ـ[شرح بلوغ المرام]ـ
مؤلف الأصل: ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي (المتوفى: 852هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 112 درسا](/)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (1)
مقدمة المؤلف - كتاب الطهارة - باب المياه
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأشكر الله -سبحانه وتعالى- أولاً وآخراً على أن يسر مثل هذه اللقاءات التي نرجو أن تكون مباركة خالصة لوجهه الكريم، كما أشكر الأخوة القائمين على هذه الدورة -المنظمين لها- على ثقتهم وحسن ظنهم بي، لشرح مثل هذا الكتاب الذي شرح، بحيث تعددت شروحه من المتقدمين والمتأخرين.
تولى شرحه جمع من أهل العلم فمن أولهم: القاضي الحسين بن محمد المغربي في شرح أسماه (البدر التمام في شرح بلوغ المرام)، وهو شرح موجود مخطوط ومحقق، لكن لم ينشر منه سوى مجلدين، ثم اختصره الأمير الصنعاني، توالت شروحه من المعاصرين وكثرت، سواءً منها المطبوع، ومنها المسموع، وغير ذلك؛ وذلكم لأهمية هذا الكتاب.
والتصنيف في السنة والكتابة فيها كان في أول الأمر وفي صدر الإسلام، كان ذلكم على نطاق ضيق جداً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر نهى عن كتابة الحديث.
ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أنه قال: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه)) كان هذا في أول الأمر؛ خشية أن يختلط غير القرآن به، ثم لما أمنت هذه المفسدة أذن بالكتابة، وجاءت الأحاديث الدالة على جوازها بل على الأمر بها: ((اكتبوا لأبي شاه)) [الحديث في الصحيحين].
وقول أبي هريرة: "ما كان أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني حديثاً إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب".
ثم كثرت الكتابة وارتفع الخلاف في جوازها، وحصل الإجماع عليها، فكان الصحابة يكتبون والتابعون كذلك، والسنة محفوظة؛ لأن بحفظها يتم حفظ الدين، والدين محفوظ إلى قيام الساعة، لكن التدوين الرسمي العام إنما حصل على رأس المائة الثانية بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حيث أمر الزهري بكتابة السنة.(1/1)
ثم تتابع أهل العلم على تدوين السنة فوجدت المصنفات والموطآت والمسانيد في القرن الثاني، ثم ألفت الجوامع بعد ذلك والسنن والمعاجم وتنوع التأليف في السنة، اتخذ أنحاء متعددة فمنها:
المصنفات والموطآت، وهي في محتواها قريبة، كتب مرتبة الأحاديث على الأبواب إلا أنها بالنسبة للمصنفات تكثر فيها الآثار، فبهذا تختلف عن الموطآت.
والموطآت وإن كان فيها آثار إلا أنها أقل من وجودها في المصنفات، والسنن تشترك مع المصنفات والموطآت في الترتيب إلا أنها تندر فيها الآثار، فيقتصر فيها على الأحاديث المرفوعة، والسنن غالباً ما تكون في أحاديث الأحكام بخلاف الجوامع كصحيح البخاري وصحيح مسلم، وغيرهما، جامع الترمذي، هذه فيها جميع أبواب الدين مما يحتاجه المسلم.
فعندنا في الدرجة الأولى من المصنفات الصحاح، وهذه أولى ما يعتني به طالب العلم، بادئاً بصحيح البخاري ثم مسلم؛ لأن جماهير أهل العلم على تفضيل صحيح البخاري على مسلم، والكتابان معاً أصح الكتب المصنفة بعد كتاب الله -سبحانه وتعالى-.
وإن ادعى أبو علي النيسابوري وبعض المغاربة أن صحيح مسلم أفضل وأصح من صحيح البخاري، لكن جماهير أهل العلم على خلاف لهذا القول،
أول من صنف في الصحيح ... محمد وخص بالترجيح
ومسلم بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع
بعد الصحاح هناك أيضاً في المرتبة الثانية صحاح اشترط مؤلفوها الصحة ولم يفوا بشرطهم، أو تساهلوا في تطبيق الشرط، مثل صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم وفيها صحيح كثير، إلا أن التساهل ظاهر فيها، وأمثلها ابن خزيمة ثم ابن حبان والحاكم.
يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ... صحته أو من مصنف يخص
بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة وكالمستدرك
على تساهلٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني في هذه الكتب.(1/2)
بعد ذلكم السنن، بعد هذه الكتب في المرتبة تأتي السنن، كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ابن ماجه سادس الكتب على خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يجعل مكانه الموطأ كرزين في تجريد الأصول، وابن الأثير في جامع الأصول، ومنهم من يجعل سادس الكتب الدارمي، لكن الأكثر تبعوا ابن طاهر في الأطراف وفي شروط الأئمة في جعل السادس ابن ماجه؛ لكثرة زوائده على الكتب الخمسة.
ثم تتابع التأليف والتصنيف إلى أن ضعفت الهمم، فاحتاج الناس إلى الاقتصار على المتون، وضاقوا ذرعاً بالأسانيد؛ لضعف الحافظة، وفتور الهمم، وكثرة الشواغل والصوارف، فكل ممن ألف في هذه المختصرات المجردة المسانيد اتخذ له منحىً خاصاً به فمن أهل العلم من ألف في الفضائل، ومنهم من ألف في الأحكام، ومنهم من ألف في المغازي، ومنهم من ألف في التفسير المأثور وهكذا، وحذفوا الأسانيد؛ تخفيفاً على الطالبين واقتصروا على بيان الدرجة، وبعضهم أخل بهذا أيضاً.
وكانت العهدة تبرأ -يبرأ منها الشخص- بذكر الإسناد في أول الأمر؛ لأن من يتصدى لطلب الحديث في أول الأمر كان المفترض فيه أن يعرف هذه الأسانيد، فإذا سيق الخبر بإسناده برئ من يسوقه من العهدة، ثم بعد حذف هذه الأسانيد لا بد من بيان درجة الحديث، وهذا أولاه الحافظ عندنا في الكتاب عناية تليق بمقام الكتاب.
في العصور المتأخرة لا تبرأ العهدة بذكر السند؛ أولاً: لضعف معرفة طلاب العلم بالرجال والأسانيد.(1/3)
الأمر الثاني: ضعفهم بمعرفة الاصطلاحات، فإذا كانت العهدة لا تبرأ، أو لا يبرأ من عهدة النقل من ساق الإسناد فقد لا يبرأ أيضاً ببيان الدرجة غير المشروحة، يعني لا يكفي أن يقال: هذا الحديث فيه فلان مثلاً، أو الحديث فيه ضعف ولا تقوم به حجة، بل لا يكفي أن يقال: الحديث موضوع؛ لأن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- لما سئل عن حديث، قال للسائل: هذا الحديث لا أصل له مكذوب، موضوع، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقام إليه رجل من الأعاجم فقال: كيف تقول هذا الحديث مكذوب وهو مروي في كتب السنة بالأسانيد، ثم أحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي، فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، فعلى هذا نقول: لا يكفي الخطيب أن يقول لعامة الناس: هذا الحديث موضوع، بل لا بد أن يشرح لهم معنى كلمة موضوع، لا بد من هذا؛ لأن كثيراً من الناس لا يفهم أيش معنى كلمة موضوع، فإذا كان هذا الشخص الذي استدرك على الحافظ العراقي في القرن الثامن فكيف بمن دونه؟!
على كل حال بعد ضعف الهمم لجأ الناس إلى المختصرات، لجأ الناس إلى المختصرات، فألفت كتب وأحاديث الأحكام؛ لشدة الحاجة إليها؛ لأنها أحاديث عملية، ومن هذه الكتب المطول ومنها المختصر، فمن هذه الكتب (المنتقى) لمجد الدين ابن تيمية الحراني عبد السلام جد شيخ الإسلام -رحمه الله- وهذا الكتاب يحوي غالب أحاديث الأحكام، جل أحاديث الأحكام موجودة في المنتقى، على أنه فيه الصحيح والحسن والضعيف.
ومن هذه الكتب: (كتاب المحرر) لابن عبد الهادي، وهو من أدق هذه الكتب وأشدها تحريراً، وإمامة مؤلفه معروفة، مشهود له بذلك.
ومنها (العمدة) للحافظ عبد الغني المقدسي، وقد اقتصر فيها على ما صح من أحاديث الأحكام، فينبغي لطالب العلم أن يبدأ بها قبل البلوغ وقبل المنتقى، ومنها هذا الكتاب الذي بأيدينا، وبينا شيئاً من عناية أهل العلم به باختصار.(1/4)
طلاب العلم في السنوات الأخيرة بدؤوا وارتفعت هممهم إلى حفظ ما هو أعلى من هذه الكتب، وهو ما يسمى بحفظ الصحيحين والسنن، والمقصود بذلك المتون؛ لأنهم يحفظون من المختصرات المجردة الأسانيد، ومن غير تكرار، فإطلاق الصحيحين على هذه الكتب تجوز، وهي همة لا شك أنها تشكر؛ تنبئ عن حرص وصدق، صدق عزيمة في الطلب، لكن في هذه الكتب -كتب أحاديث الأحكام- ما لا يوجد في الصحيحين مما يحتاجه طالب العلم.
فلو ابتدئ الطالب بحفظ الأربعين؛ لأنها أحاديث جوامع كلية، ثم حفظ العمدة؛ لأن أحاديثها صحيحة، ثم ثلث بالبلوغ، ثم حفظ ما شاء من الكتب.
ويسأل كثير من الأخوة الذين يريدون الحفظ من الصحيحين، هل يبدأ بالبخاري ثم يأخذ الزوائد أو ما زاده مسلم على البخاري أو العكس؟ وبعضهم ممن بدأ بالحفظ في بداية هذه النهضة المباركة -أعني نهضة حفظ السنة- بدؤوا بصحيح مسلم، وأخذوا زوائد البخاري عليه، وما ذلكم إلا لما عرف من دقة مسلم وتحريه في سياق المتون، ثم أخذوا زوائد البخاري عليه.
لكن يبقى هل دقة مسلم تختلف عن دقة البخاري في تحري اللفظ النبوي أو هو منهج واحد؟
في تصوري أن المنهج لا يختلف؛ لأن كلاً من الشيخين يجيز الرواية بالمعنى، كل منهما يجيز الرواية بالمعنى، فكون الإمام مسلم يعتني ببيان صاحب اللفظ بدقة، ويذكر فروق الرواة بالحرف، لا يعني هذا أن اللفظ الذي ساقه هو اللفظ النبوي؛ لاحتمال أن يكون التابعي رواه بالمعنى عن الصحابي، والصحابي رواه بالمعنى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن مسلم إنما يبين فروق روايات شيوخه غالباً، فمن فوقهم كل منهم يحتمل أنه رواه بالمعنى؛ لأن من مذهبه جواز الرواية بالمعنى وهو قول جمهور أهل العلم.
فإذا قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة، واللفظ لابن أبي شيبة مثلاً، إذاً رواه الاثنان بالمعنى.
عرفنا أن هذا لفظ أبي بكر بن أبي شيبة أو لفظ قتيبة فيما نص عليه الإمام مسلم، لكن من يضمن لنا أنه اللفظ النبوي؟ لاحتمال أن يكون الصحابي رواه بالمعنى، فيستوي في ذلك مع البخاري.(1/5)
الإمام البخاري لا شك أنه يتحرى ويتحرز في الألفاظ لكنه لا يبين هل هو لفظ فلان أو فلان ما داموا كلهم على شرطه، مع أن الحافظ ابن حجر نص على أنه ظهر بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا روى الحديث عن أكثر من واحد فإن اللفظ يكون للأخير.
فعلى هذا ينبغي أن تتجه الهمم وعنايات طلاب العلم بعد حفظ هذه المختصرات بصحيح البخاري، بصحيح البخاري وأعني به الأصل، وأعني به الأصل الذي صنفه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري؛ لأن من اعتنوا بالمختصرات وإن كانوا على خير عظيم -إن شاء الله- ويرجى لهم النفع ومنهم أيضاً، إلا أن المختصرات أخلت بكثير من مقاصد الإمام، ولو لم يكن في ذلك إلا فقه الإمام -رحمه الله تعالى- ومعرفة الأسانيد فهي مما ينبغي أن يعتني به طالب العلم، والأحاديث وإن كانت صحيحة فإن في أسانيدها من الفوائد واللطائف ما لا يستغني عنه طالب العلم.
وإذا ضربنا مثالاً يبين لنا أهمية هذه الأصول، فلننظر إلى أحاديث الرقاق مثلاً من صحيح البخاري، عدتها مائة وثلاثة وتسعين، فيها أكثر من مائة وخمسين ترجمة، والتراجم -تراجم الإمام- هي فقهه واستنباطه، وإذا نظرنا إلى المختصر فإذا فيه سبعة أحاديث، وهذه السبعة الأحاديث أولاً: ما فيها تراجم أصلاً، الأمر الثاني: أننا حرمنا من أكثر من مائة وعشرين ترجمه هي فقه الإمام.
وإذا أراد الشخص أن يبحث في هذا الموضوع المتكامل في الصحيح ثم رجع إلى المختصر، فإنه لن يظفر بطلبته؛ لأن المختصر وظيفته حذف المكرر، وجل هذه الأحاديث تقدم.
فإذا قارنا بين مائة وثلاث وتسعين حديث وسبعة أحاديث وجدنا الفرق كبيراً جداً، وهذا يبين لنا أهمية العناية بالكتب الأصلية، فتراجم الأئمة هي فقههم، فنعتني بتراجم البخاري.(1/6)
مسلم -رحمه الله تعالى- لم يترجم للكتاب، ترجمه الشراح وهو فقه الشراح، أبو داود ترجم تراجم دقيقة، النسائي ترجم بعلل دقيقة، ابن ماجه أيضاً فقهه في تراجمه أيضاً ظاهر، الترمذي كذلك، فعلى كل حال من حفظ هذه المختصرات بين يدي تلك المطولات فعليه بالمطولات، ولا يعني هذا أننا نقلل من شأن حفظ مختصرات الكتب الأصلية كمختصر البخاري أو مختصر مسلم وما أشبه ذلك، لا، معاذ الله، هذا جهد طيب ويشكرون عليه، ولن يحرمهم الله الأجر، ومن سن هذه السنة يرجى أن يكون له أجرها وأجر من عمل بها.
بعد يأس طويل من أهل العلم وطلابه، يئسوا أن يتطاولوا إلى هذه الكتب، وأن يحاولوا حفظها، همم الناس منذ قرون اقتصرت على هذه المختصرات، وإنما تُقرأ المطولات من أجل الفائدة والبركة، لكن ما تجد من تتجه همته وعنايته إلى الصحيح، وقد وجد ولله الحمد في هذه الأيام من وصل في الحفظ إلى المستدرك الآن، هذا شيء يبشر، يبشر بخير عظيم، لا سيما إذا اقترن هذا العلم بالعمل؛ لأن العمدة في العلوم الشرعية ما قاله الله وقاله رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
علينا أن نعتني بتراجم الأئمة لا سيما البخاري كما ذكرت، وأصحاب السنن، وهذه التراجم هي التي ميزت هذه الكتب عن المسانيد، وجعلتها في المرتبة دونها؛ لأن صاحب الكتاب المرتب يترجم بحكم شرعي، فيذكر تحت هذه الترجمة أقوى ما يجد، أما صاحب المسند فإنه يترجم باسم صحابي فيذكر تحت ترجمته ما وقع له من أحاديث هذا الصحابي، بغض النظر عن درجتها، ولذا جعل أهل العلم المسانيد دون السنن في المرتبة، لذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا
كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا
يعني ابن الصلاح لما عد الدارمي في المسانيد انتقد؛ لأن الدارمي الموجود سنن، وليس بمسند -مرتب على الأبواب- اللهم إلا إن كان ابن الصلاح يقصد المسند الذي ذكره الخطيب في ترجمته حينما قال: له المسند والجامع، يمكن، فلا استدراك.(1/7)
الحفظ الحفظ يا معاشر الإخوان فإنه لا علم إلا بالحفظ، وسوف تحمدون العاقبة -إن شاء الله تعالى- إذا تقدمت بكم السن وضعفت الحافظة، أما من فرط وسوف وأطال الأمل وقال: سوف يحفظ، سوف يعتني هذا يفوته خير كثير، ويفوته زمن الحفظ؛ لأن الحافظة -كما يقرره جماهير أهل العلم- كغيرها من القوى، تضعف، يضعف السمع، يضعف البصر، تضعف الحافظة أيضاً وهذا شيء مشاهد، وإن كان الماوردي في أدب الدنيا والدين يقول: إن الحافظة لا تتغير، فحافظة الشخص في أول عمره مثل حافظته في آخره، لكن المؤثرات على هذه الحافظة هي التي تجعل الإنسان يضعف حفظه، لكن الملكة لا تتغير، إذا كبر كثرت مشاغله، كثرت الصوارف، فضعف الحفظ بسببها وأما الحافظة فلا تضعف، لكن هذا الكلام يرده الواقع، يرده الواقع.
لو افترضنا أن شخصاً عمره عشرون وآخر عمره ستون وجعلنا لكل واحد -لكل منهما- من الظروف ما يناسب، بل يساوي ظروف الآخر، نجد أن الصغير يحفظ أكثر، هذا إذا كانا في درجة واحدة، لا شك أن الحفظ يتفاوت من شخص إلى آخر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقد ضرب المتقدمون في الحفظ أروع الأمثلة فمنهم من يحفظ مائة ألف، ومنهم من يحفظ ثلاثمائة ألف، ومنهم من يحفظ ستمائة ألف، ومنهم من يحفظ أكثر، ومنهم من يحفظ أقل، والله المستعان، ولا أحب أن أطيل عليكم؛ لأن القصد الكتاب الذي هو موضوع هذه الدروس.
والشرح سوف يكون باختصار -بل باختصار شديد يناسب الوقت-؛ لأننا لو بسطنا الشرح وجعلنا كل حديث في درس -وإن كان البسط يحتمل أكثر من ذلك- لاحتجنا إلى مائة وخمسين دورة لننهي هذا الكتاب، وإذا اختصرنا وأوجزنا، وذكرنا ما لا بد منه لفهم الحديث والاستنباط اليسير، ومن خالف هذا الحديث فإننا -بإذن الله تعالى- في عشر دورات ننهي الكتاب على الطريقة المختصرة.
ونحيل بالشرح المبسوط المطول على المكتوب، الذي نرجو أن يخرج قريباً، وليس معنى هذا قريب أنه السنة هذه أو التي تليها، كما سمع بعض الإخوان وأشغلونا بالمكالمات والكتابات، وإنما هو من باب كل آت قريب، كل آت قريب ولو بعد، {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [(17) سورة النساء]، من تاب قبل الموت فهو من قريب، الله المستعان.
فنقرأ في الكتاب سم.(1/8)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديماً وحديثاً، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد، وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيراً حثيثاً، وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم، والعلماء ورثة الأنبياء، أكرم بهم وارثاً وموروثاً، أما بعد:
فهذا مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، حررته تحريراً بالغاً، ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً، ويستعين به الطالب المبتدي، ولا يستغني عنه الراغب المنتهي، وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة؛ لإرادة نصح الأمة.
فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وبالستة من عدا أحمد، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلماً.
وقد أقول: الأربعة وأحمد، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير، وبالمتفق عليه البخاري ومسلم، وقد لا أذكر معهما غيرهما، وما عدا ذلك فهو مبين.
وسميتُه بلوغ المرام من أدلة الأحكام، والله أسال ألا يجعل ما علمنا علينا وبالاً، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه -سبحانه وتعالى-.
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديماً وحديثاً": ابتدأ المؤلف -رحمة الله عليه- بالبسملة، وأردفها بالحمدلة؛ اقتداءً بالقرآن، حيث افتتح بذلك، وعملاً بالحديث -وإن كان لا يسلم من مقال-: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله فهو أبتر))، وحديث أبي هريرة: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله فهو أقطع))، هذا حسنه بعض أهل العلم، لفظ الحمد حسنه بعض أهل العلم، وحكم بعضهم على ضعف الحديث بجميع طرقه وألفاظه، وعلى كل حال لو لم يكن في ذلك إلا الاقتداء بالقرآن الكريم.
"الحمد لله على نعمه": وهو المحمود تمام الحمد على النعم والآلاء التي أسبغها على عباده.(1/9)
"الظاهرة والباطنة": ومن أعظمها وأجلها نعمة الإسلام، فلأن يلهج الإنسان بالحمد والثناء والشكر عدد أنفاسه على أن هداه الله لهذا الدين لما وفى بشكر هذه النعمة، فإذا أضيف إلى ذلك النعم التي لا تعد ولا تحصى، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل].
"الظاهرة والباطنية": نعمة الأمن، نعمة الصحة، نعمة الفراغ، نعمة المال، نعمة الزوجة والأولاد، كل هذه نعم تحتاج إلى شكر، نعمة البصر، نعمة السمع، نعمة .. ، إذا أراد الإنسان أن يعرف قدر نعم الله عليه فلينظر ما قرب منه وما بعد ممن هم على غير هذا الدين، أو ممن هم على هذا الدين لكن ابتلوا بالمصائب والكوارث والحروب، والخوف والجوع، أو ينظر في من حوله ممن يئن فوق الأسرة وهو يتقلب بنعم الله الظاهرة والباطنة.
"والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه": الصلاة والسلام، لا شك أن الصلاة والسلام على هذا النبي من أفضل القربات، وقد أمرنا الله بذلك، قال -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، وجمع -رحمه الله تعالى- بين الصلاة والسلام امتثالاً لهذا الأمر.
وإفراد الصلاة دون السلام والعكس خلاف الأولى، وأطلق النووي الكراهة، أطلق النووي الكراهة -كراهة إفراد الصلاة دون السلام أو العكس- لا شك أنه لا يتم الامتثال -امتثال الأمر- إلا بالجمع بينهما.
وخص ابن حجر الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، يعني ديدنه عادته المطردة ذلك، يصلي باستمرار ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي، هذا حري بأن تطلق الكراهة في حقه.
"والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد": عليه الصلاة والسلام، "وآله": وهم أقاربه الذين يحرم عليهم أخذ الزكاة، أو هم أتباعه على دينه، "وصحبه": الذين نصروه وآزروه وآووه، وحملوا دينه إلى من بعدهم، وبلغوه على أكمل وجه.(1/10)
والجمع بين الآل والصحب أمر لا بد منه، ولا ينبغي الاقتصار على الآل فقط، وإن شاع بين طلاب العلم؛ لأنه صار شعاراً لبعض المبتدعة، كما أنه لا ينبغي الاقتصار على الصحب دون الآل؛ لأنه صار شعاراً لقوم آخرين، فالاقتصار على الآل شعار للروافض الذين يكفرون الصحابة، كما أن الاقتصار على الصحب دون الآل شعار للنواصب.
وأهل السنة وسط بين الفرقتين، فإما أن يقتصروا فيصلوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً لأمر ربهم، فإن أضافوا فليضيفوا الفريقين، وإن كان الآل بالمعنى الأعم يدخل فيه الصحب، والصحب بالمعنى الأعم يدخل فيه من هو على الجادة من الآل، على كل حال الجمع بينهما هو المتعين؛ لمخالفة من أمرنا بمخالفتهم من المبتدعة.
"وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيراً حثيثاً": لم يألوا جهداً، ولم يقصروا في نصرة الدين.
"سيراً حثيثاً": سريعاً بلغوه الآفاق وبلغ مشارق الأرض ومغاربها في أقصر مدة متصورة.
"وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم": من التابعين الذين لقوا الصحابة وأخذوا عنهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
"والعلماء ورثة الأنبياء": وقد جاء هذا اللفظ ضمن حديث رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وجاء في ترجمة من تراجم الصحيح في كتاب العلم -وهو حسن- والعلماء ورثة الأنبياء، ومعلوم أن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فلنحرص على هذا العلم؛ لأن تركة الأنبياء هي العلم، والعلم المراد به ما نفع، ما نفع وصار زاداً إلى الدار الآخرة، زاداً مبلغاً إلى جنات النعيم، إلى دار الخلود.
"أكرم بهم وارثاً وموروثاً": أكرم بالسلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، "وموروثاً": من علم نافع، مقرون بالعمل الصالح.
"أما بعد": أما حرف شرط، بعد: قائم مقام الشرط، ظرف قائم مقام الشرط، وجواب الشرط ما اقترن بالفاء، فهذا مختصر يشتمل.
وهذه الكلمة (أما بعد) اختلف في أول من قالها على ثمانية أقوال يجمعها النظم في بيتين
جرى الخلف أما بعد من كان بادئاً ... بها عد أقوالاً وداود أقرب
ويعقوب أيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعرب
ثمانية أقوال، لكن أقرب الأقوال أنه، أنها من قول داود وأنها فصل الخطاب الذي أتيه.(1/11)
"فهذا": الفاء وقاعة في جواب الشرط، وهذا إشارة، والإشارة إن كانت المقدمة بعد تمام التأليف -تأليف الكتاب- فالإشارة إلى موجود في الأعيان، وإن كانت المقدمة كتبت قبل كتابة الكتاب فهي إشارة إلى حاضر في الذهن.
"هذا مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية": مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية: يمكن أن يستغني به طالب العلم إذا فهمه واستنبط منه ما يمكن استنباطه من الأحكام بعد قراءة الشروح وسماع ما سجل على هذا الكتاب -وهي أشرطة كثيرة جداً حول هذا الكتاب- لم يحضَ كتاب في السنة من المختصرات مثل ما حضي هذا الكتاب؛ وذلكم لأهميته، فمن حفظ هذا الكتاب وفهمه وأدام النظر فيه .. ؛ لأن مؤلفه حرره تحريراً بالغاً، وأبدى فيه وأعاد وكرر، وليس هو بالمعصوم، من حفظه صار من بين أقرانه نابغاً متميزاً على أقرانه، فإذا وفق الإنسان وحفظ هذا الكتاب، وحفظ معه متناً من المتون الفقهية -وليكن الزاد مثلاً- وحفظ مع ذلكم من أحاديث الآداب ما يحتاج إليه من رياض الصالحين، وذلكم بعد حفظ كتاب الله -سبحانه وتعالى- فقد جمع أطراف العلم، واستحق إن أوتي فهماً مناسباً بعد ذلك الفتيا والقضاء وما أشبه ذلك من الولايات الشرعية.
يقول: "حررته تحريراً بالغاً؛ ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً": بين أقرانه: زملائه، والأقران هم أبناء الطبقة الواحدة المتشابهون في السن والأخذ عن الشيوخ.
"ويستعين به الطالب المبتدي، ولا يستغني عنه الراغب المنتهي": يستعين به الطالب المبتدي، يستعين به على العلم، على التعلم، على الاستنباط على العمل، هذا الطالب المبتدي لا شك أنه بأمس الحاجة إليه.
ولا يستغني عنه الراغب المنتهي": يتبصر به الطالب المبتدي في أوائل الطلب، ويتذكر به الراغب المنتهي؛ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم، ومهما حفظ لا يستغني عن الاستذكار، وتذكر العلم مذاكرة العلم؛ لأن العلم ينسى، والحفظ خوان، قد يخونه أحوج ما يكون إليه.
يقول: "وقد بينت عقيب كل حديث من أخرجه من الأئمة": خرج الأحاديث بعزوها إلى من رواها، وإن لم يكن ذلك على سبيل الاستقصاء والاستيعاب، بل على سبيل الاختصار.(1/12)
"وقد بينت عقيب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة": والعزو لا بد أن يكون إلى المصادر الأصلية التي تروي الأحاديث بالأسانيد، الأعلى فالأعلى.
"لإرادة نصح الأمة": فمن أحالك نصحك، ومن ذكر لك فائدة دون عزو إلى صاحبها قصر في هذا الباب، ولذا يذكر عن ابن عباس -رضي الله عنه-: "من بركة العلم إضافة القول إلى قائله"، من بركة العلم إضافة القول إلى قائله.
ثم بين اصطلاحه في العزو، فأحياناً يقول -رحمه الله تعالى-: رواه السبعة، وبين مراده بهم.
"فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه": هم الإمام أحمد، والشيخان، وأصحاب السنن الأربعة، هؤلاء هم السبعة، وهم الجماعة.
"وبالستة من عدا أحمد": أصحاب الأمهات الست المعروفة المشهورة المتداولة، "وبالخمسة من عدا الشيخين البخاري ومسلماً.
يقول: "وقد أقول: الأربعة وأحمد": وقد أقول: الأربعة وأحمد، لا شك أن الخمسة أخصر من قول أخرجه الأربعة وأحمد، لكنه قد يذهل عن هذا الاصطلاح، وقد تكون هناك نكتة كما يمر علينا -إن شاء الله تعالى- في الأمثلة.
"وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول": أحمد والبخاري ومسلم، "وبالثلاثة من عداهم والأخير": من عدا أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه، فالثلاثة هم أبو داود والترمذي والنسائي فقط، "وبالمتفق عليه البخاري ومسلم": إذا قال: متفق عليه فقد رواه البخاري ومسلم، يعني من طريق صحابي واحد، من طريق صحابي واحد، فلا يستدرك أحد على المؤلف إذا قال: رواه البخاري، من يجده في صحيح مسلم بلفظه عن صحابي آخر، فلا بد أن يكون مروياً في الكتابين، ومثله ما تقدم، إذا رواه .. ، قال: رواه السبعة معناه أنهم ذكروه في كتبهم السبعة من طريق صحابي واحد، أما إذا اختلف الصحابي ولو اتحد اللفظ فإنه حينئذ يكون حديثاً آخر، ولو اتحد اللفظ، هذا ما جرى عليه الاصطلاح، الحافظ ابن حجر له عناية بهذا الشأن.(1/13)
"المتفق عليه البخاري ومسلم": وما ذكرناه من أنه لا بد من اتحاد الصحابي ليكون الحديث واحداً هو قول الأكثر، وإلا قد تجدون في مثل شرح السنة للبغوي، قول: متفق عليه، رواه محمد عن أبي هريرة ومسلم عن ابن عمر، وهذا اصطلاح خاص به، وقد تجدون في المنتقى (متفق عليه) ويريد بذلك البخاري ومسلم وأحمد، وهذا اصطلاح خاص به، ومثل هذا لا مشاحة فيه، مثل هذا الاصطلاح إذا بُيِّن لا مشاحة فيه، وتسمعون كثيراً قولهم: لا مشاحة في الاصطلاح، هذه الكلمة ليست على إطلاقها، وليس كل اصطلاح يسلم ولا يشاحح فيه، بل من الاصطلاحات ما ينبغي أن يشاحح صاحبه، فإذا كان الاصطلاح لا يخالف حكماً شرعياً أو لا يخالف ما اتفق عليه أهل علم من العلوم فإنه لا مشاحة فيه، أما إذا تضمن مخالفة فيشاحح صاحبه، لو قال شخص: أنا أُسمي أخ الأب خالاً، الناس يسمونه عماً وأنا بأسميه خالاً، وأنا أسمي أخا الأم عماً، وإن كان الناس كلهم يسمونه خالاً، نقول: لا، قال: أنا أكتب في الفرائض وأبين هذا في المقدمة، نقول: ما يكفي، أنت خالفت، يترتب عليه مخالفة شرعية، يعني ما يثبت للعم من النصوص غير ما يثبت للخال والعكس، لكن لو قال: أنا أسمي أبا الزوجة عماً أو خالاً قلنا: شأنك؛ لأنه ما يترتب عليه مخالفة، هذا اصطلاح سواءً سميته خالاً أو عماً ما يتغير الحكم، ولا يترتب عليه شيء، بعض الناس يسميه عماً، وبعضهم يسميه خالاً، ما فيه فرق، أمور اصطلاحية بين الناس، فلنعرف أن من الاصطلاحات ما يشاحح فيه، فليست هذه الكلمة على إطلاقها.
فلو ألف شخص في الجغرافيا مثلاً وقال: الناس يقولون: هذه الجهة هي الشمال، وهذه هي الجنوب، أنا أقول: لا، هذا هو الشمال وهذا الجنوب، نقول: لا، تشاحح في اصطلاحك.
ولو قال: السماء تحت والأرض فوق، نقول: لا، تشاحح في اصطلاحك، لكن لو قال: أنا لا أغير من الواقع شيئاً هذا هو الشمال وهذا هو الجنوب، لكن الناس كلهم في الخارطة يجعلون الشمال فوق، والجنوب تحت، صح وإلا لا؟ يقول: لا، أنا باقلب الخارطة، أخلي الجنوب فوق والشمال تحت، نقول: لا مشاحة في الاصطلاح، ليش؟ لأنه ما يغير من الواقع شيئاً.(1/14)
البغوي -رحمه الله تعالى- في المصابيح لما قسم أحاديث الكتاب إلى الصحاح والحسان، إلى الصحاح والحسان، وجعل الصحاح ما رواه البخاري ومسلم، وجعل قسم الحسان ما رواه أصحاب السنن الأربعة، نقول: لا، هذا اصطلاح مردود، قد يقول قائل: لا مشاحة في الاصطلاح، وقد قيل، قيل: كيف يشاحح البغوي في هذا الاصطلاح وقد بيَّن؟ نقول: يرد عليه، لماذا؟ لأنه يلزم منه الحكم على ما صح من أحاديث السنن بأنه حسن، ويلزم منه الحكم على ما ضعف من أحاديث السنن بأنه حسن أيضاً.
والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا
أن الحسان ما رووه في السنن ... رد عليه إذ بها غير الحسن
فيشاحح، فمثل هذه الجملة التي يطلقها أهل العلم ينبغي تقييدها، كما أن هناك جملاً تحتاج إلى تقييد، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، نقل عليها اتفاق لكن لا بد من تقييدها، قد يلجأ إلى خصوص السبب، ويقصر الحكم عليه لمعارضة العموم ما هو أقوى منه، قد نلجأ إلى خصوص السبب.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب))، وقال في الحديث الآخر في الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))، عموم حديث عمران بن حصين يشمل الفريضة والنافلة: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً))، لا تصح الصلاة من قعود مع القدرة على القيام، هذا مقتضى حديث عمران، ومقتضى الحديث الآخر أن الصلاة تصح من قعود لكن على النصف من أجر صلاة القائم ولو كانت فريضة، عموم هذا الحديث يخالف عموم الحديث الآخر.(1/15)
لو نظرنا في سبب ورود الحديث الثاني لوجدناه -كما ذكر أهل العلم- النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمَّة -يعني فيها حمى- فوجدهم يصلون من قعود فقال: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))، فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة وليست فريضة؛ لأنه لا يمكن أن يصلوا الفريضة قبل مجيئه -عليه الصلاة والسلام- ودل السبب أيضاً على أنهم يستطيعون القيام، ولهذا نقول: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) في النافلة بالنسبة لمن يستطيع القيام، أما في الفريضة فلا، وغير المستطيع أجره كامل سواءً كان في النافلة أو الفريضة وقد لجأنا في الحديث الثاني إلى خصوص السبب، لماذا؛ لأن عموم اللفظ معارض بعموم أقوى منه.
من ذلكم -من هذه القواعد- وهذا استطراد قد يحتاجه بعض الناس ولكن باختصار شديد- من ذلكم قولهم: الخلاف شر، الخلاف شر، هذا يحتاج إلى تقييد، ما هو بكل خلاف شر، وإلا لو وجدنا أدنى خلاف تركنا العزائم، ارتكبنا الرخص وتركنا العزائم، وعطلنا بذلك الأحكام، لكن لا بد من بيان هذه الأمور بياناً شافياً كافياً، ولعل الله -سبحانه وتعالى- أن ييسر كتابة شيء في مصنف يجمع هذه الأمور التي تطلق لكنه ينبغي تقييدها بالأمثلة إن شاء الله تعالى.
يقول: "وقد لا أذكر معهما غيرهما": يقتصر على الصحيحين مع أن الحديث مخرج في بقية الكتب السبعة.
"وما عدا ذلك فهو مبين": يعني إذا رواه عبد الرزاق، رواه البيهقي، رواه ابن أبي شيبة، رواه الطبراني، رواه الدارقطني يبين ذلك.
يقول: "وسميته بلوغ المرام": هذا اسم علم على هذا الكتاب، سميته: سماه مؤلفه بهذا الاسم (بلوغ المرام) علم على هذا الكتاب، فإذا قيل: البلوغ انصرف إلى هذا الكتاب، وإن كان هناك بلوغ السول مثلاً، لكن صار هذا الاسم علماً على هذا الكتاب.
"من أدلة الأحكام": بلوغ المرام، بلوغ الغاية والحاجة من أدلة الأحكام.(1/16)
"والله أسال ألا يجعل ما علمنا علينا وبالاً": نسأل الله -سبحانه وتعالى- ألا يجعل علمنا علينا وبالاً، بسبب التشريك فيه، أو عدم العمل به، فالعلم الشرعي عبادة محظة، لا يقبل التشريك، فقد حاء في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، منهم العالم الذي تعلم العلم وعلم الناس، قد يجلس لتعليم الناس عقود خمسين ستين سنة، وهو من هؤلاء الثلاثة، فيقال له: ماذا عملت؟ قيقول: تعلمت العلم وعلمت الناس، فيقال: كذبت، إنما تعلمت ليقال عالم، وقد قيل، يكفيك هذا الكلام، فيسحب على وجه إلى النار، نسأل الله العافية.
ومثله المجاهد الذي يقدم نفسه للقتل من أجر أن يقال: شجاع، لا لإعلاء كلمة الله، ومثله الجواد الذي ينفق الأموال الطائلة ليقال: جواد.
فعلينا جميعاً أن نخلص النية وأن نحرص على ذلك أشد الحرص، ولا نسوف، نقول: جاء عن بعض السلف أنه قال: "تعلمنا لغير الله، فأبى العلم إلا أن يكون لله"، لا، لا نفرط، ما تدري ماذا يفجأك الأمل، ولا ننسى قول بعضهم: من تعلم لغير الله مكر به، وقد يقول قائل: إنه حرص وجاهد نفسه على تصحيح النية وعجز، وهذا يظهر جلياً في التعليم النظامي في الكليات الشرعية، ولا شك أن هذا أمر مقلق، سواءً كان للمعلم أو المتعلم، كل منهم ينظر إلى آخر الشهر المعلم ينظر إلى آخر الشهر، والمتعلم ينظر إلى التخرج والوظيفة وبناء المستقبل، فيقول القائل: هو عجز عن تصحيح النية، لكن هل العلاج في ترك التعلم؟ لا، ليس هذا علاجاً، بل العلاج المجاهدة وصدق اللجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- والله -سبحانه وتعالى- إذا علم صدق النية أعان، إذا علم الله صدق النية من العبد أعانه على ذلك.
فعلينا أن نجاهد أنفسنا؛ لأن هذا الأمر الذي هو الإخلاص شرط في قبول العمل، ويضاف إليه ويضم إليه المتابعة -متابعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فالعمل إذا لم يكن خالصاً لله -عز وجل- لم يقبل، وإذا لم يكن صواباً على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقبل؛ ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).(1/17)
فلا بد من أن يكون العمل خالصاً لوجه الله -سبحانه وتعالى- صواباً على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ثم إذا كان العمل خالصاً، فإنه ولا بد يجر إلى العمل.
ما فائدة العلم إذا لم يتوج بالعمل؟ ما فائدة حشو المعلومات التي منها وجوب صلاة الجماعة، وهو ممن ينتسب إلى العلم ويتخلف عن صلاة الجماعة، وما فائدة العلم الذي فيه التشديد على أداء الصلوات في أوقاتها، وبعض من ينتسب إلى العلم يؤخر الصلاة عن وقتها، هذا في الحقيقة ليس بعلم وإن سماه الناس علماً.
لقد جاء في الحديث -وإن كان فيه كلام لأهل العلم، ونقل عن أحمد تصحيحه وكثير من أهل العلم يحسنونه، وقد ضعفه جمع-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، وهذا أمر وإن جاء بصيغة الخبر للعدول بحمل العلم، وفيه أيضاً ما يفيد أن ما يحمله غير العدول ليس بعلم، فالعلم حقيقة إنما هو ما نفع، والعلم إذا تخلف عنه العمل فإنه يضر ولا ينفع، والله المستعان.
سؤال: هذا كلام مناسب لما نحن فيه، هل يكون .. ، أو هل كلام المؤلف: "ليكون من يحفظه بين أقرانه نابغاً" يدعو لعدم إخلاص النية فتكون نيته لأجل أن يكون نابغاً بين أقرانه؟
لا، لا يلزم منه ذلك، لا يلزم منه ذلك، بل فيه حفز للهمة، والنبوغ كما يكون من أجل تحصيل حطام الدنيا يكون أيضاً نافعاً لتحصيل درجات الآخرة، ما الذي يمنع أن يكون من يحفظه بين أقرانه نابغاً في العلم والعمل؟
فيحفظ الكتاب لهذا القصد، كما قرر المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ليكون من يحفظه بين أقرانه نابغاً" في العلم الذي يقود إلى العمل، وليس المراد بذلك العلم الذي هو حشر .. ، حشو المعلومات دون عمل، والله المستعان، فهذه الكلمة لا تنافي الإخلاص، لا تنافي الإخلاص، وقد يضطر المؤلف إلى بعض بيان عمله؛ لتشجيع القارئ، حينما يقول: "حررته تحريراً بالغاً": معناه أنه تعب عليه، وبين شيئاً من عمله.(1/18)
ابن القيم -رحمه الله تعالى- أحياناً -بل في كثير من المواضع- يجعل .. ، يشد القارئ ويجعله يهتم بهذا المكتوب، وأن ابن القيم تعب عليه، وأنه لا يوجد عند غيره، قد يقول: "احرص على حفظ هذا الكلام وفهمه علك ألا تجده في موضع آخر أو في كتاب آخر البتة". هذا ما فيه شك أن فيه حث للقارئ من أجل أن يعتني بهذا الكلام، الله المستعان.
"وأن يرزقنا العمل بما يرضيه سبحانه وتعالى": وعرفنا أن العلم بدون عمل وبال على صاحبه، والله المستعان.
ويلاحظ بين من ينتسب إلى العلم، بين من ينتسب إلى العلم الإخلال بهذا -الإخلال بالعمل- ويوجد ممن ينتسب إلى العلم -بل ممن يظن أنهم من أهل العلم ومن طلبة العلم- منهم من لا يصلح أن يقتدي به عامة الناس، بل تجدهم في أطراف الصفوف، وأوائل الصفوف وأوساطها من العامة، وهذا شيء مؤسف، بل محزن أن تجد طالب العلم الشرعي في طرف الصف وقد جاءت النصوص بالحث على التقدم في الصلاة، وانتظار الصلاة، فلا بد من العمل، لا بد منه.
يقول: هل يلزم حفظ المقدمة من الكتاب؟
لا شك أن القصد الأحاديث، والهدف هو حفظ الأحاديث وفهمها، لكن هذه المقدمة أولاً هي مقدمة مختصرة وفيها اصطلاح المؤلف، بيان اصطلاحات المؤلف، ولا يضيق المرء بأن يحفظ صفحة واحدة أو أقل من صفحة إذا أراد أن يحفظ هذه الصفحات الكثيرة، أمرها سهل -إن شاء الله تعالى- أما اللزوم فليس بلازم؛ لأن القصد والهدف الأحاديث، لكن من الكمال والتمام أن تحفظ المقدمة معه.
سم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الطهارة - باب المياه:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البحر: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) [أخرجه الأربعة, وابن أبي شيبة واللفظ له, وصححه ابن خزيمة والترمذي، ورواه مالك والشافعي وأحمد].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الطهارة: الكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكَتْباً، والأصل في هذه المادة الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان، إذا اجتمعوا، وقيل لجماعة الخيل: كتيبة، ومنه كتابة لاجتماع الحروف والكلمات، يقول الحريري في مقاماته:
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً ... ولا قرؤوا ما خط في الكتب(1/19)
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً: هم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون وسماهم كاتبين، من هم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يسمون كاتبين، كيف سماهم كاتبين؟ هم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن لماذا سماهم كاتبين؟
طالب: مجتمعين.
مجتمعين، غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قريب منه، الخرازين هم الخرازون قال: وكاتبين هم الخرازون؛ لأنهم يجمعون لنا صفائح الجلود بالخرازة التي هي كتابة عندهم.
ومن ذلكم البيت الذي فيه هجو بني فزاره مما لا يليق ذكره في المسجد، فإذا رجعتم إلى كتب اللغة تجدون هذا كله.
والمراد المكتوب الجامع لسائر الطهارة، من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، المكتوب الجامع لمسائل الطهارة.
والطهارة أيضاً مصدر أو إن شئت فقل .. ، إن شئت فقل: اسم مصدر، طهر تطهيراً، إن قلت: طَهُر فهي مصدر –طهارة- وإن جئت بالفعل مضعف طهَّر مثل كلَّم، فالمصدر التطهير مثل التكليم، فتكون الطهارة اسم مصدر.
وهي في الأصل النظافة، والنزاهة من الأقذار، وفي الشرع استعمال المطهرين الماء والتراب، لرفع الحدث وإزالة الخبث.
ثم بعد هذا باب المياه: الباب في الأصل لما يدخل معه ويخرج منه، لما يدخل معه ويخرج منه، وهنا ما يجمع ويضم مسائل علمية، ما يجمع ويضم المسائل العلمية، واستعماله في الحسيات -في الأبواب الحسية حقيقة- واستعماله في المعاني كما هنا باب المياه حقيقة وإلا مجاز؟
هاه؟ من يقول بالمجاز ما عنده مشكلة يقول: مجاز، لكن الذي لا يقول بالمجاز أيش يقول؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ الذي لا يقول بالمجاز ماذا يصنع بمثل هذا؟
يقول: حقيقة، وإن لم تكن الحقيقة لغوية فهي حقيقة عرفية، حقيقة عرفية، وهي اصطلاح خاص، فالحقائق كما تعرفون ثلاث: لغوية وشرعية وعرفية.
والمياه: جمع ماء، وتكلموا في تعريفه وماهيته ومركباته وأجزائه، لكن تعريفه يزيده غموضاً كما قال قائلهم:
. . . . . . . . . ... وعرفوا الماء بعد الجهد بالماء
كيف تعرفة الماء؟(1/20)
وهنا تنبيه ينبغي أن يعتنى به، وهي أن كتب السلف قاطبة لا تعتني بمثل هذا التعريف -تعريف الأمور الواضحة- وبناء الأبواب وترتيبها على هذا النسق الحد، ثم الحكم، ولا تتكلم عن حكم الشيء إلا بعد معرفة حده وتصوره، لا بد أن يتصور قبل، هذا عند المتأخرين، تعرفون أياً كان، مرسوم لك خطة تمشي عليها في جميع الأبواب، ويستوي في ذلك الباب الواضح، والباب الخفي هذه من الاصطلاحات الحادثة، نعم لا مشاحة في مثل هذا الاصطلاح إذا كان من باب تتميم القسمة ومشي على خطة وسير على منهج واحد، لا بأس، لكن لا يأخذ علينا الوقت، تعريف الماء، ومركبات الماء ما الذي يستفيده طالب العلم؟ طالب العلم بحاجة إلى أنواع المياه، وما يجوز شربه، وما لا يجوز، وما يجوز استعماله في الطهارة وما لا يجوز، هذا الذي يهم طالب العلم.
أما تعريف الماء في اللغة والاصطلاح والاستعمالات، ومركبات الماء، ومما يتركب منه، هذا لا شك أنه ليس من طريقتهم.
قد يقول قائل: لماذا جمع الماء، وهو اسم جنس يقع على القليل والكثير؟
لماذا لم يقال: باب الماء؟ وإذا قال: باب الماء دخل فيه ماء البحر، ودخل فيه ماء هذا الكوب، والفرق بينهما شاسع؟
إنما جمع -جمعه أهل العلم- لتعدد أنواعه، لتعدد أنواعه، فهناك الماء المالح، والماء الحلو، هناك الماء الطاهر والماء النجس، المقصود أنه لتعدد أنواعه جمعوه، وإلا فالأصل أنه اسم جنس يشمل القليل والكثير.
ثم ساق -رحمه الله تعالى- الحديث الأول حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البحر: ((هو الطهور ماؤه, الحل ميتته)) [أخرجه الأربعة, وابن أبي شيبة واللفظ له, وصححه ابن خزيمة والترمذي].
يمدينا ندخل في الحديث وإلا .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه، كم؟
طالب:. . . . . . . . .
كم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم عندهم خمس يبدأ الدرس الثاني، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
خمس يبدأ الدرس الثاني، وعدنا بالاختصار لكن الكلام يجر بعضه بعضاً، وهذه فوائد كنت أظن أن طالب العلم بحاجتها، لكن الأحاديث -بإذن الله- كل يوم عشرة أحاديث على الأقل، لنمشي سيراً حثيثاً.(1/21)
هم عندهم دقة في وقتهم يعني خمس، خمس يعني يبدأ الدرس وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه شوف أنها في الجدول خمس، إن كان الشيخ حضر وإلا .. ، على كل حال ما أريد أن أسترسل في الوقت وبداية الحديث الأول طيبة، نقف عليه؛ لأنه في كلام مترابط حول الحديث.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول الحافظ -رحمه الله تعالى- في كتابه المشروح بلوغ المرام من أدلة الأحكام في الحديث الأول، قرئ وإلا ما .. ؟ قرأت الحديث الأول؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البحر: ((هو الطهور ماؤه, الحل ميتته)) [أخرجه الأربعة]: وعرفنا المراد بالأربعة وأنهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه -أصحاب السنن- وابن أبي شيبة: صاحب المصنف الكبير واللفظ له: يعني والمعنى لغيره، وصححه ابن خزيمة والترمذي: في بعض النسخ يوجد زيادة في التخريج ورواه مالك والشافعي وأحمد: لكن هذه لا توجد في أكثر النسخ المعتمدة، وإن وجدت في بعضها.
وعلى كل حال الحديث أخرجه من سمعتم، وخلاصة القول فيه أنه حديث صحيح، خلاصة القول أنه حديث صحيح.
بل قال ابن العربي في شرح الترمذي بعد أن صححه قال: إن الإمام البخاري لم يخرج هذا الحديث؛ لأنه جاء من طريق واحد فليس على شرطه.(1/22)
وابن العربي يزعم أن من شرط الإمام البخاري ألا يخرج حديثاً تفرد به راو واحد، بل لا بد من تعدد الرواة، هذا شرطه في صحيحه -على حد زعم ابن العربي- والكرماني الشارح -شارح البخاري- وإليه يؤمئ كلام الحاكم، أن الإمام البخاري لا يصحح الحديث -شرط لصحة الحديث- أن يروى من أكثر من وجه -من أكثر من طريق- وهذا القول كما هو معروف مردود، يرده الواقع -واقع الصحيح-؛ فأول حديث في الصحيح غريب تفرد به عمر -رضي الله عنه- وتفرد بروايته عنه علقمة بن وقاص، وتفرد بالرواية عنه محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد بروايته عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه انتشر، وكذلك آخر حديث في الصحيح: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ... )) إلى آخره، تفرد بروايته أبو هريرة، وعنه أبو زرعة عمرو بن جرير البجلي، وعنه محمد بن فضيل، نعم؟
على كل حال مثله مثل الحديث الأول، التفرد وقع في أربع طبقات من إسناده، وغرائب الصحيح موجودة وفيها كثرة، منه حديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء والهبة، وهبته، كل هذه غرائب ترد هذه الدعوى، ولذا يقول الصنعاني في نظم النخبة بعد أن عرف العزيز أنه ما رواه اثنان قال:
وليس شرطاً للصحيح فاعلم ... وقد رمي من قال بالتوهم
ولا شك أن هذه غفلة ممن يشرح الصحيح ويزعم أن هذا شرط البخاري، وغرائب الصحيح ترد هذا القول، والغريب أنه يفهم أيضاً من كلام البيهقي.
على كل حال الحديث صحيح، ولا يلزم لصحة الخبر تعدد الطرق، وراويه أبو هريرة راوية الإسلام وحافظ الأمة، اشتهر بكنيته، والمعروف والمطَّرد أن من اشتهر بشيء نسي غيره، فمن اشتهر بالكنية نسي الاسم، ومن اشتهر بالاسم نسيت الكنية.
فأبو هريرة أختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، لكن المرجح عند الأكثر أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر وتوفي سنة تسع وخمسين.
ومن اشتهر بالكنية -كما هنا- يضيع اسمه سواءً كان من المتقدمين أو من المتأخرين.
من منكم من يعرف اسم أبي تراب الظاهري؟ نعم، اشتهر بالكنية لكن الاسم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، اسمه عبد الرحمن بن .. ؟
طالب:. . . . . . . . .(1/23)
شوف لولا أنه حديث عهد بالوفاة، كتب عنه في الصحف يمكن ما يعرف اسمه، وهذا شأن كل من اشتهر بشيء.
من يعرف كنية قتادة؟ لأنه اشتهر بقتادة ما اشتهر بكنيته؟ هاه نحن في مجتمع طلبة علم، من يعرف كنية قتادة؟
أشهر من نار على علم باسمه، كما أن أبا هريرة أشهر منه بكنيته، لكن جرت العادة أن الناس إذا تواطؤوا على شيء وتتابعوا عليه نسوا غيره.
كنية قتادة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أبو الخطاب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أقول: هذه العادة، هذه العادة جرت أن الناس إذا تواطؤوا على شيء نسوا غيره.
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البحر: يعني في شأنه، وفي حكم مائه من حيث الطهارة وعدمها.
والحديث له سبب، وهو أنهم كانوا يركبون البحر، ويحملون معهم القليل من الماء، فإن توضؤوا به عطشوا كما جاء في السؤال: "أنتوضأ من ماء البحر"، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((هو الطهور ماؤه)): كلامه يبدأ من هنا، والسؤال -كما هو معروف- كان معاد في الجواب، ((هو الطهور ماؤه)): يعني البحر، والمراد بالبحر الماء المستبحر الكثير، وخص إطلاقه عرفاً على الماء المالح.(1/24)
((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)): قد يقول قائل: إن الجواب المطابق للسؤال: أنتوضأ من ماء البحر؟ الجواب: نعم، الجواب: نعم، هذا هو المطابق، وأما قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) فغير مطابق للسؤال، ويشترطون في الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال، لكن هنا الجواب الشافي الكافي حصل، ولم يبق للسائل أدنى تردد، بل أجيب بما يحتاج إليه وزيادة، فلو قيل: نعم لاحتيج إلى أسئلة أخرى، ولكن جاء الجواب الكافي الشافي العام الشامل لمن يحمل الماء القليل، ولمن يحمل الماء الكثير، ولمن لا يحمل الماء أصلاً، فأجيب السائل بما طلب، بل بأزيد مما طلب: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)): لم يسأل عن ميتة البحر فأجيب عن ذلك لشدة حاجة السائل إليه؛ لأن هذا السائل لما تردد في طهارة الماء فهو لا شك أنه بالنسبة لميتة البحر أشد تردداً، وأشد إشكالاً بعد أن عرفوا تحريم الميتة، ولا شك أنهم يحتاجون إلى الطعام كحاجتهم إلى الماء، فجاء هذا الجواب الشامل منه -عليه الصلاة والسلام-، والمطابقة إنما تشترط حينما ينقص الجواب عن مراد السائل، ولا يلزم المطابقة بحيث لا يزيد الجواب عن مراد السائل وطلبه.
البحر: المراد هو الماء أي في الأصل، لكن المراد به هنا مكانه، مكانه؛ لأن الضمير يعود إليه، يعود إلى البحر، ولو قلنا: إن المراد به الماء المستبحر الكثير المالح لاضطرب الكلام، لصار المعنى ماء البحر هو الطهور ماؤه، ماء البحر وليس ذلك بمراد، إنما المراد المكان، والظرف الحاوي لهذا الماء هو الطهور ماؤه أي الماء الواقع فيه.
والطهور ما يتطهر به –طَهُور- والطُّهور المصدر فعل المتطهر، وهو بمعنى التطهر، المصدر بمعنى التطهر، والطَّهور هو ما يتطهر به كالوضوء، الماء الذي يتوضأ به.(1/25)
((ماؤه)): فاعل، فاعل المصدر، ومثله ميتته فاعل الحل، والمراد بالحل ضد الحرام، ضد الحرام، الحل ضد المحظور، فميتة البحر حلال، كما أن ماءه طهور بمعنى أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، طاهر في نفسه ولو تغير طعمه؛ لأن الذي أوجد الإشكال عند السائل تغير طعم ماء البحر، كأنه لما سمع قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(48) سورة الفرقان]، رأى أن غير ماء السماء وما يشبهه في الطعم أنه مشكل، فسأل عنه.
فماء البحر طهور، وميتته حلال، والمراد بميتة البحر مما لا يعيش إلا به -في البحر- ما لا يعيش إلا في البحر.
وتفصيل ميتة البحر يأتي في كتاب الأطعمة، لكن ما يمنع أننا نشير إشارة إلى أن أهل العلم اختلفوا في المراد بميتة البحر، فمنهم من قال مثل ما تقدم: ما لا يعيش إلا في البحر سواءً كان جنسه ممنوعاً في البر أو ليس بممنوع، ككلب البحر وخنزيره.
كلب البحر، خنزير البحر حلال وإلا حرام، إنسان البحر؟ إنسان البر لا يجوز أكله، كلب البر لا يجوز أكله، خنزير البر لا يجوز أكله، البري لا يجوز أكله، فهل خنزير البحر يجوز أكله أو لا يجوز؟
مقتضى هذا الحديث: ((الحل ميتته)) أنه يجوز، ومقتضى النصوص القطعية من الكتاب والسنة أن الخنزير لا يجوز أكله، فهل نقول: إن ما جاء في الآيات والأحاديث من تحريم أكل لحم الخنزير عام مخصوص بهذا الحديث؟ أو نقول: هذا الحديث عام مخصوص بالآيات والأحاديث الدالة على تحريم أكل لحم الخنزير؟
والمسألة تحتاج إلى مزيد من البسط فترجأ إلى محلها، لكن الذي يهمنا هنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هو الطهور ماؤه، هو الطهور ماؤه)): فماء البحر طهور، يجوز رفع الحدث به، واستقر الإجماع على ذلك، وإن عرف عن بعض السلف المنع من التطهر به، وأنه لا يرفع الحديث، لكن الإجماع استقر.(1/26)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (2)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
لكن الذي يهمنا هنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هو الطهور ماؤه))، ((هو الطهور ماؤه)): فما البحر طهور، يجوز رفع الحدث به، واستقر الإجماع على ذلك، وإن عرف عن بعض السلف المنع من التطهر به، وأنه لا يرفع الحدث، لكن الإجماع استقر على طهارة ماء البحر وأنه رافع للحدث.
ولسنا بحاجة إلى أن نترجم إلى الأربعة وابن أبي شيبة، وصححه ابن خزيمة والترمذي إلى آخره، لسنا بحاجة إلى مزيد البسط في تراجم هؤلاء الأئمة؛ فهي موجودة مدونة في كتب الإسلام.
صححه .. ، والحديث صحيح كما عرفنا، والصحيح حقيقته عند أهل العلم: ما رواه عدل تام الضبط، بسند متصل غير معلل ولا شاذ، يعني ما رواه الثقة بسند متصل، يعني عن مثله إلى النهاية من غير شذوذ ولا علة قادحة
فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
عن مثله من غير ما شذوذ ... وعلة قادحة فتوذي
فإذا توفرت هذه الشروط: عدالة الرواة وتمام ضبطهم، واتصل الإسناد، وخلى المتن من الشذوذ والعلة القادحة، خلى المتن من مخالفة من هو أحفظ وأضبط، وخلى أيضاً مما يقدح فيه من علل خفية، فإنه حينئذ يحكم له بالصحة، نعم.
الحديث الثاني:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) [أخرجه الثلاثة وصححه أحمد].
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الماء لا ينجسه شيء, إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه)) [أخرجه ابن ماجه وضعفه أبو حاتم]، وللبيهقي: ((الماء طاهر إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه)).
نعم حديث أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري الخدري المعروف بحديث بئر بضاعة، وهي بئر بالمدينة كانت في منهبط من الأرض، يقول الراوي: تلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب.(2/1)
سئل عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أنتوضأ"، وفي رواية: "أتتوضأ من بئر بضاعة؟ "، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)): وحديث بئر بضاعة أخرجه الثلاثة: والمراد بهم أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه أحمد: وأما الترمذي فاقتصر على تحسينه، وصححه أيضاً النووي في المجموع، والبغوي في شرح السنة، والألباني وغيره، فالحديث -حديث بئر بضاعة- صحيح، هكذا قال الإمام أحمد فيما نقله عنه المنذري وغيره.
فالحديث صحيح، لكن قد يقول قائل: كيف يحصل أن تلقى هذه الأمور في هذا المورد الذي يحتاجه الناس، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن البراز في الموارد، بل لعن فاعل ذلك، أو نقول: بما يشبه قول الظاهرية: إن المحظور البول المباشر، والبراز المباشر، أما إلقاء النجاسات فلا بأس به، كما نقل عن الظاهرية في حديث تحريم البول في الماء الراكد، أن البول في الماء الراكد مباشرة حرام، لكن لو بال إنسان في إناء ثم صبه مقتضى مذهبهم وما ينقل عنهم أنه لا بأس به.
على كل حال البول في الموارد -موارد المياه وجميع ما يحتاجه الناس- محرم، بل من الكبائر.(2/2)
وهنا هذه البئر في منحدر من الأرض فتلقي الرياح والسيول هذه القاذورات في هذه البئر، ولا يظن بالصحابة الذين هم أفضل الأمة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء أن يظن بهم هذا الظن السيئ، بل قال الخطابي وغيره: إنه لا يظن بذمي ولا بمشرك أن يفعل مثل هذا، فضلاً عن أفضل الناس، وأورع الناس، وأتقى الناس لله، وأخشاهم له، فهذه البئر كانت في منخفض من الأرض، يلقي الناس زبلهم قريباً منها، ثم تأتي هذه الرياح والسيول والأمطار فتجترف هذه القاذورات فتقع في هذه البئر، لما سئل عن هذا الماء الذي تقع فيه هذه النجاسات أجاب -عليه الصلاة والسلام- بالجواب العام الذي يشمل هذه البئر وغيرها: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) ((إن الماء طهور)): جنس الماء طهور لا ينجسه شيء، الاستثناء الوارد في حديث أبي أمامة: ((إلا ما غلب على ريحه أو لونه وطعمه))، ((إلا أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه))، هذا الاستثناء ضعيف باتفاق الحفاظ، لكن حكمه متفق عليه -مجمع عليه- فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) مخصوص بالتغير -تغير اللون والطعم والرائحة- فإذا تغير لون الماء أو طعمه أو رائحته بسبب نجاسة ألقيت فيه، لا بسبب طول مكثه، كالآجن، الآجن المتغير بالمكث، يجوز التطهر به، ولم يعرف الخلاف فيه إلا عن ابن سيرين فقد كرهه.
أما المتغير بلون النجاسة أو طعمها أو ريحها من جراء إلقاء هذه النجاسة أو وقوعها فيه من غير قصد فإنه لا يرفع الحدث ولا يزول النجس، بل هو نجس اتفاقاً.
فالحجة على تنجيسه -كما يقول أهل العلم- الإجماع، وليس الاستثناء الوارد في حديث أبي أمامة المخرج عند ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.
حديث أبي أمامة ضعفه أبو حاتم بسبب تفرد رشدين بن سعد بروايته وهو ضعيف، قال أبو حاتم: رشدين بن سعد ليس بالقوي والصحيح أنه مرسل، في رواية البيهقي بقية بن الوليد وهو شديد التدليس وقد عنعن.
على كل حال الاستثناء ضعيف باتفاق الحفاظ، وأما أصل الحديث حديث بئر بضاعة فهو صحيح.(2/3)
((الماء طهور لا ينجسه شيء)): يستدل به مالك ومن يقول بقوله أن الأصل في الماء أنه طاهر إلا إن تغير، ويستوي في ذلك القليل والكثير، يستوي في ذلك القليل والكثير، وأن التفريق بين القليل والكثير -على ما سيأتي في حديث ابن عمر حديث القلتين- لا ينهض لمعارضة هذا الحديث، حتى عند من صححه، فالماء الأصل فيه الطهارة إلا إن تغير وهو قول مالك، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وكثير من المحققين بخلاف قول أبي حنيفة والشافعي، وأحمد، وأنهم يفرقون بين القليل والكثير، وكل على مذهبه في التفريق، فمن اعتمد حديث القلتين قال: الفرق بلوغ القلتين، فالذي يبلغ القلتين لا يحمل الخبث، فلا ينجس إلا بالتغير، والذي لا يبلغ القلتين بل ينقص عنهما فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير، وهذا المعروف عند الشافعية والحنابلة، وأما عند الحنفية فالإمام أبو حنيفة يرى أن القليل هو الذي إذا حرك طرفه تحرك طرفه الآخر، وصاحباه يرون أن القليل ما لم يبلغ العشرة -عشرة أذرع في عشرة- وهذا تفصيله موجود في كتب الشروح وكتب الفقه.(2/4)
الغزالي في الإحياء تمنى أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب مالك، وأن الماء لا يحكم بنجاسته إلا إذا تغير؛ وهذا سببه التقليد، وإلا فما الذي يمنع الغزالي أن يرجح مذهب مالك ويسلم، لا شك أنه لزم على أقوال الأئمة بسبب التفريق بين القليل والكثير، نشأ حرج كبير وفروع في كتب الفقه، هي عن يسر الشريعة وسماحتها بمعزل، ولا شك أن الأئمة عمدتهم في ذلك النصوص، وهم بأفهامهم وما يؤديه إليه اجتهادهم مطالبون، ولا يلزمون باجتهاد غيرهم، لكن إذا ترتب على القول بالتفريق بين الكثير والقليل كما قال النووي في المجموع: أنه لو وجد ماء قدره قلتان في إناء كبير يسع خمس قرب، خمسمائة رطل، لا تنقص ولا رطل واحد، لو أخذ منه بذنوب أو دلو أو بإناء بحيث ينقص عن القلتين، نفترض أن هذا الماء في إناء كبير في خمس قرب، ثم وقعت فيه نجاسة، ولم تغير لا لونه ولا طعمه ولا ريحه، هذا على مقتضى مذهبهم طاهر وإلا نجس؟ طاهر، طاهر؛ لأنه بلغ القلتين، لكن لو أخذت من هذا الماء بذنوب بعد أن وقعت فيه النجاسة وحكمت بطهارته فالذي في داخل الدلو طاهر، والذي يسقط من خارجه نجس.
لهم على قولهم تفريع، تفاريع ومسائل يصعب حصرها ويعسر فهمها ويشق تطبيقها، ولذا تمنى الغزالي أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب مالك، والذي جره إلى هذا التمني هو كونه مقلداً، وإلا لو نظر في الأدلة ورجح ما أداه إليه اجتهاده انتهى الإشكال.
الغزالي ما تمنى أن يكون الراجح -القول الراجح- من حيث الدليل قول مالك، تمنى أن الشافعي رجح القول الثاني؛ لأنه مقلد.(2/5)
على كل حال هذه الأقوال باختصار، وقول مالك رجحه كثير من أهل التحقيق، وأن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وأن عمدته في ذلك الإجماع الذي لا بد أن يعتمد على دليل ولو لم يبلغنا، وأن الزيادة الواردة في حديث أبي أمامة ضعيفة باتفاق الحفاظ، لكن قد يقول قائل: لماذا لا نستدل على ثبوت هذا الاستثناء وهذه الزيادة بالإجماع؟ كما قال بعضهم: إن عمل العالم على مقتضى حديث تصحيح لهذا الحديث، أو فتواه بمقتضى حديث تصحيح له، نقول: لا يلزم، لا يلزم إذا أفتى العالم بمضمون حديث أن يكون هذا الحديث صحيح عنده، قد يكون الحكم ثبت عنده بهذا الحديث وبغيره لا بمفرده، لا بمفرده، وأنتم تعرفون مسألة التصحيح والتحسين بالطرق.
ضعفه أبو حاتم: حقيقة الضعيف وتعريفه أنه ما اختل فيه شرط من شروط القبول -شروط القبول الستة المعروفة-: ضعف الرواة، انقطاع الأسانيد، الضعف ويكون باختلال الضبط، أو باختلال العدالة، انقطاع الأسانيد، اشتمال المتن على علة قادحة، أو على شذوذ ومخالفة، وعدم الجابر عند الحاجة إليه -عدم الجابر- فهذه حقيقة الضعيف، ولا نحتاج أن نقول: ما لم يبلغ درجة الصحيح والحسن، كما قال ابن الصلاح؛ لأنه إذا لم يبلغ درجة الحسن فإنه عن درجة الصحيح أقصر، والمسألة معروفة في تعريفه الكلام الطويل، والردود على ابن الصلاح والمناقشات، لكن ليس هذا محل بسطها، لكن الحديث الذي تخلف فيه شرط من شروط القبول ضعيف عند أهل العلم.
حديث ابن عمر.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى عليه وسلم-: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) وفي لفظ: ((لم ينجس)) [أخرجه الأربعة, وصححه ابن خزيمة، والحاكم وابن حبان].(2/6)
نعم حديث ابن عمر المعروف بحديث القلتين اختلف فيه أهل العلم اختلافاً كبيراً، وجاءت الأقوال فيه متباينة، فمن مصحح ومحسن ومضعف، من صححه أشكل عليه العمل به، بعض من صححه أشكل عليه العمل به، كشيخ الإسلام -رحمه الله-، ومن ضعفه -وهم جمع غفير من أهل العلم- ضعفوه بالاضطراب -بالاضطراب في سنده ومتنه- لكن أمكن الترجيح بين ألفاظه، وإذا أمكن الترجيح كما هو معلوم انتفى الاضطراب؛ لأن المضطرب هو: الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، فالحديث الذي يروى على وجه واحد ليس بمضطرب، الحديث الذي يروى على أوجه -أكثر من وجه- وتكون هذه الأوجه متفقة لا مختلفة لا اضطراب به، الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة، لكنها غير متساوية يمكن ترجيح بعضها على بعض لا اضطراب فيها، فإذا أمكن ترجيح بعض الأوجه وبعض الألفاظ على بعضها ينتفي الاضطراب، وإلا فمتن الحديث جاء بلفظ القلتين، وجاء بلفظ القلة الواحدة، وجاء بقلتين أو ثلاث، وجاء في لفظ أربعين قلة، لكن الراجح من هذه الألفاظ القلتين، لفظ القلتين هو الراجح فانتفى اضطرابه، ولذا صححه جمع غفير من أهل العلم، ومن يقول بالتفريق بين القليل والكثير لا إشكال عنده، وعرفنا أنه عمدة الشافعية والحنابلة في جعل القلتين الحد الفاصل.
شيخ الإسلام يصحح الحديث، ولا يفرق بين القليل والكثير على ما مضى، سبقت الإشارة إلى قوله -رحمه الله- وأن قوله قول مالك، كيف يصنع بحديث القلتين بعد أن صححه؟!(2/7)
يعمل بمنطوق الحديث ولا يعمل بمفهومه بل يلغي مفهومه لمعارضة هذا المفهوم منطوق حديث أبي سعيد؛ لأنه إذا تعارض المنطوق مع المفهوم قدم المنطوق، منطوق حديث أبي سعيد: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) معارض بمفهوم حديث ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) فهذا المفهوم معارض بمنطوق حديث أبي سعيد، وشيخ الإسلام يميل إلى أن المفهوم ملغى، وحينئذ لا تعارض، ولا شك أن المفهوم معتبر، كما هو الأصل، لكن شريطة ألا يعارض هذا المفهوم بمنطوق، فالمفاهيم معتبرة، سواءً كانت مفاهيم أعداد أو غيرها، ففي مثل قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة]، مفهومه أنه لو استغفر لهم واحد وسبعين أو خمسة وسبعين أو مائة أو ألف أنه يغفر لهم، لكن العدد لا مفهوم له، لماذا؟ لأنه معارض بمثل قوله تعالى عن المنافقين أنهم {فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [(145) سورة النساء]، هذا حكم جازم قاطع؛ لأنهم لا يغفر لهم، وأن كفرهم كفراً أكبر مخرج عن الملة، كما ذكره أهل العلم في أنواع الكفر الأربعة المخرجة عن الملة.
فألغي المفهوم لمعارضة للمنطوق، وإلا فالأصل أن الكلام معتبر منطوقه ومفهومه.
الذي يضعف الحديث ولا يقول بالتفريق لا إشكال عنده، لكن الإشكال فيمن يصحح الحديث كشيخ الإسلام ولا يقول بالتفريق، فالذي يصححه ويقول بالفرق بين القليل والكثير لا إشكال عنده، والذي يضعفه أيضاً ولا يقول بالتفريق لا إشكال عنده، المشكل في مثل قول شيخ الإسلام وقد خرج -رحمة الله عليه- من هذا الإشكال بإلغاء المفهوم نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) [أخرجه مسلم]، وللبخاري: ((لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري, ثم يغتسل فيه))، ولمسلم: ((منه))، ولأبي داود: ((ولا يغتسل فيه من الجنابة)).(2/8)
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) [أخرجه مسلم]، وللبخاري: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري, ثم يغتسل فيه))، ولمسلم: ((يغتسل منه))، ولأبي داود: ((ولا يغتسل فيه من الجنابة)).
((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم)): أي الراكد الساكن، وإن كان لفظ الدائم من الأضداد، لأنه يطلق الدائم على الساكن، ويطلق على المتحرك الدائر، جاء في كتب الأضداد: في رأسه دوام أي: دوران وحركة، اضطراب.
((وهو جنب)): هذه الجملة حالية، حال كونه جنب.
((لا يغتسل أحدكم)): ففي الحديث النهي والأصل في النهي التحريم، ((في الماء الدائم)) حال كونه جنباً.
ويستدل به من يرى أن الماء يتأثر إذا رفع به الحدث، وهو مقتضى قول من يفرق ويقسم المياه إلى ثلاثة أنواع: طهور، وطاهر، ونجس، طهور، وطاهر، ونجس، يقول: هذا الماء الذي رفع به الحدث انتقل من كونه طهوراً مطهراً إلى كونه طاهراً فقط، ليس بنجس، لكنه لا يرفع الحدث.
وعند الحنفية في قول لهم أنه ينجس، فالماء الذي يغتسل فيه الجنب نجس، والصحيح أنه طاهر مطهر، وأن استعماله لا يؤثر فيه، والنهي عن الاغتسال فيه؛ لئلا يقذره على غيره، لئلا يصرف الناس عن استعماله، لاغتساله فيه؛ لأن الناس إذا رأوا شخصاً انغمس في هذا الماء تركوه، وعلى هذا يفسده عليهم.
وللبخاري: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري, ثم يغتسل فيه)): ثم يغتسلُ، أو ثم يغتسلْ، أو ثم يغتسلَ، فقد ضبط بالرفع، والنصب، والجزم، أما الجزم فعطفاً على لا يبولن؛ لأن (لا) ناهية، يبولن: فعل مضارع مجزوم مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، ثم يغتسلُ فعل مضارع هو وفاعله خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، ثم هو يغتسلُ، وأما النصب فعلى إضمار (أن) إلحاقاً لثم بالواو، إلحاقاً لثم بالواو، ومعروف أن (أن) تضمر بعد الواو وينصب بها الفعل.
((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري)): تحدد المراد من الدائم، وأن المراد به الساكن.(2/9)
((ثم يغتسل فيه)): ففي الحديث الأول -الرواية الأولى- فيها النهي عن الاغتسال بمفرده، في الرواية الثانية النهي عن البول بمفرده، أو مضموماً إليه الاغتسال.
والنهي عن البول في الماء الدائم جاءت في أحاديث أخرى، على أي أوجه الضبط السابقة يحصل النهي عن البول وحده والاغتسال وحده نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجزم، ((ثم يغتسلْ))، ((لا يبولن .. )) ((ثم يغتسلْ))؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الحديث يدلنا على النهي عن البول بمفرده، والاغتسال بمفرده؟ أو هما معاً من باب أولى؟ أو لا يدل إلا على الجمع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الرواية الأولى تدل على النهي عن الاغتسال بمفرده، الرواية الأولى تدل على النهي عن الاغتسال بمفرده، والثانية فيها الاغتسال وفيها البول، وعرفنا أن يغتسل ضبط على أوجه ثلاثة هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أما على رواية النصب فإنها لا تدل إلا على الجمع بينهما؛ لأن (ثم) نزلت منزلة الواو، والواو للجمع.
على رواية الضم ((ثم يغتسلُ .. )): يعني ثم هو يغتسلُ، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
بعض الشراح يرى أنها تدل على النهي عن الاغتسال بمفرده كما أنه تقدم النهي عن البول بمفرده، وإن كان الذي حققه الشارح أنها بجميع الأوجه التي ذكرت إنما تدل على الجمع بينهما، تدل على الجمع بينهما، وأما النهي عن البول وحده دلت عليه الأحاديث، والنهي عن الاغتسال وحده فدل عليه اللفظ الأول.
((ثم يغتسلُ فيه)): يعني ينغمس فيه.
ولمسلم: ((منه)): يغتسل منه،، ولأبي داود: ((ولا يغتسل فيه من الجنابة)): عندك ماء راكد ساكن، وأنت جنب ماذا تصنع؟ لأن الحديث بجميع ألفاظه يضيق الاستفادة من هذا الماء حتى قال من قرب من أهل الظاهر: إنك تتحايل على هذا الماء، فتلقي فيه حجراً أو خشبه فتجعله يتحرك ثم تنغمس فيه، هذا قريب جداً من مذهب الظاهرية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نغرف؟
طالب:. . . . . . . . .(2/10)
نغرف؟ ولمسلم: ((منه))؟! ولمسلم: ((منه)): فيغتسل فيه، يعني لا ينغمس فيه، لمسلم: ((منه)): أبو هريرة سئل كيف يصنع الجنب؟ قال: "يتناول تناولاً": يعني يأخذ منه بإناء، ويغترف منه بإناء فيغتسل، فدل على أن كلمة (منه) من تصرف بعض الرواة، وأن المنهي عنه الاغتماس فيه، وأما الاغتراف منه والتناول منه لا شيء فيه، هذا هو الحل ولا إشكال فيه.
ولأبي داود: ((ولا يغتسل فيه من الجنابة)): الرواية الأولى وهو جنب .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا عندهم، ما يصير، لو صار متحركاً ولو بإلقاء خشبة أو حصاة، انتهى عندهم، ارتفع الوصف، وهو كونه دائماً، ساكناً، راكداً، نعم.
في الرواية الأولى: ((وهو جنب)): في الرواية الأخيرة: ((فيه من الجنابة)): يستدل به من يرى أنه يوجد فرق بين أن ينغمس الإنسان وهو جنب، وبين أن ينغمس للتنظف والتبرد، فإذا انغمس وهو جنب أثر في الماء، فإذا انغمس للتبرد فإنه لا يؤثر فيه، من مقتضى قوله: ((وهو جنب)): والحال أنه جنب، ((ولا يغتسل فيه من الجنابة)): مفهومه أنه يغتسل فيه إذا لم يكن عليه جنابة، وهذا ظاهر، لكن هل وجه التفريق بين الجنب وغيره أن الجنب يرفع به الحدث؟ وإذا قلنا: هذا هو السبب، فهل يرتفع الحدث أو لا يرتفع إذا انغمس؟
الشافعية والحنابلة متفقون على أن الماء إذا كان أقل من قلتين وانغمس فيه الجنب أنه يصير طاهراً غير مطهر، لكنهم يختلفون هل يرتفع حدث هذا الذي انغمس أو لا يرتفع؟
عند الشافعية يرتفع، وأنه ما صار مستعملاً حتى ارتفع به الحدث، والحنابلة يقولون: لا يرتفع حدثه، لماذا؟ لأنه صار مستعملاً بملاقاة أول جزء من البدن، أول جزء من البدن، نفترض أن الإنسان غمس رأسه أو رجليه قبل رأسه، صار الماء مستعملاً بمجرد غمس هذا العضو، وحينئذ لا يرتفع الحدث عن بقية الأعضاء، فعند الحنابلة لا رفع حدثاً ولن يرفع حدثاً؛ صار مستعملاً بمجرد ملاقاة أول جزء من البدن، ومذهب الشافعية لا شك أنه أقعد عند من يقول بأنه ينتقل، يعني عند من يفرق بين الطاهر والطهور.
هذا يسأل وهو سؤال له وجه: يقول: كيف يقول الأحناف: إن الماء ينجس والجنابة أصلاً طاهرة عندهم وعند غيرهم من حديث عائشة؟(2/11)
الأحناف حينما يقولون: إن الاغتسال -اغتسال الجنب- في الماء ينجسه؛ لأن الاغتسال قرن بالبول، والبول منجس إذن الاغتسال منجس، ولا شك أن هذا استدلال بدلالة الاقتران، ودلالة الاقتران كما هو معروف عند أهل العلم ضعيفة، فهم يقولون: ما دام البول ينجس إذن الاغتسال ينجس.
هنا مسألة -لعلكم تراجعونها في قواعد ابن رجب- وهي الماء الجاري هل هو مثل الماء الراكد أو كل جرية لها حكم الماء المنفصل؟
لا نطيل بشرحها وتقريرها فارجعوا إليها بصورها عنده، الأسئلة كثرة الآن ما عاد وقت للأسئلة، كثرت كثرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: لعل الأسئلة تكون قبل حضور بعض الأخوة في بداية الدرس القادم، قبل حضور بعض الإخوان.
الحديث الذي يليه؛ نريد أن نسدد ونقارب؛ لأنه في طلبات من بعض الأخوة -بل منهم من تتعين إجابته- أن يقتصر على القول الراجح دون ذكر خلاف واستطراد، إي نعم.
على كل حال عرفنا أن أهم المسائل هنا مسألة تقسيم الماء إلى أقسام ثلاثة: طهور وطاهر ونجس عند الجمهور، وعند مالك هما اثنان، هما قسمان فقط: طاهر ونجس، وزاد بعضهم كابن رزين أو .. ، نعم كابن رزين من الحنابلة: المشكوك فيه، على كل حال التقسيم هذا مثلما أسلفنا يوقع في إشكالات وتفريعات، وقد ألمحنا إلى شيء من هذا الإشكال، مع التمثيل له.
وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرجح أن الماء إما أن يكون طاهراً يشرب ويرفع به الحدث، أو نجس ولا ثالث لهما كقول مالك.
عرفنا أيضاً أن هناك من يفرق بين القليل والكثير، فالقليل تؤثر فيه النجاسة، وهو قول الأكثر أيضاً، والكثير لا تؤثر فيه إلا إذا تغير، هذه أشهر ما مر عندنا نعم.
وعن رجل صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة بفضل الرجل, أو الرجل بفضل المرأة, وليغترفا جميعا" [أخرجه أبو داود والنسائي, وإسناده صحيح].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل بفضل ميمونة -رضي الله عنها-[أخرجه مسلم].
ولأصحاب السنن: اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنه، فجاء يغتسل منها فقالت: إني كنت جنباً، فقال: ((إن الماء لا يجنب)) [وصححه الترمذي وابن خزيمة].(2/12)
نعم.
عن رجل صحب النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة بفضل الرجل, أو الرجل بفضل المرأة, وليغترفا جميعا" [خرجه أبو داود والنسائي, وإسناده صحيح].
خلاصة القول أنه صحيح، وإن كان مقتضى كلام البيهقي أنه مرسل؛ لعدم تسمية الصحابي، لكن المعتمد عند أهل العلم قاطبة أن جهالة الصحابي لا تضر، فالخبر متصل وليس بمرسل، خلافاً لما ذكره البيهقي، فالحديث صحيح.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا قال الصحابي: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمرنا رسول الله، أو قال" أُمرنا، أو نُهينا، أو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))، ((نهيت عن قتل المصلين)) بالنسبة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أُمرت)) أو ((نُهيت))، الآمر والناهي هو الله -سبحانه وتعالى- هو الله -سبحانه وتعالى-.
في قول الصحابي: "أمرنا" أو "نهينا"، الآمر والناهي هو من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرفوع خلافاً لمن زعم أنه موقوف كأبي بكر الإسماعيلي، وأبي الحسن الكرخي، وجمع من أهل العلم قالوا: إنه لا يحكم له بالرفع حتى يصرح الصحابي بالآمر والناهي لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، كقول أم عطية: "أمرنا بإخراج العواتق والحيض"، وقولها: "نهينا عن اتباع الجنائز".
إذا صرح الصحابي بالآمر والناهي -كما هنا- لا إشكال في كونه مرفوعاً، بل هو مرفوع صراحة اتفاقاً، لكن إذا قال الصحابي: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة، هل هو في القوة بمثابة قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغتسل المرأة بفضل الرجل)) أو أقل؟ نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيهما أقوى؟
طالب: الثاني.
نعم؟
طالب: الثاني.
لكن هل نفهم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- نهى، وإلا ما نفهم، إذا قال الصحابي نهى أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟(2/13)
جمهور أهل العلم على أنه لا فرق بين أن يقول الصحابي: نهى -أن يذكر النهي الصريح من لفظه -عليه الصلاة والسلام-، أو يعبر عن هذا النهي كما هنا، لا فرق، خالف في هذا داود الظاهري وبعض المتكلمين قالوا: ليس بحجة أصلاً، حتى ينقل لنا اللفظ النبوي؛ لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمراً أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، نقول: إذا كان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يعرفون مدلولات الألفاظ الشرعية والنصوص من يعرفها؟
فالمرجح عند أهل العلم أن قول الصحابي: "نهى رسول الله، مثل قوله: لا تفعل.
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة بفضل الرجل, أو الرجل بفضل المرأة, وليغترفا جميعاً" [أخرجه أبو داود]: الحديث صحيح، خلاصة القول فيه أنه صحيح، أعله بعضهم لكنه لم يستند على حجة يعتد بها، قال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية.
"نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل": مقتضى الحديث أن خلوة الرجل بالماء مؤثرة، وأنه لا يجوز للمرأة أن تغتسل بفضل مائه، لكن هل للرجل أن يغتسل بفضل ماء الرجل؟ مفهوم الحديث؟ نعم.
الشق الثاني من الحديث: "نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة": لكن هل للمرأة أن تغتسل بفضل المرأة؟ مقتضى الحديث ومفهومه نعم.
إذا كان للرجل أن يغتسل بفضل الرجل، وللمرأة أن تغتسل بفضل المرأة، فهل لخلوة المرأة أو لخلوة الرجل أثر على الماء؟ نعم؟ لا أثر له، لا أثر له على الماء، وبهذا نعرف ضعف قول من يقول: إنه لا يرتفع حدث الرجل إذا توضأ بماء خلت به المرأة لطهارة كاملة، والحديث كما ترون جاء بمنع الرجل كما جاء بمنع المرأة من الوضوء بفضل الرجل.
والعجب أن بعض أهل العلم يعمل بالشق الثاني، ولا يعمل بالشق الأول، وإذا صح الخبر فنقول: إن النهي هنا للتنزيه؛ لما يعارضه من الأدلة التي صحت في وضوئه -عليه الصلاة والسلام- بفضل بعض أزواجه، على ما سيأتي، فالنهي هنا للتنزيه.
"وليغترفا جميعاً": نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الرجل (أل) الجنسية، الأصل فيها الجنس، هذا الأصل، أي امرأة لا تغتسل بفضل أي رجل، والعكس، هذا الأصل فيه الجنس.(2/14)
لكن قوله: ((وليغترفا جميعاً)): نعم يدل على أن المراد بذلك الزوجين، وإلا فالأصل في الرجل أنه جنس.
أقول: من العجب أن يأتي الحديث بهذا السياق ويستدل به من يرى أن الرجل لا يجوز له أن يتوضأ بفضل المرأة، وأن خلوة المرأة لطهارة كاملة تؤثر في الماء، وأنه لا يرفع الحدث، ولا يقول بالعكس، مع أن الحديث سياقه واحد، فإن حمل النهي هنا على التحريم وأنه لتأثير خلوة أحدهما بالماء، فليقل بالشقين، أما أن يقول بالشق الثاني، ولا يقول بالشق الأول هذا تحكم، وعلى كل حال النهي هنا للتنزيه، النهي هنا للتنزيه.
في الحديث الذي يليه: عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يغتسل بفضل ميمونة -رضي الله عنها-[أخرجه مسلم]: أعله بعضهم بقول عمرو بن دينار في الصحيح -في صحيح مسلم-: وعلمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني، على كل حال له غير هذا الطريق، هو مروي من طرق في صحيح مسلم، وتخريج مسلم له يدل على صحته، تخريج الإمام مسلم .. ، فالعلة عليلة -التي أعلَّ بها-.
حديث ابن عباس: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يغتسل بفضل ميمونة [خرجه مسلم]: وهذا يرد على من يرى أن الماء إذا خلت به المرأة للطهارة الكاملة أنه يتأثر، وينتقل من كونه طهوراً إلى كونه طاهراً غير مطهر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يغتسل بفضل ميمونة.
ولأصحاب "السنن": "اغتسل بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جفنة: في إناء فجاء يغتسل منها, فقالت: إني كنت جنباً, فقال: ((إن الماء لا يجنَب: أو لا يَجْنُب أو لا يُجنِب))، [خرجه أصحاب السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم والألباني وغيره فالحديث صحيح].
بهذا يدل على أن النهي الوارد في الحديث السابق أنه للتنزيه، وليس للتحريم، وأنه لا أثر لخلوة أحد الجنسين بالماء، بل الماء باق على طهوريته وأنه يرفع الحديث.
حديث الكلب طويل شوية، حديث تطهير ما ولغ فيه الكلب طويل، وانتهى الوقت الظاهر.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/15)
حديث أبي هريرة: ((هو الطهور ماؤه)) إذا قلنا: إن المقصود بالحديث هو المكان وليس ماء البحر، فإذا أخذنا من ماء البحر في جوالين، وجراكل هل ترفع الخبث وتزيل النجاسة؟ يعني هل يثبت لها الطهورية المنصوص عليها في الحديث؟
لا شك أن الأصل في البحر المجموع من الماء ووعائه وظرفه، والعلماء حينما قالوا: إن المقصود بالبحر في هذا الحديث على وجه الخصوص المكان؛ لكي يستقيم الكلام، فإذا قدرنا مكان البحر الماء، وقلنا: ماء البحر هو الطهور ماؤه، ماء البحر هو الطهور ماؤه، يستقيم الكلام أو لا يستقيم؟ لا يستقيم، وإذا قلنا: المكان، المكان والظرف الذي يحوي هذا الماء ما حواه من الماء هو الطهور، فمكان البحر هو الطهور ماؤه.
لو افترضنا أن هذا الإناء وفيه الماء، كأس وفيه ماء، وقلنا: ما بين أيدينا هذا هو الطهور ماؤه، هل نقصد بمرجع الضمير الماء نفسه؟ الماء هو الطهور ماؤه؟ نفس الشيء، لا يستقيم الكلام، وإذا أعدنا الضمير على الظرف الذي هو الكأس، الكأس هو الطهور ماؤه يعني الماء الذي حل فيه.
ونأتي إلى السؤال، وهو يستشكل يقول: إذا كان المقصود هو المكان فلم يكن سياق الحديث على هذه الصفة، ما قيل: مكان البحر هو الطهور، لنخرج الماء، فاعل المصدر، الطهور الماء، وتقدير المكان من أجل سبك الكلام على وجه يصح، فالمقصود بالحديث هو الماء بلا شك، ولذا أفصح عنه في الحديث نفسه فقال: ((هو الطهور ماؤه)) ((هو الطهور .. )): إذا قلت: زيد القائم أبوه، أو رأيت زيداً القائمَ أبوه، نعم، من القائم؟ زيد؟ نعم؟ وإن كان الموصوف بالقيام هو زيد، لكن القيام والحدث إنما قامه الأب، وهذا يقال له النعت الأيش؟ الحقيقي؟ أو السببي؟(2/16)
نعت سببي وليس بحقيقي؛ لأنه ليس وصفاً للمنعوت، رأيت زيداً القائم أبوه، القائم بلا شك من الناحية الإعرابية وصف لزيد، ونعت لزيد، لكن ليس هو القائم بالفعل، القائم أبوه، وهنا حينما نخبر عن مكان الماء، ونسند إليه الطهورية، إنما أسندناها في الحقيقة إلى الماء، ولذا جاء في الحديث: ((هو الطهور ماؤه)) ما جاء هو الطهور فقط، لو كان سياق الحديث هو الطهور لقلنا: ماء البحر هو الطهور، قدرنا ماء البحر، لكن لما بين فاعل المصدر ما احتجنا ولا حصل عندنا أدنى إشكال في أن نقدر مكان البحر.
وعلى هذا لو أخذ من ماء البحر في جوالين أو جراكل ما يتغير، هو ماء البحر الذي أخبر عنه بأنه طهور، أسند إليه الطهورية؛ لأن عندنا الطهور مسند، وماؤه مسند إليه؛ لأنه فاعل.
هل تنطبق أحكام الاغتسال في البرك والمسابح؟
البرك والمسابح هل هي من الماء الجاري أو الراكد؟
الآن ما فيها فلاتر تطلع الماء وتدخله مرة ثانية؟ نعم؟ هي راكدة في وقت، هي تصير راكدة أو باستمرار متجددة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كانت متجددة فليست راكدة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إذا كانت راكدة غير متجددة لها أحكام الماء الراكد فلا يجوز الاغتسال به.
إذا أزيلت النجاسة بمعالجةٍ .. ؟
لكن إذا استصحبنا أن النهي عن الاغتسال، ولا يغتسل فيه وهو جنب، ولا يغتسل فيه من الجنابة، قلنا: إن الاغتسال التنظيف أو للتبرد أو .. ، أمرها أخف.
إذا أزيلت النجاسة بمعالجة أو مواد كيماوية هل يطهر الماء؟
إذا ذهبت عين النجاسة، وذهبت أوصافها سواءً كان ذلك بمعالجة أو غير معالجة، إذا لم يكن للنجاسة أثر فعلى قول مالك هو طهور؛ لأنه حينئذ لم يتغير، وإذا كان للنجاسة أثر من لون أو طعم أو ريح فالإجماع قائم على أنه نجس.
يقول: هل ما تغير لونه أو ريحه أو طعمه قليلاً هل يضر في طهوره؟
وإذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تقع فيه، لا بطول مكثه، أحياناً يتغير -تتغير رائحته- يكون منتن، نعم منتن، لكنه بسبب طول المكث، ونعرف جميعاً أن الماء يأسن بطول مكثه، ولهم طريقة في تطييبه، لكن إذا كان بطول مكثه من غير نجاسة تقع فيه فهو طاهر.(2/17)
اللحم والطعام، إذا أنتن من طول البقاء، يعني لو أتيت بالغداء -بقية غداء أمس مثلاً- وأحضرته اليوم، وجدته متغيراً، هل يجوز أكله أو لا يجوز أكله؟ وهل هو طاهر أو نجس؟
هو طاهر بلا شك، ولو أنتن، لكن هل يجوز أكله أو لا يجوز أكله؟ نعم؟
نعم يا إخوان؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا كان يضر، تغيره كثير مفسد لا يجوز للضرر، لا لنجاسته؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة -يعني متغيرة- وجاء في حديث الصيد: ((كله ما لم ينتن)) يعني تتغير رائحته، والمقصود بـ ((كله ما لم ينتن)) يعني نتناً مفسداً للطعام بحيث يكون ضاراً، أما إذا كان التغير بحيث لا يضر ولو كانت رائحته غير طيبة، فإنه يؤكل.
ما الفرق بين الطاهر والطهور والنجس عند من يقول بالفرق وأن الأقسام ثلاثة؟
الطاهر طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، والطاهر يجوز شربه، يجوز شربه ولا يؤثر على الجرم الذي يقع عليه، لكنه لا يجوز الوضوء به، وهو ما تغير بالأشياء الطاهرة، والطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، والنجس معروف ما تغير بالنجاسة، هذا عند من يقول بتقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام، وأما من يقول بتقسيمها إلى قسمين فقط طهور ونجس، أو طاهر ونجس فكل ما جاز شربه يجوز الوضوء به، ما دام يسمى ماء.
ما معنى القلة؟
في حديث ابن عمر: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث))، هذا مما ينبغي بيانه ولكن شدة الاختصار جعلتنا نطوي بعض الأشياء المهمة، وإلا معنى القلة على أقل الأحوال، شيء لا بد من بيانه.
القلة: جاء بيانها في بعض الروايات بقلال هَجَر، وقلال هجر يقول ابن جريج: إنها معلومة المقدار، معلومة المقدار، والقلة تساوي قربتين وشيئاً، وجعلوا هذا الشيء نصفاً؛ من باب الاحتياط، وحدها بعضهم بما يقله الرجل المتوسط بيديه، يعني يستطيع حمله، سميت بذلك؛ لأنه يستطيع أن يقلها، يعني يحملها.
وجاء في تفسير القلة أنها ما يبلغ رؤوس الجبال، فإذا كانت القلة تبلغ رؤوس الجبال، فالقلتان طوفان، نعم، لكنه قول ضعيف جداً، ولا يتلفت إليه.(2/18)
المقصود أن أولى ما يقال في تعريف القلة ما اعتمده الأكثر، وأنها محدودة بقلال هجر، وهجر هل هي البلد المعروف الأحساء والبحرين وما والاها؟ أو قرية قرب المدينة؟ يختلف الشراح في ذلك.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
خمسمائة رطل، خمسمائة رطل، خمسمائة رطل تقريباً.
إذا كان لونه لم يتغير ولكن له طعم مثل الديزل أو البنزين؟
يعني ماء متغير بأمور .. ، بأشياء طاهرة، متغير بأشياء طاهرة، لكنها لم تسلب الماء اسمه، يعني من رآه قال: هذا ماء، هذا يرفع الحدث.
الماء الراكد إذا جاءت به نجاسه ولم يتغير طعمه أو رائحته أو لونه؟
قبل يقول: ما معنى كلمة جنب؟ ما معنى كلمة جنب؟
نعم، الجنب من أصابته جنابة، بسبب إنزال من جماع أو احتلام، ولا بد من حصول اللذة من غير النائم، أما النائم فيكفي في ثبوت الجنابة خروج الماء؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث أم سلمة قال: ((نعم، إذا هي رأت الماء))، ولم يقيد ذلك بلذة، أما غير النائم لا بد من حصوله بلذة؛ لأن خروج الماء منه بغير لذة هذا مرض.
يقول: الماء الراكد إذا جاءت به جنابة ولم يتغير طعمه أو رائحته أو لونه؟
عرفنا الخلاف -جاءت به نجاسة- كل على مذهبه، من يفرق بين القليل والكثير، ويرى أن القليل يتغير بمجرد ملاقاة النجاسة يقول: هو نجس إذا كان قليلاً، ولا يتنجس إذا كان كثيراً، والذي لا يفرق بين القليل والكثير وهو مذهب مالك ورجحه شيخ الإسلام يقول: لا ينجس إلا بالتغير.
يقول: هل المقصود بالخلوة الاغتسال أم غير ذلك؟
الخلوة كونها تستعمل هذا الماء في طهارة كاملة، وضوء أو اغتسال، أي نرفع حدث من المرأة إذا لم تكن بمرأى أحد، خلت به، ومثله خلوة الرجل؛ لأن خلوة الرجل مثل خلوة المرأة على ما سمعنا في الحديث السابق، ولا فرق.
انتهى الوقت المعد المخصص للأسئلة وبقي من الأسئلة الشيء الكثير، كثيراً جداً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى-:(2/19)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات, أولاهن بالتراب)) [أخرجه مسلم]. وفي لفظ له: ((فليرقه))، وللترمذي: ((أخراهن, أو أولاهن)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة: الواو تعطف مقدراً، أي وأروي أيضاً عن أبي هريرة، والمقدر هو متعلق الجار والمجرور، وأروي أيضاً عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات, أولاهن بالتراب)): ولغ الكلب، يقال: ولغ يلغ، كـ (وهب يهب)، إذا شرب منه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه، أو لعقه بلسانه.
((طهور إناء أحدكم)): الإناء هو الوعاء، والطهور هنا المراد به التطهير، المصدر إناء أحدكم، والإضافة هنا لا مفهوم لها؛ لأن الطهارة والنجاسة لا يشترط فيها أن يكون الشيء مملوكاً للإنسان بنفسه،. . . . . . . . . معنى هذا الحديث: ((طهور إناء أحدكم)) أنه بالنسبة لصاحبه لا بد من التطهير، وبالنسبة لغيره لا يحتاج إلى تطهير، يعني لو ولغ الكلب في إناء لزيد فباعه زيد على عمرو أو أهداه إلى عمرو قبل أن يطهره يلزم تطهيره وإلا لا؟ يلزم تطهيره.
إذن ((طهور إناء أحدكم)): الإضافة هنا لا مفهوم لها ((إذا ولغ فيه الكلب)): شرب منه بطرف لسانه، أو لعقه ((أن يغسله سبع مرات)): هذا بالنسبة للإناء، ((أولاهن بالتراب)): وجاء في رواية: ((أخراهن)) - الأخيرة- في رواية: ((إحداهن))، وفي رواية: ((وعثروه الثامنة بالتراب)).
((أولاهن بالتراب)): هذه الرواية يقول أهل العلم: إنها أولى ما ينبغي أن يعمل به من الروايات؛ لأن التراب إذا جعل مع الغسلة الأولى أزال أثره الغسلات اللاحقة، بخلاف ما إذا كان في الغسلة الأخيرة.(2/20)
((وعثروه الثامنة بالتراب)) ((أخراهن)): يعني الأخيرة، فإنه يحتاج إلى غسل التراب فنزيد على القدر المحدد، ومعلوم أن العدد المحدد شرعاً إذا حصل به المقصود فإن الزيادة عليه تكون غير مشروعة، بل ممنوعة، فإذا غسل الإنسان أعضاء الوضوء أربعاً أربعاً، قلنا: خرجت من حيز السنة إلى الابتداع، بينما لو توضأ مرة مرة، أو مرتين مرتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، أو بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ ملفقاً بعضها مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً.
المقصود أن العدد المحدد شرعاً لا يتجاوز، فإن تعبد بهذه الزيادة صار فاعلها مبتدعاً، وإن لم يتعبد به، ولم يكن له عادة أساء وظلم.
وعلى هذا لو شك هل توضأ مرتين أو ثلاثاً، كم يعتمد؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو تردد يعني إذا شك هل صلى ركعتين أو ثلاثاً يجعلهما ركعتين ويزيد ثالثة ويسجد للسهو وانتهى الإشكال، لكن لو توضأ .. ، ولو توضأ مثلاً ثم شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟
طالب:. . . . . . . . .
سواء أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يزيد رابعة؟
طالب:. . . . . . . . .
احنا قلنا: في الصلاة أنه إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث يجعلهما ركعتين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
هم قالوا: يبني على الأقل؛ لأنه متيقن؟ نعم يبني على الأقل؛ لأنه متيقن.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: هل الباب واحد في الصلاة والوضوء أو يختلف؟(2/21)
تعرفون عند الحنابلة ما في فرق يعني إذا شك هل توضأ مرتين مرتين، أو ثلاثاً ثلاث، يجعلهن مرتين ويزيد ثالثة، وما في إشكال كما لو تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثاً، لكن هناك فرق بين الصلاة والوضوء؛ لأن الصلاة لا تصح بالعدد الأقل، بينما الوضوء يصح بالعدد الأقل، فلو شك هل صلى ركعتين أو ثلاثاً يجعلهما ركعتين ويسجد للسهو وينتهي الإشكال؛ لأنه لو قلنا: رجح الأقل، وهو في الحقيقة ما صلى إلا ركعتين بطلت صلاته، فهنا الخيار بين نقص مبطل للصلاة، وبين زيادة معفو عنها للشك والنسيان؛ لأن القاعدة في النسيان أنه ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا عكس -ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود- ولو كان ناسياً، بينما في الوضوء إذا قلنا: اجعلهما غسلتين وزد ثالثة وهو في الحقيقة غسل ثلاثاً خرج إلى حيز الزيادة عن القدر المشروع، بينما لو قلنا: اجعلها ثلاثاً، لو افترضنا أنه نقص عن الثلاث إلى ثنتين، في إطار السنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، وإذا كان الخيار بين السنة والبدعة يرتكب السنة، هذا الأصل.
وهنا إذا شك هل غسل ستاً أو سبعاً، قال: ست وإلا سبع؟
ستاً؛ لأن القدر لا بد منه، بينما في الوضوء الثالثة منها بد، ما يلزم أن تأتي بثالثة، هنا القدر المحدد لا بد منه، السبع لا بد منها.
فإذا قلنا: اجعل التراب في الغسلة الأخيرة، أو في الثامنة احتاج إلى أن يزيد؛ لغسل التراب، فيخرج عن حيز المشروع فيزيد على سبع، وإن كانت في الزيادة لا للنجاسة الأصلية، وإنما هي لإزالة التراب كما هو الواضح، فالأمر يكون أخف، لكن ينبغي ألا يزاد ولا في الصورة على القدر المشروع.(2/22)
أخرجه مسلم، وفي لفظ له: ((فليرقه)): يعني لمسلم، من حديث أبي هريرة: ((فليرقه)): وهذه اللفظة تدل على نجاسة ما ولغ فيه الكلب، نجاسة ما ولغ فيه الكلب؛ لأن الإراقة إتلاف وإضاعة للمال، وقد جاء النهي عن إضاعة المال، فإذا جاز لنا مخالفة هذا النهي دل على أن ما يقابل هذا النهي أمراً واجباً، ووجوب هذه الإراقة لا شك أنه لنجاسته وخروجه عن حيز المالية، وحينئذ لا يكون مالاً؛ لأن النجس ليس بمال، ولذا لا يجوز بيعه، وإذا كان ما ولغ فيه نجساً فهو نجس، وهذا قول جمهور أهل العلم، خلافاً لمالك، الجمهور على أن الكلب بجميع أجزائه نجس حتى شعره، والإمام مالك يرى أنه طاهر، الكلب طاهر عند الإمام مالك والأمر بالغسل هنا للتعبد لا لنجاسته.
إذن: الأمر بالإراقة أيضاً تعبد؟!
الغسل معقول المعنى ولا غسل إلا من حدث أو خبث، ولا حدث هنا، إذن: يبقى ولا حدث هنا إذن: يبقى الخبث وهو نجس، فالحديث دليل صريح واضح على نجاسة الكلب.
منهم من يقول: إن شعره طاهر، شعره طاهر، هذا المعروف عند جمع من أهل العلم وأنه يمكن أن يستفاد منه.
والجلد إذا دبغ فيه خلاف ستأتي الإشارة إليه قريباً إن شاء الله تعالى.
من أدلة المالكية أولاً: جوابهم عن هذا الحديث أن الأمر بالغسل للتعبد، يستدل المالكية بحل أكل ما صاده الكلب، ولا بد أن يباشره، بفمه، ولم يرد غسله ولا تتريبه –الصيد- هذا دليل قوي، صح وإلا لا؟ الكلب حينما يصيد يصيد بأيش؟
طالب:. . . . . . . . .
بأسنانه بالفك، بأسنانه، ولا جاء الأمر بغسله سبعاً مع التراب، لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يجيب الجمهور عن هذا -عن هذا الدليل- وهو قوي؟ نعم.
طالب: الكلب معلم
طيب والمعلم ما هو بكلب؟
طالب:. . . . . . . . .
الإناء، إذا ولغ الكلب .. ، إذا ولغ فيه الكلب، المراد به الجنس، نعم، كلب الصيد المعلم إذا ولغ في إناء يغسل وإلا ما يغسل؟
طالب: يغسل.
يجب غسله، إذن: هو داخل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(2/23)
للجمهور أن يقولوا ويجيبوا عن الصيد؛ لأنه لا بد أن يطبخ، والطبخ أبلغ من الغسل، ولهم أن يقولوا -أو لبعضهم أن يقول، وقد قال-: إن الصيد لا بد فيه أن يغسل وأن يترب، وإن سكت عنه في النصوص؛ لأنه إذا جاء الحكم في نص واحد ما يلزم أن يأتي في جميع النصوص يصير معروفاً، يصير معروفاً، ما يلزم أن ينقل الرواة كل شيء؛ لأنه نقله من تقوم به الحجة.
لكن غسل المصيد وتتريبه لا شك أنه عنت، لا. . . . . . . . . الشرع بمثله، وهو أيضاً إفساد له، لكن إذا طبخ زال المحظور، لكن قد يقول قائل: إذا ولغ الكلب في الإناء، أنا أبى أطبخ الإناء مثل الصيد، يطهر وإلا ما يطهر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: نعم هذه المسألة منصوص عليها ولا تقبل الاجتهاد، لا تخضع للاجتهاد، قد يقول قائل: في المدن لا يوجد تراب، نغسله بصابون وإلا شامبو أو ما يقوم مقامه، يكفي وإلا ما يكفي؟
طالب: لا يكفي.
عند كثير من أهل العلم يكفي؛ لأن المقصود التنظيف ويحصل بهذه التنظيف، لكن أثبت الطب أن في لعاب الكلب جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، لا يقضي عليها إلا التراب، وهذا قبل المجاهر، وقبل المختبرات، هذا قبل ألف وأربعمائة سنة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا بد من غسل الإناء، لا بد من غسله سبعاً، الماء يراق والإناء يغسل سبعاً، ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب)) فالإناء له الغسل والتتريب، والماء له الإراقة، مع أن ابن عبد البر قال عن لفظة: ((فليرقه)) أنه لم ينقلها أحد من الحفاظ من أصحاب الأعمش، كأنه يريد أن يشكك في ثبوتها، لكن إذا كان الماء نجساً فلا مخالفة في هذه الزيادة، وحينئذ إذا نقلها من تثبت الحجة بنقله لا يلزم أن ينقلها جميع الحفاظ.
ابن مندة يقول: "لا تعرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بوجه من الوجوه"، لكن هي مقتضى ما يصنع بالنجاسات، يعني هل كل نجاسة تلزم إراقتها؟(2/24)
ماء نجس، قد يقول قائل: هذه اللفظة ليست ثابتة، أنا أريد أن أبقي هذا الماء، أقل الأحوال لو أطفئ به حريقاً، وإن جاء الأمر بإراقته، يعني إذا وجد خمر تلزم إراقته أو لا تلزم؟ يقول شخص: أنا أريد أن أركنه عله أن يتخلل، أنا لن أشربه، ولن أمكن أحد من شربه، لكن عله يتخلل بنفسه فيحل ويطيب، وهذا يقول: عندنا ماء متنجس وقعت فيه نجاسة هل يلزمني إراقته أو أبقيه أقل الأحوال أطفئ به حريقاً، هذا أقل الأحوال، وهذا يقول: أمسح به السيارة مثلاً، أو أغسل الحوش، أغسل البيت، نعم؟
نقول: هذه اللفظة تقتضي أن يراق؛ لئلا يستعمله من لا يعرف حاله، ولا شك أن إراقة هذا الماء سد لذريعة استعماله، وهي ثابتة في صحيح مسلم، ولا كلام لأحد ما دامت ثابتة في الصحيح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم نعم، هل يقاس على الكلب الأسد والخنزير؟
الأسد جاء في حديث: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) فقتله الأسد، يدخل وإلا ما يدخل؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه، يدخل وإلا ما يدخل؟
الظاهر عدم الدخول، الظاهر عدم الدخول؛ لأن (أل) هذه للكلب المعهود المعروف، وكونه يتوسع في هذه اللفظة فتستعمل في غير الكلب، نعم، ولذا لو حلف ألا يشتري كلباً فاشترى أسداً -على القول بجواز بيعه، بيع الكلب- اشترى أسداً يحنث وإلا ما يحنث؟
ما يحنث بلا شك، لا يحنث، وإن كانت الأيمان والنذور مردها إلى العرف، والأسد لا يقال له عرفاً: كلب، لكن الظاهر عدم دخول غير الكلب المعروف في مثل هذا النص، ولا يقاس عليه خنزير ولا غيره؛ لأن مثل هذه الأمور التي جاء الشرع بتحديدها، وأثبت الطب وجود هذه الجرثومة في لعاب الكلب خاصة يدل على أن الشرع له قصد ومغزى من تخصيص الكلب بهذا الحكم، وإلا لو كان يلحق به غيره لجاء اللفظ أعم، لفظاً يشمل الكلب وغيره، والله المستعان نعم.
وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في الهرة: ((إنها ليست بنجس, إنما هي من الطوافين عليكم)) [أخرجه الأربعة, وصححه الترمذي وابن خزيمة].(2/25)
عن أبي قتادة: الحارث بن ربعي صحابي معروف، فارس النبي -عليه الصلاة والسلام-، شهد أحداً وما بعدها، توفي سنة أربعة وخمسين بالمدينة، أبو قتادة يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال في الهرة: ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)): الهرة معروفة، معروفة وإلا غير معروفة؟ القط أو أيش؟ أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
البِسّ، نعم لا بأس، وهو أكثر الحيوانات أسماؤها .. ، له أسماء كثيرة جداً.
على كل حال هو معروف.
((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)): يعني تكثر ملابستكم لها، وملابستها لكم، ويشق عليكم التحرز منها، هي كالخادم في البيت ما يمكن أن يحجب عن مكان، نعم، أحكمت الأبواب، وأتقنت الأغلاق لكن من يحترز من مثل هذا؟
((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)): هذه العلة منصوصة بلا شك، تدل على أن الهر طاهر، وهذا يدل على ضعف الأمر بغسل ما ولغ فيه الهر مرة واحدة.
هذا الحديث له سبب وهو أن أبا قتادة سكبت له زوجة ابنه ماءً فجاءت هرة فشربت منه، فتوضأ منه أبو قتادة، فتعجبت المرأة من كونه يتوضأ بماء، فساق الحديث، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها ليست بنجس)).(2/26)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (3)
شرح: باب الآنية
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
سكبت له زوجة ابنه ماءً فجاءت هرة فشربت منه، فتوضأ منه أبو قتادة، فتعجبت المرأة من كونه يتوضأ بماء .. ، فساق الحديث، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)) وفي وراية: ((والطوافات)) وجُمع جمع سلامة، جمع مذكر سلام، أو جمع مؤنث سالم كما في الرواية الأخرى، والأصل أن فيما يجمع جمع سلامة أن يكون ممن يعقل، العاقل فقط، لكن الهرة عوملت معاملة العاقل؛ لأنها وصفت بوصفه، ووصفت بوصف العاقل ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)) هذه العلة ألحق أهل العلم بالهرة كل طواف مما يشق الاحتراز منه، أما ما لا يشق الاحتراز منه فإنه لا يلحق به، ولذا يقول أهل العلم: "وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر" يعني ما دونها من الخلقة لا يمكن التحرز منه، فأرة مثلاً، الفأر هل يمكن أن يتحرز منه؟ ممكن أن تخلو المستودعات من الفأر إلا شخص يتحسس أموره في كل وقت، وإلا مجرد ما يغفل يجد الفأر، نعم، وكانت الأمور أشد لما كانت الأبواب أقل إحكام، نعم، أقل إحكام مما هي عليه الآن، فلا يمكن التحرز بحال مما دون الهرة، لكن ما فوق الهرة، إذا كان عند الإنسان كلب أو حمار أو حيوان أكبر من الهرة يمكن التحرز منه، بخلاف ما دون الهرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مثله الهرة، مثله الهرة، الهرة إذا أكلت نجاسة ولغت في الماء، يعني ماء حكم بطهارته لا شك أنه يمكن أن تطرأ عليه نجاسة، لكن الأصل أنه طاهر، فإذا وجد فأر متلبس بنجاسة؛ لأنه خرج من المجاري ينجس للنجاسة التي علقت به، هذا الهر إذا أكل نجاسة والنجاسة باقية في فمه ينجس ما ولغ فيه، وما شرب منه، لكن إذا مضى عليه وقت بحيث تزول هذه النجاسة فإنه يرجع إلى الحكم الأصلي، نعم.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس, فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أقصى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه" متفق عليه.(3/1)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" الأعرابي: واحد الأعراب، الأعرابي: واحد الأعراب، وهم سكان البادية، الأعراب له واحد من لفظه؟ نعم؟ نعم بياء النسب، نعم بياء النسب، أعرابي منسوب إلى الأعراب فهو واحدهم، والأصل في الأعراب أنهم جمع مفرده نعم آتي، لا، لا العربي غير الأعرابي، ما يلزم، نعم العربي غير الأعرابي، فجاءت النسبة إلى الجمع لشهرة هذا الجمع، وإلا فالأصل أن اللفظ إذا أريد النسبة إليه أن يعاد إلى مفرده، والنسبة إلى الجمع شاذة، إلا إذا كان الجمع بمنزلة يفوق فيها لفظ المفرد أو لا مفرد له من لفظه، الأنصار مثلاً الأنصار: جمع ناصر، تنسب الأنصار تقول: أنصاري، ولا تنسب إلى المفرد؛ لأن الشهرة للجمع وليست للمفرد، وإلا فالأصل أنك إذا أردت النسبة إلى الجمع تنسب إلى مفرده، فجمع صحيفة صحف، نعم صحائف وصحف، نعم إذا أردت أن تنسب إذا أردت أن تصف شخصاً يكتب في الصحف تقول له إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا بد من رده على المفرد، تقول: صحفي ولا تقول: صُحفي، وهكذا؛ لأن النسبة إلى الجمع عند أهل العلم شاذة، يستثنى من ذلك ما صار الجمع فيه أشهر من المفرد.(3/2)
"جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" في ناحية أو في زاوية من زوايا المسجد "فزجره الناس" من الصحابة، قام إليه الناس؛ لأنه فعل فعلاً ينبغي أن يزجر من أجله، ينبغي أن يزجر من أجله "فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-" رفقاً به لجهله، وتأليفاً له، وتأليفاً له، ودرءاً للمفسدة العظمى؛ لأنه لو لم يمكن من إكمال بوله لتضرر هو وانتشرت النجاسة، بدلاً من أن يكون موضع النجاسة محدد يمكن تطهيره، يمكن ينجس أماكن أخرى "فزجره الناس فنهاههم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذنوب من ماء" بدلو، سجل، كما جاء في بعض الروايات فيه ماء "فأهريق عليه" صب عليه، وحينئذٍ يطهر، فالبول نجس، بول الآدمي نجس إجماعاً، والتطهير تطهير ما وقع عليه واجب، لكن من الأشياء التي يقع عليها البول ما يجب فيه العدد، ومنها ما يكفي فيه الصب فقط، ومنها ما يكفي مسحه، إذا بال إنسان على ما يتلفه الماء، بال على ما يتلفه الماء إيش تسوي؟ بال على ورق، تغسل الورق؟ يقولون هنا: يكفي مسحه وتعريضه للشمس، وحينئذٍ تنتهي هذه النجاسة، إذا بال على الشيء صقيل لا يشرب النجاسة، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: يكفي مسحه، يمسح ويكفي، ويستدل بأن الصحابة والنبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام كانوا يذبحون الأنعام الثانية تلو الأولى وهكذا ولا يؤثر عنهم أنهم غسلوا السكين، مع أن الدم المسفوح نجس اتفاقاً، فقالوا: السكين صقيلة يكفي مسحها، ولا يحتاج غسلها، لو بال على مرآة مثلاً، لو بال على شيء يكفي مسحه، لكن الجمهور على أنه لا بد من الغسل، ولا تطهر مثل هذه الأشياء إلا بالغسل، إذا وقع البول على الثوب، أو على شيء يمكن غسله، وتقليبه، فلا بد من غسله ثلاثاً، للأمر بغسل الأنجاس ثلاثاً، وهذا هو الأصل في جميع النجاسات، لكن إذا كان مما لا يتيسر قلبه وعصره وفركه كالأرض يكفي في تطهيرها أن يصب عليها الماء، كما هنا، ولا يلزم نقل التراب، ولا فرق بين الأرض الرخوة والصلبة، لا فرق بينهما، بل تكاثر بالماء ويصب عليها ذنوب من ماء وينتهي الإشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يغسل ثلاثاً؟(3/3)
طالب:. . . . . . . . .
كم تدور الغسالة؟ أكثر من ذلك، أكثر من ذلك.
يأتي معنا في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام وأنه يكفي فيه النضح، وفي هذا بيان خلق النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث رفق بهذا الجاهل، وجاء في بعض الروايات تسمية هذا الأعرابي بأنه ذو الخويصرة، ذو الخويصرة اليماني وإلا التميمي؟ نعم؟ نعم اليماني، فلطف به النبي -عليه الصلاة والسلام- وعذره بجهله، وعامله على مقتضى حاله تأليفاً له؛ لأن مثل هذا لو زجر وأنكر عليه بقوة وشدة يمكن ما يجي المسجد مرة ثانية؛ لأن مثل هؤلاء ما تمكن الإيمان من قلوبهم، أعرابي جافي، مثل هذا يرفق به، ويلطف به، ومن مصارف الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام إعطاء المؤلفة قلوبهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، وحينئذٍ يوكلون إلى إيمانهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يعطي الشخص وغيره أحب إليه منه كما في الحديث الصحيح ((خشية أن يكبه الله في النار)) لأن الإيمان ما وقر في قلبه، ثم إذا لم يعطَ فإنه يرتد، وهذا حصل لكن الذين أعطوا هم في الأصل أعراب جفاة ما وقر الإيمان، أسلموا طمعاً في الدنيا، لما أعطوا حسن أسلامهم، والله المستعان.(3/4)
فهذا فيه درس لمن يزاول ويمتهن دعوة الناس إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الرفق ديدنه؛ لأن الرفق ما صار في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، بخلاف العنف، العنف لا يأتي بشيء لا يأتي بالفائدة، بل العكس يأتي بآثار سلبية وردود أفعال، والرفق مطلوب في كل حال وفي كل ظرف، لما أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- علي الراية ووجهه إلى خيبر قال له: ((انفذ على رسلك)) وهذا في الحرب التي تطيش فيها العقول ((انفذ على رسلك)) يعني لا تستعجل العجلة ما تأتي بشيء، فالرفق هو المطلوب في جميع الحالات، نعم إذا كان هناك أمر يفوت، حريق يخشى زيادة انتشاره فالمبادرة مطلوبة، جاء الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(9) سورة الجمعة] مبادرة، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [(133) سورة آل عمران] {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد] المقصود مثل هذه الأمور تنبغي المبادرة إليها بالرفق؛ لأن المبادرة والمسارعة لا تعني العجلة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم بالسكينة، فامشوا وعليكم بالسكينة والوقار)) والله المستعان، نعم.
الحديث الذي يليه:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحلت لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان فالجراد والحوت, وأما الدمان فالطحال والكبد)) أخرجه أحمد وابن ماجه, وفيه ضعف".
نعم حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المرفوع المصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما هنا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا شك أن فيه ضعف، المصرح برفعه فيه ضعف، كما أشار الحافظ -رحمه الله تعالى-، لكن الموقوف على ابن عمر من قوله صحيح، وهو وإن كان لفظه موقوفاً على ابن عمر فإن له حكم الرفع؛ لأن قول الصحابي أبيح لنا، أو أحل لنا، أو حرم علينا له حكم الرفع؛ لأن الذي يبيح والذي يحرم والذي يحلل هو الشرع، فالذي أحل لهم هاتين الميتتين وهذين الدمين هو من يملك التحليل والتحريم، وهو الله -سبحانه وتعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فله حكم الرفع.(3/5)
الموقوف على ابن عمر صراحة صحيح، والمصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ضعف على أن الموقوف كما ذكرنا له حكم الرفع، فهو مرفوع حكماً.
" ((أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجرد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال)) أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف" لأنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر، يقول الإمام أحمد: حديث منكر، هذا المصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((أحلت لنا ميتتان ودمان)) وهذا مما يخص به قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [(3) سورة المائدة] {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [(3) سورة المائدة] فالميتة حرام إلا ما استثني، والدم حرام إلا ما استثني، على أن الدم ينبغي تقييده بما جاء في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] فالدم المسفوح هو المحرم، بخلاف الدم الذي يبقى في اللحم، هذا ليس بمحرم، ولا ينظف اللحم منه، بل يبقى؛ لأنه ليس بمحرم.
هنا حملنا المطلق على المقيد {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق، نعم، {دَمًا مَسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] نعم مقيد، وحينئذٍ في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد فيه خلاف وإلا ما في خلاف؟ هاه؟ بدون خلاف بالاتفاق، لماذا؟ نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم للاتفاق في الحكم والسبب، للاتفاق في الحكم والسبب.
((أحلت لنا)) التحليل بمعنى الإباحة، والحلال هو المباح ضد الحرام، الحلال ضد الحرام، أو نقيض الحرام؟ نعم؟ ضد، لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلاهم مفقود؟ هاه؟ أو كلاهم موجود؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(3/6)
لا، ما يمكن يجتمعان، الضدان لا يجتمعان، كما أن النقيضين لا يمكن أن يجتمعا في الاجتماع يشترك الضد والنقيض، لكن في الارتفاع النقيضان لا يرتفعان، والضدان يمكن أن يرتفعا، وهنا تقابل الحل والحظر تقابل ضدية؛ لأنه يمكن أن يرتفع الحكم عن هذه العين؛ لأنها ليست حلال ولا حرام، إنما هي مكروهة أو مستحبة نعم.
((أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت)) الجراد معروف، وجاء في الحديث الصحيح: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد، فجاز أكله، وحله إجماع بين أهل العلم، إلا ما يذكره بعضهم عن جراد الأندلس وهو أن فيه مادة سامة مضرة، فيمنع ويحرم من أجل الضرر، وإلا فالأصل أن الجراد مباح.
والحوت: وتقدم هذا في الحديث الأول: ((الحل ميتته)) وعرفنا أن المراد به ما لا يعيش إلا في البحر، ولا فرق في ذلك بين الميت في البحر مما طفا على وجهه، أو جزر عنه، أو أخرج منه فمات، فهو حلال، شريطة ألا يعيش إلا في البحر، وأما ما يعيش في البر والبحر. . . . . . . . . كان مما يجوز أكله.
وأما الدمان فالكبد والطحال، لا شك أن الكبد والطحال دم متجمد، وهي حلال بهذا النص، فهو مخصص للآية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] كما عرفنا.
جاء في الحديث مما يستدل به من لا يجيز أكل الطافي يعني مات في البحر ثم طفا ((ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوا، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه)) مخرج في المسند والسنن لكنه ضعيف، لا يعارض به مثل هذا الحديث، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من الحوت الكبير الذي عثرت عليه السرية وأكلوا منه مدة فذهبوا بالبقية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأكل منه، هذا في الحديث في البخاري، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه, فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)) أخرجه البخاري وأبو داود وزاد: ((وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء)).(3/7)
حديث: "أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقع الذباب)) " وهو معروف أيضاً، يقول بعضهم: إن سبب تسميته هو أن أصل التسمية ذُبّ فآب يعني طرد فرجع، طرد فرجع، هذا وصفه باستمرار، يطرد فرجع صار ذباب، خففت إلى ذباب، وهو معروف لا يحتاج إلى مزيد بسط في سبب التسمية، وذكْر خواصه.
((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه)) هذا أمر شرعي واللام لام الأمر ((ثم لينزعه)) وهذا خلاف ما يقوله الأطباء، وأنه يحمل ملايين الجراثيم، نعم، يحمل ملايين الجراثيم، لا شك أن في جناحه -في أحد جناحيه- داء، ولتكن جراثيم، لكن علاج هذه الجراثيم في الجناح الآخر، وقول بعض أهل الترف:
إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
هذا لو مسه الجوع ما فعل مثل هذا الفعل، والمسألة شرعية، قد يقول قائل وقد قيل ممن تكلم في الحديث من المتقدمين يقول: من أين للذباب العقل والفهم والتمييز بحيث يقدم الجناح الذي فيه الداء؟ وهل هذا مطرد؟ نقول: نعم مطرد، وكونه يعقل هو لا يعقل، لكن عند هذه المخلوقات -وإن كانت غير عاقلة- عندها من الملكات ما يحصل به تمييز ما ينفع وما يضر، بهيمة الأنعام إذا جرت إلى الذبح تنقاد وإلا ما تنقاد؟ لا تنقاد إلا بقوة، تقبل على ما ينفعها من أكل وشرب، وتهرب مما يضرها من سبع وجزار وما أشبه ذلك، فهذه قوى مدركة، فهذا الكلام الذي قاله بعضهم وما زال الكلام في حديث الذباب جاري من بعض من لا ينقاد للنصوص الشرعية إلا إذا عرضها على عقله فهذا خطر عظيم، كل نص وإن صح لا يقبله عقله لا بد أن يكون عنده فيه وقفة، لا شك أن مثل هذا يخشى عليه من الزيغ، يعني شخص يقول في حديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) والحديث في البخاري، يقول: الواقع يرد ذلك، تولت النساء فصرن أفضل من الرجال، وضرب مثل: إندي رغاندي وجولد مائير وتتشر، يعني هذا لو قاله عدو غير مسلم، ولا أتصور أن الوقاحة بالأعداء تصل إلى هذا الحد ليقولوا لنا مثل هذا الكلام، فكيف يقول هذا الكلام ممن ينتسب إلى العلم بل ينتسب إلى الدعوة، يرد حديث في صحيح البخاري لأن جولد مائير هزمت العرب رئيسة وزراء اليهود.(3/8)
صديق حسن خان العالم المعروف، ولو قيل ما قيل بالنسبة لمؤلفاته، لكنه من أهل العلم في الجملة، كان ممن يحضر الدرس ملكة هوذال في الهند فلما وصلوا إلى هذا الحديث تزوجها وتنازلت له عن الملك،. . . . . . . . . لا إشكال في أنه لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، هذه هي الحكمة، لا بد من الانقياد والتسليم، سواءً أدركنا أو لم ندرك إذا صح الخبر، هناك أمور لا بد أن يقف العقل دونها، لا يمكن أن يستوعبها عقل مهما بلغ من الذكاء والفطنة والخبرة، كون الشمس كما في الحديث الصحيح وهي في فلكها تسير، تسجد تحت العرش كل ليلة، يمكن أن يستوعب مثل هذا؟ ما يستوعبه عقل، لكن نرضى ونسلم، أدركنا أو لم ندرك، الرب -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة، في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، ويقرر أهل العلم أن العرش لا يخلو منه، يدركه عقل وإلا ما يدركه؟ ما يدركه عقل، يعني. . . . . . . . . هنا لا يتطاول العقل إلى الوصول إليها، وهنا يقال: من أين للذباب أن يعقل فيقدم هذا الجناح ويؤخر ذاك؟ فيرد الحديث بمثل هذا الهراء، وهذا قاله بعض المتقدمين وكثير من المتأخرين، من أين للنملة وهي تجمع الطعام في جحرها، ومأواها أن تقسم الحبة نصفين لئلا تنبت؟ من أين لها العقل حتى تفعل مثل هذا الفعل؟ تكسر الحبة نصفين على شان ما تنبت لو جاءها رطوبة نبتت وخسرتها؟
ذكر شراح الصحيح أن فرساً أكره على أن ينزو على أمه فما رضي، حاولوا، ضربوه، أكرهوه، ألزموه، حملوه، ما نزا على أمه، فرس، فجللت الأم، غطيت، فنزا عليها؛ لأنه لا يعرفها، غطيت، فلما كشف الغطاء قطع ذكره بأسنانه، من أين لهذا الفرس أن يصنع مثل هذا الفعل؟ ويوجد مع الأسف الشديد بين المسلمين بسبب البعد عن الدين، وبسبب أسباب الشر والفساد التي انتشرت بين المسلمين مسخ الفطر من يقع على المحارم، نسأل الله السلامة والعافية، فالحيوانات خير منه، في هذا الباب، نعم هو لا يكفر بهذا، لكن يبقى أنه ممسوخ الفطرة، ومسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، كما يقرر أهل العلم، نسأل الله السلامة والعافية.(3/9)
على كل حال الحديث صحيح، هو في البخاري وليس لأحد أن يتكلم فيه بحال، مهما بلغت منزلته من العلم، ومن أنكره لا حجة له إلا مقتضى عقله والعقل وشواهد الأحوال تشهد لمثل هذا الحديث.
((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء, وفي الآخر شفاء)) هذا يدل على أن الذباب لا ينجس ما وقع فيه ولو مات؛ لأن الشراب إذا كان حاراً ووقع فيه الذباب فالذي يغلب على الظن أنه يموت، يقول أهل العلم أخذاً من هذا الحديث: إن كل ما لا نفس له سائلة فإنه لا ينجس بالموت، ما لا نفس له سائلة يعني ليس له دم، فإنه لا ينجس ولو مات "رواه البخاري وأبو داود، وزاد: ((وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء)) على كل حال يقول أهل التجربة: إن لدغة العقرب والزنبور إذا دلكت بالذباب فإنه يبرأ -بإذن الله تعالى-، لوجود هذا الدواء الذي بجناحه الآخر.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
شكله، أقصد جميل وإلا قبيح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الذباب على صغره وقبحه لو اجتمعت قوى الدنيا كلها ما استطاعت تصنع مثله {إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [(73) سورة الحج] لو اجتمعت الدنيا كلها، لو خطف الذباب شيء مهما صغر ودق ما يمكن تسلبه ولا قوى العالم كلها {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [(73) سورة الحج] الله المستعان.
على كل حال الذباب اسم للجنس، جنس هذا الطائر الصغير سواءً صغر أو كبر، فيدخل في الحكم.
نأخذ الحديث الذي يليه وإلا دخلنا على وقت الشيخ؟ لأن هذا الحديث مكمل للباب لكن ...
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
الأمر ما في شك أنه لمصلحة البدن هنا، لمصلحة البدن، فكون. . . . . . . . . من هذا الطعام ويريقه مع اعتقاده صحة الخبر وأن فيه .. ، ما يضره هذا، ما يضر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا وقع في الشراب لا شك أن هذا الداء ينتشر في الشراب، أما في الطعام لا ينتشر، يبقى المكان الذي وقع فيه محدود يلقى وما حوله وينتهي الإشكال.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.(3/10)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي واقد الليثي -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) أخرجه أبو داود, والترمذي وحسنه, واللفظ له".
راوي الحديث أبي واقد الحارث بن عوف صحابي شهير بدري في أشهر أقوال أهل العلم، وقيل: إنه من مسلمة الفتح، لكن الأول أقوى، مات سنة ثمان وخمسين بمكة، أبو واقد اختلف في اسمه على أقوال، لكن أشهر هذه الأقوال أن اسمه: الحارث بن عوف.
يقول أبو واقد -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) أخرجه أبو داود والترمذي" وأحمد والحاكم والبيهقي "وحسنه" الترمذي والألباني، وله طرق يشد بعضها بعضاً، فهو حسن كما قال الترمذي.
((ما قطع من البهيمة)) والحديث وإن كان سنده في الأصل عند الترمذي لا يسلم من مقال، لكن له شواهد عن أبي سعيد وابن عمر وتميم الداري وغيرهم، فهو بهذه الشواهد يبلغ درجة الحسن.
وله سبب: وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم المدينة، وبها ناس يعمدون إلى أسنمة الإبل وإليات الغنم فيجبونها وينتفعون بها، يأتي إلى ألية الشاة أو الخروف فيجبها، ويذيبها ويستفيد منها، ومثلها سنام البعير، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) وكل ما قطع من ذي روح يأخذ حكمه ميتاً، فما قطع من الإنسان، ما أبين من الإنسان طاهر وإلا نجس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طاهر لماذا؟ لأن المسلم لا ينجس، لا ينجس بالموت، وكل على مذهبه في المشرك، في الكافر، هل هو نجس عين؟ أو نجاسته معنوية؟ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [(28) سورة التوبة] .. إلى آخره.(3/11)
فمن يقول: بأن النجاسة حسية يقول: ما أبين من الكافر فهو نجس، فإذا كان نجس في حال الحياة فهو في حال الموت من باب أولى، وما أبين من المسلم فهو طاهر؛ لأن المسلم لا ينجس بالموت.
وما أبين من الغنم والإبل والبقر حكمه حكم الميتة من هذه الأنواع وهذه الأصناف، وما أبين من السمك والجراد حكمه حكم الميت من هذين النوعين، طاهر وهكذا؛ لأن الحديث عام، ((ما قطع)) و (ما) من صيغ العموم ((ما قطع من البهيمة -وهي حية- فهو ميت)) من البهيمة، والفقهاء أخذوا من هذا العموم أن النص شامل للبهيمة وغيرها، ولذا يقولون ويعبرون: ما أبين من حي فهو كميتته، ويقولون: إن قوله: ((من البهيمة)) على سبيل المثال؛ ولأن سبب الورود كان في البهيمة، لا شك أن البهيمة تدخل في النص دخولاً أولياً؛ لأنها منصوص عليها، لكن الحكم واحد عند أهل العلم، ما أبين من كل حي فهو كميتته، فما هو طاهر في الحياة فهو طاهر إذا أبين،. . . . . . . . . ما تثبت طهارته له بعد الموت كالآدمي، والسمك والجراد، فإن ما أبين منه فهو طاهر، وإذا كان يتأثر بالموت ويتنجس فإن ما أبين منه وما قطع منه فإنه يكون حينئذٍ نجساً، نعم.
باب الآنية:
"باب الآنية:
عن حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) متفق عليه.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) متفق عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الآنية" وعرفنا ما قيل في الباب، وأنه في الأصل موضوع لما يدخل منه ويخرج معه، في الأبواب الحسية، وأهل العلم جعلوا له حقيقة عرفية عند أهل العلم، لما يضم مسائل من العلم، كباب المياه وباب الآنية وما أشبه ذلك، والآنية جمع إناء، والإناء معروف اتفقت فيه الحقائق الثلاث.(3/12)
الآنية هي الأوعية، جمع إناء كما أن الأوعية جمع وعاء، لغة وشرعاً وعرفاً، فالحقائق الثلاث تواطأت على أن الآنية هي الأوعية، ففي اللغة: الإناء هو الوعاء، وفي الشرع: الإناء هو الوعاء، والظرف، وفي العرف كذلك.
ولما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- المياه وأنواعها، وما يؤثر فيها ذكر الظرف الذي لا بد منه لهذه المياه؛ لأن الماء لا يتماسك بنفسه، بل لا بد له من ظرف، فالحاجة قائمة إلى معرفة الظرف الذي يحوي هذا الماء، يروي الحافظ -رحمه الله تعالى- عن حذيفة؛ لأننا ذكرنا أن الجار والمجرور عن حذيفة أو عن غيره من الصحابة متعلق بمحذوف تقديره: أروي عن فلان، وإذا كان الحديث في أول الباب لا يؤتى بالواو، ولذلك تلاحظون، أروي عن حذيفة وأروي أيضاً عن أم سلمة، فالثاني معطوف على الأول، والأول مستأنف.
"عن حذيفة بن اليمان" حذيفة بن اليمان بن حسل أو حسيل، صحابي جليل وأبوه كذلك اليمان، هما صحابيان جليلان، حذيفة صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أفضى إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ببعض الأسرار فيما يخص المنافقين والفتن التي تكون في آخر الزمان، فهو صاحب السر، وكان عمر -رضي الله عنه- لا يصلي على الشخص الذي لا يصلي عليه حذيفة، مات بالمدائن سنة خمس أو ست وثلاثين.
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما)) " كأن الإناء هنا الوعاء الخاص بالشرب ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما)) وهو شامل لكل إناء يوضع فيه الطعام، والتعبير بالصحفة أو الصحاف من باب التمثيل، وإلا لو أكل الإنسان في قصعة من ذهب أو فضة دخل في الحديث، كونه ينص على الصحفة وهي ما تشبع الخمسة فيما قاله الكسائي وغيره، دخل في الحديث، وغير الصحفة من آنية الذهب، ومثلها ما يؤكل به كالملعقة والشوكة والسكين وما أشبه ذلك من أدوات الأكل.(3/13)
((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم -أي للكفار- في الدنيا)) والضمير يعود إليهم، وإن لم يجرِ لهم ذكر، فإن السياق يفيد أنهم هم المقصودون بالخبر، ((لهم في الدنيا)) هم الذين يباشرون مثل هذه الأشياء، وهم الذين يستعملونها؛ لأنهم لا يتدينون بدين، ولا يرجون ثواباً ولا يخشوع عقاباً ((ولكم في الآخرة)) لكم أيها المسلمون الذين التزمتم ما أمرتم به، واجتنبتم ما نهيتم عنه، جزاءً وفاقاً امتنعتم عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة فأبيحت لكم وخصصت لكم في الآخرة، كما أن من شرب الخمرة في الدنيا لم يشربها في الآخرة، من سمع الغناء في الدنيا، لم يسمع غناء الحور العين في الآخرة، وهكذا جزاءً وفاقاً.
((فإنها لهم في الدنيا)) هذا إخبار وليس بحكم، ليس معنى أن هذا مباح لهم، لكن هذا إخبار عن حالهم وعن واقعهم، فلأنهم لا يتدينون بدين، ولا يخشون عقاب، ولا يرجون ثواب يستعملونها، وإلا فهم ممنوعون حكماً من استعمالها، على القول الراجح من أقوال أهل العلم في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كمخاطبتهم بأصولها عند جمهور العلماء.
ومنهم من يقول: هم غير مخاطبين مطلقاً، ومنهم من يقول: هم مخاطبون بالكف عن المحرمات دون فعل الواجبات والمأمورات؛ لأن فعل المأمورات يحتاج إلى نية، وهم ليسوا من أهل النية، أما الكف فيحصل من غير نية، لكن القول المرجح عند جمهور أهل العلم: أنهم مخاطبون.
يقول الله -سبحانه وتعالى-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(42 - 44) سورة المدثر] .. إلى آخره، فذكروا في أول ما ذكروا فروع من فروع الشريعة، كان سبباً في دخولهم النار، ومعنى أنهم مخاطبون بالفروع أنهم يعاقبون عليها، ويزاد في عذابهم في الآخرة إضافة إلى عذابهم على عدم الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-.(3/14)
قد يقول قائل: إذا كانوا بحيث لا تصح منهم العبادات في الدنيا، ولا يطالبون بقضائها إذا أسلموا فما معنى مخاطبتهم بالفروع؟ معناه ما سمعتم، أنهم يزاد عليهم في العذاب من أجلها، وكونهم لا يطالبون بها حال الكفر لأنها لا تصح إلا بالنية والنية من غير المسلم ليست صحيحة، قصد التعبد لله -سبحانه وتعالى- لا يمكن أن يصدر من غير مسلم، ولا يكلفون بقضائها إذا أسلموا ترغيباً لهم في الإسلام، فلو أسلم كافر وعمره سبعون سنة، هل يقال له: عليك أن تقضي الصلوات والصيام مدة خمس وخمسين سنة يعني بعد التكليف؟ لا يقال له ذلك ترغيباً في الإسلام؛ لأنه لو قيل له ذلك احتمال أن يقول .. ، يرجع عن إسلامه، احتمال أن يقول: ما لازم نسلم هذه مشقة عظيمة، فمن باب الترغيب له في الإسلام لا يؤمر بقضائه.
يلزم على قول من يقول: أنهم غير مخاطبين لتخلف الشرط المصحح لهذه الفروع، يلزم عليه أننا لا نأمر بالصلاة إلا المتوضأ، ما نؤمر أحد نقول له: صلِ؛ لأننا ما ندري هو متوضأ أو ما هو متوضأ؟ نقول له: توضأ، توضأ قبل، نأمر الناس بالوضوء، ثم نأمر من توضأ بالصلاة، لماذا؟ لأن الصلاة لا تصح من غير وضوء، وهذا لا يقول به الحنفية ولا غيرهم، الذين يقولون: إنهم غير مخاطبين بالفروع، بل يؤمر بالصلاة وبما تتطلبه الصلاة من شروط، وحينئذٍ يطالب بالفروع، الكافر يطالب بالفروع وبما تتطلبه هذه الفروع من شروط وهكذا.
((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما)) النص ثبت في الأكل والشرب، وجماهير أهل العلم ألحقوا بالأكل والشرب سائر الاستعمالات، سائر الاستعمالات، فلو كان مع الرجل المسلم قلم من ذهب أو ساعة من ذهب أو ما أشبه ذلك عند جماهير أهل العلم يحرم عليه استعمال هذا الذهب.(3/15)
النص لا شك أنه ثبت في الأكل والشرب، وألحق به جماهير أهل العلم سائر الاستعمالات، خلافاً لمن يقول: بالاقتصار على النص، كما هو قول أهل الظاهر، ويرجحه الصنعاني وبعض العلماء، وقالوا: إن التعبير بالاستعمال لا تستعملوا آنية الذهب والفضة، أو لا تستعملوا الذهب والفضة تحريف للفظ النبوي، وإلحاق غير الأكل والشرب في التحريم من شؤم تبديل اللفظ النبوي، لكن جماهير أهل العلم على تحريم سائر الاستعمالات، لماذا؟ هم يقولون هذا من باب قياس الأولى، من باب قياس الأولى، كيف؟ يقولون: إذا منع الأكل والشرب في الآنية مع أن الحاجة داعية لهذه الآنية قد تكون الحاجة داعية فمنعوا، فمنع سائر الاستعمالات من باب أولى، الحاجة أدعى للأكل والشرب، وقد لا يكون بحضرته إلا إناء ذهب أو فضة ومع ذلكم يحرم استعماله، فتحريم استعمال غير الآنية من باب قياس الأولى، بمثابة الضرب للوالدين بالنسبة للتأفيف، والقياس ظاهر؛ لأن العلة موجودة فخر وخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وتضييق على النقدين، وما أشبه ذلك، كلها موجودة في سائر الاستعمالات.
والمعروف أن الفضة هي المعدن الأبيض المعروف، ولا تحتاج إلى تعريف، وهي الورق، ومنها تسبك الدراهم، وأما الذهب فهو الأصفر المعروف الذي تسبك منه الدنانير، تضرب منه الدنانير، وهل يدخل فيه الذهب الأبيض أو لا يدخل؟ والذهب الأسود؟ الذهب الأسود إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
البترول، نعم، يدخل في تحريم الذهب البترول، الناس يسمونه الذهب الأسود، لا يدخل؛ لأن حد الذهب وحقيقته تختلف اختلافاً تاماً عن البترول فلا يدخل.
بقي الذهب الأبيض، الذهب الأبيض حده وحقيقته ذهب، تبر، مثل الذهب الأصفر سواءً بسواء، على ما يقوله أهل الصنعة، إلا أن اللون أحياناً يُجعل أبيض، وأحياناً يُجعل أصفر، فكونه يطلى بمادة تجعله أبيض أو العكس لا أثر لهذه المادة، فالذهب الأبيض في حكم الأصفر داخل في التحريم.(3/16)
ثم هل يلحق بالذهب والفضة الأحجار الكريمة النفيسة الياقوت والمرجان وما أشبه ذلك، والماس، مما يختلف عن الذهب والفضة في الحد والحقيقة؟ جمهور أهل العلم على عدم إلحاق هذه الأشياء بغير الذهب والفضة؛ لأن الأصل فيها الإباحة.
حديث: "أم سلمة -رضي الله عنها-" هند بنت أبي أمية، هاجرت مع زوجها أبي سلمة إلى الحبشة، ثم توفي زوجها فتزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) يعني من باب أولى الذي يشرب في إناء الذهب، وقد جاء في بعض الروايات عند مسلم: ((الذي يشرب في إناء الفضة والذهب)) والرواية المتفق عليها كما عندكم ((الذي يشرب في إناء الفضة)) وعند مسلم جاء: ((الذهب والفضة)).
((الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) نسأل الله العافية، الجرجرة: صوت وقوع الماء على ما يقع عليه، ومنه الجرة، جرة البعير والغنم، لها صوت، تردد الطعام في مريئه، وإلى المعدة وخروجه منها له صوت، فالذي يشرب في هذه الآنية المحرمة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، ونار مفعول في رواية الأكثر، ويحتمل أن تكون أيضاً مرفوعة؛ لأنها فاعل الجرجرة، يعني تتجرجر في بطنه نار جهنم، لكن أكثر الروايات على النصب.
الشخص الذي يشرب يجرجر في بطنه نار جهنم، وهذا في غاية التحذير، كالذي يأكل مال اليتيم {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [(10) سورة النساء] نعم.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) أخرجه مسلم، وعند الأربعة: ((أيما إهاب دبغ)).
وعن سلمة بن المحبق -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دباغ جلود الميتة طهورها)) صححه ابن حبان.
حديث ميمونة.
"وعن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: "مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بشاة يجرونها، فقال: ((لو أخذتم إهابها؟ )) فقالوا: إنها ميتة، فقال: ((يطهرها الماء والقرظ)) أخرجه أبو داود والنسائي".(3/17)
جلود الميتة حكمها حكم الميتة، نجسة لكن هل يمكن تطهيرها؟ نجاسة الجلود عينية وإلا حكمية؟ نعم؟ عينية وإلا حكمية؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي يقول: يمكن تطهيرها يقول: نجاستها حكمية، كالثوب الذي وقعت عليه نجاسة يمكن تطهيره، لكن الذي يقول: نجاستها عينية بحيث لا يمكن تطهيرها، تكون نجاستها عينية كالعذرة لا يمكن تطهيرها.
((إذا دبغ الإهاب فقط طهر))، ((أيما إهاب دبغ فقط طهر)) والدباغ معروف، توضع مواد على الجلد بحيث يطيب فتذهب منه الرائحة والرطوبة المؤثرة فيه، والإهاب بزنة كتاب هو الجلد، هو الجلد، وخصه بعضهم كالأزهري بالجلد الذي لم يدبغ، لم يتم دباغه، فأيما إهاب إذا دبغ، أو إذا دبغ الإهاب فقط طهر، وعند الأربعة وعرفنا أن المراد بالأربعة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه: ((أيما إهاب)) وهذه من صيغ العموم وهو حديث صحيح ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) والحديث وما جاء في معناه من النصوص الصحيحة الصريحة تدل على أن الإهاب يُطهر جلد الميتة ظاهراً وباطناً؛ لأنه إذا طهر فقد انتقل من حيز النجس إلى حيز الطاهر، هذا ما تدل عليه ظواهر هذه النصوص، ولفظ العموم الوارد عند الأربعة ((أيما إهاب)) يدل على أن الدباغ يطهر جلود الميتة أياً كانت من مأكول وغير مأكول، لو دبغ جلد حمار على هذا يطهر، دبغ جلد كلب يطهر، دبغ جلد أرنب ميتة أو شاه أو بقرة يطهر؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) وهذا الذي يدل عليه العموم، حتى جلود السباع تطهر ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)).(3/18)
والنهي الوارد عن استعمال جلود السباع والنمور لا لأنها نجسة إذا دبغت، لكونها جلود سباع تبقى طاهرة لكن استعمالها لا يجوز، ويبقى ما عداها إذا طهر جاز استعماله، وحينئذٍ يطهر ظاهراً وباطناً فيصلى فيه ويصلى عليه، من أهل العلم من يرى أنه لا يطهر إلا جلد مأكول اللحم إذا دبغ، وما عداه يبقى على نجاسته لا يمكن تطهيره؛ لأنه جاء في بعض الروايات: ((دباغ الأديم ذكاته)) أو ((ذكاة الأديم دباغه)) فجعلوا الدباغ بمنزلة الذكاة، والذكاة لا تحل إلا مأكول اللحم، فلا تحل الذكاة ما لا يؤكل لحمه، إذا ذكي الكلب يطهر وإلا ما يطهر؟ ما يطهر، والدباغ بمنزلة الذكاة فعلى هذا الذكاة والدباغ لا يحلان إلا ما كان مأكول اللحم، هذه حجة من يقول: إن الجلد إذا كان من مأكول اللحم فإنه يطهر بالدباغ، ويطهر ظاهراً وباطناً، يصلى فيه ويصلى عليه.
هذان قولان: إن الدباغ يطهر ظاهراً وباطناً جميع جلود الميتة سواءً كانت مأكولة أو غير مأكولة، والقول الثاني: إنه يطهر ظاهراً وباطناً جلد مأكول اللحم فقط، وعرفنا حجته، من أهل العلم من يقول: إنه لا يطهر الجلد مطلقاً، بل يبقى نجس؛ لأن نجاسته عينية.
لو وقع كلب في ماء ومكث فيه سنين، يطهر وإلا ما يطهر؟ لا يطهر؛ لأن نجاسته عينية، فالنجاسة العينية لا تطهر، لا يمكن تطهيرها، ومنهم من يقول: يطهر الجلد ظاهراً لا باطناً، يطهر الجلد ظاهراً لا باطناً، وجه الجلد الخارجي يطهر، لكن باطنه لا يمكن تطهيره؛ لأن نجاسته عينية، وعلى هذا يفرعون على هذا أن الصلاة تصح عليه فيكون الحكم حينئذٍ كمن طين أرضاً نجسة أو فرش عليها فراش وبساط يمكن أن يصلي وإن كان الباطن نجس، لكن ما يصلي فيها، لماذا؟ نعم؛ لأنه يحمل نجاسة وهو في الصلاة؛ لأنه يحمل النجاسة وهو في الصلاة، وإن كانت مغلفة بطاهر لا يجوز حمل النجاسة في الصلاة ولو كانت مستورة.
من أهل العلم من يرى أن الدباغ لا أثر له في التطهير، ومنهم من يقول: إن جلد الميتة طاهر دبغ أو لم يدبغ.(3/19)
والمعروف عند الحنابلة أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، لا يطهر بالدباغ لحديث عبد الله بن عكيم "جاءنا كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر أو شهرين: ((أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) والحديث لا يسلم من مقال، فقد حكم عليه جمع من أهل العلم بالاضطراب، حكم عليه جمع من أهل العلم بالاضطراب فلا يقاوم ما ثبت في الصحيح، على أنه لو صح قلنا: إن الإهاب هو الجلد ما لم يدبغ، الإهاب هو الجلد ما لم يدبغ، وعلى هذا فالصحيح ما دلت عليه هذه النصوص وهو أن جلد الميتة يطهر بالدباغ، ويستعمل في المائعات واليابسات، ويصلى فيه ويصلى عليه، ويشمل ذلك جميع الجلود سواءً كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة، سباع ونمور أو غير سباع، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما إهاب دباغ فقد طهر)) أيما إهاب، تبقى جلود السباع منهي عن استعمالها، وهذا فيه حل لإشكال كبير، أسواق المسلمين فيها من الجلود ما لا يعلمون ما أصله، هل هو مأكول أو غير مأكول؟ فينتفي الحرج حينئذٍ.
في حديث: "سلمة بن المبحق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دباغ جلود الميتة طهورها)) " وهذا الحديث مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان، وعلى كل حال هو حديث صحيح، وهو يدل على ما دل عليه حديث ابن عباس السابق.(3/20)
"عن ميمونة -أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية- - رضي الله عنها- قالت: "مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة يجرونها، فقال: ((لو أخذتم إهابها؟ )) وفي روية: ((هلا انتفعتم بإهابها؟ )) "فقالوا: إنها ميتة" هل يمكن أن يخفى على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ميتة وهم يجرونها؟ المذكاة يمكن أن تلقى، تجر وتلقى؟ فقالوا: إنها ميتة، كأنهم استغربوا أن ينتفع بجلد ميتة "فقال: ((يطهرها الماء والقرظ)) والقرظ مادة مطهرة كالأرطى، شجر الأرطى يدبغ به، تطهر به الجلود ((يطهرها الماء والقرظ)) وهذا نص في الموضوع لا سيما فيما يؤكل لحمه، فعلى هذا يطهر جلد الميتة بالدباغ، ويحصل الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد ويطيبه، ولا يقتصر على نوع معين؛ لأن الدباغ أطلق في النصوص، وجاء بعض أنواع ما يدبغ به كالماء والقرظ، لكن هناك الشص والقرظ والأشنان والأرطى وقشور الرمان، كلها يطهر بها الجلد، فإذا حصلت طهارته بأي شيء وطاب بعد أن كان فيه من فضلات النجاسة شيء فإنه حينئذٍ يطهر.
والحديث مخرج عند أبي داود والنسائي وأحمد، ويشهد له حديث ابن عباس السابق فهو حسن، إن كان الحديث فيه مقال، فيه ضعف يسير وشاهده في الصحيح، في البخاري مثلاً أو في مسلم، هل نقول: إنه حسن لغيره أو صحيح لغيره؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(3/21)
الحديث لا يصل إلى درجة الحسن لذاته، فيه ضعف -أي حديث- وهذا الحديث الذي فيه ضعف ولا يصل إلى درجة الحسن لذاته له ما يشهد له في الصحيح، في البخاري أو مسلم أو هما معاً، هل يرتقي درجة واحدة؟ لأن الدرجة التي تلي درجة الضعيف المنجبر الحسن لغيره، نعم، أو يرقى درجات بحيث يصل إلى درجة الصحيح لغيره؟ هذه فائدة يحتاجها من يخرج الأحاديث، يشتغل بتخريج الأحاديث، بل إذا درس إسناد حديث ووجد فيه من الرواة من ضعفه منجبر، يقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن في إسناده فلان بن فلان، وهو ضعيف، لكن يشهد له ما في صحيح البخاري من حديث فلان، إذن فالحديث حسن لغيره أو صحيح لغيره؟ المسألة خلافية، هل يرقى الحديث الضعيف بالجابر درجة أو درجتين؟ لو افترضنا أن شاهده في سنن أبي داود صحيح، نقول: صحيح وإلا حسن لغيره؟ هو صحيح بإسناد صحيح في سنن أبي داود، قد يقول قائل: لماذا أعتمد على هذا الحديث وأنا عندي حديث صحيح؟ نعم، أنت تعتني بكتاب بعينه، تخرج أحاديث كتاب، فأنت مطالب بالحكم على هذا الحديث الذي في هذا الكتاب، فأنت تحكم على حديث هذا الكتاب ثم تذكر ما يشهد له.
على كل حال المسألة خلافية، هل يرتقي الحديث بالشاهد الصحيح درجة واحدة أو درجتين؟ الأكثر على أنه لا يرقى إلا درجة واحدة، يكون حسن لغيره، ومنهم من يقول: ما المانع لا سيما إذا كان الشاهد في البخاري مثلاً أو مسلم أن نقول: الحديث صحيح؟ هو من حيث الصناعة الذي يغلب على الظن باعتبار أن راويه ضعيف، الذي يغلب على الظن ضعفه، لكن وجدنا ما يدعم الاحتمال الثاني وهو الصحة؛ لأن الضعيف قد يضبط، الضعيف قد يضبط، ولوروده في الصحيح عرفنا أن هذا الراوي الضعيف ضبط هذا الخبر، فنحكم عليه بالصحة، وإذا أراد الإنسان أن يخرج من هذا الخلاف كله يقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وقد صح الحديث من حديث فلان، أو وقد صح متنه من حديث فلان فيما رواه فلان وفلان، ويخرج من هذا الإشكال.
نعم حديث أبي ثعلبة.
"وعن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ " قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها)) متفق عليه.(3/22)
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة، متفق عليه، في حديث طويل.
آخر حديث.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- "أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة"
سَلسَلة، عندك مكسورة السين؟ ضبطت بهذا وهذا، لكن الأكثر على أنها بالفتح على ما سيأتي، سَلسَلة من فضة.
"أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة" أخرجه البخاري".
والشِعب أو الشَعب؟ الذي هو الكسر، سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
أبو ثعلبة الخشني كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالكنية، فاختلف في اسمه فمن قائل: إنه جرهم بن ناشب، بالباء، ومن قائل: إنه جرثوم بن ناشر إلى غير ذلك من الأقوال المتقاربة في اللفظ لكنها مختلفة.
على كل حال هو أبو ثعلبة الخشني منسوب إلى خُشَين بن النمِر، والنمر مكسور الحرف الثاني، النون مفتوحة، يعني بلفظ اسم الحيوان المعروف النَمِر، والنسبة إلى النمر أبو عمرو بن عبد البر نقول إيش؟ النَمَري بالفتح، لماذا؟ لأن الاسم مكسور الثاني في النسبة إليه يُفتح، بني سَلِمة سلَمي لماذا؟ لئلا تتوالى كسرات؛ لأن النسب تقتضي كسر ما قبلها، ويكون أيضاً الحرف الثاني مكسور فتتوالى كسرات فتثقل الكلمة، سَلِمة سلَمي، النمر نمَري، ومثل ذلكم النسبة إلى الملِك ملَكي، ما نقول: ملِكي، وإن اشتهر في الأيام الأخيرة أن يقولوه، لكن هذه قاعدة.(3/23)
يقول أبو ثعلبة الخشني: "قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب" وأهل الكتاب كما هو معروف هم اليهود والنصارى "أفنأكل في آنيتهم؟ " قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها)) هذا الورع ألا نأكل في إناء من يباشر النجاسات والمحرمات، أن نهجرها ونتركها ونجتنبها بالكلية، إن أمكن الاستغناء عنها، إن لم يوجد غيرها غسلناها وأكلنا بها، وكوننا لا نأكل في هذه الآنية؛ لأن أصحابها لا يتدينون باجتناب النجاسات، ويشربون فيها ويأكلون ما حرمه الله من الخمور ولحم الخنزير وغيره، فعلينا أن نجتنب هذه الأواني إلا ألا نجد غيرها فنضطر إليها فنغسلها حينئذٍ، وهل هذا راجع إلى نجاسة رطوباتهم؟ كما يقوله جمع من أهل العلم، وأن الكافر والمشرك على وجه الخصوص نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] فإذا قلنا: إن نجاساتهم عينية فرطوباتهم نجسة، أهل الكتاب مشركون أو ليسوا بمشركين؟ نعم؟ أشركوا بلا شك، أشركوا عبدوا مع الله غيره، عبدوا مع الله غيره، فهم مشركون، هل يدخل نساء أهل الكتاب في قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ مادام مشركين فنساؤهم مشركات إذن يدخلن في قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] تخصيص، ونساؤهم حل لكم، والمحصنات من أهل الكتاب، فهن مخصوصات من عموم الآية على أن من أهل العلم فيما ذكره الحافظ ابن رجب في شرح البخاري من قال: إنه لا يقال لأهل الكتاب مشركون، لا شك أنهم كفار، كفار ومآلهم إلى النار بالإجماع، هم كفار ولا مطمع لهم في دخول الجنة، وإن كان بعض المفتونين يناقش في هذه القضايا المسلمة عند المسلمين، لكن مثل هؤلاء لا يؤبه لهم، ولا يلتفت إلى قولهم، وليسوا بمحسوبين على أهل العلم.(3/24)
المقصود أن ابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: "لا يقال لهم -فيما نقله عن جمع من أهل العلم- أنه لا يقال: أهل الكتاب مشركين وإن كانوا كفار" نعم يقال: أشركوا وفيهم شرك، ولا يقال: هم مشركون، كما أن من وافق بعض المبتدعة في بعض بدعتهم، لا يقال: هو منهم، فمن نفى الرؤية ولم يقل بخلق القرآن أو العكس يقال: فيه اعتزال، ولا يقال: هو معتزلي، نعم، إذا نفى صفة من الصفات ولم ينفِ جل الصفات إلا السبع يقال: فيه أشعرية، ولا يقال: هو أشعري، يستدل هذا القائل بعطف المشركين على أهل الكتاب {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] فعطف المشركون على أهل الكتاب فهم كفار، والمآل واحد، لكن هل هذا الوصف ينطبق عليهم أو لا ينطبق؟ لا شك أنهم أشركوا وعبدوا مع الله غيره، فالوصف موجود، لكن من أجل الخروج من مثل هذا العطف؛ ولئلا نحتاج إلى مخصص لقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] والخلاف قريب من اللفظي؛ لأنهم ماداموا كفار سواءً كانوا مشركين أو غير مشركين فالمآل واحد.
"إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ " قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها)) الإناء إذا لم تجد فيه نجاسة الأصل فيه الطهارة، لكن إذا كان الأصل فيه النجاسة كإناء من يستعمله في النجاسات، فنقول: الأصل فيه النجاسة؛ لأنا جزمنا أن هذه الطهارة الأصلية نقضت، وانتقل من الطهارة إلى النجاسة فنحتاج في رفع الأصل الثاني إلى رافع وهو الغسل كما هنا، واليهودي كما ذكرنا بالأمس أضاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على خبز شعير وإهالة سنخة، والإهالة السنخة هي المتغيرة، متغيرة الرائحة، ولا شك أنها في إناء، وهذا الحديث جعل بعض أهل العلم يحمل الأمر في قوله: ((فاغسلوها)) ...(3/25)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (4)
شرح باب: إزالة النجاسة وبيانها، وباب: الوضوء
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
في الحديث جعل بعض أهل العلم يحمل الأمر في قوله: ((فاغسلوها)) على الندب والاستحباب، وأنه من باب اجتناب الشبهة.
"عن عمران بن حصين" عمران بن حصين أبو نجيد خزاعي كعبي، أسلم عام خيبر، وسكن البصرة إلى أن مات سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين، وهو من فضلاء الصحابة وفقهائهم، جاء في الخبر الصحيح أنه كان يُسلم عليه في مرض موته، كان يُسلم عليه، من يسلم عليه؟ الملائكة، هذا في الصحيح، فاكتوى فانقطع التسليم، ثم ندم فعاد التسليم، ندم فعاد التسليم، وعلى هذا في حديث: السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب هؤلاء منهم الذين لا يكتوون، لكن لو اكتوى شخص في أول عمره ثم ندم لما سمع مثل هذا الحديث، نقول: يرجى أن يكون منهم، وخبر عمران هذا هو في الصحيح، أن الندم يرفع أثر الكي، كما أنه يرفع أثر المعصية، فلأن يرفع أثر مثل هذه الأمور التي هي خلاف الأولى وليست بمعصية هي خلاف الأولى من باب أولى، والله المستعان.
"عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة" كم باقي؟ باقي خمس خلونا نخلص نأخذ الذي بعده -إن شاء الله-.
طالب. . . . . . . . .
لأنه ما عاد ودنا نكمل الباب؛ لأن الباب الأحاديث الأخرى كلام مختصر جداً، كلام مختصر جداً.
"أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة" هذا الحديث متفق عليه، وهو حديث طويل فيه قصة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثهم يبحثون عن الماء، فيهم علي بن أبي طالب فوجدوا هذه المرأة بين صطيحتين فيهما ماء، والصطيحتان هما الراويتان، فسألاها عن الماء فقالت: تركته في مثل هذه الساعة بالأمس، يحتاج إلى وقت طويل، فأمراها باللحاق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فأخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل مزادة بإناء، فحصلت فيه البركة، فتوضأ القوم من هذين الإناءين الصغيرين، وحصلت المعجزة له -عليه الصلاة والسلام-.(4/1)
الشاهد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ هو وأصحابه من هذه المزادة، وهي من جلد، ولو افترضنا أن هذه الجلود من مذكى، فتذكية الكافر لا أثر لها، فهو في حكم الميتة، وهاتان المزادتان توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- من الماء وهو مائع فدل على أن للدباغ أثر في جلد الميتة، فذبيحة المشرك في حكم الميتة، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من ماء في هاتين المزادتين يدل على أن الدباغ يطهر الجلد ظاهراً وباطناً، ويستعمل في اليابسات والمائعات على حد سواء، وهذا وجه الشاهد من هذا الحديث.
"وعن أنس بن مالك" خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن قدح النبي -صلى الله عليه وسلم-" الإناء، إناء "انكسر" انصدع، انشق، انشعب "فاتخذ مكان الشعب" يعني موضع الكسر "سلسلة من فضة" والضمير في قوله: "اتخذ" راجع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الظاهر، وإن كان في بعض الروايات ما يدل على أن أنس سلسله مرة ثانية، فلعله اتخذه النبي -عليه الصلاة والسلام- فأعاده أنس مرة ثانية، وفي هذا دليل على جواز استعمال مثل هذا القدر من الفضلة في تضبيب الإناء، وأهل العلم يجيزون تضبيب والشرب من الإناء المضبب بالفضة، إذا كانت هذه الضبة يسيرة ولحاجة، استدلالاً بهذا الحديث، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
باب: إزالة النجاسة وبيانها:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
"باب: إزالة النجاسة وبيانها:
عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر تتخذ خلاً? قال: ((لا)) أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح".(4/2)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: إزالة النجاسة وبيانها" الأصل أن يقدم البيان وحقيقة الشيء تكون سابقة على ما يحكم به عليه، ويزال به، يقول -رحمه الله-: "باب: إزالة النجاسة" هو يريد أن يبين ما هي الأشياء النجسة، وكيف تزال هذه النجاسات؟ ومضى شيء من ذلك، ومضى شيء من ذلك كحديث بول الأعرابي، وولوغ الكلب.
هنا أراد أن يذكر بعض الأعيان التي هي من وجهة نظره نجسة، فبدأ بالخمر، فقال -رحمه الله تعالى-: "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر تتخذ خلاً? قال: ((لا)) أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح"، الترمذي قال عن هذا الحديث: حسن صحيح، ولا إشكال في ذلك لو لم يقله الترمذي لأن الحديث مخرج في صحيح مسلم، لكن إذا قال الترمذي: حسن صحيح، جمع بين وصفي الحسن والصحة، وهذا مشكل عند أهل العلم، لماذا؟ لأنه جمع بين وصفين متغايرين، فإثبات الحسن للحديث حكم على الحديث بالقصور عن الصحة، وإرداف ذلك الحكم بالصحة حكم له أو عليه ببلوغ ذلك، تلك الدرجة، فالجمع بين الصحة والحسن مشكل عند أهل العلم، وبلغة الأجوبة عن ذلك -عن هذا الإشكال- بلغت ثلاثة عشر جواباً.(4/3)
ووجه الإشكال أنه حكم على الحديث بأنه يقصر عن الصحيح بكونه حسناً، ثم أعطاه الدرجة العليا فحكم عليه بالصحة، يعني هذا مع اتحاد الجهة لا شك أنه مشكل، يعني كما لو تسأل طالب نجح في الامتحان تقول له: ويش تقديرك؟ يقول: جيد جداً ممتاز، يجي وإلا ما يجي؟ مع اتحاد الجهة ما يمكن يجي، لكن مع اختلاف الجهة ممكن، التقدير العام جيد جداً، وتقديره في التخصص ممتاز، يمكن يجي، هنا مع انفكاك الجهة يمكن يجي، كيف؟ هذا إذا كان للحديث أكثر من إسناد فلا إشكال، يكون بإسناد حسن، وبإسناد آخر صحيح، أما إذا لم يكن له إلا إسناد واحد فهل يمكن أن تنفك الجهة؟ سيما إذا قال الترمذي: حسن صحيح غريب؟ نقول: يمكن أن تنفك الجهة، كيف؟ نقول: هو حسن عند قوم، وصحيح عند آخرين، وغاية ما هنالك أن يقول الترمذي: حسن أو صحيح، وفي الصورة الأولى غاية ما هنالك أن يقول: حسن وصحيح، حسن باعتبار، صحيح باعتبار، وهنا حسن عند قوم، وصحيح عند قوم، فيكون متردد في حكمه.
وعلى القول الأول إذا كان له أكثر من إسناد فهو أقوى مما لو قال الترمذي: صحيح، وعلى الاحتمال الثاني أقل مما لو جزم بصحته فقط؛ لأن ما تردد في تصحيحيه أقل مما جزم بتصحيحه وهكذا، ولا نريد أن نطيل لكن هذه يستفيد منها طالب العلم.
"سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر تتخذ خلاً؟ " مطابقة الحديث للباب أن الخمرة عنده نجسة، وهذا قول جماهير أهل العلم، حتى نقل عليه الاتفاق، هي نجسة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ} [(90) سورة المائدة] يستدل بهذا من يقول بنجاسته، ويستدل بالأمر بإراقتها، وهناك أدلة أخرى لكنها عند آخرين لا تنهض إلى أن تكون حجة قاطعة في المسألة، ولذا يرى بعض أهل العلم طهارة الخمر، والاستدلال بالآية ليس المراد بالرجس النجس هنا بدليل الأنصاب والأزلام نجسة وإلا لا؟ نعم، ليست نجسة.(4/4)
"سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر". . . . . . . . . الحافظ عرفنا في هذا الباب لأنه يرى نجاسته، وهو قول جمهور أهل العلم، وفي حكمه ما يسكر من الكحول وغيرها، ويدخل في تركيب كثير من العطور الكحول، فالورع، أقول: الورع اجتناب ما خالطته هذه الأشياء، وإن كان الدليل لا ينهض على تنجيسها، لكن هيبة لجمهور أهل العلم.
"سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر تتخذ خلاً؟ " يعني هل يمكن أن تخلل؟ تعالج حتى تنتقل من كونها خمر مسكرة إلى طور آخر؟ وهي تكون خل إدام ممدوح، ((نعم الإدام الخل)) "فقال: ((لا)) " يعني لا تتخذ الخرم خلاً، وفي هذا دليل على تحريم تخليل الخمر، بل المتعين على صحابه إراقتها، ويتوب إلى الله -سبحانه وتعالى- ويندم على ما صنع، ويعزم على ألا يعود ويريقه، كما حصل في عصره -عليه الصلاة والسلام- لما نزل تحريم الخمر أريقت وجرت في سككك المدينة كما هو معروف.
"فقال: ((لا)) " فلا يجوز تخليلها، لكن لو تخللت بنفسها؟ تخللت بنفسها من غير فعل آدمي، فالجمهور على أنها تحل، انتقلت من كونها حرام إلى كونها حلال، كما أنها في الأصل حلال لما كانت عنب أو تمر ثم صارت حرام، إذا تخللت بنفسها فلا إشكال عند جمهور أهل العلم، وإذا خللت بفعل آدمي فإنها لا يجوز أولاً تخليلها، ثم إنها هل تستعمل إذا صارت خلاً بفعل آدمي مع التحريم؟ أو لا يجوز استعمالها أيضاً؟ لفظ الحديث عمومه يقتضي المنع من تخليلها، والمنع من عموم اتخاذها، المنع أن تتخذ، اللفظ شامل للتخليل وللاتخاذ الذي هو سائر الاستعمال، وبعض أهل العلم يرى أنها إذا تخللت بنفسها بغير فعل آدمي أنها انقلبت عينها من طور إلى طور، ورجعت إلى الطهارة، وجواز الاستعمال، لكن لا إشكال في النهي، والمنع من التخليل بفعل الآدمي، وأما الاستعمال إذا صارت خلاً بنفسها فلا إشكال فيه أيضاً، وإذا صارت خلاً بتخليل الآدمي لها، هل يجوز استعمالها؟ الورع تركها؛ لأن كلمة الاتخاذ أعم من التخليل، فكلمة تتخذ بعمومها تتناول الاستعمال.
الحديث الثاني.(4/5)
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "لما كان يوم خيبر, أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية, فإنها رجس"، متفق عليه".
"وعنه" عرفنا أنه جرت العادة من أنه في الحديث الثاني يأتي بحرف العطف، وعن فلان إذا كان الصحابي مختلفاً عن راوي الحديث الأول فيكني عنه ويذكره بالضمير، يعيد عليه الضمير إذا كان الصحابي واحداً.
"وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: "لما كان يوم خيبر" يعني سنة سبع "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة فنادى" أمر أبا طلحة فنادى: "إن الله "ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية" والأهلية تخرج الوحشية، فحمر الوحش حلال "فإنها رجس" هذه هي العلة؛ لأنها رجس، ولهذا أدخل الحافظ هذا الحديث في باب: إزالة النجاسة، ومعنى رجس: نجس عنده.
"إن الله ورسوله ينهيانكم" ينهيانكم بتثنية الضمير، والحديث في الصحيحين، ينهيانكم بتثنية الضمير، ضمير الله -سبحانه وتعالى-، وضمير النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتثنية الضمير جاءت في حديث الخطيب الذي قال: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى" الحديث مخرج في مسلم وأبي داود وأحمد والبيهقي والحاكم، وعند غيرهم من أهل العلم، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بئس خطيب القوم أنت)) وأرشده إلى أن يقول: ((ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى)) بعدم الجمع بالضمير، والرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر أبا طلحة أن ينادي بهذا اللفظ: "إن الله ورسوله ينهيانكم" هل هذا هو اللفظ النبوي؟ أو هو من تصرف أبي طلحة؟ أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طلحة فنادى، أمره أن يقول كذا فنادى، أن ينادي بكذا فنادى بكذا، ولو افترضنا أن هذا من لفظ أبي طلحة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وكل له الأمر باختيار الأسلوب المناسب لمخاطبة الناس فإنه لا يقره على هذا اللفظ لو لم يكن جائزاً، فهو حجة على الاحتمالين، إما من قوله -عليه الصلاة والسلام-، أو من إقراره لأبي طلحة.
وعلى كل حال هذا الحديث يعارض حديث الخطيب، وفي حديثٍ في الصحيحين أيضاً: ((أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) هذا فيه أيضاً تثنية.(4/6)
من أهل العلم من يقول: أنه أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخطيب؛ لأن مقام الخطابة يقتضي البسط والتوضيح، وحينئذ يأتي بالأسماء الظاهرة البارزة، ولا يكني عنها بالضمائر.
ومنهم من يقول: أن للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجمع بين ضميره -عليه الصلاة والسلام- مع ضمير الله -عز وجل-، وليس لغيره أن يفعل ذلك.
ما المحظور في جمع الضمير؟ إيش المحظور؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم قد يظن ظان إذا سمع تثنية الضمير، جمع ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- مع ضمير الله -عز وجل- قد يفهم التساوي، ولا مساواة بين الخالق والمخلوق، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يتصور أن يخطر له ذلك، أن يخطر ذلك على باله -عليه الصلاة والسلام-، فله أن يصنع، وأما غيره فالاحتمال قائم، الاحتمال قائم، كثيراً ما تجدون حتى في المساجد، وفي بعض الأماكن على حد سواء في مقام المقابلة، يجعلون الله ومن تمام المقابلة عندهم أن يجعل لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني على يمين المحراب كذا وعلى يساره كذا، الله ومحمد، هذا موجود، يوجد في المساجد وإلا ما يوجد؟ يوجد حتى في المساجد، هل نقول: إن من صنع هذا الصنيع ينبغي أن يمنع لئلا يظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جعل في مقام مقابل لمقام الله -سبحانه وتعالى-؟ أو نقول: الأمر فيه سعة؟ ولا يمكن أن يخطر على بال مسلم أن هذا مساوي لهذا؟ فيشمله عموم قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح] ((لا أذكر حتى تذكر معي)) أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، هل نقول: هذا من هذا الباب؟ أو نقول: سد الذرائع مطلوب ولا ينبغي أن يذكر مثل هذا؟ لا شك أن سد الذرائع مطلوب شرعاً، فينبغي أن لا يذكر مثل هذا، لكن هل يشدد إذا وجدنا مثل هذا أننا نطمس؟ كما أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخطيب: ((بئس خطيب القوم أنت))؟ أو نقول: إن هذا من باب: رفعة ذكره -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟ يحتمل وإلا ما يحتمل؟ لأن بعض الناس ينكر بشده وجود مثل هذه الأمور، يعني يجعل الدائرة بإزاء الدائرة، والدائرتان سواء، وكيفية الكتابة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .(4/7)
هو لا إشكال في هذا، لا إشكال في هذا، نقول: هذا شيء واقع، هل ينكر بشدة أو نقول: الاحتمال قائم أنه من باب: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح]؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك أن الأولى عدم كتابة مثل هذه الأمور، لا سيما في المساجد وعدم كتابة أي شيء مما يشغل المصلين، وهذا من زخرفة المساجد، الكتابات والنقوش هذه من زخرفتها، جاء الخبر في آخر الزمان أنا سوف نزخرف المساجد ((لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى)) لكن هذا فيه. . . . . . . . . لو قال .. ، كتب كاتب، شخص في دائرة حكومية ما يكتب في مسجد هذا أمر مفروغ منه، الله، المليك، الوطن، هذا موجود، لكن أكثر ما يصنعون الله فوق، وتحته المليك والوطن، هذا لا يجوز بحال، هذا لا يجوز بحال، يعني يجعلوها في مصف واحد هذا لا يجوز بحال، هذا أمر مفروغ منه، ليس فيه نص، وليس فيه أدنى شبهة، يعني إذا قلنا تجاوزنا في لفظ محمد، لقوله تعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [4) سورة الشرح] ما نتجاوز في لفظ غيره، أحياناً يكتبون الدين والمليك والوطن بدل لفظ الجلالة، على كل حال هذه أمور أماكن العبادة ينبغي أن تنظف من كل هذا، وأن تكون سادة ما فيها أي شيء يشغل المصلين.(4/8)
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) لكنه خبر أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى)) وهذا واقع، وإذا كان الباني للمسجد من المحتسَبين من عامة الناس ولم ينبه على ذلك فقد يعذر، لكن الإشكال فيما إذا كان المشرف على تنفيذ المسجد من أهل العلم، أو من طلاب العلم، ومعروف أن جماهير أهل العلم على أن زخرفة المساجد حرام، والصلاة صحيحة خلافاً لابن حزم الذي يبطل الصلاة في المساجد المزخرفة، وخلافاً أيضاً لأبي حنيفة أو للحنفية القول عند الحنفية والمعرف من مذهبهم أن الناس إذا زخرفوا بيوتهم فبيوت الله أولى، لكن روح الصلاة ولبها الخشوع، الخشوع في الصلاة هذه الأمور تذهب الخشوع، ولذا لما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالخميصة قال: ((اذهبوا بها إلى أبي جهيم، وأتوني بإنبجانيته)) كساء ليس فيه خطوط ولا نقوش ((كادت أن تفتنني في صلاتي)) -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان هذا هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق، وهو بالعبادة بقلبه وقالبه، فكيف بسائر الناس؟ والله المستعان، وكثير من مساجد المسلمين مع الأسف الشديد كأنها متاحف من شدة الزخارف.
نعود إلى حديثنا في تثنية الضمير "ينهيانكم" ثبت في هذا الحديث وهو متفق عليه، وفي حديث: ((أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) وثبت ذم الخطيب حينما ثنى الضمير، وجمع ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرفنا قول أهل العلم، أن الخُطب ينبغي أن تبسط ولا يتحدث فيها بالضمائر؛ لأنه يسمعها سريع الفهم، وبطيء الفهم، وتلقى على عامة الناس، فينبغي أن تبسط.
ومن وجه أخر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يجمع؛ لأنه لا يمكن أن يخطر على باله التشريك والمساواة بخلاف غيره فقد يحصل له شيء من ذلك.(4/9)
والشاهد من الحديث كون الحمر الأهلية رجس، والنهي عنها لأنها رجس، ولذا أدخلها الحافظ -رحمة الله عليه- في باب: إزالة النجاسة، والنهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية مستفيض متواتر مروي عن أكثر من اثني عشر صحابياً، في سنن أبي داود عن أو في البخاري عن ابن عباس من قوله: "لا أدري أنهي عنها من أجل أنها كانت حمولة الناس؟ " ولذا جاء في بعض طرق الحديث: "أكلت الحمر، أفنيت الحمر، فأمر بالنهي عن أكلها" هل أكلها لأنها حمولة الناس؟ وهذه العلة المانعة من أكلها، فنقول: إذا انتفت العلة جاز أكلها، كما هو الحال الآن، لا العلة فإنها رجس، يدل على أنه ليست كذلك، وإن قال ابن عباس: لا أدري أنهي عنها من أجل أنها كانت حمولة الناس أو حرمت؟ الحكم مقرون بعلته فهي رجس.
في حديث غالب بن أبجر في سنن أبي داود أنه جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: "أصابتنا سنة" يعني جوع "ولا أجد ما أطعم أهلي إلا سمان حمري، قال: ((أطعم أهلك سمان حمرك)) ((أطعم أهلك سمان حمرك)) والحديث ضعيف، سنده ضعيف، ومتنه ضعيف، من يبين لنا وجه ضعف المتن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
معارض بأدلة صحيحة، لكن لفظه فيه نكارة، نعم؟
طالب: كيف يكونون في مجاعة والحمر سمينة؟
نعم، كيف تسمن الحمر في السنة والجدب؟ نعم، ((أطعم أهلك سمان حمرك)) هذا ما يمكن تسمن وهم جائعين، نعم، على كل حال هذا الحديث ضعيف، فلا تقاوم به الأحاديث الصحيحة، والشارح ينازع في الحكم على الحمر بأنها نجسة من أجل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنها رجس)) لأن الرجس يحتمل كما في الآية، والحافظ جازم بنجاستها، وهو قول كثير من أهل العلم، ومنهم من يرى طهارة عينها مع تحريم أكلها، طهارة عينها مع تحريم أكلها، ويستدل على أنهم كانوا يركبونها، ولا يتسير لكثير منهم أن يجعل فوقها شيء يفصل بين الراكب والمركوب، والحمر تعرق كغيرها، ولا ينكر أنهم أمروا بغسل عرقها، والأصل الطهارة، الأصل الطهارة.(4/10)
ما أدري عاد استطراد يمكن يضيع علينا الوقت، في قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] هذه الحمر لما كانت تؤكل أطيبة هي أم لا؟ كانت طيبة، لما كانت حلال كانت طيبة، ولما حرمت؟ يعني انتقلت عينها من كونها طيبة إلى كونها خبيثة؟ نعم، أو نقول: إنها كالخمر سلبت المنافع لما حرمت؟ نعم ما يمنع أن تكون العين الواحدة طيبة في وقت وخبيثة في وقت، تبعاً للأدلة.
الحديث الذي يليه.
"وعن عمرو بن خارجة -رضي الله تعالى عنه- قال: "خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنى, وهو على راحلته, ولعابها يسيل على كتفي" أخرجه أحمد والترمذي وصححه".
"عن عمرو بن خارجة" هو صحابي أنصاري، يقول: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى, وهو على راحلته, ولعابها يسيل على كتفي"
الحافظ أورد هذا الحديث في باب النجاسة ليبين أن مأكول اللحم طاهر، كما بين أن غير المأكول نجس، يريد أن يبين أن مأكول اللحم طاهر، ولعابه طاهر، وإن كان بناءً على مذهبه مذهب الشافعي أن بوله نجس، وإن كان مأكول اللحم، بول ما يؤكل لحمه نجس عندهم، لكن الصواب أنه طاهر لأدلة تذكر في غير هذا المقام.
المقصود أن لعابها طاهر إذاًً هي طاهرة.
"أخرجه أحمد والترمذي وصححه" صححه الترمذي، ولا شك أنه بطرقه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، يصل إلى درجة الصحيح لغيره، وإلا بمفرده لا يصل، فإن في إسناده شهر بن حوشب، وهو ضعيف عند جمهور أهل العلم، ضعيف عند جمهور أهل العلم، الترمذي يصحح له لتساهله، الشيخ أحمد شاكر يرى أنه ثقة، لكن هذا من شدة تساهله -رحمه الله-.
في مقدمة الصحيح صحيح مسلم: "إن شهراً" إيش؟ وين اللي يحفظون؟ "إن شهراً نزكوه"، "إن شهراً نزكوه" فعلى كل حال "نزكوه" يعني رموه بالنيزك، رموه بالضعف الشديد، وسبب تضعيفه كما هو معروف خريطة يذكر أنه سرقها، لكن القصة فيها ما فيها، والرجل ضعيف، حتى قال القائل:
لقد باع شهر دينه بخريطةٍ ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر(4/11)
ذا لو صحت هذه القصة مشكلة، وبهذا نعرف أن الخطأ ممن ظاهره الصلاح لا سيما من يتصدى لإفادة الناس وإمامتهم وتعليمهم الخطأ منه ليس مثل الخطأ من غيره، (فمن يأمن القراء بعد يا شهر) يسيء الناس بمن هو على شاكلتك، إذا أخطأ إمام أو وقع في هفوة أو زلة أساء الناس الظن بالأئمة، إذا أخطأ مدرس أساء الناس الظن بالمدرسين وهكذا، والله المستعان.
عرفنا أن الحافظ إنما أورد هذا الحديث ليبين أن مأكول اللحم كالإبل في هذا الحديث طاهر؛ لأن لعابه طاهر، وأما البول فيخرج من هذا لعمومات استدلوا بها، لعمومات استدلوا بها، لكن الأدلة الصحيحة الصريحة تدل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه، ومن ذلكم حديث العرنيين، وأنه أمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأبوال الإبل وألبانها، فشربوا منها حتى صحوا، نعم.
"وعن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل" متفق عليه.
ولمسلم: "لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً، فيصلي فيه"
وفي لفظ له: "لقد كنت أحكه يابساً بظفري من ثوبه".
نعم حديث عائشة -رضي الله عنها- بألفاظه قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل" هذه الرواية لو كانت مجردة عن الروايات الأخرى لكانت حجة لمن يقول: بنجاسة المني، لكن الرواية التي تليها "لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً، فيصلي فيه" هذا يدل على طهارته، إذ لو كان نجساً لما كفى فركه، بل لا بد من غسله، ويدل له أيضاً الرواية التي تلي هذه الرواية، وفي لفظ له أي لمسلم: "لقد كنت أحكه يابساً بظفري من ثوبه" -عليه الصلاة والسلام-.
فما دام يفرك ويحك بالظفر دل على أنه طاهر، أما كونه يغسل، فلأنه مما يستقذر كالبصاق والمخاط، يستقذر، يستقذره الرائي، فينبغي أن يزال، هو ليس بنجس لكنه مما ينبغي أن يزال؛ لأنه مستقذر، فإن أمكن فركه ولو من غير غسل، أو أمكن حكه إذا كان يابساً، ولو من غير غسل كفى، وإن لم يمكن ذلك إلا بغسله فالمستحب غسله؛ لأنه مما يستقذر وليس بنجس.(4/12)
وراوية الحديث عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، عائشة بنت أبي بكر تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- قبيل الهجرة يعني عقد عليها وبنا بها في السنة الثانية، وعمرها تسع سنين، ولم يتزوج -عليه الصلاة والسلام- بكراً غيرها، وهي أحب نسائه إليه -عليه الصلاة والسلام-، كانت عالمة فقيهة محدثة، عارفة بأخبار العرب، توفيت -رضي الله عنه- سنة سبع أو ثمان وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة.
عرفنا أن الحديث بروايته الأولى يدل على الغسل، وبروايته الثانية يدل على الفرك، والثالثة الحك، وإذا اكتفينا بالفرك أو الحك كما هو مقتضى هذه الروايات قلنا: بطهارته، وأما غسله فليس لنجاسته بل لكونه مما يستقذر، والحديث كما في صحيح مسلم بطوله أن رجلاً نام عند عائشة، وهو من محارمها فاحتلم، فغسل ثيابه، فقالت عائشة -رضي الله عنه-: "قد كنت افركه"، "لقد كنت أحكه" كما في الروايات، وعلى هذا من نام عند قوم فاحتلم، يلزمه غسل أو لا يلزمه؟ الأصل أنه يلزمه، هذا الأصل، ولا يطهره إلا الغسل بالماء عند وجوده، لكن إذا خشي أن يتهم، يعدل إلى التيمم أو لا بد أن يغتسل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأصل أن هذا شرط لصحة الصلاة لا يجوز له أن يعدل إلى التيمم مع وجود الماء، هذا شرط ما هو بمسألة مستحب وإلا شيء يمكن أن يتنازل عنه، لكن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لشجاعته وفهمه الثاقب في مقاصد الشريعة ومصادرها ومواردها قال: "إذا خشي التهمة يتيمم" لكن لا يوافق الشيخ على هذا؛ لأن هذا شرط، الغسل أمانة في عنق المسلم، شرط لصحة الصلاة، لا يعرض صلاته للبطلان من أجل أن .. ، يمكن أن يتحايل، يمكن أن يبعد، يمكن أن يذهب إلى مكان، ينتقل إلى مكان آخر، كل هذا ممكن، لكن يصلي بالتيمم وهو جنب، والماء موجود؟ لا.
عرفنا أنه استدل بالرواية الأولى من يقول بنجاسته، وبالرواية الثانية من يقول بطهارته والثالثة كذلك.(4/13)
وهناك مناظرة طويلة جداً بين فقيهين أحدهما يرى الطهارة والآخر النجاسة موجودة في بدائع الفوائد لابن القيم، وهي مناظرة نفيسة يحتاجها طالب العلم، موجودة في الجزء الثالث من صفحة تسعة عشر ومائة إلى ستة وعشرين سبع صفحات، ولأرباب المذاهب المختلفة القائلين بالنجاسة والطهارة ردود ومناقشات، منهم من قال: إن هذا الحديث والاكتفاء بالفرك والحت والحك خاص بمنيه -عليه الصلاة والسلام- لأن فضلاته طاهرة؛ لأن فضلات النبي -عليه الصلاة والسلام- طاهرة، بخلاف غيره وهو عندهم نجس؛ لأنه يخرج من مخرج البول فهو مثله، أجيب عن ذلك بأن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قلنا: بأن فضلاته طاهرة إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من تلاعب الشيطان، إذاً خروج المني منه بسبب إيش؟ الجماع، وقد اختلط ماؤه بماء المرأة، وحينئذ لا بد من غسله، فلا يتم الاستدلال بذلك.
الحديث الذي يليه.
"وعن أبي السمح -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يغسل من بول الجارية, ويرش من بول الغلام)) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم.
حديث أبي السمح واسمه إياد خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يغسل من بول الجارية, ويرش من بول الغلام)) " والحديث له سبب، وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتي له بحسن أو حسين فبال عليه، فقام أبو السمح ليغسل المكان، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يغسل من بول الجارية, ويرش من بول الغلام)) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم" وهو بمجموع طرقه صحيح، وإلا بمفرداته لا، أخرجه أيضاً البزار وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم من طرق متعددة، يبلغ بها إلى درجة الصحيح لغيره.
والحديث فيه دليل على التفريق بين بول الجارية الأنثى وبول الغلام، فالجارية يغسل بولها على كل حال، مهما كان سنها، ولو كانت في اليوم الأول من الولادة، الغلام عرفنا أن بول الكبير لا بد من غسله، إذاً يخص هذا بالصغير، وما الحد الفاصل بين الصغر والكبر؟ والغلام حده يطلق على الصبي غلام إلى؟ إلى أن؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا حكم الحديث، لكن إطلاق الغلام في الأصل؟ نعم؟(4/14)
طالب:. . . . . . . . .
إلى قريب من البلوغ، إلى قريب من البلوغ، أو إلى البلوغ عند جمع.
عندنا الحد الفاصل عند أهل العلم في الغلام الذي يرش بوله والغلام الذي يغسل بوله أن يأكل الطعام، وذلكم لأن للطعام أثراً فصار لما ينشأ عنه أثر، فإذا كان ما يتغذى به هو اللبن فقط فإنه يرش؛ لأنه لا يوجد حد فاصل مؤثر غير هذا، لا يوجد حد فاصل مؤثر غير هذا؛ لأنه إذا كان يأكل أكل الكبار فحكمه حكم الكبار؛ لأن البول متحلب مما يؤكل ويشرب، فإذا كان يتغذى باللبن فقط فإنه يكتفى برشه، وأما إذا كان يأكل مع اللبن غيره فإنه لا بد من غسله.
منهم من قال: لا فرق بين الجارية والغلام، وحديث الباب يرد عليه، ومنهم من قال: يرش من بول الذكر، وقاس الكبير على الصغير، وقوله مردود للأدلة الصحيحة الصريحة التي تدل على نجاسة بول الآدمي وأن نجاسته مغلظة، وليست مخففة، بول الصبي الذي لم يأكل الطعام بشهوة نجس بلا شك، لكن نجاسة مخففة يكتفى بنضحه ورشه بحيث يوضع عليه القليل من الماء، يبل بشيء من الماء، ولا يجعل الماء يتردد عليه، أو يتقاطر منه، نعم.
"وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في دم الحيض يصيب الثوب: ((تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالت خولة: "يا رسول الله, فإن لم يذهب الدم? قال: ((يكفيك الماء, ولا يضرك أثره)) أخرجه الترمذي, وسنده ضعيف".
حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير ذات النطاقين، أسلمت بمكة قديماً، وهي أكبر من عائشة بسنين عشر أو أكثر، وماتت بعد عائشة -رضي الله عنها- بخمس عشرة سنة أو أكثر، فعمرها حال موتها يناهز المائة، عميت في آخر عمرها، ومناقبها معروفة مشهورة.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في دم الحيض يصيب الثوب: ((تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه)) فدل على أن الدم نجس، الدم نجس، وعرفنا أن دم المسفوح نجس، وهنا نعرف أن دم الحيض نجس، فالنجاسة مغلظة ((تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي)) تبالغ في إزالته، "متفق عليه".(4/15)
والحت: هو الحك، تحته وتحكه معناهما واحد، ولفظهما ووزنهما واحد، ويراد بذلك المبالغة في الإزالة، إزالة العين، ثم بعد ذلكم يقرص بالماء، يقرص الثوب بالماء فيدلك، يقرص يعني يدلك مع الماء بأطراف الأصابع ليتحلل، ويخرج ما شربه الثوب منه، ثم بعد ذلكم ينضح يزاد عليه بعد الغسل النضح، ثم يُصلى فيه، كل هذا مبالغة في إزالة دم الحيض من الثوب الذي أصابه، فهذا دليل على نجاسته، ولذا أدخله الحافظ -رحمه الله تعالى- في باب: إزالة النجاسة.
عموم الدم عرفنا أن دم الحيض نجس، والدم المسفوح نجس، وما يبقى بعد الدم المسفوح طاهر، إذ لا يجب غسل اللحم من الدم الذي يبقى، وما عدا ذلك الآن لو شخص طلب منه أن يتبرع بالدم أو جُرِح جُرْح فخرج منه دم، نجس وإلا طاهر؟ الفقهاء يقولون في النجاسات: الخارج الفاحش، العلماء يقولون: إذا فحش وكثر يكون نجساً، وقد صلى عمر -رضي الله عنه- ودمه يثعب من جرحه بعد طعنه، استدلوا بهذا على طهارة الدم عدا المسفوح ودم الحيض، كونه -رضي الله عنه- صلى ودمه يثعب هل يتم الاستدلال به على طهارة الدم؟ هل يتم الاستدلال به على طهارة الدم؟ أو نقول: حكم من جرحه يثعب ودمه يسيل حكمه حكم من به حدث دائم من سلس أو استحاضة ونحو ذلك؟ نعم هل يمكن إيقافه؟ نعم، إذا كان لا يمكن إيقافه فحكمه حكم من به سلس دائم، أو المرأة إذا استحيضت ومكث معها الدم في غير العادة، فإنها تصلي على حالها، تشد على فرجها شيء وتصلي، وهذا يشد على جرحه شيء ويصلي؛ لئلا يلوث ما حوله، كذلك من به سلس دائم، فلا يتم الاستدلال بهذا، فلا يتم الاستدلال بهذا، فالأكثر على أن الدم وإن لم يكن مسفوحاً فهو غير ما يبقى في المذبوح مع اللحم أو ما يخرج من العروق الصغيرة داخل البدن، الجمهور على أنه إذا فحش فهو نجس، وقال بعضهم بطهارته استدلالاً بما سمعنا.(4/16)
التبرع بالدم إذا قلنا: الدم نجس فهل يتبرع بالنجس؟ أو هل يجوز بيعه؟ إذا تبرعت بالدم بمقابل، قالوا: نحتاج إلى لتر فقلت: الرتل بألف؛ لأن الفصيلة نادرة وهم محتاجون يجوز وإلا لا؟ جاء النهي عن بيع الدم، لكن إذا احتيج إليه وتوقفت عليه حياة شخص فإنه يجوز التعاون أو بل يندب، وبعضهم يوجبه إذا كانت حياة إنسان متوقفة عليه فيما لا يضر ابن آدم كإطعامه عند الحاجة إلى الطعام، يجب على من يقدر على ذلك، أما بيعه فلا يجوز، وأما مجرد نقله من شخص إلى آخر فيما لا يضر المنقول عنه وينفع المنقول إليه فالعلماء على جوازه.
الحديث الذي يلي ذلك، هنا في الحديث السابق في حديث أسماء: ((تحته ثم قرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه)) هل يلزم استعمال الحاد؟ يأتي بشيء حاد طرف سكين ويزيله أو يأتي بمنظف مزيل كلوركس أو غيره أو شامبو أو صابون أو ما أشبه ذلك يلزم أو ما يلزم؟ الحديث يدل على أنه لا يلزم، لا يلزم ذلك، وإنما الواجب غسله بالماء، ولذا عقبه الحافظ بحديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالت خولة: يا رسول الله، فإن لم يذهب الدم؟ -يعني بالماء بعد الحت والقرص- قال: ((يكفيك الماء، ولا يضرك أثره)) " لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف نفساً إلا وسعها إذا ما ذهب الأثر، والحديث في أصله ضعف، أخرجه الترمذي وسنده ضعيف، عندكم في الكتاب: وسبب ضعفه أنه من رواية ابن لهيعة، ابن لهيعة عبد الله بن لهيعة، وجماهير أهل العلم على ضعفه مطلقاً، ومن أهل العلم من يقول: إنه ليس بشديد الضعف، بل حديثه من قبيل الحسن، ومنهم من يفرق بين رواية العبادلة ابن وهب وابن المبارك وابن المقرئ وبين رواية غيرهم، فيقوي رواية العبادلة دون رواية غيرهم.
على كل حال المعتمد فيه أنه ضعيف، إذ أكثر من ثلاثة عشر إماماً على تضعيفه، وإن قواه بعضهم.
الحافظ في التقريب قال: إنه صدوق يخطئ، وفي مواضع من فتح الباري حكم بضعفه، حكم بضعفه، وهو القول الصحيح، نعم ضعفه ليس بشديد، بل ضعفه منجبر، فإذا تفرد بحديث يحكم عليه بالضعف، فإذا توبع أو وجد لحديثه شاهد ينجبر.(4/17)
فالحديث الذي معنا حسن لغيره، حسن لغيره، فله طرق أخرى وله شواهد، هنا لفظ الحديث: "يا رسول الله "فإن لم يذهب الدم، قال: ((يكفيك الماء)) " لأنه الأصل في إزالة النجاسات، الأصل في إزالة النجاسات هو الماء، ولا يكفي في إزالة النجاسة زوالها بمجرد ذهاب عينها من غير مزيل، أو ذهابها بالشمس أو الريح، أو بالاستحالة عند أكثر العلماء، وقال الحنفية: تزول النجاسة بزوال عينها.
نعم حتى عند الأكثر تزول بالماء ولو بغير قصد، ولو بغير نية، ولو بغير فعل آدمي، لو افترضنا أن عين متنجسة نزل عليها المطر تطهر، لكن الشمس لا تطهر، الريح لا تطهر عند الجمهور، ويقول الحنفية: إنه بمجرد استحالة العين ولو لم يفعل آدمي ذلك، ولو بتركها في الشمس أو الريح وتعريضها لذلك؛ لأن المنع منها من أجل عين النجاسة وقد زالت، مذهب الحنفية يحتاج إليه في هذه الأوقات كيف؟ المغاسل التي تغسل الثياب هل تغسلها بالماء أو بالبخار؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه. . . . . . . . . الله يهديك، هاه؟ تغسل بماء وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
والبخار إذا ضغط يتولد منه ماء أو ما يتولد منه شيء؟ وتزيل نجاسات بقع نجسة لا يزلها الماء، تزيلها بمواد أخرى غير الماء، فقد يكون أصل ما يغسل به الثوب غير الماء عند بعض المغاسل فعلى مذهب الحنفية ما فيه إشكال، لا إشكال عندهم، ويميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-؛ لأن الحكم يدور مع هذه النجاسة، إن كانت النجاسة موجودة فالمنع من هذه العين موجود، وإذا زالت زال المنع.
وجمهور أهل العلم على خلاف ذلك، وأنه لا بد أن تزال هذه النجاسة بالماء ولو لم ينوِ من أراد إزالتها.
انتهى الوقت؟ طيب، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: مذهب الحنفية والذي يرجحه شيخ الإسلام لا شك أن فيه سعة للناس، أقول: فيه سعة للناس، وما دام المانع من استعمال المتنجس هو النجاسة وقد زالت، ففي مذهبهم قوة، وفيه توسعة على الناس، لكن الأحوط يعني في حال سعة ووجود ماء أن يستعمل الماء في إزالتها.
نعم، الجدول كان ما فيه درس في يوم الخميس والجمعة، فتستأنف الدروس -بإذن الله تعالى- يوم السبت.(4/18)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
باب: الوضوء:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
"باب: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) أخرجه مالك وأحمد والنسائي, وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقاً".
باب: الوضوء:
الوُضوء بضم الواو الفعل، فعل المكلف لهذه العبادة، التي هي استعمال الماء لرفع الحدث الأصغر، والوَضوء بفتح الواو الماء، فإذا قال قائل: أحضر الوَضوء هل يقصد يتوضأ أو أحضر الماء الذي نتوضأ به؟ الماء الذي يتوضأ به، وباب: الوُضوء بضم الواو غير باب المياه الذي تقدم، فالوضوء بالضم الفعل، فعل المكلف، فعل المتوضئ وبالفتح ماؤه، ويقال عليهما بالضم، يقال: للماء وُضوء، ويقال لفعل المتوضئ وُضوء.
والوضوء شرط من شروط الصلاة ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) في حديث ابن عمر: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) وهذا في أول صحيح مسلم ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) فدل على أن رفع الحدث شرط من شروط الصلاة، بل هو من أعظم شروطها، بل قدمه جمهور أهل العلم على جميع الشروط.(4/19)
عامة أهل العلم على تقديم الوضوء، فهذا يدل على أن ملاحظة الوضوء ورفع الحدث بالماء مقدم على ستر العورة، مقدم على الوقت، لكن الذي يتصور تعارضه مع الوضوء الوقت، فإذا أمكن أن يصلي بطهارة كاملة بالماء لكن مع خروج الوقت، أو مع خوف خروج الوقت، أو أمكن إدراك الوقت مع الإخلال بالطهارة، فالجمهور على أنه يحصل الطهارة، ولو خرج عليه الوقت، ولذا يقدمون كتاب الطهارة على المواقيت، فالإمام مالك -رحمه الله تعالى- يرى أن تحصيل الوقت مقدم على الطهارة، وعلى هذا من استيقظ من نومه وهو جنب وقد بقي من الوقت ما لا يسع الاغتسال مع الصلاة هل نقول له: تيمم وحصل الوقت صلِ قبل الصلاة؟ أو نقول: اغتسل ولو خرج الوقت؟ نعم، عند الأكثر يغتسل، والجمهور يغتسل ولو خرج الوقت، والإمام مالك بدأ في موطئه بالمواقيت، ولا شك أن المواقيت شرط من شروط الصلاة {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] وجاء تحديد هذه المواقيت على ما سيأتي في السنة بينت بياناً شافياً كافياً، لكن يبقى أن الوضوء شرط من أعظم شروط الصلاة.
الحديث الذي أشرنا إليه في صحيح مسلم أول حديث في الصحيح، ابن عمر زاد: زار عبد الله بن عامر أو عاده وهو مريض، فطلب منه أن يدعو له، فقال له: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول، وكنت على البصرة" يعني كنت والياً على البصرة، كنت والياً على البصرة، والولاية مظنة لهذا الأمر، مظنة للغلول؛ لأنه لا رقيب عليه إلا الله -سبحانه وتعالى-، وإذا ترك بين النفس وبين المال فإنه قد تسول له هذه النفس أخذ شيء من المال بتأويل أو غير تأويل، فقال له: "وكنت على البصرة" يعني اجعل حرصك على براءة ذمتك من هذا الغلول.(4/20)
الوضوء ورد في فضله أحاديث كثيرة ((إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء)) وفي معنى ذلك أحاديث كثيرة، وهل الوضوء من خصائص هذه الأمة أو هو موجود في من قبلها؟ الصواب أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة؛ لأن جريجاً كما في الحديث الصحيح توضأ، وزوجة إبراهيم -عليه السلام- توضأت حينما أرادها الجبار، فالوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، إنما الذي هو من خصائص هذه الأمة الغرة والتحجيل، فمعلوم أن الصلاة إنما فرضت بمكة ليلة الإسراء، ولم يأتِ دليل يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى صلاة بغير طهارة، كما أنه لم يرد دليل على أنه توضأ قبل الهجرة.
على كل حال الأمر في هذا سهل؛ لأن العمل الشرعي تابع للنصوص، فمتى جاءت النصوص لزم العمل بها، وسواءً تأخر فرض الوضوء أو تقدم، لكن لم ينقل عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى صلاة بغير طهارة.
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) مناسبته لكتاب الوضوء، أو لباب الوضوء ظاهرة، استعمال السواك مع الوضوء.
"أخرجه مالك -في الموطأ- وأحمد -في المسند- والنسائي، وصححه ابن خزيمة -ورواه في صحيحه- وذكره البخاري تعليقاً" وذكره البخاري تعليقاً، والمعلق عند أهل العلم ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر من راوي، ولو حذف جميع الإسناد.
وأن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
ولو إلى أخره أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي
إلى آخره.
المقصود أن المعلق ما حذف من مبادئ إسناده راوي أو أكثر تعليقاً مجزوماً به، ومع كونه معلق في الصحيح جاء مجزوماً به، وصنيع الحافظ -رحمه الله تعالى- أن الحديث لم يخرج في الصحيحين بالإسناد المتصل، وإنما ذكر هكذا معلقاً، هو مخرج في الصحيحين في الأحاديث الأصول، لكن بدل قوله: ((مع كل وضوء)) ((مع كل صلاة)) ((لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) والحديث مثل به للصحيح لغيره، إذا كان الحديث حسناً ثم جاء من طرق أخرى ارتقى إلى درجة الصحيح لغيره، ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له(4/21)
طرقاً أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن لولا أن أشق
إذ تابعوا محمد بن عمر ... عليه فارتقى الصحيح يجري
راويه محمد بن عمرو في حفظه خفة، ومروياته من قبيل الحسن لذاته، وتوبع على رواية هذا الحديث فارتقى إلى الصحيح لغيره.
((لولا أن أشق)) لولا: حرف امتناع لإيش؟ لامتناع أو لوجود؟ لوجود، لولا وجود المشقة لأمرتهم فامتنع الأمر -أو امتناع- امتنع الأمر لوجود المشقة ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) والأمر المنفي الممتنع هنا في هذا الحديث هو أمر الإيجاب، أما أمر الاستحباب فهو باقي، فالسواك سنة بالاتفاق، والحديث من أقوى الأدلة على إفادة الأمر الوجوب، فنفي الأمر هنا لوجود المشقة مع أن أمر الاستحباب ثابت، فإذا أضيف مثل هذا إلى قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] دل على أن الأمر الأصل فيه الوجوب، وهنا امتنع أمر الإيجاب لوجود المشقة، وبقي أمر الاستحباب لنصوص كثيرة جداً.
((لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) في هذا دلالة على استحباب وتأكد السواك مع الوضوء، كل وضوء كلما توضأ الإنسان يستاك، وهذا صنيعه -عليه الصلاة والسلام-، مع ما دل عليه مثل هذا الحديث.
وجاء في الحديث المتفق عليه: ((لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) أو عند كل صلاة، فيتأكد استحباب السواك عند الوضوء وعند الصلاة، وذكر أهل العلم حالات مثل القيام من الليل، النبي -عليه الصلاة والسلام- أول ما ينتبه يشوص فاه بالسواك، وعند طول السكوت، وعند كثرة الكلام، وعند تغير الفم وهكذا، يعني عند الحاجة إليه تتأكد سنيته.
((لأمرتهم بالسواك)) والمراد بالسواك التسوك وهو دلك الأسنان، وليس المراد به اتخاذ المسواك دون استعمالٍ له، إنما المراد به التسوك، والأمر بالتسوك أمر بما لا يتم إلا به وهو اتخاذ المسواك، وجمع المسواك، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(4/22)
لا، سُوُك، سُوُك ((لأمرتهم بالسواك)) وعلى هذا فالاستياك مسنون في كل وقت للصائم وغيره بعد الزوال وقبله، وأنه لا أثر له في إزالة خلوف فم الصائم، وإن كان المعروف عند الشافعية والحنابلة أنه لا يستاك بعد الزوال، يعني الصائم؛ لأن الاستياك يكون سبباً في إزالة هذا الخلوف، وقد رتب عليه ما رتب، وجاء في فضله ما ذكر، والحديث الوارد فيه ضعيف، الحديث الوارد فيه ضعيف، فيبقى مثل هذا الحديث على عمومه.
الاستياك عبادة ورتب عليه الثواب، فهل يكون باليمين أو بالشمال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب اللي وراءه.
طالب:. . . . . . . . .
بالشمال، على كل حال الكلام كله صحيح، كلام الأخوين كله صحيح، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين، وعلى هذا قول جماهير أهل العلم على أن الاستياك يكون بالشمال، وشيخ الإٍسلام وهو يقول هذا الكلام جده المجد ابن تيمية يقول: إن الأفضل التسوك باليمين، فأكثر أهل العلم بل مثل ما سمعنا عن شيخ الإسلام أن التسوك يكون بالشمال؛ لأن الشمال هي التي ينبغي أن تزاول بها مثل هذه الأعمال، أعمال التنظيف، لكن يبقى أنه إذا كانت الأسنان نظيفة وأراد أن يحصل هذه العبادة، والأسنان ليس فيها مما ينبغي إزالته، فيتجه القول الثاني.
الحديث الذي يليه.
"وعن حمران أن عثمان دعا بوضوء, فغسل كفيه ثلاث مرات, ثم تمضمض, واستنشق, واستنثر, ثم غسل وجهه ثلاث مرات, ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات, ثم اليسرى مثل ذلك, ثم مسح برأسه, ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات, ثم اليسرى مثل ذلك, ثم قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ نحو وضوئي هذا"، متفق عليه".
نعم "عن حمران" وهو ابن أبان مولى لعثمان بن عفان، الخليفة الراشد ثالث الخلفاء، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، مولاه هذا حمران بن أبان بعثه إليه خالد بن الوليد من إحدى السرايا.(4/23)
على كل حال حمران هذا مولاً لعثمان ملازم له، ووصف وضوءه بدقة، والحديث في الصحيحين بالتفصيل، "عثمان -رضي الله عنه- دعا بوضوء" أي دعا بماء يتوضأ به "فغسل كفيه ثلاث مرات" وهذا الغسل للكفين سنة بالاتفاق، وهو غير الغسل بالنسبة للقائم من النوم الآتي ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)) هذا غيره، هذا غسل اليدين مستحب "ثلاث مرات، ثم تمضمض" فعلى هذا يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، ولو كانتا طاهرتين، ولو كانتا مغسولتين قبل ذلك، يعني لو افترضنا أن شخصاً أكل، ثم غسل يديه بالماء والصابون، وتأكد من زوال أثر الطعام، ثم جاء ليتوضأ، نقول: يستحب لك أن تغسل يديك ثلاث مرات ولو كانتا نظيفتين، لكن إذا قام من نوم الليل، وتوجه إليه الأمر بغسل اليدين ثلاثاً، على ما سيأتي، وهنا أراد أن يطبق هذه السنة، فهل يغسل يديه ستاً؟ احتمال ليمتثل الأمر الواجب والمسنون، ولو قلنا بالتداخل فتدخل هذه العبادة المسنونة في العبادة الواجبة، وقد قيل بهذا وذاك، قيل بالأول: إن هذه عبادة مقصودة لذاتها مستقلة، وتلك عبادة أيضاً مقصودة، فلا تدخل هذه بتلك، كسنة الصبح بالنسبة لصلاة الصبح، لكن قاعدة التداخل تنطبق على العمل، إذا وجد عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، فإنها حينئذ تدخل يعني وليست الثانية مقصودة، مقصودة بعينها، والعلة معروفة من غسل اليدين ثلاثاً التنظيف على جهة التعبد، وكلاهما يحصل هذا، فعلى هذا يدخل غسل اليدين ثلاثاً، ثلاث مرات المذكور في هذا الحديث في غسل اليدين إذا قام من النوم.
"ثم تمضمض" المضمضة: إدخال الماء في الفم وتحريكه في الفم، وهل يدخل المج في المضمضة؟ في حد المضمضة أو لا يدخل؟ نعم، المج لو أدخل الماء في فمه وحركه ثم ابتلعه، نقول: تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(4/24)
على كل حال أهل اللغة يختلفون في هذا، فمنهم من يفسر المضمضة بأنها إدخال الماء وتحريكه في الفم، ومنهم من يقول: ومجه، فيدخل المج في حد المضمضة، وعلى هذا الأولى والأكمل أن يمجه، إذا حركه في فمه فليمجه "ثم تمضمض واستنشق, واستنثر" استنشق جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف، واستنثر أخرج الماء من الأنف بالنفس، وجاء عن بعض أهل العلم ويؤيده بعض الروايات أن الاستنثار هو الاستنشاق، أن الاستنثار هو الاستنشاق، "تمضمض واستنثر"، "إذا توضأ أحدكم فلينتثر" فعلى هذا الانتثار والاستنثار هو الاستنشاق، لا شك أنه إذا اقتصر على ذكر الاستنثار فإنه يدخل فيه الاستنشاق، لا يمكن أن يستنثر دون أن يستنشق، لكن إذا ذُكرا معاً فلكل واحد منهما معناه الخاص "ثم غسل وجهه ثلاث مرات" غسل وجهه ثلاث مرات، وغسل الوجه فرض من فرائض الوضوء، لا يصح الوضوء بدونه، وهو منصوص عليه في آية المائدة، غسل وجهه، حد الوجه معروف من منابت الشعر إلى الذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، هذا هو الوجه، وهل يدخل في حد الوجه الفم والأنف لتكون المضمضة والاستنشاق واجبين؟ والخلاف بين أهل العلم في وجوبهما معروف، فالذي لا يقول بوجوبهما قال: لم ينص عليهما في الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] وهنا حكاية الفعل تمضمض واستنشق، لكن هل أمر به؟ والذي يقول بالوجوب يقول: إن الفم والأنف داخلان في مسمى الوجه، داخلان في مسمى الوجه؛ لأنهما في حدوده، فلا يتم غسل الوجه إلا بهما، وأولئك يقولون: إن الوجه ما تحصل به المواجه، ولا تحصل المواجهة بالفم والأنف في مناقشات طويلة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- تمضمض واستنشق، وجاء الأمر بالاستنشاق، والأمر به أكثر من الأمر بالمضمضة، وإن جاء فيها: "إذا توضأت فمضمض" على ما سيأتي.
وعلى كل حال الوجوب هو المتجه، وجوب المضمضة والاستنشاق هو المتجه لما ذكرنا، لمداومة النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك، وأنهما داخلان في إطار الوجه ومحيطه، وقد جاء الأمر بهما "ثم غسله وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" غسل يده اليمنى ...(4/25)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (5)
شرح الأحاديث التي تتكلم عن: "مسح الرأس والأذنين، والاستنثار بعد النوم، والمضمضة، وتخليل الأصابع ...
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير(5/1)
لما ذكرنا من مداومة النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك، وأنهما داخلان في إطار الوجه ومحيطه، وقد جاء الأمر بهما "ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" غسل يده اليمنى، "ثم اليسرى مثل ذلك" فقدم اليمنى على اليسرى، وأما في الآية فجاء الأمر بغسل اليدين مجملاً، وبُيّن في مثل هذا الحديث، وأن اليمنى تقدم على اليسرى، وتقديم اليمنى على اليسرى كتقديم شق الوجه الأيمن على الأيسر عند أكثر أهل العلم، تقديم الشق الأيمن على الأيسر في الغسل، وما أشبه ذلك، هما في حكم العضو الواحد، فلو قدم اليسرى على اليمنى الوضوء صحيح عند جمهور أهل العلم، وإن قال بعضهم بوجوبه "ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه" ثم مسح برأسه، والباء هذه لإزالة اللبس الذي قد يفهم من مطلق المسح، ولو جاء النص بدونها مسح رأسه لاحتمل أن يكون المسح بدون ماء، فإذا أمرّ يده على رأسه صدق عليه أنه مسحه، والباء تقتضي ممسوحاً به، والباء تقتضي ممسوحاً به فمسح برأسه الماء "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات, ثم اليسرى مثل ذلك" غسل رجله اليمنى يقال في ذلك ما قيل في اليد اليمنى، ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك إلى الكعبين، والكعب: هو العظم الناشز الناتئ في جانبي القدم، عظمان، في كل قدم عظمان، خلافاً لمن يقول: إنه العظم الناتئ على ظهر القدم، هذا التفسير مردود من وجوه، ولو لم يكن في الباب إلا قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((ويل للأعقاب من النار)) ((ويل للأعقاب من النار)) فإذا فسرنا الكعب بأنه العظم الناشز الناتئ على ظهر القدم عند معقل الشراك فإنه لا يلزم غسل العقبين، وقد جاء الوعيد على ذلك، إضافة إلى أن التثنية "غسل رجله اليمنى إلى الكعبين"، "غسل رجله اليمنى إلى الكعبين" الرجل الواحدة فيها كعبان، وهذا نص صحيح صريح يوضح المراد بالكعبين، والذي على ظهر القدم كعب واحد، "ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ نحو وضوئي هذا"، متفق عليه".(5/2)
"توضأ نحو" قريب من الوضوء، أو مثل وضوئي هذا، وقد جاء في بعض الروايات، فتحمل (نحو) هنا على المثل؛ لأن عند أهل الحديث يختلف لفظ: (نحو) عن لفظ: (مثل) فإذا قيل: رواه مسلم بنحوه، أو بمثله، فإن كان باللفظ فهو مثله، وإن كان بالمعنى فهو نحوه، وهذا مقرر عند أهل العلم، لكن هنا جاء النحو وجاء بإزائه المثل، فيرد هذا إلى ذاك.
قد يقول قائل: إنه لا يمكن المماثلة من كل وجه، قد توجد المماثلة الظاهرة، قد توجد المماثلة الظاهرة، لكن المماثلة الباطنة لا توجد، المماثلة الخفية قد تتخلف، ولذا عبر هنا بالحديث الصحيح بـ (نحو)؛ لأن المطابقة من كل وجه مائة بالمائة قد تكون مستحيلة، "غسل كفيه ثلاث مرات"، "غسل وجهه ثلاث مرات"، "غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" ولنعلم أن غسل اليد وحدها يبدأ من أطراف الأصابع إلى المرفقين، من أطراف الأصابع، لا يقول: أنا غسلت كفي قبل الوضوء ثلاث مرات، ثم أقتصر بما عدا ذلك، قد يقول قائل: الكفان غسلا ثلاث مرات قبل الوضوء، وحينئذ يغسل ذراعه يده اليمنى من مفصل الكف إلى المرفق، نقول: هذا ليس بصحيح، بل اليد الواجب غسلها، وغسلها فرض من فرائض الوضوء تبدأ من أطراف الأصابع إلى المرفق.
وقوله: "إلى المرافق" أو إلى المرفق، وزنه كالمنبر بكسر الميم وفتح الفاء، وليس بمَرفق كمجلس، لا، مِرفق،
"إلى الكعبين" هنا (إلى) حرف غاية، وهل المرفقان والكعبان داخلان في الغسل أو ليسا بداخلين؟ هل الغاية تدخل في المغيا أو لا تدخل؟ نعم؟ تدخل من لفظها أو بأدلة أخرى؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل (إلى) بذاتها تقتضي دخول المغيا، أو لا تقتضيه أو تحتاج إلى تفصيل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا تعارضه، ولا تمنع منه، لا تقتضيه ولا تمنع منه، فإذا كان المغيا من جنس، أو كانت الغاية من جنس المغيا نعم؟ تدخل، وإذا كانت من غير جنسه فإنها لا تدخل، هذا الأصل فيها، لكن هنا جاءت نصوص تدل على أنها داخلة، وأن المرافق لا بد من غسلها مع اليدين، وأن الكعبين لا بد من غسلهما مع الرجلين، ويأتي شيء من هذه الأحاديث.(5/3)
التثليث ثلاث مرات، ثلاث مرات، مسح برأسه ولم يذكر العدد فدل على أنه واحدة، تمضمض واستنشق واستنثر جاء في بعض الروايات: "ثلاثاً ثلاثاً" فالتثليث هو الغاية، وهو أعلى ما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام-، فقد صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ ملفقاً، بمعنى أنه غسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، فمن زاد على الثلاث خرج عن حيز السنة إلى الابتداع إذا تعبد بذلك، إذا تعبد بذلك، ولا نقول: إنه يزيد على الثلاث من باب الاحتياط، أحوط، يدعي الاحتياط، وإن عُرف ذلك عن ابن دقيق العيد والحافظ العراقي، يغسلون الأعضاء إلى عشر مرات أحياناً، ويقول المترجمون: إن هذا لم يخرجهما إلى حيز البدعة وإنما هو مجرد احتياط، هو مجرد احتياط، ولنعلم أن الابتداع في أوله قد يكون منشأه الاحتياط، والاحتياط كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "إذا أدى إلى ارتكاب محظور -كما هنا- أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط".(5/4)
أحياناً لا يمكن الاحتياط، لا يمكن الاحتياط بحال، إذا اختلف العلماء في مسألة على قولين: وجوب وتحريم، تحتاط وإلا ما تحتاط؟ ما يمكن تحتاط، لكن وجوب واستحباب، استحباب وإباحة ممكن تحتاط، وعلى هذا نقول: من زاد على أربع متعبداً بذلك فقد خرج إلى حيز البدعة، فإذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً، فالأحوط أن يجعلها ثلاثاً؛ لأنه إن كان هو الواقع الثلاث هي الواقع ففعله هو السنة، وإن لم يكن الواقع، جعله ثلاثاً وهو في الحقيقة اثنتان رجع بذلك إلى سنة، لكن لو قلنا: يبني على الأقل ويزيد، هو بزيادته إن كان على خلاف الواقع خرج من حيز الابتداع إلى السنة، وعرفنا أن هذا يختلف اختلافاً جذرياً تاماً عما لو شك في صلاته هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ نقول: يجعلهما ركعتين، وهذا سبقت الإشارة إليه، يجعلهما ركعتين، لماذا؟ لأن الأمر هنا متردد بين الزيادة المعفو عنها بالنسيان وبين بطلان الصلاة بالنقص، مسألة الصلاة، فإذا كان الأمر متردد بين بطلان الصلاة وأمر معفو عنه بالسهو والنسيان يحافظ على صلاته عن البطلان، بخلاف ما إذا كان الأمر متردد بين سنة وبدعة فإنه يحافظ على السنة ويجتنب البدعة، جاء التثليث بالإطلاق: "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" وجاء التفصيل: "غسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ورجليه ثلاثاً، ومسح برأسه" فالإطلاق غسل ثلاثاً ثلاثاً يشمل الرأس، والتفصيل يخرج الرأس، وإن جاءت عند أبي داود أنه مسح رأسه ثلاثاً، لكن ما جاء في الصحيحين وغيرهما إما إجمالاً أو تفصيلاً لا يذكر فيه التثليث بالنسبة للرأس، ولذا القول المرجح عند أهل العلم أن الرأس يمسح مرة واحدة؛ لأن الروايات الواردة في التثليث لا تقاوم ما جاء في عدم الذكر، وهذا موضع بيان فلو كان تثليث الرأس مستحباً كغيره لبين؛ لأن هذا وقت بيان، النبي -عليه الصلاة والسلام- يبين ما أجمل من القرآن، وبيان الواجب واجب كما هو معروف.(5/5)
الترتيب: هنا جاء عطف الأعضاء بـ (ثم) التي تقتضي الترتيب، التي تقتضي الترتيب، والعطف في آية الوضوء بإيش؟ بالواو، التي هي لمطلق الجمع، ولذا يرى بعض أهل العلم: أن الترتيب ليس بواجب، والقول المرجح عند أهل التحقيق أن الترتيب واجب؛ لأن النصوص والأحاديث التي بينت آية الوضوء جاءت بياناً لآية الوضوء، جاء العطف فيها بـ (ثم) إضافة إلى أن آية الوضوء فيها ما يشير إلى ذلك، ما يشير إلى الترتيب وهو إدخال الممسوح بين المغسولين، والعرب كما يقول أهل العلم: لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، لو لم يكن الترتيب واجباً لنسق المغسولات على بعض ثم جاء بالممسوحات، لكن قطع النظير عن نظيره وإدخال الممسوح بين مغسولين يدل على إرادة الترتيب، نعم.
سم.
"وعن علي -رضي الله عنه- في صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومسح برأسه واحدة" أخرجه أبو داود، وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح، بل قال الترمذي: إنه أصح شيء في الباب".
تكمل الحديث الرابع وإلا نبدأ بهذا ثم ذاك؟
حديث علي -رضي الله عنه- في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مخرج في السنن والمسند وغيرها من دواوين الإسلام في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ومسح برأسه واحدة" وهذا الحديث نص في موطن النزاع إلا أنه فعل، نعم؟ مسح برأسه واحدة فعل، والمسح مرة واحدة لا ينفي ما عداه؛ لأنه ثبت أنه غسل وجهه واحدة، وغسل يديه واحدة، وغسل رجليه واحدة، توضأ مرة مرة -عليه الصلاة والسلام-، "ومسح برأسه واحدة، أخرجه أبو داود، وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح" وهو قطعة من حديث طويل استوفى فيه علي -رضي الله عنه- صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، "أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح، بل قال الترمذي: إنه أصح شيء في الباب" أصح شيء في الباب، أفعل التفضيل عند أهل الحديث لا تستعمل في بابها، لا يستعملونها على معناها الأصلي.(5/6)
إذا قالوا: أصح شيء في الباب، أضعف شيء في الباب، فلان أضعف من فلان، فلان أوثق من فلان، فإن مثل هذا الأسلوب لا يقتضي التصحيح؛ لأنه قد يكون الباب مشتمل على أحاديث ضعيفة، لكن هذا الحديث أقواها، كما أنهم إذا قالوا: هذا الحديث أضعف حديث في الباب، لا يعني أنه ضعيف، فقد تكون الأحاديث كلها صحيحة لكن هذا أقلها صحة وإن كان صحيحاً، والأصل في أفعل التفضيل أنه مفاضلة بين شيئين اشتركا في صفة وفاق أحدهما الآخر في هذه الصفة، فمقتضى هذا التعبير أن جميع ما ورد في الباب صحيح، لكن هذا الحديث هو أصحها، هذا لو كانت أفعل التفضيل تستعمل عند أهل الحديث على بابها، لكن هم يقولون: أصح ما في هذا الباب كذا، وإن لم يكن صحيحاً لكنه أمثل الضعاف، كما أنهم يقولون: أضعف شيء في هذا الباب ولا يقتضي ذلك تضعيفه؛ لأن الأحاديث الموجودة كلها صحيحة لكنه متفاوت في الصحة، وهذا أدناها وأقلها صحة.
إذا قالوا: فلان أوثق من فلان، إذا قلنا: ابن لهيعة أضعف من الأفريقي مثلاً عبد الرحمن بن زياد، أو قلنا -وهذا الصحيح- ابن لهيعة أوثق من الأفريقي، هل يعني أنهما ثقتان؟ مقتضى أفعل التفضيل أنهما ثقتان، أنهما اشتركا في صفة وهي الثقة وزاد فيها ابن لهيعة على الأفريقي، ابن لهيعة أوثق من الأفريقي، لكن استعمال أهل. . . . . . . . . الصيغة ليس على بابه، فهما ضعيفان، لكن ابن لهيعة أقل ضعف من الأفريقي، ومثله لو قلنا: نافع أضعف من سالم، نافع أضعف من سالم، هما ثقتان بالاتفاق، لكن سالم عند جمع من أهل العلم أجل من نافع وهكذا، فقول الترمذي: إنه أصح شيء في هذا الباب لا يقتضي تصحيحه، وإن كان الحديث صحيح، الحديث صحيح، إسناده صحيح لا إشكال فيه، نعم اللي بعده.
"وعن عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنهما- في صفة الوضوء قال: "ومسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسه، فأقبل بيديه وأدبر" متفق عليه.
وفي لفظ لهما: "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه".(5/7)
"عن عبد الله بن زيد بن عاصم" الأنصاري المازني، صحابي شهد أحداً، وشارك في قتل مسيلمة يوم اليمامة، وقتل يوم الحرة سنة ثلاثة وستين، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان، راوي حديث الأذان عبد الله بن زيد أيضاً، لكن هذا ابن عاصم وذاك ابن عبد ربه، وبعض أهل العلم يجعلهما واحداً، يخلط بينهما، فيجعل هذين راوياً واحداً، والجمهور على أنهما اثنان، وهناك جمع من الرواة يهم بعض أهل العلم ممن كتبوا في الرجال فيجعلون الاثنين واحد والعكس، يجعلون الواحد اثنين؛ لأنه مرة هنا سمي ومرة كني فظنوهما اثنين، وأحياناً يجعل الاثنين واحد لاتفاقهما في الاسم واسم الأب والنسبة، وهما في الحقيقة اثنان.
البخاري حصل له من هذا الوهم شيء في تاريخه، وهو معروف أنه إمام أهل الصنعة، لكنه ليس بالمعصوم، وابن أبي حاتم ألف في بيان خطأ البخاري في هذا الباب جزءً، وللخطيب البغدادي كتاب في غاية الجودة اسمه إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(5/8)
نعم (موضح أوهام الجمع والتفريق) (موضح أوهام الجمع والتفريق) ذكر فيه الأوهام التي حصلت من كبار الأئمة، ولكون هذا العنوان يوحي بأن الخطيب يرد على الأئمة الكبار فقد يفهم منه بعض الناس أنه يتطاول على الأئمة، هذا بالنسبة لمن لا يرى الخطيب شيئاً بالنسبة لأولئك الأئمة، وأما من. . . . . . . . . الخطيب فيقول: هاه هذا الخطيب أخطأ الأئمة ورد عليهم، ولدفع هذا اللبس صدر الخطيب كتابه بمقدمة بين فيها أحوال الأئمة وأنه لا شيء بالنسبة للأئمة، في كلام ينبغي أن يطلع عليه كل طالب علم ليعرف منزلته وقيمته بين أقرانه وشيوخه فضلاً عن مستوى الأئمة المتقدمين الذين قال الحافظ الذهبي في ترجمته لأبي بكر الإسماعيلي قال: "ومن عرف حال هذا الرجل جزم يقينا أن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين" ومن أراد أن يعرف أقدار السلف فليقرأ: (فضل علم السلف على الخلف) للحافظ ابن رجب؛ لأنه قد يوجد من يكتب في الصحف أو يتحدث في المجالس من يُفهم من كلامه أو تُشم منه رائحة انتقاد المتقدمين، والسبب في ذلك قلة كلامهم، قلة كلامهم، إذا نسب كلامهم لكلام المتأخرين فكلامهم قليل، نزر يسير، لكنه علم مبارك، من مشكاة النبوة لم يخالطه شائبة، فعلى هذا نعرف للقوم أقدارهم، حتى ذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في الكتاب المذكور أن لو أن أحداً فضل عالماً من كبار الأئمة لكنه بعد عصر السلف على من تقدمه من أهل العلم لكثرة كلام الثاني لمجرد الكثرة، وقلة كلام الأول فقد اقتضى صنيعه تقديمه على الصحابة والتابعين.(5/9)
على سبيل المثال لو قارنا بين كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام الإمام أحمد، شيخ الإسلام يستفتى في مسألة يجيب عنها وصاحبها مستوفز يريدها في مائتين وثلاثين صفحة، ويعتذر الشيخ -رحمه الله- أن صاحبها مستوفز يريدها، يعني جالس، جالس منتظر بس الكتابة في مائتين وثلاثين صفحة، لو سئل عنها الإمام أحمد لأجاب عنها بجملة، نصف سطر، مقتضى كلام ابن رجب أنك لو فضلت شيخ الإسلام على الإمام أحمد بهذا السبب لاقتضى ذلك أن تفضل المتأخرين على الصحابة والتابعين؛ لأن كلامهم كثير، وأنتم ترون يُكتب في المسألة التي لا تحتاج شيء مصنف، بينما المتقدمون كلمة كلمتين جملة علم عليه نور، كلام قليل لكنه علم مبارك، مقرون بالعمل والإخلاص، مقرون بالعمل والإخلاص، إيش اللي جرنا لهذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنه ما يخلو من فائدة -إن شاء الله-.
"عن عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه- في صفة الوضوء قال: "ومسح" صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: "ومسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسه، فأقبل بيديه وأدبر" وبالمناسبة محمد رشيد رضا سئل عن شيخ الإسلام هل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو هم أعلم منه؟ فأجاب بكلام يرضي جميع الأطراف، فقال: باعتبار أن شيخ الإسلام تخرج على كتب هؤلاء الأئمة وكتب أصحابهم فهم أهل الفضل عليه، وهو كالتلميذ بالنسبة لهم، وبكونه .. ، هو نظر لكونه -رحمة الله عليه- أحاط بما كتبه الأئمة وكتبه أتباعهم فهو أعلم منهم من هذه الحيثية.
وعلى كل حال المنظور إليه هو الإخلاص، والعلم المقرون بالعمل، العمل المقرون بالعمل؛ لأن العلم بمجرده أو بمفرده إذا تخلف عنه العمل لا يساوي شيئاً، بل هو وبال على صاحبه، والعلم الذي يتخلف عنه الشرط الأصلي وهو إخلاص العبادة لله تعالى -والعلم عبادة- لا قيمة له، بل هو وبال على صاحبه.
وعرفنا أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، ومنهم العالم الذي يجاء به يوم القيامة فيقال له: ماذا صنعت؟ يقول: تعلمت العلم وعلمت فيك العلم، فيقال: كذبت إنما تعلمت وعلمت ليقال: عالم وقد قيل، فيسحب على وجهه في النار، نسأل الله العافية.(5/10)
فعلم السلف لا شك أنه تفوح منه روائح الإخلاص، وآثاره المترتبة عليه من العمل الصالح ظاهرة، تجد ممن ينتسب إلى العلم في هذه الأزمان من يتخصص في السنة مع أنه لا يصلي مع الجماعة، هذا شيء لا فائدة فيه، تقول. . . . . . . . . يقول: صلاة الجماعة سنة، طيب سنة أنت بصدد سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، افترض أنه سنة ليس بواجب ماذا تعمل؟ وماذا تصنع؟ يحلق لحيته ويقول: إعفاء اللحية سنة، سبحان الله، أنت تتعلم للمخالفة وإلا للعمل؟ مع الأسف الشديد هذا موجود، هذا موجود، وليس بقليل، موجود بكثرة، وإن كان -ولله الحمد- الأمة فيها خير، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، يوجد فيها أهل العلم والعمل، وأهل العبادة والزهد والورع، لكن الإشكال أن النوع الثاني موجود، ووجوده وجود كثرة، يعني ما هي مجرد أمثلة، أو مجرد نماذج لا، هم موجودون.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه- في صفة الوضوء قال: "ومسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسه، فأقبل بيديه وأدبر" متفق عليه.
وفي لفظ لهما: "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه".
تقدم ترجمة عبد الله بن زيد بن عاصم، وأن المرجح عند أهل العلم أنه غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان.(5/11)
وله حديث -عبد الله بن زيد بن عاصم- حديث بين فيه صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقطعه الحافظ -رحمه الله تعالى- جملاً يضع كل جملة في مكانها المناسب، وسيأتي بعض الجمل من هذا الحديث، وتقطيع الحديث عند أهل العلم جائز، بشرط ألا يكون المحذوف منه له أثر في المذكور، بمعنى أنه لا يترتب فهم المذكور منه على المحذوف، أما إذا كان المذكور لا يمكن فهمه على الوجه الصحيح إلا بمعرفة ما حذف منه، فإنه لا يجوز حينئذ تقطيع الحديث، وتقطيع الحديث مذهب الإمام البخاري فالقصة الواحدة يفرقها في أماكن قد تصل أحياناً إلى عشرين موضعاً، إذا كان الحديث طويلاً فإنه يفرق هذا الحديث الطويل، ويفرق هذه الجمل تبعاً لما يستنبط منها، ويضعها في مواضعها.
وصحيفة همام بن منبه التي يرويها عن أبي هريرة مسرودة سرداً في المسند، ومفرقة في الصحيحين، مفرقة في الصحيحين، وجماهير أهل العلم على جواز تقطيع الحديث والاقتصار منه على القدر المطلوب بالشرط المذكور.
"قال: ومسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسه" ومسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسه، فدل على أن المسح فرض من فرائض الوضوء، دلت على ذلك الآية، آية المائدة، وإدخال الباء على الرأس، مثلما جاء إيش؟ في آية الوضوء، كما جاء في آية الوضوء؛ لأن إدخال الباء يقتضي ممسوحاً به، ولو قال: مسح رأسه قد يفهم منه بعض الناس أنه مسح رأسه بيده، ويصدق عليه أنه مسح رأسه.
"فأقبل بيديه وأدبر" أقبل وأدبر مقتضى هذا اللفظ أنه بدأ من مؤخر رأسه؛ لأنه أقبل، والإقبال إنما يكون إلى جهة الوجه، والإدبار عن جهة الوجه، فأقبل بيديه وأدبر، يعني قال هكذا، أقبل ثم أدبر، هذا ما تدل عليه هذه الرواية.(5/12)
"وفي لفظ لهما: "بدأ بمقدم رأسه" بدأ بمقدم رأسه "حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" هذه الرواية مفسرة، هذه الرواية مفسرة، بدأ بمقدم رأسه، هذا مقدم رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، وجاء في بعض الروايات: "أدبر بيديه وأقبل"، وجاء أيضاً: "بدأ بمؤخر رأسه" وكل هذا يدل على أن الأمر فيه سعة، المقصود من ذلك تعميم الرأس بالمسح، سواءً كان البدء بالمقدم أو بالمؤخر، والواو لا تقتضي الترتيب، فأقبل بيديه وأدبر، لا يمنع أن يكون أدبر بهما وأقبل؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب.
ابن دقيق العيد وهو يريد أن يوفق بين هذه الروايات بدأ بمقدم رأسه، فذهب بهما إلى قفاه، كيف يوفق بينها وبين قوله: "فأقبل بيديه وأدبر"؟ قال: أقبل بهما إلى جهة القفا وأدبر عن جهة القفا، أقبل بيديه إلى جهة القفا، وهذا عكس لظاهر الحديث، وهذا عكس لظاهر الحديث، فالإقبال معروف أنه إلى جهة المقابلة وهي الوجه، والإدبار هي الذهاب إلى جهة دبر الإنسان وقفاه.
نعم الرواية الثانية: "بدأ بمقدم رأسه" مفسرة وواضحة للمعنى المراد، وعلى هذا تكون الواو لمطلق الجمع، فلا تقتضي الترتيب، هذا عند من يقول بأن المستحب أن يبدأ بمقدم الرأس، لكن مجموع الروايات تدل على أن الأمر فيه سعة، سواءً بمقدم رأسه أو بمؤخره المهم يضع يده المبلولة بالماء على جميع رأسه، سواءً بدأ من الأمام أو من الخلف.
منهم من يقول: يبدأ بالناصية، من هنا ثم يقبل بهما على الوجه ثم يدبر بهما، وهذا محاولة من هذا القائل للجمع بين الأحاديث، لكن قوله: "بدأ بمقدم رأسه" صريح في كونه بدأ من بداية الرأس من جهة الأمام، ثم ذهب بهما إلى الخلف ثم ردهما، والأمر كما ذكرنا فيه سعة، والعمل مخير فيه، إنما المقصود تعميم الرأس بالغسل.(5/13)
وأهل العلم يختلفون في غسل مسح الرأس، هل يجب تعميم الرأس بالمسح أو يكفي بعضه؟ كل منهم بنا مذهبه على فهمه للباء، فمن قال: إن الباء للإلصاق، ودعم ذلك بما روي عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لم يحفظ عنه أنه اكتفى ببعض الرأس إلا مع مسح العمامة، وأن الرأس إذا أطلق يشمل جميعه، قال: لا بد من تعميم الرأس بالمسح، وهذا قول الحنابلة وعامة أهل الحديث، ومنهم من يقول: إن الباء للتبعيض، الباء للتبعيض، فيكتفى بمسح بعض الرأس، واختلفوا في ذلك منهم من قال: الربع، ومنهم من قال: شعرات يسيرة، ومنهم من قال: يكتفى بما يسمى مسح، بما يطلق عليه مسح، وعلى كل حال ما روي عنه -عليه الصلاة والسلام- وما ثبت عنه بياناً للفروض الموجودة في آية الوضوء هو تعميم مسح الرأس، وما جاء من كونه -عليه الصلاة والسلام- مسح رأسه، مسح ما ظهر من رأسه مع العمامة، المسح على العمامة سيأتي حكمه -إن شاء الله تعالى-.
أما الاكتفاء بمسح جزء من الرأس فإنه لا يجزئ؛ لأنه لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه مسح بعض رأسه وهو مكشوف، بل جميع من وصف وضوءه -عليه الصلاة والسلام- كحديث عبد الله بن زيد الذي مر بنا أنه بيديه، بيديه معاً، مسح رأسه بيديه معاً، يبدأ من مقدم رأسه، ثم يذهب بهما إلى القفا ثم يردهما، هل يتصور أن اليدين تترك شيئاً من الممسوح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الشعر، الشعر كله، الشعر كله، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ لا بد من التعميم، وهذا الذي يدل عليه هذا الحديث.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- في صفة الوضوء قال: ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه" أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة".
"عن عبد الله بن عمرو" بن العاص السهمي القرشي، من فضلاء الصحابة ومن عبادهم، وأحد العبادلة الأربعة، الذين تأخرت وفاتهم فاحتاج الناس إلى علمهم.(5/14)
أسلم قبل أبيه، وتوفي سنة ثلاثة وستين بمكة أو بالطائف أو بمصر أقوال لأهل العلم، وهذا الحديث مروي بالسلسلة المشهورة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والحديث صحيح لغيره؛ لأنه ورد من الأدلة ما يشهد له، فارتقى إلى درجة الصحيح لغيره، وإلا فالأصل أن ما يروى بهذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه من قبيل الحسن، لا يصل إلى درجة الصحيح للخلاف المعروف، ولا ينزل عن درجة الحسن إلى الضعف، على خلاف بين أهل العلم في الاحتجاج بهذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومنشأ الخلاف: الخلاف في مرجع الضمير، في جده هل يعود إلى عمرو وحينئذٍ يكون الجد محمد، ومحمد تابعي فالحديث حينئذٍ يكون إيش؟ مرسلاً، أو يعود الضمير في جده إلى الأب الذي هو شعيب وحينئذٍ يكون المراد بالجد عبد الله بن عمرو، ثم ينشأ خلاف آخر وهو هل سمع شعيب من جده عبد الله بن عمرو أو لم يسمع؟ أما بالنسبة للاحتمال الأول وهو عود الضمير هل هو إلى عمرو أو إلى شعيب فقد جاءت روايات تدل على أن المراد بالجد عبد الله بن عمرو، وحينئذٍ يكون عود الضمير إلى شعيب، فاحتمال الإرسال غير وارد مع التصريح بعبد الله بن عمرو، عن جده عبد الله بن عمرو، الإشكال الثاني وهو أن شعيباً هل سمع من جده عبد الله بن عمرو؟ يزيله ما جاء التصريح به في روايات أنه سمع جده عبد الله بن عمرو، وحينئذٍ يكون المعتمد أن السند متصل، وأن المراد بالجد عبد الله بن عمرو، وأن الضمير يعود إلى شعيب، وأن شعيباً سمع من جده عبد الله بن عمرو، هذا هو المرجح، ومن أهل العلم من يحكم على هذه السلسلة بالتضعيف مطلقاً، يحكم على هذه السلسلة بالتضعيف مطلقاً للخلاف المذكور، ومنهم من يصحح، ولكن أعدل الأقوال أنه إذا صح السند إلى عمرو بن شعيب فإن الخبر حينئذٍ يكون مقبولاً، ولا ينزل عن درجة الحسن.(5/15)
"في صفة الوضوء" أي وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال: "ثم مسح" يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- "برأسه" والباء هذه لا يمكن الاستغناء عنها لما ذكرنا "وأدخل أصبعيه السباحتين" يعني اللتين تستعملان في التسبيح "في أذنيه" والسباحتان هما السبابتان، وهما الأصبعان في اليدين اليمنى واليسرى اللذان يليان الإبهام.
"أدخل إصبعيه -أو أصبعيه- السباحتين في أذنيه" هل يمكن إدخال الأصبعين في الأذنين؟ نعم يمكن؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الطرف، طرف الأصبعين، المقصود طرف الأصبع، أما إدخال الأصبعين فلا يمكن {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم} [(19) سورة البقرة] يعني أطراف الأنامل كما هو معروف "في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه"
وعرفنا أن الحديث مقبول، صحيح لغيره، وهنا مسح برأسه وأدخل إصبعيه، وإصبعيه السباحتين في أذنيه، فدل على أن الأذنين تمسحان مع الرأس مسحاً، مسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، صفة ذلك كيف؟ مثل؟
طالب:. . . . . . . . .
أدخل، أدخل السباحتين، عليك شماغ من يشوفك؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
وين الإبهامين؟ إيه الإبهامين من فوق، ظاهر الأذن، نعم إيه خلاص صحيح، فهذا الحديث يدل على أن الأذنين تمسحان مع الرأس، وأنه لا يلزم غسلهما، بل يكتفى بمسحهما، وجاء حديث الأذنان من الرأس، وهو خبر ضعيف، لكن الأحاديث الواردة في مسح الأذنين مروية من طرق كهذا الحديث، وحديث المقدام بن معدي كرب، ومن حديث الربيع، ومن حديث أنس، ومن حديث عبد الله بن زيد وغيرهم، المقصود أن مسح الأذنين ثابت، وأنهما يمسحان تبعاً للرأس.
وهل يؤخذ ماء جديد للأذنين فيمسحان به؟ أو يكتفى بما فضل من مسح الرأس؟ هذا سيأتي في حديث مستقل -إن شاء الله تعالى-.
نعم، اقرأ، اقرأ، نبي نمشي، نبي نمشي لأن أمس ما مشينا ترى.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً, فإن الشيطان يبيت على خيشومه)) متفق عليه.
وعنه: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم".
نعم.(5/16)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه)) وهذا شامل لنوم الليل والنهار، إلا أن قوله: ((فإن الشيطان يبيت)) جعل بعض أهل العلم يخص ذلك بنوم الليل؛ لأن البيتوتة إنما تكون بالليل، كما سيأتي في الحديث اللاحق، هنا: ((فإن الشيطان يبيت على خيشومه)) ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً)) وجاء ما يقيد هذا النص بمن أراد الوضوء، بمن أراد الوضوء ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر)) تقدم لنا معنى الاستنثار، وأنه إيش؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الاستنشاق؟ أو الاستنشاق إدخال الماء والاستنثار إخراج الماء؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . أنت، أنت، هناك: "مضمض واستنشق واستنثر" وقلنا: إن الاستنشاق هناك إدخال الماء بالنفس، والاستنثار إخراج الماء من الأنف بالنفس، أما هنا في مثل هذا الحديث فإن الاستنثار مثل ما ذكر الأخ هو الاستنشاق، إذ لا يتصور استنثار دون استنشاق، وهذا هو الذي حمل بعض أهل العلم على أن يقول الاستنثار هو الاستنشاق مطلقاً، لكن عرفنا أنه إذا جمع بينهما حُمِل الاستنشاق على إدخال الماء إلى الأنف بالنفس، والاستنثار يحمل على إخراج الماء بالنفس.(5/17)
((فليستنثر ثلاثاً)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وهكذا جاء الحديث مطلقاً لمن أراد أن يتوضأ، أو لم يرد الوضوء هنا، والعلة تقتضي التعميم، تعميم الحالات، لكن جاء التقييد بالوضوء، ومن أهل العلم من يرى أن كل من استيقظ يلزمه أن يستنثر ثلاثاً؛ لأن العلة معقولة وليست مقرونة بوضوء، وليست مقرونة بوضوء ((فإن الشيطان يبيت على خيشومه)) افترضنا أن شخص استيقظ من نومه، وخرج إلى الدوام، العلة أن الشيطان يبيت على خيشومه، هل نقول: إذا كنت لا تريد الوضوء، ولا تريد الصلاة لا مانع من أن يستمر الشيطان في خيشومك؟ أو لا بد من إزالته ولو لم يرد الوضوء والصلاة؟ نعم، هذه حجة من يقول: إنه لا بد من الاستنثار ولو لم يرد الصلاة ولو لم يتوضأ؛ لأن هذا أمر مستقل، وما ورد فيه القيد بالوضوء ما ورد فيه القيد بالوضوء تخصيص، تخصيص لبعض الأفراد بحكم موافق وحينئذٍ لا يقتضي التخصيص، نعم التنصيص على الاستنثار والاستنشاق مع الوضوء يدل على شدة الاهتمام به والعناية، وأنه من أجزاء الوضوء، منهم من يقول:. . . . . . . . . الاستنشاق كالمضمضة، إذا أراد أن يتوضأ يفعل ذلك، أما إذا لم يرد أن يتوضأ ولا يريد الصلاة فإنه مخير إن شاء استنثر وإن شاء خرج كما أنه إذا قام من النوم هل يلزمه أن يغسل وجهه؟ نعم، لا يلزمه، لكن جرت العادة بذلك، وأنه أنشط وأنظف.(5/18)
فإذا لم يرد الصلاة ولا يريد الوضوء، فحينئذٍ لا يلزمه أن يستنثر على هذا القول، لكن عموم الحديث يدل على أن الاستنثار لازم ولو لم يرد الصلاة، ولو لم يرد الوضوء، لقوله: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه)) الشيطان يبيت على خيشومه هل هذا حقيقة؟ أو كناية عن تراكم هذه الأوساخ التي في الخيشوم وهي مما يلاءم الشيطان؟ قيل بهذا وهذا، ولا مانع يمنع من حمل اللفظ على حقيقته، وحينئذٍ يكون الشيطان حقيقة يبيت على خيشومه؛ لأن الخيشوم مجرى من مجاري الجسد، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا مانع يمنع من حمله على حقيقته، وهذا الأمر في الحديث يدل على الوجوب؛ لأنه الأصل، والجمهور الذين لا يقولون بوجوب المضمضة والاستنشاق يقولون: إنه للاستحباب، بدليل أنه لم يذكر في آية الوضوء، وقد جاء في الحديث: ((توضأ كما أمرك الله)) والذين يوجبون المضمضة والاستنشاق يقولون: ما أمر الله به مجمل بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله، وبيان الواجب واجب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الخلاصة أنه يتأكد بالنسبة لمن لا يريد الوضوء ولا الصلاة أن يحرص على طرد الشيطان من أجزاء بدنه، بالأذكار وبالاستنثار وبغيرها مما جاء من العلاجات الشرعية بالنسبة للشيطان، لكن إذا أراد الوضوء فإنه يجب عليه أن يستنثر.
طالب:. . . . . . . . .
معروضة، معروضة في وقته.(5/19)
"وعنه" أي عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)) فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، والعلة: ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) العلة: " ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) متفق عليه" هذا الأمر للوجوب، والنهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثاً مقتضاه التحريم، وأنه لا يجوز بل يحرم أن يغمس المستيقظ من النوم يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً، وعرفنا أن النوم يشمل ((إذا استيقظ أحدكم من نومه)) يشمل نوم الليل والنهار إلا أن قوله: ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) يدل على أن البيتوتة إنما تكون بالليل، وبهذا استدل الإمام أحمد على التفريق بين نوم الليل ونوم النهار ((فلا يغمس يده في الإناء)) افترضنا أن شخص غمس يده في الإناء، والعلة في ذلك: ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) هل يتأثر الماء لغمس اليد قبل غسلها من المستيقظ من النوم؟ عند الحنابلة نعم يتأثر، إذا كان قليلاً يتأثر، وعند غيرهم سواءً من يقول الأمر للاستحباب، ومن يقول: إن الأمر للوجوب، الذي يقول: الأمر للاستحباب ما عنده مشكلة، فالماء لا يتأثر بل يستحب للمستيقظ من النوم أن يغسل يده ثلاثاً، والذي يقول: إن الأمر للوجوب يقول: تعبد،، ولا أثر لغمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثاً، لماذا؟ لأن العلة مشكوك فيها، لا يدري أين باتت يده؟ هل واقعت ولامست نجاسة أو لا؟ وما دامت العلة مشكوكة والأصل الطهارة، طهارة اليد، والشك لا يرفع اليقين، إذاً اليد باقية على طهارتها، وحينئذٍ يكون الأمر بالغسل من باب الاحتياط، ويعللون ويقولون: إن البلاد بلاد الحجاز كانت حارة، وعندهم ضيق في مسألة اللباس، وقد يتخففون منها وقت النوم في الحر، ولو كانت موجودة واليد تطيش على أجزاء البدن وقت النوم فقد تواقع أو تخالط أو تلامس نجاسة وهو لا يشعر، فأمر بذلك من باب الاحتياط، والحامل على هذا القول أن العلة مشكوك فيها ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) والمشكوك أو الشك لا يقاوم اليقين؛ لأن يده متيقنة الطهارة، ولذا لو أدخلها في كيس، أو ربطها بحيث يجزم أنها لم تلامس شيئاً من المستقذرات فإنه لا يلزمه شيء عندهم،(5/20)
لكن على المسلم ألا ينظر إلى هذه التعليلات، فقد جاء الأمر الصحيح الصريح، بل جاء النهي الواضح البين عن إدخال اليد في الإناء، ولا نعارض مثل هذا الحديث الصحيح الصريح بقواعد عامة، نعم القواعد العامة لها ما يدل عليها، والشك لا يرفع اليقين، ولا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً؛ لأنه شك، هل خرج منه شيء أم لا؟ فلا ينصرف لأن الأصل الطهارة، لكن هنا نقول: لا، الأصل الطهارة فلا يلزمنا غسل؟ والعلة المنصوصة مشكوك فيها؟ نقول: سمعنا وأطعنا ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء)) والشك هنا مقروناً بهذا النهي الصحيح الصريح ينبغي أن ينزل منزلة اليقين، لصراحة النهي عن غمس اليد في الإناء، فنقول حينئذٍ: سمعنا وأطعنا، ولا نعارض مثل هذا النص الصحيح الصريح بقواعد عامة، وإن كانت هذه القواعد مستنبطة من أدلة شرعية، فلتكن هذه المسألة مما يخرج عن تلك القاعدة، وكل قاعة لا سيما إذا كانت من القواعد الأغلبية، لها ما يخرج عنها من المسائل، وكتب القواعد تشهد بذلك، وإذا قلنا: إن الأمر بالغسل تعبد لصحة الخبر وصراحته، فإنه يشمل ما إذا جزم لأن يده لم تخالط شيئاً من النجاسات بحيث لو ربطها أو أدخلها في كيس، على أنه من شؤم مخالفة السنة وجد بعض العقوبات العاجلة، وجد بعض العقوبات العاجلة، فشخص يقول: أنا أدري أين تبيت يدي؟ الرسول يقول: ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) فقال: أنا أدري أين باتت يدي؟ فربطها فاستيقظ من نومه وهي في دبره، وآخر استاك من جهة الدبر، وهذه القصة ذكرها الحافظ ابن كثير وغيره ابن العماد وجمع من أهل العلم، استعمل السواك في دبره فوجد ألماً في بطنه وبعد مدة عدة أشهر أحس بأن في بطنه شيء يشبه الجنين، وبعد وقت وضع شيئاً ليس بإنسان ولا حيوان، ما يدرى ما هو؟ المقصود له صياح وصراخ، وهو يشبه قطعة اللحم أفزعت الرجل وأهله، فقامت بنت من بناته فرضختها بحصاة حتى سكتت، المقصود أن شؤم مخالفة السنة ومعاندة النصوص الشرعية العقوبات في الأخرى معروفة، لكن قد تعجل العقوبة لمثل هؤلاء.(5/21)
وشخص يضع المسامير في نعليه، ويأتي إلى حلق الذكر ليطأ أجنحة الملائكة، فخسف به، نسأل الله السلامة والعافية، فعلى المسلم أن يهتم بهذه الأمور، وأن يقدر النصوص قدرها، وأن يكون إذا سمع النص قال: سمعنا وأطعنا، سمعنا وأطعنا، عقلنا الحكمة أو لم نعقل، فمثل هذه النصوص لا تعارض بمثل التعليلات التي يذكرها كثير من الشراح، نعم.
"وعن لقيط بن صبرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسبغ الوضوء, وخلل بين الأصابع, وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) أخرجه الأربعة, وصححه ابن خزيمة، ولأبي داود في رواية: ((إذا توضأت فمضمض)) ".
نعم "عن لقيط بن صبرة" لقيط بن عامر بن صبرة أبو رزين صحابي معروف، يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسبغ الوضوء, وخلل بين الأصابع, وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)).
((أسبغ الوضوء)) الإسباغ هو الإتمام يعني أتمم الوضوء، واستوفي الأعضاء بالغسل، واستكمل هذه الأعضاء المطلوب غسلها بالغسل، وما يطلب مسحه عمه بالمسح، فلا تترك شيئاً ولو كان يسيراً مما يجب غسله أو مسحه، هذا المراد بالإسباغ الإتمام واستكمال الأعضاء بالغسل.
((وخلل بين الأصابع)) والحديث صحيح مخرج في السنن الأربعة، وهو أيضاً عند ابن خزيمة مصححاً له، مخرجاً له في صحيحه ((أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع)) والأصل في الأمر الوجوب، الأصل في الأمر الوجوب، فلا يجوز أن يترك شيء مما يجب غسله أو مسحه ولو كان يسيراً، للأمر بالإسباغ.(5/22)
((وخلل بين الأصابع)) أصابع اليدين والرجلين؛ لأن الأصابع المراد بها الجنس، والمراد بذلك أصابع اليدين وأصابع الرجلين، فمثل هذه الأجزاء التي يمكن أن ينبو عنها الماء لا سيما بالنسبة لبعض الناس، من أصابع رجليه ملتصق بعضها ببعض، لا أقول: خلقة؛ أنه لا يمكن تمييز بعضها من بعض وهي ملصقة هذه الملصقة ما فيها إشكال، لكن إذا كانت ملصقة ويصعب تمييز بعضها عن بعض؛ لأن بعض الأصابع متراصة في الرجلين، الإنسان كلما يتقدم به السن نعم تصلب أطرافه، حينئذ يصعب عليه أن يميز بين أصابع رجليه، فالماء بطبعه لا ينساب ويدخل بين هذه الأصابع، فعلى هذا الحديث يجب تخليل ما بين الأصابع، والخطاب للجميع، لكن بالنسبة لصغار السن أمرهم سهل، لكن الكبار؟! تجد بعض الناس أصابعه مثل الحديد، نعم مع تقدمه تيبس نعم، هذا يرجع إلى الضعف، هو من ضعف، ثم قوة، ثم ضعف، يرجع إلى هذا.
المقصود أن تخليل الأصابع مأمور به في هذا الحديث، والأمر الأصل فيه الوجوب، فإذا كان الماء يصل من غير تخليل فمع ذلكم يتأكد التخليل لعموم الأمر به، وإن كان لا يصل إلا بصعوبة فحينئذ يجب عليه أن يخلل بين الأصابع؛ لأن المقصود إيصال الماء إلى ما يجب غسله.(5/23)
((وبالغ في الاستنشاق)) وهذا من أدلة وجوب الاستنشاق ((إلا أن تكون صائماً)) ((إلا أن تكون صائماً)) لأن الأنف منفذ إلى الجوف، فإذا بالغ الصائم في الاستنشاق لا يأمن أن يصل إلى جوفه شيء من الماء، والذين يقولون بعدم وجوب الاستنشاق يقولون: لو كان واجباً ما استثني الصائم، ما يترك شيء واجب وهو الاستنشاق لاحتمال أن يصل إلى جوفه شيء؟ لكن المقصود المبالغة لا أصل الاستنشاق، أصل الاستنشاق لا إشكال في وجوبه، المبالغة أيضاً مطلوبة من غير الصائم، أما الاستنشاق فهو مطلوب واجب على الصائم وغيره، والمبالغة فيه والقدر الزائد على ما يحصل به الواجب مطلوب من غير الصائم ودون الصائم "ولأبي داود في رواية: ((إذا توضأت فمضمض)) " وهذا أيضاً من أدلة من يقول بوجوب المضمضة، والأدلة على وجوب المضمضة والاستنشاق كثيرة، وإن كان في بعضها مقال إلا أنها بمجموعها تدل على وجوب المضمضة والاستنشاق، وعرفنا أدلة من يقول بالعدم، وكيف نجيب عنها فيما مضى؟ نعم.
"وعن عثمان -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخلل لحيته في الوضوء. أخرجه الترمذي, وصححه ابن خزيمة".
نعم. "عن عثمان -رضي الله عنه" وهو يصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله أحياناً، وبفعله أحياناً، يذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- "كان يخلل لحيته في الوضوء" والحديث سنده لا بأس به عند الترمذي وابن خزيمة، وله طرق، له طرق تدل على أن له أصلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان كث اللحية، فمن كان في صفته -عليه الصلاة والسلام- يخلل اللحية، ومن كانت لحيته ليست بكثة، بمعنى أنها خفيفة، يكفي تخليلها أو لا بد من إيصال الماء إلى البشرة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأن ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل، فرضه الغسل، أما من كانت لحيته كثيفة فيكتفي بالتخليل، وعثمان -رضي الله تعالى عنه- أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين أحد العشرة المبشرين بالجنة، مناقبه وفضائله أكثر وأشهر من أن تذكر.(5/24)
والحديث عموماً دال على أن اللحية الكثيفة تخلل، وأما بالنسبة للحية الخفيفة التي لا تغطي البشرة فإنه يجب غسل البشرة، يجب غسل البشرة؛ لأن ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل، نعم.
"وعن عبد الله بن زيد قال: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى بثلثي مد, فجعل يدلك ذراعيه" أخرجه أحمد, وصححه ابن خزيمة".(5/25)
نعم "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم الذي سبق في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- -رضي الله عنه- "إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتى بثلثي مد" والمد ملء كفي الإنسان المعتدل، ربع الصاع، ويزيد على نصف الكيلو بخمسين جرام تقريباً، مع أنه يختلف الوزن باختلاف المكيل، يختلف الوزن باختلاف المكيل، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتي بثلثي مد، كانت عادته المطردة أن يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد، وهنا أتي بثلثي مد "فجعل يدلك ذراعيه" يدلك ذراعيه، وهذا من حجج المالكية الذين يقولون بوجوب الدلك، دلك الأعضاء، الغسل واجب، لكن هل من مسمى الغسل الدلك أو أن الغسل يتم بمجرد إيصال الماء مع تردده على العضو يسمى غسل؟ الجمهور يقولون: ليس من مسمى الغسل الدلك، ولذا يقولون: غسله المطر، ولا دلك معه، قد يقولون: غسله العرق، إذا كثر العرق كثرة تجعله يتردد على العضو، وحينئذٍ لا يكون الدلك من مسماه، والمالكية يقولون: لا يمكن أن يحصل الغسل إلا بالدلك، فيوجبون الدلك، وهذا من حججهم لكنه مجرد فعل، لا ينهض على الوجوب، نعم هو المستحب، يستحب أن يدلك الإنسان هذا العضو، أو هذه الأعضاء المأمور بغسلها، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع هذا يدل على الاقتصاد في الماء؛ لأن الماء مال، وقد نهينا عن إضاعة المال، فالاقتصاد بالماء أمر مطلوب، والإسراف فيه كالإسراف في غيره، وإن كان مبذولاً متيسراً أمره في هذه العصور المتأخرة، لكن كان الناس يعانون أشد المعاناة من جلب الماء، ومازالوا يعانون في بعض الأقطار، بعض المناطق يعانون من شح في المياه، والبلد كما يقول الخبراء مهدد بنقص المياه الجوفية، فعلى هذا ينبغي أن نمتثل مثل هذه النصوص الشرعية بالاقتصاد في كل شيء، وعلى وجه الخصوص الماء الذي يهدر منه الشيء الكثير من أجل أدنى سبب، تجد الإنسان يشغل الدينمو من أجل إيش؟ يغسل سيارته، نعم، الدينمو لا يكفي أن يأخذ سطل ماء ويمسح السيارة، كل هذا لأن الماء متيسر بالنسبة له، ولا يكلفه شيء، وسعره زهيد، ولا يدري أن هذا محرم في أصل الشرع، والإسراف وإضاعة الماء، المال عموماً والماء من أهم الأموال، بل من أشد الأمور(5/26)
ضرورة بالنسبة للإنسان، قد يعيش الإنسان بدون أكل أحياناً إلى وقت .. ، قد يتحمل أطول وقت، لكن بالنسبة للماء الموت .... وعطش كثير.
المقصود أن مثل هذه النصوص مما يجب امتثاله بالاقتصاد، وجاء النهي عن الإسراف {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [(31) سورة الأعراف] ولا تسرفوا، ولا تبذر، ويدخل في هذا الماء، يعني من أولى ما يدخل؛ لأنه بصدد أن يتساهل الناس فيه، وهو بطبعه سريع التلف عند من لا يحافظ عليه، فمن لا يحافظ عليه يتركه يتسرب ويضيع، وهذا لا شك أنه من إضاعة المال، وفيه مخالفة النصوص المذكورة، والله المستعان، نعم.
"وعنه: "أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذي أخذ لرأسه" أخرجه البيهقي، وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ: "ومسح برأسه بماء غير فضل يديه" وهو المحفوظ. "
"وعنه" أي عن عبد الله بن زيد راوي الحديث السابق "أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذي أخذ لرأسه" غير الماء الذي أخذه لرأسه، معناه أنه يمسح أذنيه بماء غير فضل رأسه، "أخرجه البيهقي" وقال: إسناده صحيح، لكنه وإن صح إسناده إلا أنه غير محفوظ، وإذا كان الحديث غير محفوظ يكون إيش؟ شاذ؛ لأن الذي يقابل المحفوظ الشاذ، والذي يقابل المعروف المنكر.
ولذا قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ: "ومسح برأسه بماء غير فضل يديه" هذا "هو المحفوظ" مخرج في صحيح مسلم.
لماذا لا نقول: إنه مرة يمسح أذنيه بماء جديد، ومرة يمسح بماء هو ما فضل على مسح رأسه؛ لأن الإسناد الأول صحيح والثاني صحيح، هل في تعارض بينهما؟ ألا يحمل على التعدد أنه مرة يفعل هذا ومرة يفعل هذا؟ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هو عبادة واحدة مرة اليد تغسل مرة، ومرة تغسل مرتين، ومرة تغسل ثلاث، لماذا لا نقول: إن اللفظ الأول الذي رواه البيهقي يدل على أن الأذنين تمسحان بماء جديد في بعض الحالات؟ ورواية مسلم تدل على أنها تمسح بفضل مسح الرأس في حالات أخرى؟
طالب:. . . . . . . . .(5/27)
نعم هذا الكلام، ولذا قال: "وهو عند مسلم من هذا الوجه" وهو عند مسلم من هذا الوجه، فلا يحمل على التعدد، ولا يجوز حمله حينئذ على التعدد، لا بد من الترجيح، وما في مسلم هو الراجح، ولذا قال الحافظ: "وهو المحفوظ" وإذا كان أحد الوجهين محفوظاً فالوجه الثاني يكون حينئذٍ شاذ، والشاذ: هو ما يرويه الثقة، ولذا قال البيهقي هنا قال: إسناده صحيح، ما يرويه الثقة مع مخالفة من هو أوثق منه، الذي في صحيح مسلم أوثق منه، فعلى هذا يكون ما في سنن البيهقي شاذ، وما في صحيح مسلم هو المحفوظ، ولذا يقول الحافظ العراقي:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه
وعلى هذا تمسح الأذنان بما يبقى بالأصابع من بلل بعد مسح الرأس، "وهو المحفوظ"، "ومسح برأسه بماء غير فضل يديه" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، بالنسبة للأذنين؟ لا،. . . . . . . . .
يأخذ للأذنين ماء غير الذي أخذه لرأسه هذا شاذ، هذا شاذ، المحفوظ: "مسح رأسه بماء غير فضل يديه" هذا محفوظ، من هذا الوجه نفسه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني جديد، بعد أن مسح رأسه .. ، والأصل المحفوظ أنه غسل يديه للمرفقين ثلاثاً، يبقى باليدين بعد غسلهما ماء، هل يمسح به رأسه أو يأخذ ماء جديد لمسح الرأس؟ هاه؟ يأخذ ماء جديد، هذا ماء غير فضل يديه، غير باقي الماء الذي غسل به يديه، لكن إذا مسح أخذ ماء جديد لمسح الرأس، هل يأخذ ماء جديد لمسح الأذنين؟ لا ما يحتاج؛ لأن الأذنين من الرأس، الأذنين من الرأس.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: ما الفرق بين قولكم يتأكد وقولكم يجب؟
يتأكد هي في الغالب إنما تقال في المستحب والسنة، والسنة المؤكدة، فتحرزاً من القول بتأثيم التارك يقال: يتأكد في هذا الأمر أن يُفعل، وأما القول بالوجوب فهو يتضمن تأثيم التارك.
ما ضابط اللحية الكثة؟
ضابطها ألا ترى البشرة دونها.
في بعض النسخ في الحديث رقم اثنين وأربعين: "يأخذ لأذنيه خلاف الماء الذي يأخذ لرأسه"؟
المعنى واحد، المعنى واحد لا يختلف.
صفة تخليل اللحية؟
أن يدخل أصابعه فيها، يدخل أصابعه فيها، وفيها الماء.(5/28)
هل يجوز مسح الرأس مرتين من الأمام؟
يعني ليأتي بجميع الصور التي وردت، والاحتمالات التي ذكرت، مقصود السائل أن يأتي بمسح الرأس بجميع الصور التي وردت، مرة يبدأ من الأمام إلى الخلف ثم يعود، ومرة يبدأ من الخلف إلى الأمام ثم يعود، ومرة يبدأ من الناصية ثم يأتي إلى الأمام ثم يمسح مسحاً واحداً، الصور المذكورة، وإن بدأ بمقدم رأسه وذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما هذا هو أوضح ما ورد في الباب.
يقول: هل مسح الأذنين واجب أم سنة كمثل مسح الرأس؟
لا شك أن مسح الرأس من فرائض الوضوء على الخلاف بين أهل العلم بالقدر الممسوح، وعرفنا أنه لا بد من استيعاب جميع الرأس، والأذنان من الرأس، لكن لو تركهما، لو ترك مسحهما، كما لو ترك شيئاً من رأسه، وكل على مذهبه، الذي يقول: يجزئ مسح بعض الرأس، الربع، الثلث، شعرات، لا يوجب مسح الأذنين، والذي يوجب استيعاب مسح الرأس والأذنين من الرأس يوجب مسحهما، وعلى كل حال الأمر فيهما أخف.
ما معنى المحفوظ؟
عرفنا أن المحفوظ هو الذي يقابل الشاذ، فإذا روي حديث من ثقة، فكان الراوي ثقة وخالف من هو أوثق منه فالحديث شاذ، وكذا لو تفرد من لا يحتمل تفرده حكم على مرويه بالشذوذ والنكارة عند أهل العلم، فيقابل الشاذ المحفوظ، يعني إذا روى الثقة مخالفاً من هو أقل منه في التوثيق والضبط والإتقان فإن حديث الأوثق يكون هو المحفوظ.
ما أقل السترة؟
أقل السترة مثل مؤخرة الرحل، مثل مؤخرة الرحل ثلثي ذراع.
يقول: هل المنهي عنه يقتضي التحريم فعله؟
الأصل في النهي التحريم، الأصل في النهي أنه للتحريم، كما أن الأصل في الأمر أنه للوجوب، لكن إذا وجد الصارف يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة أو الأمر من الوجوب إلى الاستحباب فالعبرة بالصارف.
مسح ظاهر الأذن هل يكون قبل ... ؟
بعد مسح الرأس، مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بعد الرأس.
يقول: هل تتنجس اليد إذا لمست نجاسة مباشرة وإن كان من رواء حجاب؟
لا، من وراء حجاب لا ....(5/29)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (6)
تتمة شرح: باب الوضوء ...
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يقول: هل تتنجس اليد إذا لمست نجاسة مباشرة وإن كان من رواء حجاب؟
لا، من وراء حجاب لا يضر، من وراء حجاب لا يضر، لكن مس النجاسة باليد إذا كانت هذه النجاسة رطبة تنتقل إلى العضو الذي مسها فإنها تنجسه، أما إذا كانت يابسة فاليابس لا ينجس اليابس.
يقول: عندي وسوسة في الصلاة شديدة فلا أستطيع مقاومة الشيطان، وكم حاولت وأنا أقاومه ولم أستطع، حتى أنني بعض الأحيان أؤخر الصلاة عن وقتها، فأرجو أن تنصحوني ماذا أفعل؟
عليك أن تصلي مع المسلمين، الصلاة في وقتها، وأن تفعل ما أمرت به من تمام الطهارة ولا تلتفت بعد ذلك، أكثر ما يشكل عند الناس النية، هل نوى أو ما نوى؟ نقول: نويت، ما الذي جاء بك لتغسل أعضاء الوضوء؟ ما الذي جاء بك؟ هو النية والقصد، ثم بعد ذلك إذا تمت الطهارة فلا تلتفت إلى شيء غسلت، ما غسلت، كررت، نقصت لا تلتفت؛ لأنك. . . . . . . . . العبادة عموماً بعد تمامها لا تنقض بمثل هذه الشكوك، فلا يلتفت إليها، والصلاة كذلك، أقبل على صلاتك والذي نهزك وبعثك من بيتك إلى المسجد هو الصلاة، وهذه هي النية، فلا تحتاج في النية أكثر من ذلك.(6/1)
بعد ذلك إذا دخلت في صلاتك أحرص على أن تحضر قلبك إلى هذه الصلاة، فإذا انتهت الصلاة وسلمت منها فلا تلتفت إلى شيء، خلاص انتهت الصلاة على أي وضع كان، لا تلتفت إلى شيء؛ لأنك بهذه الالتفات يستغلك الشيطان ويزيدك، فيمكن تعيدها مرة في أول مرة، ثم مرتين ثم ثلاث إلى أن يصل بك الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك، يعني شخص يعيد الصلاة مائة مرة، يعيد الوضوء كذلك، هذا قريب من الجنون، يعني شخص يطرق الباب بعد طلوع الشمس في أيام الشتاء يقول: إلى الآن وأنا أحاول أن أصلي العشاء فما استطعت، يقول: لا أستطيع أن أصلي مع الجماعة، وإذا صليت منفرداً ما استطعت، فيطلب مني أن أصلي به، يصلي مأموم، قلت: لا بأس، كبرتُ، كبر ثم جلس، لماذا؟ في المسجد العُشْر الأخير قدامنا من القرآن مكتوب عليه العشر الأخير، قال: أنا ناوي الصبح وهذا مكتوب فيه الأخير، إيش معنى الأخير؟ يعني العشاء الأخير، انصرفت نيتي، قلت: لا تلتفت إلى شيء.
قال: طيب الطهارة؟ أنا خمس ساعات ست ساعات أتطهر، قلت: صلِ بلا طهارة، قال: ويش لون أنا أستطيع أستعمل الماء؟ قلت: صلِ بلا طهارة، ولو زاد بك الأمر لأفتيك بترك الصلاة؛ لأنك لست ببعيد من المجنون، فلا يزال الشيطان بمثل هذا أن يخرجه من الدين، يجعله في وضع بالنسبة له الصلاة محالة، أو لا تطاق، وحينئذٍ يفتى بتركها فيكون في حكم المجانين، كم من شخص ترك العمل بسبب صلاة الظهر، من يبدأ الدوام إلى أن تزول الشمس وهو يكرر الوضوء استعداداً لصلاة الظهر، ثم يصلون الناس، وينتهي الدوام ما باشر، كم من شخص بهذه الطريقة وفصل، هذا جنون بلا شك، هذا لا يرتاب أحد بأنه جنون، مرض، والجنون فنون، هذا فن من فنونه، كل هذا بسبب طاعة الشيطان، وإلا فالإنسان عليه أن يقبل على عبادته ولا يلتفت إلى الشيطان، مع أنه عليه أن يكثر من تلاوة القرآن بالتدبر، والأذكار في أوقاتها، ويكثر من اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- بصدق وإخلاص، ويكثر من الاستغفار، وحينئذٍ يُشفى من هذا المرض.
يقول: ما المقصود أحمد وجماعة؟(6/2)
أحمد وجماعة، يعني أحمد بن حنبل وجمع من أهل العلم، وقال الجمهور: لا يجب، بل الأمر للندب، جمهور أهل العلم يعني في مقابل من ذُكر، إذا قيل: قال أحمد وقال الجمهور فهم الأئمة من عدا أحمد، وإذا قيل: قال داود أو قال ابن حزم وقال جماهير الأمة فهم من عدا ابن حزم وهكذا.
ما معنى كلمة الندب؟
الندب هو المستحب، الندب والمندوب هو المستحب، الذي يؤجر فاعله ولا يعاقب تاركه.
يقول: إذا أراد الرجل الوضوء بعد قيامه من النوم. . . . . . . . . وارد في الوضوء، فهل يستنثر أولاً ثم يتوضأ؟ أم يكون الاستنثار هو الاستنثار الذي في الوضوء؟
نعم إذا استنثر في الوضوء كفاه؛ لأنهما عبادتان مأمور بهما تتداخلان، فهل يكون القول بوجوب الاستنثار عند القيام؟ .. وإذا كان كذلك يعني دخول الاستنثار بعد الاستيقاظ داخل في الاستنثار في الوضوء.
يقول: فهل يكون القول بوجوب الاستنثار عند القيام من النوم خاصة لا أثر له؟
له. . . . . . . . .، له أثر، أثر متصور فيمن لا يريد الوضوء، عند من يقول: إنه لا يقيد بالوضوء يستنثر ولو لم يرد الوضوء.
هل عبد الله بن زيد هو صاحب حديث الأذان؟
نبهنا أن عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان.
هذا يسأل عن الخيشوم وصفة مسح الأذنين؟
كما جاء في الحديث يدخل السباحتين في أذنيه ويحركهما ويحرك أو يمر الإبهامين على أعل الأذنين، والخيشوم هو الأنف الذي ذكرناه بالأمس.
إذا ترك الصائم الاستنشاق بالماء كلية، يعني لا يدخل الماء في أنفه فهل وضوؤه غير صحيح؟
عرفنا أن المضمضة والاستنشاق مما اختلف في وجوبه أهل العلم، فالذين يقولون بعدم الوجوب لا أثر لعدم استنثاره، والذين يقولون بوجوبه .. ، لا شك أن حتى من يقول بوجوبه أنه ليس مثل الفرائض، فرائض الوضوء المذكورة في آية الوضوء، لكن يأثم تاركه والوضوء -إن شاء الله- صحيح.
يقول: هل بلع الريق يبطل الصيام؟
لا، لا يبطل الصيام إلا إذا أخرجه من فمه وانفصل ثم أعاده، أهل العلم يكرهون جمع الريق ثم بلعه، لكن لا أثر له على الصيام.(6/3)
يقول: ما رأيكم فيمن يقوم بعرض بعض المشاهد التلفازية في المساجد بحجة تعليم الناس، وما رأيكم بمن ينشد القصائد الدينية في المسجد على وجه يقرب من الغناء واللهو مع النصح والتوجيه؟
أما عرض الصور في المساجد فالصور كلها حرام، بما في ذلك الصور المتحركة في الفيديو وغيره، داخلة تحت النصوص التي جاءت في تحريم الصور وتمنع منها، وإذا حرم الأمر كان في موطن العبادة أشد، وإدخال هذه الآلات في المساجد لا يجوز، بحال من الأحوال، بحجة تعليم الناس، نعم أفتى بعض أهل العلم بجواز التصوير في الفيديو من أجل التعليم، وأقول هي فتوى من يعتد بقوله، وتبرأ الذمة بتقليده، لكن من يرى تحريم التصوير، وأنه شامل لهذا النوع -وهو الذي أدين الله به- يدخل فيه حتى مثل هذا، ولو كان بحجة التعليم؛ لأن العلم دين، وما عند الله لا ينال بسخطه، كيف نطلب العلم الشرعي الذي حث الله عليه بالنصوص، ومدح أهله بوسيلة حرمها الله.
من ينشد القصائد الدينية عمر -رضي الله عنه- أنكر على حسان الإنشاد في المسجد، لكن حساناً رد عليه بأنه كان ينشد في المسجد، وفيه من هو خير من عمر، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- كنت أنشد بين يدي من هو خير منك في المسجد، وجاء النهي عن تناشد الأشعار في المسجد، ولا شك أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، حسنه حسن وقبيحه قبيح، فحسنه لا بأس بإنشاده في المسجد، وقد أنشد حسان بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الكلام مباح الكلام الذي ضمن الشعر مباح فحكمه حكم النثر لا بأس به في المسجد، وإذا كان مستحباً استحب حتى في المسجد، فنظم العلوم بالشعر وتعليم الناس هذا النظم من أفضل القربات؛ لأنه علم، والشعر حكمه حكم النثر، أما إذا كان هجو هجاء للناس، وبيان مثالب الناس، أو بعض الناس، أو إسفاف في غزل وتشبيب وما أشبه ذلك، أو فخر وما أشبه ذلك، كل هذا يمنع خارج المسجد ففي المسجد من باب أولى.
يقول: وما رأيكم بمن ينشد القصائد الدينية في المسجد؟
عرفنا أن الأصل في مثل هذا أنه جائز.
يقول: على وجه يقرب من الغناء واللهو؟(6/4)
لا إشكال أنه إذا صحب الصوت الآلة منع، فلا يجوز حينئذٍ، المسألة مفترضة فيما إذا خلا عن الآلات، فيما إذا خلا عن الآلات، جاءت النصوص بإباحة الحداء، وشعر الحروب وما أشبهه، والشعر في الأفراح والأعياد كل هذا له أصل في الشرع، وتفنن الناس بعد ذلك بعد عصر النبوة في الغناء، ودخل الغناء من الكفار، من فارس والروم بأوزان وألحان معروفة عندهم، فما جاء من جواز سماعه فهو محمول على ما كان على طريقة العرب، وما جاء في منعه ولو كان بغير آلة؛ لأن الغناء هو الصوت، ولو لم يصحبه آلة، وجاء ذمه، فما كان على طريقة الأعاجم في لحونهم، والحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بين ذلك ووضحه في شرح البخاري، وميز ما كان منه على طريقة العرب في أدائهم، وهو الذي جاءت النصوص بجوازه وإباحته، وما كان من لحون الأعاجم ولو لم يصحبه آلات فإنه حينئذٍ يُمنع، وهو الذي جاءت النصوص بمنعه.
على كل حال مثل ما تقدم الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فإذا كان الكلام حسن، وأدي بصوت على طريقة العرب في أدائهم للأشعار فإنه حينئذٍ لا بأس به، وهو ما يسمى بالأناشيد، لكن بعض الناس يدخل أو يغير في صوته بحيث يجعله قريب من لحون أهل الفسق والفجور، أو من لحون الأعاجم وما أشبهها، فيمنع من هذه الحيثية، والله المستعان.
هذا يقول: هل يجوز المسح على الجوارب بدلاً من غسل القدمين؟
هذا سيأتي -إن شاء الله- في الباب اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
نعم، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" متفق عليه، واللفظ لمسلم".(6/5)
بقي تبعاً للسؤال أو الشق الأول من السؤال السابق مشاهدة بعض الأفلام التي تعرض باسم العلم أو باسم التسلية التي ما فيها ما يمنع من أجله إلا التصوير، أقول: إذا كان .. ، بل من باب ارتكاب أخف الضريرين، إذا لم يكن وسيلة لحفظ الأطفال في البيوت، إذا لم يكن هناك وسيلة لحفظ الأولاد في البيوت، لا سيما وأن المقاهي الآن في كل حي، بثمن زهيد يشاهد ما يريد، بل قد يستدرج إلى أمور لا تحمد عقباها، وهذا حاصل في بلاد المسلمين مع الأسف الشديد.
فإذا لم يكن هناك ثم وسيلة إلا مشاهدة هذه الأفلام المختلف فيها، فارتكاب أخف الضررين مقرر عند أهل العلم، تحصيلاً لأعلى المصلحتين، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يحفظ أولاده، وأولاده إن ذهبوا إلى الجيران عندهم أفلام محرمة، إن ذهبوا إلى الأقارب كذلك، إن خرجوا إلى الأسواق فالمقاهي تنتظرهم، فأقول: إن اتخاذ مثل هذه الآلات بهذا الغرض تحت المراقبة الشديدة ارتكاباً لأخف الضررين، ومع ذلكم يعترف من اتخذ هذه الآلة بأنه مخالف ويستغفر الله، لكن خشية من الضرر الأشد يقتني مثل هذه الآلة لحفظ أطفاله وتسليتهم؛ لأن اليوم هناك أمور فرضت نفسها، والبيوت تعج بالمنكرات، سواءً كانت بيوت الجيران أو الأقارب، أو ما أشبه ذلك، ولا شيء يمنعهم من ذلك، لا شيء يمنعهم من ذلك، فمن باب ارتكاب أخف الضررين إذا اقتنى هذه الآلة مع علمه .. ، مع اعترافه بالمخالفة وندمه واستغفاره، ومراقبته الشديدة أرجو أن يكون معذوراً، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .(6/6)
هذا يقول: إسلامي، ما في شيء، التصوير ما في إسلامي، أي تصوير ما في إسلامي، لكن من هذا الباب، من باب ارتكاب أخف الضررين لا بأس، إن شاء الله، نرجو أن يكون لا بأس به، وإلا ما عند الله لا ينال بسخطه، يعني إن أمكن .. ، تعرفون الناس اليوم أصيبوا بالترف والرفاهية، وأن الإنسان إذا لم يرفه أولاده، وأولاد الناس يعيشون في .. ، يسمونه بحبوحة وتلبية رغبات، وأبناء المشايخ وطلبة العلم محرومون من هذه الأمور، وهم لا يقدرون، الأطفال لا يقدرون هذه المسألة قدرها، والنساء لا تعذر أرجو أن يكون الأب معذوراً تحت الرقابة الشديدة، لئلا يؤتى بشيء لا يرتضيه، لئلا يؤتى بشيء لا يرتضيه، والله المستعان.
حديث: "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" نعم على الإنسان أن يحرص من تحصيل مثل هذه الأمور، وبمثل هذا فليفرح.
((إن أمتي)) وهم أمة الإجابة الذين استجابوا لدعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- ((يأتون يوم القيامة غراً محجلين)) والغرة في الأصل هي البياض الذي يكون في ناصية الفرس، والتحجيل هو البياض أيضاً الذي يكون في يديه ورجليه، فهذه الأمة يعرفها النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الغرة والتحجيل.
((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) إما من أثر فعلهم لهذا الوضوء، أو لأثر الماء الذي استعملوه في الوضوء، واللفظ يحتملهما، وهذا لازم من هذا.
((يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء)) فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" هذه التكملة في الصحيح، لكن أكثر أهل العلم على أنها مدرجة من قول أبي هريرة، فقد روى الحديث عن أبي هريرة عشرة من أصحابه ولم يذكروا هذه الزيادة، بل ذكرها راوي واحد في صحيح مسلم اسمه: نعيم.
"فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل" إطالة الغرة هل يمكن إطالة الغرة بمعنى أنه يمسح الوجه ويزيد عليه من الرأس؟ ممكن؟ يقولون: الغرة لا يمكن إطالتها، التحجيل ممكن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ممكن، كيف يطيل الغرة؟
طالب:. . . . . . . . .(6/7)
لا، لا الوجه، الغرة، الغرة، أما التحجيل معروف، الغرة التي في الوجه؟ يمسح الرأس مع الوجه؟
طالب:. . . . . . . . .
الوجه بس، إذاً ما أطال غرته، اقتصر على المفروض، أما التحجيل فممكن، ونهاية اليد المنكب، ونهاية الرجل الركبة، هذا على القول بشرعية هذا العمل لو ثبت المرفوع عن أبي هريرة، أما الموقوف فهو صحيح في الصحيحين وغيرهما "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" إدراكاً لهذه الفضيلة وهذه المزية.
نعود إلى المسألة الثانية من جهة وهي أنه هل يجوز أن يزاد على ما حدده الشارع؟ عرفنا أنه في العدد لا يجوز، لا يجوز أن يغسل الأعضاء أربعة، أربع مرات أربع مرات؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يزد على الثلاث، هل يمكن أن يزاد في الكيفية فيغسل اليد إلى المنكب والرجل إلى الركبة ليطيل التحجيل؟ أبو هريرة يقول: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل"؛ لأن هذا الوصف ممدوح، سيق الحديث مساق المدح، وما مدح على لسان الشارع فالإكثار منه خير، فمن هذه الحيثية قال أبو هريرة: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" وفعل ذلك، كان أبو هريرة يطيل التحجيل، وعلى كل حال جمهور أهل العلم على أن هذه اللفظة مدرجة، وإذا اقتصر على القدر المحدد شرعاً ولم يزد على ذلك فقد أحسن، وجاء في الخبر: ((فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم)) لكن لاحتمال أن يثبت هذا الخبر، وقد روي مرفوعاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو فعله الإنسان أحياناً ما لزمه، خشية أن يثبت مثل هذا الخبر مرفوع، وأما ثبوته موقوف فلا إشكال فيه، فلو فعل أحياناً فحينئذٍ لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) يستدل بهذا من يقول: إن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وتقدم لنا أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، إن جريجاً توضأ كما في صحيح مسلم، سارة امرأة إبراهيم -عليه السلام- توضأت فصلت، فالوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وإنما الذي هو من خصائصها الغرة والتحجيل فقط، نعم.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله" متفق عليه".(6/8)
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن" وكون الشيء يعجبه -عليه الصلاة والسلام- لا يدل على وجوبه ولزومه لغيره، نعم إذا كان هوى الإنسان تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- ويحرص على الاقتداء به فيما يعجبه، ويحرص على ما كان يحبه فعلاً وتركاً، هذا ديدن الصحابة، فما يعجب النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبهم، وما لا يعجبه لا يعجبهم، أنس كان يتتبع الدباء من الصحفة، ويذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعجبه الدباء وهو القرع، كما هو معروف، وعلى هذا لو قال إنسان: أنا لا آكل الضب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يأكله، أو لم يأكله، فهل يؤجر على هذا الترك أو لا يؤجر؟ هو مباح، وأُكل بحضرته، وأقر من أكله، لكن كون الإنسان يعاف الشيء جبلة، تعافه نفسه، مثل هذا لا يتعبد به، حتى لو أمره من تجب طاعته بأكل شيء لا يطيق أكله فإنما الطاعة بالمعروف.
افترضنا شخص يحب أكل الضب ثم تركه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأكله، نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل على مائدته، وأقر الآكل بياناً للجواز، فأكله جائز مباح مستوي الطرفين، إذا كان الإنسان يحرص على الدباء -القرع- لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحب القرع، فعله أنس وكان يتتبع ذلك إيثاراً لما يحبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الاقتداء والائتساء هو في العبادة دون العادة، فما كان من قبيل العادة لا اقتداء فيه ولا ائتساء، ولذا لم يوافق الصحابة قاطبة ابن عمر في حرصه على تتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى ذكر ابن عبد البر -رحمه الله- عن ابن عمر أنه كان يكفكف دابته لكي تطأ على مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان يقصد الأماكن التي جلس فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بات فيها يتعبد في ذلك، وعامة الصحابة سواه لم يفعلوا ذلك، فدل على أن الأمور العادية التي تحصل اتفاقاً من غير قصد فإنه لا يتعبد فيها، ولا تطلب من الشخص.(6/9)
"كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن في تنعله" تقديم الرجل اليمنى في لبس النعل، وعكسه الخلع، خلع النعل يقدم اليسرى تكريماً لليمنى لئلا تبقى حافية أكثر من اليسرى، إذا لبس ثوب بدأ بالشق الأيمن، ترجل -سرح شعره- يبدأ بالشق الأيمن، حلق رأسه، حلق شعره يبدأ بالشق الأيمن وهكذا.
"وطهوره" يبدأ بالشق الأيمن، فيغسل اليد اليمنى قبل اليد اليسرى، والرجل اليمنى قبل الرجل اليسرى، لكن إذا كان الشيء واحد مثل الرأس، والوجه، هل يستحب أن يبدأ بالشق الأيمن أو يمسح الرأس دفعة واحدة والوجه دفعة واحدة، يغسل وجهه دفعة واحدة، هذا الأصل أن الوجه يغسل دفعة واحدة والرأس يمسح دفعة واحدة.
في حديث أم عطية في غسل ابنة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) في تعارض وإلا ما في تعارض؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ غسل، ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) في تعارض وإلا ما في؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ظاهره التعارض كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم مواضع الوضوء فيها يسار، مقتضى ((ابدأن بميامنها)) أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ابدأن بميامنها)) أن تبدأ بالشق الأيمن بما في ذلك الرجل اليمنى قبل الشق الأيسر بما في ذلك اليد اليسرى، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ومواضع الوضوء منها)) يقتضي الابتداء بمواضع الوضوء، فتقدم اليد اليسرى على الرجل اليمنى، وإن كانت في الجهة اليمنى، فالخبر ظاهره التعارض، كيف يدفع مثل هذا التعارض؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم، ((ابدأن بميامنها)) أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، الجملة الثانية العكس تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، هذا مقتضاه، هاه؟ في تعارض وإلا؟ فيه تعارض، ظاهره التعارض، كيف يدفع مثل هذا التعارض؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يخص من مجموع الميامن أعضاء الوضوء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(6/10)
يعني إذا وضئ الميت الغسلة التي فيها الوضوء يبدأ بمواضع الوضوء، وسائر الغسلات عدا هذه الغسلة التي فيها الوضوء يبدأ بالميامن، ولا مانع من غسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى في الغسلات الباقية، ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)) يعني عند الحاجة يزاد في ذلك.
"في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله" في شأنه كله التأكيد هنا يرفع احتمال غير الحقيقة، "في شأنه كله" ويرد على هذا ما جاء في النصوص متضمناً تقديم الشمال على اليمين كالاستنجاء مثلاً، أو دخول الأماكن القذرة، إذا دخلت المسجد تقدم اليمنى، وإذا خرجت تقدم اليسرى، إذا دخلت الحمام تقدم اليسرى، وإذا خرجت تقدم اليمنى، هناك أماكن ينبغي أن تلحق بالحمامات، فتقدم فيها اليسرى مثل الأماكن التي فيها المعصية، وما أكثر هذه الأماكن التي تزاول فيها المعصية، دور العلم الشرعي ينبغي أن تعامل معاملة المسجد فتقدم اليمنى وهكذا، المقبرة إيش تقدم؟ نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اليمنى نعم؛ لأن حرمة المسلم ميت كحرمته حي.
"وفي شأنه كله" هذا العموم شأنه مفرد مضاف يقتضي العموم "كله" تأكيد لهذا العموم، يقتضي ألا يستثنى من ذلك شيء، يقتضي ألا يستثنى من ذلك شيء، لكن المعروف من قاعدة الشرع أن البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم، كل من باب التكريم فإنه يبدأ فيه باليمين، "في شأنه كله" تبدأ باليمين، خص هذا النص بمخصصات منها ما ذكرنا، وهم يقولون: إن التأكيد اللفظي يرفع احتمال المجاز، ويبقى اللفظ على عمومه لتأكيده، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن استثني وخصص بعض الأمور من هذا الحديث لنصوص أخرى، ويرد على قولهم: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [(73) سورة ص] أكثر من تأكيد، ثم خص {إِلَّا إِبْلِيسَ} [(74) سورة ص] فقولهم ليس على إطلاقه.(6/11)
"في شأنه كله" قد يقول قائل: إنه باق على عمومه، لكن المستثنى بالنصوص الأخرى ليس من ذوات الشأن، والشأن هو الذي يهتم به شرعاً، وعلى هذا يكون لا تخصيص يبقى اللفظ عاماً لم يدخله تخصيص، باقٍ على عمومه محفوظ من التخصيص؛ لأن الشأن هو ما له بال يهتم به شرعاً، وما ذكر من الأمور المخصوصة ليست بذات شأن ولا بال مهتم به شرعاً.
الحديث الذي يليه نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة".
((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) أخرجه الأربعة" وعرفنا الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، "وصححه ابن خزيمة" ذكره في صحيحه من غير تعقب له، وهذا لفظ أبي داود وابن خزيمة، أما الترمذي والنسائي فليس فيهما ذكر الوضوء، بل فيهما "كان إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه" الذي عند أبي داود وابن خزيمة الوضوء مع اللباس، لكن عند الترمذي والنسائي اللباس فقط، وليس فيه ذكر للوضوء، فكلام الحافظ موهم، والحديث صحيح، الحديث صحيح بطرقه.
((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) مقتضاه وجوب تقديم اليد اليمنى على اليد اليسرى، والرجل اليمنى على الرجل اليسرى؛ لأنه أمر ((فابدؤوا)) والأمر أصله للوجوب، لكن جمهور أهل العلم لم يقولوا بهذا، فتقديم اليمنى على اليسرى استحباب عند جمهور أهل العلم، وهو قول الأكثر، يعني لو توضأ وغسل يده اليسرى قبل يده اليمنى صح وضوؤه، لكن الأولى والأكمل والأفضل أن يقدم اليمنى على اليسرى، وهذا مروي عن علي وابن عباس -رضي الله عنهم-، تقديم اليسرى على اليمنى، ولولا وجود مثل هذه الروايات لقلنا: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه ولا مرة أنه توضأ فقدم اليسرى على اليمنى وفعله بيان لما أوجب الله -سبحانه وتعالى-، فالبيان واجب مثل أصله المبيَّن، إذا أضيف إلى ذلك الأمر الوارد في مثل هذا الحديث ((إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم)) والحديث من حديث جابر على ما سيأتي ((ابدؤوا بما بدأ الله به)).(6/12)
((فابدؤوا بميامنكم)) يعني وهذا يشمل جهة اليمين، سواءً كان العضو مكون من شيئين أو من شيء واحد هذا مقتضاه، وقلنا: إنه لم يقل أحد بالنسبة للمسح -الرأس- وغسل الوجه أنه يبدأ بالشق الأيمن قبل الأيسر، وإنما كأن المقصود بهذا الحديث اليد اليمنى واليسرى والرجل اليمنى والرجل اليسرى، نعم.
مسألة الترتيب بين أعضاء الوضوء: عرفنا أن قول جمهور أهل العلم أنه واجب، لأمور ذكرناها قبل، جاء الوضوء مرتباً في الآية، وجاء الأمر ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) على ما سيأتي، وتوضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتباً بياناً للواجب، والأسلوب -أسلوب سياق فروض الوضوء في الآية- يدل على ذلك؛ لأنه أدخل الممسوح بين مغسولين، والعرب لا تفعل ذلك، لا تفعل مثل هذا فتقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، ولا فائدة هنا إلا وجوب الترتيب.
الذي يليه.
"وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين" أخرجه مسلم".
المغيرة بن شعبة صحابي معروف مشهور أسلم عام الخندق، وقدم مهاجراً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شهد الحديبية وما بعدها، توفي بالكوفة سنة خمسين، وكان عاملاً لمعاوية عليها، صحابي مشهور.(6/13)
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته" مسح بناصيته بمقدم رأسه "وعلى العمامة والخفين" المسح على العمامة والخفين سيأتي في باب المسح -إن شاء الله تعالى-، والذي يهمنا من هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح الناصية أو بناصيته، وبهذا يستدل من يقول بأنه يجزئ مسح بعض الرأس، ولا يجب الاستيعاب واستكمال جميع الرأس، ومعروف أن المؤلف شافعي المذهب، ومذهب الإمام الشافعي الاكتفاء بجزء ولو يسير من الرأس، بهذا يستدل الحافظ على أن استيعاب الرأس بالمسح ليس بواجب، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح الناصية، لكن هل يتم الاستدلال بهذا الحديث؟ يقول ابن القيم: إنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فإما أن يمسح رأسه كله، أو يمسح على بعضه مع الساتر وهو العمامة، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه اقتصر على مسح الناصية، لا، نعم مسح الناصية مع العمامة، وهذا الحديث مخرج في صحيح مسلم لا إشكال فيه، نعم إذا كان عليه عمامة، إذا كان عليه عمامة فمسح على العمامة والناصية لا باس، أما أن يقتصر على مسح الناصية أو بعض الرأس دون الناصية، فإنه لا يجزئ ولم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله.
وأما المسح على الناصية أو على العمامة فسيأتي في الباب الذي يلي هذا -إن شاء الله تعالى-، نعم.
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) أخرجه النسائي هكذا بلفظ الأمر، وهو عند مسلم بلفظ الخبر".(6/14)
نعم حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رقي على الصفاء قال: ((ابدأ بما بدأ الله به)) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة] "أبدأ" أو ((نبدأ بما بدأ الله به)) هذا لفظ مسلم، وعند النسائي بلفظ الأمر: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) إنما يتم الاستدلال برواية النسائي، هي التي تقتضي الوجوب، وجوب الترتيب، فما بدأ الله به ذكراً نبدأ به فعلاً، ولا شك أن للأولية حظ في الأولوية، فبدأ الله -سبحانه وتعالى- بالصفاء قولاً، فبدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً، وقال: ((أبدأ)) وفي وراية: ((نبدأ بما بدأ الله به))، في رواية النسائي: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وهو عند مسلم بلفظ الخبر، رواية النسائي صحيحة أو ليست بصحيحة؟ يمكن أن تصحح أو لا يمكن؟ يمكن أن تصحح أو لا يمكن؟ بين الروايتين اختلاف وإلا ما بينهما اختلاف؟ بينهما اختلاف هذا أمر وهذا خبر، هل يمكن تصحيح الروايتين معاً أو لا بد من تصحيح إحداهما والحكم على الأخرى بالشذوذ ولو كان إسنادها صحيحاً؟ أو يمكن أن نقول: كلا الروايتين صحيحة؟ نعم، أما إذا كان جابر -رضي الله عنه- في اللفظين يحكي عملاً واحداً من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ما فعله في حجة الوداع، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقل إلا لفظاً واحداً، وحينئذٍ يكون تصحيح الأمرين خطأ لا بد من أحدهما، لكن إن كان جابر يحكي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من موقف أنه مرة قال: ((ابدؤوا)) ومرة قال: ((نبدأ)) فلا بأس حينئذٍ، ويمكن تصحيح اللفظين معاً، والحديث كما هو معروف من أطول الأحاديث في الصحيح، حديث جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .(6/15)
نعم؟ علاقته بالطهارة عموم اللفظ: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) فتقول في الطهارة: نبدأ بالوجه قبل اليدين، وباليدين قبل الرأس، وبالرأس قبل الرجلين ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) في الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] إلى آخره، تبدأ بما بدأ الله به بالفقراء، ثم تثني بالمساكين وهكذا.
عموم اللفظ يقتضي الدخول في جميع الأبواب، في جميع أبواب الدين ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وهذا وجه إدخال الحديث في هذا الباب، عموم اللفظ يتناول الوضوء، يتناول الحج، يتناول الزكاة، يتناول جميع العبادات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: إذا كان جابر -رضي الله عنه- يحكي فعلاً وقع مرة واحدة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما قال لفظاً واحداً، وحينئذٍ تصحح رواية مسلم وترجح على رواية النسائي، ويحكم على رواية النسائي بالشذوذ، أما إذا كان جابر -رضي الله عنه- يحكي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع قال: ((أبدأ)) وفي غيرها من أنساكه في عُمَرِه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ابدؤوا)) يحكي عملاً آخر فيحمل على التعدد، وحينئذٍ لا تعارض، نعم.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه" أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف".(6/16)
نعم إسناده ضعيف؛ لأن فيه القاسم بن محمد بن عقيل، وضعفه شديد، بل هو متروك عند أهل العلم، وضعفه أحمد وابن معين وغيرهما، وإن ذكره ابن حبان في الثقات، ذكره ابن حبان في الثقات، يعني مجرد ذكر، ومعروف أن من يذكره ابن حبان في الثقات على درجات، إما أن يصرح بتوثيقه، وحينئذٍ قوله قول إمام من أئمة الحديث معتبر، وإما أن يكون ذكره مجرد ذكر، فإن كان من شيوخه الذين عرفهم وخبرهم وعرف أحاديثهم فقوله وذكره معتبر، وإن كان ممن تقدم عليه، ولم يلحق به، ولم يذكر فيه لفظاً معيناً من ألفاظ التوثيق، فإنه قد يستدرك عليه في مثل هذا النوع، وقد استدرك بالفعل كثير، مجرد ذكر ابن حبان للثقات لا يعني التوثيق، لا يعني التوثيق، وقد ذكر القاسم بن محمد هنا وجماهير أهل العلم نصوا على أنه ضعيف جداً، يبقى أنه لو نص ابن حبان على توثيقه، مع أن أهل العلم قالوا بضعفه، أحمد وابن معين وغيرهما نصوا على ضعفه، نصوا على ضعفه الشديد، ولو افترضنا أن ابن حبان قال: ثقة، نص على توثيقه، ففي هذا ما يسمى بتعارض الجرح والتعديل، والمقدم عند التساوي -بلا شك- الجرح، لكن إن كثر المعدلون بالنسبة للجارحين كثرة تجعل قولهم قوياً قد يرجح قوله، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وقدموا الجرح لكن إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
ولو افترض أنه لم نجد في هذا الراوي إلا قول الإمام أحمد بالتوثيق وقول ابن معين بالتضعيف، هذا معدل وهذا جارح، واحد وواحد، المقدم الجرح؛ لأن مع الجارح زيادة علم خفيت على المعدل، خفيت على المعدل في كلام يطول تفصيله، لكن هذه إشارة إلى ما يهمنا من هذا الراوي.
على كل حال هذا الراوي ضعيف، فرواية الدارقطني ضعيفة، والعادة أنه إذا ضعف الخبر لا يتكلف اعتباره، ولا ينبغي شرحه، ولا الاستنباط منه، لكن يغني عنه حديث أبي هريرة أنه توضأ حتى أشرع في العضد، توضأ حتى أشرع في العضد، وهذا في صحيح مسلم، وقال: "هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إذا أشرع في العضد -زاد على القدر المذكور- فإنه لا بد أن يمر بالمرفق، لا بد أن يمر بالمرفق، فيغسل المرفق معه، وهذا يغني عنه، نعم.(6/17)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف، وللترمذي عن سعيد بن زيد وأبي سعيد نحوه، قال أحمد: لا يثبت فيه شيء".
أحاديث التسمية على الوضوء منها حديث أبي هريرة الذي معنا "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) مخرج في المسند وسنن "أبي داود وابن ماجه" لكنه عندهم بإسناد ضعيف، إسناده ضعيف عندهم.
والتسمية ورد فيها مجموع أحاديث على الوضوء، وكلها ضعيفة، لكن بمجموعها قد يحكم عليها من لا يتشدد بالقبول بمجموعها، ولذا يقول ابن القيم في المنار المنيف: "أحاديث التسمية على الوضوء أحاديث حسان" "أحاديث التسمية على الوضوء أحاديث حسان"، وإن كان الإمام "أحمد -يقول-: لا يثبت في -الباب- شيء".
لا يثبت في هذا الباب شيء، في باب التسمية في الوضوء.
لو صح مثل هذا الخبر ما الذي يفيده مثل هذا السياق ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه))؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالاشتراط، الاشتراط، وأن من لم يذكر اسم الله على وضوئه فإن وضوءه باطل، لإخلاله بالشرط، كما أن الذبيحة ولو كانت مذكاة إذا لم يذكر اسم الله عليها {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام] هذا شرط، لكن الخبر ضعيف كما سمعنا، ولا يثبت في باب التسمية شيء على ما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.
من أهل العلم من يرى أن هذه الأحاديث بمجموعها تدل على أنها لها أصل يحث على التسمية من غير اشتراط، فيستحب للمتوضئ أن يسمي في أول الوضوء، ومنهم من يفرق بين الذاكر والناسي، فيوجب التسمية على الذاكر دون الناسي، وعلى كل حال إذا اعتمدنا قول الإمام أحمد، وأنه لا يثبت في الباب شيء خف الأمر إن ذكر الإنسان وصلى وسمى خشية أن تثبت مثل هذه الأحاديث فحسن، وإن ترك فلا شأن عليه -إن شاء الله تعالى-، نعم.
"وعن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفصل بين المضمضة والاستنشاق" أخرجه أبو داود بإسناد ضعيف.(6/18)
"عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفصل بين المضمضة والاستنشاق" يفصل بين المضمضة والاستنشاق "خرجه أبو داود بإسناد ضعيف" لأن في إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف عند جمهور أهل العلم، بل قال النووي: "اتفق العلماء على ضعفه" ليث بن أبي سليم، وذكره مسلم في مقدمة الصحيح ضمن الرواة الضعفاء الذين اجتنبهم.
على كل حال الخبر ضعيف، وهو معارض بما هو أصح منه، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ولا يفصل بينهما، نعم الاحتمالات التي ذكرها الفقهاء، وأنها كلها جائزة تكون المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثاً، كل واحد منها بكف مستقلة، يعني يتمضمض ويستنشق بستة أكف، هذه الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يتمضمض ويستنشق بثلاثة أكف، يتمضمض ويستنشق بكف واحدة، وهكذا الثانية والثالثة.
أن يتمضمض بكف واحدة ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً بكف واحدة، فيكون عدد الأكف اثنين، هذه كم صورة؟ ثلاثة صور، الصورة الرابعة: وهي إيش؟ إيش باقي من الصور المحتملة؟
طالب:. . . . . . . . .
يتمضمض ويستنشق الست كلها بكف واحدة، لكن ويش كبر هذه الكف ذي؟ الصورة متصورة يعني، يعني تتميم القسمة عندهم متصور، لكن أين الكف التي بتستوعب مضمضة واستنشاق ثلاثاً ثلاثاً بكف واحدة؟ لكن التجويز العقلي يصور مثل هذا، وقد يوجد بعض الناس عنده كف كالإناء، يعني يحتمل ذلك ويستوعبه.(6/19)
على كل حال أصح الصور ما جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان .. ، وهو الحديث الذي .. ، حديث عبد الله بن زيد أيضاً في الصحيح: "مضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً" متفق عليه، هذا حديث عبد الله بن زيد، وهو قطعة من حديثه الطويل في الوضوء، هذه أصح الصور، يأخذ الماء بكفه فيجعل جزءاً منه في فيه، والباقي في أنفه، يتمضمض بشيء منه ويستنشق الباقي ثلاث مرات، هكذا كما في حديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: "ثم أدخل -صلى الله عليه وسلم- يده فمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً" وهو جزء من الحديث الماضي الرابع الذي تقدم، وقبله حديث علي -رضي الله عنه- في صفة الوضوء: "ثم تمضمض -صلى الله عليه وسلم- واستنثر ثلاثاً، يمضمض وينثر من الكف الذي يأخذ منه الماء" مخرج في أبي داود والنسائي وأحمد وابن ماجه وغيره وهو صحيح؛ لأنه جزء من الحديث السابق.
اقرأ الحديثين.
"وعن علي -رضي الله تعالى عنه- في صفة الوضوء: "ثم تمضمض -صلى الله عليه وسلم- واستنثر ثلاثاً, يمضمض ويستنثر من الكف الذي يأخذ منه الماء" أخرجه أبو داود والنسائي.
وعن عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: "ثم أدخل -صلى الله عليه وسلم- يده, فمضمض واستنشق من كف واحدة, يفعل ذلك ثلاثاً" متفق عليه".
نعم هذه أقوى الصور، فإذا توضأ مرة مرة، أخذ كفاً واحدة أدخل شيئاً من مائها في فمه وحركه ثم مجه، وجذب الباقي بنفسه إلى داخل أنفه، ثم أخرجه بالنفس، والأول يسمى الاستنشاق، والثاني يسمى الاستنثار من كف واحدة إن كان وضوؤه مرة مرة يكفيه مرة، وإن كان وضوؤه مرتين مرتين يكفيه مرتين، إن كان ثلاثاً ثلاثاً يفعل ذلك ثلاثاً كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الحديث في الصحيحين، جزء من حديث عبد الله بن زيد الذي تقدم، وحديث علي أيضاً جزء من الحديث السابق، الحديث الثالث من أحاديث الباب، وهو صحيح أيضاً، تمضمض واستنثر ثلاثاً -عليه الصلاة والسلام-، يمضمض وينثر من الكف الذي .. ، هو بمعنى حديث عبد الله بن زيد، وهو بمعنى حديث عبد الله بن زيد، وهذه أقوى الصور المجوزة في كيفية المضمضة والاستنشاق.
الحديث الذي يليه.(6/20)
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً وفي قدميه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: ((ارجع وأحسن وضوءك)) أخرجه أبو داود والنسائي.
نعم، حديث أنس -رضي الله عنه- "قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً وفي قدميه مثل الظفر" لمعة قدر يسير "لم يصبه الماء، فقال: ((ارجع فأحسن وضوءك)) " فأحسن وضوءك "أخرجه أبو داود والنسائي" الحديث لم يخرجه النسائي وإنما أخرجه أبو داود وابن ماجه، وهو عند أحمد في المسند والبيهقي وابن خزيمة والدارقطني وغيرهم.
مسلم أخرج نحوه موقوفاً على عمر -رضي الله عنه- عمر رأى رجلاً في قدمه مثل الظفر فأمره بإحسان الوضوء، وإحسان الوضوء يحتمل أمرين: الأول أن يأتي بوضوء كامل حسن، مستوعب لجميع الأعضاء المفروض غسلها، هذا احتمال.
والاحتمال الثاني: أن يكمل ويغسل هذه البقعة التي لم يغسلها قبل، بل بقيت دون غسل، وهذا إحسان، يعني إكمال وتتميم، والحديث يستدل به من يرى وجوب الموالاة، يستدل به من يرى وجوب الموالاة.(6/21)
يقول: حيث أمره أن يعيد الوضوء ولم يقتصر على أمره بغسل ما تركه، وهذا عرفنا أنه أحد الاحتمالين، بل هناك بعض الروايات التي تفسر، بل جاء عن بعض أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الوضوء والصلاة، وإسناده جيد كما قال الإمام أحمد، أمره أن يعيد الوضوء والصلاة، وإذا كان النص يحتمل أمرين، لا مرجح لأحدهما على الآخر من لفظ النص، نأتي بمرجح خارجي، وهذا الحديث نص مفسر لحديث الباب، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، دل على أن من فعل مثل هذا أنه يلزمه إعادة الوضوء كاملاً، وهو دليل قوي لمن يقول بوجوب الموالاة، إذ لو لم تكن الموالاة واجبة لكان يكفيه أن يغسل العضو الذي أخل بغسله، وما سبقه من الأعضاء غسله صحيح، ما سبقه من الأعضاء غسله صحيح، يعني غسل وجهه ويديه ومسح رأسه وبقيت إحدى قدميه أو كلتيهما لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، غسل الوجه واليدين ومسح الرأس صحيح، لو لم تكن الموالاة واجبة لما أمر بإعادة الوضوء، لما أمر بإعادة الوضوء، فهذا يستدل به من يقول بوجوب الموالاة.
ظاهر أو ضابط الموالاة عند من يقول بوجوبها ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله في الوقت المعتدل، لا في الوقت الذي هو شديد البرودة أو شديد الحرارة أو به ريح شديدة أو ما أشبه ذلك، إذا كان الوقت معتدل ثم تأخر غسل اليدين حتى نشف الوجه، فلا بد أن يعيد الوضوء من جديد، وهنا ما قيل له: ارجع فاغسل رجليك، قيل له: أعد الوضوء، أمر بإعادة الوضوء فدل على وجوب الموالاة، لكن لو قدر أن شخص ما زال في المواضئ لاحظت على رجله جزء يابس ما مسه الماء، تقول: اغسل رجليك، لماذا؟ لأن اليدين ما نشف اللي عليهم الوجه، فالموالاة حاصلة، أما لو بعد عن المكان ونشفت الأرض تقول: أعد الوضوء، ومن يقول بعدم وجوب الموالاة يقول: الآية مطلقة ما فيها نص على وجوب الموالاة، فيها نص على غسل هذه الأعضاء ولو تفرقت، ولو تفرقت لكن مثل هذا الحديث دليل كالصريح في إيجاب الموالاة.
الوقت انتهى؟
والله أعلم.(6/22)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، متفق عليه.
"وعنه" أي عن أنس بن مالك صحابي الحديث السابق "قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع" كان لفظ يدل على الاستمرار، يدل على الاستمرار، وقد يكون هذا الاستمرار هو الغالب، ويخرج عنه بعض الصور أو بعض الحالات.
"كان يتوضأ بالمد" وتقدم أنه توضأ -عليه الصلاة والسلام- بثلثي مد، غالب أحواله أنه يتوضأ بالمد، تقدم عنه أنه -عليه الصلاة والسلام- توضأ بثلثي مد، ويغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد، أربعة أمداد، إلى خمسة أمداد، فدل على أنه لا تحديد، لا لماء الوضوء ولا لماء الغسل، بحيث لا يزاد عليه ولا ينقص منه، لكن الغالب أنه -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، وقد يزيد في الغسل إلى خمسة أمداد، وقد ينقص في الوضوء إلى ثلثي المد، وهذا يدلنا على ما تقدمت الإشارة إليه من مشروعية الاقتصاد في المال عموماً، وفي الماء على وجه الخصوص.
وقد نهي عن إضاعة المال، والإسراف في الماء منه، بل هو من أشرف الأموال التي الناس بأمس الحاجة إليها، فكون الإنسان إذا أراد أن يغسل فنجان مثلاً أضاع بسببه عدة آصع، والوسائل المستعملة في الماء تعين على الإسراف؛ لأن فتح الصنبور، صنبور الماء ما يكلف شيء، والماء بأقيام زهيدة الناس لا يحرصون عليه، ولذا قد يترك للطفل أن يفتح الماء ويتركه، وكم من الأموال، وكم من الطاقات تهدر بهذه الأسباب.(6/23)
على كل حال سبق الإشارة إلى أن هذا مما تنبغي العناية به، وكونه نزل عن المد في الوضوء وزاد في الغسل عن الصاع يدلنا على أنه لا تحديد، قالوا: قدر المد خمسمائة وخمسين جرام، هل معنى هذا أن المتوضئ لا يزيد جرام ولا ينقص جرام؟ لا، ليس معنى هذا، إنما المطلوب من هذه النصوص الاقتصاد في الماء، وبعض الناس لا سيما في المواضئ العامة يجعلون الصنابير ذات أفواه ضيقة، لا شك أنها تساعد على الاقتصاد في الماء؛ لأنه إن فتحها بقوة تضرر بها، فهي تساعد، لكن لو جعل محبس عام شامل يمكن التحكم فيه، الذي يوزع على جميع هذه الصنابير فيجعل دفعه ضعيف، بحيث لو فتح الصنبور على أعلى ما يمكن فتحه عليه لا يتمكن بأكثر من القدر المطلوب كان أولى، لا يمكن التحكم في حنفية عامة مثلاً، أو قفل عام للجميع، لكن قد يقول قائل إن مثل هذا إذا فتحه الأول تأثر الأخير، يمكن ما يصل عند الأخير.
على كل حال ينبغي أن توجد الحلول المناسبة لهذا الإسراف الحاصل، وليس من الحل أن ترفع أسعار الماء، هذا ليس بحل؛ لأن بعض الناس قد يجتهد يقول: لماذا لا يرفع السعر لأجل الناس يهتمون بهذا الأمر ويحتاطون له؟ نقول: ليس بحل، هناك من يحتاط مع شدة فقره، فمثل هذا يتضرر، والله المستعان، لكن المسلم الذي يتدين باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يحتاج إلى أن يجبر، وأن يلزم بمعالجة هذا الأمر، سم.
"وعن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) أخرجه مسلم والترمذي، وزاد: ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) ".
"عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم)) " والخطاب وإن كان موجهاً إلى الصحابة -رضي الله عنهم- إلا أنه لهم ولغيرهم؛ لأن من يأتي بعدهم في حكمهم، فكل مسلم .. ، مع أن الاحتمال الآخر أن الخطاب للمسلمين، ما منكم أيها المسلمون فيدخل المتقدم والمتأخر.(6/24)
((ما منكم من أحد)) و (ما) من صيغ العموم، نافية، و (أحد) نكرة في سياق النفي، وأدخل عليها (من) للتأكيد، فالنص عام للمتقدمين والمتأخرين، للذكور والنساء، للصغار والكبار.
((ما منكم من أحد يتوضأ)) الوضوء الشرعي كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله بياناً لما أوجب الله -سبحانه وتعالى- في آية الوضوء ((فيسبغ الوضوء)) يعني يتمه، يتمه يأتي به تاماً كاملاً، من غير نقص ولا خلل ((ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية)) يأتي بالشهادتين محققاً لهما، عاملاً بمقتضاهما، وإلا إذا كان يلفظ بهاتين الشهادتين ويأتي بما ينقضهما فإن اللفظ لا يكفيه ولا ينفعه، إذا كان يقول بعد الوضوء، بل في كل وقت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وهو يستعين بغير الله، ويستغيث بغير الله، ويطوف حول الأضرحة والقبور، هذا لا ينفع، ولو توضأ على أكمل وجه ثم تشهد هذه الشهادة التي هي بمجرد لسانه، يكذبها قوله وعمله، فإن هذا لا ينفعه ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) أنت تجعل مع الله إلهاً آخر بفعلك المناقض لهذه الشهادة، فكيف تقول: وحده لا شريك له؟ وأنت تشرك معه غيره؟
((وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) ومقتضى هذه الشهادة للنبي -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة طاعته في جميع ما أمر به، وترك جميع ما نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، وأن يتبع، ولا يعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام-، أما من أخل بهذه الشهادة وهي شهادة أن محمداً عبد الله ورسوله فإنه لا ينفعه النطق، من يقول: أشهد أن محمداً عبده ورسوله ويغلو به، ويصرف له شيء من حقوق الله -عز وجل- لا تنفعه هذه الشهادة، بل هو مكذب لهذه الشهادة، كيف يقول: محمد عبد ويصرف له بعض أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله -عز وجل-؟ بل وجد من يغلو به -عليه الصلاة والسلام-، ويجعله في مقام الربوبية، بل منهم من لم يترك لله -عز وجل- حق، بل صرف جميع الحقوق للنبي -عليه الصلاة والسلام-، يا رسول الله أغثني، يا رسول الله أدركني.(6/25)
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العممِ
يستغيث بغير الله، يطلب الفرج من غير الله، يقول:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلمِ
ماذا ترك لله؟! مثل هذا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؟! هذا أتى بما يناقضها نسأل الله العافية، ولا شك أن النص من نصوص الوعد على لسان من لا ينطق عن الهوى.
فمن حقق هاتين الشهادتين وقالهما بعد الوضوء استحق الموعود به، وأنه تفتح له أبواب الجنة الثمانية ((يدخل من أيها شاء)) في آخر سورة الزمر: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا} [(73) سورة الزمر] في واو وإلا ما فيه واو؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه واو.
بالنسبة لأبواب النار: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ} [(71) سورة الزمر] بدون واو، لماذا جيء بأبواب الجنة بالواو وبأبواب النار بدون الواو؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني شُفع لهم وفتحت، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن حتى النار تحتاج إلى فتح {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [(73) سورة الزمر] لكن كأن الفتح معطوف على شيء قبله، كأن فتح الأبواب، أبواب الجنة معطوف على شيء قبله، وأبواب النار لم يعطف على شيء، عندك شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
مفاجأة العذاب {جَاؤُوهَا فُتِحَتْ} [(71) سورة الزمر] يعني فجأة، أما أبواب الجنة فلا تحتاج ليس فيها مفاجأة؛ لأنهم بشروا بها سابقاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه قريب من قول الأخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(6/26)
نعم، يقول بعض أهل العلم: إن الواو هذه واو الثمانية، واو الثمانية، عند أهل العلم ما يسمى بواو الثمانية، عند بعضهم، وإن أنكرها الجمهور والأكثر، أنكروا أن يوجد واو تسمى واو الثمانية، من أثبتها يستدل بهذه الآية {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [(73) سورة الزمر] لأنها ثمانية {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} [(5) سورة التحريم] عد يا الله هات {مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} [(5) سورة التحريم] إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما جاءت الثمانية إلى الآن.
طالب:. . . . . . . . .
{مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ ... ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [(5) سورة التحريم] الثامنة بالواو، نعم {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(112) سورة التوبة] الأمر الثامن بالواو، فمثل هذه النصوص يستدل بها من يثبت واو الثمانية، تسمى عند أهل العلم واو الثمانية، ظاهر الاستدلال؟ نعم، لكن جمهور أهل العلم على نفي هذه الواو، على نفي هذه الواو، على كل حال هذا شيء من طرائف العلم، ومن ملحه، وإن لم يكن لها أثر حقيقي.
((إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) رواه مسلم"، أصل الحديث في مسلم، هذا اللفظ في مسلم، "والترمذي" يعني ورواه الترمذي روى هذا اللفظ "وزاد" الجملة اللاحقة ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) والتناسب بين التوبة والطهارة ظاهر، الله -سبحانه وتعالى- يحب من؟ يحب التوابين ويحب المتطهرين، والتوبة تطهير للبدن من أدناس الذنوب، كما أن التطهر تطهير له من أدران الأوساخ والأحداث، فالتناسب ظاهر، على كل حال أصل الحديث في مسلم، وهذه الزيادة زادها الترمذي، وحكم عليها بإيش؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(6/27)
بالاضطراب؟ المقصود أن هذه الزيادة زيادة على ما في صحيح، جاءت عند الترمذي وغيره، وهي لا توجد في شيء من الصحيحين، وكون صاحب الصحيح لم يذكرها بل تركها مع علمه بها، هل نقول: إن مسلم يجهل هذه الزيادة؟ لأنه روى طرف الحديث، وكونه تركها تعليل لها؛ لأن فيها علة، لو كانت محفوظة لذكرها مسلم في جملة الحديث، وعلى كل حال مثل هذا يدخل في زيادات الثقات، في زيادات الثقات، زيادات الثقات الذي استقر عليه الأمر في قواعد المتأخرين أنها تقبل مطلقاً؛ لأن مع من زاد زيادة علم خفي على من نقص، من زاد معه زيادة علم خفي على من نقص، ومثالها هنا، وفي آخر حديث إجابة المؤذن ((إنك لا تخلف الميعاد)) من يصححها يقول: هذه زيادة ثقة، لا تتضمن مخالفة، والذي يحكم عليها بأنها غير محفوظة بل شاذة؛ لأنها لو كانت محفوظة لذكرها صاحب الصحيح، كما ذكر أصلها، ولثبتت عند جميع الرواة الذين رووا أصل الصحيح، فدل على أنها غير محفوظة.
واقبل زيادات الثقات منهمُ ... ومن سواهم فعليه المعظمُ
"وقيل: لا" إذا كان القاعدة المتقررة عند المتأخرين أن زيادات الثقات مقبولة؛ لأن مع من زاد زيادة علم خفيت على من نقص، وللطرف الآخر أن يقول: لا نقبل زيادة الثقة؛ لأنها مشكوك فيها، إذ لو لم تكن مشكوك فيها لذكرها الجميع، ولم يقتصر على زيادتها بعض الرواة دون بعض.(6/28)
قد يقول قائل: ماذا يقول الأئمة الكبار، نحن لا نقلد الذهبي، ولا نقلد ابن حجر، ولا نقلد العراقي، ولا نقلد ابن الصلاح، لنقول: إن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً، ماذا عن الأئمة الكبار؟ الإمام أحمد، ابن معين، أبو حاتم، الدارقطني، هؤلاء مذهبهم كما تقدمت الإشارة إليه في تعارض الوقف والرفع والوصل والإرسال أنهم لا يحكمون بقاعدة مطردة، بل يتركون الحكم للقرائن، فإذا دلت القرائن على أن هذه اللفظة محفوظة، حكموا بصحتها، وإذا دلت القرائن على خلاف ذلك حكموا بضعفها، وتقدم التمثيل بحديث: ((لا نكاح إلا بولي)) حكم الإمام البخاري بوصله، مع كون من أرسله كالجبل، كما يقول الحافظ العراقي، وحكم أبو حاتم وغيره بالإرسال، فعند الإمام البخاري دلت القرائن عنده على أن الوصل هو المحفوظ، وعند أبي حاتم دلت القرائن على أن الإرسال هو المحفوظ دون الوصل، وهكذا الأئمة يختلفون في مثل هذا اختلافاً كبيراً، ولا يحكمون بأحكام عامة مطردة.
حديث رفع اليدين بعد القيام من الركعتين، الإمام البخاري حكم بوصله، وخرجه في الصحيح، في الأصول معتمداً عليه، حديث ابن عمر، وأما الإمام أحمد فقد حكم بوقفه، هناك حكم برفعه وهنا حكم بوقفه، البخاري حكم برفعه، والإمام أحمد حكم بوقفه، ما موقف طالب العلم من مثل هذا الخلاف؟ ماذا يصنع طالب العلم في مثل هذه القضايا الكبار؟ هل نقول لطالب العلم: اترك قواعد المتأخرين فالعبرة بالمتقدمين، كما توجد هذه النداءات بقوة ...(6/29)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (7)
شرح: باب: المسح على الخفين
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير(7/1)
ماذا يصنع طالب العلم في مثل هذه القضايا الكبار؟ هل نقول لطالب العلم: اترك قواعد المتأخرين فالعبرة بالمتقدمين؟ كما توجد هذه النداءات بقوة، المتقدمون هم أهل الشأن وهم الأصل، ولولا المتقدمون لما أدرك المتأخرون شيئاً، أو نقول: اعتمد قواعد المتأخرين؛ لأنها منضبطة وتسير على نسق واحد؟ هل نقول هذا أو ذاك؟ لا يشك أحد ولا يجادل ولا يماري أن الأصل في الباب الأئمة الكبار المتقدمون الذين يحفظون السنة يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، اللي يحفظ مائة ألف، واللي ثلاثمائة ألف، واللي سبعمائة ألف، واللي ستمائة ألف، من يدانيهم من المتأخرين؟ لكن قد يقول قائل: من يُقلد من المتقدمين؟ في حديث رفع اليدين بعد الركعتين نقلد البخاري وإلا أحمد؟ في حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) نقلد البخاري وإلا نقلد أبو حاتم ومن معه والدارقطني وجمع من أهل العلم؟ طالب العلم المبتدي عليه أن يتمرن على قواعد المتأخرين؛ لأنها هي التي تؤهله للعمل، يتمرن فيخرج ويدرس ويحكم على قواعد المتأخرين، وكل عمله هذا إنما يصنعه تمريناً، كي يتأهل، وإذا تأهل وعرف كيف يجمع الطرق؟ وكيف يؤلف بين المختلف من هذه الطرق؟ وعرف كيف يرجح؟ وتكونت لديه الأهلية، نقول له: لك أن تحاكي المتقدمين في الحكم بالقرائن، فتحكم بما يترجح عندك، أما قبل أن تتأهل فلا بد من فهم كلام المتأخرين، وتطبيق كلام المتأخرين، ثم بعد ذلك إذا تأهلت من يمنعك؟ ومن تضييع طلاب العلم أن ينادى بين أفراد المتعلمين وهم مبتدئون في أحكام العوام أن يقال: تنبذ قواعد المتأخرين؛ لأنها تخالف ما قرره المتقدمون، لكن هل للمتقدمين قواعد يمكن أن تسلك من البداية؟ ما يمكن؛ لأنه إذا كلف بتقليد المتقدمين يقلد مَنْ مِن المتقدمين؟ هو إذا تأهل صارت لديه الأهلية، وصار من أهل هذا الشأن، له أن يحاكي المتقدمين في أحكامهم بالقرائن، وإلا إذا قيل له قلد من يقلد؟ إذا اختلف المتقدمون على أقوال لا يستطيع أن يقلد، إن قلد الإمام أحمد باستمرار فاته جانب الإصابة عند غيره، وإن قلد غيره باستمرار فكذلك، فإذا تأهل طالب العلم بعد أن يتمرن طويلاً على التخريج والموازنة والمقارنة بين الروايات والطرق والأحكام على الرواة له أن(7/2)
يحاكي المتقدمين في حكمهم بالقرائن، أما في بداية الطلب فليس له مفر ولا مناص عن قواعد المتأخرين، هذه ذكرناها في أكثر من مناسبة، وقلنا: إنها تشبه إلى حد كبير مطالبة طلاب العلم بالاجتهاد في أول الأمر، ونبذ كلام الرجال وأقوال الفقهاء وكتب الفقه، هذه وجدت، الدعوى هذه وجدت وبقوة، طالب العلم المبتدي يمكن أن يستنبط من الكتاب والسنة وهو لا يعرف، ليس عنده من الآلة ما يؤهله لذلك؟ لا يستطيع، أما إذا تأهل وعرف ووازن وجمع الأدلة ونظر فيها، ونظر في أقوال أهل العلم من خلال أدلتها، ووازن بينها، ورجح الراجح، وتأهل لذلك، لا يجوز له أن يقلد الرجال، وما قيل هناك يقال هنا.
على مقتضى قواعد المتأخرين هذه الزيادة مقبولة؛ لأنها زيادة ثقة، ولذا يصححها من يعتني بقواعد أو يتعامل مع النصوص على ضوء قواعد المتأخرين.(7/3)
وأقول: ممن يعتمد قواعد المتأخرين، وإن لم يكن عاد مقلد مائة بالمائة الألباني -رحمه الله تعالى-، ولذا تجدونه يصحح أحاديث هي عند المتقدمين فيها خلاف طويل؛ لأنه اعتمد قاعدة زيادة الثقة، ويعتمد ((اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) ويعتمد ((إنك لا تخلف الميعاد)) وهكذا، والشيخ عبد العزيز -رحمه الله- عند شيء من ذلك، والذي يدعي الاجتهاد في كل شيء هذه دعوى عريضة، الذي يريد أن ينبذ التقليد بجميع صوره وأشكاله نقول له: على رسلك، لا يمكن؛ لأنه إن لم يقلد في الأحكام على الأحاديث قلد في الأحكام على الرجال، إن لم يقلد في الاستنباط، في استنباط الأحكام، يعني مثل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- لا يقلد في استنباط الأحكام، لكنه يقلد في الأصل، في الحكم على الأحاديث، وإن لم يقلد في الحكم على الأحاديث وتوصل إلى الحكم بنفسه لا بد أن يقلد في الرواة، وإذا قال: لا، أنا لا أقلد في الرواة، أنا أنظر بين أقوال الأئمة كلهم، أجمع عشرين قول في الراوي ثلاثين قول وأوازن بينها، وأخرج بالقول الراجح متى تنتهي؟ إذا كان الرواة ألوف مؤلفة، وتحتاج في كل راوي إلى هذه العملية، والأحاديث كذلك، كل حديث يحتاج إلى مثل هذه العملية، ثم كل حديث يحتاج إلى مفهوم ومنطوق، ويا الله من القواعد المعروفة عند أهل العلم، متى تصل إلى حد الاجتهاد؟ لن تصل، فنقول: على رسلك، والعلم يؤخذ بالتدريج، نعم إذا تأهلت لشيء لا يسوغ لك أن تقلد أحد.(7/4)
قد يقول قائل: أنا أسلك طريقة الاجتهاد المطلق، وأبدأ بالتدريج، أمسك الأحاديث حديث حديث، وأتكلم على كل راوي من رواتها، وأجمع أقوال أهل العلم، وأخرج بالقول الصائب من أقوالهم مرجحاً لما يوصلني إليه اجتهادي، ثم بعد أن أجمع أقوال أهل العلم في رواة هذا الحديث وأجمع طرقه، أحكم عليه بنفسي، ثم أستنبط منه، كم تحتاج إلى أن تنهي العلم كله، ولن تصل، مهما بلغت من العلم، ومهما طال بك العمر، وأنت تبحث أحاديث الطهارة، وتحتاج إلى وقت طويل يأتيك حديث في الحج، تقول: أنتظر في الطهارة وفي الحج؟ تأتيك نازلة في الصيام ماذا تصنع؟ فالتقليد لا مفر منه، ويغالط نفسه من يقول: إنه ينبذ التقليد بجميع صوره وأشكاله، أهل العلم الكبار الذين عرفوا بالاجتهاد في العصر الحديث تجدهم لا بد أن يقلدوا، إن ما قلدوا في الاستنباط قلدوا في الحكم على الحديث، إن ما قلدوا في الحكم على الحديث قلدوا في الحكم على الرجال، كثير من أهل العلم المتأهلين يعتمدون التقليد، هات التقليد، وماذا قال ابن حجر وإيش قال .. ؟ مع أن كثير من أحكام ابن حجر عليها ملاحظات، هذا اجتهاده، وهو أهل للاجتهاد، لكن المتأهل يقلد مجتهد؟ يجتهد هو، وغير المتأهل نرجع إلى مسألتنا يقلد في الرجال، يقلد في الأحكام، يقلد في الاستنباط.
فمن تأهل لشيء لا يسوغ له التقليد بحال، أما التقليد فهو فرض العامي وشبه العامي، والذي يخفى عليه حكم مسألة في حكم العامي إيش المانع؟ إلا يتكبر يقول: أنا من أعلم الناس؟ ما هو بصحيح، فالذي يريح الإنسان كثيراً أن يعرف قدر نفسه، إذا عرف الإنسان قدر نفسه ارتاح وأراح غيره، والله المستعان.
وعرفنا المناسبة بين التوبة والتطهر، تطهير الظاهر والباطن، ومناسب جداً أن يختم الحافظ ابن حجر باب الوضوء بهذا الحديث، في غاية المناسبة أن يُختم الباب بفتح أبواب الجنة، وبما يقال بعد تمام الوضوء، والله المستعان.(7/5)
جاءت هناك صيغ ألحقت بهذا الدعاء، أو هذا الذكر، عند البزار والطبراني في الأوسط، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وأيضاً النسائي في عمل اليوم والليلة دعاء كفارة المجلس بعد الشهادتين ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)) فجاء من حديث أبي سعيد وهو في المستدرك أيضاً: ((من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة)) وهذا مصحح عند الحاكم وعند ابن السني، وصححه أيضاً الألباني -رحمه الله تعالى-، وحكم النسائي بأنه موقوف، الراجح وقفه عند النسائي.
أما ما يذكر على الأعضاء من الأدعية والأذكار، إذا غسل وجهه قال: كذا، وإذا غسل يده اليمنى قال: كذا، إذا غسل اليسرى قال: كذا، إذا مسح رأسه قال: كذا، وهكذا، لا يثبت في ذلك حديث.
الحديث الموضوع في الذكر على كل عضو اتفق العلماء على ضعفه، بل نص كثير منهم على أنه موضوع، وإن ذكره بعض من لا بضاعة له من الحديث كالغزالي في الإحياء وغيره، نعم.
باب: المسح على الخفين:
"باب: المسح على الخفين:
عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه، فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما"، متفق عليه".
المسح على الخفين، الخفين: مثنى الخف الواحد، وهو ما يستر القدم إلى فوق الكعب القدر المفروض غسله، فإن نزل عن الكعب فهو نعل، إذا كان أسفل من الكعبين فهو نعل، إذا زاد على الكعبين فهو خف.
"عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "كنت في سفر مع النبي" -عليه الصلاة والسلام-، كما جاء في صحيح البخاري، وجاء في تعيين السفر أنه في غزوة تبوك "فتوضأ النبي" -عليه الصلاة والسلام-، فتوضأ "فأهويت لأنزع خفيه" إيش معنى توضأ؟
طالب:. . . . . . . . .
شرع في الوضوء، صح وإلا انتهى من الوضوء؟ نعم، أو أراد الوضوء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(7/6)
الفعل الماضي يطلق ويراد به الأصل وهو الفراغ من الشيء، إذا قلت: قام زيد، نام زيد، هذا الأصل أنه فرغ، يطلق ويراد به الفراغ من الشيء؛ لأن الفعل الماضي عبارة عن حدث وقع في الزمن الماضي، الفعل الماضي عبارة عن حدث وقع في الزمن الماضي، ذهب زيد، يطلق أيضاً ويراد به الشروع في الشيء، يعني عندنا ((إذا كبر فكبروا)) ((إذا كبر فكبروا)) إيش معناه؟ فرغ من التكبير وانتهى، صح وإلا لا؟ يطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع في الشيء ((إذا ركع فاركعوا)) هل معنى هذا أنه إذا فرغ من الركوع اركعوا؟ نعم أو إذا شرع في الركوع اركعوا؟ يطلق ويراد به إرادة الشيء قبل وقوعه {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] يعني إذا انتهيت من القراءة فاستعذ وإلا قبل؟ قبل، قبل.
المقصود أنه هنا توضأ ليس معناه فرغ من وضوئه، وإنما شرع في وضوئه، شرع في وضوئه "فأهويت" قصدت الهوي من القيام إلى القعود، ومددت يدي "لأنزع خفيه" خدمة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا كان حال الصحابة معه -عليه الصلاة والسلام-، يتبادرون إلى خدمته، -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((دعهما)) اتركهما ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) يعني دعهما فإني أريد المسح عليهما لأني أدخلتهما طاهرتين "فمسح عليهما " -عليه الصلاة والسلام-.
ومن شرط المسح أن تكون الخفان أو القدمان طاهرتين؟ ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) طاهرتين حال من إيش؟ من القدمين أو من الخفين؟ ظاهر اللفظ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(7/7)
نعم، ظاهر اللفظ أنهما الخفان، ولذا لا بد من طهارة الخف، لكن عامة أهل العلم فهموا من الحديث غير هذا، ((فإني أدخلتهما)) يعني القدمين في الخفين حال كونهما طاهرتين، وطاهرتين معاً كما يدل له اللفظ، طاهرتين معاً كما يدل له لفظ الحال هنا، حال كونهما طاهرتين، وعلى هذا لو كانت اليمنى طاهرة، فأدخلها في الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف يكفي هذا وإلا ما يكفي؟ ظاهر اللفظ أنه لا يكفي، لا بد أن يكونا طاهرتين معاً حال إدخالهما الخف، ولذا يلزم جمع من أهل العلم من صنع مثل هذا العمل، من غسل اليمنى ثم أدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخف أن ينزع اليمنى ثم يلبسها ثانية؛ ليكون لبس الخفين بعد طهارة القدمين معاً، كما يدل له ظاهر اللفظ، وبعض أهل العلم يقول: هذا عبث. . . . . . . . . خلاص لبس انتهى، إيش معنى اخلع خفك وألبسه مرة ثانية؟ نقول: لا، إذا أردت أن تقول مثل هذا عبث قل: الركوع عبث بعد، إيش معنى أنك تنحني وتقوم؟ الأصل في المسلم أن يتدين بدين، أنه متدين بدين ملتزم لنصوص، الذي لا تبين لك حكمته ولا علته تتركه؟ ما هو بصحيح، ولا نقول في مثل هذا عبث، وإن قاله من قاله من كبار أهل العلم، الواضح من اللفظ أني أدخلتهما طاهرتين ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) يعني حال كونهما طاهرتين معاً، وعلى هذا لا يجوز إدخال اليمنى قبل غسل اليسرى، قبل غسل اليسرى.
"فمسح عليهما" يعني على الخفين؛ لأنه أدخلهما طاهرتين، والخف يشترط ستره للقدم، بمعنى أنه يغطي الجزء المطلوب غسله، وهو الكعبان، وأن يكون ساتر للمحل المفروض غسله؛ لأن ما ظهر من القدم فرضه الغسل، ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل، فلو كان الخف مخرقاً يبين منه ما يجب غسله، فإنه حينئذٍ لا يجزئ المسح عليه، ولا شك أن مثل هذا القول هو الأحوط، وإن قال شيخ الإسلام أنه يمسح على كل ما يسمى خف، ولو كان مخرقاً، ولو كان لا يثبت بنفسه، ولو كان .. ، ما دام يطلق عليه اسم الخف يمسح عليه، ويفتي به بعض أهل العلم، وله حظ من النظر؛ لأنه لم يرد وصف للخف الممسوح، وإنما ما يسمى خف يُمسح عليه.(7/8)
يبقى عندنا المعارض الأصلي، وهو أن الغسل للقدم هو الأصل، فما ظهر من هذا الأصل ولم يستر بخف فإنه يجب غسله، وعلى هذا نقول: الأحوط ألا يمسح على الخف المخرق، ولا على الجورب الشفاف الذي يظهر محل الفرض، ومن قال: أنا أقتدي بمن تبرأ الذمة بتقليده كشيخ الإسلام وأمسح على المخرق وغيره نقول: لك ذلك، لكن ما في أحد من أهل العلم يبطل صلاتك إذا مسحت على الخف الساتر، بينما لو مسحت على الخف المخرق لن تعدم من يبطل صلاتك من أهل العلم، والاحتياط لهذه العبادة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام مطلوب.
طالب:. . . . . . . . .
نفسه، يكشف الفرض لا شك أن الأصل الغسل.
المسح على الخفين مشروع بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا نفر من الصحابة، ثم رجعوا عن قولهم وقالوا بالمسح فصار إجماع، وذكره في كتب العقائد يدل على أنه لم يخالف فيه إلا بعض المبتدعة، يُذكر المسح على الخفين في العقائد، وروي عن أكثر من ثمانين صحابي، المسح على الخف.
منهم من يقول: إن المسح على الخفين منسوخ بآية المائدة، وفي حديث جرير بن عبد الله البجلي، وفيه المسح، وفيه قوله: "وهل أسلمت إلا بعد المائدة؟ " دليل على أن القول بالنسخ ضعيف، حتى لو لم يوجد حديث جرير نقول: لا تعارض حتى يلجأ إلى النسخ، لا تعارض بين هذه النصوص، بين آية المائدة وبين المسح على الخفين، فآية المائدة إنما تتجه على من لا خف عليه، وأحاديث المسح ونصوص المسح إنما هي فيمن لبس الخفين.
يروى عن الإمام مالك أنه أنكر المسح على الخفين، لكن ثبت عنه بالأسانيد الصحيحة أنه أثبته.
صرح جمع من أهل العلم بأن أحاديث المسح على الخفين متواترة، فلا مجال لنقاشها، والتردد في مشروعية المسح.(7/9)
يبقى هل الأفضل المسح أو الغسل؟ هل نقول: غسل القدم هو الأصل فهو أفضل من المسح؟ فالأفضل لك أن تخلع الخف وتغسل القدم؟ نقول: ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعله، فهو سنة مشروعة، فالأفضل في حق اللابس المسح، كما أنه لا يشرع من أجل المسح أن يلبس الخف، كما أنه لا يشرع من أجل الفطر أن يسافر وهكذا، المقصود أن الأفضل في حق كل أحد بحسبه، فإن كان لابساً للخف فالأفضل في حقه المسح، ولو تعمد المخالفة وخلع الخف، وغسل رجليه، إن كان راغباً عن هذه السنة مستنكفاً عنها فهو على خطر من الإثم، وإن كان يقول: إن الغسل أحوط، نقول: لا، ما في احتياط هنا، والسنة الصحيحة الصريحة دالة عليه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رغب عن سنتي فليس مني)) فليس الأحوط أن يخلع الخف ويغسل القدم، وإن قلنا في المخرق: إن الأحوط الغسل.
كيفية المسح على الخف: كيفية المسح على الخف، يبينه الحديث الذي يليه وللأربعة، نعم.
"وللأربعة عنه إلا النسائي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله، وفي إسناده ضعف".
اللي بعده:
"وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه, وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه" أخرجه أبو داود بإسناد حسن".
"وللأربعة" يعني من حديث المغيرة "عنه" يعني عن المغيرة "إلا النسائي" فيكون المراد أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو مخرج عندهم "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح أعلى الخف وأسفله، وفي إسناده ضعف".(7/10)
أئمة الحديث ضعفوا الحديث بكاتب المغيرة، بكاتب المغيرة، لا شك أن الحديث ضعيف، فلم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه مسح أسفل الخف، وإن كان لو كانت المسألة عقلية ليست شرعية أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لكن المسألة شرعية، ولذا "يقول علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهر خفيه" "أخرجه أبو داود بإسناد حسن" يعني حسن لذاته، وبمجموع طرقه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، كما نص على ذلك الحافظ في التلخيص، الحافظ في التلخيص يقول: هو حديث صحيح، فبهذا نعرف أن المشروع هو مسح أعلى الخف دون أسفله، وإن كان هو المباشر للأوساخ والقاذورات، نعم إذا وجد في أسفله نجاسة يدلك بالتراب ويطهر، وليس الدين بالرأي، ولو كان الدين بالرأي لقلنا: إن التيمم لا قيمة له، نعم، التيمم إيش قيمته؟ أنت محدث وتلطخ يدك بالتراب ووجهك هل معنى هذا أنك ارتفع حدثك؟ نقول: ليس الدين بالرأي، وليس كل أحكام الدين معقولة المعنى، نعم الله -سبحانه وتعالى- لا يصنع شيء ليس فيه مصلحة، لكن قد نطلع على هذه المصلحة وقد تخفى علينا هذه المصلحة ليختبر الإنسان ويعرف مدى امتثاله للأوامر الشرعية، أما إذا كان كل شيء ظاهر الحكمة وظاهر المصلحة معناه أنه يدور حول المصلحة، الباعث له على العمل هو المصلحة، لا، ليكن الباعث على العمل هو النص، هو الدليل، هو التكليف الشرعي، كوننا نعرف الحكمة والعلة أو لا نعرف هذه مسألة إن عرفنا بها ونعمت، وإن لم نعرف فلا يلزم من ذلك، فالدين ليس بالرأي.
ولذا يقول علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" لأن ما تحت القدم هو الذي يباشر المشي، ويقع على ما ينبغي إزالته من قاذورات ومن نجاسات وغيرها.
يقول: "رواه أبو داود بإسناد حسن" نعم عرفنا أن إسناده حسن لذاته، وله طرق أخرى يرتقي بها إلى الصحيح لغيره، ولذا قال المصنف في التلخيص: إنه صحيح.(7/11)
يبقى كيفية المسح: باليد اليمنى تُمسح أو تَمسح القدم اليمني، واليسرى لليسرى، وإن شاء مسحهما بيد واحدة، على الترتيب، فيمسح اليمنى قبل اليسرى كالأصل؛ لأن هذا المسح بدل من غسل الرجلين والرجل اليسرى تغسل قبل اليمنى.
أما حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على خفيه ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح عليهما مسحة واحدة، يعني في آن واحد، هذا عند البيهقي منقطع، منقطع لا تثبت به حجة، الأصل أن البدل له حكم المبدل، البدل له حكم المبدل، ومسح الخفين بدل من غسل الرجلين، وغسل الرجلين إنما يقع غسل اليمنى قبل اليسرى فليقع البدل كذلك، تمسح اليمنى قبل اليسرى، وأما المسح فأي شيء يسمى مسح؛ لأن هذا أمر مطلق، والعادة أن تبلل اليد بالماء وتمر على ظهر القدم.
نقف على حديث صفوان.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسئلة كثيرة علنا أن نأتي على ما تيسر منها إلى وقت الشرح المحدد، إن بقي منها شيء نجيب منه بعد الدرس باختصار شديد.
يقول: كثير من الناس يقدم في الدخول إلى المسجد من على اليمين ويقول: هذا من السنة، فهل هذا صحيح؟ وهل التيمم مختص بالشخص نفسه أو به وبمن معه؟(7/12)
لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن، يعجبه التيمن، لكن إذا عورض بما هو أقوى منه، فلو افترضنا أن شخصاً أراد أن يدخل المسجد وعن شماله والده -مثلاً- أو شخص أكبر منه سناً، النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح يقول: ((كبر، كبر)) هذا من جهة، الأمر الثاني: أن المبادرة إلى الدخول إلى المسجد أفضل من التأخر، وحينئذٍ يحصل التعارض من هذه الحيثية، لكن إذا كان من على الشمال، أو على اليمين أكبر منك، أو له فضل عليك، كأبيك مثلاً، وقدمته فهاهنا تعارض أمور، وهو أن الدخول إلى المسجد أفضل من التأخر عنه، مع الإيثار، مع تقديم الأكبر، الإيثار مطلوب، ومدح به الأنصار لكن ليس على إطلاقه، فأهل العلم يطلقون المنع في الإيثار بالقرب، أما القرب الواجبة فلا يجوز الإيثار فيها، شخص عنده ماء يكفيه للوضوء ووجد غيره لا يجوز أن يقول له: أأثرك بهذا الماء وهكذا، الإيثار بالقرب المستحبة، على حسب ما يترتب عليها من مصلحة، تدخل فيها المصالح كما هنا، فإذا آثر والده بالدخول إلى المسجد قبله لا شك أنه مأجور على ذلك، ومصلحة الإيثار راجحة على مصلحة التقدم، تقدم دخول المسجد.
نعود إلى أصل المسألة وهي أنه هل يدخل من على اليمين أو يدخل الأكبر؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن، يعجبه التيمن، وجاء الأمر بتقديم الكبير ((كبر، كبر)) فتقديم اليمين هو المعجب للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن عارضه ما ثبت بأمره -عليه الصلاة والسلام- من تقديم الكبير، إذا كان الناس في المجلس وأحضر الطعام أو المشروب أو ما أشبه ذلك فإنه يبدأ بالكبير، ثم من على يمينه، كما بدأ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فأعطاه من عن يمينه وهكذا.
يقول: إذا تعارض حديثان أحدهما صحيح أو ضعيف؟
يبحث في الجمع بينهما، إذا كان أحدهما ضعيف فلا عبرة به، إذا كان أحدهما ضعيف فلا يتكلف اعتباره، يعمل بالصحيح ويطرح الضعيف، لكن إذا كانا صحيحين، فلا بد من إيجاد المخرج بالجمع والتوفيق، وهذا ما يسميه أهل العلم مختلف الحديث، وهو أن يتعارض حديثان في الظاهر وحينئذٍ يبحث عن أوجه الجمع فإن أمكن وعرف المتقدم من المتأخر قيل بالنسخ وإلا فالتوقف.(7/13)
يقول: وإذا كان كذلك فهل نجمع بين حديث طلحة بن مصرف وحديث عبد الله بن زيد في المضمضة والاستنشاق بأن حديث طلحة يحمل على أنه يفصل بين المضمضة والاستنشاق ولو كانت من كف واحدة؟
كيف يفصل بينهما من كف واحدة؟ إذا لم يفصل بينهما كيف يجمعهما؟ والأصل أنهما من كف واحدة، كما جاء في الحديث الصحيح، لكن المضمضة مستقلة عن الاستنشاق، فما أدري ما وجه هذا الجمع؟
يقول: نرى بعض الأفلام المتعلقة بفلسطين وبالجهاد في الشيشان وغيرها فهل يجوز رؤيتها لكي نحس بمعاناتهم أم لا؟
عرفنا أن التصوير بجميع صوره وأشكاله داخل في أحاديث النهي، لكن إذا ترتب على الرؤية مصلحة راجحة، والمنع من باب منع الوسائل فأهل العلم يتسامحون في مثل هذا.
هل يجب في مسح الرأس الذهاب إلى القفا ثم العودة إلى الوجه، أو أنه يجزئ الذهاب إلى. . . . . . . . .
يجزئ ما يسمى مسح، يجزئ ما يسمى مسح، لكن الصورة الأكمل أن يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما.
يقول: هل ينتقد الصنعاني -رحمه الله- في السبل لأنه شرح الأحاديث الضعيفة وغيره من الأئمة الذين شرحوا الأحاديث الضعيفة؟
أهل العلم حينما يتصدون لشرح كتاب يشرحون كل ما فيه من صحيح وضعيف، وإلا فالأصل أن الضعيف لا يتكلف اعتباره، لكن خشية أن يوجد له طرق، خشية أن يوجد له طرق يثبت بها يبين معناه، ويذكر ما يفيده الحديث، مع ترجيح ما دل عليه الأحاديث الصحيحة.
ما صحة قول من يقول بأن الصنعاني -رحمه الله- في نسبة الأقوال إلى مالك وأحمد الغالب فيها عدم الصحة، عدم صحة النسبة، وأما أبو حنيفة والشافعي فالغالب الصحة بناءً على الأصل، وهو البدر التمام هو كذلك؟(7/14)
أولاً: الأصل بدر التمام يعتمد كتب .. ، غالباً ما يعتمد على النووي في المجموع وفي شرح مسلم، وله عناية بفتح الباري والتلخيص الحبير لابن حجر، ومذهب الزيدية بفروعه من هادوية وغيرهم يأخذها من كتبهم، وهذه أمور ميسورة لهم؛ لأنهم يعيشون بينهم، وهم في زمنهم غالب سكان اليمن، وكتبهم مشهورة، لكن نسبة المذهب إلى الإمام أحمد، هم لا يخرجون عن إطار المذهب، يذكرون إحدى الروايات المعروفة في المذهب، لكن كثيراً ما يتركون الرواية التي هي المذهب المعتمد عند أهل العلم، ويذهبون إلى روايات أخرى، ومثله مذهب مالك.
ولذا أخذ المذاهب من كتب الشروح التي لا تقلد هذه المذاهب لا ينبغي أن يعتمد عليها، فلا يأخذ المذهب الحنبلي من فتح الباري، ولا المالكي من عمدة القاري، الأصل أن تؤخذ المذاهب من كتب الأئمة الأصلية، المصنفة في هذا الشأن، في الفقه، وكل مذهب يؤخذ من كتبه، من كتب المذهب نفسه؛ لأن صاحب المذهب أعرف من غيره، لكن لو وجدنا شرح على مذهب الشافعي، ومؤلفه شافعي، مثل فتح الباري، بل من فقهاء الشافعية لا يمنع أن نأخذ مذهب الشافعي من فتح الباري؛ لأن مؤلفه خبير بمذهب الشافعي، ولا يمنع أن نأخذ المذهب الحنفي من عمدة القاري مثلاً، ولا يمنع أن نأخذ المذهب المالكي من الاستذكار لابن عبد البر؛ لأنه إمام من أئمة المالكية، لكن ما نأخذ مذهب أحمد من عمدة القاري أو من الاستذكار، نأخذ مذهب أحمد من شرح ابن رجب صحيح؛ لأنه حنبلي ويعتمد الروايات في المذهب، يعتني بأقوال أحمد وهكذا.
فحينما يقال: الاعتماد في نقل المذاهب على الكتب المتخصصة في الفقه، لا شك أن له أصل، متخصصة وكل مذهب يؤخذ من المؤلفات في المذهب نفسه، لكن لو تجاوزنا وقلنا: نأخذ المذهب المالكي من الاستذكار، ونستفيد مذهب مالك وفهم الموطأ، لا مانع، نأخذ المذهب الحنفي من عمدة القاري نستفيد المذهب الحنفي ونفهم صحيح البخاري، لا مانع؛ لأن المؤلف من فقهاء الحنفية، وهكذا بقية المذاهب.
أما هذه الكتب غير المتخصصة في الفقه فلا يعتمد عليها في نقل مذاهب غير أصحابها.(7/15)
يقول: في طبعة دار السلام لكتاب بلوغ المرام في الحاشية تعريف لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه- وقد كتب غنية عن التعريف؟
يقصد بذلك أنها أشهر من أن تعرف، أشهر من أن تعرف بسطر أو بسطرين، نعم التصنيف في فضلها ومناقبها وفقهها وروايتها وعقلها في مطولات طيب ونافع، لكن تكتب في ترجمة عائشة سطر أو سطرين؟ الذي يعرفه عوام المسلمين أكثر من هذا، هذا الذي يجعل كثير من المحققين لا يعرف بالمشاهير، يقول: فلان غني عن التعريف، وبعض المشاهير تعريفه يزيده غموضاً؛ لأن الذي سوف يُذكر أشهر من أن يعرف، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ يقول: طبعة دار السلام لكتاب بلوغ المرام؟
هي طبعته دار السلام؟ هي عندك؟ أنا ما رأيته.
على كل حال المشاهير ينبغي أن لا يعرفوا، كما أن الكلمات الواضحة لا ينبغي أن تفسر، كما أن الكلمات سهلة النطق لا ينبغي أن تضبط بالشكل، إنما يشكل المشكل.
يقول: ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف إذا لم يجد فرجة في الصف الأول؟
جاء الحديث بأنه: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) ولو لم يجد فرجه، الحديث ما فيه تفصيل.
يقول: ما حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية، فقد راجعت كتب الفقه مثل المغني وزاد المستقنع ولكني تحيرت؟
قراءة الفاتحة مسألة خلافية بين أهل العلم، وألفت فيها المؤلفات، وللإمام البخاري جزء القراءة خلف الإمام، وألف فيها ابن خزيمة وابن عبد البر جمع من أهل العلم، لكن لا مانع من سوق الخلاف:
من أهل العلم من يرى أنها ركن من أركان الصلاة بالنسبة لكل مصلٍ، لما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهذا يشمل الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق، يعني لو جاء والإمام راكع لا بد أن يقرأ الفاتحة قبل أن يركع، هذا القول يقول به أبو هريرة -رضي الله عنه- والإمام البخاري والشوكاني، ركن من أركان الصلاة بالنسبة لكل مصلٍ من إمام ومأموم ومنفرد ومسبوق.
يلي هذا القول قول الشافعية أنها ركن لكل مصلٍ عدا المسبوق، وحجتهم حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ويستثنى المسبوق بحديث أبي بكرة.(7/16)
ومنهم من يرى أنها ركن بالنسبة للإمام والمنفرد، وهذا قول مالك وأحمد، وأما المأموم فلا قراءة عليه، ومن هذه المذاهب من يفرق بين الصلاة الجهرية والسرية، في هذين المذهبين روايات تقول بالتفريق بين السرية والجهرية، ورأي أبي حنيفة أن الواجب القراءة، قراءة ما تيسر سواءً كانت الفاتحة أو غيرها، وكأن أعدل الأقوال قول الشافعية في هذه المسألة، وأنها تلزم كل مصلي عدا المسبوق لعموم حديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهو مخصوص بحديث أبي بكرة عندما ركع دون الصف.
يقول: ما نصيحتك لشخص بلغ من العمر ستة وعشرين سنة، وأراد أن يطرق باب العلم الشرعي، فبماذا يبدأ؟ وما هي المنهجية التي يمشي عليها؟
أولاً: بالنسبة للسن لا أثر له، نعم المبادرة في طلب العلم لا شك أنها أولى، لكن شخص لم ينتبه للعلم الشرعي ولو كان ماشي في دراسته النظامية، بعض الناس يدخل الابتدائي والمتوسط والثانوي وقد تخرج من الجامعة وهو في الحقيقة ما بدأ بطلب العلم، نعم يفك الحرف، يقرأ ويكتب لكن على غير أساس، وكثير من الإخوان إنما يلتفت إلى العلم الشرعي إذا تخرج، تفرغ من الدراسة بدأ يطلب العلم، هذا مناسب جداً لا بأس، صالح بن كيسان بدأ بطلب العلم وعمره تسعون سنة، تسعون سنة، قيل: أقل من ذلك، لكن أقل ما قيل: خمسين، لكن الأكثر على أن عمره تسعون سنة، ومات عن مائة واربعين سنة، ووصل إلى درجة عد فيها من كبار الآخذين عن الزهري، فلا يأس، وحينئذٍ إذا انتبه لنفسه ولو كان سنه متقدمة يبدأ بصغار العلم قبل كباره، وليحرص على من يدله على التأصيل والتأسيس، ويجتنب القيل والقال، وليحرص على اغتنام الزمن علماً وعملاً، فيبدأ بالكتب المختصرة والمتون، يبدأ بحفظها إن أسعفته الحافظة، وإلا يقرأها على شيخ يحلها له، ويحيله إلى الشروح، أو يقرأ شروحها وحواشيها حتى يتمكن، ويسمع الأشرطة التي سجلت على هذه المختصرات ويدون ما يستفيده على حواشي هذه الكتب، ثم ينتقل إلى كتب الطبقة الثانية طبقة المتوسطين، ثم يبدأ بكتب الكبار من طلبة العلم.
يقول: هل توجد أحاديث موضوعة في مسند الإمام أحمد؟(7/17)
هذه مسألة يقع الخلاف فيها بين المتقدمين، ابن الجوزي أدخل تسعة أحاديث من المسند في الموضوعات، وشيخ الإسلام يقول: "إن من قال: إن في المسند أحاديث موضوعة فكلامه صحيح، ومن قال: إنه ليس فيه أحاديث موضوعة، فكلامه صحيح" إيش معنى هذا الكلام؟ يعني أن الأحاديث التي قصد وضعها لا توجد في المسند؛ لأن الإمام أحمد لا يروي عن مثل هؤلاء، الذين يقصدون الوضع والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وأما الأحاديث التي وقع فيها الخطأ والوهم ونسبتها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خطأ موجودة في المسند، وهناك كتاب ينبغي لطالب العلم أن يعتني به هو كتاب: (القول المسدد في الذب عن المسند) للحافظ ابن حجر، والحافظ ابن حجر وهو شافعي المذهب، ويذكر في مقدمة الكتاب أنه حينما يدافع عن المسند وهو على غير مذهب إمامه أنه إنما يتعصب للسنة النبوية، لا لحمية ولا لعصبية جاهلية، في كلام نفيس ينبغي أن يطلع عليه طالب العلم.
يقول: ترجح أنه لا يمسح على الجوارب المخرقة، وقد ذكرت أن بعض أهل العلم يقول: ببطلان صلاة صاحب الجوارب المخرقة، وعلى حسب علمي أن المهاجرين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت خفافهم مخرقة ويمسحون عليها؟
على كل حال المسألة كما عرضنا خلافية، والأصل غسل القدم، نعم إذا وجد ما يستر القدم يمسح، وأحاديث المسح متواترة، وما بان مما يجب غسله عند أكثر أهل العلم يجب غسله، وخفاف الصحابة هذا مجرد احتمال أبداه شيخ الإسلام، يقول: "يغلب على الظن أنهم مع عدم انفتاح الدنيا عليهم وحاجتهم وفاقتهم وفقرهم لا يبعد أن تكون خفافهم فيها المخرق" وهذا نقول: لا يبعد، لكن الأصل أن ما ظهر من فرائض الوضوء أنه يجب غسله، وما ستر يمسح، هذا الأصل، من قال بقول شيخ الإسلام، واقتنع بفتوى من يعتد بقوله من الأئمة ما أحد يمنعه، لا سيما والاحتمال الذي أبداه شيخ الإسلام ظاهر لا خفاء فيه، لكن ليعلم أنه لن يعدم من يقول من أهل العلم ببطلان صلاته، وإذا أخذ بالأحوط، وحرص على أن يكون الخف والجورب ساتر للمفروض، ما في أحد من أهل العلم بيقول: إن صلاته باطلة، بل هي صحيحة بالإجماع.(7/18)
يقول: هناك اقتراح أن نكمل شرح بلوغ المرام بدلاً من درس التائية، والدرس الثاني حيث أنه تم الانتهاء من شرحها؟
المسح على الخفين نبي ننهيه -إن شاء الله تعالى-، ونواقض الوضوء طويل ثمانية عشر حديث يبي درسين على الأقل أو ثلاثة فلا يمكن.
نترك هذه بعد الدرس إن كان فيه وقت.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
"وعن صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن, إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له وابن خزيمة وصححاه.
نعم حديث صفوان بن عسال المرادي، صحابي سكن الكوفة، في التوقيت لمسح الخف بالنسبة للمسافر "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمرنا إذا كنا سفراً" والسفر جمع سافر، كتجر جمع تاجر، وركب جمع راكب، وصحب جمع صاحب وهكذا، سفر جمع سافر، والسافر هو المسافر، سمي بذلك لسفوره وبروزه عن بلده وخروجه عنه، ومنه سمي السفور لإبراز وإخراج ما ينبغي ستره.
"كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا" بل نمسح عليها "ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة" هذا بالنسبة للمسافر، وسيأتي ما يخص المقيم وأنه يوم وليلة، ثلاثة أيام بلياليهن، وأما بالنسبة للمقيم فسيأتي أنه يوم وليلة.
وبداية المسح متى؟ من أول حدث أو من اللبس؟ أو من أول مسح؟ نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من أول مسح، من أول مسح، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(7/19)
ما فيها خلاف المسألة؟ الكلام لأهل العلم معروف منهم من يرى أنه من أول حدث بعد لبس، وهذا المعروف عند الحنابلة، ولكن الصواب أنه قبل أن يمسح كأنه لم يلبس، فمن أول مسح من أول ما يستفيد من هذا الخف، وأول إفادته من هذا الخف المسح، المسح المحتاج إليه في الصلاة ورفع الحدث، الذي يكون بعد حدث، فإذا توضأ لصلاة الصبح فلبس الخف، صلى الصبح ثم بعد الصلاة انتقض وضوؤه، لكنه لم يمسح إلا لصلاة الظهر، نقول: يبدأ المسح لصلاة الظهر فيصلي به إلى صلاة الظهر، من الغد صلاة الظهر لا يصلي، لا بد أن يخلع؛ لأنه تم عليه يوم وليلة من المسح.
مقتضى قول من يقول: إنه من أول حدث أنه ينتهي المسح بعد صلاة الصبح، قد يقول قائل: الخلاف لفظي، إيش بيستفيد بين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر؟ نقول: لو احتاج إلى الوضوء في هذا الوقت لقراءة قرآن أو صلاة نافلة لا بد أن يخلع، وعلى القول الثاني: أنه من المسح يستفيد، يمسح حتى تزول الشمس لصلاة الظهر فيخلع، ثم يغسل رجليه وهكذا.
إذا مسح في صورتنا: مسح لصلاة الظهر خلع الخف وغسل رجليه وتوضأ، ثم لبس الخف، يمسح العصر والمغرب والعشاء والصبح والظهر، بقي متطهر من وضوء الظهر يصلي بالعصر أو لا يصلي؟ لأنه ما أحدث لكن المدة تمت، لو أراد أن يتوضأ لصلاة العصر قلنا له: اخلع، المدة تمت، لكن يقول: أنا ما أحدثت لست بحاجة إلى طهارة، يخلع وإلا ما يخلع؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يخلع، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم المدة المحددة شرعاً للاستفادة من الخف انتهت، وهو حينئذٍ يصلي بقدم ليست ممسوحة ولا مغسولة، فطهارته ناقصة.
طالب:. . . . . . . . .
هذه طهارة أصلية وهذه فرعية، في فرق، فهذا يصلي بقدم ليست مغسولة وليست ممسوحة، كيف يصلي؟ يعني ليست مغسولة وليست مأذون بمسحها، انتبه، ليست مغسولة ولا مأذون بمسحها شرعاً؛ لأنه انتهت المدة المحددة شرعاً، إذاً انتهى وقت التطهر، انتهى وقت الطهارة.(7/20)
يأتي مسائل متعلقة بالمسح وتعرفون إيش رأي شيخ الإسلام أنه انتهاء المدة ليس بناقض، نعم ليس بناقض، وهو الذي يقيس خلع الخف على حلق الرأس بعد مسحه، لكن لا يقاس على .. ، يعني إلا مع تمام توافر شروط القياس على أن العبادات لا قياس فيها، العبادات لا قياس فيها، وكون هذه طهارة أصلية وهذه طهارة فرعية يقاس عليها؟ هذا غير مرضي عند أهل العلم.
"لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة" وهذا أمر مجمع عليه، مسحت لصلاة الظهر فأجنبت الظهر تبي تمسح العصر؟ لا، يقول: المدة ما تمت، نقول: لا، الجنابة لا بد أن تخلع.
"إلا من جنابة" وهذا محل إجماع "ولكن من غائط وبول ونوم" يعني من حدث أصغر، من حدث أصغر ناقض للوضوء فقط لا موجب للجنابة "أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له, وابن خزيمة وصححاه" يعني الترمذي وابن خزيمة.
هذا الحديث حسنه الإمام البخاري فيما نقله عنه الترمذي، قال الترمذي عن البخاري: إنه حديث حسن، بل قال البخاري: ليس في التوقيت شيء أصح من حديث صفوان بن عسال، كون البخاري يقول: هذا حديث حسن، ومع ذلكم يقول: ليس في التوقيت شيء أصح من حديث صفوان بن عسال هل في تناقض بين قوليه أو ليس فيه تناقض؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس فيه تناقض، لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأن أهل الحديث لا يستعمل أفعل التفضيل على بابها، حتى لو قال البخاري: إن حديث صفوان بن عسال ضعيف، وقال: إنه أصح شيء في هذا الباب، ما فيه تناقض؛ لأن أفعل التفضيل ليست على بابها، يعني في الباب أحاديث هو أقواها وأمثلها، وإن كانت كلها ضعيفة على فيما لو قال: هو حديث ضعيف، لكنه حديث حسن، يعني يحتج به، ويلزم العمل به.
حديث علي نعم.
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: "جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر, ويوماً وليلة للمقيم" يعني: "في المسح على الخفين" أخرجه مسلم".(7/21)
هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم كما ترون، وهو عند الترمذي حيث أشار إليه إشارة قال: وفي الباب عن علي وابن حبان والطيالسي وغيرهم، وفيه ذكر التوقيت بالنسبة للمقيم، وهو في المسافر يوافق أو شاهد لحديث صفوان بن عسال، "ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر" يعني كما تقدم في حديث صفوان، فهل نقول: شاهد أو متابع؟
طالب:. . . . . . . . .
شاهد، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هو شاهد وإلا متابع؟ إيش الفرق بين الشاهد والمتابع؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، مطابق لإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني باللفظ؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا كله تخرص.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا جاء الخبر ولو كان بلفظه من طريق صحابي آخر فهو شاهد، وإن اتحد الصحابي فهو متابع، إن اتحد الصحابي واختلف من دونه فهو متابع، والمتابعات كما تعرفون متابعات تامة وناقصة، وتفصيل هذا يطول، المقصود أن حديث علي شاهد لحديث صفوان بن عسال بالنسبة للمسافر، وهو مؤكد له، ومؤسس لحكم جديد، وهو مدة المسح بالنسبة للمقيم.
"ويوم وليلة للمقيم" يعني في المسح على الخفين.
طالب:. . . . . . . . .
المتابع إذا اتحد الصحابي، إذا اتحد الصحابي صار الخبر متابع، يعني إذا تابعه لو افترضنا أن هذا حديث صفوان روي من طريق آخر عن صفوان نفسه، يكون الراوي عن صفوان تابع غيره في الرواية عن صفوان.
ما سبب التفريق بين المسافر والمقيم؟ لماذا لم يكن الجميع واحد؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم زيادة المشقة بالنسبة للمسافر، نعم.
"وعن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية فأمرهم أن يمسحوا على العصائب -يعني العمائم- والتساخين -يعني الخفاف-" رواه أحمد وأبو داود، وصححه الحاكم".(7/22)
"وعن ثوبان -رضي الله عنه-" بلفظ تثنية الثوب، ابن بجدد، ويقال: ابن جحدر، من حمير أصيب في سبي فشراه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعتقه، روى عدة أحاديث منها هذا الحديث "قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والحديث صحيح، الحديث صحيح "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية" وهي القطعة من الجيش "فأمرهم أن يمسحوا على العصائب" والتساخين، العصائب وهي العمائم التي يلف بها الرأس "والتساخين" التي تلبس فتسخن القدم وتدفئه "يعني الخفاف" وإذا دفئ القدم فالجسد في الغالب أنه يدفئ، بخلاف ما لو كانت الأقدام بادية في وقت البرد فإنه مهما لبس من الثياب فإنه سوف يبرد؛ لأن القدمين هما اللتان تباشران الأرض.
على كل حال الحديث أصل في المسح على العمائم، وأما المسح على الخفاف والتساخين فهو متواتر، وهو أصل في المسح على العمامة دون إشارة إلى مسح جزء من الرأس، يعني كما تقدم في حديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الناصية، وأكمل المسح على العمامة، هنا العمامة فقط، ولذا جاء في كلام ابن القيم أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على العمامة فقط، ومسح على الناصية وكمل على العمامة، ولم يثبت عنه أنه اكتفى بالناصية، فالحديث أصل في المسح على العمامة، وهل يشترط للعمامة ما يشترط للخف من أن تلبس على طهارة أو لا يلزم؟ وهل يوقت فيها ما يوقت بالنسبة للخف أو يمسح ما بدا له؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه جاء في الخف، والحاجة إليه أشد، جاء التوقيت بالنسبة للخف والحاجة إليه أشد وخلعه أشد، فجاء التوقيت بالنسبة للخف، وأطلق بالنسبة للعمامة، وجاء أيضاً تقييد القدمين بكونهما طاهرتين حال إدخال الخف، فالعمامة في حكمهم في حكم الخفين.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من اللي قاله؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: هل يشترط للعمامة ما يشترط للخف؟ نعم، أيهما أهم العمامة وإلا الخف؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(7/23)
الخف، وجاء تقييده مع شدة الحاجة إليه بما ذكر بالمدة وتقدم الطهارة نعم، فاشترط له ما اشترط للخف، يبقى أنه لو كانت العصابة لضرورة، بأن كانت على جرح مثلاً، أو جبيرة لا يمكن فكها، هذه أهم من الخف، ولذا لا يشترط لها ما يشترط للخف، فلا يشترط تقدم طهارة، ولا يشترط لها مدة، بل يمسح عليها ما دامت الحاجة قائمة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مدرج "يعني العمائم، والتساخين يعني الخفاف" هذا مدرج، نعم، مدرج في الحديث من كلام الراوي، مدرج في الحديث من كلام الراوي، والمدرج أن يزاد في الحديث ما ليس منه، بما يمكن فصله عنه، تجيء الروايات الأخرى بدونه، هذا واضح أنه مدرج بالإتيان بفعل التفسير يعني، واضح لكن أحياناً يكون الإدراج كما تقدم في حديث أبي هريرة: "فمن استطاع" لا دليل عليه من نفس الحديث، وإنما الطرق الأخرى بينت ذلك.
على كل حال هذا تفسير الراوي وهو أولى، أولى من غيره.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
عقال؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذه ما يشق نزعها، لا يشق نزعها، ولولا النص في العمامة لكان كل يمسح بعد، اليدين بعد عليهن.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الرأس مكشوف وإلا مغطى؟ أقول: لو كان الدين بالرأي لكان هناك شيء أولى من المسح على العمامة، لكن نقف حيث وقفت النصوص؛ لأن الأصل غسل الأعضاء، هذا الأصل، فيخرج عن هذا الأصل بما ورد فيه النص، وما عدا ذلك يبقى على الأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يشترطون أن تكون محنكة وذات ذؤابة يعني مثل عمائم العرب تماماً، يعني العمامة التي يطلق عليها عمامة في عرف السلف محنكة وذات ذؤابة، لكن النص مطلق ما في ما يدل على أن التحنيك والذؤابة شرط، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه البخاري، البخاري ما يلزم بما أخرجه مسلم، البخاري أصل قائم برأسه، لو ضعف الإمام أحمد حديث في مسلم أو في البخاري، نقول: ليش ضعفه؟ هؤلاء أئمة ما يضرب قول بعضهم ببعض، هذا رأيه، هذه وجهة نظره، ولم يخرج لا هذا ولا ذاك؛ لأن شرطه أعلى -رحمه الله-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(7/24)
الجبيرة التي يحتاج إليها، جرح يلف، كسر يربط، هذه جبيرة محتاج إليها، هم يقولون: إذا كانت الجبيرة أكثر من القدر المحتاج إليه يمسح عليها ويُتيمم عن القدر الزائد، لكن هل القدر الزائد هذا بحاجة إليه؟ إن كانت الحاجة داعية فيكتفى بالمسح، فيكون في حكم أصله، وإن لم تكن الحاجة داعية فأن كان الكسر هنا وربط في. . . . . . . . . نقول: لا، ما يجوز يمسح عليه أصلاً، وأما الجمع بين المسح والتيمم لا أصل له، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال تصير حاجة يمسح عليه كله، سم.
"عن عمر -رضي الله عنه- موقوفاً، وعن أنس مرفوعاً: ((إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما، وليصلِّ فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من الجنابة)) أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه".
"عن عمر" موقوفاً يعني لم يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن ما أضيف إلى النبي المرفوع، وما قصر به دونه فإن كان عن الصحابي فهو الموقوف وإن كان عن التابعي فمن دونه فهو المقطوع.
"عن عمر -رضي الله عنه- موقوفاً" يعني من قوله "وعن أنس مرفوعاً" يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما، وليصلِّ فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من الجنابة)) أخرجه الدارقطني والحاكم وصححه".
وجمع من أهل العلم حكموا على الحديث بأنه شاذ، مخالف لما تقدم من أحاديث التوقيت ((وليصلِّ فيهما ولا يخلعهما إن شاء)) فالمخالفة من هذا الوجه إن شاء، يعني متى شاء، لا شك أنه من هذه الوجه مخالف لأحاديث التوقيت، توقيت المسح بالنسبة للمسافر والمقيم، فرد إلى مشيئته، فإن شاء مسح يوم، يومين، ثلاثة، أربعة، خمسة، وسيأتي في حديث أبي بن عمارة ما يدل على ذلك، لكن حديثه ضعيف، وهذا حكم عليه بالشذوذ.
منهم من يقول: لا حاجة إلى الحكم عليه بالشذوذ؛ لأنه يمكن تقييده بما تقدم إن شاء في المدة المحددة، فلا يكون هناك حينئذٍ معارضة بين هذا الحديث وبين الذي قبله، وحينئذٍ يرتفع الشذوذ عنه، إذا لم توجد المخالفة يرتفع الشذوذ.(7/25)
((إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه)) وهذا يقرر ما تقدم من أنه أدخلهما طاهرتين ((فلبس خفيه فليمسح عليهما وليصلِّ فيهما، ولا يخلعهما إن شاء)) يعني في المدة المحددة، وعلى هذا لا يوجد اختلاف بينه وبين الأحاديث السابقة ((إلا من جنابة)) وهذا مؤكد لما تقدم من حدث صفوان، وحينئذٍ يكون معناه معنى الأحاديث السابقة.
وإذا قلنا: إنه إن شاء إطلاق في المدة، وأنها لا تتحدد بزمن معين، يمسح إن شاء متى شاء فهو مخالف للأحاديث التي هي أقوى منه، حديث علي وحديث صفوان وغيرها من الأحاديث، فيكون حينئذٍ شاذاً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم، نعم إيه، إيه، الحديث الذي يليه.
"وعن أبي بكرة -رضي الله عنه-"
نعم، موقوف على عمر، يعني من كلام عمر نفسه.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم حديث عمر موقوف، وحديث أنس مرفوع، أنس يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
"وعن أبي بكر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة إذا تطهر ولبس خفيه أن يمسح عليهما" أخرجه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة".
وهذا شاهد لحديث علي وحديث صفوان في توقيت المدة، مدة المسح بالنسبة للمقيم والمسافر، وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث، سمي بذلك لأنه تدلى من بكرة وقت حصار الطائف، أسلم وأعتقه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان من فضلاء الصحابة -رضي الله عنه-، مات سنة إحدى أو اثنتي وخمسين.
يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وهذا معروف أنه بالنسبة للمسح على الخفين، وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر بهذا القيد، لا بد أن يلبس الخفين بعد كمال الطهارة، بعد كمال الطهارة، وتقدم فيما لو لبس خفاً قبل طهارة القدم الأخرى، وأنه لا بد أن ينزع القدم اليمنى ولا يلبسها إلا بعد كمال الطهارة، وإن قال بعض أهل العلم إن هذا مجرد عبث، لكنه تحقيق لهذا الشرط، ومثل هذا لا يقال له عبث، نعم.(7/26)
"وعن أبي بن عمارة -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: ((نعم)) قال: يوماً؟ قال: ((نعم)) قال: ويومين؟ قال: ((نعم)) قال: وثلاثة أيام؟ قال: ((نعم وما شئت)) أخرجه أبو داود، وقال: ليس بالقوي".
حديث أبي بن عمارة مدني، سكن مصر، وله صحبة، هذا الحديث ضعيف باتفاق أهل الحديث، كما قال النووي في شرح مسلم: "ضعيف باتفاق أهل الحديث"، وقال في شرح المهذب: "اتفقوا على أنه حديث ضعيف، مضطرب لا يحتج به" ولا يمكن توجيهه كالحديث السابق، لا يمكن توجيهه، فيه معارضة صريحة واضحة لما تقدم من أحاديث التوقيت "قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: ((نعم)) قال: يوماً؟ قال: ((نعم)) قال: ويومين؟ قال: ((نعم)) قال: وثلاثة أيام؟ قال: ((نعم وما شئت)) زد على ذلك لا بأس، هذا مفاد هذا الحديث، لكنه مخالف لما هو أقوى منه، ولذا اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف، فلا يحتج به.
مالك -رحمه الله- عنده رواية تقول بالإطلاق بالنسبة للمسافر، وأنه يمسح ما شاء استدلالاً بهذا الحديث، لكنه حديث ضعيف، لا يعتد به، ولا يعتمد عليه، نعم إسناده لا يثبت، ومتنه مخالف، ضعيف سنداً ومتناً.
قال الإمام البخاري: ليس بالقوي، مثل ما قال أبو داود، وقال الإمام أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال الدارقطني: هذا إسناد لا يثبت، ابن الجوزي بالغ فذكر الحديث في الموضوعات، وحكم عليه بالوضع، ذكر الحديث في الموضوعات فحكم عليه بالوضع، نعم ضعفه شديد جداً، ومتنه منكر، وابن الجوزي أدخله في الموضوعات، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نكمل الأسئلة مع العجلة.
يقول: هل يترتب المسح على النساء أيضاً؟
كيف هذا؟ المسح على النساء؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
النساء شقائق الرجال، ما ثبت للرجال ثبت للنساء، والنساء داخلات في خطاب الرجال، داخلات في خطاب الرجال، ومريم بنت عمران كانت من إيش؟ من القانتين، للدلالة على أن النساء يدخلن في خطاب الرجال.
يقول: كيف يقول البخاري: إنه ليس في حديث التوقيت أصح من حديث صفوان وهو حسن، مع أن حديث علي أيضاً في التوقيت هو عند مسلم؟(7/27)
إيش المانع أن يرجح البخاري حديث صفوان على حديث علي؟ ما في ما يمنع، يعني من وجهة نظره هو، ولا يلزم الإمام البخاري بما أخرجه مسلم، فالأئمة لا يلزم بعضهم ...
يقول: هل من لبس الجوارب من أجل أن يمسح عليها وكان الجو بارداً فيه شيء؟
لا، هذه حكمة مشروعية المسح، تخفيف المشقة، فلا شيء عليه.
في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((دعهما)) الضمير يعود على الخفين لأنهما مذكورة، أما في قوله: ((أدخلتهما طاهرتين)) أي القدمين فكيف يذكر الضمير على شيء لم يذكر في السياق؟
أقول: إذا كان اللبس منتفياً بحيث لا يوجد لبس في الكلام ((دعهما فإني أدخلتهما)) يعني القدمين طاهرتين، لا يشك أحد في أن المراد أن المدخل القدمين، هل يمكن أن يشك شاك أن المدخل في الخفين اليدين؟ نعم؟ هل يمكن أن يشك شاك في أن المدخل في القدمين أو الرأس؟ ما في أحد بيشك في المقصود، والعرب تحذف ما لا يوقع في لبس.
يقول: بعض المصلين يمسح على شراب ذات رائحة كريهة يتأذى منها المصلون فما توجيهكم؟
المسح صحيح ما دامت ساترة للمحل المفروض، لكن يبقى أن من كانت به رائحة تؤذي المصلين سواءً كانت خلقة فيه من بخر ونحوه، أو كانت بسببه لكونه لا يتنظف مثلاً، سواءً في ملبسه أو في بدنه، أو بأكل ما يؤذي برائحته، كل هذا جاء النهي عنه، وأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
يقول: فإذا خلع الشخص الخفين وهو طاهر وقبل انتهاء مدة المسح وهو على الطهارة السابقة لبس الخفين مرة ثانية ثم أحدث فهل له أن يمسح؟
إذا خلع الشخص الخفين وهو طاهر وقبل انتهاء مدة المسح، إن كان قبل المسح طاهر من الطهارة التي غسل فيها القدمين، فيلبسهما ما في إشكال، وإن كان مسح عليهما ثم خلعهما ثم أعاد اللبس وهو طاهر فقد انتقضت الطهارة، أهل العلم يقررون أنه إذا خلع الخف الممسوح عليه فإنها تنتقض الطهارة ولو أعادهما، ومثله فيما لو خلع الخف في المدة المحددة يعني بعد أن مسح وقتين وجاء الوقت الثالث وهو طاهر وصلى بدون خفين، نقول: أنت تصلي بقدم لا مغسولة ولا ممسوحة، لا مغسولة ولا ممسوحة، مثلما قلنا في نظيرتها سابقاً.
هذا يقول: هل لكم دروس مسجلة في أشرطة؟ وأني لا أعرف غير البرنامج؟(7/28)
يشكر ويدعو جزاه الله خير، على كل حال الدروس غالبها مسجل، غالب الدروس مسجل، لكنها في طور المراجعة.
ما حكم مسح أكثر من ثلاثة أيام للبريد ومن في حكمه؟
لا يجوز المسح لأي شخص كان أكثر من ثلاثة أيام، أكثر من ثلاثة أيام لا يجوز المسح، هذه أعلى مدة جاء تحديدها في الشرع.
هذا يقول: ما عمر الصبي الذي تصح الصلاة خلفه؟
جاء ...(7/29)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (8)
شرح: باب: نواقض الوضوء
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
هذا يقول: ما عمر الصبي التي تصح الصلاة خلفه؟
جاء في حديث عمرو بن سلمة في الصحيح أن عمره ست سنوات، عمره ست سنوات، لكنه لا يوجد في قومه من يقرأ القرآن مثله، نظروا فإذا هو أكثرهم قرآناً فقدموه.
يقول: هل الكرماني شيخ البخاري له كتاب في التفسير؟
في شيخ للبخاري اسمه الكرماني؟ أو شارح البخاري؟ نعم؟ المقصود شارح البخاري، أما نقول: شيخ البخاري، لا، هو شارح البخاري، الكرماني الشارح غير الكرماني الذي له تفسير، غيره شخص آخر؛ لأن كرمان بلد، بلد ينسب إليها أكثر من واحد من أهل العلم، وهي بلد كبيرة في المشرق، ويقول النووي: هو بفتح الكاف، واشتهر قول النووي واعتمده الناس، لكنه بكسرها، الكرماني نفسه هو يقول: وكرمان بكسر الكاف، وإن قال النووي بفتحها فأهل مكة أدرى بشعابها، فهو بكسر الكاف.
يقول: كثير من الشباب الصالحين وطلبة العلم يتأخرون عن أداء الصلاة إلى وقت الإقامة، وأكثر فما التوجيه؟
هذه مصيبة ولا تقتصر على طلبة العلم، بل من أهل العلم من لا ينهض إلى الصلاة إلا قرب الإقامة، وهذا وإن وجد التأويل لهم؛ لأنهم انشغلوا بما هو أهم، لا أقول: أهم من الصلاة، أهم من التبكير إلى الصلاة، لأنه فرق بين أن يكون العمل أهم من الصلاة، الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، لكن التقدم إلى الصلاة، وهو في صلاة مادام ينتظر الصلاة، وجاءت النصوص تحث على التقدم إلى المسجد، قد يوجد عند بعض الناس ما هو أهم من ذلك، وهذا المظنون بأهل العلم.(8/1)
لكن عامة الناس الذين يرونهم يتأخرون لا يعذرونهم، بل يقتدون بهم في بذلك، وإن كانت الأعمال مختلفة، يعني إذا كان هذا العالم منشغل بمصلحة من مصالح المسلمين العامة لا شك أنه أفضل من أن يتقدم إلى المسجد، لكن العوام يقلدون من؟ وهل يعرفون أنه منشغل بمصالح المسلمين؟ مع الأسف الشديد يوجد من ينتسب إلى العلم ممن يتساهل في هذا الباب، وفي طلبة العلم كثير، ويذكر عن ابن عمر أنه إذا سمع الإقامة نهض إلى الصلاة، لكن العبرة بالنصوص المرفوعة، سارعوا، سابقوا، كل هذه تحث على المبادرة إلى فعل الخير، والنهوض إلى الطاعة بهمة ونشاط، فعلى طالب العلم أن يعتني بذلك، وأن يولي العمل مع تحصيل العلم عناية فائقة.
يقول: ما حكم حلق اللحى؟
حرام، جاءت النصوص الكثيرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكرموا)) ((وفروا)) ((أعفوا)) ونقل ابن حزم لأنه يقول: هل هي كبيرة أو صغيرة؟ نقل ابن حزم الإجماع على أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب، وعلى هذا ينتهي السؤال الثاني هل هي سنة أو واجبة؟ لا، نقول: واجبة وجوباً متأكداً.
عندكم أسئلة.
يقول: ما صحة حديث صلاة الإشراق والوارد في فضلها له أجر حجة كاملة؟
الحديث له طرق يبلغ بها إلى درجة الحسن لغيره، هذا بالنسبة للأجر المرتب على هذا العمل، أما البقاء في المسجد إلى انتشار الشمس فقد ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ثبت من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يجلس في مصلاه حتى تنتشر الشمس في الصحيح، في صحيح مسلم وغيره، أما الأجر المرتب على البقاء في المصلى للذكر حتى تطلع الشمس، وصلاة ركعتين وله أجر حجة تامة هذا فيه كلام ومقال لأهل العلم، لكنه ورد من طرق أوصله بعضهم بها إلى درجة الحسن لغيره، وبعضهم صححه.
يقول: إذا وقع على ملابسي الداخلية نقاط من البول بعد الانقضاء من قضاء الحاجة ولم أقم بتغيير الملابس الواقع عليها شيء من البول وصليت فهل صلاتي صحيحة؟(8/2)
إذا تيقنت أنه أصاب ثوبك أو جسدك شيء من النجاسة فصلاتك غير صحيحة، لكن بقي أنك إذا قلت: أُغير هذه الملابس، ثم نسيت وصليت بها، أما مع الذكر فالصلاة باطلة، إذا نسيت وصليت بها فالصلاة صحيحة إن شاء الله، إذا علمها قبل الصلاة ثم جهلها أو نسيها فعلى مذهب الحنابلة يعيد، فإن علمها ثم جهلها أو نسيها أعاد، هذا نص لكن نقول: إذا نسيها أو جهلها لا يعيد، أما إذا صلى بالنجاسة عالماً فتجب عليه الإعادة، والنسيان كما هو مقرر عند أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم، فنسيانك نزل هذه النجاسة الموجودة منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود عند أهل العلم فلو صليت على غير طهارة ناسياً صلاتك باطلة، ولو كننت ناسياً.
يقول: ما حكم أو قص شيء من شعر اللحية مع ذكر تحديد لذلك؟
قص وأخذ شيء مناف لحديث: ((أعفوا)) و ((وفروا)) و ((أكرموا)) فلا يجوز أخذ شيء منها، لا يجوز أخذ شيء منها، والرسول -عليه الصلاة والسلام- كان كث اللحية، جاء عن بعض الصحابة لا سيما في النسك كابن عمر أنه كان يأخذ ما زاد على القبضة متأولاً قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني في آن واحد، تفعل التحليق والتقصير في آن واحد، هذا فهمه، والتحليق يكون للرأس، والتقصير للحية، هذا فهم ابن عمر، لكنه لم يوافق عليه، والعبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
أكثر من ها الأسئلة اللي جاءت؟
طالب: سم يا شيخ.
أكثر من ها الأسئلة اللي جاءت؟
طالب: نبيك تسأل.
طيب ما يخالف.
حديث صفوان بن عسال المرادي حكمه؟ يعني درجته؟ نعم ما يخالف هات، هات وراك هونت؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يخالف، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
حسن، حديث صفوان بن عسال حسن، ومفاده في التوقيت بالنسبة للمقيم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
المسافر، وأما المقيم فدليله حديث؟ حديث علي -رضي الله عنه-، الجواب صحيح.
ويش تبي طيب وإلا هذا الذي في الكرتون؟ هذا اللي فيه صور، إيه جزاكم الله خير، هاه؟ اختر، اختر، كيف؟(8/3)
طالب:. . . . . . . . .
أنت تحتاج هذه؟ إن كنت لا تحتاجه. . . . . . . . .، هذا ما في أحد ما يحتاجه، الطيب ما في أحد ما يحتاجه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب)) لكن قرة العين الصلاة، الله المستعان، نعم.
حديث أبي بن عمارة، حديث أبي بن عمارة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ضعيف، فيه خلاف وإلا ما في خلاف في ضعفه؟
طيب مفاده ويش يفيد؟
طالب:. . . . . . . . .
يفيد إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما الذي يفيده أبي بن عمارة؟
طالب:. . . . . . . . .
نجيب لك سؤال ثاني؟ ما الفرق بين الموقوف والمرفوع؟
طالب:. . . . . . . . .
المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والموقوف؟ على الصحابي، خلاص.
تحتاج ذي؟ إيه، إيه تحتاجه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وإلا .. ؟ أخذت طيب؟ طَيب لا بأس، لا بأس.
ما اسم أبي بكرة؟ وما سببت تكنيته بذلك؟ نعم، ما البكرة؟ إيش البكرة؟ ويش هي البكرة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يوضع فوق البئر لاستخراج الماء، البكرة هذه التي تدور هذه، نعم؟ هاه؟
لماذا لقب بأبي بكرة؟ لأنه تدلى ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم، اسمه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
اسم أبي هريرة، ما اسم أبي هريرة؟
طالب:. . . . . . . . .
عبد الرحمن بن صخر الدوسي.
كم يروي من حديث؟ كم له من حديث يرويه؟
طالب:. . . . . . . . .
من ثالث الخلفاء الراشدين؟
طالب:. . . . . . . . .
ما شاء الله، ما شاء الله، تفضل الله يصلحك، تحتاج اثنين، طيب.
هناك قاعدة في النسيان مهمة عند أهل العلم، أشرنا إليها في أكثر من مناسبة، يمكن أنها آخر فائدة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
والله مشكلة واحد يقرأ، واحد .. ، نعم؟
أنت، أنت؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، طيب.
متى يحمل المطلق على المقيد؟ هذا مر بنا في وقت سابق.
طالب:. . . . . . . . .
يحمل المطلق على المقيد، هاه؟ متى يخص العام بالخاص؟ ومتى لا يخص؟ إيش الفرق بين التقييد والتخصيص؟ أصول الفقه هذا أنت بحاجته، أقول: إذا كنت تنوي مواصلة طلب العلم الشرعي ما تستغني عن مثل هذه الأمور.
اسم أبي بكرة؟
طالب:. . . . . . . . .(8/4)
نفيع بن الحارث، سم.
من يجيب على الأسئلة التي ذكرتها؟ الأسئلة الأصولية التي ذكرتها؟ متى يقيد المطلق؟ ومتى يخصص العام؟ والفرق بين التقييد والخاص؟ ويستحق هذه آخر الجوائز، طيب تصور حمل المطلق على المقيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا اتحد الحكم والسبب يحمل وإلا ما يحمل؟ يحمل.
إذا اختلف الحكم والسبب، لا يحمل، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
إيش الحكم في المسألتين؟
طالب:. . . . . . . . .
قولاً واحداً وإلا فيه خلاف؟ إذا اتحد السبب دون الحكم مثاله؟ السبب دون الحكم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا لا تقول: اليد؟ نعم، اليد، السبب دون الحكم في آية التيمم وفي آية الوضوء، سبب دون حكم يحمل المطلق على المقيد؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يحمل صحيح، سم.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:
باب: نواقض الوضوء:
باب: نواقض الوضوء:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -على عهده- ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم, ثم يصلون ولا يتوضئون".
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة? قال: ((لا، إنما ذلكِ عرق وليس بحيض, فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي)) متفق عليه، وللبخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاء, فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله? فقال: ((فيه الوضوء)) متفق عليه, واللفظ للبخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعض نسائه, ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" أخرجه أحمد, وضعفه البخاري.(8/5)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً, فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا? فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أخرجه مسلم.
وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: قال رجل: "مسست ذكري، أو قال الرجل: يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء? فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا, إنما هو بضعة منك)) أخرجه الخمسة, وصححه ابن حبان، وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة.
وعن بسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)) أخرجه الخمسة, وصححه الترمذي وابن حبان، وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ, ثم ليبنِ على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم)) أخرجه ابن ماجه، وضعفه أحمد وغيره".
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
استكمالاً لما بدأنا به في أول الإجازة من شرح لأحاديث كتاب بلوغ المرام للحافظ أحمد بن علي بن حجر وهو كتاب أشرنا إلى أهميته بالنسبة لطالب العلم، وجمعه ما يحتاجه الطالب من أحاديث الأحكام، في بداية الدرس السابق، في الفترة السابقة أشرنا إلى شيء من مزايا هذا الكتاب، ومنهج المؤلف فيه.
والآن نستكمل ما بدأنا به، والأحاديث كما تعلمون عددها كبير والوقت لا يسمح بالاسترسال والاستطراد وذكر كل شيء إنما نأتي بقدر ما يناسب الوقت، وينفع الطالب -إن شاء الله تعالى-.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: نواقض الوضوء" الباب تقدم تعريفه مراراً، وأنه في الأصل ما يدخل معه ويخرج منه. . . . . . . . . مسائل غالباً، فهو حقيقة عرفية، والذين يقولون بالمجاز يقولون: إنه مجاز استعماله في المحسوسات حقيقة، وفي المعاني مجاز، لكن لا داعي لأن نقول: إنه مجاز، بل هو حقيقة عرفية، واصطلاح خاص، أو عرف خاص عند أهل العلم، يسمون هذه المسائل التي تنطوي تحت فصل أو فصول باب.(8/6)
نواقض: جمع ناقض، نواقض: جمع ناقض، فالفاعل يجمع على فواعل، ضارب ضوارب، كاسر كواسر، ناصر نواصر وهكذا.
والأصل في النقض: حل المبرم، حل المبرم، تقول: نقضت غزلها يعني أفسدت ما أبرمته ونقضته، وحلت ما أبرمته، ومنه هنا نقض الوضوء، يعني إبطال الوضوء بما يبطل الوضوء، فإبطال الوضوء يسمى نقض للوضوء، وهنا في المعاني وهو أيضاً حقيقة شرعية، حقيقة شرعية؛ لأن الحقائق كما تعلمون ثلاث: لغوية وشرعية وعرفية.
في الحديث الأول يذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- يروي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: أروي عن أنس بن مالك.
وذكرنا مراراً أنه في أول الباب لا يأتي بالواو، باب: نواقض الوضوء عن أنس بن مالك، لكن الحديث الثاني يقول: وعن فلان، يعني وأروي أيضاً عن فلان.
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -على عهده- ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم, ثم يصلون ولا يتوضئون"، أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني وأصله في مسلم".(8/7)
"كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -على عهده-" إذا قال الصحابي: كانوا يفعلون، فلا يخلو إما أن يضيفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا، فإن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، ويكون حينئذٍ من السنة التقريرية، كقول جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل"، ولو كان شيئاً مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فهم يستدلون بعدم النهي عن الفعل الذي يفعلونه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنه سنة وحجة ملزمة؛ لأن السنة إما أن تكون قولية أو فعلية أو تقريرية أو صفة من أوصافه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو التقرير؛ لأنه لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهنا ينتظرون الصلاة في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وعلى عهده كما نص على ذلك في هذه الرواية، على خلاف في ثبوت هذه الكلمة، أما إذا لم ينص الصحابي على العهد النبوي، بل قال: كانوا يفعلون، من دون أن يضيفه إلى عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا إلى عهده فالمسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه مرفوع أيضاً؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام في مسألة شرعية إلا ويقصد من وراء ذلك الاحتجاج بهذا الفعل، إلا ويقصد بذلك الاحتجاج بهذا الفعل، فلا يحتاج إلى أن ينص على عهده كانوا يفعلون، أما إذا كانت هذه الصيغة لا يخرج منها أحد، بمعنى أنهم كانوا يعين كلهم، كانوا كلهم ينامون، أو ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، فهذا استدلال بالاتفاق والإجماع، والإجماع حجة عند أهل العلم، فيكون حينئذٍ في هذه الصيغة ما يدل على نقل الاتفاق، وإن كان نقل الاتفاق بمثل هذا الكلام إذ لم ينص على الإجماع، أجمعوا على كذا، أو لم يختلفوا في كذا، الاحتجاج به على أنه إجماع فيه ما فيه، وعلى كل حال مثل هذه الصيغة: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا تخلو إما أن تضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقال: في عهده وفي عصره، أو لا يذكر ولا يشار إلى العصر والعهد النبوي، أما إذا أشير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو من قبيل المرفوع، والخلاف جاري بين أهل العلم إذا لم يضف إلى العهد النبوي، وعلى كل حال كانوا وهم جمع من(8/8)
الصحابة إن لم يكونوا كلهم، فهم جماعة من الصحابة، وهم أهل التحري والاحتياط، في مثل هذا الباب لا سيما لأهم العبادات، وأعظم الأركان، الطهارة شرط لصحة الصلاة، والصلاة أعظم الأركان بعد الشهادتين، فكونهم "ينتظرون العشاء" و "تخفق رؤوسهم" بعض الروايات: "أنهم كانوا يحطون" وبعض الروايات: "أنهم كانوا يضعون جنوبهم" المقصود أن مثل هذا لو كان ناقضاً لما صلوا وقد فعلوه، وهنا يستدل المؤلف -رحمه الله تعالى- بهذا على أن مجرد الخفقان والنعاس والنوم الخفيف لا ينقض الوضوء.
"كانوا ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم"، "على عهده" هذه ذكرها أبو داود، هذه اللفظة: "على عهده" أشار إليها أبو داود وإن لم تكن في أصل الحديث عنده، وليست في الأصل الذي أشار إليه ابن حجر -رحمه الله- حينما قال: وأصله في مسلم، وأصله في مسلم، ولفظه عند مسلم: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" وهذا لفظ مجمل، أو مطلق يحتاج إلى تقييده بالنوم الخفيف من المتمكن؛ لأنه سيأتينا ما يدل على أن النوم ينقض الوضوء، وذاك أيضاً مطلق يحتاج إلى تقييد، إذ ليس كل نوم ينقض الوضوء،. . . . . . . . . في صحيح مسلم: "على عهده" الذي هو أصل الحديث، وليست في أصل رواية أبي داود بل أشار إليها.(8/9)
وعرفنا الفرق بين إضافة الفعل منهم -رضوان الله عليهم- إلى عهده وعدم الإضافة، كانوا أو كان أصحاب رسول الله تنصيص على أن المراد بهؤلاء الذين ينتظرون صلاة العشاء هم الصحابة -رضوان الله عليهم-، أفضل الناس بعد الأنبياء، ينتظرون العشاء، يعني ينتظرون صلاة العشاء "حتى تخفق" تميل وهي من باب ضرب، خفق يخفق، وليست من باب نصر كما نطقها بعضهم حتى تخفُقَ، لا، بل هي من باب: ضرب "حتى تخفق رؤوسهم" ينتظرون العشاء، تخفق رؤوسهم قبل صلاة العشاء، هذا يدل على إيش؟ يدل على أنهم لا ينامون في النهار إلى شيء يسير عند الحاجة القصوى، فالأصل في النهار المعاش، ولو كانوا .. ، أو لو كان صنيعهم كما يصنعه كثير من أهل هذا العصر أو هذا الزمان، الليل معد للسهر الطويل، والنهار للنوم ما خفقت رؤوسهم، ولا بعد منتصف الليل، لو كانوا على ما نصنعه الآن، وما ابتلي به كثير من المسلمين في هذه الأزمان، والنهار كما هو معروف معاش، والليل سبات، هذا الأصل، وهذه السنة الإلهية، كثير من الناس خالف هذه السنة، تجده في النهار كله نوم، والليل هو وقت الأنس والسهر، ويا ليت هذا السهر يقضى فيما ينفع، بل هو في الغالب يقضى فيما يضر، إذا قضي فيما ينفع فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سمر بعد صلاة العشاء، وأهل العلم يستثنون من كراهة الحديث بعد صلاة العشاء إذا كان هذا الحديث لفائدة، إما تحصيل علم أو مصلحة من مصالح المسلمين العامة حينئذٍ لا بأس، أما أن تقلب السنة الإلهية يكون النهار نوم، والليل السهر، هذه بلوى، والله المستعان.(8/10)
"ينتظرون العشاء" يعني صلاة العشاء "حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون" رواية مسلم كما سمعنا: "ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" وعرفنا أن هذا اللفظ مطلق لا بد من تقييده، إذ جاءت النصوص التي تدل على أن النوم ناقض للوضوء، وعلى كل حال الأقوال لأهل العلم ثمانية في النوم هل ينقض الوضوء أو لا ينقضه؟ فمنهم من يرى أن النوم ينقض على أي حال، استدلالاً بحديث صفوان بن عسال الذي تقدم، الذي تقدم في المسح على الخفين، وفيه: ((ولكن من بول أو غائط أو نوم)) فدل على أن النوم ينقض الوضوء، وهنا فعلهم يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء، حديث صفوان يدل على أن النوم، اسم النوم جنس النوم ينقض الوضوء، وهنا يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء، فلا بد من التوفيق بين الحديثين، فلا بد من التوفيق بين الحديثين، فيحمل النوم الذي لا ينقض الوضوء على الخفيف -النوم الخفيف- الذي لا يستغرق صاحبه، وحديث صفوان بن عسال يستدل به أصحاب القول الأول وأنه ينقض مطلقاً على كل حال مهما كان خفيفاً، وعلى أي وضع كان.
والقول الثاني: أنه لا ينقض مطلقاً لحديث أنس المذكور في الباب، وفيه: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" ولا شك أن التوفيق بين النصوص أمر لا بد منه، إذ لا يصار إلى الترجيح ولا القول بالنسخ ولا التوقف مع إمكان الجمع، والجمع ممكن كما سمعنا.
هناك قول وهو قريب من .. ، أو بين القولين أنه لا ينقض مطلقاً أو ينقض مطلقاً، أنه ينقض وإنما يعفى عن اليسير من المتمكن، وإنما يعفى عن اليسير من المتمكن، ويحمل عليه حديث الباب، وأما حديث صفوان بن عسال فيحمل على النوم المستغرق.(8/11)
هناك قول لبعض أهل العلم ممن يرى أن النوم ليس بناقض وإنما هو مظنة للنقض، وإنما هو مظنة للنقض، ليس بناقض بنفسه، فإذا جزم الإنسان أنه لم يخرج منه شيء فإنه يصلي ولا يتوضأ، إذا وكل شخصاً يرقبه، وهذا الشخص يلاحظه ملاحظة دقيقة منذ أن نام إلى أن استيقظ لم يسمع منه صوت ولم يشم منه ريح فإنه حينئذٍ لا ينقض، لماذا؟ لأن النوم مظنة، أما من لم يكن بهذه الصفة بأن نام فالمظنة توجد غلبة ظن، توجد فيها غلبة ظن أنه انتقض وضوؤه، باستثناء ما تقدم؛ لأنه إذا نام متمكناً ممكناً مقعدته من الأرض فإن الذي يغلب على الظن أنه لم يخرج منه شيء، لا سيما إذا كان جالساً غير معتمداً على شيء فيكون حينئذ نومه خفيف بحيث لو دار حوله أدنى شيء حس به.
وهناك قول وهو الخامس: أنه إذا نام على هيئة من هيئات الصلاة، نام على هيئة سواءً كان راكع أو ساجد أو قائم أو قاعد فإنه لا ينقض الوضوء، بخلاف ما إذا نام على هيئة تخالف هيئات الصلاة فإنه حينئذٍ ينتقض وضوؤه، ومنهم من يخص ذلك بالراكع والساجد فقط، وعلى كل حال الأقوال في المسألة ثمانية، لكن المرجح أن النوم ناقض، جنس النوم ناقض، يستثنى من ذلك الشيء اليسير؛ لأن الإنسان إذا نام غلب على الظن أنه انتقض وضوؤه بما ينقض إجماعاً من ريح أو صوت.
هذا أقرب الأقوال أنه الخفيف يعفى عنه من المتمكن وإلا فالأصل أن النوم كما في حديث صفوان بن عسال ناقض للوضوء، وإذا قلنا: إن النوم ناقض للوضوء فمن باب أولى ما هو أشد من النوم، النائم يرتفع عقله، ولا يدري بما يصدر عنه، فمن باب أولى من جن أو سكر أو أغمي عليه، فإنه حينئذٍ ينتقض وضوؤه بجامع زوال العقل مع النوم، فإذا كان النوم وهو بحيث إذا أُيقظ استيقظ فالذي لا يمكن إيقاظه من باب أولى كالمجنون والمغمى عليه.
الحديث الثاني:
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة? قال: ((لا، إنما ذلكِ عرق وليس بحيض, فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي)) متفق عليه".(8/12)
هنا حديث فاطمة، أو حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش في الاستحاضة، أورده المصنف ليستدل به على أن خروج الدم -دم الاستحاضة- ناقض للوضوء، وأن الخارج من البدن الذي ينقض الوضوء ليس بخاص في البول والغائط أو الريح، بل مما ينقض الوضوء أيضاً دم الاستحاضة، ولذا جاء في برواية البخاري "وللبخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) ((ثم توضئي لكل صلاة)) " القدر الأول متفق عليه، والإمام البخاري انفرد بقوله: ((ثم توضئي لكل صلاة)) وأما مسلم فأشار إلى أنه حذف هذه الجملة عمداً، قال: "وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره" يعني تعمد حذف هذه الزيادة، وكأنها لم تثبت عنده، لكنها ثابتة عند من هو أشد تحرياً منه وهو البخاري -رحمه الله تعالى-.
((ثم توضئي لكل صلاة)) وهذا هو الشاهد من الحديث، الأمر بالوضوء، أمر المستحاضة بالوضوء، فدل على أن خروج دم الاستحاضة ناقض، ناقض للوضوء، ومن باب أولى خروج دم الحيض الموجب للغسل.
"جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر" يطول معها خروج الدم، وهو الاستحاضة كما سيأتي غير الحيض، هذا دم يخرج من أدنى الرحم، وذاك دم يخرج من قعر الرحم، فبينهما فروق يأتي بيانها -إن شاء الله تعالى- في باب الحيض.
"فلا أطهر، أفأدع الصلاة? قال: ((لا)) " يعني لا تدعي الصلاة؛ لأن هذا لا يمنع من وجوب بالصلاة بخلاف الحيض، الحائض لا يجوز لها أن تصلي، ولو صلت لم تصح ((إنما ذلك عرق)) عرق نزيف، يسمونه نزيف، إنما ذلك عرق ((وليس بحيض)) ليس بحيض يمنع من الصلاة، وإنما هو مجرد عرق يخرج منه الدم الذي يختلف عن دم الحيض على ما سيأتي ((فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي)) هذه المستحاضة "إذا أقبلت حيضتك" دل على أنها تعرف حيضها، وتميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة إما باللون والرائحة أو بالعادة في الوقت بداية ونهاية على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى- في باب الحيض.(8/13)
على كل حال الشاهد من الحديث رواية البخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) فدل على أن النقض لا يختص بالخارج المعتاد كالبول والغائط والريح سواءً كانت بصوت أو بدون صوت، بل ما يخرج من المخرج المعتاد ينقض الوضوء، كل ما يخرج من المخرج المعتاد فإنه ينقض الوضوء، والخلاف فيما يخرج من غير المخرج المعتاد، أما ما يخرج من المخرج المعتاد فإنه ناقض عند أهل العلم إلحاقاً له بالبول والغائط والحيض والاستحاضة والريح، أما ما يخرج من غير المخرج المعتاد شخص جُرح، هل ينتقض وضوؤه أو لا ينتقض؟ نعم؟
هذه مسألة خلافية بين أهل العلم سيأتي بيانها -إن شاء الله تعالى-، وعرفنا أن الإمام مسلم حذف هذه الزيادة، تركها عمداً، ولذا قال: "وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً"، وهي موضع الشاهد، هي موضع الشاهد من الحديث لباب النواقض.
((ثم توضئي لكل صلاة)) توضئي لكل صلاة، ألا يكفيها أن تتوضأ ويرتفع حدثها؟ تتوضأ مرة واحدة بعد ذلك يرتفع حدثها ولا تحتاج إلى أن تتوضأ ثانية؟ وهل نقول: حينئذٍ إن وضوء المستحاضة رافع للحدث أو مبيح للصلاة؟ مبيح للصلاة مع وجود الحدث كمن به سلس، نعم الدليل يدل على أنه إيش؟ مبيح، إذا لو كان رافعاً للحدث نعم لما احتاجت أن تتوضأ لكل صلاة، لما احتاجت أن تتوضأ لكل صلاة، ارتفع حدثها وانتهى حتى ينتقض هذا الحدث بناقض غير ما رفع وهو الاستحاضة، لكن دل على أن وضوء المستحاضة كمن به حدث دائم مبيح للصلاة وليس برافع؛ لأن الحديث هل يمكن رفعه وهو موجود؟ نعم؟ الحدث؟ الحدث موجود قائم هي تستحاض ولا تتطهر، الدم ينزل منها باستمرار، فالحدث قائم، وضوؤها مبيح للصلاة وليس برافع.
الحديث الثالث:
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاءً, فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله? فقال: ((فيه الوضوء)) متفق عليه, واللفظ للبخاري".(8/14)
ولفظ مسلم: ((منه الوضوء)) لفظ البخاري: ((فيه الوضوء)) ولفظ مسلم: ((منه الوضوء)) يعني يجب منه الوضوء، "كنت رجلاً مذاءً" علي -رضي الله عنه- كان رجلاً مذاءً، يعني كثير خروج المذي، وهو ماء رقيق أبيض يخرج عند التفكير أو عند الملاعبة، وهذا لا يوجب الغسل، وإن كان علي -رضي الله عنه- قبل هذا السؤال يغتسل حتى تشقق ظهره، ومعلوم أن شفاء العي السؤال، لما تعب علي -رضي الله عنه- وتشقق ظهره من كثرة الاغتسال أمر المقداد، وفي رواية أنه أمر عمار، وفي رواية أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في بعض الروايات أنه أمر المقداد لمكان فاطمة منه، فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستحيي أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وابنته تحته، فأمر المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"كنت رجلاً مذاءً, فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" في مثل هذا أو في هذا الصنيع من الأدب ما فيه، فالأصهار يستحيى منهم بلا شك، والحياء شعبة من شعب الإيمان مع الناس كلهم، ويتأكد في حق من له عليك حق، كالأصهار يستحيا منهم، "فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" والأمر هنا أمر وجوب وإلا التماس؟ التماس؛ لأن علياً مساوي للمقداد وليس له عليه أمر، في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم له عليه أمر في خلافته، لكن قبل خلافته إنما هو أمر التماس، فالمسلمون سواسية، وعلي -رضي الله عنه- وإن كان ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- وصهره على ابنته، فإنه ليس له أن يأمر أمر وجوب، ولا يلزم أحد، وإن كان قريباً من النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن عمه وزوج ابنته، فليس له حق على أحد، والمقداد مولى، والمقداد مولى، وعلى كل حال هذا أمر التماس، فنجد في تصرفات كثير ممن لهم صلة بأدنى مسئول من أمر الناس ونهيهم وتكليفهم أن هذا التصرف غير سائغ شرعاً، هذا أمر غير سائغ، بعض الناس لأنه قريب من فلان أو علان يتسلط على الناس ويأمر وينهى، هذا ليس بشرع، هذا تعدي وظلم للناس، هذا ابن المدير، وهذا ابن الوزير، وبعدين؟ أو أخو فلان أو علان، لا، ليس لك أمر ولا نهي على أحد، الناس سواسية، لا فرق لأحد على أحد إلا بالتقوى.(8/15)
وهنا أمر علي هو مجرد التماس للمقداد، والمقداد كما سمعنا مولى، وكان تحته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مولى.
"فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" عرفنا أنه في بعض الروايات المأمور عمار، وفي غير ذلك أن السائل هو علي -رضي الله عنه-، فالآمر بالشيء في حكم المباشر له، فالآمر بالشيء في حكم المباشر، حينما أمر المقداد أو أمر عمار لا يمنع أن يأمر المقداد، ثم يتأخر عليه برد الجواب يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يأمر غيره، فبهذه تجتمع الروايات، وكونه هو السائل؛ لأنه أمر بالسؤال، وينسب الفعل إلى غير الفاعل الحقيقي لأدنى ملابسة، فيقال: فعل الأمير، ضرب الأمير، حفر الأمير بئراً، الأمير يباشر حفر الآبار؟ لا، إنما أمر بذلك، وهنا علي -رضي الله عنه- أمر فكأنه باشر السؤال "فسأله? فقال: ((فيه الوضوء)) " فدل على أن المذي ناقض من نواقض الوضوء، وهذا كغيره مما يخرج من السبيل المعتاد على ما تقدم كدم الاستحاضة والبول والغائط والريح، وألحق بذلك أهل العلم كل ما يخرج من المخرج المعتاد قل أو كثر ولو كان طاهراً.
((فيه الوضوء)) متفق عليه، واللفظ للبخاري" ولفظ مسلم: ((منه الوضوء)) يعني يجب منه الوضوء، يجب منه الوضوء.
ومناسبة ذكر الحديث للنواقض ظاهرة باعتبار أن هذا الماء الأبيض الرقيق ناقض للوضوء، فمنه الوضوء وفيه الوضوء، والمذي كما هو مقرر عند أهل العلم نجس، نجس لأنه مأمور بغسل الذكر منه، في رواية: "والأنثيين" أيضاً على ما سيأتي، في رواية أبي داود: ((ثم يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ)) يغسل ذكره يعني كاملاً وأنثييه، والحكمة في ذلك أنه إذا باشرت هذه الرطوبة مع ما يصاحبها من برودة أنه يتقلص الذكر وينقطع هذا الخارج.
على كل حال المذي نجس للأمر بغسل الذكر منه، وهو ناقض، خروجه ناقض للوضوء.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعض نسائه, ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" أخرجه أحمد، وضعفه البخاري".(8/16)
"قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" هذا الحديث مخرج في المسند والسنن عند أبي داود والترمذي وابن ماجه، وضعفه البخاري فيما نقله عنه أبو عيسى الترمذي في سننه، ضعفه، وصححه جمع من أهل العلم، لا سيما من المتأخرين، وحسنه آخرون، فالحديث مختلف فيه، فالقبلة فرع من اللمس، لمس المرأة، فالقبلة فرع من اللمس، فالذي يقول بأن مجرد اللمس ناقض للوضوء، ويستدل بقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] من باب أولى أن تكون القبلة ناقضة، والمس -مس المرأة- مختلف فيه بين أهل العلم، مختلف في تأويل الآية: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] هل المراد به مجرد إيقاع البشرة على البشرة مطلقاً؟ أو إذا وجد شهوة؟ أو اللمس مجرد اللمس لا ينقض الوضوء وإنما المراد بالمسيس والملامسة هنا الجماع كما يرجحه كثير من أهل العلم؟ والمسألة خلافية، فمن أهل العلم من يرى أن مجرد اللمس ولو لم توجد شهوة أنه ينقض الوضوء، وهذا قول الشافعية، منهم من يرى أنه إذا وجدت الشهوة نقض اللمس، مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، لماذا؟ لأنه مظنة لخروج شيء مثل ما قيل في النوم: إنه مظنة للخروج، اللمس أيضاً مظنة، ويقول: إن معنى لامستم هو المس باليد، والمرجح في تفسير الملامسة في الآية أن المراد بها الجماع، كما أثر ذلك عن الصحابة، ورجحه كثير من المفسرين، وبه تتم المقابلة بالآية، فيما يوجب التيمم، فالموجب للتيمم الحدث الأصغر، وقد أشار إليه بقوله: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [(6) سورة المائدة] تتم المقابلة إذا فسرنا الملامسة {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] بالجماع، فيستدل بالحدث الأصغر وأنه موجب للتيمم بالغائط، ويستدل على أن الحدث الأكبر موجب للتيمم بالملامسة، وهذا مما يرجح تفسير الملامسة في الآية بالجماع.(8/17)
والحديث فرع من هذه المسألة، فلو ثبت الحديث لقلنا: إن الملامسة لا سيما إذا كانت مع شهوة ناقضة للوضوء وهو المعروف عند الحنابلة، وأما الشافعية فيفسرون الملامسة بمجرد اللمس ولو لم يوجد شهوة ويقولون: كل لمس للمرأة سواءً وجد معه شهوة أو لم يوجد ناقض للوضوء، ولذا يجدون الحرج الشديد في المطاف، الشافعية يجدون الحرج الشديد في المطاف، يعني في أوقات السعة الأمر سهل، لكن في المطاف، حينما يزدحم الناس في المواسم مجرد ما يمس يد امرأة ولو من غير قصد، ولو من غير شهوة ينتقض وضوؤه، وتبعاً لذلك يبطل طوافه عندهم، وقول الحنابلة أنه مظنة للنقض وليس بناقض؛ لأنه مثل النوم لكن يختلف لمس المرأة بالشهوة مع النوم وإن كان كل منهما وسيلة للنقض ومظنة له، إلا أن النوم مزيل للعقل فلا يدرى عن حقيقة الحال، أما هنا يختلف عن النوم من وجه، ويتفق معه من وجه، يختلف مع النوم أن النوم لم يطلع على الحقيقة لزوال العقل، وهنا إمكان الاطلاع على الحقيقة ممكن، فانتقاض الوضوء بالخارج وعدم الانتقاض آيل إلى العلم، آيل إلى العلم، فإن خرج منه شيء انتقض وإلا فلا، وبهذا يختلف عن النوم، ويتفق مع النوم أن كلاً منهما مظنة للنقض.(8/18)
"ضعفه البخاري" إمام الصنعة فيما نقله عنه الترمذي في سننه، وصححه بعضهم من المتأخرين الشيخ أحمد شاكر والألباني -رحمة الله على الجميع-، وحسنه جمع من أهل العلم، فالحديث مختلف فيه فنرجع إلى الآية، نرجع إلى الآية، والمرجح عند جمهور أهل التأويل من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن المراد بالملامسة الجماع، فيبقى الحكم على الأصل، وأن مجرد اللمس ليس بناقض، نعم الاحتياط شيء، والحكم الجازم بأن هذا ناقض شيء آخر، الاحتياط شيء، كون الإنسان يحتاط لنفسه، قبل امرأته أم مسها، فخشي أن يخرج منه شيء فتوضأ هذا .. ، لكن هل نقول: إن الحكم هنا وهذا الاحتياط إنما هو للنقض باللمس أو للنقض بالخارج؟ إذا قلنا: أنه النقض باللمس يصير للاحتياط موضع؟ لأن اللمس وسيلة وليس بغاية، ومظنة، هو مظنة للخارج، شخص قبل امرأته فقال: أريد أن أحتاط فأتوضأ، إن خرج منه شيء فهل يكفيه الوضوء؟ أو لا بد أن يغسل ذكره؟ لا بد أن يغسل، ثم بعد غسله يتوضأ، كما جاء في رواية أبي داود: ((ثم ليغسل ذكره وأنثييه ثم يتوضأ)) وإن لم يخرج منه شيء وتحققنا من عدم وجود ما رتب على هذه المظنة وعلى هذه الوسيلة، فالاحتياط يوقع في مخالفة، الاحتياط يوقع في مخالفة، المسألة مفترضة في شخص توضأ وضوءاً كاملاً ثم قبل امرأته فقال: أريد أن أحتاط رجع وتوضأ وضوء، إن لم يخرج منه شيء وقلنا: إنه يحتاط والوضوء من اللمس؛ لأنه مظنة لخروج شيء، هل يستفيد من هذا الوضوء شيء؟ يستفيد؟ ما قررنا أن اللمس مظنة للنقض بخروج شيء، إن خرج منه شيء لا ينفعه هذا الوضوء، بل لا بد من غسل الذكر والأنثيين ثم الوضوء، وإن لم يخرج منه شيء يكون توضأ مرة ثانية وأعاد الطهارة من غير مبرر، أعاد الطهارة من غير مبرر، متصورة المسألة وإلا ما هي متصورة؟ يعني يتصور أن شخص ما قبل ولا مس ولا انتقض وضوؤه، توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم عاد إلى مكان الوضوء توضأ ثلاثاً ثلاثاً هذا مشروع وإلا بدعة؟
طالب:. . . . . . . . .(8/19)
كيف؟ بدعة، يكون كأنه توضأ ستاً ستاً، ما لم يعمل، ما لم يفعل بالوضوء الأول عبادة وإلا فتجديد الطهارة معروف حكمه، إذا عمل به عبادة، تجديد الطهارة مستحب عند أهل العلم، نعود إلى أصل المسألة وهي إذا قلنا: إن الإنسان إذا أراد أن يحتاط قال: المسألة خلافية أريد أن أخرج من هذا الخلاف، هل يمكن الاحتياط في مثل هذا؟ نقول: إن خرج منه شيء مما رتب على هذه المظنة لا يكفيه الوضوء، فوضوؤه وجوده مثل عدمه لوجود الناقض، وإن لم يخرج منه شيء فقد خرج من حيز السنة إلى حيز البدعة، والاحتياط كما قرر شيخ الإسلام إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك مثل هذا الاحتياط، أو الاحتياط في ترك هذا الاحتياط، أظن المسألة ظاهرة، ظاهرة المسألة؟
على كل حال نرجع إلى الأصل وأنه لا ناقض لمجرد اللمس لما رُجح، يعني ممن فسر الملامسة بالجماع علي -رضي الله عنه- وابن عباس، وهو المرجح عند كثير من علماء التفسير، وبه تتم المقابلة.
الحديث الذي يليه:
حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أخرجه مسلم".
((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً)) وجد اضطراب في الأمعاء ((فأشكل عليه أخرج منه شيء فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) لماذا؟ لأن هذا مجرد شك، والشك لا يرفع اليقين، هذا تيقن الطهارة وشك في الحدث، ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ نعم، الشك لا يرفع اليقين عند أهل العلم، الشك لا يرفع اليقين، والشك هو: الاحتمال المساوي، يعني من غير غلبة ظن، احتمال مساوي، فخرج منه شيء أو لم يخرج منه شيء، خمسين بالمائة متردد، فالاحتمال المساوي يسمى شك وهذا لا يرفع اليقين، ومن باب أولى الوهم، وهو الاحتمال المرجوح، هذا لا يرفع اليقين من باب أولى.(8/20)
والسبب في ابتلاء كثير من الناس بالوسواس أنهم اعتمدوا على الأوهام، ورفعوا بها اليقين، واستدرجهم الشيطان حتى أوقعهم فيما أوقعهم فيه، من تضييع لأمور دينهم ودنياهم، فالوسواس داء، ولذا عندنا هذه القاعدة: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد)) يستمر في صلاته، وهذا سواءً كان في المسجد أو في بيته أو في أي مكان من الأماكن الطاهرة التي يصلي فيها، لا يخرج من صلاته، قال: ((من المسجد)) لأن هذا الأصل أن الصلاة تكون في المسجد، حيث ينادى بها ((حتى يسمع صوتاً -حتى يتأكد- أو يجد ريحاً)) حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وعند أهل العلم الأحكام معلقة بغلبة الظن، معلقة بغلبة الظن، يعني إذا غلب على ظنه أنه خرج منه شيء قوي احتمال الناقض، عند أهل العلم أنه يعمل بغلبة الظن، ما لم يجره هذا العمل إلى الوسواس، ما لم يجره هذا العمل بغلبة الظن إلى الوسواس؛ لأن بعض الناس ولو كان وهم يجعله غالباً على ظنه، احتمال مرجوح ثم يقوى هذا الاحتمال إلى الشك، ثم يقوى حتى يصير ظناً، فإذا كان الإنسان ممن ابتلي بالوسواس لا يلتفت إلى شيء حتى يتأكد ويتيقن أن ما تيقنه من الطهارة زال بيقين.
((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) هنا في المسجد ((فلا يخرجن من المسجد)) يعني الشخص موجود في المسجد كما دل عليه الدليل، ويسمع صوت أو يجد ريح، فما حكم إرسال مثل هذا الصوت وهذه الريح في المسجد؟ من المعلوم أنه نهي عن أكل ما له رائحة كريهة لمن أراد الحضور إلى المسجد، فإرسال مثل هذه الأمور سواءً كانت بصوت أو بغير صوت في المسجد من باب أولى، اللهم إلا إذا وجدت الحاجة، بحيث لا يستطيع أن يملك، ولذا ابن العربي في شرح الترمذي قال: في الحديث جواز إرسال مثل هذا –يعني من الفساء أو شبهه- في المسجد للحاجة، للحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو أولى بالمنع من الثوم والبصل، أولى بالمنع من الثوم والبصل لمن أراد أن يحضر إلى المسجد، فالحديث فيه أصل من أصول الدين، وقاعدة جليلة من قواعد الفقه وهو أن اليقين لا يزيله إلا اليقين، فلا يزيله الشك، فلا يزيله الشك.(8/21)
في حديث الاستيقاظ: ((إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)) والعلة؟ نعم ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) قلنا: إن في حديث الباب قاعدة وهي: أن الشك لا يزيل اليقين، وهناك في حديث الاستيقاظ: ((إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل)) أو ((من النوم)) ((إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يده)) ((فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) زال اليقين بالشك وإلا مازال؟ كونه لا يدري شك، واليقين أن اليد طاهرة، فلماذا أمر بغسلها ثلاثاً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه طيب، يعني متأكد أن يده باتت في نجاسة لنقول إن هذا اليقين يرفع اليقين السابق الطهارة؟ أو نقول: إن الذي يغلب على الظن أن يده مازالت طاهرة؟ نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أولاً: نعرف وجه التعارض بين هذا الحديث والحديث السابق، هنا فيه قاعدة وهو: أن الشك لا يزيل اليقين، الشك لا يزيل اليقين ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد)) لأن الأصل الطهارة، فلا يخرج بمجرد هذا الشك إلا إذا تيقن حتى يسمع صوت أو يجد ريح، فلا يرفع اليقين إلا بيقين مثله.
وهناك يده طاهرة بيقين، اليد طاهرة بيقين، وأمر بغسلها قبل أن تدخل الإناء ثلاثاً، لماذا؟ لأن العلة لا يدري أين باتت يده؟ وكونه لا يدري يورث يقين وإلا يورث ظن وإلا وهم وإلا شك؟ شك احتمال، شك، وقلنا: لا بد أن يغسل يده ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء، من هم من يقول: على سبيل الاستحباب، لا على سبيل الوجوب، لتبقى القاعدة سالمة، ومنهم من يقول: الحكمة غير معقولة، بل الحكم تعبدي، الحكم تعبدي، ولذا لو غمسها في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً تؤثر في الماء أو لا تؤثر؟ لا تؤثر الماء باقٍ على طهوريته، فالحكمة غير معقولة والحكم تعبدي، وتسلم القاعدة، وتسلم القاعدة حينئذٍ.
الحديث الذي يليه:(8/22)
حديث "طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: قال رجل: "مسست ذكري أو قال -شك-: الرجل يمس ذكره في الصلاة, أعليه وضوء? فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا, إنما هو بضعة منك)) ((إنما هو بضعة منك)) أخرجه الخمسة" ونعرف الخمسة أصحاب السنن الأربع أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه إضافة إلى الإمام أحمد "وصححه ابن حبان" وصححه ابن حبان "وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة" ونقارن بينه وبين حديث بسرة، حديث "بسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)) أخرجه الخمسة" هنا الخمسة وهنا الخمسة "وصححه الترمذي" في مقابل تصحيح ابن حبان، بل هو زائد على تصحيح ابن حبان؛ لأن ابن حبان صحح الحديثين.
"وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب".(8/23)
في حديث طلق بن علي قال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة، وفي حديث بسرة قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب، يعني أصح من حديث طلق، حديث بسرة عند البخاري أصح من حديث طلق، وحديث طلق عند علي بن المديني أحسن من حديث بسرة، أفعل التفضيل هنا (أصح) و (أحسن) هل تقتضي أن يكون الحديث الأول حسن والثاني صحيح؟ نعم، أو المقصود بها أرجح بغض النظر عن ذكر الحكم؟ لأن أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل على غير بابها، فيقولون: أصح، يعني أقوى من غيره في هذا الباب وإن كان الجميع ضعيفاً، وإن كان الجميع ضعيفاً، كما أنهم يقولون: أضعف يعني أنه مرجوح وإن كان الكل صحيحاً، فهم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، وإنما في الترجيح، يقولون في الترجيح بين الأحاديث الضعيفة أصح، وفي الأحاديث الصحيحة المرجوح يقال له: أضعف، ولا شك أن الصحة والضعف أمور نسبية، أمور نسبية، هنا علي بن المديني، علي بن عبد الله الإمام الحافظ إمام هذا الشأن، وهو من شيوخ البخاري، من شيوخ الإمام البخاري، والبخاري رجح حديث بسرة، ولا شك أنه من حيث الصناعة حديث بسرة أرجح من حديث طلق، هذا من حيث الصناعة، حديث بسرة أرجح من حديث طلق، فإذا قلنا بالترجيح قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء؛ لأن حديث بسرة من مس ذكره فليتوضأ، وحديث طلق ومعروف أن طلق إسلامه قديم في أول الهجرة، جاء طلق بن علي اليمامي الحنفي، وهم يبنون المسجد في أول الهجرة، وبسرة متأخرة عنهم، وحديث طلق يقرر الأصل، وحديث بسرة ينقل عن الأصل، ينقل عن الأصل، وإذا تعارض حديث مقرر للأصل -يسمونه حديث مؤكد- مع حديث ناقل عن الأصل -وهو ما يسمى بالمؤسس- فالمؤسس أرجح من المؤكد كما هو معروف، فيرجح حديث بسرة من وجوه:(8/24)
الوجه الأول: أن حديث طلق مؤكد ومقرر للأصل، وحديث بسرة مؤسس وناقل عن الأصل، وهو أيضاً من حيث الصناعة أرجح، وبسرة متأخرة في الإسلام عن طلق، منهم من قال: الحديثان صحيحان، الحديثان صحيحان، وحمل الأمر في حديث بسرة: ((من مس ذكره فليتوضأ)) على الاستحباب، على الاستحباب، لماذا؟ لأن مس الذكر مظنة لخروج شيء، فيكون على سبيل الاستحباب يؤمر بالوضوء، وهذا قول مالك، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية، يكون الأمر بقول: ((فليتوضأ)) على سبيل الاستحباب، اللام لام الأمر والأمر هنا للاستحباب، والصارف له عن الوجوب إيش؟ حديث طلق، الصارف عن الوجوب، فعل المضارع إذا دخلت عليه لام الأمر صار مثل (افعل) كأنه قيل: إذا مسست ذكرك فتوضأ ((فليتوضأ)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب كما هو معروف {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [(63) سورة النور] فالأصل في الأمر الوجوب، وهنا صُرف من الوجوب إلى الندب لقول مالك واختيار شيخ الإسلام لوجود الصارف وهو حديث طلق بن علي.
فإن قلنا بالترجيح حديث بسرة أرجح من وجوه، أرجح من وجوه: أولاً: من حيث الصناعة هو أرجح، لكثرة القوادح في حديث طلق، الأمر الثاني: أنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبقي على الأصل والناقل أولى، حديث طلق مؤكد للبراءة الأصلية، وحديث بسرة مؤسس لحكم جديد والتأسيس أولى من التأكيد، وإذا قلنا وأردنا أن نجمع ولم نلجأ إلى الترجيح، وقلنا: هما على حد سواء كما يقول بعضهم، قلنا: إن الأمر في حديث بسرة إنما هو للاستحباب لا للوجوب، وهو وإن كان الأصل في الأمر الوجوب إلا أن حديث طلق بن علي يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب.
((من مس ذكره فليتوضأ)) الأصل أن المس مباشرة البشرة للبشرة، والمقصود من مسه بيده، وإلا ما عدا اليد معروف أنه ليس بموضع أو محل للمسح، وهل يشترط في المس القصد أو لا يشترط؟ ((من مس ذكره)) (من) ((من مس ذكره فليتوضأ)) هل يشترط أن يكون بقصد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(8/25)
عموم، عموم نعم، يعني لو أراد أن يتنشف مثلاً بعد الغسل ومن غير قصد مس ذكره، هل يختلف حكمه فيما لو قصد المس؟ وهل يستوي في ذلك باطن الكف وخارج الكف؟ في رواية: ((من أفضى بيده)) والإفضاء يستوي فيه الباطن والظاهر، وإذا قلنا بقول من يقول على الاستحباب، يستحب أن يتوضأ، يستحب أن يتوضأ من المس سواءً كان بباطن الكف أو بظاهره بقصد أو بغير قصد، وهذا قول مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن يأتي فيه ما جاء في الحديث السابق، القُبلة، إذا قلنا: إن القبلة مظنة لخروج الشيء، ومس الذكر مظنة لخروج الشيء، إن خرج لزمه وجوباً أن يتوضأ، وإن لم يخرج لزم عليه تجديد الوضوء وهو لم يستعمل الوضوء الأول، مثلما قلنا في الحديث السابق، لكن حديث بسرة صحيح ولا محيد عن العمل به، والمس يشمل ما كان بقصد وبغير قصد، فلا شك أن الاحتياط في الوضوء في مثل هذا.
الحديث الذي يليه:
حديث "عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أصابه قيء أو رعاف أو قلْس -أو قلَس، بتحريك اللام وإسكانها- أو مذي فلينصرف فليتوضأ, ثم ليبنِ على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم)) أخرجه ابن ماجه، وضعفه -الإمام- أحمد وغيره".
((من أصابه قيء أو رعاف أو قلْس -قال: أو قلَس- أو مذي فلينصرف فليتوضأ, ثم ليبنِ على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم)) أخرجه ابن ماجه، وضعفه أحمد وغيره" ولا شك أن الحديث ضعيف، الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، إسماعيل بن عياش شامي روايته عن الشاميين صحيحة، وروايته عن غير أهل بلده ضعيفة، وهذا من روايته عن غير أهل بلده، فهو ضعيف.(8/26)
وبعضهم رجح إرساله، والصحيح أنه مرسل، قال أحمد والبيهقي: المرسل الصواب، المرسل الصواب، بعضهم قال: رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- غلط، وعلى كل حال الحديث ضعيف، الحديث ضعيف لما ذكرنا أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، وعلى هذا ينظر إلى أدلة أخرى غير هذا الحديث في نقض الوضوء بهذه الأشياء، فالقيء في غير هذا الحديث نعم القيء والقلس؛ لأن القيء الذي يخرج من الجوف وفيه كثرة يعني خلاف القلس يخرج من الجوف وهو بقدر ما يملأ الفم، ولا يصل إلى حد القيء.
والرعاف: ما يخرج من الأنف من الدم، والمذي: تقدم في حديث علي، المذي فيه حديث علي الذي تقدم، ((يغسل ذكره وأنثييه ثم ليتوضأ)) فهو ناقض، أما القيء والرعاف والقلس يدل هذا الحديث على أنها ناقضة، لكن عرفنا أن هذا حديث لا تقوم به حجة، منهم من يقول: أنه يلحق بالخارج من البدن غير البول والغائط كالدم مثلاً، يلحق به ما يفحش من البدن، ولو كان من غير موضع الخارج استدلالاً بهذا الحديث من وجه، ولمشاركته ما يخرج من الخارج، فكون فضلة الطعام تخرج من المخرج أو من غير المخرج يستوي الأمر في ذلك عند بعضهم، الدم يخرج من المخرج بالحيض أو الاستحاضة أو من غير المخرج من جرح أو نحوه سيان عند بعضهم، إضافة إلى هذا الحديث الذي فيه نقض الوضوء بالرعاف، لا شك أن القياس مع الفارق، القياس قياس لا تتوافر فيه شروط القياس من استواء الفرع مع الأصل في العلة، ومع ذلكم الحديث ضعيف، ولذا ذهب مالك والشافعي وجمع غفير من أهل العلم إلى أن القيء ...(8/27)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (9)
شرح: باب: نواقض الوضوء، وباب: آداب قضاء الحاجة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يلحق به ما يفحش من البدن ولو كان من غير موضع الخارج، استدلالاً بهذا الحديث من وجه، ولمشاركته ما يخرج من الخارج، فكون فضلة الطعام تخرج من المخرج أو من غير المخرج يستوي الأمر في ذلك عند بعضهم.
الدم يخرج من المخرج بالحيض أو الاستحاضة أو من غير المخرج من جرح أو نحوه سيان عند بعضهم، إضافة إلى هذا الحديث الذي فيه نقض الوضوء بالرعاف، لا شك أن القياس مع الفارق، القياس قياس لا تتوافر فيه شروط القياس من استواء الفرع مع الأصل في العلة، ومع ذلكم الحديث ضعيف، ولذا ذهب مالك والشافعي وجمع غفير من أهل العلم إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، ومن باب أولى القلس.
الرعاف وما يخرج من البدن من الدم، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلى وجرحه يثعب دماً، والصحابة حصل منهم وقائع منهم من عصر البثرة، ومنهم من حك الحبة والدمل وما أشبه ذلك فخرج منه الدم فلم يقطعوا صلاتهم بذلك، فدل على أن جنس الدم ليس بناقض إذا لم يخرج من المخرج المعتاد، والذين يقولون: إنه ناقض لا سيما إذا كثر يحملون هذا على الشيء اليسير، وما كثر يلحق بالدم دم الاستحاضة الذي تقدم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وعرفنا أنه قياس مع الفارق، لا تتوافر فيه شروط القياس، والحديث ضعيف لا تقوم به حجة، يجيب بعضهم عن عمر وأنه صلى وجرحه يثعب أنه في حكم من به حدث دائم، في حكم من به حدث دائم؛ لأنه لا يستطيع إيقافه.
وأما البناء فهو تابع لثبوت هذا الحديث إذا قلنا بأن هذا الحديث ثابت -وعرفنا أنه ليس بثابت- نعم، نقول: بأنه إذا انتقض وضوؤه بهذه الأمور نعم يذهب ويتوضأ، يذهب إلى الدورة ويتوضأ لكن لا يتكلم، ثم يأتي يكمل صلاته على هذا الحديث، وعرفنا أن هذا الحديث ضعيف فلا تقوم به حجة، ولا يبنى عليه حكم، فمن انتقض وضوؤه بناقض معتبر تبطل صلاته ويستأنف الصلاة، وهذا الحديث كما قرر أهل العلم ضعيف.(9/1)
يقول: في الدورة الأولى بجامع الرضوان قلت: إن التصوير بكامرة الفيديو حرام إلا بشرطين: إذا لم يجد بديل للأطفال إذا كانت ضرورية مثل ما يفعل الإخوان المسلمين، ولكن قرأت في كتاب فتاوى الشباب لابن عثيمين والجبرين أنه لا بأس بالتصوير به، فكيف نجمع؟
على كل حال الأقوال لا يضرب بعضها ببعض، أما بالنسبة لي فجميع التصوير داخل في حيز المنع، بجميع صوره وأشكاله، سواءً كان مجسم أو غير مجسم، شمسي وإلا يدوي، فيديو، ثابت، متحرك، لا فرق، كله داخل في عموم النصوص.
أنا قلت بشرطين؟ كيف بشرطين؟ إذا كانت هناك ضرورة مثل ما يفعل ... ، ليست هذه ضرورة، أنا أقول: بالنسبة للفيديو الذي يسمونه إسلامي، والإسلام صار مثل الشماعة يعلق عليه، يعلق عليه كل من يريد تحليل شيء أو إباحته يقول: إسلامي، لا، لا نلصق بالإسلام ما هو منه بريء، نكون حينئذٍ افترينا، الإسلام دين الله وشرع الله، فإذا أضفنا إلى الإسلام كأننا أضفنا إلى شارع الإسلام.(9/2)
على كل حال أنا أقول: في مثل هذه الظروف التصوير بجميع صوره وأشكاله من ثابت ومتحرك، شمسي ويدوي، له ظل أو لا ظل له، كله داخل في حيز المنع، وداخل في الوعيد الشديد في التصوير، ولم أقل أنه يجوز بشرطين، أقول: لا، لا يجوز أبداً، لكن الشخص الذي عنده أولاد ولا يستطيع حفظهم إلا بإيجاد مثل هذه الوسيلة مع المراقبة الشديدة، أنا أقول: لا يجوز، ومع ذلكم هو ضرر، لكنه أخف من الضرر المترتب على خروج الأطفال إلى جيران أو أقارب أو مقاهي إنترنت وغيرها التي انتشرت في بلاد المسلمين، وترتب عليها من ضياع شبابهم الشيء الكثير، نقول: كل هذا لا يجوز، لكن ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، ومع هذا الذي يستعمل مثل هذه الآلات لهذا القصد ينبغي أن يستعملها وهو غير مرتاح، وجل؛ لأن الأصل المنع في مثل هذه الآيات، فرق بين أن نقول: يجوز في مثل هذا الأمر، أو نقول: هو أخف ضرراً من المحرم المحض الذي لم يقل به جمع من أهل العلم، نعم إذا وجدت فتوى من عالم تدين الله -سبحانه وتعالى- بتقليده، وتبرأ ذمتك بتقليده هذا شأنك، إذا لم تكن من أهل النظر، ومن ذكر في السؤال كالشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين، لا شك أن العامي وما في حكمه تبرأ ذمته بتقليد مثل هؤلاء؛ لأنهم علماء معتبرون عند أهل العلم، فالذي يقتدي بهم له ذلك، والذي يحتاط لنفسه شيء آخر.
على كل حال المسألة مثل ما ذكرنا الأصل المنع، وإذا وجد ضرر كبير وضرر أخف فارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، كما أن تحصيل أعلى المصلحتين واغتفار الضرر المغمور بجانب المصلحة الكبرى مثل هذا مقرر شرعاً، والله المستعان.
يقول: إنني أعاني من خروج الريح بعد الوضوء بشكل دائم حيث أضطر بعض الأحيان بالوضوء ثلاث أو أربع مرات للصلاة الواحدة، وخروج الريح أسمع له صوتاً، وأجد فيه ريحاً، فما الحل؟(9/3)
هذا يسمونه السلس، سلس ريح، كما أن هناك سلس بول، سلس غائط، المقصود أنه حدثه دائم يصلي على حسب حاله، يصلي على حسب حاله، إلا إذا عرف أن هناك وقت ضمن وقت الصلاة ينقطع فيه هذا الحدث فإنه يصلي في الوقت الذي ينقطع فيه الحدث، أما إذا كان لا وقت لديه ينقطع فيه مثل هذا الحدث فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
يقول: يحمل أهل العلم المظنة على المتحقق في أحوال كالسفر مثلاً ولا ينزلونها منزلة المتحقق في أحوال أخرى، فما الضابط في ذلك؟
الأصل أن الشك لا يزيل اليقين، والأحكام معلقة بغلبة الظن، والسفر لا شك أنه مظنة للمشقة، وقد يوجد سفر بدون مشقة، كما هو حاصل الآن يوجد سفر بدون مشقة، ومع ذلكم رخص السفر، رخصة من الله -عز وجل- تفضل بها على عباده، الأصل أن هذه الرخص، القصر على سبيل المثال شرع للخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] هذه هي العلة، ثم ارتفعت العلة وبقي الحكم، شرع في السفر لأجل أنه مظنة للمشقة، وهذا صدقة تصدق الله به على عباده، وأنزلت المظنة منزلة المحقق لوجود النص، أما شخص يقول: أنا يغلب على ظني أنه يشق علي في أيام الاختبارات وأيام الامتحانات مشقة أعظم من مشقة السفر، نقول: لا، أنت تدور مع النص، وأهل العلم حينما يقررون أن الحاجة تبيح المكروهات، بل المكروه يزول بأدنى حاجة، ويبيح .. ، الحاجة تبيح بعض المحرمات التي حرمت بالقواعد لا بالنص، أما ما نص عليه فإنه لا يبيحه إلا الضرورة كما هو مقرر عند أهل العلم، ليست الحاجة، نعم وجد أشياء أبيحت لأدنى حاجة، أبيحت بأدنى حاجة، لكن المبيح هو الحاجة أو النص عليها؟ المبيح هو النص، ولذا لو وجد ما يقرب منها حاجة من غير ما نص عليه فإنه لا يقال بجوازه لمجرد الحاجة، يعني عندنا أمر محرم منصوص على تحريمه فاحتاج الإنسان إلى ارتكاب هذا المحرم، ووجد عندنا أمور حرمت ثم أبيحت للحاجة، أبيحت بالنص لوجود الحاجة، هل يعني هذا أن كل ما قامت الحاجة يباح المحرم؟ لا، وإلا ما بقي محرمات، نقول: ليست الحاجة التي أباحت هذا، الذي أباح هذا المحرم النص، وعلى هذا ليس كل حاجة تبيح المحرمات بالنصوص اللهم إلا الضرورات، والله أعلم.(9/4)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله-:
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتوضأ من لحوم الغنم? قال: ((إن شئت)) قال: أتوضأ من لحوم الإبل? قال: ((نعم)) أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من غسل ميتاً فليغتسل, ومن حمله فليتوضأ)) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه، وقال أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء.
وعن عبد الله بن أبي بكر -رحمه الله- أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: ((أن لا يمس القرآن إلا طاهر)) رواه مالك مرسلاً, ووصله النسائي وابن حبان, وهو معلول.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه" رواه مسلم, وعلقه البخاري.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وصلى ولم يتوضأ" أخرجه الدارقطني ولينه.
وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العين وكاء السهو, فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)) رواه أحمد والطبراني وزاد: ((ومن نام فليتوضأ)) وهذه الزيادة في هذا الحديث عند أبي داود من حديث علي دون قوله: ((استطلق الوكاء)) وفي كلا الإسنادين ضعف.
ولأبي داود أيضاً عن ابن عباس مرفوعاً: ((إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)) وفي إسناده ضعف أيضًا.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي أحدكم الشيطان في صلاته, فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث, ولم يحدث, فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أخرجه البزار، وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد، ولمسلم: عن أبي هريرة نحوه.
وللحاكم عن أبي سعيد مرفوعاً: ((إذا جاء أحدكم الشيطان فقال: إنك أحدثت, فليقل: كذبت)) وأخرجه ابن حبان بلفظ: ((فليقل في نفسه)).(9/5)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتوضأ من لحوم الغنم? أتوضأ من لحوم الغنم؟ الأصل: أأتوضأ؟ فحذفت همزة الاستفهام لعدم اللبس، وللثقل، أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت)) قال: أتوضأ من لحوم الإبل? قال: ((نعم)) في لحوم الغنم رد الخيرة إليه، يحيل إلى أن أكل لحوم الغنم لا ينقض الطهارة، بخلاف الأكل من لحم الإبل -لحم الجزور- فإنه ينقض الطهارة، ولذا أدرجه المصنف في باب نواقض الوضوء، والحديث صحيح، مخرج في صحيح مسلم، إذن كيف يقول جمع غفير من أهل العلم -إن لم يكونوا الأكثر- ففيهم إمامان من الأئمة المتبوعين كيف يقولوا بعدم النقض مع صحة هذا الحديث وصراحته؟ قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم)) وفي الباب أيضاً حديث البراء، وهو صحيح أيضاً ومخرج في السنن: ((توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم)) ونقل ابن خزيمة الاتفاق على صحة الحديث، ولا إشكال في صحة الحديثين ولا مطعن فيهما، ولذا قال الشافعي: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به، ومعروف أن مذهب الشافعية عدم نقض الوضوء بالأكل من لحم الإبل.(9/6)
فالإمام أحمد ومالك في المشهور عنه وجمع غفير من أهل العلم من أتباع الإمام الشافعي وغيره يقولون: بأن الأكل من لحوم الإبل ينقض الوضوء، استدلالاً بهذين الحديثين، والشافعي وأبو حنيفة في المعروف عنهما يقولان: لا ينتقض الوضوء بأكل لحوم الإبل، وإذا نظرنا إلى المسألة وجدنا أن الإمامين في مقابل إمامين وتسلم النصوص عن المعارض، فلا محيد ولا مندوحة عن العمل بهذين الحديثين، كيف يظن بمثل الشافعي .. ؟ أولاً: الشافعي لم يثبت عنده خبر جابر ولا خبر البراء، ومن باب أولى بالنسبة لأبي حنيفة؛ لأن الشافعي أعلم بالحديث من أبي حنيفة، وكل على خير -إن شاء الله تعالى- وهما إمامان من أئمة المسلمين، إماما هدى لا يقدح فيهما، لكن لا يلزم أن يطلعا على كل شيء، وأن يعرفا كل شيء، الشافعي جاء بالقاعدة المطلقة عنده: "إن صح الحديث فهو مذهبي" وللسبكي رسالة: "في معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقال كثير من الشافعية بمسائل لم يثبتها الإمام؛ لأنه صح فيها الخبر على مقتضى هذه القاعدة.
قد يقال قائل: كيف يظن بالشافعي وأبي حنيفة وأتباعهما أنهم مع صحة الحديثين نعم من خفي عليه الخبر معذور لكن من عرف مثل هذين الحديثين الصحيحين، استدلوا بأدلة، من أوضحها في الدلالة حديث جابر قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ترك الوضوء مما مست النار، "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار"، ولحم الإبل تمسها النار وإلا لا تمسه؟ تمسه النار؛ لأنه لا يؤكل نيئاً، بل لا بد أن يكون مطبوخاً.
أقول: هذا الحديث متأخر عن حديث جابر والبراء، والعمل بآخر الأمرين هو الأصل، فعلى هذا يكون حديث جابر وحديث البراء منسوخين بالحديث الذي سمعناه، لكن متى يلجأ إلى النسخ؟ هل يمكن اللجوء إلى النسخ أو القول بالترجيح مع إمكان الجمع، إذا أمكن الجمع عند أهل العلم ولو بحمل عام على خاص أو مطلق على(9/7)
مقيد تعين العمل به، وحديث: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء" عام "مما مست النار" حديث عام، وحديث جابر وحديث البراء خاص بلحم الإبل، والخاص مقدم على العام، الخاص مقدم على العام، ولذا قال جمع من الشافعية: بأن لحم الإبل ينقض الوضوء، الأكل من لحم الإبل ينقض الوضوء، تركوا مذهب إمامهم لصحة الخبر؛ ولأن إمامهم نص على أنه إذا صح الحديث فهو مذهبه، وعلى كل حال لو لم ينص الإمام على مثل هذه القاعدة، وصح وثبت عند المسلم عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتركه لقول فلان أو علان، لا يجوز له ذلك بحال، لا يجوز له ذلك، يقول ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور] فعلى الإنسان أن يجعل المصادر نصب عينيه، نصوص الوحيين هما الحجة الملزمة، نعم على طالب العلم المبتدئ أن يتفقه على كتاب معتمد عند أهل العلم، ولو كان مجرداً من الدليل في بداية الأمر، ثم بعد ذلك إذا تصور هذه المسائل وفهمها استدل لها، ونظر في أقوال المخالفين واستدل لهم، وعمل بالقول الراجح، وحينئذٍ يتأهل للاجتهاد، وحينئذٍ يتأهل للاجتهاد، إذا تأهل للنظر والموازنة بين أقوال أهل العلم بأدلتها، وتوصل إلى القول الراجح بدليله فحينئذٍ يتأهل للاجتهاد، وإذا تأهل كان فرضه الاجتهاد، ولا يسوغ له أن يقلد أحداً من الرجال؛ لأن الحجة فيما قاله الله -عز وجل-، وقاله رسوله -عليه الصلاة والسلام-، أما قال فلان، وقال فلان، ليست بحجج، نعم تقليد الرجال وتقليد الأئمة من تبرأ الذمة بتقليدهم هو فرض العامي ومن في حكم العامي؛ لأن تكليف العوام وأشبه العوام بالاجتهاد تكليف بما لا يطاق، وهو تضييع لهم، فإذا تأهل الإنسان كان فرضه .. ، ولذا كثير من الشافعية يقول بهذا.(9/8)
في فتح الباري يقول: "وقال الشافعي والجمهور، الشافعي والجمهور بأن لحم الإبل لا ينقض الوضوء" ولا بد من أن يقيد الجمهور، لما عرفنا من أن القولين متساويين من حيث العدد، ولا يطلق الجمهور إلا على الأكثر، لا بد أن يقال: قال الشافعي والجمهور من أصحابه، ما يطلق الجمهور، كما قال صاحب عون المعبود: "قال: الشافعي والجمهور من أصحابه" لأن من الشافعية أيضاً من قال بالقول الثاني.
على كل حال هذه المسألة فيها ما سمعنا من أمره -عليه الصلاة والسلام- بالوضوء من لحم الإبل في الحديثين الصحيحين، وفيها أيضاً الحديث الآخر: "كان آخر الأمرين –في حديث جابر- كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" وما مست النار يدخل فيه لحم الإبل وغيره، فالذي يقول: نعمل بآخر الأمرين يقول بالنسخ، لكن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يصار إلى النسخ إذا أمكن الجمع، والجمع يمكن بحمل العام على الخاص كما سمعنا، وحديث لحم الإبل خاص وترك الوضوء مما مست النار عام، والخاص مقدم على العام عند أهل العلم.
لحم الغنم ولحم الإبل ما الذي يقصد باللحم؟ هل يقصد به الأحمر فلا يدخل فيه ما عداه من كبد، أمعاء، ومصارين، وكرش وما أشبه ذلك، يدخل أو لا يدخل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يدخل لماذا؟ المسألة كما تعرفون خلافية مشهورة عند من يقول بنقض الوضوء من لحم الإبل، المسألة كما تعرفون مشهورة التنصيص على لحم الإبل، والكبد والطحال والكرش والأمعاء لا يقال لها لحم لا لغة ولا عرفاً، لكن ماذا يقول هذا القائل عن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة] {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إذا قلنا بهذا القول فيلزمنا أن نقول: بأن شحم الخنزير وما حواه جلده من غير اللحم ليس بحرام، وإلا نكون حينئذٍ قد فرقنا بين المتماثلات، وعلى كل حال المسألة خلافية كما سمعتم والأحوط أن يتوضأ من كل ما حواه جلده، من كل ما حواه جلد البعير.(9/9)
الحديث الثاني: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من غسل ميتاً فليغتسل)) " ميِّتاً أو ميْتاً؟
طالب:. . . . . . . . .
مضبوط عندكم بإيش؟ بالتشديد وإلا بالتخفيف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هو مضبوط في بعض النسخ بالتخفيف، وكثير منها بل أكثرها بالتشديد، الفرق بين الميِّت والميت، إيش الفرق بين الميِّت والميت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يفرق أهل العلم بينهما بأن الميت بالتشديد من سيموت {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] والميت من مات فعلاً، بأن فارقت روحه بدنه، وهنا: "من حمل ميِّتاً" حمل شخص سيموت أو حمل شخصاً قد مات؟ نعم، قد مات.
((من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه، وقال أحمد: "لا يصح في هذا الباب شيء"، "لا يصح في هذا الباب شيء".(9/10)
الحديث مخرج عند أحمد والترمذي قال: إنه حديث حسن، وهو أيضاً عند ابن حبان وصححه، وضعفه الإمام أحمد كما سمعتم، ولذا الحديث مختلف فيه، فمن قائل: إن الحديث ضعيف، كقول الإمام أحمد -رحمه الله-، ومن قائل: إن الحديث صحيح؛ لأن له طرق كثيرة أكثر من مائة طريق، أكثر من مائة طريق، ولذا يقول الحافظ ابن حجر: أسوأ أحواله أن يكون حسناً، ومن أهل العلم من صححه، أسوأ أحواله أن يكون حسناً لكثرة طرقه، هذا كلام ابن حجر، والإمام أحمد يقول: "لا يصح في هذا الباب شيء" معروف أن إطلاق الكلام في مثل هذا لا يصح في باب كذا شيء، لا يصح، لا يصح، فيه كتاب كامل صنف (المغني عن الحفظ والكتاب)، (المغني عن الحفظ والكتاب فيما لا يصح منه شيء في الباب) لعمر بن بدر الموصلي، استدرك عليه وانتقد؛ لأن مثل هذا الحصر يحتاج إلى اطلاع واسع جداً، يحتاج إلى مثل اطلاع الأئمة الكبار الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، هم الذين لهم أن يحصروا، ونظير هذا نفي الخلاف في مسألة من المسائل، فنفي الخلاف من غير المطلع واسع الاطلاع دونه خرط القتاد، لتفرق الأقوال وتشعبها، هنا الأحاديث كثيرة جداً، الإمام البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائة ألف حديث غير صحيح، منهم الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، أبو داود ستمائة ألف حديث، أبو زرعة، أبو حاتم يحفظون مئات الألوف، وإذا عرفنا حال هؤلاء الأئمة عرفنا أقدارنا، طالب العلم إذا حفظ الأربعين أو العمدة أو البلوغ سمي إمام الحفاظ، والحافظ الذهبي في ترجمة الإسماعيلي يقول من التذكرة: "من عرف حال هذا الرجل جزم يقيناً أن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين" فمثل الإمام أحمد له أن يقول: لا يصح في هذا الباب شيء، شخص عاش في السنة وللسنة، له ذلك، لكن محفظ أحاديث يسيرة! ولذا ابن بدر الموصلي وهو ليس من الحفاظ الكبار، وإن وصف بأنه محدث، لكنه لا يضاهي الأئمة ولا يدانيهم ولا يقاربهم استدرك، فانتقد في كتب، صدر كتب لانتقاد كتابه.(9/11)
على كل حال الحديث مختلف فيه، والحافظ ابن حجر يقول: ": أسوأ أحواله أن يكون حسناً لكثرة طرقه"، منهم من صححه كابن حبان، وحسنه الترمذي، وضعفه جمع من أهل العلم، فإذا وجد التصحيح من المتقدم والتضعيف من المتأخر أو العكس، عندنا الإمام أحمد في جهة، وابن حبان على ما عرف عنه من التساهل في جهة، هذا مصحح وهذا مضعف، الإمام أحمد موصوف بالاعتدال، من الأئمة المعتدلين في نقد الأحاديث، وجرح الرجال، إذا وجد كلام للإمام أحمد ويقابله كلام لهؤلاء المتساهلين لا شك أن كلام الإمام أرجح، لا سيما وأن كلام الإمام أحمد يساعده الأصل ((من غسل ميتاً فليغتسل)) ((من غسل ميتاً فليغتسل)) والمسلم طاهر، لا ينجس بالموت كما هو معروف ((من حمله فليتوضأ)) ففي أحد من أهل العلم يوجب الوضوء من حمل الميت؟ لا يعلم أحد من أهل العلم يوجبه، لكن إذا صح الخبر فلا مفر من العمل به، لكن إطباق الأئمة على عدم العمل به في جزئه الثاني يدل على أنه لا يثبت كما قال الإمام أحمد، وإن كثرت طرقه، نعم كثرت الطرق تدل على أن له أصل، لكن لا يجزم به ((من غسل ميتاً فليغتسل)) هذا صريح في الأمر بالغسل، ((ومن حمله فليتوضأ)) يعني ما المراد بحمل الميت؟ هل حمله بالسرير ينقض الوضوء؟ يعني شخص حمل مع الناس الميت بسريره، أو حمله من وراء الأكفان، أو باشره بغير واسطة مس جلده يؤمر بالوضوء؟ على كل لو ثبت الخبر لا مجال للكلام، لكن أما والخلاف فيه قوي كما سمعتم، فللنظر فيه مجال يحتاج إلى ترجيح، ما دام الاختلاف قائم في ثبوته وعدم ثبوته فالنظر له مجال هنا، متى يلغى النظر؟ إذا ثبت الخبر، فليس لأحد كلام، لكن الخبر هنا لم يثبت فالكلام هنا قائم، نقول: جسد الميت طاهر، فكيف يوجب الغسل لتغسيله؟ وبدنه أيضاً طاهر فكيف يوجب الوضوء بحمله؟ قد يقول قائل: إن هذا تعبد، تعبد لا تعقل علته، وهذا يحتاج إليه من يثبت الخبر، يحتاج إليه من يثبت الخبر.(9/12)
نقل عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه قال: "منسوخ" أبو داود وابن حجر في التلخيص نقلوا عن الإمام أحمد: أنه منسوخ، يعني حتى على فرض ثبوته هو منسوخ، يعني بما رواه البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس عليكم في غسل ميتكم إذا غسلتموه إن ميتكم يموت طاهراً)) ((ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه فإن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم)) فيحمل الغسل -لو ثبت الخبر- على غسل اليدين، كما يحمل الوضوء على غسل اليدين أيضاً، كما جاء الأمر بالوضوء من اللبن، المضمضة، ((توضئوا من اللبن فإن له دسماً)).
على كل حال قد يطلق الوضوء والغسل ويراد بهما المعنى الشرعي، الحقيقة الشرعية وهذا هو الأصل، وقد يطلق الغسل والوضوء ويراد بهما الحقيقة اللغوية.
الحديث الذي يليه:
حديث: "عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: ((أن لا يمس القرآن إلا طاهر)) رواه مالك مرسلاً, ووصله النسائي, وابن حبان, وهو معلول.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي؟ نعم، عبد الله بن أبي بكر ترجم له الشارح على أساس أنه عبد الله بن أبي بكر الصديق، ووهم في ذلك -رحمه الله-، وحصل له بعض الأوهام في تراجم الرواة، حديث أبي مرثد الغنوي عن أبي مرثد الغنوي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) عن أبي مرثد، قال: هو مرثد بن أبي مرثد، ترجم للولد والمراد الأب، هنا قال عبد الله بن أبي بكر وهو ابن أبي بكر الصديق.(9/13)
والحديث معزو إلى مالك مرسلاً من طريق .. ، رواه مالك من طريق عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، من طريق عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وليس من طريق عبد الله بن أبي بكر الصديق، "عن أبيه مرسلاً" مرسلاً، وأخرجه النسائي، والدارقطني عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، وعلى هذا يكون موصولاً، ولذا قال: وصله النسائي وابن حبان وهو معلول، وهو معلول، المعلول: ما اشتمل على علة، والتعبير بمعلول وإن كان مطروقاً عند أهل العلم من المحدثين والفقهاء والأصوليين حتى والمتكلمين، كلهم يقولون: معلول، العلة والمعلول، ويقولون: هذا خبر معلول، لكنهم من حيث الاشتقاق مرذول، اختار ابن الصلاح أن يقال: معلل، ولا يقال: معلول، ولذا قال الحافظ العراقي:
وسم ما بعلة مشمولُ ... معللاً ولا تقل معلولُ
على أن معلل أيضاً فيها كلام، اختار الحافظ العراقي أن يقال: معل، بلام واحد، من أعله الله بالمرض فهو معل، وليس من علله بمعنى ألهاه وشغله به، فهو معلل.
المقصود أن هذا الإطلاق موجود في كلام أهل الحديث، وموجود في كلام الفقهاء والأصوليين والمتكلمين أيضاً، وتوجد أيضاً في كلام شيخ الإسلام في منهاج السنة وفي درء التعارض وفي غيرها من كتبه، يقول: المعلول، العلة والمعلول، على كل حال العلماء نصوا على أنها لغة مرذولة، بل صرح بعضهم أنها لحن، الحريري في (الدرة) -درة الغواص- وابن سيده في (المحكم) والنووي وغيرهم نصوا على أنها مرذولة، قال في (المحكم): "إنه ليس منها على ثلج" يعني ليس مرتاحاً منها، وعلى كل حال هي موجودة، الإطلاق موجود.
والمعلول أو المعل: ما اشتمل على علة، والعلة: عبارة عن سبب خفي غمض يقدح في الحديث الذي ظاهره السلامة منها.(9/14)
ما علته؟ عرفنا أنه رواه مالك من طريق عبد الله بن أبي بكر عن أبيه مرسلاً، وصله النسائي والدارقطني وابن حبان عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، حينئذٍ يكون موصول، لكنه معلول فيه علة، علته أنه من رواية من؟ سليمان بن داود، قالوا: وهو متفق على تركه كما قال ابن حزم، ابن حزم يقول: هو من رواية سليمان بن داود، وهو متفق على تركه، ويشترك في هذا الاسم اثنان، سليمان بن داود اليماني، وسليمان بن داود الخولان، الأول: متفق على تركه، والثاني: ثقة عند الأكثر، وهو من رواية الثاني دون الأول فارتفعت العلة، ولذا تلقاه الناس بالقبول، تلقاه الناس بالقبول، يقول ابن عبد البر: إنه أشبه بالمتواتر لتلقي الناس بالقبول، وابن حجر وغيره يقولون: إن تلقي الأمة للخبر بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق، فالحديث متلقاً بالقبول.
((ألا يمس القرآن إلا طاهر)) ففيه دليل على أنه لا يجوز لمحدث أن يمس القرآن، على أن الطهارة تطلق فيراد بها الحسية ويراد بها المعنوية، هل المقصود الطهارة من الحدث أو الطهارة من الخبث الحسي أو المعنوي؟ لا شك أن الطهارة إذا أطلقت يراد بها الطهارة الشرعية، والطهارة الشرعية إما غسل بالنسبة للحدث الأكبر أو وضوء بالنسبة للحدث الأصغر، أو تيمم لعادم الماء، فعلى هذا المتجه أنه لا يجوز لمحدث أن يمس القرآن، وهو الظاهر من هذا الحديث، وقد عرفنا أنه متلقاً بالقبول فقال ابن عبد البر: "إنه أشبه المتواتر" يعني لتلقي الأمة له بالقبول.
أما ما جاء في قوله تعالى: {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(78 - 79) سورة الواقعة] فالمراد به الضمير يعود للكتاب المكنون، الذي ذكر في صدر الآية، في اللوح المحفوظ، والمطهرون هم الملائكة، هذا ما يراه جمع أو أكثر أهل العلم، مع أن الآية يستدل بها بل يستدل بعمومها من يقول: بأنه لا يجوز للمحدث أن يمس القرآن، فإذا تظافرت دلالة الآية مع الحديث حديث الباب وعرفنا أنه قوي، رجح قول من يمنع المحدث من مس القرآن إلا بعد الطهارة، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استدل على جواز مس المصحف من وراء حال بأي شيء؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(9/15)
استدلالاً بعيد، بعيد كل البعد يناسب دقة البخاري وفطنته، ومفهوم استدلاله على جواز مس المصحف من وراء حائل أنه من دون حائل -من غير حائل- أنه يجوز أو لا يجوز؟ لا يجوز، فإذا استدل لجواز مس القرآن من وراء حائل فهمنا منه أنه لا يجيزه من غير حائل، استدل -رحمة الله عليه- بأي شيء؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يضع رأسه في حجر عائشة وهي حائض، ويقرأ القرآن وهي حائض محدثة، ولا شك أنها لها أن تمس النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي جوفه القرآن، بُعد بُعد في الاستنباط، وهذا يناسب دقة الإمام -رحمة الله عليه-، ولذا بعضهم يفتي بالنسبة للشريط الذي فيه القرآن يجوز مسه للمحدث وإلا ما يجوز؟ معنا شريط الآن؟ شريط برع، إيه فاضي يا شيخ، اجلس اجلس اقرأ اللي بتلقى في أشرطة كثير حولنا، نعم شريط فاضي بس أي شريط.
إيه جزاك الله خيراً، لو افترضنا أن هذا الشريط مسجل فيه قرآن، هل يجوز للمحدث أن يمسه هكذا؟ أو نقول: فيه حائل وهو جرم الشريط؟ والمقصود بالشريط الخيط الرفيع الذي يكون بمثابة ورق المصحف؟ أو نقول: ليس فيه قرآن الشريط ليس فيه حقيقة القرآن وإن كان فيه الصوت؟ وحينئذٍ نقول: الشريط يشبه حافظ القرآن، الشريط أقرب ما يكون إلى حافظ القرآن؛ لأن في جوفه ذات القرآن، نعم، ذات القرآن، ذات المصحف في جوفه؟ لا، إنما في جوفه المحفوظ من القرآن، ولا شك أن القرآن يطلق بعدة إطلاقات، يطلق ويراد به المصحف المشتمل على القرآن، ويطلق ويراد به المقروء، كما أنه يطلق ويراد المحفوظ والمتلو، المقصود أن استدلال البخاري في غاية البعد، في غاية الدقة، ويستعمل مثل هذا الاستنباط الدقيق كثيراً -رحمة الله عليه-.
الحديث الذي يليه:
حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" .. الحديث الذي قبله رواه الإمام مالك مرسلاً، وعرفنا المرسل مراراً مر بنا، وطبقنا على رواية عبد الله بن أبي بكر، فالراوي أبو بكر، وإذا قلنا: عن أبيه عن جده اتصل الإسناد كما في رواية النسائي، فالذي يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون مرسلاً كما في طريق مالك، ولذا قال: رواه مالك مرسلاً ووصله النسائي وابن حبان.(9/16)
الذي يليه حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه"، "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه"، "رواه مسلم وعلقه البخاري" علقه البخاري: إيش معنى علقه البخاري؟ وهو مخرج أيضاً عند أبي داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي وجمع من أهل العلم، لكن يكفينا أنه في الصحيح، في صحيح مسلم موصول، محتج به، وهو معلق في صحيح البخاري، وحقيقة التعليق: أن يحذف المصنف من مبادئ السند راوٍ أو أكثر من راوٍ على التوالي، نعم.
وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
ولو إلى آخره ... ، يعني ولو حذف السند إلى آخره، يسمى تعليق، البخاري علق كثير من الأحاديث، ألف وثلاثمائة وأربعين أو واحد وأربعين حديث كلها معلقة في البخاري، وهي موصولة كلها، عدا مائة وستين حديث، والكلام فيها مبسوط في كتب المصطلح وأشرنا إليه مراراً، لكن يكفينا أن الحديث موصول في صحيح مسلم.(9/17)
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه" المصنف إنما ذكر الحديث لئلا يتوهم أن نواقض الوضوء مانعة من ذكر الله -عز وجل-، لئلا يتوهم أن نواقض الوضوء التي ذكرت مانعة من الذكر، وجاء في آخر سورة آل عمران {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] يعني على كل حال وعلى كل هيئة، قائم، قاعد، مضطجع، يمشي، جالس، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] لا شك أن الأكمل أن يهتم الإنسان لمثل هذا الذكر، لمثل هذا القرآن، ولذا المعروف عن الإمام مالك -رحمة الله عليه- أنه يعتني برواية الحديث، يتنظف، ويتطيب، يغتسل، يلبس أجود ثيابه، ويجلس بهيبة ووقار، يتطيب إجلالاً لكلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن مثل هذا من تعظيم شعائر الله، وهي من تقوى القلوب كما هو معروف، والقرآن من باب أولى، لكن إذا كان المفاضلة بين الاضطجاع والجلوس فالجلوس أكمل، لكن المفاضلة بين الاضطجاع والترك القراءة مضطجع أفضل من الترك، ولذا جاء المدح {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] والرسول -عليه الصلاة والسلام- يذكر الله على كل أحيانه، محدثاً أو متطهراً.
هناك حالات ينبغي أن يصان الذكر عنها في أماكن لا تليق، وفي أحوال لا تنبغي: الذكر حال التثاؤب مثلاً، ينبغي أن يكف الإنسان عن الذكر ويكظم، ثم بعد ذلك يعود إلى ذكر، وبعض الناس وهو يقرأ القرآن يتثاءب فيسمع صوته غير المناسب، والتثاؤب من الشيطان، هذا لا يليق بقارئ القرآن أن يقرأ وهو يتثاءب، كما أنه لا يليق به أن يقرأ به في المواضع التي هي غير مناسبة كحال الغائط والبول والجماع وما أشبه ذلك، أيضاً في الأماكن: أماكن السخط، أماكن الغضب.(9/18)
على كل حال القرآن لا بد من تعظيمه في النفوس ولا بد من العناية به، وفي حكمه سائر الأذكار، لكن العناية به أشد، العناية به أشد؛ لأنه كلام الله، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على غيره، وعرفنا أن تعظيم القرآن وتعظيم السنة من تعظيم شعائر الله، وهذا من تقوى القلوب، وعرفنا أنه إذا كانت المفاضلة بين الشخص يقرأ قائم أو قاعد القاعد أكثر احترام للمقروء، وأهيب، وأهيب من المضطجع، وحاله أكمل، لكن إذا كانت المفاضلة بين القراءة حال القيام أو حال الاضطجاع وبين الترك، فلا شك أن القراءة والذكر حال القيام وحال الاضطجاع وحال المشي أكمل، وفي هذا يقول: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] يعني في سائر أحوالهم.
"وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العين وكاء السه, فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)) رواه أحمد, والطبراني، وزاد: ((ومن نام فليتوضأ)).
هذا هو الشاهد، وتقدم الكلام في النوم وأقوال العلماء فيه، وهل هو ناقض أو ليس بناقض مطلقاً؟ أو هو مظنة للنقض؟ تقدم الكلام في ذلك.
((إذا نامت العينان استطلق الوكاء)) رواه أحمد والطبراني، وزاد: ((ومن نام فليتوضأ)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه يجي يجي الترتيب يختلف من نسخة إلى نسخة.
وزاد: ((ومن نام فليتوضأ)) وهذه الزيادة في هذا الحديث عند أبي داود من حديث علي دون قوله: ((استطلق الوكاء)) وفي كلا الإسنادين ضعف، على كل حال الحديثان ضعيفان؛ لأن في إسناد حديث معاوية أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف، وفي إسناد حديث علي الوضين بن عطاء وهو صدوق سيء الحفظ، وعلى كل حال يغني عنه ما تقدم، يغني عنه ما تقدم من أن النوم ينقض الوضوء، وعرفنا المراد بالنوم الناقض، وأنه من النوم المستغرق، بحيث يغيب العقل ولا يعي ما يدور حوله، وهذا انتهى الكلام فيه.(9/19)
((العين وكاء)) الوكاء: الرباط الذي يربط به ما يحمل، وعاء المتاع، كالكيس والخريطة وما أشبهها، فالتشبيه واضح، ((العين وكاء السه)) السه: الدبر ((فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)) لا شك أن الإنسان إذا نام لو افترضنا أن في يده شيء، نعم، في يده كأس فيه ماء، يشرب ونام، ويش مآل الماء؟ نعم، ينكب، خلاص.
أيضاً جميع الجوارح تسترخي إذا نام الإنسان فاليقظة حراسة، والنوم ترك لهذه الحراسة ((فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)) وزاد: ((ومن نام فليتوضأ)) وهذه الزيادة في هذا الحديث عند أبي داود من حديث علي دون قوله: ((استطلق الوكاء)).
على كل حال الحديثان ضعيفان كما سمعنا، وهما يشهدان لما تقدم من أن النوم ناقض، حديث صفوان بن عسال: ((ولكن من غائط أو بول أو نوم)) والحديث مصحح.
"ولأبي داود أيضاً عن ابن عباس مرفوعاً: ((إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)) وفيه ضعف" فيه ضعف، أو في إسناده ضعف، هذا حكم هل ينبئ عن شدة الضعف؟ إذا قيل: فيه ضعف، هل هو مثل قولهم: ضعيف؟ لا، ضعيف أشد من قولهم: فيه ضعف، والحديث أشد من كونه ضعيفاً بل هو منكر، الحديث منكر، نص أبو داود على أنه منكر، وبين وجه نكارته، والمنكر الذي اعتمده المتأخرون: أنه ما جمع أمرين، المخالفة مع الضعف من المخالف، ما يرويه الضعيف مخالفاً فيه غيره، وأطلق بعضهم من المتقدمين النكارة على مجرد التفرد.
المنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريجِ
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر
لأن بعضهم لا يفرق بين الشاذ والمنكر، وعلى كل حال الحديث: ((إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)) لا يلتفت إليه، وعرفنا أن النوم المستغرق ينقض الوضوء، وما عداه لا ينقض الوضوء، والاضطجاع مظنة للاستغراق.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وصلى ولم يتوضأ"، "احتجم وصلى ولم يتوضأ" والحديث أخرجه الدارقطني, ولينه" بل الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده صالح بن مقاتل وليس بالقوي، لين، متى يقال في الراوي: إنه لين؟ نعم، متى يقال في الراوي: إنه لين؟ "أخرجه الدارقطني ولينه" قال: هو حديث لين، وذلك لأن في إسناده صالح بن مقاتل وليس بالقوي، نعم؟(9/20)
طالب:. . . . . . . . .
ليش؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: يضبط بعض الأسانيد دون بعض، الذي يقع الخطأ في حديثه على حسب نسبة هذا الخطأ شدة وضعفاً، لكن اللين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس بقوي، إذا كان ليس بقوي يصير ثقة وإلا ضعيف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا لم يتابع، ولو كان ثقة؟ نعم؟ نحتاج إلى كلام قبل هذا، إذا كان ليس له من الحديث إلا القليل، اللين هو الذي ليس له من الحديث إلا القليل، هو لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع بمقبول وإلا فلين، هذا نص عليه ابن حجر في مقدمة التقريب، إذا لم يكن له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فالمقبول وإلا فلين.
على كل حال الحديث ضعيف ((احتجم وصلى ولم يتوضأ)) وبه يحتج من يقول بالأصل أنه لا ينقض ما يخرج من البدن، إلا ما نص عليه، من البول والغائط والريح، ودم الحيض والاستحاضة، يعني من المخرج المعتاد، ولو خرج الدم من غير المخرج المعتاد ولو كثر فإنه لا ينقض الوضوء، وهذا دليل له على ضعفه، وسبق الكلام في المسألة، سبق الكلام في المسألة.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يأتي أحدكم الشيطان في صلاته فينفخ في مقعدته، فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث, فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)).(9/21)
هذا قريب من الحديث السابق، الحديث السابق الذي فيه أن الإنسان لا يخرج عن يقين الطهارة إلا بيقين الحديث، وأن مجرد الشك لا يخرجه، أو لا يلغي الطهارة المتيقنة، وعلى كل حال الحديث قابل للتحسين، قابل للتحسين ((يأتي أحدكم الشيطان في صلاته فينفخ في مقعدته، فيخيل إليه أنه أحدث)) يعبث في مقعدة ابن آدم، فيخيل إليه، أو فيخيِل الشيطان أنه أحدث ولم يحدث، أو فيخيل الحدث نعم ((فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يحد ريحاً)) فالطهارة المتيقنة لا تنقض بشك، بل لا بد من يقين، والشك لا يرفع اليقين كما هو القاعدة المعروفة، وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد، لا يلزم أنه إذا قيل: أصله في كذا، لا يلزم أن يكون اللفظ المطلوب في الصحيح، وإنما يكون جزء من الحديث في الصحيح غير محل الشاهد، غير محل الشاهد.
"ولمسلم: عن أبي هريرة نحوه" تقدم أيضاً حديث أبي هريرة قبل عشر صفحات، قبل كم حديث؟ نعم، بيأذن.
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "ولمسلم عن أبي هريرة أيضاً نحوه" هو الحديث الذي تقدم الخامس المخرج في مسلم: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أو لا؟ فلا يخرجن من المسجد)) وتقدم شرحه، وهو شاهد لأحاديث الباب.
يقول: "وللحاكم عن أبي سعيد مرفوعاً: ((إذا جاء أحدكم الشيطان فقال: إنك أحدثت فليقل: كذبت)) وأخرجه ابن حبان بلفظ: ((فليقل في نفسه)) ".
الشيطان حريص وقد حلف بعزة الله -عز وجل- أن يغوي الناس، لماذا؟ ليكثر السواد معه في النار، وهو العدو الحقيقي فعلينا أن نتخذه عدواً كما أمرنا الله -عز وجل-، فهو يريد أن يفسد هذه العبادة التي هي أعظم دعائم الإسلام وأركانه بعد الشهادتين، فعلينا أن لا نلتفت لتلبيسه لا في الصلاة ولا في غيرها، وكم من شخص ابتلي بوسواس أعقبه جنون، في باب الطهارة أكثر ما يأتي الشيطان للإنسان في باب الطهارة، فإذا عزم على نفسه وتطهر جاء يوسوس إليه في الصلاة، فيعبث بمقعدته لكي ينصرف ويترك الصلاة.(9/22)
كم من شخص مكث الساعات وهو يجاهد نفسه ليتوضأ، وهذا السبب .. ، سببه الوحيد أنه أجاب الشيطان فيما طلب منه، "إنك أحدثت" وافقه على ما قال ولم يتخذه عدواً، وفي الغالب أنه يقع مثل هذا إذا كان هناك زيادة في الحرص مع الجهل، مع الجهل، كم من شخص قيل له: صلي على وضعك، على حالك، وقد طرق علي الباب شخص في الساعة الثامنة في الشتاء الثامنة صباحاً في الشتاء قال: إنه لم يستطع أن يصلي العشاء إلى الآن، كم بين الثامنة وصلاة العشاء؟ كم؟ لم يستطع صلاة العشاء، إذا غسل فرجه قال: ما نظفت، أعاد ثانية ثالثة وعاشرة ومائة، إذا غسل وجهه قال: لعله جاءه رشاش، جاءه شيء، أعاد، إذا غسل يده كذلك، مسح رأسه، إذا مسك الباب قال: تنجست، إذا فعل إذا ترك، وقد جاءني هذا الشخص قال: إنه فاتته الصلاة وهو لا يستطيع أن يصلي بمفرده، فقال: لعلك تصلي بي صلاة المغرب، قلت: لا بأس، لكن لا بد أن تعالج نفسك؟ قال: خلاص أنا بصلي، كبرنا للإحرام فجلس وتركني، لماذا؟ الصلاة في المسجد، أصلي به في المسجد، إذا أمامه الثلاثة الأجزاء الأخيرة من القرآن مكتوب عليها العشر الأخير، نعم، يقول: رأيت الأخير وأنا أصلي المغرب فاختلط علي الأمر، أنا أصلي الأخير وإلا المغرب، فجلس، قلت: يا أخي صلِ على حالك، قال: ما نويت قلت: لا تنوِ، قال: ما اكتملت الطهارة، قلت: لا تتطهر، قال: أنا مجنون، قلت: شبيه بالجنون، بل يمكن أشد من الجنون، صلاة العشاء في الشتاء كم؟ الساعة كم؟ سبع؟ نعم؟
طالب: سبعة، سبعة ونصف.
سبع، إلى الساعة الثامنة صباحاً وهو يعالج كل الليل خمسة عشر ساعة كم؟ ثلاثة عشر ساعة وهو يحاول يصلي العشاء ما استطاع، ترك الوظيفة بسبب الوضوء لصلاة الظهر، ترك العمل، ترك ارتباطاته، ترك أسرته، هذا الجنون، وسببه الاسترسال مع مطالب الشيطان، الشيطان لا يزال بابن آدم يغويه ليصرفه عن دينه بالكيلة، إن سهل عليه جره عن الدين وانسلاخه منه بها ونعمت، وإلا دفعه إلى الأمام، وكلاهما مذموم، وكل هذا من الاستجابة لمطالب الشيطان ووساوسه، نسأل الله -جل وعلا- أن يعصمنا منه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هنا أسئلة.(9/23)
يقول: في حديث ابن عباس: "أن الشيطان يأتي الإنسان في صلاته فينفخ في مقعدته" هل هذا النفخ حسي أو معنوي؟
على كل حال هو عبث من الشيطان، لا يصاحبه صوت ولا ريح، قد يحس به، قد يحس به؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
ما حكم شرب مرق الإبل؟ وهل ينقض الوضوء؟
لا ينقض الوضوء.
هل يوجد في تقريب التقريب أوهام لابن حجر؟ وما هي؟
نعم الأوهام هو ليس بمعصوم، هذه اجتهاداته -رحمه الله-، وهو ليس بمعصوم، عليه ملاحظات، لكن يكفيه أنه اجتهد، في كتاب من أنفس الكتب، لا يستغني عنه طالب علم، لا كبير ولا صغير، ولا يعني هذا أننا نقلده في كل ما يقول، لا، وأحسن طبعاته الآن طبعة أبي الأشبال الباكستاني، نعم.
ما حكم نثر الذكر مع الاستنجاء؟
بدعة، نص أهل العلم على أنه بدعة.
يقول: ما حكم شرب مرق الإبل وحليب الإبل؟
كل هذا لا أثر له، لا ينقض الوضوء.
هل الإبل لها فضل خاص على الأنعام والحيوانات الأخرى؟ وهل صحيح أن جمل تكلم في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
هو اشتكى إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ظلم أهله، وجورهم عليه، وعدم إطعامه ما يكفي، وهذا من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-.
هل الإبل لها فضل خاص على الأنعام؟
هي من بهيمة الأنعام، لكن رعاية الغنم أقرب إلى التواضع من رعاية الإبل، وجاء في رعاء الإبل أنهم أهل غلظة، نعم.
يقول: هل لي أن أتعلم الحديث والفقه كل هذا من سبل السلام وآخذ كل ما فيه؟
لا، ليس لك ذلك؛ لأنك إن فررت من تقليد الأئمة وقعت في تقليد غيرهم، في تقليد الصنعاني، قد تقول: هل لي أن آخذ الفقه من مؤلفات الشيخ الألباني، أو الشيخ ابن باز وقد عرفا بالاقتداء والإئتساء؟ نقول: هما كغيرهما من أهل العلم إن فررت من تقليد أحمد وقعت في تقليد الألباني وهكذا، وكله تقليد، لكن إن كنت من أهل النظر فعليك أن تنظر، لتصل إلى النتائج بنفسك، إذا كنت أهلاً لذلك، أما إذا كنت عامياً أو في حكم العامي لا يوجد لديك آلية النظر فقلد من تبرأ ذمتك بتقليده، ممن يجمع مع العلم والدين الورع.
يقول: ما حكم إدخال المفكرة الالكترونية المحفوظة والمسجل بداخلها القرآن إلى داخل دورة المياه؟(9/24)
عرفنا أن مثل هذه الأجهزة أشبه ما تكون في صدر الإنسان، بصدر الإنسان؛ لأنها لو فتحت أو حللت ما يرى فيها شيء من القرآن، فليست مثل المصحف، أو المصحف المكتوب على ورق، تختلف فأشبه ما تكون بالقرآن الذي في جوف الإنسان، كما ذكره البخاري -رحمه الله تعالى-.
كثير الأسئلة يا إخوان، نجيب بسرعة.
يقول: إذا خرج رجل من المسجد لحاجة سريعة ثم رجع هل يجب عليه أن يصلي تحية المسجد؟
أولاً: تحية المسجد سنة عند جماهير أهل العلم، لكن الأمر متأكد ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) إن كانت الحاجة عند باب المسجد ورجع عاجلاً تكفيه التحية الأولى، وإن طال الفصل فلا بد أن يعيدها، على سبيل الاستحباب المتأكد عند جماهير أهل العلم.
يقول: ما رأيكم فيمن يحرص على طلب العلم وهذا حسن، ولكن يترك المجامع التربوية، والمراكز الطلابية الصيفية، وأنها بحجة تضييع الوقت؟
نقول: الوقت الذي يصرف في العلم والعمل والدعوة ليس بتضييع، فإذا حصل الإنسان ما يستفيد به بنفسه ويعمل به، وعلى نور من الله -عز وجل- فعليه أن يدعو الناس، ويحاول إصلاح من تحت يده ومن يليه، والله المستعان، فكون الإنسان يغشى هذه المجامع بنية الإصلاح والدعوة هذا من أفضل الأعمال، وليست بتضييع للوقت.
يقول: يواجهنا مدرس في المدارس خاصة من الطلاب كثيراً من الاستئذانات في الفصل من أجل الوضوء لمس المصحف تخيل لو خرج خمسة أو عشرة طلاب أو أكثر ومنهم الصادق ومنهم الكاذب والمستهتر فما الحل؟ وقد يواجه المعلم مشاكل مع الإدارة بسبب ذلك؟
على كل حال أهل العلم يتسامحون بالنسبة للصبي الصغير، فيتسامحون بالنسبة للوضوء؛ لأنه تكليفه بمثل هذا، وإن كان الأصل أن كلاً مطالب بالأمر به، وإن لم يطالب هو بشخصه، كما يطالب ويمرن على العبادات كلها، لكن إذا شق ذلك فالمشقة تجلب التيسير، وإذا أدى ذلك إلى تضييع الواجب فليؤخذ مثل هذه الرخصة، لكن على المدرس أن يلزم الطلاب بالوضوء قبل بدء الحصة.
يقول: ما رأيكم بعبارة "لا تنكر على مقلد"؟(9/25)
المقلد إذا قلد من تبرأ الذمة بتقليده وهو من جمع بين العلم والدين الورع، عرف من أهل العلم والعمل فإنه لا ينكر عليه هذا فرضه، لكن إذا كان من أهل النظر فعليه أن ينظر، وعليه أن يجتهد.
حكم قراءة القرآن للجنب؟
جاء ما يخص حديث: "كان يذكر الله على كل أحيانه" ولا يمنعه من ذلك إلا الجنابة، وأما الحائض فأهل العلم يفتون بأن للحائض أن تقرأ القرآن إذا خشيت النسيان واحتاجت إلى ذلك، وإن كان الأصل أنها أشد من الجنب حدث، وهذا قول أكثر أهل العلم، بأن الحائض لا تقرأ القرآن، لكن إذا خشيت النسيان، أو كانت ملزمة إيجاباً عليها بالمدرسة معلمة أو متعلمة فأهل العلم في العصور المتأخرة يفتونها بذلك.
هل يجوز قراءة القرآن دون مسه للمحدث؟
إذا كان الحدث أصغر فلا بأس يقرأه على كل أحيانه.
يقول: ما الحكمة من الوضوء من لحم الإبل؟
كم باقي على الوقت؟
الحكمة جاء في الخبر أنها فيها شيء من الشيطنة، حتى جاء في خبر: أنها جن خلقت من جن، وأيضاً في لحمها ما فيه من الشدة والقوة والزهومة التي تكسر بالماء، هذه مجرد التماس من أهل العلم، وإلا فالأصل أننا نعتمد الأمر الصحيح الصريح، ولو لم نعرف الحكمة.
يقول: إذا شك في طهارته قبل الدخول في الصلاة؟
إن كان مجرد شك فلا يلتفت إليه بعد تيقن الطهارة، إذا تيقن الطهارة فلا يلتفت إلى الشك، سواءً كان قبل الدخول في الصلاة أو بعده؛ لأن الشك لا يرفع اليقين، الشك لا يرفع اليقين، هذه قاعدة عند أهل العلم، ودل عليها حديث أبي هريرة وغيره من الأحاديث التي مرت بنا، وعرفنا أن هذا اليقين هل يرتفع بغلبة الظن أو لا يرتفع؟ ذكرنا هذا وفصلناه في درس الظهر.
إذا توضأ وأحدث، توضأ وأحدث وجهل السابق، هو على يقين أنه متوضأ، وهو على يقين أيضاً أنه محدث، لكنه لا يدري هل السابق الحدث أو السابق الوضوء؟ لأنه إن كان السابق الوضوء انتقض بالحدث، وإن كان السابق الحدث فهو على طهارة، أهل العلم يقولون: إذا تيقن الطهارة والحدث معاً وجهل السابق منهما فهو بضد حاله قبلهما، هاه؟ فهو بضد حاله قبلهما، إيش معنى هذا الكلام؟ إذا تيقن الطهارة والحدث معاً فهو بضد حاله قبلهما، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(9/26)
قبل الطهارة وقبل الحدث، كيف تصوير المسألة؟ شخص صلى العصر وجاء إلى البيت وقال: إنه يريد أن يقرأ القرآن، نعم دخل الدورة ونقض الوضوء أحدث ثم توضأ، الآن هو على إيش؟ على طهارة، ثم شك هل أحدث أو لم يحدث بعد هذا الوضوء، يلتفت إليه أو ما يلتفت؟ لا يلتفت، لكن تيقن أنه محدث، تيقن أنه محدث، لكن جهل هل هو حدث جديد بمعنى أنه دخل الدورة مرة ثانية بعد أن توضأ أو هو الحدث الذي قبل الطهارة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو شك ما يدري هل أحدث مرة ثانية بعد اكتمال الطهارة؟ هو متيقن أنه محدث ومتيقن أنه توضأ، تيقن أنه دخل الدورة وأحدث وتوضأ، لكن هل الحدث سابق لهذه الطهارة أو لاحق بعدها؟ هذا شك، هو متيقن أنه محدث بعد صلاة العصر، ومتيقن أنه متوضئ لقراءة القرآن، قال: "وبضد حاله قبلهما" بضد حاله قبلهما، وقبلهما إيش؟ متطهر، قبلهما متطهر لصلاة العصر، إذن هذه الطهارة التي تطهرها لصلاة العصر أكيد نقضها، فهو بضد هذه الحال، وكونه نقض الناقض هذا مشكوك فيه، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ المسألة دقيقة وهي من كلام الفقهاء ولها وجه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" أخرجه الأربعة, وهو معلول.
وعنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) أخرجه السبعة.
وعنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء" متفق عليه.
وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((خذ الإداوة)). فانطلق حتى توارى عني, فقضى حاجته" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس, أو في ظلهم)) رواه مسلم.
زاد أبو داود, عن معاذ: ((والموارد)).
ولأحمد عن ابن عباس: ((أو نقع ماء)) وفيهما ضعف.(9/27)
وأخرج الطبراني النهي عن تحت الأشجار المثمرة, وضفة النهر الجاري، من حديث ابن عمر بسند ضعيف.
وعن جابر - -رضي الله عنه- - قال.
يكفي، يكفي بركة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: آداب قضاء الحاجة:
باب: آداب قضاء الحاجة:
آداب قضاء الحاجة، الآداب جمع أدب، الآداب جمع أدب، والمقصود هنا ما ينبغي للمسلم أن يفعله عند قضاء حاجته، وقضاء الحاجة يكنى به عن خروج البول والغائط على وجه الخصوص من نواقض الوضوء، فقضاء الحاجة فالشرع يكني عن الألفاظ القبيحة بألفاظ مقبولة ليس فيها تصريح بما تنبو عنه الأسماء، وتنفر منه الطباع، آداب قضاء الحاجة، يعني عدل عن قوله: باب آداب قضاء كذا وكذا، قال: الحاجة، وجاء في الحديث: ((إذا قعد أحدكم لحاجته)) في صحيح مسلم: ((إذا قعد أحدكم لحاجته)) الحاجة أعم من أن تكون ...(9/28)
شرح: بلوغ المرام - كتاب الطهارة (10)
الشيخ: عبد الكريم الخضير(10/1)
الحاجة أعم من أن تكون مما ذكر، كل ما يحتاجه الإنسان من أمور دينه أو دنياه تسمى حاجة، ويراد به هنا ما ذكر، الحاجة لفظ مقبول، لكن أفراد هذه الحاجة المرادة هنا تنفر عن سماعها الآذان، فهكذا علمنا الشرع أن نتأدب في الألفاظ فلا نبتدئ باللفظ المستقبح، ولا ننقله ولا نكثره إلا عند الحاجة القصوى، حينما لا يقوم غيره مقامه، فبحديث وفاة أبي طالب تتابع الرواة على قول .. ، على نقل قول أبي طالب في آخر ما تكلم به: "هو على ملة عبد المطلب" لئلا ينسب الكفر إلى المتكلم، وهو إن كان ناقل وآثر لا شيء عليه في ذلك، وينقل عن غيره، لكن العدول من هذا التعبير إلى ذاك لا شك أنه من الأدب، بخلاف ما إذا أوقع في لبس وإشكال، فتتابع الرواة على نقل قول ماعز: "إني زنيت" ما قالوا: أنه زنى؛ لأنه لا بد من التصريح بنسبة الفعل إلى النفس؛ لئلا يتوهم السامع قوله: إنه زنى أنه يحكي عن غيره، ماعزاً يحكي عن غيره، احتمال يحكي عن غيره، لكن إذا لم يقم غيره مقامه لا بد من التصريح به، ولذا يأتي الخير منسوباً إلى الله -عز وجل- صراحة، والشر يحذف الفاعل {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] فالشر حذف فيه الفاعل؛ لأنه وإن كان كل من عند الله فإنه لا تحسن إضافته إلى الله صراحة، ولذا جاء في الحديث: ((والشر ليس إليك)) بينما الخير ينسب إلى الله -عز وجل- صراحة، {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] وهكذا، فالمقصود أنهم يقولون: قضاء الحاجة والمراد به اللفظان المستقذران، لكن عند الحاجة حينما لا يقوم غير اللفظ مقامه لا بد من التصريح، بعض الفقهاء يقول: باب الاستطابة، ولا يستطيب بيمينه، لا يستطيب بيمينه، هذا متفق عليه، بعضهم يقول: باب التخلي، أو آداب التخلي؛ لأنه يلزم منه دخول الخلاء، المقصود أن كل هذا من العدول من العبارات والألفاظ المستقذرة المستقبحة إلى الألفاظ المقبولة، وهذا أدب شرعي لا يصرح باللفظ المستقذر إلا عند الضرورة القصوى حينما لا يقوم غيره مقامه.(10/2)
الحديث الأول في الباب: حديث "أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، أخرجه الأربعة" أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه "وهو معلول" إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، وهو معلول، نقل ابن حجر عن النسائي قال: هذا حديث غير محفوظ، وعلى كل حال الحديث منكر، مثل به الحافظ العراقي للمنكر، لما تحدث عن المنكر:
والمنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريجِ
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر
جنحو كل البلح بالتمر الخبر ... . . . . . . . . .
إلى أن قال:
قلت: فماذا؟ بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلا ووضعه
فمثل بهذا الحديث للمنكر، والمنكر عرفنا أنه. . . . . . . . . مما استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، أنه مخالفة الضعيف لمن هو أقوى منه، بينما مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه يسمونه شاذ، على أن ابن الصلاح وجمع من أهل العلم لا يفرقون بين المنكر والشاذ، ومن أهل العلم من يطلق النكارة بإزاء مجرد التفرد، المنكر الفرد، كثير هذا في إطلاق في أحكام أهل العلم من المتقدمين، أحمد يقول: هذا منكر، ويريد به ما تفرد به راوي، وأبو حاتم يقول: منكر، والدارقطني يقول: منكر، وهكذا لتفرد راويه، لكن المتأخرين اصطلحوا على هذا، ومنهم من قال: إن المنكر تفرد من لا يحتمل تفرده، المنكر تفرد من لا يحتمل تفرده، فيصح إطلاق النكارة والمراد بها التفرد، لكنه تفرد من لا يحتمل تفرده، ولو لم يكن هناك مخالفة؛ لأن الحديث: ((كلوا البلح بالتمر)) هذا حديث منكر تفرد به أبو زكير، مثلوا به للمنكر، وليس فيه مخالفة، وهنا يقول ابن حجر حيث نقل عن النسائي: هذا حديث غير محفوظ، والذي يقابل المحفوظ هو إيش؟ الشاذ، الذي يقابل المحفوظ الشاذ، بينما الذي يقابل المنكر المعروف، فكونهم يقولون: إن هذا حديث منكر أو غير محفوظ دلالة على أن الشذوذ والنكارة نعم بمعنى واحد، قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والصواب في التخريجِ
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر(10/3)
يقصد ابن الصلاح، المقصود أن الحديث منكر، شديد الضعف، وعرفنا أنهم مثلوا به للمنكر، على كل حال الخلاء، إذا دخل الخلاء الكلمة ستأتي في أحاديث، المكان الخالي الذي يقصد لقضاء الحاجة.
يقول: "وهو معلول" عرفنا أن المعلول كلمة من حيث الاشتقاق في هذا الباب مرذولة، صرح بعضهم أنها لحن، الصواب أن يقال: معل، وهو ما اشتمل على علة، والعلة: عبارة عن أسباب خفية تقدح في صحة الخبر، غامضة لا يدركها كل أحد، تقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منها.
"وضع خاتمه" لأن فيه ذكر الله -عز وجل- لأن الخبر قد يكون .. ، قد لا يثبت الخبر، لكن يكون معناه صحيحاً، جاءت النصوص، بل جاءت الشريعة باحترام وتعظيم شعائر الله، فذكر الله من شعائره، جميع ما يتعلق بالرب -عز وجل- لا بد من تعظيمه، وما يتعلق بدينه ونبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولذا من سب الله وسب الرسول وسب الدين يخرج من الملة نسأل الله العافية، يقول جمع من أهل العلم: إنه لا تقبل توبته، فلا بد من تعظيم هذا الجانب، لا بد من تعظيم الله -عز وجل-، وتعظيم شعائره، وتعظيم دينه، وتعظيم نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق، وأشرف الخلق، وأكمل الخلق، المقصود أن الخاتم منقوش فيه محمد رسول الله، فلذكر الله -عز وجل- ينبغي أن ينزع عند إرادة الخلاء، وكذا كل ما فيه ذكر الله -عز وجل-، فلا يجوز بحال أن يدخل المصحف أو شيء من القرآن هذه المواضع المستقذرة، وهل هذا الحكم مبني ومستنبط من هذا الحديث؟ لا، من عمومات كثيرة في الشريعة؛ لأن الحديث الضعيف لا يجوز البناء عليه، ولا استنباط الحكم منه، إذا نسي الإنسان ودخل بشيء فيه ذكر الله -عز وجل-، هذا إذا كان خفي في جيبه فالأمر سهل، لكن إذا كان بارز يخفيه.
الحديث الثاني: "وعنه" يعني عن أنس، وعرفنا أنه إذا كان الحديث الثاني نفس الصحابي راوي الحديث الأول، فإنهم لا يكررون إلا إذا بعد العهد صار الثالث أو الرابع أو هكذا، لا يكررون ذكر الاسم اختصاراً، بل يكنون عنه بالضمير تفنن في العبارة، واختصار للكلام، والكتاب كتاب مختصر، بصدد أن يحفظ، فأقصر أن يقال: "وعنه" كما فعل هنا.(10/4)
"وعنه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء" عرفنا أن الخلاء المكان المعد لقضاء الحاجة، وكان يدل على الاستمرار، عادته المستمرة أنه إذا دخل الخلاء قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) إذا دخل واستقر في الخلاء، أو إذا فرغ من الدخول، أو إذا أراد الدخول؟ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الإرادة، ويراد به الشروع، ويراد به الفراغ، ((إذا كبر فكبروا)) إذا كبر إذا أراد التكبير، إذا شرع في التكبير، أو إذا فرغ من التكبير؟ نعم؟ إذا فرغ من التكبير وانقطع صوته، ((إذا ركع فاركعوا)) إذا أراد الركوع؟ نعم؟ إذا فرغ من الركوع هذا مطلوب؟ إذا فرغ من الركوع، لا، تفوت الركعة، إذا أراد الركوع؟ لا، المراد إذا شرع في الركوع، يعني بدأ الركوع، فالفعل الماضي يطلق ويراد به الإرادة كما هنا، إذا دخل يعني إذا أراد الدخول {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام فاغسلوا وجوهكم، والظاهرية تبعاً لأصلهم يجرون هذه الأمور على ظواهرها، فعندهم الاستعاذة متى؟ نعم؟ إذا انتهى من القراءة (إذا قرأت) يعني إذا فرغت من القراءة تبعاً لأصلهم، وهنا إذا دخل يعني إذا أراد الدخول، الفعل الماضي نفسره بأحد الأمور الثلاثة بالتشهي، يعني إن شئنا قلنا: كذا وإن شئنا قلنا: كذا؟ نقول: بالتشهي، إن شئنا قلنا: إذا دخل وإذا أراد وإذا فرغ وإذا شرع؟ لا، هذا التفسير، هذه احتمالات، ولا بد لترجيح أحد الاحتمالات من مرجح، نقول: هذه احتمالات للفظ، ولا بد لترجيح أحد الاحتمالات من مرجح، ولا يكون الترجيح بالتشهي.(10/5)
قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث)) بإسكان الباء ((والخبائث)) بعض الروايات: ((الخبُث)) بضم الباء، ((والخبائث)) فالخبث؟ نعم؟ جمع خبيث أو الخبُث جمع خبث؟ الخبُث جمع خبث، والخبائث جمع خبيثة، فكأنه استعاذ من الشياطين، من إناثهم وذكورهم، هذا على رواية الضم، أما على رواية السكون: ((الخبْث والخبائث)) فالمراد بالخبث الشر، والخبائث أهل الشر، وهم الشياطين، فكأنه استعاذ من الشر وأهله ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)) أخرجه السبعة، السبعة المراد بهم؟ الستة وأحمد، الستة المراد بهم؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(10/6)
أو نجمل مرة ثانية؟ نجمل مرة ثانية نقول: هم الشيخان والأربعة، علشان نقول: من المراد بالأربعة؟ أقول: من المراد بالسبعة؟ قلتم: الستة وأحمد، طيب نحتاج إلى سؤال ثاني نقول: من الستة؟ فإذا قلتم: الشيخان مع الأربعة، نقول: من الأربعة؟ لكن إذا سردوا على طول من السبعة؟ فلان وفلان وفلان، البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، إضافة إلى الإمام أحمد، ما نحتاج إلى سؤال ثاني، المرجح لإرادة الدخول ما جاء في الأدب المفرد من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الخلاء، وعرفنا أن ترجيح أحد الاحتمالات لا بد له من مرجح، نظير القبول، تفسير القبول في النصوص، القبول في النصوص لا يقبل الله كذا، يطلق ويراد به، عدم القبول يراد به نفي الصحة، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) يعني نفي الصحة؛ لأن صلاة المحدث غير صحيحة ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ويطلق القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، وإن كانت صحيحة مجزئة مسقطة للطلب {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهوم الآية أن الله -سبحانه وتعالى- لا يتقبل من غير المتقين، وهم الفساق، فهل معنى هذا أنك إذا رأيت فاسق عليه أمارات فسق ظاهرة، تقول له: أعد صلاتك، أعد صيامك؛ لأن الله إنما يتقبل من المتقين، صلاته صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، لكن الثواب المرتب على هذه العبادة حرم منه بسبب فسقه، فلا بد في كل نص من النصوص المحتملة لأكثر من معنى لا بد من مرجح، وهنا المرجح رواية البخاري في الأدب المفرد: "إذا أراد أن يدخل الخلاء".
هنا الحديث الثالث قال: "وعن أنس" في الأول قال: "عن أنس" في الثاني قال: "وعنه" في الثالث قال: "وعن أنس" صرح بالراوي للبعد، بعد الاسم الظاهر من الأول بخلاف الثاني، وفي بعض النسخ الصحيحة أيضاً: "وعنه" جرياً على الجادة.
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء" متفق عليه".
طيب متفق عليه؟
الطالب:. . . . . . . . .(10/7)
البخاري ومسلم، بإطلاق كذا؟ نعم؟ نقول: المتفق عليه ما اتفق على روايته البخاري ومسلم كذا من غير قيد ولا شرط؟ كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
أما بنفس اللفظ فلا، أما عن نفس الصحابي فصحيح، لا بد أن يكون نفس الصحابي، هذا الاصطلاح الذي جرى عليه الأكثر، فلا تقول: متفق عليه إلا إذا كان موجوداً عند البخاري ومسلم عن صحابي واحد، البغوي في شرح السنة قد يخالف هذا الاصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، قد يقول: الحديث متفق عليه، أخرجه محمد عن أبي هريرة، ومسلم عن ابن عمر، يقول: متفق عليه، المتفق عليه هو ما ذكرتم عند الأكثر، لكن في المنتقى للمجد بن تيمية، وهو أعظم كتاب في أحاديث الأحكام، إذا قال: متفق عليه يريد؟ نعم؟ البخاري ومسلم وأحمد، وهذا اصطلاح خاص به، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ لأنه بيّن.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء" يدخل، ما المراد بالخلاء هنا؟ هو المكان المعد لقضاء الحاجة، أو مكان قضاء الحاجة ولو لم يكن معداً؟ هناك إذا دخل الخلاء، إذا خرج من الخلاء، كله معد، على أن اللفظ لا يأبى أن يشمل غير المعد، وهنا اللفظ يأبى أن يكون المراد بالخلاء المكان المعد لقضاء الحاجة، لماذا؟
الطالب:. . . . . . . . .
طيب والأولات، الأحاديث الأولى، إذا دخل الخلاء، وليش نقول مثل هذا الكلام؟ في الأول قلنا: المكان المعد لقضاء الحاجة.
الطالب:. . . . . . . . .
نعم لأنه يحمل عمل، مكان معد للخلاء، لقضاء الحاجة، مسور بجدر، أو بستر يحتاج إلى عنزة، ما يحتاج إلى عنزة يستتر بها، لا يحتاج إلى عنزة؛ لأن اللفظ هنا يأبى، وسياق الحديث يأبى أن يكون المراد بالخلاء المكان المعد لقضاء الحاجة.(10/8)
أنس خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- خدم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة وهو ابن عشر سنين، خدمه عشر سنين أخرى، مات النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمره عشرين سنة، معقول أن يقول أنس: أنا وغلام، فأحمل أنا سهل، لكن الغلام من هو، نعم، اختلف في المراد بالغلام، بعضهم يقول: ابن مسعود، وقد عرف ابن مسعود بالخدمة لكن هل يصح بأن يقال لابن مسعود: غلام؟ عمره كم؟ يناهز الأربعين، كيف يقال له: غلام؟ أنا وغلام نحوي، وأنس بين العشر والعشرين كيف يكون ابن مسعود نحوه؟ اللهم إلا أن يقال ...
الطالب:. . . . . . . . .
نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
ما يمكن في سنه، قده مرتين أو ثلاث، ما يمكن يصير في سنه، أكبر منه مرتين أو ثلاث ابن مسعود، أنا وغلام نحوي، قالوا: في الخدمة، وإطلاق الغلام عليه تجوز وتوسع في العبارة باعتبار ما كان، كان غلام، ونحوي، يعني نحوي في الخدمة، يعني ما هو نحوي بالسن، على أن بعضهم قال: إن المراد ليس ابن مسعود بل هو قيل: جابر، وقيل: أبو هريرة، وقيل غير ذلك، لكن أكثر من عرف بالخدمة أنس وابن مسعود، وجاء في حديث صحيح أن المغيرة خدم النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب، وحمل معه الماء، وصب عليه، وأهوى لينزع خفيه، الصحابة يتبادرون، لكن إنما تطلق الخدمة على من لزمها، أما خدم مرة، مرتين، مرار يسيرة ما يسمى خادم، ولذا لزم أنس اسم الخادم، خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- وخدمته شرف -عليه الصلاة والسلام-.
"فأحمل أنا وغلام" أحمل فعل إيش؟ مضارع، فاعله؟ من؟ الفاعل أنا؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
الضمير أنا؟ هذا فاعل؟
الطالب:. . . . . . . . .
فأحمل أنا وغلام، علشان إيش؟ الضمير هذا إيش موقعه من الإعراب أنا؟ هو ليس بفاعل قطعاً؛ لأن الفاعل ضمير مستتر في أحمل، كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
توكيد؟ هاه؟ بدل؟ هذا ضمير فصل لا محل له من الإعراب؛ لأنه إذا عطفت على الضمير المتصل والمستتر من قبيل المتصل، إذا كان مرفوع لا بد أن تفصل.
وإن على ضمير رفع متصل عطفت ... فأفصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
أي فاصل.(10/9)
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد
المقصود أن الضمير هنا لا محل له من الإعراب {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ} [(117) سورة المائدة] إيش؟ {الرَّقِيبَ} هنا ضمير فصل، المقصود أن هنا لا بد من الفصل.
"فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة" إناء صغير من جلد يُتخذ للماء، إداوة من ماء (من) تبعيضية وإلا بيانية؟ بيانية؛ لأن الإداوة ليست مادتها الماء ليقال تبعيضية، الإداوة ليست مادتها الماء ليقال تبعيضية، وإنما هي بيانية.
"من ماء وعنزة" العنزة عصا يغرس في الأرض ليكون سترة للمصلي، لكن هل يستر هنا؟ هل يستر المتخلي أن يضع أمامه عصا؟ نعم؟ إنما يستفاد منه بأن يوضع عليه شيء ثوب ونحوه، يعني مثل ما تغرز العصي من أجل أن توضع عليها الأروقة، فهذا يغرز في الأرض ليوضع عليه ثوب، فيستتر به -عليه الصلاة والسلام-.(10/10)
"فيستنجي بالماء" الاستنجاء: إزالة النجو وهو الخارج بالماء، والاستجمار إزالته بالجمار وهي الحصا، فيستنجي بالماء، يكفي أن يقال: فيستنجي ما يحتاج إلى كلمة الماء؛ لأن الاستنجاء لا يكون إلا بالماء؟ نعم؟ لكن هم قالوا: الاستنجاء بالماء، والاستجمار بالحجارة، المقصود أن الاستنجاء إزالة النجو، إزالة النجو بأي شيء كان هذا الأصل فيه، فالإتيان بالماء ليست كلمة زائدة، وقد يؤتى بالشيء تصريحاً بما هو مجرد توضيح، فلو خصصنا الاستنجاء بالماء، وأنه لا يطلق بحال على الاستجمار قلنا: لا مانع من ذكره بشيء؛ لأن التصريح لمجرد التوضيح، وهذا دليل على أن الاستنجاء بالماء لا إشكال فيه، وأنه مجزئ، خلافاً لمن يقول: لا يجزئ، بل لا يجوز. . . . . . . . .، قالوا: الماء نعمة لا يجوز أن يستنجى به، والحديث رد صريح عليهم، يعني إذا احتجت إلى .. ، بحثت عن شيء تستنجي به فلم تجد إلا قطعة من الخبز مثلاً، هذه نعمة لا يجوز بحال أن تستنجي بها، يقولون: الماء نعمة مثل الخبز، لكن هذا القول ضعيف جداً، ولا حظ له من النظر؛ لأن النصوص جاءت بخلافة، بل إزالة جميع النجاسات إنما تكون بالماء، هنا استنجى بالماء، وصب على بول الأعرابي ذنوباً من ماء، وغير ذلك كثير، فالقول بأن الاستنجاء بالماء لا يجزئ أو لا يجوز، منهم من قال كذا، ومنهم من قال كذا، لا حظ له من النظر، بل هو أكمل من الحجارة، وأبلغ في إزالة النجو، الحجارة، إزالة الخارج بالحجارة مجزئ، ثابت في النصوص، على الوجه المشروع على ما سيأتي، والجمع بين الماء والحجارة حكمه؟ نعم؟ سنة، يعني أكمل، هو من حيث النظر أكمل بلا شك، من حيث النظر يزال الأثر الخارج بالحجارة، ويخفف بقدر الإمكان، ثم يقضى على البقية بالماء لا شك أنه أكمل، لكن هل وردت به السنة؟ هل ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الحجارة والماء؟ قصة أهل قباء؟ ثابتة؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(10/11)
إيه، اللي هم أهل قباء، نقول: هذه القصة ثابتة؟ وهل هو أول مسجد أسس على التقوى؟ إن كان هذا مسجد قباء هو أول مسجد .. ، هو أول مسجد، أسس قبل مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الأحاديث الصحيحة في الصحيح في مسلم وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن أول مسجد أسس على التقوى فأشار إلى مسجده -عليه الصلاة والسلام-، على كل حال القصة ضعيفة، ولو ثبتت القصة لقلنا: إن الجمع بين الحجارة والماء أكمل، سئلوا بما مدحوا فقالوا: لأننا نتبع الحجارة بالماء، قول عائشة -رضي الله عنها- للنساء: "مرن أزواجكن"
الطالب:. . . . . . . . .
وش فيه؟
الطالب:. . . . . . . . .
"مرن أزواجكن"
الطالب:. . . . . . . . .
هاه يا إبراهيم؟ وش فيه؟ ماذا تقول عائشة؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
بعيد تراك ما أسمعك، "مرن أزواجكن أن ... "
الطالب:. . . . . . . . .
أيوه طيب صحيح وإلا ما هو بصحيح؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
ما يصح نعم، ولو صح لقيل به مثل ما قيل في أهل قباء، على كل حال إزالة الخارج بالحجارة مجزئة لا إشكال فيها صحت بها الأخبار من فعله -عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي وإزالة الخارج بالماء لا شك أنها أكمل من الحجارة؛ لأن أهل العلم ينصون على أن الحجارة وإن كانت مجزئة إلا أنها طهارة حاجة؛ لأنها لا تزيل الخارج بالكلية، بل يبقى معها أثر لا يزيله إلا الماء كما هو معروف.
الحديث الرابع: حديث "المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذ الإداوة)) فانطلق حتى توارى عني، فقضى حاجته" الإداوة وش هي؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
إيه تقدم، إيش هي؟
الإداوة سترة أو العنزة السترة؟ أيهما السترة؟ العنزة هي السترة والإداوة إناء صحيح، يحمل به الماء " ((خذ الإداوة)) فانطلق -عليه الصلاة والسلام- حتى توارى عني، فقضى حاجته -عليه الصلاة والسلام-" في مشروعية الإبعاد عن الناس، حال قضاء الحاجة، إذا أراد المذهب أبعد، وهذا عاد في أي حال؟ في الصحراء، هذا كله الكلام كان في الصحراء لا في الكنف، نعم، حتى توارى عني، متى يشرع الإبعاد ومتى لا يشرع؟ نعم؟(10/12)
الطالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
الطالب:. . . . . . . . .
إذا أراد المذهب أبعد، هنا حتى توارى عني، وفي حديث حذيفة وهو عند السبعة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال -عليه الصلاة والسلام-، انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً -عليه الصلاة والسلام-، والحديث صحيح، فنقول: الإبعاد إنما يشرع إذا كانت الحاجة غائط، بينما إذا كانت الحاجة بول لا يلزم الإبعاد، يكفي الاستتار ولو لم يبعد، لماذا؟ لأن البول لا رائحة له مثل الغائط، الأمر الثاني: أنه لا يصاحبه صوت البول، البول لا يصاحبه صوت بخلاف الغائط، ولذا هنا انطلق حتى توارى عني، وإن كان اللفظ محتمل، فقضى حاجته إما كذا وإما كذا، لكن حديث حذيفة دل على أنه إذا كانت الحاجة بول فإنه لا يلزم أن يبعد حتى يتوارى.
"انتهى إلى سباطة قوم" يعني بين بيوتهم ما أبعد، السباطة المزبلة، وهنا "وانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته. متفق عليه" والتواري الاستتار والبعد عن الناس، وعدم إيذائهم بهذه النجاسات، وبما يصاحبها من روائح وأصوات، وأهل العلم قالوا: إن هذا محمول على الاستحباب والندب، لا على سبيل الوجوب، قالوا: لأنه فعل، لم يرد به أمر، فعل منه -عليه الصلاة والسلام-، يدل على الكمال؛ لكنه لا يدل على الوجوب، أما إذا كان القرب من الناس بحيث لا يستطيع أن يواري عورته عنهم فإن البعد واجب، لماذا؟ لأنه لا يتم الواجب الذي هو الاستتار إلا به، ومعروف أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مجرد فعله -عليه الصلاة والسلام- هنا لا يدل على الوجوب، لو حصل الاستتار مع القرب أجزأ، ولم يأثم الشخص، لكن البعد أكمل، إذا لم يحصل الاستتار عن أعين الناس إلا بالبعد وجب البعد؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، جاء في حديث عند أحمد وعند أبي داود: ((من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج)) لكنه ضعيف.(10/13)
الحديث الذي يليه: حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)) رواه مسلم" اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم، اللاعنان هما الأمران الجالبان للعن، وهل يقتضي أن يكون هذا من الكبائر الذي يتخلى في طريق الناس في الشوارع يتخلى؟ في طريق الناس؟ في ظلهم الذين يحتاجون إليه ويجلسون فيه؟ كبيرة وإلا ليست بكبيرة؟ هذا الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم سبب في اللعن، متسبب في لعنه، لكن هل اللعن هذا بحق أو بغير حق؟ نعم؟ يعني هل نقول: إن هذا يستحق اللعن أو أن الناس يلعنون من يفعل هذا ولو لم يستحق؟ نعم؟ نعم يا إخوان؟ اتقوا اللاعنين وعرفنا أن اللاعنين الأمران الجالبان للعن الحاملين الناس عليه، اللعن هذا يحمل الناس على لعنه، يتخلى في طريق الناس ويؤذيهم، بالمقابل إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأدناها أدنى شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق، فالذي يتخلى في طريق الناس، الذي يترك الأذى في طريق الناس فضلاً عن كونه هو الذي يضع الأذى محروم؛ لأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وهو شعبة من شعب الإيمان، وهو أدنى شعب الإيمان، لكن الذي يضع الأذى في طريق الناس كما هنا، وكل أذى بحسبه، بحسب الضرر المترتب عليه، كل أذى بحسب الضرر المترتب عليه، هؤلاء الذين يضعون الزجاج في طريق الناس، إذا شرب المشروب ورمى القارورة على إسفلت أو على رصيف وانكسرت، هذا مؤذي، هذا مرتكب محرم نسأل الله العافية؛ لأنه يؤذي الناس، والذي يتخلى في طريق الناس أيضاً مؤذي، ومعرض نفسه للعن، للعن الناس سواء قلنا بحق أو بغير حق؛ لأن المسألة محتملة، فالناس يلعنون من يؤذيهم، وهو السبب.(10/14)
((اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)) في طريق الناس جوادهم المسلوكة، بحيث يؤذيهم بأوساخه وقاذوراته، وروائحه الكريهة ((أو في ظلهم)) الذي يحتاجونه للجلوس فيه، أما الظل الذي لا يحتاج إليه، الظل الذي لا يحتاج إليه، يعني إضافة الظل إليهم الملابسة فيها الحاجة، وإلا هل يمنع البول أو الغائط في كل ظل؟ نعم؟ لا يمنع، لكن المقصود بالظل الظل الذي يحتاج إليه، قد يحتاج بعض الناس ظل، شباب يجتمعون في شارع من الشوارع ويؤذون المارة، أو أناس كبار أو صغار يجلسون في هذا الظل لإيذاء الناس، وسلقهم بالألسنة، وأكل لحومهم وأعراضهم من أهل العلم من يقول: المتسبب في تفريقهم ولو بالتخلي مأجور، شباب يلعبون كرة في شارع آذوا الناس، وهذا الشارع، آذوا الجيران وأتعبوهم، يأتي شخص ليفرقهم ما يستطيع، ما يملك تفريقهم، يقول: نلقي فيها الزبل من أجل أن يتفرقوا، بعض أهل العلم يقول: مأجور، الأمور بمقاصدها، ومثله لو اتخذ هذا المكان للغيبة أو لبيع ما لا يجوز بيعه، أو هذا المكان عرف بأنه يجتمع فيه أناس يبيعون أمور محرمة لا يجوز بيعها، فأراد أن يفرق هؤلاء بوضع ما يفرقهم، بعض أهل العلم يقول: الأمور بمقاصدها، هو مأجور، وليست له وسيلة إلا هذه يؤجر على ذلك عند بعضهم.
هذا يقول: هل يجوز أن ألعن من رمى أو تخلى في طريق الناس أو ظلهم بناء على هذا الحديث؟(10/15)
أولاً: المسلم ليس باللعان، كما أنه ليس إيش؟ بالطعان، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه، لا يكون لعان، ولا سباب، ولا شتام، ولا صخاب، ولا طعان، ولا وقاع في الأعراض، لا سيما ممن ينتسب إلى العلم، مثل هذا ينبغي أن يكون عفيف اللسان، لكن مع الأسف الشديد أننا نجد بعض من يتصدى لطلب العلم، بعضهم يرسل لسانه ولم يسلم من لسانه، ولا أهل العلم، مشكلة، ولذا نقول: احفظ لسانك؛ لأنه يقول: هل يجوز أن ألعن من رمى وتخلى في طريق الناس، لا شك أنه متسبب، والمتسبب كالفاعل، تسبب بلعن نفسه، كما أن من تسبب بلعن والديه فقد لعنه الله، لعن الله من لعن والديه، قيل: أيلعن الرجل أباه؟ يسب أبا الرجل فيسب أباه، كأنه سب أباه، أما قصد الظل الذي لا يجلس فيه أحد، أو بعيد عن أماكن الجلوس لقضاء الحاجة فلا بأس به.
فزاد أبو داود -وهذه الزيادة ضعيفة- عن معاذ، زاد أبو داود عن معاذ، الأصل إذا قيل: زاد فلان، يعني زاد في الحديث، وإذا اختلف الصحابي هل يكون الحديث واحد أو اثنين؟ نعم؟ اثنين، حديثين، فهل هذه زيادة أو حديث مستقل؟ لأن الأول عن أبي هريرة، ثم قال: زاد أبو داود عن معاذ، التعبير سليم أو ما هو بسليم؟ نعم لو نقول: زاد أبو داود الأصل أن تكون الزيادة عن أبي هريرة، زيادة في الحديث السابق، لكنه بيّن قال: زاد أبو داود عن معاذ: ((والموارد)) ولفظه: ((اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق والظل)) قارعة الطريق والظل، هما اللاعنان اللذان تقدما في حديث أبي هريرة، والزيادة في حديث معاذ: الموارد، والمقصود بها موارد المياه التي يستقى منها؛ لأن الناس بحاجة إلى الإتيان إليها، فالذي تخلى فيها أو حولها يتسبب بحرمان الناس من هذه الموارد، فهو متسبب للعن، للعن نفسه من قبل من يتأذى بفضلاته، وهذه الزيادة ضعيفة.(10/16)
"ولأحمد عن ابن عباس: أو نقع ماء" وفيهما ضعف، هذا فيه ابن لهيعة ورجل مبهم لم يسم، وابن لهيعة كما هو معروف ضعيف عند أهل العلم، ابن لهيعة ضعيف، وإن كان ضعفه محتمل، لكنه ضعيف، إذا تفرد بخبر يحكم عليه بالضعف، وأما السبب في ضعف رواية أبي داود السابقة فقد نص أبو داود على أنها مرسلة، كيف مرسلة والصحابي مذكور عن معاذ؟ قال: لأنها من رواية أبي سعيد الحميري ولم يدرك معاذاً، فالإرسال هنا بمعنى إيش؟ الإرسال عرفنا الأكثر على أن المرسل هو ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
مرفوع تابع على المشهورِ ... مرسل أو قيده بالكبيرِ
هنا الصحابي موجود، يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، معاذ، وأبو سعيد الحميري يرويه عن معاذ وهو لم يدرك معاذاً، فالإرسال هنا بمعنى الانقطاع، وهذا سبب الضعف، أما حديث أحمد عن ابن عباس فيه ابن لهيعة، وفيه رجل لم يسم، الراوي عن ابن عباس مبهم.
الأسئلة كثيرة، لكن الحديث الذي يليه: قال:(10/17)
"وأخرج الطبراني النهي عن قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة، وضفة النهر الجاري" أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر، بسند ضعيف، الطبراني رواه في الكبير والأوسط، كما في مجمع الزوائد، ومجمع البحرين، وإذا أطلقوا الطبراني فالمراد به الكبير، وهو مروي في المعجمين، وهو حديث منكر؛ لأن في إسناده راوٍ متروك، وهو فرات بن السائب، متروك كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التلخيص، فالحديث منكر، وعلى كل حال قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة يجوز وإلا لا يجوز؟ إما لأنها ظل، أو لأنها مما يحتاج إلى القرب منه لجني ثمارها، فيكون الذي يقضي الحاجة تحتها متسبب لإيذاء الناس، ضفة النهر الجاري؛ لأنهم يستقون منه كما تقدم؛ لأنه مورد من الموارد، وعلى كل حال المواضع التي تقدمت كم عددها؟ التي لا يجوز التخلي فيها ولا عندها؟ أربعة؟ عندك الثلاثة: الموارد، قارعة الطريق والظل، وعندك نقع الماء، تحت الأشجار المثمرة، ضفة النهر الجاري، جاء في مراسيل أبي داود نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أن يبال بأبواب المساجد، عن أن يبال بأبواب المساجد، فتكون المواضع سبعة التي اشتملت عليها الأحاديث الصحيحة والضعيفة، وعلى كل حال كل ما يكون سبباً في إيذاء الناس فهو حرام، ولو لم يرد به نص خاص {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [(58) سورة الأحزاب] على كل حال كل ما يكون سبب في إيذاء الناس فهو محرم، ولو لم يرد به نص.
يقول: هل يختلف المعنى للفظة الثانية: (اتقوا اللاعنين) بكسر العين وفتحها؟
يمكن فتح العين؟ يمكن؟ نعم؟ يمكن، أنطق، كيف تنطق مع فتح العين؟ هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
أو النون؟ اللاعنَين أو اللاعنِين؟ الفرق أبداً، هذه تثنية وتلك جمع، لكن الحديث هنا أجمال بيانه يدل على أنهما اثنان، فهو مثنى اللاعنين، واختلاف المعنى من جهة أن هذا مثنى وذاك جمع، والمراد بالحديث التثنية؛ لأن البيان جاء مثنى بعد الإجمال، فبيان المثنى مثنى مثله.
بسم الله الرحمن الرحيم(10/18)
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تغوط الرجلان فليتوارى كل واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدثا، فإن الله يمقت على ذلك)) رواه أحمد، وصححه ابن السكن، وابن القطان، وهو معلول.
وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن سلمان -رضي الله عنه- قال: لقد نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع أو عظم. رواه مسلم، وللسبعة من حديث أبي أيوب -رضي الله عنه-: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا)).
يقول: لا تستدبروها، فلا تستقبلوا القبلة.
الطالب: بغائط ولا بول.
ما في ولا تستدبروها؟
الطالب: لا.
نعم.
الطالب:. . . . . . . . .
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى الغائط فليستتر)) رواه أبو داود، وعنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الغائط قال: ((غفرانك)) أخرجه الخمسة وصححه أبو حاتم والحاكم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين ولم أجد ثالثاً، فأتيته بروثة، فأخذهما وألقى الروثة، وقال: ((هذا رجس)) أخرجه البخاري، زاد أحمد والدارقطني: ((ائتني بغيرها)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: ((إنهما لا يطهران)) رواه الدارقطني وصححه.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:(10/19)
"وعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تغوط الرجلان فليتوراى كل واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك)) رواه أحمد" كذا قال الحافظ، وفي بعض النسخ بياض رواه من دون ذكر للمخرج "وصححه ابن السكن وابن القطان" كثير من النسخ منسوب إلى المسند، لكن لا يوجد في المسند من حديث جابر، هو موجود فيه من حديث أبي سعيد، هو أيضاً عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي وغيرهم، وصححه ابن السكن، أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن، إمام من أئمة هذا الشأن "وابن القطان، وهو معلول" ابن القطان؛ لأن عندنا القطان وابن القطان، القطان يحيى بن سعيد، الإمام الحافظ الكبير المتقدم، وأما ابن القطان فهو أبو الحسن ابن القطان الفاسي، صاحب بيان الوهم والإيهام، ذاك متقدم وهذا متأخر، هذا في السابع، وكلاهما من أعلام هذا العلم، ومن كبار أصحاب هذا الشأن، لكن المتقدم هو المعول عليه، وهنا التصحيح للمتأخر.
"وهو معلول" الخبر معلول، بين أبو داود علته فقال: لم يسنده إلا عكرمة بن عمار العجلي اليماني، لكن هذه العلة هل هي قادحة وقد احتج به مسلم في صحيحه؟ نعم؟ عكرمة بن عمار احتج به مسلم في صحيحه، قال: "وهو معلول" لأن في إسناده .. ، أو لم يسنده إلى عكرمة بن عمار، وعكرمة محتج به في صحيح مسلم، نعم قد تكون هذه علة عند أبي داود وإن احتج به مسلم، وإن احتج به البخاري، كلهم أئمة مجتهدون، وكل له اجتهاد، حديث: ((ولا تنتقب)) وخرجه البخاري، وأعلها أبو داود، هؤلاء الذين خرجوه مع هذه العلة التي ذكرها أبو داود كلهم رووه من رواية عياض بن هلال، أو هلال بن عياض، يقول ابن المنذر: لا أعرفه بجرح ولا عدالة، ومن هذه صفاته يكون في عداد المجهولين، فيه راوٍ مجهول، إذاً هو ضعيف، فالخبر ضعيف.(10/20)
((إذا تغوط رجلين فليتوارى كل واحد منهما عن صاحبه)) وحفظ العورة واجب ((أحفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك)) فحفظ العورة واجب ((ولا يتحدثا)) ما يجلس كل واحد يتحدث مع الآخر ((فإن الله يمقت على ذلك)) وعلى كل حال الحديث فيه ضعف، وإن صححه ابن السكن وابن القطان، مع أن ابن القطان فيه شيء من التشدد، لكن فيه هلال بن عياض، أو عياض بن هلال، وهو في عداد المجهولين، وعلى كل حال جزئه الأول له ما يشهد له، فستر العورة واجب ((ولا يتحدثا فإن الله يمقت على ذلك)) الحديث أثناء قضاء الحاجة حكمه؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ألقي عليه السلام، سلم عليه بعضهم فلم يرد عليه، ورد السلام واجب، فهل ترك السلام وترك رد السلام من أجل النهي ومنع الكلام؟ أو لأن السلام اسم من أسماء الله؟
وهو السلام على الحقيقة سالم ... من كل ما عيب ومن نقصانِ
{السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} [(23) سورة الحشر] ... إلى آخره، اسم من أسماء الله -عز وجل-، نعم إذا وجد هناك حاجة وداعي، الكلام للحاجة قد يعفى عنه، لكن إذا لم توجد الحاجة فليس من المروءة ولو لم يثبت فيه شيء، أن الإنسان يتحدث وهو مقبل على حاجته ويقبل على غيره ويتحدث معه، ولو كان من وراء حجاب.
الحديث الثاني:(10/21)
"وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يمسكن -أو لا يمسن- أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)) متفق عليه، واللفظ لمسلم" "لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول" جملة: "وهو يبول" هل الحال يبين هيئة الفاعل أو المفعول؟ نعم؟ الفاعل هنا، الفاعل: أحدكم، لا يمسن أحدكم، وهو يبول، والحال أنه يبول، ومفهوم هذا الحال أنه يجوز له أن يمس ذكره في غير حال البول بيده اليمين، لا يمس أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يعني مفهوم الجملة، الحال أنه يبول، مفهوم هذه الجملة أنه إذا كان لا يبول، مفهوم هذه الجملة أنه إذا كان بغير حال البول له ذلك، لكن عرفنا من قاعدة الشرع أن اليمين إنما هي للأعمال الشريفة، تنزه عن مثل هذه الأمور، لكن هل يحرم مس الذكر باليمين؟ إذا قلنا: تنظيف الأنف يستقذر فاللائق به الشمال مثلاً، فهل يحرم على الإنسان أن ينظف أنفه بيمينه؟ اللائق به الشمال، أو نقول: هذا من باب الأدب ولا يصل إلى درجة التحريم؛ لأن كثير من أهل العلم يحمل مثل هذه الأمور ولو كانت الأوامر صريحة على أنها من باب الأدب، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن، على كل حال مفهوم الجملة أنه إذا لم يكن في حال البول أنه لا يدخل في حيز النهي، وإن كان الأصل اليمين إنما تتخذ للأمور الشريفة لا الوضيعة.
((ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)) كذلك، يتمسح من الخلاء بيمينه بمعنى أنه لا يمسك بالآلة التي يتمسح بها بيمينه، الحجر مثلاً، الحجر للاستنجاء في اليمين أو في الشمال؟ في الشمال.(10/22)
((ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)) وهنا النهي عن إمساك الحجر الذي هو آلة الاستنجاء باليمين، أما لو باشر النجاسة بيمينه فقد نقل الإجماع على التحريم، متى يباشر النجاسة؟ في حال الاستنجاء بالماء، هو يباشر النجاسة، لكن بشماله، أما لو باشرها بيمينه فنقل الإجماع على ذلك ((ولا يتنفس في الإناء)) يعني لا يخرج نفسه في الإناء، بل إذا أراد أن يتنفس يصرف وجهه عن الإناء؛ لأن يخرج من فمه أو أنفه شيء يقذره عليه أو على غيره، يعني ومن باب أولى أن لا يعطس في الإناء؛ لأن التنفس أخف من العطاس، والعطاس مظنته لخروج الشيء أقوى منه من التنفس، وعلى كل حال هذه من الآداب الشرعية التي على المسلم أن يلاحظها، اليمين للأمور الشريفة، للأكل والشرب، والأخذ والإعطاء، والشمال للأمور المستقذرة، ولذا يفضل أهل العلم دخول المسجد باليمين، والخروج بالعكس، وجاء الخبر بلبس النعل اليمني قبل اليسرى، وخلع اليسرى قبل اليمنى وهكذا، الاستياك باليمين وإلا بالشمال؟ يعني إذا كانت الأسنان نظيفة، وليس فيها وسخ ولا قذر، والمستاك يريد تطبيق السنة فقط، لا لحاجة إلى السواك وهكذا، فباليمين، فإن كان هناك قذر يزال فالشمال، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
نعم هو معنى ما ذكره الأخ، شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يقول: "لا أعلم أحداً من الأئمة قال: بالاستياك باليمين" مع أنه جده المجد يقول به، جده، إلا إذا كان يريد بالأئمة المتبوعين، فيمكن، وإلا قيل من قبل بعض أهل العلم بأنه عبادة، هذه حجتهم ووجهتهم.
والحديث الذي يليه حديث:
"سلمان -رضي الله عنه- قال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم" رواه مسلم" ورواه أيضاً الأربعة مع مسلم.(10/23)
"نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لقد نهانا اللام لام التأكيد، أو موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لقد نهانا، وقد حرف تحقيق، نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، النهي طلب الكف، والأصل في النهي هنا. . . . . . . . . في مسجده -عليه الصلاة والسلام- وعلى عهده. . . . . . . . . مرفوع اتفاقاً لا خلاف في مثل هذا.
نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل في أحد يقول: إن مثل هذا موقوف؟ لا، لكن يبقى النظر في التعبير عن النهي، تعبير الصحابي عن النهي التي صيغته لا الناهية،. . . . . . . . .
الطالب:. . . . . . . . .
متأكد؟ هاه؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(10/24)
الرسول إذا قال: لا تستقبلوا، طيب وإذا قال الصحابي: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة، نفس الكلام نعم؛ لأنه إذا قلنا: هل هو نهي وإلا ما هو نهي؟ إذا قال الصحابي: نهانا، جماهير الأمة على أنه بمثابة قوله: لا تفعلوا ولا فرق، بمثابة قوله: لا تفعلوا ولا فرق بين "لا تستقبلوا" وبين قول الصحابي: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل؛ لأنه كما يطرأ صرف النهي من التحريم إلى الكراهة في التعبير عن النهي بنهانا بلفظ النهي يطرأ أيضاً على صريح النهي، جماهير أهل العلم على أنه لا فرق بين قول الصحابي: نهانا، وبين قوله -عليه الصلاة والسلام-: لا تفعلوا، خالف في هذا داود الظاهري، وبعض المتكلمين، قالوا: هذا لا يدل على نهي، حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، لماذا؟ لاحتمال أن يسمع الصحابي كلام يظنه نهي، وهو في الحقيقة ليس بنهي، مثل ما تفضل الأخ، هذا كلام داود الظاهري وبعض المتكلمين، وهو قول ضعيف جداً، بل لا يلتفت إليه، قال به أئمة، داود إمام من أئمة المسلمين، داود إمام، وعلى كل حال كل له هو هفوة، لماذا؟ هل نظن أن الصحابي يسمع كلام يظنه أمر أو نهي وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي؟ يمشي ها الكلام؟ يمشي مثل هذا الكلام الصحابة الذين نقلوا لنا الدين لا يفهمون مقاصد الشرع؟ من يفهمها إذا لم يفهمها الصحابة؟! الصواب أنه لا فرق بين قوله -عليه الصلاة والسلام-: لا تفعلوا كذا، وبين قول الصحابي: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولذا جاء الحديث: ((لا تستقبلوا القبلة)) فدل على أنه لا فرق بين التعبير عن النهي وبين صريح النهي ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)) نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، نهانا أن نستقبل القبلة، فاستقبال القبلة أخذاً من هذا الحديث وغيره من الأحاديث حرام، حال قضاء الحاجة في البول والغائط، وجاء أدلة أخرى ما يدل على تحريم الاستدبار: ((لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول)) وجاء ما يدل على الجواز، حديث ابن عمر رقيت إلى بيت حفصة والنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يقبض بعام وهو مستقبل الشام مستدبر الكعبة، منهم من يقول: هذا في الاستدبار دون الاستقبال، ومنهم(10/25)
من يقول: هذا في البينان دون الصحراء، وهذا أقرب، أنه إذا كان هناك حائل بنيان أن الاستقبال والاستدبار لا شك أنه أخف من الفضاء؛ لشرف هذه الجهة، هل يقول قائل: الشخص إذا كان في الفضاء بينه وبين الكعبة أبينة ومدن وبلدان فلا فرق بين الفضاء والبينان؟ أو المقصود النهي عن استقبال الجهة جهة القبلة؟ نعم، وإلا الكعبة لا يتمكن أحد من استقبالها، في أحد يمكن أن يستقبل؟ يفضي بفرجه إلى الكعبة دون بنيان؟ لا يمكن، يعني يتصور شخص يبول في المطاف، أو يتغوط في المطاف، أو في صحن المسجد؟ لا يمكن، يعني كونه قد يوجد من بعض الأشرار أو من بعض السفهاء من الصبيان أو المجانين أو ما أشبه ذلك هذا لا يعني أنه محتمل، لا، هذا الاحتمال وجوده مثل عدمه؛ لأن المسألة مسألة حكم شرعي.
"أن نستقبل القبلة بغائط أو بول" فالمرجح عند جمع من أهل العلم أن الممنوع الاستقبال والاستدبار في الفضاء دون البينان، والصارف هو ما سمعت من حديث ابن عمر وغيره، وحديث أبي أيوب أيضاً وسيأتي، "أو أن نستنجي باليمين" وهذا تقدم الكلام فيه "أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار" كما جاء في حديث ابن مسعود: ((ائتني بثلاثة أحجار)) وسيأتي، فأقل المجزئ في الاستنجاء ثلاثة أحجار، فلا بد من ثلاثة أحجار، مع الإنقاء، لو استنجى بثلاثة أحجار ولم ينقِ، نقول: زد رابع، ويسن لك أن تقطع على وتر، إن أنقى الرابع فزد خامس لتقطع على وتر، ((ومن استجمر فليوتر)).(10/26)
"أو أن نستنجي برجيع أو عظم" وسيأتي. . . . . . . . . والعظم زاد الجن، والأرواث زاد دوابهم وعلفها، وسيأتي هذا في الأحاديث اللاحقة، بعضهم يحمل أحاديث النهي عن استقبال القبلة على الكراهة، كراهة التنزيل والصارف من التحريم إلى الكراهة ما سمعتم، من كونه -عليه الصلاة والسلام- وجد على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، وحديث أبي أيوب ننحرف قليلاً ونستغفر الله، هذه صوارف من التحريم إلى الكراهة، لكن الأصل التحريم، ويبقى على أصله، وتخرج الصور التي جاءت فيها الرخصة، منهم من يقول: النهي عن الاستقبال باقي على عمومه، وفعله -عليه الصلاة والسلام- خاص به، لماذا؟ لأنه حكاية فعل، والأفعال لا عموم لها، والعموم من خواص النطق، حكاية فعل، وهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن عداه مخاطب بقوله: ((لا تستقبلوا القبلة)) لكن مثل هذا في أي صورة؟ دعوى التخصيص بمثل هذا، استقبال القبلة أو استدبارها حال البول صفة كمال أو نقص؟ أليس النهي عن استقبال القبلة من تعظيم الشعائر؟ وأولى من يعظم الشعائر أتقى الناس وأخشاهم لله -عز وجل- وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ منهم من إذا رأى التعارض بين قوله -عليه الصلاة والسلام- وبين فعله من يبادر إلى أن هذا خاص به، والقول متجه إلى ما عداه، نقول: ننظر إلى هذا الفعل، إن كان أكمل من القول فالرسول أكمل من غيره، يليق به هذا الكمال، وإن كان أنقص نقول: خاص به؟ لا، كل كمال طلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، النبي أولى به -عليه الصلاة والسلام-، يذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك، ابن عبد البر وابن حجر يقولون: الخصائص لا تقبل التخصيص، يعني ضد هذا القول، الخصائص لا تقبل التخصيص كيف؟ الخصائص لا تقبل التخصيص، من الخصائص قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) طيب معنى حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) ....(10/27)
شرح: بلوغ المرام - كتاب الطهارة (11)
تابع: باب قضاء الحاجة، وباب: الغسل وحكم الجنب
الشيخ: عبد الكريم الخضير
((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) طيب معنا حديث أبي مرثد قال: ((لا صلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) هل نخصص ((جعلت لي الأرض)) بالمقبرة مثلاً؟ على كلامهم ما تخصص ((جعلت لي الأرض)) باقية على عمومها؛ لأن الخصائص لا تقبل التخصيص، لماذا؟ لأن هذه الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تقليل لهذا التشريف، ولذا قالوا: الخصائص لا تقبل التخصيص، حق النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الخصائص إذا عورض بحق الله -عز وجل- فأيهما أولى بالمحافظة؟ نعم حق الله -عز وجل- أولى بالمراعاة، فالمنع من الصلاة في المقبرة وإلى القبور رعاية لحق الله -عز وجل-. . . . . . . . .
وعلى هذا لا يخصص حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) بمثل هذا، في حديث جرهد: ((غطِ فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس وهو في الصحيح، حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه، يقول بعضهم: إن حسر الفخذ من خواصه -عليه الصلاة والسلام- وحديث: ((غطِ فخذك)) هذا بالنسبة للأمة نقول: هل كشف الفخذ أكمل من تغطيته أو أقل؟ التغطية أكمل بلا شك، إذاً لا نقول: بأن هذا من خصائصه؛ لأن الكمال المطلوب من الأمة النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، في كلام يطول في توضيح هذه المسألة وشرحها، له مقامات أخرى -إن شاء الله تعالى-.
"أو أن نستنجي بأقل من ثلاث أحجار" وفي حديث ابن مسعود الذي وسيأتي. . . . . . . . . "أو أن نستنجي برجيع أو عظم"، وسيأتي البيان في الأحاديث اللاحقة.(11/1)
الحديث الذي يليه: وللسبعة من حديث "أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: ((لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول أو غائط، ولكن شرقوا أو غربوا)) " ولكن شرقوا أو غربوا هذا الخطاب لمن؟ لأهل المدينة، ومن كان في سمتها، والجهة المقابلة لها، يعني يقال لأهل المدينة: إذا أردتم البول أو الغائط فشرقوا أو غربوا، يقال لأهل الشام: إذا أردتم الغائط شرقوا أو غربوا، يقال لأهل الجنوب -جيزان وعسير واليمن- شرقوا أو غربوا، لكن أهل المشرق والمغرب يقال: شرقوا أو غربوا؟ لا؛ لأنهم إن شرقوا استقبلوا القبلة، وإن غربوا استدبروا القبلة، فالخطاب خاص بأهل المدينة ومن كان على سمتها، وبهذا نعلم ضعف ما جاء من النهي عن استقبال النيرين الشمس والقمر، حال البول والغائط، لما فيهما من نور الله -عز وجل-، هذا التعليل، نقول: لا قوله: ((شرقوا أو غربوا)) يرد هذا القول؛ لأنه يشرق بوقت طلوع الشمس في الصباح وتستقبل القبلة، وإن غرب وقت غروبها استقبلها، ومثل هذا. . . . . . . . .، على كل حال هذا القول ضعيف، ولا معول عليه؛ لأنهما مخلوقان من مخلوقات الله -عز وجل-، لم ترد علة صحيحة، ولا أثر يعتمد عليه في ترك مثل هذا.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من أتى الغائط فليستتر)) رواه أبو داود" وهو ضعيف، مداره على أبي سعد أو سعيد الحبراني، ومختلف عنه، والراوي عنه مجهول، فالخبر ضعيف ((من أتى الغائط فليستتر))، وهناك الخبر الذي قبله: ((فليتوارى)) وأقوى منهما: ((احفظ عورتك)).
((من أتى الغائط فليستتر)) الأصل في الغائط أنه المكان المطمئن المنخفض الذي يقصده من أراد قضاء الحاجة، فنقل هذا اللفظ إلى نفس الخارج الذي يوضع في هذا المكان المنخفض، فصار حقيقة عرفية فيه، الحديث كما ذكرنا ضعيف مداره على أبي سعد الحبراني، والراوي عنه مجهول، وإن حسن إسناده الحافظ في فتح الباري، وصححه ابن حبان والحاكم على كل حال الحديث ضعيف، وإن كان معناه صحيح، ولا تلازم بين صحة المعنى وصحة الخبر، وهل هناك تلازم بين ضعف المعنى وضعف الخبر؟ فيه تلازم؟ نعم؟ في تلازم.(11/2)
"وعنها -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الغائط قال: ((غفرانك)) أخرجه الخمسة، وصححه الحاكم وأبو حاتم".(11/3)
وعنها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا خرج من الغائط قال: ((غفرانك)) مصدر نائب عن فعله، أي: اغفر، غفرانك، أو أطلب غفرانك، مصدر نائب اغفر، أو مفعول لفعل محذوف أصله: غفرانك، هذا الحديث حسنه جمع من أهل العلم، وصححه أبو حاتم والحاكم، على كل حال هو قابل للتصحيح، أما أقل ما يقال فيه: إنه صحيح، وعلى هذا على الإنسان أن يعتني بمثل هذا، أن يطلب مغفرة الله -عز وجل- كل ما غفل عن ذكره، فإذا غفل عن الذكر، وأخذ وقتاً في محل قضاء الحاجة التي لا يليق الذكر فيه يقول: غفرانك، فطلب المغفرة مطلوب لا سيما مع الغفلة، فضلاً عن مقارفة المكروهات، ناهيكم عن مقارفة المحرمات؛ لأن التوبة والمبادرة بها واجب، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إذا خرج من الخلاء يقول: غفرانك، فغيره ممن هو متلبس بالذنوب والمعاصي من باب أولى، كونه -عليه الصلاة والسلام- مغفور له لا يعني أنه لا يستغفر {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [(19) سورة محمد] {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [(3) سورة النصر] غفرانك امتثال للأوامر؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- في هذا. . . . . . . . .، فالمكان غير لائق، فيعوض؛ لأنه ارتكب هنا خلاف الأولى، الأولى أن يكون العمر معمور بذكر الله -عز وجل-، هذا المطلوب لكل مسلم ((لا يزال لسانك رطب بذكر الله -عز وجل-)) {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] ((سبق المفردون)) والذكر لا يكلف أبداً، وأنت قائم قاعد مضطجع على أي حال أنت، واللسان متحرك متحرك، إن ما حركته بالخير يتحرك بضده، وهناك أذكار رتب عليها من الأجور الشيء الكثير، من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، حرز، كتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة خطيئة، وحفظ من الشيطان، من قالها عشر مرات إضافة إلى يحيى ويميت كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، عشر مرات في دقيقة تقال، ومائة مرة في عشر دقائق، سبحان الله وبحمده في دقيقة ونصف حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، والحرمان لا نهاية له، الشخص المحروم ما فيه شيء .... ، تجده لا(11/4)
يفتر من الكلام من القيل والقال في المباح والمكروه والمحظور، في العظائم، ويلقي الكلام لا يلقي له بال فـ ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في النار سبعين خريفاً)) فالله المستعان، والأذكار فيها ما سمعتم، ((سبق المفردون)) ... ، يعني الذاكرون، الذكر يا إخوة، الذكر يا معاشر الإخوان أمره وشأنه عظيم، وذكر ابن القيم من فوائده الشيء الكثير في مقدمة الوابل الصيب، فعلينا أن نعنى به، وأفضل الأذكار تلاوة القرآن، ومع الأسف الشديد كثير من طلبة العلم ليس له نصيب محدد من تلاوة القرآن، إن تيسر له أن يحضر إلى المسجد قبل الإقامة خمس عشر دقائق قرأ وإلا فلا، نقول: لا بهذه الطريقة تضيع القرآن، بل لا بد أن تعطي للقرآن، وتفرض له وقت من أنفس الأوقات لديك؛ لأنه كلام الله.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ
فضله كفضل الله على خلقه، كل حرف فيه عشر حسنات، والختمة ثلاثة ملايين حسنة، ما تكلف شيء، وبعض الناس مع الأسف الشديد قد يأتي يطلب من شخص حاجة وهو يراه يقرأ القرآن وهذا واقع، جالس في المسجد يقرأ القرآن فيأتي يطلب منه شيء، يقول: والله أنا مشغول، يقول: سبحان الله يقول: أنا مشغول وهو قاعد يقرأ القرآن؟! هذا مشغول؟! يستغرب من كونه مشتغل بكتاب الله، ومع الأسف أن هذا يوجد في طلبة العلم، يأتي يطلب خير ما هو بيطلب شر، يقول: نقرأ عليه ربع ساعة نص ساعة تقول له: مشغول، يقول: مشغول! كيف مشغول؟ يستغرب أن تكون مشغول بكتاب الله، وهذا خلل، "وبالهم المهم ابدأ" أهم المهمات كتاب الله، وما يعين على فهم كتاب الله، هو الكلام الوحيد الذي تعبدنا بتلاوته، مجرد قراءته تحصيل للحسنات، التدبر قد زائد، فهم عمل تطبيق كل هذا قدر زائد، وما عداه لا تؤجر على قراءته إلا إذا انتفعت به، فعلينا أن نعتني بكتاب الله والأذكار عموماً، إضافة إلى ما نحن بصدده من طلب العلم وتعلمه وتعليمه، الله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .(11/5)
نعم، جاءت بها أخبار تقال عند الخروج من الخلاء، كما في حديث أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) لكنه حديث ضعيف، وجاء عنه سؤال، هناك أمور أخرى ((الحمد الذي أدركني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه)) لكن هذه أحاديث كلها ضعيفة، ومنه أيضاً أنه ما ينسب لنوح وما كان من جملة شكره يقول: ((الحمد الله الذي أذهب عني أذاه، ولو شاء حبسه فيّ)) على كل حال كل هذه لا تثبت، نقف على حديث ابن مسعود؛ لأن الأسئلة كثيرة جداً، والإخوان متوافرون الآن أكثر من .... ، وممن خرج جمع من الإخوة، لكن هنا ...
هذا يقول: المقارنة بين شروح الكتب الستة وعدتم بكتابة تنقيح فهل تم ذلك؟
لم يتم، بيتم -إن شاء الله-، لكن إلى الآن ما تم.
وماذا عن شرح مختصر الزبيدي فنحن حريصون على استمراره وعلى كتابته؟
إن شاء الله النية استمراره، هذا النية -إن شاء الله تعالى-.
في سؤال يتعلق بالبخاري؛ لأنه مر تضعيف من قبل أبي داود -رحمه الله-، لفظة: ((ولا تنتقب)) نعم هل يعني وجود أحاديث معلة في البخاري أننا لا نحتج بها؟
كونه يوجد فيه أحاديث أعلت من قبل أهل العلم لا يعني أن واقعها معلة، مع البخاري وليس بالمعصوم، لكن كتابه تلقته الأمة بالقبول، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل-، وكون أبي داود يعل، أو الدارقطني يعل، أو غيرهم يعل، هم أئمة مجتهدون، لكن كم نسبة المعل في البخاري إذا قارناها بالنسبة للمعل عند الدارقطني؟ لا مقارنة، وكم نسبة المعل في صحيح البخاري إذا قارناه بالنسبة لما أعل في سنن أبي داوود؟ لا نسبة، لا مقارنة، على كل حال كلهم أئمة، ويبقى أن أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل- صحيح البخاري.
أيهما أفضل حفظ زاد المستقنع أم العمدة أم منهج السالكين؟ المقارنة بينهم أيهم أقرب للصواب، وأفود للتطبيق؟(11/6)
الأكثر فائدة للتطبيق الزاد؛ لأنه أكثر مسائل، وأعقد أسلوب، قد يقول قائل: ليش التعقيد إلى هذا الحد؟ نقول: إذا فهم الكتاب الصعب ففهم ما دونه من باب أولى، والحمد لله الآن يمكن أن تتمرن على هذا الكتاب رغم صعوبة أسلوبه فيما كتب عليه من الشروح، وما سجل عليه من دروس، يقوى على هذه فيجتمع عندك التمرين على أساليب المتقدمين بأجلى صورها، وتستفيد أكثر المسائل، أما العمدة كتاب معتمد عند أهل العلم، وذلله الموفق -رحمه الله تعالى- ليكون للمبتدئين؛ ليرقى بعده إلى المقنع، ثم الكافي، ثم المغني وهكذا، المقصود أن هذه الكتب كلها نافعة، منهج السالكين كتاب لطيف وسهل، ينبغي لطالب العلم أن يعتني به، لكن مسألة التفقه ذكرنا أنها تكون على الجواد المطروقة، والسبل المتبعة عند أهل العلم.
لا شك أن الأحوط بل الأكمل أن يمسح ثلاثاً، سواء كانت هذه المسحات الثلاث بحجر أو بحجرين أو بثلاثة، المقصود أنه يمسح ثلاثاً على الأقل، إذا لم ينقِ بثلاثة أحجار عليه أن يزيد رابع، وإذا لم ينقِ بالأربعة عليه أن يزيد خامساً، إذا أنقى بأربعة زاد الخامس من أجل أن يقطع الاستجمار على وتر، كما جاء في الحديث الصحيح: ((ومن استجمر فليوتر)) قد يقول قائل: لماذا لا تجزئ الروثة؟ جاء في الحديث الذي يليه حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن نستنجي بعظم أو روث، وقال: ((إنهما لا يطهران)) رواه الدارقطني وصححه"، وأخرجه ابن خزيمة بلفظه، والبخاري بمعناه، وجاء من حديث رويفع ((لعل الحياة تطول بك يا رويفع فأخبر الناس أن)) هاه؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(11/7)
((أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمداً منه بريء)) وهنا يقول: نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: ((إنهما لا يطهران)) عزاه المصنف للدارقطني، وذكر تصحيح الدارقطني، على أن ابن عدي أعل الحديث، أعله ابن عدي، وهو مخرج أيضاً في صحيح ابن خزيمة، ومعناه في صحيح البخاري، والنهي عن الاستنجاء بالروث والعظم ثابت، والعلة في ذلك ظاهرة، العلة أن العظم زاد أخوانكم من الجن، وقد سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- الزاد، فقال: ((لكم كل عظم يعود أوفر ما كان قبل أن يؤكل)) وأما الروث فهو علف دوابهم، يعود حباً كما كان، وقال: ((إنهما لا يطهران)) لا يطهران هل معنى هذا أنهما لا يزيلان أثر النجاسة، أو أن النجاسة قد تزول بهما، لكن الطهارة لا تحصل بهما؟ لكن أثر النجاسة قد يزول، العظم أملس كالزجاج قد لا يزيل الطهارة إلا في بعض جوانبه، أو إذا تقادم العهد به وأخشوشن فإنه يزيل أثر النجاسة، كذلك الروث يزيل أثر النجاسة، كيف يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إنهما لا يطهران؟ )) حكماً، لا يطهران حكماً، وإن حصلت الطهارة حقيقة، لماذا؟ الآن عندنا نهي، والنهي يقتضي إيش؟ التحريم من وجه، هو محرم بلا شك، لكن هل تترتب آثاره عليه أو لا تترتب؟ كل نهي لا تترتب آثاره عليه؟ المعنى هل كل نهي يقتضي الفساد والبطلان، أو من النواهي ما يقتضي الصحة مع الإثم ومن النواهي ما يقتضي البطلان مع حصول الإثم؟ قوله: ((إنهما لا يطهران)) يدل على أن النهي هنا اقتضى الفساد، هل كل نهي يقتضي الفساد، أو من النهي ما يقتضي الفساد، ومن النهي ما يقتضي الفساد؟ والمسألة تحتاج إلى تفصيل، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .(11/8)
إيه، ما نهي عنه لذاته يقتضي الفساد، ما نهي عنه لشرطه أو لوصفه الملازم له عند أهل العلم يقتضي الفساد أيضاً، ما نهي عنه لوصف غير ملازم أو لأمر خارج عنه فإنه لا يقتضي الفساد، هذا فرق بين من صلى وقد ستر عورته بمحرم، بمغصوب أو بحرير، هذا شرط، وبين من صلى وبيده خاتم ذهب، أو على رأسه عمامة حرير، هذا النهي عاد لأمر خارج لا أثر له في العبادة، الجهة منفكة، وإن كان أهل الظاهر يرون أن كل من تلبس بمعصية أثناء العبادة بطلت العبادة عندهم، ولذا يبطلون الصلاة في المسجد المزخرف للنهي عن زخرفة المسجد، النهي عاد لأمر خارج عن الصلاة، عندهم كل نهي يقتضي الفساد؛ لأنه لا يجتمع النقيضان أمر ونهي في آن واحد، عبادة ومحظور في آن واحد، أمر ونهي، إثم وأجر، ما يجتمع عندهم، نقول: إذا توارد الأمر والنهي الأجر والإثم على شيء واحد امتنع، يعني مع اتحاد الجهة، أما مع انفكاك الجهة فيمكن، يمكن مع انفكاك الجهة، هذا الكلام مفهوم وإلا ما هو مفهوم؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(11/9)
إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، السجود للصنم مثلاً منهي عنه وإلا لا؟ منهي عنه، إذاً هذا السجود باطل، ما نقول: هو آثم؛ لأنه سجد لغير الله، ومأجور لأنه سجد ... ، وقد أتى ما أمر به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحج] سجد هو، وكونه لغير الله يأثم من هذه الحيثية ويؤجر من تلك .. ؟ لا الجهة واحدة، فهذا السجود منهي عنه لذاته، لكن شخص صلى وعلى رأسه عمامة حرير، هو مأمور بالصلاة كونه ارتكب هذا المحظور. . . . . . . . . أمر خارج عن الصلاة. . . . . . . . . بأصبعه خاتم ذهب يأثم لارتكابه المحظور، وصلاته صحيحة؛ لأن الجهة منفكة، لكن إذا توارد الأمر والنهي على شيء واحد هل يمكن أن نقول: إن له أجره وعليه أثمه؟ كما يقول بعض الأشعرية: إنه يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، كيف؟ يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها؟ هو منهي عن الزنا، ومأمور بغض البصر، وقع في المحرم، يقصد المأمور، نقول: الجهة واحدة ليست منفكة، والأمر بغض البصر إنما أمر به من أجل أن لا تحصل هذه الغاية وقد حصلت، فالمذهب الوسط في هذه المسألة أن لا نبالغ في إنفكاك الجهات كما تقول الأشعرية كما في هذا المثال، ولا نقول: إن كل نهي يقتضي الفساد فنجعل الجهة واحدة مع انفكاكها كما تقول الظاهرية، شخص يدخن في حال استعماله للدخان رأى أخر يدخن فقال: يا أخي لا تدخن الدخان حرام، وش الحكم؟ هو مأمور بإنكار المنكر، كما أنه مأمور باجتنابه، فهو يرتكب محظور، ويمتثل مأمور في آن واحد، يتصور وإلا ما يتصور؟ ما هو كثير من الناس متلبس بمعصية ويكف أولاده ومن تحت يده عنها، لما فيها من الضرر، ولذا يقول أهل العلم: إنه لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون معصوماً، أو غير مقارف للمعاصي لا ما يشترط، لكن إذا كان في الأمر ما يقتضي الاستهتار فإنه لا يجوز له في هذه الحالة أن يأمر، ولو كان مطالباً بالأمر، إذا كان الوضع يشعر باستهتار، في حال الدخان قد يقول: أنا مبتلى وعجزت وحاولت ولا استطعت، فنصحيتي لك أن لا تدخن؛ لأن الدخان حرام، ومضر بالصحة وكذا، هذا مقبول إلى حد ما، لكن شخص على كرسي الحلاق يحلق لحيته، وأخر يحلق لحيته(11/10)
يلتفت إلى الآخر يقول: حلق اللحية حرام! أليس هذا يشعر بشيء من الاستهتار؟ إذا كان للدخان دافع ويمسك على ما يقولون الناس بحيث لا يستطيع الإنسان أن يفك، على حسب دعواهم، يقول: إنه حاول ولم يستطع تركه، فهو ينهى عنه؛ لأنه مضر؛ ولأنه اقتنع أنه محرم، قال: حرام ولكنه لا يستطيع أن ينفك عنه، هذه دعوى كثير من الناس، نقول: قد تقبل مثل هذه على أنه يبقى حرام، لكن له أن ينكر على غيره، لكن وهو يزاول المعصية في صورة المستهتر وينكر! وهذا كله استطراد حول قوله: وقال: ((إنهما لا يطهران)) وهل كل نهي يقتضي الفساد أو تختلف النواهي؟
الحديث الذي يليه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، الحديث السابق حديث أبي هريرة أيضاً رواه الدارقطني وصححه، وهو أيضاً مر عند ابن خزيمة والبخاري بمعناه، وأعله ابن عدي، فالحديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه، أعله ابن عدي، وهل كل علة تكون مؤثرة تقدح في الخبر؟ نعم؟ يعني إذا صحح الحديث الدارقطني والعقيلي وأخرجه البخاري بمعناه وهو عند ابن خزيمة ويشترط الصحة، وإذا خرجه ابن خزيمة لنا أن نقول: صححه ابن خزيمة، إذا أعل الحديث هل كل علة تقدح في الخبر؟ أو من العلل ما لا يقدح في الخبر؟ نعم؟ جميع العلل تقدح في الأخبار أو في علل ما تقدح؟ نعم، ولذا يقيدون العلة المشترط انتفاؤها لصحة الخبر أن تكون قادحة، ولذا يقول الحافظ العراقي:
فالأول المتصل الإسنادِ ... بنقل عدل ضابط الفؤادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ ... وعلة قادحة فتوذي(11/11)
فدل على أن من العلل ما لا يقدح، نأتي إلى حديث أبي هريرة: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((استنزهوا من البول, فإن عامة عذاب القبر منه)) رواه الدارقطني" وقال الصواب: مرسل ((استنزهوا من البول, فإن عامة عذاب القبر منه)) جاء في حديث صاحبا القبرين أن أحدهما كان لا يستنزه من بوله ((إنهما لا يعذبان، وما يعذبان في كبير)) ثم قال: ((بلى إنه كبير، كان أحدهما لا يستنزه من بوله)) وفي رواية: ((كان لا يستبرئ من بوله)) وفي رواية: ((كان لا يستتر من بوله)) وفي رواية أشير إليها في النهاية على ما سيأتي: ((كان لا يستنثر من بوله)) لكن الرواية بلفظ: ((لا يستنزه) أو ((لا يستبرئ)) أقوى وأفضل، فدل على أن الاستنزاه من البول أمر واجب لا بد منه، وعدم الاستنزاه والاستبراء محرم ((فإن عامة عذاب القبر منه)) لأن الإنسان لا يعذب إلا على فعل محرم، أو على ترك واجب، فالاستنزاه واجب، فإذا ترك عُذب، عدم الاستنزاه محرم فإذا حصل العدم عذب، فهو محرم، على خلاف بين أهل العلم في هذا هل هو كبيرة أو ليس بكبيرة؟(11/12)
((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير)) بهذا استدل من يقول: إن هذا ليس بالكبائر، ثم جاء الاستدراك: ((بلى أنه كبير)) كيف يثبت وينفي في آن واحد؟ كلام أهل العلم معروف في هذا، أنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، يعني على حسب اعتقادهما، أو فيما هو معروف متداول بين الناس، هذا أمر يسير عند الناس، والدليل على ذلك كونهم يتساهلون فيه، يتساهل الناس في النميمة، يتساهل الناس في كثير من الذنوب، فليست بكبائر عندهم، وهي في الحقيقة كبائر، ولذا جاء في الحديث الصحيح ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً)) يستسهلها ويستصغرها، ومع ذلك يهوي بها في النار سبعين خريفاً، نسأل الله العافية، فكون الإنسان يستصغر هذا الأمر، حشف وسوء كيل، يعني يرتكب المحرم ويتساهل في أمره، ويتكرر منه؛ لأنه لا يراه كبيراً، وهو في الحقيقة كبير، ولذا عد الذهبي عدم الاستنزاه من البول من كبائر الذنوب، والله المستعان، "رواه الدارقطني، وقال: الصواب مرسل" لكن الحديث له شواهد، ومما يشهد له حديث صاحب القبرين وهو في الصحيح، مخرج في الصحيحين وغيرهما، فهو صحيح بشواهده، وإلا فالأصل عند الدارقطني مرسل، ولذا قال الدارقطني: الصواب مرسل، فالذي يحتج بالمرسل ما عنده مشكلة، والذي لا يحتج بالمرسل يرد مثل هذا الخبر، لكن يقبله من جهة أخرى، قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وللحاكم: ((أكثر عذاب القبر من البول)) وهو صحيح الإسناد" رواه الحاكم وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولا يعرف له علة، وقال الذهبي: له شاهد، أين الشاهد؟ الحديث الذي قبله: ((استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه)) أكثر عذاب القبر وعامة عذاب القبر، ما في فرق، والشاهد إيش معنى الشاهد؟ ما معنى الشاهد؟ نعم؟ يعني عن طريق صحابي آخر؟
الطالب:. . . . . . . . .
الفرق بين الشاهد والمتابع؟ هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
طيب، الشاهد والمتابع نعم؟ هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .(11/13)
طيب مختلف، نعم، الشاهد يكون عن صحابي آخر، والمتابع عن نفس الصحابي، هذا الذي استقر عليه الاصطلاح، وإن كان بعضهم يرى أن الشاهد ما جاء بالمعنى، والمتابع ما جاء في اللفظ، وعلى كل حال المقصود من الشواهد والمتابعات التقوية، ومنهم من يطلق الشاهد على المتابع، ومنهم من يعكس، على كل حال يقول الذهبي: له شاهد، والشاهد الحديث الذي قبله، وهل هذا الحديث مع الذي قبله لأن الحديث الثاني عن أبي هريرة أيضاً، كون الحديثين معناهما واحد عن صحابي واحد هل نجزم بأنهما حديث واحد، أو حديثان؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
يعني مرة أداه أبو هريرة بهذا اللفظ، ومرة أداه باللفظ الآخر، أو الرواة عنه رووه بالمعنى؟ هو المخرج واحد بلا شك، المخرج أبو هريرة ((فإن عامة عذاب القبر منه)) وهنا ((أكثر عذاب القبر من البول)) الذي يغلب على الظن أنه حديث واحد، وعلى هذا يكون الشاهد حديث صاحبي القبرين، النبي -عليه الصلاة والسلام- مر بقبرين ثم أخبر أنهما يعذبان وما يعذبان بكبير .. إلى آخره، هذا هو الشاهد، كما قال الذهبي، وقال الذهبي: له شاهد، على أن أبا حاتم الإمام أبو حاتم الرازي أعل الحديث، وقال: إن رفعه باطل، وعلى هذا يكون من قول أبي هريرة، رفعه للنبي -عليه الصلاة والسلام- باطل، وعلى هذا يكون الكلام لأبي هريرة، وإذا تعارض الرفع مع الوقف .. ، يعني رفعه بعضهم، ووقفه آخرون، فما الحكم؟ يعني مقتضى صنيع الحاكم وموافقة الذهبي أنه مرفوع، ومقتضى كلام أبي حاتم أن رفعه باطل، على هذا يكون موقوفاً، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ فإذا تعارض الرفع مع الوقف فما الحكم؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(11/14)
نعم يا إخوان؟ يحكم بالرفع؛ لأن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، صح؟ هاه؟ كيف أجل تحكم بالرفع؟ يحكم بالرفع لأن من رفع يعني ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن وقف حذف النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذكر زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، هذه حجة من قال: إنه يحكم لمن رفع، بينما من قال: الحكم لمن وقف قال: لأنه الوقف متيقن، أبو هريرة قطعاً مذكور في الحديث، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مرة ذكر ومرة ما ذكر، قال: نقتصر على المتيقن، ونطرح المشكوك فيه، فالوقف هو المتيقن، فالحكم لمن وقف، لكن المتأخرين يجزمون على أن الحكم للرفع، وللوصل، وزيادة الثقة مقبولة عندهم، والأئمة لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، يتركون الحكم للقرائن المرجحة، ولذا أبو حاتم نفسه حكم على هذا بأن رفعه باطل، وحكم على أحاديث أخرى بأنها رفع، بأن هذا هو الصواب، فليست لهم قاعدة مطردة في هذا، بل يتركون الحكم للقرائن.
على كل حال الحديث معناه صحيح، ويشهد له حديث صاحبا القبرين، وهو صحيح في الصحيحين وغيرهما، والحديث الذي قبله أيضاً بمعناه، أكثر عذاب القبر من البول، والذي قبله: ((استنزهوا من البول)) والذي قبله ((استنزهوا من البول)) وفي حديث صاحبي القبرين ((كان لا يستنزه من البول)) وفي رواية: ((من بوله)) فـ (أل) في البول في هذه الأحاديث تقوم مقام المضاف إليه؛ لأنه جاء في بعض الروايات: ((كان لا يستنزه من بوله)) فالمقصود من البول المذكور في هذه الأحاديث هو بول الآدمي، وإن زعم الشافعية ونصره ابن حجر بقوة أن كلمة البول جنس تعم جميع الأبوال، وبهذا يستدل على نجاسة جميع الأبوال حتى بول ما يؤكل لحمه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر العرنيين أن يشربوا من ألبان الإبل وأبوالها، فـ (أل) هنا ليست جنسية، وإنما هي قائمة مقام المضاف إليه، الضمير كما جاء في رواية أخرى: ((كان لا يستنزه من بوله)) وعلى هذا فالمرجح طهارة أبوال ما يؤكل لحمه. . . . . . . . .، بخلاف بول الإنسان فإنه نجس إجماعاً.(11/15)
الحديث الذي يليه حديث: "سراقة بن مالك -رضي الله عنه- قال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخلاء أن نقعد على اليسرى، وننصب اليمنى" رواه البيهقي بسند ضعيف" علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخلاء أن نقعد على اليسرى -اليسرى الرجل اليسرى-، يعتمد على اليسرى، وينصب اليمنى؛ ليكون الاعتماد على الجهة اليسرى، والفقهاء يقولون بهذا، يقولون: أسهل للخارج، وتكريماً لجهة اليمين، فلا يعتمد عليها في هذا الباب، بل يعتمد على الجهة اليسرى، وإذا كان الحديث ضعيفاً فلا عبرة به، وهنا الحديث ضعيف، سواء اعتمد الشخص على رجله اليسرى، وخفف عن اليمنى أو العكس، أو راوح بينهما، أو اعتمد عليهما معاً، لا إشكال -إن شاء الله تعالى-؛ لأن الحديث معل، يقول الحازمي: في سنده من لا نعرفه، هذا فيه مجهول، بل فيه مجاهيل، وعلى كل حال الحديث ضعيف، فلا يلتفت إليه، وإن قال بعض الفقهاء: إنه يستحب أن يعتمد على اليسرى؛ لأنه أسهل للخارج، نعم إذا كان هناك ما يفيد صحياً، فالمحافظة على الصحة مطلب شرعي، إذا قرر الأطباء أن الاعتماد على اليسرى أنفع صحياً من الاعتماد على اليمنى، كما قرروا أن المكث على الحاجة مضر، نقول: إذا ثبت هذا من الناحية الطبية فهذا أمر له حظ من النظر الشرعي.
الحديث الذي يليه: "وعن عيسى بن يزداد عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثة مرات)) " وش عندكم؟
((إذا بال أحدكم)) هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
بالثاء المثلثة؟ ما في نسخ ثانية؟ ليش؟
الطالب:. . . . . . . . .
وش الطبعة اللي معك؟ هاه؟ وريني إياها.
الطالب:. . . . . . . . .(11/16)
خلها معك عرفتها ((فلينتر)) بالتاء، الإشكال أنه في الطبعات التي أدعي تحقيقها بالثاء، كلها، الطبعات التي أدعي تحقيقها كلها بالثاء، وهذا خطأ، صوابه: ((إذا بال أحدكم فلينتر)) بالتاء ذكره ثلاث مرات، وهو حديث مخرج كما قال الحافظ: "رواه ابن ماجة بسند ضعيف" على أنه موجود في المسند عند أحمد، في المراسيل لأبي داود عند البيهقي وعند غيره ((إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثاً)) لكنه حديث ضعيف، يقول ابن معين: عيسى لا يعرف ولا أبوه، وقال النووي في شرح المهذب: اتفقوا على أنه ضعيف، في النهاية لابن الأثير: النتر جذب فيه قوة وجفوة، وش معنى ينتر ذكره؟ ينتر ذكره، يقول ابن الأثير: النتر جذب فيه قوة وجفوة، وذكر هذا الكلام بعد إيراد الحديث، ثم قال: ومنه الحديث: إن أحدكم يعذب في قبره فيقال: إنه لم يكن يستنتر عند بوله، وقلنا: إن هذه الرواية الأصح فيها يستنزه أو يستبرئ، يقول: الاستنتار استفعال من النتر يريد الحرص عليه والاهتمام به، وهو بعث على التطهر والاستبراء من البول، النتر عند ابن الأثير: جذب للذكر فيه قوة وجفوة، هذا نافع أو مضر؟ أولاً: الخبر ضعيف جداً، لا يعتمد عليه، الخبر ضعيف، وعلى هذا فالحكم المستنبط منه، الاستنباط ضعيف من الضعيف، في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ذكر النتر، الآن النتر عند ابن الأثير جذب فيه قوة وجفوة، والنتر فيما فسره الشيخ محمد بن عثيمين -رحمة الله عليه- النتر معناه أن يحرك الإنسان ذكره من الداخل لا بيده، وش معناه؟ يقول: النتر معناه أن يحرك الإنسان ذكره من الداخل لا بيده؛ لأجل أن يخرج بقية البول إن كان فيه شيء، هذا تعريف للنتر، ثم قال الشيخ -رحمة الله عليه-: لكن الحديث ضعيف، لا يعتمد عليه، والنتر: من باب التنطع المنهي عنه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: النتر بدعة، وليس بسنة، ولا ينبغي للإنسان أن ينتر ذكره، هذا كلام شيخ الإسلام، في فرق بين تعريف الشيخ ابن عثيمين، وتعريف ابن الأثير للنتر؟ نعم؟ في فرق ظاهر؛ لأن ابن الأثير يرى أن النتر جذبه بقوة وجفوة، هذا عند من؟ عند ابن الأثير، الشيخ ابن عثيمين يقول: أن يحرك الإنسان ذكره من الداخل لا بيده، كيف(11/17)
يحركه من الداخل؟ نعم؟ يستعمل شيء رفيع دقيق سيم أو شبهه، هاه؟ لا، إذاً كيف يتحرك الذكر من الداخل؟ هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
هاه يا إبراهيم؟ أو معروف عند الجميع ولا يحتاج إلى استرسال؟ هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .(11/18)
على كل حال هذا الحكم ضعيف، ومثلما ذكر شيخ الإسلام النتر بدعة، وبعضهم يقول: يتنحنح؛ لكي يخرج ما بقي، وبعضهم يقول: يمشي خطوات، وبعضهم يقول: ينفض بدنه، وبعضهم يقول: يمسح ذكره .. إلى آخر الأقوال التي لا أثارة لها من علم، لا دليل عليها، بل هي مدخل وباب واسع للشيطان، من أجل أن يوسوس على الناس، ويفسد عليهم عباداتهم، بل هي من التنطع؛ لأنها قدر زائد على ما أمر به الشرع، ونعرف أن هذه المواطن كالثدي تدر مع الحركة، ويتحرك وينتر ويمسح كذا لينقطع وهو العكس يزيد ما ينقطع، مثل هذه الأمور ما .. ، علاجها أن تقتصر على ما شرع الله لك، تغسله بالماء ثلاث مرات وخلاص ينتهي الإشكال، ولا تلفت إليه، حتى لو كان هناك وسواس أو أمور أو هواجيس وتخيلات كلها تنقطع بهذه الطريقة، أما الاسترسال خرج ما خرج، غسلته القدر المطلوب شرعاً لا تلتفت إلى شيء، انضح فرجك وسراويلك، وانتهى الإشكال، حتى لو خرج شيء لا تلتفت إليه، لكي تقطع الباب على الشيطان، مداخل الشيطان وملاحظه دقيقة همه أن يفسد على الناس طاعاتهم، فإذا استرسلنا معه في هذه الأمور لا شك أننا وقعنا في حبائله ومصايده. "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل أهل قباء فقال: ((إن الله يثني عليكم)) " أين الثناء؟ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] هذا ثناء من الله -عز وجل- على أهل هذا المسجد الذي هو أول مسجد أسس على التقوى، سأل أهل قباء فقال: " ((إن الله يثني عليكم)) فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء" رواه البزار بسند ضعيف" وأصله في أبي داود، وصححه ابن خزيمة، من حديث أبي هريرة بدون ذكر الحجارة، يثني عليهم لأنهم يستنجون بالماء فقط، بدون ذكر الحجارة، وتصحيح ابن خزيمة يدل على أن الآية إنما وردت في المسجد الذي هو أول مسجد أسس على التقوى، مسجد قباء، لكن يختلف ابن خزيمة مع غيره في كونهم يقتصرون على الماء، وغيره كما عند البزار: يتبعون الحجارة الماء، وعرفنا سابقاً مر بنا أن المسجد الذي أسس على التقوى كما في الحديث الصحيح النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن المسجد الذي هو أول مسجد أسس على التقوى؟ فأخذ كبة من حجارة(11/19)
فألقاها في مسجده، وقال: هذا، يشير إلى مسجده -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أنه من حيث المعنى الحديث صحيح، من حيث المعنى فتأسيس مسجد قباء سابق على تأسيس مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيه خلاف؟ نعم؟ والذي أسس مسجد قباء من هو؟ نعم؟ من الذي أسس مسجد قباء؟ هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، هم الذين أسسوه وابتدءوه، فهو أسس على التقوى بلا شك، فهنا تكون الأولية مطلقة، وأولية مسجده -عليه الصلاة والسلام- أولية نسبية، فيكون مسجده -عليه الصلاة والسلام- أول مسجد أسس على التقوى يعني بعد مسجد قباء، بدليل الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم، والحديث هنا لا شك أنه ضعيف، فقال: ((إن الله يثني عليكم)) {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] وقالوا .. ، يعني ما السبب في كون الله -سبحانه وتعالى- يثني عليكم؟ فأجابوا: بأنا كنا نتبع الحجارة الماء، يعني لا يقتصروا على الحجارة ولا يقتصرون على الماء، بل يجمعون بين الحجارة والماء، لا شك أن هذا أنقى، أنقى كون الإنسان يتنظف بحجارة أو مناديل أو ما أشبه ذلك، ثم يغسل بالماء، لكن هل كونه أنقى يدل على شرعيته؟ أنه هو المشروع؟ أو لا بد من ثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت عنه أنه جمع بينهما، لو قلنا بهذه القاعدة كونه أنقى فهو أفضل لقلنا: إن الغسل عشر مرات أفضل من الثلاث؛ لأنه أنقى، صح وإلا لا؟ لكن العشر ليست مشروعة إذا حصل الإنقاء بدونها.(11/20)
"رواه البزار بسند ضعيف" يقول البزار: لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه، ومحمد ضعيف، وراويه عنه عبد الله بن شبيب ضعيف أيضاً، المقصود كما قال الحافظ: سنده ضعيف، السند ضعيف، وأصله في أبي داود، قد تكون القصة في أبي داود، لكن محل الشاهد منها لا يكون في الأصل، كثيراً ما يقولون كذا، رواه أبو داود، وأصله في البخاري، أصله في مسلم، أصله في الصحيحين، تكون القصة موجودة في الصحيح، لكن محل الشاهد لا يوجد في الصحيح كما هنا، هل هناك تلازم بين ضعف السند وضعف المتن؟ قد يضعف السند ويصح المتن لوروده من طرق أخرى، قد يضعف السند ويصح المتن لوروده من طرق أخرى، وقد يصح السند ويضعف المتن لاشتماله على شذوذ أو علة، فلا تلازم بينهما، ولذا إذا قيل: إسناده صحيح يكفي لتصحيح الحديث؟ لا يكفي، كما أنه إذا قيل: إسناده ضعيف لا يكفي لتضعيف الحديث، بل لا بد أن يقال: الحديث صحيح، أو يقال: الحديث ضعيف، ابن دقيق العيد في الإمام أشار إلى ثبوت الخبر، وإن قال النووي: ليس فيه أنهم كانوا يجمعون بين الماء والحجارة، والخبر الذي عندنا أثبته بعضهم، وكأن النووي نقل الاتفاق أنه ليس في طرق الحديث أنهم كانوا يجمعون، والحديث الذي عندنا: "نتبع الحجارة الماء" وأثبته بعضهم، فهذا وارد على إطلاق النووي، لكن عرفنا أن الخبر ليس بصحيح، وإن قواه بعضهم؛ لأن فيه ثلاثة من الضعفاء، في إسناده ثلاثة على الولاء، ثلاثة متتالين من الضعفاء، فعلى هذا فالخبر ضعيف، فيبقى أن أول مسجد أسس على التقوى هو مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم المسألة المستنبطة من هذا الحديث، وهو إتباع الحجارة الماء، ما دام سندها ضعيف، فالاستنباط أيضاً ضعيف، فلا يشرع الجمع بين الاستنجاء والاستجمار، بل يكتفى بأحدهما؛ لأنه لم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بينهما.
هنا يقول:. . . . . . . . . ((استنزهوا من البول)) له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي؟(11/21)
((استنزهوا من البول)) قد يكون أبو هريرة قاله من تلقاء نفسه موقوفاً عليه، استنباطاً منه، من حديث صاحبي القبرين، ((لا يستنزه من بوله)) قال: استنزهوا، ((إنهما ليعذبان)) قال: "استنزهوا ... ، فإن عامة عذاب القبر منه" فيكون هذا استنباط من أبي هريرة من حديث صاحبي القبرين، فلا يلزم أن يكون له حكم الرفع.
يقول: هل يوجد نسخة محققة من كتاب بلوغ المرام بحيث يعتمد عليها في التصحيح والتضعيف؟
نسخة الشيخ حامد الفقي، وهي من أوائل الطبعات نسخة جيدة في الجملة، لكن ليس فيها عزو للأحاديث، ولا المصادر بالجزء والصفحة والرقم، وهناك أيضاً طبعات أخرى لو ضم إليها طبعة سمير الزهيري، على أن عليه أن يعيد النظر في بعض الألفاظ، أحياناً هو يقول: الحديث صحيح رواه البخاري، هذه لا قيمة لها، التصحيح والتضعيف والحديث في الصحيح كلام لاغي لا قيمة له، فإذا مجرد عزو الحديث للبخاري. . . . . . . . . أو لمسلم، هذا ما يستدرك عليه، على أن فيه ألفاظ قالها في حق بعض الأئمة فيها شدة، الحديث وإن أعله أحمد، وإن أعله الدارقطني فهو صحيح، وإن صححه فلان فهو ضعيف، هذه ألفاظ ينبغي أن يتحاشاها طالب العلم، ويتعلم ويمرن نفسه على الأدب مع هؤلاء الكبار، فالإنسان إذا لم يعرف قدر نفسه فإنه يتعب نفسه، ويتعب غيره، الأدب مطلوب، والله المستعان.
يقول: تناقشنا أنا وصديق لي من شأن تحية المسجد هل هي واجبة أو مستحبة؟
على كل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني الأصل في مثل هذه الصيغة تحريم الجلوس، ومن مقتضاه ومن لوازمه وجوب الصلاة، وبهذا يقول جمع من أهل العلم، لكن جماهير أهل العلم على أن هذا الأمر مصروف، فتحية المسجد مستحبة.
يقول: ما حكم الشوارما علماً بأن الدجاج يأتي من الصين، وأغلب أهلها بوذيين وشيوعيين وملحدين؟
على كل حال الذبيحة إذا لم تكن قد تولاها مسلم أو كتابي فإنه لا يجوز أكلها، وإذا شك في ذابحها فالأصل الامتناع، أن لا يأكل الإنسان إلا ما تأكد من حله.
يقول: ما هو الاستنزاه من البول؟
طلب النزاهة منه؛ لأن السين والتاء للطلب، فالمطلوب طلب النزاهة من البول، والبعد عن مقارفته.(11/22)
وما حكم استعمال التراب في الاستنجاء؟
على كل حال الأصل الاستنجاء بالماء، لكن يبقى الاستجمار استعمال الجمار التي هي الحجارة، ويقوم مقامها كل شيء حشن من تراب أو مناديل خشنة أما أشبه ذلك.
هذا يسأل مجموعة أسئلة: هل يلزم من بال أن يستنجي بثلاثة أحجار؟
بالنسبة للبول مسكوت عنه، والأحجار الثلاثة إنما طلبت كما فصل ذلك الشارح أنها للغائط، لكن الثلاثة بالنسبة للبول أحوط.
يقول: من أفضل من تكلم في مسألة النهي هل يقتضي الفساد على الإطلاق مع توضيح ذلك؟
كتب الأصول كلها تتكلم على هذا.
يقول: في قوله تعالى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة] قال بعض المفسرين: ينبغي لمن شرب الخمر أن ينكر على من شرب في المجلس. . . . . . . . .؟
أنا أقول: الأصل الإنكار، هو مطالب بالكف ومطالب بالإنكار، فهذا الأصل لا يحاد عنه، إلا إذا تضمن ارتكاب هذا الأصل محظور أكبر منه من استهتار مثلاً مثل ما مثلنا فيجتنب حينئذٍ.
يقول: ما توجيهكم لبعض الأشخاص الذين لا يسترون عوراتهم بلبسهم القصير والشفاف؟ وهل لذلك أثر على صلاتهم؟
لا شك أن الذي يرى أن الفخذ عورة في الصلاة يبطل الصلاة إذا كان الثوب لا يستر الفخذ.
من المعلوم أن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل هدي، فكيف يكون جمع الحجارة مع الماء أفضل من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الاقتصار على أحدهما؟
وهذا الذي ذكرنا، نقول: ما دام أنه لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه جمع بينهما فالأصل أنه هو القدوة وهو الأسوة -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: إنه حفظ القرآن فبماذا يبدأ من المتون العلمية في الفقه؟
بعد أن من الله عليه -عز وجل- بحفظ كتابه، عليه أن يتجه لسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يخدم الكتاب والسنة، وما يعينه على فهمهما، مما يسميه أهل العلم علوم الآلة، ويحفظ في كل علم متن، ويحضر شرحه عند من تسير من أهل العلم، ويقرأ عليه الشروح والحواشي، ويسمع الأشرطة ويعتني بذلك؛ لأن هذه مما يعينه على فهم كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: هل يجوز حجز المكان في المسجد لقضاء الحاجة أو للوضوء؟(11/23)
نعم إذا جاء يتقدم هو أحق بالمكان، فإن احتاج إلى الخروج وعاد إليه سريعاً فهو أحق به أيضاً.
ما معنى بلوغ المرام؟
البلوغ هو الوصول، والمرام الغاية والمطلب.
يقول: على ماذا يحمل تصحيح ابن خزيمة لحديث ابن عباس: ((إن الله يثني عليكم))؟
يدل على أنه يثبت أن مسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى؛ لكنه لا يثبت أنهم يجمعون بين الحجارة والماء.
ولماذا نقول: بالصحة المطلقة لجميع أحاديث البخاري بالرغم من وجود الأحاديث متكلم في صحتها؟
على كل حال الأحاديث المتكلم في صحتها أحاديث يسيرة، والرجال المتكلم فيهم رجال الصحيح كلام يسير، وعدد يسير، وأيضاً هذه الأحاديث التي تكلم فيها كلام لم يسلّم، نعم في هذا الكلام بعض ما تعذرت الإجابة عنه؛ لكنه نادر جداً، فالصواب غالباً في هذه الأحاديث المتكلم فيها مع البخاري.
لماذا لا يكون الأخذ قائم على الدليل دون الأشخاص والمذهب؟
هذا الأصل، الأصل قال الله قال رسوله، الأصل في الاستدلال ما يثبت به الحكم، وهو الدليل من الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، أو القياس على الدليل الثابت إذا توفرت فيه شروطه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: الغسل وحكم الجنب
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الماء من الماء)) رواه مسلم، وأصله في البخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) متفق عليه، زاد مسلم: ((وإن لم ينزل)).
وعن أم سلمة أن أم سليم وهي امرأة أبي طلحة قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: ((نعم، إذا رأت الماء)) .. الحديث، متفق عليه.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ قال: ((تغتسل)) متفق عليه، زاد مسلم: فقالت أم سليم: وهل يكون هذا؟ قال: ((نعم فمن أين يكون الشبه؟ )).(11/24)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت، رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة ثمامة بن أثال عندما أسلم، وأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل، رواه عبد الرزاق، وأصله متفق عليه.
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) أخرجه السبعة.
وعن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) رواه الخمسة، وحسنه الترمذي.
وعن علي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً، رواه الخمسة، وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً)) رواه مسلم، زاد الحاكم: ((فإنه أنشط للعود)).
وللأربعة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء، وهو معلول.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: الغسل وحكم الجنب
الغسل: عندنا الفعل غسل والفعل اغتسل، عندنا غسل مصدره إيش؟ غسل يغسل غسلاً، الغسْل مصدر غسل، واغتسل يغتسل اغتسالاً، إذاً الغُسل ما نوع الاشتقاق؟ هل هو مصدر؟ وإذا قلنا: مصدر قلنا: مصدر لأي شيء؟ هاه؟ عرفنا أن مصدر غسل الغسل، غسل يغسل غسلاً، ومصدر اغتسل اغتسالاً، فالغسل .. ؛ لأن عندنا غُسل وغَسل وغِسل، فالغَسل مصدر غسل، والغُسل إيش؟ إذا عرفنا أن الاغتسال مصدر اغتسل، والغسل مصدر غسل، إذاً الغُسل؟ إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(11/25)
يعني هو مغسل ثاني لاغتسل، أو اسم مصدر؟ نعم؟ اسم المصدر؟ {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [(17) سورة نوح] هذا إيش؟ مصدر وإلا اسم مصدر؟ اسم مصدر، والمصدر؟ إنباتاً، فمصدر اغتسل: اغتسالاً، والغسل اسم مصدر، فالغُسل والاغتسال بمعنى، وأما الغَسل فهو مصدر غسل، غسلت الثوب غَسلاً، وأما الغِسل فهو ما يجعل مع الماء، يُغسل به، ويغتسل به، فهو غِسل كالصابون والشامبو، والأشنان وغيرها من المواد التي توضع مع الماء يقال لها: غِسل.
"وحكم الجنب" أي الأحكام المتعلقة بمن أصابته جنابة؛ لأن الجنب من أصابته جنابة، وهو ملازم لهذا اللفظ زيد جنب، وهند جنب، والزيدان جنب، والزيدون جنب .. إلى آخره، ومنهم من يطابق على قلة، يقول: جنبان وجنبون، المقصود أن الجنب من أصابته جنابة، وهذا الباب معقود لأحكام الغسل، وما يوجب الغسل، وصفة الغسل، وما يستحب له الغسل، ومن يلزمه الغسل، فهو جنب.
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:(11/26)
"عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الماء من الماء)) رواه مسلم، واصله في البخاري" الماء من الماء، الماء الأول المراد به الماء الذي يغتسل به، الماء الأول الماء المعروف الذي يغتسل به، من الماء الذي هو إيش؟ نعم؟ الذي يخرج، الماء الموجب للاغتسال، سواء كان من الرجل أو من المرأة، الماء من الماء، هذا الحديث يدل بمنطوقه أنه إذا حصل الإنزال سواء كان من الرجل أو من المرأة فإنه حينئذٍ يجب غسل الجسد بالماء، إذا حصل الماء بسبب الإنزال فإنه يجب غسل البدن بالماء، ولذا يقول: ((الماء من الماء)) مفهومه إنه إذا لم يحصل إنزال فإنه حينئذٍ لا غسل، يكفي في ذلك أوله، منطوق الحديث منطوقه أنه إذا حصل الإنزال وجب الاغتسال، ومفهومه أنه إذا لم يحصل الإنزال فإنه لا يجب الاغتسال، والأسلوب أسلوب حصر ((الماء من الماء)) لأن المسند إليه الذي هو المبتدأ معرف ((الماء من الماء)) وهذا أسلوب يقتضي الحصر عند أهل العلم، فلا ماء، يعني لا اغتسال، كأنه قال: لا ماء، يعني لا اغتسال إلا من الماء، من الإنزال، وكان هذا في أول الأمر، كان هذا في أول الأمر، أنه لا اغتسال إلا من الإنزال، ثم بعد ذلك نسخ، وأن الاغتسال يجب بمجرد التقاء الختانين، ولذا جاء الحديث الذي يليه:(11/27)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) متفق عليه، زاد مسلم: ((وإن لم ينزل)) " إذا جلس يعني الرجل بين شعبها، يعني شعب المرأة الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل، متفق عليه، زاد مسلم: ((وان لم ينزل)) هذا الحديث ناسخ للحديث الذي قبله، فالحديث الأول كان في أول الأمر رخصة، كان الحديث في أول الأمر السابق رخصة ((الماء من الماء)) كانت قبل هذا الحديث ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل، وإن لم ينزل)) كما في رواية مسلم، وقد بين أهل العلم أن الأول حديث منسوخ والثاني حديث ناسخ، من نص على ذلك جمع من أهل العلم، الترمذي قال: إنه حديث منسوخ، وكان ذلك في أول الأمر، وفي العلل ذكر الحديث قال: وبينا علته في الكتاب، فسمى النسخ علة، النسخ علة أو ليست بعلة؟ نعم؟ الحديث صحيح ما فيه إشكال، لما بين الترمذي في كتابه علة هذا الحديث وهي النسخ، ذكر أنه منسوخ، ثم قال في العلل -علل الجامع-: "وقد بينا علته في الكتاب" فسمى الترمذي النسخ علة، وهل صحيح أن النسخ علة؟ نعم؟ ذكرنا سابقاً أن العلة عبارة عن سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منه، هذا الأصل في العلة أنها السبب الخفي، لكن هذا السبب جلي، يقدح في صحة الخبر ....(11/28)
شرح: بلوغ المرام - كتاب الطهارة (12)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
أن العلة عبارة عن سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منها، هذا الأصل في العلة أنها سبب خفي، لكن هذا سبب جلي، يقدح في صحة الخبر، هذا لا يقدح في صحة الخبر، الخبر صحيح، كيف قال الترمذي: إن النسخ علة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم علة مؤثرة من حيث عدم العمل بالحديث، فهي تجامع العلة المؤثرة في صحة الخبر بأن كل من الحديث المعل الذي اشتمل على علة مؤثرة لا يعمل بها، والحديث المنسوخ لا يعمل به، وإن كان صحيحاً، فأشبه المعل من هذه الحيثية.
يقول في حديث أبي هريرة: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جلس)) " يعني الرجل، وحذف للعلم به، ((بين شعبها)) الضمائر ضمير المذكر للمذكر، وضمير المؤنث للمؤنث، لو أراد المرأة لقال: إذا جلست بين شعبه، تتغير الضمائر، لكن الجلوس مسند إلى الرجل، إذا جلس يعني الرجل بين شعبها يعني المرأة، الأربع.
الشعب الأربع قيل: هي يداها ورجلاها، وقيل: غير ذلك، فالمقصود أن الكل كناية عن الجماع، ما يحتاج إلى مزيد تفصيل في هذا الباب؛ لأنه واضح، نعم، أقول: ما نحتاج إلى تفصيل، وقد كان الناس يخفى عليهم الشيء الكثير من بداهيات هذا الأمر إلى وقت قريب، ثم جاءت وسائل الشر المقروءة والمسموعة فصار يطلع على مثل هذه الأمور حتى الصبيان، فإلى الله المشتكى، وكان الناس إلى وقت قريب مثل هذه الأمور قبل الدخول بليلة يعرف مثل هذه الأمور، قبل ذلك لا يدري.(12/1)
النووي -رحمة الله عليه- مكث شهرين يغتسل من قرقرة البطن، يقرأ في كتب الفقه أن الموجب للغسل إيجاب حشفة أصلية في فرج ... ، فظن هذا هو، قرقرة قال: هذا موجب للغسل، ما يعرفون هذه الأمور، في غفلة تامة عن هذه الأمور، لكن الآن لو تسأل أصغر الصبيان ذكر لك بالتفصيل شيء لا تعرفه، كله بسبب هذه الوسائل الوافدة التي القصد منها والهدف تدمير الأخلاق، وهي من أقوى وسائل الهدم وإفساد البيوت والمجتمعات، من المؤسف والأسف شديد أن بعض الناس ممن يتصف بالعقل، أو يدعي لنفسه العقل يجلب هذه الأمور وهذه الشرور إلى بيته، فيجني على نفسه أولاً، وعلى من تحت يده، وكم مُني الناس بالكوارث والمصائب بسبب اتخاذ هذه الآلات واستعمالها، نسأل الله السلامة والعافية، والغش ظاهر للرعية، فيمن يقتني مثل هذه الآلات، وإن ادعى ما ادعى أنه يراقبها، وأنه يستعملها فيما يباح من أخبار وما أشبه ذلك، لكن حتى الأخبار هل تسلم من الشر؟ من الذي يقدم الأخبار في هذه القنوات؟ من الذي يسلط عليه الضوء في هذه الأخبار من اللقطات، تجد هؤلاء الأشرار يسلطون الأضواء على المومسات الفاتنات، نسأل الله العافية، وتجد الإنسان يزعم أنه ينظر إلى الأخبار، ويستمع الأخبار، ويعتني بالأخبار، وقد أصابته دعوة أم جريج، ينظر في وجوه المومسات صباح مساء، ويظن هذا أمر عادي، ولا يدري كيف أثر هذا الأمر على قلبه وعلى ولده؟ والأسئلة كثيرة، والمصائب كبيرة التي جرتها هذه الآلات، فكم من امرأة تتصل تشتكي زوجها، أنه يمكث الأشهر لا ينام مع امرأته في فراشها، فإذا رأى هذه الصور الفاتنة الماجنة ازدرى زوجته، وزهد بها، وكم من مصيبة وقعت بين الأب وبنته، والابن وأمه، وبين الأخ وأخته، حدث ولا حرج من المصائب والكوارث التي امتلأت بها البيوت، والمعصوم من عصمه الله، والجاني الأول هو المتسبب، ولا يعذر المباشر، على كل حال الذي جرنا إلى هذا أننا لا نحتاج إلى تفصيل معنى ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها)) لأن هذا كان غير معروف عند الناس، فيشرح في كتب الحديث، ويوضح ويبين إيش معنى هذا الكلام؟ لأن مثل هذا الكلام وإن كان كلاماً في الأصل قبيح ينبغي أن لا يباح به، إلا أن الحاجة تقتضي ذلك،(12/2)
كيف يبين الحكم الشرعي المستنبط من هذا الحديث والحديث ما فهم أصلاً؟ لا بد منه، لكن في مثل هذه الأوقات كثير من الناس لا يحتاج إلى بيان، يعرفه.
((ثم جهدها)) وهذا كناية عن الجماع، ومعالجة الإيلاج، ((فقد وجب الغسل)) متفق عليه، زاد مسلم: ((وإن لم ينزل)) وهذا الحديث ناسخ للحديث الذي سبقه.
جاء في المسند وغيره عن أبي بن كعب أنه قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون: إن الماء من الماء رخصة، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص بهاج في أول الأمر ثم أمر بالاغتسال بعد، هذا نص على أن هذا الحديث ناسخ للذي قبله، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، قال الإسماعيلي: إنه. . . . . . . . . على شرط البخاري.
المقصود أنه لم يخالف في هذه المسألة، وأنه يجب الغسل بمجرد الإيلاج، ولو لم يحصل إنزال إلا داود الظاهري، فقال: ((إنما الماء من الماء)) فلا اغتسال إلا بالإنزال.
الحديث الذي يليه:
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، قال: ((تغتسل)) متفق عليه. زاد مسلم: فقالت أم سلمة" أو أم سليم؟ قالت: أم سلمة وإلا أم سليم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب "فقالت أم سلمة: وهل يكون هذا؟ قال: ((نعم، فمن أين يكون الشبْه أو الشبَه؟ )) " المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، الرجل يرى في منامه أنه يجامع امرأة كما أن المرأة ترى -وهن شقائق الرجال- ترى أنه يجامعها رجل، في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل من الاحتلام والاجتماع في المنام، قال: ((تغتسل)) المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، يعني فما الحكم؟ جاء الجواب منه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((تغتسل)) يعني إذا حصل منها كما يحصل من الرجل من احتلام.(12/3)
وفي الحديث الصحيح: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) في اليقظة الاغتسال معلق بمجرد الإيلاج، ولم يحصل إنزال، زاد مسلم: ((وإن لم ينزل)) في المنام؟ الاغتسال معلق بإيش؟ برؤية الماء، بالإنزال، وقد قال بعضهم: إن حديث: ((الماء من الماء)) محمول على الاحتلام؛ لكن جماهير أهل العلم على أنه محمول على اليقظة في أول الأمر، لكنه منسوخ.
"المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ قال: ((تغتسل)) " عرفنا أنه مقيد برؤية الماء، ((نعم إذا هي رأت الماء)) والرجل كذلك، لا يغتسل إذا احتلم إلا إذا رأى الماء.
"زاد مسلم: فقالت أم سلمة: وهل يكون هذا؟ " تستبعد مثل هذا، نعم الاحتلام في الرجال أكثر منه في النساء؛ لكنه موجود في النساء.
"قالت أم سلمة: وهل يكون هذا؟ قال: ((نعم)) " يعني هل ترى المرأة الماء كما يرى الرجل الماء؟ قال: ((فمن أين يكون الشبه?)) إن المرأة يخرج منها الماء، كما أن الرجل يخرج منه الماء، والشبَه والشِبْه الذي يوجد في المولود المخلوق من هذه العملية عملية التقاء الرجل مع المرأة الشبه حينما يشبه أمه وأخواله، أو يشبه أباه وأعمامه، إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر، ويكون أشبه أعمامه، وإذا علا ماء المرأة وسبق ماء المرأة ماء الرجل آنث، وحينئذٍ يشبه أخواله، وليست المسألة باليد، يعني ... سواءً تقدم وتأخر، وعلا هذا شيء يملكه الناس؟ لا، القدر إذا كان المكتوب ولد سبق هذا، إذا كان المكتوب أنثى سبق هذا، وإلا إذا كان المسألة سبق، أتأخر وأتقدم، أو تتقدم وهكذا، ما يمكن، هذا ليس بيد الإنسان، فقد يقول قائل: هذا الخبر إيش معناه؟ سبق ماء المرأة سبق علا نزل، إيش؟ إذن الأمر بيد المخلوق، يتأخر فلها أن تتقدم إذا أرادوا الأنثى أو العكس، نقول: لا، هذا ليس باليد، ليس المراد به ما تفهمون.(12/4)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغتسل من أربع: من الجنابة" يغتسل من الجنابة، وهذا محل إجماع، ويغتسل أيضاً "يوم الجمعة" لصلاة الجمعة، وسيأتي الكلام فيها، وهل هو واجب أو مستحب؟ "ومن الحجامة" يغتسل من الحجامة "ومن غسل الميت" فالحديث رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة، لكنه ضعيف، نص على ضعفه أبو داود، قال أبو داود: الحديث ضعيف فيه خصال ليس العمل عليها، فالغسل من الجنابة العمل عليه وإلا لا؟ العمل عليه، الغسل يوم الجمعة العمل عليه وإلا ليس عليه العمل؟ عليه العمل، الغسل من الحجامة ما الذي تقدم لنا في الحجامة؟ هاه؟ من نواقض الوضوء؟ نعم؟ نعم؟ إنها لا تنقض الوضوء، فلا توجب الوضوء، فكيف توجب غسلاً؟ قال أبو داود: ضعيف، فيه خصال ليس العمل عليها، من غسل الميت، تقدم لنا الحديث: ((من غسله فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)) الحديث صحيح وإلا ضعيف؟ ضعيف عند أهل العلم، فالغسل من الجنابة إجماع، والغسل يوم الجمعة جماهير أهل العلم على أنه مستحب، وقيل: بوجوبه، وأما الغسل من الحجامة، ومن تغسيل الميت فلا، هذه التي أشار إليها أبو داود أن فيه خصال ليس العمل عليها، فقال: ليس العمل عليها عند أهل العلم، وهذا كناية عن تضعيفه، فصرح بالتضعيف.(12/5)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة ثمامة بن أثال عندما أسلم وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يغتسل، رواه عبد الرزاق" وأصله متفق عليه، قصة ثمامة بن أثال لما جاء وهو مشرك فربطه النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسجد، ثم لما أسلم انطلق إلى حائط فاغتسل، لكن هل كان غسله بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أو باجتهاد منه؟ هنا في رواية عبد الرزاق: أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل، إذاً كيف في الرواية في الرواية الأخرى انطلق إلى حائط فاغتسل؟ كونه انطلق إلى حائط هذا يعني أنه اجتهاداً منه، أو أنه امتثال لهذا الأمر؟ نعم؟ امتثال لهذا الأمر، فالغسل من موجبات الغسل الإسلام، فإذا أسلم الرجل بعد أن كان كافراً عليه أن يغتسل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر ثمامة أن يغتسل، فيأتي أو سيأتي في أبواب المساجد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث خيلاً فجاءت برجل، الذي هو ثمامة، فربطوه في سارية من سواري المسجد، الحديث متفق عليه، يعني أصل القصة متفق عليها، لكن أمره -عليه الصلاة والسلام- لثمامة أن يغتسل هذا عند عبد الرزاق فقط، ولذا اختلف العلماء في الغسل بعد الإسلام، هل هو واجب أو ليس بواجب؟ فمنهم من يقول: إنه واجب مطلقاً، ولو لم يصب ما يوجب الغسل قبل إسلامه، فالإسلام بمجرده موجب للغسل؛ لأنه هنا رتب الأمر بالغسل على إسلامه، أسلم فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يغتسل، ومنهم من يقول: إن كان قد أصابته جنابة قبل أن يسلم فعليه أن يغتسل سواء كان اغتسل قبل إسلامه أولم يغتسل؟ لأن الغسل لا بد له من نية، وغسله قبل إسلامه ليس بالصحيح، لتخلف شرطه، فالكافر لا نية له ولا طهور، وعلى كل حال المرجح أن من أسلم يأمر بالاغتسال سواء كان ممن أصابته الجنابة أو لم تصبه بهذا الحديث.
أخرج أبو داود من حديث قيس بن عاصم، قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر، وأخرجه أيضاً الترمذي والنسائي بنحوه، على كل حال أمر من أسلم أن يغتسل هذا لا إشكال فيه، فعلى هذا كل من أسلم يؤمر بالاغتسال، هذا من أسلم بعد أن كان كافراً.(12/6)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) أخرجه السبعة، المراد بالسبعة؟ البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، سبعة ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) واجب إيش معنى واجب؟ الواجب في الاصطلاح؟ نعم؟ ما يثاب فاعله امتثالاً، ويعاقب تاركه، هناك ألقاب وإطلاقات شرعية وألفاظ اصطلاحية، فهل يتفق الاصطلاح الآن مع مراد الشارع من هذه اللفظة أو لا؟ ((غسل الجمعة واجب)) الواجب عند أهل الاصطلاح، الذي استقر عليه الاصطلاح أنه ما يثاب فاعله امتثالاً، ويعاقب تاركه، هذا الذي اتفق عليه الاصطلاح، والسنة ما يثاب فاعلها امتثالاً، ولا يعاقب تاركها، مع أنه جاء إطلاق السنة في النصوص ويراد بها الواجب؛ لأن الصلاة من سنن الهدى، هل يستطيع أحد أن يقول: إن الصلاة لا يأثم تاركها؛ لأنها من سنن الهدى؟ نعم؟ المكروه الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين: أنه ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله، جاء في النصوص ما يدل على أن من فعل المكروه معاقب، فهناك إطلاقات شرعية، وإطلاقات اصطلاحية، قد يستقر الاصطلاح على غير ما جاء به النصوص، فالمكروه جاء في النصوص ويراد به أنه المحرم المجزوم تحريمه، جاء في سورة الإسراء {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] بعد أن عدد الكثير من المحرمات، المقطوع بتحريمها، فلا شك أن توافق الاصطلاح مع مراد الشارع هذا هو الأصل، وينبغي أن تقنن هذه الاصطلاحات، وتسير حسب ألفاظ الشارع، كل ما قرب الاصطلاح من إطلاق الشرع هذا هو الأصل؛ لأن هذه الاصطلاحات إنما هي في عرف المتشرعة، وإلا فما معنى أن يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((غسل الجمعة واجب)) والجمهور يقولون: ليس بواجب، ما معنى قول ابن عمر: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان" والحنفية يقولون: زكاة الفطر ليست بواجبة، هل هذا عناد؟ أو نقول: اصطلاحات ولا مشاحة في الاصطلاح؟ نعم؟ هل نقول: هذه محادة ظاهرة؟ ابن عمر يقول: "فرض رسول الله" وأنتم تقولون: ليس بفرض؟ الرسول يقول: ((غسل الجمعة واجب)) والجمهور يقولون: ليس(12/7)
بواجب؟ أو أن للوجب معنى غير ما يتضمنه الاصطلاح؟ وللفرضية معنى غير ما يتضمنه الاصطلاح عندهم فلا اختلاف؟
الطالب:. . . . . . . . .
إيه نعم، لا أنا قصدي اللفظة، استعمال الوجوب على لسان الشرع، واستعماله في الاصطلاح، واستعمال الفرض في لسان الشرع، وعدم استعماله في الاصطلاح، هل نقول: إن هذه محادة؟ الجمهور يقولون: غسل الجمعة ليس بواجب، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((غسل الجمعة واجب)) نعم؟ الآن إذا اختلف الفهم على مورد واحد، الإبل وش تسمي العرب ألوانها؟ نعم؟ اللون الكثيف هذا وش يسمونه الناس؟ نعم؟ اللون العادي، الأسود وش يسمونه؟ اللون الأسود في الإبل مثلاً؟ أملح، وش معنى أملح؟ لو قال: لا يا أخي هذا ليس بأملح هذا أسود، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى بكبشين أقرنين أملحين، يقول: لا ما هو أملح هذا أسود، نقول: كلامك صحيح وإلا غير صحيح؟ نعم؟ ما معنا أحد يعرف من الإبل ألوانها، اللون المعروف هذا الكثير ذا؟ هاه؟ الظاهر ما عندنا أحد ....(12/8)
أنا أقول: اللون اللي في مثل هذا في البهائم أسود، يقال: أملح، أملح بعيد كل البعد عن لون الملح، الملح أبيض وهذا أسود،. . . . . . . . . يقول: لا أنا ما أقول: أملح، أقول: أسود، يصير كلامه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ نعم؟ وراء ما هو بصحيح؟ أسود، في أحد يخالف أن هذا أسود؟ نعم؟ الملح أبيض نعم، لكن أنت تقول لي: هذا أملح، أقول لك: لا أسود صحيح وإلا لا؟ نعم؟ يا أخي لو رأيت بعير باللون العادي مثل لون الباب ذا، وقلت له أنت: هذا اللون الذي يعرفه الناس، الذي ما وجدنا أحد. . . . . . . . . إلى الآن، وقلت له: لا ما هو بهذا اللون، هذا لونه بيج، وش يقول؟ نعم؟ وش نريد أن نقرر؟ نقرر أن حقيقة. . . . . . . . . المورد الواحد قد تختلف فيه الاصطلاحات والأعراف، كلمة واجب في لغة العرب وعلى لسان الشرع أعم مما خصه جل الاصطلاحيين، إذا قلت مثلاً: حقك واجب علي، طاعتك فرض علي، وش معنى هذا؟ معنى هذا أنك تأثم إذا عصيته، وهو زميلك مثلك؟ يعني أن حقك متحتم علي، وهو عندي بمنزلة الفرض، الذي لا أستطيع أن أتنصل عنه، وهنا جمهور أهل العلم ليس من باب المعاندة، ولا من باب المحادة، الرسول يقول: واجب وأنتم تقولون: مستحب، لأن لفظ الواجب في لغة العرب، وفي عرف الشارع أوسع من الاصطلاح الذي أستقر عند أهل العلم، ولذا جاء في الحديث الذي يليه: ((واجب على كل محتلم)) وش معنى محتلم؟ ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) يعني بالغ، أو المحتلم من احتلم وأصابته جنابة؟ ممكن؟ يمكن أن نقول: المحتلم من أصابته جنابة؟ من احتلم؟ أو مثل ما قلنا في ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يعني من بلغت المحيض؟ وهنا من بلغ الاحتلام، وإلا إذا قلنا: إن غسل الجمعة واجب على كل محتلم، من احتلم بالفعل أي أصابته جنابة، صار الحديث لاغي ما له قيمة، الحديث ما له قيمة لاغي، نعرف الحكم من غير هذا الحديث، نصوص كثيرة تؤكد هذا الكلام من غير ورود هذا الحديث، وكون الحديث مؤسس لحكم جديد أولى من كونه مؤكد لأحكام سابقة، جاء الحديث الذي يليه في الكتاب:(12/9)
"عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت)) " فبها يعني السنة أخذ، ونعمت السنة ((ومن اغتسل فالغسل أفضل)) يدل على إيش؟
الطالب:. . . . . . . . .
على الاستحباب، وهذا عمدة الجمهور في حمل الحديث الأول على الاستحباب المتأكد، وأنه لا يؤثم تاركه، وأن الشرع استعمل الوجوب في أعم من الاصطلاح، قول جمهور أهل العلم أن غسل يوم الجمعة مستحب، جاء عثمان -رضي الله عنه- وعمر يخطب، والقصة في الصحيح، انتقده عمر، متأخر، عثمان مشهود له بالجنة، وقدم رأس في الإسلام، وقدوة، إذا رآه الناس يقولون: عثمان ما جاء إلا مع الخطبة، أو بعد الخطبة، عمر استنكر عليه، بين أنه ما أن توضأ وحضر، يعني أدرك الوضوء وجاء، يعني ما اغتسل، فقال عمر: والوضوء أيضاً؟ يعني مع ذلك ما اغتسلت؟ ولم يقول له عمر: ارجع فاغتسل، فهذا الفعل من عثمان والإقرار من عمر بمحضر الصحابة يدل على أن الغسل ليس بواجب، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ مع الحديث: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) وعلى كل حال قول جمهور أهل العلم على أن الغسل سنة مؤكدة لصلاة الجمعة، ومنهم من يحمل الحديث السابق ((غسل الجمعة واجب)) على ما كان عليه الأمر في أول الإسلام، قبل أن يوسع على الناس، كانوا يلبسون الثياب من الصوف، والصوف إذا أصابه البلل والعرق صارت له روائح كريهة، فأمروا وأكد عليهم في الغسل، لما وسع على الناس صاروا يلبسون الأنواع الثانية من الألبسة، وخفت هذه الروائح، من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل، وكأن رأي الإمام مالك ممزوج من هذا كله، أنه يلزم أهل الحرف والمهن ومن تنبعث روائح كريهة يلزمه الغسل، يجب عليه أن يغتسل دون غيره.(12/10)
وأما ابن القيم فقد أكد على تأكد الغسل، وإن لم يصرح بوجوبه، إنما قال: الأمر بالغسل يوم الجمعة مؤكد جداً، يعني كأنه يقرب من الوجوب، فلم يصرح بالوجوب، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر يعني عند من يقول بوجوب الغسل كالحنفية، مع أنه جاء الأمر: ((أوتروا يا أهل القرآن)) وأقوى من قراءة البسملة في الصلاة يعني عند الشافعية، ووجوب الوضوء من مس النساء إما مطلقاً عند الشافعية، أو مع شهوة عند الحنابلة، ووجوبه لمس الذكر كما يقول الحنابلة على ما تقدم، ووجوبه من القهقهة في الصلاة كما يقول الحنفية، عند الحنفية القهقهة مبطلة للوضوء، ومن الرعاف، ومن الحجامة وغيره، المقصود أن ابن القيم لم يصرح بالوجوب، إنما قال بالاستحباب المؤكد جداً، بل هو قريب من الوجوب، فإذا قلنا: بوجوب هذه الأمور فهو أوجب منها وآكد.
وعلى كل حال قول جماهير أهل العلم على أن غسل الجمعة يتأكد استحبابه، ولا يليق بالمسلم تركه، والغسل أفضل، قصة عثمان سمعناها، الحديث هذا الذي يعتمد عليه عامة أهل العلم حديث سمرة بن جندب درجته؟ هو من رواية الحسن عن سمرة، من رواية الحسن عن سمرة، والخلاف بين أهل العلم معروف في صحة سماع الحسن من سمرة، منهم من يرى أن الحسن سمع من سمرة بإطلاق، وتحمل عنعنته عن سمرة على الاتصال، ومنهم من يقول: إنه لم يسمع عنه مطلقاً، والحسن مدلس -رحمه الله تعالى-، ومنهم من يقول كما جاء في صحيح البخاري: سمع من سمرة حديث العقيقة، قال حبيب بن الشهيد كما في صحيح البخاري: قال لي ابن سيرين: ممن سمع الحسن حديث العقيقة؟ فقال: من سمرة، فبهذا النص، أي على هذا النص يعتمد من يثبت سماع الحسن من سمرة مطلقاً، يقول: إنه سمع منه حديث واحد، والأصل أنه ثقة، ولماذا لا نحمل البقية على السماع؟ والمعروف أن الحسن مدلس، بل كثير التدليس -رحمه الله تعالى-.
على كل حال سماع الحسن من سمرة فيه خلاف، أما حديث العقيقة فلا إشكال فيه، وما عداه محل خلاف، ومنه ما عندنا، لكن الحديث حسنه الترمذي، حسنه جمع من أهل العلم، وله طرق أخرى تشهد له، والله المستعان.(12/11)
نعم، الأسئلة يا إخوان كثيرة جداً، فهل ترون أن نجيب على الأسئلة ويترك باقي الدرس للغد؟ أو نكمل على أن المقرر يعني إلى كتاب الصلاة إن شاء مقدور عليه إلى يوم الخميس، في المدة المقررة -إن شاء الله-، وهذه الأسئلة أنا قلت مراراً: إن مثل هذه الأسئلة لا سيما بعض الأسئلة التي لا علاقة لها بما نشرح تحال على الشيخ، ما دام موجود فرصة، وش رأيكم؟ نجيب على الأسئلة الأسئلة فيها كثرة؟
قد تأخذ أكثر من برنامج بالنسبة لنور على الدرب، حلقتين أو أكثر، هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
إن رأيتم أن نجيب على الأسئلة ونترك، من هذه الأسئلة أول الأسئلة هذا السؤال:
ما صحة حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت؟
اللي هو معنا، قلنا: إنه حسن بمجموع طرقه، وإلا ففيه رواية الحسن عن سمرة، وفيها كلام طويل، هذه ذكرناها.
وهذا يقول: ذكر الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- أن لفظة: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت)) فيها ركاكة، ولا يتصور صدورها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن قال. . . . . . . . .(12/12)
على كل حال الحديث مختلف فيه، وهو من رواية الحسن عن سمرة، ومن حسنه فنظراً لما يعضده من الشواهد، من نظر إليه بمفرده، وقال: الحسن رواه عن سمرة بالعنعنة والحسن مدلس لا بد أن يصرح، له أن ينازع في صحته، لكن الحديث له ما يشهد له، وله أيضاً من فعل الصحابة، وفعل عثمان وإقرار عمر -رضي الله عنه-، لكن بقي مسألة وهي أنه خالف داود وقال: بالوجوب وش معنى هذا الوجوب؟ هل وجوب الغسل يوم الجمعة عند من يقول بوجوبه مثل وجوب الغسل من الجنابة؟ بمعنى أنه لو جاء يوم الجمعة من غير غسل نقول: صحيحة جمعته وإلا غير صحيحة؟ الجمعة صحيحة لكنه آثم، ترك واجب، الغسل شرط، الغسل الواجب الأصلي الذي هو من الاحتلام أو جماع أما أشبه ذلك من الموجبات المعروفة شرط لصحة الصلاة، وهذا واجب وليس بشرط، حتى عند من يقول بوجوبه، الصلاة صحيحة لكنه آثم، يقرب منه ستر المنكب، ستر العورة شرط لصحة الصلاة، لكن هل المنكب من العورة؟ جاء في الحديث الصحيح في البخاري: ((لا يصل أحدكم بالثوب الواحد ليس على عاتقه)) في رواية: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) فإذا صلى وليس على عاتقه صلاته صحيحة لكن هو آثم.
يقول: إذا نسي شخص أن يصلي الوتر فلم يتذكر ذلك، ولم يتذكر ذلك من اليوم التالي، أي أنه فات عليه يوم أول ماذا عليه في هذه الحالة؟
هذه سنة فات وقتها، إذا زالت الشمس من الغد انتهى وقت القضاء.
يقول: ماذا يقول المسلم بعد الوضوء؟
يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وإذا قال: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فقد جاءت بذلك السنة، على الخلاف المعروف في ثبوت هذه الجملة، وفي الحديث الصحيح: ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء، ولا تغتروا)) كما جاء في الحديث، يعني إذا توضأ قال هذا الكلام وارتكب المنكرات، وترك الواجبات وقال: أبا أدخل من الأبواب الجنة الثمانية، نقول: لا، ((ولا تغتروا)) وهذا الجملة مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي في البخاري ((ولا تغتروا)) يعني هذا من أحاديث الوعد، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(12/13)
ما يسمع الصوت.
ما القول الراجح للحجامة في الصائم هل تفطره أم لا؟
جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه احتجم وهو صائم محرم، فاختلف أهل العلم في الحجامة، لكن كأن بعض أهل العلم يميل إلى التوفيق بين الحديثين، فيلزم من تتعبه الحجامة وترهقه بالفطر، بخلاف من لا يتعبه ذلك، أو أن قوله: ((أفطر)) أي أنه صار مآله إلى الفطر؛ لأن الحجامة لا شك أنها تنهك البدن، بأخذ قدر مناسب من الدم، ومثلها التبرع بالكميات العادية تتعب البدن، فيكون مآله. . . . . . . . .
ما مسكت؟ ما مسك؟
على كل حال المسألة خلافية، فاللائق بالمسلم الحريص أن لا يحتجم في نهار رمضان، منهم من يقول: إن حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) منسوخ بحديث ابن عباس على ما قرره الشافعي -رحمه الله تعالى-؛ لأن حديث ابن عباس متأخر، هذه المسألة تأتي -إن شاء الله-.
ماذا يجب على من أنزل بشهوة؟
من أنزل بشهوة يجب عليه الغسل، بل الأول من موجبات الغسل عند أهل العلم موجبه خروج المني من مخرجه دفقاً بلذة من غير نائم، قوله: "من غير نائم" أن النائم لا يشترط له الشهوة ولا لذة.
يقول: بعد الإلماحة الكاشفة لوضع القنوات المزري الذي ذكرتموه حتى عدها العقلاء أخطر من السم، ما رأيكم والحالة هذه في خروج الدعاة والوعاظ في هذه القنوات؟
خروج مثل هؤلاء لا يشك أنه يغرر بعامة الناس، هو يغرر بعامة الناس، إيش معنى يغرر بعامة الناس؟ عامة الناس يقولون: لو كانت هذه القنوات فيها شيء ما ظهر ولا خرج الشيخ فلان، فخروج الشيخ فلان دليل على جواز اقتنائها، وقد يقول القائل: أنا اقتني هذه الآلة لكي أتابع فلان، وهذا أيضاً من التغرير، يبقى أن هؤلاء الذين يخرجون لا يظن بهم إلا الخير -إن شاء الله تعالى-، وأنهم يقصدون مزاحمة الشر، وتقليل الشر، وبث الخير من خلال هذه القنوات، لكن نقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وعندي أنا لو لم يكن فيها إلا التصوير، يعني لو كانت سليمة مائة بالمائة، ولو لم يكن فيها إلا التصوير فإنه لا يجوز المشاركة فيها.(12/14)
هذا سؤال يليه أيضاً: ما حكم التصوير بالفيديو حيث انتشر بكثرة بين الشباب الملتزم؟
التصوير بجميع صوره وأشكاله ثابتة ومتحركة سواء كان بالآلة أو باليد، سواء كان له ظل أو لا ظل له، داخل تحت النصوص التي تحرم التصوير، وداخل في الوعيد الشديد الذي جاء فيها.
يقول: إذا دخل المصلي المسجد وكان الإمام جلس في التشهد الأخير فماذا يفعل؟ هل يصبر حتى يسلم أم يكبر ويجلس مع الجماعة؟
إذا دخل المسبوق والإمام في آخر الصلاة بحيث يجزم أنه لم يدرك ركعة كاملة، فلا يخلو من أمرين: إما أن يغلب على ظنه أنه يأتي معه من يصلي معه جماعة، وحينئذٍ نقول له: انتظر حتى يسلم الإمام فتقام الجماعة بيقين الجماعة الثانية؛ لأن إدراك الجماعة بإدراك أقل من ركعة مسألة خلافية بين أهل العلم، وإذا غلب على ظنه أنه لن يأتي أحد مسبوق مثله ينضم إليه، فإنا نقول له: ادخل مع الجماعة، وأدرك ولو جزء من الركعة، فعند جمع من أهل العلم أن من كبر تكبير الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى فإنه يدرك الجماعة ولو لم يجلس، فتدرك الجماعة بأدنى جزء منها، فعلى هذا القول أفضل من كونه منفرد بيقين نقول: ادخل مع الجماعة، لا سيما وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)).
يقول: أرجو إيضاح كيفية الغسل؟ وما هي السنة في ذلك؟
يأتي كيفية الغسل الكامل والمجزئ -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما حكم إذا استيقظ الشخص ووجد في ثيابه بللاً وشك فيه فلم يدرِ هل هو مني أم لا؟ ولم يسبق له مداعبة ولا غيره فهل يعتبر مني باعتبار أن ما يحدث في المنام إنما هو مني، أو يعتبره بولاً أو يعلق الأمر على أن تذكر في منامه شيئاً؟(12/15)
على كل حال التفريق ممكن بين أنواع الماء، فالبول له صفات، والمذي له صفات، والودي له صفات، والمني له صفات، فإن استطاع أن يفرق فهو مطلوب، إن لم يستطع التفريق ولم يتذكر شيء فالأصل العدم لا يلزمه غسل، أقل الأحوال أن يلزمه غسل ما أصابه هذا البلل؛ لأنه إذا لم نوجب عليه الغسل، والبلل متحقق، لم نوجب عليه الغسل للشك، والبلل متحقق، إن لم يكن مني موجب للغسل فإنه مذي أو بول موجب للغسل، وعلى كل الأحوط في مثل هذا إذا كان لا يتكرر عنده ولا يشق عليه أن يغتسل ويغسل معاً.
يقول: ما العلة في الغسل من المني والوضوء من المذي مع أن المني طاهر والمذي نجس؟
المذي موجب للوضوء ولا يوجب الغسل كالبول فهو نجس مثله، لكنه أخف نجاسة من البول، مع أنه يشترك معه في وجوب الوضوء ولا يوجب الغسل، بينما المني موجب للغسل، وهو طاهر، والحكم في ذلك النصوص، هو يطلب العلة، الحكم في ذلك النصوص "كنت رجلاً مذاءً، فأمرت المقداد أن يسأل النبي ... قال: ((يغسل ذكره ويتوضأ)) ما قال يغتسل، يغسل ذكره ويتوضأ، فكونه نجس لا يعني أنه موجب للغسل، كما أن البول نجس ولا يوجب الغسل، وكون المني طاهر لا يعني أنه لا يوجب الغسل، فالمعول على النصوص هي التي فرقت بين هذا وذاك، منهم من يقول: ملتمساً العلة أن المني في الغالب أنه يخرج بشهوة، والشهوة تضعف البدن وترهقه، والغسل يعيد إليه شيء من القوة والحيوية.
يقول: ما السنة بالنسبة للسنن الرواتب في السفر هل تصلى أم لا؟
السنة بالنسبة للسفر جاءت الأخبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يحافظ على هذه السنن الرواتب عدا ركعتي الفجر والوتر، وجاء عن ابن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، فالسفر باعتباره مظنة للمشقة، ورخص فيه في الجمع والقصر، والله يحب أن تؤتى رخصه، فإذا ترخص الإنسان وترك هذه الرواتب فقد أتى ما يحبه الله -عز وجل-، لكن لو أتى بهذه الرواتب ما يلام، وإن أكثر من النوافل المطلقة غير الرواتب أيضاً له أجرها.
طالب:. . . . . . . . .
وهو مع الإمام؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
يقول: ما رأيكم في إخراج زكاة الفطر نقداً؟(12/16)
جماهير أهل العلم على أنها لا تجزئ إلا من الأصناف المحددة، توسع بعضهم فقال: إنه يجزئ من غالب قوت البلد، أما النقد فهو معروف في بعض المذاهب، لكن النقد موجود في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحدد وعين الأصناف، ولم يترك لأحد اجتهاداً، فإخراجها نقد لا يجزئ.
ما حكم اللحن في قراءة الفاتحة في الصلاة؟
اللحن إن كان يحيل المعنى فإنه يبطل الصلاة من القادر على التصحيح، أما العاجز فهو معذور، اللحن "صراط الذين أنعمتُ عليهم" هذا محيل للمعنى، "أَهدنا" محل للمعنى هذا يبطل الصلاة، إبدال حرف بحرف من القادر مبطل للصلاة، لو قال الذي يستطيع أن ينطق الحاء قال: الهمد لله مبطل للصلاة، الذي يستطيع أن ينطق الذال قال: الذين أنعمت عليهم، هذا موجود، هذا يبطل الصلاة، الذي يستطيع، أما من لا يستطيع فحكمه حكم عاجز هذا، لكن ماذا عن إبدال الضاد بالظاء؟ وهذا كثير جداً "ولا الظالين" بل من أهل العلم من يصنعه، إذا قال الإمام: ولا الظالين، أو المصلي، بدل الضاد، منهم من يقول: الصلاة باطلة، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة لتقارب المخرجين، ونص الأزهري في تهذيب اللغة أن من العرب من يبدل الظاء ضاد والعكس، فيقول: ظربني فلان، وآلمني ضهري، والأزهري إمام معتمد في هذا الباب، وكتابه التهذيب من أنفس كتب اللغة، على كل حال الذي يستطيع يتأكد في حقه إن لم نقل بإبطال الصلاة أن ينطق، واللغة العربية تميزت بإيش؟ بالضاد.
يقول: عند حفظي لمتن البلوغ هل أحفظ الأحاديث الضعيفة أم أتركها اختصاراً؟(12/17)
أحفظ كل شيء، أحفظ الصحيح والضعيف، والإمام البخاري -رحمة الله عليه- يحفظ مائة ألف حديث، ويحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، والعلم بالشيء لا شك أنه يقيك الزلل، لو احتج عليك محتج، أو استدل عليك مستدل بهذا الحديث الضعيف، وأنت ما حفظته ولا تعرف ضعفه، ما كانت لك حجة، فمن اعتنى بكتاب يحفظه كاملاً من أوله إلى آخر، لكن لو وقع في الكتاب خطأ، قال: أخرجه الخمسة، والصواب أنه عند الأربعة مثلاً، يحفظ على الصواب وإلا على الخطأ؟ أهل العلم يعتنون بالمحافظة على رواية الموجود، ولو كان خطأً، فإذا وجد في كتاب الأصل خطأً قالوا: يقرأ كما هو وينبه على الصواب، وينسخ كما هو ويروى كما هو على الخطأ، وينبه على الصواب، ومن أهل العلم من يرى إصلاح الخطأ والتنبيه عليه، والرواية والقراءة والنسخ على الصواب فقط، والله المستعان.
ما قولكم في العجن في الصلاة؟
الحديث هو ضعيف، حديث العجن في الصلاة هو ضعيف، وأما جلسة الاستراحة فسنة ثابتة في الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث مالك بن الحويرث.
ما الحكمة من طلب الاغتسال من المستحاضة؟
أولاً: المستحاضة هي مطلوب منها أن تتوضأ لكل صلاة؛ لأن طهارتها طهارة ضرورة مبيحة للصلاة، كمن به حدث دائم، أما تغتسل لكل صلاة فلا، هي تغتسل إذا أنقطع عنها الدم.
وهل يكفي غسل الجمعة المستحب عن الوضوء، ولو لم يحصل فيه وضوء، وإنما اكتفى بالمضمضة والاستنشاق؟
مسألة التداخل، تداخل العبادات هذه نشير إليها في الغسل -إن شاء الله-، لعله في هذا الدرس -إن شاء الله تعالى-.
بناء على القول بوجوب غسل الجمعة فهل يجب على من لم تجب عليه وأراد شهودها كالمرأة والمسافر ونحوهما؟(12/18)
عرفنا أن قول الجمهور أن غسل الجمعة سنة مؤكدة وليست بواجبة، وقيل بوجوبها، قال بالوجوب: داود، وأكد ابن القيم في حكمه، ولم يصرح بالوجوب، بل هو قال: هو أوجب من كذا وكذا في أمور ليست واجبة عنده، وإنما قال بوجوبها بعض الأئمة، وعلى كل حال من يقول بالوجوب هل يلزم المرأة إذا أرادت حضور الجمعة؟ يلزم من أراد شهودها ممن لا تجب عليه؟ عرفنا أن مسألة الوجوب هنا ليس معناها الاشتراط، معناها لا تصح الجمعة إلا بغسل، لا، الجمعة صحيحة بالوضوء، وعند من يوجب الغسل يأثم بتركه وصلاته صحيحة، من أراد شهود الجمعة يلزمه ما يلزم لها، يلزمه ما يلزم للجمعة، الذي قال بوجوب الغسل للجمعة يجب عليه أن يغتسل، والجمهور على قاعدتهم في عدم الوجوب، لا يلزم.
في حديث الذكر عند النوم: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت .. ، اشتراط ذكره على طهارة، وأن يضطجع على شقه الأيمن فهل يشرع للمحدث قوله؟ أو لمن ينام على شقه، أو لمن لم ينم على شقه الأيمن؟
الشرع إذا أمر بأوامر ينفك بعضها عن بعض كما هنا، يستحب أن ينام على جنبه الأيمن، وأن يستقبل القبلة، وأن يكون على طهارة، وأن يقول هذا الذكر، فإذا أتى ببعض المندوب وترك البعض أجر على ما أتى به وحرم ما ترك؛ لأن هذه الأمور ليس بعضها مترتب على بعض، لم يرتب بعضها على بعض، بل مستحبات ينفك بعضها عن بعض، يأتي بهذا الذكر ولو استدبر القبلة، ولو نام على شقه الأيسر، ولو نام على غير طهارة، كما أنه ينام على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ولو كان على غير طهارة، ولو لم يأتِ بهذا الذكر وهكذا.
الله يعافينا وإياك.
يقول: على من يطلق مصطلح الجنابة؟ هل عند إنزال أو جماع النساء؟
عند الإنزال، سواء كان من احتلام أو من تكرار فكر، أو تكرار نظر أو جماع.
هل الكافر يعتبر مجنب؟
إذا حصل ما يوجب الغسل مما ذكر فإنه جنب.
يقول: احتلمت وقمت قبل الإقامة بدقائق في صلاة الفجر فهل اغتسل علماً أنني إذا اغتسلت تفوتني الجماعة؟(12/19)
اغتسل ولو فاتتك الجماعة، بل الجمهور على أنك تغتسل ولو فاتك الوقت، اغتسل ولو فاتك الوقت، استيقظت قبل طلوع الشمس بربع ساعة مثلاً، إن اغتسلت فات الوقت طلعت الشمس، وإن لم تغتسل أدركت الوقت، نقول: اغتسل ولو خرج الوقت، هذا ما عليه الجمهور فضلاً عن الجماعة، المالكية عندهم الوقت أهم من الطهارة، يعتنون بالوقت أكثر من الطهارة، بينما الجمهور على العكس، ولذا قدم الإمام مالك في الموطأ باب وقوت الصلاة، وجماهير العلماء في مؤلفاتهم يقدمون الطهارة على الوقت.
يقول: أنا شاب يشتكي من الاستمناء وأنا نايم .. -ركيك السؤال- بدون عمد، حتى حين يذهب إلى الحمام ... السؤال ركيك جداً، ولا يفهم منه شيء ... هذا يريد الحل؟
على كل حال إذا كان مبتلى بالشبق وشدة الشهوة، عليه بالصيام وعليه بأن لا يعرض نفسه للفتن، فلا يحضر مجامع الناس، ولا ينظر إلى صور ولا غيرها، عليه أن يحفظ فكره، وينشغل عن هذا الشيء، ينشغل بذكر أو بفكر في مخلوقات الله -عز وجل-، تلاوة وتدبر وطلب علم، ولا يخلو بنفسه إذا كان مبتلى بهذا، والله المستعان.
إذا نزل المني لقلق شديد فهل يجب الغسل من هذا أو لا؟ إذا كان في حال اليقظة؟
إذا كان في حال اليقظة لا بد أن يكون خروجه دفق بلذة، أما إذا خرج من غير لذة فلا، بخلاف النائم النائم لا يشترط له اللذة، مجرد خروجه علق عليه الاغتسال.
يقول: من دخل في الإسلام عليه الاغتسال، ونرى في بعض المجامع هناك رجال يسلمون وقد يصلون معنا؟
على كل حال إذا أسلموا أمروا بالاغتسال؛ لأن هذا الاغتسال واجب.
إذا نام الرجل وأنزل مذياً أو ودياً فماذا يفعل؟
عليه أن يغسل ذكره وأنثييه وما أصابه ويتوضأ.
إذا احتلم الرجل في الصحراء وكان الجو بارداً عند الفجر فماذا يفعل؟
إذا خشي الهلاك من استعمال الماء يتيمم، يعدل عنه إلى التيمم.
يقول: مع العلم بأن الماء متوفر، وأنه إذا سخن الماء قد يصاب البرد؟
على كل حال إذا خشي على نفسه فإنه يعدل عنه إلى التيمم.
ما مدى صحة هذه المقولة: تحت كل شعرة جنابة؟ وما هو مقتضاها؟
سيأتي حديث من أحاديث الباب، سيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى-.(12/20)
يقول: عندما أحرمت للعمرة، ووصلت إلى مكة، وكنت متعباً، فنمت قليلاً وأنزلت وأنا نائم، ثم توضأت ووضعت الماء على الإنزال، واعتمرت فما حكم العمرة؟
على كل حال العمرة، اعتمر وهو جنب، طاف وهو جنب، واعتمر وهو جنب، اكتفى بالوضوء اكتفى بالوضوء، فعليه أن يغتسل عن هذه الجنابة، وأن يؤدي العمرة على طهارة، لا سيما الطواف، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن علي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً، رواه الخمسة، وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً)) رواه مسلم، زاد الحاكم: ((فإنه أنشط للعود)).
وللأربعة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء، وهو معلول.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه، متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ولهما في حديث ميمونة: ثم أفرغ على فرجه فغسله بشماله ثم ضرب بها الأرض، وفي رواية: فمسحها بالتراب، وفي آخره: ثم أتيته بالمنديل فرده، وفيه: وجعل ينفض الماء بيده.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي أفنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية: والحيضة؟ فقال: ((لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات)) رواه مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة.
وعنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه من الجنابة، متفق عليه، زاد ابن حبان: وتلتقي.(12/21)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن كل تحت شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وانقوا البشر)) رواه أبو داود، والترمذي وضعفه، ولأحمد عن عائشة نحوه، وفيه راوٍ مجهول.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حديث: "علي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً، رواه أحمد والخمسة" هذا موجود في بعض النسخ، "رواه أحمد والخمسة"، الصواب عبارة إما أن يقول: رواه الخمسة فقط، أو أحمد والأربعة؛ لأنه أحياناً يقول هذا وأحياناً يقول هذا، تفنن في العبارة، أما أحمد والخمسة، هذا وإن جاء في كثير من النسخ، بل أكثر النسخ على هذا أحمد والخمسة، ولا شك أن هذا ذهول من المصنف -رحمه الله تعالى-.(12/22)
"وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان" وعلى كل حال الحديث فيه ضعف، وإن حكم بصحته ابن حبان، وحسنه الترمذي -رحمهما الله تعالى- فقد عرفا بالتساهل، ومعناه صحيح، جاءت به أدلة أخرى، فالجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن عند عامة أهل العلم، وروى البخاري تعليقاً عن ابن عباس أنه لم يرَ بالقراءة للجنب بأساً، لكن جمهور أهل العلم يرون عدم القراءة للجنب، وفي حكم الجنب الحائض عند الأكثر، وإن كان بعضهم يرخص بالقراءة للحائض عند الحاجة خشية أن تنسى ما حفظت، أو محافظة على وردها أو درسها، إن كانت دارسة أو مدرسة، رخص في ذلك أهل العلم لعدم النص القاطع في هذه المسألة، وأكثر العلماء على أن الجنب كالحائض، جاء في حديث عن علي -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثم قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: ((هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا ولا آية)) هذا مخرج عند أبي يعلى في مسنده، قال الهيثمي: رجاله موثقون، والهيثمي يتسامح في مثل هذا الكلام، وكون الرجال موثقين، أو كون الراوي موثق لا يعني أنه ثقة، إيش معنى موثق؟ موثق أو وثق؟ يعني قال بعض العلماء: إنه ثقة، فيكون موثق من قبل بعض أهل العلم، وإن خالفه الأكثر، كون الراوي موثق لا يعني أنه ثقة إلا عند من وثقه، أما البقية قد يكون خالفوا في توثيقه، وهذا الحديث من هذا النوع، فالحديث فيه ضعف، وعلى كل حال عامة أهل العلم على منع الجنب من قراءة القرآن، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل، وفي حكمه الحائض عند الجمهور، وعرفنا أن من أهل العلم من يفتي بجواز قراءة القرآن للحائض للحاجة، ومنهم من يطلق؛ لأن رفع الحدث ليس بيدها، بخلاف الجنب، الجنب أمره سهل، إذا أراد أن يقرأ يقال له: اغتسل، بينما الحائض إذا أرادت أن تقرأ فإن الغسل ليس بيدها، غسلها لا ينفعها إلا إذا انقطع حيضها، الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما بعث الكتاب إلى هرقل، وفيه قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ} [(64) سورة آل عمران] استدل به من يقول بجواز القراءة، قراءة القرآن من الكافر، والكافر جنب؛ لأنه(12/23)
تحصل له الجنابة ولا يغتسل، ولو اغتسل غسله لا يجزئ؛ لأنه غير منوي، ولذا يتسامح بعضهم في الآية وبعض الآية، إذاً هل يقول الجنب: إذا أراد أن يأكل، أو أراد أن يدخل، أو أراد أن يخرج، أو أراد أن ... بسم الله الرحمن الرحيم مثلاً؟ والبسملة جزء من آية في سورة النمل اتفاقاً، والخلاف فيما عدا ذلك هل هي جزء من الفاتحة؟ هل هي آية من الفاتحة؟ أو آية من كل سورة؟ أو آية مستقلة نزلت الفصل بين السور؟ أقوال لأهل العلم، لكن الإجماع على أنها بعض آية من سورة النمل، فعلى هذا لا تدخل في المنع إلا على قول من يرى أنها آية مستقلة من أوائل السور، أو نزلت للفصل بين السور، على أن منهم من قال: إن للجنب والحائض أن تقرأ الآية الكاملة إذا لم ترد التلاوة، إذا كان لا يريد التلاوة، لم يقصد التلاوة وإنما قصد الذكر، شخص له ورد يومي لا يقصد تلاوة القرآن، وفي ضمن هذا الورد بعض القرآن، آية الكرسي مثلاً، منهم من يقول: إذا لم يقصد به التلاوة له أن يقرأ، لكن القرآن كلام الله، كلام عظيم، ينبغي أن يقرأ ويتلى على أكمل هيئة، فعلى الإنسان أن يحرص على أن لا يقرأ إلا على طهارة، لا سيما في الحدث الأكبر، أما الحدث الأصغر تقدم حكم مس المصحف، وأما التلاوة من غير مس فلا بأس بها. "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً)) رواه مسلم، زاد الحاكم: ((فإنه أنشط للعود)) " هذه العلة التي ذكرها الحاكم هي الصارف، هي الصارف للأمر فليتوضأ من الوجوب إلى الاستحباب؛ لأن كونه أنشط للعود ... ، فإيش؟ هذا مرده إلى الشخص نفسه، يعني كون الشخص يوجه لما ينفعه ويستفيد منه لا يعني أنه يلزم به، فإذا كان العود ليس بواجب فالتنشيط عليه واجب أو ليس بواجب؟ الوضوء أنشط للعود والعود ليس بواجب، وما يعين عليه أيضاً ليس بواجب، فهذه العلة فإنه أنشط للعود تصرف الأمر في قوله: ((فليتوضأ بينهما وضوءاً)) قال الحاكم: "هذه لفظة تفرد به شعبة عن عاصم، والتفرد من قبله مقبول عندهما" تفرد شعبة، شعبة إمام فإذا تفرد بلفظة وزادها فزيادته مقبولة، وتفرده مقبول عندهما، يعني عند البخاري(12/24)
ومسلم، فعلى كل حال الوضوء مشروع لمن أراد أن يعود، ولمن أراد أن يأكل، ولمن أراد أن ينام، جاءت الأوامر بذلك، لكنها أوامر إرشاد ليست أوامر إيجاب.
ثبت -في الصحيحين وغيرهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غشى نساءه ولم يحدث وضوءاً، ولم يحدث وضوءاً بين الفعلين، هذا دليل على الجواز، وثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- اغتسل بعد غشيان كل واحدة، وهذا في السنن، وحديث حسن، لا شك أن مثل هذا أكمل من كونه لا يتوضأ، فالوضوء مستحب لمن أراد العود، ولمن أراد النوم، ولمن أراد الأكل، والمبادرة برفع الحدث أكمل وأبرأ للذمة.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:(12/25)
"والأربعة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء" يعني ولا الوضوء، من غير أن يمس ماء، وهو معلوم، الأربعة: أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، وإذا قيل: النسائي فالمراد به المجتبى، السنن الصغرى، وهذا الحديث ليس هو في المجتبى، وإنما هو في عشرة النساء، وهو معلول، علة الحديث بينها المصنف في التلخيص؛ لأنه من رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة، قال أحمد: ليس بصحيح، قال أبو داود: وهم، وهذا بناء على أن أبا إسحاق لم يسمع من الأسود، لكن البيهقي صححه، وصحح سماعه من الأسود، ولذا صححه من المتأخرين الألباني تبعاً للبيهقي، وأما المتقدمون كأحمد وأبو داود فإنهما ... ، قال أحمد: لم يصح، ليس بصحيح، وقال أبو داود: وهم، وإذا حصل الخلاف بين الأئمة المتقدمين بأن ضعفوا حديثاً كما هنا، وجاء شخص من المتأخرين وصحح هل يقبل قوله مع قول الأئمة المتقدمين أو العكس؟ هم صححوا وهو ضعف، يعني يتصور أن يضعفوا وهو يصحح، لماذا؟ لأنه قد يكون أطلع على ما يقوي الحديث من طرق وشواهد أو متابعات، متابعات أو شواهد، مما خفي عليهم، أما إذا اتفق الأئمة المتقدمون على تضعيف الحديث أو تصحيحه فليس لمن جاء بعدهم أن يخالفهم، وإذا حصل الخلاف بينهم، صححه بعضهم وضعفه آخرون فللرأي فيه مجال، وللاجتهاد فيه مسرح، إذا اتفقوا على تصحيح أو تضعيف فليس لأحد كلام ممن جاء ... ؛ لأنهم المعول عليهم، وإذا اختلفوا على حد سواء فللاجتهاد مسرح، للمتأخر أن يرجح، وإذا وجد التصحيح من واحد أو اثنين، ولا يعرف قول للبقية هل هم مصححون أو مضعفون كما هنا، فالمتأخر إن كان لديه من الأهلية، الأهلية وش معنى الأهلية؟ الأهلية تتفاوت شخص يصحح حديث، يدرس سنده ويصححه، ولا إشكال فيه هذا أمر سهل، يتأهل لذلك كثير من طلبة العلم، لكن إذا تأهل للحكم على الأحاديث ....(12/26)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (13)
شرح: باب: التيمم.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الأهلية، إيش معنى الأهلية؟ الأهلية تتفاوت، شخص يصحح حديث، يدرس سنده ويصححه ولا إشكال فيه هذا أمر سهل، يتأهل لذلك كثير من طلبة العلم، لكن إذا تأهل للحكم على الأحاديث بالقرائن، كما هو صنيع الأئمة فإنه له أن يجتهد، بحيث يتمكن من جمع الطرق، التي يتبين بها خطأ من أخطأ من الرواة ووهم من وهم، والاختلاف على بعضهم، والاتفاق على آخرين وهكذا، إذا كانت لديه الأهلية الكاملة بأن كان من أهل الحكم بالقرائن وحاكى الأئمة المتقدمين له ذلك.
وهنا الشيخ -رحمة الله عليه- الألباني صحح الحديث تبعاً للبيهقي، بناءً على أن أبا إسحاق السبيعي سمع من الأسود.
"من غير أن يمس ماءً" هنا ماذا يرجح؟ يرجح تضعيف الحديث أو تصحيحه؟ الأمام أحمد قال: ليس بصحيح، وأبو داود قال: وهم، وابن حجر يقول: هو معلول، والبيهقي صححه والألباني.
الحديث له ما يشهد له، هذا من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عند ابن خزيمة وابن حبان من حديث ابن عمر أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم ويتوضأ إن شاء)) ويتوضأ إن شاء، وعلى كل حال مثل ما تقرر سابقاً جمهور أهل العلم على أن مس الماء سواءً كان بوضوء أو لوضوء يخفف الحدث أو لاغتسال يرفع الحدث سنة عند الجمهور، وأوجب داود الظاهري الغسل أو الوضوء على أقل الأحوال، كما جاء عند مسلم: ((ليتوضأ ثم لينم)) وفي البخاري: ((اغسل فرجك ثم توضأ)) على كل حال يستحب استحباباً مؤكداً، ولو قيل بأنه يكره أن ينام الشخص من غير رفع للحدث أو تخفيفاً له ولو بغسل فرجه على أقل الأحوال هذا قول الأكثر أن الاغتسال إن أمكن، إن تيسر أكمل، إن لم يتيسر فالوضوء يخفف، إن لم يتيسر فأقل الأحوال أن يغسل فرجه.
الحديث الذي يليه: في صفة الغسل:
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمنه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثالث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه" متفق عليه".(13/1)
صفة الغسل الكامل الغسل المجزئ يعمم البدن بالماء وينتهي الإشكال، من غير تكرار ومن غير تقديم ولا تأخير، يعمم البدن بالماء، بمعنى أنه لو انغمس وخرج يكفي، لو فتح الدش على رأسه وعم بدنه الماء كفى، لكن الغسل الكامل أن ينوي ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه وما لوثه، ثم يتوضأ الوضوء الكامل للصلاة، يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفرغ على رأسه ثلاث حفنات يروي بها أصول الشعر، وإن كان الشعر كثيفاً أدخل أصابعه في شعره ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، هذا الغسل الكامل.
هنا يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمنه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ" فالمفهوم من الوضوء أنه الوضوء الكامل.
وجاء في بعض الروايات ما يدل على أنه أحياناً لا يغسل رجليه مع هذا الوضوء، وإنما يؤجل غسل الرجلين حتى ينتهي من الاغتسال "ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده" باقي جسده، الذي لم يصبه الماء "ثم غسل رجليه" وهل سبق أن غسلهما في الوضوء؟ المفهوم ثم يتوضأ يعني يتوضأ الوضوء الكامل بما في ذلك غسل الرجلين، ثم يغتسل ثم يغسل رجليه، وجاء ما يدل على تأخير غسل الرجلين عن الوضوء، حتى إذا تم اغتساله غسل رجليه، وجاء ما يدل على أنه يغسل رجليه مع الوضوء، ولا يعيد غسلهما بعد الغسل، وكل هذا -والله أعلم- يرجع إلى نظافة المحل، المحل المغتسل إن كان المغتسل نظيفاً كما هو الشأن في المغاسل الموجودة المبلطة، مثل هذا يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يغتسل ولا يحتاج إلى غسل رجليه، أما إذا كان فيه أتربه وطين وأشياء يمكن أن تلوث الرجلين، يؤخر غسل الرجلين بعد الاغتسال، فإذا فرغ غسل رجليه.
"ولهما -يعني للبخاري ومسلم- من حديث ميمونة: "ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله" عرفنا أن الفرج إنما يغسل بالشمال، وأنه لا يمسك ذكره بيمينه، ولا يغسل .. ، يرفع النجاسة ولا يتمسح بيمينه، ولا يستنجي بيمينه إنما كل هذه بالشمال.(13/2)
"ثم ضرب بها الأرض" غسل فرجه بشماله ثم ضرب بها الأرض، وفي رواية: "فمسحها بالتراب" هاه؟ ضرب بيده الأرض، وفي رواية: "مسحها بالتراب" من أجل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، تزول النجاسة، وتذهب الرائحة، تزول النجاسة، وتذهب الرائحة، اغتسل والأصل في الغسل أنه تعميم بل إيصال الماء إلى البشرة جميع البدن، وليس من مسماه الدلك، يعني إذا وصل الماء ولا يوجد ما يمنع من وصوله إلى البشرة يسمى غسل بدليل قولهم: "غسله المطر" وغسله العرق، وما أشبه ذلك، فالدلك ليس من مسماه، وأوجبه المالكي، الجمهور على أن الدلك يعني ما يلزم وأنت تغتسل أن تدلك بدنك، نعم المغابن والمواضع التي ينبو عنها الماء يحرص على إيصال الماء إليها، والتأكد من ذلك؛ لأن الأصل العدم، أما ما يجزم بأن الماء وصل إليه لا يحتاج إلى دلك عند الجمهور، بينما المالكية يوجبونه ويدخلونه في مسمى الغسل.
هنا النبي -عليه الصلاة والسلام- يبدأ فيغسل يديه ثم يتوضأ ثم يأخذ الماء، إلى آخره، يتوضأ ثم يغتسل، لكن لو لم يتوضأ؟ دخل انغمس في ماء ونوى رفع الحدث، نوى رفع الحدث فاغتسل، أو دخل تحت الدش، دش الماء فوصل الماء إلى جميع بدنه من دون وضوء، وهو ينوي بذلك رفع الحديث الذي يمكنه من العبادة التي لا تصح إلا بالطهارة، يقولون هنا: اجتمع عبادتان من جنس واحد فتدخل الصغرى في الكبرى، فلا يحتاج إلى وضوء، لكن الأكمل أن يتوضأ، الأكمل أن يتوضأ، ثم بعد ذلك يغتسل على ما جاء شرحه.
في آخر حديث ميمونة "ثم أتيته بالمنديل فرده"، وفيه: "وجعل ينفض الماء بيده".(13/3)
كون المنديل يرد؛ لأنه جاء في الحديث: "فتخرج الخطايا مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فيترك الماء ينزل على سجيته وطبيعته، فلا يزال بمنديل ولا غيره، ونفض اليدين لا بأس به، وهذا على سبيل الاستحباب، لو تنشف لا بأس، لا سيما مع الحاجة، لا سيما مع الحاجة، إذا كان هناك برد شديد، وخشي أن يتلف إذا لم يتنشف، قلنا: يجب عليه أن يتنشف، يجب عليه أن يتنشف، أما إذا كانت الظروف متوسطة بمعنى أنه لا يضره لا من حر ولا برد، نقول: الأولى أن يترك الماء على سجيته لتخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، ولذا رد النبي -عليه الصلاة والسلام- المنديل.
الحديث الذي يليه:
حديث: "أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي" والذي في مسلم: "ظفر رأسي" أفأنقضه لغسل الجنابة? وفي رواية: والحيضة? قال: ((لا, إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات)) رواه مسلم".(13/4)
هذا حديث أم سلمة، وفي حديث عائشة: ((أنقضي شعر رأسك واغتسلي)) أم سلمة -رضي الله عنها- والحديث في الصحيح قالت: "أفأنقضه لغسل الجنابة? وفي رواية: والحيضة? قال: ((لا, إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات)) رواه مسلم" وعائشة قال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنقضي شعر رأسك واغتسلي)) وعائشة معلوم أنه قال لها في الحيض فهل يلزم نقض شعر الرأس؟ الرأس المظفور أما الشعر الذي عليه ما يمنع من وصول الماء إليه فلا بد من إزالة ما يمنع من وصول الماء إليه، إذا لم يكن عليه ما يمنع من وصول الماء إليه وإلى أصوله ففي هذا الحديث ما يدل على أنه لا يلزم النقض، وفي حديث عائشة: ((أنقضي شعر رأسك)) وهل نقول: أن هذا في غسل الجنابة وذاك في الحيض؟ لأنه هنا قال: وفي رواية: "والحيضة؟ " بعض أهل العلم للتوفيق بين هذين الحديثين يقول: إن شعر أم سلمة خفيف فلا يحتاج إلى نقض، وشعر عائشة كثيف يحتاج إلى نقض، فعلى هذا الشعر الخفيف الذي يصل الماء إلى أصوله من غير نقض لا يحتاج إلى نقض، سواءً كان ذلك في الجنابة أو في الحيضة، على مقتضى حديث أم سلمة، والشعر الكثيف الذي لا يصل الماء إلى أصوله إلا بالنقض لا بد من نقضه على حديث عائشة، ولعل هذا من أظهر ما يقال، وإن كان ليس هناك ما يدل صراحة على أن شعر أم سلمة خفيف وشعر عائشة كثيف، ما في النصوص ما يدل على ذلك، لكن يسلك مثل هذا للتوفيق بين النصوص المتعارضة، على أنه متى يتم الاستدلال بحديث عائشة على وجوب النقض؟ متى يتم الاستدلال بحديث عائشة على وجوب النقض؟ نعم؟
انتهينا من كلمة الشعر الكثيف، أنا أقول: إذا تم التعارض بين حديثين نحتاج إلى مثل هذا الكلام للتوفيق بين النصوص، نعم؟
هنا وفي رواية: "والحيضة؟ " قال: ((لا)) حديث أم سلمة في الجنابة والحيضة، وفي حديث عائشة في الحيض، أقول: متى يتم التعارض بين حديث عائشة وحديث أم سلمة؟ نعم؟
حديث أم سلمة للغسل من الجنابة، لرفع الحدث، وحديثها أيضاً للغسل من الحيض لرفع الحدث، حديث أم سلمة الذي معنا، حديث عائشة لأي شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
لإيش؟(13/5)
للحيض، لكن هل غسلها للحيض من أجل رفع الحدث أو من أجل الإحرام؟ أقول: يتم التعارض بين حديث أم سلمة وحديث عائشة لو جاء الأمر في حديث عائشة لرفع الحدث، متى قيل لها: ((انقضي شعرك واغتسلي؟ )) لما حاضت وأرادت أن تحرم، وأمرت بذلك ولم يرتفع حيضها، حيضها باقٍ، هي تريد أن تغتسل للإحرام، تريد أن تغتسل للإحرام، وقيل لها ذلك، فنقض الشعر قدر زائد على ما جاء في حديث أم سلمة، واضح يا إخوان؟
أقول: متى يتم التعارض بين حديث أم سلمة وحديث عائشة؟ من أهل العلم من يقول: إنه ينقض الرأس إذا كان كثيف، وإذا كان خفيف لا ينقض، ينزل عليه حديث أم سلمة، وينزل حديث عائشة على الشعر الكثيف، أنا أقول: هل هناك تعارض بين حديث عائشة وحديث أم سلمة؟ لماذا؟ لأن حديث أم سلمة لرفع الحدث، وحديث عائشة للنظافة لا لرفع الحدث، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ويبقى أن الأصل عدم النقض، الأصل عدم النقض، ونبقى على الأصل أيضاً أنه لا بد من إيصال الماء إلى الشعر وأصوله، فإذا كان عدم النقض يمنع من وصول الماء إلى أصول الشعر ينقض، كما يقال في سائر الحوائل أنها تزال.
أخرج مسلم وأحمد أن عائشة -رضي الله عنها- بلغها أن ابن عمر كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجباً لابن عمر هو يأمر النساء أن ينقضن شعرهن أفلا يأمرهن بحلق شعورهن أو رؤوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد فما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات".
ولقائل أن يقول: حديث عائشة في الجنابة، وأمر ابن عمر في الطهارة من الحيض، وعلى كل حال على المرأة أن تحرص على إيصال الماء إلى أصول الشعر وإلى البشرة، ولا يلزم من ذلك أن تنقض الشعر.
الحديث الذي يليه:
حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) رواه أبو داود, وصححه ابن خزيمة".(13/6)
وعلى كل حال الحديث مضعف، الحديث مضعف ((لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) أما بالنسبة للجنب فالدلالة من قوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] هذا ظاهر أن الجنب لا يدخل المسجد، وأما بالنسبة للحائض فالدلالة من حديث أم عطية في الصحيحين وغيرهما: "ويعتزل الحيض المصلى" هذا الحديث الذي معنا: ((إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)) معروف أنه صححه ابن خزيمة، ويشهد له ما ذكرنا بالنسبة للجنب {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] وأما بالنسبة للحائض ففي حديث أم عطية: "وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى" يعتزلن المصلى، مصلى العيد فضلاً عن المساجد التي تقام فيها جميع الصلوات، ويعتزل الحيض المصلى، فلا يجوز للجنب أن يمكث في المسجد، له أن يعبر، ولا يجوز للحائض أن تدخل المسجد، كما أنه لا يجوز لها أن تدخل المصلى، مصلى العيد.
"وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد, تختلف أيدينا فيه من الجنابة" متفق عليه، زاد ابن حبان: وتلتقي أيدينا".
وهذا دليل على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وهذه المسألة تقدمت في الطهارة، هذه المسألة تقدمت في الطهارة، وأن للرجل أن يغتسل بفضل طهور المرأة، وللمرأة أن تغتسل بفضل طهور الرجل، ولهما أن يغتسلا جميعاً كما جاءت بذلك النصوص، فهذا تقدم.
الحديث الذي يليه:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن تحت كل شعرة جنابة, فاغسلوا الشعر, وأنقوا البشر)) رواه أبو داود والترمذي وضعفاه.
الحديث ضعيف ((تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر)) على هذا لا بد أن تروى أصول الشعر لترتفع هذه الجنابة، وعلى كل حال كما ذكرنا الحديث ضعيف، ولا بد من إيصال الماء إلى جميع البدن، ولا بد من إيصال الماء إلى جميع البدن.(13/7)
وسبب ضعفه عند الترمذي وأبي داود أنهما ضعفاه لسبب أنه من رواية الحارث بن وجيه، الحارث بن وجيه، قال أبو داود: منكر، حديثه منكر، هو ضعيف وحديثه منكر، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الحارث، يعني ابن وجيه، وهو شيخ ليس بذاك، قال البيهقي: أنكره أهل العلم، المقصود أن الحديث ضعيف.
جاء عن علي -رضي الله عنه- مرفوعاً: ((من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فُعل به كذا وكذا)) يقول علي: "فمن ثم عاديت رأسي، فمن ثم عاديت رأسي ثلاثاً" صار يجز رأسه، لا يترك الشعر، لهذا الوعيد الوارد في هذا الحديث، لكنه مرفوع ضعيف، وبعضهم يصححه إلى علي -رضي الله عنه-.
"ولأحمد عن عائشة -رضي الله عنها- نحوه, وفيه راو مجهول" هو أيضاً ضعيف لا تقوم به حجة.
فعندنا حديث الباب حديث أبي هريرة وفيه الحارث بن وجيه ضعيف وضعفه شديد؛ لأن حديثه منكر، ويشهد له حديث عائشة، وفيه راوٍ مجهول، فإذا اجتمع الحديث الأول مع الثاني يرتقي وإلا ما يرتقي؟ نعم، حديث عائشة مع حديث أبي هريرة يعضد بعضهما بعضاً وإلا لا؟ حديث أبي هريرة فيه الحارث بن وجيه، وحديث عائشة فيه راوٍ مجهول، نقول: هذا يشهد لهذا ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره أو لا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأن الحارث بن وجيه ضعفه شديد، وحديثه منكر كما قال أبو داود، والمنكر ضعفه شديد، أقول: شديد الضعف المنكر، وعلى هذا لا ينجبر، والله أعلم.
اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك.
في أسئلة كثيرة جداً.
يقول: ما أفضل الطبعات للكتب الستة؟ وهل طبعة دار السلام للكتب الستة جيدة؟
أما بالنسبة للبخاري أفضل طبعة هي السلطانية، وكانت في حكم المعدوم، لكنها صورت الآن وانتشرت، صورت ورقمت وخدمت، فهي أفضل الطبعات على الإطلاق، صحيح مسلم أفضل طبعاته طبعة تركيا العامرة سنة (1325هـ أو 26) سنن أبي داود كأن أفضل الطبعات الآن طبعة العوامة، محمد عوامة، على ما فيها من بعض الأمور غير المناسبة، من تصرف المحقق أحياناً، لكنها بالنسبة لضبطها هي أفضل الطبعات.(13/8)
الترمذي: ما حققه الشيخ أحمد شاكر هو أفضل الموجود، وإلا فطبعة بشار عواد أفضل من غيرها، سنن النسائي: الطبعة المصرية البهية التي صورت مراراً جيدة، سنن ابن ماجه: الاعتماد في الغالب على طبعة محمد فؤاد عبد الباقي.
يقول: ما حكم إهداء ترجمة معاني القرآن الكريم للكافر من باب دعوته؟ وكذلك شريط؟
على كل حال لا يمس القرآن، ولا يقرأ القرآن، لكن معانيه لا بأس فيها، هو يسمع القرآن {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [(6) سورة التوبة] ويقرأ معانيه ويتأملها من باب الدعوة.
هل يلزم بالجماعة أن تكون الجماعة هي الجماعة الأولى في مسجد تقام فيه الجماعة؟
الجماعة على كل حال أكثر من واحد الاثنين جماعة، الثلاثة جماعة، ولا بد أن تكون في المسجد حيث ينادى به، حيث ينادى بها، وكونها جماعة الأولى هذا هو الأصل، لكن إن فاتته الأولى فالثانية تقوم مقامها لحديث ((من يتصدق على هذا)) هذا إن كان الفوات من غير تفريط.
ما حكم الصلاة في المباني الحكومية في أوقات العمل بدلاً من المسجد؟
لا بد أن تكون الصلاة في المسجد حيث ينادى بها، إن كانت هذه المباني الحكومية فيها مسجد، ولو كان هذا المسجد لا تقام فيه إلا صلاة الظهر فلا بأس، على أن يكون مسجد ما هو بمصلى أو غرفة أو صالة أو شيء من هذا مسجد، ولو لم تصلَ فيه إلا الظهر؛ لأن مسجد نمرة مسجد إجماعاً وهو لا يصلى فيه إلا يوم عرفة.
يقول: أعتزم -إن شاء الله- القراءة في شروح الكتب الستة فهل أبدأ بإرشاد الساري أم بشرح الكرماني أم بعون الباري؟(13/9)
من أراد أن يقرآ شروح الكتب الستة فالنصيحة أن يبدأ بشرح النووي على مسلم؛ لأنه كتاب سهل ميسر مختصر، بإمكان طالب العلم أن ينجزه بأقصر مدة، وأجزاءه كثيرة لكنها سهلة القراءة، يتشجع الطالب إذا قرأ شرح النووي على مسلم ثمانية عشر جزءاً في شهرين أو ثلاثة، يتشجع، لكن إذا جلس ثلاثة أشهر أربعة أشهر ستة أشهر بمجلد واحد من إرشاد الساري، أو مجلد من فتح الباري يمل ويترك، فإذا قرأ في مثل شرح النووي شرح مبسط وسهل ومبارك، فيه فوائد، وقواعد وضوابط لا توجد في غيره، وتنابيه ولطائف يتشجع، يقرأ بشرح الكرماني فيه لطائف ونفائس وأوهام أيضاً، لكن يدرك هذه الأوهام بمقارنته بالشروح الأخرى، فإذا قرأ من شرح النووي وشرح الكرماني تشجع، أما إذا بدأ بإرشاد الساري أو عمدة القاري أو فتح الباري أنا أخشى أن يصاب بالملل والترك، فالنفس تحتاج إلى ترويض، ولو قرأ في شرح ابن رجب -رحمه الله- شرح سلس وميسر، وفيه علم السلف كان أولى.
أما عون الباري لصديق حسن، هذا الكتاب بنسبة خمسة وتسعين بالمائة بحروفه من إرشاد الساري، هذه الخمسة بالمائة يعني تنبيهات على بعض الأمور، تنبيهات على بعض الأمور التي .. ، أو الهفوات والزلات التي وقعت من القسطلاني.
أفضل الكتب المفسرة للقرآن الكريم؟
كتب التفسير بالأثر، وأنسب الموجود الآن تفسير الحافظ ابن كثير، وتفسير الطبري إن ارتقت الهمة إليه، وأيضاً هناك تفاسير ليست من التفاسير بالأثر، لكنها أمور ميسرة، مثل تفسير ابن سعدي وغيره للمبتدئين نافع، وأنفع منه تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، تفسير مختصر جداً، وهو ملتقط بجملته من التفاسير الثلاثة: من البغوي وابن كثير والطبري، واسمه: (توفيق الرحمن لدروس القرآن).
الأسئلة كثيرة.
وهذا يقول: ما علاقتكم مع سماحة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين؟
أما الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- فقد لازمته ملازمة تامة من سنة خمسة وتسعين إلى أربعمائة، أول ما بدأ التدريس بالرياض ملازمة تامة، ومن بعد ذلك انقطعنا عن الدروس بسبب هذه الرسائل التي يسمونها علمية والله المستعان، لكن العلاقة لم تنقطع استفدنا منه كثيراً إلى آخر حياته -رحمة الله عليه-.(13/10)
والشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- لم أمثل بين يديه، ما طلبت العلم عليه في درس من الدروس إلا ما كان من دروس الحرم، يعني نستمع إليه، وقرأنا كتبه -رحمة الله عليه- واستفدنا كثيراً.
يقول: إذا كان المأموم واحد فأين يقف؟
إذا كان المأموم واحد يقف عن يمين الإمام، عن يمين الإمام.
يقول: ما حكم إسبال الثوب وحلق اللحى؟
هذه أمور محرمة، جاءت النصوص بتحريمها والتشديد في أمرها ((خالفوا اليهود)) ((خالفوا المجوس)) ((أعفوا اللحى)) ((وفروا اللحى)) ((أكرموا اللحى)) فحلقها محرم، بل صرح جمع من أهل العلم، بل نقل الإجماع ابن حزم وغيره على أنها كبيرة من كبائر الذنوب.
وأم الإسبال ففيه ما تعرفون، إذا كان لمجرد الإسبال وإنزال الثوب عن الكعب فهو في النار، ولو لم يصحبه خيلاء، مجرد إنزال الثوب عن الكعب في النار ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) هل الذي في النار الثوب أو صاحبه؟ صاحبه، كل ضلالة في النار، يعني الضلالة في النار وصاحبها في الجنة؟ لا، المراد صاحبها، يعني. . . . . . . . .، بعض الناس لا، المقصود صاحب الثوب، إذا زاد الأمر فصاحب هذا الإسبال الخيلاء فالأمر أشد، فالأمر أشد، لا ينظر الله إليه، نسأل الله العافية، قد يقول قائل: لماذا لا نحمل المطلق على المقيد؟ ((من جر ثوبه خيلاء)) والثاني: ((ما أسفل من الكعبين في النار)) لماذا لا نقول: خيلاء؟ نقول: لا؛ لأن الحكم مختلف، وإذا اختلف الحكم لا يحمل المطلق على المقيد.
يقول: كنت قد احتلمت في أول ما بلغت مدة عدة مرات، وكنت لم أغتسل، وإنما أغسل ذكري ومحل النجاسة ثم أتوضأ؛ لأني لم أتأكد أن هذا هو إيش؟ الموجب للغسل، وكم صلاة صليتها بدون اغتسال لا أعلم كم هي؟
على كل حال إذا كنت لا تعلم فأكثر من النوافل ويجزئ عنك -إن شاء الله تعالى-، وإن كنت تعلم عددها بيقين فعليك قضاؤها.
هل يصح الغسل ليوم الجمعة ليلة الجمعة في الليل؟
على القولين، إذا قلنا: إنه لليوم أو للصلاة لا بد أن يكون الغسل بعد طلوع الفجر، والأولى أن يكون بعد طلوع الشمس.
هذا يسأل عن المضمضة والاستنشاق في الغسل؟(13/11)
تقدم أن المضمضة تابعة للوجه، وأنها داخلة في مسمى الوجه، على خلاف بين أهل العلم ذكرناه في وقته.
يقول: إذا تذكرت السلف في بعض الأحيان بكيت، فهل هناك علي شيء؟
ليس عليك شيء، هذا يدل على حرصك ومحبتك لهؤلاء، وما حبك لهم إلا لعملهم للدين، ونصرهم للدين، وحرصهم على الدين، هذا شيء طيب، حتى إذا تذكرت ممن أدركت من الشيوخ الذين مضوا من أهل العلم والعمل، لا شك أن لهذا أثر على النفس، والله المستعان.
يقول: هل يقال لمن أراد الاغتسال: إن يضرب بيده الأرض حتى تزال النجاسة وتذهب الرائحة مع توفر المواد المنظفة؟
على كل حال العلة معقولة، وإذا زالت الرائحة بأي وسيلة والنجاسة زالت فلا بأس.
الأسئلة كثيرة يا الإخوان.
يقول: هناك عادة متعارف عليها هي في السودان وفي غيرها من البلدان في التعزية رفع اليدين وقراءة الفاتحة والدعاء للميت، فهل هذا يجوز؟ وهل يعزى من لا يقبل إلا هذه الكيفية من التعزية وإن أدى إلى قطع الأرحام؟
على كل حال قراءة الفاتحة للميت هذه حكم أهل العلم بأنها بدعة، وأما الدعاء للميت فمطلوب، وسؤال التثبيت له، الدعاء له، الميت إذا كان من أهل الدعاء، يعني في حيز الإسلام، ليس عنده بدعة مكفرة، ولا يترك ما تركه كفر، ولا يفعل ما فعله كفر فإنه حينئذٍ يدعى له، ويخلص في الدعاء له، سواءً كان في بيت أهله أو في المقبرة أو في أي مكان، أما قراءة الفاتحة فبدعة.
يقول: معلقات البخاري على القول الصحيح؟
على كل حال المعلقات ألف وثلاثمائة وأربعين، أو تزيد قليلاً، كلها موصول في الصحيح نفسه، عدا مائة وستين حديث معلق غير موصول، وهذه المائة والستين منها ما جزم البخاري به، بنسبته هذه صحيحة، وما صدره بصيغة التمريض يروى أو يذكر أو يقال هذه منها ما هو صحيح، ومها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، والضعيف يشير إليه، يروى عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، يستدرك الإمام -رحمة الله عليه-.
صلاة المنفرد خلف الصف؟
لا تصح، لا تصح، صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، لو لم يجد مكان إلا عن يمين الإمام، يصح، يصف بجانب الإمام وإلا فيصبر، لا يعرض صلاته للبطلان.
البسملة هل يقولها الجنب؟(13/12)
يقولها الجنب، يبسمل على أنها ذكر من الأذكار، أما آية الكرسي كاملة ففي النفس من قراءتها للجنب شيء، وإن قال بعض أهل العلم: إنه إذا جاء بها على سبيل الذكر لا على سبيل التلاوة أنه لا بأس بذلك، لكنها قرآن، إذا أراد أن يقرأ القرآن فليرفع الحدث، فليغتسل.
هل يمكن الصلاة للغسل فقط، أم لا بد من الوضوء بعد الغسل؟
الأكمل أن يتوضأ ثم يغتسل، لكن إن عمم بدنه بالماء واغتسل ونوى إدخال الطهارة الصغرى بالكبرى أجزأ.
يقول: ما الشرك الخفي؟
الشرك الخفي مثل الرياء، الشرك الخفي وهو أخفى من دبيب النمل مثل الرياء، هذا خفي جداً، وللشيطان مداخل على النفس، للشيطان مداخل على النفس، فلا بد من ملاحظة هذه النفس، ولا بد من الانتباه لحيل الشيطان، وتلبيسه على الناس، أحياناً يأتي الشخص يذم نفسه أمام الناس ولا يقصد بذلك الذم، إنما يريد أن يمدحوه، هذا خفي جداً، على كل حال هذا النوع هو الذي خافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته، فعلينا أن ننتبه لحيل الشيطان، وأن نجاهد النفس، والله المستعان.
يقول: ما هو حديث عائشة؟
ما هو حديث عائشة؟ ما هو حديث عائشة؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن: ((انقضي شعرك واغتسلي)) لما وصلت إلى الميقات وهي حائض، والحائض تحرم مع الناس، وتفعل جميع ما يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت، قيل لها: ((انقضي شعرك واغتسلي)).
على كل حال الأسئلة كثيرة ولا تنتهي، والله المستعان.
هذان سؤالان من الدرس نبي نسأل والجواب عليه جائزة، نعم؟
يقول: ما رأيكم فيمن مس ذكره بعد الفراغ من الغسل هل يتوضأ أم لا؟
نريد واحد يجيب على السؤالين ليأخذ الكتاب.
ما رأيكم فيمن مس ذكره بعد الفراغ من الغسل هل يتوضأ أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، استدلالاً بحديث؟ حديث من؟ حديث طلق وإلا حديث بسرة؟
طالب:. . . . . . . . .
بسرة، حديث بسرة، طيب هذا على القول بترجيح حديث بسرة من كل وجه ولا الجمع ولا القول بالاستحباب كما يقول شيخ الإسلام، نعم.
هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغير المكان الذي اغتسل فيه إذا أراد غسل رجليه؟ وما الحكمة من ذلك إذا كان هذا صحيحاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟(13/13)
هو نفسه على شان يأخذ الكتاب وإلا أعطيناه مجلد والذي يجيب السؤال الثاني أعطيناه مجلد؟ نعم هذا التفريق، ولا يدخل هذا في منع التفريق بين الوالدة وولدها في البيع، نعم، هذا لا يدخل في التفريق؛ لأنه يمكن الاستفادة من جزء وإن كانت أقل، أجب.
هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغير المكان الذي اغتسل فيه إذا أراد غسل رجليه؟ وما الحكمة من ذلك إذا كان هذا صحيحاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
هل يتحول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو المغتسل عموماً إذا اغتسل يتحول عن مكانه ويغسل رجليه؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب ما الحكمة من كونه يغسل رجليه بعد ما يغتسل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا كانت الأرض نعم طين وما أشبه ذلك يغسل رجليه، وعلى هذا لا بد أن يتحول عن المكان، أما إذا غسل رجليه بنفس المكان الذي اغتسل فيه ما استفاد، خذ الكتاب.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه أسئلة بقيت من الظهر نبدأ بها حتى يتم حضور الإخوان:
هذا يقول: ما معنى أن يتطوع الإمام في مكانه؟
الإمام البخاري -رحمة الله عليه- ذكرنا من أمثلة المعلقات عنده: يروى عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" يعني في المحراب، الذي يصلي فيه الفريضة، إذا أراد أن يتطوع ينتقل إلى مكان آخر، لكن البخاري قال: لم يصح، وعلى هذا للإمام أن يتطوع في مكانه، وله أن يتطوع في غيره.
هذا يقول: إذا كان الجنب متعمداً فما الحكم؟
إيش معنى متعمد؟
طالب: يمكن مستمني.
هاه؟
طالب: يمكن مستمني.
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان الجنب متعمداً فما الحكم؟
طالب: قد يكون إذا استمنى يعني.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الإنسان يتعمد أن يطأ زوجته ويكون جنب، ولا يتعمد أن يحتلم ويكون جنب، لا فرق.(13/14)
على كل حال إذا كان الأمر كما قال الإخوان استخرج الماء بيده أو بغيرها مما يقوم مقامها، فهذا العمل محرم عند أهل العلم، هو حرام؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لم يستثنِ في الفروج وحفظها {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(6) سورة المؤمنون] فدل على أن ما عدا ذلك محرم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من لم يستطع الباءة فعليه بالصوم)) أرشد إلى الصوم، ولا بديل لذلك، ولا بديل لذلك.
فهذا العمل محرم، لكن قد يكون الإنسان في مجتمع لا يستطيع أن يملك نفسه مع شدة الشهوة، فيقول: بدلاً من أن يقع في الزنا المجمع على تحريمه, والذي يترتب عليه آثار في الدنيا والآخرة ومن كبائر الذنوب، بل من عظائمها، يخفف شهوته بمثل هذا العمل لا شك أن مثل هذا أخف من الزنا، على أنه محرم، لكن على مثل هذا ألا يعرض نفسه للفتن، سواءً كانت حقيقية أو مرئية إن لم تكن حقيقة في صور أو في آلات وما أشبه ذلك، عليه أن ينكف وينجمع على نفسه، ويصحب الأخيار.
يقول: هل المضمضة واجبة في الغسل وكذلك الاستنشاق؟
نعم هي واجبة على ما تقدم في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
هل المصلى له حكم المسجد في قول دعاء المسجد، وفي الركعتين وما إلى ذلك؟
على كل حال المسجد مسجد، المصلى إذا كانت له معالم المسجد له منارة ومحراب وموقوف على المصلين فهو مسجد، وإن سماه بعض الناس مصلى، ولو لم تصلَ فيه جميع الصلوات، ولو صلي فيه الظهر فقط، كالمساجد التي تقام في الدوائر الحكومية، ولو صلي فيه مرة في العام كمسجد نمرة فهو مسجد، وله أحكام المسجد.
يقول: الذي يتوضأ من الدش كيف له أن يطبق صفة غسل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه سوف يستخدم الصابون والشامبو؟
تطبيق السنة أمر ميسور، يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على. . . . . . . . . ينوي ثم يغسل يديه ثلاثاً، يغسل فرجه وما لوثه، يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر.(13/15)
لكن كأن هذا يريد أن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- يغتسل بالصاع، فكيف يتسنى له أن يغتسل بالصاع ولا يزيد عليه وهو تحت الدش يغلب عليه، هذا اللي يمكن أن يسأل عنه، وإلا تطبيق السنن مهما كانت الأداة.
يقول: لماذا تقضي المرأة النفساء شهر رمضان ولا تقضي الصلاة؟
هذا السؤال وجه لعائشة -رضي الله عنها-، النساء على عهده -عليه الصلاة والسلام- يؤمرن بقضاء الصوم ولا يؤمرن بقضاء الصلاة، ويكفي في هذا أمره -عليه الصلاة والسلام-.
الفاصل بين النساء والرجال في المسجد هناك من يقول بدعة هل هذا صحيح؟ دليلهم يقولون: ليس هناك فاصل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
من حكم على مثل هذا العمل بالبدعة فلن ينفك من البدع، من حكم على هذا بأنه بدعة الفاصل الذي يفصل بين الرجال والنساء بأنه بدعة لأنه لم يوجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فبالله عليك ما الموجود من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن عمله ومن بيئته ومحيطه مما هو موجود الآن؟ حتى الصلاة التي نصليها أنكر الناس في صلواتهم بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، أنكروا قلوبهم، كيف بالأمور التي تتغير بتغير الظروف والأحوال، الأبنية، والمساجد تشيد بهذه الطريقة، إذن كل شيء بدعة، على كل حال الحاجة ودرء الفتنة والمفسدة هي التي أوجدت مثل هذه الفواصل، ولذا لو كان الرجل يصلي بأبنائه ومحارمه قلنا له: لا تحط فاصل، ما يحتاج فاصل، فالذي أوجد مثل هذا الفاصل هو الفتنة، والناس تغيروا، وغير النساء بعده -عليه الصلاة والسلام- كما قالت عائشة.
على كل حال هذا تفرضه الضرورة، وهو لا يتم الواجب إلا به، فلو قيل بوجوبه لما بعد، والله المستعان.
هذا سؤال يمكن إنه آخر سؤال. . . . . . . . .، لكن الأسئلة كثيرة. . . . . . . . .
يقول: بعض القراء والأئمة يتكلفون يتصنعون أثناء القراءة -قراءة القرآن- وبعضهم يلوك بعض كلمات القرآن؟
على كل حال التغني بالقرآن مطلوب، وتحسين الصوت بل تحسين القرآن بالصوت ((زينوا القرآن بأصواتكم)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
من اللي قال هذا؟
طالب:. . . . . . . . .(13/16)
المقصود تحسين القراءة مطلوبة، وتزيينها وتجميل الصوت وتحبيره هذا كله مطلوب، لكن لا يخرج بذلك إلى الحد الذي يطرب فيه، يقرأ القرآن بترتيل وتدبر وتخشع وتأثير وتأثر هذا مطلوب، استمع النبي -عليه الصلاة والسلام- لقراءة ابن مسعود فالتفت إليه ابن مسعود فإذا عيناه تذرفان، استمع لقراءة أبي موسى، وقال: إنه أوتي ((مزماراً من مزامير آل داود)) وأبو موسى لم يعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يستمع، وإلا لكان حبره أكثر، ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود أنه لا يتعدى ذلك إلى التمطيط الزائد بحيث يترتب على ذلك زيادة حروف، فتزيين القرآن بالصوت مأمور به، قد يقول قائل: إننا إذا سمعنا القرآن من بعض الناس نتأثر، ونسمع نفس الآيات من آخر ولا نتأثر، السبب في ذلك أن هذا صوته جميل، وهذا صوته أقل فهل هذا التأثر بالقرآن أو بالصوت؟
طالب:. . . . . . . . .
يمنع؟ كيف؟ يمنع مثل هذا وإلا مطلوب؟
طالب: مطلوب.
أقول: هل التأثير للقرآن أو للصوت؟ أو للقرآن المؤدى بهذا الصوت؟
طالب:. . . . . . . . .(13/17)
بدليل أن هذا الذي أثر في الناس بقراءته لو قرأ أي شيء غير القرآن ما تأثر، على كل حال مثل هذا تزيين القرآن بالصوت، وليس منا من لم يتغن بالقرآن هذا كله مطلوب، قراءة تدبر، تذكر، تحزين، تأثير وتأثر هذا مطلوب، والقدر الزائد على ذلك تكلف، أما الآلات التي استحدثت فأوجدت من أجل الحاجة، وأفتى بها أهل العلم بجواز استعمالها للحاجة؛ لأن الأعداد كثرت، ولا يمكن أن يبلغهم وينفذهم صوت الإمام، وقد تتعرض صلواتهم للبطلان لو لم توجد هذه الآلات، فتبقى أنها بقدر الحاجة، وما زاد على قدر الحاجة يبقى على الأصل، ودخلوا الناس على هذه الآلات المحسنات ويسمونها إيش؟ الصدى وما الصدى، وصارت ترف، بل وجد بعض الأئمة من يترك بعض السنن من أجل هذه الآلات، يترك بعض السنن إذا أراد رفع اليدين الآلات من كل جهة مضايقته، ما يرفع يديه على الوجه المطلوب، إن أراد أن يسجد على الوجه المطلوب انتظر حتى يوازن نفسه، يمين وشمال وكذا، على شان يا الله يجد له موضع للسجود، كل هذا لأن هذه الأمور قدر زائد على الحاجة، فلو اقتصرنا على الحاجة ما احتجنا إلى مثل هذه الأشياء، والله المستعان.
يقول: هل ينتقض الوضوء عند مس اليد بالذكر، أو الذكر باليد أثناء الغسل؟
على كل حال على ما تقدم في حكم مس الذكر، حكم المس، وعرفنا أقوال أهل العلم فمنهم من عمل بحديث بسرة وهم الأكثر وهو أنه ينقض، الحنابلة يقولون: مع الشهوة، والشافعية يقولون: مطلقاً، والحنفية يقولون: لا ينقض، والمالكية يقولون بالاستحباب، وعلى كل حال الأولى إعادة مثل هذا؛ لأنه ناقض للوضوء، وليس بناقض للغسل، يعني من مس ذكره وهو يغتسل يتوضأ.
يقول: ما صحة القول بأنه ما عصي الله -عز وجل- بذنب بعد الشرك أعظم من الزنا، فإن الزاني عليه عذاب نصف الأمة؟(13/18)
الزنا أجمعت على تحريمه الشرائع، ومن الموبقات، وكبائر الذنوب بلا خلاف، ويزداد إثمه حسب ما يحتف به من استخفاف وعدم اكتراث، وقد ضرب بعض الفساق في هذه الأزمان أسوء الأمثلة، يفجرون بدون شرط ولا قيد، حتى وصلوا إلى المحارم ويصورون ويعرضون على الناس فجورهم، مثل هذه موبقات بعضها على بعض، فالزنا أمره عظيم وشأنه خطير، وهو مؤذن إذا انتشر في قوم مؤذن بخطر عظيم، بعقوبة عاجلة، نسأل الله العافية، وقول: إن يد الذي يستمني بيده تأتي يده حامل يوم القيامة هذا لا يصح.
أسئلة كثيرة إلى بعد الدرس -إن شاء الله-.
سم.
باب: التيمم:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: التيمم:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل)) .. وذكر الحديث.
وفي حديث حذيفة عند مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء)).
وعن علي -رضي الله عنه- عند أحمد: ((وجعل التراب لي طهوراً)).
وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- قال: "بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فأجنبت, فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة, ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له, فقال: ((إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة, ثم مسح الشمال على اليمين, وظاهر كفيه ووجهه" متفق عليه, واللفظ لمسلم.
وفي رواية للبخاري: "وضرب بكفيه الأرض, ونفخ فيهما, ثم مسح بهما وجهه وكفيه".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التيمم ضربتان ضربة للوجه, وضربة لليدين إلى المرفقين)) رواه الدارقطني, وصحح الأئمة وقفه.(13/19)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الصعيد وضوء المسلم, وإن لم يجد الماء عشر سنين, فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته)) رواه البزار, وصححه ابن القطان, ولكن صوب الدارقطني إرساله.
وللترمذي: عن أبي ذر نحوه, وصححه.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "خرج رجلان في سفر, فحضرت الصلاة -وليس معهما ماء- فتيمما صعيداً طيباً فصليا, ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء, ولم يعد الآخر, ثم أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له, فقال للذي لم يعد: ((أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك)) وقال للآخر: ((لك الأجر مرتين)) رواه أبو داود والنسائي.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- ...
يكفي، يكفي بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"باب: التيمم" التيمم عرفوه في اللغة بأنه القصد، "وما أدري إذا يممت قوماً" يعني قصدت هؤلاء القوم.
وفي الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين عند عدم الماء حقيقةً أو حكماً، عند عدم الماء حقيقةً أو حكماً.
التيمم من نعم الله -عز وجل- على عباده، من يسر هذه الشريعة، من يسر هذه الشريعة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بعث بالحنيفية السمحة، إذا لم يجد الإنسان الماء يعدل إلى التيمم، إذا أضر به استعمال الماء عدل إلى التيمم، إذا كان لا يستطيع الماء مع وجوده بين يديه عدل إلى التيمم.(13/20)
والتيمم من الخصائص لهذه الأمة لحديث "جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل)) هاتان اثنتان ((أحلت لي المغانم، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)) فمن خصائصه -عليه الصلاة والسلام-: ((أعطيت خمساً)) هذا إجمال فصل ببيان الخمس، وهذا لف نشر ببيانها، لكن الخصائص أكثر، الخصائص أكثر فلعل النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما ذكر هذه الخمس لأهميتها، أو لأنه إنما زيد عليها بعد ذلك، فنص على هذه الخمس؛ لأنها من أهم المهمات، وليس لأحد أن يستدرك، كما قال بعض الشراح ممن أساء الأدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال: في هذا الحصر نظر، هذا سوء أدب، الجهل، هذا جهل من قائله، نعم ثبت أنه تكلم في المهد أكثر من ثلاثة، لكن أنت بصدد كلام من؟! كلام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى.
((أعطيت خمس لم يعطهن أحد قبلي)) يعني من الأنبياء، من الأنبياء وبالضرورة لم يعطهن أحد بعده؛ لأن كل من بعده فهو داخل في أمته -عليه الصلاة والسلام- أجاب الدعوة أو لم يجب، ولا نبي بعده، والكل أمته -عليه الصلاة والسلام- سواءً كان بذلك أمة الدعوة أو أمة الإجابة.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) النبي -عليه الصلاة والسلام- نصر بالرعب في قلب عدوه مسيرة شهر نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه؟
طالب:. . . . . . . . .
((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة))؟ كان علمه -عليه الصلاة والسلام- عند هذا الحد، ثم زيد على ذلك، يعني هذه أمور غيبية حدثت فيمن قبلنا فأخبر بها بعد ذلك -عليه الصلاة والسلام-، والخصائص بلغت في كتب الخصائص مئين، مئين.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وجاء عند الطبراني: ((مسيرة شهرين)) لكن المتفق عليه شهر، .... للطبراني فالمراد به شهر للذاهب وشهر للراجع تصير شهرين.(13/21)
الرعب: الذي يقذفه الله سبحانه. . . . . . . . . لها من العرب مثل ما له؟ أو لها من الرعب بقدر ما امتثلته من شرعه؟ لا شك أنه حصل للأعداء مع الصحابة شيء من الرعب والخوف والهلع، وكل بحسبه وقدره، وعلى سبيل المثال الهيبة، إذا افتُرضت في شخص لا يملك قوة يرغم بها الناس، الهيبة ما الذي يسببها؟ سببها العلم والعمل، تجد الشخص من أضعف الناس شخصية، يسمونها يقولون عنه: ضعيف شخصية، لكن وهو من أهل العلم تأتي تسأل عندك عشرة أسئلة تذكر واحد أو لا تذكر أحياناً من الهيبة وهذا ملاحظ، وهذه الهيبة إنما مبعثها العمل بالكتاب والسنة، لا شك أن من عظَّم أوامر الله وانتهى عند حدود الله أن الناس تهابه وتعظمه، ومن استهان بحدود الله وأوامره وشرعه استهان الناس به على كافة المستويات.
((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) قد يقول قائل: إيش الرعب هذا الذي نصر به النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يصير ما يتحدث الناس عنه في صحفهم ووسائلهم من الإرهاب في فرق بين الرعب والإرهاب؟ ((نصرت بالرعب)) هذا خوف يقذفه الله -سبحانه وتعالى- في قلب العدو، يسببه امتثال شرع الله، ولا يسببه ظلم الناس وقهرهم، قد يخشى الناس ويخاف الناس ممن يخافون شره وضرره، لكن ليس هذا هو الرعب الشرعي الذي هو من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-.
((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجلاً أدركته الصلاة فليصل)) عنده مسجده وطهوره، يتيمم ويصلي، في الأمم السابقة الإنسان لا يصلي إلا في المكان المعد للصلاة، ولا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم وصوامعهم، أما هذه الأمة من باب التوسعة عليها لشرف نبيها -عليه الصلاة والسلام- خفف عنها هذا، أيما رجل أدركته الصلاة في أي مكان إلا ما استثني مما لا تصح الصلاة فيه فإنه يتيمم ويصلي، يتيمم إن لم يجد الماء، وإن وجد الماء توضأ وصلى في أي مكان طاهر يصلح للصلاة غير ما استثني.
وأشرنا سابقاً إلى أن هذا من الخصائص، وأن من أهل العلم من يرى أن الخصائص لا تقبل التخصيص، إيش معنى هذا الكلام؟(13/22)
في كلام ابن عبد البر وابن حجر وغيرهما ما يدل على أن الخصائص لا تقبل التخصيص، إيش معنى هذا الكلام؟ الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام- والتخصيص تقليل لهذا التشريف، فإذا جاءنا مثل هذا الكلام بقي على عمومه ولا يخصص، في حديث أبي مرثد الغنوي: ((لا تصلوا إلى القبور)) ونهى عن الصلاة في المجزرة والمزبلة والمقبرة وقارعة الطريق، وقلنا: الخصائص لا تقبل التخصيص؛ لأن التخصيص تقليل لما أكرم به النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الخصائص.
لا شك أن المحافظة على ما يدل على عظمة هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- وشرفه أمر مطلوب، لكن إذا تعارض هذا الشرف وهذا القدر مع حق الله -عز وجل-، حق النبي -عليه الصلاة والسلام- مقدم على حق كل أحد، حتى على حق النفس والولد والناس أجمعين، لكن إذا تعارض مع حق الله -عز وجل- قدم حق الله -عز وجل-، والمنع من الصلاة في المقبرة -مثلاً- من حق الله -عز وجل-؛ لأنه وسيلة إلى الشرك، فعلى هذا يقدم على حق النبي -عليه الصلاة والسلام- فتخصص.
((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) عند مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) وعن علي -رضي الله عنه-: ((جعل التراب لي طهوراً)) جعلت تربتها من أهل العلم من يرى أن هذه اللفظة شاذة لأنها زيادة، هذه الزيادة وأكثر الرواة على ((جعلت لي الأرض)) هذه الزيادة هل تتضمن مخالفة للأصل أو لا مخالفة فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ فيها مخالفة وإلا ما فيها مخالفة؟ لأن الزيادة إذا تضمنت مخالفة حكم عليها بالشذوذ وانتهى الإشكال، إذا لم تتضمن مخالفة ويش المانع من قبولها؟ هذه الزيادة التربة مخالفة للأرض أو موافقة؟ أو مخالفة من وجه موافقة من وجه؟
طالب:. . . . . . . . .(13/23)
هم مثلوا بها في كتب المصطلح للموافق والمخالف في آن واحد، موافقة من وجه باعتبار أن التراب جزء من أجزاء الأرض، ومخالفة من وجه باعتبار اختصاص التيمم بهذا الجزء، وأن الخصيصة التيمم بالتراب، والكلام في هذه الكلمة طويل جداً من حيث الثبوت وعدمه هي ثابتة في صحيح مسلم، لكن يبقى النظر هل الأرض مع التربة من باب العموم والخصوص أو من باب الإطلاق والتقييد؟ الأرض لفظ عام أو مطلق؟ والتراب لفظ خاص أو مقيد؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في فرق؟ خلينا نشوف عند الأخوان، واحد يجيبنا عن السؤال الأول يبين لك -إن شاء الله- الجواب عن سؤالك، أقول: هل الأرض لفظ عام أو مطلق؟ والتراب لفظ خاص أو مقيد؟
طالب:. . . . . . . . .
عام وخاص، ها في كلام ثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلامك، غيره؟ نعم يا إبراهيم؟
طالب:. . . . . . . . .
من باب الخاص والعام كلام ثاني، ترى حصل خلط في كثير من الشروح يقرر على أنه إطلاق وتقييد ثم ينتهون إلى أنه عام وخاص؛ لأن التفريق في مثل هذه المسائل في غاية الدقة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب في خلاف وإلا ما في خلاف؟ من باب العام والخاص وإلا من باب الإطلاق والتقييد؟ هل الأرض ذات أفراد أو هي ذات أوصاف؟
طالب:. . . . . . . . .
هل الأرض ذات أفراد متعددة أو الأرض فرد واحد ذات أوصاف؟
طالب: تجي كذا وتجي كذا.
نعم، هاه؟ فرد واحد لها أوصاف؟ إذن إطلاق وتقييد، ها يا شيخ إبراهيم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب الرقبة، الرقبة، مؤمنة وكافرة، هاه؟ أوصاف لرقبة واحدة؟ أوصاف لرقبة واحدة أو لرقاب؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(13/24)
أنا أقول: مثل هذه المسألة تحتاج إلى تأني شوي من أجل أن نفهم، لأن بعض الناس يطلق الكلام عام وخاص والخاص مقدم على العام وهذا خطأ، الآن نفترض أن هذه من الخصوص والعموم، كيف نصنع؟ الذي يقول: إن الأرض عامة والتربة خاصة وينتهي من إشكال الإطلاق والتقييد، ويقول: الأرض ذات أفراد والتراب فرد من أفرادها يتيمم بغير التراب وإلا ما يتيمم؟ هاه؟ يتيمم بالرمل وإلا ما يتيمم؟ هم يقولون: الخاص مقدم على العام، وهذا كله على ثبوت رواية: ((تربتها)) إحنا ما شين على هذا وهو الصحيح، وأنتم تعرفون الخلاف بين أهل العلم في التيمم بغير التراب الحنابلة والشافعية لا يجيزون التيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد، وغيرهم يقولون: يصح التيمم بكل ما على وجه الأرض، ما تصاعد على وجه الأرض أياً كان ولو حجارة أو رمل أو زرع وما أشبه ذلك.
نعم يا إخوان حركوا، حركوا شوي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، هذا الكلام صحيح، يعني ذكر الخاص بحكم الموافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، إذا ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، إنما متى يكون تخصيص؟ إذا اختلف حكم العام مع الخاص، إذا اختلف حكم العام مع الخاص، حينئذٍ نخصص، والآن الحكم واحد ((جعلت لي الأرض)) يعني تيمموا بالأرض ((جعلت تربتها)) يعني تيمموا بالتراب، الحكم واحد، لكن لو كانت من باب الإطلاق والتقييد يحمل المطلق على المقيد وإلا ما يحمل؟ في هذه الصورة؟
طالب:. . . . . . . . .
للاتحاد في الحكم والسبب، للاتحاد في الحكم والسبب فيحمل المطلق على المقيد، الذين يقولون: بأن غير التراب لا يتمم به يجعلونه من باب الإطلاق والتقييد فيقولون: يحمل المطلق على المقيد ولا يجوز التيمم بغير هذا المقيد، بغير التراب؛ لأن التقييد يقضي على الإطلاق بخلاف ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام، والذين يقولون: بأنه يتيمم بكل ما على وجه الأرض منهم من يقول: لفظ: ((تربتها)) لم تثبت، هي زيادة يحكم عليها بالشذوذ لم يذكرها الأكثر، ومنهم من يثبتها ويقول: إنها من باب العموم والخصوص، وحينئذٍ ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص.(13/25)
حديث حذيفة -رضي الله عنه- عند مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء)) إذا لم نجد الماء، هذا قيد معتبر وإلا غير معتبر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا عند مسلم، وفي حديث جابر في الصحيحين ما في هذا القيد، لكنه قيد قرآني، منصوص عليه في القرآن {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء].
"وعن علي -رضي الله عنه- عند أحمد: ((وجعل التراب لي طهوراً)).
الحديث الذي يليه:
حديث: "عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- قال: "بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فأجنبت, فلم أجد الماء, فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة, ثم أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك, فقال: ((إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة, ثم مسح الشمال على اليمين, وظاهر كفيه ووجهه" متفق عليه, واللفظ لمسلم.
وفي رواية للبخاري: "وضرب بكفيه الأرض, ونفخ فيهما, ثم مسح بهما وجهه وكفيه".
عمار -رضي الله عنه- استعمل القياس، لما كان الغسل موجب لتعميم الجسم بالماء رأى أن التيمم البديل عن هذا الغسل لا بد أن يعمم بالتراب، فاستعمل القياس فوجه ((إنما كان يكفيك أن تقول)) تقول وهنا إطلاق القول على الفعل " ((أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة".
ضرب بيديه، حد اليد هنا في ضرب بيديه إلى الآباط وإلا ضرب بيديه والذراعين إلى المرفقين؟ والضرب هنا غير المسح، الضرب بالكفين قطعاً بباطن الكفين من غير خلاف.
"ثم مسح الشمال على اليمين, وظاهر كفيه ووجهه" وظاهر كفيه فهو مسح الكفين والكف ينتهي بإيش؟ بالرسغ، الكف ينتهي بالرسغ، دل على أن الذي يمسح من اليد الكف فقط، وإطلاق اليد في آية التيمم إطلاق اليد في آية التيمم مقيد بما هنا {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء] ...(13/26)
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (15)
شرح: ما جاء في الحيض والنفاس.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
((فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)) هل فيه اختلاف مع ما معنا؟ على كل حال الحديث الأول متفق عليه، الحديث الأول في الصحيحين: "إني امرأة أستحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة? قال: ((لا إنما ذلك عرق وليس بحيض, فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)) وفي رواية للبخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) وهنا وهو حديث حسن، صححه بعضهم كابن حبان والحاكم واستنكره أبو حاتم، وقال: إنه منكر، وعلى كل حال أبو حاتم متشدد، وهذان متساهلان، فالحديث يتوسط في أمره فيقال: حسن.
هناك في الموضع الأول ردها إلى العادة، وفي الموضع الثاني ردها إلى التمييز صح وإلا لا؟ نعم؟ هناك قال: ((فإذا أقبلت حيضتك فدع الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)) وهنا قال: ((إن دم الحيض أسود يُعْرِف -يعني له عرف، له رائحة، أو يُعْرَف تعرفه النساء، لا بأس ضبط بهذا وهذا- فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة)) فإذا كان الأمر قد يحمل هذا على ذاك، أو يحمل ذاك على هذا.
((فإذا أقبلت حيضتك)) التي تعرفينها إما بوقتها أو بصفة دمها، كونه أسود يعرف فلا اختلاف، رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان واستنكره أبو حاتم.(14/1)
هذا بالنسبة إلى المستحاضة التي تميز يختلف معها الدم تستحاض الشهر كامل، ينزل عليها الدم الشهر كامل يسميه أهل العلم استحاضة، وقد يسمونه دم فساد، ويسميه المتأخرون إيش؟ نزيف، نعم يقولون: نزيف، هذه التي نزل عليها النزيف لمدة شهر لا تخلو إما أن يكون الدم يتغير أو يكون ثابت لونه واحد ورائحته واحدة، فإن كان يتغير يأتيها بعض الأيام أسود له رائحة، نقول: دعي الصلاة، هذا هو الحيض، وإذا تغير لونه انقطع الحيض، وهذا هو العمل بإيش؟ بالتمييز، إذا كان الدم لا يتغير لونه واحد من أول شهر إلى آخره، نقول: دعي الصلاة أيام حيضتك، يعني حيضتك المعتادة، يعني اعتدتِ أن تكون الدورة في منتصف الشهر من ثلاثة عشر ومن اثنا عشر إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر في هذه المدة دعي الصلاة، وقبلها صلي وبعدها صلي، هذه لها عادة فتعمل بعادتها إن كانت مميزة تعمل بالتمييز، إن لم تكن مميزة تعمل بعادتها، ترد إلى عادتها، إن لم تكن معتادة ولا مميزة ماذا تصنع؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لقريباتها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(14/2)
كيف؟ هو ما قاله الأخ، يقول: ((إن دم الحيض أسود يُعرِف -أو يعرَف- فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي)) إذا كان الآخر الذي يختلف عن هذا اللون وهذه الرائحة فتوضئي وصلي، وهنا ردها إلى صفة الدم، وهذا خاص بالمميزة، وفي حديث أسماء بنت عميس عند أبي داود ((ولتجلس في مركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً)) إذا رأت صفرة، يعني تغير اللون، تغير لون الدم ((فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً وتتوضأ فيما بين ذلك)) تقدم أن المستحاضة تتوضأ نعم ((ثم توضئي لكل صلاة)) وهنا قال: ((تغتسل)) جاء في بعض الروايات: ((اغتسلي لكل صلاة)) وهنا قال: ((فلتغتسل –أمر- للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر)) فلتغتسل، اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وهناك في حديث عائشة قال: ((ثم توضئي لكل صلاة)) كيف نوفق بين أمرها بالوضوء وبين أمرها بالغسل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الوضوء؟
طالب:. . . . . . . . .
أرفع صوتك شوي.
طالب:. . . . . . . . .(14/3)
يعني صارف لهذا الحديث من الوجوب إلى الاستحباب، فأمرها بالغسل على سبيل الندب والاستحباب، وأمرها بالوضوء على سبيل الوجوب، الصارف الحديث الثاني وإلا فالأصل أن الأمر للوجوب، تغتسل للظهر والعصر جميعاً غسل واحد؛ لأنه يشق عليها أن تغتسل خمس مرات في اليوم أمرها بالاغتسال ثلاث مرات على سبيل الاستحباب قد لا يشق عليها، ولا نتصور أن يسر الماء وسهولة استعماله في وقته مثل ما عندنا، الماء يجلب من بعيد، فوق الرؤوس بالأواني، وهنا الأمر ميسر جداً، سهل، فأرشدها النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غسلاً واحداً، والفجر التي لا يجمع إليها صلاة أخرى غسل واحد، فهل نقول: تغتسل للفجر والظهر غسل واحد وللعصر والمغرب غسل واحد؟ لا، للصلاتين المجموعتين تغتسل غسل واحد، وهذا الجمع حقيقي وإلا صوري؟ يعني هل يسوغ للمستحاضة أن تؤخر المغرب حتى يدخل وقت العشاء فتجمع بينهما وتؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر فتجمع بينهما جمعاً حقيقياً؟ في حديث حمنة ما يبين ذلك.
يقول: "وعن حمنة بنت جحش" وبنات جحش الثلاث مبتليات بالاستحاضة، نعم بنات جحش الثلاث هاه؟ أسماؤهن إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
حمنة هذه معروفة ما نحتاج لذكرها، وزينب، وأم حبيبة، سيأتي حديثها، هؤلاء المبتليات بالاستحاضة.
لا شك أن مثل هذا قد تؤثر فيه الوراثة، يسمونها وراثة، الوراثة مؤثرة، فنساء البيت الواحد متشابهات، ومنه ما عندنا: زينب وحمنة وأم حبيبة كلهن مبتليات بالاستحاضة.(14/4)
حمنة بنت جحش "قالت: "كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة" بحيث كانت تقول: إنها "تثج ثجاً"، "فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه, فقال: ((إنما هي ركضة من الشيطان, فتحيضي ستة أيام أو سبعة, ثم اغتسلي, فإذا استنقأتِ فصلي أربعة وعشرين)) يعني إن تحيضت ستة أيام ((أو ثلاثة وعشرين)) إن تحيضت سبعة ((وصومي وصلي)) يعني في بقية الأيام ((صومي وصلي، فإن ذلك يجزئك, وكذلك فافعلي كما تحيض النساء، فإن قويت)) هذا مفسر ((فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر)) هذا يبين لنا أن المراد بالجمع في الحديث السابق الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمع حقيقي وإلا صوري؟ صوري، ((فإن قويتِ على أن تؤخري الظهر إلى آخر وقتها، وتعجلي العصر)) يعني إلى أول وقتها بحيث لا يكون بينهما فاصل، نعم بحيث لا يكون بينهما فاصل ((ثم تغتسلين حين تطهرين، وتصلي الظهر والعصر جميعاً, ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء, ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين)) هذا من أجل التخفيف عليها ((فافعلي وتغتسلين مع الصبح وتصلين)) نعم مثل هذه التي يشق عليها الغسل وإن لم يكن واجباً، إحنا قررنا أن الغسل واجب وإلا مستحب؟ مستحب للجمع بين النصوص، ((ثم توضئي لكل صلاة)) ألا يمكن أن يقال: إنه ليس بينهما تعارض؟ فالأمر بالغسل لا يعني ارتفاع الأمر بالوضوء، والأمر بالوضوء لكل صلاة يعني تتوضأ خمس مرات لا ينفي أن تؤمر بالغسل ثلاث مرات، ولعل هذا هو معتمد من يوجب الغسل.
أولاً: حديث: ((توضئي لكل صلاة)) أرجح وأصح، والحديثان مقبولان، يعني أقل ما قيل فيهما الحسن، نعم حديث أسماء بنت عميس وحديث حمنة وفيه الأمر بالغسل، وهذا يشهد لهذا، فيرتقيان إلى درجة الصحة هنا الصحيح لغيره، وعلى كل حال الجمع السابق وجيه، يعني يكون الأمر بالغسل للاستحباب والصارف له الأمر بالوضوء، لكن قد يقول قائل: إنه لا تعارض، فكونها تؤمر بغسل لا يعني أنها لا تؤمر بالوضوء ولا العكس، فيجمع بينهما، بين الوضوء والغسل.(14/5)
هنا الجمع صوري، تؤخر الأولى إلى آخر وقتها، وتعجل الثانية إلى أول وقتها فلا يكون هناك فاصل، هناك فاصل بين الصلوات المجموعة؟ يعني مجرد ما ينتهي وقت الظهر يدخل وقت العصر أو هناك فاصل؟ نعم؟ في فاصل؟ إيش الفاصل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قولاً واحداً، عندنا رأي المالكية وهو أنه يشترك الظهر، تشترك صلاة الظهر مع صلاة العصر في وقت واحد، يمكن أن تؤدى فيه الظهر أداء، ويمكن أن تؤدى فيه العصر أداء، وهذا القدر المشترك عند المالكية فقط، والجمهور لا يقولون به بين الظهر والعصر، وهناك فاصل بين الوقتين عند الحنفية؛ لأن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر يبدأ عند مصير ظل كل شيء مثليه، وهناك فاصل.
على كل حال الجمع الصوري يسلك في مثل هذه الحالة ويعتمده الحنفية في الجمع في السفر؛ لأنهم لا يرون الجمع، لا يجوز عندهم الجمع الحقيقي بأن تؤخر صلاة المغرب والعشاء إلى الساعة إحدى عشر من الليل لا يجوز عندهم، أو تقدم إلى بعد غروب الشمس قبل دخول وقت العشاء، لا، نقول: الجمع الوارد في النصوص صوري، لكن الأدلة الظاهرة والمتكاثرة تدل على أنها جمع في السفر حقيقي وليس بصوري، لكن هنا صوري، وعرفنا كيفية الجمع الصوري.
((وتغتسلين مع الصبح وتصلين)) "قال" القائل من هو؟ "وهو أعجب الأمرين إلي؟ " ظاهر اللفظ أن القائل هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبين أبو داود في روايته أن القائل الراوي عن حمنة، اللي قال: إن حمنة تقول: "وهو أعجب الأمرين إلي" أحب الأمرين إلي، طيب الأمرين، ما الأمران هنا؟ ما الأمران؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا ما فيه، ما في تخيير بين الوضوء والغسل، الكلام في حديثها: "وهو أعجب الأمرين إلي" أعجب الأمرين إليها أن تؤخر الأولى وتقدم الثانية فتجمع جمع صوري، على أن لها أن تصلي الصلوات الخمس كل واحدة في أول وقتها وتغتسل خمس مرات، أعجب إليها أن تغسل ثلاث مرات بدلاً من خمس؛ لأن فيه يسر وسهولة.(14/6)
"رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه الترمذي, وحسنه البخاري" يقول الترمذي في جامعه: "سألت محمداً –يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن"، وقال أحمد: "هو حديث حسن صحيح".
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة بنت جحش شكت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدم, فقال: ((امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك, ثم اغتسلي)) فكانت تغتسل لكل صلاة"، ((ثم اغتسلي)) فكانت تغتسل لكل صلاة" الأمر هنا كالأمر في قوله: ((فلتغتسل)) نعم؟
((ثم اغتسلي)) المقصود أن .. ، وهناك في حديث، هناك ((فلتغتسل)) في حديث أسماء بنت عميس لانقضاء وقت الحيض، وهنا في حديث حمنة: ((ثم اغتسلي)) وفي حديث عائشة: أن أم حبيبة قال لها: ((ثم اغتسلي)) كل هذه الأوامر مصروفة عن الأصل من الوجوب إلى الاستحباب بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ثم توضئي لكل صلاة)) ((امكثي قدر ما كانت تحسبك حيضتك ثم اغتسلي)) هذا مثل حديث أسماء لارتفاع الحيض، لارتفاع الحيض حقيقة أو حكماً؟ في حال التمييز دم الحيض أسود يعرف، انقطع الأسود، معناه ارتفع الحيض حقيقية، هنا ما في تمييز ((قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي)) تغتسل حقيقة وإلا حكماً؟ هي يجب عليها أن تغتسل؟ ويحكم لها بأنها انتهت عادتها وإن لم يتغير الدم؟ وعلى هذا يكون ارتفع حيضها حكماً، ارتفع حيضها حكماً، "فكانت تغتسل لكل صلاة" وهذه أخذت بالعزيمة، وتلك أخذت بالرخصة التي هي أعجب إليها، والله المستعان.
"وفي رواية للبخاري: ((وتوضئي لكل صلاة)) وهذا تقدم "وهي لأبي داود وغيره من وجه آخر" أبي داود والنسائي وغيرهما.
على كل حال الخلاصة أن المستحاضة ترد إلى أحد المعرفات، وأقواها العادة أو التمييز؟ أو عادة الأقارب؟ أيها أقوى؟
طالب:. . . . . . . . .
امرأة حيضتها سبعة أيام، عادتها سبعة أيام فاستحاضت شهر كامل، من هذا الشهر ثلاثة أيام الدم أسود يعرف، هل نقول: تعمل بالعادة سبعة أيام أو تعمل بالتمييز؟ أيهما أقوى؟
طالب:. . . . . . . . .(14/7)
عند الحنابلة العادة، وعند الشافعية التمييز، لكن بالنظر يعني إذا كانت مميزة هنا في الحديث الأول في مثل. . . . . . . . . دم أسود يعرف، يعني إذا اختلف الدم ألا يدل على أن هناك انتقال من حال إلى حال؟ نعم؟ يدل على أن هناك انتقال من حال إلى حال، وإذا كانت عادتها سبعة أيام، والمسألة مفترضة في غير مستحاضة نزل عليها الدم سبعة أيام، على شان نقرر المسألة، نزل عليها الدم على عادتها سبعة أيام ثم انقطع، لكن ثلاثة أيام أسود يعرف وأربعة أيام أحمر ماذا تصنع؟ نقول: كله حيض وإلا نقول: الأسود حيض والأحمر استحاضة؟ عادتها سبعة أيام متى تنقطع العادة؟ إذا رأت الطهر، إذا رأت الطهر انقطع الحيض، فالمرأة المعتادة ترد إلى عادتها، وإذا كان هناك تمييز على خلاف بين أهل العلم هل الأقوى العادة أو التمييز ولكل مذهبه، ولكل دليله، فإذا كانت المسألة الشهر كله دم، وهناك دم متميز أسود يعرف والبقية أحمر، والأحمر يشبه بعضه بعض، وليس هناك حد فاصل طهر معين، فالشافعية يميلون إلى أن العمل بالتمييز أقوى من العمل بالعادة؛ لأنه إيش الفرق بين اليوم السابع والثامن؟ إيش الفرق؟ هل هناك فرق؟ ما في فرق، بينما اليوم الثالث الذي دمه أسود والرابع الذي دمه أحمر واضح، وهي لم ترَ الطهر؛ لأنها مستحاضة، بينما الأخرى التي هي قبل الاستحاضة لها عادة سبعة أيام ينزل عليها الدم ثلاثة أيام أسود وأربعة أحمر، نقول: كله حيض ما لم ترَ الطهر، وهذا ما يقوي مذهب الحنابلة، وأنها تحيض أيام عادتها، أيام إقرائها، ولذا يقول: ((امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك)) وهنا ردها إلى عادتها: ((ثم اغتسلي)) فكانت تغتسل لكل صلاة.
حديث أم عطية نقف، نقف عليه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الجهاد في سبيل الله؟ وما هو الجمع الصوري؟(14/8)
الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام، وهو مصدر عز هذه الأمة، وهو السبيل الوحيد الكفيل لحفظ حقوقها، وهو السبيل أيضاً الوحيد لنشر دين الله في أقطار الأرض، ومنه ما هو سنة، ومنه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو فرض عين، كما هو معروف والنصوص جاءت بالأمر به، والوعيد على تركه؛ لأن من لم يجاهد ((من لم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية)) لا شك أن الجهاد له شأن عظيم في الإسلام.
الجمع الصوري: أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، ويصليهما مجتمعتين وكل صلاة في وقتها.
ما معنى كلمة مركن؟ مركن في قوله: ((ولتجلس في مركن)) في حديث أسماء بنت عميس؟
المركن: إناء مثل الطست أو الطنجرة أو شيء من هذا، يكون فيه ماء، فإذا علت الصفرة على الماء تبين أمرها.
هذه الكتابة ما فيها ولا كلمة صحيحة من حيث الإملاء ولا صورة الخط، والضعف في هذا الباب موجود عند كثير من الإخوان لا يعتنون بالإملاء، ولا بالخط، ولا بالعربية بجملتها، بجميع فروعها وأبوابها، هذا لا شك أنه نقص، كيف تقرأ مثل هذه الكتابة؟ اقرأ، اقرأ يا شيخ.
يقول: المرأة التي تقطع الصلاة هل هي التي متلبسة بالحيض أو المرأة التي يستدل على بلوغها بالحيض؟
يقول: من هي التي تقطع الصلاة؟
إيه، لكن ما هو من خلال الكتابة، ومن خلال الخط، هذا فهم للسؤال، هذا فهم للسؤال، على كل حال الذي يقطع الصلاة المرأة، وكلام عائشة: "إذا بلغت البنت تسعاً فهي امرأة" فهي امرأة، وجاء تقييد المرأة بأنها الحائض، يعني من بلغت سن التكليف.
يقول: ما رأيكم بالملخص الفقهي؟ وما هو الأسلوب الذي اتبعه المؤلف؟ وهل هو أصح الأقوال أو على مذهب الإمام أحمد؟ وهل تنصحون به ... ؟(14/9)
كتاب لشيخنا الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- وهو كتاب متين على طريقة أهل العلم في التأليف، وكُتب له القبول، لكن لا يعني أن جميع ما قاله الشيخ أن الشيخ معصوم لا يخطئ، أو قد يرجح قول مرجوح، لكن حسبه أنه اجتهد فيه، والكتاب نفيس ينبغي لطالب العلم أن يعتني به، وهذه وجهة نظر الشيخ -حفظه الله-، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، شأنه في ذلك شأن كتب البشر، على خير في الكتاب، خير عظيم في الكتاب.
يقول: هل يصح أن نتوضأ وضوءاًَ واحداً لصلاتي الظهر والعصر فنجمعهما جمعاً صورياً؟
كيف؟ الوضوء يصح أن تصلي الصلوات كلها بوضوء واحد، النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، وقال: ((عمداً صنعتُ)) فيجزئ أن تصلى الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، فإذا أحدث لزمه أن يتطهر ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)).
يقول: بقي أحد أقاربي في العناية المركزة لفترة من الزمن، وقد منعه الأطباء من مس الماء، فكلفني بالسؤال عن حالته كيف يصلي؟ فلما سألت قيل لي: ادخلوا له رمل ليتيمم ويصلي، ولكن لم أحضر له الرمل لاعتقادي أن إدخال الرمل إلى غرفة العناية المركزة فيه ضرر، فقلت له: صلِ على حالك، فهل صحيح مع العلم أنه قد توفي منذ سنة؟ وماذا. . . . . . . . .؟
عليك أن .. ، أما ما يترتب عليك أنت الرجل أفضى إلى ما قدم ولا شيء عليه -إن شاء الله تعالى-، لكنه قصر في سؤالك وأنت قصرت في سؤال أهل العلم، فالتيمم لا بد من علة عند العجز التام عن استعمال التراب، إذا عجز المريض عن استعمال الماء، فعلى الإنسان أن يتقي الله -سبحانه وتعالى- لا يفتي بغير علم، لا يفتي بغير علم، والله المتسعان، الجرأة على الفتوى أمرها خطير {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] الذي يفتي بغير علم هذا يفتري على الله الكذب، نسأل الله العافية، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ولا يجرؤ على مثل هذا الأمر إلا ببينة.
إذا كان في اليد جبيرة، في اليد إيش؟ لا تغطي كل اليد فهل يكفي المسح فقط للجبيرة أم لا بد من المسح وغسل سائر اليد؟(14/10)
ما ظهر من الفرض فرضه الغسل، وما استتر بالجبيرة يكتفى بمسحه.
هل صحيح أن المسائل الخلافية لا إنكار فيها؟
الخلاف الذي له حظ من النظر وله دليل لا ينكر فيه، أما الخلاف الذي لا حظ له من النظر ودليله ضعيف أو لا دليل له البتة ينكر.
ما حكم الأناشيد مع الدف مع توضيح الأدلة؟
الدف إنما استثني في العرس فقط للنساء على خلاف في الرجال، وأما الأناشيد فإن كانت ألفاظها سليمة من الفحش والخناء، وأديت بلحون العرب، أديت بلحون العرب لا بلحون العجم، وسلمت من الآلات فلا شيء فيها.
ما معنى المرجوح؟ وهل له حظ من النظر؟
المرجوح الأقوال فيها الراجح والمرجوح تبعاً لأدلتها صحة وصراحة، فالذي يجب العمل به هو الراجح، ولا يسوغ لأحد أن يعدل عن الراجح إلى المرجوح إلا لمصلحة راجحة، فهذا المرجوح إن كان له حظ من النظر ساغ به الاختلاف وإلا فوجوده مثل عدمه.
الأسئلة كثيرة.
يقول: كما تعلمون أن أغلب البنوك تستخدم الربا، وأنا أستطيع آخذ راتبي وأضعه في المنزل، وأصرف منه بدون اللجوء إلى البنك فهل تؤيدني على مثل هذا التصرف؟
البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز التعامل معها إلا عند الحاجة، إذا لم يوجد من يحفظ، إذا لم يوجد أمين يحفظ أموالك، ووضعتها أمانة عنده، إذا لم يوجد غيرهم، فإذا أمكنك أن تحفظ أموالك في بيتك تصرف منها ولا تحتاج إلى بنوك هذا هو الأصل.
المسألة التي ذكرناها في بدأ الحيض، وهل كان على بنات آدم من أول الأمر؟ وهل كانت حواء تحيض أو لا تحيض لأنها ليست من بنات آدم؟ وهل كان بدأه على بني إسرائيل فقط عقوبة لهم؟ وذكرنا الخلاف في المسألة.(14/11)
على كل حال من أهل العلم من يتوسط في الأمر ويقول: إنه بدأ من بنات آدم في الأول، لكنه شيء خفيف وزيد فيه بالنسبة لنساء بني إسرائيل، وبالمناسبة حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) إنما قال هذا الكلام يسليها، يسليها لما حاضت في حجة الوداع، وأسفت على ذلك أسفاً شديداً سلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا الكلام، ويستشكل بعض الطلاب صدور مثل هذا الكلام عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لإحدى زوجاته، وقد قال للأخرى لما عرف أنها حاضت: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟ )) كيف يقول لواحدة مثل هذا الكلام المسلي اللين ويقول للأخرى يدعو عليها بهذا الكلام ((عقرى حلقى))؟! والجواب في هذا واضح: أن عائشة حيضها لا يترتب عليه حبسهم عن الرجوع، حيض عائشة لا يترتب عليها حبسهم؛ لأنها تطهر قبل رجوعهم، بينما الأخرى التي حاضت بعد الوقوف بعرفة حاضت، فلو لم تكن طافت طواف الإفاضة لترتب على ذلك حبسهم، على أن الدعاء قد يطلق ولا يراد به حقيقته، كما يقال: ترتب يداك، تربت يمينك وهكذا.
والأسئلة يؤجل بعضها إلى آخر الدرس -إن شاء الله تعالى-.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً" رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.
وعن أنس -رضي الله عنه- "أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) رواه مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر, فيباشرني وأنا حائض" متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض- قال: ((يتصدق بدينار, أو نصف دينار)) رواه الخمسة, وصححه الحاكم وابن القطان, ورجح غيرهما وقفه.
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم?)) متفق عليه في حديث طويل.(14/12)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لما جئنا سرف حضت, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه في حديث.
في حديث طويل، في حديث طويل.
متفق عليه في حديث طويل.
وعن معاذ -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض? قال: ((ما فوق الإزار)) رواه أبو داود وضعفه.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "كانت النفساء تقعد في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد نفاسها أربعين" رواه الخمسة إلا النسائي, واللفظ لأبي داود.
وفي لفظ له: "ولم يأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقضاء صلاة النفاس" وصححه الحاكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحديث الذي بين أيدينا حديث "أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً" هذا الحديث مخرج في البخاري وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وغيرها من دواوين الإسلام، وهو صحيح، واللفظ لأبي داود، على كل حال من حيث الصحة لا كلام فيه، لكن من حيث الرفع والوقف هو من كلامها -رضي الله عنها- "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً" قول الصحابي: "كنا نفعل" أو "كنا نترك"، "كنا نقول"، "كنا نفضل"، "كنا .. "، إذا أضيف إلى زمنه -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع بلا إشكال، لو قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً" في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا لا إشكال فيه، في رفعه، ويكون حينئذٍ من السنة التقريرية، وبهذا استدل جابر على جواز العزل: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، إذا لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابي، بل اكتفى بنسبته إلى أمثاله وأقرانه "كنا" الصحابي يعني التابعين. . . . . . . . . الصحابة.(14/13)
وأم عطية تقول: "كنا" يعني الصحابيات "لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً" ومثل هذا الكلام إنما يستدل به من قبل قائل على تقرير حكم شرعي، على تقرير حكم شرعي، ولا يقول الصحابي مثل هذا الكلام ويقرر به حكماً شرعياً إلا مع علمه ويقينه وجزمه بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يختلف اختلاف كبير الصحابي حينما يقول ذلك ليقرر مسألة علمية، والاستدلال والعلم إنما يتلقى من الشارع، بعض الناس سئل عن زكاة الحلي، سألته امرأة عن زكاة الحلي، فقال: اسألي أمك وجدتك هل كانت تخرج الزكاة عنها؟ هل في هذا ما يتمسك به؟ ليس في هذا ما يستمسك به، مؤسف أن مثل هذا من أهل العلم، ويقول مثل هذا الكلام، لا،
الصحابي حينما يقرر حكماً شرعياً فإنما .. ، نعم لو قالت: أنا لا أعد، لو قالت: أنا لا أعدُ، قيل هذا اجتهاد منها، لكن كنا لا نعد، كنا متى؟ لا بد أن يكون في زمن التقرير، وهو زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- فالأظهر أن له حكم الرفع، ولذا يستدل به أهل العلم على أن الكدرة والصفرة بعد الطهر ليست بشيء، إذا رأت المرأة الطهر ثم رأت بعد ذلك صفرة أو كدرة لا تلتفت إلى ذلك، لكن لو رأت الصفرة والكدرة قبل الطهر مفهوم الخبر أنه حيض، تقول: بعد الطهر لا تعد شيء، مفهوم الكلام أنها قبل الطهر تعد شيئاً، يعني من الحيض.
وعن أنس -رضي الله عنه- "أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)).(14/14)
وهذا بخلاف النصارى، الأمة المحمدية وسط في هذا الباب بين الأمم بين اليهود والنصارى، فاليهود عندهم آصار وأغلال وتشديد في النجاسات، والنصارى عندهم ملابسة للنجاسة، والأمة المحمدية وسط بين هاتين الأمتين، فاليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، بل لم يساكنها في البيت، ولم يضاجعوها، ولم يجالسوها، العزلة التامة؛ لأنها متلبسة بنجاسة، فديننا الوسط، منعنا من النكاح وأباح لنا ما عدا ذلك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجر عائشة وهي حائض، ويخرج رأسه من المسجد فترجله عائشة وهو معتكف، المقصود أن ديننا وسط، وهي وإن كانت متلبسة بنجاسة إلا أن النجاسة هذه دونها حوائل، فلا يمنع من مضاجعتها والنوم معها في لحاف واحد، وصنع كل شيء إلا النكاح، لكن ما الذي يباح من معاشرة المرأة المعاشرة الخاصة إذا استثنينا النكاح؟
في الحديث الذي يليه: حديث "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر, فيباشرني وأنا حائض".
"يأمرني فأتزر" الممنوع المحظور المحرم إتيان الحائض في موضع الحيض، وما فوقه وما تحته إلى محل الإزار فوق الركبة تحت الركبة وفوق السرة، هذا محل اتفاق بين أهل العلم، وما بين الركبة وموضع الحرث محل خلاف بين أهل العلم.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر, فيباشرني وأنا حائض" ولا شك أن الأمر بالاتزار هنا من باب الاحتياط، ومن باب اتقاء الشبهات، كالراعي يرعى حول الحمى، الذي يقرب من محل .. ، من المحل الممنوع يوشك أن يواقعه، فاتقاءً للشبهة يبتعد الإنسان عن الموضع وما يقرب منه.
أما إذا جامع المرأة في موضع الحرث في موضع النجاسة فإنه حرام إجماعاً، لكن هل يلزمه شيء؟ كفارة أو لا يلزمه؟
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض- قال: ((يتصدق بدينار, أو بنصف دينار)) رواه الخمسة, وصححه الحاكم وابن القطان, ورجح غيرهما وقفه".(14/15)
الحديث مصحح من قبل الحاكم، وعرفنا مراراً أنه متساهل، ومصحح من قبل ابن القطان وابن القطان متعنت، متشدد، صححاه مرفوعاً، كما صححه أيضاً ابن التركماني في الجوهر النقي، وابن القيم وابن حجر والألباني، المقصود أنه مصحح مرفوعاً من قبل جمع من أهل العلم.
"ورجح غيرهما وقفه" ورجح غيرهما وقفه على ابن عباس، وأن هذا من فقه ابن عباس، لكن هل يقول ابن عباس مثل هذا الكلام من تلقاء نفسه؟ هل يفرض ابن عباس من تلقاء نفسه عقوبة على المخالف أو لا بد أن يكون عنده شيء أصل يعتمد عليه؟ من أهل العلم من يرى أنه موقوف لكن له حكم الرفع، كما أن من أهل العلم من يضعف الحديث جملةً وتفصيلاً.
المصنف في التلخيص يقول: الاضطراب في إسناد هذا المتن ومتنه كثير جداً، فهو مضعف بالاضطراب، الاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جداً، إيش معنى الاضطراب؟ الاضطراب معناه: أن يروى الحديث على أوجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة، وأن تكون هذه الأوجه متساوية، بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، والاضطراب علة قادحة في الحديث، فمن ضعفه قال: هو مضطرب، ومن صححه بترجيح بعض الأوجه على بعض، وإلا الاختلاف موجود لا يمكن رفعه، لكن هل هذا الاختلاف مع التساوي أو مع إمكان ترجيح بعض الوجوه على بعض؟ من صححه تمكن من الترجيح، قال بالترجيح، ومن لم يصححه قال: إنه لا يمكن الترجيح بين هذه الأوجه.
وعلى كل حال الحديث صححه من سمعتم: الحاكم وابن القطان والتركماني، ابن القيم، ابن حجر، والألباني، إذن كيف يقول ابن حجر: الاضطراب في إسناده ومتنه كبير جداً وقد صححه؟ لا بد أن يكون قد ترجح له بعض الأوجه فانتفى الاضطراب، إذا تم ترجيح بعض الأوجه على بعض فإنه حينئذٍ ينتفي الاضطراب.
الخطابي يرى أن .. ، أو ينسب إلى أكثر أهل العلم أن الحديث مرسل أو موقوف، القول بالوقف قال به كثير، وأنه من اجتهاد ابن عباس موقوف عليه، وأما القول بالإرسال فقال به بعضهم، والمقصود بالإرسال هنا الانقطاع، الانقطاع بين ابن عباس ومن رواه عنه.(14/16)
هذا الحديث لا شك أنه بهذا الاختلاف يورث .. ، أقول: يورث وقفة، الحديث لم يثبت ثبوتاً بحيث يلزم الناس بهذه العقوبة المالية، والأصل براءة الذمة، فكثير من أهل العلم لا يثبتون هذا الحديث، يحكمون عليه بالضعف، وقد صححه من علمتم، والذي لا يثبت هذا الحديث ويتمسك بالأصل -البراءة الأصلية- يقول: عليه التوبة والاستغفار ولا شيء عليه، لكن إن تصدق الإنسان من غير فرض ولا إلزام فهو أحوط له، أحوط له خشية أن يثبت مثل هذا الخبر.
"عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم?)) متفق عليه في حديث طويل.
فيه بيان أن المرأة ناقصة، ناقصة عقل ودين، النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يقرر هذا المبدأ في نقص الدين، قال: ((أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم?)) والمقصود من هذا .. ، أو الشاهد منه لباب الحيض أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، ولا يصحان منها، بل يحرمان، المرأة ناقصة عقل ودين، جبلة، فطرة، خلقة، وبهذا يستدل من يقول: إن الحائض لا يجري عليها أجر عملها وما كانت تعمله قبل الحيض وبعده، الآن إذا مرض الإنسان أو سافر يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً.
الحائض يكتب لها ما كانت تعمله صحيحة قبل الحيض؟ هذا الحديث يدل على أنه لا يكتب لها؛ لأن الشرع أثبت لها النقص، إذ لو كان يكتب لها ما أثبت الشرع النقص لها، ولقائل أن يقول: إن هذا النقص في الصورة، لا شك أن الذي يصلي أكمل ممن لا يصلي ولو كان معذوراً، فالمسألة عند أهل العلم خلافية، منهم من يقول: إن الحائض لا يكتب لها شيء في وقت الحيض، وليست كالمريض والمسافر، النقص إنما جاء في المريض والمسافر، والحائض ليست مريضة ولا مسافرة ولا في معنى المريض ولا المسافر، فلا يكتب لها شيء، ولذا أثبت الشارع النقص في حقها، نقص الدين، وأما نقص العقل فهو لكون شهادة المرأة عن النصف من شهادة الرجل.(14/17)
والنقص مقرر شرعاً، مدرك عقلاً وعرفاً، وليس في هذا هضم للمرأة؛ لأن هذه طبيعتها وهذه سجيتها، والله -سبحانه وتعالى- خلقها على هذه الهيئة وعلى هذه الصفة، وحينئذٍ لا يجوز لها أن تتمنى أن لو كانت رجلاً لتسلم من هذا النقص {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ} [(32) سورة النساء] .. إلى آخره، بل تحمد الله -سبحانه وتعالى- أن جعلها تتمتع بشيء من العقل، وعليها أن تشكر النعمة التي فضلها الله -سبحانه وتعالى- بها على كثير من مخلوقاته.
فكون المرأة أنقص من الرجل هذا أمر مدرك عرفاً وعقلاً وحساً، وهو أيضاً مقرر شرعاً، ويأتي من يأتي ويقول: إن هذا التقرير مناسب للنساء في وقته -عليه الصلاة والسلام- اللواتي ما درسن ولا تعلمن ولا كذا، هذا كلام خطير جداً، يعني إذا كان مثل هذا الكلام يقال في الصحابيات، المدارس التي خرجت هداة الأمم وقادة العالم هن الناقصات، والنساء اللواتي اشتغلن بسفاسف الأمور هن النساء الكاملات، حتى قرر بعضهم حول حديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) المصيبة أن هذا محسوب على العلم والدعوة، قرر أن هذا الحديث لا يصح، متنه منكر، باطل، والحديث في البخاري، لماذا؟ يقول: هو مخالف للواقع، كيف يخالفه الواقع؟ يقول: النساء قادة الدنيا وأفلحوا، الهنود سبعمائة مليون في وقت إندي رغاندي ومشت أمورهم، وهي امرأة، الإنجليز المرأة يسمونها الحديدية تاتشر قادتهم بكل براعة يقول، جولد مائير هزمت العرب بجيوشها ورجالاتها وقوادها، بمثل هذا تعارض النصوص؟ إلا من قلب مفتون؟ نسأل الله العافية والسلامة.
المرأة ناقصة عقل ودين، ولن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة، ولو وصلت من التعليم ما وصلت، هذه طبيعتها وهذه سجيتها، واختبر النساء في المواقف، وتفضيل الرجال على النساء تفضيل جنسي، تفضيل جنس على جنس، إيش معنى هذا الكلام؟ أنه لا يمنع أن يكون في النساء من هن أفضل وأكمل من بعض الرجال، لكن جنس الرجال أفضل من جنس النساء، والواقع يشهد بذلك.(14/18)
((أليس إذا حاضت لم تصلِ ولم تصم?)) يقول الحافظ: "متفق عليه في حديث طويل" وعرفنا قصة الخبر، وهو في البخاري، وفيه ما يشهد من الحديث للباب، وأما مسلم فليس فيه الشاهد، ليس فيه اللفظ الذي أورده الحافظ من أجله، فلو قال: أخرجه البخاري وأصله في مسلم لا بأس، أو أشار إليه مسلم؛ لأنه ساق الإسناد ولم يسق المتن، وساق متناً ليس فيه هذا القدر المحتج به.
الحديث الذي يليه: حديث "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لما جئنا سرف" هو اسم محل بين مكة والمدينة، تعني في حجة الوادع حاضت "لما جئنا سرف حضت, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((افعلي ما يفعل الحاج)) افعلي ما يفعل الحاج ((غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) متفق عليه".
فالحائض تفعل ما يفعله الحاج، تحرم مع الناس، تقف مع الناس، تبيت مع الناس، ترمي مع الناس، تفعل كل ما يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت، فليس لها أن تطوف بالبيت، ولو طافت بالبيت وهي حائض فطوافها باطل، مهما كانت ظروفها، مهما كانت ظروفها، النص صحيح وصريح ((غير ألا تطوفي بالبيت)) وقال عن صفية: ((أحابستنا هي؟ )) يدل على أن الحائض تحبس الرفقة، وهذه نصوص صريحة في الباب، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- رأى أن من الضرورة ألا يجلس الرفقة بسبب هذه المرأة التي إن تركت ضاعت، وإن سافرت معهم تركت ركن من أركان الحج، وإن حبستهم تضرروا بالبقاء فقال: لها أن تطوف في هذه الحالة، والمسألة ضرورة، لكن النصوص صريحة في أنها لا تطوف ولو ترتب على ذلك حبس الرفقة، ((أحابستنا هي؟ )) ((غير ألا تطوفي بالبيت)) ((افعلي ما يفعل الحاج)) كل ما يفعله الحاج مما هو من أعمال الحج، مما هو من أعمال الحج، الحاج يصلي نقول: افعلي ما يفعل الحاج لأن الصلاة شيء والطواف شيء آخر؟ نعم، الحاج يذكر الله ولم يرد ما يمنع من ذكر الله، الحاج يقرأ القرآن فهل نستدل بمثل هذا الحديث أو بعموم مفهوم هذا الحديث أن الحائض تقرأ القرآن إذا حجت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(14/19)
خاص بما يفعله الحاج من أفعال الحج، خاص بما يفعله الحاج من أفعال الحج، وأما قراءة الحائض فقد تقدم لنا أن أهل العلم يفتون لها أن تقرأ إذا خشيت من نسيان القرآن، أو احتاجت إلى قراءته في تعلم أو تعليم.
"وعن معاذ -رضي الله تعالى عنه- أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض? فقال: ((ما فوق الإزار)) رواه أبو داود وضعفه".
سنده فيه سعيد بن عبد الله الأغطش، مجهول الحال، لا يعرف فيه جرح ولا تعديل، ما معنى مجهول الحال؟ مجهول الحال؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لا يعرف فيه جرح ولا تعديل، نحتاج إلى قيد، نحتاج إلى قيد آخر، من روى عنه اثنان فأكثر ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل هذا يسميه أهل العلم مجهول الحال، لكن من روى عنه واحد يسمونه مجهول العين، من لم يروِ عنه أحد إيش نسميه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني شخص عرفنا اسمه، محمد بن عبد الله بن سعيد الأنصاري، لم يروِ عنه أحد، وآخر عرفنا اسمه واسم أبيه ونسبته وكنيته، ما روى عنه إلا واحد لكونه مقل، الثاني سميناه مجهول العين، وشخص روى عنه أكثر من واحد اثنان فأكثر، لكن لم يذكر فيه جرح ولا تعديل سميناه مجهول الحال، وبعضهم يطلق عليه المستور، لكن الشخص الذي لم يروِ عنه أحد ويش نسميه؟ ماذا نسميه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لا حاجة ولا داعي لتسميته، لا داعي لتسميته، لماذا؟ لأن هذه التسميات المشعرة بالضعف والقدح إنما احتيج إليها من أجل الرواية نفياً وإثباتاً، فإذا كان هذا ما روى عنه أحد إذن هو لم يروِ شيء، فلا نحتاج إلى ذكره لا بجرح ولا تعدل، والجرح إنما أجازه أهل العلم على خلاف الأصل للحاجة والضرورة الداعية إليه، حاجة ملحة، لا يمكن أن نعرف الصحيح من الضعيف إلا بالجرح، جرح رواته وتعديلهم، فالذي ليست له رواية لا يجوز أن نجرحه بكلمة إلا عند الحاجة إذا شهد على أحد، وأردنا أن نقدح في شهادته لا مانع من أن يبين حاله ووضعه عند القضاة.(14/20)
مجهول الحال: هناك مجهول الحال ظاهراً وباطناً وهناك مجهول الحال باطناً فقط، معلوم الحال في الظاهر، والمجاهيل وأصنافهم والاحتجاج بهم مسألة طويلة مبحوثة في كتب المصطلح، على كل حال الحديث ضعيف.
"سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض? فقال: ((ما فوق الإزار)) " وعائشة -رضي الله عنها- تقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني فأتزر, فيباشرني وأنا حائض"، "فيباشرني وأنا حائض" فحديث عائشة يشهد لحديث معاذ، لكن حديث عائشة فعل، حكاية فعل، "كان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض" حكاية فعل لا عموم لها، وليس فيها ما يمنع ما دون الإزار إذا لم يكن في غير موضع الحرث.
أما حديث معاذ وفيه: "ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض? فقال: ((ما فوق الإزار)) معناه أن ما دون الإزار يحرم عليه، فالمعنى مختلف.
على كل حال الخبر ضعيف، الخبر ضعيف، ومن ترك مثل هذا الأمر اتقاءً للشبهة، وخشية أن يقع في المحظور فقد استبرأ لدينه، والحديث الذي تقدم ((أصنعوا كل شيء إلا النكاح)) يضعف مثل هذا الخبر.
"وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "كانت النفساء تقعد على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد نفاسها أربعين يوماً" رواه الخمسة إلا النسائي, واللفظ لأبي داود".
الخمسة، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، رواه أيضاً الحاكم والبيهقي، وجمع من أهل العلم، وله طرق، النووي: "قول جماعة من مصنفي الفقهاء أن هذه الحديث ضعيف"، لكن رده النووي بأن له شاهد عند ابن ماجه من حديث أنس، والحاكم من حديث عثمان بن أبي العاص، المقصود أن الحديث له شواهد، ولذا حكم عليه جمع من أهل العلم بأنه حسن، حسن لغيره، فتثبت به الحجة.(14/21)
"كانت النفساء تقعد على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد نفاسها أربعين يوماً" معناه أنها إذا ولدت واستمر معها الدم أربعين يوماً كله نفاس، لا تصلي ولا تصوم، وأحكامه حينئذٍ مثل أحكام الحائض، كالحائض تماماً، وتؤمر حينئذٍ بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة، لكن لو جلست أقل من أربعين نقول: لا بد أن تكمل الأربعين؟ نعم؟ "كانت النفساء تقعد على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد نفاسها أربعين يوماً" تقعد، ولو انقطع الدم؟ نعم؟ لا، المقصود أنها تقعد ما دام الدم موجوداً، وإلا متى انقطع الدم فإنه يحكم عليها بالطهارة، والنفاس لا حد لأقله، نعم أكثره أربعون يوماً، على ما جاء في هذا الحديث، أكثره أربعون يوماً للتحديد المذكور في الحديث، ولا حد لأقله، فإذا مكثت المرأة شهر ينزل عليها الدم ثم انقطع نقول: خلاص طهرت، أربعين يوم كذلك، واحد وأربعين يوم نقول: لا، خلاص طهرت بتمام الأربعين، وما عدا ذلك يعد استحاضة دم فساد، وإن شئت فقل على اصطلاح المتأخرين: نزيف، على كل حال هذا هو الحد الأعلى للنفاس.
"وفي لفظ له –أي لأبي داود-: "ولم يأمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بقضاء صلاة النفاس" لم يأمرها بقضاء الصلاة كالحائض "كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، فالنفاس في أحكامه مثل أحكام الحيض، فيجوز للنفساء ما يجوز للحائض، وتمنع النفساء مما تمنع منه الحائض.
ما الذي يوجب النفاس؟ الولادة، ومتى تثبت أحكام النفاس؟ إذا ولدت المرأة ما يتبين فيه خلق الإنسان، لكن لو ولدت أو قذفت مضغة ليس فيها ما يدل على شيء من خلق الإنسان فإنه لا يحكم لها بالنفاس، ولا تقعد من أجله.
هل يلزم أن تنفخ فيه الروح أو لا يلزم؟ لأن عندنا أحكام مترتبة على تبين خلق الإنسان، وأحكام مرتبة على نفخ الروح، متى يصلى على السقط؟ إذا نفخ فيه الروح، إذا نفخ فيه الروح، وتثبت فيه أحكام النفاس إذا تبين فيه خلق الإنسان.(14/22)
حديث أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت للنفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، حديث عثمان بن أبي العاص عند الحاكم: "وقت رسول -صلى الله عليه وسلم- للنساء في نفاسهن أربعين يوماً" هذه أحاديث يعضد بعضها بعضاً، وترتقي إلى درجة الحسن لغيره، وبهذا يكون المرجح في الحد الأعلى للنفاس هو الأربعين.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك.
نأتي إلى تكميل الأسئلة، عندك شيء؟
يقول: ما رأيكم بالتفقه من كتاب فقه السنة؟
كتاب فقه السنة كتاب فقه ميسر ومبسط، ميسر ومبسط، وفيه شيء من الاستدلال، وفيه تيسير على بعض المثقفين، لكن لا يعني أن كل ما فيه صحيح، فيه الأقوال الراجحة، وفيه الأقوال المرجوحة، والمؤلف ليس من أهل التحرير والتحقيق، إنما هو ألف هذا الكتاب لما رأى ما في كتب الفقه من الصعوبة والعسر على المتعلمين، فأراد أن ييسر لهم، على كل حال غيره من كتب أهل العلم المحررة المتقنة المضبوطة أولى منه، وفيه أقوال مرجوحة كثيرة، وأحاديث ضعيفة أيضاً.
يقول: هذا مفاد كلامه أن هذا الحديث أولاً يقول: أرى أنك كلما ذكرت حديثاً في الغالب أن يكون ضعيفاً إلا ما ندر؟
هذا الكلام ما هو بصحيح، فالحديث الصحيح والحسن فيه كثير في الكتاب.
يقول: فلماذا أهل العلم يحرصون جداً على هذا الكتاب، ويحثون على حفظه؟
الكتاب تقدم لنا في مقدمة الدورة الأولى أن الكتاب نفيس ومحرر ومتقن ومضبوط على أوهام يسيرة، والكتاب وإن اشتمل على بعض الأحاديث الضعيفة مع بيان ضعفها لا بأس، كون الإنسان يعرف ما صح في الباب وما ضعف فيه، أهل العلم يعتنون بذلك، ولا يقتصرون على الصحيح فقط، فالإمام البخاري كما ذكرنا يحفظ من الأحاديث الصحيحة مائة ألف، ومن الضعيفة مائتي ألف، فعلينا أن نحرص على مثل هذا الكتاب ولو اشتمل على بعض الأحاديث الضعيفة.
يقول: ما المقصود بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((حين يقوم قائم الظهيرة؟ ))(14/23)
المقصود به الزوال، زوال الشمس، حينما تكون الشمس في كبد السماء وهو الدلوك {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] ووقت الزوال يقال له: وقت الدلوك، والسبب في ذلك كما قال الزمخشري: "أن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيدلكها" كذا قالوا.
ما صحة من قال: أن المريض إذا لم يجد تراباً يتيمم به فإنه يتيمم في الجدار الذي بجانبه إن كانت له عثرة؟ إيش عثرة؟ غبار يعني؟
على كل حال المسألة تقدمت مع الخلاف فيها، وأنه هل يشترط أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد؟ أو يصح التيمم بكل ما على وجه الأرض مما يسمى صعيد؟ على كل حال إذا لم يجد تراب يتيمم بما على وجه الأرض مما لديه، إذا تيمم من الجدار لا بأس.
ما حكم الإسقاط أثناء الأربعين وبعدها؟ وما حكم الإسقاط بعد النفخ إذا ثبت في الحمل تشويه أو ضرر على ... ؟
إلقاء النطفة الذي يسمونه الإجهاض، الفقهاء يقولون: لا بأس بإلقاء النطفة قبل الأربعين بدواءً مباح، مفهومه أنه بعد الأربعين يحرم، إذا انتقلت من طور إلى طور يحرم مهما كان السبب، ولو قرر الأطباء أن فيه تشويه، التشويه هذا لا شك أنه مصيبة، لكن يبقى أنه من المصائب التي يبتلى بها الإنسان، فليصبر وليحتسب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] ولا يجوز له حينئذٍ أن يتسبب في إسقاطه بعد الأربعين، وحتى قولهم: إلقاؤها بعد الأربعين ينبغي أن يحتاط له، ينبغي أن يحتاط له، فينظر في السبب؛ لئلا يتتابع الناس على هذا الإجهاض، ويصير عندهم أمر عادي، وبسببه تفشو المنكرات والفواحش، ويسهل أمره على الناس كل من حبلت ذهبت لتسقط، لا، لا بد من النظر في الباعث إذا قيل: إن المرأة تتضرر فيغلب على الظن ضررها لا بأس، والحمل حمل رشدة، لا حمل غواية، لا بأس، نعم.
هذا يذكر أنه استفاد من هذه الدروس، ويسأل هل هناك تكملة لهذا الكتاب؟
على كل حال في اتفاق مع الإخوان أننا نكمل الكتاب في دورات لاحقة يكون في كل سنة دورتين أو أكثر حتى يكمل الكتاب، ولو في أثناء الدراسة، على كل حال هذا الاتفاق مع الإخوان، والله المستعان.(14/24)
يقول: هل من الأفضل اقتناء الكتب الستة ثم اقتناء الشروح، أو يكفي اقتناء الشروح والكتب الستة؟
لا شك أن هناك طبعات لمتون الكتب الستة لا يستغنى بغيرها عنها، البخاري مطبوع طبعات، الطبعة السلطانية لا يستغني عنها طالب علم ولو اشترى الشروح، مسلم أيضاً الطبعة العامرة ما يستغنى عنها ولو اشترى الطالب الشروح، على كل حال الذي لا تساعده الظروف للجمع بين المتون والشروح واقتصر على الشروح لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
يقول: يلاحظ في هذه الأيام كثرت اقتناء الهاتف الجوال للنساء، فهل في ذلك حكم شرعي؟ وحكم يمكن أن نستنبط منه على حظره يعني على منعه؟
على كل حال النساء شقائق الرجال، ومثل هذه الأمور تفرضها الحاجة، فمن احتاج إليها من ذكر أو أنثى اقتناها، هي في الأصل مباحة، هي في الأصل من الأمور المباحة، وهي من نعم الله -عز وجل- على الناس، سهلت كثير من الأمور، لكن هذه النعمة تحتاج إلى شكر بأن تستخدم فيما يرضي الله -عز وجل-، واستخدامها فيما لا يرضي الله -عز وجل- من كفر النعم، فإذا استخدمت في مجال الخير صارت خير، وإن استخدمت في الشر صارت شر، وعلى كل حال الترف والقدر الزائد على الحاجة يدخل في حيز التبذير وإضاعة المال سواءً كان بالنسبة للرجال أو النساء.
ما السنة للمؤذن أن يضع يديه؟
يضعهما في أذنيه.
أغلب أحاديث بلوغ المرأة في كتاب الطهارة ذكرت أنها ضعيفة؟
كيف فهموا هذا؟! كثير منها في الصحيحين في أحدهما كثير، أما هذا الإطلاق أكثر ما هو بصحيح، فيه ضعيف كثير، مر بنا ضعيف كثير، والإجابة عنه على ما سمعتم قريباً، وأما الضعيف فإنه لا يحتج به، لا يحتج به.
يقول: ما نصيحتك لمن يريد أن يطلب العلم؟ وما هي الكتب التي تنصح بها لمعرفة آراء الأئمة وأدلتهم والراجح منها؟ مع أفضل كتاب في مذهب الإمام أحمد بن حنبل؟
على كل حال هذا ينبني جوابه على معرفة مستوى السائل، كل سائل حسب مستواه العلمي وإدراكه وظروفه يجاب، والكتب -كتب المذاهب- ألفت على اعتبار أن الطلاب المتعلمين طبقات، فألف ما يناسب المبتدئين، كما ألف ما يناسب المتوسطين، وألف ما يناسب الكبار المنتهين.(14/25)
على كل حال في كل مذهب كتب أما مذهب الإمام أحمد فإن كان الطالب مبتدئاً وقرأ بالنسبة للفقه في أول .. ، بدأ بآداب المشي إلى الصلاة، ثم العمدة، عمدة الفقه، ثم الزاد، ونظر في شروحه، ثم ارتقى بعد ذلك. . . . . . . . .
الكتب التي تذكر الأقوال بأدلتها كالمغني والمجموع والاستذكار لابن عبد البر لمعرفة مذاهب فقهاء الأمصار، وغيرها من الكتب، هذا هو الأصل.
أجود كتب التفسير والتوحيد والحديث يحتاج إلى دورة هذا، لكن من أجود كتب التفسير تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، تفسير ابن كثير -رحمة الله عليه-، والتوحيد كتب أئمة الدعوة، كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب المختصرة والمتوسطة، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة.
وأما الحديث فالأربعين والعمدة والبلوغ والمنتقى والمحرر، هذه أمور مهمة لطالب العلم، ثم كالكتب المسندة الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها.
هذا يسأل يقول: لو أشرتم إلى الرأي المختار في مسألة هل الاسم عين المسمى؟
الاسم عين المسمى أو غيره؟ هذه مبسوطة بشيء من التيسير في تفسير سورة الفاتحة، تفسير سورة الفاتحة في أربعة أشرطة موجودة في الأسواق؛ لأن هذه المسألة لا يستفيد منها كثير من الحاضرين.
ورد في أحاديث كثيرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لفظ: "في سبيل الله" فما هو مفهوم في سبيل الله؟ هل هو خاص بالجهاد فقط أو أعم من ذلك؟
الأصل أنه للجهاد، الأصل أنه للجهاد، لا سيما في نصوص الزكاة، قد يطلق سبيل الله ويراد به الطريق الموصل إلى الله -عز وجل-: ((من صام يوماً في سبيل الله)) يعني خالصاً لوجه الله -عز وجل- ((باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفاً)) من أهل العلم من يرى أن الحج في سبيل الله، ومنهم من يرى أن طلب العلم في سبيل الله، لكن يبقى أن مصرف الزكاة الذي قيل فيه: "وفي سبيل الله" هو الجهاد فقط.
يقول: صدمت سيارة فيها رجال كفار فمات واحد منهم فحملوني نصف الدية، السؤال: هل علي صيام؟
نقول: لا، ليس عليك صيام ولا كفارة.(14/26)
إذا حاضت المرأة قبل الميقات، ثم أتت الميقات وهي حائض هل يجوز لها الإحرام ثم دخول مكة، ثم الانتظار حتى تطهر، ثم تطوف بالبيت لأداء الحج والعمرة؟
هذا هو المطلوب، تحرم مع الناس وتفعل جميع ما يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت، فإذا طافت بالبيت سعت، طافت وسعت وأتمت ما بقي لها.
من الكتب التي ينصح بها في اللغة العربية؟
اللغة العربية ذات فروع، ذات فروع عشرة، وفي كل فرع من هذه الفروع كتب، ألفت على الطريقة التي أشرنا إليها سابقاً في النظر إلى أوضاع المتعلمين وتقسيم المتعلمين، وطبقات المتعلمين.
على كل حال صاحبنا لعله يقصد ما استفاض بين الناس أن المراد باللغة النحو، النحو أول كتاب يبدأ به الآجرومية، فإذا قرأ حفظ الطالب الآجرومية وقرأ عليها شرح الكفراوي على طول فيه، وهو شرح ممل، لكن الكتاب كفيل بأن لا يتمه الطالب حتى تكون لديه ملكة إعرابية، هو يعتني بالإعراب، وشرح العشماوي فيه قواعد وضوابط تفيد الطالب المبتدي قد لا توجد عند غيره، ثم إذا أتقن الآجرومية وقرأ في القطر ضبطه وأتقنه ثم إن كان عنده فضل ....(14/27)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (1)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كان في ذهني وتقديري قبل البداية في الدرس أن نذكر كلمة عن العلم وفضله وسبل تحصيله ومسيس الحاجة إليه، وقد قام بذلك فضيلة الشيخ، وليس عندي ما أضيفه إلى ما قاله، إلا أن هذا العلم من علوم الآخرة المحضة التي لا تجوز فيها الشركة، فهو عبادة محضة لا بد فيه من الإخلاص، لا بد فيه من الإخلاص؛ لأن هذا كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لا يطلب لينال به غرض منا لدنيا، ولا يطلب ليقال: فلان محدث أو صاحب حديث، ولا يطلب لتضفى فيه الألقاب التي قد تكون بحق وقد تكون بغير حق.
وغاية ما فيها وإن كانت بحق إلا أنها من المدح والتمادح في الوجوه وقد جاء ذم ذلك، وقد كثر إضفاء هذه الألقاب على بعض من ينتسب إلى فروع العلم الشرعي وهذه ظاهرة يتجنبها سلف هذه الأمة وأئمتها إلى شيوخنا في العصر الحاضر، لكن الشباب والإخوان وطلاب العلم من حبهم لشيوخهم يضفون عليهم هذه الألقاب، لكن في تقديري أنها ليست من مصلحة المادح ولا الممدوح، فالمادح بحاجة إلى مزيد من التلقي، والممدوح بحاجة إلى الدعاء، والله المستعان.
على كل حال نبدأ في درسنا في كتاب الصلاة لقراءة الكتاب من قبل الشيخ ثم بعد ذلك نعلق بما تيسير؛ لأن القدر المحدد في الدورة خمسون حديثاً، خمسون حديثاً في خمسة أيام، وعلى هذا علينا أن ننجز في كل ليلة عشرة أحاديث على الأقل، وإن كانت الأحاديث بعضها مرتبطة ببعض وبعضها أطول من بعض، فنحاول أن نسدد ونقارب، وننهي القدر المحدد إن شاء الله تعالى؛ لأن الإخوان عندهم خطة بحيث ينهى فيها الكتاب خلال أربع سنوات أو خمس سنوات على الأكثر والله المستعان.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال الحافظ بن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام: كتاب الصلاة، باب المواقيت:(15/1)
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس, وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر, ووقت العصر ما لم تصفر الشمس, ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق, ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط, ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)) [رواه مسلم].
وله من حديث بريدة -رضي الله تعالى عنه- في العصر: ((والشمس بيضاء نقية)).
ومن حديث أبي موسى -رضي الله تعالى عنه-: ((والشمس مرتفعة)).
وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر, ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية, وكان يستحب أن يؤخر من العشاء, وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها, وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه, وكان يقرأ بالستين إلى المائة" متفق عليه.
يكفي، يكفي بركة
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: كتاب الصلاة.
سبق الكلام عن الكتاب وتعريف الكتاب وأنه مصدر كتب يكتب كتابة وكتباً، وكتاباً وأصل الأصل في هذه المادة الجمع، سبق الكلام بإفاضة لما تحدثنا عن كتاب الطهارة.
والصلاة يقول جمهور العلماء: أن أصلها الدعاء، فهي مأخوذة من الدعاء، ويقولون: إن الصلاة الشرعية المعروفة المحدودة بتكبيرة الإحرام المختومة بالتسليم، سميت بذلك لاشتمالها على الدعاء.
حقيقة الصلاة لغة الدعاء، صلي عليهم: أي أدعو لهم، صلي عليهم: أي أدعو لهم.
وحقيقتها الشرعية: التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بهذه العبادة على هذه الكيفية المشروحة المجملة في الكتاب المبينة في السنة.
الحقيقة اللغوية جزء من الحقيقة الشرعية، ومعروف أن الشرع يزيد في الحقائق اللغوية، الحقائق الشرعية تزيد على الحقائق اللغوية، فالدعاء الذي هو أصل الصلاة لغةً، الصلاة الشرعية دعاء وغير دعاء، الإيمان الذي أصله في اللغة التصديق، واليقين، الحقيقة الشرعية للإيمان زادت على حقيقته اللغوية من النطق باللسان والعمل بالجوارح، إضافة إلى ما في القلب من تصديق ويقين.(15/2)
الصلاة ثاني أركان الإسلام فالإسلام كما في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في الصحيحين وغيرهما: ((بني على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة)) الركن الثاني، ((وإيتاء الزكاة، والحج وصوم رمضان)) الحديث [متفق عليه].
فهي ركن من أركان الإسلام بالإجماع، وتاركها على خطر عظيم، جمع من أهل التحقيق يرون كفر تارك الصلاة ولو اعترف بوجوبها، ولو اعترف بوجوبها، وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين، والجمهور على أن تارك الصلاة يقتل، على خلاف بينهم في قتله، هل يقتل مرتد أو يقتل حد؟ وأقل ما قيل في تارك الصلاة أنه يحبس حتى يصلي أو يموت، هذا أقل ما قيل في تارك الصلاة، فالمعتمد والمفتى به الآن أن تارك الصلاة كافر، وترتب على هذه الكلمة جميع الآثار المترتبة على الكفر، تبين زوجته، لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث، جميع الأحكام المترتبة على الردة تلحق تارك الصلاة نسأل الله السلامة والعافية.
أما بقية الأركان من الزكاة والحج والصوم فقال جمع من أهل العلم: بكفر تارك كل واحد منها، لكن الجمهور على خلاف هذا القول وإن كان على خطر شديد، على خطر عظيم إذا ترك الزكاة، الصديق قاتل تارك الزكاة، تارك الحج، {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران].
تارك الصيام، من أفطر في يوم من رمضان من غير عذر لم يقضه صوم الدهر وإن صامه، فالمسألة ليست بالسهلة، ليست بالهينة.
باب المواقيت:
أيضاً تقدم التعريف بكلمة باب وأنه في الأصل ما يدخل ويخرج معه، واستعمل في ما يضم فصول ومسائل علمية، والمواقيت جمع ميقات، والمراد به الوقت، الوقت الذي عينه الله -سبحانه وتعالى- لأداء هذه العبادة.
يقولون في مواقيت الحج: مواقيت زمانية ومواقيت مكانية، في مواقيت الصلاة هل نستطيع أن نقول: زمانية ومكانية؟ هنا زمانية، لكن هل هناك مواقيت مكانية؟ ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) هذا الأصل، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث، لكن من سمع النداء ممن تلزمه الجماعة لا يجوز له أن يصلي في غير المسجد، حيث ينادى بها.(15/3)
الحديث الأول: حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس)) وقت الظهر إذا زالت الشمس, بعد انقضاء وقت النهي حين يقوم قائم الظهيرة، على ما سيأتي في أوقات النهي، إذا زالت الشمس، يعني مالت إلى جهة المغرب، مالت إلى جهة المغرب، وهو الدلوك الذي يقول الله -جل وعلا- فيه: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء]، دلوك الشمس أي: زوالها، وسمي وقت الزوال دلوكاً لماذا؟ يقول الزمخشري: لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيحتاج إلى دلكها.
((إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله)) ظل الرجل مساوياً له، وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله.
طالب. . . . . . . . .
إيش؟ في سقط هنا، في سقط؟ نعم، يعني أوله إذا زالت الشمس، وآخره إذا كان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، وذكر الرجل من باب التمثيل، وإلا ظل كل شيء يكون كطوله بمقداره، فإذا كان طول الشيء متر صار ظله متراً، وإذا كان طول الشيء مترين، يصير ظله مترين بطوله، وصار ظل الرجل كطوله ((ما لم يحضر وقت العصر)) , هذا وقت صلاة الظهر، والظهر هي الصلاة الأولى، هي الصلاة الأولى، كما دل عليه هذا الحديث وحديث إمامة جبريل إمامة جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أمه في أول الصلوات الظهر، أول صلاة أمه أم النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الظهر ولذا تسمى الأولى.(15/4)
وقتها من زوال الشمس إجماعاً إلى أن يصير ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ما لم يحضر وقت العصر، وهذه الجملة فيها دليل لجمهور العلماء أنه لا اشتراك بين صلاتي الظهر والعصر في قدر يتسع لأربع ركعات، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: إن هناك من الوقت قدر مشترك يتسع لأربع ركعات، ويستدل بحديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن جبريل -عليه السلام- أم النبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء كطوله هذا بالنسبة لصلاة الظهر، وأمه بصلاة العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء كطوله، فدل على أن هذا الوقت حينما يصير ظل كل شيء كطوله، وقت صالح للأداء لصلاة الظهر ولصلاة العصر؛ لأن مفهومه أنه أمه في الوقت نفسه، يعني أمه لصلاة العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء كطوله، وأمه في اليوم الثاني بصلاة الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، فدل على أن هناك قدر مشترك في آخر وقت صلاة الظهر، يصلح لأن تؤدى فيه صلاة الظهر، وتؤدى فيه صلاة العصر، وهو الوقت المشترك بين الصلاتين، هذا ما يفيده حديث جبريل، وحديث الباب يقول: ((ما لم يحضر وقت العصر))، فدل على أنه لا اشتراك بين الصلاتين في هذا المقدار، دل على أنه مجرد ما ينتهي وقت صلاة الظهر يبدأ وقت صلاة العصر، فلا اشتراك، ولا شك أن هذا الحديث أقوى، لماذا؟ لأنه مخرج في صحيح مسلم، وحديث إمامة جبريل في السنن، فهذا الحديث من حيث الصناعة أقوى، وذكر الترمذي عن الإمام البخاري أن أصح حديث في المواقيت حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل نقول: إن قول البخاري أصح يعطي حديث إمامة جبريل من القوة بحيث يرجح على ما خرجه مسلم في صحيحه؟ هذا هو مقتضى أفعل التفضيل، هو مقتضى أفعل التفضيل أنه أصح من حديث عبد الله بن عمرو عند الإمام البخاري، والإمام البخاري لم يخرج هذا ولا ذاك، وهذا الحديث خرجه الإمام مسلم في صحيح تلقته الأمة بالقبول فلا إشكال فيه.(15/5)
يبقى أن كون صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله، هل معنى هذا أن أحكام البخاري على الأحاديث أرجح من أحكام غيره بغض النظر عن صحيح البخاري، صحيح البخاري نتفق على أنه أصح الكتب، لكن أحكام البخاري -رحمه الله تعالى- على الأحاديث هل هي أرجح من أحكام غيره؟ هل هي أرجح مما يخرجه مسلم في صحيحه؟ لا، ليست بأرجح، وعلى هذا المرجح أنه لا اشتراك بين صلاتي الظهر والعصر في القدر المذكور، المتسع لأربع ركعات.
((ووقت العصر)) دل قوله: ((مالم يحضر وقت العصر)) أنه بمجرد ما ينتهي وقت صلاة الظهر، يبدأ وقت صلاة العصر، متى يبدأ وقت صلاة العصر من خلال هذا الحديث؟ إذا صار ظل الشيء كطوله، حديث جبريل الذي سبقت الإشارة إليه، أجيب عنه بأنه فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، في اليوم الثاني، وشرع في صلاة العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء كطوله، فرغ بين الفراغ والشروع، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
إذن لا اشتراك حتى على حديث إمامة جبريل إذا قلنا أنه في اليوم الثاني فرغ من صلاة الظهر، وفي اليوم الأول شرع في صلاة العصر فلا اشتراك.
وقت العصر من مصير ظل الشيء كطوله، وبهذا قال جمهور أهل العلم، ويرى الحنفية أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثلية، من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير ظل الشيء مثليه، يستدل الحنفية بأدلة لا تقاوم هذا الحديث من حيث الصراحة في الدلالة، الحنفية محمد بن الحسن في موطئه يقول: إنما سميت العصر؛ لأنها تعتصر ويضيق عليها وقتها.(15/6)
من أقوى أدلة الحنفية حديث ما جاء من أن من التمثيل بالأجير بالنسبة لهذه الأمة واليهود مع اليهود والنصارى، ((مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول النهار إلى الزوال على دينار، ثم استأجر أجيراً من منتصف النهار إلى وقت العصر على دينار، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى الغروب على دينار، فالذين عملوا إلى منتصف النهار مثل اليهود، والذين عملوا، الأخير على دينارين، والذين عملوا من منتصف النهار إلى وقت العصر هم النصارى، والذين عملوا من وقت العصر إلى غروب الشمس هم هذه الأمة، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) استدلال اليهود ظاهر؛ لأنهم عملوا من أول النهار إلى منتصفه إلى زوال الشمس هو أكثر من وقت العصر بلا إشكال، لكن كيف يحتج اليهود، النصارى، كيف يحتج النصارى بأن عملهم أكثر وهم من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، وهذه الأمة من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس، يقولون: هذا الحديث يقتضي أن وقت العصر أضيق من وقت الظهر، وعلى هذا يكون من مصير ظل الشيء مثليه، ليكون الفرق واضح، استدلالهم ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم، نعم هم يقولون: لو كان وقت العصر يبدأ من مصير ظل الرجل كطوله ما صار وقت النصارى أطول من وقت المسلمين، أجيب عن هذا بأن الاحتجاج من اليهود والنصارى معاً، ولا شك أن العمل من طلوع الشمس من أول النهار إلى مصير ظل الرجل كطوله أطول، بلا إشكال، فوقت اليهود والنصارى معاً أطول من عمل المسلمين، أطول من وقت المسلمين عملهم، وأجيب عن ذلك أيضاً: بأن وقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الرجل كطوله أطول في كل مكان وفي كل زمان، من مصير ظل الرجل كطوله إلى غروب الشمس، ومن نظر في التقويم تبين له هذا.(15/7)
الفارق ليس بالكبير، يعني أحياناً يفرق ربع ساعة، ليس بالكبير، لكنه أطول، فلا نحتاج إلى مثل هذا الكلام، يعني لا نرد النصوص الصحيحة الصريحة بمثل هذه الفهوم البعيدة، الوقت الذي هو بين مصير ظل الشيء كطوله، ومصير ظل الشيء مثليه، وقت عند الحنفية لصلاة الظهر، عند بعضهم، وعندهم أيضاً قول بأنه ليس بوقت للصلاة لا للظهر ولا للعصر، قول في مذهب الحنفية، يعني مثل الضحى ليس بوقت لصلاة الصبح، ولا بوقت لصلاة الظهر، وقت بين وقتين، لكن الصحيح الذي يدل عليه هذا الحديث صراحة وهو أصح ما ورد في المواقيت؛ لأنه مخرج في الصحيح ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر يعني من مصير ظل الشيء كطوله بعد فراغ، بعد انتهاء وقت صلاة الظهر ما لم تصفر الشمس، ما لم تصفر الشمس، يفيد هذا الحديث أن نهاية وقت صلاة العصر هو اصفرار الشمس، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وإن كان الأكثر على أن هذا وقت الاختيار، لا وقت الاضطرار، بدليل الحديث الآتي، وهو في الصحيح من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من صلاة العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، فدل على أن وقت العصر يمتد، وقت الاضطرار يمتد إلى غروب الشمس، ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، دل على أنه ما لم تغرب الشمس هو وقت لصلاة العصر، لكن تأخيرها إلى اصفرار الشمس جاء التحذير منه والوعيد عليه، وإن كان فعلها فيه أداء وليس بقضاء، وصلاة العصر على وجه الخصوص جاء في تأخيرها عن وقتها الوعيد الشديد، وجاء الحث على فعلها في وقتها مع صلاة الصبح، وهما البردان، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس, ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق , يعني من غروب الشمس إجماعاً إلى مغيب الشفق، والشفق جمهور أهل العلم على أنه الحمرة، وسيأتي في حديث يأتي الكلام عنه وضعف وبيان ضعفه، لكنه ثابت عن ابن عمر وهو من العرب الأقحاح، وهو قول الأكثر، المراد بالشفق الأحمر، ويرى بعضهم أن المراد بالشفق الأبيض.(15/8)
على كل حال وقت صلاة المغرب فيه سعة على ضوء حديث عبد الله بن عمرو حديث الباب، يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق بمقدار ساعة ونصف، وحديث إمامة جبريل يدل على أن صلاة المغرب ليس لها إلا وقت واحد، حيث صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني، بعد أن وجبت الشمس، يعني بعد أن غربت، بعد أن غربت الشمس صلى في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه في اليوم الأول، وبهذا قال الشافعية، وأن وقت صلاة المغرب مضيق، بحيث لا يزيد على ما يتسع للوضوء والصلاة يعني مقدار ربع ساعة، تقريباً، الجمهور أخذوا بهذا الحديث والشافعية عملوا بحديث إمامة جبريل، ولا شك أن هذا من حيث الصناعة أرجح وهو أيضاً متأخر عن حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن حيث الرجحان هذا أرجح، ومن حيث التأخر هذا آخر الأمرين، فقول الجمهور أقوى.
((ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط)) يعني من مغيب الشفق بداية إلى نصف الليل الأوسط، وهذه نهاية وقت صلاة العشاء، نصف الليل الأوسط، متى يقال أوسط؟ نعم إذا كان مركب من ثلاثة أطراف، نعم، أو خمسة أو سبعة، نعم إذا كان من ثلاثة أطراف فالثاني أوسط، لكن هل التقسيم إلى نصفين ذكر النصف يدل على أنه ثلاثة أو اثنين؟ يمكن أن يكون الشيء ثلاثة أنصاف لنقول: نصف الليل الأول، ونصف الليل الأوسط، ونصف الليل الأخير، يعني مثل ما نقول في الثلث، ثلث الليل الأول، ثلث الليل الأوسط، ثلث الليل الأخير، نعم؟ كيف يقول الأوسط؟ المقصود به نهاية النصف الأول، وقيل له أوسط لوقوع نهايته في وسط الليل، لوقوع نهايته في وسط الليل، وحديث الباب دليل على أن وقت صلاة العشاء ينتهي بانتصاف الليل على أن حديث إمامة جبريل يدل على أن نهاية وقت صلاة العشاء ثلث الليل، ويقال فيه ما قيل سابقاً من أن هذا الحديث أقوى وهو أيضاً متأخر فهو أرجح.
الأقوال ثلاثة في نهاية وقت صلاة العشاء:
القول الأول: أنه ثلث الليل، نهاية ثلث الليل ويستدل بما ذكرناه من إمامة جبريل.
والقول الثاني: أنه منتصف الليل ويدل عليه صراحة هذا الحديث.(15/9)
والقول الثالث: أنه ينتهي بطلوع الفجر، بطلوع الفجر، والدليل عليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس في النوم تفريط، ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من أخر الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى أن يدخل وقت الصلاة التي تليها وهي الصبح، لكن عمومه مخصوص بصلاة الصبح إجماعاً، فلا يمتد وقتها إلى أن يدخل وقت الصلاة التي تليها وهو الظهر، وليكن أيضاً مخصوص بصلاة العشاء لهذا الحديث.
((ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر)) والمراد به الفجر الصادق الذي ينتشر في الأفق، وليس المراد به الفجر الكاذب المستطيل الذي جاء تمثيله بذنب السرحان.
((وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)) يعني إلى طلوع الشمس، ما لم تطع الشمس، وهذا متفق عليه، مجمع عليه، فإذا طلعت الشمس طلع وقت صلاة الصبح، إذا صلى ركعة قبل طلوع الشمس وركعة بعد طلوعها يكون حينئذ مدركاً للوقت على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وهل يكون مدركاً تكون الصلاة كلها أداء، أو ما أدركه في الوقت أداء، وما أدركه بعد الوقت قضاء؟ ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى، رواه مسلم.
يقول: وله أي لمسلم من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي في العصر: ((والشمس بيضاء نقية)).
الشمس بيضاء نقية، وهو مفهوم من قوله في حديث الباب: ((ما لم تصفر الشمس)).
ومن حديث أبي موسى وهو في مسلم أيضاً، يعني وله لمسلم من حديث أبي موسى: ((والشمس مرتفعة)).
يعغني لم تتضيف للغروب، لم تمل إلى الغروب.
وعن أبي برزة الأسلمي نضلة ابن عبيد، أو عبيد بن نضلة - رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر, ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية , حية، يعني تدرك حرارتها، يعني ما زالت حرارتها باقية، يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحلة في أقصى المدينة والشمس حية، هذا دليل أيضاً من أدلة الجمهور على أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء كطوله.
"وكان يستحب أن يؤخر من العشاء" ((إنه لوقتها)) لما تأخر عليهم -عليه الصلاة والسلام- في صلاة العشاء قال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم)).(15/10)
وكان يستحب أ، يؤخر من العشاء بما لم يشق, وكان يكره النوم قبلها، لئلا يتسبب في إخراجها عن وقتها من جهة، ولئلا يترتب على ذلك تضييع الجماعة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها , يعني بعد صلاة العشاء، مع الأسف أنه لا يطيب الوقت عند غالب الناس إلا بعد صلاة العشاء، وتجد الإنسان في وقته كله يتثاءب العصر، والظهر، المغرب، يتثاءب إن صلى العشاء طار النوم، وتفرغ الناس لأعمالهم وأشغالهم، وكثر منهم في القيل والقال، وإلا لو كان سهره فيما ينفعه وينفع غيره لا إشكال في ذلك، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمر مع أبي بكر في أمر المسلمين، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب العلم من صحيحه باب السمر في العلم، فدل على أن إقامة مثل هذا الدرس بعد صلاة العشاء لا يدخل في كراهية الحديث بعدها، إنما المكروه السهر الذي لا فائدة فيه، السهر الذي لا فائدة فيه، وإلا السهر الذي تترتب عليه فائدة سواءً كانت خاصة أو عامة لا يكره، بل قد يكون لبعض الناس أنفع من النهار، وعرف عن جمع من أهل العلم أنهم يقسمون الليل بين نوم وصلاة وقراءة وتصنيف، فالسمر للمصلحة جائز بل مشروع، فضلاً عن أن يدخل في حيز الكراهة المذكورة في حديث الباب.
"وكان ينفتل ينصرف من صلاته، من صلاة الغداة صلاة الصبح حين يعرف الرجل جليسه, وكان يقرأ بالستين إلى المائة" النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي الصبح بغلس، يعني يشرع فيها في وقت الغلس، فإذا انتهى منها يعرف الرجل جليسه لطولها، فكان يقرأ بالستين، بالستين آية إلى المائة إذا خفف القراءة قرأ ستين، وإذا أطال قرأ المائة، قرأ بالمائة، ومثل هذا لا يعارض ما جاء من الأمر بتخفيف الصلاة، والآيات المشار إليها من الستين إلى المائة المراد بها الآيات المتوسطة، ليست الآيات الطويلة ولا القصيرة، وهذا في كل شيء أطلق في النصوص ينظر فيه إلى المتوسط، يعني لا يقرأ مائة آية، من أمثال سورة المائدة، ولا تكون الستين من مثل سورة الشعراء مثلاً، من الآيات المتوسطة، والله المستعان.(15/11)
من الأئمة الذين يؤمون الناس في هذه الأوقات من يصلي الصبح بآية، مع الأسف، ومن سمة صلاة الصبح الطول، وقد جاء في المسند وغيره من حديث عائشة: ((إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة)) يقرأ بصلاة الصبح بآية، الصلاة صحيحة ومجزئه، لكن أين السنة؟ الله المستعان.
نعم.
وعندهما من حديث جابر -رضي الله تعالى عنه-: "والعشاء أحيانا يقدمها وأحيانا يؤخرها إذا رآهم اجتمعوا عجل, وإذا رآهم أبطئوا أخر, والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس".
ولمسلم من حديث أبي موسى -رضي الله تعالى عنه-: "فأقام الفجر حين انشق الفجر, والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا".
يكفي.
وعندهما -يعني عند الشيخين البخاري ومسلم- وهل تقدم لهما ذكر؟ أفاد ذكرها قوله في الحديث السابق: "متفق عليه" وعرفنا فيما تقدم أن مراد المؤلف في المتفق عليه ما رواه الإمامان البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد، يعني مع اتحاد الصحابي، هذا اصطلاح المؤلف في هذا الكتاب، وعرفنا أن من أهل العلم من يضم إلى الشيخين الإمام أحمد في كلمة متفق عليه، في اصطلاح متفق عليه، كالمجد ابن تيمية في المنتقى، ومنهم من لا يشترط اتحاد الصحابي، وهذا تقدم الكلام فيه فتجد البغوي في شرح السنة مثلاً يقول: متفق عليه، خرجه محمد من حديث أبي هريرة، ومسلم من حديث ابن عمر، يصير متفق عليه على الاصطلاح وإلا لا؟ ولو اتحد اللفظ الآن هو حديث واحد أو حديثان؟ حديثان على الاصطلاح، هما حديثان، العبرة بالمخرج مخرج الحديث، صحابي الحديث، إذا اتحد الصحابي وهو حديث واحد، ولو اختلف اللفظ، وإذا اختلف الصحابي فهما حديثان وإن اتحد اللفظ.(15/12)
وعندهما من حديث جابر: "والعشاء أحيانا يقدمها وأحيانا يؤخرها، إذا رآهم اجتمعوا عجل , يعني ينظر إلى أحوال المأمومين ويفعل الأرفق بهم، وهذا من شفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه، وهو بالأمة رءوف رحيم، إذا رآهم اجتمعوا عجل صلاة العشاء رفقاً بهم؛ لأنهم أصحاب عمل في النهار كد، لتحصيل المعيشة، وإذا رآهم أبطئوا لأمر ما، لظرف من الظروف أخر , فهو يلاحظ حال الجماعة، فعلى الإمام أن يلاحظ أحوال من خلفه ويرفق بهم، نعم ظروف الناس اليوم قد تتطلب شيء من التحديد؛ لأن يقام للصلاة في وقت معين، وهو المعمول به الآن، يعني بين الآذان والإقامة كذا، وإلا لو ترك لاجتهادات الناس؛ لأن المساجد كثرت والأئمة كثروا، والناس أيضاً وظروفهم وأحوالهم تفرقت كانوا مجتمعين في مسجد واحد، يصلون خلف إمام واحد وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- بإمكانه ملاحظة الجميع ومراعاة الجميع، أما الآن كل شخص من الأشخاص له ظرفه الخاص، فمن المصلحة يعني تحديد الوقت، لكن لو قدر أن إمام جماعته معروفون، محددون في قرية، في سفرة، لا يشق عليهم التأخير، ما المانع أن يؤخر صلاة العشاء مثلاً؟ هو وقتها لولا المشقة، لكن إذا وجدت المشقة فالسنة التعجيل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر.
"والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس".
والمراد بالغلس اختلاط الظلمة، ظلمة آخر الليل بضوء الصبح فهو أول وقت، أول وقت صلاة الصبح الغلس، أول الفجر، هذا الأصل، لكنه ينصرف منها والرجل يعرف جليسه، والمساجد ليس فيها مصابيح، الآن لا فرق بين الليل والنهار، الله المستعان.(15/13)
ولمسلم من حديث أبي موسى: "فأقام الفجر حين انشق الفجر , يعني حين بزغ، طلع الصبح، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا" كل هذا من الأدلة على أن صلاة الصبح تصلى في أول وقتها، يعني بعد التأكد من طلوع الصبح، وأنتم تسمعون ما يشاع منذ زمن أن التقويم متقدم على الوقت بزمن أوصله بعضهم إلى ثلث ساعة، سمعتم هذا وتسمعون ومازلنا نسمع، ويؤكده كثير من الثقات من طلاب العلم ممن سبروا الأمر بأنفسهم، وكتبوا إلى الإفتاء يعني قبل خمس سنوات، وست سنوات، ومازالوا يكتبون، والشيخ عبد العزيز -رحمه الله- كلف لجنة تراقب طلوع الصبح، وقررت هذه اللجنة أن التقويم مطابق للوقت، وكتب الشيخ رحمت الله عليه في الصحف، ومازال بعض أهل المعرفة من طلاب العلم يؤكدون على أن التقويم متقدم، مع خروج هذه اللجنة، ويقولون: لعل هذه اللجنة خرجت في وقت مثلاً الشتاء، في الشتاء يقولون: الفرق يسير جداً بين التقويم وبين طلوع الفجر الحقيقي وأما في الصيف فهو متقدم كثير.
على كل حال الذي بالإمكان فعله أن تؤخر الإقامة، يعني إذا صار بين الأذان والإقامة مدة نصف ساعة خرجنا من كل خلاف، نعم حتى عند من يقول إن الصلاة أن التقويم متقدم بنصف ساعة، حتى تحل المسألة؛ لأن هذه المسألة من أهم المسائل، يعني تنبغي العناية بها؛ لأن الأذان لصلاة الصبح يترتب عليه لوازم، هؤلاء المعذورون من حضور الجماعة مثلاً من النساء والمرضى مجرد ما يسمعون الآذان يصلون، دخل الوقت؛ لأن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة، ولا يلامون، فينبغي أن ينظر إلى هذه المسألة بعناية، ويتبرع بعض أهل المعرفة والخبرة لسبر هذه المسألة في أوقات متفاوتة من السنة، في فصول متعددة ويكتب إلى المسئولين عن هذا الشأن، ويقرر التقويم ما هو بمعصوم، نعم له أكثر من نصف قرن معمول به، لكن مع ذلك هو نم عمل البشر.
فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا" الحديث مخرج في صحيح مسلم وهو من أدلة من يقول بأن صلاة الصبح السنة فيها أن تصلى في أول وقتها، وهو قول الجمهور، ومذهب الحنفية أن الأفضل الإسفار، الإسفار، ويأتي دليلهم إن شاء الله تعالى.(15/14)
وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نصلي المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليه.
نعم، حديث رافع بن خديج، أبو خديج الخزرجي الأنصاري، يقول: "كنا نصلي المغرب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا يعني من هذه الصلاة صلاة المغرب، وإنه ليبصر مواقع نبله"
النبل: هي السهام في الأماكن التي تقع فيها، هذا دليل على أن صلاة المغرب تصلى في أول وقتها، قبل أن يشتد الظلام، مجرد ما يتأكد من غروب الشمس، السنة أن يبادر بصلاة المغرب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الصلاتين بإمامة جبريل -عليه السلام-، -عليه السلام-، في اليومين، في أول الوقت، فد لعلى أن السنة التبكير بصلاة المغرب، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله والحديث مخرج في الصحيحين فدل على المبادرة بصلاة المغرب، بحيث ينصرف المصلي منها والضوء باق، يعني لم يشتد الظلام بحيث لا يبصر ما دق وخفي، يعني مواقع النبل دقيقة وخفية، فكونها ترى وتبصر دل على أن ما زال النور باق، قبل أن يختلف الظلام، نعم.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة بالعشاء, حتى ذهب عامة الليل, ثم خرج, فصلى, وقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) [رواه مسلم].
عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "أعتم" أعتم، أي: دخل في العتمة، كما يقال: أتهم، وأنجد، وأظلم، وأسفر، دخل في العتمة، أنجد دخل في نجد، أتهم دخل في تهامة، وهكذا، العتمة هي حددت بثلث الليل، ثلث الليل العتمة الظلام وحددت بثلث الليل كما في القاموس بعد غيبوبة الشفق.
أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة بالعشاء, حتى ذهب عامة الليل, عامة الليل، هل هذا يفيد كثير وإلا أكثر؟ كثير وإلا أكثر؟ الشراح يقولون: كثير، لا أكثر، لكي يتفق هذا الحديث مع الأحاديث الأخرى السابقة من تحديث وقت صلاة العشاء بثلث الليل على قول، أو بنصفه على ما سمعنا في حديث عبد الله بن عمرو.(15/15)
إذا قيل: في مسألة ما، وإلى هذا ذهب عامة العلماء، المقصود إيش؟ أكثرهم، يعني إن لم تفد هذه الكلمة الكل فلا أقل من أن تفيد الأكثر، عامة أهل العلم يعني أكثر أهل العلم، يعني الجمهور من أهل العلم، هذا ما تفيده هذه الكلمة، لكن الشراح قالوا: كثير منه، لا أكثره.
حتى ذهب عامة الليل ثم خرج, فصلى, وقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) فدل على أن تأخير صلاة العشاء هو السنة، فإذا انتفت المشقة فالسنة التأخير، وإذا وجدت المشقة فالسنة التعجيل؛ لأن (لولا) حرف امتناع لوجود، امتنع التأخير لوجود المشقة، فامتنع التأخير إلى ذلك الوقت لوجود المشقة، فدل على أن صلاة العشاء يمتد وقتها، وقتها طويل حتى يذهب عامة الليل، والخلاف في وقتها سبق ذكره، وأن للعلماء ثلاثة أقوال في هذه المسألة، منهم من يقول: ثلث الليل، ومنهم من يقول: نصفه، ومنهم من يقول: حتى يطلع الفجر، وعرفنا مما تقدم أن أرجح هذه الأقوال هو ما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو لصحته وصراحته، نعم، وعن أبي هريرة.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة, فإن شدة الحر من فيح جهنم)) [متفق عليه].
وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)) [رواه الخمسة, وصححه الترمذي, وابن حبان].
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)) والمقصود بالصلاة هنا صلاة الظهر، ((فأبردوا بالصلاة)) والعلة في ذلك والسبب منصوص ((فإن شدة الحر من فيح جهنم))؛ لأن النار اشتكت فأذن لها بنفسين: نفس في الصيف، ونفس في الشتاء، فأشد ما يحس به من الحر هو من ذلك النفس، وأشد ما يلاحظ من البرد في الشتاء هو من زمهرير جهنم نسأل الله العافية.(15/16)
((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)) المقصود بالصلاة صلاة الظهر؛ لأنها هي التي تقع في هذا الوقت، وقت شدة الحر، فإن شدة الحر من فيح جهنم، أبردوا بالصلاة، إيش معنى الإبراد؟ هل معناه أننا ننتظر حتى يبرد الوقت؟ نعم، ((أبردوا)) يعني أدخلوا في الوقت البارد، متى يبرد الوقت في الصيف؟ نعم، الآن صلاة العصر تصلى والشمس حية، يعني يحس بحرارتها، حرارة الشمس متى تذهب في الصيف، حرارة الأرض متى تنتهي في الصيف؟ ما تنتهي ولا المغرب.
إيش معنى الإبراد المذكور في الحديث؟
طالب. . . . . . . . .
يعني في آخر لحظة من وقتها، وينتهي الإشكال، يبرد الوقت، نعم؟ يعني كل الجدران فيء يستظل به الناس، يعني إذا كان للجدران فيء يستظل به الناس، من حر الشمس، منهم من يرى أنها تصلى في آخر وقتها، ويكون الحل هنا متى؟ يكمن الحل في خروج الناس مرة واحدة في هذا الوقت الشديد الحر لصلاتين، فتصلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، لكن لا شك أنه إذا كان للجدران فيء يستظل به المشاة هذا لا شك أنه يحل إشكال هذا الحر الناتج من شدة حر الشمس، وليس معنى هذا أننا، شدة الحر من فيح جهنم، أننا ننتظر حتى يبرد الوقت، فإذا لم يبق على غروبها إذا بردت الشمس نطلع نصلي الظهر، لا، ما هو بصحيح، قد يستدل بهذا الحديث بعض من يتساهل في أداء الصلوات وتأخيرها عن أوقاتها، في تأخير الصلوات عن أوقاتها، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا)) إيش معنى نبرد؟ وقت صلاة العصر حر، نؤخر الظهر عن وقت صلاة العصر، وهذا ليس بصحيح، هناك أدلة صحيحة صريحة حددت {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء]، مفروضاً في الأوقات.(15/17)
ومواقيت الصلاة ملاحظة هذه الأوقات شرط لصحة الصلاة، بعض أهل العلم يرى أن الصلاة إذا خرج وقتها لا تقضى، من غير عذر؛ لأن فعلها بعد خروج وقتها كفعلها قبل دخوله، فالمواقيت وأوقات الصلاة من الأهمية بحيث قدمها الإمام مالك على الطهارة، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- افتتح الموطأ بوقوت الصلاة، فقدم الوقوت على الطهارة وهي شرط لصحة الصلاة، فعلينا أن نعتني بهذا الأمر، كثير من الناس وهذا نسأل الله السلامة والعافية من إيثار الدنيا على الآخرة، يركب المنبه على ما يكفيه للخروج إلى الدوام، يضبط الساعة على ست ونصف على شان يتجهز للدوام، والصلاة يقول: الله غفور رحيم، لكن الدوام اللي قفل التوقيع من يفتحه، يا أخي رأس مالك دينك، دينك دينك، لحمك ودمك، هذا رأس المال يعني إذا فرطنا برأس المال إيش يبقى عندنا، نهتم بالدوام ونترك الصلاة نضيع، {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} جزاءهم إيش؟ {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [(59) سورة مريم]، نسأل الله السلامة والعافية.
ليس معنى تضييع الصلوات أنهم لا يصلون، لا، يصلون، لكن يؤخرونها عن أوقاتها، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(4 - 5) سورة الماعون]، كثير من الناس عنده الأولاد من بنين وبنات إذا قيل لهم: أين الأولاد في صلاة الصبح؟ قال: والله برد، مساكين ما يتحملون البرد، لكن هل يتأخرون عن الطابور، ما يمكن، برد ما برد، لو ينزل الثلج والبرد ما تأخر عن الطابور، هذا كله -نسأل الله العافية- من ضعف ورقة الدين، فليس في الحديث مستمسك لمن يؤخر الصلاة عن وقتها؛ لأن مثل هذا الحديث الذي هو في معناه خفاء يرد إلى الأحاديث المحكمة الواضحة، وإلا في معناه إجمال، ((إذا اشتد الحر فأبردوا فإن شدة الحر من فيح جهنم)) فأبردوا بالصلاة بعد الصلاة شامل للظهر والعصر المغرب بعد إذا كانت الإسفلت بعد تنبع منه الحرارة والفيح كذا، تأخر الصلاة وتقول إلى أن نبرد نصف الليل، هذا الكلام ليس بصحيح.(15/18)
الصلاة فرضت في أوقات، إذا صلى الإنسان قبل دخول الوقت فصلاته باطلة، إذا أخرها عن وقتها استحق العقاب المرتب على التأخير، {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [(59) سورة مريم]، وهو واد في جهنم، وويل أيضاً كذلك وادٍ في جهنم {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(4 - 5) سورة الماعون]، فهم مصلون، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} ليس المراد به الذين يتركون الصلاة، لا، فويل للمصلين، فهم يصلون، لكنهم عن صلاتهم ساهون، ومن نعم الله -عز وجل- ومن لطفه بخلقه أنه لم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون؛ لأن السهو كثير، والغفلة كثيرة.
((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة, فإن شدة الحر من فيح جهنم)) جاء في حديث خباب في صحيح مسلم: "شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا" فلم يشكنا: يعني لم يزل شكوانا.
الإبراد: عرفنا أنه ليس معناه تأخير الصلاة عن وقتها، إلى أن يزول الحر من الأرض، لا.
المقصود به التأخير إلى أن يصير للتلول والحيطان فيء يستظل به الذاهب إلى المسجد، وإلا فالشمس ما زالت حية، حرارتها شديدة، والأرض أيضاً حرارتها شديدة؛ لأنهم شكوا حر الرمضاء فلم يشكهم -عليه الصلاة والسلام-.
وهذا يدل على أن الإبراد لا يعني زوال وانتهاء الحر، لا من الجو ولا من الأرض.
رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)) ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)) وفي رواية: ((أسفروا تؤجروا)) فالمقصود بأصبحوا الإسفار، سبقت الإشارة إلى أن الحنفية يرون تأخير صلاة الصبح إلى أن يسفر، والجمهور على أنها تصلى بغلس للأدلة السابقة، والحديث هذا صحيح بطرقه وشواهده، ولم يخرج في الصحيحين.
رواه الخمسة, قال الترمذي عنه: حسن صحيح، والمراد بالخمسة تقدمت الإشارة إليه في دروس سبقت أصحاب السنن الأربعة مع أحمد، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، خامسهم الإمام أحمد، رحمت الله على الجميع، وصححه الترمذي , قال: هذا حديث حسن صحيح وابن حبان أيضاً صححه حيث خرجه في صحيحه.(15/19)
((أصبحوا)) المراد به تحقق طلوع الصبح، أسفر: دخل في الإسفار، أصبح دخل في الصبح، والصلاة صلاة الصبح فإذا تحققنا من طلوع الصبح فإن صلاة الصبح تصلى بمجرد دخول وقتها كما هو السنة، بعض العلماء يقول: معنى أصبحوا بالصبح: أطيلوا صلاة الصبح، حتى تنتهوا وتفرغوا منها بعد أن تسفروا، وهذا المعنى له ما يشهد له من قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالستين إلى المائة، ومنهم من يخص مثل هذا الحديث بالليالي المقمرة، هذا كلام ابن حبان، المراد به الليالي المقمرة، لماذا؟ لأنه لا يتضح أول الفجر في الليالي المقمرة، فمن باب الاحتياط تؤخر الصلاة قليلاً لنتأكد من طلوع الصبح.
الحديث الذي يليه:
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح, ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) [متفق عليه].
ولمسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- نحوه, وقال: ((سجدة)) بدل ((ركعة)). ثم قال: ((والسجدة إنما هي الركعة)).
حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح, ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر))
((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس)) لأن نهاية وقت صلاة الصبح على ما تقدم طلوع الشمس.
الذي لا يدرك ركعة لا يدرك الصبح، فمن أدرك من الصبح قبل طلوع الشمس ركعة فقد أدرك وقت صلاة الصبح، وهل يكتفي بهذه الركعة، أو لا بد من إضافة ركعة أخرى إليها، كما جاء عند البيهقي وغيره.
((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعد أن تطلع فقد أدرك الصبح)) يعني أدرك الصلاة في القوت، وحينئذ تكون صلاته أداء.
من أدرك من صلاة العصر ركعة قبل غروب الشمس وأضاف إليها ثلاث ركعات بعد الغروب أدرك وقت صلاة العصر وصلاته حينئذ تكون أداءً، هذا معنى الحديث.
وعلى هذا، على هذه الرواية أنه لا بد من إدراك ركعة كاملة، ركعة كاملة قبل طلوع الشمس بالنسبة لصلاة الصبح، وركعة كاملة بعد، قبل غروب الشمس بالنسبة لصلاة العصر.(15/20)
بهذا يدرك الوقت بإدراك ركعة، ومفاد هذه الرواية أنها كاملة.
الرواية الأخرى وهي عند مسلم يقول: ولمسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- نحوه, وقال: ((سجدة)) من أدرك سجدة من صلاة الصبح، من أدرك سجدة من صلاة العصر، وبهذا يستدل من يقول بأن الوقت يدرك بإدراك أي جزء من الصلاة يعني لو كبر تكبيرة الإحرام، ثم طلعت الشمس، كبر تكبيرة الإحرام لصلاة العصر ثم غابت الشمس، يكون مدركاً للوقت، لماذا؟ لأن الركعة اللفظ غير مقصود بدليل الرواية الأخرى ((سجدة))، لكن الرواية الأخرى بينت في الصحيح نفسه قال: ((السجدة إنما هي الركعة)) وعلى هذا لا يكون مدركاً للوقت حتى يدرك ركعة كاملة وهي أقل ما يطلق عليه صلاة.
إطلاق الركعة على السجدة والعكس، يعني هل جاء في النصوص ما يدل على أن السجود يطلق ويراد به الركوع، ويطلق الركوع ويراد به السجود، جاء في النصوص ما يدل على ذلك؟ نعم جاء ما يدل على ذلك، {وَخَرَّ راكعاً} [ص: 24]، هذا من؟ داود عليه السلام، {وَخَرَّ راكعاً وأَنَابَ} [ص: 24]، المقصود به خر راكع وإلا ساجد؟ الركعة المراد، الركوع المراد به هنا السجود، {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} [(154) سورة النساء]، المقصود به سجود وإلا ركوع؟ ركوع، فتطلق الركعة والركوع في النصوص ويراد بها السجود، والعكس، وهنا جاء التفسير في الصحيح نفسه ((والسجدة إنما هي الركعة)) وهذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وحينئذ لا كلام، ويحتمل أن يكون من قبل الراوي وهو أدرى بما روى، وعلى هذا لا تدرك الركعة لا يدرك الوقت، لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة كاملة وحينئذ تكون الصلاة كلها أداء، وهذا من فضل الله -عز وجل-، وإن قال بعض أهل العلم أن ما أدركه في الوقت أداء، وما أدركه بعده قضاء، وبعض أهل العلم يرى أن الحكم للأكثر، إذا كانت الصلاة ثنائية أدرك ركعة، أما إذا كانت ثلاثية أو رباعية أدرك ركعة وفاته ركعتان أو ثلاث لا يكون مدركاً للوقت؛ لأن الحكم للأكثر، وحديث الباب يرد عليه، حديث الباب يرد عليه.(15/21)
هذا بالنسبة لإدراك الوقت، ماذا عن إدراك الجماعة؟ وإدراك الجمعة؟، وإدراك تكبيرة الإحرام؟، إدراك الركوع؟ نحتاج إلى الإدراك في هذه المواطن كلها، متى يدرك الوقت؟ بإدراك ركعة، انتهينا من هذا.
متى تدرك الركعة؟ بإدراك الركوع، بإدراك الركوع، متى تدرك الجماعة؟ مقتضى هذا الحديث أن أقل ما يطلق عليه صلاة ركعة كاملة، فلا يكون مدركاً للجماعة إلا إذا أدرك ركعة كاملة، لكن المذهب عند الحنابلة والمشهور عند كثير من أهل العلم أن من كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى فإنه حينئذ يكون مدركاً للجماعة، ولذا في المتون عند الحنابلة يقولون: من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس؛ لأنه أدرك جزء من الصلاة، لكن هل أدرك مع الإمام ما يسمى صلاة؟ هذا الجزء لا يمكن أن يسمى صلاة أقل ما يسمى صلاة الركعة، ولذا يرى شيخ الإسلام أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، والمعروف في المذهب أنها تدرك بإدراك أي جزء، والنووي نقله عن الجمهور سواءً في الوقت أو في الجماعة، نقل النووي عن الجمهور أن الوقت يدرك بإدراك أي جزء من الصلاة، ومثله الجماعة، على هذا لو دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير، دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير هل الأولى أن يدخل مع الجماعة؟ أو يبحث عن غيرهم؟، أو ينتظر عل الله أن يأتي بمن يصلي معه؟، أو يطلب من أحد أن يتصدق عليه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا غلب على ظنه أنه يدرك جماعة أخرى فلا يدخل مع هذا الإمام، ليدرك الجماعة بيقين، وإذا غلب على ظنه أنه لن يدرك جماعة أخرى ولن يأتي بعده من يصافه ويصلي معه فإنه يدخل مع الإمام لا سيما وقد جاء في الحديث: ((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع)) إيش؟ ((كما يصنع الإمام))، يعني يدخل مع الإمام على أي حال، هذا بالنسبة لإدراك الجماعة، وإدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام.(15/22)
ماذا عن إدراك تكبيرة الإحرام؟ متى تفوت تكبيرة الإحرام؟ يعني إذا انتقل إلى ركن آخر، إذا انتقل إلى الركن الذي يليها وهو قراءة الفاتحة، منهم من يقول: أن تكبيرة الإحرام لا تفوت إلا بالفراغ من الركن الثاني، ولذا جاء عن بلال أنه كان يقول إيش؟ بآمين، نعم، لا تسبقني بآمين، فدل على أن وقت التكبير أو فوات تكبيرة الإحرام إنما يفوت بالتأمين وهو نهاية الركن الثاني؛ لأن الركن الأول تكبيرة الإحرام، نعم، والركن الثاني قراءة الفاتحة، يعني على خلاف بين أهل العلم في تكبيرة الإحرام هل هي ركن أو شرط؟ يأتي ذكره إن شاء الله تعالى، والفوائد المترتبة على هذا الخلاف يأتي -إن شاء الله- ذكره.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى- عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.
ولفظ مسلم: ((لا صلاة بعد صلاة الفجر)).
وله عن عقبة بن عامر -رضي الله تعالى- عنه: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن, وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس, وحين تتضيف الشمس للغروب".
والحكم الثاني عند الشافعي -رحمه الله تعالى- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- بسند ضعيف، وزاد: "إلا يوم الجمعة". وكذا لأبي داود: عن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- نحوه.
حديث جبير.
وعن جبير بن مطعم -رضي الله تعالى- عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف, لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو ونهار)) أية، أية، أحسن الله إليك ((لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو ونهار)). رواه الخمسة, وصححه الترمذي, وابن حبان.
فيه يقولون الإخوان: في أسئلة يمكن أن تطرح في أثناء الدرس للتنشيط ما أدري عندك.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، تفضل،
بسم الله الرحمن الرحيم ... عندي بعض التنبيهات:(15/23)
أولاً: جزاكم الله خيراً على الحضور. . . . . . . . . لكن. . . . . . . . . إيقاف السيارات. . . . . . . . . هناك عدة شكاوى من سيارات البعض ... أمر آخر: الجوالات الذي يدخل المسجد يغلقه. . . . . . . . .
الأسئلة سنطرح سؤالين سريعين، وربما نستأذن الشيخ الآن وبعد اليوم إن شاء الله تكون سؤالين أو ثلاثة سريعة في منتصف الدرس.
التاسعة مثلاً.
التاسعة تضبط على الساعة التاسعة وسيكمل الدرس بعدها إن شاء الله.
السؤال الأول: ما معنى الدلوك، وما الذي نقله الشيخ عن الزمخشري في اشتقاق الكلمة؟
اختر يا شيخ؟
اختر، اختر.
طالب:. . . . . . . . .
فيكون معناه ماذا؟ يكون معنى الدلوك ماذا؟
الدلوك هو عدم استطاعة النظر إلى الشمس.
هذا ما نقله الشيخ عن الزمخشري لكن المقصود ما معنى الدلوك؟
الشق الأول من السؤال ما جاء الجواب عليه، هذا سبب التسمية.
أنت ظاهر كلامك أنك فاهم، الدلوك ما معناه أي ساعة؟ هو الغروب؟
الغروب وإلا طلوع الشمس؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وقت الزوال، صح، طيب جبت نصف الإجابة فنطلبك بشيء آخر تكمل إجابتك
هو ما الذي نقله الشيخ عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة -رحمه الله- في معنى العصب؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب جزاك الله خير، من يجيب على السؤال الآخر؟
طالب:. . . . . . . . .
الشيخ ذكر الموضع الذي ذكر فيه محمد بن الحسن رحمه الله ما هو الموضع تذكر؟
الكتاب الكتاب.
. . . . . . . . . سؤال أخير، كل واحد منكم يأتي بعد الدرس يأخذ جائزته.
السؤال الأخير: ما دليل الحنفية على أن الذي ذكره الشيخ -حفظه الله- على أن بداية وقت صلاة العصر حين يصبح ظل كل شيء مثليه، ما دليلهم وما وجه الاستدلال بإيجاز؟
نعم الأخ البعيد هناك. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، حديث الأجير، طيب وجه استدلالهم به، السؤال لك يا أخي نفسك وجه استدلالهم به؟
طالب:. . . . . . . . .
كان الإشكال؟
كيف يكون هذا؟
طالب:. . . . . . . . .(15/24)
لا هو ما بالإشكال في أول الوقت بالنسبة لوقت النصارى من منتصف النهار إلى وقت العصر إلى وقت العصر ووقت المسلمين من وقت العصر إلى غروب الشمس، لكن الإشكال يرد أننا إذا قلنا أن وقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله ما يكون هناك فارق كبير بين وقت الظهر والعصر، والنصارى يقولون: نحن أكثر عملاً فدل على أن وقت الظهر أطول من وقت العصر، في الحديث أنا باسأل سؤال في هذا الحديث، وأنا ما تعرضت له، ما تعرضت له.
بعض الشراح أخذاً من هذا الحديث يقول: عمر هذه الأمة ألف وأربعمائة سنة، ما وجه الاستدلال؟
طالب:. . . . . . . . .
ألفين موسى.
طالب:. . . . . . . . .
ما تجي، ستمائة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وأن اليهود مكثوا نصف النهار وهو يعادل ألفي سنة، والنصارى وقت الظهر وهو ستمائة سنة فيبقى لهذه الأمة ألف وأربعمائة والكلام ما هو بصحيح، الكلام ليس بصحيح.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
هذا نظير من يقول أن الساعة تقوم سنة 1407، 1407، الكلام صحيح وإلا باطل؟ باطل، النصوص كلها ترده، أيضاً الواقع يرده، لكن دليلهم، دليل من يقول أن الساعة تقوم سنة 1407، حجتهم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هم قالوا: إن كلمة بغتة، {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [(187) سورة الأعراف]، هذه الكلمة في حساب الجُّمل 1407، هذا الذي يعرف حساب الجمل وإلا يحتاج إلى سبورة، نعم.
طالب: أبجد هوز
إيه أبجد هوز، لكن الكلام ليس بصحيح، علم الساعة لا يعلمها إلا الله، الخمس المغيبات التي لا يعلمهن إلا الله، منها الساعة، {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان]، ((في خمس لا يعلمهن إلا الله -عز وجل-))، على كل حال كل هذه تخرصات، ويوجد في هذه الأوقات من هذه التخرصات الشيء الكثير، ألفت كتب في هذه التخرصات وحدد سنوات بل أيام استناد إلى بعض الفهوم أو بعض الرؤى كل هذا لا قيمة له؛ لأن العقول والفهوم إذا لم تقيد بالنصوص لا تدرك مثل هذه الأمور إطلاقاً.(15/25)
هل الأخوة مستعدون لمسألة أوقات النهي مع ذوات الأسباب وغيرها أو غير مستعدين أو نشوف الأسئلة إن كان هناك أسئلة؟ نعم.
هذه المسألة يا الإخوان من عضل المسائل إن تيسر، إن تيسر لكم مراجعتها قبل الحضور لكي تكون الأرضية قابلة للطرح؛ لأن هذه المسألة من أعقد المسائل، ويستقبل بها الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى- في وقت النشاط، فإذا تيسر لكم مراجعة هذه المسألة قبل الحضور فهو أكمل وأفضل.
هذا سؤال يقول: حدث حفل زواج لأحد الشباب الذي ظاهره الصلاح وفي الحفل أُتي بكاميرا فيديو وأشغل شريط أناشيد، سؤالي: ما حكم الجلوس في هذا الحفل عند من يرى أن التصوير بالفيديو حرام وهل ينكر عليه، وإذا كان صاحب الحفل يرى أن التصوير لا شيء فيه، وأن بعض أهل العلم يجوزه؟
على كل حال من يرى أنه حرام لا يجوز له المُقام؛ لأنه إنما يعمل بما يعتقد ويدين الله به، كون صاحب الحفل ليس من أهل النظر، بل هو من عامة الناس الذين فرضهم التقليد، واقتدى بإمام تبرأ الذمة بتقليده هذا شأنه، لا أحد يلزمه بقول آخر، لكن المتجه في هذه المسألة أن التصوير بجميع أشكاله وصوره لذوات الأرواح حرام، والله المستعان.
يقول: إذا كان الإمام لا يمكن المأموم من قراءة الفاتحة في الثالثة والرابعة من صلاة العشاء فما العمل معه؟
إذا جاء المأموم وصلى خلف هذا الإمام الذي سمته في صلاته العجلة بحيث لا يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، المأموم لا شك أنه حكمه حكم المسبوق، إذا ركع الإمام عليه أن يركع، ولا يجوز له الركوع القراءة أثناء الركوع؛ لأن بعض الناس من حرصه على الفاتحة؛ لأنها ركن من أركان الصلاة قد يكملها وهو راكع، القراءة أثناء الركوع والسجود حرام، جاء النهي الصريح عن القراءة أثناء الركوع، على كل حال إذا ركع الإمام فاركع، كملت الفاتحة ما كملت اركع، وحكمك حينئذ حكم المسبوق، لكن إذا عرفت من قاعدة هذا الإمام المطردة أنه لا يمكنك من قراءة الفاتحة ابحث عن غيره، لا ينبغي لك أن تبقى مسبوق في عمرك كله، الإمام الذي لا يمكن المأموم من قراءة الفاتحة هذا ينبغي أن ينصح، إن امتثل وإلا يزجر، يبقى المأموم عمره كله مسبوق ما هو بصحيح.(15/26)
يقول: لماذا أغفل الحافظ حديث جبريل وهل هذا دليل على أن الحافظ يضعفه؟
ليس بدليل على أن الحافظ يضعفه بل أورد الحافظ ما هو أضعف منه بكثير، حديث جبريل يقول الإمام البخاري: "هو أصح حديث في المواقيت" ولا إشكال في صحته، لكن حديث عبد الله بن عمرو المخرج في الصحيح أرجح منه، وكون الحافظ لم يذكره لا يدل على أنه ضعفه، ترك من الصحيح الشيء الكثير، وأورد الضعيف، بل أورد الضعيف جداً، بل أورد -رحمه الله تعالى- ما حُكِم بوضعه، وليس بالمعصوم، وقد يورد الحديث للعلم به.
يقول: لو سافر رجل بعد ذهاب الشفق الأحمر وقبل أذان العشاء فهل يقصر الصلاة أم يتمها؟
يعني إذا أدركته الصلاة في الحضر، الصلاة الرباعية أدركته في الحضر، دخل وقتها وهو في الحضر، بعد مغيب الشفق الأحمر يبدأ وقت صلاة العشاء، أُذن للصلاة أو لم يؤذن، وعلى هذا يصليها تامة، يتمها أربع ركعات.
يقول: هل يؤذن للعشاء عند تأخيرها تحرياً للسنة في أول الوقت أو قبل أداءها بوقت يسير يدل على اقتراب الصلاة؟
إذا كان المسجد مسجد قرية يمكن تأخير الأذان فيه، هل يؤذن؟ أولاً: هل الأذان للوقت أو للصلاة؟ يعني الأذان إعلام بدخول الوقت، إذا قلنا هذا، قلنا: من انتبه من نومه بعد خروج الوقت لو قدر لمجموعة مسافرون ناموا عن صلاة الصبح فما أوقظهم إلا حر الشمس، يؤذنون وإلا ما يؤذنون؟ يؤذنون، إذن هل الأذان للصلاة أو للوقت؟ نقول: الأصل أنه للوقت، نعم لكن إذا لم يوجد من يغتر بهذا الأذان كحال سفر مثلاً أو رحلة فإنه يؤذن للصلاة عند قرب فعلها، ولذا يؤذن لصلاة المغرب والعشاء بمزدلفة فور الوصول إليها ولو كان الوصول بعد دخول الوقت بساعة أو ساعتين أو ثلاث، فالأصل أن الأذان إعلام لدخول الوقت، لكنه ارتباط وثيق بأداء الصلاة.
يقول: هل قول أبي برزة: "وكان يقرأ بالستين إلى المائة " هل هو في الركعتين أو الركعة؟
الذي يظهر أنه يقرأ في الصلاة، يعني في الصلاة كلها في الركعتين.
يقول: هل نستطيع أن نجمع بين أقوال العلماء في نهاية وقت صلاة العشاء بحيث نقسمها كصلاة العصر وقت اختيار، ووقت اضطرار؟(15/27)
من يقول بأن وقت صلاة العشاء يمتد إلى طلوع الصبح، يقول: وقت الاضطرار، ينتهي وعلى كل حال تكون أداءً إلى طلوع الفجر، والذي يقول بأن وقتها ينتهي بنهاية نصف الليل الأول يقول: صلاتها بعد منتصف الليل قضاء وليست بأداء.
ما حكم إعطاء السائل داخل المسجد وهل هناك من قال بالكراهة؟
أما بالنسبة للسؤال في المسجد هذا الذي قيل بكراهته، أما إعطائه من غير سؤال ومن غير تعرض لمسألة فلا بأس به وحصل في عصره -عليه الصلاة والسلام- وبحضوره.
يقول: هل أطلب من السائل أن يخرج عند الباب كي يعطيه الناس؟
على كل حال على السائل ألا يسأل؛ لأنه إذا كان ليس له أن يسأل ما فقد منه مما يملكه فليس له أن يسأل ما ليس له أصلاً، لكن لو تعرض للمسألة بحيث جلس في موضع يراه الناس، فلا بأس.
يقول: هل صح عن ابن تيمية القول بأن الخضر ولي لا نبي، وأنه الآن حي؟
الشيخ -رحمة الله عليه- له في المسألة رسالتان: أولاهما تثبت أن الخضر ما زال حياً، والأخرى تنفي حياته، وأنه داخل في حديث: ((ما من نفس منفوسة)) على ظهر الآن ((يأتي عليها مائة عام))، والذين يقولون بأنه ما زال موجود، هذا قول الأكثر، بل يزعم بعضهم أنه التقى به ورآه في عصور مختلفة في الأمة، التقى بالخضر وسأل الخضر. المقصود أن الخضر في القول المحقق وهو القول الأخير لشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أنه مات، وفي نبوته خلاف، هل هو ولي؟ لا شك بأنه ولي، لكن هل هو نبي؟ مسألة خلافية، من يقول بنبوته يستدل بقوله تعالى على لسانه: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [(82) سورة الكهف]، دل على أنه فعل ذلك بوحي.
يقول: من يؤخر صلاة العشاء إلى آخر الليل مع وجود الجماعة في المسجد؟
يؤخر صلاة العشاء إلى آخر الليل أولاً إذا كان ممن تلزمه الجماعة لا يجوز له بحال أن يصلي في بيته، بل الصلاة حيث ينادى بها، وصلاة الجماعة واجبة، يأثم تاركها على القول المرجح، وإن قيل بأنها سنة، وقيل أيضاً بالمقابل شرط لصحة الصلاة، ويأتي بسط هذه المسألة -إن شاء الله تعالى-، فلا يجوز له حينئذ أن يؤخر العشاء ولو إلى ثلث الليل ويترك الجماعة؛ لأنه بفعله هذه السنة يرتكب محظور، يفرط بواجب.(15/28)
يقول: أتيت إلى المطار بعد دخول الوقت، وأخبرني مسئول الرحلة أنه لا وقت لأداء العصر فإن الطائرة ستغلق فركبت الطائرة وأدرت برأسي فقط إلى القبلة وأنا في المقعد وصليت بالإيماء فما حكم صلاتي علماً أني وصلت قبل المغرب بقليل، يقول: أما زوجتي فأعادت الصلاة في وقتها؟
أولاً: المطار في حكم البلد في حكم البلد ولو كان منفصلاً عنه، فالصلاة لا يجوز جمعها مع غيرها، كما أنه لا يجوز قصرها؛ لأنك ما زلت مقيم، لم تتلبس بالعذر المبيح للجمع والقصر، أنت ما زلت مقيم، مطار الدمام في الدمام، ومطار الرياض في الرياض، ولذا إذا وصلت الرحلة ويش يقولون وصلنا إلى إيش؟ وصلنا، وصلنا الرياض، فالأصل أن يصلي الصلاة في وقتها، كونه لم يتمكن من أداءها على الوجه الأكمل عليه أن يتقي الله -سبحانه وتعالى- ما استطاع، إذا كان يترتب على فوات الرحلة ضرر ومشقة وحرج فإنه يصليها حسب استطاعته، زوجته التي أعادت الصلاة لا شك أن فعلها أحوط، لكن إن أمكن أداء الصلاة على وجهها لا يجوز له أن يخل بشيء من أركانها، إن لم يتمكن من أداءها على وجهها يصليها كيفما اتفق في وقتها، أما إذا كان يغلب على ظنه أنه يصل إلى المطار الثاني قبل خروج الوقت ولو تأخر في آخر الوقت فهو أفضل من فعلها مع الخلل في أول الوقت.
يقول: أنا طالب جامعي وقد قدمت من المنطقة الغربية، فهل أعتبر مسافر إذا كنت أنوي العودة إلى بلدي، وهل يحق لي الجمع والقصر أرجو التوضيح؟
جمهور أهل العلم على أن مدة السفر محددة بأربعة أيام، وهذا مأثور عن الصحابة عن ابن عباس وغيره، بأربعة أيام ومنهم من يحددها بأكثر إلى تسعة عشر يوماً، هذا قول جمهور أهل العلم، ويرى شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أنه ما دام يطلق عليه مسافر أن له أن يترخص، والشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- كان يقول بهذا القول، ثم رأى أن قول الجمهور أضبط للناس، وأحوط لهذه العبادة التي هي أعظم العبادات العملية، فعدل عن قول شيخ الإسلام إلى قول الجمهور.
يقول: ما مقدار –بالساعات- من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق؟
هو على كل حال في التقويم ساعة ونصف، ويتفاوت تبعاً لطول الليل وقصره فيصل من ساعة ونصف إلى ساعة وثلث إذا قصر الليل.(15/29)
يقول: ما علاج مشكلة السهو في الصلاة؟
علاج مشكلة السهو في الصلاة التفرغ التام لهذه العبادة، من المشاغل كلها، والتدبر لما يُقرأ في الصلاة، واستحضار النية الخالصة لله -عز وجل-، واستشعار عظمة من وقفت بين يديه، وأهمية هذه العبادة التي تؤديها، والله المستعان.
يقول: نرجو تنبيه الأخوة بإغلاق هواتف الجوال لعدم الإزعاج؟
هذا نبه عليه الشيخ، وأؤكد على أن مسألة الجوال مشغلة يشغل صاحبه، ويشغل جاره هذا إذا كانت، إذا كانت تنبيه عادي، أما إذا كان التنبيه بنغمات موسيقية فأفتت اللجنة الدائمة بتحريم مثل هذه النغمات، والفتوى موجودة موزعة.
يقول: هل يلزم من وجود التصوير بالفيديو في المقابر أن ينصرف قبل الدفن لعدم القدرة على الإنكار خاصة مع وجود علماء لم يتكلموا؟
يعني إذا تسامح الناس في أوقات السعة، في أوقات الفرح، في مثل هذه المسائل المختلف فيها فلا ينبغي أن يصل التساهل إلى المقابر أو في صلاة الاستسقاء مثلاً، هذه مسألة مختلف فيها والخلاف فيها قوي، والنصوص يعني إخراج التصوير بالفيديو من النصوص يحتاج إلى شيء قوي يُعتمد عليه في الإخراج، فمع وجود التشديد، تشديد النكير على التصوير والمصورين ومتخذي الصور يوجد مثل هذا المنكر في المقابر، يعني وصل بنا الحد في التساهل إلى هذا المقدار، يعني يوجد من يتساهل في ارتكاب المحرمات من المسلمين، يوجد حالق اللحية، يوجد المدخن، يوجد المسبل من غير نكير بينهم، يعني في أوقات السعة، في أوقات الرخاء، لكن يوجد من يدخل على شفير القبر؟ توجد آلات التصوير في صلاة الاستسقاء؟ جاءوا ليطلبوا ما عند الله -عز وجل-، وما عند الله لا ينال بسخطه، والله المستعان.
يقول: بالنسبة لنعيم بن حماد هل يقبل تفرده خصوصاً أن كثيراً من المتخرصين استدلوا بأحاديث كتاب الملاحم والفتن؟
الكتاب الملاحم والفتن لنعيم بن حماد فيه الصحيح وفيه الضعيف وهو كثير الضعيف، وفيه شديد الضعف، فكل حديث يحكم عليه على ما يليق به بعد دراسة إسناده والنظر في متنه.(15/30)
يقول ما حكم الحيوانات التي هي ألعاب للأطفال، وإذا كانت حرام كيف نوفق بين ذلك وبين ما كان عند عائشة فرس ذو جناحين، وإذا كان جائز فكيف نوفق بين ذلك وبين تمزيق عائشة للسترة عندما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم دخوله؟
الفرس الذي عند عائشة لو كان من الدقة بالمستوى الموجود في الصور المجمسة الآن هل يمكن أن يسأل عنه فيقال ما هذا يا عائشة؟ الفرس عبارة عن خشبة ممدودة على خشبات، وهذا نظير لعب البنات، جاء في النصوص أن البنات يتخذن اللعب من العِهْن، من الصوف، ويستدل بهذا من يقول بأن الصور الموجودة الآن في الأسواق المجمسة حلال؛ لأن البنات كن يلعبن بمثل هذه الصور، نقول: لا، إيش البنات الموجودة، إيش الصور الموجودة في ذلك الوقت؟ بيَّنها الشراح، الشراح قالوا: هي عبارة عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، هذه لعب البنات، وحشْوها ليف أو صوف من العهن، هل في هذه مضاهاة لخلق الله، يعني هل يقال: هذه يستدل بها على جواز الصور الموجودة في الأسواق التي إن أُضجعت أغمضت العينين، وإن أُقعدت بكت، وإن صُفق لها غنت ودارت، يعني هل هذه مثل هذه؟ يسترسل في الأمر حتى نصل إلى هذا الحد؟ شتان، أي مضاهاة في اللعب الموجودة سابقاً، بينما اللعب الموجودة الآن والتي يُستدل بالقديم عليها بالجواز فتنة، في بعضها من التصوير الدقيق البارع ما يفتن، ووجد منها أحجام اكتفى بها بعض الفساق، وعندي أن مثل هذه الصور هي الصور المجسمة المجمع على تحريمها.
يقول: إمام صلى بجماعة صلاة المغرب ولم يجهر بالفاتحة ثم تذكر وقد قرأ أكثر من نصفها سراً ثم جهر بها من البداية فهل هذه الصلاة صحيحة؟
نعم الصلاة صحيحة، لكن لو بدأ مما وقف عليه هو الأولى؛ لأن الجهر بالقراءة سنة عند جمهور العلماء ما لم يتخذ ديدن وعادة، يبدأ من حيث وقف، قرأ ثلاث آيات يبدأ من الآية الرابعة، كونه أعاد من البداية أهل العلم أيضاً يقولون: بكراهة تكرار الفاتحة، فتكرار بعضها في حكم تكرار كلها.
يقول: الصلاة على الميت في القبر أفضل أو انتظار ذلك حتى يدفن؟
الأصل أن الصلاة على الميت قبل أن يدفن، لكن من فاتته الصلاة قبل الدفن فيشرع له أن يصلي على القبر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الآن الساعة العاشرة لعلنا نكتفي بهذا القدر.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبين(15/31)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (2)
شرح الأحاديث التي وردت في النهي عن الصلاة في أوقات النهي
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقي بعض الأسئلة من البارحة، من أسئلة البارحة، اللي هي أسئلة اليوم في آخر الدرس أو في أثنائه.
هذا يقول: في بلد من البلدان العربية تقام صلاة الجمعة مرتين، الأولى في وقتها المعتاد، والجمعة الثانية قبل دخول صلاة العصر بساعة؟
أولاً: إقامة أكثر من جمعة في مكان واحد المقرر عند أهل العلم أن هذا لا يجوز إلا لحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، حتى قال أهل العلم أنه إذا أقيمت الجمعة ثانية من غير حاجة فالثانية باطلة، لكن نفترض أن هذا مع الحاجة، يقول: الأولى في وقتها المعتاد، وقت صلاة الجمعة عند الجمهور هو وقت صلاة الظهر من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله، وعند الحنابلة أول وقت صلاة الجمعة هو أول وقت صلاة العيد، وآخر وقت صلاة الجمعة هو آخر وقت صلاة الظهر، فوقتها يمتد طويلاً.
هنا يقول: الأولى في وقتها المعتاد.
والخط يظهر أنه من جهة المغرب، وليس بمغربي صرف دون المغربي، إما ليبي أو تونسي هذا الخط، والغالب عليهم أنهم هناك مالكية، وقتها المعتاد عندهم يبدأ من الزوال إلى مصير ظل كل شيء .. مثل صلاة الظهر، كأنه يقول: إن الأمام يدخل بعد زوال الشمس ثم يخطب ثم تصلى الصلاة في غضون نصف ساعة أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل، هذا الوقت المعتاد في كثير من البلدان، هذه الجمعة الأولى، والثانية: قبل دخول صلاة العصر، يعني وقت صلاة العصر بساعة، مادام الوقت فيه سعة، وسعة هذه الأوقات من يسر هذه الشريعة، يعني لا يتيسر للناس كلهم أن يصلوا في أول الوقت، لا يتيسر لجميع الناس أن يصلوا في أول الوقت فكون الوقت ممتد على مدى ساعتين ونصف في الشتاء أو ثلاث ساعات أو قد تزيد هذا من يسر هذه الشريعة، والدين يسر، فإذا كانت الجمعة الثانية الحاجة لها قائمة، والمبرر للتأخير قائم، والتأخير في حدود الوقت فلا أرى ما يمنع من ذلك، والله المستعان.
يقول -هذا سؤال كأنهم مستعجلين عليه شوي-:(16/1)
يقول: يشكل على بعض الإخوة أئمة المساجد الجمع في وقت المطر، بل إن بعضهم قد يجمع من غير حاجة، وذلك لإلحاح الجماعة عليه، أرجو التوضيح والتفصيل؟
ذُكر لي أن اليوم بعض الأئمة جمعوا، والسبب غير قائم، يعني وقت صلاة المغرب فيه مطر؟! نعم، هم يشترطون أن يكون السبب قائماً عند إقامة الثانية، والسبب غير قائم، فمثل هذا لا ينبغي الجمع فيه، نعم إذا وجد السبب، وجد المطر الذي بحيث يشق على الناس، وصحبه برد نعم، النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بالمدينة، جمع بالمدينة في حديث ابن عباس: "من غير خوف ولا مطر" وفي وراية: "من غير خوف ولا سفر" المقصود أن الحرج منفي في الشرع، ولذا لما سئل ابن عباس عن السبب قال: "أراد ألا يحرج أمته" أراد ألا يحرج أمته، فمادام الحرج موجوداً فالسبب قائم، يسوغ حينئذٍ الجمع.
بعض الأئمة -ولا أخاله ممن طلب العلم- يرى أن الجمع مقرون بالقصر فتجده يجمع إذا وجد المطر ويقصر صلاة العشاء هذا جهل، هذا جهل، الجمع أسبابه أكثر من أسباب القصر، القصر مربوط بالسفر، والجمع المسافر يجمع، المريض يجمع، صاحب المشقة الشديدة من كثرة الوضوء كمن به حدث دائم أو استحاضة رخص لهم في أن يجمعوا، المقصود أن الحرج منفي في الشريعة، لكن التساهل أيضاً يعرض الصلاة للبطلان، فينبغي الاحتياط للعبادة، ينبغي الاحتياط للعبادة، فمثل هذا اليوم لا يسوغ الجمع؛ لأن السبب غير قائم أثناء إقامة الصلاة الثانية، وكثير من الناس يجمع تحت ضغط الجماعة كما يقول السائل، ثم بعد ذلك يذهب إلى عمله أو إلى تجارته، أو .. ، هذا لا يبرر له الجمع؛ لأنه إذا خرج إلى متجره أو إلى عمله دل على أنه لا حرج في العود إلى المسجد، والله المستعان، إي نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الإقامة مربوطة بالإمام، فإذا أقام المؤذن من غير إذن الإمام هذا افتئات على حق الإمام، فالإمام أملك بالإقامة هو صاحب الشأن، بينما الأذان مربوط بالمؤذن هو أملك به، لا يتدخل فيه الإمام، وأما الإقامة فهي بيد الإمام، إذا لم يكن هناك مشقة ينصرف ويش المانع؟ يحتاط لنفسه ولدينه.
يقول: شرعت في حفظ عمدة الأحكام -ولله الحمد- إن كان شرعت هل تنصح أن أستمر أو أبدأ بحفظ بلوغ المرام؟(16/2)
لا، استمر؛ لأن أحاديث العمدة أصح، شرط مؤلفها أن تكون أحاديثها من الصحيحين، نعم في البلوغ أحاديث زائدة في غير الصحيحين من السنن، سواءً كانت السنن الأربعة أو البيهقي أو الدارقطني، وغيرها من الكتب يحتاجها طالب العلم، وهي لا توجد في العمدة، فإذا انتهى .. ، فرغ من حفظ العمدة وهي أساس متين لأحاديث الأحكام يشرع بعد ذلك بحفظ البلوغ، ثم بعد ذلك إذا كانت الحافظة تسعف لحفظ الكتب المسندة فذلك المطلوب.
يقول: وهل أحفظهما .. إيش؟ فماذا أحفظ بعده من أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وهل أحفظ مع السند أم لا؟
إذا انتهى طالب العلم من البلوغ حفظاً وفهماً، وقراءة شروح، وسماع أشرطة عليه، وأتقنه، بعد ذلك يشرع بالكتب المسندة الأصلية كالصحيحين والسنن، ومقدماً صحيح البخاري لأهميته، ثم صحيح مسلم، ثم السنن، على الترتيب المعروف عند أهل العلم، ويذكر هنا يقول: وهل أحفظ مع السند؟
إن كانت الحافظة تسعف فالسند حفظه مهم، ومعرفة الرجال شرط أساس لمعرفة صحة الأحاديث وضعفها، فإذا حفظت صحيح البخاري قد تقول: صحيح البخاري ما الداعي لحفظ أسانيده والأحاديث صحيحة؟ نقول: نعم الأحاديث صحيحة لكن معرفة هؤلاء الرجال يريحك كثيراً إذا أردت أن تحفظ في غير الصحيحين.
يقول: نحن في مكان دراسي ووقت الفسحة قصير ولا يمكن الأداء لصلاة الضحى، فهل يجوز لي أداء الصلاة على كرسي الفصل وهو متجه إلى القبلة؟ أيضاً هل يجوز لي الاستمرار على ذلك؟ وما حكم قطع الصلاة مثلاً لسؤال المدرس مثلاً خوفاً من الرياء؟
صلاة الضحى سنة أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الصحابة، فلا ينبغي للمسلم أن يفرط بها، يفرط بها على أي حال، لكن الصلاة مع الخلل في الأركان يقتصر فيها على موارد النص، في صلاة الخوف مثلاً في صلاة النفل في السفر على الراحلة، إما أن يخل بالأركان في غير مورد النص فلا، فلا يصليها وهو في الفصل على الكرسي، لا؛ لأنه لن يتمكن من قيام ولا من ركوع ولا من سجود، والله المستعان.(16/3)
هذا يسأل عن حديث يقول: هل تعلم بماذا حدد الله -عز وجل- الصلوات الخمس في مواعيدها التي نعرفها؟ روي عن علي -رضي الله عنه- قال: "بينما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- جالس بين المهاجرين والأنصار أتى إليه جماعة من اليهود فقالوا له: يا محمد إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الله تعالى لموسى بن عمران لا يعطيها إلا نبياً مرسلاً أو ملكاً مقرباً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سلوا)) فقالوا: يا محمد أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الله على أمتك؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أما صلاة الظهر إذا زالت الشمس يسبح كل شيء لربه، وأما صلاة العصر فإنها الساعة التي أكل فيها آدم -عليه السلام- من الشجرة، وأما صلاة المغرب فإنها الساعة التي تاب الله على آدم -عليه السلام- فيها، فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة محتسباً ثم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه، وأما صلاة العتمة فإنها الصلاة التي صلاها المرسلون قبلي، وأما صلاة الفجر فإن الشمس إذا طلعت تطلع بين قرني الشيطان، ويسجد لها كل كافر من دون الله)) قالوا له: صدقت يا محمد، فما ثواب من صلى؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أما صلاة الظهر فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم)) شوف صلاة الظهر الساعة التي تسعر فيها جهنم، ومعلوم أن صلاة الظهر إنما تكون بعد الزوال، وجهنم إنما تسعر وقت الزوال، اللي هو وقت النهي، وتسعر تسجر يعني ((فما من مؤمن يصلي هذه الصلاة إلا حرم الله عليه لفحات جهنم يوم القيامة، وأما صلاة العصر فإنها الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فما من مؤمن صلى هذه الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ثم تلا قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] وأما صلاة المغرب فإنها الساعة التي تاب .. إلى آخره، هذا الحديث غير صحيح، هذا الحديث ليس بصحيح أمارات الوضع عليه ظاهرة.
نترك الأسئلة بعد، في آخر الوقت، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:(16/4)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.
ولفظ مسلم: ((لا صلاة بعد صلاة الفجر)).
وله عن عقبة بن عامر -رضي الله تعالى عنه-: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن, وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس, وحين تتضيف الشمس للغروب".
والحكم الثاني عند "الشافعي" -رحمه الله تعالى- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- بسند ضعيف، وزاد: "إلا يوم الجمعة" وكذا لأبي داود عن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- نحوه.
وعن جبير بن مطعم -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) رواه الخمسة, وصححه الترمذي وابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث "أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح)) لا صلاة بعد الصبح ((حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه، ولفظ مسلم: ((لا صلاة بعد صلاة الفجر)).(16/5)
الفرق بين الرواية المتفق عليها ورواية مسلم تقييد وقت النهي بطلوع الصبح الرواية المتفق عليها، ورواية مسلم تقييد وقت النهي بصلاة الصبح، وأيضاً جاء في الصحيحين وغيرهما تقييد الوقت الثاني بصلاة العصر، فهل وقت النهي يبدأ من طلوع الصبح إلى طلوع الشمس أو يبدأ من صلاة الصبح إلى طلوع الشمس؟ الرواية الأولى تدل على الأول، والثانية تدل على الثاني، وهذا الاختلاف جعل بعض أهل العلم يجعل أوقات النهي ستة، يجعل أوقات النهي ستة؛ لأنه جاء في حديث صحيح: ((لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتا الفجر)) ركعتا الصبح، فالاستثناء يدل على خفة النهي، فعلى هذا يكون النهي من طلوع الصبح إلى الصلاة هذا وقت، وهو نهي خفيف مخفف، بدليل أنه تجوز فيه النافلة ابتداءً، وعلى هذا إذا دخل أحدكم المسجد وصلى ركعتي الفجر فإنه حينئذٍ لا يصلي غير هاتين الركعتين، وبعض الناس يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يصلي ركعتي الصبح النافلة، فهي من النوافل الراتبة المؤكدة، تسأله يقول: هذه تحية المسجد وهذه راتبة الفجر، نقول: لا، المقصود بتحية المسجد شغل البقعة، شغل الوقت، وتتأدى تحية المسجد بأي صلاة، بأي صلاة، على أن تكون من ركعتين فأكثر ((حتى يصلي ركعتين)).
إذا كان الوقت الأول من طلوع الصبح إلى طلوع الشمس، وأقر النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، استثنى ركعتي الصبح قبلها، وأقر من صلى ركعتي الصبح بعدها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يصلي بعد الصبح فقال له: ((أأصبح أربعاً؟ )) فذكر أنه لم يصلِ الركعتين فأقره على ذلك.(16/6)
وعلى كل حال هو وقت فيه سعة، الوقت الذي يليه من صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب، وهو أيضاً وقت موسع، ولذا قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه راتبة الظهر لما فاتته، وجاء في بعض الأحاديث ما يدل على اختصاصه بهذا، فهو وقت نهي، فراتبة الظهر إذا دخل وقت صلاة العصر نقول: سنة فات وقتها، وقضاؤها بعد صلاة العصر في وقت النهي من خواصه -عليه الصلاة والسلام-، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، هذان الوقتان الموسعان هما ما اشتمل عليه حديث أبي سعيد، واشتمل حديث عقبة بن عامر الذي يليه على الأوقات الثلاثة المضيقة، التي النهي فيها أشد "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن, وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس, وحين تتضيف الشمس للغروب" يعني إلى أن تغرب.(16/7)
قد يقول قائل: لماذا لا نجعل الأوقات ثلاثة بدل ما هي بخمسة أو ستة؟ لماذا لا نجعل الأوقات ثلاثة؟ من طلوع الصبح إلى ارتفاع الشمس وقت واحد، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس ثلاثة، وندخل الاثنين في الثلاثة، يمكن تداخلهم، لماذا قال أهل العلم أنها خمسة؟ هل قصدهم بذلك البسط أو لأن الأحكام تختلف؟ ها يا الإخوان؟ الآن يمكن إدخال الوقتين الذين وردا في حديث أبي سعيد في الأوقات الثلاثة، فتكون الأوقات ثلاثة: من طلوع الصبح إلى ارتفاع الشمس، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، لماذا نقول: خمسة أو ستة؟ لأنه كلما قلت الأقسام وانحصرت القسمة سهل الضبط، فهل هذا البسط في الأقسام مقصود لأهل العلم لذاته؟ يعني هو مجرد تصريح بما هو مجرد توضيح؟ هل هو تصريح بما هو مجرد توضيح؟ أو لأن الأحكام تختلف في الوقتين الموسعين عن الأحكام في الأوقات الثلاثة المضيقة؟ نعم، الأحكام تختلف، في الوقتين الموسعين النهي عن الصلاة فقط، في الأوقات الثلاثة المضيقة النهي عن الصلاة وعن دفن الموتى، وعن دفن الموتى، فدل على أن الأمر أشد في الأوقات المضيقة، في الوقتين الموسعين يرى جمع من أهل العلم أن النهي عن الصلاة فيهما -أعني الوقتين الموسعين- إنما هو من باب النهي عن الوسائل، أو من باب الوسائل، يعني سد للذريعة، لئلا يسترسل الإنسان في الصلاة بعد الصبح ثم يصلي وقت طلوع الشمس، الذي هو النهي المضيق، وقت النهي المضيق، ولئلا يسترسل المصلي المتنفل بعد صلاة العصر ثم يستمر في الصلاة حتى يأتي الوقت المضيق حين تتضيف الشمس للغروب إلى أن تغرب، فالوقتان الموسعان فيهما خفة في النهي، والأوقات الثلاثة المضيقة فيها ضيق وشدة.(16/8)
نستكمل بقية الأحاديث، ونفصل في مسألة التنفل في هذه الأوقات، أما بالنسبة لقضاء الفوائت والفرائض وأداء الفرائض فلا تدخل في النهي، النهي إنما هو عن النوافل فقط، النوافل فقط، والخلاف فيما له سبب وما لا سبب له سيأتي -إن شاء الله تعالى-، لكن الحنفية والأمر عندهم أشد في هذه الأوقات عندهم أن من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس إيش حكمه؟ تبطل صلاته، بينما من صلى ركعة قبل غروب الشمس ثم غابت عليه الشمس تبطل صلاته وإلا ما تبطل؟ ما تبطل، إيش وجه التفريق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم طيب، عرفنا المسألتين؟ شرع في صلاة الصبح ثم صلى ركعة طلعت عليه الشمس دخل وقت النهي تبطل صلاته، شرع في صلاة العصر ثم غربت الشمس عليها تبطل صلاته، وجه الفرق بينهما أنه دخل عليه وقت النهي في صلاة الصبح، وفي صلاة العصر خرج وقت النهي، والحديث السابق: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) هذا الحديث صريح في الرد عليهم، هذا الحديث صريح في الرد عليهم.
هم يقولون: إن الفريضة لا تصح في وقت النهي لا سيما طلوع الشمس، ويستدلون بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما نام عن صلاة الصبح أخر قضاء الصلاة وانتقل من المكان الذي نام فيه، هم يعللون بأنه إنما أخرها لينتهي وقت النهي، لينتهي وقت النهي، والعلة منصوصة في سبب التأخير، وانتقاله من مكان إلى آخر؛ لأن هذا الوادي الذي ناموا فيه حضر فيه الشيطان، فانتقلوا منه إلى غيره لا لكي يخرج وقت النهي، أيضاً وقت النهي قد انتهى، ما الذي أيقظهم؟ أيقظهم حر الشمس، أيقظهم حر الشمس، الشمس إذا صارت لها حرارة يبقى وقت النهي وإلا ارتفع؟ ارتفع قطعاً.
نأتي إلى مسألة أخرى تتعلق بالحديث، إذا نام الإنسان عن الصلاة وهو في مكان، هل نقول له: السنة أن تنتقل عن هذا المكان وتصلي في مكان آخر؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتقل من هذا الوادي إلى مكان آخر وقال: إنه حضر فيه الشيطان؟ نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(16/9)
لسبب حضر فيه الشيطان، الشيطان حضر في هذا المكان الذي فاتت فيه الصلاة، فهل يحضر الشيطان في كل مكان تفوت فيه الصلاة؟ ما يلزم، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أطلع على ذلك، وإلا ما يبقى أحد في بيته، شخص مستأذي من غرفة أو نائم في غرفته نقول: انتقل إلى غرفة أخرى أو ثانية وثالثة، كونه -عليه الصلاة والسلام- أطلع على أن الشيطان حضر في هذا الوادي لا يعني أن كل من فاتته الصلاة يكون الشيطان قد حضره.
يقول: "والحكم الثاني" من حديث أبي هريرة "عند الشافعي" -رحمه الله- في مسنده "من حديث أبي هريرة بسند ضعيف: "إلا يوم الجمعة".
إيش الحكم الثاني؟ الحكم الثاني هاه؟ الحكم الثاني يعني في حديث عقبة، الآن اشتمل حديث عقبة بن عامر على بيان الثلاثة الأوقات المضيقة، والنهي فيها عن أمرين: عن الصلاة وعن دفن الموتى، يعني المتبادر من قوله: الحكم الثاني أنه دفن الموتى، أنه المقصود به دفن الموتى هو الحكم الثاني الذي دل عليه حديث عقبة بن عامر، لكن حديث أبي هريرة الذي أشار إليه عند الإمام الشافعي يدل على أن مراده بالحكم الثاني حين يقوم قائم الظهيرة، يعني الوقت الثاني، يريد بالحكم الثاني الوقت الثاني مما اشتمل عليه حديث عقبة، واستثنى من هذا الوقت حين يقوم قائم الظهيرة الجمعة، وهو حديث ضعيف، وكذا لأبي داود عن أبي قتادة نحوه، يعني استثناء وقت الزوال حين يقوم قائم الظهيرة، حينما تكون الشمس في كبد السماء يوم الجمعة، والعلة أن النار لا تسجر في يوم الجمعة، لكنه أيضاً حديث ضعيف، فهما حديثان ضعيفان، ثبت عن جمع من السلف أنهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة، يصلون نصف النهار يوم الجمعة، فدل على أن للاستثناء في يوم الجمعة أصل، لكن من ترك الصلاة في هذا الوقت وهي مدة ضيقة يعني مقدار ربع ساعة، لا شك أنه أحوط؛ لأن الحديثين الذين أشار لهما المؤلف ضعيفان، وكونه يؤثر عن الصحابة أنهم يصلون في هذا الوقت مع صحة الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهي عن الصلاة حينما يقوم قائم الظهيرة شامل الجمعة وغيرها، فاستثناء الجمعة لا يثبت؛ لأن الحديثين كلاهما ضعيف، وضعفهما شديد.(16/10)
سيأتي من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين)) يعني ركعتي الفجر، في رواية عبد الرزاق على ما سيأتي: ((لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر)) وسيأتي في آخر الباب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر قضاءً، وسيأتي ما فيه.
على كل حال عندنا مسألة أوقات النهي التي ذكرناها، واشتملت عليها هذه الأحاديث، النهي فيها عن الصلاة في جميع الأوقات الخمسة، النهي عن الدفن في الأوقات الثلاثة المضيقة، الفرائض لا تدخل في النهي، النوافل مطلقة متفق على كراهة الصلاة بالنسبة للنوافل المطلقة في هذه الأوقات، يبقى عندنا إذا استثنينا الفرائض، استثنينا النوافل المطلقة -المطلقة في مقابل كونها ذات أسباب- لأنها لا يعني أنها مطلقة تقابل الرواتب؛ لأن النوافل المطلقة تطلق ويراد بها ما يقابل ذوات الأسباب، وتطلق ويراد بها ما يقابل الرواتب.
أنا أريد النفل المطلق الذي ليس له سبب، متفق على كراهة الصلاة من هذا النوع في هذه الأوقات، والنهي صحيح صريح، وجمع من أهل العلم يرون التحريم، التحريم، تحريم التنفل في هذه الأوقات، وهو مقتضى النهي، لكن الجمهور على الكراهة، ولذلك يقولون: إن الأوقات أوقات كراهة وهي أوقات النهي.
ذوات الأسباب منها تحية المسجد، منها سنة الوضوء، منها صلاة ركعتي الإحرام عند من يقول به، سبب، منها ركعتا الطواف، ذوات الأسباب، هل تفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي أو لا تفعل؟ تفعل جزماً، نعم، من دون أي تردد ولا .. ؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(16/11)
فيه خلاف صحيح، الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد، يعني المذاهب الثلاثة، جمهور أهل العلم، الحنفية والمالكية والحنابلة على أنه لا تفعل شيء من النوافل في هذه الأوقات حتى لو كان لها سبب، والشافعية يقولون: تفعل هذه الصلوات ذوات الأٍسباب في أوقات النهي، بم استدل الثلاثة؟ وبم استدل الشافعية؟ ترى المسألة -يا الإخوان- ليست بالسهلة بحيث نقول: تفعل أو لا تفعل من غير نظر دقيق في وجهة نظر أهل العلم، ولكل وجهته؛ لأن هذه المسألة من عضل المسائل، هل تعلمون أن من أهل العلم من يقول: لا تدخل المسجد في وقت النهي؛ لأنك إن صليت حرج، إن صليت خالفت أحاديث النهي، إن تركت وجلست خالفت أحاديث الأمر ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يقول: لا تدخل في هذا الوقت، ومن أهل العلم من يقول: لا تجلس إن دخلت، تستمر واقف، حتى يخرج وقت النهي، وعمر -رضي الله عنه- طاف بعد الصبح كما في البخاري معلقاً عنه طاف بعد صلاة الصبح صلى ركعتي الطواف، صلاهما بذي طوى، في الزاهر صلاهما، من أجل إيش؟ من أجل أن يخرج وقت النهي، ترجم الإمام البخاري: باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وذكر الشارح ابن حجر أحاديث تدل على أنهم ما يطوفون بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر خشيةً من الصلاة وإلا الطواف ما فيه إشكال، حتى ذكر عن أبي الزبير أن المطاف يخلو تماماً بعد صلاة الصبح وبعد العصر.
أقول: المسألة ليست سهلة يدخل الإنسان قبل أذان المغرب بخمس دقائق ويصلي ركعتين وهو مرتاح، لا المسألة مشكلة يعني، عمر -رضي الله عنه- طاف بعد الصبح وصلى الركعتين بذي طوى.
البخاري -رحمه الله تعالى- ذكر هذا الأثر عن عمر، وذكر عن ابن عمر أنه كان يصلي ما لم تطلع الشمس، يصلي ما لم تطلع الشمس، إيش معنى هذا الكلام؟ يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس، معناه أنه يصليها في الوقت الموسع دون المضيق، يصليهما في الوقت الموسع دون المضيق، وعمر -رضي الله عنه- انتظر حتى خرج وقت النهي، في المسند بإسناد حسن عن جابر يقول: "ما كنا نطوف بعد الصبح وبعد العصر" حسن ابن حجر إسناده.(16/12)
أنا أقول: أقدم بهذا لئلا نتعجل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- رجح مذهب الشافعية والناس وراء شيخ الإسلام، وهو أهل لأن يقلد، تبرأ الذمة بتقليده، لكن يبقى أن الأئمة الآخرين ما تهدر أقوالهم، نأتي إلى حجج الفريقين، عرفنا أحاديث النهي وأحاديث ذوات الأسباب، ودعونا نجعل الرمز لأحاديث ذوات الأسباب ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) نهي عن الجلوس مفاده أمر بالصلاة، نعم إذا نهينا عن الجلوس حتى نصلي معناه أمر لنا بالصلاة.(16/13)
ماذا يقول الثلاثة؟ أولاً: حجة الشافعية التي درج عليها الناس، وسمعناها، ورددت كثيراً أن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة والخاص مقدم على العام صح وإلا لا؟ ما هم يقولون كذا؟ يقولون: أحاديث النهي عامة، عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، الخاص مقدم على العام، وهل مثل هذا الكلام يخفى على الأئمة الثلاثة؟ ما يمكن أن يخفى، ماذا يقولون؟ يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ أيهما أولى بالقبول، يعني إذا قال الشافعي ومن يقلد الشافعي: إن أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، أحاديث النهي تتناول جميع الصلوات، أحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات التي لها سبب، ربطت بسبب، والخاص مقدم على العام، إذا قالوا مثل هذا الكلام يقول الطرف المقابل -وهم الجمهور- ماذا يقولون؟ يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، إذا دخل أحدكم المسجد الضحى، الظهر، العصر، المغرب، العشاء في أي ساعة، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين هذا عام في الأوقات كلها، لكن أحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، الآن عندنا تكافؤ في الحجة، في تكافؤ وإلا ما في تكافؤ؟ هل نقول: الخاص مقدم على العام بإطلاق؟ نقول مثل هذا إذا كان العموم والخصوص مطلق، إذا كان العموم والخصوص مطلق، أما إذا كان العموم والخصوص وجهياً كما هنا، فلا نستطيع أن نقول مثل هذا الكلام؛ لأن عندنا تكافؤ في الاستدلال؛ لأن العموم والخصوص وجهي، أحاديث النهي فيها عامة من وجه خاصة من وجه، وأحاديث ذوات الأسباب عامة من وجه خاصة من وجه، فالعموم والخصوص وجهي وليس بمطلق.(16/14)
نأتي بمثال يوضح مثل هذا الكلام من السنة: ثبت النهي عن قتل النساء، ثبت النهي عن قتل النساء، وثبت الأمر بقتل المرتد ((من بدل دينه فاقتلوه)) ((من بدل دينه فاقتلوه)) (من) من صيغ العموم يشمل الرجال والنساء، فهو عام من هذا الوجه، عام لشموله الرجال والنساء وخاص بالمرتدين، النهي عن قتل النساء خاص في النساء، لكنه شامل للمرتدات والكوافر الأصليات، واضح وإلا ما هو بواضح؟ عموم وخصوص وجهي، يعني إذا قال: تقتل المرتدة، نعم، تقتل المرتدة لعموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) قال القائل: نهى عن قتل النساء، وإذا قال: لا تقتل المرأة للنهي عن قتل النساء جاء الطرف الآخر يقول: ((من بدل دينه فاقتلوه)) تدخل المرأة، فالحجج متكافئة، الحجج متكافئة، وحينئذٍ نطلب مرجحاً خارجياً، نطلب مرجح خارجي، عموم حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) هل هو مخصوص بشيء؟ هل دخله تخصيص؟ هل يوجد مرتد لا يقتل؟ محفوظ العموم هنا، لكن النهي عن قتل النساء عمومه محفوظ وإلا غير محفوظ؟ غير محفوظ؛ لأنه دخله مخصصات كثيرة، إذا قتلت المرأة لا تقتل؟ تقتل، نعم إذا زنت وهي محصنة تقتل وإلا ما تقتل؟ ترجم، إذن العموم غير محفوظ، وعموم ذاك محفوظ، فعلى هذا تقتل المرتدة، وكيف رجحنا؟ طلبنا مرجح خارجي.(16/15)
في أحاديث النهي مع ذوات الأسباب نبحث عن مرجح خارجي، الجمهور الذين يقولون بأن ذوات الأسباب لا تفعل في أوقات النهي قالوا: الحضر مقدم على الإباحة، المنع ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)) والاستطاعة القدرة قد يكون المانع منها حقيقياً، وقد يكون المانع منها حكمياً، فإذا منعت من الصلاة في هذا الوقت فأنت مستطيع وإلا ما أنت مستطيع؟ أنت ما أنت مستطيع إذا منعت ولو كنت مأموراً ((فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) والمنهي والممنوع من الصلاة في هذا الوقت غير مستطيع، غير مستطيع حقيقة وإلا حكماً؟ حكماً ((وإذا نهيتكم عن شيء)) في مثنوية في تساهل؟ ((فاجتنبوه)) ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) أمرتنا بأن نصلي إذا دخلنا المسجد لكن نهيتنا عن الصلاة في بعض الأوقات، إذن لا نستطيع أن نصلي ((أتوا منه ما استطعتم)) ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) هذه وجهة نظر من يقول: الحظر مقدم على الإباحة، وعلى هذا نمتنع من الصلوات في هذه الأوقات، وهي حجة كما ترون قوية.(16/16)
شيخ الإسلام رأيه بالنسبة للأوامر والنواهي ارتكاب النواهي والمحظورات أسهل عند شيخ الإسلام من ترك المأمورات -رحمه الله-، ارتكاب المحظورات أسهل عنده من ترك المأمورات، بدليل أن معصية آدم ارتكاب محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، أيهما أعظم؟ معصية إبليس، فكونك تترك المأمور أعظم عند شيخ الإسلام من أن تفعل المحظور، لكن حتى هذا الكلام وإن كان شيخ الإسلام يقوله ويقرره إلا أن شيخ الإسلام لا ينازع في أن المأمورات تتفاوت والمحظورات تتفاوت، أنت مأمور بالصلاة مع الجماعة، مأمور بالصلاة مع الجماعة، إذن يلزمك أن تذهب إلى المسجد حيث ينادى بها، لو قدر أن في طريقك إلى المسجد شباب يلعبون ولا تستطيع أن تغير هذا المنكر، هل تقول: أترك المأمور اللي هو الصلاة مع الجماعة لوجود المنكر في طريقي الذي لا أستطيع تغييره؟ نعم، لكن لو كان في طريقك إلى المسجد بغي وعندها ظالم لا بد من أن تقع عليها نقول: لا بد أن تذهب إلى الجماعة لأنه مأمور وهذا محظور؟ يمكن يقول شيخ الإسلام مثل هذا الكلام؟ ما يمكن يقول شيخ الإسلام بهذا الكلام، فالمأمورات تتفاوت والمحظورات تتفاوت، فإذا أطلق مثل هذا الكلام لا بد من تقييده.
عرفنا وجهة نظر الجمهور أن الحضر مقدم على الإباحة، وجهة نظر الشافعية ومن يقول بقولهم، وهي أيضاً فيها قوة، يقولون: مثل ما نظرنا بالمرتدات العموم المحفوظ أقوى من العموم المخصوص، العموم المحفوظ أقوى من العموم المخصوص، عموم ذوات الأسباب ماذا دخله من المخصصات، لم يدخله إلا أحاديث النهي في غيرها وإلا ما في؟ ((إذا دخل أحدكم المسجد)) هل هناك ما يخص هذا العموم غير النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة؟ لكن أحاديث النهي، عموم أحاديث النهي مخصوص بالفرائض، نعم، مخصوص بركعتي الطواف على ما سيأتي، منصوص عليها، مخصوص بجميع ذوات الأسباب فدخله من المخصصات أكثر مما دخل عموم ذوات الأسباب من المخصصات، وكلما كثرت المخصصات ضعف العموم، ضعف العموم.(16/17)
لو أن شخصاً من الناس قال لأولاده: لا يخرج أحد من صلاة العصر إلى صلاة العشاء، وبالفعل طبق بحزم، هل هذا النهي -عموم هذا النهي- بهذه القوة يساوي ما لو قال: لا يخرج أحد، ثم جاء واحد من أولاده أريد شيء يسير من البقالة وأرجع، قال: روح وارجع بسرعة، جاء ثاني وكذلك، البقية منعهم، أيهما أقوى؟ الأول الذي لا يدخله خصوص أصلاً، لا شك أن العموم المحفوظ أقوى من العموم الذي دخله مخصصات، وكلما كثرت المخصصات يضعف العموم، ولذا الاستثناءات من الأنظمة تضعفها، كثرة الاستثناءات من الأنظمة تضعفها، هذا أمر معروف عند الإداريين وغيرهم، وكل من يعاني هذه الأمور.
عرفنا وجهة نظر الجمهور، ووجهة نظر الشافعية، وبعد هذا ماذا نقول لمن دخل المسجد في وقت نهي يصلي وإلا ما يصلي؟ نعم، أولاً: مسألة الإنكار على من صلى مع قوة وجهة نظر الشافعية ما هو بوارد، والإنكار على من جلس مع قوة وجهة نظر الجمهور ليس بوارد.
يبقى ماذا يصنع الإنسان؟ إذا دخل في الوقتين الموسعين فالأمر أخف، الأمر أخف؛ لأن من أهل العلم من قال: إن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من باب منع الوسائل والنهي ليس لذات الوقت؛ لئلا يسترسل المصلي فيصلي في الوقت المضيق، ولذا ذكر البخاري عن ابن عمر أنه كان يصلي بعد الصبح، يعني ركعتي الطواف، ما لم تطلع الشمس، فدل على أنه لا يصلي في الوقت المضيق، ويصلي في الوقت الموسع، وعلى هذا نقول: الأوقات المضيقة مدتها محدودة، والنهي فيها شديد، والنهي فيها لذاتها لا لغيرها، الأولى ألا يصلي الإنسان في الأوقات الثلاثة، ينتظر حتى يخرج وقت النهي، أما في الوقتين الموسعين فالأمر فيه سعة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ها يا الإخوان يحتاج إعادة وإلا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش نعيد؟ الكلام الأخير؟
طالب:. . . . . . . . .(16/18)
أقول: بعدما سمعنا حجج الفريقين، والمسألة كما قدمت وأسلفت ليست من المسائل السهلة التي يتطاول عليها آحاد الطلبة فينكر على غيره إذا صلى أو جلس، أولاً: جماهير أهل العلم يرون أن تحية المسجد ليست بواجبة، بل هي مستحبة، كما أن الجمهور أيضاً يرون أن النهي للكراهة وليس للتحريم، وقيل بالتحريم وقيل بالوجوب، وجوب صلاة التحية، فالمسائل متوازنة وأشكالها كبير، فالمسألة من عضل المسائل، وتجد آحاد الطلبة إذا سئل .. ، والسبب معروف، السبب معروف، يعني كان البلد مقيد بمذهب، أو متقيد بمذهب معين، ثم جاءت مسألة الثورة على التقليد، وحث الناس على الاجتهاد من غير قيد ولا شرط، والبلد معتمد على مذهب الإمام أحمد، وهم لا يصلون في أوقات النهي، ثم جاءت مسألة محاربة التقليد، وكان من المسائل التي حصلت فيها الشرشرة هذه المسألة، فعلى طالب العلم أن لا يندفع لا إثبات ولا نفي إلا بالدليل، ما ينساق وراء دعاوى، إنما يثبت ويدين الله بالدليل، مع احترامه للأئمة وأهل العلم.(16/19)
فالخلاصة أن الوقتين الموسعين على ما قرره ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن النهي عن الصلاة فيهما من باب منع الوسائل، والأوقات الثلاثة المضيقة المربوطة بالشمس، طلوعاً وغروباً وزوالاً كونها حينما يقوم قائم الظهيرة، يعني كونها في كبد السماء، إذ الأمر فيها أشد، وقد نهي عن الدفن فضلاً عن الصلاة، وإن كان جمع غفير من أهل العلم يرون أن نقبر فيهن موتانا يعني لا نصلي صلاة الجنازة، لا نصلي صلاة الجنازة، فإذا دخل أحد المسجد في الوقتين الموسعين لا بأس أن يصلي، الأمر فيه سعة، ما دامت الشمس بيضاء نقية لك أن تصلي، ودخل النهي استثناءات ((إلا ركعتي الفجر)) أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى بعد الصبح راتبة الصبح، فيضعف عموم النهي، وقضى -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر بعد صلاة العصر، أما في الأوقات الثلاثة المضيقة التي النهي فيها لذاتها فينبغي للإنسان أن لا يصلي، لكن لو صلى يثرب عليه مع قوة حجة الشافعية؟ لا يثرب عليه، وهي أوقات النهي فيها شديد، ومدتها محدودة، لو انتظر الإنسان، وعرفنا أن من أهل العلم من يقول: لا تدخل المسجد في هذا الوقت، ومنهم من يقول: تستمر واقف لا تجلس، وتعرفون مذهب الظاهرية يقولون: إذا دخلت المسجد في وقت النهي اضطجع، تصير ما جلست، ما خالفت لا أحاديث النهي ولا أحاديث النهي عن الجلوس، تضطجع، فلا يصدق أنك جلست، نعم؟
لا والحرم على وجه الخصوص سيأتينا حديث: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) فالأمر يخف في المسجد الحرام، نعم يخف، المقصود أننا انتهينا من هذه المسألة، إذا كان أحد عنده إشكال وإلا يبي يستفصل وإلا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(16/20)
إيه، هو وقت نهي على كل حال، كونه وقت نهي وقت نهي، لكن هل مثل هذه الصلاة تصلى؟ يعني قضاء الرواتب تصلى في أوقات النهي؟ في الوقتين الموسعين الأمر فيه سعة، مثل ما ذكرنا، النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر، وسيأتي أن هذا .. ، قول من قال: إن هذا من خواصه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته، وأقر من صلى، واستثنى ركعتي الصبح من النهي قبل صلاة الصبح، وإلا ما قبل صلاة الصبح بعد طلوع الصبح وقت نهي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سيأتي، سيأتي الحديث -إن شاء الله تعالى-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه؟ أيه؟ ركعتي الطواف؟
طالب:. . . . . . . . .
تصلي في وقت النهي مهما كانت شدة النهي، الصلوات المفروضة قضاء الفوائت هذا ما يدخل في النهي أصلاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما يلزم، ما دام مفروضة صليها ((فليصليها إذا ذكرها)) مربوطة بوقتها.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه أدلة، فيه من دخل، الثلاثة الذين دخلوا، والذي أوى إلى حلقة وأواه الله هذا ما حفظ عنه أنه صلى، نعم في أدلة، في صوارف معروفة، نعم، سم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان يشق عليك الذهاب إلى المسجد صلوا في رحالكم، صلِ في البيت، إذا كان يشق عليك، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الجمعة؟. . . . . . . . . عن بعض الصحابة ثابت أنهم كانوا يصلون في وقت النهي يوم الجمعة، وهو جالس في المسجد؟
طالب:. . . . . . . . .
داخل، أقول: إذا ضاق الوقت لا يصلي، إذا ضاق الوقت لا تصلي، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كلها ما تزيد على ربع ساعة، يعني وقت الصيف إذا زاد النهار زادت قليل.
هذا يقول: نخشى من عاقبة فتح باب السؤالات الشفوية.
هو صحيح ما دام فتح الباب ما انتهى، لكن أنا أريد أن نتأكد أننا فهمنا مسألة التعارض بين ذوات الأسباب وبين أحاديث النهي؛ لأنها مسألة مشكلة حقيقة هي في غاية الإشكال، وهي من عضل المسائل، ليست من السهولة بحيث يقول آحاد الطلبة: إيش .. ؟ لأن بعضهم يتنقص أهل العلم، يتنقص أهل العلم، ويرمي من يترك الصلاة في أوقات النهي بالتعصب والتقليد، ما هو بصحيح، نعم.(16/21)
طالب:. . . . . . . . .
الأوقات الموسعة من طلوع الصبح إلى طلوع الشمس، ومن صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب.
الأوقات الثلاثة المضيقة التي جاء ذكرها في حديث عقبة من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس, وحين تتضيف الشمس للغروب إلى أن تغرب، هذه أوقات مضيقة.
عندكم أسئلة؟ أسئلتكم؟
طالب:. . . . . . . . .
اسأل، اسأل، الساعة تسعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال الأول:. . . . . . . . . الأوقات الموسعة والمضيقة وعدد كل منها. . . . . . . . .؟
سم.
لو وقفت يقول.
السؤال الثاني:. . . . . . . . . ما الذي رجحه الشيخ لمن يدخل إلى المسجد في وقت النهي، ترجيح الشيخ. . . . . . . . .؟
إذا دخل في الأوقات الموسعة. . . . . . . . . النهي ليس. . . . . . . . . إنما سد ذريعة. . . . . . . . .؟
إيش رأيكم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو اللي يتعلق بالدرس مهم.
هذا يقول: لو أن شخصاً أوقع ركعة أو أكثر من صلاته قبل دخول الوقت، وبقية الركعات بعد دخول الوقت؟
لو كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت صلاته لا تصح؛ لأن العبرة بالحال، وليست بالمآل، يعني لو كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت هذا على القول بأن تكبيرة الإحرام ركن أما على القول بأن تكبيرة الإحرام شرط، فلو افترضنا -وهذا بعيد- أن شخصاً قال: الله أكبر خارج الوقت قبل دخول الوقت ثم دخل الوقت مع نهاية التكبير على القول بأن تكبيرة الإحرام شرط ما شي، قريب من هذا لو أن شخصاً أحرم بالعمرة في آخر لحظة من شعبان، ثم أدى العمرة كاملة بطوافها وسعيها وحلقها كلها في رمضان، بعد إعلان دخول الشهر، عمرته رمضانية وإلا شعبانية؟ نعم عمرته في شعبان وليست في رمضان؛ لأن العبرة بالحال، لو أحرم بالعمرة في آخر لحظة من رمضان وأدى العمرة .. ، أخر أداء العمرة إلى منتصف شوال، ثم حج جلس وحج في نفس العام يكون متمتع وإلا غير متمتع؟
طالب:. . . . . . . . .
غير متمتع؛ لأنه ما أحرم بالعمرة في أشهر الحج.
يقول: أشكل علي بالأمس كيف يدرك المأموم تكبيرة الإحرام؟ وكيف تفوته؟
إذا شرع الإمام بقراءة الفاتحة فاتت تكبيرة الإحرام.(16/22)
يقول: بعض أئمة المساجد يبدءون الخطبة الساعة إحدى عشر ونصف، وبعضهم اثنا عشر تماماً، والآخر اثنا عشر وربع فما ... ؟
على كل حال عند من يقول بأن وقت صلاة الجمعة يبدأ قبل الزوال على ما يقوله الحنابلة ما في مشكلة لو يبدأ عشر عندهم، لكن الجمهور على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، إنما يبدأ بعد الزوال، فعلى هذا لا ينبغي للإمام أن يدخل إلا بعد الزوال، لكن لو خطب قبل الزوال وأدى الصلاة بعد الزوال فلا بأس.
يقول: بعض الأئمة يؤخر صلاة العصر مراعاة لحال الموظفين بحيث يكون بين الأذان والإقامة أربعين دقيقة تقريباً أحياناً، وبعضهم يؤخرون صلاة الفجر أربعين أو خمسة وأربعين دقيقة، وبعضهم صلاة العشاء، فأيها مشروع؟ وأيها منهي عنه؟ خاصة أن بعض الناس يتأخر عن صلاة الفجر؟
عرفنا أوقات الصلوات بدايةً ونهاية، وعرفنا ما يستحب تقديمه من الصلوات وما يستحب تأخيره، وهذا هو الأصل، لكن لو طرأ ما يجعل المفضول فاضل، النبي -عليه الصلاة والسلام- يراعي أحوال المأمومين، إذا رآهم عجلوا، اجتمعوا عجل، إذا رآهم تأخروا تأخر، فإذا كان يشق على المأمومين التعجيل عليهم، وهم محصورون، يعني هؤلاء كلهم يشق عليهم، لكن إذا كان بعضهم يشق عليه، وبعضهم يشق عليه التأخير؟ نعتمد السنة، الصلوات التي يستحب تعجيلها تعجل، هذا إذا كان بعض المأمومين يشق عليه التعجيل، وبعضهم يشق عليه التأخير نعتمد ما جاء في السنة، أما إذا كانت المشقة تلحق الجميع في التعجيل وأخروا في أثناء الوقت فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يلاحظ أحوال المأمومين.
يقول: ما المشروع للمرأة في أوقات الصلاة هل تؤخر صلاة الظهر؟ يعني مع شدة الحر -شدة الحر من فيح جهنم- والعشاء أم تبادر؟(16/23)
أما العشاء فإذا أخرتها فهو وقتها على ألا تؤخرها حتى يخرج الوقت، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بهم أخر صلاة العشاء يوماً قال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) والمرأة إذا لم يكن عليها مشقة في تأخير صلاة العشاء تؤخر، وهو وقتها، لكن إن كان أداؤها للصلاة في أول وقتها أنشط لها؛ لأن الإنسان يلاحظ عليه لا سيما المنفرد كل ما يزيد عليه التأخر يزيد عليه الفتور، فإذا كان أداؤها في أول وقتها أنشط لها، وتأتي إلى الصلاة وهي راغبة، فينبغي أن تقدم في أول الوقت.
يقول: من فاتته ركعتا سنة الفجر فهل من الأفضل أن يقضيها بعد الصلاة قبل الإشراق؟ يعني قبل طلوع الشمس؟
هو مخير إن قضاها بعد الصلاة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من صلاهما بعد الصلاة، وإن انتظر حتى يزول وقت النهي وصلاهما قبل صلاة الضحى فالأمر فيه سعة.
يقول: هل من السنة تأخير صلاة العشاء حتى للنساء خصوصاً وأنهن يأتهن ما لا يأتي الرجال من حيض وغيره؟
المرأة إذا خشيت من العذر يعني كان وقت مجيء الدورة في الساعة الثامنة مثلاً، وأذن لصلاة العشاء السابعة والنصف نقول: بادري، بادري بالصلاة خشية أن يأتي العذر وأنت لم تصلي، فلا تبقى ديناً في ذمتك.
يقول: في حديث عبد الله بن عمرو ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بوقت الظهر، هل هذا يدل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب حيث أن كل صلاة يجوز لها أن تكون صلاة وسطى، وعدد الصلوات خمس كما تعلمون؟(16/24)
الأكثر، تعرفون المسألة خلافية في الصلاة الوسطى {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] لكن المرجح عند أهل العلم أنها العصر، أنها العصر، من أهل العلم من يقول: إنها المغرب؛ لأنها بالنسبة للعدد، إذا قلنا: الظهر الأولى، والعصر الثانية، والعشاء الرابعة، والفجر الخامسة تكون المغرب هي الوسطى، وهي أيضاً متوسطة في عدد الركعات، يعني ليست ثنائية ولا رباعية ثلاثية، فبعض أهل العلم يرى أن الوسطى هي المغرب، والأقوال في هذه المسألة تقرب من عشرين قولاً، في الصلاة الوسطى، قد تعجبون من كثرة هذه الأقوال، لكن من راجع الشروح المبسوطة المطولة يجد، إذا كان ليلة القدر والشهر كله ثلاثين يوم على أقصى حد، فيها ما يقرب من خمسين قولاً.
إذا قال الرجل لزوجته: هي عليه حرام فذكر بعض أهل العلم في المسألة ثمانية عشر قولاً، المقصود أن الصلاة الوسطى المرجح عند أهل العلم أنها صلاة العصر.
السؤال يقول: هل يجوز للمسافر إذا قدم إلى بلده وقت الظهر وهو متعب أن يجمع بين صلاة الظهر وصلى العصر جمع تقديم، والعلة أنه يخشى أنه لو نام بعد صلاة الظهر أنه لن يستيقظ إلا وقت صلاة المغرب؟
على كل حال ليس له أن يجمع وهو في بلده، ليس له أن يجمع، يصلي الظهر ويعمل الاحتياطات لصلاة العصر، يعمل الاحتياطات، ولو قدر أنه نام وما انتبه إلا في آخر وقت صلاة العصر أحسن من الجمع.
يقول: أتيت وأنا مسافر ودخلت مع الإمام في صلاته للعشاء، وأنا أريد المغرب في الركعة الثانية بالنسبة للإمام -ما هو بواضح- بالنسبة للإمام، فأصبحت صلاتي ركعة -إيش يقول؟ - وجلوس التشهد مع الإمام ثم السلام، فهل أعيد صلاتي؟
يعني مفاده لو أن شخصاً يريد أن يصلي المغرب، ودخل مع إمام يصلي العشاء وفاتته ركعة، ويدرك مع الإمام ثلاث ركعات، فتصير صلاة مغرب مقلوبة، نعم، الركعة الرابعة بالنسبة له زائدة، لا يدرك بها شيء، فعليه أن يجلس، عليه أن يجلس في الرابعة لأنه لا يدرك بها شيء، ثم يأتي بما فاته.
هذه أسئلة كثيرة، خمسة أسئلة أو ستة، كم الساعة؟
يقول: هل وقت النهي في صلاة الفجر يبدأ من دخول الوقت أو من بعد صلاة الفجر؟(16/25)
هو من دخول وقت الفجر من طلوع الصبح؛ لأنه جاء ما يدل على ذلك من الأدلة الصحيحة، وكونه جاء ما يدل على أنه من صلاة الصبح لا ينفي أن يكون ما قبله أيضاً وقت نهي.
ما حكم دفن الموتى في أوقات النهي؟
حديث عقبة صريح في النهي عن الدفن، وإن حمله كثير من أهل العلم على الصلاة، وأشار إليه الترمذي في جامعه.
ما حكم الإبراد؟ وهل هو واجب كما هو مقتضى الأمر الصريح الوارد في الحديث؟
الإبراد علته معقولة، فالنهي عن الصلاة في شدة الحر لأنه يذهب الخشوع، لأنه يذهب الخشوع، والخشوع عند الجمهور سنة، وقال بعضهم بوجوبه، فيذهب الخشوع، فإذا تصور أنهم في مكان مهيأ وبارد، والخشوع لا يذهب بالصلاة في أول الوقت فالكراهة متجة لمخالفة الأمر ((أبردوا)) ولا يصل إلى حد التحريم، لكن لو قدر أنه يصلي في وقت شديد الحرارة بحيث لا يتمكن من أداء الصلاة على الوجه المطلوب لا يبعد أن يقال: أن الأمر للوجوب.
شدة الحر من فيح جهنم، إذ أذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهل يكون الإبراد لا يكون إلا في يومين في السنة؟ هل الإبراد لا يكون إلا في يومين في السنة؟ أشد ما تجدون من البرد، وأشد ما تجدون .. ؟
صيغة أفعل التفضيل أن الأشد يكون في يوم واحد، نعم الحر شديد في أيام لكن أشدها يوم، لكن ألا يتصور أن الأشد يتساوى في مدة، مدة شهر كله أشد، بحيث لا يقال: إن اليوم أشد من أمس أو أخف من أمس؟ يتصور، فالأشد ما يلزم أن يكون في يوم واحد.
يقول: "إلا يوم الجمعة" لو قيل: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبكر بخطبة الجمعة فيصليها قبل الزوال وقبل قيام قائم الظهيرة فحينئذٍ لا يبقى داعٍ لتخصيص النهي في يوم الجمعة، ويبقى حكمه في حق من أخر الخطبة إلى ما بعد الزوال.(16/26)
عرفنا أن تقديم الخطبة والصلاة عن الزوال -عن زوال الشمس- هو المشهور عند الحنابلة، وجمهور أهل العلم على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، فعلى هذا لا تصلى إلا بعد الزوال، ويبقى الإشكال قائم، يعني إذا دخل أحد أو أراد أن يستغل الوقت الذي يدخل فيه الإمام، وقد جاء ما يدل على أنه ساعة الاستجابة، جاء ما يدل على أنه ساعة الاستجابة، هي وقت دخول الإمام، وجاء ما يدل على فضل الصلاة في هذه الساعة، ساعة الاستجابة، لا يوافيها عبد يصلي، قائم يصلي، أجيب عن هذا بأن من ينتظر الصلاة فهو في صلاة، في كلام طويل لأهل العلم، المقصود أنه ثبت عن الصحابة أنهم كانوا يصلون في وقت النهي يوم الجمعة، وأن النهي مخصوص، وفيه ما سمعنا سابقاً، لكن مادام النهي صحيح وصريح، والمدة التي نهي عن الصلاة فيها محققة الأول والآخر فينبغي للمسلم أن لا يصلي.
حديث "جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) رواه الخمسة, وصححه الترمذي" يعني الترمذي قال: "هذا حديث حسن صحيح" هذا حديث حسن صحيح.(16/27)
هذا الحديث من المخصصات لعموم أحاديث النهي، من المخصصات، وعرفنا أن المخصصات في أحاديث النهي أكثر من المخصصات في أحاديث ذوات الأسباب، وعلى هذا فعموم أحاديث النهي أضعف من عموم أحاديث ذوات الأسباب، وعرفنا أن عمر -رضي الله عنه- كان يطوف بعد الصبح ولا يصلي إلا بذي طوى، وهذا مثبت في الصحيح، وابن عمر أيضاً عرفنا كلامه، وليس معنى هذا الحديث الحث على الصلاة في أوقات النهي في المسجد الحرام؛ لأن بعض الناس -وهذا واقع- يقول هو في عصر الجمعة يكثر الخروج من المسجد، من المسجد الحرام لكي يصلي كل ما دخل، يكون له مبرر، الدخول مبرر للصلاة وقت النهي، فكون الإنسان لا يمنع ليس معناه أنه يؤمر ((لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) ليس معنى هذا أن الإنسان يؤمر بالصلاة، أو يؤمر بالطواف، فكون الإنسان لا يمنع لا يعني أنه يؤمر، فإذا طاف لا يمنع من الصلاة، إذا دخل لا يمنع من الصلاة، لكن هل يؤمر نقول: استغل فضل المكان وفضل الزمان اخرج مراراً وادخل وصلِ تحية المسجد؟ لا يعني هذا.
وبعض الناس يفهم بعض الأحاديث على غير وجهها، على غير وجهها، حديث في الصحيح: ((ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى)) هل معنى هذا أنك إذا وجدت صبي متقدم جاء قبل الكبار وجلس قرب الإمام أنك تطرد هذا الصبي من هذا المكان؟ بعض رواة الحديث فعل، وهذا فهمه، لكن المتبادر من الحديث هل هو طرد للصغار أو حث للكبار بالتقدم؟ حث للكبار، وليس معناه طرد الصغار، وأهل العلم يقولون: ليس للرجل أن يقيم ابنه ولا عبده من مكانه فيجلس فيه في المسجد؛ لأن القاعدة المطردة في الشريعة أن من سبق إلى مباح فهو أحق به، تعمد إلى شخص بكر، جاء قبلك، يستحق هذا المكان فتطرده من هذا المكان ليس بالصحيح، فبعض الناس يفعل، وقد فهمه بعض الرواة، دخل وفي صبي في روضة المسجد فأقامه، لكن ليس معنى الحديث طرد الصغار إنما هو أمر الكبار، اللام لام الأمر، اللام لام الأمر فهو أمر للكبار، وحث للكبار أن يتقدموا إلى الصلاة فيلوا الإمام.(16/28)
هنا ((لا تمنعوا أحداً طاف)) وليس معنى هذا أننا نأمر بالطواف، ومن ثم الصلاة بعده، أو نقول، أو نشير، أو نأمر أحد بأن يكثر الخروج والتردد إلى المسجد بحيث يكون له مبرر للصلاة، لا.
((لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى)) إيش صلى؟ هل معنى هذا أنه يصلي نوافل مطلقة؟ هل النهي عن المنع عن الطواف فقط أو عن الصلاة فقط أو عنهما معاً؟ نعم، الآن عندنا طواف، وعندنا صلاة، يتصور اجتماعهما ويتصور انفراد كل واحد عن الثاني، يعني شخص جالس صلى العصر في الحرم، في المسجد الحرام، وبعد أن أنهى الأذكار المتعلقة بالصلاة قام يصلي يدخل في حديث: ((لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى؟ )) نعم، بعبارة أخرى نقول: الواو هذه ((وصلى)) هل هي واو معية أو استئنافية؟ يعني لو شخص صلى في المسجد وجالس في مكانه وذكر الله وسبح وهلل وقرأ آية الكرسي والمعوذتين وانتهى قام يصلي ركعتين بعد صلاة العصر في المسجد، ويقول: ((لا تمنعوا أحداً طاف وصلى)) أنا أصلي، ويتصور النهي عن منع المصلي، أخذاً من هذا الحديث، أو النهي معلق بالطواف، لا تمنعوا الطائفين، لكن إذا طاف له أن يصلي الصلاة المرتبطة بالطواف، أو عنهما معاً، هل نقول: لا تمنعوا الطائفين؟ أو لا تمنعوا المصلين؟ أو لا تمنعوا من صلى بعد الطواف؟ الاحتمال الثالث، نعم؟ نعم، فالواو هنا واو معية وليست استئنافية.
نعم، حديث ابن عمر:
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشفق الحمرة)) رواه الدارقطني وصحح ابن خزيمة وغيره وقفه.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفجر فجران: فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة, وفجر تحرم فيه الصلاة -أي: صلاة الصبح- ويحل فيه الطعام)) رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه.
وللحاكم في حديث جابر -رضي الله تعالى عنه- نحوه, وزاد في الذي يحرم الطعام: ((إنه يذهب مستطيلاً في الأفق)) وفي الآخر: ((إنه كذنب السرحان)).
يكفي.
حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشفق الحمرة)) رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة وغيره وقفه" على ابن عمر.(16/29)
الشفق عند جمهور أهل العلم الذي ينتهي وقت صلاة المغرب بمغيبه هو الحمرة، عند الأكثر، وعند الحنفية هو البياض الذي يعقب الحمرة، والحديث الذي أورده من حديث ابن عمر ((الشفق الحمرة)) يستدل به الجمهور، لكنه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ضعيف، رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة وغيره وقفه على ابن عمر، يعني يصح عن ابن عمر موقوف، لكنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إذا صح موقوف على ابن عمر، لو صح مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا كلام، لكن الحديث مرفوعاً ضعيف، والصواب وقفه على ابن عمر، فهل يستدل بقول ابن عمر في تفسير مثل هذه الكلمة، يعني لو احتججت على حنفي قال لك: الحديث ضعيف، تقول له: هذا كلام ابن عمر، يقول: موقوف عليه، هذا رأي ابن عمر، للطرف الآخر أن يقول: المسألة لغوية، إيش معنى الشفق في لغة العرب؟ الشفق الحمرة، وابن عمر -رضي الله عنه- من الأقحاح من العرب، فإذا فسر هذه مثل هذه الكلمة اللغوية تفسيره أولى من تفسير غيره، ولذا جاء في القاموس الشفق محركة الحمرة في الأفق من الغروب إلى العشاء، فالمسألة لغوية، وابن عمر حجة في هذا الباب، صححه ابن خزيمة يعني مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن غير ابن خزيمة وقفه على ابن عمر، فإذا تعارض الوقف مع الرفع فما الحكم؟ إذا تعارض وقف الخبر مع رفعه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الصحابة كلهم حجة، الصحابة كلهم حجة، كلهم ثقات دون استثناء، من ثبتت صحبته فهو ثقة، نعم
طالب:. . . . . . . . .(16/30)
نعم، الراجح رفعه، نعم من أهل العلم من يقول: يرجح الرفع؛ لأنه زيادة من ثقة، ومنهم من يقول: يرجح الوقف؛ لأنه المتيقن، والرفع مشكوك فيه، لكن صنيع الأئمة الكبار يدل على أنهم لا يحكمون في مثل هذه المسألة بأحكام مطردة، كل ما تعارض وقف مع رفع نحكم للرفع أو نحكم للوقف؟ لا، فتجد الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أحياناً يحكم على الخبر بأنه موقوف، ويحكم على خبر آخر بأنه مرفوع، والبخاري بالعكس، حديث ابن عمر في الصحيح في صحيح البخاري يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، في رفع اليدين بعد القيام من الركعتين، إذا قام من التشهد الأول رفع يديه، هذا مرفوع في صحيح البخاري، فالبخاري رجح الرفع، الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- رجح الوقف، فالأئمة الكبار لا يحكمون بقواعد عامة ومطردة في مثل هذا، بل يتركون الحكم للقرائن، إذا ترجح عندهم الرفع حكموا برفع الخبر، إذا ترجح عندهم الوقف حكموا بوقفه، إذا ترجح الوصل حكموا به، إذا ترجح الإرسال حكموا به وهكذا، فالمرجح هنا الوقف، فالخبر موقوف على ابن عمر، والمسألة لغوية، وابن عمر من أهل اللسان الأقحاح، فقوله حجة في مثل هذه المسألة.
"عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفجر فجران: فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة)) وهو الفجر؟ يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة يعني صلاة الصبح، وهو الفجر الصادق الذي ينتشر في الأفق ((وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام)) وهذا الفجر الكاذب المستطيل، والأول مستطير، هذا الحديث مخرج عند "ابن خزيمة والحاكم" وهو صحيح ما فيه إشكال، والذي يليه أيضاً صحيح، وهو مخرج عند الحاكم من حديث جابر، وزاد فيه: "الذي يحرم الطعام الذي يذهب مستطيلاً في الأفق" في الأفق مستطيل يمنة ويسرة، ليس معناه أنه مستطيل عمودي، لا، بدليل أن الثاني: ((إنه كذنب السرحان)) كذنب السرحان، طول هكذا، فالصلاة تحرم قبل طلوع الفجر الثاني وتحل بطلوعه، كما أن الصوم يحرم الأكل بطلوع الفجر الثاني، ويجوز الأكل مادام الفجر الثاني لم يطلع وإن طلع الفجر الأول، ترى الأحاديث الباقية سهلة ما فيها مطالب.
طالب:. . . . . . . . .(16/31)
تحرم فيه الصلاة؟ لا، لا، فجر، فجر؛ لأنه ما بعد دخل الوقت، الفجر الأول الكاذب ما دخل الوقت، فتحرم فيه صلاة الفجر، لكن الأكل حلال.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو بهذا، بدليل ما قرن إليه، نعم ((وفجر تحرم فيه الصلاة -أي صلاة الصبح- ويحل فيه الطعام)) بدليل الاقتران، اقتران حل الطعام.
الذي يليه:
"وعن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)) رواه الترمذي والحاكم، وصححاه، وأصله في الصحيحين.
وعن أبي محذورة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أول الوقت رضوان الله, وأوسطه رحمة الله; وآخره عفو الله)) أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جداً.
وللترمذي من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- نحوه, دون الأوسط, وهو ضعيف أيضاً.
حديث "ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)) رواه الترمذي والحاكم، وصححاه، وأصله في الصحيحين.
((أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)) هذا العموم (الصلاة) هل هو من العموم الباقي على عمومه أو من العموم المخصوص، أو العموم الذي دخله الخصوص؟ يعني جميع الصلوات الأفضل فيها أن تقدم في أول وقتها؟ إذن هو عموم مخصوص، عموم مخصوص، ((أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)) هذا السؤال، أو هذا الجواب أجاب به النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أسئلة سئل فيها عن أفضل الأعمال، وجاءت أجوبته -عليه الصلاة والسلام- متفاوتة، جاء في حديث: سئل عن أفضل الأعمال فقال: ((إيمان بالله)) وأجاب بأجوبة أخرى أجاب أن أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله، وأجاب بالحج، وأجاب بأجوبة كثيرة، فإما أن يقدر (من) فيقال: من أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها، من أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله، من أفضل الأعمال –وإن كانت الأفضلية مطلقة هنا- الإيمان بالله، فمن أهل العلم من يقدر (من) وحينئذٍ لا يرد إشكال، كيف يكون السؤال واحد والأجوبة متعددة؟ ومن أهل العلم من يرى أن اختلاف الأجوبة لاختلاف الظروف والأحوال الخاصة والعامة.(16/32)
لو قدر أن الناس نزل بهم حاجة فاقة، فسئل شخص من أهل العلم ما أفضل الأعمال؟ قال: الإنفاق في سبيل الله؛ لأن الحاجة إلى الإنفاق أشد، لو صار في أهل العلم قلة، واحتاج الناس إلى عدد كبير من المتعلمين ليفوا بحاجة الناس، وسئل عالم عن أفضل الأعمال قال: طلب العلم، هذا بالنسبة للظروف العامة، هناك ظروف خاصة لو شخص غني سأل عن أفضل الأعمال؟ قلنا: الإنفاق في سبيل الله؛ لأن الإنفاق من هذا الشخص له أثر.
شخص نضو الخلقة لا يتحمل ضعيف البنية، لكن فيه نباهة ونبل، مثل هذا إذا سأل عن أفضل الأعمال نقول له: الجهاد في سبيل الله وإلا طلب العلم؟ طلب العلم، لكن لو وجدنا شخص بالعكس في قوة بنية، ويظن فيه ويغلب على الظن أنه يجدي في الجهاد، ومع ذلك في الطرف الآخر يكون نباهته أقل أو كذا، نقول له: أفضل الأعمال الجهاد في سبيل الله، على كل حال الظروف العامة والخاصة والأحوال والأزمان والأماكن تختلف الأجوبة بحسب اختلافها.
" ((أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها)) رواه الترمذي والحاكم، وأصله في الصحيحين" أصله في الصحيحين، الذي في الصحيحين أخرجه البخاري من حديث ابن مسعود بلفظ: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة لوقتها)) ما في أول ((الصلاة لوقتها)) وليس فيه لفظ: (أول) ووقتها هو ما شرح، سواءً كان المستحب أوله أو أثناؤه، فعلى هذا لا يرد التخصيص، إذا كانت الصلاة لوقتها تكون أفضل الأعمال، ثم بعد ذلكم أفضل هذا الأفضل تقديم ما جاءت السنة بتقديمه، وتأخير ما جاءت السنة بتأخيره، وكلها في إطار الوقت.(16/33)
حديث "أبي محذورة -المؤذن- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أول الوقت رضوان الله, وأوسطه رحمة الله; وآخره عفو الله)) أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جداً، وهل يكفي أن يقال: ضعيف جداً؟ وفيه وضاع، كذاب، من الكذابين الكبار يعقوب بن الوليد المدني، من رواة هذا الحديث، قال فيه أحمد وغيره: "كذاب" يكفي أن يقال: الخبر ضعيف جداً؟ نعم لو كان متهم بالكذب، قلنا: ضعيف جداً، لكن ما دام كذاب نقول إيش؟ موضوع، وآفته فلان، إذا كان الراوي متهم بالكذب أو ممن فحش غلطه نقول: ضعيف جداً، ولا يكفي في مثل هذا أن نقول: ضعيف جداً، إيش الفرق بين الكذاب وبين المتهم بالكذب؟ إيش الفرق بينهم؟ نعم؟
طالب: صيغة مبالغة؟
كيف؟
طالب: صيغة مبالغة؟
طيب، يعني إذا رميناه بالكذب سواءً قلنا: كذاب وضاع، دجال، يكذب، كذب، وضع، في فرق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وإذا قلنا: متهم بالكذب؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الكذاب ثبت عليه أنه كذب، والثاني مجرد تهمة، أنت أخذت هذا من لفظ كذاب ومتهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، تمام، يؤثر عنه الكذب في حديثه العادي، لكن ما عرف عنه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينئذٍ يكون متهم، أو أن يكون الخبر لا يعرف إلا من طريقه ويكون الخبر مخالف إما للقواعد العامة أو لأحاديث أقوى منه، فإنه حينئذٍ يتهم بالكذب، وفرق بين الكذاب والمتهم بالكذب.
"وللترمذي من حديث ابن عمر نحوه, دون الأوسط" أوسطه رحمة الله، ما فيه إلا: "أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله" هذا للترمذي، رواه الترمذي من حديث ابن عمر "وهو ضعيف" ولا يكفي أن نقول: ضعيف، بل نقول: هو كسابقه موضوع، لماذا؟ لأن آفته هي الآفة السابقة يعقوب بن الوليد من كبار الكذابين، الآفة الموجودة في الحديث الأول موجود في الحديث الثاني، وإذا اجتمع أكثر من حديث أو أكثر من طريق يجبر بعضها بعضاً أو لا تنجبر؟ تنجبر وإلا ما تنجبر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(16/34)
لا، هذه ما هي مراسيل هذه موصولة، لكن إيش الفرق بين هناك ضعف ينجبر وضعف لا ينجبر؟ إذا كان الضعف شديداً ينجبر وإلا ما ينجبر؟ لا ينجبر، وروده من طريق وضاع أولاً: أن الطريق واحد، الآفة في الطريق الأول -في الخبر الأول- والثاني واحدة، فمداره على هذا الكذاب ما فيه انجبار أصلاً، لكن لو قدر أنه من طريق كذاب ثاني يستفيد قوة؟ ما يستفيد قوة، يزداد ضعف، خبر يتداوله الكذابون دليل على أنه موضوع.
وعن ابن عمر.
"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين)) أخرجه الخمسة إلا النسائي.
وفي رواية عبد الرزاق: ((لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر)).
ومثله للدارقطني عن ابن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- ..
عن إيش؟ عن عمرو؟
طالب: عندي عن ابن عمرو.
لا، عن عمرو.
"عن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنه-".
حديث ابن عمر: ((لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين)) وهذا داخل فيما سبقت الإشارة إليه أن السجدة تطلق ويراد بها الركعة، يعني لا صلاة بعد الفجر بعد طلوع الفجر إلا هاتين الركعتين، هما ركعتا الراتبة راتبة الصبح، فهذا دليل على أن ما قبل صلاة الفجر وما بعد طلوع الفجر وقت نهي؛ لأنه لم يستثنَ فيه إلا هاتين الركعتين، ولو لم يكن وقت نهي ما احتجنا إلى الاستثناء، لو لم يكن وقت نهي نحتاج إلى أن نستثني؟ نقول: للإنسان أن يصلي عشر ركعات عشرين ركعة ما شاء، لكنه وقت نهي من طلوع الصبح إلى صلاة الصبح وقت نهي، ويستثنى من ذلك ركعتا الفجر.
وفي رواية عبد الرزاق: ((لا صلاة بعد طلوع الفجر –هذا نص- إلا ركعتي الفجر)) كونه يرد في الصحيح أيضاً: ((لا صلاة إلا بعد صلاة الصبح)) لا يعني أن ما قبل صلاة الصبح ليس بوقت للنهي، يعني التنصيص على شيء لا يعني ارتفاع الحكم عن غيره، فما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ثبتت به النصوص، وما قبل صلاة الصبح إلى طلوع الفجر أيضاً ثبتت به الأدلة.
"ومثله للدارقطني عن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-" هذا شاهد وإلا متابع؟ هذا شاهد وإلا متابع للحديث السابق؟
طالب: شاهد.
شاهد ليش ما صار متابع؟
طالب:. . . . . . . . .(16/35)
لأن الصحابي اختلف؛ لأن الصحابي اختلف وهو حديث آخر.
نعم حديث أم سلمة.
"وعن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر, ثم دخل بيتي فصلى ركعتين, فسألته, فقال: ((شغلت عن ركعتين بعد الظهر فصليتهما الآن)) قلت: أفنقضيهما إذا فاتتا? قال: ((لا)) أخرجه أحمد.
ولأبي داود عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- بمعناه".
نعم هذا الحديث حديث "أم سلمة تقول: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر" يعني في المسجد "ثم دخل بيتي فصلى ركعتين" سألته أم سلمة لأنه لم تكن عادته أن يصلي بعد العصر، فاحتاجت إلى سؤاله، وقد عرفت أن هذا الوقت وقت نهي، تقول: "فسألته, فقال: ((شغلت عن ركعتين بعد الظهر فصليتهما الآن)) يعني قضاء لراتبة الظهر "قلت: أفنقضيهما إذا فاتتا? قال: ((لا)) " وهذا دليل على أن قضاء النوافل -الرواتب- في أوقات النهي خاص به -عليه الصلاة والسلام-، والحديث مختلف فيه، هل هو ضعيف أو يصل إلى مرتبة الحسن؟ حسنه بعض العلماء، حسنه بعض أهل العلم، وحكم بعضهم بضعفه.
وعلى كل حال كونه هو مندرج تحت الأصل العام وهو النهي عن الصلاة في هذا الوقت، النهي عن الصلاة في هذا الوقت فيدل هذا على أنه خاص به، وحينئذٍ لا يكون هناك إشكال، يعني يكون هذا الحديث لا يخالف أحاديث النهي، لا يخالف أحاديث النهي؛ لأنه لو كان الأمر للجميع كل من فاته نفل يقضي ما صار للنهي معنى، فيشهد له مفهوم أحاديث النهي.
"ولأبي داود عن عائشة -رضي الله عنها- بمعناه" أنها سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة فذكر أنه خاص به، وهو ضعيف أيضاً، الحديث ضعيف، لكن هذا يجبر ذاك، ولو قيل: بأن الحكم المستنبط من هذين الحديثين بمجموعهما يصل إلى درجة الحسن لذاته، الحديثان بمجموعهما وقد قيل بضعف الأول والثاني لكنه ضعف منجبر؛ لأن بعض أهل العلم حكم عليه بأنه حسن الأول، ودل على أن ضعفه ليس بشديد، حتى عند من يقول بضعفه فهو منجبر، وحينئذٍ يصل إلى درجة الحسن لغيره، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/36)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (3)
شرح: باب: الأذان
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يسأل عن الضابط في إدراك تكبيرة الإحرام في الصلاة السرية لا سيما أن في الصلوات الجهرية والشروع في الفاتحة؟
مما جاء في إدراك تكبيرة الإحرام والحث على إدراكها يجعل المسلم لا سيما طالب العلم الذي هو القدوة يبادر قبل إقامة الصلاة ليؤدي الرواتب؛ لأن هذه الرواتب من الأهمية بمكان، من حافظ عليها جاء وعده بأنه يبنى له قصر في الجنة، من يفرط بهذا.
على كل حال أهل العلم ذكروا أنه إذا انتقل إلى ركن آخر فإن إدراك الركن الأول يفوت، فتكبيرة الإحرام تدرك بالانتقال إلى الركن الثاني، الذي هو قراءة الفاتحة، هذا في الجهرية والسرية بقدرها، يعني بقدر دعاء الاستفتاح، فإذا فات من الوقت بقدر دعاء الاستفتاح فإن تكبيرة الإحرام تكون قد فاتت.
يقول: إذا دخل الخطيب يوم الجمعة قبل وقت صلاة الظهر وسمع النساء الأذان وهن في بيوتهن وصلين صلاة الظهر هل تكون صلاتهن باطلة؛ لأنه لم يدخل الوقت؟
نعم، وقت صلاة الظهر ثابت في يوم الجمعة وغيره، من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله، هذا وقت صلاة الظهر، فإذا كان الخطيب ممن يقتدي بمن يقول: إن وقت صلاة الجمعة متقدم على وقت صلاة الظهر كما هو المشهور عند الحنابلة فإن النساء اللواتي في البيوت والمعذورين عن حضور الجمعة عليهم أن ينتظروا زوال الشمس.
يقول: من المعلوم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر الآتي لصلاة الجمعة أن يصلي ما شاء حتى يقوم الخطيب، أليس هذا دليل على قول من قال: إن وقت قيام قائم الظهيرة في يوم الجمعة ليس وقت نهي؟(17/1)
أولاً: الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر الجالس بأن يصلي تحية المسجد، أمر من جلس قال له: ((هل صليت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) هذه تحية المسجد، وعرفنا ما في ذوات الأسباب ويمثلها المثال الذي يحتاجه الناس كلهم تحية المسجد، نعم عمل الصحابة منقول عنهم بأسانيد صحيحة أنهم كانوا يصلون منتصف النهار يوم الجمعة، وإن كانت النصوص العامة تشمل يوم الجمعة كغيره من الأيام، وأن من قيام قائم الظهيرة حتى تزول الشمس وقت نهي، لكن مثل هذه الأفعال من الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم أهل التحري والتثبت والاقتداء يقوي ما ورد من أن يوم الجمعة ليس في منتصفه وقت نهي، وإن كان ضعيفاً فالعمل يسنده، ومما يتقوى به الضعيف كما نص على ذلك الإمام الشافعي في رسالته أن يفتي به عوام أهل العلم، أن يعمل به أحد الصحابة يتقوى به، والله المستعان.
يقول: متى يقوم قائم الظهيرة؟
إذا كانت الشمس في كبد السماء، والشيء ليس له ظل، ليس له ظل لا يمين ولا شمال، ولا أمام ولا خلف، إنما ظله تحت.
سم.
باب: الأذان:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: الأذان:
عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه -رضي الله تعالى عنه- قال: "طاف بي -وأنا نائم- رجل فقال: تقول: "الله أكبر الله أكبر, فذكر الآذان بتربيع التكبير بغير ترجيع, والإقامة فرادى إلا قد قامت الصلاة، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إنها لرؤيا حق)) .. الحديث، أخرجه أحمد وأبو داود, وصححه الترمذي وابن خزيمة.
وزاد أحمد في آخره قصة قول بلال -رضي الله تعالى عنه- في آذان الفجر: "الصلاة خير من النوم".
ولابن خزيمة عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم".
وعن أبي محذورة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الآذان فذكر فيه الترجيع أخرجه مسلم، ولكن ذكر التكبير في أوله مرتين فقط، ورواه الخمسة فذكروه مربعاً.(17/2)
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "أمر بلال أن يشفع ..
أُمِر، أُمِر.
أحسن الله إليك:
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قيل: أُمر بلال ..
قال، قال.
أحسن الله إليك:
قال: أُمر بلال أن يشفع الآذان شفعاً, ويوتر الإقامة إلا الإقامة, يعني إلا قوله: "قد قامت الصلاة" متفق عليه, ولم يذكر مسلم الاستثناء، وللنسائي: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلالاً -رضي الله تعالى عنه-".
يكفي، يكفي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الأذان" الأذان مصدر أذن بالتضعيف، أذن تأذيناً وأذاناً، تكلم تكليماً وكلاماً، مصدر لهذه الكلمة المضعفة المشددة، وأما مصدر أَذِنَ فهو إيش؟ إذناً.
يقول أهل اللغة: الأذان في اللغة: الإعلام، الإعلام كما في قوله -جل وعلا-: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(3) سورة التوبة] أي: إعلام.
وهو هنا: الإعلام بدخول الوقت هذا الأصل فيه أنه لدخول الوقت، وسيأتي ما يدل على أنه للصلاة أيضاً، وإن كان بعد دخول الوقت بوقت، هذا بالنسبة للأذان الأكبر، والأذان الأصغر الذي هو الإقامة؛ لأن الإقامة يطلق عليها الأذان؛ لأنها إعلام؛ لأنها إعلام.(17/3)
جاء في الحديث الصحيح: ((بين كل أذانين صلاة)) ((بين كل أذانين صلاة)) والمراد بذلك الأذان والإقامة، فالإعلام بوقت الصلاة أذان بألفاظ مخصوصة، دل عليها حديث عبد الله بن زيد، وحديث أبي محذورة، والأذان كان فرضه بالمدينة، كان فرضه بالمدينة، وأول ما شرع في قصة عبد الله بن زيد بن عبد ربه في الحديث الأول: "عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه" وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء، راوي حديث الأذان هذا غير عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء، وإن وهم بعض العلماء فجعلهما واحداً، ومعلوم أن أهل العلم ليسوا بالمعصومين، لا ندعي العصمة لأحد، فيجعلون الاثنين واحد، ويجعلون الواحد اثنين، ومن أخطأ ينبه على خطئه، وفي الباب كتاب نفيس جداً اسمه إيش؟ في باب بيان ما جُعل من الاثنين واحد وما جعل من الواحد اثنين كتاب للخطيب البغدادي في غاية الأهمية لطالب العلم اسمه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) يوصى طالب العلم باقتنائه، وأول ما يبدأ بقراءة مقدمته، ليرى الأدب الجمع الذي يتحلى به الكبار كالخطيب؛ لأن موضوع كتابه هذا نقد لأئمة هم أكبر من الخطيب، الأئمة الذين تقدموا الخطيب كالبخاري مثلاً أو أبي حاتم قد يهم الواحد منهم فيجعل الواحد اثنين أو الاثنين واحد، فالكتاب ينبه على الصواب، ولكونه ممن يصيب ويخطئ ترك أشياء للمتعقب.
ومثله كتاب: (بيان خطأ البخاري في تاريخه) لكن يوصى كل طالب علم أن يقرأ مقدمة الخطيب في هذا الكتاب (موضح أوهام الجمع والتفريق) اسمه.(17/4)
"عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: "طاف بي -وأنا نائم- رجل" الطائف والطيف، الطائف من الطواف، يعني مر بي وأنا نائم، في النوم لا في اليقظة رجل "فقال: تقول: "الله أكبر الله أكبر" قبل هذه القصة وقبل هذه الرؤيا النبي -عليه الصلاة والسلام- لما كثر الناس تداولوا معه -عليه الصلاة والسلام- شيئاً يعلمون به الناس بدخول وقت الصلاة، فقال بعضهم: نجعل ناقوس، نجعل ناقوس، فقال: ((هذا للنصارى)) قال بعضهم: بوق، قال: ((ذاك لليهود)) قال بعضهم: نجعل نار، والنار للمجوس، كل هذه العروض لا تصلح، الحل؟ اهتم عبد الله بن زيد لهذا الأمر وهو أمر مهم فرأى في الرؤيا في النوم وهي رؤيا حق، أقرت من قبل الشارع، وإلا فالأصل أن الرؤى لا يثبت بها تشريع، لكن هذه رؤيا حق، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها لرؤيا حق)) أما بناء الأحكام وترتيب الأمور على الرؤى مهما كان صدق قائلها أنها لا تثبت بها أحكام، ولا تناقض بها الشريعة، الدين كامل، ليس لأحد أن يتعبد بأمر رآه في الرؤيا ولو تكرر، نعم لو جاء تأكيد على أمر مهم جاء الشرع بتأكيده تكون رؤيا صادقة، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
هذه الرؤيا يقول عبد الله بن زيد: "طاف بي -وأنا نائم-" والجملة حالية "وأنا نائم رجل، فقال: تقول: "الله أكبر الله أكبر، فذكر الآذان بتربيع التكبير" يعني يقول: الله أكبر أربع مرات "بغير ترجيع" يعني بغير تكرير للشهادتين على ما سيأتي في حديث أبي محذورة، يقول: أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله بصوت منخفض، ثم تعيدهما بصوت مرتفع هذا الترجيع، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم تعود إليهما بصوت مرتفع، هذا الترجيع.(17/5)
"بتربيع التكبير" يعني التكبير أربع مرات "بغير ترجيع" هذا ما يدل عليه حديث عبد الله بن زيد "والإقامة فرادى" والإقامة فرادى، وسيأتي تفصيل ذلك في حديث بلال، أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة "إلا قد قامت الصلاة" الإقامة فرادى يعني لفظ مفرد لكل جملة، مرة واحدة لكل جملة، إلا قد قامت الصلاة، فإنها تثنى؛ لأنها الأهم في ألفاظ الإقامة؛ لأن المطلوب من الإقامة طلب قيام الحاضرين إلى الصلاة ويتم الطلب بهذا الإخبار، قد قامت الصلاة، وسيأتي ما في تثنية التكبير في أول الإقامة وفي آخرها، وما في جعل كلمة الإخلاص في آخر الأذان مرة واحدة، فيكون قوله: "أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" كلام أغلبي على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"إلا قد قامت الصلاة، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني فأخبرته بما حصل، وكثير من الكلام يطوى في لغة العرب، وفي نصوص الشرع للعلم به، للعلم به، أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني تصور أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسكت فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنها رؤيا حق؟ لا، قص عليه ما حصل "فقال: ((إنها لرؤيا حق)) الحديث أخرجه أحمد وأبو داود, وصححه الترمذي" قال: هذا حديث حسن صحيح وصححه "ابن خزيمة" أيضاً فالحديث صحيح.
فالحديث فيه دليل على مشروعية الأذان للصلاة، ويختلف أهل العلم في حكمه، جاء الأمر به، وجاء تعظيم شأنه، تعظيم شأن الأذان والحث عليه على مستوى الجماعة وعلى مستوى الأفراد، جاء ترغيب الأفراد بالأذان وأن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، وجاء أيضاً تعليق الإغارة على البلد وعدم الإغارة بالأذان، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ينتظر إن سمع أذان كف، فدل على أنه شعيرة من الشعائر العظيمة في الإسلام.(17/6)
يختلف أهل العلم في وجوبه والأدلة محتملة، لكن القول المقرر عند أهل العلم أنه واجب على الكفاية، يعني إذا وجد في البلد من يبلغ جميع أهل البلد دخول وقت الصلاة بالأذان المشروع فلا يقال: نجعل آلات تؤذن وتكفي عن المؤذنين، لا، يبلغون بما شرع الله -عز وجل-، فالأذان فرض كفاية، يعني لو افترضنا أن في البلد مائة مسجد الأصل أن يؤذن الجميع، لكن إذا أذن من تقوم به الكفاية، أذن خمسين ستين، سقط الوجوب وبقي في حق الباقين سنة، ولعل هذا مراد من قال بأنه سنة، وإلا فلا يتصور أنه سنة بالمعنى الاصطلاحي بحيث لو تركه الناس كلهم كان كترك سنة من السنن لا إثم فيه، لا.
"وزاد أحمد في آخره قصة قول بلال في آذان الفجر: "الصلاة خير من النوم" الصلاة خير من النوم، وهذا يسمى التثويب، وظاهر عبارة الحافظ أن أحمد زاد في آخر حديث عبد الله بن زيد، فيكون في حديث عبد الله بن زيد قول: "الصلاة خير من النوم" وليس الأمر كذلك، وإنما الحافظ يريد أن الإمام أحمد ساق قصة عبد الله بن زيد ثم وصل بها رواية بلال، وفيها التثويب، فعبارة الحافظ موهمة، واضطره إلى هذا الإيهام شدة الاختصار لكي يحفظ الكتاب، لكن لا شك أن الاختصار مطلوب، بتقليل الألفاظ بقدر الإمكان، لكن إذا كان يترتب على هذا الاختصار شيء من اللبس فإنه يمنع.
"ولابن خزيمة: عن أنس -رضي الله عنه-"، يقول الحافظ -رحمه الله- "ولابن خزيمة: عن أنس -رضي الله عنه- قال: "من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم" وحديث أنس يفيد ما أفاده حديث بلال، من السنة سنة من؟ "من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم" يعني إذا قال الصحابي من السنة إنما يريد بذلك سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في قصة ابن عمر مع الحجاج في الصحيح: "إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة" ولا يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا –وسيأتي هذا- حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ(17/7)
فإذا قال الصحابي من السنة فإنه مرفوع؛ لأنه لا يظن بالصحابي أنه يريد سنة فلان أو علان، لا سيما والمسألة المستدل لها تتضمن حكماً شرعياً، تتضمن حكماً شرعياً، الأصل في السنة الطريقة، قد يقول قائل: لماذا لا يراد سنة أبي بكر أو سنة عمر، يعني طريقة أبي بكر أو طريقة عمر؟ نقول: الصحابي لا يستدل بمثل هذا الكلام على حكم شرعي إلا بسنة من سنته ملزمة.
"الصلاة خيرة من النوم" هذا يسمى إيش؟ التثويب، والتثويب في الأذان الأول أو الثاني؟ التثويب في الأذان الأول أو الثاني؟ جاء في السنن ما يدل على أنه في الأذان الأول، في السنن الكبرى للنسائي من حديث أبي محذورة قال: كنت أأذن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكنت أقول في أذان الفجر الأول، فكنت أقول في أذان الفجر الأول: "الصلاة خير من النوم" وجاء ما يدل على أنه في الأذان الثاني لصلاة الفجر، وتواتر العمل والتوارث يدل على أنه في الأذان الثاني، إذن كيف يوجه قول أبي محذورة: "كنت أقول في الأذان الأول؟ " الأذان الثاني أذان أول بالنسبة للإقامة، بالنسبة للإقامة، فالأذان والإقامة أذانان ((بين كل أذانين صلاة)) وهذا أشرنا إليه، فالأذان بمعناه الخاص أذان أول، والإقامة بالمعنى العام أذان ثاني، وبهذا تأتلف النصوص.
الحديث الذي يليه:(17/8)
حديث أبي محذورة، حديث "أبي محذورة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الآذان, فذكر فيه الترجيع" وذكرنا صورة الترجيع أن يأتي بالشهادتين بصوت منخفض ثم يعود إليهما بصوت مرتفع، "فذكر فيه الترجيع" أخرجه مسلم، لكن ذكر التكبير في أوله مرتين فقط" الله أكبر، الله أكبر، ورجع في الشهادتين "ورواه الخمسة فذكروه مربعاً" يعني بتربيع التكبير على ما جاء في حديث عبد الله بن زيد، وبهذا يأتلف حديث عبد الله بن زيد مع حديث أبي محذورة، في صحيح مسلم في أوله التكبير مرتين، كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى-، وفي المنتقى للمجد عزا تربيع التكبير لمسلم أيضاً، لمسلم أيضاً هنا قال: "أخرجه مسلم، ولكن ذكر التكبير في أوله مرتين فقط، ورواه الخمسة فذكروه مربعاً" والمجد في المنتقى عزا التربيع لرواية مسلم، ومن المعلوم أن الكتب الأصلية لها روايات، لها روايات، البخاري له روايات، إيش معنى روايات؟ الكتاب روي عن الإمام البخاري أو رواه عن الإمام البخاري خلائق، والروايات المدونة المضبوطة معروفة عند أهل العلم سواءً كانت لصحيح البخاري أو لصحيح مسلم، لكن أكثر ما يظهر .. ، تظهر هذه الفروق في روايات صحيح البخاري، الذي يقرأ في الشرح أو في الشروح عموماً تجد كذا في رواية أبي ذكر، كذا في رواية كريمة، كذا في رواية السرخسي، كذا في رواية الكشميهني، كذا .. إلى آخره، الأصيلي، المستملي، روايات، ويوجد في بعض الروايات زوائد على بعض، وغالبها يسير، إما في حروف أو كلمات، والفروق في الأحاديث قليلة، اللهم إلا في رواية حماد بن شاكر تقل عن سائر الروايات في عدد الأحاديث، مسلم له روايات، روايات معتمدة عن المشارقة، وروايات معتمدة عند المغاربة، فتربيع التكبير لا يوجد في صحيح مسلم برواية المشارقة، وأشار القاضي عياض أنه موجود في بعض الروايات عن الجلودي.(17/9)
المقصود لا بد أن نعرف أن هذه الكتب مروية من طرق عن هؤلاء الأئمة، وقد يوجد في بعض الروايات ما لا يوجد في البعض الآخر، وأقول مثل هذا الكلام لئلا نبادر بتخطئة أهل العلم، لا نبادر بالتخطئة، يعني مجرد ما تبحث في صحيح مسلم ما تجد في النسخة التي بين يديك تربيع التكبير تقول: وهم المجد في عزوه تربيع التكبير إلى صحيح مسلم، نقول: على رسلك، انتظر، يعني الكتب مروية بروايات، يعني في رواية اللؤلؤي من سنن أبي داود شيء قد لا يوجد في رواية ابن داسه، ويوجد في رواية ابن داسه ما لا يوجد في رواية ابن العبد، وهكذا كل الكتب تروى عن الأئمة بالروايات، فطالب العلم عليه أن يتريث ولا يبادر بالتوهيم، فيقول: لعل هذا في رواية لم أطلع عليها، لكن أنت عند الحكم على هذه الرواية لا تحكم إلا إذا اطلعت، وقد يؤتى بعض الطلبة في توهيمه للأئمة من قصوره أو تقصيره، في البحث لا سيما في صحيح البخاري، فقد نفى بعض أهل العلم وجود أحاديث في الصحيح هي فيه، فعلى سبيل المثال بل من أوضح الأمثلة حديث ضباعة بنت الزبير في الاستثناء، تريد الحج وهي شاكية فقال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) كثير ممن يحقق الكتب ينفي أن يكون الحديث في البخاري، لماذا؟ لأنه يبحث في كتاب الحج في الإحصار ما يجد شيء، وين يبي يوديه البخاري؟ أين وضع البخاري هذا الحديث؟ نعم؟
طالب: في كتاب النكاح.
في كتاب النكاح، في كتاب النكاح، قد يبحث الطالب من أول الكتاب ويقف عند كتاب النكاح، أبعد ما يكون من كتاب النكاح، إيش دخل الاشتراط في الحج في كتاب النكاح؟ كتاب النكاح في باب اسمه: الأكفاء في الدين، يعني الكفاءة إنما ينظر إليها من حيث الدين، فلا تزوج مسلمة بغير مسلم، ولا تزوج عفيفة بفاجر وهكذا، الكفاءة إنما هي في الدين، إيش علاقة حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب النكاح في آخر الحديث: "وكانت تحت المقداد" المقداد مولى، وهي بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا بحث هذا الإنسان عن هذا الحديث في الحج ما وجد، يبادر: "وهم المؤلف"، وهم كذا، وما أسهله على ألسنة المتعلمين.(17/10)
المقصود أننا لا نستعجل في توهيم الأئمة؛ لأن المجد ابن تيمية -رحمه الله- وُهِّم في هذا، قيل: عزا التربيع لمسلم وهو لا يوجد في مسلم.
"ورواه الخمسة فذكره مربعاً" على كل حال ثبت التربيع في أذان أبي محذورة أو لم يثبت، ثبت التربيع في حديث عبد الله بن زيد أو لم يثبت، هل يؤثر أو لا يؤثر؟ هل هما حديث واحد نقول: هذا من اختلاف الرواة؟ أو هما حديثان ونقول: للأذان صيغ ويكون من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد؟ فمن أذن على أذان عبد الله بن زيد له ذلك، ومن أذن بأذان أبي محذورة له ذلك، كصيغ التشهد من تشهد بتشهد ابن مسعود له ذلك، من تشهد بتشهد ابن عباس له ذلك، تشهد عمر له ذلك، أدعية الاستفتاح، تنوع وليس بتضاد، بعض الصيغ المستعملة في الصلاة: "ربنا ولك الحمد" جاءت على أربع صيغ: "ربنا لك الحمد"، "ربنا ولك الحمد"، "اللهم ربنا لك الحمد"، "اللهم ربنا -بالواو- ولك الحمد" بالجمع بين اللهم والواو، وإن قال ابن القيم: إن البخاري لم يروِ الجمع، وقد رواه، روى الجمع، على كل حال هو كغيره ليس بمعصوم، فأذان أبي محذورة لا شك أن فيه شيء من الاختلاف عن أذان عبد الله بن زيد، وعرفنا أن من أذن على أذان أبي محذورة له ذلك، وهو مؤذن معتبر علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- الأذان، ومكث أكثر من نصف قرن يؤذن في المسجد الحرام، مكة، وأذان عبد الله بن زيد أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يلقيه على بلال؛ لأنه أندى منه صوتاً، وأذن مدد متطاولة بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود أن هذا من اختلاف التنوع وليس من اختلاف التضاد، ولذا اختلف أهل العلم في الترجيع هل هو مشروع أو ليس بمشروع؟ من قال: إنه مشروع عمل بحديث أبي محذورة، ومن قال: ليس بمشروع عمل بحديث عبد الله بن زيد ليس فيه ترجيع، وأقول: لا هذا ولا ذاك، للمسلم -للمؤذن- أن يختار؛ لأن كلاً منهما ثابت، كما أن له أن يتشهد تشهد ابن مسعود كون الإمام أحمد يرجح تشهد ابن مسعود لا يعني إلغاء التشهدات الأخرى التي عمل بها الأئمة، بل لو قيل: باستعمال هذا مرة وهذا مرة كان أولى، كأدعية الاستفتاح.(17/11)
"عن أنس -رضي الله عنه- قال: "أُمر بلال، أُمر بلال أن يشفع، الآذان شفعاً, ويوتر الإقامة إلا الإقامة, يعني إلا قد قامت الصلاة" متفق عليه, ولم يذكر مسلم الاستثناء" يعني: إلا الإقامة.
"عن أنس -رضي الله عنه- قال: "أُمر بلال" وإذا قال الصحابي: أمرنا، أو أمر فلان، أو نهينا، أو نهي فلان فالجمهور على أنه له حكم الرفع، الجمهور على أنه له حكم الرفع إذا لم يصرح بالآمر، كما هنا، أمر بلال، من الذي أمر بلال؟ الجمهور على أن الآمر هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحتمله غيره؛ لأنه هو الآمر والناهي الحقيقي في القضايا الشرعية، بعض العلماء كأبي بكر الإسماعيلي يقول: لا يحكم بأنه مرفوع بل موقوف حتى نتأكد من الآمر، وأبو بكر الإسماعيلي أبو بكر الإسماعيلي إمام من أئمة المسلمين، لا يعني أنه إذا قال مثل هذا الكلام تنزل منزلته لا، يقول الحافظ الذهبي في ترجمته: "من اطلع على حاله جزم يقيناً أن المتأخرين على يأس تام من لحاق المتقدمين" فلا يعني أنه قال قول مرجوح تنزل، لا.
أبو بكر الإسماعيلي والكرخي أيضاً وجمع من المتأخرين قالوا: إنه لا يحكم بأن مثله مرفوع حتى يصرح بالآمر، ومثله الناهي، وجماهير أهل العلم على أنه مرفوع، وقال الحافظ العراقي ما أشرنا إليه سابقاً:
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا. . . . . . . . .
"نحو أمرنا" هذا مثال، مثل نهينا، أبيح لنا، إلى آخره.
. . . . . . . . . أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
"أمر بلال أن يشفع الأذان شفعاً" الشفع: ضد الوتر، والوتر الفرد، فمقتضى هذا الخبر أن تكون جميع جمل الأذان شفع، تربيع التكبير شفع وإلا وتر؟ التربيع؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم سواء قلنا: الله أكبر أربع مرات، أو قلنا: الله أكبر، الله أكبر مرتين، هو شفع على كل حال، ومقتضى هذا الخبر أن كلمة الإخلاص في آخر الأذان تكرر، مقتضى هذا أنها تكرر، لكنه خبر مجمل بين بالأحاديث الأخرى، وأن كلمة الإخلاص مرة واحدة، وعلى هذا يكون هذا الحديث أغلبياً، يعني غالب جمل الأذان شفع.(17/12)
"ويوتر الإقامة" يعني الإقامة جميع جملها وتر إلا ما استثني، يعني إلا قد قامت الصلاة فإنها تكرر، وعرفنا السبب، المقصود من الإقامة طلب القيام من الحاضرين لأداء الصلاة، فلكون المقصود من الإقامة طلب القيام يكرر هذا اللفظ، هذا استثني، وخص من العموم، الإقامة هل جميع جملها وتر إلا ما استثني من قوله: "قد قامت الصلاة" وإلا فيها بعض الجمل شفع؟ فيها شفع، إيش؟
طالب: الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر الله أكبر، في أولها وفي آخرها، هل يرد هذا على ما عندنا من النص أو نقول: الحكم أغلبي؟ مثل ما قلنا في الأذان، أو نقول: إن تثنية التكبير بالنسبة لتربيعه في الأذان كالوتر؛ لأن الأذان المرجح عند جمع من أهل العلم أن يقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، يقرن بين الاثنتين من التكبير، ثم يقول: الله أكبر، الله أكبر، هذا شفع، بينما في الإقامة يقول: الله أكبر، الله أكبر، وحينئذٍ يكون كالوتر، فلا نحتاج إلى استثناء ويكون الحديث على بابه، استثنيت الإقامة ولا يوجد غيرها، وأما التكبير فهو في حكم الوتر بالنسبة لتربيع الأذان، قد يقول قائل: كونه يقرن، كون المؤذن يقرن بين التكبيرتين هو ما يفيده حديث إجابة المؤذن، وسيأتي بيانه، فإذا قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، دل على أن المؤذن يقرن بين التكبيرتين.
قد يقول قائل: إذا ساغ مثل هذا الكلام في التكبير في أول الإقامة فكيف يسوغ بالنسبة للتكبير في آخرها إذا قارناه بالتكبير في آخر الأذان؟ يعني التكبير في أول الأذان، التكبير في أول الأذان بالتربيع، يقول: الله أكبر أربع مرات، وقلنا: إنه يقرن بين كل تكبيرتين، لكن في آخر الأذان، لكي نجري الحديث الذي معنا على عمومه، ولا يستثنى منه إلا الإقامة.(17/13)
التكبير في أول الأذان ماشي بالتربيع نقول: الله أكبر، الله أكبر كأنه شفع، ثم يأتي تثنية التكبير في أول الإقامة كأنها وتر إذا قرنا بينهما، لكن ماذا عن تثنية التكبير في آخر الأذان وتثنية التكبير في آخر الإقامة؟ لا بد إما أن يرد هذا أو ذاك، إذا قرنا التكبير في آخر الأذان قلنا: وتر، واحتجنا إلى أن نستثني من عموم الخبر غير كلمة الإخلاص في آخره، أو نقول: المؤذن عليه أن يقول في التكبير في الأذان في التكبير الثاني الله أكبر ويسكت، الله أكبر ويسكت فيكون شفع، بينما تكبير الإقامة في آخرها يقرن بينهما؛ ليكون في حكم التكبير الواحد.
من أهل العلم من يقول: إن الإقامة جملها بعدد جمل الأذان، لكن حديث الباب ترد عليه، ومنهم من يقول: بأن الإقامة تفرد، كل جملها مفردة، وتر، على مقتضى حديث أنس، أمر بلال، لكن ماذا عن الاستثناء: "إلا الإقامة"؟ على كل حال هذه أقوال لأهل العلم، والمعتمد ما سمعنا.(17/14)
"وللنسائي: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلالاً" "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلالاً" النسائي صحيح، هناك في الرواية السابقة المتفق عليها أمر بلال، وعرفنا ما فيه من الخلاف، ما في هذه الصيغة من خلاف، الرواية رواية النسائي: "أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلالاً" هل يرد الخلاف السابق؟ عرفنا أنه إذا لم يصرح الصحابي أو الراوي بالآمر فإنه يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا أن الراجح أنه مرفوع، لكن هنا هل يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ فهو مرفوع قطعاً بلا نزاع، يبقى فيه في الصيغة خلاف يسير، من أي جهة؟ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بلالاً مرفوع بلا نزاع، لكن هل هذه الصيغة (أمر) في القوة وفي إفادة الوجوب مثل ما لو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: افعل كذا يا بلال؟ افعل كذا يا بلال، اشفع الأذان، أوتر الإقامة، هنا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة؛ لأن الأمر له صيغة، فعل الأمر، والمضارع المقترن بلام الأمر، وأيضاً لفظ الأمر كما هنا، على قول جماهير أهل العلم، يعني إذا عبر الصحابي عن الأمر بلفظه، أو عن النهي بلفظه، كما لو قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا، هل يعادل لا تفعلوا؟ جماهير أهل العلم على أنهما بمنزلة واحدة، خالف بعض الظاهرية أو نقول: داود على وجه الخصوص وبعض المتكلمين خالفوا فقالوا: لا يدل على الأمر ولا على النهي حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي، لماذا؟ لاحتمال أن يسمع الصحابي كلام يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، متصور هذا الكلام؟ يمكن أن يسمع الصحابي العربي الذي لم يختلط بغيره، لم تختلط عربيته بغيرها من اللغات واللهجات، يسمع كلام فيظنه أمر أو نهي؟ إذا فهم الصحابة من الأخبار -من الأخبار- أنها تدل على الأمر أو تدل على النهي {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [(228) سورة البقرة] {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [(233) سورة البقرة] إذا فهموا من الأخبار من خلال السياق والنظر في النصوص الأخرى، إذا فهموا من الأخبار ما يدل على الأمر وتلقت الأمة فهمهم بالقبول فكيف يظن بهم(17/15)
أنهم يسمعون كلام لا يدل على الأمر والنهي فيعبرون عنه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أو نهى؟ إذا لم يعرف الصحابة مدلولات الألفاظ الشرعية من يعرفها؟ نعم جاء في الحديث الصحيح: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) (رب) هذه للتقليل، للتقليل، لكن الأصل أن الصحابة أعرف الناس، الذين عايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام-, وعاشروه وخالطوه وعرفوا مقاصده وأهدافه، ومرامي كلامه، هم أعرف الناس بمدلولات الألفاظ الشرعية فقول داود ومن يقول بقوله من المتكلمين لا قيمة له، فإذا قال الصحابي: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: افعلوا كذا، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ((نهيت عن قتل المصلين)) فالآمر والناهي من هو؟ هو الله -عز وجل- قولاً واحداً، ولا يرد فيه من الخلاف ما يرد في قول الصحابي: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل يمكن أن يقال يطرد هذا الكلام في قول النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قال: أمرت أو نهيت؟ لا يمكن؛ لأنه يترتب عليه أن نتهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بفهم كلام الله -عز وجل- نقول: لا هذا لا يقوله مسلم.
هذا منتصف الوقت الآن، هذا منتصف الوقت إذا كان هناك سؤال ينشط الإخوان.
نعود -يا إخوان- لشرح بقية الأحاديث بعد أن يلقي الشيخ بعض الأسئلة وتوزع بعض الجوائز للتنشيط يعني دفعاً للملل والسآمة؛ لأن كلام البشر مهما كان مملول، لكن من باب التغيير والتنشيط، ننتظر عشر دقائق لسماع الأسئلة والإجابة عليها، وبعد ذلك نستأنف شرح بقية الأحاديث.
من يسكن في بلاد ليس فيه من أهل العلم أحد قد يسر الله لهم من سبل التحصيل ما يسر من هذه الآلات يجلس في بيته بينك وبينه آلاف الكيلو مترات ويستفيد كما يستفيد الحاضر، وإن فاقه الحاضر من وجوه، لو لم يكن في الحضور إلى الدرس إلا الدخول في حديث: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) لكن الثاني في البلد البعيد الذي ليس فيه من أهل العلم إذا تمنى أن لو كان عنده من أهل العلم من يمثل بين يديه صار له من الأجر مثل الآخر.(17/16)
هذا يقول: من يستمع لدروسكم على البلتوث مباشرة وبينكم وبينه آلاف الكيلو مترات هل يمكنه أن يعدكم من شيوخه، وينال شرف التتلمذ عليكم؟
كذا يقول هو.
الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- جاءه شخص من أقاصي الدنيا من أمريكا، وقال له: إنه من تلاميذ الشيخ، قال: أبداً لست من تلاميذي، أنا لا أعرفك، ما رأيتك في عمري كله، قال: اسأل في كل دروسك التي شرحتها، اسأل، فسأله الشيخ عدة أسئلة فوجده من أتقن الطلاب، قال: نعم أنت من تلاميذي، فإذا وجد بهذا المستوى من يفهم الكلام الفهم التام، أو يستفهم فيكون على صلة مستمرة، يستفهم عما يشكل عليه، ويستفيد من الشيخ، الشيخ من شيوخه، ويخرج على الرواية من وراء حجاب، الرواية من رواء حجاب، عند أهل العلم جائزة، كما كان الصحابة والتابعون يتلقون الحديث عن النساء، أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من وراء حجاب، فالمسافة والحجاب سواءً قرب أو بعد حكمه واحد، لكن لو بين أثناء الإخبار لئلا يوصف بالتدليس ويوهم غيره أنه رحل من أجل طلب العلم لكان أولى، وهو الأورع، يعني لو قال: هو من تلاميذ فلان بواسطة الأشرطة، أو بواسطة هذه الأجهزة وهذه الآلات لا شك أنه هذا أورع، وأهل العلم يكثر فيهم التحري والتثبت في صيغ الأداء.
الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- ذهب ليأخذ عن الحارث بن مسكين من الثقات، الحارث بن مسكين لما رأى النسائي والنسائي شخص يهتم بمظهره كأنه اتهمه بالثراء، والحارث -رحمة الله عليه- يأخذ أجرة على التحديث، وأخذ الأجرة على التحديث مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا رأيه، نعم فصار بينه وبين النسائي سوء تفاهم فطرد الإمام النسائي من الدرس، فجلس الإمام النسائي خلف اسطوانة وصار يسمع، فروى عن الحارث بن مسكين، هل قال النسائي: حدثنا الحارث بن مسكين؟ أو قال: أخبرنا الحارث بن مسكين؟ ما قال لا هذا ولا ذاك لورعه، فجاء بالأخبار دون صيغة، وإن كان السنن المطبوع فيها الصيغة، لكن القصة تدل على أنه بدون صيغة، فكان يقول -رحمه الله تعالى-: "الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع" فعلى طالب العلم أن يكون متحرياً متثبتاً دقيقاً في تحمله، دقيقاً في أدائه، والله المستعان.(17/17)
يقول: من حضر مثل هذا الدرس فلما انتهى وأتت الأسئلة خرج هل يدخل في ((قوموا قد بدلت سيئاتكم حسنات))؟
على كل حال الأجر يتفاوت، فالذي يستمع وهو في بيته له أجر، والذي يحضر له أجر الحضور، وأجر الاستماع بقدر نيته، والذي يحضر الدرس كامل بقدر نيته، والذي يحضر الدرس كاملاً من أوله إلى آخره يختلف عن الذي يحضر نصف الدرس، والذي يعوقه عن حضور الدرس ما يعوقه من الأعمال أيضاً له نصيبه، شخص من الطلاب جاء موعد الدرس فتأهب وخرج قبل الوقت بمدة تكفي للطريق، لما فتح الباب إذا ضيف من أقاربه جاء من بعيد، هذا عاقه عن حضور الدرس عائق، عذر شرعي، ضيف وقريب ومن بعيد، ففتح الآلة واستمع للدرس هو والضيف، فضل الله -عز وجل- لن يضيق بأن يعطيه أجره كاملاً؛ لأن هذا فعل وقصد وحرص لكن منعه مانع، والمانع شرعي.
على كل حال فضل الله -عز وجل- يشمل الجميع، لكن الأجور متفاوتة، على قدر النيات، وقد تكون على قدر المشقة إذا كانت المشقة من مقتضيات العبادة، فالأجر على قدر النصب، وإلا فالمشقة لذاتها ليست مقصداً شرعياً، لكن إذا تطلبتها العبادة صار الأجر على قدر هذا النصب، والله المستعان.
سم.
"وعن أبي جحيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: "رأيت بلالاً يؤذن أتتبع فاه هاهنا وهاهنا, وإصبعاه في أذنيه" رواه أحمد والترمذي وصححه، ولابن ماجه: "وجعل إصبعيه في أذنيه".
ولأبي داود: "لوى عنقه لما بلغ: حي على الصلاة يميناً وشمالاً ولم يستدر" وأصله في الصحيحين.
وعن أبي محذورة -رضي الله تعالى عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعجبه صوته فعلمه الآذان" رواه ابن خزيمة.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" رواه مسلم.
ونحوه في المتفق عليه: عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وغيره".(17/18)
"عن أبي جحيفة" واسمه: وهب بن عبد الله السوائي "قال: "رأيت بلالاً يؤذن وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا" فاه هاهنا وهاهنا، يلتفت يميناً وشمالاً "وإصبعاه في أذنيه" الالتفات في الحيعلتين وجعل الأصبعين والمراد بذلك أطراف الأنامل؛ لأنه لا يتصور أن تكون الأصبع كلها في الأذن، المراد في ذلك كما في قوله -جل وعلا- {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [(7) سورة نوح] المقصود أطراف الأنامل، هذا من السنة أن يلتفت يميناً وشمالاً، ويجعل إصبعية في أذنيه؛ لأنه أقوى للصوت، ويلتفت يمنةً ويسرة عند الدعاء للصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح ليكون أقوى للصوت في تبليغ الجهات كلها، ويستفاد من جعل الأصبعين في الأذنين إضافة إلى قوة الصوت معرفة كون هذا مؤذن؛ لأن ما كل الناس يسمعون الصوت، الأصم مثلاً إذا رأى الشخص قد وضع إصبعيه في أذنيه عرف أنه يؤذن.(17/19)
"رأيت بلالاً يؤذن أتتبع فاه هاهنا وهاهنا, وإصبعاه في أذنيه" ولابن ماجه: "وجعل إصبعيه في أذنيه" ولأبي داود: "لوى عنقه" يعني التفت يمنياً وشمالاً لما بلغ حي على الصلاة يميناً وشمالاً حي على الفلاح، ولم يستدر، يعني لم يستدر ببدنه، إنما لوى عنقه يميناً وشمالاً، هذا الحديث رواه أبو داود وأصله في الصحيحين حديث مسلم "فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمنياً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح" العلة ظاهرة، والفائدة محسوسة حينما كان الأذان في المنارة يُرى المؤذن ويختلف صوته يمنياً وشمالاً عن كونه صامداً أمامه، العلة محسوسة، لكن في مثل ظروفنا الآن والمؤذن لا يُرى، لا يراه الأصم، نعم، وإذا التفت يمنياً وشمالاً ضعف الصوت، إذا قيل: زالت العلة، زالت العلة، بل العكس انتقضت العلة، انعكست العلة، يعني بدل من أن يلتفت يمنياً وشمالاً ليقوى صوته إلى جهة اليمين والشمال، إذا التفت أمام هذه المكبرات يميناً وشمالاً ضعف الصوت، هل نقول: يلغى الحكم؟ الاستحباب يلتغي؟ أولاً: عندنا من الأحكام ما شرع لعلة فارتفعت العلة وبقي الحكم، شرع بعض الأحكام لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم، الأصل في مشروعية القصر في الصلاة الخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفع الخوف وبقي الحكم، الأصل في مشروعية الرمل في الطواف قول المشركين: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، لما انقرض المشركون ولا يوجد من يقول هذا الكلام هل نقول: إن الرمل ليس بمشروع؟ ارتفعت العلة وبقي الحكم؟ هل نقول هنا: ارتفعت العلة وبقي الحكم ونلتفت؟ أو نقول: انعكست العلة فبدلاً من أن حكمة التشريع التبليغ لمن كان في جهة اليمين أو في جهة الشمال وانعكست صار الصوت يذهب أو يضعف فيلتغي الحكم؟ أو نقول: الحكم باقٍ؟ أما إن أمكن الجمع بين الالتفات والتبليغ فهو المتعين، يعني لو صار المكبر يدوي يلتفت به يميناً وشمالاً، أو يستطيع أن يحرك هذا المكبر، أو يحرك يتقدم يسيراً أو قليلاً، يمنياً أو شمالاً لكي يطبق هذه السنة مع ما شرعت هذه السنة من أجله فهو المتعين، لكن إذا التفت وانقطع الصوت ويش نقول؟ يؤثر(17/20)
عن الإمام أحمد، يروى عن الإمام أحمد أنه: "لا يدور إلا إذا كان على منارة قصداً لإسماع أهل الجهتين" وعلى ضوء هذه الرواية عن هذا الإمام، وهو إمام من أئمة أهل السنة، ومن أحرص الناس على تطبيق السنة يقول: "لا يدور إلا إذا كان على منارة قصداً لإسماع أهل الجهتين".
وعلى كل حال إن أمكن الجمع بين تطبيق السنة مع حصول المصلحة والفائدة، وتحقيق العلة، فهذا هو المتعين، لكن إذا لم يتمكن فالمقصود الأصلي من الأذان إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، فمحافظة على هذا الأصل وإن كان يعني لا بد من بذل شيء من الجهد لتحقيق السنة في هذا إلا إذا تعذر فالشرع جاء بجلب المصالح وأحكامه معقولة غالباً، فإذا كان تطبيق السنة يختلف -يصادم- ما شرعت السنة من أجله فعندنا سنة، وعندنا حرص على تطبيق السنة، وعندنا فقه لكيفية تطبيق السنة، بعض الناس يعرف السنة لكن ما يحرص على تطبيقها، هذا شيء، هذا مفرط، بعض الناس يعرف السنة ويحرص على تطبيقها، لكن لا يفقه كيف يطبق هذه السنة، يقع من المحظورات أكثر مما حصله من أجر في تطبيق هذه السنة، والأمثلة كثيرة، تجدون كثير من آحاد المتعلمين يقع في أمور لو ترك الموضوع من أسه لكان أسهل من كونه يرتكب بعض المحظورات من أجل تطبيق بعض السنن.
على كل حال هذه رواية عن الإمام أحمد -رحمة الله عليه- قال: "لا يدور إلا إذا كان على منارة قصداً لإسماع أهل الجهتين" هذه لها حظ من النظر، لكن أقول: يتحرى المؤذن أن يطبق السنة، نعم ويتحرى أيضاً أن يحقق الهدف من هذه السنة، وهو إسماع أهل الجهتين، فإذا تيسر أن يكون في حال الحيعلتين المكبر يدوي أو هو يتحرك بقدر ما يحقق ويطبق هذه السنة أولى.(17/21)
"وعن أبي محذورة -رضي الله عنه-: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعجبه صوته فعلمه الآذان" أعجبه صوته فعلمه الأذان، يدل على أن المؤذن ينبغي أن يكون حسن الصوت، حسن الصوت، ندي الصوت، عبد الله بن زيد لما رأى -رضي الله عنه- لما رأى الأذان قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتاً)) فينبغي أن يكون المؤذن صيتاً وندي الصوت، وفرق بين نداوة الصوت وجمال الصوت وبين التغني والتمطيط، الذي يخرج الكلام عن معانيه المطلوبة، التطريب هذا ما هو بمطلوب، بل مذموم، المدود التي تزيد يترتب عليها زيادة بعض الحروف في الكلمات والجمل هذا مرفوض، لكن يبقى أن المؤذن ينبغي أن يكون صيتاً، ويشترط أهل العلم أن يكون عارفاً بالأوقات، ندي الصوت؛ لأن الصوت مهما كان له أثر، له أثر كما أننا أمرنا أن نزين القرآن بأصواتنا كما جاء في الحديث الصحيح: ((زينوا القرآن -بإيش؟ نعم؟ - بالأصوات)) هل معنى هذا أننا نتأثر ونؤثر بالأصوات، بدليل أننا لو سمعنا هذا المقروء، وهذا القدر من القرآن من فلان حسن الصوت تأثرنا، وإذا سمعنا نفس المقطع من شخص آخر أقل منه صوتاً فإننا لا نتأثر، هل هذا التأثير للصوت أو للقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ لا نغفل عن الأمر بتحسين الصوت، فتحسين الصوت هدف شرعي مقصد شرعي مأمور به، يعني هل يطلب من المسلم أن يحسن الصوت لذات الصوت، أو لكي يؤثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ التأثير بالقرآن، قد يقول قائل: لو التأثير بالقرآن ما اختلف تأثيره من شخص إلى آخر، نقول: يختلف، بدليل أن هذا صاحب الصوت الندي الجميل المؤثر بالقرآن لو قرأ بهذا الصوت غير القرآن ما أثر، فالتأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت وليس للصوت ذاته، فالمؤذن أبو محذورة أعجب النبي -عليه الصلاة والسلام- صوته فعلمه الأذان على ما تقدم، بتثنية التكبير أو تربيعه على ما جاء في الروايات مع الترجيع، ففي هذا دلالة على أنه يستحب أن يكون المؤذن حسن الصوت.
الحديث الذي يليه:(17/22)
حديث "جابر بن سمرة قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" الأذان عبادة، والصلاة عبادة، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله ألا يعبد الله إلا بما شرع، طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، وألا يعبد الله -سبحانه وتعالى- إلا بما شرع ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) فهذه عبادات لا بد أن يكون لها أصل شرعي.(17/23)
"صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين -يعني أكثر من ذلك- بغير أذان ولا إقامة" فالصواب أن صلاة العيد لا ينادى لها، مجرد ما يصل الإمام إلى المصلى يشرع في الصلاة، يشرع في الصلاة، وإن استحسن بعض أهل العلم النداء لصلاة العيد وقال: إن عثمان -رضي الله عنه- زاد الأذان الأول في صلاة الجمعة لماذا لا نزيد أذان لصلاة العيد؟ نقول: مع الفارق، عثمان -رضي الله عنه- من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)) فمع الفارق ليس لأحد أن يقول: عثمان زاد، فلان نقص، لا، الدين كمل واستقر وليس لأحد أن يزيد، من أهل العلم من استحسن أن ينادى للصلاة، لصلاة العيد، منهم من قال: بالنداء العادي لأنها صلاة تقاس على سائر الصلوات، ومنهم من قال: إنها صلاة طارئة تأخذ حكم صلاة الكسوف فينادى لها الصلاة جامعة، ولا هذا ولا ذاك؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن ما وجد سببه في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يفعله -عليه الصلاة والسلام- أن فعله بعده بدعة، إذا قام السبب وجد السبب في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله ففعله بعده بدعة، لكن ينبغي أن نلاحظ مقدار قيام السبب في عصره -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل السبب قام في عصره -عليه الصلاة والسلام- بنفس مستوى السبب الذي وجد بعده؟ على سبيل المثال الخطوط هذه اللي في الصفوف في المساجد بعض الناس يقول: بدعة، لماذا؟ يقول: قام السبب في عصره -عليه الصلاة والسلام- لتعديل الصفوف ولا فعل فهي بدعة، هل قيام السبب وقيام الحاجة الداعية لمثل هذه الخطوط في عصره -عليه الصلاة والسلام- بنفس المستوى الداعي في العصور المتأخرة؟ مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- صغير، يعني في عصره أقل من ربع هذا المسجد، وأيضاً غير مفروش، بالرمل، فكيف يتمكن من إيجاد خطوط في مسجده -عليه الصلاة والسلام- والحاجة غير داعية؟! وأيضاً الخط غير ممكن؛ لأنه رمل، على أنها لو تركت هذه الخطوط وترك الناس لاهتمام الإمام وتوجيهه لأن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، فالذي يقول: هي بدعة يقول: على الإمام أن يسوي الصفوف بنفسه ويتأكد، لكن في(17/24)
المساجد الكبير مترامية الأطراف لا يمكن تحقيق التسوية، وهذا ظاهر في مصليات الأعياد، تجد الصفوف أقواس قبل الفرش، أقواس لبعد آخر الصف من جهة اليمين عن آخره من جهة الشمال.
لا شك أن هذه الخطوط تحقق مصالح، تحقق تسوية الصفوف التي هي من تمام الصلاة، ولا يترتب عليها مفسدة بأي وجه من الوجوه، وهذه وجهة نظر من يقول بأن وجود مثل هذه الخطوط لا مانع منه، ولا يدخل في حيز البدعة لقيام الحاجة، والمصلحة داعية والمفسدة مغتفرة في مثل هذا، وقل مثل هذا في الخط الموازي للركن في المطاف، والخلاف في هذا كبير، يعني وجد بفتوى ويمكن يشال بفتوى، نظراً لاختلاف وجهة النظر في مثل هذه المسائل.
على كل حال ما وجد سببه وتساوى قيام السبب في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- مع قيامه في العصور المتأخرة فلم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- فوجوده بعد عصره بدعة، كما قرر ذلك الشاطبي وغيره.
وعلى كل حال مثل ما ذكرنا الأذان عبادة والصلاة عبادة، الأذان عبادة، والصلاة عبادة، والزيادة في مثل هذه العبادات بدعة، قد يقول قائل: هذه مكبرات، كيف نصلي بالمكبرات والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى بمكبرات؟ نقول: من أهل العلم من قال بهذا، فيصلي بدون مكبر؛ لأن الصلاة عبادة محضة كيف يدخل فيها مثل هذه الآلات؟ وجل أهل العلم رأوا أن هذا يحقق مصلحة، مصلحة السماع، سماع المأمومين، ولا يترتب عليه أدنى مفسدة، ولا علاقة له في هيكل الصلاة وداخل الصلاة، إنما هو أمر يبلغ الصوت كالمستملي اللي يسمى المستملي، يعني المكبر وراء الإمام، أو المبلغ لقول المحدث، هذا حكمه، هذه الآلات حكمها حكمه، والله المستعان، نعم.
"وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- في الحديث الطويل في نومهم عن الصلاة: "ثم أذن بلال فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان يصنع كل يوم" [رواه مسلم].
وله عن جابر -رضي الله تعالى عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين".
وله عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بإقامة واحدة" وزاد أبو داود: "لكل صلاة".(17/25)
وفي رواية له: "ولم ينادِ في واحدة منهما".
نعم حديث "أبي قتادة" واسمه: الحارث بن ربعي كما هو معروف.
هذا يقول: ناصر القحطاني أهله في الخارج يريدونه ضروري إن كان ... ؟
"عن أبي قتادة -رضي الله عنه- في الحديث الطويل في -قصة- نومهم عن" صلاة الصبح، وأقول: كون النبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح هذا فيه تشريع، وفيه أيضاً تسلية للمسلم الذي تفوته بعض الصلوات من غير قصد ولا اختيار، بعض الناس من الحرص الشديد على دينه يأسف ويندم أشد الندم ولو حصل هذا التقصير من غير تفريط، يعني لو تصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نام عن صلاة الفجر طول عمره، ما المشقة اللاحقة بأهل العبادة، أهل الصلة بالله -عز وجل- ممن تفوته الصلاة من غير تفريط؟ هذا من نعم الله -عز وجل- أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح، وليس معنى هذا أن الإنسان يفرط، يترك الأسباب ويرتكب الموانع ويقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- نام، لا، ليس هذا هو المراد، لكن إذا فعل جميع الاحتياطات، وارتفعت جميع الأسباب التي تقتضي فوات هذه الصلاة، وعمل جميع الاحتياطات ثم فاتت هذه الصلاة له أن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاته.
في الحديث الطويل في نومهم عن الصلاة: "ثم أذن بلال كما كان يصنع كل يوم" [رواه مسلم].(17/26)
روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلالاً بالإقامة ولم يذكر الأذان، أمر بلالاً بالإقامة ولم يذكر الأذان، حديث أبي قتادة: "ثم أذن بلال"، وهناك: "أمر بالإقامة" فإما أن يقال: أن أبا هريرة لم يسمع الأذان وحينئذٍ يكون المثبت معه زيادة علم خفيت على من لم يذكر، أو نقول: إن بلالاً أذن من غير أمر، إنما أمر بالإقامة وأذن على المعتاد، وحينئذٍ يكون أمر الأذان أخف؛ لأن الأصل في شرعية الأذان الإعلام بدخول الوقت، والوقت قد خرج ما هو بدخل، وعلى هذا نقول: إن لم يؤذن لها أعني الفائتة- فالأمر فيه سعة، ليست كمثل المؤداة، بدليل أنه في صحيح مسلم: "أمر بلالاً بالإقامة" لكنه من حديث أبي هريرة قد نقول: قد خفي على أبي هريرة أن بلالاً لم يؤذن لم يسمعه لبعده عن مكان التأذين، أو نقول: إن بلالاً أذن لكنه بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- بإقراره -عليه الصلاة والسلام- وعدم إنكاره، فالشرعية موجودة على كل حال، لكن هل يكون حكمه حكم الأذان في أول الوقت؟ الأمر إنما جاء بالإقامة، والله المستعان.
وله – يعني لمسلم- عن جابر -رضي الله عنه-: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين".(17/27)
حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- جابر -رضي الله عنه- ضبط هذه الحجة وأتقنها من خروج النبي -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه إليه، ولذا يعتمد كثير من أهل العلم على ما يرويه جابر على ما يرويه غيره، ولذا حديث جابر من أفراد مسلم "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" حديث ابن مسعود وهو في البخاري: "النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى المغرب في المزدلفة بأذان وإقامة، والعشاء بأذان وإقامة" هذا في البخاري، يعني صلى المغرب والعشاء بأذانين وإقامتين، وهذا في البخاري وهذا في مسلم هل نؤذن أذانين؟ نؤذن للمغرب ونؤذن للعشاء؟ ونقيم للمغرب ونقيم للعشاء على ما يقتضيه حديث ابن مسعود وهو في الصحيح؟ أو نقول: نؤذن أذان واحد ونقيم إقامتين على ما يقتضيه حديث جابر وهو في مسلم من أفراد مسلم؟ الأصل أن ما يرويه البخاري أرجح مما يرويه مسلم.
أول من صنف في الصحيح ... محمد وخص بالترجيحِ
ومسلم بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع
فصحيح البخاري عند جماهير أهل العلم أرجح من صحيح مسلم، وعلى هذا ما يرويه البخاري أرجح مما يرويه مسلم، فهل نقول بمقتضى هذا أنه في ليلة الجمع -ليلة المزدلفة- نؤذن أذانين ونقيم أقامتين أو نكتفي بأذان واحد وإقامتين؟ أهل العلم يقولون: قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، وعلى هذا نقول: إن بعض ما يرويه .. ، القاعدة أن ما يرويه البخاري -قاعدة مطردة- أرجح مما يرويه مسلم، لكن قد يعرض للمفوق مما يرويه مسلم ما يجعله فائقاً على ما يرويه البخاري، ومنه ما عندنا، جابر -رضي الله عنه- اعتنى بضبط الحجة، اعتنى عناية فائقة، بضبط حجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا يرجح خبره على خبر ابن مسعود، وإن كان في البخاري.
هذا عند من يقول: إنه يؤذن للصلاتين أذان واحد وإقامتين، لكن يقول: قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالأذان للصلاتين وخفي الأذان الثاني على جابر، وبهذا قال بعض العلماء، يؤذن لهما لكل صلاة أذان، وكذا لكل صلوات مجموعة، لكل صلاة يؤذن لها أذان وإقامة.(17/28)
"له" أيضاً لمسلم "عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "جمع -النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بإقامة واحدة" بإقامة واحدة هذه الرواية المجملة تقتضي أنه إنما أقام لصلاة المغرب ولم يقم لصلاة العشاء أو العكس، لكن بين رواية أبي داود هذا الإجمال "بإقامة واحدة، زاد أبو داود: لكل صلاة" هذه بينت الإجمال، فلكل صلاة إقامة.
نأتي إلى الأذان "وفي رواية له: "ولم ينادِ في واحدة منهما" وهنا نقول: خفي الأذان على ابن عمر، إيش المانع أن يكون ابن عمر وقت الأذان قد ذهب ليقضي حاجته أو ليجدد الوضوء أو شيء من هذا فخفي عليه أن الصلاة قد أذن لها؟ لأن عدم الذكر أمره لا يشكل، عدم الذكر لا يعني عدم الوجود، بينما الذكر هو الذي يحتاج إلى الإجابة عنه، يعني نحتاج أن نجمع بين حديث ابن مسعود وحديث جابر، لكن هل نحتاج أن نجمع إلى حديث ابن عمر بحديث جابر أو ابن مسعود؟ ما نحتاج؛ لأن كون ابن عمر ما ذكر خفي عليه لبعده أو لكونه نسي، لكن العبرة فيمن حفظ، من حفظ حجة على من لم يحفظ، المثبت مقدم على النافي عند أهل العلم، فالمعتمد أنه في الصلوات المجموعة يؤذن أذان واحد، ويقام لكل صلاة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بجمع، على ضوء ما رواه جابر -رضي الله عنه-، وقد ضبط هذه الحجة وأتقنها.
نأخذ زيادة وإلا مليتوا يا الإخوان؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن تدري كم أخذنا؟ ثلاثة عشر حديثاً، ثلاثة عشر حديثاً، لا نريد أن نمل الإخوان، الآن صار ساعتين إلا ثلث منذ بدأنا.
يقول: لا يخفى عليكم ما لسير العلماء من تأثير على طلاب العلم في شحذ هممهم وحرصهم على طلبه ونشره، وانطلاقاً من هذا ما رأيكم بذكر موقف أو موقفين من حياة الشيخ ابن باز -رحمه الله- لقربكم منه، وحتى ينال الشيخ أجر التأسي به؟(17/29)
الشيخ -رحمة الله عليه- كُتب عنه الشيء الكثير، وقرأ القاصي والداني ما كتب عنه، حتى صار بعض من بعد عن الشيخ أدرى بحياة الشيخ من بعض من قرب، لكثرة ما كتب عنه، وجميع جوانب الشيخ العلمية والعملية كتب عنها في كتب مستقلة، ورسائل علمية فأتصور أن ذكر مثل هذه المواقف يعني شيء تكرار وخلاصة ما يقال: إن حياة الشيخ وعلم الشيخ وسيرة الشيخ ترجمة عملية لما قرأناه في سير السابقين، كنا نظنه ضرباً من الخيال، أو نسج من الأوهام في عباداتهم في صبرهم في تحملهم، في علمهم في تعليمهم، في اقتدائهم وائتسائهم فنظرنا المثال العملي لتلك السير، ومع ذلكم الشيخ ليس بالمعصوم -رحمه الله رحمة واسعة-، فكتب عن الشيخ الشيء الكثير فيما يتعلق بالجوانب العلمية والعملية في علمه، في دعوته، في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، في مناصحاته للخاصة والعامة، للولاة والرعاة والرعية وغير ذلك، فلسنا بحاجة إلى أن نكرر مثل هذا الكلام، وعلى كل حال الشيخ بمجموعه كما قيل عن بعض أهل العلم: كلمة إجماع، بمجموعه، وأكرر أيضاً أنه ليس بمعصوم، لكن ما رأينا مثله ولا ما يقرب منه، والله المستعان.
يقول: إمام يتحرك يمنةً ويسرة في الصلاة بقصد إسماع الصوت واضح في المكبرات؟
يوجد بعض الأئمة من إذا أراد أن يكبر ألتفت يسيراً من أجل أن يقرب من المكبر، وإن كان يريد السجود مد عنقه لكي .. ، هذا كله .. ، هذه الحركات في الصلاة تخل بالمقصود منها والخشوع، لا يكون القصد تحسين الصوت والمؤثرات وما أشبه ذلك، لا، هذه الآلات تلتقط ولو من بعد، وبالإمكان أيضاً الرفع عليها بحيث تلتقط من غير هذه الحركات.
يقول: هل هناك حد لمد ألفاظ الأذان؟ وما رأيك بمن يضبطها بأحكام المد في التجويد –تجويد القرآن؟
القرآن له خصوصيته، والكلام -كلام البشر- أيضاً له ما يخصه، على كل حال لا يخرج إلى حد التمطيط وزيادة الحروف التي تقلب المعاني، فإذا مد أكبر، فقال: أكبار، أنقلب المعنى، فالأكبار يقول أهل اللغة: إنه الطبل، فما يترتب على المدود من أحكام قد تكون أحياناً مناقضة للمعاني الأصلية لمعاني تختلف معانيها مثل هذا يبطل الأذان.
ي قول: بأي شرح توصي باقتنائه واعتماده في شرح البلوغ؟(17/30)
سبل السلام على ما فيه من اختصار مفيد لطالب العلم، وإن ضم إليه شرح الشيخ ابن بسام -رحمه الله- لبيان بعض المسائل المعاصرة، والعناية بفتاوى أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين يكون حسن.
يقول: في رواية أبي جحيفة قال: "رأيت بلالاً" كيف يكون هذا حديث ولم يذكر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
إذا فعل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخلو في عهده -عليه الصلاة والسلام- لا يخلو إما أن يكون مما يغلب على الظن خفاؤه على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يكون مما يغلب على الظن علم النبي -عليه الصلاة والسلام- به، واطلاعه عليه، أو يكون مستوي الطرفين، فإذا قال الصحابي: كنا نفعل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- يحتمل أنه اطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأقره، ويحتمل أنه لم يطلع عليه، لكن الجهور على أن مثل هذا له حكم الرفع لأنه في عصر التنزيل، فمثل هذا فعل بلال لهذه العبادة التي علمه إياها النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يظن ببلال أنه يزيد من عنده، أو يتصرف من عنده في عصر التنزيل؛ لأنه لو فعل لفضحه القرآن، فكيف يزيد على ما لقنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا لا شك في أن له حكم الرفع.
يقول: فالذي أعرفه أن الحديث: ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
نعم، والإضافة إما أن تكون حقيقيةً بالتصريح به -عليه الصلاة والسلام-، أو حكمية.
ما حكم صلاة الكسوف في وقت النهي؟
صلاة الكسوف جاء الأمر بها ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) جاء الأمر بها، والجمهور على أنه سنة، بل نقل النووي الإجماع على أنها سنة، الأمر بها صريح، الأمر بها صريح، ترجم أبو عوانة في صحيحه: باب وجوب صلاة الكسوف، وبهذا يقدح في الإجماع الذي ذكره النووي، الأمر بها صريح إذا قلنا: إن حكمها واجبة ما دخلت في الخلاف السابق، ما تدخل في الخلاف فتصلى في أوقات النهي بدون إشكال، لكن على القول بأنها سنة هي ذات سبب فينتابها الخلاف السابق الذي فصلناه بالأمس.
يقول: عن أنس: "أمر بلال أن يشفع الأذان شفعاً" والكتب التي معنا لا يوجد بها ذلك، فنرجو توضيح ذلك أثناء الدرس لاختلاف الكتب؟
على كل حال مثل هذه اللفظة موجودة في بعض النسخ دون بعض.(17/31)
يقول: لماذا لم يصلِ عمر -رضي الله عنه- بعد الطواف إلا بذي طوى بعد ذهاب وقت الحظر، وقت النهي، وهناك حالة استثنائية كما في حديث جبير بن مطعم؟
أولاً: مقتضى حديث جبير بن مطعم عدم المنع، ولا يعني عدم المنع الأمر بالفعل، فكوننا لا نمنع من يصلي لا يعني هذا أننا نصلي أو نأمر من يصلي، فرق بين الأمرين كما فصلنا بالأمس، فعمر -رضي الله عنه- عمل بنصوص ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) من يثرب على عمر وقد اقتدى بنصوص صحيحة، ومن يثرب على من يقتدي بجماهير العلماء، أو بجمهور العلماء فلا يصلي في أوقات النهي أي نفل من النوافل مهما كان سببه، وينتظر حتى يخرج وقت النهي، وفصلنا بالأمس المسألة تفصيلاً لا يبقى معه مثل هذا الإشكال على حد تقديري.
يقول: روي عن علي أنه كان يتنفل بعد العصر في خبائه، وصحح الشيخ الألباني -رحمه الله- ذلك الأثر في السلسلة، وقال: إنها من السنن التي لا ينبغي أن تفعل أمام العامة؟
على كل حال الصلاة في الوقتين الموسعين أمرها أوسع من الأوقات المضيقة، ووجد من السلف من ينتنفل بعد صلاة العصر، وهذا مما وجد، وهذا ما جعل ابن عبد البر وابن رجب أن يقول: إن ما بعد صلاة العصر وما بعد صلاة الصبح ليس بوقت للنهي، والنهي عن الصلاة في هذين الوقتين لئلا يسترسل المصلي، فإذا ضمن أنه لا يسترسل فيصلي في الأوقات المضيقة فإنه لا تثريب عليه، ويبقى أن هذا فعل علي -رضي الله عنه-، وهو من الخلفاء الراشدين، لكن لا يعارض به المرفوع، لا يعارض به المرفوع.
يقول: ذهب الشيح ابن باز -رحمه الله- لاستثناء يوم الجمعة مستدلاً بالحديث الذي ورد فيه: ((من جاء ليوم الجمعة ثم صلى ما شاء أن يصلي إلى أن يدخل الإمام)) فلمن حضر له الصلاة حتى يدخل الإمام وغالباً ما يمر عليه وقت النهي وهو يصلي؟
ذكرنا هذه المسألة، وقلنا: الأحاديث المرفوعة ضعيفة في استثناء يوم الجمعة، لكن ثبت عن جمع من الصحابة أنهم يصلون في منتصف النهار يوم الجمعة.(17/32)
وجاء في الحديث: ((في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي)) قائم يصلي، والخلاف في هذه الساعة هل هي وقت دخول الإمام أو في آخر ساعة من الجمعة؟ ومن يرجح أنها وقت دخول الإمام يقول: إنها وقت صلاة وليس بوقت نهي، واستثناء يوم الجمعة مع ضعف الحديثين الذين وردا فيه، إلا أنه يتقوى ما جاء فيه من مرفوع، بالأخبار الموقوفة، وهذا أشرنا إليه سابقاً فلا حاجة إلى الإطالة فيه.
يقول: ذكر النووي -رحمه الله- إبان حديثه عن حديث عقبة بن عامر أن الدفن المنهي عنه إنما هو في المتعمد فعل ذلك، يقول: وضعف القول بأن المنهي أيضاً أداء صلاة الجنازة لإجماع العلماء على أن المراد في ذلك الدفن دون الصلاة فلا خلاف، وقد ذكرتم أن بعض أهل العلم ذكر حرمة صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة؟
النص في الدفن: "وأن نقبر فيهن موتانا" وجمع من أهل العلم يرون أن المنع للصلاة، المنع للصلاة، لصلاة الجنازة، والإشارة بالدفن إشارة إلى ما قبل الدفن من الصلاة، لكن لا شك أن هذا التوجيه فيه ضعف، وهنا يقول: لإجماع العلماء على أن المراد في ذلك الدفن، المنهي عنه أصالة في هذه الأوقات هو الصلاة نعم، هو الصلاة، جاء في حديث عقبة بن عامر بالنسبة للأوقات المضيقة، وهذا مما يزيد في شدة النهي والضيق فيها ذكر الدفن، وعلى كل حال الخلاف سبق، فالذي يقول بفعل ذوات الأسباب في هذه الأوقات ما عنده مشكلة، ما عنده مشكلة، فتكون هذه من ذوات الأسباب، لا سيما وأن صلاة الجنازة من الواجبات، من الواجبات، ومن أهل العلم من يرى أنه تعارض مثل هذا النهي الشديد مع الأمر بالإسراع بالجنازة، فتؤخر الجنازة قليلاً حتى يخرج وقت النهي.
يقول: مجموعة من الشباب ذهبت للعمرة، وقبل أن يخرجوا من البلد أذن المغرب فصلوا المغرب مع الجماعة، ثم جمعوا العشاء وقصروا، فهل يعيدون صلاة العشاء أم ماذا يفعلون؟(17/33)
أهل العلم الذين قرروا أن المسافر لا يترخص حتى يتلبس بالسبب، الذي هو السفر، ولذا لا يجيزون له أن يترخص حتى يفارق عامر البلد، وخبر أنس -رضي الله عنه- عندما أراد السفر وأفطر في رمضان قبل أن يخرج من بيته معروف، وكلام أهل العلم فيه قبولاً ورداً أيضاً معروف، فمن فعل اقتداءً بأنس وصح عنده الخبر له ذلك، لكن من فعل الأحوط، من فعل الأحوط وترك الترخص حتى يخرج من البلد لا شك أنه أبرأ للذمة.
يقول: هل يصح أن ينبه الإمام المأمومين قبل تكبيرة الإحرام على إغلاق أجهزة الهواتف؟
الأصل أن ينبه على ما فيه تكميل الصلاة من تسوية الصفوف، والاعتدال فيها، والتراص، هذا تكميل الصلاة، ومن تكميل الصلاة أيضاً: إزالة ما يشوش على المصلي، فلو نبه أحياناً بحيث لا يكون ديدنه ذلك، فلا حرج -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/34)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (4)
شرح: تكملة باب: الأذان، وباب: شروط الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يقول: إنه لم يفهم الترجيع في الأذان؟
الترجيع: أن يقول المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله بصوت منخفض، ثم يعود إليهما بصوت مرتفع، وبعد ذلك يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله بصوت منخفض، ثم يعود فيقول الجملة مرتين بصوت مرتفع.
هذا يسأل عن الحكمة من الترجيع؟
الحكمة من الترجيع، الشهادتان الركن الأول من أركان الإسلام، فتكرارهما لا شك أنه من أفضل القرب.
يقول: ما الحكم على حديث ابن عمر: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتي الفجر"؟
نعم هو صحيح لغيره، رواه الخمسة وعبد الرزاق.
يقول: ما رأيكم فيمن يكرر الكلام والأناشيد التي تقال في المولد النبوي؟ علماً بأنه لا يذهب إليها لكنه يستمع إلى الأشرطة التي فيها هذه الأشياء؟
أولاً: إن كانت هذه الأناشيد تشتمل على شيء من الغلو والإطراء المنهي عنه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فاستماع الحرام حرام، استماع المحرم حرام، إلا إذا قصد منه الرد على هذه. . . . . . . . .
أقول: إلا إذا قصد من هذا الاستماع الرد على هذا الكلام الذي فيه المخالفة، نظير ذلك كتب المبتدعة لا يجوز النظر فيها إلا لمن تأهل للرد عليها، وللسخاوي كتاب اسمه: (الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل) لكن نرى أهل العلم ينقلون منهما للرد على ما فيهما.
هذه مسألة كثر السؤال عنها، ورددناها في مناسبات كثيرة، لكن لا يمنع أن نجيب عنها باختصار.
يقول: في حالة نزول الإنسان إلى السجود ما الذي يبدأ بالنزول هل باليدين أو الركبتين؟(18/1)
هذه المسألة ستأتي حيث يذكر المؤلف حديث أبي هريرة وحديث وائل بن حجر، ويرجح حديث أبي هريرة على حديث وائل، وحديث أبي هريرة يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) المشاهد أن البعير إذا برك يقدم يديه قبل رجليه، بغض النظر عن كون الركبتين في اليدين أو في الرجلين على ما يقوله بعض أهل العلم؟ مفاد أو مقتضى النظر الظاهر في الحديث أن أوله يعارضه آخره، ولذا قال ابن القيم: إنه انقلب على الراوي، لكن الصحيح أنه لم ينقلب على الراوي، بل آخره يشهد لأوله، المنهي عنه البروك، وهو النزول على الأرض بقوة على اليدين، فيقال: برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فمن يبرك بقوة على يديه يكون أشبه البعير، ومثله من يبرك بقوة على رجليه على ركبتيه هذا منهي عنه أيضاً، إنما المقصود أن يضع يديه مجرد وضع على الأرض ولا يبرك بقوة، فآخر الحديث يشهد لأوله، وهو أرجح من حديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" وضع فالملاحظ الوضع في الأمرين، ولذا شيخ الإسلام لم يرجح بين الحديثين، يرى أن المصلي إن قدم يديه بمجرد الوضع أو قدم ركبتيه مجرد وضع فالأمر لا يختلف؛ لأن هذا جاء من فعله وهذا جاء من أمره -عليه الصلاة والسلام-، لكن من يريد الترجيح بين الأمرين فتقديم اليدين هو مقتضى حديث أبي هريرة، وهو أرجح من حديث وائل، يقول ابن حجر: فإن له شاهداً من حديث ابن عمر، هذا باختصار، والمسألة مبسوطة في مواضع كثيرة من كلامنا.
يقول: ما مقصود الصنعاني في سبل السلام إذا قال: قال: الشارح؟ ومثله إذا قال: ذكره في الشرح، بسطه في الشرح؟
الشارح هو القاضي الحسين بن محمد المغربي صاحب البدر التمام شرح بلوغ المرام، سبل السلام مختصر منه.
يقول: ألا يمكن الجمع بين قوله: "ثم أذن بلال"؟ يعني في قصة فوات صلاة الصبح "ثم أذن بلال" وبين قول أبي هريرة بأن المقصود بالأذان عند بلال أي الإقامة؟(18/2)
ذكرنا أن الإقامة يطلق عليها أذان ((بين كل أذانين صلاة)) المقصود الأذان والإقامة، لكن الأذان عند الإطلاق إذا أطلق لا شك أنه ينصرف إلى الأذان الذي هو خلاف الإقامة، أما الإقامة وإن كان فيها شيء من الإعلام بقرب القيام إلى الصلاة إلا أن الكلمة عند الإطلاق لا تنصرف إليها.
يقول: هل الأذان توقيفي ولا يؤذن إلا للصلاة ودخول الصلاة فقط، أم يقال: إنه يؤذن إذا خاف الإنسان من الجن؟
حتى لو قلنا: توقيفي ووقفنا فيه مع موارد النصوص فقد جاء في الخبر: ((إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان)) والغيلان ضرب من .. ، نوع من الجن، فإذا تراءت للناس فبادر بالأذن، ويكفيك الله شرها، نعم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عمر وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت, أصبحت" متفق عليه، وفي آخره إدراج.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- "إن بلالاً أذن قبل الفجر, فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ((ألا إن العبد نام)) رواه أبو داود وضعفه.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) متفق عليه، وللبخاري: عن معاوية -رضي الله تعالى عنه- مثله.
ولمسلم: عن عمر -رضي الله تعالى عنه- في فضل القول كما يقول المؤذن كلمةً كلمة, سوى الحيعلتين فيقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وعن عثمان بن أبي العاص -رضي الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال: ((أنت إمامهم, واقتدِ بأضعفهم, واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) أخرجه الخمسة, وحسنه الترمذي, وصححه الحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(18/3)
"عن ابن عمر وعائشة -رضي الله عنهم-" ضمير الجمع يعود إلى؟ رضي الله عنهم "قالا" عندنا ضمير جمع وضمير تثنية، فضمير الجمع يعود إلى عمر -رضي الله عنه- وابنه وعائشة -رضي الله عن الجميع-، "قالا" القول خاص بابن عمر وعائشة "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)) يعني قبل طلوع الصبح ((فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) الذي يؤذن على طلوع الصبح، يؤذن مع الوقت "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت, أصبحت" يعني دخلت في الصباح، أصبحت أصبحت قد تقال هذه الكلمة وتراد حقيقتها وهي الدخول الفعلي في الصباح، وقد يراد بها أخذ الحيطة والحذر، أخذ الحيطة والحذر، نعم، قد يتأخر الإنسان بالأكل فيقرب من طلوع الصبح فيقال له: أصبحت، وقد تزيد المبالغة فيقال: أضحيت، خشيت أن يأكل في غير وقت الأكل، والأصل في أصبحت دخلت في الصباح، كما يقال: انجد وأتهم وأظلم إلى غير ذلك مما سبق التنبيه عليه "متفق عليه، وفي آخره إدراج" الإدراج من قوله: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت, أصبحت" ليس من أصل الحديث، المدرج ما يزيده الراوي في الخبر، وقد تكون الزيادة والإدراج في أوله، وقد تكون في أثنائه، وقد تكون في آخره، وهو الأكثر كما هنا، والإدراج إما من ابن عمر أو من الزهري، ودليل الإدراج أنه جاء في بعض الروايات عند البخاري: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي" .. إلى أخره.
المقصود أن الأذان المتقدم على طلوع الصبح لا يمنع من الأكل، كما أنه لا يبيح الصلاة على ما تقدم، بينما الأذان الذي يكون مع طلوع الصبح يمنع من الأكل، ويبيح الصلاة على ما تقدم.
الحديث يدل على جواز اتخاذ مؤذنين، ففي مسجده -عليه الصلاة والسلام- كان يؤذن بلال وابن أم مكتوم، وليس هناك فاصل كبير بين الأذانين، إنما غاية ما هنالك أن ينزل هذا ويصعد هذا، كما في بعض الروايات.(18/4)
"وكان رجلاً أعمى" الحديث فيه دليل على جواز قبول خبر المؤذن وإن كان واحداً، فالنداء والأذان إعلام، إخبار بدخول الوقت، والمفترض في المؤذن أن يكون ثقة، فإذا أذن قبلنا خبره، إذا أذن الصبح ما تقول: انظر في التقويم، انظر في الساعة، إذا أذن المغرب وهو ثقة لا تقول: انظر في الساعة هل هو بالفعل، أو انظر إلى الشمس هل غابت؟ لا، يقبل خبره ولو كان أعمى، ولو كان أعمى "وكان رجلاً أعمى" في هذا ما يدل على جواز ذكر الإنسان بعاهته إذا كان القصد من ذلك مجرد التعريف، ولم يقصد بذلك شينه ولا عيبه، تقول: جاء الأعمى، راح الأعمى {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [(1) سورة عبس] إيش؟ {أَن جَاءهُ الْأَعْمَى} [(2) سورة عبس] وهنا "وكان رجلاً أعمى" هل يراد بذلك عيب ابن أم مكتوم؟ أو للحاجة الداعية إلى ذكر هذه العاهة لتعريف السامع بالسبب إذا لم يعرف هذا الشخص، إذا كانت العاهة لها أثر في الخبر كما هنا تذكر، إذا كان الشخص لا يعرف إلا بها كالأعمش والأعرج، ولا يقصد بذلك شينه ولا عيبه جاز، وهذا مستفيض عند أهل العلم، عن الأعمش، وله اسم: سليمان بن مهران، والأعرج له اسم: عبد الرحمن بن هرمز، فإذا لم يقصد بذلك شينه ولا عيبه جاز، وفي أيضاً جواز نسبة الرجل إلى أمه، وهذا كله مقيد بما إذا لم يكن يكره ذلك، أو كانت الأم أشهر من الأب، في قوله -جل وعلا-: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [(5) سورة الأحزاب] هذا الأصل، فإذا كان يكره النسبة إلى أمه أو كان أبوه أشهر من أمه لا يجوز أن يدعى بأمه، لكن إذا كانت الأم أشهر وأعرف عند الناس لا مانع إذا لم يكن القصد من ذلك الحط من قيمته، ولا التقليل من شأن أبيه ولا ازدراء الأب، إنما هو مجرد التعريف {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] في القيامة يدعى الإنسان بأحب الأسماء إليه {بِإِمَامِهِمْ} إيش معنى بإمامهم؟ هل المراد به جمع أم؟ أو المراد به الإمام المتبوع؟
طالب:. . . . . . . . .(18/5)
نعم، نعم يراد به المتبوع، من أهل العلم من شذ وقال: إن الناس في القيامة يدعون بأمهاتهم، بإمامهم جمع أم، ولا عهد أن الأم تجمع على إمام إنما تجمع على أمات وأمهات، فقال بعضهم: يدعى الناس بأمهاتهم؛ لأن إمام جمع أم، ويذكرون، يعللون لهذا القول أن فيه تشريفاً لعيسى -عليه السلام-، وهو منسوب لأمه؛ لأنه ليس له أب، عيسى بن مريم، وستراً على أولاد الزنا، هذه علة هذا القول، ومعروف أن ولد الزنا ينسب لأمه، ولا ينسب إلى أبيه؛ لأن العاهر له الحجر، فهنا نُسب ابن أم مكتوم المؤذن إلى أمه "حتى يقال له: أصبحت, أصبحت" قبول الخبر من وراء حجاب، قبول الخبر من وراء حجاب إذا وثق بالصوت يجوز أن يتروي عن من لا ترى شخصه إذا وثقت بصوته، كما أنه يجوز لك أن تروي عنه وجادة إذا جزمت بأن هذا خطه، وإن لم تسمع من كلامه، تروي عنه وجادة، وتروي عنه من وراء حجاب إذا لم تشك بالصوت، وشعبة بن الحجاج يمنع من الرواية إذا لم يرَ الشخص، لئلا يتلبس الشيطان ببعض الناس ويحدثهم فينقلون، ينقلون عنه، والله المستعان، والراجح في هذا قول الجمهور.
والإدراج حكمه؟ عرفنا معناها: الزيادة في الخبر، سواءً كانت الزيادة في أول الخبر أو في أثنائه أو في آخره
تعمد الإدراج عند أهل العلم، الإدراج إذا كان لمجرد تفسير كلمة غريبة، أو لتوضيح كلام موجود في أصل المتن لا إشكال فيه، وهذا كثير في النصوص، لكن إذا وجد الإدراج بحيث أن هذا الراوي المدرج لا ينبه على هذا الكلام المدرج في بعض المجالس بحيث يروى عنه من بعض الطرق أنه من كلامه، إن لم يفصل بين كلامه وبين كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض المجالس وأوهم الناس أن هذا من كلامه -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا حرام، يعرف المدرج بجمع الطرق، لا بد أن يبين الكلام المدرج، فالمدرج يأتي في بعض الطرق ما يدل عنه أنه هو الذي زاد هذا الكلام.(18/6)
وعرفنا أن في الحديث ما يدل على جواز اتخاذ مؤذنين يؤذن الواحد بعد الآخر، أو الثاني بعد الأول، أما اتخاذ مؤذنين في آن واحد، في آن واحد هذا منعه قوم؛ لأنه يحصل به التشويش، يشوش بعضهم على بعض، وعلى هذا إذا أمن التشويش وصار في اجتماع الصوتين قوة في الصوت يمنع وإلا ما يمنع؟ وإذا وجد في المسجد أكثر من منارة وهي متباعدة مترامية لكبر المسجد بحيث إذا أذن أحدهما في المنارة التي في أقصى اليسار يضعف صوته عمن عن يمين المسجد والعكس إذا أذن من على المنارة التي في أقصى اليمين قد لا يسمعه من على شمال المسجد وعن يساره، فمن منع لأجل التشويش مثل هذا يحقق مصلحة، ولا يوجد تشويش، على أنه لو أذن من عن جهة اليمين أولاً فإذا فرغ أذن من على جهة الشمال لا بأس، أما أذانهما في آن واحد فهو غير مأثور، أظن هذا كان موجود في المسجد النبوي في آن واحد يؤذنون؟ ثم منع هذا.
الحديث الذي يليه:
حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- "إن بلالاً أذن قبل الفجر, فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ((ألا إن العبد نام)) رواه أبو داود وضعفه" لأنه قال عقب تخريجه: "هذا الحديث لم يره عن أيوب إلا حماد بن سلمة" وقال الترمذي: "هذا حديث غير محفوظ" إذا كان الحديث غير محفوظ يحكم عليه بأنه؟ إيش اللي يقابل المحفوظ؟ الشاذ، ما وجه الشذوذ في الخبر؟ أولاً: الشاذ تعريفه؟ نعم.
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه
هنا فيه مخالفة؟
طالب:. . . . . . . . .
"إن بلالاً أذن قبل الفجر" في الحديث السابق الذي قبله: "إن بلالاً يؤذن بليل" الحديث الثاني مخالف للحديث الأول نعم، وجه المخالفة بين الحديث الثاني والحديث الأول نعم أمره بالرجوع، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرجع فينادي، وهل يتصور أن يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يقول: نادِ في الناس: ألا إن العبد نام؟ مع أنه ينادي بليل، يؤذن بليل كما في الحديث الصحيح المتفق عليه، فلا شك أن هذا شاذ، مخالف لما هو أقوى منه؛ ولذا ضعفه أبو داود بعد روايته.
الحديث الذي يليه:(18/7)
حديث "أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) قولوا مثل ما يقول المؤذن "وللبخاري: عن معاوية -رضي الله عنه- مثله، ولمسلم: عن عمر -رضي الله عنه- في فضل القول كما يقول المؤذن كلمةً كلمة" يعني يقول: كلمة كلمة "سوى الحيعلتين, فيقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) تتحقق المماثلة في متابعة المؤذن جملة جملة، وجاء التفصيل من حديث عمر: "فإذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر" بهذا يستدل من يقول باستحباب جمع الجملتين في التكبير، لكن لو كان المؤذن يستغرق أذانه خمس دقائق كما هو مشاهد في بعض الجهات، والإنسان بيده عمل أو بيده كتاب يقرأ أو مصحف ويقول: إذا قرب من الفراغ أسرد الأذان هل تتم المتابعة بمثل هذا؟ كثير من الناس يقول: بدلاً من أن أنتظر خمس دقائق أتابع المؤذن أقرأ ربع جزء من القرآن فإذا قال: حي على الفلاح أدركت، سردت جمل الأذان وختمت معه، وقلت بعد ذلك: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وأنال ما جاء هنا.
((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول)) هذا يقتضي أن تكون كل جملة بعد قول المؤذن هذه الجملة؛ لأنه إذا قال: حي على الفلاح فقلت: الله أكبر، أو قلت مثل ما يقول، لا تتم المماثلة يعني في مماثلة من وجه، لكن المماثلة لا تتم إلا إذا كانت جمل المجيب بعد جمل المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ومقتضى العموم أنه يقول مثل ما يقول في جميع جمل الأذان بما في ذلك الحيعلتين، وحديث عمر -رضي الله عنه- بفضل القول كما يقول المؤذن يقول: في الحيعلتين لا حول ولا قوة إلا بالله، مقتضى عموم الحديث الأول -حديث أبي سعيد- أن المجيب يقول مثل ما يقول المؤذن بما في ذلك الحيعلتين، ومقتضى رواية مسلم من حديث عمر أنه يقول: سوى الحيعلتين، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله" وهذه الرواية كالصريحة في أن المجيب يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح.(18/8)
نظير ذلك إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده ماذا يقول المأموم؟ هل يقول المأموم: سمع الله لمن حمده؟ أو يقول: ربنا ولك الحمد؟ نعم؟ المأموم؟ نعم؟ ربنا ولك الحمد، يعني فإذا قال: سمع الله .. ، إذا كبر فكبروا، إذا ركع فاركعوا، إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، ومقتضى الأمر بمتابعة الإمام وعدم الاختلاف عليه أن يقول مثل ما يقول، وهو أيضاً مقتضى الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هذا التوجيه يشمل الإمام والمأموم والمنفرد مقتضى ذلك أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول المأموم سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وبهذا قال الشافعية، والجمهور على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده؛ لأن قول المأموم عقب على قول الإمام بالفاء، نسق على قول الإمام بالفاء التي تقتضي التعقيب المباشر، مباشرة من غير فاصل، وكأن هذا هو المرجح.(18/9)
نعود إلى مسألتنا: إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح فالمجيب يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه يقول في رواية حديث عمر: سوى الحيعلتين، ولولا هذا لقلنا: الجمع ممكن، ولا تنافي بين أن يعمل بالعام نعم ويأتي باللفظ الخاص، لا مانع من أن يأتي باللفظ العام؛ لأنه لا منافاة بين العموم والخصوص، هل في منافاة بين اللفظ العام والخاص؟ لا منافاة، وبهذا قال جمع من أهل العلم أنه يجمع بين حي على الصلاة حي على الفلاح المجيب، ومن بعد ذلك يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لكن المرجح عند أكثر العلماء أنه لا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ لأنه لا فائدة من ذكر هذا الكلام، المؤذن حينما يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح يدعو الناس إلى الصلاة، فهذا أمر بمعروف بالنسبة له فيه فائدة، لكن المجيب وهو يجيب بينه وبين نفسه بكلام سري يقول: حي على الصلاة؟ هذا وجه كون المجيب لا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه من أفضل الأذكار، فإذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر قال المجيب: الله أكبر، الله أكبر، لأن هذا ذكر يثاب عليه المجيب، والشهادتين كذلك، إلى آخر الأذان، إذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم، ماذا يقول المجيب؟ العموم الذي معنا ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) يقتضي أن المجيب يقول: الصلاة خير من النوم، وبعض المتأخرين من الفقهاء يقول: الصلاة خير من النوم خبر، يعني لا فائدة في ذكره سراً، مثل حي على الصلاة، وإنما يقول بدل ذلك: صدقت وبررت، صدقت وبررت، وهذا مجرد استحسان لا دليل عليه، ولذا لا يشرع مثل هذا الكلام؛ لأنه لا دليل عليه، وإنما يقال مثل ما يقول المؤذن، مثل ما يقول المؤذن.
أخذت الحديث هذا؟ حديث عثمان قرأته؟ هاه؟
نعم يليه حديث:
"عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، فقال: ((أنت إمامهم, واقتدِ بأضعفهم)).(18/10)
"اجعلني إمام قومي، فقال: ((أنت إمامهم)) هذا طلب، طلب الإمامة، يعني هل طلب الإمامة مثل طلب الإمارة المنهي عنه؟ ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) هل طلب الإمام من هذا الباب؟ "اجعلني إمام قومي" لا شك أن الطلب يتفاوت بحسب القصد، فمن طلب الإمامة قصده ألا تفوته الصلاة، وأن يلتزم وينضبط، يضبط أوقاته، ويراجع حفظه، ولا تفوته الصلاة بخلاف ما لو كان غير إمام مثلاً بعض الناس إذا صار إمام انضبط، وإذا سافر يمين وإلا شمال وإلا ترك الإمامة كثرت مشاغله فخف حرصه، فجاء النهي عن طلب الإمارة، وجاء الخبر بأننا لا نولي هذا العمل من طلبه أو حرص عليه، وهذا في أمور الدنيا، في أمور الدنيا، فإذا طلب الإمامة من أجل المكافئة، نعم لا يجوز، من أجل المكافئة، لكن إذا طلبها لمقاصد صحيحة ليحافظ على حفظه ويزداد من الحفظ وينضبط في صلاته، بعض الناس ما يجتمع قلبه إلا إذا صار إمام، يحرص على ضبط الصلاة إذا صار إمام، إذا صار مأموم يغفل تكثر عنده الغفلة، وبعض الناس العكس، ونظير هذا القارئ في الدرس، بعض الناس إذا وكلت إليه القراءة انشغل بالقراءة فما فهم شيء، وبعض الناس إذا وكلت إليه القراءة انتبه وصار مع الدرس بقلبه وقالبه بخلاف ما لو كان كذلك فإنه يسرح، على كل حال الناس يختلفون أحد إذا كلف بالعمل انضبط، وأحد ..
من باب الاستطراد هل الأفضل الإمام الذي يضبط صلاته لأنه إمام، أو الإمام الذي ينتبه إلى المعاني ويترتب على ذلك وجود السهو في صلاته؟ لأن هناك إمام يندر سهوه؛ لأن أمامه بعض الناس الذين يهابهم، أو الجماعة لئلا يقال كثير السهو، ينضبط، تجده مشدود، ملاحظاً من رواءه، وبعض الناس ينظر إلى حقيقة الصلاة، يتدبر ويتأمل في صلاته، ولذا نص بعض المالكية على أن الإمام الذي يسهو في صلاته، أفضل من الإمام الذي لا يسهو في صلاته، الذي يسهو دليل على أنه لم يلاحظ المخلوق، إنما يتأمل ويتدبر في صلاته، والذي لا يسهو إلا نادراً هذا دليل على أنه ملاحظ للمخلوق، مع أنه قد يلاحظ الخالق ولا يسهو، نعم، إذا اعتنى بصلاته وأقبل إليها بقلبه وقالبه وفرغ قلبه وذهنه من مشاغل الدنيا ضبط صلاته، ولا يلزم أن يكون هذا من ملاحظة المخلوق.(18/11)
إذا طلب الإمامة بقصد حسن أجر على هذا القصد، إذا طلبها من أجل الدنيا فإنه لا يؤجر، النبي -عليه الصلاة والسلام- أجابه إلى هذا الطلب، فطلب الإمامة سواءً كانت في الدين أو في الدنيا إذا حسن القصد كشخص تعين عليه القضاء أو شخص تعين عليه الإفتاء، هو أمثل القوم أهل العلم يقولون: لا مانع أن يتعرض لمثل هذا وإن لم يصرح، وقد صرح يوسف -عليه السلام- {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] لكن قد يقول قائل: إن هذا في شرع من قبلنا، وأما في شرعنا فإنه: ((لا تسألوا الإمارة)) على كل حال إذا كان القصد الدين والحرص عليه والمحافظة عليه بمعنى أنه لو لم يولَّ القضاء هو -هذا الشخص- أو الإفتاء لولي فلان أو علان ممن لا تبرأ الذمة بهم هذا هدف صحيح، ومقصد شرعي يؤجر عليه، أما إذا كان قصده الوجاهة في الدنيا، وحب الشرف أو المال فإنه حينئذٍ يحرم عليه.
((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم)) يعني اجعل الأضعف نصب عينيك، فلا تشق عليه، يعني اجعل الحد الأدنى من التحمل هذا الأضعف ((واقتدِ بأضعفهم)) عندك شخص يتحمل الوقوف خمس دقائق، وآخر يتحمل الوقوف ربع ساعة، وآخر يتحمل نصف ساعة، ورابع يتحمل ساعة، اقتد بهذا الأضعف الذي لا يتحمل أكثر من خمس دقائق.
((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) أخذ الأجرة على الإمامة على الأذان على التعليم تعليم القرآن، تعليم الحديث، تعليم العقائد، تعليم الأحكام الحلال والحرام، تعليم العلوم الأخرى من اللغة والتواريخ وغيرها، أخذ الأجرة على العبادات المحضة عند أهل العلم لا يجوز، لو قال: أنتم تقولون: صلِ، لكن أنا ما أصلي إلا بكذا، ولا مأموم ما أصلي إلا بمبلغ كذا، يحرم عليه، تقولون: صم رمضان، ما أصوم إلا كل يوم بمائة ريال، نقول: حرام عليك، لكن إذا قال: أنا مستعد للإمامة أصلي بكم، ولا أريد أجر على الإمامة، أريد أجر على ارتباطي حول المسجد، أنا أبا ارتبط وهذه حجة كثير من الناس، نعم، يقول: أنا با انشغل بالمساجد عن المصالح، نقول: لا مانع من أن يفرض له جُعل من بيت المال، أما أن يشارط ويقول: لا أصلي بكم إلا بكذا، يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "من يصلي خلف هذا؟! ".(18/12)
((لا يأخذ على أذانه أجراً)) الأجر والمشارطة في العبادات لا تجوز، ولا مانع من أخذ الجعل من بيت المال، أما بالنسبة للتعليم وقصر النفس عليه والتفرغ له، والانقطاع عن المصالح، والكسب له ولولده فجمهور أهل العلم على جواز أخذ الأجرة عليه، وعمدتهم في ذلك الحديث الصحيح: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) يعني إذا جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، فمن باب أولى أن يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحديث، على أن الإمام أحمد -رحمه الله- والحميدي وجمع من أهل التحري يمنعون أخذ الأجرة على الحديث، لكن جمهور أهل العلم على جواز أخذ الأجرة على التحديث؛ لا سيما إذا أفضى إلى انقطاع هذا المعلم من الكسب له ومن تحت يده، بعضهم يفرق بين العلوم الشرعية التي هي عبادات وبين العلوم -علوم الدنيا- أو علوم الوسائل كالعربية مثلاً يجيز أخذ الأجرة على ذلك، وقد عرف من أهل العلم من يأخذ الأجرة على التحديث، وعرف من يأخذ أجرة على تعليم العربية، حتى ذكر عن بعضهم أنه لا يعلم ألفية بن مالك إلا كل بيت بدرهم، كل بيت بدرهم، على كل حال الورع شيء والحكم بالمنع والتحريم شيء آخر.
أما بالنسبة للعبادات المحضة كالإمامة والأذان فالمشارطة والمؤاجرة عليها هذا أمره معروف، لكن إذا جعل له من بيت المال على أن لا يكون الهدف هو هذا الجعل، نعم كونه يستعين به لأنه انقطع وتفرغ هذا أمر ثاني لا بأس به -إن شاء الله تعالى-، والآن يذكر نماذج من الأئمة والمؤذنين من تعلقت قلوبهم بمثل هذه الأجرة، أو بالبيوت التي تعمر للأئمة والمؤذنين، من الطرائف أن إمام مسجد ترك، ترك المسجد، رآه واحد من الجماعة بعد مدة وين يا فلان؟ قال: والله لقيت بيت أكبر شوية فيه زيادة غرفة، مثل هذا يعني الله المستعان هي عبادة، مثل هذا الذي يقول فيه الإمام أحمد: "من يصلي خلف هذا؟! ".
"أخرجه الخمسة, وحسنه الترمذي, وصححه الحاكم" فالخبر أقل أحواله الحسن.
الحديث الذي يليه.
وعن مالك بن الحويرث -رضي الله تعالى عنه- قال: قال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) .. الحديث أخرجه السبعة.(18/13)
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: ((إذا أذنت فترسل, وإذا أقمت فاحدر, واجعل بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الآكل من أكله)) الحديث رواه الترمذي وضعفه.
وله: عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤذن إلا متوضئ)) وضعفه أيضاً.
وله: عن زياد بن الحارث -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ومن أذن فهو يقيم)) وضعفه أيضاً.
ولأبي داود: من حديث عبد الله بن زيد أنه قال: أنا رأيته -يعني: الأذان- وأنا كنت أريده، قال: ((فأقم أنت)) وفيه ضعف أيضاً.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- ...
يكفي، يكفي.
حديث "مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) وحضور الصلاة إما حضور وقت الصلاة كما هو الأصل في شرعية الأذان، أو حضور فعل الصلاة ((فليؤذن لكم أحدكم)) اللام لام الأمر، وهذا أحد أدلة الوجوب، أحد أدلة القائلين بوجوب الأذان، ووجوبه ظاهر من هذا الحديث وغيره ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) وهذا يدل على أنه لا يشترط في المؤذن مزيد على الإسلام (أحدكم) مع أن من يلاحظ المعاني ويلاحظ عمومات ما جاء من النصوص في الأذان أن الأندى صوت أولى، الأعرف بالأوقات أولى من غيره، فالمؤذن له شروط: لا بد أن يكون ثقة يعتمد على خبره، وأن يكون عارفاً بالأوقات، وأن يكون ندي الصوت، وهذا اللفظ مجمل (أحدكم) بينته النصوص الأخرى "أخرجه السبعة" والمراد بهم السبعة؟ هاه؟ الخمسة من هم؟ أبو داود على الترتيب البخاري ومسلم أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، هؤلاء هم السبعة وهم الجماعة.(18/14)
"وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: ((إذا أذنت فترسل, وإذا أقمت فاحدر)) ((إذا أذنت فترسل)) أي تأنى ورتل ((وإذا أقمت فاحدر)) فأسرع، فالأذان كما هو معلوم شرع لنداء الغائبين إلى الصلاة، ويناسب الغائب عدم العجلة وعدم السرعة، بينما الإقامة لإعلام الحاضرين، فالحاضر يعلم بالإقامة وإن كانت مع السرعة والحدر، على أن الخبر ضعيف، رواه الترمذي وضعفه؛ لأن في إسناده جهالة، له شواهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان ومن حديث أبي بن كعب، لكنها كلها واهية لا تقبل الانجبار، لكن معناه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ((إذا أذنت فترسل)) صحيح معناه صحيح، ((وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الآكل من أكله)) والشارب من شربه، وصاحب الحاجة من قضاء حاجته إذا دخل لقضاء حاجته، المقصود أن الخبر ضعيف، نعم يجعل بين الأذان والإقامة ما يكفي لتحصيل شرط الصلاة، ما يكفي لتحصيل شرط الصلاة، والآن الجهات حددوا مدد معلومة لإعطاء الفرص للحضور إلى الصلاة، فرض كافية بين أذان الصبح وصلاة الصبح وقت محدد، وبين أذان الظهر وصلاة الظهر وقت كذلك محدد، وهكذا بقية الأوقات، وهذه أمور تنظيمية لا مانع من الإلزام بها إذا رأى ولي الأمر ذلك، وإلا فالأصل إذا لم يشق على الناس أن الإمام يراعي حال المأمومين، إذا اجتمعوا بادر، وإذا تأخروا تأخر وهكذا، لكن في مثل هذه الأوقات لا يمكن ضبط الناس بهذه الطريقة، ولو وجد مجموعة يمكن أن تكون ظروفهم متماثلة تطبق فيهم السنة.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه باب: كم بين الأذان والإقامة؟ ولم يذكر حداً محدداً؛ لأنه لم يثبت عنده في ذلك شيء.
"وله: عن أبي هريرة" له أي للترمذي؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور وهو الترمذي، "وله عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤذن إلا متوضئ)) وضعفه أيضاً".
ضعفه أيضاً لأن فيه انقطاع، الزهري لا تصح له رواية عن أبي هريرة فالخبر منقطع فهو من قبيل الضعيف ((لا يؤذن إلا متوضئ)) يصح الأذان من المحدث سواءً كان حدثه أصغر أو أكبر على ألا يدخل المسجد من كان حدثه أكبر.(18/15)
((لا يؤذن إلا متوضئ)) الأذان من غير وضوء وإن لم يشترط الوضوء للأذان أو الطهارة للأذان إلا أن المنع يأتي من جهة أخرى، وهي الخروج من المسجد بعد الأذان؛ لأنه إذا أذن وهو غير متوضأ لزم عليه أن يخرج من المسجد ليتوضأ، وجاء في الحديث الصحيح ((أما هذا فقد عصى أبا القاسم)) -صلى الله عليه وسلم-، نعم هذه حاجة لكن ما الداعي إلى مثل هذه الحاجة لو قدر أن إنسان جاء في وقت متأخر على الأذان من مشوار ودخل المسجد وأذن ثم خرج وتوضأ ورجع بسرعة هذا معذور، لكن يكون ديدنه يأتي ليؤدي يسقط هذا الواجب عنه ثم يرجع إلى بيته ويتوضأ ويكمل إن كان عنده شيء من الأعمال ويرجع ما يأتي الصلاة إلا عن دبر مثل هذا.
فالمنع لا لأن الطهارة شرط لصحة الأذان وإنما لما يتطلبه ذلك من الخروج من المسجد بعد الأذان، والخبر كما ذكرنا ضعيف، الخبر ضعيف.
"وله: عن زياد بن الحارث -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أذن فهو يقيم)) وضعفه أيضاً".
له: أي الترمذي ((من أذن فهو يقيم)) ضعفه لأن في إسناده الإفريقي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، والجمهور على أنه ضعيف، وبهذا يضعف الخبر، وإن كان ضعفه غير شديد، لكن هذا حكم من الأحكام لا يثبت بمثل هذا الإسناد، نعم له شواهد "حديث عبد الله بن زيد" الذي يليه عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان "قال: أنا رأيته -يعني: الأذان- وأنا كنت أريده، قال: ((فأقم أنت)) وفيه ضعف أيضاً".
الآن حديث عبد الله بن زيد يشهد لحديث زياد بن الحارث أو هو خلاف ما يدل عليه حديث زياد بن الحارث؟
على كل حال الحكم المشتمل عليه الحديث ((من أذن فهو يقيم)) هو قول أكثر أهل العلم، العمل كما قال الترمذي على هذا عند عامة أهل العلم، من أذن فهو أولى بالإقامة.(18/16)
حديث زياد بن الحارث: ((من أذن فهو يقيم)) وعرفنا أنه ضعيف لأن في إسناده الإفريقي، حديث عبد الله بن زيد قال: أنا رأيته، وهو الذي رآه بالفعل يعني في المنام كما تقدم، وأنا كنت أريده، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً)) قال: ((فأقم أنت)) وفيه ضعف، هل هذا يوافق الحديث السابق أو يخالفه؟ يخالفه، مفاده أنه ألقى الأذان على بلال فأذن بلال، وقوله: ((فأقم أنت)) دليل على أن من أذن .. ، في الحديث الأول: ((من أذن فهو يقيم)) وفي الثاني الذي أقام غير من أذن.
الحديث الذي يليه.
طالب:. . . . . . . . .
الأسئلة؟ طيب.
السلام عليكم.
السؤال الأول أيها الإخوة:
يقول: هل يصح أن ينبه الإمام المأمومين قبل الصلاة إلى سجدة تلاوة سوف يمر بها؟
يعني مثل هذا يتصور أن تكون الصلاة سرية أهل العلم يكرهون أن تقرأ السورة التي فيها سجدة إذا كانت الصلاة سرية؛ لأنها تشوش على الناس، فإذا أراد الإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة سرية هل يسوغ له أن ينبه الناس ويقول: سوف أقرأ سورة فيها سجدة وأسجد فاسجدوا؟ لأنه لو سجد من غير تنبيه لسبحوا به، وما يدريهم أنه سجد للتلاوة، لكن في الصلاة الجهرية الأمر لا يخفى عليهم، مثل هذا غير مأثور، ويبقى أن الصلاة السرية ينبغي ألا يكون فيها سجدة، لتضمنها التشويش على الناس، التشويش على الناس.
طالب:. . . . . . . . .
والنساء لا يرين الرجال؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا يحصل بالنسبة للنساء وبالنسبة للرجال في أواخر الصفوف، لكن من عرف يلزمه أن يعود، من عرف يلزمه أن يعود.
يقول: نلاحظ أن كثيراً من الإخوة الطلبة يبادر على حجز الأماكن الأمامية من غير حرص على الأذكار الواردة بعد الصلاة فهل من نصيحة؟
أما بالنسبة للحجز هذا معروف أن من سبق إلى مباح فهو أحق به، من سبق إلى مباح فهو أحق به، على أن ملازمة الأذكار الواردة في أدبار الصلوات، وفي طرفي النهار أمر مؤكد للمسلم عموماً، وعلى وجه الخصوص طالب العلم، فعليه أن يحرص على هذه الأذكار.(18/17)
يقول: لوحظ في كثير من مجالس الشباب وبعد الأحداث الأخيرة التكلم والطعن في كبار العلماء والتنقيص منهم، فهل من نصيحة بأهمية العلماء في هذا؟
العلماء هم ورثة الأنبياء، والطعن فيهم الطعن في عامة الناس أمر خطير، أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما قرر أهل العلم، والغيبة محرمة فإذا كانت الغيبة لعالم ازداد الأمر سوءاً وتضاعف السيئات لما يترتب على الطعن بهذا العالم من تقليل قيمة هذا العالم في المجتمع، ومن ثم إمامة هذا العالم وتوجيه هذا العالم، وضعف قبول الناس لقوله، فإذا لم يقبل قوله فمن يقبل قوله؟! إذا لم يقبل قول العلماء، إذا لم يكن أثر للعلماء في عامة الناس فمن الذي يؤثر؟! من يترك يؤثر فيهم؟ يترك التأثير بدلاً من أن نقتدي بأئمة هدى عرفوا بالعلم والعمل يترك التأثير للصحف والمجلات والقنوات وغير ذلك! ونعرف من علمائنا -ولله الحمد- العلم والعمل والنصح والإخلاص، وليسوا بالمعصومين، وكون الإنسان لا بد أن يفرض رأيه وفهمه على الآخرين هذا ما هو بصحيح، هذا فهمك، ألا تريد .. ، أنت لا تريد الحق هو في الغالب أعرف منك بتحقيق المصلحة من جهة ومعرفة ما يدل عليه نصوص الكتاب والسنة.(18/18)
على كل حال التقليل من شأن أهل العلم خطر عظيم؛ لأن بعض المجتمعات التي لا يقودها العلماء ولا ينصاع أهلها إلى أقوال أهل العلم ضاعت، إذا لم يكن هناك أئمة يقتدى بهم فبمن يقتدى؟ يقتدى بالسفهاء، يقتدى بالجهال، يسيرنا الصحافة، يسيرنا قنوات وغيرها؟ لا، أبداً، العلماء هم ورثة الأنبياء، ونجزم يقيناً أنهم على خير عظيم، وعلى اجتماع واقتران بين علم وعمل وليسوا بالمعصومين، قد يجتهد فيخطئ، ومن نعم الله -سبحانه وتعالى- على أهل العلم أهل الاجتهاد، أهل الورع أن الواحد منهم إذا اجتهد فهو مأجور على كل حال أصاب أو أخطأ، لكن بعض الشباب يأخذهم شيء من الغيرة وهم -إن شاء الله- مأجورون على هذه الغيرة وبعض الحماس، لكن ما يترتب على هذه الغيرة من قدح في الآخرين، وفرض الرأي على الكبير والصغير، لا بد أن يكون رأيه هو الصواب، والعالم الفلاني قصر، ليش قصر؟ هو أعرف منك بالمصلحة، هناك أمور ظاهرة يعني التقصير فيها قد يكون ظاهر، لكن هم يقدرون المصالح والمفاسد المترتبة على النصح في هذا الظرف أو التغيير أو مطالبة بتغيير أو شيء من هذا.
على كل حال التقليل من شأن العلماء أمر خطير يجعل البلد يضيع كغيره من البلدان حينما ضاعت قيمة العلماء، والله المستعان، ولا ندعي أن شيوخنا معصومون، لا، هم كفاهم أنهم مجتهدون، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.
هذا يقول: قد حضر عدد من النساء لا بأس به في هذا الدرس، فهل من نصيحة لهن في الحث على الطلب والمواصلة في ذلك مع ذكر الأمثلة التشجيعية؟(18/19)
النساء شقائق الرجال، النساء شقائق الرجال، والمسائل التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- يجب .. ، المسائل التي يجب تعلمها لكل مسلم ومسلمة، نعم، فالنساء يطلب منهن ما يطلب من الرجال، فيما يسوغ لهن فعله، أما ما لا يسوغ للمرأة عمله وتوليه استثني من ذلك، فجاء في الخبر الصحيح: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) فمثل هذا الولايات هي للرجال، كما أن للنساء أعمال مرتبطة بهن لا يحسنها الرجال، يبقى أمور مشتركة مثل تحصيل العلم، والعمل، العبادة مطلوبة من الرجال والنساء على حد سواء، التعلم والتحصيل والتأصيل مطلوب من النساء كما هو مطلوب من الرجال؛ لأن المفترض أن النساء يتولين ما يتعلق بالنساء والرجال يتولون ما يتعلق بالرجال، والله المستعان.
قال -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤذن أملك بالأذان, والإمام أملك بالإقامة)) رواه ابن عدي وضعفه.
وللبيهقي نحوه: عن علي -رضي الله تعالى عنه- من قوله.
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)) رواه النسائي, وصححه ابن خزيمة.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة, آت محمداً الوسيلة والفضيلة, وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة)) أخرجه الأربعة".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤذن أملك بالأذان, والإمام أملك بالإقامة)) رواه ابن عدي وضعفه" لماذا؟ لأنه تفرد به شريك بن عبد الله بن أبي نمر القاضي معروف بسوء الحفظ، وهل نحتاج إلى أن يقول الحافظ: وضعفه؟ أو مجرد ما يتفرد بروايته ابن عدي نعرف أنه ضعيف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، مجرد ما يتفرد ابن عدي برواية الخبر نعرف أنه ضعيف، لماذا؟ لأنه لا يروي في كتابه الكامل إلا أحاديث هي ما عُد من تفرد به الراوي المترجم به وأنكر عليه، يعني منكرات، ولذا يقول الناظم صاحب طلعة الأنوار:(18/20)
وما نمي –يعني في مظان الضعيف- وما نمي لعق اللعق إيش؟ العقيلي، وما نمي لعق وعد، عد عدي، ابن عدي، وخط الخطيب، وكر ابن عساكر.
وما نمي لعق وعد وخط وكر ... ومسند الفردوس ضعفه شُهر
إلى آخر ما يقول، المقصود أن الكامل لابن عدي من مظان الضعيف، فلا يحتاج أن يقول الحافظ: وضعفه، لكنه تصريح بما هو مجرد توضيح، يعني كأن الكتاب ألفه الحافظ لصغار المتعلمين فقد يخفى عليهم هذا فنبه على أنه .. ، أن ابن عدي ضعفه وإلا فلا يحتاج، إذا قال: رواه ابن عدي فهو ضعيف معروف، وعرفنا علته.
يقول البيهقي: "ليس بمحفوظ" ((المؤذن أملك بالأذان, والإمام أملك بالإقامة)) الحديث ضعيف، لكن هل للإمام أن يتدخل في الأذان؟ يقول للمؤذن: قدم، آخر؟ المفترض في المؤذن أنه ثقة، ويعرف الأوقات دخولاً وخروجاً، فليس من صلاحيات الإمام أن يتدخل في الأذان، كما أن الإقامة مربوطة بالإمام، هذا الحديث معناه صحيح، ولذا ثبت عند البيهقي نحوه موقوفاً على علي -رضي الله عنه- من قوله، أما المرفوع ضعيف، والموقوف صحيح، فليس للإمام أن يتدخل بالأذان، وليس للمؤذن أن يفتات على الإمام فيقيم قبل حضور الإمام إلا إذا كان هناك بينهم علامة أنه مجرد ما يدخل يقيم، أما إذا كان مرة يأمره بالإقامة، ومرة يتنفل، ومرة يجلس، ومرة كذا، الإقامة من نصيب الإمام.
"وعن أنس -رضي الله عنه-" النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)) وبلال إذا حان وقت الإقامة ذهب فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم جاء فأقام، أحياناً يقوم المأمومون قبل أن يحضر الإمام، وقد يتأخر الإمام بعد الإقامة، النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل في يوم من الأيام فأقام بلال، فتذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن عليه غسلاً، رجع واغتسل وهم قيام، ولم تعد الإقامة، الإقامة لم تعد.(18/21)
جاء في الحديث عند البيهقي وغيره أن قيام المأموم عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة" هو المنصوص عليه عند الحنابلة "والقيام عند (قد) من إقامتها" لكن الخبر ضعيف، الخبر ضعيف، في سنده الحجاج بن أرطأه، وهو ضعيف عند عامة أهل العلم، المقصود أن القيام قيام المأموم مربوط برؤية الإمام ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)).
الحديث حديث أنس الذي يلي هذا "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)) رواه النسائي, وصححه ابن خزيمة" وهو أيضاً مخرج في سنن أبي داود ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)) هذا من المواطن التي ترجى فيها إجابة الدعاء، بين الأذان والإقامة، يعني بعد متابعة المؤذن وقول ما سيأتي قوله: "اللهم رب هذه الدعوة التامة"؟ .. إلى آخره، إذا دعا الإنسان لنفسه بما شاء من خير الدنيا والآخرة ترجى إجابة هذه الدعوة إلى أن تقام الصلاة.
ذكر البيهقي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول عند كلمة الإقامة: ((أقامها الله وأدامها)) ((أقامها الله وأدامها)) وفي إسناده شهر بن حوشب، شهر بن حوشب، ضعيف وإلا ثقة؟ ضعيف، في مقدمة الصحيح في مسلم: "ألا إن شهراً" إيش؟ نزكوه، "ألا إن شهراً نزكوه" إيش معنى نزكوه؟ رموه بالنيزك يعني ضعفوه، فهذا الخبر ضعيف.
حديث جابر عندك وإلا ما هو عندك؟ لأنه ما وجد في كثير من النسخ.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف أنه قرئ، لكن عندك في النسخة كذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ عندكم الحديث حديث جابر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: "وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء)) حين يسمع النداء، إيش معنى حين يسمع النداء؟ يعني في أثنائه أو بعد الفراغ منه؟ أنا أريد دلالة اللفظ، أنا أريد دلالة اللفظ؟ هاه؟ من قال حين يسمع النداء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هل معنى هذا إذا فرغ من إجابة المؤذن؟ المقصود إذا فرغ أو وقت سماعه النداء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(18/22)
حين، الحين إيش معناه؟ وقت، الحين الوقت، فهل معنى هذا من قال وقت سماع النداء أو بعد الفراغ من النداء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني وقت سماع النداء تقول مثل ما يقول، يعني وقت سماع النداء مستغرق بإجابة المؤذن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقصد دلالة اللفظ، لا أقصد شيء معروف في الذهن ودارجين عليه هذا أمر آخر، وهو صحيح ما في إشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، إيش يقول؟ تمام، هذا الذي يحدد المراد من الحديث أنه بعد سماع النداء وإجابة المؤذن والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- تسأل له الوسيلة، المراد بسؤال الوسيلة ما جاء في هذا الحديث، حين يسمع النداء، الفعل المضارع قد يطلق ويراد به ما يرادف الماضي، كما أن الماضي يطلق ويراد به المستقبل، فهما متقارضان، الماضي السياق قد يدل على أن الفعل يكون بعد تمام ما رتب عليه، بعد تمام ما رتب عليه، وأحياناً يكون عند إرادة ما رتب عليه، وأحياناً يكون عند الشروع فيما رتب عليه.(18/23)
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إيش معنى هذا؟ إذا أردتم القيام {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة، أحياناً يطلق الماضي ويراد به الإرادة -إرادة الفعل- وأحياناً يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، وهذا هو الأصل، هذا هو الأصل إرادة الفراغ ((إذا كبر فكبروا)) هل معنى هذا إذا أراد أن يكبر؟ نعم؟ هل معنى هذا إذا أراد أن يكبر الإمام نكبر؟ لا، هل معنى هذا أنه إذا شرع الإمام في التكبير نكبر؟ أو إذا فرغ من التكبير نكبر؟ إذا فرغ ((إذا ركع فاركعوا)) هل المراد به إذا أراد أن يركع؟ نعم؟ لا، هل المراد به إذا فرغ من الركوع نركع؟ نعم؟ إذا فرغ؟ متى يفرغ من الركوع؟ إذا انتظرت حتى يفرغ فاتتك الركعة، إذا شرع، إذا شرع في الركوع فاركعوا، المقصود أن مثله الفعل الماضي، فحين يسمع إذا سمع، بدليل رواية مسلم، بعد الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ((يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة, آت محمداً الوسيلة والفضيلة, وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته)) والثواب المرتب على ذلك: ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) يقول: "أخرجه الأربعة" هو مخرج في البخاري إضافة إلى الأربعة.(18/24)
الدعوة التامة ((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) التي هي إيش؟ دعوة التوحيد، دعوة التوحيد، وهي تكون في آخر الأذان بشهادة أن لا إله إلا الله، وفي أوله وفي آخره، في أوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وفي آخره: كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، الوسيلة ((اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة)) قائمة، يعني التي أقيم لها، أو ستقام، التي ستقام ((آت محمداً -عليه الصلاة والسلام- الوسيلة)) وهي ما يتقرب به إلى الله -عز وجل-، ((والفضيلة)) المرتبة الزائدة على سائر الخلق ((وابعثه مقاماً محموداً)) مقاماً محموداً بحيث يحمد قيامه -عليه الصلاة والسلام- فيه، ومعنى ابعثه أي: أعطه، أو ابعثه من قبره متصفاً بهذا الوصف ((مقاماً محموداً)) والتنكير هنا للتعظيم والتفخيم، وقد روي بالتعريف عند النسائي وابن حبان: ((ابعثه المقام المحمود الذي وعدته)) والتنكير أولى، لماذا؟ لأمور: لما يشتمل عليه من تعظيم وتفخيم؛ ولأنه هو الموافق لما جاء في القرآن {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] وهو أيضاً المروي في الصحيح، هو المروي في الصحيح، ولما يشتمل عليه التنكير من التعظيم والتفخيم، وأيضاً هو الموافق لما جاء في القرآن الكريم، نأخذ من شروط الصلاة؟ على شان نخفف عن الغد.
باب: شروط الصلاة:
باب: شروط الصلاة:
"عن علي بن طلق -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ, وليعد الصلاة)) رواه الخمسة, وصححه ابن حبان.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه ابن خزيمة.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به)) يعني: في الصلاة، ولمسلم: ((فخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقاً فاتزر به)) متفق عليه.
ولهما من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: ((لا يصلِّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)).(18/25)
وعن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- "أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار? قال: ((إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)) أخرجه أبو داود، وصحح الأئمة وقفه.
شروط الصلاة: الشروط جمع شرط والشرط في اللغة: العلامة، الشرط العلامة، من ذلكم قول الله -جل وعلا-: {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} [(18) سورة محمد] يعني علاماتها.
في عرف أهل العلم في الاصطلاح في الشرع: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يلزم من عدم الشرط عدم المشروط، يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة، لكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة، قد يتطهر الإنسان ولا يصلي، لكن إذا لم يتطهر فإنه لا يصلي، فيلزم من عدم الشرط من عدم الطهارة عدم الصلاة، قد يقول قائل: لا يلزم من عدمه العدم، قد يصلي وهو غير متوضأ غير متطهر، نقول: المقصود بالعدم الشرعي؛ لأن الصلاة التي لا يعتد بها شرعاً وجودها مثل عدمها، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للمسيء: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصل)) يعني لو قال قائل: إنه صلى، في الصورة صلى، وقف وركع وسجد كيف يقول: لم تصل؟ الصلاة التي لا يعتد بها شرعاً، ما انتفت حقيقته الشرعية لا وجود له، وجوده مثل عدمه، عندنا شرط لا تصح العبادة إلا به، وعندنا أيضاً ركن لا تصح العبادة إلا به، فهل هناك فرق بين الشروط والأركان أو لا فرق؟
في الشروط لا تصح العبادات ولا تسقط لا سهواً ولا عمداً، ومثلها في الأركان، إذن كيف يقول أهل العلم: هذه شروط وهذه أركان؟ مثلاً النية هل هي شرط وإلا ركن؟ تكبيرة الإحرام هل هي شرط وإلا ركن؟ إيش الفرق بينها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ أنت يا أخي أنت.
طالب:. . . . . . . . .(18/26)
الشرط ما كان قبل الصلاة، والركن ما كان في أثنائها، نعم، نعم الركن جزء الماهية، والشرط خارج الماهية، الشرط خارج الماهية، والركن جزؤها وداخل الماهية، داخل الشيء، يعني من الأمثلة على ذلك: تكبيرة الإحرام عند جمهور أهل العلم أنها ركن، ويرى الحنفية أنها شرط، وأشرنا فيمن شرع في صلاته قبل دخول الوقت أنه على مذهب الحنفية أنه لو قال: الله أكبر فدخل الوقت صلاته صحيحة، بينما عند الجمهور لا تصح صلاته؛ لأنه أوقع جزءاً من ماهية الصلاة قبل الوقت، لو كبر وهو حامل نجاسة حامل نجاسة فقال، لو افترضنا أن هذه عين متنجسة، فقال: الله أكبر، عند الحنفية صلاته إيش؟ صحيحة؛ لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، وعند الجمهور صلاة باطلة؛ لأنه حمل النجاسة .. إلى غير ذلك من الفروق.
المقصود إذا كان الشرط والركن يجتمعان في كون كل منهما مؤثر في الصلاة في صحتها إذا وجد وفي بطلانها إذا فقد، إلا أن هناك من الفروق ما هو واضح وله آثار عملية؛ لأن الشروط خارج الماهية والأركان داخل الماهية.
الشروط تختلف من باب إلى باب، وتختلف أيضاً من شرط إلى آخر، منها ما هو شرط صحة، ومنها ما هو شرط إجزاء، ومنها ما هو شرط وجوب، فمثلاً شروط الصلاة التسعة من يعدها؟ شروط الصلاة؟ ثلاثة ما تبي عدد لأنها معروفة في كل العبادات، نعم، الإسلام والعقل والتمييز، استقبال القبلة، ستر العورة، والنية، دخول الوقت، الطهارة من الأحداث وإزالة النجاسة، الطهارة من الأنجاس، هناك شروط لكن هذه ما تتصور في الصلاة، شروط للعقد وشروط في العقد، يعني هذه في المعاملات تجي، يأتي في المعاملات مناسب ذكره في الشروط، هناك شروط للعقود، يعني لصحة العقود، فالبيع لا يصح إلا بسبعة شروط، وهناك شروط في العقود، نعم، شروط في العقود يشترطها أحد المتعاقدين احتياطاً لنفسه، المقصود هذا وقته سيأتي.
"عن علي بن طلق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ, وليعد الصلاة)) رواه الخمسة, وصححه ابن حبان".(18/27)
وهو وإن صححه ابن حبان إلا أنه ضعيف، في إسناده مسلم بن سلام الحنفي مجهول لا يعرف، ومداره عليه، فالخبر ضعيف، كيف صححه ابن حبان؟ جمع من أهل العلم عرفوا بالتساهل كابن حبان والحاكم وابن خزيمة، وإن كان أمثل منهما، والترمذي وإن كان أمثل من الجميع، في شيء من التساهل، فقد يحكم على الخبر بالصحة وهو لا يبلغها، منها هذا.
علي بن طلق وهذا يصلح مثال لما أشرنا إليه بالأمس؛ لأنه تقدم حديث طلق بن علي، طلق بن علي، في نواقض الوضوء، الوضوء من مس الذكر حينما قال: ((إنما هو بضعة منك)) وهذا علي بن طلق ابن عبد البر يقول: أظنه والد طلق بن علي، ومال أحمد والبخاري إلى علي بن طلق وطلق بن علي اسم لذات واحدة، فهذا من الجمع والتفريق، الجمع والتفريق الذي أشرنا إليه بالأمس، يعني يوجد نصر بن علي وعلي بن نصر، أحدهما والد للثاني، ويوجد هنا علي بن طلق وطلق بن علي، هل نقول: هذا والد هذا؟ أو نقول: هما اسمان لذات واحدة؟ نعم البخاري -رحمه الله تعالى- وأحمد يقولان: بأنهما ذات واحدة، علي بن طلق وطلق بن علي.(18/28)
"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف)) يعني إذا وجدت الريح من غير صوت، ومن باب أولى إذا وجد الصوت، ((فلينصرف وليتوضأ, وليعد الصلاة)) في حديث عائشة الذي تقدم ((من أصابه قي في صلاته أو رعاف فإنه ينصرف ويبني على صلاته)) هذاك متكلم فيه، وعرفنا ضعفه فيما تقدم، وهنا ضعيف أيضاً ((وليتوضأ، وليعد الصلاة)) لكن أيهما أولى بالقبول وأقعد إعادة الصلاة أو البناء على ما تقدم؟ إعادة الصلاة أقعد؛ لأنه انتقض الشرط ((فلينصرف وليتوضأ)) قد يخجل ولا ينصرف يكمل الصلاة وهو محدث، هذا ارتكب محرم، من صلى محدثاً مع علمه بذلك أثم اتفاقاً، الحنفية لهم قول شديد في من يصلي من غير طهارة إذا تعمد ذلك ((فلينصرف وليتوضأ، وليعد الصلاة)) إذا حصل منه هذا الحدث بطوعه واختياره فما الحكم؟ سواءً كان خارج الصلاة أو داخل الصلاة؟ وجد أدنى حاجة لإرسال هذه الريح، المساجد تصان عن مثل هذه الأمور، ولذا يمنع منها من أكل الثوم والبصل، فإرسال مثل هذه الأحداث المؤذية التي ينبغي أن تصان عن المساجد إذا وجدت حاجة شديدة هذا أمر ثاني، ولذا يقول ابن العربي في شرح الترمذي مستدلاً بحديث أبي هريرة: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) فسئل أبو هريرة عن الحدث قال: فساء أو ضرط"، قال ابن العربي: "يجوز إرسال الفساء والضراط في المسجد للحاجة" مفاده أنه من غير حاجة لا يجوز؛ لأنه إذا منع من دخول المساجد بالكراث والثوم والبصل ومن باب أولى الدخان وما أشبهه من ذوات الروائح الكريهة، فلأن يمنع من مثل هذا من باب أولى ((فلينصرف وليتوضأ، وليعد الصلاة)) يعني يستأنف من جديد ولا يبني كما جاء في خبر عائشة، وفي كل منهما ضعف، فالحديث وإن كان ضعيفاً ومداره على مجهول إلا أن معناه صحيح.(18/29)
حديث "عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه ابن خزيمة" والحديث صحيح، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) المراد بالحائض المكلفة لا المتلبسة بالحيض، فإن المتلبسة بالحيض لا تقبل صلاتها، بل يحرم عليها أن تصلي سواءً كانت بخمار أو بغير خمار، إنما المقصود بالحائض المكلفة ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) والخمار: هو ما يغطي الرأس والعنق ((لا يقبل الله)) نفي القبول يرد في النصوص ويراد به نفي الصحة كما هنا، فإذا صلت المكلفة من غير خمار فصلاتها باطلة غير صحيحة، كما أنه يرد نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، نفي الثواب المرتب على العبادة، مثاله: في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] هل المراد بهذا أن غير المتقين عباداتهم باطلة، يعني لو رأيت شخص فاسق صلى تقول له: أعد صلاتك، صلاتك باطلة؟ نعم؟ أو المراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، والصحة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، كلام ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم؟ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] يعني لو قلنا: إن المراد نفي الصحة لكانت عبادات الفساق كلهم غير صحيحة، تلزمهم إعادتها، واضح وإلا ما هو بواضح؟ فعلى هذا نفي الثواب هنا يراد به نفي .. ، نفي القبول هنا المراد به نفي الثواب المراتب على هذه العبادة، الصلاة من حيث الصحة والإجزاء مسقطة للطلب، صحيحة ومجزئة، لكن ...
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
في الحديث، في حديث الباب نفي الصحة، فإذا صلت المكلفة من غير خمار يغطي الرأس والعنق فصلاتها باطلة، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) ((من أتى كاهناً .. )) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(18/30)
خلي فصدقه، أمره عظيم، لكن مجرد الإتيان ((لن تقبل له صلاة أربعين يوماً)) يقول أهل العلم: إن صلاته صحيحة ما يؤمر بإعادته، لكن الثواب المرتب على العبادة ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) لا يؤمر بإعادة الصلاة، صلاته مسقطة للطلب صحيحة، لكن الثواب المرتب على هذه العبادة يحرم منه، لعصيانه هذا أمر لا بد من الانتباه له؛ لأن القبول لو قلنا: إن المراد به يطرد في نفي الصحة لأشكلت الآية، كثير من المسلمين يتصف بما يخرم التقوى، كثير ممن ينتسب إلى الإسلام لا سيما في هذه الدهور وهذه العصور متصف بما يخرم التقوى، فلو قلنا: إن المراد بنفي القبول هنا نفي الصحة أشكل؛ لأمرنا جميع هؤلاء بإعادة العبادات، ومتى يعيدونها؟ متى تعاد هذه العبادات وهم مستمرون على فسقهم؟ لا بد من إلزامهم بالتقوى، لا بد من إلزامهم بالتقوى، وهذا لا يمكن تصوره، إلزام الناس كلهم، لكن المراد بنفي القبول نفي الثواب، ولذا لا يؤمرون بالإعادة.
طالب:. . . . . . . . .
ما يمكن هو فاسق فاسق، خلاص ما دام وصف، لو كان يسرق قلنا: فاسق غير متقي، حتى لو جاء بالصلاة على وجهها، فهو متصف بما يخرم التقوى، هو متصف بما يخرم التقوى سواءً كان داخل الصلاة أو خارج الصلاة، أظن نقف على هذا لأني أشوف الإخوان ملوا شوي، طال الوقت، طال الوقت عليهم.
مسألة ينبغي التنبيه عليها، وهي مسألة متعلقة بالحديث عورة المرأة ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يغطي الرأس والعنق وبدن المرأة الحرة كله عورة في الصلاة، ومنهم من يستثني الوجه والكفين، ومنهم من يستثني القدمين على خلاف بين أهل العلم، والأحوط أن تغطي جميع بدنها سوى الوجه.
هذا بالنسبة للصلاة، ويكثر السؤال عن عورة المرأة بالنسبة للمرأة خارج الصلاة؛ لأنه حصل التوسع الشديد في هذا الباب، يعني وجد من بعض النساء التهتك أمام النساء، وسببه القول بأن عورة المرأة عند المرأة كعورة الرجل عند الرجل من السرة إلى الركبة، لكن هذا الكلام قول، وإن وجد لبعض أهل العلم إلا أنه مرجوح، فعورة المرأة عند المرأة كعورة المرأة عند محارمها؛ لأن النساء عطفن على المحارم في آية النور نعم في آية النور.(18/31)
أبو عبد الله شريك بن عبد الله القاضي غير شريك بن عبد الله بن أبي نمر صاحب الأوهام في حديث .. ، هذا هو، هو هو، صاحب الأوهام العشرة في حديث الإسراء، ونص الإمام مسلم على أنه زاد ونقص وقدم وأخر والأوهام العشرة ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقبله ابن القيم في زاد المعاد.
يقول: في إحدى الدول المجاورة يطلب من الإمام والمؤذن أن يسجل في ورقة من الذي أذن، ومن الذي أم لكل صلاة في كل يوم، وذلك لأن لهم راتب شهري، فما حكم العمل في ذلك هل الأفضل رفض هذا الراتب أم إنفاقه في سبل الخير؟
على كل حال هذا المال إذا كان الهدف من الإمامة ما ذكر فأخذ مثل هذا المال والاستعانة به لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-، وإن صرف في قضاء الديون باعتبار أن فيه شوب شبهة، وأموال الشبهات كما قرر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لا مانع من قضاء الديون بها.
يقول: تكون هناك مجموعة في رحلة برية ولا يكون هناك شخص معين للأذان فيكون أذان كل فرض لمن سبق في استئذان الأمير للأذان فيتعاقب أكثر من شخص على الأذان لذلك اليوم من باب المنافسة؟
لا مانع أن يؤذن لكل وقت شخص، فإن عمل بالسبق وإلا فالقرعة.
لو تأخر المؤذن عن الأذان فأذنت فقال لي: إنه موكل شخص آخر؟
لا شك أن النائب يقوم مقام من أنابه، فهو أحق من غيره، لا يجوز لأحد أن يفتات عليه ويتقدم عليه، أما كونه يتأخر، إذا عرف من حاله أنه لا يتأثر إذا أذن مكانه لا بأس.
يقول: هل نتابع الأقرب -يعني المؤذن- أم الراديو مثلاً، أم ساعة الفجر والكمبيوتر وهكذا؟ وهل يكفي متابعة الأذان عبر التكنولوجيا الحديثة؟
على كل حال الأصل متابعة المؤذن، المؤذن، سواءً سمع صوته المباشر أو بآلة أو بآلة تنقله إلى مكان بعيد شريطة أن يكون حياً، يعني في وقته، في وقت الأذان، أما المسجل ما يتابع.
الدعاء بين الأذان والإقامة هل يلزم أن يكون في المسجد؟
لا يلزم أن يكون في المسجد، لكن كونه في المسجد أرجى للإجابة.
يقول: بعض الناس يرد عليّ السلام بهذه العبارة المختصرة وهي: واو سين فهل يجوز هذا؟(18/32)
الرموز لا تتأدى بها السنن، الرموز لا تتأدى بها السنن، فلو قال: قال رسول الله (ص) أو (صلعم) فإنه لا يكسب من الأجر شيء، إلا إذا صلى في نفسه يكسب صلاته على النبي -عليه الصلاة والسلام- في نفسه، فالأجور المرتبة على الكلام لا تنال بالرموز، ومن المناسب ما ذكره بعضهم أن أول من كتب الرمز (صلعم) قطعت يده، والله المستعان.
ما حكم تأجير الإمام أو المؤذن لمنزله الخاص بالمسجد وأخذ الأجرة؟
على كل حال إذا كان مستغنياً عنه فإن دفعه إلى جهة خيرية تستفيد منه فهو أولى، وإن أجره فالأمر لا يعدوه ولا شيء في ذلك؛ لأنه من استحقاقه.
ما صارف الوجوب في الأمر بإجابة المؤذن؟
صارف الوجوب في الأمر بإجابة المؤذن ها من يجيب؟ ((إذا سمعتم المؤذن)) نعم كونه لم يذكر، وذكر في نصوص أخرى اكتفاءً نعم لا ينفي الوجوب، يعني عدم الذكر أو عدم النقل ليس بنقل للعدم كما يقرر أهل العلم، يعني في حديث أم هانئ لما جاءت والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغتسل فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من هذا؟ )) فقالوا: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) هل معنى هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رد السلام عليها، يعني اكتفى بمرحباً؟ أو نقول: إن الراوي ما نقل رد السلام للعلم به؟ فلا يتم الاستدلال بحديث مالك بن الحويرث، ما الصارف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هذا هو الصارف، فقال: على الفطرة ما قال مثل ما قال، هذا هو الصارف، نكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(18/33)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (5)
تابع شرح باب: شروط الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
المؤلف -رحمه الله تعالى- قصد أن تكون أحاديث الكتاب في حيز المقبول الصحيح والحسن، لكن فاته بعض الأحاديث الضعيفة، وهي يسيرة بالنسبة لحجم الكتاب.
هل يجوز الترضي على غير الصحابة أم هو خاص بهم؟
العرف عند أهل العلم أن الترضي خاص بالصحابة، والترحم على من بعدهم، والصلاة خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على سبيل الاستقلال، يدخل معه تبعاً آله وصحابته -عليه الصلاة والسلام-، فكما أنه لا يقال: محمد -عز وجل- وإن كان عزيزاً جليلاً، فالعرف خص الترضي بالصحابة، والترحم على من بعدهم كما قرر ذلك ابن القيم -رحمه الله-.
هذا يقول: حكم صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي سواءً النهي الموسع أو المضيق؟ وما حكم سجود السهو؟
سجود السهو تابع للصلاة، سجود السهو تابع للصلاة، إن كان القصد به سجود السهو الذي يقع بعد السلام من صلاة العصر فهو في حكم صلاة العصر، سجدة التلاوة على الخلاف بين أهل العلم ومثله سجود الشكر هل السجدة المفردة تسمى صلاة أو ليست بصلاة؟ يشترط لها ما يشترط للصلاة؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، والمحقق ما يذهب إليه ابن عمر وغيره أنها ليست بصلاة، وعلى هذا يسجد للتلاوة في أوقات النهي ويسجد للشكر أيضاً؛ لأن أقل ما يطلق عليه الصلاة ركعة كاملة.
يقول: إقتداء النساء بإمام بينهن وبينه ممر داخل سور المسجد وهم في مبنى مستقل؟
إذا كان مبنى مستقل منفصل عن المسجد حينئذٍ لا يجوز الاقتداء إلا إذا اتصلت الصفوف، إذا اتصلت الصفوف فلا بأس.
لا يسمعون إلا صوته دون رؤيته أو من خلفه؟
على كل حال إذا كانوا في داخل المسجد في حيز المسجد في سور المسجد فلا بأس.
يقول: إنزال آية الآية الكريمة من القرآن على شيء من الواقع زيادة على ما ذكره المفسرون ما ضابطه؟(19/1)
النصوص من الكتاب والسنة تحدثت عن شيء من المستقبل بعضه وقع وبعضه لم يقع، لكن لو غلب على ظن الشخص أن هذه الآية مناسبة لهذا الحدث، فجاء بهذا الحدث على صيغة الترجي لا على سبيل القطع فلا بأس، أقول: لعل هذا الحدث يدخل في المراد من هذه الآية ومن هذا الخبر، لا على سبيل القطع، لا يقطع بأن هذا مراد الله -عز وجل-، أو أن هذا مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، كالتفسير، تفسير القرآن بالرأي حرام، لكن إذا قيل: لعل المراد كذا، لعل المراد كذا من الآية أو من الحديث لا بأس، على سبيل البحث وعلى سبيل الترجي، دون جزم وقطع، كما في حديث السبعين الألف: لعلهم الذين، لعلهم كذا، لعلهم كذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر عليهم، مع أن توقعاتهم كلها لم تصب.
كيف نجمع بين حديثي: ((من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يقربه شيطان حتى يصبح)) وحديث: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)) .. إلى آخره؟
الثاني عام، يعقد الشيطان على قافية كل أحد، يخصص بمن قرأ آية الكرسي فإنه لا يقربه الشيطان، لا يقربه الشيطان.
يقول: هل خشوع الإمام له تأثير في خشوع المأمومين؟
لا شك أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، ولذا يقول أهل العلم: إن الصلاة خلف الفاضل أفضل من الصلاة خلف المفضول، مع أن عامة أهل العلم على صحة الصلاة خلف المفضول أو إمامة المفضول مع وجود الفاضل، لا شك أن لإمامة الفاضل أثر في إتقان صلاة من خلفه، وحضور قلبه عن. . . . . . . . .، إذا قرأ الفاضل، إذا قرأ القرآن عرفت أنه يخشى الله -عز وجل-، فتكون قراءته مؤثرة، وأهل العلم يقررون -كما هو الواقع المشاهد- أن بعض الناس مؤثر في شكله، بعض الناس إذا رؤي ذُكر الله -عز وجل-، وابن الجوزي في مشيخته ترجم لشيوخه كلهم فذكر عن واحد منهم قال: إنه تأثر ببكائه واستفاد من بكائه ولم يستفد من علمه.
ما هي الصلاة النافلة؟ وهل يمكن أن تكون جماعة؟ وهل يمكن الجهر بها؟(19/2)
صلاة النافلة ما عدا الفريضة، ما عدا الواجبات، ويمكن أن تكون .. ، تفعل جماعة أحياناً كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في قيام الليل، قام معه ابن عباس، وصلاة التراويح أيضاً جماعة، والصلوات الليلية يجهر بها، صلاة الليل يجهر بها جهراً متوسط {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ} [(110) سورة الإسراء] متوسط.
هل القراءة بمكبر الصوت يجوز مع التشويش على البيوت المجاورة للمسجد من مرضى ونائمين خصوصاً في التراويح والقيام؟
الصلاة، أصل المكبر هذا إنما أوجد لإفادة الحضور، لكي يسمع من حضر الصلاة، يستفيد من القرآن، لكن إذا تحققت مصلحة الحاضرين من غير وجود مفسدة على غيرهم فهذا هو المتعين، أما إذا لم تتحقق مصلحتهم إلا بوجود مفسدة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، مع أنه إذا استعملت هذه الآلات مع شيء من التوسط لا يرفع عليها، يعني ما يرفع عليها رفعاً يزعج الناس، أو يوجد اللبس في المساجد المجاورة، هذا موجود، بعض الناس يعمد إلى هذه المكبرات فيرفع عليها فيحصل اللبس، قد يركع ويسجد، ويركع معه من في المسجد المجاور وهكذا، والله المستعان.
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- ما حكم تحويل النية؟ كأن أكون قائماً أصلي سنة الفجر وجاء آخر ظاناً أني أصلي الفريضة فالتحق بي ماذا أفعل؟
تستمر على نيتك، صلي سنة الفجر، ويصلي معك الفريضة إن كانت قد فاتته، وصلاة المفترض خلف المتنفل تجوز، كفعل معاذ مع الصحابة -رضي الله عنهم-.
يقول: هل العفو والتسامح الذي لا يتضمنه إصلاحاً للمعفو عنه هل هو مرغب فيه؟
{وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] العفو هذا الأصل فيه أقرب للتقوى، لكن إذا ترتب على هذا العفو مفسدة كأن يجعل هذا المعفو عنه يستمرئ الإجرام ويزداد فيه، ويقع ويغلب على ظنه أنه يعفى عنه كلما أجرم مثل هذا ينبغي أن يعاقب ولا يعفى عنه، والله المستعان.
شيء من الإجمال في الشرح من أجل أن نكمل الباب، ونقف على باب جديد، نقتصر على الأمور المهمة، والله المستعان.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.(19/3)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
"عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به)) يعني: في الصلاة، ولمسلم: ((فخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقاً فاتزر به)) متفق عليه.
ولهما من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: ((لا يصلِّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)).
وعن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- "أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار? قال: ((إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)) أخرجه أبو داود، وصحح الأئمة وقفه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: من حديث جابر، سبق لنا في الباب حديث علي بن طلق في الحدث في الصلاة: من أحدث عليه أن ينصرف ويتوضأ، ثم بعده حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) وهذا تقدم الحديث فيه، وفيه اشتراط ستر أعلى البدن، ويأتي ما في ستر الجزء الثاني من البدن بالنسبة للمرأة.
حديث "جابر -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به)) ((إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به)) يعين اجعله رداءً ترتديه وأرسله على بقية بدنك ((وإن كان ضيقاً فاتزر به)) اجعله إزار يستر الجزء الأهم من البدن، إذا كان واسع ويستوعب البدن فاجعله لحاف، يستر أعلى البدن بطرفه، وطرفه الآخر يستر بقية البدن، إن كان ضيقاً يعني فيه شح ما يمكن يستر جميع البدن فالاتزار به أولى؛ لأن ستر العورة المغلظة أهم من ستر الجزء الأعلى من البدن كالمنكبين مثلاً.(19/4)
"ولهما" أيضاً "من حديث أبي هريرة" للبخاري ومسلم "رضي الله عنه قال: ((لا يصلِّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) بعض الروايات في الصحيح في البخاري: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) ((ليس على عاتقيه منه شيء)) ستر المنكب واجب فكشفه محرم مع القدرة؛ لأنه في الحديث السابق: ((إذا كان ضيقاً فاتزر به)) يقتضي أن أعلى البدن مكشوف؛ لأنه لا يكفي لستر المنكب مع ستر العورة، هنا: ((لا يصلِّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) إذا أمكن أن يكفي للمنكب والعورة.
من أهل العلم من يرى اشتراط ستر المنكب كالعورة، ومنهم من يرى أن الأمر أمر إرشاد، أو ((لا يصلِّ أحدكم)) النهي هذا يقتضي الكراهة، لكن الأصل في النهي التحريم، وأما الحديث السابق حديث جابر -رضي الله عنه- هو بالنسبة لغير الواجد لما يستر المنكب، فأعدل الأقوال في ستر المنكب أنه واجب، يعني لو صلى ومنكبه مكشوف صلاته؟ صحيحة لكنه آثم، فرق بين الاشتراط والوجوب، هذا واجب وستر العورة شرط، والمنكب ليس بعورة، ولذا يشكل على كثير من طلبة العلم أن يذكر في الشروط ستر العورة، مع هذا الحديث الصحيح ليش ما يذكر مع الشروط؟ نقول: ما في إشكال، الشرط شيء والواجب شيء آخر، فستر المنكب مع القدرة واجب يأثم تاركه.
((ليس على عاتقه)) والرواية الأخرى: ((ليس على عاتقيه)) في اختلاف بين الروايتين؟ نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وكيف نوجه؟ هل المطلوب ستر عاتق واحد أو العاتقين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
واحد وإلا اثنين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؟ وراه؟
طالب:. . . . . . . . .(19/5)
هذا في وقت الصلاة وإلا في طواف القدوم؟ الطواف، ويش دخل الصلاة فيه؟ إيش علاقة الصلاة بالطواف؟ إذا أوجبنا ستر المنكبين نقول: عليك أن تستر منكبيك، إذا فرغت من طواف القدوم أول طواف تطوفه استر منكبيك ((ليس على عاتقه)) فإما أن نقول: إن المراد بالمفرد هنا الجنس فيشمل العاتقين، نعم، أو نقول: ليس على عاتقيه منه شيء نكرة في سياق النفي فيشمل أي شيء، ولو خيط رفيع، لو شيء يسير، وهذا يمكن أن يكون على العاتق أو العاتقين، ليس على العاتقين منه شيء، يعني إذا صلى وعلى أحد العاتقين منه شيء هل نقول: إنه ما امتثل الخبر ((ليس على عاتقيه منه شيء؟ )) يعني لو كان المقصود العاتقين من خلال اللفظ، نعم يكون إذا صلى وعلى أحد عاتقيه شيء من الثوب هل يقال: إنه ليس على عاتقيه شيء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
شخص يصلي عليه فنيلة، فنيلة اللي إيش تسمونها؟ علاقي مثلاً إيه، يكفي وإلا ما يكفي؟ هاه؟ ليس .. -ما نقول: يستر- ليس على عاتقيه منه شيء، أو ليس على عاتقه منه شيء، عليه منه شيء؛ لأن قلنا: شيء نكرة في سياق النهي فتعم، يتم الامتثال بأدنى شيء، يتم الامتثال بأدنى شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لو ما ستر، المقصود أنه على عاتقه منه شيء، والشيء يتم بأدنى شيء.
على كل حال الخلاف في هذه المسألة معروف، منهم من يقول: الأمر به على سبيل الاستحباب بدليل الحديث السابق، ومنهم من يقول: شرط في صحة الصلاة، وأعدل الأقوال أنه واجب، يأثم بتركه مع القدرة، ولا تبطل الصلاة.(19/6)
حديث "أم سلمة -رضي الله عنها- أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- "أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار? قال: ((إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)) " يعني تصلي فيه إذا كان سابغاً، أما إذا كان غير سابغ بحيث لا يغطي ظهور القدمين فإنه لا يكفي، والحديث مخرج في سنن أبي داود، وهو مضعف، مرفوع ضعيف، ولذا يقول الحافظ: "وصحح الأئمة وقفه" وصحح الأئمة وقفه، الآن الخبر يروى مرفوع وموقوف، المرفوع ضعيف، وصحح الأئمة وقفه، لكن هل هناك تعارض بين المرفوع والموقوف؟ أو الاحتمال أن أم سلمة سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذا الحكم على تقدير ثبوته، نعم، ثم صارت تفتي به من قولها، إذا تعارض الرفع والوقف هل نحكم للرفع أو نحكم للوقف؟ هنا صحح الأئمة الوقف مع أنهم في مواضع يصححون الرفع، فهنا الأئمة رأوا القرائن مرجحة للوقف، وأن مثل هذا الكلام لائق بأم سلمة، لائق بفقه أم سلمة، وأنه لا يثبت من المرفوع فيه شيء، وإن قال الشارح: إنه له حكم الرفع، مثل هذا حكم شرعي لا مسرح فيه للاجتهاد، ما يمكن أن تقول أم سلمة هذا الكلام وهي ليس في الباب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه شيء، لكنه حكم شرعي، ألا يمكن أن يستنبط من أدلة أخرى؟ ما دام رجح الوقف ألا يمكن أن يستنبط مثل هذا الكلام من أدلة أخرى؟ وحينئذٍ لا يكون حجة.
القدمان بالنسبة للمرأة، عرفنا أن المرأة كلها عورة في الصلاة سوى الوجه، ومنهم من يلحق بالوجه الكفين، والحنفية يقولون: حتى القدمين، وكان شيخ الإسلام يميل إلى قول الحنفية بناءاً على عدم ثبوت حديث أم سلمة، وإلا لو ثبت حديث أم سلمة لكان ظاهر في الإلزام بستر القدمين، وعلى كل حال ما دام من أهل العلم من يرى أن المرأة كلها عورة إلا الوجه فعليها أن تستر جميع البدن، تحتاط لدينها؛ لأنها إذا دخلت القدم والكف في العورة المطلوب سترها في الصلاة -المشترط سترها في الصلاة- فعلى المسلمة ألا تعرض صلاتها للبطلان ولو على قول، والأمر -ولله الحمد- فيه سهولة، وليس في الملابس شح الآن، نعم.(19/7)
وعن عامر بن ربيعة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة مظلمة, فأشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة, فنزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [(115) سورة البقرة] أخرجه الترمذي وضعفه".
نعم، هذا الحديث عند الترمذي وهو ضعيف، ضعيف جداً، وعلته أشعث بن سعيد السمان متروك، وحديث المتروك شديد الضعف بمعنى أنه لا ينجبر بوروده من طرق أخرى إذا كان شديد الضعف، لا يقبل الانجبار، وحديث المتروك شديد الضعف، وعلى هذا كنا حينما يقول: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا حديث السرية "في ليلة مظلمة فأشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة فنزلت" هذا سبب نزول الآية هل نثبت نزول آية بسبب ضعيف؟ وهل نثبت قراءة بخبر ضعيف؟ وهل نفسر القرآن بخبر ضعيف؟ نعم؟ لا، هذا القول المرجح، وإن كان التفسير يتسامح فيه أهل العلم، التفسير مثل الفضائل عند أهل العلم، ولذا يؤثر عن الإمام أحمد أن ثلاثة الأبواب اللي هي: الفضائل والمغازي والتفسير ليس لها أصول، بمعنى أنه يقبل فيها أي خبر.(19/8)
"أشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة" من أشكلت عليه القبلة في بر ولا وجد محاريب إسلامية يعمل بها عليه أن يجتهد، عليه أن يجتهد، وأن يتقي الله ما استطاع، ويصلي صلاة واحدة، فإن بانت له القبلة وهو في أثناء صلاته استدار كما هو إلى القبلة التي ترجحت لديه، ولو بخبر ثقة، إذا قال: يا فلان القبلة إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال عليه أن يستدير إذا كان يثق بخبره، كما فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- لما حولت القبلة، جاءهم المخبر في صلاة الصبح أو العصر على خلاف معروف، فقال لهم: أشهد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى الكعبة، فاستداروا كما هم، وعلى هذا يجوز أن تصلى أول الصلاة إلى جهة وفي أثنائها ينصرف إلى الجهة التي ترجحت له، ومحل الاجتهاد غير البلدان، أما البلدان التي يمكن أن يصل إلى قبلتها بيقين وفيها محاريب ويوجد من يخبره من أهل البلد فإنها ليست بمحل للاجتهاد، أما في البراري فإنه يجتهد، ويصلي ويتقي الله حسب استطاعته، فإن بان له أنه صلى إلى غير القبلة، بعض أهل العلم يقول: إن كان في الوقت عليه أن يعيد، وإن كان بعد الوقت فلا إعادة عليه، والصواب أنه إذا اتقى الله ما استطاع فإن الله -سبحانه وتعالى- لم يكلفه بصلاتين {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] ومن التكلف ما يذكره بعض الفقهاء أنه يقسم الجهات، حتى يكون قد صلى إلى القبلة بيقين، يعني يصلي إلى جهة، ثم يصلي ثانية إلى جهة ثانية، ثم يصلي صلاة ثالثة إلى الجهة الثالثة، صلاة رابعة إلى .. ، إلى أن يجزم بأنه أصاب عين القبلة، وهذا لا شك أنه من الحرج والعنت المنفي عن هذه الشريعة.(19/9)
هل يتصور أن تصلى صلاة واحدة إلى أربع جهات؟ بعض الفقهاء يقول: يتصور، يصلي ركعة ثم يأتيه من يأتيه يقول: تيامن، القبلة من جهة اليمين، ثم يتيامن، ثم يأتي ثالث يكون أوثق من السابق يقول: لا تياسر الجهة من جهة اليسار فينصرف، ثم يقول: لا، يجي رابع لا الجهة إلى الخلف، وهذا يتصور إذا كان كل واحد على الولاء أوثق من الذي قبله، أما إذا كان أقل ثقة من الذي قبله فإنه لا يعمل بخبره {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [(115) سورة البقرة].
الحديث الذي يليه:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قرئ؟
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي, وقواه البخاري.
هذا الحديث صحيح، مصحح عند أهل العلم ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي, وقواه البخاري" الترمذي يقول: حسن صحيح ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) هل هذا خطاب للأمة كلها أو خطاب لأهل المدينة مثلاً؟ بالنسبة لكم أنتم في الشرق يصلح أن يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة؟ نعم؟ بين الشمال والجنوب، بالنسبة لكم بين الشمال والجنوب قبلة، لكن أهل المدينة بين المشرق والمغرب قبلة، وأهل اليمن بين المشرق والمغرب قبلة، أهل مصر بين الشمال والجنوب قبلة وهكذا، المقصود أن هذا الخطاب خاص بالمدينة ومن كان على سمتها ممن هو عن يمين الكعبة أو يسارها في جهة الشمال أو الجنوب.
هذا الحديث دليل من يقول بأن الجهة كافية {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] جهة المسجد الحرام، الجهة كافية، والحديث صريح في الدلالة على هذا القول، وهو قول الأكثر، الشافعية يرون أن الواجب إصابة العين -عين الكعبة- قربت أو بعدت، هذا ممكن وإلا غير ممكن؟ نعم؟
طالب: غير ممكن.
وين اللي يقول: الحال؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يمكن؟
طالب:. . . . . . . . .(19/10)
ما هي بدقيقة، ما هي بدقيقة، تبقى أنها جهة، تبقى أنها جهة، يعني هل يخفى على مثل هؤلاء الحرج الشديد اللاحق أو الناشئ عن قولهم هذا، أو ينحل الإشكال إذا قالوا: الواجب عين الكعبة على حسب غلبة الظن، ما يلزم اليقين والقطع أن هذه عين الكعبة، الإنسان مكلف بغلبة الظن، نعم الآن هذه الكعبة هم يقولون -الجمهور يقولون-: الجهة، حديث: ((بين المشرق والمغرب قبلة)) {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] يعني جهة المسجد الحرام، لكن لا بد من إصابة العين عند الشافعية، إيش معنى إصابة العين؟ تجتهد أن تصيب العين، نعم، تجتهد في أن تصيب العين، لا أن تصيب الجهة، الجمهور تجتهد في أن تصيب الجهة من الأساس، وهؤلاء تجتهد حتى يغلب على ظنك أنك أصبت عين الكعبة، فينمحل الإشكال في كون الإصابة تثبت بغلبة الظن، الإصابة تثبت بغلبة الظن، هذا بالنسبة لمن لا يستطيع معاينة الكعبة، أما الذي يعاين الكعبة وهم يقولون: من كان داخل المسجد فالواجب عليه إصابة العين، هم يتفقون على هذا، من كان داخل المسجد الواجب عليه إصابة العين، من بعد عن المسجد يكفي الجهة، لكن قد يكون في المسجد ويتعذر في حقه مشاهدة العين، عين الكعبة، الذي في السطح أو في الدور الثاني في الصفوف الخلفية، أو في الدور الأرضي ويحول بينه وبينها صفوف وعمد، نعم، والمشقة تجلب التيسير {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] لكن ليس معنى هذا أننا لا نهتم للأمر، استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، فعلينا أن نحتاط لهذا، ليس معنى هذا ليس معنى مثل هذا الكلام أننا مجرد ما ندخل مع باب الحرم: الله أكبر ما نلتفت لا يمين ولا شمال ولا نتأكد من .. ، هم وضعوا علامات خطوط زرقاء في البلاط نعم، وهي داخلة أيضاً في القاعدة التي مرت بنا، نعم مثل خطوط المسجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(19/11)
موجود في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله فهو بدعة، لا شك أن مصلحتها ظاهرة هذه الخطوط، هذه الخطوط مصلحتها ظاهرة، ولا يترتب عليها أي مفسدة، فعلى الإنسان أن يحتاط لهذا الشرط، مجرد ما يدخل مع الباب: الله أكبر وإذا سلم إذ القبلة .. ، يقال له: أعد، هذا مع الإمكان ليس محل الاجتهاد، ليس محل الاجتهاد مع إمكان الرؤية، إذا تعذرت فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، نعم.
"وعن عامر بن ربيعة -رضي الله تعالى عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، زاد البخاري: "يومئ برأسه, ولم يكن يصنعه في المكتوبة".
ولأبي داود: من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه-: "وكان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر, ثم صلى حيث كان وجه ركابه" وإسناده حسن".(19/12)
حديث عامر بن ربيعة في صلاة النافلة على الدابة، على الراحلة حيث توجهت به، فيومئ إيماءً، لا يتمكن من الركوع، لا يستطيع أن يقف فيركع، ومثله اللي في السيارة لا يستطيع أن يقف ثم يركع، يكفي أن يومئ برأسه، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، هذا في النافلة، وهو أيضاً كما يدل عليه الحديث اللاحق في السفر، لا بد أنها تكون الصلاة نافلة، وأن يكون في السفر، يتطوع في السفر على الراحلة حيث توجهت به، مثل الراحلة السيارة الطائرة القطار، لكن هل مثل الراحلة الكرسي في الفصل كما جاء السؤال قبل أمس أو الذي قبله؟ لا، طالب يصلي صلاة الضحى على الكرسي في الفصل، ويذكر أنه من باب إخفاء العمل إذا سأله المدرس أجاب وهو في النافلة، من باب إخفاء العمل، هو يؤجر -إن شاء الله- على هذه النية، لكن هل عمله شرعي وإلا ما هو بشرعي؟ أولاً: جمهور العلماء يخصونه بالسفر، وعلى الدابة، وإن كان عند جمع من أهل العلم وهو المتجه أنه في هذه الأزمان التي تقضى فيها أوقات في السيارات في الحضر أنه لو تنفل النافلة أمرها أوسع؛ لأنها تصح من قعود، النافلة أمرها أوسع، فإذا أجيزت النافلة في السفر أجيزت في الحضر؛ لأن مبناها على .. ، أن أمرها أيسر من الفريضة، لكن لا يصل الأمر إلى مثل هذا الحد في التساهل، شخص واقف جالس، يقال له: أتنفل على هيئتك، لا، هو على سيارته يستغل الوقت بقراءة، بصلاة، باستماع، نعم ولا يمنعه من ذلك مانع.(19/13)
"يصلي على راحلته حيث توجهت به" لكن وهو في السيارة يتنفل لا يعرض نفسه للخطر، ولا يجوز له أن يعرض غيره للخطر، يومئ إيماءً بحيث لا يصل إلى حد بحيث يخفى عليه الطريق فيتضرر هو بنفسه أو يضر غيره، "يصلي على راحلته حيث توجهت به" زاد البخاري: "يومئ برأسه, ولم يكن يصنعه في المكتوبة" هناك فروق، الأصل أن ما ثبت في النافلة يثبت في الفريضة والعكس، هذا الأصل عند أهل العلم، لكن جاء في النافلة من التسامح ما لم يأتِ مثله في الفريضة، ومنها ما هنا ما معنا، لا يجوز أن يصلي الفريضة على الراحلة إلا إذا منع من مباشرة الأرض والإتيان بالصلاة كاملة إذا منع مانع؟ إذا وجد طين كيف يسجد على الطين؟ كيف يقف على الطين؟ المقصود أنه إذا وجد مانع فالصلاة على الراحلة لا بأس به حتى في الفريضة، لكن الأصل أنه إذا لم يوجد مانع فالفريضة يحتاط لها أكثر من النافلة، منها ما هنا يصلي على الراحلة نافلة، ولا يصلي على الراحلة فريضة.
يصلي من قعود وهو قادر على القيام في النافلة ويستحق بذلك نصف الأجر لكنه لا يصلي فريضة من قعود وهو يستطيع القيام، وجاء في الباب: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وجاء فيه أيضاً حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وهناك: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) لماذا خص النص الأول بالنافلة والثاني بالفريضة؟ لماذا لا تدخل النافلة في هذا الحديث؟ وما الذي أخرج النافلة من هذا الحديث؟ ((صلِ قائماً)) سواءً كانت فريضة أو نافلة، وقد يقول صاحب الطرف الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)) في الفريضة والنافلة، إذا كان لا يريد الأجر كامل، مفرط، زاهد في الأجر، ومستطيع للقيام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(19/14)
نقول: لا يوجد ما يمنع من دخول النافلة في حديث عمران بن حصين ((صلِ قائماً)) لو لم يرد غيره لقلنا: إنه شامل للفريضة والنافلة، والحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) لو لم يرد حديث عمران لقلنا: إنه شامل للفريضة والنافلة، لماذا خصصنا حديث عمران بالفريضة والحديث الثاني بالنافلة؟ حديث عمران ألا يمكن أن يشمل الفريضة والنافلة؟ شخص صحيح سليم معافى، يقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) أنا بصلي قاعد، ما أبي إلا النصف الفريضة، نقول: صلاتك صحيحة وإلا باطلة؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ ترى يلزم على هذا الدور يا الإخوان، نوجه النصوص بكلام الفقهاء المستنبط من النصوص؟ ما يجي هذا، خلونا في دائرة النصوص، التي هي منها المأخذ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب لو شفت واحد يتنفل، يصلي نافلة قاعد ويش تقول له؟ تقول له: صل قائماً فإن لم تستطع .... إذا كنت لا تستطيع اجلس؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام الذي أنا قلته الآن، أنا أقول: لا نوجه النصوص بكلام الفقهاء المستنبط من النصوص، يعني نوجه نص بكلام مأخوذ من النص يلزم عليه الدور هذا، نرتب كلام على كلام مرتب عليه، هذا الدور.
طالب:. . . . . . . . .
هذه مسألة ثانية، مسألة الراحلة غير، مسألة الراحلة غير، الكلام على ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً))
طالب:. . . . . . . . .
وحديث عمران ويش تسوي به؟ ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً؟ ))
طالب:. . . . . . . . .
لو قال: أنا أريد أن أصلي نافلة في الشتاء القارس لكن مانا بمتوضئ برد -والله مانا بمتوضئ- نقول: ما يخالف لك نصف الأجر؟ ما يجي، شروط ما يمكن نتنازل عنها إلا بنصوص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
اللهم صلِ عليه، ويش يصير؟
طالب:. . . . . . . . .(19/15)
من القواعد المقررة عند أهل العلم: "أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، وعموم حديث عمران يشمل الفريضة والنافلة، وعموم حديث: ((صلاة القاعد)) يشمل الفريضة والنافلة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" وعلى هذا الأساس هذا التعارض الموجود بين الحديثين لا بد من دفعه، لا بد من دفع هذا التعارض، حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) له سبب، حديث عمران بن حصين له سبب، سبب الحديث حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة فوجدهم يصلون من قعود، فوجدهم يصلون من قعود فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أن هذا الحديث إنما ورد في النافلة، إيش الدليل أنها نافلة؟ أنهم صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، لا يصلون الفريضة قبل حضوره، هو الإمام، هذا في النافلة من جهة، ومن جهة أخرى هو في حق المستطيع، هو في حق المستطيع بدليل أنهم تجشموا القيام فاستطاعوا، وإلا من صلى النافلة وهو قاعد عاجز عن القيام أجره نصف وإلا كامل؟ كامل، وحملنا هذا الحديث وقصرناه على سببه، حملناه على النافلة؛ لأن السبب في النافلة؛ لأن عمومه معارض بعموم هو أقوى منه، ولذا قولهم: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" ليس على إطلاقه، قد نحتاج خصوص السبب لدفع التعارض، لدفع التعارض.
"ولأبي داود: من حديث أنس -بإسناد حسن -رضي الله عنه-: "وكان إذا سافر" إذا سافر أخذ منه الجمهور أن التطوع على الراحلة لا يسوغ إلا في السفر، وجمع من أهل العلم يقولون: إذا كان مبنى التطوع على التساهل والتسامح فيجوز أيضاً في الحضر، لا سيما في مثل هذه الظروف والأحوال التي يطول فيها البقاء في السيارات.(19/16)
"وكان إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة" يكبر تكبيرة الإحرام إلى جهة القبلة، ثم بعد ذلك يتجه إلى الوجه التي يريدها "ثم صلى حيث كان وجه ركابه" وإسناده حسن" كما ذكرنا، الصلاة في السيارة عرفنا أن السيارة حكمها حكم الراحلة، لا تجوز أن تصلى الفريضة فيها، اللهم إلا إذا تصور أن يؤتى بالصلاة كاملة بركوعها وسجودها بجميع أركانها، الصلاة في السفينة أو في الطائرة، الصلاة في الراحلة لا يجوز أن تصلى الفريضة, وهذا خاص بالنافلة؛ لأنه بإمكانه أن يقف ويصلي، لكن الصلاة في السفينة أو في الطائرة، حتى الفريضة يصليها على حسب حاله؛ لأنه لا يستطيع إيقاف هذه الآلة، لو أوقف السفينة يبي يصلي وين يبي يصلي؟ بالبر وإلا بالبحر؟ يصلي على حسب حاله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] لكن إن كان غلبة الظن أنه يصل إلى البر قبل خروج الوقت فتأخير الصلاة لتؤدى كاملة بأركانها وواجباتها أولى، نعم.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)) رواه الترمذي, وله علة.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة, والمجزرة, والمقبرة, وقارعة الطريق, والحمام, ومعاطن الإبل, وفوق ظهر بيت الله تعالى" رواه الترمذي وضعفه.
وعن أبي مرثد الغنوي -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها)) رواه مسلم".
يكفي، يكفي
حديث أبي سعيد صححه جمع من أهل العلم، نقل شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- تصحيحه عن جمع غفير من أهل العلم، وصححه الحافظ ابن حجر في التلخيص، على كل حال المتجه أنه في دائرة القبول، خبر مقبول، وإن قال الترمذي: إن له علة، وهي الاختلاف في وصله وإرساله، فالمرجح وصله، وكونه روي من طريق مرسل لا يقدح، وإن قال الدارقطني: المحفوظ المرسل، كذلك البيهقي، لكن صححه جمع من أهل العلم، فالأرض كلها مسجد، الأرض كلها مسجد، ويؤيده حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)).(19/17)
الاستثناء: ((إلا المقبرة والحمام)) إلا المقبرة والحمام، وما أضيف إلى ذلك من المواطن السبعة: "المزبلة, والمجزرة, والمقبرة, وقارعة الطريق, والحمام, ومعاطن الإبل, وفوق ظهر بيت الله تعالى" لكنه خبر ضعيف، تكلم أهل العلم في زيد بن جبيرة راويه بكلام قوي، فالخبر ضعيف.
على كل حال الأرض كلها مسجد ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) ومعروف أن الحديث من أحاديث الخصائص، من أحاديث الخصائص، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) مع بقية الخصائص، الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والاستثناء هنا: ((إلا المقبرة والحمام)) وحديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) وهو مخرج في صحيح مسلم، فالصلاة في المقبرة مستثناة من حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) ومثلها البقعة النجسة، وما يغلب على الظن نجاستها كالحمام، إيش معنى الحمام؟ الحمام هو موضع قضاء الحاجة وإلا الاغتسال؟ الاغتسال، المزبلة المجزرة كلها مظنة للنجاسة.
نأتي إلى مسألة وهي في غاية الأهمية: الخصائص عرفنا أنها تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل هذه الخصائص تقبل التخصيص فنستثني من حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وقوله: ((الأرض كلها مسجد)) نستثني المقبرة فنقلل هذه الخصائص؟ إذا خصصنا قللنا، وإذا قللنا الخصائص قللنا التشريف، نعم، ولذا يقول ابن عبد البر وابن حجر: "الخصائص لا تقبل التخصيص"، "الخصائص لا تقبل التخصيص" والحجة ما سمعتم أن التخصيص تقليل لهذه الخصائص، والمفترض أن الخصائص تشريف إذن نحن نقلل هذا التشريف لهذا النبي الذي هو أكرم الخلق على ربه -عليه الصلاة والسلام-.(19/18)
ابن عبد البر يقول: "صلِ في المقبرة" ليش؟ يقول: إذا خصصنا المقبرة نقول له: الأحاديث صحيحة، حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور))، نهى عن الصلاة .. ، ((إلا المقبرة والحمام)) يقول: إذا قللت عموم حديث الخصائص أنت قللت التشريف لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، إذن الخصائص لا تقبل التخصيص فصلِ في المقبرة، كلام وجيه وإلا ليس بوجيه؟ يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول حديث الخصائص مبيناً شرفه ومزيته على سائر الأنبياء، ونحن نقلل هذه الخصائص؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى، طيب كون هذا تقليل للتخصيص كيف نناقش ابن عبد البر؟ إمام من أئمة المسلمين يعني ما هو بإنسان عادي، نعم ليس بالمعصوم، لكنه إمام من أئمة المسلمين، كيف نناقش كلام هذا الإمام؟ يعني يخفى عليه مثل ما قلتم؟ نقول: الذي ذكر هذه الخصائص وهذا التشريف هو الذي استثنى، فنحن نستثني من كلامه بكلامه، نعم؟ يخفى عليه مثل هذا الكلام؟ هو يريد أن يحافظ على حقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، النهي عن الصلاة في المقبرة ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما فيها نجاسة، مقبرة المسلم طاهر حي وميت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذا يقول: إنها فاتتنا الصلاة وهي صلاة واحدة، والأرض جعلت مسجداً وطهوراً، أنا أقول: مثل هذا الإمام وإمامته مشهود بها لدى الخاص والعام، معروف إمامة ابن عبد البر، إمام من أئمة المسلمين، فهل يخفى عليه أن من قال الخصائص هو المستثنى؟ ما يخفى عليه، لكن يمكن أن نناقشه بكلام قد يغفل عنه، حينما يحافظ ابن عبد البر على حقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام- إذا عورضت حقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بحقوق الله، النهي عن الصلاة في المقبرة لحق الله -عز وجل-؛ لأن الصلاة في المقبرة ذريعة إلى الشرك، ولا شك أن المحافظة على حق الله -عز وجل- أولى من المحافظة على حق النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالخصائص تقبل التخصيص، إذا جاء ما يخصصها من نصوص صحيحة.(19/19)
الحديث الثاني: حديث ابن عمر عرفنا أنه ضعيف، المزبلة: هي الموضع الذي يلقى فيه الزبل، القمامة، المجزرة: مكان الذبح، ويقع فيها الدم المسفوح النجس، المقبرة: موضع الدفن، قارعة الطريق، قارعة الطريق: ما تقرعه الأقدام بالمرور عليها، ما تقرعه الأقدام بالمرور عليها، قارعة هل هي قارعة وإلا مقروعة؟ هاه؟ قارعة وإلا مقروعة؟ هي التي تقرع وإلا تُقرع بالأقدام؟ بالأقدام، إذن هي مقروعة؛ لأن اسم الفاعل يأتي ويراد به اسم المفعول {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [(21) سورة الحاقة] وهي إيش؟ مرضية، عيشة راضية مرضية، كما أنه يأتي اسم المفعول ويراد به اسم الفاعل {حِجَابًا مَّسْتُورًا} [(45) سورة الإسراء] يعني ساتراً، وقارعة الطريق، والحمام: وهو موضع الاغتسال، نهي عن الصلاة فيه، بل جاء النهي عن دخوله في الجملة لما يوجد فيه من تسامح من بعض الناس في كشف العورات، ومعاطن الإبل: ومعاطن الإبل التي هي إيش؟ المبارك، مبارك الإبل، ومواضع إقامتها، سواءً كانت في مراحها ومحل إقامتها أو حول الموارد، أو حول الموارد.
يقول: ومعاطن الإبل، وفوق بين الله تعالى، فوق الكعبة، الصلاة داخل الكعبة حكمه؟ جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل الكعبة وصلى، صلى في جوف الكعبة، لكنها صلاة نافلة، ولذا جمع من أهل العلم لا يصححون بل أكثر أهل العلم لا يصححون الفريضة داخل الكعبة، لا يصححون الفريضة داخل الكعبة، يصححون النفل لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى، ومن أهل العلم من يقول: تصح الفريضة كما تصح النافلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إذاً تصح، لكن قول الأكثر يقتصر بما ورد على المورد، يعني يتقصر فيه على النافلة، والفريضة يطلب فيها الاستقبال للبيت كاملاً، فوق السطح الهواء لها حكم القرار، الهواء له حكم القرار، فالنافلة لا شك أنها تصح فوق السطح كما تصح في الجوف، وإن قال بعضهم: إن النافلة .. ، حتى النافلة لا تصح لأنه لم يستقبل شيئاً منها، لكن يرد عليه أن من كان في محل مرتفع، من كان في محل .. ، اللي في السطح، في سطح المسجد يستقبل شيئاً من الكعبة؟ يستقبل الجهة، والهواء له حكم القرار، والحديث على كل حال هو ضعيف.(19/20)
حديث أبي مرثد الغنوي كناز بن حصن، أو كناز بن حصين، يقول: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها)) ((لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها)) عرفنا علة النهي عن الصلاة إلى القبور، وأنها لأن الصلاة فيها ذريعة إلى الشرك، فالنهي لنجاسة الشرك لا لنجاسة الأرض الذي يقول بنجاسة الأرض يفرق بين المقبرة المنبوشة والمقبرة غير المنبوشة، ويفرق بين ما إذا صلى وباشر تراب المقبرة وبين ما إذا فرش عليها، لكن من نظر إلى العلة الحقيقية رأى أنه لا فرق بين منبوشة وغير منبوشة، بين مطينة وغير مطينة، بين مفروشة وغير مفروشة، والعلة ذريعة إلى الشرك.
((ولا تجلسوا عليها)) لا تجلسوا على القبور، جاء عن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- جواز الجلوس على القبور، يخفى على الإمام مالك هذا الحديث؟ لم يخفَ على الإمام مالك هذا الحديث، لكنه حمله على الجلوس على القبر لقضاء الحاجة، ثبت عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبر، ثبت عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يجلس على القبر ويتوسده، نعم ابن عمر وعلي -رضي الله عن الجميع- قد يخفى عليهم مثل هذا الخبر، فالعبرة بما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن عارضه غيره كائناً من كان ((لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر)) هذا في الصحيح.
"وعن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذىً أو قذراً فليمسحه, وليصل فيهما)) أخرجه أبو داود, وصححه ابن خزيمة.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب)) أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان.(19/21)
الحديث الأول حديث "أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذىً أو قذراً فليمسحه)) في الأرض، والمسح شامل بأن يكون في الأرض أو بما يمكن أن يسمح به من تراب أو منديل وما أشبه ذلك ((وليصل فيهما)) فليمسحه وليصل فيهما، الحديث صحيح، صححه ابن خزيمة وخرجه أبو داود، وإن اختلف في وصله وإرساله فرجح أبو حاتم الوصل، فالحديث صحيح: ((إذا جاء أحكم المسجد فلينظر)) يعني يحتاط لطهارة المسجد ونزاهة المسجد إذا كان تنظيف المسجد من أدنى شيء من القذاة رتب عليه الثواب العظيم فمن يتسبب في تلويثه لا شك أنه مسيء، وإذا كانت النخاعة خطيئة في المسجد فإدخال النجاسات إليه أعظم.
((فلينظر)) ينظر في نعليه ((فإن رأى فيهما أذىً أو قذراً)) فعليه أن يمسح، ثم بعد ذلك بعد هذا المسح تطهر النعل، تطهر النعل ولو كانت نجاسة، إذا ذهبت عينها بالمسح طهرت، وهذا من المطهرات في هذا الموضع، من المطهرات في هذا الموضع، وتطهير كل عين بحسبها، الأصل أن التطهير لا يكون إلا بالماء، لكن جاء تطهير النعل بالمسح، وتطهير بول الطفل الذي .. ، الغلام الذي لم يأكل الطعام بالرش والنضح، تطهير المذي بالنضح، تطهير السكين بعد الذبح بالمسح، كما قرر ذلك جمع من أهل العلم، تطهير .. ، شيخ الإسلام يرى أن تطهير ما يتلفه الماء يكتفى بمسحه، لو وقعت نجاسة على كتاب مثلاً، والكتاب يتلفه الماء، نغسل الكتاب وإلا نكتفي بمسحه؟ على رأي الشيخ نكتفي بمسحه، وهكذا فالصقيل يكتفى بمسحه، وما يتلفه الماء يكتفى بمسحه؛ لأنه إضاعة للمال، وأما ما عدا ذلك فيبقى كل موضع على حسب ما جاء فيه من نص.
حديث "أبي هريرة" وهو شاهد الحديث الذي قبله "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب)) له شواهد أيضاً من حديث عائشة وغيرها ((إذا وطئ أحدكم -داس أحدكم- الأذى بخفيه فطهورهما التراب)) يمسح هذا الأذى بالتراب، وبعد ذلك يصلي فيهما، نعم.(19/22)
"وعن معاوية بن الحكم -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هو التسبيح, والتكبير, وقراءة القرآن)) رواه مسلم.
وعن زيد بن أرقم أنه قال: "إنا كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت, ونهينا عن الكلام" متفق عليه, واللفظ لمسلم.
نعم، حديث "معاوية بن الحكم -السلمي- قال له الرسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هو التسبيح, والتكبير, وقراءة القرآن)) وهذا له سبب، وهو أن رجلاً عطس في الصلاة فشمته معاوية، هو صاحب القصة، شمته معاوية فرماه الناس بأبصارهم، أنكروا عليه، أنكر عليه الصحابة، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام- مقراً لهذا الإنكار: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)) كانوا يتكلمون بقدر الحاجة، يردون السلام، يشمتون العاطس حتى نزل قول الله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] هنا كأن القصة إنما حصلت بعد نزول الآية، ولذا قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هو التسبيح, والتكبير, وقراءة القرآن)) ولذا يخطئ من يسترسل بالكلام بالقنوت مثلاً بعض الناس إذا شرع في القنوت كأنه يخطب، بل بعضهم يأتي بعبارات صحفية، وبعضهم يعتدي في الدعاء، المقصود أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، فعلينا أن نحتاط لها، فإذا دعا الإنسان في القنوت أو في السجود إن لم تكن هناك حاجة محددة يطلبها من الله -عز وجل- أن يقتصر على الأدعية المأثورة، ليضمن صحة صلاته؛ لأن الأدعية المأثورة ليست من كلام الناس، ومثل القنوت دعاء الختم، ختم القرآن الذي يفعل في بعض الجهات إذا أنهى قراءة القرآن في غير موضع القنوت يشرع في الأدعية التي منها المشروع ومنها غير المشروع، وتذكر فيها أسماء الأشخاص، ويدعى فيها على أشخاص وغير ذلك.(19/23)
المقصود أن مثل هذا لا ينبغي التوسع فيه، وإن كان جنسه مشروع الذي هو أصل الدعاء، لكن يبقى أن الإنسان يحتاط لهذه الصلاة التي لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، التسبيح في الركوع السجود، التكبير في الانتقال مع تكبيرة الإحرام، قراءة القرآن، الدعاء في السجود وبعد الفراغ من التشهد، ثم ليتخير من المسألة ما شاء، على أن يكون من الأدعية المأثورة التي ليس فيها تعد ولا ظلم ولا قطعية رحم.(19/24)
زيد بن أرقم يقول: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته, حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت" القنوت له معاني كثيرة، القنوت له أكثر من عشرة معاني، منها: السكوت، منها: الدعاء، منها: طول القيام، لكن من معانيه السكوت، وهو المناسب هنا، "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} يعني ساكتين، الحديث مخرج في الصحيح، "إن كنا لنتكلم في الصلاة" والمراد بذلك ما لا بد منه من الكلام من رد سلام، وتشميت عاطس، وما أشبه ذلك، ما هو معناه إذا صفوا في الصلاة أخذوا بأطراف الحديث ما قرب منه وما بعد، يمضون الوقت بحديث الركب، لا، إنما هو بقدر الحاجة، ثم بعد ذلكم نهوا عن الكلام، فصارت الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، ولذا يقول: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] هذا أمر بالقنوت الذي هو السكوت، وفي قوله: "نهينا عن الكلام" ما يدل على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، الصحابي فهم ذلك، يعني مفاد الآية {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] قلنا: القنوت هو السكوت، قوموا لله حال كونكم قانتين، يعني أمروا بأن يسكتوا في الصلاة، هل نهوا عن الكلام؟ نعم نهوا صراحة وإلا التزاماً ولزوماً؟ لأن من لازم الأمر بالسكوت النهي عن الكلام، ولذا يقرر أهل العلم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، لا سيما إذا لم يكن له إلا ضد واحد، أما إذا كان له أضداد فالمسألة تختلف؛ أظن هذا ظاهر؛ لأنه يقول: "نهينا عن الكلام" ما فيه نهي هذا أمر، يعني ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) نهي عن الجلوس بدون صلاة، هل مفاد هذا أنه أمر بالصلاة؟ نعم، الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده إذا كان له ضد واحد، فمن تكلم في صلاته عالماً عامداً، ويختلفون فيما إذا كان الكلام لمصلحة الصلاة، كما في حديث ذو اليدين فإن صلاته باطلة،(19/25)
لكن إذا كان الكلام لمصلحة الصلاة فالمسألة خلافية، وحديث ذو اليدين يدل على أن الكلام لمصلحة الصلاة لا بأس به بقدر الحاجة، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال, والتصفيق للنساء)) متفق عليه، زاد مسلم: ((في الصلاة)).
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير, عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي, وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه, وصححه ابن حبان".
نعم حديث أبي هريرة المتفق عليه، المخرج في الصحيحين "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال)) " يعني أن اللائق بالرجال هو التسبيح، ((والتصفيق)) وفي رواية: ((التصفيح)) ((للنساء)) ((التسبيح للرجال)) لأن أصواتهم لا تفتن، وأما النساء باعتبار أن صوت المرأة مما يثير الفتنة فلا ينبغي أن يظهر في العبادة على خلاف بين أهل العلم في صوتها هل هو عورة أو ليس بعورة؟ واتفاقهم على تحريم الخضوع بالقول، فالرجل يناسبه التسبيح سبحان الله، ((والتصفيق للنساء)) وهذا في الصلاة {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، فهذا أولاً المسألة في شرع من قبلنا، وأيضاً هو باقٍ على المنع منه، لكن ارتكاب مثل هذا الضرر لتحصيل مصلحة أعظم منه، وهو تصويب هذه الصلاة التي حصل فيها الخلل بالتصفيق بالنسبة للنساء، هو من باب ارتكاب أخف الضررين، الأصل أن التصفيق منهي عنه، لا سيما في الصلاة؛ لأن فيه مشابهة لمن؟ للكفار، الذين كانت عبادتهم تصدية وتصفيق، فهذا التصفيق بالنسبة للنساء يحقق مصلحة هي أرجح من مفسدة مشابهة أولئك، وهي أيضاً أرجح من مفسدة ظهور صوت المرأة في الصلاة، ولا شك أن ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، فإذا ناب في الصلاة شيء، وجد شيء من الخلل سبح الرجل وصفقت المرأة.(19/26)
حديث "مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه" مطرف بن عبد الله سيد جليل من سادات التابعين، وأبوه صحابي يقول: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل" القدر إذا كان على النار وهو يفور، مع الأسف أن هذا يكاد أن يكون مما اندرس، حتى -مع الأسف الشديد- من بعض طلاب العلم، ولا أبالغ إذا قلت: إن بعض العامة قد يوجد منه مثل هذا الأمر، وكثير من طلاب العلم بسبب الغفلة والانشغال فيما لا فائدة فيه، مما فتح على طلاب العلم من أبواب الجرح والتعديل التي لا يستفيد منها كثير، هذه صار له عقوبات، صار له حرمان من بركة العلم والعمل، أنا لا أقول: كل طلاب العلم بهذه .. ، لكنه موجود على كل حال، بعض طلاب العلم -مع الأسف- همه قال فلان، قال علان، القدح في العلماء، القدح في .. ، عليك بخويصة نفسك، الزم عليك نفسك، أصلح نفسك أولاً، تفقد الخلل الذي لديك، يعني يندر أن نسمع من يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، من قلبه حاضر لصلاته، يتدبر ما يقرأ ويتأمل، والله المستعان.(19/27)
والأزيز: هو الصوت، الصوت الناتج من الغليان، غليان القدر إذا وضع على النار يفور، وخرج البخاري عن عمر -رضي الله عنه- أنه قرأ سورة يوسف حتى إذا بلغ قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [(86) سورة يوسف] سمع نشيجه -رضي الله عنه وأرضاه-، وإلى وقت قريب ونحن نسمع من الأئمة ومن خلفهم مثل هذا الأمر، وإلى وقت قريب أيضاً في ليلة الثالث عشر أو الثاني عشر، ليلة الثالث عشر عند قراءة سورة هود، الثاني عشر أو الثالث عشر، نعم، الناس يبكون، يسمع لهم شيء من هذا كثير، وبعض الأئمة يقصد وإن لم يكن صوته من الجمال بحيث يؤثر في الناس لكنه يتأثر ويؤثر، وإن كان الحديث الوارد في هود، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن شيبه، سأله أبو بكر: أراك شبت يا رسول الله؟ قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) لكن هود لا شك أنها مؤثرة، الخبر مضطرب، وبعضهم يرجح بعض الروايات على بعض وينتفي الاضطراب، لكن على كل حال هي مؤثرة سواءً ثبت الخبر أو لم يثبت، وعندنا بعض الناس يقرأ سورة هود وكأنه يقرأ جريدة لا أثر ولا تأثير، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا يخشى أن يكون من مسخ القلوب، ومعلوم أن مسخ القلوب أشد من مسخ الأبدان، فعلينا جميعاً أن نعتني بهذا الباب، نعم.
"وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان لي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدخلان, فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي" رواه النسائي وابن ماجه.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "قلت لبلال: كيف رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي? قال: يقول هكذا, وبسط كفه" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.(19/28)
حديث علي أولاً: الحديث ضعيف، يقول: "كان لي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدخلان, فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي" والحديث مخرج عند النسائي وابن ماجه وهو ضعيف، وإن صححه ابن السكن، وجاء بلفظ: "سبح لي" بدل "تنحنح" وهي أيضاً ضعيفة، إلا أنها أمثل من رواية: "تنحنح" مع أن الحديث بلفظيه مضعف، هل نقول: إن الروايتين يشهد بعضهما لبعض؟ نعم، يشهد واحد للثاني؟ الحديث واحد نعم من طريق صحابي واحد من طريقه هو، نعم ما يرتقي، لا سيما وأن فيه اختلاف، نعم فيه اختلاف بين (تنحنح) و (سبح) قد يقول قائل: إنه أحياناً يتنحنح وأحياناً يسبح فيرتفع الاختلاف، نقول: مثل هذا الكلام لو صح الخبر باللفظين لقلنا: إنه أحياناً يفعل كذا، وأحياناً يفعل كذا، وأنه لا تعارض بينهما.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قلت لبلال: كيف رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي? كيف يرد عليهم؟ وهذا أمر ينبغي أن يعتنى به، إذا دخل شخص وآخر يصلي فقال الداخل: السلام عليكم، يتركه حتى إذا سلم قال: وعليكم السلام؟ أو يرد عليه بالحال بالإشارة؟ أو نقول: هذا شغل المصلي فلا يستحق الرد؟ هذا الحديث الذي معنا حديث ابن عمر "قلت لبلال: كيف رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يرد عليهم حين يسلمون عليه" دليل على أنه يرد عليهم، السؤال عن الكيفية نعم، تجاوز وتعدي لمرحلة السؤال عن الوجود، دل على أنهم يسلمون ويرد، نعم، دل على أنهم يسلمون ويرد، لكن السؤال المسئول عنه كيفية الرد، فيرد عليهم بالإشارة فيبسط كفه، يعني بدل ما هو واضع يده على صدره يبسط كفه، نعم، "يقول هكذا, وبسط كفه" هنا فيه إطلاق القول على الفعل إطلاق القول على الفعل، وهذا كثير في النصوص، قال بيديه هكذا، في التيمم، فيطلق القول على الفعل، وهنا "يقول هكذا, وبسط كفه" يعني جعل ظهرها إلى السماء وبطنها إلى الأرض "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه" الترمذي يقول: "صحيح".(19/29)
جاء عند أحمد وابن حبان وغيرهما أن المسئول صهيب، قلت لصهيب: كيف رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يمنع أن يكون المسئول مرة بلال ومرة صهيب، ولذا ذكر الترمذي أن الحديثين صحيحان معاً، جميعاً صحيحان، نعم.
"وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو حاملُ أمامةَ بنت زينب, فإذا سجد .. "
حاملُ إيش؟ وهو؟
"وهو حاملُ أمامةَ .. "
بالتنوين وإلا بغير تنوين؟
طالب: بالتنوين.
حاملٌ أمامةَ، طيب حاملُ أمامةَ؟
طالب:. . . . . . . . .
أمامة يختلف وضعها بالإضافة أو بالقطع؟
طالب: أمامة ما يختلف لكن بنت.
هاه؟
طالب: بنت زينب.
نعم، الأثر يأتي في الوصف، الابن والبنت وصف، أو بدل أو بيان مما قبله، هو تابع لما قبله، فإذا قلت: حاملُ أمامةَ بنتِ، أو تقول: حاملٌ أمامةَ بنتَ وأيهما أرجح؟ في قاعدة وإلا مجرد استحسان؟ {بَالِغُ أَمْرِهِ} [(3) سورة الطلاق] {مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [(45) سورة النازعات] بالتنوين أو بدونه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما قرئ بالغٌ أمره؟ ومنذرٌ من يخشاها؟ الجواز جائز، الوجهان جائزان، لكن أيهما أرجح؟ منذرُ جيشٍ، لو قال: كأنه منذرٌ جيشاً، يجوز، نعم؟ يجوز، لكن أيهما أرجح؟ أو من الدقائق التي لا تهم مثل هذه؟ في العربية؟
طالب:. . . . . . . . .
راجعوها يا الإخوان، راجعوها.
{مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [(45) سورة النازعات] في أي سورة؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
قراءتك أنت المعتمدة عندك، لكن القراءات الأخرى؟ ومتى يترجح هذا؟ ومتى يرجح هذا؟ بعض القراءات ترجح بالعربية، لو رجعت إلى تفسير القرطبي في آخر سورة النازعات شفت ويش لون .. ؟ متى يرجح هذا ومتى يرجح ذاك؟ نعم.
"قال: كان -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو حاملُ أمامةَ بنتَ زينب، فإذا سجد وضعها, وإذا قام حملها" متفق عليه".
انتظر قليلاً يبي يغير الشريط.
"فإذا سجد وضعها, وإذا قام حملها" متفق عليه، ولمسلم: "وهو يؤم الناس في المسجد".(19/30)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب)) أخرجه الأربعة, وصححه ابن حبان.
حديث "أبي قتادة -واسمه هاه؟ الحارث بن ربعي - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (كان) تدل على الاستمرار وإلا لو حصل مرة نقول: كان؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هنا كان، الأصل فيها الاستمرار، لكن هنا ما حصل إلا مرة واحدة، فالمقصود به أنه وجد "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي" والصلاة هذه فريضة، جاء البيان في بعض الروايات أنهم كانوا ينتظرونه لصلاة الظهر فدخل -عليه الصلاة والسلام- وهو حامل أمامة بنت زينب بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأبوها أبو العاص بن الربيع، نسبت إلى أمها لشرف النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيحملها -عليه الصلاة والسلام- الرءوف الرحيم، المربي، العطوف، وهو بهذا يريد أن يجتث ما كانت الجاهلية تتسم به من كره للبنات، وإيثار للبنين، فهو حمل هذه الطفلة في أشرف مقام بين يدي الله -عز وجل-.(19/31)
"حاملٌ أمامة بنت زينب" هذا الحمل في حال القيام والجلوس يتصور فيه الحمل، لكن "إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها" فهو إمام والصلاة فريضة، وهو يؤم الناس وطالت مناقشات عند المالكية حول هذا الحديث منهم من يقول: هو منسوخ، ومنهم من يقول: هو للحاجة والضرورة، إذا لا يوجد من يكفيه أمر هذه البنت -عليه الصلاة والسلام-، في أقوال كثيرة، لكنه لبيان الجواز، لبيان الجواز، وأن مثل هذا الفعل جائز في الصلاة؛ ما دام فعله القدوة -عليه الصلاة والسلام- فلا مانع من أن يحمل الإنسان هذا الطفل، لا سيما إذا كان في مقام تعليم واقتداء إذا كان ممن يقتدى به، أما إذا كان لا يترتب على حملها مصلحة، والحاجة ليست داعية، فعلى الإنسان أن يقبل على صلاته "إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها" دل على جواز حمل المصلي الطفل، إذا تحقق من طهارته، وأن ما في جوفه معفو عنه، وأن مثل هذه الأفعال لا تبطل الصلاة، وأخذ من هذا الحديث جواز القراءة من المصحف في الصلاة؛ لأن حمل المصحف ووضع المصحف ليس بأشد من حمل هذه البنت ووضعها، إضافة إلى أن عائشة -رضي الله عنها- اتخذت إمام يقرأ من المصحف، الحنفية يمنعون القراءة من المصحف، لكن الحديث دليل ظاهر لهذه المسألة، إذا لم يوجد حافظ، وأمكنت القراءة من المصحف لا بأس حينئذٍ، وليس المصحف بأشد من حمل هذه البنت.
منهم من يقول في الإجابة عن هذا الحديث: "إن هذه البنت كانت تعلق به من غير علمه" كيف من غير علمه وقد دخل حاملاً لها على عاتقه وهم ينتظرونه للصلاة؟! المقصود أن المناقشات حول الحديث طويلة جداً أفاض الشراح في المطولات في بيانها وردها، والحافظ ابن حجر استوعب كثيراً منها، ابن دقيق العيد أيضاً في شرح العمدة بين كثير منها، المقصود أن هذا ليست هناك ضرورة ولا حاجة وإنما فعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز، فلا مانع أن يحمل الإنسان شيئاً طاهراً ولا أثر له في صلاته، لا سيما إذا كان بحيث يقتدى به، ليبين الجواز للناس، أما أن يكون ديدن كل فرض، أو كل صلاة وشايل معه شيء هذا ينشغل به، عليه أن يقبل على صلاته، لكن الصلاة لا تبطل بمثل هذا.(19/32)
حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب)) أخرجه الأربعة, وصححه ابن حبان" الحديث صحيح، والأسودان جاء تفسيرهما في الحديث الحية والعقرب، وهل الوصف بالسواد وصف مؤثر بمعنى أنه إذا لم تكن الحية سوداء والعقرب سوداء ما تقتل؟ أو نقول: إن الوصف أغلبي، أغلبي وفي حكم السوداء الحية البيضاء، الحية الـ ... ، وغير ذلك من الألوان، وكذلك العقرب الصفراء، وأهل المعرفة والخبرة يرون أن الصفراء أشد شراً من السوداء، فكونها سوداء لا أثر له، إنما الأثر كونها حية، كونها حية يترتب على تركها الضرر له أو لغيره، وكذلك عقرب، فدل على ((اقتلوا)) الأمر بقتل هذه الأمور والأشياء المؤذية والمنصوص عليه مؤكداً قتله، فعلى هذا يقتل ولو ترتب على القتل حركة، تقدم وتأخر وأخذ آلة وأخذ شيء لا مانع؛ لأن امتثال الأمر لا يتم إلا بهذا، ويقاس عليه كل مؤذي، أو جاء ذئب أو أسد أو شيء مؤذي يخاف على نفسه أو على غيره منه يقتله، إذا تكلم لإنقاذ غريق من هلكة أو إنسان يخشى عليه فمثل هذا لا يؤثر -إن شاء الله-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثواب الأعمال التعبدية لم يرد فيها نص كقراءة القرآن مثلاً والذكر جاء في الحديث وصول الحج وأنه يقبل النيابة، وصول الصدقة، وصول الدعاء، وجاء النهي عن الصلاة: ((لا يصلي أحد عن أحد)) فالعبادات المحضة لا تقبل النيابة، الصيام عبادة لكن جاء في الحديث: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وإن كان المتجه عند شيخ الإسلام وابن القيم وهو المذهب عند الحنابلة أن هذا خاص بصيام النذر، فيما أوجبه الإنسان والتزمه على نفسه مما لم يوجب بأصل الشرع.(19/33)
على كل الاقتصار على موارد النصوص هو الأصل، وإن كان من أهل العلم من يرى أن كل قربة فعلها وأهدى ثوابها لحي أو ميت فإنه يصل، فإنه يصل، والولد من الكسب، الولد من الكسب، فالدخول في عموم هذه الآية له وجه، لكن إذا اقتصر المسلم على مورد النص اكتفى بالدعاء، اكتفى بالصدقة، حج عن قريبه، حج عن أبيه، حج عن أمه إلى آخره، وفي هذه الأبواب ما يغني عن الاستطراد وفعل ما لم يرد خشية أن يدخل في حيز الابتداع، لكن لو فعل قرأ القرآن وجعل ثوابه لأبيه أو لأمه لا شك أن هذا قول معتبر عند أهل العلم، وإن لم يكن راجحاً.
يقول: إذا بدأت أصلي سنة دخول المسجد وأنا في الركعة الأولى أو في سجود الركعة الأولى وجاء الإمام وأقيمت الصلاة فهل أقطع صلاتي لأدخل معهم؟
((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) وفي القرآن النهي عن إبطال العمل، فإذا كانت الصلاة مضى منها ما يسمى صلاة، فإبطاله فيه نظر، فإذا صلى صلاة كاملة، ركعة كاملة يتم الباقي خفيف ويلحق به، أما إذا لم يصلِ ركعة كاملة فإنه حينئذٍ يقطعها.
بعض الناس عندما يدخل المسجد يلقي السلام ويكون الموجودون مشغولين بين مصلٍ وقارئ للقرآن، فهل يكره السلام في هذا الموضع؟ وماذا عن رد السلام من قبل الجالس؟
إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلم عليه وهو يصلي، وهو يصلي ويرد السلام بالإشارة، فالداخل يسلم والقارئ يرد، والجالس يرد، والمصلي يرد بالإشارة أيضاً.
يقول: ما حكم صلاة الجماعة للنساء في المدارس؟
أولاً: النساء ليس عليهن جماعة، ليس عليهن جماعة، لكن إذا رأى مجموعة من النساء كون صلاتهن الجماعة مجتمعات أحفظ لصلاتهن وبعضهن ما يتقن الصلاة أو يستعجل في صلاته، فرأوا من المصلحة أن يصلوا جميعاً لتؤدى الصلاة على أكمل وجه هذا له وجه، لكن الأصل أن الجماعة للرجال وليست للنساء.
يقول: وقد تجبر البنات على الصلاة وهي على عذر؟
يحرم أن تصلي وهي معذورة، وعليها العذر، عذر حيض، لا تصح منها الصلاة بل تحرم عليها.
ما حكم إذا صلين فرادى ولسن جماعة؟
جائز، هذا هو الأصل.
ما صحة ما ورد من شرب الماء في النافلة؟(19/34)
ورد عن ابن الزبير، وليس فيه خبر مرفوع، بعض التجاوزات عن بعض السلف ورد عنهم فتح الباب، وإطفاء السراج، المقصود المحتاج إليه في النافلة أمره أخف، ولو قدر أنه ازداد عليه البرد فالتحف أو ازداد عليه الحر فخلع وهو في النافلة إذا كان القصد صحيح لمصلحة الصلاة فلا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
هل الإلمام باللغة العربية ضروري خاصة في الأحكام الفقهية؟ وهل تنصحون طلاب العلم بأن يكونوا ملمين باللغة العربية؟
أولاً: الكتاب والسنة باللغة العربية، اللغة العربية هي لغة هذه الأمة، هي لغة الكتاب، الكتاب دستور هذه الأمة، فلا يمكن أن يفهم الكتاب إلا باللغة العربية، وكم من حكم بل كم من نص تغير الاستنباط منه تبعاً لتغير إعرابه، هذا من حيث إعراب الكلمات، أما من حيث المعاني -المعاني اللغوية- المفردات، متن اللغة كم من كلمة حرفت بسبب الجهل بالعربية، كم من كلمة حرفت، هناك حقائق يجريها بعض من لا يعرف العربية على أعرافهم، والأعراف تختلف اختلاف كلي في بعض الأحيان -الأعراف- عن الحقائق الشرعية، على سبيل المثال لو جاء شخص عنده أموال لكنه في عرف الناس محروم لا ينفق على نفسه من هذا المال، فيأتي من يقول: هذا يعطى من الزكاة {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] وهذا محروم، هذا سببه الجهل بالعربية، سببه الجهل بالعربية، فالحديث: ((ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه)) بالرفع، عند جمهور العلماء بالرفع، وعلى هذا يكتفى بذكاة الأم عن ذكاة الجنين، فتكون ذكاة الجنين هي ذكاة أمه، إذا قرأناها بالنصب ذكاة الجنين ذكاةَ أمه اختلف الحكم، وأنه لا بد أن يذكى كذكاة أمه، وبهذا يقول الحنفية.
المقصود أن العربية معرفتها أمر لا بد منه لفهم النصوص، لفهم النصوص، بفروعها العشرة المعروفة عند أهل العلم.
هل يكون في الإقامة ترديد مع المؤذن؟(19/35)
الإقامة يشملها مسمى الأذان بالإطلاق العام، هي أذان بالمعنى العام، لكنها عند الإطلاق لا تشملها النصوص، إذا حلف ألا يؤذن فأقام، حلف ألا يؤذن لما حضر الأذان هذا مؤذن مسجد تشاجر مع شخص وقال قم أذن، قال: ما تأذن، قال: والله ما أذن ها اليوم، فأذن الشخص الثاني فجاءت الإقامة أقام يحنث وإلا ما يحنث؟ ما يحنث، نعم، لا يحنث، فالأصل في الأذان أنه الإعلام، وهذا الأصل يشمل الأذان والإقامة، ويؤيده حديث: ((بين كل أذانين صلاة)) لكن بالمعنى الأخص بالمعنى الأخص الأذان خاص بالأول والإقامة بالثاني، وعلى هذا من ردد له وجه، والذي لا يردد له وجه وهو أولى.
يقول: للأسف نرى أن كثيراً من الإخوة المستقيمين يتحركون في الصلاة بسبب الشماغ على الرأس، وفي كل ركعة أو سجدة مسك الشماغ وحركة؟
يوجد، يوجد، توجد الحركة إما بقصد أو بغير قصد، وسئل ابن عباس -رضي الله عنهما- ما بال اليهود لا يتحركون في صلاتهم؟ فأجاب: بأن اللص عما يبحث في البيت الخرب؟ يبحث عن إيش؟ منتهي منهم الشيطان، لكن هؤلاء الذين هم ينوون التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى- بهذه العبادة يريد الشيطان أن يختلس شيئاً من صلاتهم بمثل هذه الحركات ومثل الالتفاتات، فعلى الإنسان أن يقوم لله -سبحانه تعالى- قانتاً فيسكت، ويتجه بقلبه وقالبه إلى الله -عز وجل-، ويتدبر ما يقرأ أو يسمع، ويحفظ من صلاته القدر الذي يستطيع، أكبر قدر ممكن يستطيعه وإلا ينقص من صلاته بقدر ما غفل عنه منها، وقد ينصرف بصلاة كاملة، وقد ينصرف بالنصف، بالثلث، بالربع، بالعشر تبعاً لذلك.
يقول: ماذا أفعل وأنا عامي عندما أرى في التلفزيون مفتين يحلون كشف وجه المرأة، ويصفون غيرهم بالتشدد والتزمت فأخرج وأسمع الناس يخوضون في ذلك ويقعون في العلماء، فهل يجوز لي أن أطعن في ذلك المفتي؟(19/36)
الطعن في القول، وترجيح الراجح بدليله لا يعني الطعن فيمن قال به، على ألا يتعرض للشخص لذاته، يرجح القول الراجح بدليله، ويضعف القول الضعيف بقدر الإمكان يتحاشى الكلام في الأشخاص، يتحاشى الكلام في الأشخاص، لكن إذا كثرت الشواذ من شخص ينبغي أن يحذر منه، أن يحذر منه لئلا يغتر به العامة من غير استرسال في الطعن بذاته أو في .. ، لا، إنما يكون بقدر الحاجة، وتغطية الوجه هو الراجح عند أهل العلم، كما هو معروف، والأدلة على ذلك كثيرة من نصوص الكتاب والسنة، وبحث المسألة يطول، وفيها مؤلفات.
يقول: ما حكم من رد حديث: ((يؤتى بالموت يوم القيامة على صورة كبش)) أو كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلق على الحديث ويقول: العقل لا يتصور هذا؟
القدرة الإلهية صالحة وقادرة على تصوير المعاني وتحويلها إلى أجسام، وأمور القيامة لا يستطيع الخيال إدراكها، فإذا صح الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فالمتعين على المسلم اعتقاد ما جاء فيه، ولا يجوز له أن يرد الخبر لأن عقله لا يتصوره، فالشريعة لا تأتي بالمحال بلا شك، لكن تأتي بما تحتار فيه العقول، لا سيما في الغيبيات، العقل محدود، لا يدرك ما وراء هذا الجدار، فكيف يدرك ما وراء الدنيا؟ كيف يقول في مثل حديث: ((إن ضرس الكافر مثل أحد)) يعظم ليزداد عليه العذاب، يقول: بعد ما هو بمعقول أن كل ضرس مثل أحد ويش يبي يصير حجمه؟ قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، علينا الإذعان والتسليم والسمع والطاعة، وهذا هو مقتضى الإيمان بمحمد -عليه الصلاة والسلام-، طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر.
يقول: هل يجوز أن نصلي على أرض مزروعة. . . . . . . . . وتحتوي على سماد، وما حكم؟
السماد إذا كان من المواد الطاهرة تجوز الصلاة عليه، وإن كان من المواد النجسة لا تجوز الصلاة عليه.
ما حكم صلاة نافلة ركعتين بعد صلاة الجمعة في المسجد؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى في المسجد بعد الجمعة صلى أربع ركعات، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين.
يقول: إذا أدى الرجل نافلة الفجر في بيته بعد الفجر ما حكم ذلك؟(19/37)
يعني فاتته نافلة الصبح، نافلة صلاة الصبح صلاة الفجر قبل الصلاة ثم أراد أن يقضيها بعد الصلاة يستوي في ذلك أن يصليها في بيته أو في المسجد بعد الصلاة، مع أن الصلاة في البيت أفضل النافلة، صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، وإن تأخر أخر قضاءها إلى ما بعد ارتفاع الشمس فهو حسن.
ما حكم أداء تحية المسجد في كل وقت؟
هذا طالت مناقشة الأقوال في هذه المسألة في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وعلى كل حال من دخل في الوقتين الموسعين لا حرج أن يصلي، أما إذا دخل في الأوقات المضيقة فالمتجه أنه لا يصلي.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(19/38)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (6)
شرح: كتاب الصلاة: باب سترة المصلي
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد سمعنا ما قاله الشيخ في فضل العلم، وطلب العلم، وبيان منزلة أهل العلم، ولسنا بصدد تقرير ذلك والإفاضة في ذكر ما جاء من النصوص من الكتاب والسنة، وأقوال سلف هذه الأمة، وشواهد الأحوال تشهد شهادة عملية بما جاء في النصوص، وإن لم تكن بحاجة إلى ما يشهد لها، لكن الواقع يشهد بذلك أنه خير الدنيا والآخرة، وأفضل ما يتقرب به إلى الله -عز وجل-، وأن من لديه شيء من العلم يرفع على غيره بقدر ذلك العلم درجات، فنظراً لضيق الوقت والمدة أسبوع واحد، والمقرر من الأحاديث مائة حديث سوف يكون الشرح، شرح متوسط بقدر الحاجة، بقدر الحاجة، لا يكون هناك استطرادات، ولا إفاضة في ذكر أقوال أهل العلم والاستدلال لهم، إنما يكون بقدر الحاجة؛ لأن المقرر مائة حديث، على عشرة دروس، والدرس يصفوا منه ساعة، ساعة وربع، ربع ساعة يكون للإجابة على الأسئلة في بداية كل درس.
فلا أظن الوقت مدة ساعة ستين دقيقة تفي بشرح عشرة أحاديث الشرح الذي ترتاح له النفس، لكن الإخوان في تقسيمهم هذا نظروا إلى أن إكمال الكتاب مهم، يعني لو ترك الشيخ بدون تحديد احتمال يستطرد ويفيض في ذكر الأقوال، وذكر الاستطرادات والفوائد، لا شك أن هذه مفيدة لطالب العلم، لكن سلبيتها أن الكتاب كما هو معمول به عندنا في كثير من الدروس الكتاب الواحد عشر سنوات خمسة عشر سنة ما ينتهي، فلا بد من تحديد وضبط ما يراد على الطريقة التي سبقت يعني قريبة منها جداً -إن شاء الله تعالى-، خلا بعض الاستطرادات التي تأن بالخاطر، وتلوح أثناء الشرح، يقتصر من ذلك على ما تدعو إليه الحاجة، والله المستعان.
سم.
كتاب الصلاة: باب سترة المصلي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(20/1)
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-، ونفعنا بعلمه، وكتب لنا وله الأجر والمثوبة في كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام:
كتاب الصلاة: باب سترة المصلي:
عن أبي جهيم بن الحارث -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) متفق عليه, واللفظ للبخاري، ووقع في البزار من وجه آخر: ((أربعين خريفاً)).
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: ((مثل مؤخرة الرحل)) أخرجه مسلم.
وعن سبرة بن معبد الجهني -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم)) أخرجه الحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب سترة المصلي" سترة المصلي: الأحاديث التي أوردها تحت الترجمة تبين المراد وإلا فالسترة أعم من أن تكون بين يدي المصلي للحيلولة بينه وبين من يمر بين يديه، فتشمل سترة، أو ستر عورته، ستر بدنه وغير ذلك مما مر في شروط الصلاة، فسترة المصلي يريد المؤلف -رحمه الله تعالى- ما يجعله بين يديه للحيلولة بين أن يمر أحد بين يديه وهو يصلي.(20/2)
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن أبي جهيم -وهو- ابن الحارث" واسمه: عبد الله بن الحارث بن الصمة، وهو راوي حديث البول المعلق في صحيح مسلم، وهو موصول في صحيح البخاري، موصول في صحيح البخاري، ومعلق في صحيح مسلم، وقيل: هما اثنان، راوي حديث البول غير راوي حديث المرور بين يدي المصلي، وللتأكد من مثل هذا الاختلاف يراجع كتاب الخطيب البغدادي: (موضح أوهام الجمع والتفريق) وهو كتاب نافع في بابه يعتمد على أقوال من تقدمه ويرجح، هناك من الرواة أكثر من راوي يجزم أحد الأئمة أنهما واحد، أو أنهم واحد، ويجزم آخرون أنهم عدد، والكتاب محاكمة بين هذه الأقوال ولا يدعي العصمة والصواب، ولا تدعى له أنه مصيب في كل ما يقول، لا سيما وهو أنه يوازن بين أقوال كبار الأئمة، خلاف يقع بين أحمد والبخاري مثلاً، أو بين أبي حاتم وأبي زرعة ثم الخطيب يوازن بين هذه الأقوال من خلال الاستقراء والتتبع لمروياتهم.
"عن أبي جهيم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي)) ((لو يعلم المار بين يدي المصلي)) الجواب ((لكان أن يقف أربعين خيراً له)) ما الذي يدفع المار إلى المرور بين يدي المصلي؟ العجلة، العجلة كي يخرج بسرعة، لكن لو علم ما عليه من الإثم وإن كانت هذه اللفظة مما ينازع الحافظ في إثباتها "لكان أن يقف أربعين" ولو قدر أن هذه الأربعين على أقل تقدير دقيقة، أربعين دقيقة مثلاً، ساعة إلا ثلث، وهو لن يقف أكثر من خمس دقائق، هذا إذا لم يكن هناك مساغ ولا مندوحة له، فضلاً عن أن يقف أربعين ساعة، أو أربعين يوماً، أو أربعين خريفاً على ما جاء في بعض الروايات مما أشار إليه الحافظ، فالأمر عظيم، والناس يتساهلون في مثل هذا، تجده يمر بين يدي المصلي وقد يعلم ما ورد في ذلك وهذا أسوأ، وقد يذكر ما ورد في ذلك، وهو غير جاهل ولا غافل، وإلا قد يغفل الإنسان ولا يتذكر أنه مر بين يدي المصلي إلا إذا انتهى، مثل هذا أمره سهل، لكن مع العلم والعمد أمر جد خطير، عقوبته عظيمة ((لكان أن يقف أربعين خيراً له)).(20/3)
((لو يعلم المار بين يدي المصلي)) يعني بينه وبين سترته ((ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له)) لفظ: ((من الإثم)) وهنا قال الحافظ: متفق عليه، متفق عليه، هذه اللفظة: ((من الإثم)) الحافظ انتقد صاحب العمدة، الحافظ عبد الغني حينما نسبها إلى الصحيحين، وقال: إنها لا توجد في الصحيحين، ووقع فيما انتقده فيه، وهذا يدل على أن الإنسان مجبول على الضعف، وعلى الإنسان أن يحتاط في النقد خشية أن يقع فيما انتقده، وهذا كثير، لكن إذا انتقد بنية صالحة ووقع منه السهو والغلط لا يلام ولا يؤاخذ، لكن بعض الناس يقرن نقده بالاستهزاء والسخرية، وأعرف شخصاً معه كتاب يدور به في المجالس والمحافل يتندر به، حققه شخص من فضلاء الرجال، لكنه مع ذلك ليس من أهل الاختصاص وقع فيه أوهام كثيرة، فصار هذا الشخص وهو من أهل الاختصاص يحمل هذا الكتاب يتندر به، من كثرت ما تكلم في الكتاب حُث على تحقيقه، وأكد عليه، ما دام يعرف هذه الملاحظات يستدرك، فحقق الكتاب ونشر الكتاب، ما الذي حصل؟ النشر الثاني لهذا الشخص المنتقد أسوأ بكثير من الأول، وقع في أوهام تضحك الصبيان، فإذا أراد الإنسان أن ينتقد يتجرد من غير أن يقدح في أحد، أو يهزأ أو يسخر ينتقد لا بأس، هذا بيان، بيان للحق، أخذ على من عرف الحق العهد والميثاق أن يبينه للناس، لا بأس بنية خالصة صالحة، من غير أن يقترن بسخرية، ولا حط من قيمة غيره، ولا يلزم من ذلك أن يكون معصوماً، وهنا الحافظ انتقد صاحب العمدة فنسب هذه اللفظة للشيخين ولا توجد عند الشيخين، فوقع الحافظ في ذلك، نعم هي توجد في بعض روايات الصحيح، في بعض روايات صحيح البخاري عند الكشميهني أحد رواة الصحيح، والحافظ وصفه بأنه ليس من أهل العلم هو مجرد راوي، هو مجرد راوي، هو ليس من أهل العلم، تعرض له الحافظ في مواضع من فتح الباري يبين أنه ليس من أهل العلم، وإنما هو راوي من رواة الصحيح، وهو أيضاً موصوف بالإتقان، مع كونه راوية ومتقن، لكن ما يلزم أن يكون مع إتقانه معصوماً.(20/4)
نأخذ من هذا مثل ما ذكرنا سابقاً أن الإنسان يستدرك، وينتقد بقصد الحق، وبيان الحق، لا لازدراء الناس وانتقاصهم، ولا حباً للظهور، فمثل هذا جرت العادة أنه يخذل، فتقع منه المضحكات، وذكرنا مثال على هذا ولا نريد التسمية، نريد العبرة فقط من هذا.
((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف -هذا الجواب- لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) هذا فيه دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي، تحريم المرور بين يدي المصلي، ويأتي ما يبين ذلك؛ لأن المالكية لهم تفصيل، تفصيل يتعلق بالمار وبالمصلي؛ لأنهم يرون أن المار إذا لم يكن له مندوحة لم يكن للمار مندوحة، والمصلي لم يستتر فالإثم على المصلي، إذا كان للمار مندوحة وقد استتر المصلي فالإثم على المار، إذا استتر المصلي وليس للمار مندوحة لا إثم عليهما، إذا كانت هناك مندوحة للمار ولم يستتر المصلي فالإثم عليهما معاً، وهذا تفصيل يرده حديث أبي سعيد على ما سيأتي، فعلى كل حال الأمر ينبغي أن يعتنى به ويحتاط له، فالسترة جاء الأمر باتخاذها على ما سيأتي، فعلى الإنسان أن يستتر على الخلاف في حكمها، فإذا استتر ليس لأحد أن يمر بين يديه مهما كانت ظروفه، ويستوي في ذلك المساجد التي تزدحم بالمصلين كالحرمين والجوامع، وغيرها، إلا أن المشقة تجلب التيسير، يعني في أوقات المواسم لو انتظر الإنسان حتى ينتهي المصلون ما خرج من المسجد، فالمشقة حينئذٍ تجلب التيسير، وعلى هذا يصلي الإنسان في مثل هذه الأماكن دون سترة ويمر الناس بين يديه، وقد صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير جدار، قد يقول قائل: إنه صلى إلى غير جدار لكن صلى إلى سترة سهم مثلاً، نقول: لا، يقول ابن عباس: يعني إلى غير سترة، وهذا للمشقة الحاصلة بالمكان، صلى والناس يمرون بين يديه، فالمشقة تجلب التيسير.
((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) يدي المصلي، والحديث مخرج عند الجماعة كلهم، البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك وغيرهم، هو مخرج في دواوين الإسلام "واللفظ للبخاري" وعرفنا أن لفظة: ((من الإثم)) لا توجد في جميع روايات الصحيح إلا عند الكشميهني.(20/5)
"ووقع في البزار من وجه آخر: ((أربعين خريفاً)) " وهذه وإن كان رجالها رجال الصحيح إلا أنها محكوم عليها بالشذوذ من قبل الأئمة، ولو صحت لكان فيها بيان لما أهمل في الحديث، ولعل ترك التمييز لتسرح فيه النفس كل مسرح، وليتعاظم أمره، قد يقول قائل: يمكن أعظم من أربعين خريف، أعظم من أربعين، أكثر من أربعين سنة، يمكن أربعين قرن، فمثل هذا إذا لم يذكر التمييز صار أشد في التحذير والتخويف.
الحديث الذي يليه:
حديث "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة تبوك عن سترة المصلي" يعني عن ارتفاعها كما بينه الجواب، وإلا فالسؤال عن السترة يحتمل جميع ما يتعلق بها من طولها وعرضها وحكمها ومكانها، وكيفية وضعها، المقصود أن الجواب "قال: ((مثل مؤخرة الرحل)) عند مسلم والنسائي والبيهقي وغيرهم، هذا الطول والارتفاع ((مثل مؤخرة الرحل)) يعني بقدر ثلثي ذراع، بقدر ثلثي ذراع، ويذكر أهل العلم الحكمة من اتخاذ السترة للصلاة منع من أراد أن يجتاز دونها، قالوا: وكف البصر عما وراءها لكي ينظر المرء موضع سجوده، ينظر مسجده –يعني موضع سجوده- ولا يتجاوز السترة، ويمنع من أراد أن يمر بين يديه، بينه وبين سترته " ((مثل مؤخرة الرحل)) أخرجه مسلم".
الحديث الذي يليه:
حديث "سبرة بن معبد" فيه أيضاً هذاك من حيث الطول، وهذا من حيث العرض ((ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم)) ((ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم)) يعني في دقته، بالنسبة للعرض، أما الطول كمؤخرة الرحل، والعرض ولو بسهم، وهذا الحديث حسن مخرج عند الحاكم، وقبله عند أحمد وابن خزيمة والبيهقي وابن أبي شيبة.
((ليستتر)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، اللام لام الأمر، والأصل في الأمر أنه للوجوب، وقد قال به جمع من أهل العلم، وحمله الجماهير على الندب لوجود الصوارف، لوجود الصوارف منها كون النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، ولو كان الأمر للوجوب لما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير سترة، فمثل هذا الأمر محمول عند جمهور أهل العلم على الندب، وإن قال بعضهم بالوجوب.(20/6)
((ليستتر أحدكم)) والخطاب متجه لكل مصلٍ، وهو شامل بعمومه للإمام والمأموم والمنفرد، أما الإمام والمنفرد فلا إشكال في دخولهما في الأمر، وأما المأموم فدلت النصوص على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو أن الإمام سترة لمن خلفه، وابن عباس جاء على حمار فمر بين يدي الصف في منىً ولم ينكر عليه، فدل على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وأن الإنسان إذا كان مأموماً لا يرد، ولا مانع من المرور بين يديه، ولا مانع من المرور بين يديه، نعم يحصل هناك تشويش، التشويش فيه الكراهة، والكراهة تزول بالحاجة، تزول بالحاجة، فإذا كان الإنسان محتاج أن يمر بين يدي المصلين من المأمومين زالت هذه الكراهة، أما إذا لم يكن هناك حاجة ولا داعي فاستطراق الصفوف يشوش على المصلي.
"وعن أبي ذر الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقطع صلاة المرء المسلم -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة, والحمار, والكلب الأسود)) .. الحديث، وفيه: ((الكلب الأسود شيطان)) أخرجه مسلم.
وله: عن أبي هريرة نحوه دون: "الكلب".
ولأبي داود والنسائي: عن ابن عباس نحوه، دون آخره، وقيد المرأة بالحائض.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
قف على هذا، قف على هذا.
حديث "أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-" المخرج في مسلم والنسائي والترمذي والمسند وابن ماجه والبيهقي، حديث أبي ذر -رضي الله عنه- "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقطع صلاة الرجل المسلم)) يقطع: القطع هنا محمول على الإبطال بمعنى أنه يبطل صلاة الرجل المسلم، وإن قال بعضهم أنه يقطعها بمعنى ينقص ثوابها، ينقص ثوابها، وإن كان هذا القول مرجوح، لكنه قيل به.(20/7)
((يقطع صلاة الرجل المسلم)) صلاة الرجل المسلم، يشمل جميع الصلوات الفريضة والنافلة، الفريضة والنافلة، ويتناول بعمومه الصلاة المعتادة والصلوات النادرة، فهي صلاة، فهي صلاة، الصلوات الخمس، الرواتب، النوافل المطلقة، صلاة الجنازة، صلاة الكسوف، صلاة العيد ((صلاة الرجل)) هذه الصلاة تدخل في عموم الخبر ((يقطع صلاة الرجل)) الرجل يخرج المرأة، يخرج المرأة، فهل معنى هذا أن للإنسان أن يمر بين يدي المرأة، والمرأة تمر بين يدي المرأة والمرأة تترك الحمار والكلب الأسود يمر بين يديها؛ لأنه قال: ((صلاة الرجل)) هاه؟ ((يقطع صلاة الرجل)) الرجل أيضاً يطلق على البالغ فهل تخرج المرأة من النص؟ بمعنى أنها تترك من يمر بين يديها دون رد، دون مدافعة، وسيأتي ما في حديث أبي سعيد ((إذا صلى أحدكم)) تدخل فيه المرأة أو لا تدخل؟ هنا هل ذكر الرجل قيد أو أنه بناءً على الغالب والنساء يدخلن في خطاب الرجال كما هو معروف من النصوص؟ يخاطب الرجل ويدخل فيه المرأة، تدخل المرأة في خطاب الرجال، وكانت مريم -عليها السلام- من القانتين، لكن التنصيص على ذكر الرجل هل له مفهوم أو لا مفهوم له؟ إذا مرت امرأة بين يدي امرأة، مر حمار بين يدي امرأة، مر كلب أسود بين يدي امرأة هل تبطل صلاتها أو لا تبطل؟ نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، اللي وراك.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أن التكاليف الشرعية يستوي فيها الذكور والإناث، والإناث شقائق الرجال، لكن من هذه التكاليف ما يختص بالرجال، ومنها ما يختص بالنساء، وهل لتخصيص الرجل هنا في مثل هذا النص معنى؟ أو ليس له معنى؟ ((يقطع صلاة الرجل)) الكلمة الثانية: ((المسلم)) هل معنى أن صلاة الرجل الكافر لا يقطعها شيء؟ أو أن لفظ: ((المسلم)) وصف كاشف، تصريح بما هو مجرد توضيح، وحينئذٍ يكون لا مفهوم له؛ لأن غير المسلم لا يصلي، ولو صلى لا تصح صلاته، المسلم هذه لا إشكال فيه، لكن بالنسبة للرجل هذا محل الإشكال، هاه؟ يعني هل المرأة خارجة عن هذه النصوص؟ ما يقطع صلاتها شيء؟ الأسئلة سوف تكون في بداية كل درس -إن شاء الله تعالى- يا الله يا الإخوان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(20/8)
إحنا عندنا: ((يقطع صلاة الرجل)) مفهومه أن صلاة المرأة لا يقطعها مرور هذه الأشياء، صلاة المرأة لا يقطعها مرور المرأة، صلاة المرأة لا يقطعها مرور الكلب ولا الحمار، لقوله: ((صلاة الرجل)) له مفهوم وإلا ما له مفهوم؟ لا مفهوم له؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مفهوم غير معتبر، متى يلغى المفهوم؟، متى يلغى المفهوم؟ الأصل أن المفهوم معتبر، لكن متى يلغى المفهوم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ طيب، متى يلغى المفهوم؟ إذا عورض بما هو أقوى منه كالمنطوق، إذا عورض بمنطوق، ما الذي يعارض مفهوم هذا الحديث؟ هاه؟ كيف؟ نعم، لكن هذا بعمومه دخله من المخصصات الشيء الكثير مما أضعف عمومه، أقول: عموم الحديث: ((النساء شقائق الرجال)) هذا دخله مخصصات فليكن هذا منها، هل يمكن أن يعارض بعموم ما سيأتي: ((إذا صلى أحدكم)) بمعنى أن المفهوم الخاص هل يعارض بمنطوق عام؟ هاه؟ وين الإخوان؟ جاوبوا يا الإخوان، الدرس إذا صار فيه حوار نشط شوي، ونستفيد من الإخوان، ما هي المسألة حكر، كلنا زملاء، ها يا شيخ محمد عندك شيء؟ عندك شيء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقدم المنطوق العام على المفهوم الخاص، له نظائر وإلا ما له نظائر؟
طالب:. . . . . . . . .
هم إذا تعارض العام والخاص يقدمون الخاص بلا شك، لكن إذا تعارض المنطوق مع المفهوم؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كلها صحيحة، يعني عندنا: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنه لو استغفر واحد وسبعين مرة يغفر لهم، لكن هذا المفهوم وإن كان خاصاً معارض بعموم {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] فقدم العموم على المفهوم وإن كان خاصاً.(20/9)
((يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل)) ((إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل)) هذا نص بمعنى أنه إذا كان بين يديه أقل من مؤخرة الرحل عرضاً وطولاً أما بالنسبة للعرض فبينه حديث سبرة بن معبد ((ليستتر أحدكم ولو بسهم)) هذا بالنسبة للعرض، لكن الطول؟ لو لم يجد شخص إلا كرتون المناديل وضعه قدامه، أقل من مؤخرة الرحل.
((يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل)) أو المقصود بذلك التمثيل، ويكون حينئذٍ المراد إذا لم يكن بين يديه سترة معتبرة، ولو كانت خط عند من يقول بالخط على ما سيأتي، إذا لم يكن بين يديه سترة، والتنصيص على مؤخرة الرحل إنما هو من باب التمثيل، ويأخذ حكم مؤخرة الرحل ما سواها مما يصلح أن يستتر به.
((المرأة)) هذا الفاعل " ((المرأة، والحمار, والكلب الأسود)) .. الحديث" إعراب: الحديث؟ هاه؟ الحديثَ، أي أكمل الحديثَ، ومثله الآيةَ، "وفيه: ((الكلب الأسود شيطان)) أخرجه مسلم" يعني هذا هو السبب في تخصيص الكلب الأسود، فما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟ قال: ((الكلب الأسود شيطان)) فدل على أن ما عداه من الكلاب لا يقطع الصلاة والحمار؟ نعم؟ الحمار باقٍ على إطلاقه والمرأة؟ جاء تقييدها بإيش؟ بالحائض، جاء تقييدها بالحائض.(20/10)
((يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة)) نص صريح في أن المرأة تقطع صلاة الرجل، ومعنى القطع: الإبطال، وهو معارض بحديث عائشة وكانت عائشة تنكر على من يقول بأن المرأة تقطع صلاة الرجل، تنكر من يقرن المرأة بالحمار والكلب ويسوي بين هذه الأمور، بين هذه الأشياء، وتستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي من الليل وهي معترضة بين يديه، فإذا سجد غمز رجليها فكفتهما، فإذا قام بسطتهما، تستدل بهذا، على رد الخبر الثابت عندها أو الذي لم يبلغها عنه -عليه الصلاة والسلام-؟ لم يبلغها، يعني ما يظن بعائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق أن يبلغها مثل هذا الخبر الصحيح الصريح، وتقول: "ساويتمونا بالكلاب والحمر؟ " كنت أفعل، كنت .. ، كان -عليه الصلاة والسلام- يصلي من الليل إلى آخر الحديث، هذا ثابت وذاك ثابت، فهل تقطع المرأة صلاة الرجل مع ما كانت تصنعه عائشة بين يديه -عليه الصلاة والسلام-؟ كيف نجمع بين حديث أبي ذر وحديث عائشة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(20/11)
نعم نقول: يفرق بين المار والقار، يفرق بين المار والقار، فكونها بين يديه وهو يصلي لا يعني أنها مرت بين يديه، لا يعني أنها مرت بين يديه، فالقول المرجح أن مرور المرأة بين يدي المصلي يقطع الصلاة، والحمار بعضهم يقول: الحمار لا يقطع الصلاة، استدلالاً بحديث ابن عباس، استدلالاً بحديث ابن عباس، وأنه مر بين يدي الصف على حمار أتان بمنىً فلم ينكر عليه، نقول: إجابة على هذا: إن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فالمرور بين يدي المأموم لا أثر له، والمقصود في الحديث الإمام والمنفرد، فيسلم لنا الاستدلال بالحديث على قطع صلاة الرجل بالمرأة وبالحمار، وماذا عن الكلب؟ الكلب مر في الحديث تقييده بالأسود، وذكرنا تمام الحديث: "ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟ " وجاءت العلة: ((الكلب الأسود شيطان)) فالمعتمد أن هذه الثلاثة كلها تقطع صلاة الرجل إذا مرت بينه وبين سترته، كثير من أهل العلم يرون أن القطع هنا ليس المراد به إبطال الصلاة، وإنما قطع تسلسل الصلاة، بمعنى أنها تشغل بال المصلي فتقطع عليه ذكره لصلاته، فتشوش عليه، فتشغل قلبه هذه الأشياء، المشهور عند الحنابلة أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، هذا الذي يقطع الصلاة، وأخرجوا المرأة بحديث عائشة، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، وسبق الجواب عن حديث عائشة وحديث ابن عباس، فيسلم الحديث بجميع جمله.
"وله" أي لمسلم: "عن أبي هريرة نحوه" نحو حديث أبي ذر "دون: "الكلب" دون الكلب، يقطع الصلاة المرأة والحمار دون ذكر الكلب، والصواب أن ذكر الكلب موجود حتى في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل)) فحديث أبي هريرة مطابق لحديث أبي ذر.(20/12)
"ولأبي داود والنسائي: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- نحوه, دون آخره" دون آخره "وقيد المرأة بالحائض" ما المراد بالآخر؟ آخر حديث أبي ذر؟ نعم؟ عندنا "وله عن أبي هريرة نحوه" حديث أبي ذر ذكر المقصود منه وأحال على باقيه "وله عن أبي هريرة نحوه دون الكلب"، "ولأبي داود والنسائي: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- نحوه دون آخره" فالضمير ظاهره يعود إلى حديث أبي ذر، ظاهره يعود إلى حديث أبي ذر؛ لأنه أرجع إليه ضمير في الأول، والأصل أن تكون الضمائر متسقة تعود إلى شيء واحد، "وله عن أبي هريرة نحوه" يعني نحو حديث أبي ذر السابق، "ولأبي داود والنسائي: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- نحوه" يعني نحو حديث أبي ذر لكي تكون الضمائر متسقة مساقها واحداً "دون آخره" لكن المراد من الاستثناء من حديث أبي هريرة، "وقيد المرأة بالحائض" وقيد المرأة بالحائض، وفيه اختلاف الرفع والوقف فجاء عن ابن عباس من قوله، وجاء عن ابن عباس يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه تقييد المرأة بالحائض، "وقيد المرأة بالحائض" إيش معنى الحائض؟ المتلبسة بالحيض أو المكلفة؟ يعني من لم تكلف ما تقطع الصلاة، أو المتلبسة بالحيض لاشتمالها على هذه النجاسة؟ وقيد المرأة بالحائض ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ((لا يقبل الله صلاة حائض)) يعني متلبسة بالحيض أو بلغت سن المحيض؟ بلغت سن المحيض، والذي معنا هل المراد به المكلفة أو من اشتملت على العادة الحيض؟ نعم؟ البالغة، طيب، عندنا الأحاديث كلها مطلقة، وهذا الحديث ذكر فيه قيد وهو الحيض، وهل هذا القيد مقصود أو ذكره للاهتمام به ولا يقيد به؟ وهل هذا من باب التقييد أو من باب التخصيص؟ لأنه يقول عندنا: وقيد، هذا تقييد وإلا تخصيص؟ هاه؟ جواب يا الإخوان، الحافظ يقول: وقيد المرأة بالحائض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .(20/13)
لا، هو عندنا اللفظ الأعم، اللفظ العام إن شئت أو المطلق المرأة على ما مر من حديث أبي ذر، وهنا حديث ابن عباس: المرأة الحائض، هل الحيض وصف وإلا فرد؟ وصف إذن هو من باب التقييد، لو كان فرد من أفراد النساء حيض يبقى عموم النساء دون حيض، وأفراد من أفراد هذا النوع متلبسات بالحيض، يكون من باب التخصيص، لو افترضنا أن هذا تخصيص وليس بتقييد ماذا نستفيد من ذكر الحائض؟ هل نخصص أو لا نخصص؟ هاه؟ نخصص أو لا نخصص إن كان من باب التخصيص؟ إذا قلنا: إن الحيض أفراد من أفراد العام، والعام هو المرأة، من أفراده الحيض فهو مخصص، فهل نقول: يقدم الخاص على العام ونخصص المرأة بالحائض؟ أو نقول: إن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص؟ نعم التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، فإذا قلنا: إنه من باب التخصيص يكون ذكر الحيض هنا للاهتمام بشأن الحائض وأن أمرها أشد؛ لأن الكبيرة تدفع أكثر مما تدفع الصغيرة، للاهتمام بشأنها؛ ولأن العلة تتحقق فيها أكثر من الصغيرة، وإذا قلنا: قيد فالحيض وصف تتصف به النساء، إذا قلنا: قيد، قلنا: لا بد من حمل المطلق على المقيد، لماذا؟ للاتحاد في الحكم والسبب، للاتحاد في الحكم والسبب، والحافظ -رحمه الله- جعله من باب القيد، فعلى هذا من لم تبلغ سن المحيض لا تقطع الصلاة، لا تقطع الصلاة، وعلى هذا لو مر بين يديك وأنت تصلي في المسجد الحرام امرأة، أنت تظنها امرأة؛ لأنه إذا قيدنا بهذا الوصف الحيض، أنت لا تدري هل بلغت سن المحيض أو لم تبلغ؟ هل حاضت أو لم تحض؟ بعض هذا النوع تظنها مكلفة والحقيقة أنها لم تبلغ سن المحيض والعكس، والعكس موجود، فهل يرجع الأمر الشرعي إلى أمر خفي، يخفى على الناس، يعني أنت مر بين يديك إيش نقول: امرأة وإلا إيش نصفها؟ لأنه إذا قلنا: امرأة فهي كبيرة، نعم؟ نعم أنثى، مر بين يديك أنثى، نعم مما يشغل بال الرجال، نعم وأنت لا تدري هل بلغت لأن من ناهزت البلوغ تشغل البال ولو لم تبلغ سن المحيض، نقول: بطلت صلاتك تعيدها أو لا تعيد؟ إذا قيدنا بالحائض، لا سيما مع تساهل الناس الملاحظ الآن أن البنات ما يحجبن، ولو كانت طويلة عريضة وما أشبه ذلك؛ لأنها(20/14)
مسكينة ما كلفت صغيرة، يتذرع كثير من الناس بهذا أنها مازالت طفلة، يعرض الناس للفتن وهو يقول: طفلة، يا أخي الشخص اللي بيتعلق بهذه المفتون بمثل هذه ما هو بيجي يسألك يقول لك: أعطنا دفتر العائلة كم سن البنت؟ مجرد ما تفتن الرجال نعم تتحجب، ولو لم تكن مكلفة، ولو لم تكن مكلفة.
يقول: هل تسمى من لم تحض امرأة؟ فإن كان الجواب بلا فلا إشكال؟
نقول: عائشة -رضي الله عنها- تقول: "إذا بلغت البنت تسعاً فهي امرأة".
نقول هنا: الأولى التقييد أو التنصيص على ذكر الحائض من باب الاعتناء بالكبيرة أكثر من الصغيرة ويبقى المرأة على إطلاقها؟ لأننا إذا قيدنا المرأة بالحائض بقيت الحيرة لدى كثير من الناس، إذا مرت المرأة فما الحكم؟ امرأة إحدى عشر سنة اثني عشر سنة وأنت ما تدري هل حاضت وإلا ما حاضت؟ كلفت وإلا ما كلفت؟ التكليف احتمال، نزول الحيض عليها في هذه السن احتمال، وإن كان ينزل قبل وينزل بعد، لكنه احتمال قائم، فهل من مر عليه من هذا النوع نقول: أعد الصلاة أو لا تعيد الصلاة؟ أو نقول: الأصل أن الصلاة صحيحة فلا بد في إبطالها من اليقين؟ إيش نقول يا إخوان؟ تجاوبوا،. . . . . . . . . جايبين ورقة تبي تقول: نريد طرح الإشكالات وطلب الجواب عليها، يا الله جاوبوا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ إيش تقول؟ ما تقطع؟ والنصوص الصريحة الصحيحة التي قررنا رجحانها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما علينا من فهم عائشة علينا من الشيء المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، حديث أبي ذر صحيح صريح ما يحتمل، كون عائشة عندها دليل عندها دليل، لكن أجبنا عن دليلها، النصوص إذا تعارضت لا بد من التوفيق بينها، فإذا أمكن الجمع بينها تعين، وقد جمعنا بينها بما سمعت، جُمع بينها بما سمعتم، إيش قلنا يا الإخوان؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب شخص استفتاك قال: مر بين يدي امرأة ما أدري هي حائض وإلا ما هي بحائض؟ ويش رأيك؟ ماذا تقول؟ تقول: أعد صلاتك، وإلا تقول: الأصل الصلاة صحيحة وكونها حائض مشكوك فيه؟ يا الله عندنا مجموعة من طلاب العلم اللي ما شاء الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(20/15)
على غلبة الظن، على غلبة الظن، لكن غلبة الظن الآن هل هي متيسرة مع وجود هذا التفاوت الكبير في الأجسام، في أجسام البنات، سبع ثمان سنوات تظنها مكلفة، عشرين خمس وعشرين تظنها غير مكلفة، وما بين ذلك كثير، غلبة الظن إذا وجدت غلبة ظن، نعم يا إخوان؟
طالب:. . . . . . . . .
تعلق بها القلب، بعض القلوب المفتونة يتعلق بالخيال لو لم يمر شيء، نعم، بعض المفتونين يتعلقون وهو بصحن الحرم باللي بالسطح، أو بالدور الثاني، مجرد ما يشوف السواد يتعلق، هذا ما هو .. ، أقول: مثل هذا ما يمكن أن يكون مناط، لا، طولنا على هذه المسألة، وهي ما في شك أن فيها إشكال، الإشكال موجود، فكيف نزيل هذا الإشكال؟ أو نقول: إن التنصيص على الحائض للعناية به، ونجعله من باب العام والخاص، ولا نخصص، وذكر الحيض أو الحائض للاهتمام بشأن الكبيرة والعناية بها، وأنها ينبغي أن يحتاط في أمرها أكثر من الصغيرة، ويكون من باب التخصيص وينتهي الإشكال، ما يصير عندنا مشكلة يصير أي شيء من الجنس الثاني ترده.
الإشكال الثاني وهو أيضاً له حظ من النظر كيف ترد المرأة؟ إذا أرادت أن تمر بين يدي رجل كيف ترد؟ إنما في الحديث: ((فأراد أحد أن يجتاز)) شامل للرجل والمرأة فالمرأة أشد لأنها تقطع الصلاة بخلاف الرجل، فكيف ترد المرأة؟
نقرأ حديث أبي سعيد، اقرأ خلينا .. ، بعضها يوضح بعضاً.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه, فإن أبى فليقاتله, فإنما هو شيطان)) متفق عليه، وفي رواية: ((فإن معه القرين)).
وعن أبي هريرة ...
حديث "أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) إلى شيء، إلى شيء، وشيء هنا شامل لكل ما يمكن أن يوضع بين يدي المصلي، فيشمل الكبير والصغير، يشمل مؤخرة الرحل، والسهم، والجدار، والسارية، ويشمل العصا إذا وضعته بين يديك، ويشمل الخط، المقصود أنه يكون شيء، يمكن أن يقال له: شيء، على ما سيأتي في حديث الخط.(20/16)
((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه)) "أحد" يشمل الذكر والأنثى الكبير والصغير، ((فليدفعه)) اللام لام الأمر والظاهر والأصل في الأمر الوجوب، ((فليدفعه)) فإن كان مما يقطع الصلاة وجب دفعه، محافظة على الصلاة، وإن كان لا يقطع الصلاة فالأمر فيه للوجوب وإلا للاستحباب؟ نعم، الاستحباب وإلا الوجوب إذا كان لا يقطع الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
قولاً واحداً وإلا في خلاف؟
طالب:. . . . . . . . .
((فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وعرفنا أن ((فليستتر)) للاستحباب عند الجمهور، والصارف كون النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى غير جدار، يعني إلى غير سترة، لكن ((فليدفعه))، ((فليقاتله)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، فهل نقول: إنه يجب إذا كان مما يقطع الصلاة صيانة للصلاة ويستحب فيما عدا ذلك صيانةً لتمام أجر الصلاة؟ أو نقول: هو للوجوب مطلقاً أو للاستحباب مطلقاً؟ فإن دفع أثيب على هذا الدفع، وإن لم يدفع يأتي التفصيل إن كان يقطع أو لا يقطع، إن قطع أعاد، وإن لم يقطع لم يعد، أو نفصل، نقول: إن كان يقطع كان الدفع للوجوب، وإن كان لا يقطع الصلاة كان دفعه استحباباً، ومثله المقاتلة، نعم.
الأصل في الأمر الوجوب، لكن هو يقول: ما دام مرور الرجل ينقص الصلاة ولا يقطعها أرضى بنقص الصلاة، نقول: يجب عليك تدفع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((فليدفعه)) إذا حملناه مرة على الوجوب ومرة على الاستحباب بناءً على أن ما يقطع يجب دفعه، وما لا يقطع لا يجب دفعه، بل يستحب دفعه، نكون استعملنا اللفظ الواحد في .. ، في إيش؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟ في معنييه، في معنييه، اللفظ الواحد يجوز أن يستعمل في معنييه؟ عندهم اللي يتوسعون في الكلام ويقولون: في حقيقته ومجازه في آن واحد يجوز؟ نعم؟ يجوز أن يستعمل اللفظ الواحد في معنييه؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(20/17)
لا، ما هي بأضداد، ما هي بأضداد، ما هو في حلال وحرام نقول أضداد، لا، في وجوب واستحباب كلها مطلوبة، فليست متضادة، فاستعمال اللفظ في معنييه الجمهور يمنعونه، الجمهور على منع استعمال اللفظ الواحد في معنييه في آن واحد، يجيزه الشافعية، الشافعية ما عندهم مشكلة، أن يقولوا: إن الدفع للوجوب فيما يبطل، وللاستحباب فيما لا يبطل، ما عندهم إشكال في هذا، فهل نقول: إن الأصل الدفع فيجب عليك أن تدفع سواءً رجل أو امرأة أو كلب أو حمار، أو أي شيء ((فأراد أحد)) صغير أو كبير لا بد أن يدفع، ولو لم يبطل الصلاة، هذا الأصل، الأصل في الدفع الوجوب، وهو الظاهر من اللفظ، فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، الآن يا الإخوان أنت تصلي في المسجد الحرام فأرادت امرأة أن تجتاز بين يديك كيف تدفع المرأة؟ أو في غيره، كيف تدفع المرأة؟ أو تقول: تمر وأعيد الصلاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تقدم إلى السترة، يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما تقدم إلى الجدار، طيب افترض أن هذه المرأة عمياء وتقدمتَ إلى السترة ومرت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الدفع يأتي معناه، الدفع: الرد يحتاج إلى .. ، ترد باليد، الأسهل فالأسهل ((فإن أبى فليقاتله)) بقوة، وليس معنى المقاتلة أنه يطلع المسدس ويفرغه في رأسه رصاص وإلا شيء لا، ليس معنى هذا المقاتلة، إنما المقصود به الدفع بالأشد إذا لم يندفع بالأسهل، وليس معنى المقاتلة السب والشتم، بعضهم قال: المراد بالمقاتلة هنا السب؛ لأنه يأتي القتل والقتال والمقاتلة بمعناه ((قاتل الله اليهود)) معناه لعنهم، فليس المراد بذلك لأنه ينافي المقصود من الصلاة، هذا مبطل للصلاة، هل نقول لمن أراد أن تمر بين يديه امرأة غافلة ذاهلة قاصدة عمياء مثلاً جاهلة، الذهول كثير إذا كان ولي أمرها يمشي قدامها تبي تمشي مهما كانت النتائج، كثير من النساء على هذا، لا سيما في المواسم تخشى تضيع، تخشى .. ، هل نقول: ادفع ولو ترتب على ذلك أن تمس بدن المرأة؟ أو نقول: اتركها تمر واستأنف صلاتك ارتكاباً لأخف الضررين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(20/18)
كيف تمر من خلفك؟ هذه امرأة مفترضة امرأة عمياء قربت للجدار خليك بينك وبينها ذراع فمرت أشد هذا، هذا أشد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، تخليها تمر وتستأنف صلاتك، وتمر ثانية وثالثة، أو نقول في مثل هذا: المشقة تجلب التيسير وخليهن يمرن بدون .. ؛ لأن الأمر هنا ((فليدفعه)) "أراد أحد" يدخل فيه الرجل والمرأة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يسبح مثلاً، تنبيه، لكن إذا لم تندفع بالتسبيح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم يقررون أن المشقة تجلب التيسير في مثل هذه الأمور، لكن إذا استتر الإنسان، أنا أقول: إذا استتر .. ، السترة مأمور بها، نعم، في أوقات المواسم لك مندوحة ألا تستتر، وإذا استترت خف الأمر، أما إذا استترت ومر بينك وبين سترتك أحد الأمر ليس بالسهل، لا سيما الثلاث تقطع الصلاة فيلزمك استئنافها.
((فإن أبى فليقاتله)) في أول الأمر بالأسهل، ثم يدفعه بالأشد، وهذا ما تدل عليه المقاتلة ((فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)) الذي يعرف أن المصلي يصلي، كان غافل ثم انتبه بالدفع الأيسر، الدفع الخفيف انتبه، افترض أنه غافل انتبه، ثم أصر، ثم دفع أقوى، ثم أصر، هذا لا شك أنه شيطان، أو الذي يدفعه شيطان، ((فإن معه القرين)) فإن معه القرين، وفي رواية وظاهر صنيع المؤلف أن الرواية من حديث أبي سعيد، في رواية هي لمسلم، والأصل أن يبين ما يقول في رواية، لا بد أن يقول: في رواية لمسلم، إن اتحد الصحابي مع الراوية السابقة يسكت، ويعرف أنها من روايته، فهي ليست من المتفق عليه، وليست من رواية .. ، أو من حديث أبي سعيد وإنما هي من حديث ابن عمر، من حديث ابن عمر، وليست من حديث ابن سعيد، فعلى الحافظ -رحمه الله- أن ينبه، وفي وراية لمسلم من حديث ابن عمر: ((فإن معه القرين)) لا بد أن يقول هذا، وإلا إطلاقه أن الرواية عن أبي سعيد، وهي أيضاً للشيخين، وليس الأمر كذلك، والعلة: ((إن معه القرين))، والقرين الشيطان المقرون بالإنسان بحيث لا يفارقه، وما من إنسان إلا معه قرين، إلا معه قرين، وعندنا سبب ورود وسبب إيراد، إيش الفرق بين سبب الورود وسبب الإيراد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(20/19)
لا، لا، عندنا الحديث له سبب ورود وسبب إيراد، كثير من الأحاديث يحصل فيها هذا، وقد لا يكون للورود سبب، بل يكون للإيراد سبب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه سبب الحديث، الباعث للنبي -عليه الصلاة والسلام- على أن يقول هذا الحديث، قد يوجد له سبب، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله ابتداءً بدون سبب، كأكثر النصوص من الكتاب والسنة، لكن هناك سبب إيراد، حديث: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) من حديث ابن مسعود، قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- مخاطباً الشباب ابتداءً، فلا سبب لوروده، وهناك سبب لإيراده من قبل ابن مسعود، وهو مقالة عثمان -رضي الله عنه- له، هنا سبب إيراد، سبب إيراد أبي سعيد للحديث في البخاري عن أبي صالح قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فإذا شاب من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين يديه، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه فدفعه أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأول" .. الحديث، وهذا يرد على تقسيم المالكية الذي أشرنا إليه سابقاً، هم يقولون: إذا لم يكن للمار مندوحة فلا إثم عليه، أبو سعيد هذا الشاب لم يجد مساغ، ومع ذلكم رده.
النووي كعادته في نفي العلم بالخلاف، ونقل الإجماع والاتفاق مع وجود المخالف، هو متساهل في هذا الباب، يقول: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بوجوب الدفع"، لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بوجوب الدفع، بما أن الأصل في الأمر الوجوب.
كون الحافظ -رحمه الله تعالى- ينقل عن أهل الظاهر أنهم قالوا بوجوبه، لا يستدرك بذلك على النووي لماذا؟ لأنه لا يعتد بقول الظاهرية، لا يعتد النووي بقول الظاهرية، بل صرح في شرح مسلم في الجزء الرابع عشر صفحة تسعة وعشرين أنه لا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، فلا يستدرك عليه، لكن من أهل العلم من قال بوجوبه غير الظاهرية، ممن يعتد بهم النووي، والنووي في هذا الباب يتساهل -رحمه الله-، نقل الإجماع على أن عيادة المريض سنة وليست بواجبة مع تصريح البخاري بقوله -رحمه الله-: "باب: وجوب عيادة المريض" والأمثلة على ذلك كثيرة.
اعطنا حديث الخط، نأخذه وإلا ترتاحون قليلاً ...(20/20)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (7)
شرح: باب: الحث على الخشوع في الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً, فإن لم يجد فلينصب عصاً, فإن لم يكن فليخط خطاً, ثم لا يضره من مر بين يديه)) أخرجه أحمد وابن ماجه, وصححه ابن حبان, ولم يصب من زعم أنه مضطرب, بل هو حسن".
الذي يليه.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقطع الصلاة شي، وادرءوا ما استطعتم)) أخرجه أبو داود، وفي سنده ضعف".
حديث أبي هريرة المخرج في المسند والسنن وغيرها وهو المعروف بحديث الخط "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً)) ((فليجعل تلقاء وجهه شيئاً)) يعني أي شيء ((فإن لم يجد فلينصب عصاً)) فلينصب عصا، العصا ليس بشيء؟ نعم ((فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصا)) نعم؟ ((فليستتر أحدكم ولو بسهم)) الأصل أن تكون الجملة الأولى أكمل من التي تليها، المخفف فيها ((فليجعل تلقاء وجهه شيئاً)) كأنه قال: كبيراً، فإن لم يجد هذا الشيء الكبير فلينصب عصا، لكن إطلاق الشيء في الجملة الأولى يدل على أن الاستتار يحصل بأدنى شيء، لماذا؟ لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم، تعم أي شيء يمكن أن يطلق عليه شيء صغر أو كبر، طال أو قصر عرض أم دق، ((فإن لم يجد فلينصب عصاً)) وهو شيء، لكن التنصيص عليه لأنه يغلب وجوده، ((فإن لم يكن)) يعني فإن لم يكن فإن لم يوجد العصا ((فليخط خطاً)) يعني إذا كانت الأرض تراب، أو كان معه شيء يمكن له لون يخط به ((فإن لم يكن فليخط خطاً, ثم لا يضره من مر بين يديه)) يخط خط، وهذا الحديث "أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان" وصححه أحمد وابن المديني، كما قال ذلك ابن عبد البر في التمهيد، ورواه أيضاً أبو داود والبيهقي، وضعفه الشافعي والبيهقي والنووي.(21/1)
يقول الحافظ: "وصححه ابن حبان، ولم يصب من زعم أنه مضطرب, بل هو حديث حسن" الذي زعم أنه مضطرب، بل ذكره مثالاً للمضطرب، مثل به للمضطرب ابن الصلاح في علوم الحديث، والحديث المضطرب: هو الحديث الذي يروى على أوجه، يعني على أكثر من وجه، أوجه مختلفة، إن كانت متحدة أو متفقة في الدلالة فلا اضطراب، أولاً: إذا روي الحديث من وجه واحد فلا اضطراب، لا بد أن يروى من أوجه، إذا روي من أوجه مختلفة في الدلالة فإن كانت دلالتها ومفادها واحداً فلا اضطراب، ولا بد أن تكون هذه الأوجه المختلفة متساوية، متساوية في الثبوت، أما إذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، انتفى الاضطراب، وحديث الخط مثل به ابن الصلاح للحديث المضطرب، ولا شك أنه مروي على أوجه، وهذه الأوجه بينها اختلاف وتفاوت كبير، لم تتحد رواتها، وهي أيضاً من وجهة نظر ابن الصلاح متساوية، بمعنى أنه لم يستطع أن يرجح بعض هذه الأوجه على بعض، الحافظ ابن حجر رجح بعض الطرق على بعض، فانتفى عنده الاضطراب، لكن إذا انتفى الاضطراب وبقي ضعف بعض الرواة يعني نفي الاضطراب بإمكان الترجيح لا ينفي ضعف بعض الرواة، فالحديث ضعيف وإن أمكن ترجيح بعض طرقه على بعض، ولذا قال سفيان بن عيينة: "لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث" وكان إسماعيل بن أمية إذا حدث بهذا الحديث يقول: "هل عندكم شيء تشدونه به؟ " وأشار الإمام الشافعي وغيره إلى ضعفه على أن الضعف ليس بشديد، الضعف ليس بشديد، ولذا يقول بعضهم: لا بأس به في مثل هذا الحكم؛ لأن ضعفه ليس بشديد.(21/2)
حديث الخط على الخلاف في قبوله ورده على الخلاف في قبوله ورده هذا الخط وفي حكمه طرف السجادة، حكم الخط؛ لأنه إذا نواه المصلي سترة مثل الخط ما يفرق، فهذا الخط إذا وضع يوضع بين يدي المصلي، بينه وبين من يمر بين يديه ممتد من اليمين إلى الشمال كالجنازة خط هكذا، ومنهم من يقول: يوضع الخط طولاً؛ لأن الخط قائم مقام -في الحديث- قائم مقام العصا، فأنت إذا وضعت العصا كأنه أمامك هذا، تخط خطاً أمامك، ومنهم من قال: يوضع الخط بما يشبه الهلال نصف دائرة كالمحراب، على كل حال كل هذا الكلام على فرض ثبوت الخبر، وعرفنا ما فيه من ضعف، وهو قابل لترجيح بعض رواياته على بعض، فينتفي الاضطراب ويبقى الكلام الذي في بعض رواته فهو ضعيف.
بعض من يحقق الكتب يترجح له التصحيح أو التضعيف، وليته يقول: هو صحيح عنده، أو ضعيف عنده، بل يتجاوز ذلك فيقول: ضعيف وإن صححه أحمد، يقوله بعض المعاصرين، ضعيف وإن صححه أحمد وابن المديني، بالمقابل يقول: صحيح وإن ضعفه الشافعي والبيهقي، هذا سوء أدب، هذا لا يليق بطالب علم، يكفي أن تبين وجهة نظرك مع احترام الأئمة وإجلالهم، من أين تعلمت؟ وعلى من اعتمدت؟ وما وصلت ما وصلت إليه من علم -إن كان لديك علم- إلا من طريقهم، فعلى طالب العلم أن يلتزم الأدب، الأدب الشرعي مع الكبار، ضعيف وإن صححه أحمد وابن المديني، صحيح وإن ضعفه الشافعي والبيهقي، هذا كلام؟! هذا لا ينفع، هذا فيه جرأة على أهل العلم، وتربية طلاب العلم على مثل هذه الأساليب هذا لا شك أن هذه كارثة، فلا بد من لزوم الأدب مع أهل العلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(21/3)
إذا قال: ضعيف وسكت خلاص، هذا قول من الأقوال، قول من الأقوال التي قيلت في الحديث، وإذا قال: ضعيف وبين لا بأس، بين وجهة نظره لا بأس، ويوجد من الباحثين من يجهل بدهيات العلوم ويقول: وقد قال الجماهير بكذا، والذي أراه كذا، إيش الكلام هذا؟ أحياناً يسرد الأئمة الأربعة وأتباعهم أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وفلان وفلان، والذي أراه كذا، هو ما يمنع أن يبدي الإنسان وجهة نظره، ولا يلزم أن يوافق كل قول، ولا يمنع طالب العلم المتأهل للترجيح أن يرجح، فإذا تأهل تعين عليه أن يعمل ويفتي ويقول بما يدين الله به، لكن بالأسلوب المناسب، بالطريقة المناسبة، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
حديث "أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقطع الصلاة شي، وادرءوا ما استطعتم)) الحديث مخرج عند أبي داود وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي وجمع من أهل العلم لكنه ضعيف، في إسناده مجالد بن سعيد، يقول الإمام أحمد: "ليس بشيء"، وقال ابن معين: "لا يحتج به" فالحديث ضعيف، مجالد بن سعيد يقول الإمام أحمد: "ليس بشيء".
من أهل العلم من يرى أن هذا الحديث ناسخ لحديث أبي ذر ((يقطع صلاة الرجل المسلم)) ما ذُكر، فيقولون: إن حديث أبي ذر منسوخ، وما جاء في معناه منسوخ بهذا الحديث.
أولاً: هذا الحديث -كما سمعنا- ضعيف.(21/4)
الأمر الثاني: إنه لا بد من معرفة التاريخ، لا بد من معرفة التاريخ لنحكم بالنسخ، طيب، لو افترضنا هذا الحديث صحيح وجهل التاريخ، افترضنا أن هذا الحديث صحيح ((لا يقطع الصلاة شيء)) وجهلنا التاريخ، كيف نوفق بينه وبين حديث أبي ذر؟ وهذا .. ، أقول: إلقاء مثل هذا الكلام لا يعني أننا نصحح الحديث أو نعتبر الحديث؛ لأن الحديث إذا ضعف نعم ولا يجد له ما يسنده ويدعمه فإنه لا يتكلف اعتباره، هذه القاعدة عند أهل العلم، لكن من باب التمرين على التوفيق بين الأحاديث المتعارضة، والعمل في مختلف الحديث، يعني لو افترضنا أن هذا الحديث ثابت مع حديث أبي ذر وغيره من الأحاديث التي تقول بالقطع هل نستطيع أن نقول: لا يقطع الصلاة شيء؟ يعني لا ينقص ثواب المصلي شيء؟ نعم؟ أو نقول: لا يبطل صلاة الرجل شيء؟
أولاً: الشيء هذا لا بد أن يحمل على ما جاء في الأحاديث الأخرى، وإلا لا يقطع الصلاة شيء يحتمل الحدث، الحدث يقطع الصلاة وإلا ما يقطعها؟ يقطعها إجماعاً، نعم، فقوله: ((ادرءوا ما استطعتم)) لا يعين المراد وهو أن المراد الثلاثة المذكورة، لأن قد يقول قائل: لا يقطع الصلاة شيء ولو كان من الأحداث، ادرءوا، ادفعوا هذه الأحداث بقدر الاستطاعة، إن فات شيء غصباً عليكم ما في شيء، ما يقطع الصلاة، نقول: لا، المقصود به ما جاء في الأحاديث التي تدل على أنه يقطع الصلاة، وليس معنى: ((لا يقطع الصلاة شيء)) لا ينقص ثوابها كما قيل هناك، بل يوجد ما ينقص الثواب قطعاً بالنصوص الأخرى، فلو افترضنا صحة هذا الخبر مع صحة الخبر الأول، نقول: نؤول القطع هناك لتتحد الأحاديث، مع أن هذا الحديث ضعيف، وأهل العلم يقررون أنه إذا كان الخبر لا يثبت فإنه لا يتكلف اعتباره، ونحن لم نتكلف اعتباره من أجل معارضة حديث بحديث، حديث صحيح بضعيف، لا، وإنما مجرد تمرين، وإلا فالحديث كما ذكرنا ضعيف، نعم.
باب: الحث على الخشوع في الصلاة:
باب: الحث على الخشوع في الصلاة:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرجل مختصراً" متفق عليه, واللفظ لمسلم، ومعناه: أن يجعل يده على خاصرته.(21/5)
وفي البخاري: عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- "أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم".
يقول -رحمه الله-: "باب: الحث على الخشوع في الصلاة" الحث، باب الحث والحض بمعنىً واحد، وهو أعم من أن يكون الأمر المحضوض والمحثوث عليه واجباً أو غير واجب، فيحث ويحض على فعل الواجبات كما يحض ويحث على فعل المندوبات، فهذه الترجمة تجعل الخشوع أعم من أن يكون واجباً أو مندوباً، ولم يقل الحافظ -رحمه الله-: باب وجوب الخشوع في الصلاة، ولم يقل: باب استحباب الخشوع في الصلاة، إنما جاء بما هو أعم من ذلك، ويترك الحكم للأدلة التي يوردها.(21/6)
والخشوع قالوا: هو الخضوع أو قريب منه، ويكون بالقلب والجوارح، ويكون بالقلب والجوارح، الخشوع أمر مطلوب، بل هو لب الصلاة، وبقدره ينال المصلي النسبة من صلاته، فإذا خشع في صلاته وأحضر قلبه وتمثل أنه قائم بين يدي ربه وخالقه المتصرف فيه، مخبتاً متذللاً خاضعاً ينال من ذلك النسبة المناسبة لنسبة الخشوع في القلب، وبعدمه -بعدم الخشوع- ينقص، أو بنقص الخشوع ينقص ثواب الصلاة، ولذا جاء في الحديث: ((قد ينصرف الرجل من صلاته وليس له إلا ربعها ... أو عشرها)) لماذا؟ لأنه لم يستحضر، لم يعقل من صلاته إلا هذه النسبة، فماذا عمن لم يعقل في صلاته شيئاً؟ دخل في الصلاة وخرج وكأنه لم يصلِ، ما عقل من صلاته شيء، لكنه جاء بالصلاة بجميع شروطها وأركانها وواجباتها، جاء بجميع ذلك، بالشروط والأركان والواجبات، صلاته صحيحة مجزئة مسقطة للطلب أو باطلة؟ ما عقل من صلاته شيء، وقل مثل هذا في العبادات، يعني شخص شرع يقرأ القرآن وما عقل من قراءته شيء، بدأ بالسورة وفرغ منها ودخل بالتي تليها وخرج منها ما يدري هو قرأ هذه السورة أو لم يقرأها، وهذا كثير وملاحظ، كثير ممن يصلي كثير ممن يقرأ بهذه الصورة، يدخل المسجد وذهنه مشغول مشوش بأمور دنياه، دعنا ممن هو مشغول بأمور الدين، فقد كان عمر -رضي الله عنه- يجهز الجيوش وهو في الصلاة، لا يدخل هذا في هذا، يحصل التشريك عبادة بعبادة، لكن هل هذا مؤثر في الصلاة أو غير مؤثر؟ تشريك عبادة بعبادة؟ نعم؟ يعني شخص يسمع قراءة الإمام والإمام يبكي ومن حوله يبكون وهو يبكي لكن هم يبكون متأثرون بالقراءة، وهو يبكي متأثر من أوضاع المسلمين مثلاً، متألم لأوضاع المسلمين متأثر بأحوالهم، يؤثر في صلاته أو لا يؤثر؟ نعم؟ يعني هذا خلط عبادة بعبادة، عمر -رضي الله عنه- يجهز الجيوش وهو في الصلاة، هذا يسمونه تشريك لكنه تشريك عبادة بعبادة، لا شك أنه مؤثر في صلاته.(21/7)
شخص -وهذا حصل- يصلي في الدور الثاني في الحرم والإمام يقرأ في صلاة التهجد ويبكي ويبكي من حوله وهو يبكي لا لقراءة الإمام يرى الطائفين ويتصور يوم العرض، اليوم الآخر، الناس يموج بعضهم في بعض، هذا تشريك، ولا شك أنه غفلة عما هو بصدده، لكنه غفلة إلى أين؟ ولا شك أن هذا مؤثر في الصلاة، لكن ليس تأثيره مثل تأثير من قلبه معلق بمتجره، هذا يختلف، وهذا أسهل بكثير ممن قلبه متأثر منشغل بمعاصي، يخطط لمعصية وهو في الصلاة هذا أمره عظيم، وكل هذا يتبع حكم الخشوع في الصلاة، جماهير أهل العلم على أن الخشوع في الصلاة مندوب، جماهير أهل العلم على أن الخشوع في الصلاة مندوب، بل ادعى النووي الإجماع، النووي ادعى الإجماع على عدم وجوب الخشوع في الصلاة، وقال بوجوبه جمع من أهل العلم، الغزالي في الإحياء أطال في تقرير الوجوب، ابن رجب -رحمه الله- يرى وجوب الخشوع في الصلاة، لكن الجمهور على عدم وجوبه بمعنى أن الصلاة تصح إذا أديت مكتملة الشروط والأركان والواجبات تصح، ولو لم يعقل منها شيء، لكن يفوته الثوب المرتب عليها، ومعنى الصحة؟ الصحة نعم عدم المطالبة بها، عدم المطالبة بها، بمعنى أنه لا يطالب بقضائها أو بإعادتها، إذا جاء بها مكتملة الشروط والأركان والوجبات، وإذا قلنا: إن الخشوع مستحب تكون الصلاة صحيحة ولو لم يعقل منها شيء، وقد مدح الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين بأنهم في صلاتهم إيش؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [(2) سورة المؤمنون] وجاء في الحديث: ((أول ما تفقدون من صلاتكم)) -إيش؟ - ((الخشوع)) من يلاحظ حال الناس اليوم وقبل اليوم يجد أن هذا القدر المهم الذي بقدره يكون مقدار الصلة بين العبد وبين ربه كيف يتلذذ إنسان بمناجاة ربه وقلبه غافل؟ كيف يتلذذ؟ يوجد خلط، نعم يوجد خلط في الفهم الصحيح للصلاة وغيرها من أمور الدين، تجد الإنسان ذهب إلى عمل خيري، من الأمور المطلوبة شرعاً من المستحبات، لكن عاقه هذا عن فعل .. ، عن صلاته مثلاً، انشغل بأمر مستحب ليس من أعمال الصلاة ذهب لتحصيله وتشوشت نفسه عليه فما عقل من صلاته شيء، لا بد أن يعيد حسابه، الواجب أهم من النفل، الواجب أهم من النفل، فعلى الإنسان أن يتحسس هذا(21/8)
القلب، ويسعى جاهداً في تصفية هذا القلب، ولا أنفع للقلب من قراءة القرآن على الوجه المأمور به ملازمة الذكر، صدق اللجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، والانكسار بين يديه والانطراح بين يديه، لا سيما في الأوقات التي تكون فيها فراغ البال، لا يجي من عمله ثم يقول: الله أكبر، هذا طيب، لكن ما تكون الآثار المترتبة على هذه العبادة مثل ما لو ارتاح من هموم الدنيا ثم أقبل عليها، لكن هذا يتصور فيمن همه الآخرة، أما إذا كان همه الدنيا والآخرة مجرد إسقاط واجب، هذا ما يفلح في الغالب، ليس معنى هذا أنه ما يفلح أنه يلزم عليه أنه يعذب، لا، يمكن المسألة فوق ذلك، يعني شخص يتلذذ بمناجاة الله -عز وجل- مثل هذا لا بد أن يعالج، هذا يحتاج إلى علاج، والله المستعان.
فأنت تلاحظ كثير من المصلين بل وجد جماعة المسجد ثلاثة صفوف أربعة صفوف خمسة يترك الإمام ركعة أو يزيد ركعة ما يجد من يقول له: سبحان الله، هذا دليل على إيش؟ على المتابعة؟ نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(21/9)
مشغولين ما في أحد حاضر البال، لكن قد يقول قائل: إن مثل هذا قد ينشأ من انشغاله بصلاته، ما هو بلما الإمام ولا مع الإمام بصدد صلاته، يتدبر ما يقرأ، يستحضر أثناء الذكر والدعاء، ومنشغل عن إمامه بصلاته، ولذا يقرر بعضهم عند قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(5) سورة الماعون] نعم يقول: إن الذي لا يخطئ في صلاته، الذي لا يخطئ في صلاته ليس بأكمل ممن يخطئ في صلاته، يزيد وينقص، يسهو في صلاته، لماذا؟ لأن هذا منشغل بإكمال ظاهرها، وذاك منشغل بتكميل حقيقتها وباطنها، ذكره المفسرون عند تفسير سورة الماعون، قالوا: الذي يسهو في صلاته أكمل من الذي لا يسهو، لكن المسألة تعود وترجع على السبب الباعث على هذا السهو، إن كان السبب الباعث على هذا السهو تدبر ما يقرأ والتفكر فيه لا شك أنه أكمل ممن يقرأ من غير تدبر ولا تفكر، وإذا كان السبب -سبب هذا السهو- هو الانشغال بأمور خارج الصلاة لا شك أنه أقل، فيكون السهو نعم لذاته جبلي، لا يذم ولا يمدح، إنما الأثر الذي يؤثر في وجود هذا السهو وعدمه هو الذي يمدح ويذم، السبب الذي نشأ عنه هذا السهو يمكن أن يمدح، ويمكن أن يذم.(21/10)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرجل مختصراً" متفق عليه, واللفظ لمسلم، ومعناه -تفسير معنى الاختصار- أن يجعل يده على خاصرتيه"، "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا مرفوع وإلا موقوف؟ مرفوع قطعاً، لكن هل هو بمثابة قوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا تختصروا في الصلاة" أو" لا تجعلوا أيديكم على خواصركم في الصلاة"؟ "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرجل مختصراً" وفي حكم الرجل المرأة، مختصراً: يضع يديه أو إحدى يديه على خاصرته، وهي الشاكلة، وجاء التعليل بأنه من فعل اليهود، من فعل اليهود، فالنهي عنه -عن الاختصار- للمشابهة للتشبه باليهود أو لأنه مخل بالخشوع؟ إدخال المصنف الحديث في باب الحث على الخشوع يدل على أن للاختصار أثر في الخشوع، أثر في تقليل الخشوع، يعني لو رأيت شخص يصلي ويديه على شاكلته كم تعطيه من نسبة في الخشوع؟ بينما شخص واضع يديه على صدره ومخبت، يعني وضع مثل هذا الحديث في الخشوع ما بعبث يا الإخوان، ليس من باب العبث أن يوضع مثل هذا الحديث في هذا الباب، نعم التخصر لا يناسب في مثل هذه الحال إطلاقاً، بل لا يناسب المسلم مطلقاً، تجدون من .. ، تعرفون من يضع يديه على خاصرته، هو من فعل اليهود ومن يتشبه باليهود من فنانين ومغنين فهل هذا يليق بالصلاة؟ هذا مصادمة تامة للخشوع، بين من وضع إحدى يديه على الأخرى على صدره، ونظر إلى موضع سجوده، وطأطأ رأسه وأخبت هذا الخشوع، هذا خشوع الجوارح، لكن أما خشوع القلب فأمر ثاني، لكن الظواهر عنوان البواطن، الظواهر عنوان البواطن، ما يقول: التقوى هاهنا، والخشوع في القلب، وأنا لو اختصرت أنا .. ، ما يطرح، ما يمكن، فالناس إنما يحكمون عليك بظاهرك.(21/11)
جاء في حديث: ((المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور)) أي المصلون بالليل فإذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصرهم، لكن الحديث لا أصل له فلا يعارض به حديث الباب، لا يعارض به حديث الباب، فسر بعضهم الحديث الاختصار في القراءة، الاختصار في القراءة، يعني يقتصر على الشيء اليسير من المقروء، يقتصر على الشيء اليسير من الدعاء، يقتصر على الشيء اليسير من الذكر هذا اختصار، نعم، وهذا وإن كان مجزئاً إذا جاء بالقدر الواجب إلا أنه خلاف هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأولى ما يفسر به الحديث ما ذكر من أن الاختصار وضع اليدين على الخاصرة أو الخاصرتين، والعلة في ذلك كما "في البخاري: عن عائشة -رضي الله عنها- "أن ذلك فعل اليهود في صلاتهم" فعل اليهود في صلاتهم، وقد نهينا عن التشبه بهم خارج العبادات، فالتشبه بهم في داخل العبادات أشد بلا شك، التشبه بهم في داخل العبادات أشد، ولذا مما ينقل عن اليهود أنهم يغمضون أعينهم، فيكره إغماض العين تشبهاً باليهود، وإن كان ابن القيم -رحمه الله- يرى أنه لا بأس به إذا كان أجمع للقلب، فما كان فيه تشبه فهو ممنوع.
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قُدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب)) متفق عليه".(21/12)
"عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قُدم العشاء)) " والعشاء طعام العشي، يعني طعام آخر النهار، الغداء طعام الغداة أول النهار، ((إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب)) لماذا؟ لأن البداءة بالصلاة مع تقديم العشاء لا سيما مع الحاجة إليه والتعلق به مما يشوش الخاطر، ولذا أدخله المصنف -رحمه الله تعالى- في باب الخشوع، وقل مثل العشاء ما يقاس عليه مما يشوش الذهن، مما يشوش، لكن إذا كان ديدن الإنسان كل شيء يشغل باله نقول له: لا تصلي حتى ترتاح؟ لو اقتنى أدنى شيء ما يرتاح إلى أن يقلبه مراراً، وإن صلى انشغل به، نقول له: انتظر حتى تنهي نهمتك من هذه الشغلة؟ لا تصلي حتى تنتهي، شخص مفتون بأمر من الأمور كتب مثلاً، خلينا بالعلم والدين، اشترى صفقة كتب وهو يقلب في هاالكتب، الليل كله يقلب هذه الكتب، وباقي عليه شيء من إكمالها فأذن لصلاة الفجر نقول له: انتظر، انتظر حتى تنهي نهمتك من هذه الكتب؟ هو بينشغل أحياناً، بعض الناس لهم ميول في طباعهم، وكل مفتون بشيء، هل نقول: انتظر لا تصلي حتى تنتهي نهمتك من هذه الكتب ولو انشغل بالك؟ أو نقول: صلِ ولو انشغل بالك؟ نقول: مثل هذه القلوب التي تنشغل بأدنى شيء أو بأي شيء لا بد من علاجها، هذه فيها خلل، أعظم ما عند المسلم من عمل هو الصلاة، فإذا كان يقتني هذه الكتب من أجل أن تعينه على العبادة، على أن يعبد ربه -جل وعلا- فقدم هذه الوسيلة على الغاية فعنده خلل، لا بد أن يعالج قلبه، إذا قام إلى الصلاة من الليل ثم نعس بما ينصح؟ بإيش؟ بأن ينام، نعم؛ لئلا يذهب يدعو لنفسه فيدعو على نفسه، إذا كان ديدنه النوم، لو نام عشر ساعات تقول له: يصلي نعس، تقول له: روح نام بعد؟ مثل هذا يحتاج إلى علاج، نايم كل الليل ويجلس بعد صلاة الصبح يقرأ القرآن وينعس، تقول له: روح نم؟. . . . . . . . . ما ينفع؛ لأن الذي يكون عنده الشيء ليس بعادة ولا ديدن يعالج به، لكن شخص نهوم أكول، كل ما قدم له طعام انشغل به، قبل الصلاة مشغول بالطعام، وبعد الصلاة مشغول بالطعام وإلى متى؟ يقال له: قدم العشاء على العِشاء على الصلاة على المغرب؟ مثل هذا يحتاج إلى علاج قبل،(21/13)
فلا بد أن تكون النفس مرتبطة بمطالب الشرع، نعم هناك أمور فطرية جبلية، أكل، شرب، حر، برد، لا بد من أن تهيأ الظروف المناسبة لهذه العبادة العظيمة، لكن إذا كان شخص كل حياته على هذه الطريقة، ينتهي من شغل ويدخل في شغل يقال له: اترك الصلاة؟ نقول: لا، أنت تصلي وليس لك من صلاتك إلا ما عقلت، واحرص أن يحضر قلبك في صلاتك. وهنا يقول: " ((إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب)) متفق عليه" إذا وضع العشاء كما في الحديث: ((إذا وضع العشاء وأحدكم صائم)) هذا مقيد بالصيام والحديث مطلق، والأولى أن تستنبط العلة من النصوص كلها فتربط بالحاجة إلى الطعام، تربط بالحاجة إلى الطعام، هذه الحاجة تحول دون المصلي وبين صلاته؛ لأنه عرفنا العلة من تقديم العشاء على الصلاة؛ لئلا ينشغل المصلي عن صلاته بطعامه، لئلا ينشغل المصلي بطعامه عن صلاته، ومع ذلكم إذا وجد ما يشغل الإنسان مما يطرأ عليه لا يكون ملازم له، فلا بد من أن يفرغ باله من هذا الطارئ وينصرف إلى صلاته بقلب حاضر.
والتنصيص على الصائم، التنصيص على الصائم للاهتمام بشأنه والعناية به؛ لأنه أحوج الناس إلى الطعام، وذكره من بين سائر الأفراد، أفراد من يقدم لهم الطعام لا شك أنه من ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام، فلا يقتضي التخصيص بالصائم، بل كل من وجدت عنده الحاجة الملحة الطارئة، لا نقول لشخص نهوم، دائم شغوف بالطعام، محتاج إلى طعام نقول له: قدم الطعام؟ هذا لم يقل به أحد، إلا إذا كانت حاجته للطعام طارئة تزول إذا أكل العشاء أو الغداء أو أكل الطعام يقدمها حينئذٍ على العبادة ليتفرغ للعبادة، لا اهتماماً بالطعام، إنما اهتماماً بالعبادة، الهدف من هذا ليس الاهتمام بالطعام، إنما الهدف منه الاهتمام بهذه العبادة ليقبل على صلاته بقلب حاضر، والله المستعان.(21/14)
بقي إذا ضاق الوقت يعني لم يبق من الوقت إلا الشيء اليسير وقدم الطعام نقول: لو فات الوقت، نعم، لا بد أن يصلي الصلاة في وقتها {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] ولو تشوش ذهنه؛ لأن المحافظة على الوقت شرط من شروط صحة الصلاة، والخشوع الذي يذهبه تعلق القلب بالطعام على القول بوجوبه لا يقاوم ما اشترط للصلاة، إذا قدم الطعام وخشي فوت الجماعة ننظر بقدر ما يذهبه هذا الطعام من صلاته ومن أجره يفاضل بينه، وكل يعرف هذا من نفسه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(21/15)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (8)
تكملة شرح: باب: الحث على الخشوع في الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة في باب الحث على الخشوع في الصلاة:
وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه)) رواه الخمسة بإسناد صحيح، وزاد أحمد: ((واحدةً أو دع)).
وفي الصحيح عن معيقب نحوه بغير تعليل ..
معيقيب، معيقيب.
عن معيقيب نحوه بغير تعليل.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى -والعلة في ذلك- فإن الرحمة تواجهه)) رواه الخمسة" مر بيانهم مراراً، وأنهم أصحاب السنن الأربع: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وخامسهم: الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.
يقول: "بإسناد صحيح" بإسناد صحيح، معلوم أنه إذا قيل: إسناده صحيح فإن الرواة على هذا ثقات، وكل واحد منهم قد سمع من روى عنه، فإذا صح السند أو صُحح السند فمعناه أن الرواة اجتمع فيهم الأمران الضبط والعدالة، واتصل الإسناد بمعنى أن كل واحد من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريق معتبر، لكن في إسناد الحديث أبو الأحوص، ولا يُعرف اسمه، هو مشهور بكنيته، معروف بكنيته، قد اطردت العادة أن من يشتهر بالكنية أنه يضيع الاسم، يضيع اسمه، لا يعرف اسمه، وأبو الأحوص هذا قال فيه الحافظ ابن حجر نفسه في التقريب: "مقبول" مقبول، متى يوصف الراوي بأنه مقبول؟ لينظر حكم الحافظ على إسناده بأنه صحيح، قال عنه الحافظ ابن حجر: "مقبول" إيش معنى مقبول؟ ومتى يحكم على الراوي بأنه مقبول؟ لا سيما عند ابن حجر الذي أطلق هذا القول حيث قال في هذا الراوي: "مقبول" وقال عن إسناد الحديث أنه صحيح؟ فهل حديث المقبول صحيح؟ نعم يا إخوان؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟(22/1)
طالب:. . . . . . . . .
ضعيف إلا إن توبع، إلا إن توبع، فالمقبول من ليس له من الحديث إلا الشيء القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه .. ، أو لم يقل فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، أبو الأحوص لم يتابع على رواية هذا الحديث، لم يتابع على رواية الحديث، فماذا يستحق؟ يستحق أن يقال: مقبول وإلا لين؟ لين، فالحديث الذي حكم عليه الحافظ بأن إسناده صحيح لو حكم على المتن بأنه صحيح لا إشكال، لكن الحافظ حكم على الإسناد بأنه صحيح، مع أن فيه أبا الأحوص، وهو مقبول إذا توبع ولم يتابع فهو لين ضعيف، فكيف يقول الحافظ بإسناد صحيح؟ رواه الخمسة بإسناد صحيح، لو قال: الحديث صحيح والمقصود به المتن لكان الحكم صحيح؛ لأن له شاهداً من حديث معيقيب وهو في الصحيح، لكن الإسناد ليس بصحيح، على أنه قد يصح الإسناد ولا يصح المتن لوجود شذوذ أو علة، وبمخالفة من هو أوثق منه، فقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: بإسناد صحيح فيه ما فيه.
الآن حكم الحافظ -رحمه الله تعالى- على هذا الراوي بأنه مقبول هل هو حكم على الراوي أو على روايته؟
طالب:. . . . . . . . .
على المروي من أي وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
على التقعيد في التقريب حكمه على المروي لا على الراوي، والكتاب كتاب مرويات وإلا كتاب رواة؟
طالب:. . . . . . . . .
كتاب رواة، كتاب رواة، فأصل التقعيد فيه ما فيه، وليس هذا مجال بسط هذه المسألة؛ لأنه هو حكم على الراوي بأنه مقبول مع أنه لم يتابع على حديثه هذا، فالأصل أن يحكم عليه بأنه لين، واللين حديثه من قبيل الضعيف، نعم ضعفه غير شديد، ينجبر برواية غيره، ويرتقي إلى المقبول، لكن زاد الحافظ على ذلك فقال: بإسناد صحيح.
أما متن الحديث فصحيح لا إشكال فيه؛ لأن له شاهداً من حديث معيقيب، وهو مخرج في الصحيح، في الصحيحين وغيرهما على ما سيأتي.(22/2)
يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم)) قام: فعل ماض، والفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من العمل، ويطلق ويراد به إرادة العمل، ويطلق ويراد به الشروع في العمل ((إذا قام أحدكم في الصلاة)) هل المراد به إذا قام وفرغ من القيام، أو إذا أراد القيام إلى الصلاة أو في الصلاة؟ لأن في هذه للظرفية في الصلاة قام في الصلاة لا بد أن نضمن (قام) فعل يتعدى بفي، فمعناه إذا شرع في الصلاة، إيش معنى قام في الصلاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني نقول: هو مثل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، مثله، نعم؟ ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى)) هل المنهي عنه يعني من مسح الحصى النهي متجه إذا أراد القيام لا يمسح أو أنه إذا شرع في الصلاة فلا يمسح؟ التضمين لا بد منه، فإما أن نضمن الفعل أو نضمن الحرف، وتضمين الفعل أولى من تضمين الحرف على ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فنضمن ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح)) يعني إذا شرع في الصلاة فلا يمسح؛ لأنه قبل الشروع في الصلاة لا يحتاج إلى إذن، مسح الحصى مباح ما في إشكال قبل الشروع، فالممنوع من مسح الحصى بعد الشروع في الصلاة لا يمسح الحصى ((فإن الرحمة تواجهه)) ((فإن الرحمة تواجهه)) هذه علة منصوصة في الخبر إلا أنها منصوصة في هذا الخبر الذي فيه مقال، وخلى منها الخبر الصحيح خبر معيقيب ((فإن الرحمة تواجهه)) إذا كانت هذه هي العلة فلما أدخل الحافظ الحديث في كتاب أو في باب الخشوع؟ إذا كان القصد أن الرحمة تواجهه، والعلة أن الرحمة تواجهه كما في هذه الرواية، حديث معيقيب -وهو في الصحيح- ليس فيه هذه العلة، ولذا قال: "وفي الصحيح عن معيقيب نحوه بغير تعليل" من غير ذكر لهذه العلة، لا شك أن مسح الحصى يتضمن حركة والحركة عبث والعبث ضد الخشوع، ولا يمنع أن يشتمل الخبر على أكثر من علة، على أكثر من علة، يمنع من مسح الحصى لأنه حركة، ويمنع أيضاً لأن الرحمة تواجهه، فيكون دخوله في الباب لأنه حركة والحركة مضادة للخشوع.(22/3)
الحديث الذي ورد: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) يروى مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أقوى؛ لأن المرفوع شديد الضعف، بل حكم بعضهم ببطلانه، والقلب لا شك أنه يتبع الجوارح من جهة، أو الجوارح علامة -عنوان- على القلب.
((فإن الرحمة تواجهه)) إيش معنى الرحمة توجهه؟ هل معنى هذا أن الرحمة تنبعث من محل السجود إلى المصلي؟ أولاً: ما المراد بمسح الحصى الأرض أو اللي على الجبهة؟ أو هو أعم من ذلك فلا يمسح الحصى؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أعم، يعني يشمل مسح ما على الجبهة، ويشمل ما على الأرض، إذا كان المراد به مسح الحصى التي على الأرض، قد يقول قائل: من مقتضى الخشوع في الصلاة أن يمسح الحصى الذي على الأرض، أن يمسح الحصى ليتم الخشوع؛ لأنك لو سجدت على الحصى أو حصبة، أو أرض غير مستوية، أو فيها شيء من النبات فكل شيء يدركه كل الناس، هل يخشع الإنسان في سجوده؟ ((فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه)) إذن ما المراد بالحصى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اللاصق بالجدر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(22/4)
. . . الحديث حتى في زيادة أحمد شيء من العسر في فهمه، إذا أردنا أن نحلله تحليلاً دقيقاً ونستطرد فيه، وإلا كأن الإنسان إذا قرأه وهو ماشي ما يشكل عليه شيء، ما يشكل عليه شيء، خلاص امسح واحدة الأرض واسجد، واحدة أو دع، قلنا: إنه إذا قام أحدكم في الصلاة يعني شرع في الصلاة فلا يمسح الحصى، والاحتمال قائم ليكون المراد بالحصى ما على الأرض من أجل أن يطمئن في سجوده، أو ما علق في وجهه من التراب والحصى، والحديث أعم من ذلك؛ لأن المسح حركة، والحركة مذهبة للخشوع، إذن ماذا يصنع من لم يذكر المسح قبل الشروع في الصلاة والأرض لا يتمكن فيها من الخشوع لا سيما إذا سجد؟ ماذا يصنع؟ أحياناً وهو واقف لا يتمكن من الخشوع لما تحت رجليه من شوك أو حصى أو ما أشبه ذلك، يمسح واحدة، وزاد أحمد: واحدة أو دع، يعني إن كان ولا بد فامسح واحدة أو دع، وإن كان عطف .. ، أو عطف المؤلف رواية أحمد على أصل الحديث يحتاج إلى رابط، يحتاج إلى رابط يتضح به المعنى، نعم؟ يعني لو قال: وزاد أحمد الإذن بمسحه مرة واحدة، الإذن بمسحه مرة واحدة لكان أتى بالمراد، لكن كيف نعطف؟ وزاد أحمد: "واحدة ودع"؟ ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى)) نعم الحافظ وكل الأمر إلى فهم القارئ، والقارئ ما يحتاج إلى أن يوضح له المعنى وإن كان التركيب فيه شيء من القلق، بعض الأمور الواضحة إذا دقق فيها ظهرت إشكالات وإلا إذا قرئت من غير تدقيق فلا تخفى على القارئ، على كل حال هذه الحركة من أجل مسح الأرض، أو من أجل مسح ما علق بالوجه من تراب أو حصى منافٍ للخشوع، لكن قد يحتاج الإنسان إلى ذلك فأذن له بواحدة، والإذن بالواحدة يدل على أن النهي للكراهة، النهي للكراهة، والصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة الإذن بالواحدة.(22/5)
"وفي الصحيح عن معيقيب نحوه" بدون تعليل أو "بغير تعليل"، والمراد في الصحيح الجنس، جنس الصحيح، وإلا فحديث معيقيب في الصحيحين، معيقيب ابن أبي فاطمة الدوسي، بدري شهد بدراً، مات في خلافة عثمان -رضي الله عنه-، "نحوه" يعني قريب من لفظه ((لا تمسح الحصى وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)) والإذن جاء في الصحيح "بغير تعليل" يعني من دون قوله: ((فإن الرحمة تواجهه)) نعم، قل.
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة?" فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري.
وللترمذي: عن أنس -وصححه-: ((إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة, فإن كان لا بد ففي التطوع)).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ..
لحظة، عندك وللترمذي عن أنس؟
إي نعم.
. . . . . . . . .
إي نعم.
أو مصحح. . . . . . . . .؟
ذكر الشيخ في التحقيق يقول: فإن النقل عن الترمذي في ذلك مختلف باعتراف الحافظ نفسه، وبيان ذلك في الأصل، طبعة الزهيري يا شيخ.
يقول؟
يقول: فإن النقل عن الترمذي في ذلك مختلف باعتراف الحافظ نفسه.
الذي في الكتاب: "وللترمذي وصححه" مقتضاه أنه عن عائشة، نعم، مقتضى العطف في رواية الأولى أن يكون الراوي واحد، لكن هل عندك في المتن في نسخة صحيحة اعتمد عليها المحقق: "وللترمذي عن أنس"؟ أو زادها المحقق؟
ما ذكر الزيادة، ذكر في المتن يا شيخ وعن أنس دون عائشة.
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
طيب طلع اللي معك.(22/6)
ما يلزم أن تكون سقطت في الهندية؛ لأن الشارح شرح على هذا، نسخة الشارح: "وللترمذي وصححه" ومقتضى الإطلاق من غير تقييد براوٍ معين أن الروايتين من رواية صحابي واحد، ولذا يقول الشارح: "وللترمذي" أي عن عائشة هذا الأصل، طيب على كل حال كون النسخ تتفق على شيء ولو كان خطأ، يعني نسخ البلوغ إذا اتفقت على شيء مثل هذا: "وللترمذي وصححه" لا بد من طبعه كما هو، ولا يتعرض له بتصحيح إنما يعلق، أهل العلم في رواية الحديث وضبطه يقررون أنه يروى كما وجد، يروى كما وجد، وينبه على الصواب إذا كان فيه مخالفة للصواب؛ لأنه لو فتح المجال للتصحيح في أصل الكتاب، يمكن ما يبقى كتاب سليم، كل من عنَّ له أن يصحح هجم على الكتاب وصحح، ولا يستثنون من ذلك إلا الآيات، القرآن هو الذي يصحح، فلا يروى على الخطأ، أما الحديث يروى على ما وجد وينبه على الصواب، وينبه على الصواب، إذا أخطأ مؤلف من المؤلفين أخطأ خطأ واضح، واتفقت جميع النسخ على هذا الخطأ بما في ذلك نسخة المؤلف والنسخ المقابلة على نسخة المؤلف يبقى كما هو على الخطأ، وتكون وظيفة المحقق ودور المحقق التنبيه على هذا الخطأ.
الشارح كأنه شرح على أساس أن هذه الرواية عن عائشة، يعني هي من حديث عائشة السابق يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة?" فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري" ورواه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي.(22/7)
"وللترمذي" ومقتضى السياق أن يكون عن عائشة وإن كان صوابه عن أنس "وصححه" مضبوط ((إياكِ والالتفات في الصلاة)) ((إياكِ والالتفات في الصلاة)) يقول الشارح: بكسر الكاف لأنه خطاب المؤنث، فيكون من حديث عائشة أو من حديث أنس؟ من حديث عائشة: ((إياكِ والالتفات في الصلاة فإنه هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع)) والحديث الذي صححه الترمذي في إسناده علي بن زيد بن جذعان، وهو مضعف عند الأكثر، مضعف عند الأكثر وصححه الترمذي، نقول: تساهل من الترمذي؟ وإلا المقصود الترمذي صحح المتن بالشواهد التي يذكرها في الباب؟ لا شك أن الترمذي يصحح بالشواهد، ولذا ندر أن يذكر حديثاً ولا يذكر له شواهد، إذا روى الحديث قال: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، ومع ذلكم الترمذي إمام من أئمة المسلمين، وقد يصحح ما فيه ضعف، وتكون هذه وجهة نظر، هو إمام مجتهد في الباب لا يقلد أحداً، والنزاع بين أهل العلم في وصفه بالتساهل أو التوسط والأكثر على أنه متساهل، وتصحيحه لهذا الخبر مع أن في إسناده من ذكر تساهل، نص على ذلك الحافظ الذهبي وغيره، وإن كان الشيخ أحمد شاكر ينازع في هذا، ويقول: إن تصحيح الترمذي معتبر، وتصحيحه للخبر توثيق لرجاله، هذا أشد تساهل من تساهل الترمذي، كلام الشيخ أحمد شاكر، الترمذي ما زعم ذلك، يعني هل معنى هذا أننا نقول: إن الترمذي يوثق علي بن زيد بن جدعان وإن صحح الخبر؟ قد يصححه لطرق وشواهد، ما يلزم أن يصحح الطريق نفسه، فهذا تساهل من الشيخ أحمد شاكر، وقد وثق جمع من الرواة جماهير أهل العلم على تضعيفهم.(22/8)
"تقول عائشة -رضي الله عنه-: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات –يعني يميناً أو شمالاً- في الصلاة? " يعني في أثنائها "فقال: ((هو اختلاس -أخذ بخفية، خلسة- يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) يسرق من صلاة العبد خفية، دليل على أن الالتفات منقص للثواب المرتب على هذه العبادة، ولذا المقرر عند أهل العلم أن الالتفات مكروه ما لم ينحرف بصدره عن جهة القبلة، إذا كان مجرد لي العنق إلى اليمين أو الشمال هذا أطلقوا فيه الكراهة، وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، الآن أهل العلم يتفقون على اشتراط استقبال القبلة، يتفقون على اشتراط استقبال القبلة، ويقررون أن الالتفات بالوجه مكروه، مع أن المنصوص عليه في الاستقبال {فَوَلِّ وَجْهَكَ} {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] الصحابة -رضوان الله عليهم- التفتوا لما خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- من حجرته في مرضه، ورأوا إشارته، ويوصف أبو بكر -رضي الله عنه-، بل من مناقبه التي ذكرت أنه كان لا يلتفت في الصلاة، فاعتماد أهل العلم على إطلاق مجرد الكراهة على الالتفات اعتماداً على فعل الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويبقى أن هذا الاختلاس ليس معنى إطلاق الكراهة أن الإنسان يترك الحرية لنفسه يلتفت يميناً وشمالاً يسرح بصره يمنية ويسرة، لا، ما دام قالوا كراهة السنة خلافه.
نعود إلى ما استدل به على اشتراط استقبال القبلة من قوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] والمنصوص عليه من بين سائر البدن الوجه، والعلماء يشترطون استقبال القبلة بالبدن كله ويخففون من أمر الوجه، ودخول .. ، أقول: دخول المنصوص عليه من بين أفراد العام في النص قطعي، فبالنظر إلى الآية أولى ما يستقبل به شطر المسجد الحرام المنصوص عليه وهو الوجه، فإذا قلنا: إن الوجه مجرد كراهة فماذا عن بقية البدن؟ ماذا نقول يا إخوان؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(22/9)
من باب أولى، إذا كان استقبال القبلة شرط فدخول المنصوص عليه بالنص في هذا الاشتراط دخول أولي قطعي في النص، يعني إذا قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] أو قلنا: يجوز تنحرف يميناً وشمالاً تنظر يمين وشمال مجرد كراهة صلاتك صحيحة، لكن لو نأى صدرك يميناً وشمالاً بطلت صلاتك، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ نعم؟ كيف يزول مثل هذا الإشكال؟ أولاً: من قال بمجرد الكراهة استدلالاً بفعل الصحابة، بفعل الصحابة وإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، الصحابة التفتوا إلى جهة حجرته لما خرج منها فرأوه ورأوا إشارته -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم يلتفتوا لم يروه، فدل على أن الالتفات لا يبطل الصلاة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأمرهم بإعادته، وإن كان خلاف الأولى.
فقوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] هل هو العمدة في اشتراط استقبال القبلة؟ أو أن الدليل على اشتراط استقبل القبلة غير هذا؟ فيكون هذا الأمر فيه فيما يتعلق بالوجه الأمر فيه على جهة الاستحباب؛ لأن الالتفات مكروه، ويكون اشتراط استقبال القبلة بأدلة أخرى وإلا لو قلنا: إن دليل اشتراط استقبال القبلة هذه الآية لدخل الوجه دخولاً قطعياً في الاشتراط، الإخوان معنا وإلا .. ؟ ليش ما تجاوبون؟ هاه؟ لماذا لا يتجاوبون؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هم التفتوا إلى جهة الجنوب ينظروا إلى الحجرة، التفتوا إلى جهة الجنوب، يعني هم ما التفتوا من جهة أصلية إلى فرعية .. ، إلى جهة أصلية ثانية، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(22/10)
نخشى مثل هذا الكلام يفتح باب، يفتح باب لمن يؤول الوجه بالذات {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [(27) سورة الرحمن] يقولون: ذاته، إذا كان المقصود بالوجه هنا الذات فيلزمنا أن نؤول الوجه بنصوص أخرى بالذات، لا شك أن أشرف ما في الإنسان وجهه والتنصيص عليه لأهميته، فإذا كان التنصيص عليه لأهميته فيكون هو أولى ما يدخل في النص، يعني لولا إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- لصنيع الصحابة والتفاتهم إلى جهته، ونظرهم إليه وإلى إشارته لما تردد في اشتراط استقبال القبلة بالوجه، ولولا ما ثبت عنهم وعنه من إقرار -عليه الصلاة والسلام- لما كان عن الإبطال إبطال الصلاة مندوحة لأنه منصوص عليه، والمنصوص عليه دخوله في النص قطعي، لا شك أن الالتفات انصراف عن الجهة التي أمر بالاتجاه إليها، ومثل هذا الانصراف بالبدن مؤدي إلى انصراف القلب الذي هو ضد الخشوع الذي ترجم به لهذا الحديث وغيره.
"وللترمذي وصححه: ((إياكِ)) " إن كان الخطاب لعائشة، أو إياكَ ((والالتفاتَ)) بالنصب لأنه محذر منه، يعني منصوب على التحذير ((في الصلاة فإنه هلكة)) لأنه مخل بهذا العبادة العظيمة، فالأصل أن الإنسان إذا استقبل القبلة وكبر ورفع الحجب بينه وبين ربه -عز وجل-، ودخل في هذه العبادة أنه مستغرق فيه، يعني هو يناجي ربه، هل يتصور من إنسان يناجي شخص من المخلوقين إذا كانت له في نفسه منزلة أن ينصرف عنه؟ يعني أنت وأنت تتحدث مع زميلك مستغرق في الحديث معه ثم انصرف عنك ألا يكون في نفسك عليه شيء؟ فأنت في أعظم العبادات إذا انصرفت عن مولاك لا شك أن هذا خلل في الاتجاه إلى ربك -عز وجل-، ولذا قال: ((فإنه هلكة)) على ما في الخبر من ضعف؛ لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف عند الأكثر، وقد صححه الترمذي كما سمعنا.(22/11)
((فإن كان لا بد من الالتفات)) فإن كان لا بد يعني من الالتفات ((ففي صلاة التطوع)) ففي صلاة التطوع، صلاة التطوع أمرها أخف من صلاة الفريضة، صلاة التطوع أمرها أخف من صلاة الفريضة، ويكون الالتفات من الفروق بين صلاة التطوع وصلاة الفريضة إن صح الخبر، ومما صح في ذلك من الفروق صلاة النافلة على الدابة دون الفريضة، صحة صلاة النافلة من قعود مع الاستطاعة دون الفريضة، وغير ذلك من الفروق، وما عدا ذلك فما ثبت في الفرض ثبت في النفل؛ لأن الكل يجمعه لفظ الصلاة، نعم.
نشوف هذه ورقة هذا يقول: "رغبة في الاستفادة ومشاركة في الإيجابية والتفاعل في الدروس أقدم بين يديكم هذه الوريقة بما يخص حديث: ((يقطع الصلاة المرأة)) .. إلى آخره مع الرواية الأخرى: ((المرأة الحائض)) حيث جرى بحث بالأمس هل هي من قبيل تخصيص العام أو تقييد المطلق؟ والذي يبدو وأظنه -والله أعلم- أنها من باب المطلق والمقيد وذلك لوجوه:
أن عموم المرأة هنا عموم صلاحية لا عموم شمول، وهذا من صفات المطلق فالصلاة تقطعها أي امرأة ينطبق عليها لفظ الحديث، وأنهم ذكروا من العلامات الفارقة بين العام والمطلق أن تخصيص العام يؤدي إلى تقليل الأفراد الواجبة أو الممنوعة، وأما إذا كان يؤدي إلى تقليل الأفراد المتاحة وهو في مسألتنا المرأة التي بها يقع قطع الصلاة فمن باب تقييد المطلق، إن القول في المرأة والمرأة الحائض كالقول في الكلب والكلب الأسود، ومع ذلك لم يجعل هذا من باب العام والخاص، الحافظ ابن حجر والصنعاني إيش؟ ولعل المتتبع يوجد غيرهما من العلماء نصوا على أنه من باب الإطلاق والتقييد.(22/12)
أمس تساءلنا في شرح الحديث وقلنا: إن الحيض هل هو وصف أو فرد؟ هل هو وصف بمعنى أنه يطرأ ويزول أو هو فرد ثابت من أفراد العام؟ وصف، وقلنا فيما سبق: إنه إذا كان وصف فهو من باب التقييد؛ لأن التقييد تقليل أوصاف المطلق، بينما التخصيص تقليل أفراد العام، وهذا ذكرناه بالأمس، لكن يبقى التساؤل من جهة أخرى أن المصلي الذي يشتبه عليه الأمر هل بلغت سن المحيض أو لم تبلغ؟ هل حاضت بالفعل أم لم تحض؟ هذه مسألة تحتاج إلى حل؛ لأن الناس ليس لهم إلا الظاهر، ليس لهم إلا الظاهر، مر بين يديه جرم كبير ما يدري هل يقطع الصلاة أو لا يقطع لأن هذه حائض .. ، بلغت سن المحيض أم لا؟ نعم الأحكام مبنية على غلبة الظن فلعل هذا منها، على كل حال يشكر الأخ هذه المشاركة، ومشاركة طيبة، طيبة لا بأس بها.
طالب:. . . . . . . . .
بس لا أدري لعله فهم من كلامي بالأمس أنني أقول: إنه من باب العموم والخصوص، وأن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص وإنما يذكر الخاص في مثل هذه الصورة للاهتمام بشأنه، لا بد من تحرير المسألة هل هي بالفعل من باب العموم والخصوص أو من باب الإطلاق والتقييد؟ وهذا بحثناه بالأمس.
يقول: حديث أنس قال فيه الترمذي: "حسن غريب من هذا الوجه" وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه ولم يعرف لسعيد عن أنس هذا الحديث ولا غيره، وبهذا علله ابن القيم مع وجود علي بن زيد في إسناده، على كل حال العهدة على ابن حجر، الأمر الثاني: أننا لا نجزم بتخطئة أهل العلم في مثل هذا، لا نقول الحافظ قال وصححه بناءً على ما وقفنا عليه من نسخ أن الترمذي قال: حسن، إيش المانع أن يكون الترمذي قال: "حسن صحيح غريب" ويكون حينئذٍ صححه، ونسخ الترمذي من القدم تتفاوت، بينها تفاوت كبير في الأحكام، ولذا جامع الترمذي كما قال أهل العلم: "أولى ما يعتنى بنسخه الأصلية" لمقابلة بعضها ببعض، وتصحيح ما جاء في بعضها من تصحيف، فهذه الأحكام تتفاوت تفاوت كبير بين النسخ، تجدون أهل العلم ينصون: صححه الترمذي ووقفنا في نسخة على أنه قال كذا، في نسخة قال الترمذي: حسن غريب، وصححه في أخرى.(22/13)
المقصود أن مثل هذا لا يسارع في تخطئة المؤلفين لا سيما مثل ابن حجر، له عناية فائقة بالنسخ، له عناية بالنسخ، ولذا ينبغي أن يعتنى بهذا الباب، يعتنى بالنسخ الصحيحة الموثقة، ولذا من أهم المهمات وإن كان من الوسائل معرفة الطبعات، وأفضل المطابع، وأجود المحققين، لا بد من هذا يا إخوان؛ لأنه قد تعتمد على كتاب أو على طبعة سيئة من كتاب فتقع في الأوهام الكثيرة التي سبّبها دخول نية التجارة في نشر العلم الشرعي، وإذا كان بعض المطابع يستأجر من يشارك في طباعة المصحف من غير المسلمين، من غير المسلمين يصفون حروف المصحف، والمصحف محفوظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] لكن غيره، يطبعون في بعض المطابع الكبيرة في لبنان وغيره من دون شاشات، من غير شاشات حروف فقط، من أجل أن في أسرع وقت ممكن ينتهي هذا الكتاب كبر أو صغر، والطابعين بعد من ناس مستواهم أقل في العلم والالتزام من الجنسين، ويحدث في ذلك ما يحدث من الأوهام والأخطاء، بينما المطابع في أول الأمر، الذي يتولى الطباعة فيها علماء، علماء لجان من أهل العلم تتولى طباعة الكتب؛ لأن المقصود بذلك نشر العلم الشرعي، وإشاعته بين طالبيه، يعني كونه موجود في الطبعات كلها الموجودة الآن، لم ينص الترمذي على تصحيحه، وقال الحافظ: وصححه، لا يعني أنه لا يوجد في نسخ من نسخ الترمذي المضبوطة المتقنة التي وقف عليها الحافظ.(22/14)
مسألة الترمذي والاعتماد عليه وكونه متوسط معتدل في أحكامه أو متساهل هذا إنما يحتاج إليه من يقلد الترمذي في أحكامه، أما من ينظر في الأسانيد وتأهل للنظر في أحوال الرواة، ووازن بين أقوال أهل العلم جرحاً وتعديلاً على ضوء القواعد والضوابط المعروفة عندهم، مثل هذا افرض أن الترمذي صحح أو حسن، وأنت أمامك العمل مكشوف والآلة والأهلية حاصلة، ما تحتاج إلى مثل هذا، يعني عندما حكموا بانقطاع التصحيح والتضعيف بعد الستمائة يعني في القرون المتأخرة حكموا بأنه ليس لأحد أن يصحح ولا يضعف نحتاج إلى مثل هذا الكلام، ولذا نقتدي بالترمذي، بالبخاري، بأحمد، بغيرهم من أهل العلم لأنه انقطع التصحيح، والصواب أن باب التصحيح والتضعيف فرع عن باب الاجتهاد الذي رتب عليه الأجر والثواب، وضمن استمراره إلى قيام الساعة عند وجود الأهلية، عند وجود الأهلية، نعم؟
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه, ولكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه، وفي رواية: ((أو تحت قدمه)).
وعنه قال: "كان قرام لعائشة -رضي الله عنها- ...(22/15)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه)) " وإذا كان المصلي يناجي ربه فإنه يلزمه على ذلك أن يكون خاشعاً خاضعاً متذللاً متضرعاً مخبتاً منيباً إلى ربه -عز وجل-، هذا مقتضى كونه يناجي ربه، من مقتضيات كونه يناجي ربه -عز وجل- ألا يبصق بين يديه، ألا يبصق بين يديه، في رواية عند البخاري: ((فإن ربه بينه وبين القبلة)) ((فإن ربه بينه وبين القبلة)) ((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه)) وجاء في الحديث بيان العلة بأن عن يمينه ملكاً، عن يمينه ملكاً ((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله)) لا شك أن جهة اليمين أشرف من جهة الشمال ((تحت قدمه)) عن شماله تحت قدمه، والمراد حينئذٍ القدم الأيسر ليتحقق الوصفان، كونه عن الشمال وكونه تحت القدم، لكن جاء في رواية وهي عند البخاري: ((أو تحت قدمه))، ((عن شماله أو تحت قدمه)) إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يفعل ما ذكر، وهذا يشمل ما إذا كان داخل المسجد وخارج المسجد؛ لأنه علق بأي شيء؟ بالصلاة، بغض النظر عن مكانها، جاء ما يدل على منع البصاق والنخاع في المسجد فهل نقيد ما جاء في حديث الباب بما إذا كان في المسجد؟ أو نقول: حديث الباب باقٍ على عمومه فينهى عن البصاق جهة القبلة واليمين إذا كان في الصلاة سواءً داخل المسجد أو خارجه ويكون البصاق في المسجد ممنوع مطلقاً؟ ولذا جزم النووي بالمنع في كل حالة، داخل الصلاة وخارجها سواءً كان في المسجد أو غيره، يعني تلقاء وجهه، في جهة القبلة أو جهة اليمين، وجاءت أحاديث كثيرة في البصاق جهة القبلة وفي المسجد وأنها خطيئة، وجاء أن كفارتها دفنها، والمسألة لا سيما الحالة التي عليها المصلي وهو في الصلاة أو المكان المقدس شرعاً وهو المسجد، لا يناسب مثل هذه التصرفات، فإذا كان البصاق وهو طاهر يمنع منه في المسجد وفي حال الصلاة عن جهة اليمين أو جهة القبلة احتراماً للحال والمكان، فالمنع مما هو أعظم من ذلك من باب أولى، وجاء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أهريقوا عليه ذنوباً أو سجلاً من ماء)) نعم تركه(22/16)
حتى انتهى للمصلحة الراجحة ودرءاً للمفسدة، والمساجد لم تبن لهذا، وقد أمر ببناء المساجد بالدور، وأن تنظف وتطيب على ما سيأتي، فدل على أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من ذلك.
إذا كان هذا فيما له جرم محسوس من بصاق أو بول أو غائط أو ما أشبه ذلك من سائر النجاسات والطاهرات المستقذرة فماذا عما لا جرم له كإرسال الريح في المسجد مثلاً؟ معروف أن ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا)) كما صح بذلك الخبر، ماذا عن إرسال الريح في المسجد؟ سيما وأنه قد يحتاج إليه مع طول المكث في المسجد يتصور هذا من معتكف ونحوه هل نقول: إن هذه المساجد ما بنيت لهذه الأمور فإذا نابك شيء من ذلك اخرج من المسجد؟ أو نقول: إذا كانت الحاجة قائمة والمسألة مسألة ريح ما الحكم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يخرج، يعني إذا نظرنا إلى حديث الأمر بإخراج من أكل ثوماً أو بصلاً من المسجد فهل نقول لمن احتاج إلى إرسال الريح أن يخرج من المسجد؟ هو محتاج له لكن يملك، يملك أنه يستطيع أن يخرج.
طالب:. . . . . . . . .
لا، قد يكون محتاج له مريض موصوف له الثوم، إي الحاجة قد تكون قائمة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
باقية، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نقول: تجتمع هذه الريح مع الثوم والبصل في خبث الرائحة، وإذا أردنا أن نقول بقياس الأولى قلنا: إنه مع خبث الرائحة الثوم والبصل مخرجهما أشرف ما في الإنسان، والروائح الأخرى مخرجها أخس ما في الإنسان، فما حكم إرسال هذه الريح مع الحاجة؟ عند الحاجة أما من دون حاجة لا شك أنه استخفاف بشأن المسجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((إلا أن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) شوف إذا سبقته الريح وغلبته هذا غير مكلف أصلاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الحاجة هل تقتصر على إذا سبقته؟ هذا من غير طوعه واختياره، لكن إذا كان محتاج إلى إخراجها لأنها آذته، هذه حاجة، نعم، على كل حال الحديث الذي ذكره الأخ ((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) استدل به ابن العربي في عارضة الأحوذي على أنه يجوز إرسال الريح من فساء أو ضراط في المسجد للحاجة، نعم، نعم؟(22/17)
طالب:. . . . . . . . .
هو يجوز له إجماعاً الخروج لحاجة الإنسان، لحاجة الإنسان يجوز له اتفاقاً يخرج من المسجد وهذه منها إذا قلنا بذلك، أو نقول مثل ما قال بعضهم: إن هذه تزول بسرعة ما هي مثل الثوم ولا البصل، والحاجة إليها قائمة، وإذا جاز النوم في المسجد الذي هو مظنة لهذه الأمور، على كل حال المساجد بيوت الله، المتعين إكرامها واحترامها وتطييبها وتنظيفها، لكن إذا احتاج الإنسان إلى شيء من ذلك من غير استخفاف ببيت الله -عز وجل-، وشق عليه الخروج، أو شق عليه التكرر فالأمر -إن شاء الله- فيه سعة.
من باب الاستحسان واعتماداً على مثل هذه النصوص ولو من بُعد، المناديل التي في جيب الإنسان يستعملها لهذه الأمور شخص مبتلى بحساسية أو زكام يحمل مناديل فهل يقال له: ضع المناديل النظيفة في جيبك الأيمن فإذا استعملتها ضعها في جيبك الأيسر؟ وإلا نقول: ما يفرق الأيمن على الأيسر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت تبي تأخذ المنديل صح وإلا لا؟ وتبي ترجعه ويش يصير؟ الحركة ما تختلف، أنت تبي تأخذ المنديل من جيبك الأيمن النظيف فإذا استعملته تضعه في جيبك الأيسر ويش صار؟ ألا يمكن أن يستروح إلى مثل هذا القول بمثل هذه النصوص وأن الجهة اليمنى محترمة واليسرى أقل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: من عموم هذه النصوص والنظر في معانيها ويش المانع؟ أقل الأحوال أن يقال: الأولى أن يفعل ذا، ما أنت إذا انتهيت من المنديل تبي ترميه في الأرض قطعاً، إذا انتهيت من المنديل تبي تعيده إلى جيبك فهل تعيده إلى الأيمن بعد استعماله؟ كأنك بصقت عن يمينك، فإذا أعدته إلى اليسار كأنك بصقت عن يسارك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
ارفع صوتك يا أخي؟
طالب:. . . . . . . . .(22/18)
أيوه، ظاهر؟ هو ظاهر الظاهر هذا الممنوع في النصوص، الكلام حتى وهو ما هو بظاهر يعني نستشعر من هذه النصوص احترام جهة اليمين، نعم جهة القبلة ما يمكن استعمالها في مثل هذا، أنت إذا أردت أن تبصق صور نفسك أنك تبصق بين قدميك، تحت أسفل، ثم بعد ذلك ضعه في يمنك أو في شمالك، اليمين محترم واليسار أقل، أنا أقول: لا يبعد الاستدلال والاستنباط من هذه الأحاديث لهذا الصنيع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم يمسح، يمسح، لكن عندنا أحاديث محددة، عندنا أحاديث محددة، وعندنا جهة يمنى وجهة يسار، اليمنى محترمة واليسار أقل، يبحثون في شرح الحديث ((فإن عن يمينه ملكاً)) يقول الشراح: أيضاً عن يساره ملكاً، هاه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في إشكال أن اليمين أفضل من اليسار، لكن إذا كان التعليل بمنع البصاق عن جهة اليمين أن فيه ملكاً أيضاً في جهة الشمال ملكاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كل الأمور المكروهة إلى جهة اليسار، لكن أقول: إذا كانت العلة ((فإن عن يمينه ملكاً)) أيضاً فإن عن يساره ملكاً، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تعبد، لكن هذه علة علة علل بها الفعل ((فإن عن يمينه ملكاً)) إحنا نقول: عن يساره ملكاً ولو كان الأمر كذلك، ولو كان الأمر كذلك، ولو كان عن يساره ملك اتفل عن يسارك لأن النصوص جاءت بذلك، والذي قال: ((ولكن عن يساره)) لا يخفى عليه أن عن يسارك ملكاً، لكن الكلام في البحث عن العلة، ما دام علل بهذا وجدت العلة في الجهة الثانية، يعني الملك الذي عن جهة اليمين أشرف من الملك عن جهة اليسار، يقولون: لعل الإنسان وهو في صلاته وهو يزاول أشرف العبادات أن ملك الشمال الذي يكتب السيئات لا يقارنه في هذه الحال قال بعضهم ذلك، وعلى كل حال أن لدينا نصوص أوامر ونواهي علينا الامتثال ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)).
نأخذ حديث القرام وإلا ترتاحون شوي؟ نعم؟ نأخذ حديث؟ سم.(22/19)
"وعنه قال: "كان قرام لعائشة -رضي الله عنها- سترت به جانب بيتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي عنا قرامك هذا, فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي)) رواه البخاري.
نعم واتفقا؟
"واتفقا على حديثها في قصة أنبجانية أبي جهم, وفيه: ((فإنها ألهتني عن صلاتي)).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" أي عن أنس صحابي الحديث السابق "قال: "كان قرام لعائشة" القرام: الستر، هذا القرام ستر يوضع في البيوت للحاجة لحجب النور والشمس وما أشبه ذلك، وجاء ذم الستر ستر الجدران، وعني بذلك السلف عناية فائقة، وشددوا في أمر ستر الجدر، بعضهم خرج من وليمة تجب إجابتها هذا معروف بين الصحابة والتابعين، وتتابع الناس عليه ساروا يسترون لحاجة ولغير حاجة، والله المستعان.(22/20)
يقول: ((أميطي عنا قرامك هذا)) القرام: هو الستر والستار الرقيق، ومنهم من يقول: الصفيق، وفيه ألوان ((فإنه لا تزال تصاويره تَعِرض لي في صلاتي)) تصاويره: يعني نقوشه، المقصود بالتصاوير النقوش، ((تعرض لي في صلاتي)) تشوش عليه -عليه الصلاة والسلام-، ففي الحديث دليل على إزالة ما يشوش على المصلي صلاته، والناس بعد أن انفتحت الدنيا ابتلوا بهذه الأمور التي تشوش على الإنسان الصلاة وغير الصلاة، حتى أماكن العبادات لم تسلم منها، إذا أراد الإنسان أن يصلي في أشرف البقاع يجد هذه الملهيات من النقوش والزخارف والأثاث حتى الأثاث في المساجد بعضه يفتن فضلاً عن البيوت، فضلاً عن البيوت، فتجد الإنسان في بيته كأنه في متحف، إذا أراد أن يصلي لم يجد مكان يكون باله متفرغاً لهذه العبادة، وصار هم الناس أو جل الناس على هذا، الزخرفة والأثاث بغض النظر عن صفاء القلوب، واتجاه القلوب بكليتها إلى الله -عز وجل-، تجد الإنسان يذهب ليتعبد في مكان ما قد يكون أفضل البقاع ويبحث عن أرقى الفنادق، يا إخوان التجربة كافية في الأماكن المتواضعة الخالية من هذه المظاهر مظاهر السرف والتبذير، صلي ركعتين في مكان ليس فيه شيء من ذلك، صلي ركعتين في مكان من الفنادق التي يسمونها خمسة نجوم وما أدري كم، كل إنسان يجد هذا من نفسه، كل إنسان يجد هذا من نفسه، قد يغمض الإنسان عينيه ويطأطئ رأسه، لكن هذه عقوبات بعضها يرتب على بعض، وكل ما كان الإنسان أقرب إلى البساطة كان قلبه أقرب إلى الإخلاص، ولا يقال: إن الصلاة في هذه الأماكن لا تصح أو ما .. ، الصلاة ما فيها إشكال ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) ((أيما رجل أدركته الصلاة فمعه مسجده وطهوره)) لا إشكال في ذلك، لكن يبقى أن المسألة قدر زائد على ذلك، لب الصلاة الخشوع، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أميطي عنا قرامك هذا)) تتصورون في القرام بدائع التصوير والنقوش، شيء يناسب وقتهم وعصرهم، ما خرجت هذه الآلات وهذه الفتن التي تصور وتجعل الصورة أفضل من الحقيقة، يقول: ((فإنه لا تزال تصاويره)) والتصاوير: هي النقوش، ولا يلزم من ذلك أن تكون ذوات أرواح ((تعرض لي في صلاتي)) وهذا دليل على أن الصلاة في مثل هذه(22/21)
الحالة، وفي مثل هذا المكان صحيحة، نعم ينقص الثواب المرتب على هذه الصلاة بقدر ما انصرف فيه القلب من الإقبال على الله -عز وجل-، وإذا كانت الإنبجانية التي ذكرت في الصحيحين.
"واتفقا على حديثها" حديث عائشة "في قصة إنبجانية أبي جهم" أبو جهم أهدى إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خميصة، خميصة كساء مخطط له أعلام، فلبسها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلى فيها، وألهته عن صلاته وشغلته، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها كادت أن تفتني في صلاتي)) والمراد بالفتنة هنا الشغل، ومثلها فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، يعني انشغاله بهم، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإعادة الخميصة إلى أبي جهم، ولما كانت إعادتها لأمر يتعلق بهذه العبادة لا استخفافاً بالمهدي ولا استنكافاً عن هديته طلب منه الإنبجانية، ومستواها أقل من الخميصة، الإنبجانية كأنه كساء لا خطوط فيه ولا نقوش، فلا يشغل عن الصلاة، لذا قال: "واتفقا على حديثها في قصة إنبجانية أبي جهم" التي طلبها بعد أن رد الخميصة، "وفيه: ((فإنها)) " الضمير يعود إلى؟ ظاهر اللفظ أنه يعود إلى الإنبجانية، والصحيح أنه يعود إلى الخميصة لا إلى الإنبجانية ((فإنها ألهتني عن صلاتي)) دليل على كراهة استصحاب كل ما يشغل ويلهي في الصلاة، ويحول دون المرأة ودون مناجاة ربه والخضوع بين يديه، وما يشوش عليه صلاته، والله المستعان.
وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(22/22)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (9)
شرح: باب: المساجد
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
أسئلة كثيرة جداً لا يمكن الإحاطة بها.
لكن هذا يقول: التكييف -وهذا يوافق ما عندي- يقول: التكييف الأوسط في المسجد عال جداً، لو نبهت على هذا؟
طيب جزاكم الله خير.
يقول هذا: إذا قلنا: إن معنى قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(27) سورة الرحمن] إذا قلنا: إن المقصود بالوجه وهو صفة الوجه ألا يلزم من ذلك أن غير وجهه يفنى؟
لا يلزم منه ذلك، لا يلزم منه ذلك، والتنصيص على بعض الأفراد لا ينفي بقية غيره من الأفراد، فالحكم واحد، والكلام في الصفات إنما هو فرع عن الكلام في الذات.
وهذا يقول: ما هي أفضل طبعة لسنن الترمذي؟
الترمذي معروف أن الشيخ أحمد شاكر حقق جزأين منه، فإذا استفيد من هذين الجزأين، أما الجزء الثالث فهو بتحقيق فؤاد عبد الباقي وسط، أما الرابع والخامس تحقيق إبراهيم عطوة عوض لا شيء، فيستفاد من الجزأين بتحقيق الشيخ أحمد شاكر مع طبعة بشار على ما فيها من نقص يسير لكنها نافعة.
يقول: ما حكم من وضع صناديق النفاية في المسجد؟
على ألا تكون في جهة القبلة أو جهة اليمين.
يقول: سئلتم مئات المرات عن أفضل الطبعات والمحققين لكثير من الكتب فلماذا لا يوضع مذكرة وتنشر في الإنترنت ويحال عليها بدلاً من أن يسأل عنها تقريباً في كل دورة علمية في برامج الإذاعة واللقاءات الخاصة والعامة؟
هذا على البال -إن شاء الله-.
يقول: قد يطرح بعض الإشكال والمسائل ثم تترك بدون إجابة وهذا يشكل كثير منه؟
نعم نقول: إن طرح الإشكال، وطرح السؤال على المتعلم شرعي، وترجم الإمام البخاري: باب: الإمام يطرح المسألة على أتباعه، فطرح الإشكال لا شك أنه من أنفع وسائل التحصيل، ومن أثبت طرق التعلم، ولذا جاء تعليم الدين على طريقة السؤال والجواب في حديث جبريل، لكن قد يكون هذا السؤال جوابه محرر عند من أبقاه فيطرحه على الطلاب إذا وجد عندهم جواب وإلا أجابهم، وقد يرى الملقي المصلحة أن يترك الإشكال دون جواب، لكي يتعب الطالب في البحث عن جوابه في الكتب ويسأل أهل العلم، فإذا حصل له جواب ثبت في قلبه ولم ينسه.(23/1)
يقول: نظراً لشرف الجهة اليمنى فهل يقال: من باب الاستحسان لبس الساعة باليمين خصوصاً أنها رمز لضبط الوقت الذي هو أعز ما على الإنسان؟
والله هذه تحتاج إلى نظر؛ لأن كونها تلبس في اليمين أو بالشمال ما يعني أنه تشريف لهذه اليد، لو قيل: إنه إرهاق لهذه اليد المطلوب تشريفها ما بعد، إرهاق لها، لكن إذا كان من الكفار من يستعملها في جهة فمخالفتهم مطلوبة، على أن لبس الساعة باليد ما يسلم من مشابهة لحلي من أذن له بالتحلي، لا سيما إذا كانت ذات منظر جميل، أو لون جذاب، أو ما أشبه ذلك، مع أني لا أقول بالمنع، لكن أقول: ينبغي لطالب العلم أو من كان .. ، من تقدمت سنه في العلم وصار قدوة عند الناس أن يترفع عن مثل هذا.
أسئلة الأمس ما أدري وين راحت؟ في أسئلة كثيرة جداً أمس هنا.
هذا يقول: المراد بالوجه في الآية {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] القبالة لا الوجه الاصطلاحي، وكذلك وجه الله في {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ} [(115) سورة البقرة] فليس المراد به الصفة التي لا نؤولها فلا نؤول إلا بقرينة والقرينة هنا الكلام عن الجهات؟
أما بالنسبة لوجه الله في الآية فالذي قرره شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أن هذه ليست من آيات الصفات، هذه ليست من آيات الصفات، لكن لا يعني أن الوجه في هذه الآية ليس من الصفات، وليس المراد به الوجه الحقيقي لله -عز وجل- أن يكون الوجه فيما جاء في غير هذه الآية من صفة الخالق أو المخلوق {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [(149) سورة البقرة] وقد يحتاج إلى مثل هذا التأويل، قد يحتاج إلى مثل هذا التأويل، وأنه ليس المراد بالوجه الوجه الاصطلاحي للتوفيق بين النصوص، هذا قد يسلك للتوفيق بين النصوص، وإلا فالوجه الأصل فيه القدر المعروف من البدن، سم.
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لينتهين قوم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)) ..
أقوام، أقوام.
طالب: قوم يا شيخ.
أقوام. . . . . . . . .
طالب: في المتن قوم، قوم في أصل المتن.
عندك الزهيري؟
طالب: إي نعم.(23/2)
هو يعتمد على بعض النسخ، لا يلزم أن يكون مصيب في كل ما يثبت، لا يلزم هذا أبداً نعم، نعم؟ على كل حال هو واحد ممن طبع الكتاب لا يعني أنه مصيب في كل ما يثبت، نعم.
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) رواه مسلم".(23/3)
حديث "جابر بن سمرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لينتهين)) " اللام هذه هل نقول: إنها موطئة لقسم محذوف فتكون على الجادة؟ ((والذي نفسي بيده لينتهين أقوام)) وعلى كل حال إنما جيء بها لتأكيد التحذير من .. ، ((يرفعون أبصارهم))، ((أقوام))، ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء)) لما منع المصلي من الالتفات والانصراف إلى جهة اليمين وجهة الشمال بقي من الجهات جهة العلو والسفل، والاستقبال الاستقبال أكثر أهل العلم على أن السنة للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده، والمالكية يرون أنه ينظر إلى جهة القبلة {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] فالأمر متردد، المشروع متردد بين استقبال الجهة بالوجه أو موضع السجود هذا تمام القسمة؛ لأن الوجه إما أن ينحرف يميناً أو شمالاً، ومضى الكلام فيه، وحديث الباب إلى جهة العلو، بقي من الجهات مما يتمم القسمة النظر إلى جهة القبلة أو إلى موضع السجود، وهذا قال أهل العلم جمهورهم بالنظر إلى موضع السجود، والمالكية يقولون: الأولى أن ينظر إلى جهة القبلة، وأما رفع البصر إلى السماء فجاء فيه التحذير الشديد، التخويف ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) يرفعون أبصارهم في الصلاة لا خارج الصلاة، النظر إلى السماء خارج الصلاة جاء الحث عليه {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(17 - 18) سورة الغاشية] هذا خارج الصلاة مأمور به على جهة التفكر والاعتبار، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: النظر إلى السماء، واقتصر بعد الترجمة على قوله -جل وعلا-: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(18) سورة الغاشية] ولم يذكر الآية الصريحة، صريحة المطابقة للترجمة، يعني الأصل أن يقول: باب النظر إلى السماء {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(18) سورة الغاشية] لأنها نص، فاقتصر على قوله: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(18) سورة الغاشية] فالأمام -رحمه الله- يترك الاستدلال بالظاهر الجلي ويعمد إلى الغامض(23/4)
الخفي؛ لأنها مثل الاستدلال بالآية الصريحة أمره سهل عند طالب العلم يدركه أدنى واحد، لكن الاستدلال على الترجمة بالآية الخفية الدلالة {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ} [(18) سورة الغاشية] إما أن يكون البخاري اقتصر عليها وأراد ما بعدها، كأنه قال: الآية وما بعدها، وهذا يسلك، يستدل على حكم شرعي بطرف آية والدليل فيما لم يذكر، والدليل قوله تعالى: كذا، الآية، أو يكون مراد البخاري أدق من ذلك وأخفى أن من نظر إلى الإبل لا سيما إذا كانت قائمة أنه لا بد أن ينظر إلى السماء، إذا نظر إلى الإبل لا بد أن ينظر إلى السماء كيف؟ لأن الإبل أرفع في قامتها من المخاطب، مهما بلغ في الطول، فإذا كان أرفع ورفع بصره إلى الإبل لا بد من لازم ذلك أن ينظر إلى السماء، فالنظر إلى السماء خارج الصلاة للعبرة والاتعاظ والتفكر في مخلوقات الله -جل وعلا- عبادة، عبادة جاء الحث عليها في نصوص كثيرة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [(190) سورة آل عمران] ما كل إنسان يدرك هذه العبر، وهذه العظات، فتفكر ساعة له شأن عظيم، لكن هل من مدكر؟. . . . . . . . . يقول: الأمور طبيعية، ونواميس ماشية فيما كتب لها، وليس لها من الحكم والعلل إلا أنها وجدت. . . . . . . . . أبداً، جاء الحث على الاعتبار والتفكر والاتعاظ وهذا من خير ما يزيد في إيمان المسلم {لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} من أولو الألباب؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} أهل الذكر، المفردون، الأحياء حياة حقيقية، لكن رفع البصر إلى السماء حيد وميل عما أمر به الإنسان {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] فلا يجوز لإنسان بل يكره كراهة شديدة أن يلتفت يمنةً أو يسرة، وأما رفع البصر إلى السماء فترتيب العقوبة عليه يدل على أنه محرم، أنه محرم، وليس في الحديث ما يدل على إبطال الصلاة برفع البصر إلى السماء؛ لأنه ليس فيه أنه لا صلاة له، أو صلاته باطلة، وإن قال الظاهرية: تبطل به الصلاة؛ لأن عندهم كل شيء، كل نهي يقارن عبادة ولو عاد إلى أمر(23/5)
خارج عنها يبطلها، فالنهي عندهم يقتضي البطلان مطلقاً، سواءً كان عائداً إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، أو إلى وصفه الملازم له، أو إلى أمر خارج عنه، نعم.
"وله: عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام, ولا هو يدافعه الأخبثان)) ..
ولا وهو.
((ولا وهو يدافعه الأخبثان)).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه مسلم والترمذي، وزاد: ((في الصلاة)) ".(23/6)
نعم مضى الصلاة بحضرة الطعام إذا حضر العشاء وقت الصلاة، وقت صلاة المغرب المنصوص عليها، فابدءوا بالعشاء؛ لأن النفس تكون تائقة إليه، فينشغل به المصلي عن صلاته، وهنا في مدافعة الأخبثين: ((لا صلاة)) لا هذه نافية ((لا صلاة بحضرة طعام)) والمنفي هنا الصلاة الشرعية، قد توجد صورتها، لكن حقيقتها الشرعية منفية كما في حديث المسيء: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) يعني لو قال قائل: إنه صلى، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لم تصلِ)) فلو قال قائل: صلى مريداً بذلك الحركات، صورة الصلاة الظاهرة صلى، لكن الصلاة الشرعية التي تبرأ بها الذمة ما صلى، المسقطة للطلب، وهل نقول هنا مثل ما قيل هناك: إن صلاة المسيء باعتبارها باطلة ساغ نفيها؟ ساغ نفيها باعتبارها غير مجزئة، فهل نقول هنا: إن الصلاة بحضرة الطعام ومدافعة الأخبثين باطلة؟ فيتجه النفي إلى الحقيقة الشرعية؟ وإن كانت الصورة موجودة، أهل العلم يقولون في مثل هذه الصورة: يطلقون الكراهة، يطلقون الكراهة، فلو صلى بحضرة الطعام أو مع مدافعة الأخبثين صلاته صحيحة لكنها ناقصة الأجر والثواب بقدر ما يشغله الانشغال بالطعام أو بالمدافعة من إقبال على ربه ومناجاة له، وما نقصه من خشوع في صلاته، هذا فيما يمكن رفعه مما يشغل عن الخشوع، فماذا عما لا يمكن دفعه؟ كحر شديد أو برد شديد، أو جوع مع عدم وجود طعام؟ الانشغال موجود، تقدم حديث: ((إذا اشتد الحر فأبردوا فإن شدة الحر من فيح جهنم)) هذا في المقدور عليه وفي حدود الوقت، لكن قد يوجد ما يشغل الإنسان مما لا يستطيع دفعه، والناس يتفاوتون في هذا تفاوت كبير، بعضهم لا يطيق الحر ولا بالليل بعد غروب الشمس، لا يطيق، فهل يقال مثل هذا: انتظر حتى يذهب عنك هذا الأمر الذي يذهب الخشوع؟ نقول: صلِ على حالك، احرص على الخشوع واحرص على استحضار وحضور القلب، لكن ما لا تستطيعه لا تكلف به.
والمراد بالأخبثين البول والغائط، ويلحق بهما ما يشبههما من ريح.(23/7)
الألم الذي يقطع على المصلي خشوعه، شخص به ألم شديد ينتظر الطبيب يعطيه مسكن مثلاً، نقول: انتظر لا تصلي حتى يخف عليك الألم؟ لا شك أن الألم في قطعه للخشوع أعظم مما ذكر من طعام وغيره، هنا مجرد ربع ساعة نصف ساعة تذهب إلى الدكتور تأخذ إبرة ويسكن الألم، وتقبل على صلاتك تؤديها على الوجه المطلوب، هو مثله إن العلة ظاهرة، العلة ظاهرة بأن هذه المذكورات سبب النهي عنها وإن جاء على صيغة النفي لكن المراد به النهي، وهو أبلغ سببها إذهاب الخشوع بالكلية أو تقليل الخشوع، ويكون في حكمها ما يشاركها في العلة، فإذا كان الألم يعتصره نقول: انتظر، تأخذ مسكن، تأخذ إبرة، تأخذ شيء، إذا برد عليك الألم، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يؤخر الصلاة بهذا العذر، لا، لا يؤخر الصلاة، إلا إذا كان لا يطيق يصلي هذا شيء آخر، إذا كان الألم وصل فيه إلى مبلغ لا يستطيع معه الصلاة هذا عذر، لكن هو يستطيع أن يصلي لكن مع شغل البال بهذا الألم، فإذا كان مشتاق الطعام يؤخر الصلاة ليقضي نهمته من هذا الطعام فالذي يعتصره الألم من باب أولى.
وعرفنا مراراً أن مذهب الظاهرية أنه إذا نهي عن شيء في الصلاة ولو كان خارجاً عنها أنه يقتضي البطلان، فإذا صلى مع حضرة الطعام أو يدافع الأخبثين فإن صلاته باطلة عندهم؛ لأن كل نهي عندهم يقتضي البطلان، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه مسلم والترمذي، وزاد: ((في الصلاة)).(23/8)
حديث "أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب من الشيطان)) " التثاؤب من الشيطان؛ لأنه دليل على الخمول والكسل والإخلاد إلى الراحة، وغير ذلك مما يعوق عن العبادة أو يثبط عنها، والتثبيط عن العبادة هي عادة الشيطان وديدنه، وينشأ هذا التثاؤب إما من الإفراط في الأكل، أو الإفراط في ترك النوم، وقد ينشأ عن الإفراط في كثرة النوم، المقصود أن المطلوب من المسلم الاعتدال، الاعتدال في الأكل الشرب، النوم، الكلام، النظر، جميع تصرفاته المطلوب من المسلم أن يكون متوسطاً فيها، لا إفراط ولا تفريط، فلا يكثر من النوم بحيث تفوته مصالح دينه ودنياه، ولا يقلل من النوم بحيث يعود عليه ذلك بالضرر في دينه ودنياه، بل يتوسط في أموره، ولذا جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أن من سنته وهديه أنه ينام ويصلي، وما حفظ عنه أنه أحيا ليلة إلى الصباح، وإن كان في العشر الأواخر من رمضان يشد المئزر، ويعتزل الأهل، لكن إن قلنا: إنه في العشر الأواخر لا ينام كما قال بذلك جمع من أهل العلم، لا يعني هذا أن هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، والناس في هذا الباب بين مفرط ومفرط، تجد بعض الناس تسرع إليه الشيخوخة والهرم والخرف كله بسبب تقليل النوم، تقليله عن الحد الأدنى، أو يصاب بالعاهات والأمراض بسبب كثرة النوم، فالمطلوب من المسلم أن يكون متوسطاً في أموره كلها، ينام النوم الكافي ولا يزيد عليه، يأكل الأكل الذي يقيم صلبه ولا يزيد عليه، يشرب ما يحتاج إليه ويدفع به العطش ولا يزيد على ذلك، الكلام بقدر الحاجة، النظر بقدر الحاجة، وغير ذلك من التصرفات، وما يؤتى الإنسان، وما يبتلى بمرض القلب، أحياناً بموت القلب إلا من الفضول، فضول الطعام والشراب والنوم والنظر وغير ذلك، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يبالغ في تقليل الأكل الذي لا يكفيه بحيث لا يكفيه ما يأكله كما يفعله كثير ممن يزعم أنه من الخاصة، ممن ينتسب إلى الزهد والفقر، وليس الفقر المراد به الفقر العرفي، الفقر عندهم مرادف للزهد، قد ذكر الذهبي في السير عن بعضهم أنه يواصل أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب، بقدر ما حصل من المدة المضروبة بين موسى، ما ضربه الله -جل(23/9)
وعلا- لموسى {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [(142) سورة الأعراف] يقول: يواصل أربعين ثم تنكشف له الأمور، يصير من أرباب الأحوال والمكاشفات، والذهبي يقول: هذا إن ثبت أنه يستمر أربعين يوم، إن ثبت هذا ضرب من الهلوسة، الجوع له أثر، له أثر على الدماغ، كما أن كثرة الأكل تنشأ عنه أبخرة تتصاعد إلى الدماغ فتؤثر فيه، فلا إفراط ولا تفريط، فعلى الإنسان أن يكون معتدلاً في أموره كلها، ويحفظ بذلك دينه ودنياه، وهنا يقول: ((التثاؤب من الشيطان)) التثاؤب من الشيطان؛ لأنه يصدر عن امتلاء البطن والكسل، وهذه تبعث على التراخي والتكاسل والتأخر عن العبادات، وهذا مما يحبه الشيطان، فكأن التثاؤب نشأ منه لأنه يحبه ((فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) أي: يمسك بفمه، يضع يده أو شيء على فمه لئلا يرى منه ما يستقذر، أو يخرج منه ما يستقبح، المقصود أن هذا من الأدب النبوي، ما استطاع، الذي لا يستطيعه لا يكلفه، بعض الناس إذا تثاءب تصدر منه أصوات مزعجة، مزعجة، فإن كانت في الصلاة فالصلاة على خطر من الإبطال، وإن كانت خارج الصلاة فهي مكروهة كراهة شديدة، تثاءب حال قراءة القرآن قالوا: من أدب القارئ، قارئ القرآن أن يمسك عن القراءة أثناء التثاؤب؛ لأن هذه القراءة يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، والتثاؤب من الشيطان، لا يجتمع هذا وهذا.
"رواه مسلم والترمذي، وزاد: ((في الصلاة)) " ((التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع)) ولا شك أن التنصيص على الصلاة لا يعني أن الأمر بالكظم مخصوص بالصلاة وأنه خارج الصلاة لا يكظم، بل يكظم مطلقاً، ويعتني بصلاته أكثر من غيرها.
دخول هذا الحديث في باب الخشوع في الصلاة، لا شك أن التثاؤب المصحوب بالكسل والخمول لا يمكن أن يتحقق معه الخشوع، لا يمكن أن يتحقق معه استحضار ما هو بصدده من إقبال على ربه -عز وجل-؛ لأنه لو كان مستحضراً الحالة التي هو فيها، والمقام الذي قامه لا شك أنه سوف ينشد معه، ويلقي له باله وهمه، فإذا حضر القلب وتدبر ما قرأ، وتفكر فيما سمع -إن كان مأموماً- فإنه ينشغل عن هذا التثاؤب، والله المستعان، نعم.
باب: المساجد
باب: المساجد(23/10)
"عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي, وصحح إرساله".
نعم "باب: المساجد" المساجد: جمع مسجِد ومسجَد، والمسجد: موضع السجود، المسجَد، والمسجِد: موضع الصلاة، جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة جداً تتعلق بالمساجد، في بنائها، وتنظيفها، وتطييبها، واحترامها، وبيان الأحكام المتعلقة بها {إِنَّمَا يَعْمُرُ} إيش؟
طالب: {مَسَاجِدَ اللهِ}.
من؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم {مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(18) سورة التوبة] فلا يعمر المسجد إلا من آمن بالله، والمراد بذلك العمارة الحقيقية، سواءً كانت عمارة معنوية أو حسية، فالذي يعمر المسجد بالتردد إليه لأداء الصلوات هو المؤمن بالله -عز وجل-، والذي يعمر المساجد عمارة حسية من مال طيب يبتغي بذلك وجه الله -عز وجل- من آمن بالله -عز وجل-، المقابلة في قوله -جل وعلا-: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(19) سورة التوبة] ولذا من مسائل الجاهلية التمدح بعمارة المسجد الحرام، التمدح بعمارة المسجد الحرام، وهذا مذموم، مذموم إذا كان في مقابلة الإيمان، أما إذا كانت عمارة المسجد الحرام وغيره من بيوت الله مع الإيمان فقد جاء مدحه: ((من بنى لله مسجداً لو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)) والحديث متواتر، لكن متى يذم التمدح بعمارة المساجد والبيوت -بيوت الله- وعلى رأسها المسجد الحرام؟ إذا كانت في مقابل الإيمان، ولذا نعى على المشركين تمدحهم بسقاية الحاج مع مزاولتهم الشرك، عمارة المسجد الحرام مع اقترافهم لهذا الذنب العظيم، لكن إذا كانت عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج والإحسان إليهم مقرونة بالإيمان بالله -عز وجل- فمن أفضل الأعمال، جاء أيضاً في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) فالمساجد هي بيوت الله، وهي مساكن الأتقياء، وجاء في الخبر: ((المسجد بيت كل تقي)).
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ(23/11)
فالمسجد مهوى فؤاد المؤمن، ومجمع قلبه، وهو أنسه، وهو نزهته، فإذا ذهب أرباب الدنيا للنزهة في بلاد أو في أرض الله مما يباح من ذلك فإن المؤمن التقي نزهته وسياحته في بيوت الله، وجاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ((رجل قلبه معلق بالمساجد)) فالمساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ما أحسن أن يتقدم المسلم إلى الصلاة قبل الأذان فيصلي ما كتب الله له، ويقرأ ما أراد الله له، وينتظر بعد الصلاة إن انتظر الصلاة الأخرى ذلكم الرباط، إن انتظر وقتاً ولو دون الصلاة الأخرى يقرأ فيه كلام الله -عز وجل-، ويناجي ربه، وينكسر بين يديه، نعمة، نعمة لا يدانيها شيء من متع الدنيا.
فالمسجد هذا وضعه في الإسلام، مو بالإنسان يدخل المسجد آخر من يدخل وأول من يخرج، المسألة كأنها إلقاء عبء ثقيل على الكاهل، لا، ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) هذا أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، يتلو كتاب الله، يصلي ما كتب له، يقرأ في كتب أهل العلم، يحاسب نفسه، باقي ربع، طالب:. . . . . . . . .
لا، خليه نفسه. . . . . . . . .
المقصود أن الحديث في المساجد لا ينتهي، والله المستعان.(23/12)
المسجد كان في عهد النبوة هو كل شيء، هو الإمارة، وهو الشرطة، وهو الهيئة، ومنه تبعث الجيوش، وفيه تقام الدروس، المقصود أنه كل شيء، كل ما يصدر عن الحكومة النبوية منبعه المسجد، إذا كان المسجد يؤدي دوره الذي بني من أجله صار هو مصدر النور والإشعاع للأمة، قد يقول قائل: قد يوجد من يرغب البقاء في المسجد، لكنه قد لا يمكن من ذلك؛ لأنه يأتي أحياناً تعليمات تنص على إغلاق المساجد، كم من شخص يود أن يجلس في المسجد لا سيما بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، ثم يفاجئ أن حارس المسجد يغلق الكهرب والأبواب، ويأمره بالخروج، ما في شك أن هذه التوجيهات لها أسباب، يعني وجد بعض المشاكل، وجد بعض القضايا، وجد بعض السرقات، وجد ما جعل المسئولين عن المساجد يأمرون بإغلاقها، لكنها مع ذلكم إذا وجد شخص مأمون موثوق يلزم المسجد ويتكفل بحفظ المسجد ورعايته فالعلة علة المنع معقولة، تزول، يزول الحكم بزوالها، فعلى من يتولى هذا أن يمكن هؤلاء، لا سيما إذا كانوا على قدر من اليقظة بحيث لا يعبث بالمسجد، لا يتلف شيء من ممتلكات المسجد، أو ما أشبه ذلك، فسبب المنع هو ما ذكر من وجود بعض التجاوزات والتصرفات في المسجد، وله وجه، لكن يبقى أن الأصل أن المسجد متاح للمسلمين، يزاولون فيه ما شرع فيه من عبادات، حتى النوم يجوز في المسجد، حتى النوم يجوز في المسجد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أيقظ علياً وهو نائم في المسجد، المقصود أن مثل هذه الأمور وإن صدر فيها بعض الأنظمة لوجود بعض التجاوزات وبعض التصرفات إلا أنه إذا وجد من يوثق به ويركن إليه يؤنس به مثل هذا يمكن من مزاولة هذه العبادة في هذه البيوت بيوت الله.
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي, وصحح إرساله" وصحح إرساله الترمذي، لكن المرجح عند أهل العلم أنه موصول، أنه موصول، وصححه جمع من أهل العلم، فالحديث صحيح.
"أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعرفنا أن مثل هذه الصيغة مرفوعة بالاتفاق، ودلالتها على اللزوم كدلالة: (افعلوا) عند الجمهور، فلا يحتاج إلى إعادة مثل هذا.(23/13)
"أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور" في الدور يحتمل أن يكون المراد البيوت، ويحتمل أن يراد بها الأحياء المشتملة على الدور، ويحتمل أن يراد بها القبائل، كما جاء في الحديث الصحيح: ((خير دور الأنصار بنو النجار)) يعني خير قبائل الأنصار بنو النجار، فأمر أن تبنى المساجد في هذه القبائل، كل قبيلة تني مسجد، كل حي من الأحياء يبنون مسجد، ولا يمنع أيضاً أن يتناول الحديث بعمومه، أن يتخذ الإنسان في بيته الخاص مسجداً ينظفه ويتعاهده ويصلي فيه، لا سيما النساء وأهل الأعذار المعذورون من صلاة الجماعة، ولا يعني هذا أنه لا يصلى إلا في هذه البقعة، لا.
"وأن تنظف" وهذا هو اللائق ببيوت الله -عز وجل-، تنظف من كل ما يستقذر دق أو جل، تنظف من المستقذرات كلها الحسية والمعنوية.
"وتطيب" وجاء تطييب المساجد، واشتهر بذلك نعيم المجمر كان يبخر مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في عهد عمر -رضي الله عنه- فتنظيف المساجد وإظهارها بالمظهر اللائق بها، وتطييبها بالروائح الطيبة، وإزالة ما ينافي ذلك من القاذورات والأوساخ، وما تنبعث منه الروائح الكريهة، ولذلك أمر بإخراج من أكل ثوماً أو بصلاً أو غير ذلك مما له روائح كريهة كالدخان وشبهه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الكلام على اتخاذ القبور مساجد يطول، لعلنا نستأنف في الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
نشوف بعض الأسئلة.
يقول: ما حكم السبحة؟ هل هي بدعة أم لا؟ مع العلم بأني لا أسبح بها في وقت الصلوات أي التسبيح المشروع بعد الصلاة، ولكن أستعملها في بعض التسبيح المطلق كمائة مرة وما أشبه ذلك؟(23/14)
السبحة لا شك أنها أمر حادث، غير معهودة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن أصلت وجعل لها أصل من الحصى التي كانت أم المؤمنين تسبح به، فوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن تسبح بأناملها لأنها مستنطقات، المقصود أن السبحة كثير من الناس يستعملها لمجرد العبث، لا يستعملها في عبادة، مجرد عبث، لا يسبح بها، هذا حال كثير من الناس، إما سبحة وإلا مرسن وإلا شيء يعبث به، هذا لا علاقة له في حكم شرعي، مجرد عبث وعبث يسير، يعني إن سلمت من السرف والخيلاء لأن من السبح ما قيمته بالمئات، هذا إسراف، لكن إذا كانت أمر يسير يعبث به الإنسان التضييق على الناس في هذا الباب وهو لا يدخل في تعبد ولا يقصد به أداء عبادة، الأمر فيه سهل -إن شاء الله-.
يبقى التسبيح به لا إشكال في أن التسبيح بالأصابع والأنامل لأنها مستنطقة أفضل، وبعضهم يطلق البدعة فيمن يسبح ويعد التسبيح وغيره من الأذكار في السبحة، ولا شك أنها مستحدثة، لا توجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولا عصر من سلف من هذه الأمة إلا أن من رأى أنه لا بأس بها قال: أصلها الحصى، التي كانت أم المؤمنين تسبح بها. . . . . . . . .، وعد الأذكار بالأنامل سهل وأيسر من السبحة، ومنضبط، منضبط، قد يقول قائل: الأصابع أصابع اليد خمسة فكيف نسبح مائة في خمسة أو كذا؟ نقول: تسبح مائة في خمسة، بضمها وفتحها عشرة، وعد الأعداد بالشمال، تسبح باليمين وتعد هذه الأعداد العشرات الخمسة الأولى بالضم، والخمسة الثانية بفتحها تكون عشر، ثم تعقد واحدة في اليد اليسرى، فإذا انتهيت من العشرة عشر مرات بيدك اليسرى تكون انتهيت من مائة تسبيحة أو مائة تهليلة بيدك اليمنى، على أن التسبيح باليد اليمنى وإن كان أفضل من التسبيح باليدين كلتيهما؛ لأنه جاء فيه حديث في سنن أبي داود، وفيه كلام لأهل العلم، ما يسلم من كلام، لكنه في هذا الباب صالح للاحتجاج، في مثل هذا الباب يصلح للاحتجاج.
يقول: سؤال لا أدري هل أحمد هو أحمد ابن المديني أو أحمد بن حنبل؟
أولاً: ابن المديني اسمه: علي، علي بن عبد الله المديني، شيخ البخاري، من أقران الإمام أحمد، من أئمة المسلمين.(23/15)
يقول: هل ورد حديث في استحباب البقاء في المسجد بعد صلاة الصبح إلى شروق الشمس؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يمكث في مصلاه حتى ترتفع الشمس، وهذا في الصحيح، أما الترغيب في المكث من قوله -عليه الصلاة والسلام- إلى طلوع الشمس وصلاة الركعتين، فهذا فيه أنه يعدل حجة، وكلام أهل العلم في الحديث معروف، مضعف عند جمع، وحسنه آخرون، ومن يعمل به رجاء ما رتب عليه من ثواب لن يحرم -إن شاء الله تعالى-، وإن عمل بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله وأنه يمكث حتى ترتفع الشمس فهذا لا إشكال فيه، فالمكث سنة، لكن الثواب المرتب عليه، وأنه يعدل حجة هو محل الأخذ والرد.
يقول: ما مدى صحة أحاديث السفياني؟ مع أنها تواترت الأحاديث فيه تواتر معنوي؟
أحاديث السفياني كلها لا تسلم من مقال، ولو قيل بضعفها بضعف مفرداتها وبضعفها مجتمعة لما بعد، وكذلك أحاديث الرايات السود مثلها في الضعف.
يقول: اللام في كلمة: ((لينتهين)) ما نوعها للتحريم أو للكراهة؟
قلنا: إن ترتيب العقوبة ولو كانت دنيوية يدل على التحريم، إذ لا يعاقب من لا يفعل المحرم.
يقول: أرغب في حفظ متن بلوغ المرام فهل أحفظ الأحاديث المحكوم عليها بالضعف؟
نعم احفظ جميع ما في الكتاب، ما بين غلافيه يحفظ، من أراد أن يحفظ كتاباً فليحفظ جميع ما فيه من صحيح وضعيف وغير ذلك، ومع ذلكم يعرف الصحيح من الضعيف، ولا يعني أنه إذا حفظ لا يحفظ الأحكام على هذه الأحاديث، يحفظ، بل لو حفظ الأخطاء والأوهام كما هي واستحضر الصواب كان أولى، هذا إذا حفظ كتاب ما هو حفظ انتقاء من كتاب يختلف هذا عن هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(23/16)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (10)
شرح: باب: المساجد
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة في باب المساجد:
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه، وزاد مسلم: ((والنصارى)).
ولهما: من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ((كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً)) وفيه: ((أولئك شرار الخلق)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة" مر بنا مراراً أن الواو هذه تعطف محذوفاً تقديره: أروي أيضاً عن أبي هريرة "- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود)) " قاتل الله اليهود: يعني لعنهم، وهذا دعاء عليهم بالجملة، وعلى هذا يجوز الدعاء على طائفة بالجملة إذا استحقت هذا الدعاء، كما أنه يجوز الدعاء على قبيلة إذا استحقت هذا الدعاء، فقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعض القبائل، قاتل الله اليهود، والله -سبحانه وتعالى- أيضاً في كتابه لعن بعض الفرق.
((قاتل الله اليهود)) يعني لعنهم، وبعضهم يقول معنى قاتلهم: قتلهم وأهلكهم، والدعاء عليهم بالجملة لا معارضة له مع الأمر القدري؛ لأن من اليهود من أسلم، ومن القبائل التي دعا عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- من أسلم، فالدعاء على فئة أو على قبيلة أو على طائفة استحقت هذا الدعاء لا معارضة فيه للأمر القدري، بل الإنسان يدعو لنفسه، ويدعو لولده، ويدعو لمن شاء، ويدعو على من شاء، ولا راد لقضاء الله -عز وجل-.(24/1)
" ((قاتل الله اليود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه، وزاد مسلم: ((والنصارى)) " ((قاتل الله اليهود والنصارى)) قاتل الله اليهود والنصارى، اليهود لهم أنبياء وماتوا وقبروا في الأرض، لكن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد وهو عيسى -عليه السلام- وقد رفع ولم يقبر، قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد لا إشكال فيه، لكن قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد، والنصارى ليس لهم إلا نبي واحد، ومع ذلكم ليس له قبر، هذا النبي ليس له قبر، فكيف يقول في الحديث: ((قاتل الله اليهود والنصارى)) والرواية في صحيح مسلم، هذا أشكل على الشراح، فمنهم من قال: إن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى؛ لأنهم مأمورون بالإيمان بهم، ومنهم من قال: إن في النصارى أنبياء غير عيسى وليسوا بمرسلين كالحواريين ومريم على قول، ابن حزم يرى أن من الأنبياء ست من النسوة، مريم ماتت وقبرت، والحواريون ماتوا وقبروا فلا إشكال.(24/2)
الزيادة أو الرواية اللاحقة وهي في الصحيحين ولهما: من حديث عائشة: ((كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً)) ((أولئك شرار الخلق)) في رواية أيضاً: ((اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم)) ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم)) وصالحيهم، فيكون الأنبياء بالنسبة لليهود والصالحين بالنسبة للنصارى، على كل حال هذا موجود عندهم، فهم عباد قبور، وأشباههم -مع الأسف الشديد- كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، فالمساجد شيدت على القبور في كثير من أقطار العالم الإسلامي، ويجد الذاهب إلى تلك الأقطار من الحرج الشديد في البحث عن مسجد ليس فيه قبر، وهذه فتنة عظيمة، وليست المسألة مسألة بدعة، المسألة مسألة الشرك الآن، جاء في الحديث حديث أبي مرثد الغنوي في صحيح مسلم: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) فالصلاة إلى القبور ممنوعة، وبعضهم يعلل ذلك بنجاسة تربتها، فيفرق بين المقبرة المنبوشة والمقبرة غير المنبوشة، المنبوشة اختلطت بدماء الموتى وصديدهم فتنجست، وغير المنبوشة لا إشكال فيها، هم نظروا إلى النجاسة الحسية، ولذا يقول بعضهم: لو فرش على أرض المقبرة فراش صحت الصلاة فيه، ولكن الأمر فوق ذلك، المنظور إليه نجاسة الشرك المعنوية، فالصلاة في المقابر لا شك أنها وسيلة إلى الشرك بهؤلاء المقبورين، والأدلة على ذلك من شواهد الأحوال كثيرة، في سائر أقطار العالم الإسلامي ينتسب إلى الإسلام أضرحة شيدت عليها المباني، ودعي أصحابها من دون الله، ولجئ إليهم في أحوال الشدائد، وطيف بها كما يطاف ببيت الله، هناك أضرحة لأناس مشهورين، وهناك أضرحة لأناس مغمورين، وهناك دعاوى لأماكن أنه قبر فيها فلان أو علان، وقد وصلت الفتنة في هذا الباب إلى أن وجد ضريح من أكبر الأضرحة، يسمونه ضريح الشعرة، ضريح الشعرة، شيد بناء كبير على شعرة، وشعرة من؟ حين يزعمون أنها من شعرات عبد القادر الجيلاني، وهذا الضريح يباع التراب والغبار كما يباع الدواء في الصيدليات بل أشد، والماء الذي يدخل تحت الضريح ويخرج من الطرف الآخر يباع كما يباع دهن العود والمسك، وهي شعرة إن صحت، لا شك أن هذه فتنة عظيمة، وجاء التشديد في هذا الباب حماية(24/3)
لجناب التوحيد وسداً لذرائع الشرك.
((لا تصلوا إلى القبور)) فالصلاة في المقبرة باطلة، والصلاة في المسجد الذي فيه قبر قرر أهل العلم أنها باطلة، الصلاة في المقبرة، في المقبرة خرجت بالدليل الخاص من عموم حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وإن قال ابن عبد البر وابن حجر وبعض أهل العلم أن الخصائص لا تقبل التخصيص، الخصائص لا تقبل التخصيص إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: صلِ في المقبرة لماذا؟ لأن حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) لا يقبل التخصيص لماذا؟ قالوا: لأن الخصائص تشريف لهذا النبي العظيم -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تقليل لهذا التشريف، فالخصائص لا تقبل التخصيص، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله -عز وجل- فما الذي يقدم؟ نعم، حق الله -عز وجل-، بلا شك، والصلاة إنما هي لله -عز وجل-، وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك من حق الله -عز وجل-، هذا بالنسبة للصلاة.
قراءة القرآن بدعة في المقبرة، لكن لو قال قائل: إن فلاناً من الناس بقي عليه شيء من ورده، أو من أذكار الصباح والمساء وهو في المقبرة افترض أنه خرج مع جنازة بعد صلاة الصبح أو في آخر النهار وعنده أذكار الصباح والمساء التي مشتملة على الآيات، أو تسبيح أو تهليل أو مزاولة أي عبادة في المقبرة، هل يمنع من هذا أو لا يمنع؟ لا شك أنه بعيد عن وسائل الشرك، فيه شيء من البعد لأنه مربوط بسبب كصلاة الجنازة لكن الاحتياط أولى، ألا يقرئ الورد المشتمل على قرآن في المقبرة، الورد المشتمل على دعاء الأولى ألا يكون في المقبرة حماية لجناب التوحيد؛ لئلا يسمعك أحد ويقول: إن فلاناً –لاسيما إذا كان الشخص ممن يقتدى به- فلان يقرأ القرآن في المقبرة، فلان يدعو الله في المقبرة، وإن كان أصل الدعاء للميت مثلاً ما فيه إشكال، لكن يخشى أن يظن لا سيما من يقتدى به أنه يقرأ القرآن أو يدعو الله عند القبور.(24/4)
الطواف على المقابر بنية التخفيف هناك أرصفة حول المقابر والمقابر باعتبار أنها لا مساكن فيها ولا فيها سيارات مناسبة للمشي والجري ومساحات ومهيأة، وقد وجد من يجري حول المقابر بنية التخفيف لا نية له غير ذلك، لكن منْع هؤلاء حماية لجنابة التوحيد أولى، يبحثون عن مكان آخر؛ لئلا يقال فيما بعد: إن الناس كانوا يطوفون على المقابر وهو لا يعرف ما في نياتهم، لكن يتناقل الناس أنهم يطوفون على المقابر مع وجود الشيخ فلان أو علان ولم ينكر، فمثل هذا يبالغ في منعه؛ لئلا ينفتح باب ولو من بُعد، مثل هؤلاء ينبغي أن يمنعوا، ويبحثوا عن مكان آخر.
أصل الحديث أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتاها في الحبشة، فيها تصاوير وهذه عادة النصارى كنائسهم مملوءة بالتصاوير للمسيح -عليه السلام- ولأمه، وللحواريين وغيرهم، فذكرتا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً، وصوروا تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى)) هؤلاء هم شرار الخلق، فالكنائس مملوءة بالتصاوير، وعباداتهم مقرونة بالمخالفات من الموسيقى وغيرها، ومما يؤسف له أن أماكن عبادات المسلمين لم تنزه من هذا، لا من التصاوير ولا من الموسيقى، تجد الإنسان لا يتورع أن يدخل في المسجد ومعه جريدة مملوءة بالصور، أو يزاول التصوير في المسجد نفسه، وإن كان التصوير المزاول مختلف فيه لكنه تصوير، فمواطن العبادة عندما تشبه بمواطن العبادة عند النصارى تصاوير! وفيها أيضاً موسيقى! ناس يصلون اتجهوا بقلوبهم إلى الله -عز وجل- ثم تسمع الموسيقى من هذه الجولات! هذا أمر عظيم يا الإخوان، يعني إذا كانت الموسيقى ممنوعة في كل وقت ففي وقت العبادة أمرها أشد وأعظم، فينبغي أن يُهتم لذلك، وهذه مسئولية إمام المسجد بالدرجة الأولى، ومسئولية كل من سمع هذا المنكر، من رأى وفي حكمه من سمع منكم منكراً فليغيره بيده، فالسماع له حكم الرؤية.(24/5)
المقصود أنه إذا بلغه المنكر عليه أن ينكر، ولو قيد الإنكار بالرؤية لقلنا: الأعمى ما عليه أمر ولا نهي، فإذا سمع مثل هذه الأصوات المزعجة المحرمة وللجنة الدائمة فتوى في تحريم الموسيقى بما في ذلك ما في الجوالات، المقصود أن المنع من اتخاذ القبور مساجد من باب سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان، فالأمر فيها شديد ينبغي أن يحتاط لهذا الأمر أشد الحيطة، وإذا كان لمن يتعلق بالأولياء نوع شبهة بقصد تبرك وإجابة دعوة هذا الولي لكن هي ليست بشبهة مقبولة، لكن الشيطان لبس بها على كثير من الناس، استطاع الشيطان أن يلبس على مثل هؤلاء، ولبس على آخرين بأن شيدوا الأبنية على قبور الأولياء الشياطين، في تاريخ سيناء -تاريخ مطبوع- صورة لمقبرة فيها من يسمون بالأولياء اللي هم العباد، وفي الصورة لأولياء الشياطين كيف أولياء؟ نعم هم أولياء للشياطين لكن يستحقون أن يصرف لهم شيء؟ يعني إذا كانت الشبهة الشيطانية مشت على كثير من المسلمين بالنسبة للأولياء الصالحين فكيف ينطلي على من له أدنى مسكة من عقل أن يتقرب إلى الله بعبادة هؤلاء أولياء الشياطين، هي فتنة والشرك أمره عظيم، فإذا كان الشرك الأصغر لا يغفر عند جمع من أهل العلم فهو داخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] بما في ذلك الشرك الأصغر لا يغفر عند جمع من أهل العلم، لكنه لا يخلد كصاحب الشرك الأكبر، فأمر الشرك عظيم.
يبقى مسألة هؤلاء الذين يتقربون إلى الله -جل وعلا- ويجعلون هناك وسائط من المقبورين ما حكمهم؟ ما وضعهم؟ هل يعذرون أو لا يعذرون؟ الأئمة -أئمة هذه الدعوة السلفية المباركة- بحثوا هذه المسائل، وأفاضوا في بحثها، من أراد ذلك فليراجع الدرر السنية في الأجوبة النجدية.(24/6)
يقول: "ولهما من حديث عائشة: ((كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً)) " وفيه: ((أولئك شرار الخلق)) ((أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) هؤلاء هم شرار الخلق، ولا شك أن المشرك بلغ الغاية في الشر، بلغ الغاية في الشر، والمنافق تحته في النار -نسأل الله العافية- في الدرك الأسفل من النار، فالكل شرار الخلق، والشرار فيهم الشرير وفيهم الأشر، ومراتبهم ومنازلهم متفاوتة، لكن يجمعهم أن الله -جل وعلا- لا يغفر لهم إذا ماتوا على شركهم {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] وبحث مسائل القبور وما يتعلق بها مستوفى في شروح كتاب التوحيد للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وفي شروح كتب السنة.
البيضاوي له كلام حول الحديث، وتوجيه غير وجيه ولا مقبول، فيقول البيضاوي: "لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها اتخذوها أوثاناً، لما كان أمرهم كذلك لعنهم ومنع المسلمين من ذلك .. " ثم قال: "وأما من اتخذ مسجداً في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه لا لتعظيم له، ولا لتوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد" الحديث عام، يشمل هذا وهذا، نعم عبادة الشخص المباشرة، وسؤاله الحاجات من دون الله -عز وجل- وهو في قبره شرك أكبر، لكن من قال: إن هذا المكان يعني لبس عليه الشيطان أن هذا المكان فيه هذا العبد الصالح، ودعا الله -جل وعلا- عند هذا القبر، أو قرأ القرآن عند هذا القبر، والمدعو والمتوجه إليه هو الله -عز وجل- أخف، لكن يبقى أن هذا أمره عظيم أيضاً؛ لأنه ذريعة للشرك، ذلك هو الشرك، وهذا وسيلة وذريعة إلى الشرك.
المسائل المتعلقة بالباب كثيرة، لكن شروح التوحيد كفيلة في بحث هذه المسائل بالتفصيل، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً, فجاءت برجل, فربطوه بسارية من سواري المسجد" الحديث متفق عليه".(24/7)
بعض المؤرخين ممن عرفوا بسلامة المعتقد، عرفوا بسلامة المعتقد، إذا ترجموا لأحد من العلماء قالوا: إنه قبره في مكان كذا، وأن مشهده يزار، حتى قال بعضهم: إن قبره ترياق، لا شك أن هذا تجاوز، والمؤرخ وإن كان يكتب في التاريخ، والأديب وإن كان يكتب في الأدب، واللغوي وإن كان يكتب في اللغة والنحو والصرف وغيرها، الكل محكوم بأوامر ونواهي إلهية، ولا فصل بين العلوم، أحياناً ابن رجب في ذيل الطبقات يذكر بعض هذه الأمور، الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية يذكر بعض هذا وغيرهم، كأنهم يرون الفصل بين هذه العلوم،، شخص معروف بالعلم والعمل عالم من علماء المسلمين وقاضي ومفتي وعامل -ولا يلزم ذكر اسمه- يؤلف في المجون، لكنه يقول في مقدمته -وأي مجون؟ مجون من أبشع أنواعه وصوره- يكتب في المقدمة: إنه قد ينتقد بعض الناس أن يصدر مثل هذا الكلام من عالم مفتٍ قاضٍ كذا، لكن هؤلاء لا يدرون أن الأدب شيء والعلم شيء، ونحن نقول: أنت مكلف، لا يرتفع عنك قلم التكليف، سواءً كتبت في الأدب أو كتبت في الفقه أو في الحديث أو في التفسير أو غيره من العلوم، فأنت مكلف، قلم التكليف يجري عليك في كل وقت، وفي كل ظرف، أنت مؤاخذ ومحاسب لما تقول، يعني إذا كان هذا من أهل العلم فما بالكم بمن كان جهده كله منصب للأدب ولا عرف بعلم ولا بعمل، بل عرف بالفسق، وعرف بنعيه على من يغفل جانب المجون، حينما كتب مقدمة لزهر الآداب وزهر الآداب من أفضل كتب الأدب وأصفاها كتب يعتب عليه يقول: إنه أغفل جانب مهم من جوانب الأدب وهو المجون، في كلام قبيح، يقول: "إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالصاً" على كل حال مثل هذا ما نشرح عليه لكن عالم قاضٍ مفتٍ معروف بالعمل، معروف بكلماته الوعظية المؤثرة، بقصائده، ويكتب مثل هذا الكتاب، لا شك أن هذه زلة، زلة.(24/8)
ويكتب آخر كتاباً في جانب من أقبح جوانب الأدب ويؤدي دور القنوات إلا أنه مقروء، ويقول: إنه ألف هذا لم يستعمله على الوجه الشرعي يعني مع زوجته، لا لمن يستعمله في الحرام، إسفاف في القول، المقصود أن الإنسان إذا كتب عليه أن يتقي الله -جل وعلا- فيما يكتب، هل هذه الكتابة تنفعه يوم القيامة أو لا تنفعه؟ فضلاً عن كونها تضر.
ونحن نقول: إن المؤرخين لا يبرءون من العهدة إذا فصلوا بين التاريخ والعلم، فإذا مروا بقبر يزار أو مشهد يدعى عنده أو يستشفى بترابه لا بد أن يبينوا، والعتب على مثل الحافظ ابن كثير والذهبي، ابن رجب، مثل هؤلاء أئمة في التحقيق، الشيء الموجود عندهم يسير، لكن عند غيرهم كثير، إذا فات هذا على صاحب الكتاب فلن تبرأ عهدة المحقق، فمثل هذا لا بد أن ينبه عليه، قبر فلان ترياق إيش معنى ترياق؟ يعني علاج يستشفى به، هذا إقرار لهذا العمل الخبيث.(24/9)
الحديث حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً فجاءت برجل" هو ثمامة بن أثال، ثمامة بن أثال، وقصته في الصحيحين، "فجاءت برجل فربطوه بسارية المسجد" ربطوه، وهذا من فعل الصحابة، لكنه بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يمر به ثلاثة أيام، فأقرهم على ربطه في المسجد، وفي ذلك دليل على جواز ربط الأسير، الأسير يربط، ولا يقال: إن مثل هذا يخالف القوانين والأعراف الدولية، لا، الأسير يربط، وأيضاً يربط في المسجد، وفي هذا دليل على جواز دخول الكافر المسجد لكنه للحاجة، وليست لحاجته هو، إذا احتيج إلى ربطه في المسجد يربط في المسجد، على أنه لا يجوز له أن يدخل المسجد الحرام بحال {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] لا شك أن المسجد الهدف من بنائه لذكر الله -عز وجل- وطاعته، وأعمال البر والإحسان، لكن إذا احتيج إلى ربطه في المسجد لعدم وجود مكان ملائم من سجن أو غيره فإنه لهذه الحاجة يربط في المسجد، إذا كان الكافر له حاجة في المسجد الحاجة ليست للإسلام، المصلحة للإسلام والمسلمين هل يمكن من الدخول في المسجد؟ الآن تجدون كثير من قائدي السيارات عند الأسر إذا ذهبوا لإحضار الأولاد في الظهر بدلاً من أن ينتظروا -لا سيما إذا كان المسجد بجوار مدرسة- يدخلون المسجد ويجلسون، هل يمكن من هذا أو لا يمكن؟ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] والنص في المسجد الحرام {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] فهل يمكن النجس من اتصف بهذا الوصف .. ، دخول المسجد الحرام في النص قطعي لأنه منصوص عليه، لكن هل يمكن مع اتصافه بهذا الوصف -نجس- أن يدخل مواطن العبادات؟ الوصف يمنعه من دخول المساجد {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] لكن الحاجة كما في حديث ثمامة هو مشرك ربط في المسجد، فإذا وجد مثل هذه الحاجة للمصلحة العامة، لمصلحة الدين وأهله لا بأس، لكن لمصلحته الخاصة، وهل الكلام موجه إليه أو إلى المسلمين من أجل منعه؟ شخص كافر له دين على مسلم(24/10)
والمسلم في المسجد وهذا المسلم بقاؤه في المسجد من أجل أن ينصرف الدائن، هل يقال له: ادخل لتقاضي خصمك أو نقول: انتظر حتى يخرج؟ الأصل أنه نجس والنجس لا يقرب أماكن العبادات.
لكن الحديث يدل على أنه إذا كان هناك حاجة للمصلحة العامة لا مانع حينئذٍ، لو قبل أن يعلن إسلامه أراد شخصاً يشهر إسلامه على يديه وقيل: الشيخ فلان هذا جالس في المسجد لا مانع من أن يدخل، هذه مصلحة راجحة، ويقاس على هذا ما في معناه، كثير من الشركات عندهم عمال كفار في مسجد يحتاج إلى ترميم وصيانة هل يقال: هذه مصلحة يدخل الكافر يرمم المسجد أو يشغل بعض الآلات الدقيقة التي لا يستطيع المسلم تشغيلها؟ هذه مصلحة لكن شريطة ألا يوجد مسلم يقوم مقام هذا الكافر، والأمور تقدر بقدرها.
الحديث الذي يليه:
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن عمر مر بحسان ينشد في المسجد فلحظ إليه, فقال: "قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك" متفق عليه".
"عنه" أي عن أبي هريرة راوي الحديث السابق "أن عمر -رضي الله عنه- مر بحسان" وعمر عرفت شدته في الحق وغيرته على الدين "مر بحسان وهو ينشد في المسجد" يعني حال كونه ينشد في المسجد "فلحظ إليه" نظر إليه نظر إنكار، فهم حسان -رضي الله عنه وأرضاه- "فقال: كنت أنشد -فيه- وفيه من هو خير منك" يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالشعر يجوز إنشاده في المسجد لفعل حسان بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء النهي عن تناشد الأشعار في المسجد عند أبي داود والنسائي وغيرهما، وهو حديث مقبول، يصل إلى درجة الحسن، لكنه محمول على الأشعار التي في ألفاظها ما فيه مما يقتضي المنع، أما الأشعار النافعة أو المباحة الألفاظ هذا لا بأس بها، يعني إذا كان المتن الذي يدرس في المسجد شعر، أراد شخص أن يشرح كتاب في علم من العلوم وهو نظم، في أي علم من العلوم هل نقول: نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تناشد الأشعار؟ أو نقول: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك؟(24/11)
فحديث أبي هريرة في قصة عمر مع حسان دليل على جواز إنشاد الشعر المباح في المسجد، المباح فضلاً عن أن يكون نافعاً متضمن لعلم من العلوم، شخص يبي يدرس نونية ابن القيم نقول: لا يا أخي هذا شعر، هذا شعر وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تناشد الأشعار؟ نقول: لا، كان حسان ينشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر عليه.
لكن المعلقات مثلاً وفيها الفخر، وفيها وصف الخمر، وفيها أشياء ممنوعة، نقول: نهى عن تناشد الأشعار، وإن كانت من الناحية اللغوية فيها شيء من الفائدة، لكن الفائدة التي فيها مغمورة بالنسبة لما تشتمل عليه فنقول: فائدتها تستفاد خارج المسجد، قد يقول قائل نونية ابن القيم فيها بعض ما يلاحظ في مقدمتها ومطلعها تشبيب كعادة الشعراء، نقول: هذا شيء مغمور، تدرس نونية ابن القيم بلا إشكال في المسجد، غيرها من المنظومات العلمية، منظومة ابن عبد القوي في الفقه أو في الآداب كل هذه منظومات نافعة، في اللغة العربية، في النحو، في الصرف، في الفرائض، المقصود أن الشعر كلام .. ، كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فما كان منه من نوع الحسن لا مانع من تناشده بالمسجد.
بعض أهل العلم يبطل الخطبة، خطبة الجمعة إذا اشتملت على شيء من الشعر، والجمهور على جواز ذلك إذا كان فيه مصلحة من هذا الباب أن الشعر كلام، ولم يرد فيه نص بعينه فهو كلام، لكن الخطبة لا تتأدى بالشعر، يعني لو كانت كلها منظومة، مشتملة على المواعظ، ومضمنة للأبيات والأحاديث لا تجزئ خطبة؛ لأن الخطابة فن يختلف عن فن الشعر، نعم.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك, فإن المساجد لم تبن لهذا)) رواه مسلم".(24/12)
نعم، هذا الحديث "وعنه" يعني عن أبي هريرة كسابقه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد)) ينشد: يعني يرفع صوته بالسؤال عما فقده، وضل عنه، وسواءً كان هذا المفقود في المسجد أو خارج المسجد، المقصود أنه لا ينشد ولا يبحث عن الضوال في المسجد، فإذا سمع مثل هذا مثلاً يقول: من رأى ساعة ضاعت فيه؟ فليقل: لا ردها الله عليك, من رأى البوك وفيه النقود والإثبات وغيره لا ردها الله عليك، اخرج خارج المسجد وأنشد كما شئت، لكن لو وجد حلقة الدرس وجاء الطلاب لكتبهم ليحجزوا الأماكن وهم في المسجد يؤدون الصلاة في جهة من المسجد والدرس في جهة، وبعد أن صلوا جاء واحداً منهم ما وجد كتابه في مكانه، فقال لزميله: أين كتابي؟ هل يقول: لا رده الله عليك؟ يتصور هذا، هذا ما هو بمتصور؟ الكتب في الأرض حتى تنتهي الصلاة يأتون كل واحد إلى مكانه الذي حجزه، واحد ما وجد كتابه يسأل زميله أين كتابي؟ هل يقول: لا رده الله عليك؟ أصل مادة الإنشاد مصحوبة برفع صوت، هو طلب مع رفع الصوت، فلو قال لزميله: أين كتابي؟ ماذا يقول زميله؟ بماذا يرد عليه زميله؟ لأن عندنا: ((فليقل)) هذا أمر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ماذا يقول؟ هو يبحث عن كتابه، وكتابه قد ضل حكماً فهو ضالة، وسؤاله عنه طلب إلا أنه بصوت منخفض نعم، نعم يا .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هذا من وسائل الآخرة، يعني يختلف عن أمور الدنيا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا كان المنظور لقيمته العلمية، هذا كتاب نفيس وعليه تعليقات لا توجد في غيره من قبل صاحبه، أما إذا كان مجرد كتاب يذهب إلى المكتبة ويشتري غيره فهو من أمور الدنيا ما يختلف، يكون سهل يعني؛ لأن الملحوظ ثمنه، أما إذا كان عليه تعليقات من الطالب نقلاً عن شيخه، هذا المسئول عنه العلم ليس الكتاب.
على كل حال إذا خلا ذلك عن رفع الصوت، وكان الهدف الدين والدنيا لم ينظر إليها بوجه من الوجوه فالأمر أخف.
هنا يقول: قد يأتي في. . . . . . . . . لأنه قدم السين على الفاء، بيان كلمة أو لفظة فيستشهد بها، وقد يكون هذا البيت المستشهد به غزل أو هجاء كالبيت الذي يذكر عند تعريف الكتاب:(24/13)
لا تأمنن فزارياً خلوت به ... . . . . . . . . .
... البيت، وغير ذلك، الأبيات كثيرة من هذا النوع، فهل يكرم المسجد عن مثل هذه الأبيات؟ يكرم المسجد عن هذه الأبيات؟ أو يقال: هذا لبيان العلم وما كان في بيان العلم فهو علم ويتجاوز فيه؟ وإن أمكن الدلالة عليه من غير تصريح فقيل: يدل على ذلك البيت في هجاء بني فزارة، والطالب يبحث عنه بطريقته، أو يسأل عنه في مكان آخر فهو أكمل، أكمل وإلا فكتب أهل العلم مشحونة بمثل هذه الأبيات، فالشعر ديوان العرب، الشعر ديوان العرب، يفسرون به كتاب الله، ويشرحون به الأحاديث، فلا بد من مرور مثل هذه الأبيات في العلوم كلها.
يقول: ما قولكم فيمن ينشد ضالته في مصلى العيد وغيره من المصليات؟ وهل هناك فرق بين المصلى والمسجد من حيث عدد الصلوات؟ وهل حكمها واحد أم أن المصلى يخرج من بعض الأحكام المساجد من تحريم وغيره؟
المصلى -مصلى العيد- إذا عرفت حدوده، وسمي بهذا المسجد فإنه مسجد، ولذا جاء في الحديث في الصحيحين وغيرهما في أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد وفيه ((وليعتزل الحيض المصلى)) دل على أنه مسجد، كونه لا يصلى فيه إلا مرة أو مرتين في العام لا يخرجه عن كونه مسجد، فمسجد نمرة كم يصلى فيه في العام؟ مرة واحدة، وهو إجماع مسجد، فلا عبرة بإقامة جميع الصلوات إنما يصلى به عند الحاجة، وحدوده معروفة ومعالمه ظاهرة مسجد، لكن إذا كانت صحراء ليست لها حدود المسجد ولا معالمه كمصلى الجنائز مثلاً هذا لا بأس به، هذا ليس بمسجد يختلف.
وفي الحديث دليل على تحريم السؤال عن الضالة في المسجد سواءً كانت من الحيوان أو غيره من المتاع، من النقود أو غيره، إذا كان المحفوظ فيه أمر الدنيا، طيب، مثلنا بكتاب لو جاء واحد يبي يحجز مكان في الدرس قريب من الشيخ وضع الشماغ، أو بكر إلى الجمعة والصف الأول ما فيه ما يريح الجالس وضع شماغه في الصف الأول وإلا عصاه وتأخر ليسند ظهره لحاجته إلى ذلك، إن تقدم مع إقامة الصلاة قال: وين شماغي؟ وين عصاي؟ نقول: لا ردها الله عليك؟ نعم يا الإخوان؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(24/14)
ما لقاه، ما لقاه ضال، إذا لم يجدها فهي ضالة، إذا لم يجدها فهي ضالة، نعم، قلنا: الكتاب لا سيما إذا كان معتنىً به ولا نظير له في السوق من أمور الآخرة، ماشي، لكن من حجز مكان بشماغ أو بعصا في ظرف يسوغ له فيه الحجز وإلا فأصل الحجز ممنوع، من تقدم إلى مباح، من سبق إلى مباح فهو أحق به، والحجز في المساجد أمره ليس بالسهل، لا سيما في الأماكن التي يستوي فيها الحاضر والباد {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحج] الملازم للمكان، والباد الذي يأتي ليصلي فرض ويرجع، فليس أحد بأولى من أحد، بل هو لمن سبق، نعم إذا كان الشخص داخل المسجد فقد تقدم ويستحق المكان المتقدم لتقدمه في الحضور، سبق إلى هذا المكان وكونه انتقل إلى مكان يريحه داخل المكان له الأحقية؛ لأنه قريب من مكانه، أما شخص يضع عصاه من صلاة الصبح إلى الجمعة، أو يبعث ولده أو خادمه يحجز له مكان، لا، تعدي؛ لأن من يحضر قبله أولى منه بهذا المكان، فإذا فقد العصا أو الشماغ هل له أن يسأل عنه؟ قد عرفنا أن نشدان الضالة النشيد لا بد فيه من رفع الصوت، النشيد والإنشاد والنشدان كلها مع رفع الصوت، يعني لو همس في أذن جاره قال: يا أخي ما شفت الشماغ؟ وين الشماغ؟ نعم يكون بحث عن أمر دنيا وإلا .. ؟ أو نقول: قصده في بحثه هذا الصلاة في الصف الأول وهذه قربة، الأمور بمقاصدها، إذا كان يسأل عن العصا لذات العصا شيء، إذا كان يسأل عن العصا باعتباره يمكنه من الصلاة في الصف الأول هذا شيء آخر، هذا أمر من أمور الآخرة، على أنه إذا سأل سؤال خفيف همس في أذن جاره لا يسمى إنشاد، بعضهم نظر إلى معنى الإنشاد وهو رفع الصوت، فمنع تعليم الصبيان القرآن في المسجد، قال: لأنهم يرفعون أصواتهم في المسجد، يرفعون أصواتهم في المسجد، أيضاً المعلم يحتاج له رفع صوت، يُمنع العلم؟ المنع لا وجه له؛ لأن حديث: ((جنبوا صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم المساجد)) هذا حديث ضعيف جداً، نعم على داخل المسجد أن يتأدب فإذا كان في طريقه إلى المسجد عليه أن يمشي بالسكينة والوقار، ولا يسعى إلى الصلاة إنما عليه أن يمشي وعليه السكينة، فإذا دخل المسجد من باب أولى، لكن(24/15)
الصوت إذا احتيج إليه في تعليم علم، أو تحفيظ قرآن، أو خطبة جمعة، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع صوته، يحمر وجهه -عليه الصلاة والسلام- حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، فرفع الصوت بالعلم لا بأس به، وإذا كان للعلم وطُلب له رفع الصوت للحاجة إليه استوى في ذلك المسجد وخارج المسجد، نعم.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) رواه النسائي والترمذي وحسنه".
إذا قلنا: نِسائي نسبة إلى إيش؟ إلى النساء، وإذا قلنا: نَسائي نسبة إلى بلدة، بلده يقال له: نَسا، وهو من نَسا، وإذا قلنا: نِسائي وقد عرف الإمام بذلك، الإمام النسائي -رحمة الله عليه- عرف بكثرة علاقته بالنساء، المقصود أن في ترجمته ما يدل على ذلك، وهو إمام على كل حال، والنسبة إلى البلد، النسبة إلى البلد فهو مفتوح النون.
"وعنه" أي أبي هريرة، تلاحظون وعنه وعنه وعنه بالنسبة لأبي هريرة ما لا نظير له عند غيره من الصحابة لأنه حافظ الأمة، حافظ الأمة، ولذا أعداء الإسلام إذا أرادوا أن ينتقدوا الدين بأسلوب غير مباشر، أو أرادوا أن يهدموا الدين بأسلوب غير مباشر طعنوا في أبي هريرة؛ لأنه يحمل نصف الدين، والعدو يعرف كيف يطعن؛ لأنه إذا طعن في الدين مباشرة لا تنطلي شبهته على السذج وأهل الغفلة، لكن إذا غلف هذا الطعن مشى على بعض الناس، تلاحظون وعنه وعنه كم حديث مر علينا وعنه؟ لا يوجد لغيره من الصحابة مثل هذه المزية، وقد دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- وبسط رداءه وما نسي، فهو أحفظ الصحابة على الإطلاق.(24/16)
"وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع)) " يبيع سلعة في المسجد ((أو يبتاع)) أو يبتاع: يعني يشتري ((في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) هذا الحديث مخرج في السنن، سنن الترمذي، وهو في عمل اليوم والليلة للنسائي، ومصحح من قبل جمع من أهل العلم، وهذا يدل على منع البيع والشراء في المسجد، منع البيع والشراء في المسجد؛ لأن المساجد ما بنيت لهذا، الدعاء عليه بأن الله -سبحانه وتعالى- لا يربح تجارته كالدعاء على من ينشد ضالة: ((لا ردها الله عليك)) هذا من باب التعزير له؛ لأنه ارتكب أمراً محرماً فيستحق هذا الدعاء، فيستحق هذا الدعاء، لا أربح الله تجارتك، فدل على تحريم البيع والشراء في المسجد.
المفاوضة في المسجد وإبرام العقد خارج المسجد، البيع إنما يطلق ويراد به الإيجاب والقبول لا مقدماته، إذا كانت مقدمات البيع تستغرق وقتاً طويلاً جلسوا بعد صلاة العصر أنا عندي لك كذا، أنا عندي لك سيارة، أنا عندي لك بيت، هذا وصفه سين كذا، إلى أن بقي إبرام العقد وهو الإيجاب والقبول خرجوا من المسجد، هل نقول: إن هذه وسائل والوسائل لها أحكام المقاصد فيمنع حتى هذا؟ أو نقول: إن هذه لا يسمى بيع، هذه مفاوضة؟ هذه لا تسمى بيع والخبر جاء فيمن يبيع أو يبتاع؟ يعني لو قال طالب لزميله: ما شاء الله من أين أحضرت هذه النسخة؟ قال: عندي لك نسخة، عندي لك مثلها، لكن إذا انتهى الدرس وخرجنا من المسجد، هذه وسيلة للبيع، لكن هذه تختلف عن المفاوضة بكم؟ وكم تنزل؟ بنسبة كم؟ هذه تختلف.
وعلى كل حال المسجد لم يبنَ لهذا، لو حصل البيع عندي لك نسخة بمائة ريال، قال: أديك تسعين، يقول: لا، لا بخمسة وتسعين، ويتفقون ويدفع القيمة ويأخذ الكتاب، ارتكب كل منهما أمراً محرماً، واستحقا الدعاء عليهما، لكن هل يصح البيع أو لا يصح؟ يعني انعقد البيع أو لا ينعقد؟ ينعقد وإلا ما ينعقد؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
مع وجود النهي؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(24/17)
البيع باطل؟ الإثم ما فيه خلاف، الإثم ارتكب كل منهما أمراً محرماً فلا إشكال فيه، كل منهما آثم ومستحق لهذا الدعاء، لكن هل ينفذ البيع أو لا ينفذ؟ ينعقد وإلا ما ينعقد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مطلقاً، كل نهي يقتضي الفساد؟ متى يقتضي النهي الفساد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه، نعم، وهل هناك .. ، هل هنا النهي يعود إلى ذات العقد أو إلى شرطه؟ أو إلى أمر خارج عن ذاته وشرطه؟ أمر خارج، إلى أمر خارج، فالبيع ينعقد حتى قال الماوردي: "اتفاقاً"، ينعقد اتفاقاً، وهذه قاعدة أهل العلم فيما إذا كان النهي يعود إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإنه يبطل مع الإثم، أما إذا عاد إلى أمر خارج فالإثم مع انعقاد العقد والبيع.
الظاهرية عندهم أن كل نهي يقتضي الفساد، كل نهي يقتضي الفساد، ولو كان لا يعود إلى ذات المنهي عنه ولا إلى شرطه لو مع انفكاك الجهة، يعني من صلى وفي يده خاتم ذهب، أو على رأسه عمامة حرير صلاته صحيحة عند الجمهور، وباطلة عند الظاهرية؛ لأن صلاته اشتملت على قربة ومعصية في آن واحد، قربة ومعصية في آن واحد، وعرفنا أن الجمهور أنه ينعقد، ونقل الماوردي الاتفاق على أنه ينعقد، يعني مثله البيع بعد النداء الثاني يوم الجمعة، مثله البيع على البيع والشراء على الشراء، الخطبة على الخطبة، النهي كله لأمر خارج عن المنهي عنه فالتحريم ثابت.
يقول: إذا حدد درس في طلب العلم بمبلغ من المال هل يعد ذلك من التجارة والاستئجار والبيع؟
نعم إذا كان التحديد .. ، جئت إلى شخص في المسجد وقلت له: أقرأ عليك هذا الكتاب بكم؟ فقال: مائة ريال، بألف ريال، هذا له حكم البيع، لكن إذا عرفت من حال هذا الرجل أنه يأخذ الأجر على التعليم وعلى التحديث وقبلت وأقدمت وأعطيته الأجرة هذا ليس بعقد، ليس بعقد، ولو كان السداد والوفاء بالمسجد.
ما حكم البيع داخل حدود المسجد؟
يعني داخل أسوار المسجد هذا هو البيع في المسجد.
يقول: إذا قام أحد المصلين بدفع نقود لآخر وهو قضاء دين يوم الجمعة في المسجد والإمام يخطب فكيف يكون إنكار ذلك مع أن الإمام لم ينتبه لذلك؟(24/18)
لا ينكر عليه، لا ينكر عليه إلا بعد الصلاة، هو من فعل ذلك فقد لغى؛ لأنه أشد من مس الحصى، وللإمام أن ينكر، أما من عداه فعليه أن يسكت.
يقول: ما حكم رفع الصوت بطلب المال بعد الصلوات في المسجد؟
إيش طلب المال يعني سؤال الناس؟ يقوم رجل محتاج ويبين حاجته للناس بعد الصلاة.
وهل يقاطع كلامه وينهى عن الطلب أم يترك حتى نهاية كلامه؟
إذا منع الإنسان من طلب ماله الذي فقده فلأن يمنع من طلب ما ليس له من باب أولى، لكن نحن بين أمور: منها: أن هذا الشخص يطلب دنيا، وإن كان السؤال مباح بالنسبة له لحاجته، ومنها: أنه يقاطع المصلين وينازعهم في أذكارهم، إذا قام بعد الصلاة مباشرة ويشوش عليهم، وعندنا أيضاً ما جاء في نهر السائل {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] فنحن بين هذه الأمور على من يسمعه لا سيما إمام المسجد أن يسدد ويقارب، بمعنى أنه يرعى لهذا الشخص الذي نهينا عن نهره، يرعى له حقه، ويوجه التوجيه الحسن المقبول، وعلى السائل أيضاً ألا يقاطع الناس أذكارهم، بل يجلس في مكان يعرف فيه أنه محتاج، فعلى الجميع مسئولية، مسئولية الإمام وهي التوجيه، توجيه الناس إلى ما ينفعهم ولا يضر غيرهم، وعلى هذا السائل أيضاً أن يتأدب بالأدب الشرعي، فالإمام بأسلوبه وطريقته التي يرعى بها حرمة هذا الرجل الذي على الجميع احترامه، وعلى الجميع رفع ما به من ضر وحاجة، نعم فهو مأذون له في أن يسأل لحاجته، ومفروض على الغني الزكاة في أن يعطي هذا وأمثاله، لكن بما لا يعارض مصالح الآخرين، ولا شك أن تمام الأذكار المتعلقة بالصلاة من مصلحة المصلي، فعلى الإمام أن يسدد ويقارب يصرفه بأسلوب مناسب، وبطريقة حسنة، يلاحظ شعوره ومسكنته وحاجته، ولا ينهره، ولا يوبخه، ولا يكون الأسلوب أسلوب متضمن لاستهزاء أو سخرية أو نهر ورفع صوت عليه؛ لأن هذا الشخص الذي يتعرض لهذا المسكين لا يدري عله في يوم من الأيام أن يقف نفس الموقف، فعلينا جميعاً التسديد والمقاربة.
من وضع ورقة داخل المسجد مكتوب فيها النشد عن ضالة فهل يدخل ... ؟(24/19)
يعني يكتب ورقة إعلان يبحث عن ضالته الحكم قريب من ذلك، الحكم واحد، وإن كان الأصل في نشدان الضالة رفع الصوت فهذا مثله، يبقى أنه إذا وجد الإمام ضالة في المسجد هل يعلن عنها أنه وجد كذا وكذا في المسجد؟ يعني هل المنع لصاحب الضالة أن يبحث عنها في المسجد أو المنع يشمل من وجد الضالة أن يسأل عن صاحبها؟ من وجد الضالة وسأل عن صاحبها هذا محسن، هذا محسن، لكن لو كان الإعلان خارج المسجد كان أحوط وأفضل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(24/20)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (11)
تابع شرح: باب: المساجد
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
"وعن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد, ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود بسند ضعيف".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حكيم بن حزام معروف من أشراف قريش، من مسلمة الفتح، عُمِّر مثل حسان الذي سبق، عاش مائة وعشرين سنة، على ما يقال: ستون منها في الجاهلية وستون في الإسلام، يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد, ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود بسند ضعيف".
المصنف في التلخيص قال: إسناده لا بأس به، ولذا حسنه جمع من أهل العلم، وممن حسنه الألباني في إرواء الغليل، فإذا وصل الحديث إلى درجة الحسن، قال الحافظ: إسناده لا بأس به، وقال الألباني: هو حديث حسن، صار صالحاً للاحتجاج فلا تقام الحدود في المساجد، لا يجلد الشارب، ولا يقطع السارق، ولا يرجم الزاني في المسجد، وذلكم بأن هذه الحدود في أثناء إقامتها لا بد من مزاولة ما يخل بما ينبغي للمسجد من حق الاحترام، فالمسجد مكان معظم شرعاً جاءت النصوص الدالة على أنه مما يحترم ولا يمتهن، فمزاولة هذه الأمور في المسجد، إقامة الحدود، الجلد مثلاً في المسجد يترتب عليه ما يترتب من الإخلال بحرمة هذا المكان، هذا إذا كان جلد فكيف إذا كان رجماً وقطعاً وما أشبه ذلك؟!
((ولا يستقاد فيها)) لا يستقاد في المساجد من الجاني، لا يقتل القاتل، ولا يقتص من الجاني في المسجد؛ لما ذُكر في الحدود؛ لأن هذه الأعمال تتطلب أثناء تنفيذها مما يخل بأدب المسجد وما ينبغي له من تعظيم، وعلى كل حال الحديث لا يسلم من مقال، واضطرب فيه قول الحافظ ضعف إسناده هنا، وفي التلخيص قال: إسناده لا بأس به، والألباني -رحمه الله- حسنه وهو قابل للتحسين، قابل للتحسين، فمثل هذه الأمور لا تقام في المسجد، لا إقامة الحدود ولا الاستقادة من الجناة، لا يستقاد، لا يقام القود في المساجد لما عرفنا، نعم.(25/1)
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" متفق عليه".(25/2)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أصيب سعد" بن معاذ، سيد الأنصار، أصيب "يوم الخندق" بسهم في أكحله "فضرب له النبي -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" لأنه أصيب في سبيل الله، فإذا كانت عيادة المريض مشروعة بل قيل بوجوبها فلأن يعاد من كانت شكواه بسبب الدين، ورفع راية الدين، ونصر الدين تعين حقه، إذا كانت زيارة المريض مشروعة من جهة واحدة فمثل هذا شرعيته من جهات، فأصيب سعد بن معاذ يوم الخندق في السنة الخامسة من الهجرة فمات بعدها بشهر من إصابته، فضرب عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب له أو ضرب عليه -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد، فدل هذا على جواز مثل هذا الفعل ضرب الخيام عند الحاجة للمريض وللمعتكف إذا لم يكن هذا العمل عائقاً دون تحقيق الهدف الأصلي من إقامة المسجد، لكن لو وجد مجموعة من المرضى كلهم أصيب في سبيل الله، عشرة عشرين مريض، وأراد كل واحد يضرب خيمة، وما تركوا مجال لمزاولة المسجد ما أنيط به من أعمال شرعية، الأصل موجود النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب الخيمة لسعد، هذا أصل شرعي لجواز مثل هذا العمل، لكن إذا عاق مثل هذا العمل دون تحقيق هدف المسجد ورسالة المسجد، فإنه إذا لم يمكن تقليل مثل هذا العمل الذي بحيث يوفى بين جميع الأمور المشروعة فالمصلحة العامة مقدمة على الخاصة، لو أراد جمع من النسوة كما فعل أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- الاعتكاف، وضربنا الأخبية، وضيقن على المصلين، قال: شيلوه، شيلوا أخبيتكم، إن ما يكفيكم خباء واحد أو اثنين بحيث لا تضيقون على المصلين وإلا .. ، هذا الأمر متعذر؛ لأن الهدف الأصلي من إقامة المسجد هو للرجال، لكن أصل هذا العمل مشروع ما فيه إشكال، فإذا تعارضت المصالح قدم أعلى هذه المصالح، وإذا وجدت المفاسد درئت أعلى المفاسد وهكذا، وهذا أمر مقرر في الشرع، قد يكون الأمر مشروع أو على أقل الأحوال في الشرع ما يدل على جوازه وإباحته، إذا وجد أذى للمصلين من الأطفال وكان الأطفال يُحضَرون إلى المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ويسمع بكاء الصبي، لكن وجد من هذا الصبي أذى للناس ما يُمنع؟ وإن كان الأصل على .. ، أو الدليل على جواز دخوله(25/3)
المسجد قائم، شخص يدخل بصبيه الذي لا يميز ولا يعقل ويصف مع الناس -الأب- ويترك الولد يمزق المصاحف، ويمتهن كلام الله -عز وجل-، يترك مثل هذا بناءً على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع صياح الصبي؟ يُمنع؛ لأنه إذا تزاحمت الأوامر والنواهي لا يمنع أن يمنع هذا درءاً لمفسدته، فيمنع المباح إذا ترتب على مفسدة، إذا اشتمل على مفسدة فيمنع من هذه الحيثية، وهكذا الأخبية والخيام إذا كثرت، كل واحد يبي يجيب مريضه في المسجد على شان إيش؟ يقول: والله على شان هؤلاء الصالحون إذا دخلوا للصلاة يدعون لهم وإلا ينفثون عليهم وإلا شيء لن يعدموا الخير، لكن ضيقوا على الناس يمنعون، والله المستعان، وإلا فالأصل أنه يجوز أن يضرب الخباء وللمريض، والمريض أيضاً الذي يخرج منه ما يخرج مما يلوث المسجد مع إزالته فوراً، وأيضاً يجوز النوم في المسجد، يجوز النوم في المسجد للذكر والأنثى على ما سيأتي مع أمن الفتنة، مع أمن الفتنة، نعم.
"وعنها قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد" .. الحديث، متفق عليه".
"وعنها" يعني عن عائشة -رضي الله عنها- راوية الحديث السابق "قالت: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني" كيف رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يسترها؟ لو شخص آخر قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستر عائشة نعم، لكن رأيته يسترني، يعني جعل نفسه ساتراً بيني وبين هؤلاء الحبشة، صار سترة وستارة بينها وبين هؤلاء الحبشة الذين يلعبون في المسجد، وكان لعبهم بالحراب والدرق، لا يستدل بهذا من يستدل لصبيان الأحياء والحارات أن يلعبوا الكرة في المسجد، يقول: ما في أنسب من حوش المسجد، ولا سيارات ولا عليهم خطر، ولا .. ، الحبشة يلعبون في المسجد، يقول: هؤلاء صبيان ويش اللي يمنع؟ ذولاك حبشة وهؤلاء أهل البلد ليش ما يلعبون في المسجد؟ نقول: لا، يلعبون بالحراب والدرق للتمرن على الجهاد، يعني إذا وجد من يتعلم ويتمرن على الجهاد في المسجد نعم له أصل، أما عبث في المسجد ممنوع، المساجد لم تبن لهذا.(25/4)
في رواية عند البخاري: "وكان يوم عيد" والعيد لا شك أنه يوم فرح وسرور، ويتجاوز فيه ما لا يتجاوز في غيره، وأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بشيء من هذا ليعلم العدو أن في الدين فسحة، وليس في هذا أيضاً دليل أن يتنازل عن شيء مما يطلبه الدين مراعاةً لحال العدو، إنما يكون هذا في حدود المباح، في حدود المباح، أما أن يرتكب المحرم ويتنازل عن الواجب لنظهر للعدو أن عندنا شيء من قبول ما يمليه علينا أو شيء من التسامح والتساهل في أمر ديننا والتنازل من أجل إرضاء العدو لا، ديننا دين اليسر، إن الدين يسر، ((بعثت بالحنيفية السمحة)) ((لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) المقصود أن هذه سمة الدين، لكنه أيضاً هو دين تكاليف، دين حلال وحرام، دين منع وإلزام، لكن هو في كل ذلك دين يسر وسهولة، لم يكلف الناس بألف ركعة في اليوم؛ لأنه دين سهولة، لكن لا يجعل الناس فلت، لا يأتمرون بأوامر ولا ينتهون عن نواهي، يستدل المستدل بأن الدين يسر أنه يفعل ما يشاء لا، أقول: هو دين تكاليف، والتكليف إلزام ما فيه كلفة، وحفت الجنة بالمكاره، لكن لا يعني هذا أنه يكلف الإنسان ما لا يطيق، ويحمله ما لا يستطيع ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) .. إلى آخر الحديث {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] كل هذا موجود في الشريعة، لكن ليس بدين انفلات وتنصل عن التكاليف، فالدين فيه فسحة، والعيد فيه مزيد من هذه الفسحة في حدود المشروع على ألا يتعدى ذلك إلى ما حرمه الله -عز وجل-، وبقدر ما فيه من فرح هو أيضاً يوم شكر لله -عز وجل- على إتمام عبادة قبله، فعيد الفطر يوم شكر لله -عز وجل- على إتمام نعمة الصيام، ويوم عيد الأضحى يوم الحج الأكبر شكر على ما أنعم به فيما قبله من أيام هي أفضل أيام العام ((ما من أيام العمل فيها خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) بما في ذلك المناسك، مناسك الحج وغيرها من العبادات لغير الحجاج.(25/5)
المقصود أنه يوم شكر، يوم العيد يوم فرح صحيح، لكنه أيضاً يوم شكر، بمعنى أن الإنسان يكون معتدلاً في تصرفاته، لا يكون يوم عرفة منقبض صائم متضرع إلى ربه متذلل مخبت إلى الله -عز وجل-، يرجو نفحات الله -عز وجل- عشية عرفة ثم إذا جاء يوم العيد انفلت من كل قيد، لا، هو في يوم العيد عنده فسحة لا يجوز له أن يصوم، ومع ذلكم في حدود ما شرعه الله -عز وجل-.
فكون الحبشة هؤلاء يلعبون في المسجد في يوم عيد يظهرون هذا الفرح والسرور، يلعبون بالحراب والدرق إظهاراً لقوة الإسلام، وأن الإسلام دين جد وعمل.
على كل حال "يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة" فيجوز مثل هذا العمل في المسجد، ولا يستدل به على تجاوز المشروع في المسجد، ما يقال: إن المسجد مكان مناسب مهيأ للعبث واللعب إذا منع البيع والشراء وإنشاد الضالة وتناشد الأشعار وغير ذلك يمنع ما هو أعظم، مُنع إقامة الحدود، يمنع ما هو أشد من ذلك من باب أولى.
نظر عائشة -رضي الله عنها- إلى الحبشة هو نظر إجمالي ليس معناه أنها تنظر إليهم واحداً واحداً، وإلا فالمرأة مأمورة بغض البصر كالرجل، لكنها ليست مأمورة بتغميض العينين كالرجل فتنظر إلى الرجال من حيث الجملة كما في المساجد والأسواق وغير ذلك، فهي تنظر إلى هؤلاء في جملتهم، لا تحدد في شخص بعينه من بينهم، أو تحدد فيهم واحداً واحداً، المرأة مأمورة بغض البصر، وليس في هذا ما يدل على جواز نظر المرأة إلى الرجال واحداً واحداً، لكن النظر الإجمالي لا شيء فيه، فنظر المرأة إلى جملة الناس من دون تفصيل لأفرادهم كما تنظر إذا خرجت لأمر مباح كالمسجد مثلاً، وعند ملاقاة الرجال في الطرقات، ماذا نقول للمرأة إذا كانت سائرة في طريق؟ نعم لا تعرض نفسها للرجال بحيث تكون سبباً لفتنتهم، ولا تنظر إليهم نظر دقيق لكل شخص شخص، لكن ما يمنع أنها تنظر إلى المجموع، والنظر إلى المجموع يختلف عن النظر إلى الأفراد، نعم.
"وعنها -رضي الله تعالى عنها-: "أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد فكانت تأتيني فتحدث عندي" .. الحديث، متفق عليه".(25/6)
"وعنها" أي عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "أن وليدة" والوليدة: الأمة "سوداء" وليدة سوداء، أخطأت عائشة حينما قالت: سوداء؟ أبو ذر لما قال لغلامه: يا ابن السوداء أو لمن حصل معه من خلاف حتى قال بعضهم أنه بلال أو غيره قال: يا ابن السوداء، عيره بأمه، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك امرئ فيك جاهلية)) فهل عائشة لما قالت: أمة سوداء فيها جاهلية؟ أو لأن هذا مجرد وصف؟ هذا مجرد وصف، مجرد وصف لا يقصد منه الشين والعيب، ولذا الألقاب جاء النهي عن التنابز بالألقاب، لكن أهل العلم يقررون بل يزاولون ذكر الألقاب إذا كانت لمجرد التعريف لا للتنقص، جاء الأعرج والأعمى والأصم، نعم والأعور جاء، يعني مجرد أوصاف كاشفة ولا يقصد منها عيب الإنسان ولا شينه، ولذا قالت عائشة: "كانت وليدة سوداء"، "أن وليدة سوداء كان لها خباء في المسجد" والخباء: هو الخيمة إذا كانت من شعر خباء، "فكانت تأتيني فتحدث عندي" يعني تتحدث هذا الأصل، ثم تحذف التاء تخفيفاً، وهذا كثيراً مطرد، "فتحدث عندي" .. الحديث، متفق عليه".(25/7)
المقصود أن لها خباء في المسجد، سعد ضرب له خيمة في المسجد، وهو رجل يبيت في المسجد، ينام في المسجد، امرأة هذه أمة سوداء لها خباء في المسجد تبيت فيه في الليل والنهار مع أمن الفتنة لا بأس، فالمقام في المسجد .. ، المبيت في المسجد لا بأس به، مثل ما ذكرنا سابقاً إذا خيف الفتنة منعت من البيتوتة في المسجد، ولو كان له أصل شرعي، إذا خيف من الرجل الذي يبيت في المسجد، خيف على المسجد أو ممتلكات المسجد، أو جيران المسجد من هذا الشخص يخرج من المسجد، هذه المرأة، المرأة السوداء الوليدة قصتها كما في البخاري: وليدة سوداء كانت لحي من أحياء العرب، فكانت معهم أعتقوها فجلست عندهم، كثير من الأرقاء إذا تم عتقه يجلس عند أسياده، عند سيده وأولاده؛ لأنه قد يضعف عن الاكتساب، فإذا تركهم ضاع احتاج إلى غيرهم، لا سيما إذا كانت معاملتهم له قبل العتق حسنة، وظروفهم طيبة يجلس عندهم، هذه جلست عند أهلها بعد أن أعتقوها، فكانت معهم فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور من جلد، وشاح، قالت: فوضته أو وقع منها، فوضت الوشاح أو وقع منها، فجاءت الحدية -الحدأة- فظنته لحماً فاختطفته وطارت به، افتقدوا هذا الوشاح، يعني جرت العادة أن المفقود وين يروح؟ المأخوذ لا بد له من آخذ، المضروب لا بد له من ضارب، فلا بد لأمر ما حصل لهذا الوشاح أين يذهب؟ هل يتهمون أولادهم وبناتهم؟ نعم، يعني عندهم من وجهة نظرهم، وجهة نظر الناس عموماً من أول من يتهم بهذا هذه الوليدة، والاتهام شأنه عظيم يا الإخوان إذا لم يقم عليه الدليل، الآن إذا سرق في البيت رأساً من يتهم؟ الخادمة، وأنت ما عندك دليل ولا برهان على أن هذه الخادمة لها سوابق أو دلت القرائن على أنها .. ، هذا حرام، اتهموها، وهذه التهم لها أضرارها ومفاسدها، هي حرام، ويترتب عليها آثار، كم من بيت حلت به المصائب والكوارث بسبب هذه الاتهامات، تتهم الخادمة وهي بريئة، ومن أثقل الأمور أن يتهم البريء، من أشنع الأمور أن يتهم البريء، تكون ثقيلة على نفسه إذا لم يكن أهل لذلك، لكن لو كان هناك سوابق سرق قبل هذا ثم اتهم وهو بريء، يعني الأمر أخف، أنت لديك .. ، عندك قرينة من سابقة، وهو أيضاً موطن نفسه على هذا(25/8)
الطرف الآخر.
ما رأيكم في شخص شاب صغير اتجه إلى حفظ القرآن فحفظ البقرة وآل عمران، ثم لما جاءت الجوائز والجوائز كلها من عشرة ريالات، فقد واحدة فاتهم شخص بها، وهو من أبعد الناس عنها، وترك الحلقة، بعيد كل البعد عن هذه التهمة، ترك حفظ القرآن من أجل هذه التهم، وهذا الكلام قبل سنين، فالاتهام أمره عظيم، فهذه التهمة أعظم من الغيبة، هذا هو البهت، هذا بهت الإنسان، وهو من أشق الأمور عليه، نعم بالمقابل يعني هذا بالنسبة للمتهم أما المتهم فمن قبله أيضاً أن يسعى لبراءة نفسه بقدر استطاعته، ويجزم بأن هذه بلوى من الله -عز وجل-، ومحنة واختبار هل يصبر ويتابع في قصة صاحبنا الحفظ ويستمر؟ أو ينقطع من أجل هذا فيحرم وهو المباشر لهذا الحرمان وإن كان المتهم متسبب؟ فمثل هذه المسائل ينظر إليها من زاويتين: المتهِم له حكم، والمتهَم عليه أن يصبر كغيره ممن ابتلي.(25/9)
ولا أعظم في الاتهام على مر تاريخ الأمة من اتهام عائشة -رضي الله عنها- صبرت واحتسبت ثم نزلت براءتها من السماء، وكثير من الناس من الشباب والشابات قد يتهم، وقد يسجل عليه كلام، وقد يصور بتصوير وهو بريء مما ألصق به، فيكون هذا وسيلة ضغط عليه ليستجر لأمور، لكن عليه أن يصبر ويحتسب ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- وسوف تظهر براءته، وإياه إياه أن يستجيب للضغوط، فيقع في أسوأ من هذه التهم، يعني بدلاً من أن تكون التهمة نظرية تكون حقيقية، كثير من القضايا الآن فيها تصوير، يتعرض بعض الشباب وبعض .. ؛ لأن الآن تفنن أهل الإجرام في جرائمهم، والتصوير أمره سهل، آلات مصحوبة صغيرة يصور الإنسان وهو لا يشعر، يصور وجهه ويدبلج على وجهه جسداً آخر ويعرض معرضاً قبيح، وهو من أبعد الناس مما اتهم به، من أجل أن يضغط عليه، نقول: وصيتنا: إياك إياك أن تستجيب، مهما كانت الضغوط، مهما كانت أنواع .. ، أو هددت به من فضائح، نقول: الله -سبحانه وتعالى- إذا علم صدقك، هو امتحان بلا شك، يكون امتحان تكفير لخطيئة وقعت فيها، أو رفع لدرجة، أنت على كل حال كسبان، لا تتمنى أن يقع لك مثل هذا وبادر إلى التخلص منه بالوسائل المتاحة، لكن أيضاً قد يكون من المصلحة أن يبتلى الإنسان، وقد ابتلي الأنبياء وقذفت زوجة نبي، أفضل الأنبياء وأفضل النساء ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) ومع ذلكم نزلت براءتها من السماء، كان هذا من مناقبها، نقول: إن الاتهام أمره خطير، هذا بالنسبة للمتهِم، أما المتهَم عليه أن يبذل الأسباب إذا كان صادق في براءته، أما إذا لم يكن صادق في براءته ووقعت التهمة موقعها عليه أن يتبرأ مما اتهم به.(25/10)
"فمرت حدياة وهو ملقى –الوشاح- فحسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه فاتهموني به، فجعلوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها، يبحثون، نعم أهل الشر الذين يسرقون بعض الأشياء يضعونه في مثل هذه الأماكن، وهذه الأماكن مظنة لأن يوضع فيها شيء مسروق، حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته فيما بينهم، فقلت: هذا الذي اتهمتموني به، وأنا بريئة منه، وها هو ذا، لكن بعد هذ الاتهام وبعد هذا التفتيش هل تطيق البقاء معهم والمكث عندهم؟ ما تطيق، فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت قالت عائشة: "فكان لها خباء في المسجد أو حفش فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس إلا قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من دارة الكفر نجاني
يعني هذا سبب إسلامي، صارت هذه المحنة خير، خير عظيم لها في الدنيا والآخرة، أسلمت، وانتقلت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شوف ما أورثت هذه المحنة؟ أورثت منحة من أعظم المنح الإلهية، صحيح أن الإنسان لا يتمنى مثل هذه الأمور، لكن إذا وقعت يصبر ويحتسب ويجزم بالثواب والأجر المرتب على هذه المحنة، قالت عائشة: قلت لها: ما شأنك لا تقعدين إلا قلت هذا؟ فحدثتني بهذا الحديث.
فالحديث دليل على إباحة مقام المرأة في المسجد، ومبيتها في المسجد، شريطة أن تؤمن الفتنة، عند أمن الفتنة، والفتنة كما تكون من المرأة تكون أيضاً من الرجل، فإذا خشيت الفتنة من أي .. ، لو شاب أراد أن يضرب خباء في المسجد فخيف عليه يُمنع، لكن مع أمن الفتنة ويش المانع؟
الحديث الذي يليه:
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) متفق عليه".(25/11)
تقدم ما يتعلق بالبصاق، وأنه محرم في المسجد، وأن من احتاج إلى ذلك وهو في صلاته .. ، في المسجد المنع مطلقاً، لا أمامه ولا عن يمنيه ولا عن شماله، ولا تحت قدمه، حملاً للحديث على عمومه، على ما تقدم في ما قال النووي، وفي الصلاة يبصق عن يمينه تحت قدمه خارج المسجد، هنا، قال: ((البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) فدل على أن البصاق خطيئة، فهو ممنوع مطلقاً لا عن يمينه ولا عن شماله ولا تحت قدمه، فضلاً عن جهة القبلة، هذه الخطيئة إذا وقعت كفارتها دفنها؛ لأن المساجد كانت أرضها من تراب، ورمل، يفيد فيها الدفن، لكن من أراد أن يبصق يفتح يرفع طرف الفرشة ويبصق في المساجد المفروشة هل نقول: كفارتها دفنها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يبصق أصلاً، لا يبصق أصلاً في مثل هذا، فإما أن يصطحب المناديل أو في ثوبه ويفرك طرفه في الآخر على ما تقدم، فالبصاق في المسجد خطيئة، لكن لها كفارة على ما تقدم.
منهم من يقول: إن المراد بدفنها نقلها عن المسجد، والجامع بين النقل والدفن إخفاؤها عن النظر؛ لأنها مؤذية، منظرها مؤذي، فإذا نقلت عن المسجد هذه كفارتها؛ لأن هذه الخطيئة لكنه قول صريح الحديث يرده، فإذا دفنت ولو في المسجد كفرت هذه الخطيئة، وعلى الإنسان ألا يرتكب الخطيئة أصلاً، ما يرتكب خطيئة ليكفرها، ما يقصد إلى يمين فيحلف ثم يقول: أنا بحلف على هذه اليمين ويقدم عليها ويعرف أنه سوف يحنث ثم يكفر، نقول: لا، لا تحلف لتكفر، لكن إن حلفت على شيء فلم تفعله كفر عن يمينك، والتكفير يدل على أنك ارتكبت ما يقتضيه من محظور كما هنا.
جاء عن أبي عبيدة بن الجراح أحد العشرة المشهود لهم بالجنة كما في سنن سعيد بن منصور، ومصنف بن أبي شيبة وعبد الرزاق أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها، نسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها، بحث عنها، والبحث عن مثل هذه في الظلام يصعب، طلبها حتى وجدها، يعني تعب في طلبها، حتى دفنها، وقال: الحمد لله حيث لم تكتب علي خطيئة الليلة، يعني هي كتبت خطيئة لكنها محيت بالدفن، بالكفارة، نعم.(25/12)
"وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) أخرجه الخمسة إلا الترمذي, وصححه ابن خزيمة".
وعن ابن عباس ..
"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) أخرجه أبو داود, وصححه ابن حبان".
نعم، الحديث حديث أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى -يتفاخر- الناس في المساجد)) وقد حصل ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- بلسان الحال كثيراً، وقد وقع منه ما وقع بلسان المقال حتى قال بعضهم: مسجدنا أكبر من مسجدكم، ومسجدنا أجمل من مسجدكم وإلى آخر الكلام، يتباهون.
أما بلسان الحال فحدث ولا حرج، كل إنسان يعمر مسجد ويبالغ في تزويقه وزخرفته؛ ليكون .. ؛ ليحتل المركز الأول في البلد ولو في نفسه، ليقال: فلان عمر أكبر مسجد أو أجمل مسجد أو .. ، نقول: هذا من أمارات وعلامات الساعة وقد حصل، وهذه قرائن وإن كانت النوايا لا يطلع عليها إلا الله -عز وجل-، لكن هذا السرف وهذا البذخ يدل دلالة على أن النيات مدخولة، وإذا كان أهل العلم يقررون أن من بنى مسجداً وكتب عليه اسمه هذا مسجد فلان بن فلان، يقولون: هذا حظه من الأجر، نسأل الله العافية، ذكروا هذا، الأصل أن يبني لله، وأن يخفي عمله هذا الأصل، والأمور بمقاصدها، يعني لو جاء شخص وبنى مسجد، نعم وأراد من إظهاره أن يقتدي به غيره؛ لأن الناس مجبولون على هذا، الناس مجبولون على تقليد بعضهم بعضاً، والغيرة من بعضهم على بعض، وقد يدخل هذا في المسابقة المأمور بها، والمسارعة التي جاء الحث عليها، المنافسة {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [(26) سورة المطففين] المقصود أن مثل هذا إذا كان إظهاره لقصد أن يقتدى به له حكم، وإن كان إظهاره ليقال: إن فلان بنى مسجد، إن فلان فعل كذا، إن فلان .. ، فليس له إلا ما قد قيل، والله المستعان.(25/13)
((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس)) بأن يقول الواحد: مسجدي أحسن من مسجدك، مسجدي أكبر من مسجدك، أنا عمرت المسجد على هذه البقعة التي موقعها استراتيجي، وضحيت بالمصالح الدنيوية، ولو جعلته محلات تجارية لحصل كذا، هذا في الغالب الإخلاص عنده ضعيف، فالتباهي هنا معناه تفاعل، بأن يحصل بين طرفين أو أكثر بأن يقول أحدهم كذا، وأحدهم يقول كذا، وقد يحصل التفاعل من طرف آخر، المفاعلة قد تكون من طرف واحد، وهذا الذم يتجه لمن عمر المسجد أو صارت له يد في المسجد، أو يرجو ثواب هذا المسجد، لكن لو أهل الحي ما لهم علاقة بعمارة المسجد، عمر المسجد واحد من المحسنين مع أهل حي واحد قالوا: مسجدنا أكبر من مسجدكم هذا له علاقة بالاخلاص؟ لأن للمقول له أن يقول: مسجدكم أنتم اللي عمرتوه؟ ما فعلتوا شيء حتى جاء فلان أو علان تصدق ...
المقصود أنه يتباهى من يرجو ثواب هذا المسجد، المقصود أن مثل هذا يقدح في الإخلاص، وكلام أهل العلم في الإخلاص ودقته وما يقدح فيه من أقوال وأفعال دقيق جداً من أراد أن يطلع على شيء من ذلك فعليه بما يكتبه ابن القيم في هذه الأبواب، وأيضاً هذه البحوث أعني أعمال القلوب موجودة في كتب ابن القيم، كتب ابن رجب -رحمه الله تعالى-، وفي الإحياء -إحياء علوم الدين- ومختصراته، على ما فيه من ملاحظات، لكنه بحث في هذه الأمور بحوث طيبة يستفاد منها، على ما عنده من مخالفات، فالحديث علم من أعلام النبوة حيث وقع ما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام-.(25/14)