وقال الحنابلة : من أحرم مأموماً ثمّ نوى الانفراد لعذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمامٍ وكمرض وكغلبة نعاسٍ أو غلبة شيءٍ يفسد صلاته كمدافعة أحد الأخبثين أو خوفٍ على أهلٍ أو مالٍ أو خوف فوت رفقةٍ أو خرج من الصّفّ مغلوباً لشدّة زحامٍ ولم يجد من يقف معه ونحو ذلك من الأعذار صحّ انفراده فيتم صلاته منفرداً لحديث جابرٍ رضي اللّه تعالى عنه في قصّة معاذٍ رضي اللّه تعالى عنه ، قالوا : ومحل إباحة المفارقة لعذر إن استفاد من فارق لتدارك شيءٍ يخشى فواته أو غلبة نعاسٍ أو خوف ضررٍ ونحوه بمفارقة إمامه تعجيل لحوقه قبل فراغ إمامه من صلاته ليحصل مقصوده من المفارقة فإن كان الإمام يعجل ولا يتميّز انفراده عنه بنوع تعجيلٍ لم يجز له الانفراد لعدم الفائدة فيه , وأمّا من عذره الخروج من الصّفّ فله المفارقة مطلقاً لأنّ عذره خوف الفساد بالفَذِّية وذلك لا يتدارك بالسرعة , وفصّل الحنابلة فيما إذا نوى المأموم المفارقة فقالوا : وإذا فارق المأموم الإمام لعذر ممّا تقدّم في قيامٍ قبل قراءة الإمام الفاتحة قرأ المأموم لنفسه لصيرورته منفرداً قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة الإمام , وإن فارقه بعد قراءة الفاتحة فله الركوع في الحال لأنّ قراءة الإمام قراءة للمأموم , وإن فارقه في أثناء القراءة فإنّه يكمّل ما بقي من الفاتحة .
وإن كان في صلاة سرٍّ كظهر وعصرٍ , أو في الأخيرتين من العشاء مثلاً وفارق الإمام لعذر بعد قيامه وظنّ أنّ إمامه قرأ لم يقرأ , أي لم تلزمه القراءة إقامةً للظّنّ مقام اليقين , قال البهوتي : الاحتياط القراءة .
وجوب المفارقة :
من الأحوال الّتي يجب فيها على المأموم مفارقة صلاة الجماعة ما يلي :
أ - انحراف الإمام عن القبلة :
6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا انحرف الإمام عن القبلة فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويصلّي منفرداً .
ولو اجتهد اثنان في القبلة واتّفق اجتهادهما وصلّى أحدهما بالآخر وتغيّر اجتهاد أحدهما لزمه الانحراف إلى الجهة الّتي تغيّر اجتهاده إليها لأنّها ترجّحت في ظنّه فتعيّنت عليه وأتمّ صلاته وينوي المأموم الّذي ائتمّ بالآخر مفارقة إمامه للعذر المانع له من اقتدائه به وهو التّغير .
وقال الحنفيّة : والمقتدي إذا ظهر له وهو وراء الإمام أنّ القبلة غير الجهة الّتي يصلّي إليها الإمام لا يمكنه إصلاح صلاته لأنّه إذا استدار خالف إمامه في الجهة قصداً وهو يفسد وإلا كان متماً صلاته إلى ما هو غير القبلة عنده وهو مفسد أيضاً .
ب - تلبس الإمام بما يبطل صلاته :
7 - لو رأى المأموم في أثناء الصّلاة الإمام متلبّساً بما يبطل الصّلاة كأن رأى على ثوبه أو بدنه نجاسةً أو تبيّن أنّ الإمام محدث أو جنب فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويتم صلاته منفرداً بانياً على ما صلّى مع الإمام , وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة في الجملة .
قال المالكيّة : إن علم المأموم حدث إمامه في الصّلاة ولم يستمرّ معه بل فارقه وصلّى لنفسه منفرداً أو مستخلفاً فتصح للمأمومين , ومفهومه أنّه لو علم بحدث إمامه في الصّلاة واستمرّ معه بطلت عليهم .
وقالوا : لو رأى المأموم نجاسةً على إمامه وأراه إيّاها فوراً واستخلف الإمام من حين ذلك فتبطل صلاة الإمام دون المأمومين واختار ابن ناجي البطلان للجميع , وقال الشّافعيّة : إن استمرّ المأموم في هذه الحالة على المتابعة لحظةً أو لم ينو المفارقة بطلت صلاته بالاتّفاق - أي اتّفاق فقهاء الشّافعيّة - لأنّه صلّى بعض صلاته خلف محدثٍ مع علمه بحدثه , وممّن صرّح ببطلان صلاته إذا لم ينو المفارقة ولم يتابعه في الأفعال الشّيخ أبو حامدٍ والقاضي أبو الطّيّب في تعليقهما والمحاملي وخلائق من كبار الأصحاب , وسواء كان الإمام عالماً بحدث نفسه أم لا , لأنّه لا تفريط من المأموم في الحالين , وهذا هو المذهب وبه قطع الجمهور كما قال النّووي .
وقال الشّافعيّة أيضاً : لو كان المأموم قارئاً وكان الإمام أمّياً , أو كان الإمام قد قام إلى ركعةٍ خامسةٍ أو أتى الإمام بمنافٍ غير ذلك فإنّه يجب على المأموم مفارقته ويتم صلاته منفرداً بانياً على ما صلّى مع الإمام .
والأصح عند الشّافعيّة أنّ التّنحنح إن ظهر منه حرفان يبطل الصّلاة , واختلفوا فيما لو تنحنح الإمام فبان منه حرفان هل يجب على المأموم مفارقته أم لا ؟ فالمذهب أنّه لا يفارقه حملاً على العذر , لأنّ الظّاهر تحرز الإمام عن المبطل والأصل بقاء العبادة , لكن قال السبكي : إن دلّت قرينة حال الإمام على خلاف ذلك وجبت المفارقة , ولو لحن الإمام في الفاتحة لحناً يغيّر المعنى وجبت مفارقته , كما لو ترك واجباً , ولكن هل يفارقه في الحال أو حتّى يركع لجواز أنّه لحن ساهياً , وقد يتذكّر فيعيد الفاتحة ؟ الأقرب الأوّل - أي المفارقة في الحال - لأنّه لا يجوز متابعته في فعل السّهو كما قال الزّركشي وقال الخطيب الشّربيني : بل الأقرب الثّاني - أي لا يفارقه حتّى يركع - لأنّ إمامه لو سجد قبل ركوعه لم تجب مفارقته في الحال .
ولا تصح الصّلاة وراء السّكران لأنّه محدث , قال الشّافعي والأصحاب : فإن شرب الخمر وغسل فاه وما أصابه وصلّى قبل أن يسكر صحّت صلاته والاقتداء به , فلو سكر في أثناء الصّلاة بطلت صلاته ويجب على المأموم مفارقته ويبني على صلاته , فإن لم يفارقه وتابع معه بطلت صلاته .(/2)
وقال ابن عقيلٍ من الحنابلة : إن عجز الإمام عن إتمام الفاتحة في أثناء الصّلاة صحّت صلاة الأمّيّ خلفه لمساواته له , أمّا القارئ فإنّه يفارق الإمام للعذر ويتم لنفسه لأنّه لا يصح ائتمام القارئ بالأمّيّ , ولكن قال الموفّق : الصّحيح أنّه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة تفسد صلاته لأنّه قادر على الصّلاة بقراءتها فلم تصحّ صلاته لعموم قوله : صلى الله عليه وسلم : « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » , وإن استخلف الإمام الّذي عجز عن إتمام الفاتحة في أثناء الصّلاة من يتم بهم صلاتهم وصلّى معهم جاز .
وقال الحنابلة : إذا قام الإمام لركعة زائدةٍ ونبّهه المأمومون فلم يرجع وجبت مفارقته وبطلت صلاته لتعمده ترك ما وجب عليه , ويسلّم المأموم المفارق لإمامه بعد قيامه لزائدة وتنبيهه وإبائه الرجوع وذلك إذا أتمّ التّشهد الأخير .
أمّا إن ترك الإمام التّشهد الأوّل مع الجلوس له وقام لزم رجوعه إذا لم يستتمّ قائماً , فإن استتمّ قائماً كره رجوعه , ويحرم رجوعه إن شرع في القراءة أمّا المأموم فالمتّجه أن يفارق إمامه ويتمّ صلاته لنفسه ويسلّم على قولٍ , والمنصوص أنّ المأموم إذا سبّح لإمامه قبل أن يعتدل فلم يرجع تشهّد لنفسه وتبعه .
وقال الحنابلة : لا تبطل صلاة الجماعة بقطع صفٍّ من صفوفها سواء كان وراء الإمام أو عن يمينه لكن لو كان الصّف الّذي انقطع عن يسار الإمام وبَعُد بقدر مقام ثلاثة رجالٍ فتبطل صلاة هذا الصّفّ المنقطع وهذا ما لم تنو الطّائفة المنقطعة مفارقة الإمام , فإن نوت مفارقته صحّت صلاتها .
المفارقة في صلاة الجمعة :
8 - أجاز الشّافعيّة والحنابلة للمأموم أن يفارق الجماعة في الرّكعة الثّانية من صلاة الجمعة .
جاء في مغني المحتاج : لا يجوز قطع الجماعة في الرّكعة الأولى من صلاة الجمعة , لأنّ الجماعة في الرّكعة الأولى منها شرط وأمّا في الرّكعة الثّانية فليست بشرط فيها خلافاً لما في الكفاية من عدم الجواز , ولو تعطّلت الجماعة بخروجه وقلنا بأنّها فرض كفايةٍ فينبغي كما قاله بعض المتأخّرين عدم الخروج منها , لأنّ فرض الكفاية إذا انحصر في شخصٍ تعيّن عليه .
وفي المجموع : إذا صلّى المأموم ركعةً من صلاة الجمعة ثمّ فارق إمامه بعذر أو بغيره وقلنا لا تبطل صلاته بالمفارقة أتمّها جمعةً كما لو أحدث الإمام وهذا لا خلاف فيه .
وقال الحنابلة : إن فارق المأموم الجماعة لعذر في الرّكعة الثّانية من صلاة الجمعة وقد أدرك الرّكعة الأولى مع الإمام فإنّه يتمها جمعةً , لأنّ الجمعة تدرك بركعة , وقد أدركها مع الإمام , فإن فارقه في الرّكعة الأولى من الجمعة فكمزحوم فيها حتّى تفوته ركعتان فيتمّها نفلاً ثمّ يصلّي الظهر .
وقال المالكيّة : لا يجوز الانفراد في صلاة الجمعة لأنّ الجماعة شرط فيها .
شرط مفارقة البنيان في قصر صلاة المسافر :
9 - يجوز للمسافر قصر الصّلاة الرباعيّة , لكن يشترط للتّرخص برخصة القصر أن يفارق المسافر محلّ إقامته ويتحقّق ذلك بمفارقته بيوت المكان الّذي يخرج منه وتوابع البيوت أيضاً .
وذلك لما روى أنس رضي الله تعالى عنه قال : « صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً وصلّيت معه العصر بذي الحليفة ركعتين » , وروي عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه لمّا خرج إلى البصرة رأى خصاً أمامه فقال : لولا هذا الخص لصلّينا ركعتين .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح : ( صلاة المسافر ف 22 ) .
المفارقة في صلاة الخوف :
10 - من صور صلاة الخوف أنّ الإمام يفرّق الجيش فرقتين , فرقة تجعل في مواجهة العدوّ , ويصلّي الإمام بالفرقة الثّانية من الجيش فإذا قام الإمام إلى الرّكعة الثّانية في الثنائيّة وإلى الرّكعة الثّالثة في الثلاثيّة أو الرباعيّة فارقه المأمومون ولا يتابعونه بل يتمون الصّلاة لأنفسهم ثمّ يذهبون إلى وجه العدوّ وتأتي الفرقة الحارسة فيصلّي بهم الإمام ما بقي من صلاته فإذا جلس للتّشهد قاموا وأتموا صلاتهم والإمام ينتظرهم ليسلّم بهم .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح : ( صلاة الخوف ف 6 ) .
شرط مفارقة البنيان في فطر المسافر :
11 - اتّفق الفقهاء على أنّ المسافر الّذي يريد التّرخص برخصة الفطر في رمضان لا يجوز له الفطر إلا بعد مفارقة عمران البلد الّذي يسافر منه .
كما اتّفقوا على أنّه لو سافر وفارق عمران البلد قبل الفجر جاز له الفطر في هذا اليوم . ولكنّهم اختلفوا فيما لو سافر وفارق عمران البلد بعد الفجر هل يجوز له الفطر في ذلك اليوم أم لا ؟
فذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو مذهب الشّافعيّ المعروف من نصوصه كما قال النّووي وهو رواية عن الإمام أحمد إلى أنّ من سافر وفارق العمران بعد طلوع الفجر لا يجوز له الفطر في ذلك اليوم , وهو قول مكحولٍ والزهريّ ويحيى الأنصاريّ والأوزاعيّ لأنّ الصّوم عبادة تختلف بالسّفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر ويعتبر في هذا اليوم مقيماً فلزمه الصّوم فلا يبطله باختباره ولذلك لو جامع فيه فعليه القضاء والكفّارة .
والرّواية الثّانية عن الإمام أحمد أنّ له أن يفطر في ذلك اليوم وهو قول عمرو بن شرحبيل والشّعبيّ وإسحاق وابن المنذر لما روى عبيد بن جبيرٍ قال : كنت مع أبي بصرة الغفاريّ صاحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سفينةٍ من الفسطاط في رمضان فرفع ثمّ قرّب غداه قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتّى دعا بالسفرة ثمّ قال : اقترب ، قلت : ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؟ - قال جعفر في حديثه - فأكل .(/3)
ولأنّ السّفر معنىً لو وجد ليلاً واستمرّ في النّهار لأباح الفطر فإذا وجد في أثنائه أباحه .
ثانياً : المفارقة في العقود :
أثر المفارقة في لزوم العقد :
لمفارقة المتعاقدين أثر في لزوم بعض العقود ومن ذلك :
مفارقة المتبايعين مجلس العقد :
12 - من أسباب لزوم البيع بعد انعقاده بالإيجاب والقبول أحد أمرين : إمّا التّخاير , وهو أن يخيّر أحد المتبايعين صاحبه في إمضاء العقد أو إبطاله , وأمّا مفارقة المتبايعين أو أحدهما مجلس العقد , وكلامنا هنا في المفارقة إذا لم يوجد التّخاير , فمفارقة المتبايعين مجلس العقد من أسباب لزوم العقد , أمّا قبل المفارقة فإنّ عقد البيع يكون جائزاً ويثبت لكلّ واحدٍ من المتبايعين الخيار في فسخ العقد ما داما في المجلس ولم يفترقا وهذا ما ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة ويسمّى الخيار في فسخ العقد ما داما في المجلس : خيار المجلس .
قال ابن قدامة : يقع البيع جائزاً , ولكلّ من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما داما مجتمعين لم يتفرّقا , وهو قول أكثر أهل العلم , يروى ذلك عن عمر وابن عمر وابن عبّاسٍ وأبي هريرة وأبي برزة رضي الله عنهم , وبه قال سعيد بن المسيّب وشريح والشّعبي وعطاء وطاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئبٍ والشّافعي وإسحاق وأبو عبيدٍ وأبو ثورٍ واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة بما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « إذا تبايع الرّجلان فكل واحدٍ منهما بالخيار ما لم يتفرّقا وكانا جميعاً أو يخيّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرّقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع » .
حكم مفارقة المتبايعين :
13 - اختلف الشّافعيّة والحنابلة في حكم مفارقة المتبايعين أو أحدهما مجلس العقد وسبب اختلافهما هو ما رواه عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، إلا أن تكون صفقة خيارٍ ، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله » .
فقال الشّافعيّة : المفارقة جائزة لكلّ واحدٍ من المتعاقدين , والحل الوارد في الحديث محمول على الإباحة المستوية الطّرفين .
وما ذهب إليه الشّافعيّة هو رواية عن الإمام أحمد , قال ابن قدامة : ذكر القاضي أنّ ظاهر كلام أحمد جواز مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه ودليل هذه الرّواية ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّه كان إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه .
أمّا الرّواية الثّانية عن الإمام أحمد فقد قال ابن قدامة : ظاهر حديث عمرو بن شعيبٍ تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشيةً من فسخ البيع , قال : وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم , فإنّه ذكر له فعل ابن عمر , وحديث عمرو بن شعيبٍ فقال : هذا الآن قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم , وهنا اختيار أبي بكرٍ , قال ابن قدامة : وهذه الرّواية هي الأصح , لأنّ قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقدّم على فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما , والظّاهر أنّ ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه .
كيفيّة المفارقة الّتي يلزم بها البيع :
14 - المفارقة الّتي يلزم بها البيع هي المفارقة بالأبدان لا بالأقوال وتختلف المفارقة باختلاف مكان العقد ويعتبر في ذلك العرف , فما يعده النّاس تفرقاً يلزم به العقد وما لا فلا لأنّ ما ليس له حد شرعاً ولا لغةً يرجع فيه إلى العرف فإن كانا في دارٍ كبيرةٍ فبالخروج من البيت إلى الصّحن أو من الصّحن إلى الصفّة أو البيت , وإن كانا في سوقٍ أو صحراء أو في بيتٍ متفاحش السّعة فبأن يولّي أحدهما الآخر ظهره ويمشي قليلاً .
قال الشّربيني الخطيب ولو لم يبعد عن سماع خطابه , وقال البهوتي : ولو لم يبعد عنه بحيث لا يسمع كلامه في العادة خلافاً للإقناع .
وإن كانا في سفينةٍ أو دارٍ صغيرةٍ أو مسجدٍ صغيرٍ فبخروج أحدهما منه أو صعوده السّطح ولا يحصل التّفرق بإقامة سترٍ ولو ببناء جدارٍ بينهما , لأنّ المجلس باقٍ .
وقيل لا تكون المفارقة إلا بأن يبعد عن صاحبه بحيث لو كلّمه على العادة من غير رفع الصّوت لم يسمع كلامه وهو ما ذهب إليه الإصطخريّ والشّيرازي والقاضي أبو الطّيّب من الشّافعيّة , قال النّووي : والمذهب الأوّل وبه قطع الجمهور - أي جمهور الشّافعيّة - ونقله المتولّي والروياني عن جميع الأصحاب سوى الإصطخريّ واستدلّ لذلك بما ورد عن ابن عمر فقد قال نافع : كان ابن عمر إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنيّة ثمّ رجع إليه .
وسئل الإمام أحمد عن تفرقة الأبدان فقال : إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا فقد تفرّقا .
قال النّووي : وحكى القاضي أبو الطّيّب والروياني وجهاً أنّه يكفي أن يولّيه ظهره , ونقله الروياني عن ظاهر النّصّ لكنّه مؤوّل .
ولو فارق أحدهما مجلسه دون الآخر لم ينقطع خيار الآخر خلافاً لبعض المتأخّرين , وقال البهوتي : وإذا فارق أحدهما صاحبه لزم البيع سواء قصد بالمفارقة لزوم البيع أو قصد حاجةً أخرى لحديث ابن عمر السّابق .
واختلف في الإكراه على المفارقة هل يبطل به الخيار ويلزم البيع أم لا ؟ قال ابن قدامة : إن فارق أحدهما الآخر مكرهاً احتمل بطلان الخيار لوجود غايته وهو التّفرق , ولأنّه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه .(/4)
وقال الشّافعيّة والقاضي في الحنابلة : لا ينقطع الخيار , لأنّه حكم علّق على التّفرق فلم يثبت مع الإكراه , فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه وفارقه بغير رضاه ويكون الخيار للمكره منهما في المجلس الّذي يزول عنه فيه الإكراه حتّى يفارقه , وإن أكرها جميعاً على المفارقة انقطع خيارهما , لأنّ كلّ واحدٍ منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه .
ومن صور الإكراه ما لو تفرّقا مع فزعٍ من مخوفٍ كسبع أو ظالمٍ خشياه فهربا منه أو تفرّقا مع إلجاءٍ كتفرق بسيل أو نارٍ أو نحوهما أو تفرّقا مع حملٍ لهما لأنّ فعل المكره والملجأ كعدمه فيستمر خيارهما إلى أن يتفرّقا من مجلسٍ زال فيه إكراه أو إلجاء .
وقال الشّافعيّة فيما نقله النّووي : لو هرب أحد العاقدين ولم يتبعه الآخر فقد أطلق الأكثرون أنّه ينقطع خيارهما , وجزم به الفوراني والمتولّي وصاحبا العدّة والبيان وغيرهم , وقال البغويّ والرّافعي : إن لم يتبعه الآخر مع التّمكن بطل خيارهما , وإن لم يتمكّن بطل خيار الهارب دون الآخر , قال النّووي : والصّحيح ما قدّمناه عن الأكثرين , لأنّه متمكّن من الفسخ بالقول ولأنّه فارقه باختباره فأشبه إذا مشى على العادة , فلو هرب وتبعه الآخر يدوم الخيار ما داما متقاربين , فإن تباعدا بحيث يعد فرقةً بطل اختيارهما .
وقال الحنابلة : إن هرب أحد المتبايعين من صاحبه , بطل خيارهما ولزم العقد لأنّه فارقه باختياره ولا يقف لزوم العقد على رضاهما .
وأمّا أثر المفارقة بالموت أو الجنون ونحوه ففي إبطال خيار المجلس به خلاف ينظر تفصيله في مصطلح : ( خيار المجلس ف 13 ) .
ولو تنازع العاقدان في التّفرق بأن جاءا معاً وقال أحدهما : تفرّقنا , وأنكر الآخر صدّق النّافي بيمينه .
ولو اتّفقا على حصول التّفرق وتنازعا في الفسخ قبل التّفرق فقال أحدهما فسخت البيع قبل التّفرق وأنكر الآخر صدق النّافي بيمينه لأنّ الأصل دوام الاجتماع وعدم الفسخ ولو اتّفقا على عدم التّفرق وادّعى أحدهما الفسخ فدعواه الفسخ فسخ .
وما سبق من اعتبار المفارقة إنّما هو فيما إذا تولّى عقد البيع طرفان أمّا إذا تولّى العقد شخص واحد كالأب يبيع ماله لولده أو يبيع مال ولده لنفسه فهل لا بدّ من ثبوت الخيار واعتبار المفارقة سبباً للزوم العقد أم لا ؟
للشّافعيّة والحنابلة في ذلك رأيان الأوّل : ثبوت الخيار قال النّووي : أصحهما ثبوته فعلى هذا يثبت خيار للولد وخيار للأب ويكون الأب نائب الولد , فإن ألزم البيع لنفسه وللولد لزم , وإن ألزم لنفسه بقي الخيار للولد فإذا فارق المجلس لزم العقد على الأصحّ من الوجهين عند الشّافعيّة , قال الماورديّ وهذا قول أبي إسحاق المروزيّ وهو المذهب . والرّأي الثّاني وهو الصّحيح من المذهب عند الحنابلة ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة : لا يلزم - أي البيع - إلا بالإلزام , لأنّه لا يفارق نفسه وإن فارق المجلس , قال الماورديّ : وهذا قول جمهور أصحابنا , قال : وعلى هذا لا ينقطع الخيار إلا بأن يختار الأب لنفسه وللولد , فإن لم يختر ثبت الخيار للولد إذا بلغ .
وقال البغويّ : ولو كان العقد بينه وبين ولده صرفاً ففارق المجلس قبل القبض بطل العقد على الوجه الأوّل ولا يبطل على الثّاني إلا بالتّخاير .
اعتبار المفارقة في العقود الأخرى :
15 - كما تعتبر مفارقة مجلس العقد سبباً للزوم البيع فإنّها تعتبر سبباً للزوم بعض العقود الأخرى الّتي يثبت فيها خيار المجلس وهي عند الشّافعيّة والحنابلة : الصّرف , وبيع ربوي من مكيلٍ وموزونٍ بجنسه كبرّ ببرّ ونحوه , والسّلم , وصلح المعاوضة ، وزاد الشّافعيّة : التّولية , والتّشريك , وزاد الحنابلة الهبة الّتي فيها عوض معلوم , والإجارة .
وذلك لعموم الخيرة ولأنّ موضوع الخيار النّظر في الأحظّ وهو موجود هنا , وينظر تفصيل هذه العقود في مصطلحاتها .
المفارقة في النّكاح :
تقع المفارقة في النّكاح لأسباب منها :
أوّلاً : الجمع بين أكثر من أربع زوجاتٍ :
16 - لا يجوز للمسلم الحرّ أن يجمع بين أكثر من أربع زوجاتٍ في وقتٍ واحدٍ لقول اللّه تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } , فإذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع زوجاتٍ أسلمن معه وجب عليه مفارقة ما زاد على الأربع , وهذا باتّفاق الفقهاء .
واستدلوا على ذلك بما رواه عبد اللّه بن عمر : « أنّ غيلان بن سلمة أسلم وعنده تسع نسوةٍ فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يختار منهنّ أربعاً » .
وتختلف كيفيّة المفارقة بين من كان كافراً وكان في عصمته أكثر من أربع زوجاتٍ ثمّ أسلم وأسلمن معه , وبين المسلم الّذي يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجاتٍ في وقتٍ واحدٍ . فمن كان كافراً وأسلم وفي عصمته أكثر من أربع زوجاتٍ وأسلمن معه فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه لا يشترط فيمن يفارقهنّ أو يختارهنّ ترتب عقودهنّ فسواء تزوّجهنّ في عقدٍ واحدٍ أو عقودٍ متفرّقةٍ وسواء كان من فارقهنّ أو اختارهنّ أوائل في العقد أو أواخر , ووجه ذلك كما قال الإمام الشّافعي والقرافي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر من أسلم على أكثر من أربعٍ أن يفارق ما زاد على الأربع وأطلق الحكم ولم يستفصل عن كيفيّة نكاحهنّ , وترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال منزّل منزلة العموم في المقال ولولا أنّ الحكم يعم الحالين لما أطلق ذلك .(/5)
وقد روى الشّافعي عن نوفل بن معاوية قال : « أسلمت وتحتي خمس نسوةٍ فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : فارق واحدةً وأمسك أربعاً ، فعمدت إلى أقدمهنّ عندي عاقرٍ منذ ستّين سنةً ففارقتها » .
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لو تزوّج كافر بخمس نسوةٍ ثمّ أسلم , فإن كان تزوّجهنّ في عقدةٍ واحدةٍ فرّق بينه وبينهنّ جميعاً , وإن كان تزوّجهنّ في عقودٍ متفرّقةٍ صحّ نكاح الأربع وبطل نكاح الخامسة ، لأنّ الجمع محرّم على المسلم والكافر جميعاً ، لأنّ حرمته ثبتت لمعنى معقولٍ وهو خوف الجور في إيفاء حقوقهنّ .
وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين المسلم والكافر إلا أنّه لا يتعرّض لأهل الذّمّة مع قيام الحرمة ، لأنّ ذلك ديانتهم وهو غير مستثنىً من عهودهم وقد نهينا عن التّعرض لهم عن مثله بعد إعطاء الذّمّة وليس لنا التّعرض لأهل الحرب فإذا أسلم فقد زال المانع , فلا يمكّن من استيفاء الجمع بعد الإسلام بين أكثر من أربعٍ , فإذا كان تزوّج الخمس في عقدةٍ واحدةٍ فقد حصل نكاح كلّ واحدةٍ منهنّ جميعاً إذ ليست إحداهنّ بأولى من الأخرى والجمع محرّم وقد زال المانع من التّعرض فلا بدّ من الاعتراض بالتّفريق , فأمّا إن كان تزوّجهنّ على التّرتيب في عقودٍ متفرّقةٍ فنكاح الأربع منهنّ وقع صحيحاً لأنّ الحرّ يملك التّزوج بأربع نسوةٍ مسلماً كان أو كافراً ولم يصحّ نكاح الخامسة لحصوله جمعاً فيفرّق بينهما بعد الإسلام .
وإذا تزوّج الحربي بأربع نسوةٍ ثمّ سُبي هو وسُبِين معه فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يفرّق بينه وبين الكلّ سواء تزوّجهنّ في عقدةٍ واحدةٍ أو في عقدٍ متفرّقةٍ , لأنّ نكاح الأربع وقع صحيحاً , لأنّه كان حراً وقت النّكاح , والحر يملك التّزوج بأربع نسوةٍ مسلماً كان أو كافراً إلا أنّه تعذّر الاستيفاء بعد الاسترقاق لحصول الجمع من العبد في حال البقاء بين أكثر من اثنتين , والعبد لا يملك الاستيفاء فيقع جمعاً بين الكلّ ففرّق بينه وبين الكلّ ولا يخيّر فيه كما إذا تزوّج رضيعتين فأرضعتهما امرأة بطل نكاحها ولا يخيّر كذا هذا , وعند محمّدٍ يخيّر فيه فيختار اثنتين منهنّ كما يخيّر الحر في أربع نسوةٍ من نسائه ويفارق الباقي .
17 - ويوضّح ابن قدامة صفة المفارقة فيقول : إن قال لمّا زاد على الأربع فسخت نكاحهنّ كان اختياراً للأربع , وإن طلّق إحداهنّ كان اختياراً لها لأنّ الطّلاق لا يكون إلا في زوجةٍ , وإن قال : قد فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء , فإن لم ينو الطّلاق كان اختياراً لغيرهنّ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لغيلان : « اختر منهنّ أربعاً وفارق سائرهنّ » وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحاً فيه كما كان لفظ الطّلاق صريحاً فيه , وكذا في حديث فيروز الدّيلميّ قال : « فعمدت إلى أقدمهنّ صحبةً ففارقتها » , وهذا الموضع أخص بهذا اللّفظ فيجب أن يتخصّص فيه بالفسخ , وإن نوى به الطّلاق كان اختياراً لهنّ دون غيرهنّ , وذكر القاضي من الحنابلة فيه عند الإطلاق وجهين :
أحدهما : أنّه يكون اختياراً للمفارقات , لأنّ لفظ الفراق صريح في الطّلاق قال ابن قدامة : والأولى ما ذكرناه .
وقال ابن قدامة : إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع زوجاتٍ قد دخل بهنّ فأسلمن معه وكنّ ثمانياً فاختار أربعاً منهنّ وفارق أربعاً منهنّ لم يطأ واحدةً من المختارات حتّى تنقضي عدّة المفارقات لئلا يكون واطئاً لأكثر من أربعٍ , فإن كنّ خمساً ففارق إحداهنّ فله وطء ثلاثٍ من المختارات ولا يطأ الرّابعة حتّى تنقضي عدّة من فارقها , فإن كنّ ستاً ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات فإن كنّ سبعاً ففارق ثلاثاً فله وطء واحدةٍ من المختارات ولا يطأ الباقيات حتّى تنقضي عدّة المفارقات فكلّما انقضت عدّة واحدةٍ من المفارقات فله وطء واحدةٍ من المختارات , وما سبق إنّما هو بالنّسبة للكافر الّذي أسلم على أكثر من أربع نسوةٍ .
أمّا المسلم الّذي يجمع بين أكثر من أربع نسوةٍ في عصمته في وقتٍ واحدٍ فإنّ الحكم يختلف بين ما إذا كان تزوّجهنّ بعقد واحدٍ وما إذا كان تزوّجهنّ بعقود متفرّقةٍ .
فإذا كان تزوّجهنّ بعقد واحدٍ فلا بدّ من مفارقة جميعهنّ وهذا باتّفاق الفقهاء لأنّ النّكاح يبطل في جميعهنّ , إذ ليس إبطال نكاح واحدةٍ بأولى من الأخرى فبطل الجميع .
وكذلك الحكم لو كانت العقود متفرّقةً وجهل ترتيبها ولم يدر أيّ واحدةٍ هي الخامسة , فأمّا إن كانت العقود مترتّبةً فالأخيرة هي الّتي يجب مفارقتها وهذا باتّفاق كذلك .
ثانياً : الجمع بين من يحرم الجمع بينهنّ :
18 - إذا جمع المسلم بين من يحرم عليه الجمع بينهنّ كما إذا عقد على أختين أو جمع بين امرأةٍ وعمّتها أو امرأةٍ وخالتها , فإن كان في عقدٍ واحدٍ بطل نكاحهما وإن كانا في عقدين بطل نكاح الثّانية .
والتّفصيل في مصطلح : ( محرّمات النّكاح ف 23 ) .
أمّا من كان كافراً وأسلم وكان متزوّجاً بمن يحرم الجمع بينهنّ كأختين وأسلمن معه فقد ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب عليه أن يختار واحدة ويفارق الأخرى وسواء أكان تزوجهما بعقد واحد أو بعقدين وسواء أكان دخل بهما أو دخل بإحداهما وذلك لحديث فيروز الدّيلميّ : « قال : قلت : يا رسول الله , إني أسلمت وتحتي أختان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طلق أيتهما شئت » .(/6)
ولأن المبقاة يجوز له ابتداء نكاحها فجاز له استدامته كغيرها , ولأن أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم الجمع وقد أزاله , ولا مهر للمفارقة منهما قبل الدخول , وهكذا الحكم في المرأة وعمتها أو خالتها لأن المعنى في الجميع واحد , قال ابن قدامة : إن كان دخل بهما واختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة المفارقة .
وهذا ما ذهب إليه أيضا محمد بن الحسن من الحنفية واستدل بحديث فيروز السابق , قال : لقد خيره الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستفسر أن نكاحهن كان دفعة واحدة أو على الترتيب ولو كان الحكم يختلف لاستفسر فدل على أن حكم الشرع فيه هو التخيير مطلقاً . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إن كان تزوج الأختين في عقدة واحدة فيجب عليه مفارقتهما لأن نكاح واحدة منهما جعل جمعاً إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى والإسلام يمنع من ذلك ولا مانع من التفريق فيفرق , وإن كان تزوجهما في عقدين فنكاح الأولى وقع صحيحاً إذ لا مانع من الصحة وبطل نكاح الثانية لحصوله جمعاً فلا بد من التفريق بعد الإسلام قالا : والنبي صلى الله عليه وسلم قال لفيروز : « طلق أيتهما شئت » ومعلوم أن الطلاق إنما يكون في النكاح الصحيح فدل أن ذلك العقد وقع صحيحاً في الأصل فدل أنه كان قبل تحريم الجمع ولا كلام فيه .
ثالثاً : السّلام بعد المفارقة :
19 - قال النّووي : البدء بالسّلام سنّة مؤكّدة ومن السنّة أنّ من سلّم على إنسانٍ ثمّ فارقه ثمّ لقيه على قربٍ أو حال بينهم شيء ثمّ اجتمعا فالسنّة أن يسلّم عليه , وهكذا لو تكرّر ذلك ثالثاً ورابعاً وأكثر سلّم عند كلّ لقاءٍ وإن قرب الزّمان , قال : اتّفق عليه أصحابنا لحديث أبي هريرة في قصّة المسيء صلاته : « أنّه صلّى في جانب المسجد ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فردّ عليه السّلام ثمّ قال ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ فرجع فصلّى ، ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى فعل ذلك ثلاث مرّاتٍ » .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « إذا لقي أحدكم أخاه فليسلّم ، عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثمّ لقيه فليسلّم عليه » . وعن أنسٍ رضي الله تعالى عنه قال : « كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرّقوا يميناً وشمالاً ثمّ التقوا من ورائها سلّم بعضهم على بعضٍ » .
ومن السنّة إذا قام شخص من المجلس وأراد فراق الجالسين أن يسلّم عليهم .
وتفصيل هذه المسألة في : ( مصطلح سلام ف 25 ) .
رابعاً : مفارقة جماعة المسلمين :
20 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب طاعة الإمام العادل ويحرم الخروج عليه , أمّا غير العادل فقد اختلف في طاعته .
والتّفصيل في مصطلح : ( الإمامة الكبرى ف 12 , 21 ) .
خامساً : مصالحة الزّوجة زوجها حتّى لا يفارقها :
21 - إذا نفر الزّوج من زوجته وأراد فراقها فيجوز للزّوجة مصالحته حتّى لا يفارقها , قال اللّه تعالى : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } .
قال ابن كثيرٍ : الظّاهر من الآية أنّ صلحهما على ترك بعض حقّها للزّوج وقبول الزّوج ذلك خير من المفارقة بالكلّيّة , كما أمسك النّبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة رضي الله عنهما على أن تركت يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه , وفعل النّبي صلى الله عليه وسلم ذلك لتتأسّى به أمّته في مشروعيّة ذلك وجوازه ولمّا كان الوفاق أحبّ إلى اللّه من الفراق قال : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } فإذا أصرّ الزّوج على الفراق فقد أخبر اللّه تعالى أنّهما إذا تفرّقا فإنّ اللّه يغنيه عنها ويغنيها عنه قال تعالى : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } .
سادساً : مفارقة الجالسين في الأمكنة العامّة أماكنهم :
22 - يجوز لكلّ أحدٍ من النّاس أن يجلس في الأماكن العامّة كالشّارع والمسجد والسوق وذلك للحاجة من معاملةٍ أو حرفةٍ أو إقراءٍ أو غير ذلك إذا لم يكن في ذلك ضرر للغير , وهذا باتّفاق , لكن إذا جلس أحد في مكانٍ من هذه الأماكن ثمّ فارقه ثمّ عاد إليه فهل يكون أحقّ به ؟ للفقهاء في ذلك تفصيل بيانه في مصطلح : ( مجلس ف 7 , وارتفاق 8 - 9 , وطريق ف 9 - 13 ) .(/7)
مُفِصَّل *
التّعريف :
1 - المفصّل - بفتح الصّاد المشدّدة - هو السبع السّابع أو الأخير من القرآن الكريم , وهو ما يلي المثاني من قصار السور , سمّي به لكثرة الفصول بين سوره بالبسملة أو لقلّة المنسوخ فيه ولهذا يسمّى بالمحكم أيضاً كما ورد عن سعيد بن جبيرٍ قال : إنّ الّذي تدعونه المفصّل هو المحكم .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الطول :
2 - قال الزّركشي : السّبع الطول أوّلها البقرة وآخرها براءة ، لأنّهم كانوا يعدون الأنفال و براءة سورة واحدة , ولذلك لم يفصلوا بينهما , لأنّهما نزلتا جميعاً في مغازي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم , وسمّي طولاً : لطولها .
وحكي عن سعيد بن جبيرٍ رحمه الله : أنّه عدّ السّبع الطول : البقرة وآل عمران , والنّساء والمائدة , والأنعام , والأعراف , ويونس .
وروي مثله عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما .
والصّلة بين المفصّل والطول : أنّهما من أقسام القرآن الكريم .
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت مكان التّوراة السّبع ، وأعطيت مكان الزّبور المئين ، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني ، وفضّلت بالمفصّل » .
ب - المئون :
3 - المئون هي السور القرآنيّة الّتي وليت السّبع الطول , سمّيت بذلك لأنّ كلّ سورةٍ منها تزيد على مائة آيةٍ أو تقاربها .
والصّلة بين المفصّل والمئين : أنّ كلاً منهما من أقسام القرآن الكريم .
ج - المثاني :
4 - المثاني في اللغة : جمع مثنى أو مثنّاةٍ , من التّثنية بمعنى التّكرار .
وفي الاصطلاح : ما ولي المئين , لأنّها ثنتها , أي كانت بعدها , فالمثاني للمئين ثوانٍ , والمئون لها أوائل , قال السيوطيّ , وعزاه إلى الفرّاء : إنّ المثاني هي السور الّتي آيها أقل من مائةٍ , لأنّها تثنّى أكثر ممّا يثنّى الطول والمئون .
ويطلق المثاني أيضاً على القرآن كلّه كما في : { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } لأنّه يكرّر فيه الأنباء والوعد والوعيد والقصص .
كما تطلق على الفاتحة لأنّها تثنّى في كلّ صلاةٍ . والعلاقة بين المفصّل والمثاني على الإطلاق الأوّل : أنّ كلاً منهما من أقسام سور القرآن الكريم .
وعلى الإطلاق الثّاني : أنّ المفصّل جزء من المثاني .
وعلى الإطلاق الثّالث : كلاهما ممّا يشتمل عليه القرآن الكريم .
آخر المفصّل وأوّله :
5 - قال الزّركشي والسيوطي : آخر المفصّل في القرآن الكريم سورة النّاس بلا نزاعٍ . واختلف الفقهاء في أوّل المفصّل :
فذهب الحنفيّة والمالكيّة على المعتمد والشّافعيّة في الأصحّ , وابن عقيلٍ من الحنابلة إلى أنّ أوّل المفصّل سورة الحجرات .
والصّحيح من المذهب عند الحنابلة أنّ أوّل المفصّل من سورة " ق " .
وقد جمع الزّركشي أقوال الفقهاء في أوّل المفصّل في اثني عشر قولاً هي :
أحدها : الجاثية .
ثانيها : القتال , وعزاه الماورديّ للأكثرين .
ثالثها : الحجرات .
رابعها : " ق " , قيل وهي أوّله في مصحف عثمان رضي الله عنه .
وفيه حديث ذكره الخطّابي في غريبه , يرويه عيسى بن يونس قال : حدّثنا عبد الرّحمن بن يعلى الطّائفي قال : حدّثني عثمان بن عبد اللّه بن أوس بن حذيفة عن جدّه : « أنّه وفد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيفٍ فسمع أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يحزّب القرآن ، قال : وحزب المفصّل من " ق " » .
وقال الماورديّ في تفسيره : حكاه عيسى بن عمر عن كثيرٍ من الصّحابة , للحديث المذكور .
الخامس : الصّافّات .
السّادس : الصّف .
السّابع : تبارك .
حكى هذه الثّلاثة ابن أبي الصّيف اليمني في " نكت التّنبيه " .
الثّامن : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ } حكاه الذّماري في شرح التّنبيه المسمّى : رفع التّمويه .
التّاسع : { الرَّحْمَنُ } , حكاه ابن السّيّد في أماليه على الموطّأ ، وقال : إنّه كذلك في مصحف ابن مسعودٍ رضي الله عنه . قلت رواه أحمد في مسنده كذلك .
العاشر : { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ } .
الحادي عشر : { سَبِّحِ } , حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقيّ .
الثّاني عشر : { وَالضُّحَى } , عزاه الماورديّ لابن عبّاسٍ , حكاه الخطّابي في غريبه , ووجّهه بأنّ القارئ يفصّل بين هذه السور بالتّكبير قال : وهو مذهب ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما وقرّاء مكّة .
والصّحيح عند أهل الأثر أنّ أوّله " ق " .
أقسام المفصّل :
6 - قال السيوطيّ : للمفصّل طوال وأوساط وقصار , قال ابن معنٍ : فطواله إلى " عمّ " وأوساطه منها إلى " الضحى " , ومنها إلى آخر القرآن قصار .
قال : هذا أقرب ما قيل فيه .
وفيه خلاف وتفصيل , ينظر في مصطلح : ( قراءة ف 5 ) .
ما يقرأ من المفصّل في الصّلوات الخمس :
7 - اتّفق الفقهاء على أنّه يسن للمصلّي أن يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصّل , كما اتّفقوا على أنّه يقرأ في المغرب بقصار المفصّل , وفي العشاء بأوساطه .
واختلفوا في الظهر والعصر على أقوالٍ ينظر تفصيلها في مصطلح : ( صلاة ف 66 ) .(/1)
مُلْتَزَم *
التّعريف :
1 - الملتزم بفتح الزّاي : اسم مفعول من فعل التزم , يقال : التزمت الشّيء , أي : اعتنقته فهو ملتزَم , ومنه يقال لما بين باب الكعبة والحجر الأسود : الملتزم , لأنّ النّاس يعتنقونه , أي : يضمونه إلى صدورهم .
وفي الاصطلاح : الملتزم ما بين الركن الّذي به الحجر الأسود إلى باب الكعبة من حائط الكعبة المشرّفة , وعرضه علو أربعة أذرع , وقال الرحيباني : مساحته قدر أربعة أذرع بذراع اليد .
وسمّي بذلك « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم التزمه , وأخبر أنّ هناك ملكاً يؤمّن على الدعاء » .
الحكم التّكليفي :
2 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يستحب أن يلتزم الطّائف الملتزم بعد طواف الوداع اقتداءً بالرّسول صلى الله عليه وسلم , لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه قال : « طفت مع عبد اللّه : فلمّا جئنا دبر الكعبة قلت : ألا تتعوّذ ؟ قال : نعوذ باللّه من النّار , ثمّ مضى حتّى استلم الحجر , وأقام بين الركن والباب , فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفّيه هكذا , وبسطهما بسطاً , ثمّ قال : هكذا رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفعله » .
ونصّ الحنفيّة والمالكيّة على استحباب التزام الملتزم بعد طواف القدوم أيضاً .
وأطلق الشّافعيّة استحباب التزام الملتزم بعد الطّواف مطلقاً .
كيفيّة التزام الملتزم والدعاء فيه :
3 - نصّ الفقهاء على أنّ كيفيّة التزام الملتزم أن يلصق صدره ووجهه بجدار البيت , ويضع خدّه الأيمن عليه , ويبسط ذراعيه وكفّيه , بحيث تكون يده اليمنى إلى الباب واليسرى إلى الركن , ويتعلّق بأستار الكعبة كما يتعلّق عبد ذليل بطرف ثوب لمولى جليل كالمتشفّع بها , ودعا حال تثبته وتعلقه بالأستار مجتهداً متضرّعاً , متخشّعاً , مكبّراً , مهلّلاً, مصلّياً على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويبكي أو يتباكى , ولو لم ينل الأستار يضع يديه على رأسه مبسوطتين على الجدار قائمتين , والتصق بالجدار , ودعا بما شاء وبما أحبّ من خيري الدنيا والآخرة , ومنه : اللّهمّ هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك , حملتني على ما سخّرت لي من خلقك , وسيّرتني في بلادك حتّى بلّغتني بنعمتك إلى بيتك , وأعنتني على أداء نسكي , فإن كنت رضيت عنّي فازدد عنّي رضاً , وإلّا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري , فهذا أوان الفراق إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك , ولا راغب عنك ولا عن بيتك , اللّهمّ فاصحبني العافية في بدني , والصّحّة في جسمي , والعصمة في ديني , وأحسن منقلبي , وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني , واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة , إنّك على كلّ شيء قدير .
وإن أحبّ دعا بغير ذلك , وصلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم .
وقت التزام الملتزم :
4 - اختلف الفقهاء في وقت التزام الملتزم , فذهب المالكيّة والحنابلة والحنفيّة في الأصحّ والمشهور من الرّوايات إلى أنّه يستحب أن يأتي الملتزم بعد ركعتي الطّواف , قبل الخروج إلى الصّفا .
وقال الشّافعيّة : يندب أن يلتزم قبل الصّلاة . وهو قول ثان عند الحنفيّة , قال ابن عابدين : وهو الأسهل والأفضل وعليه العمل .(/1)
مُوالاة *
التّعريف :
1 - المُوالاة في اللغة : المتابعة ، يقال : والى بين الأمرين مُوالاةً ووِلاءً - بالكسر - تابع بينهما ، ويقال : أفعل هذه الأشياء على الوِلاء ، أي متتابعةً ، وتوالى عليهم شهران : تتابعا، وتطلق الموالاة في اللغة على المناصرة .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
قال الآبي في تعريف الموالاة بين فرائض الوضوء ، الموالاة : عدم التّفريق الكثير بين فرائض الوضوء ، ويسمّى فوراً .
وقال البركتي : الموالاة في الوضوء : هي غسل الأعضاء على سبيل التّعاقب بحيث لا يجف العضو الأوّل .
وقال الكاساني : المُوالاة : هي أن لا يشتغل المتوضّئُ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه .
الألفاظ ذات الصّلة :
التّرتيب :
2 - التّرتيب في اللغة : جعل كلّ شيء في مرتبته .
وفي الاصطلاح : هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد . ويكون لبعض أجزائه نسبةً إلى البعض بالتّقدم والتّأخر ، وعلى ذلك فالموالاة والتّرتيب متقاربان في المعنى إلّا أنّ الموالاة تختلف عن التّرتيب ؛ لأنّ التّرتيب يكون لبعض الأجزاء نسبةً إلى البعض بالتّقدم والتّأخر بخلاف الموالاة .
وأنّ الموالاة يشترط فيها عدم القطع والتّفريق .
الأحكام المتعلّقة بالموالاة :
تتعلّق بالموالاة أحكام منها :
أ - الموالاة في الوضوء :
3 - اختلف الفقهاء في الموالاة في الوضوء ، فقال الحنفيّة والشّافعيّة في القول الصّحيح الجديد والحنابلة في رواية : إنّها سنَّة ، وبه قال من الصّحابة عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما ومن التّابعين الحسن وسعيد بن المسيّب والثّوري ؛ لأنّ التّفريق لا يمنع من امتثال الأمر في قوله تعالى : { فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } الآية ، فوجب أن لا يمنع من الإجزاء ، وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه توضّأ في السوق ، فغسل وجهه ومسح رأسه ، ثمّ دعي لجنازة ليصلّي عليها حين دخل المسجد ، فمسح على خفّيه ، ثمّ صلّى عليها .
ولأنّه تفريق في تطهير فجاز كالتّفريق اليسير ، ولأنّ كلّ عبادة جاز فيها التّفريق اليسير جاز فيها التّفريق الكثير كالحجّ .
وقال المسعودي من الشّافعيّة : إنَّ الشّافعيّ جوّز في القديم تفريق الصّلاة بالعذر إذا سبقه الحدث ، فيتوضّأ ويبني ، فالطّهارة أولى .
وقال الماورديّ : إنّ الموالاة في الوضوء أفضل ومتابعة الأعضاء أكمل انقياداً لما يقتضيه الأمر من التّعجيل ، واتّباعاً لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم ، فإن فرّق فالتّفريق ضربان: قريب وبعيد :
فالقريب : معفو عنه لا تأثير له في الوضوء ، وحدّه ما لم تجفّ الأعضاء مع اعتدال الهواء في غير برد ولا حر مشتد ، وليس الجفاف معتبراً وإنّما زمانه هو المعتبر ؛ ولأنّه لا يمكن الاحتراز منه .
وأمّا البعيد : فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء ، ففيه قولان : أحدهما - وهو الجديد - : أنّه جائزٌ ، والوضوء معه صحيح ، والثّاني - وهو القديم - : لا يجوز ، والوضوء معه غير صحيح .
وقال السيوطيّ : الموالاة سنّة على الأصحّ في الوضوء والغسل والتّيمم . . . وبين أشواط الطّواف والسّعي والجمع بين الصّلاتين في وقت الثّانية .
وقيل : الموالاة واجبة في كلّ ما سبق .
وقال : إنّها واجبة على الأصحّ في الجمع في وقت الأولى ، وبين طهارة دائم الحدث وصلاته، وبين كلمات الأذان والإقامة ، وبين الخطبة وصلاة الجمعة ، وتجب الموالاة قطعاً بين كلمات الفاتحة ، والتّشهد وردّ السّلام .
وقال المالكيّة ، والشّافعيّة في القول القديم ، والحنابلة في المذهب : إنّها واجبة ، وبه قال من الصّحابة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ومن الفقهاء الأوزاعي ؛ لأنّ مطلق أمر اللّه تعالى بالوضوء في قوله تعالى : { فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } ، يقتضي الفور والتّعجيل ، وذلك يمنع من التّأجيل ؛ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم توضّأ على الولاء ثمّ قال : « هذا وضوء من لا يقبل اللّه منه صلاةً إلّا به » ، يعني بمثله في الولاء ، وروى جابر عن عمر رضي الله عنه « أنّ رجلاً توضّأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النّبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ارجع فأحسن وضوءك " فرجع ثمّ صلّى » .
وقال الدسوقي : من غير تفريق كثير ؛ لأنّ التّفريق اليسير لا يضر مطلقاً سهواً كان أو عجزاً أو عمداً ، وإذا لم يضرّ التّفريق اليسير فيكره إن كان عمداً على المعتمد ، واليسير مقدّر بعدم الجفاف .
وأمّا النّاسي والعاجز فلا تجب الموالاة في حقّهما ، وحينئذٍ إذا فرّق ناسياً أو عاجزاً ، فإنّه يبني مطلقاً سواء طال أم لا ، لكن النّاسي يبني بنيّة جديدة ، وأمّا العاجز فلا يحتاج لتجديد نيّته .
ب - الموالاة في الغُسل :
4 - اختلف الفقهاء في الموالاة في الغُسل ، فقال جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على الجديد المشهور والحنابلة : إنّها سنّة في الغُسل بين غسل جميع أجزاء البدن لفعله صلى الله عليه وسلم ، ولا تجب الموالاة في الغُسل ؛ لأنّ البدن شيء واحد ، وقال الشّافعيّة في وجهٍ والحنابلة : إن فاتت الموالاة قبل إتمام الغُسل بأن جفّ ما غسله من بدنه بزمان معتدل وأراد أن يتمّ غسله جدّد النّيّة لإتمامه وجوباً لانقطاع النّيّة بفوات الموالاة ، فيقع غسل ما بقي بدون نيّة .
وقال بعض الشّافعيّة : لا يضر تفريق الغسل قطعاً بلا خلاف .
وقال بعض الحنفيّة : إن فرّقه لعذر ، بأن فرغ ماء الوضوء أو انقلب الإناء فذهب لطلب الماء وما أشبهه فلا بأس بالتّفريق على الصّحيح .(/1)
وقال المالكيّة : إنّ الموالاة فرضٌ في الغُسل ، قال الدسوقي : أمّا الموالاة ، فالظّاهر من المذهب أنّها واجبة كنيّة في الوضوء عندهم إن قدر وذكر ، فإن فرّق عامداً بطل إن طال ، وإلّا بنى على ما فعل بنيّة ، أمّا النّاسي والعاجز فلا تجب الموالاة في حقّهما ، وحينئذٍ إذا فرّق ناسياً أو عاجزاً فإنّه يبني مطلقاً سواء طال أم لا ، لكن النّاسي يبني بنيّة جديدة ، وأمّا العاجز فلا يحتاج لتجديد نيّة .
ج - الموالاة في التّيمم :
5 - اختلف الفقهاء في الموالاة في التّيمم ، فقال الحنفيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة في إحدى الرّوايتين إنّها سنّة .
وقال المالكيّة والشّافعيّة في القديم : إنّها واجبة .
كما تجب عند الشّافعيّة الموالاة في تيمم دائم الحدث ووضوئه تخفيفاً للمانع ؛ لأنّ الحدث يتكرّر وهو مستغن عنه بالموالاة .
والمذهب عند الحنابلة أنّ الموالاة في التّيمم فرضٌ في الطّهارة الصغرى ، أمّا في الكبرى فلا يعتبر فيه ترتيب ولا موالاة .
والتّفصيل في مصطلح ( تيمم ف / 30 ) .
د - الموالاة بين كلمات الأذان والإقامة :
6 - اختلف الفقهاء في حكم الموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة .
فذهب الشّافعيّة والمالكيّة والشّافعيّة في قول إلى أنّ الموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة سنّة . وذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة إلى أنّها واجبة .
واختلفوا في الفصل الّذي يقطع الموالاة .
فيرى جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة " أنّه يكره الفصل بين ألفاظ الأذان والإقامة ولو بردّ سلام أو تشميت عاطسٍ أو نحوهما ؛ لما فيه من ترك سنّة الموالاة ، ولأنّه ذكر معظّم كالخطبة ، فلا يسع ترك حرمته ، فإن تكلّم استأنفه ، إلّا إذا كان الكلام يسيراً ، فإنّه لا يستأنف عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وزاد المالكيّة والشّافعيّة أنّه إذا أضطرّ المؤذّن للكلام ، مثل أن يخاف على صبي أو دابّة أو أعمى أن يقع في بئر ، فإنّه يتكلّم ويبني .
وفي قول عند الشّافعيّة : أنّه لا يضر كلام وسكوت طويلان بين كلمات الأذان والإقامة كغيرهما من الأذكار ، وهذا إذا لم يفحش الطول ، فإن فحش بحيث لا يسمّى مع الأوّل أذاناً في الأذان ولا إقامةً في الإقامة استأنف جزماً .
وقيل : يضر كثير الكلام دون كثير السكوت .
وللحنابلة تفصيل فقالوا : ولا يصح الأذان ، وكذا الإقامة ، إلّا متوالياً عرفاً ؛ لأنّه لا يحصل المقصود منه ، وهو الإعلام بدخول الوقت بغير موالاة ، وشرع في الأصل كذلك ، بدليل أنّه « صلى الله عليه وسلم علَّمَ أبا محذورة الأذان مرتّباً متوالياً » . فلو فرّق بينه بسكوت طويل ، ولو بسبب نوم أو إغماء أو جنون ، أو فرّق بينه بكلام كثير لم يعتدّ به لفوات الموالاة ، ولو فرّق بينه بكلام محرّم ، كسبّ وقذف ونحوهما وإن كان يسيراً لم يعتدّ به ؛ لأنّه قد يظنه سامعه متلاعباً أشبه المستهزئ ، ولو ارتدّ في أثنائه لم يعتدّ به لخروجه عن أهليّة الأذان .
ويكره في الأذان سكوت يسير بلا حاجة وكره فيه كلام مباح يسير بلا حاجة فإن كان لها لم يكره ؛ لأنّ سليمان بن صرد رضي الله عنه - وله صحبة - كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه .
وله رد سلام في الأذان والإقامة ولا يبطلان به ، ولا يجب الرّد ؛ لأنّ ابتداء السّلام إذن غير مسنون .
هـ - الموالاة بين كلمات الفاتحة :
7 - قال المالكيّة : يكره الدعاء في الصّلاة المفروضة قبل قراءة الفاتحة وبعدها وأثنائها بأن يخلّلها به ؛ لاشتماله على الدعاء ، ولا يكره في النّفل .
وقال الشّافعيّة : تجب الموالاة بين كلمات الفاتحة بأن يصل الكلمات بعضها ببعض ولا يفصل إلّا بقدر التّنفس للاتّباع مع خبر : « صلوا كما رأيتموني أصلّي » ، فلو أخلّ بها سهواً لم يضرّ كترك الموالاة في الصّلاة بأن طوّل ركناً قصيراً ناسياً ، بخلاف ما لو ترك الفاتحة سهواً فإنّه يضر ؛ لأنّ الموالاة صفة والقراءة أصل ، فإن تخلّل ذكر أجنبيّ لا يتعلّق بالصّلاة قطع الموالاة وإن قلّ كالتّحميد عند العطاس وإجابة المؤذّن والتّسبيح للدّاخل ؛ لأنّ الاشتغال به يوهم الإعراض عن القراءة فليستأنفها ، هذا إن تعمّد ، فإن كان سهواً فالصّحيح المنصوص أنّه لا يقطع بل يبني .
وقيل : إن طال الذّكر قطع الموالاة وإلّا فلا .
فإن تعلّق بالصّلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه إذا توقّف فيها فلا يقطع الموالاة في الأصحّ لندب ذلك للمأموم في الأصحّ ، والثّاني يقطعها لأنّه ليس مندوباً كالحمد عند العطاس وغيره ، ومحل الخلاف في العامد ، فإن كان ساهياً لم يقطع ما ذكر جزماً .
ويقطع الموالاة السكوت العمد الطّويل لإشعاره بالإعراض مختاراً كان أو لعائق لإخلاله بالموالاة المعتبرة ، أمّا النّاسي فلا يقطع على الصّحيح ، وكذا يقطع يسير قصد به قطع القراءة في الأصحّ لتأثير الفعل مع النّيّة كنقل الوديعة بنيّة الخيانة ، فإنّه يضمن ، وإن لم يضمن بأحدهما منفرداً ، والثّاني لا يقطع ؛ لأنّ قصد القطع وحده لا يؤثّر ، والسكوت اليسير وحده لا يؤثّر أيضاً ، فكذا إذا اجتمعا ، فإن لم يقصد القطع ولم يطل السكوت لم يضرّ كنقل الوديعة بلا نيّة تعد ، وكذا إن نوى قطع القراءة ولم يسكت .(/2)
وقال الحنابلة : إن قطع قراءة الفاتحة بذكر من دعاء أو قراءة أو سكوتٍ يسيراً أو فرغ الإمام من الفاتحة في أثناء قراءة المأموم قال " آمين " ولا تنقطع قراءته ؛ لقول أحمد : إذا مرّت به آية رحمة سأل ، وإذا مرّت به آية عذاب استعاذ ، وإن كثر ذلك استأنف قراءتها ، إلّا أن يكون السكوت مأموراً به كالمأموم يشرع في قراءة الفاتحة ثمّ يسمع قراءة الإمام فينصت له ، فإذا سكت الإمام أتمّ قراءتها وأجزأه ، أومأ إليه أحمد ، وكذلك إن كان السكوت نسياناً أو نوماً أو لانتقاله إلى غيرها غلطاً لم يبطل ، فمتى ذكر أتى بما بقي منها ، فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره أبطلها ، ولزمه استئنافها كما لو ابتدأ بذلك ، فإن نوى قطع قراءتها من غير أن يقطعها لم تنقطع ؛ لأنّ فعله مخالف لنيّته ، والاعتبار بالفعل لا بالنّيّة ، وكذا إن سكت مع النّيّة سكوتاً يسيراً لما ذكرناه من أنّه لا عبرة بالنّيّة فوجودها كعدمها ، وذكر القاضي في الجامع أنّه متى سكت مع النّيّة أبطلها ، ومتى عدل إلى قراءة غير الفاتحة عمداً أو دعاءً غير مأمور به بطلت قراءته ، ولم يفرّق بين قليل أو كثير ، وإن قدّم آيةً منها في غير موضعها عمداً أبطلها ، وإن كان غلطاً رجع إلى موضع الغلط فأتمّها .
و - الموالاة بين كلمات التّشهد :
8 - قال الشّافعيّة : تجب الموالاة بين كلمات التّشهد ، صرّح بذلك المتولّي . قال ابن الرّفعة: وهو قياس الفاتحة .
ز - الموالاة في تكبيرات صلاة العيد :
9 - اختلف الفقهاء في الموالاة في تكبيرات صلاة العيد أو الفصل بينها بشيء من التّحميد والتّسبيح ونحو ذلك .
فذهب الحنفيّة , والمالكيّة إلى أنّه يوالي بينها كالتّسبيح في الركوع والسجود ، قالوا : لأنّه لو كان بينها ذكر مشروع لنقل كما نقل التّكبير ، وبه قال ابن مسعود وحذيفة وأبو موسى وأبو مسعود البدري رضي الله عنهم وابن سيرين والثّوري والأوزاعي والحسن .
قال السّرخسي : وإنّما قلنا بالموالاة بين القراءتين ؛ لأنّ التّكبيرات يؤتى بها عقب ذكر هو فرضٌ ، ففي الرّكعة الأولى يؤتى بها عقب تكبيرة الافتتاح ، وفي الثّانية عقب القراءة ؛ ولأنّه يجمع بين التّكبيرات ما أمكن ، ففي الرّكعة الأولى يجمع بينها وبين تكبيرة الافتتاح ، وفي الثّانية يجمع بينها وبين تكبيرة الركوع ، ولم يبيّن مقدار الفصل بين التّكبيرات في الكتاب .
وروي عن أبي حنيفة في مقدار الفصل بين التّكبيرات أنّه قال : يسكت بين كلّ تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحاتٍ .
وقال الشّافعيّة والحنابلة : يفصل بين التّكبيرات بذكر مسنون ، فقال الشّافعي وأصحابه : يستحب أن يقف بين كلّ تكبيرتين من الزّوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة ، يهلّل اللّه تعالى ويكبّره ويحمده ويمجّده ، واختلف أصحاب الشّافعيّ فيما يقوله بين التّكبيرتين فقال جمهور أصحاب الشّافعيّ : يقول : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ، وقال بعضهم : يقول : لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير .
وقال بعضهم : إنّه يفصل بينها ، بقول : اللّه أكبر كبيراً والحمد للّه كثيراً وسبحان اللّه بكرةً وأصيلاً وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلّم كثيراً .
وقال بعضهم : يقول " سبحانك اللّهُمَّ وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك وجلّ ثناؤك ولا إله غيرك " ولا يأتي بهذا الذّكر بعد السّابعة والخامسة .
وقال الحنابلة : إنّه يحمد اللّه ويثني عليه ويصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين كلّ تكبيرتين ، وإن أحبّ قال : اللّه أكبر كبيراً والحمد للّه بكرةً وأصيلاً ، وصلّى اللّه على محمّد النّبيّ الأمّيّ وعليه السّلام . وإن أحبّ قال : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ، أو ما شاء من الذّكر .
ج - الموالاة في جمع التّقديم بين الصّلاتين :
10 - قال جمهور الفقهاء " الحنفيّة في ظاهر الرّواية والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " : تشترط الموالاة في جمع التّقديم بين الصّلاتين بأن لا يفصل بينهما فاصل طويل ؛ لأنّ الجمع يجعلهما كصلاة واحدة ، فوجب الولاء كركعات الصّلاة ، أي فلا يفرّق بينهما كما لا يجوز أن يفرّق بين الرّكعات في صلاة واحدة ، فإن فصل بينهما بفصل طويل ولو بعذر كسهو أو إغماء بطل الجمع ووجب تأخير الصّلاة الثّانية إلى وقتها لفوات الجمع ، وإن فصل بينهما بفصل يسير لم يضرّ كالفصل بينهما بالأذان والإقامة والطّهارة ؛ لما ورد عن أسامة رضي الله عنه : « إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جاء المزدلفة فتوضّأ فأسبغ ، ثمّ أقيمت الصّلاة فصلّى المغرب ، ثمّ أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثمّ أقيمت الصّلاة فصلّى ، ولم يصلّ بينهما » .
وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه يستثنى من الموالاة سنّة الظهر ، وذهب بعضٌ آخر إلى استثناء تكبيرات التّشريق .
وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّه يجوز الجمع بين الصّلاتين - جمع تقديم - وإن طال بينهما الفصل ما لم يخرج وقت الأولى منهما .
ط - الموالاة بين أشواط الطّواف :(/3)
11 - ذهب المالكيّة والحنابلة ، والشّافعيّة في قول إلى أنّ الموالاة بين أشواط الطّواف واجبة ، فإن ترك الموالاة وطال الفصل ابتدأ الطّواف ، وإن لم يطل بنى ، ولا فرق بين ترك الموالاة عمداً وسهواً ، مثل من يترك شوطاً من الطّواف يحسب أنّه قد أتمّه ؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال : « خذوا عنّي مناسككم » ، ولأنّه صلاة ، قال النّبي صلى الله عليه وسلم : « الطّواف بالبيت صلاة » ، فاشترطت لها الموالاة كالصّلاة ، ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف من غير تحديد .
وقال الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ : إنّ الموالاة سنّة ؛ « لأنّه صلى الله عليه وسلم والى طوافه » .
وصرّح الحنفيّة بأنّ التّفريق بين الأشواط تفريقاً كثيراً مكروه .
ي - الموالاة بين أشواط السّعي :
12 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الموالاة بين أشواط السّعي مستحبّة ، فلو فرّق بينها تفريقاً كثيراً كره واستحبّ له أن يستأنف .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّها سنّة .
وقال المالكيّة والحنابلة في المعتمد : إنَّ الموالاة بين أشواط السّعي شرطٌ لصحّة السّعي . والتّفصيل في مصطلح ( سعيٌ ف / 23 ) .
ك - الموالاة في رمي الجمرات :
13 - الموالاة في الجمرات بين الرّميات السّبع سنّة بحيث لا يزيد الفصل بينها عن الذّكر الوارد فيما بينها .
ل - الموالاة في تغريب الزّاني :
14 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ الموالاة في تغريب الزّاني شرطٌ ولو رجع إلى بلد غرّب منه أستؤنفت المدّة ليتوالى الإيحاش حتّى يكمل له الحول مسافراً .
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه إن عاد قبل مضيّ الحول أعيد تغريبه حتّى يكمل الحول مسافراً ويبني على ما مضى .
م - الموالاة بين كلمات اللّعان :
15 - يشترط الموالاة في اللّعان بين الكلمات الخمس الواردة في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ ،عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ،وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ، فيؤثِّر الفصل الطّويل لأنّهم جعلوها كالشّيء الواحد ، والواحد لا تفرّق أجزاؤه كما في الصّلاة المؤلّفة من ركعاتٍ .
ن - الموالاة في البيع بين الإيجاب والقبول :
16 - ذهب جمهور الفقهاء " الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة " إلى أنّ الموالاة لا تشترط في الإيجاب والقبول ، ولا يضر تراخي القبول عن الإيجاب ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه .
وقال الشّافعيّة : الموالاة بين الإيجاب والقبول في العقد شرطٌ ، ويشترط أن لا يطول الفصل بينهما ، فإن طال ضرّ ؛ لأنّ طول الفصل يخرج الثّاني عن أن يكون جواباً عن الأوّل ، فكل ما يشترط فيه القبول من العقود فعلى الفور ، أي أن يكون عقب الإيجاب ، ولا يضر عندهم الفصل اليسير .
وانظر التّفصيل في مصطلح ( عقد ف / 24 ) .
س - الموالاة في الاستثناء في اليمين :
17 - يشترط لصحّة الاستثناء في اليمين الموالاة بحيث يكون الاستثناء متّصلاً بالكلام السّابق ، فلو فصل عنه بسكوت كثير بغير عذر أو بكلام أجنبي لم يصحّ الاستثناء فلا يخصّص ما قبله إن كان استثناءً بنحو إلّا .
والتّفصيل في مصطلح ( استثناء ف / 16 ) .
ع - الموالاة في ردّ السّلام :
18 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجب رد السّلام على الفور .
قال ابن عابدين : إذا أخّر ردّ السّلام لغير عذر كره تحريماً ولا يرفع الإثم بالرّدّ بل بالتّوبة . وقال الزّركشي والسيوطي : ممّا تجب فيه الموالاة . . الموالاة في ردّ السّلام .
ف - التّخلل القاطع للموالاة :
19 - قال السيوطيّ نقلاً عن ابن السبكي : الضّابط في التّخلل المضرّ في الأبواب أن يُعدّ الثّاني منقطعاً عن الأوّل .
هذا يختلف باختلاف الأبواب ، فربّ باب يطلب فيه من الاتّصال ما لا يطلب في غيره ، وباختلاف المتخلّل نفسه ، فقد يغتفر من السكوت ما لا يغتفر من الكلام ، ومن الكلام المتعلّق بالعقد ما لا يغتفر من الأجنبيّ ، ومن المتخلّل بعذر ما لا يغتفر في غيره ، فصارت مراتب أقطعها للاتّصال كلام كثير أجنبيّ ، وأبعدها عنه سكوت يسير لعذر وبينهما مراتب لا تخفى .(/4)
مِحْراب *
التّعريف :
1 - المحراب في اللغة : الغرفة , وصدر البيت وأكرم مواضعه , ومقام الإمام من المسجد , والموضع ينفرد به الملك فيتباعد عن النّاس , والأجمة , وعنق الدّابّة .
قال الفيوميّ : المحراب صدر المجلس , ويقال : هو أشرف المجالس , وهو حيث يجلس الملوك والسّادات والعظماء ومنه محراب المصلّي .
وقال ابن الأنباريّ عن أحمد بن عبيدٍ : سمّي محراباً لانفراد الإمام إذا قام فيه وبعده عن القوم .
والمحراب عند الفقهاء هو : مقام الإمام في الصّلاة , والجهة الّتي يصلّي نحوها المسلمون , قال الطّحطاويّ , بعد تعريف القبلة تعريفاً شرعياً : وتسمى - أي القبلة - أيضاً محراباً , لأنّ مقابلها يحارب الشّيطان والنّفس , أي بإحضار قلبه .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - القبلة :
2 - القبلة في اللغة : الجهة , يقال : ليس لفلان قبلة ، أي جهة , ويقال : أين قبلتك ؟ أي جهتك , والقبلة أيضاً : وجهة المسجد وناحية الصّلاة .
وفي الاصطلاح : قال الشّربيني الخطيب : القبلة صارت في الشّرع حقيقة الكعبة لا يفهم منها غيرها , سمّيت قبلةً لأنّ المصلّي يقابلها .
والصّلة بين المحراب والقبلة : أنّ المحراب الّذي نصب باجتهاد علماء المسلمين يكون - في الجملة - أمارةً على القبلة .
ب - المسجد :
3 - المسجد في اللغة : بيت الصّلاة , وموضع السجود من بدن الإنسان , والجمع مساجد . وفي الاصطلاح : الأرض الّتي جعلها مالكها مسجداً بقوله : جعلتها مسجداً وأفرز طريقه وأذّن بالصّلاة فيه .
والعلاقة بين المحراب والمسجد : أنّ المحراب جزء من المسجد , ومقام الإمام للصّلاة فيه . ج - الطّاق :
4 - الطّاق في اللغة : ما عطف من الأبنية وجعل كالقوس .
وفي الاصطلاح : المحراب , والظلّة الّتي عند باب المسجد أو حوله .
والصّلة بين المحراب والطّاق التّرادف على المعنى الاصطلاحيّ الأوّل , وأنّ كلاً منهما بناء في المسجد أو في رحبته على المعنى الثّاني .
حكم اتّخاذ المحراب :
5 - اختلف الفقهاء في حكم اتّخاذ المحراب :
فقال الحنابلة : اتّخاذ المحراب مباح , نصّ عليه , وقيل : يستحب , أومأ إليه أحمد واختاره الآجري وابن عقيلٍ وابن الجوزيّ وابن تميمٍ , ليستدلّ به الجاهل , وكان أحمد يكره كلّ محدثٍ , واقتصر ابن البنّاء عليه فدلّ على أنّه قال به .
وقال الزّركشي : كره بعض السّلف اتّخاذ المحاريب في المسجد .
وعبارة الحنفيّة والمالكيّة تدل على إباحته .
قال ابن عابدين : إنّ الإمام - الرّاتب - لو ترك المحراب وقام في غيره يكره ولو كان قيامه وسط الصّفّ لأنّه خلاف عمل الأمّة .
وقال الدسوقيّ : المشهور أنّ الإمام يقوم في المحراب حال صلاة الفريضة كيف اتّفق .
أوّل من اتّخذ المحراب :
6 - لم يكن للمسجد النّبويّ الشّريف محراب في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم , ولا في عهد الخلفاء بعده , وأوّل من اتّخذ المحراب عمر بن عبد العزيز , أحدثه وهو عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة المنوّرة عندما أسّس مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا هدمه وزاد فيه , وكان هدمه للمسجد سنة إحدى وتسعين للهجرة , وقيل سنة ثمانٍ وثمانين وفرغ منه سنة إحدى وتسعين - وهو أشبه - وفيها حجّ الوليد .
ويعني بمحراب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مصلاه وموقفه , لأنّ هذا المحراب المعروف لم يكن في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم .
تزويق المحراب ووضع مصحفٍ فيه :
7 - نصّ المالكيّة على أنّه يكره تزويق محراب المسجد بذهب أو غيره , وكذلك الكتابة فيه , بخلاف تجصيصه فيستحب , وتعمد مصحفٍ في المحراب أي جعله فيه عمداً ليصلّي له , أي إلى جهة المصحف أو ليصلّي متوجّهاً إليه , فإن لم يتعمّد ذلك بأن كان المصحف في الموضع الّذي يعلّق فيه لم تكره الصّلاة لجهته .
ونقل الزّركشي عن مالكٍ أنّه يكره أن يكتب في قبلة المسجد - أي محرابه - آية من القرآن آو شيءٍ منه , وأردف الزّركشي ذلك بقوله : وجوّزه بعض العلماء وقال : لا بأس به لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ } الآية , ولما روي من فعل عثمان رضي الله تعالى عنه ذلك بمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ينكر ذلك .
قيام الإمام في المحراب :
8 - اختلف الفقهاء في حكم قيام الإمام في المحراب أثناء صلاة الجماعة :
فذهب الشّافعيّة والمالكيّة في المشهور عندهم وبعض الحنفيّة إلى أنّه يجوز للإمام القيام في المحراب حال صلاة الفريضة .
وذهب الحنابلة وبعض الحنفيّة إلى كراهة قيام الإمام في المحراب حال صلاة الفريضة في الجملة .
وروي عن بعض فقهاء الحنفيّة أنّه يكره للإمام أن يقوم في غير المحراب إلا لضرورة , وروي عن أحمد أنّه يستحب وقوف الإمام في المحراب .
وللفقهاء في ذلك وغيره تفصيل :
لخّص ابن عابدين اختلاف فقهاء الحنفيّة بقوله : حاصله أنّه صرّح محمّد في الجامع الصّغير بالكراهة ولم يفصّل , فاختلف المشايخ في سببها : فقيل : كونه يصير ممتازاً عنهم في المكان , لأنّ المحراب في معنى بيتٍ آخر , وذلك صنيع أهل الكتاب , واقتصر عليه في الهداية , واختاره السّرخسي وقال إنّه الأوجه .
وقيل : اشتباه حاله على من في يمينه ويساره .
فعلى الأوّل يكره مطلقاً , وعلى الثّاني لا يكره عند عدم الاشتباه .
وأيّد الثّاني في الفتح بأنّ امتياز الإمام في المكان مطلوب وتقدمه واجب , وغايته اتّفاق الملّتين في ذلك , وارتضاه في الحلية وأيّده .(/1)
لكن نازعه في البحر بأنّ مقتضى ظاهر الرّواية الكراهة مطلقاً , وبأنّ امتياز الإمام المطلوب حاصل بتقدمه بلا وقوفٍ في مكانٍ آخر , ولهذا قال في الولوالجيّة وغيرها : إذا لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي له ذلك , لأنّه يشبه تباين المكانين . انتهى , يعني وحقيقة اختلاف المكان تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة , والمحراب وإن كان في المسجد فصورته وهيئته اقتضت شبهة الاختلاف , قال ابن عابدين : أي لأنّ المحراب إنّما بني علامةً لمحلّ قيام الإمام ليكون قيامه وسط الصّفّ كما هو السنّة , لا لأن يقوم في داخله , فهو وإن كان من بقاع المسجد لكن أشبه مكاناً آخر فأورث الكراهة , لكن التّشبه إنّما يكره في المذموم وفيما قصد به التّشبه لا مطلقاً , ولعلّ هذا من المذموم .
وفي حاشية البحر للرّمليّ : الّذي يظهر من كلامهم أنّها كراهة تنزيهٍ .
وقال ابن عابدين في معراج الدّراية من باب الإمامة : الأصح ما روي عن أبي حنيفة أنّه قال : أكره للإمام أن يقوم بين السّاريتين أو زاوية أو ناحية المسجد أو إلى ساريةٍ , لأنّه بخلاف عمل الأمّة .
وفيه أيضاً : السنّة أن يقوم الإمام إزاء وسط الصّفّ , ألا ترى أنّ المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد وهي قد عيّنت لمقام الإمام .
وفي التّتارخانيّة : ويكره أن يقوم في غير المحراب إلا لضرورة , ومقتضاه : أنّ الإمام لو ترك المحراب وقام في غيره يكره ولو كان قيامه وسط الصّفّ , لأنّه خلاف عمل الأمّة , وهو ظاهر في الإمام الرّاتب دون غيره والمنفرد .
والمشهور عند المالكيّة أنّ الإمام يقف في المحراب حال صلاته الفريضة كيفما اتّفق , وقيل : يقف خارجه ليراه المأمومون , ويسجد فيه .
وقال الشّافعيّة : لا تكره الصّلاة في المحراب ولم يزل عمل النّاس عليه من غير نكيرٍ .
وقال الحنابلة : يكره للإمام الصّلاة في المحراب إذا كان يمنع المأموم مشاهدته , روي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه وغيره , لأنّ الإمام يستتر عن بعض المأمومين , أشبه ما لو كان بينه وبينهم حجاب , إلا من حاجةٍ كضيق المسجد وكثرة الجمع فلا يكره لدعاء الحاجة إليه , ولا يكره سجود الإمام في المحراب إذا كان واقفاً خارجه لأنّه ليس محلّ مشاهدته , ويقف الإمام عن يمين المحراب إذا كان المسجد واسعاً نصاً , لتميز جانب اليمين .
ونقل الجراعيّ عن أحمد أنّه يستحب وقوف الإمام في المحراب .
تنفل الإمام في المحراب :
9 - نصّ المالكيّة على أنّه يكره للإمام التّنفل بالمحراب , لأنّه لا يستحقه إلا حال كونه إماماً , ولأنّه قد يوهم غيره أنّه في صلاةٍ فيقتدي به .
وقالوا : يكره للإمام الجلوس في المحراب بعد الصّلاة على هيئة الصّلاة ويخرج من الكراهة بتغيير الهيئة لحديث سمرة بن جندبٍ : « كان النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا صلّى صلاةً أقبل علينا بوجهه » أي التفت إليهم يميناً أو شمالاً ولم يستدبر القبلة لكراهة ذلك .
دلالة المحراب على القبلة :
10 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المحراب من الأدلّة الّتي تعرف بها القبلة , وأنّه يعتمد في الدّلالة عليها , ولا يجوز الاجتهاد في القبلة أو تحرّيها مع وجود المحراب المعتمد في الدّلالة عليها وهذا في الجملة , ولهم بعد ذلك تفصيل :
فقال الحنفيّة : تعرف القبلة بالدّليل , وهو في القرى والأمصار محاريب الصّحابة والتّابعين والمحاريب القديمة , وهي لا يجوز تحرّي القبلة معها , بل تعتمد هذه المحاريب في الدّلالة على القبلة , لئلا يلزم تخطئة السّلف الصّالح وجماهير المسلمين الّذين أقاموا هذه المحاريب .
وقال المالكيّة : المسلم الّذي يريد الصّلاة وهو في غير مكّة ولا ما لحق بها يجتهد في استقبال جهة الكعبة , إلا أن يكون بالمدينة المنوّرة بأنوار سيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم , أو بجامع عمرٍو بمصر العتيقة فلا يجوز له الاجتهاد المؤدّي لمخالفة محرابهما , ويجب عليه تقليد محرابهما , لأنّ محراب المدينة بالوحي , ومحراب جامع عمرٍو بإجماع جماعةٍ من الصّحابة نحو الثّمانين , ولا يقلّد المجتهد محراباً منصوباً إلى جهة الكعبة إلا محراباً لمصر - أي بلدٍ عظيمٍ - حضر نصب محرابه إلى جهة الكعبة جمع من العلماء العارفين , وذلك كبغداد ومصر والإسكندرية , والمحاريب الّتي جهل حال ناصبيها داخلة فيما قبل الاستثناء , والمحاريب الّتي قطع العارفون بخطئها لا تجوز الصّلاة إليها لا لمجتهد ولا لغيره .
وقلّد الجاهل بالأدلّة الّتي تحدّد القبلة محراباً - ولو لغير مصرٍ - لم يتبيّن خطؤه .(/2)
وقال الشّافعيّة : المحراب يجب اعتماده ولا يجوز معه الاجتهاد , قال النّووي : واحتجّ له أصحابنا بأنّ المحاريب لا تنصب إلا بحضرة جماعةٍ من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلّة فجرى ذلك مجرى الخبر , واعلم أنّ المحراب إنّما يعتمد بشرط أن يكون في بلدٍ كبيرٍ , أو في قريةٍ صغيرةٍ يكثر المارون بها بحيث لا يقرونه على الخطأ , فإن كان في قريةٍ صغيرةٍ لا يكثر المارون بها لم يجز اعتماده , قال صاحب التّهذيب : لو رأى علامةً في طريقٍ يقل فيه مرور النّاس , أو في طريقٍ يمر فيه المسلمون والمشركون ولا يدري من نصبها , أو رأى محراباً في قريةٍ لا يدري بناه المسلمون أو المشركون , أو كانت قرية صغيرة للمسلمين اتّفقوا على جهةٍ يجوز وقوع الخطأ لأهلها فإنّه يجتهد في كلّ هذه الصور ولا يعتمده , وكذا قال صاحب التّتمّة : لو كان في صحراء أو قريةٍ صغيرةٍ أو في مسجدٍ في برّيّةٍ لا يكثر به المارّة فالواجب عليه الاجتهاد , قال : ولو دخل بلداً قد خرب وانجلى أهله فرأى فيه محاريب , فإن علم أنّها من بناء المسلمين اعتمدها ولم يجتهد , وإن احتمل أنّها من بناء المسلمين واحتمل أنّها من بناء الكفّار لم يعتمدها بل يجتهد , ونقل الشّيخ أبو حامدٍ في تعليقه هذا التّفصيل في البلد الخراب عن أصحابنا كلّهم .
وأضاف النّووي : قال أصحابنا إذا صلّى في مدينة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فمحراب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حقّه كالكعبة , فمن يعاينه يعتمده , ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال , وفي معنى محراب المدينة سائر البقاع الّتي صلّى فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب , وكذا المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين بالشّرط السّابق فلا يجوز الاجتهاد في هذه المواضع في الجهة بلا خلافٍ وأمّا الاجتهاد في التّيامن والتّياسر فإن كان محراب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يجز بحال , وإن كان في سائر البلاد ففيه أوجه : أصحها يجوز ، قال الرّافعي : وبه قطع الأكثرون .
والثّاني : لا يجوز في الكوفة خاصّةً .
والثّالث : لا يجوز فيها ولا في البصرة لكثرة من دخلها من الصّحابة رضي الله عنهم .
وقال النّووي : قال أصحابنا : الأعمى يعتمد المحراب إذا عرفه بالمسّ حيث يعتمده البصير , وكذا البصير في الظلمة , وفيه وجه : أنّ الأعمى إنّما يعتمد محراباً رآه قبل العمى , ولو اشتبه على الأعمى مواضع لمسها صبر حتّى يجد من يخبره , فإن خاف فوت الوقت صلّى على حسب حاله وتجب الإعادة .
وقال الحنابلة : لو أمكن من يريد الصّلاة أو التّوجه إلى القبلة معرفة القبلة بالاستدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به إذا علمها للمسلمين , عدولاً كانوا أو فسّاقاً , لأنّ اتّفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها ولا تجوز مخالفتها , قال في المبدع : ولا ينحرف لأنّ دوام التّوجه إليه كالقطع , وإن وجد محاريب ببلد خرابٍ لا يعلمها للمسلمين لم يلتفت إليها , لأنّها لا دلالة فيها لاحتمال كونها لغير المسلمين , وإن كان عليها آثار الإسلام , لجواز أن يكون الباني مشركاً عملها ليغرّ بها المسلمين , قال في الشّرح : إلا أن يكون ممّا لا يتطرّق إليه هذا الاحتمال , ويحصل له العلم أنّه من محاريب المسلمين فيستقبله , وعلم منه أنّه إذا علمها للكفّار لا يجوز له العمل بها , لأنّ قولهم لا يرجع إليه فمحاريبهم أولى . وقال ابن قدامة : لا يجوز الاستدلال بمحاريب الكفّار إلا أن يعلم قبلتهم , كالنّصارى يعلم أنّ قبلتهم المشرق , فإذا رأى محاريبهم في كنائسهم علم أنّها مستقبلة المشرق .(/3)
مِسْك *
التّعريف :
1 - المسك بكسر الميم وسكون السّين : طيب معروف , وثوب ممسّك : مصبوغ به , ودواء ممسَّك : فيه مسك .
قال الجوهري : المسك من الطّيب , فارسي معرّب قال : وكانت العرب تسمّيه المشموم . وفي الاصطلاح قال البنانيّ نقلاً عن الحافظ ابن حجر : المسك دم يجتمع في سرّة الغزال في وقت معلوم من السّنة , فإذا اجتمع ورم الموضع , فيمرض الغزال إلى أن يسقط منه .
الألفاظ ذات الصّلة :
العنبر :
2 - العنبر في اللغة : مادّة صلبة لا طعم لها ولا ريح إلّا إذا سحقت أو أحرقت , يقال : إنّه روث دابّة بحريّة .
وفي الاصطلاح روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما أنّ العنبر شيء دسره البحر - أي رمى به - إلى السّاحل .
والعلاقة بين المسك والعنبر أنّ كلاً منهما طيب , ولهما أحكام فقهيّة مشتركة .
الأحكام المتعلّقة بالمسك :
أ - طهارة المسك وأكله :
3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المسك طاهر حلال , يجوز أكله والانتفاع به بكلّ حال في الأطعمة والأدوية , سواء أكان لضرورة أم لا , لأنّه وإن كان دماً فقد تغيّر , واستحال أصله إلى صلاح , فيصير طاهراً , ولما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : « أنّ المسك أطيب الطّيب » .
قال ابن عابدين : حكى النّووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه .
وأمّا نافجة المسك فطاهرة عند الفقهاء في الجملة , واختلفوا في التّفاصيل :
فذهب الحنفيّة في الأصحّ إلى طهارتها مطلقاً , أي من غير فرق بين رطبها ويابسها , وبين ما انفصل من المذبوح أو غيره , وقيل : إن كانت بحال لو أصابها الماء لم تفسد فهي طاهرة .
وقال المالكيّة : فأرة المسك ميتة طاهرة إجماعاً لانتقالها عن الدّم , كالخمر للخلّ .
وهي عند الشّافعيّة : إن انفصلت من حيّة أو مذكّاة فطاهرة وتكون كالرّيش , وإن انفصلت من ميتة فنجسة كاللّبن .
وقال الحنابلة : المسك وفأرته " وعاؤُه " طاهران , لأنّه منفصل بطبعه , أشبه الولد .
ب - زكاة المسك :
4 - نصّ الشّافعيّة والحنابلة في المذهب على أنّه لا زكاة في المسك .
ج - بيع المسك وفأرته :
5 - ذهب الفقهاء إلى جواز بيع المسك في الجملة , قال ابن عابدين : حكى النّووي إجماع المسلمين على طهارته وجواز بيعه .
وفصّل الشّافعيّة القول فيه فقالوا : لا يصح بيع مسكٍ اختلط بغيره لجهل المقصود , ولو كان قدر المسك معلوماً صحّ البيع , هذا إذا خالطه لا على وجه التّركيب , فإن كان معجوناً بغيره كالغالية , والنّدّ , صحّ البيع , لأنّ المقصود جميعها لا المسك وحده .
وكذلك نصوا على أنّه لا يصح بيع المسك في فأرته معها , أو دونها , ولو فتح رأسها كاللّحم في الجلد .
أمّا لو رأى المسك خارج الفأرة , ثمّ اشتراه بعد ردّه إليها , أو رأى الفأرة فارغةً , ثمّ ملئت مسكاً لم يره , ثمّ رأى أعلاه من رأسها جاز , وإلّا فلا , لأنّه بيع غائب .
وأمّا لو باع المسك وفأرته كلّ رطل أو قيراطٍ مثلاً بدرهم صحّ البيع وإن اختلفت قيمتهما , شريطة أن يعرف وزن كلّ واحد منهما , وكان للفأرة قيمة , وإلّا فلا يصح لأنّ البيع اشتمل على اشتراط بذل مال في مقابلة ما ليس بمال .
ونصّ الحنابلة على أنّه لا يصح بيع مسكٍ في فأرته ما لم يفتح ويشاهد , لأنّه مجهول كاللؤلؤ في الصّدف , قال الرّحيباني : هذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب .
وقال الحنفيّة : إذا اشترى نافجة مسكٍ , وأخرج المسك منها , فليس له أن يردّها لرؤية أو عيب , لأنّ الإخراج يدخل فيه عيباً .
د - السّلم في المسك :
6 - نصّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على جواز السّلم في المسك .
وقال الشّافعيّة : يتعيّن وزن فتات المسك , ولا يجوز كيلاً لأنّ الكيل لا يعد ضابطاً فيه لعظم خطره ; لأنّ يسيره ماليّة كثيرة .
قال الحنابلة : ويصفه , ويضبطه باللّون , والبلد وما يختلف به .
هـ - ضمان رائحة المسك المغصوب :
7 - نصّ الحنابلة على أنّ الغاصب يضمن نقص رائحة المسك أو نحوه كعنبر , لأنّ قيمته تختلف بالنّظر إلى قوّة رائحته , وضعفها , ولأنّه لو فات الجميع لوجب قيمته , فإذا فات منه شيء , وجب قدره من القيمة .
و - استعمال المسك للمحرم وغيره :
8 - ذهب الفقهاء إلى جواز التّطيب بالمسك لغير المحرم , لخبر مسلم : « المسك أطيب الطّيب » .
وفي استعماله للمحرم , والتّداوي به , وأكله , وشمّه خلاف , وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح : ( إحرام ف / 74 - 78 ) .
ز - استعمال المسك للحائض والنفساء :
9 - نصّ الحنفيّة , والشّافعيّة , والحنابلة , بأنّه يسن استعمال المسك لكلّ مغتسلة من حيض أو نفاس , فإن لم تجد مسكاً فطيباً آخر , واستدلوا بما روي عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها : « أنّ امرأةً سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال خذي فرصةً من مسكٍ فتطهّري بها قالت كيف أتطهّر بها قال تطهّري بها قالت كيف قال سبحان اللّه تطهّري تقول عائشة رضي اللّه تعالى عنها فجذبتها إليّ فقلت تتّبعي بها أثر الدّم » .
وكيفيّة استعماله كما ذكر بعض الفقهاء أن تأخذ المسك , وتجعله في قطن , ويقال لها الكرسف أو الفرصة , وتدخلها الفرج , ليقطع رائحة دم الحيض أو النّفاس .
ح - إفطار الصّائم بشمّ رائحة المسك :
10 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ من شمّ المسك ولو ذاكراً , أو شمّ هواءً تطيّب بريح المسك أو شبهه فلا يفطر .
وقال المالكيّة : إنّ من شمّ رائحة المسك والعنبر والزّباد من غير أن يدخل الحلق فلا قضاء عليه , وكذلك إذا وصل إلى الحلق بغير اختياره , أمّا لو وصل إلى الحلق باختياره , أي باستنشاقه سواء كان المستنشق صانعه أو غيره فيجب عليه القضاء .(/1)
وقال الحنابلة : يكره للصّائم شم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسكٍ وكافور, وكبخور , وعنبر .(/2)
مِسْكِين *
التّعريف :
1 - المسكين في اللغة : بكسر الميم , قال الفيروز آبادي : وتفتح ميمه : من لا شيء له , أو له ما لا يكفيه , أو أسكنه الفقر , أي قلّل حركته , والذّليل والضّعيف .
وأمّا في الاصطلاح : فقد اختلف الفقهاء في حدّ المسكين .
فقال الحنفيّة والمالكيّة : هو من لا يملك شيئاً .
وقال الشّافعيّة : هو من قدر على مال أو كسب يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه .
وقال الحنابلة : هو من يجد معظم الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الفقير :
2 - الفقير في اللغة : ضد الغنيّ , والفقير أيضاً المحتاج .
وفي الاصطلاح قال الحنفيّة : هو من يملك دون نصاب من المال النّامي أو قدر نصاب غير نام مستغرق في حاجته .
وعرّفه المالكيّة بأنّه : من يملك شيئاً لا يكفيه قوت عام وعرّفه الشّافعيّة بأنّه : من لا مال ولا كسب يقع موقعاً من حاجته .
وعرّفه الحنابلة بأنّه : من لا يجد شيئاً ألبتّة , أو يجد شيئاً يسيراً من الكفاية دون نصفها ممّا لا يقع موقعاً من كفايته .
والصّلة بين الفقير والمسكين أنّ كلاً منهما اسم ينبئ عن الحاجة , وأنّ كليهما من مصارف الزّكاة والصّدقات .
ما يتعلّق بالمسكين من أحكام :
دفع الزّكاة للمسكين وشروطه :
3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المسكين يعتبر مصرفاً من مصارف الزّكاة , لقوله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ } .
ويشترط في إعطاء الزّكاة له شروط , تفصيلها في مصطلح ( زكاة ف / 157 وما بعدها ).
دفع الكفّارة والفدية إلى المساكين :
4 - اتّفق الفقهاء على أنّ من عجز عن الصّيام في أداء كفّارة الظّهار , وكفّارة الجماع في رمضان , لمرض أو غيره من الأعذار , كفّر بإطعام ستّين مسكيناً .
واختلفوا في اشتراط التّمليك في الإطعام , وكذلك في مقدار ما يعطى لكلّ مسكين , وتكرار الإعطاء لمسكين واحد , وغير ذلك من الفروع سبق تفصيلها في مصطلح ( كفّارة ف / 7, 78 ) .
ودفع الكفّارة والفدية إلى المساكين يكون بإطعامهم , إلّا أنّه يختلف عدد المساكين الواجب إطعامهم بحسب اختلاف الكفّارات .
فالإطعام قد يكون لستّين مسكيناً كما في كفّارة الظّهار , لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } .
( ر : مصطلح ظهار ف / 8 ) وكذلك كفّارة الجماع في نهار رمضان عامداً أو ناسياً على اختلاف الأقوال .
( ر : مصطلح صوم ف / 68 ) .
وقد يكون لعشرة مساكين كما في كفّارة اليمين المنعقدة لقوله تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } .
( ر : مصطلح كفّارة ف / 8 ) .
وقد يكون لستّة مساكين كمن فعل من محظورات الإحرام شيئاً لعذر , أو دفع أذًى , فإن كان عليه الفدية يتخيّر فيها بين أن يذبح هدياً أو يتصدّق بإطعام ستّة مساكين أو يصوم ثلاثة أيّام .
( ر : مصطلح إحرام ف / 148 ) .
وقد يكون لمسكين واحد كما في الشّيخ الكبير الّذي يجهده الصّوم , والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما وأفطروا فعليهم الفدية , وهو إطعام مسكين واحد مكان كلّ يوم على اختلاف الأقوال .
( ر : مصطلح فدية ف / 10 ) .
وقد يكون إطعام الطّعام من غير بيان عدد معيّن من المساكين كما في فدية المحرم لقتل الصّيد إذا اشترى بالقيمة طعاماً وتصدّق بها على المساكين .
( ر : مصطلح إحرام ف / 160 , 163 ) .
إعطاء الغنيمة للمساكين :
5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ للمساكين سهماً في خمس مال الغنيمة , واستدلوا بقوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } .
واختلفوا في مقدار هذا السّهم على أقوال :
فعند الشّافعيّة والحنابلة خمس الخمس , وعند الحنفيّة ثلث الخمس , وعند طائفة سدس الخمس .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( خمس ف / 7 - 12 ) .
والفقراء والمساكين صنف واحد هاهنا .
الوقف على المساكين :
6 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز الوقف على المساكين .
لأنّ الوقف إزالة ملكٍ عن الموقوف على وجه القربة , والمسكين ممّا تحصل القربة بالوقف عليه .
والتّفصيل في مصطلح ( وقف ) .
إثبات المسكنة :
7 - إذا عرف لرجل مال فادّعى تلفه , وأنّه فقير أو مسكين لم يقبل منه إلّا ببيّنة , قال صاحب المجموع : وهذا لا خلاف فيه , وإن لم يعرف له مال , وادّعى الفقر أو المسكنة , قبل قوله , ولا يطالب ببيّنة بلا خلاف , لأنّ الأصل في الإنسان الفقر .(/1)
مِصْر *
التّعريف :
1 - المصر في اللغة : المدينة والصقع , والحاجز , والحد بين شيئين أو الحد بين الأرضين , قال الجوهري : مصر : هي المدينة المعروفة والمصر : واحد الأمصار , والمصر : الكورة والجمع أمصار , ومصّروا الموضع : جعلوه مصراً .
والمصر اصطلاحاً : بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ورساتيق وفيها والٍ يقدر على إنصاف المظلوم من الظّالم والنّاس يرجعون إليه في الحوادث .
ما يلحق بالمصر من فناءٍ وتوابع :
2 - المراد بالفناء : المكان أو الموضع المعد لمصالح البلد كربض الدّوابّ ودفن الموتى وإلقاء التراب , وفناء الشّيء : ما اتّصل به معداً لمصالحه .
قال في الفتاوى الهنديّة : فناء المصر : هو الموضع المعد لمصالح المصر متّصلاً بالمصر . وأمّا توابع المصر : فقد روي عن أبي يوسف أنّ المعتبر فيه سماع النّداء إن كان موضعاً يسمع فيه النّداء من المصر فهو من توابع المصر وإلا فلا , وقال الشّافعي : إذا كان في القرية أقل من أربعين فعليهم دخول المصر إذا سمعوا النّداء .
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف : كل قريةٍ متّصلةٍ بربض المصر فهي من توابعه , وإن لم تكن متّصلةً بالرّبض فليست من توابع المصر , وقال بعضهم : ما كان خارجاً عن عمران المصر فليس من توابعه , وقال بعضهم : المعتبر فيه قدر ميلٍ وهو ثلاثة فراسخ , وقال بعضهم : إن كان قدر ميلٍ أو ميلين فهو من توابع المصر وإلا فلا , وبعضهم قدّره بستّة أميالٍ , ومالك قدّره بثلاثة أميالٍ .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - القرية :
3 - القرية في اللغة : كل مكانٍ اتّصلت به الأبنية واتخذ قراراً , وتقع على المدن وغيرها والجمع قرىً , والقرية الضّيعة , كما تطلق على المساكن والأبنية والضّياع .
والقرية اصطلاحاً : عرّفها الكاساني : بأنّها البلدة العظيمة لأنّها اسم لما اجتمع فيها من البيوت .
وعرفها القليوبيّ : بأنّها العمارة المجتمعة الّتي ليس فيها حاكم شرعي ولا شرطي ولا أسواق للمعاملة .
والمصر أعظم من القرية .
ب - البلد :
4 - البلد في اللغة يذكّر ويؤنّث والجمع بلدان , والبلدة البلد جمعها بلاد , والبلد : اسم للمكان المختطّ المحدود المستأنس باجتماع قطّانه وإقامتهم فيه , ويستوطن فيه جماعات , ويسمى المكان الواسع من الأرض بلداً .
والبلد اصطلاحاً : كما عرّفه القليوبيّ : ما فيه حاكم شرعيّ أو شرطي أو أسواق للمعاملة , وإن جمعت الكلّ فمصر ومدينة وإن خلت عن الكلّ فقرية .
والمصر أكبر من البلد .
الأحكام المتعلّقة بالمصر :
أ - حكم الأذان في المصر :
5 - ذهب المالكيّة والحنابلة في الصّحيح عنهم إلى أنّ الأذان فرض كفايةٍ في المصر . وقال في شرح الزرقانيّ : وجوب الأذان في المصر كفاية , ووجوبه في المصر هو الّذي جزم به ابن عرفة وجعله المذهب .
وقال الحنفيّة : إنّ ترك الأذان في المصر مكروه .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح : ( أذان ف 5 ) .
ب - اشتراط المصر لوجوب الجمعة وصحّتها :
6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المصر الجامع شرط وجوب الجمعة وشرط صحّة أدائها .
ولم تشترط المذاهب الأخرى هذا الشّرط .
والتّفصيل في مصطلح : ( صلاة الجمعة فقرة 7 - 8 ) .
ج - صلاة الجمعة على من كان خارج المصر :
7 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه تجب الجمعة على من كان خارج المصر . قال ابن قدامة : فأمّا غير أهل المصر ممّن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون فعليه الجمعة , وإن كان أبعد فلا جمعة عليه , روي هذا عن سعيد بن المسيّب واللّيث وإسحاق , لما روي عن عبد اللّه بن عمرٍو رضي اللّه عنهما أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : « الجمعة على من سمع النّداء » , ولأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال للأعمى الّذي قال ليس لي قائد يقودني : « أتسمع النّداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب » , ولأنّ من سمع النّداء داخل في عموم قول اللّه تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَََّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } .
وهذا يتناول غير أهل المصر إذا سمعوا النّداء , ولأنّ غير أهل المصر يسمعون النّداء وهم من أهل الجمعة , فلزمهم السّعي إليها كأهل المصر .
وروي عن ابن عمر وأبي هريرة وأنسٍ رضي اللّه عنهم ونافعٍ وعكرمة والحكم وعطاءٍ والأوزاعيّ أنّهم قالوا : الجمعة على من آواه اللّيل إلى أهله , وهو من حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم .
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنّه لا جمعة على من كان خارج المصر , لأنّ عثمان رضي اللّه عنه صلّى العيد في يوم جمعةٍ ثمّ قال لأهل العوالي : من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتّى يصلّي الجمعة فليقم , ولأنّه خارج المصر فأشبه الحلّ .
د - إقامة الجمعة في مصرٍ واحدٍ في موضعين :
8 - ذهب الجمهور إلى منع تعدد الجمعة في أعمّ الأحوال على اختلافٍ يسيرٍ بينهم في ضابط المكان الّذي لا يجوز التّعدد فيه .
والتّفصيل في مصطلح : ( صلاة الجمعة ف 25 ) .
هـ - إنشاء السّفر من المصر يوم الجمعة :
9 - اتّفق الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على حرمة إنشاء السّفر بعد الزّوال - وهو أوّل وقت صلاة الجمعة - من المصر الّذي هو فيه إذا كان ممّن تجب عليه وعلم أنّه لا يدرك أداءها في مصرٍ آخر , فإن فعل ذلك فهو آثم على الرّاجح ما لم يتضرّر بتخلفه عن رفقته .
وأمّا قبل الزّوال فقد اختلف فيه الفقهاء , والتّفصيل في مصطلح : ( سفر ف 19 ) .(/1)
مِعْصَم *
التّعريف :
1 - المعصم في اللغة : موضع السّوار من السّاعد , وهو مفصل الكفّ من السّاعد .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللغويّ .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - المرفق :
2 – المرفق - بكسر الميم وفتح الفاء , وبالعكس أي بفتح الميم وكسر الفاء - من اليد : هو ما بين الذّراع والعضد .
والعلاقة بين المعصم والمرفق : أنّ كلاً منهما ملتقى بين عظمين من اليد .
ب - المفصل :
3 - المِفصَل بكسر الميم وفتح الصّاد : كل ملتقى بين عظمين من الجسد .
والعلاقة بين كلٍّ من المعصم والمفصل : العموم والخصوص المطلق , فكل معصمٍ مفصل , وليس كل مفصلٍ معصماً .
الأحكام المتعلّقة بالمعصم :
غسل المعصم في الوضوء :
4 - يجب غسل المعصم في الوضوء على ما سيأتي تفصيله في مصطلح : ( وضوء ) .
القطع من المعصم في حدّ السّرقة والحرابة :
5 - قال جمهور العلماء : إنّ محلّ القطع من اليد في السّرقة المعصم , لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « قطع يد السّارق من الكوع » , وهو مفصل الكفّ , ولأثر أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما قالا : إذا سرق السّارق فاقطعوا يمينه من الكوع , والكوع معصم الكفّ . والقطع في حدّ الحرابة يراعى فيها ما ذكر في السّرقة فلا تقطع اليد فيها إلا من المعصم . والتّفصيل في مصطلح : ( سرقة ف 66 ) .
محل القصاص ممّن قطع يداً من السّاعد :
6 - إن قطع يد المجنيّ عليه من السّاعد , فلا تقطع يد الجاني من السّاعد , لأنّه لا يقطع في حدٍّ ولا قصاصٍ إلا من مفصلٍ عند جمهور الفقهاء .
وعند الشّافعيّة يقتص بالقطع من المعصم , لأنّه أقرب مفصلٍ له , ويأخذ حكومة الباقي . وللتّفصيل : ( ر : جناية على ما دون النّفس ف 11 , ساعد ف 9 ) .
دية قطع اليد من المعصم :
7 - لا خلاف بين الفقهاء في وجوب ديةٍ كاملةٍ في قطع اليدين من الكوع - المعصم - ووجوب نصف ديةٍ في قطع واحدةٍ منهما , لأنّ اسم اليد ينصرف عند الإطلاق إلى الكفّ وهو المعصم .
والتّفصيل في مصطلح : ( ديات ف 43 ) .
ما يجوز النّظر إليه من المرأة عند الخطبة :
8 - يجوز لمن أراد أن ينكح امرأةً أن ينظر منها كفّيها ووجهها , وهو محل اتّفاقٍ بين الفقهاء , والكف من رءوس الأصابع إلى المعصم .
وللتّفصيل : ( ر : خطبة ف 29 ) .(/1)
مِلْح *
التّعريف :
1 - الملح في اللغة : ما يطيب به الطّعام , يؤنّث ويذكّر , والتّأنيث فيه أكثر , والجمع مِلاح - بالكسر - .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
الأحكام المتعلّقة بالملح :
أ - التّوضّؤ بالماء المتغيّر بالملح :
2 - قال الحصكفي من الحنفيّة : يجوز التّوضّؤ بماء ينعقد به ملح , لا بماء حاصل بذوبان ملح , لبقاء الأوّل على طبيعته الأصليّة وانقلاب الثّاني إلى طبيعته الملحيّة .
ونقل ابن عابدين عن الزّيلعي : ولا يجوز التّوضّؤ بماء الملح , وهو ما يجمد في الصّيف ويذوب في الشّتاء عكس الماء , وأقرّه صاحب البحر والمقدسي , ومقتضاه أنّه لا يجوز بماء الملح مطلقاً , أي سواء انعقد ملحاً ثمّ ذاب أو لا , وهو الصّواب عندي .
والمذهب عند المالكيّة - كما نقل الدسوقي عن ابن أبي زيد - أنّ تغير الماء بالملح لا يضر ولو طرح قصداً .
وقال القابسي : إنّه كالطّعام فيسلب الطّهوريّة , واختاره ابن يونس . وقال الباجيّ : الملح المعدني لا يسلب الطّهوريّة , والمصنوع كالطّعام يسلبه .
ونقل الحطّاب عن سند أنّ الملح المعدنيّ يضر لأنّه طعام فيسلب الطّهوريّة , والمصنوع لا يضر , لأنّ أصله التراب فلا يسلب , الطّهوريّة .
وعند الشّافعيّة في الماء المتغيّر بالملح أوجه : أصحها : يسلب الملح الجبلي الطّهوريّة منه دون المائيّ .
والثّاني : يَسْلِبان .
والثّالث : لا يسلبان .
ويرى الحنابلة أنّه يكره التّطهر بماء متغيّر بالملح المائيّ , ولا يسلب خلط هذا الملح بالماء طهوريّة الماء , لأنّ أصله الماء , بخلاف الملح المعدنيّ فيسلبه الطّهوريّة , وقالوا : الماء الّذي خلط فيه ملح معدنيّ فغيّره طاهر .
ب - التّيمم بالملح :
3 - يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يجوز التّيمم بالملح لأنّه لا يجوز التّيمم عندهم إلّا بالتراب .
وصرّح الحنفيّة بأنّ الملح المائيّ لا يجوز التّيمم به , وإن كان الملح جبليّاً ففي التّيمم به روايتان صحّح كل منهما , ولكن الفتوى على الجواز .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الملح يجوز التّيمم به ما دام في موضعه ( معدنه ) أمّا إن نقل من محلّه وصار مالاً في أيدي النّاس فلا يجوز التّيمم به .
ج - كون الملح مالاً ربويّاً :
4 - الملح من الأعيان الّتي نصّ على تحريم الرّبا فيها , فقد روى عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذّهب بالذّهب , والفضّة بالفضّة , والبرّ بالبرّ , والشّعير بالشّعير , والتّمر بالتّمر , والملح بالملح , إلّا سواءً بسواء , عيناً بعين , فمن زاد أو ازداد فقد أربى » .
وللتّفصيل ( ر : رباً ، ف / 17 ) .(/1)
مِنْبَر *
التّعريف :
1 - المنبر في اللغة : مرقاة يرتقيها الخطيب أو الواعظ ليخاطب الجمع ، مشتق من النّبر وهو الارتفاع ، وسمّي منبراً لارتفاعه وعلوّه ، ويقال : انتبر الخطيب أي : ارتقى المنبر . ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم :
2 - قال العلماء : إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اتّخذ منبره سنة سبع من الهجرة وقيل : ثمان من الهجرة .
والأصل في ذلك ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة من الأنصار : مري غلامك النّجّار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهنّ إذا كلّمت النّاس » ، يقول البهوتيّ : وفي الصّحيح « أنّه عمل من أثل الغابة ، فكان يرتقي عليه » . قال : وكان ثلاث درج ، « وكان النّبي صلى الله عليه وسلم يجلس على الدّرجة الثّالثة الّتي تلي مكان الاستراحة » ، ثمّ وقف أبو بكر رضي الله تعالى عنه على الثّانية ، ثمّ عمر رضي الله تعالى عنه على الأولى تأدباً ، ثمّ وقف عثمان رضي الله عنه مكان أبي بكر رضي اللّه عنه ، ثمّ عليّ رضي الله تعالى عنه موقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثمّ قلعه مروان بن الحكم أمير المدينة في زمن معاوية وزاد فيه ستّ درج ، فكان الخلفاء يرتقون ستاً ، ويقفون مكان عمر رضي الله عنه ، أي : على السّابعة ولا يتجاوزون ذلك تأدباً .
الأحكام المتعلّقة بالمنبر :
أ - اتّخاذ المنبر وموقعه :
3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ اتّخاذ المنبر سنّة مجمع عليها ، كما أنّه يسن أن تكون الخطبة على المنبر ، وكذلك الجلوس على المنبر قبل الشّروع في الخطبة .
ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب بالنّسبة للمصلّين .
وزاد الشّافعيّة فقالوا : ويكره المنبر الكبير جداً الّذي يضيق على المصلّين إذا لم يكن المسجد متّسعاً .
والتّفصيل في ( خطبة ف / 10 ) .
ب - تسليم الخطيب على النّاس إذا صعد المنبر :
4 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحب للخطيب إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين أن يسلّم عليهم ، واحتجوا بما رواه جابر رضي الله عنه قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلّم » ، ورواه الأثرم عن أبي بكر وعمر وابن مسعود والزبير رضي الله عنهم ، ورواه البخاري عن عثمان رضي الله عنه ، وفعله عمر بن عبد العزيز ، وبه قال الأوزاعي ، ولأنّه استقبال بعد استدبار ، فأشبه من فارق قوماً ثمّ عاد إليهم . وأضاف الشّافعيّة أن يسلّم على من عند المنبر ندباً إذا انتهى إليه .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يسن السّلام بعد الصعود على المنبر .
وقال المالكيّة : يندب أن يسلمّ الخطيب عند خروجه ليرقى المنبر ، فإذا انتهى من صعوده فلا يندب بل يكره ، ولا يجب رده لأنّ المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً ، خلافاً للقرافيّ الّذي أوجب ردّه .
ج - نزول الإمام عن المنبر للحاجة :
5 - نصّ الشّافعيّة على أنّه لا بأس أن ينزل الإمام عن المنبر للحاجة قبل أن يتكلّم ثمّ يعود إليه .
واستدلوا بما ورد : « أنّه لمّا وضع المنبر وضعوه موضعه الّذي هو فيه ، فلمّا أراد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يقوم إلى المنبر مرّ إلى الجذع الّذي كان يخطب إليه ، فلمّا جاوز الجذع خار حتّى تصدّع وانشقّ ، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا سمع صوت الجذع فمسحه بيده حتّى سكن ، ثمّ رجع إلى المنبر » ، وفي حديث : « فاعتنقها فسكتت » .
قال الشّافعي : وإن نزل عن المنبر بعد ما تكلّم استأنف الخطبة ، لأنّ الخطبة لا تعد خطبةً إذا فصل بينها بنزول يطول ، أو بشيء يكون قاطعاً لها .
د - صلاة ركعتين عند منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم :
6 - نصّ بعض الفقهاء على أنّ زائر قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي تحيّة المسجد عند منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين يقف بحيث يكون عمود المنبر بحذاء منكبه الأيمن إن أمكنه ، وهو موقفه عليه الصلاة والسلام قبل أن يغيّر المسجد ، وهو بين قبره ومنبره ، ويجتهد أن يحيي ليله مدّة مقامه بقراءة القرآن وذكر اللّه والدعاء عند المنبر وبينهما سراً وجهراً لحديث : « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة » .
ويقف عند المنبر ويدعو .
ففي الحديث : « قوائم منبري رواتب في الجنّة » وفي رواية : « منبري على ترعة من ترع الجنّة » ، وكان السّلف يستحبون أن يضع أحدهم يده على رمّانة المنبر النّبويّ الّتي كان النّبي عليه الصلاة والسلام يضع يده الكريمة عليها عند الخطبة .
هـ - الدعاء على المنبر والتّأمين عليه :
7 - نصّ بعض الفقهاء على أنّه إذا دعا المذكّر على المنبر دعاءً مأثوراً ، والقوم يدعون معه ذلك ، فإن كان لتعليم القوم فلا بأس به ، وإن لم يكن لتعليم القوم فهو مكروه .
و - إخراج المنبر إلى الجبّانة وبناؤه :
8 - نصّ الحنفيّة على أنّه لا يخرج المنبر إلى الجبانة " المصلّى العامّ في الصّحراء " ، لما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ، وقد صحّ « أنّه صلى الله عليه وسلم خطب يوم النّحر على ناقته » وبه جرى التّوارث من لدن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يومنا هذا ، وقد عاب النّاس على مروان بن الحكم إخراجه المنبر في العيدين ، ونسبوه إلى خلاف السنّة .
وأمّا بناء المنبر في الجبّانة فذهب الحنفيّة في الصّحيح من المذهب والمالكيّة في قول إلى الجواز .
قال الحنفيّة : ولهذا اتّخذوا في المصلّى منبراً على حدة من اللّبن والطّين ، واتّباع ما اشتهر به العمل في النّاس واجب .
وفي قول عند بعض الحنفيّة كراهة بناء المنبر في الجبّانة " المصلّى العامّ في الصّحراء " .(/1)
ز - تغليظ اليمين عند المنبر :
9 - يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة مشروعيّة تغليظ الأيمان بالمكان ، ومنه : عند المنبر ، إلّا أنّ المالكيّة يرون وجوبه ، ويرى الشّافعيّة استحبابه ، كما يرى الحنابلة أنّه إذا رأى الحاكم تغليظها بالمكان عند منبر الجامع في كلّ مدينة جاز ولم يستحبّ ، لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من حلف على منبري هذا على يمين آثمة فليتبوّأ مقعده من النّار » .
أمّا الحنفيّة فلا يرون التّغليظ لا بالمكان ولا بالزّمان .
( ر : مصطلح تغليظ ف / 6 ) .(/2)
مِياه *
التّعريف :
1 - المياه في اللغة : جمع ماء , والماء معروف , والهمزة فيه مبدلة من الهاء وأصله موه بالتّحريك تحوّلت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ثمّ أبدلت الهاء همزةً .
ويجمع على أمواهٍ جمع قلّة , وعلى مياهٍ جمع كثرة .
وفي الاصطلاح : الماء جسم لطيف سيّال به حياة كلّ نام .
الألفاظ ذات الصّلة :
الطّهارة :
2 - الطّهارة في اللغة : النّظافة .
وفي الاصطلاح : عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفّة مخصوصة .
والصّلة بين المياه والطّهارة أنّ المياه تكون وسيلةً للطّهارة .
أقسام المياه :
يمكن تقسيم المياه باعتبار وصفها إلى أربعة أقسام : مطلق , ومستعمل , ومسخّن , ومختلط .
الماء المطلق :
3 - الماء المطلق في اصطلاح الفقهاء هو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد .
وقيل : الماء المطلق هو الباقي على وصف خلقته .
وقد أجمع الفقهاء على أنّ الماء المطلق طاهر في ذاته مطهّر لغيره .
وعبَّر الفقهاء عن هذا النّوع من الماء بالطّهور , إلّا أنّهم اختلفوا في المراد بالطّهور . فذهب الجمهور إلى أنّه الطّاهر المطهّر .
واستدلوا بما يلي :
أولاً : أنّ لفظة طهور جاءت في لسان الشّرع للمطهّر , ومن هذا :
أ - قول اللّه تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً } . فقوله : ( طَهُوراً ) يراد به ما يتطهّر به , يفسّر ذلك قوله تعالى { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } , فهذه الآية مفسّرة للمراد بالأولى .
ب - وما ورد عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر , وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ , وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي , وأعطيت الشّفاعة , وكان النّبي يبعث إلى قومه خاصّةً وبعثت إلى النّاس عامّة».
فوجه الدّلالة من هذا الحديث ظاهرة , إذ لو كان المراد بالطّهور الطّاهر فقط لم يكن فيه مزية , لأنّه طاهر في حقّ كلّ أحد , والحديث إنّما سيق لإثبات الخصوصيّة , فقد اختصّ الرّسول صلى الله عليه وسلم وأمّته بالتّطهر بالتراب .
ج - وما رواه أنسٌ مرفوعاً : « جعلت لي كل أرض طيّبةً مسجداً وطهوراً » .
فقد أخبر النّبي صلى الله عليه وسلم بأنّ كلّ أرض طيّبة جعلت له مسجداً وطهوراً , والطّيّبة الطّاهرة , فلو كان معنى طهوراً : طاهراً للزم تحصيل الحاصل , وتحصيل الحاصل بالنّسبة له محال , فتعيّن أن يكون المراد به المطهّر لغيره .
د - وما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه سئل عن التّوضّؤ بماء البحر فقال : « هو الطّهور ماؤه الحل ميتته » .
فقد أجاب النّبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا عن سؤالهم عن حكم التّطهر بماء البحر , فلولا أنّهم يفهمون من الطّهور أنّه المطهّر , لم يحصل لهم الجواب .
ثانياً : أنّ العرب فرّقت بين اسم الفاعل وصيغة المبالغة فقالت : قاعد لمن وجد منه القُعود , وقَعود : لمن يتكرّر منه ذلك , فينبغي أن يفرّق بين الطّهور والطّاهر من حيث التّعدّي واللزوم , فالطّهور من الأسماء المتعدّية وهو الّذي يطهّر غيره , والطّاهر من الأسماء اللّازمة .
والمذهب عند الحنفيّة أنّ الطّهور هو الطّاهر وهو ما حكي عن الحسن البصريّ وسفيان وأبي بكر الأصمّ وابن داود .
واحتجوا بما يلي :
أوّلاً : قول اللّه تعالى : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } .
ومعلوم أنّ أهل الجنّة لا يحتاجون إلى التّطهير من حدث ولا نجسٍ , فعلم أنّ المراد بالطّهور هو الطّاهر .
ثانياً : قول جرير في وصف النّساء : عذاب الثّنايا ريقهنّ طهور والرّيق لا يتطهّر به وإنّما أراد به الطّاهر .
ثالثاً : والطّهور يفيد التّطهير من طريق المعنى وهو أنّ هذه الصّيغة للمبالغة , فإنّ في الشّكور والغفور من المبالغة ما ليس في الغافر والشّاكر , فلا بدّ أن يكون في الطّهور معنىً زائد ليس في الطّاهر , ولا تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلّا باعتبار التّطهير لأنّ في نفس الطّهارة كلتا الصّفّتين سواء , فتكون صفّة التّطهير له بهذا الطّريق , لا أنّ الطّهور بمعنى المطهّر .
أنواع الماء المطلق :
4 - أنواع الماء المطلق كما ذكرها الفقهاء هي :
الأوّل : ماء السّماء أي النّازل منها , يعني المطر , ومنه النّدى , والأصل فيه قول اللّه تعالى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } .
والثّاني : ماء البحر والأصل فيه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : « سأل رجل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه إنّا نركب البحر , ونحمل معنا القليل من الماء , فإن توضّأنا به عطشنا , أفنتوضّأ من ماء البحر ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : هو الطّهور ماؤه الحل ميتته » .
والثّالث : ماء النّهر .
والرّابع : ماء البئر والأصل فيه : ما ورد عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّه قال : « قيل : يا رسول اللّه , أنتوضّأ من بئر بضاعة ، وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنّتن » " أي كانت تجرفها إليها السيول من الطرق والأفنية ولا تطرح فيها قصداً ولا عمداً
فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ الماء طهور لا ينجّسه شيء » .
الخامس : ماء العين وهو ما ينبع من الأرض .
السّادس : ماء الثّلج وهو ما نزل من السّماء مائعاً ثمّ جمد , أو ما يتم تجميده بالوسائل الصّناعية الحديثة .
السّابع : ماء البرد وهو ما نزل من السّماء جامداً ثمّ ماع على الأرض , ويسمى حب الغمام وحب المزن .(/1)
والأصل في ماء الثّلج والبرد : حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسكت بين التّكبير وبين القراءة إسكاتةً - قال : أحسبه قال هنيّة - , فقلت : بأبي وأمّي يا رسول اللّه , إسكاتك بين التّكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللّهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب , اللّهمّ نقّني من الخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس , اللّهمّ اغسل خطاياي بالماء والثّلج والبرد » .
وقد اختلف الفقهاء في استعمال بعض أنواع الماء المطلق , فمن قائل بالكراهة , وآخر بعدمها , ومن قائل بصحّتها وآخر بعدم صحّتها , وهذه الأنواع تتمثّل فيما يلي :
أوّلاً - ماء البحر :
5 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز استعمال ماء البحر في الطّهارة من الأحداث والأنجاس من غير كراهة , وهذا هو مذهب جمهور الصّحابة والتّابعين .
يقول التّرمذي : أكثر الفقهاء من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منهم : أبو بكر وعمر وابن عبّاسٍ لم يروا بأساً بماء البحر , واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: « هو الطّهور ماؤه , الحل ميتته » ، ولأنّ مطلق اسم الماء يطلق على ماء البحر فيقع التّطهر به .
وقال النّووي : وحكي عن عبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيّب وابن عبد البرّ كراهة التّطهر به .
ثانياً - ماء الثّلج :
6 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز التّطهر بماء الثّلج إذا ذاب .
وإنّما الخلاف بينهم في استعماله قبل الإذابة على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ذهب المالكيّة والحنابلة وهو المعتمد عند الحنفيّة إلى عدم جواز التّطهر بالثّلج قبل الإذابة ما لم يتقاطر ويسل على العضو .
يقول صاحب الدرّ المختار : " يرفع الحدث مطلقاً بماء مطلق , وهو ما يتبادر عند الإطلاق كماء سماء وأودية وعيون وآبار وبحار وثلج مذاب بحيث يتقاطر " .
ويقول صاحب الشّرح الكبير : وهو - أي الماء المطلق - ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد وإن جمع من ندًى أو ذاب أي تميّع بعد جموده كالثّلج وهو ما ينزل مائعاً ثمّ يجمد على الأرض .
ويقول صاحب المغني : الذّائب من الثّلج والبرد طهور , لأنّه ماء نزل من السّماء , وفي دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « اللّهمّ اغسل خطاياي بالماء والثّلج والبرد » .
فإن أخذ الثّلج فمرّره على أعضائه لم تحصل الطّهارة به , ولو ابتلّ به العضو , لأنّ الواجب الغسل , وأقل ذلك أن يجري الماء على العضو , إلّا أن يكون خفيفاً فيذوّب , ويجري ماؤه على الأعضاء فيحصل به الغسل , فيجزئُه .
القول الثّاني : ذهب أبو يوسف من الحنفيّة والأوزاعي إلى جواز التّطهر به وإن لم يتقاطر . يقول الطّحطاوي : قوله " بحيث يتقاطر " هو المعتمد وعن أبي يوسف : يجوز وإن لم يتقاطر .
ويقول النّووي : وحكى أصحابنا عن الأوزاعيّ جواز الوضوء به وإن لم يسل ويجزيه في المغسول والممسوح , وهذا ضعيف أو باطل إن صحّ عنه لأنّه لا يسمّى غسلاً ولا في معناه. القول الثّالث : فرّق الشّافعيّة بين سيل الثّلج على العضو لشدّة حرّ وحرارة الجسم ورخاوة الثّلج , وبين عدم سيله . فإن سال على العضو صحّ الوضوء على الصّحيح لحصول جريان الماء على العضو , وقيل : لا يصح لأنّه لا يسمّى غسلاً , حكاه جماعة منهم الماورديّ والدّارمي , وإن لم يسل لم يصحّ بلا خلاف في المغسول , ويصح مسح الممسوح منه وهو الرّأس والخف والجبيرة , وهو المذهب عندهم .
ثالثاً - ماء زمزم :
7 - اختلف الفقهاء في حكم استعمال ماء زمزم في الطّهارة من الحدث أو إزالة النّجس على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ذهب الحنفيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية وابن شعبان من المالكيّة إلى جواز استعمال ماء زمزم من غير كراهة في إزالة الأحداث , أما في إزالة الأنجاس فيكره تشريفاً له وإكراماً .
الثّاني : ذهب المالكيّة إلى جواز استعمال ماء زمزم من غير كراهة مطلقاً , أي سواء أكان الاستعمال في الطّهارة من الحدث أم في إزالة النّجس .
القول الثّالث : ذهب أحمد في رواية إلى كراهة استعماله مطلقاً أي في إزالة الحدث والنّجس لقول ابن عبّاسٍ رضي الله عنه : « لا أحلها لمغتسل يغتسل في المسجد وهي لشارب ومتوضّئٍ حل وبل » .
رابعاً - الماء الآجن :
8 - وهو الماء الّذي تغيّر بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء , ويقرب منه الماء الآسن .
( ر : مصطلح آجن فقرة / 1 , ومصطلح طهارة فقرة / 10 ) .
وذهب الفقهاء إلى جواز استعمال الماء الآجن من غير كراهة .
يقول صاحب ملتقى الأبحر من الحنفيّة : وتجوز الطّهارة بالماء المطلق كماء السّماء والعين والبئر والأودية والبحار , وإن غَيَّرَ طاهرٌ بعضَ أوصافه كالتراب والزّعفران والأشنان والصّابون أو أنتن بالمكث .
ويقول صاحب أقرب المسالك من المالكيّة : ولا يضر تغير الماء بشيء تولّد منه كالسّمك والدود والطحلب " بفتح اللّام وضمّها " , وكذا إذا تغيّر الماء بطول مكثه من غير شيء ألقي فيه فإنّه لا يضر .
ويقول الرّملي الكبير من الشّافعيّة : ولا يقال المتغيّر كثيراً بطول المكث أو بمجاور أو بما يعسر صون الماء عنه غير مطلق , بل هو مطلق .
واستدلوا على ذلك بالنصوص المطلقة , ولأنّه لا يمكن الاحتراز منه فأشبه بما يتعذّر صونه عنه .
ونقل عن ابن سيرين القول بكراهة استعمال الماء الآجن .(/2)
يقول صاحب بداية المجتهد : أجمعوا على أنّ كلّ ما يغيّر الماء ممّا لا ينفك عنه غالباً أنّه لا يسلبه صفّة الطّهارة والتّطهير , إلّا خلافاً شاذاً روي في الماء الآجن عن ابن سيرين . ويقول النّووي : وأمّا المتغيّر بالمكث فنقل ابن المنذر الاتّفاق على أنّه لا كراهة فيه , إلّا ابن سيرين فكرهه .
الماء المستعمل :
اختلف الفقهاء في المراد من الماء المستعمل وحكمه وذلك على التّفصيل الآتي :
الماء المستعمل عند الحنفيّة :
9 - الماء المستعمل عند أبي حنيفة وأبي يوسف : هو الماء الّذي أزيل به حدثٌ أو أستعمل في البدن على وجه القربة , كالوضوء على الوضوء بنيّة التّقرب أو لإسقاط فرض .
وعند محمّد بن الحسن : هو الماء الّذي أستعمل لإقامة قربة .
وعند زفر : هو الماء المستعمل لإزالة الحدث .
والمذهب عند الحنفيّة : أنّ الماء يصير مستعملاً بمجرّد انفصاله عن البدن .
ويظهر أثر هذا الخلاف عندهم في المراد من الماء المستعمل فيما يلي :
أ - إذا توضّأ بنيّة إقامة القربة نحو الصّلاة المعهودة وصلاة الجنازة ودخول المسجد ومسّ المصحف وقراءة القرآن ونحوها .
فإن كان محدثاً صار الماء مستعملاً بلا خلاف لوجود السّببين , وهما : إزالة الحدث وإقامة القربة .
وإن كان غير محدث يصير الماء مستعملاً عند الثّلاثة " أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد " لوجود إقامة القربة , لكون الوضوء على الوضوء نور على نور , وعند زفر : لا يصير مستعملاً لانعدام إزالة الحدث .
ب - إذا توضّأ أو اغتسل للتّبرد , فإن كان محدثاً صار الماء مستعملاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر لوجود إزالة الحدث وعند محمّد : لا يصير مستعملاً لعدم إقامة القربة , وإن لم يكن محدثاً لا يصير مستعملاً بالاتّفاق .
ج - إذا توضّأ بالماء المقيّد كماء الورد ونحوه لا يصير مستعملاً بالاتّفاق لأنّ التّوضّؤ به مخيّر جائزٌ , فلم يوجد إزالة الحدث ولا إقامة القربة .
د - إذا غسل الأشياء الطّاهرة من النّبات والثّمار والأواني والأحجار ونحوه , أو غسلت المرأة يدها من العجين أو الحنّاء ونحو ذلك , لا يصير الماء مستعملاً .
والماء المستعمل عند الحنفيّة ليس بطهور لحدث بل لخبث على الرّاجح المعتمد فإنّه يجوز إزالة النّجاسة الحقيقيّة به .
الماء المستعمل عند المالكيّة :
10 - ذهب المالكيّة إلى أنّ الماء المستعمل :
هو ما أستعمل في رفع حدث أو في إزالة حكم خبث , وأنّ المستعمل في رفع حدث : هو ما تقاطر من الأعضاء أو اتّصل بها أو انفصل عنها - وكان المنفصل يسيراً - أو غسل عضوه فيه .
وحكمه عندهم أنّه طاهر مطّهر لكن يكره استعماله في رفع حدث أو اغتسالاتٍ مندوبة مع وجود غيره إذا كان يسيراً , ولا يكره على الأرجح استعماله مرّةً أخرى في إزالة النّجاسة أو غسل إناء ونحوه .
قال الدسوقيّ : والكراهة مقيّدة بأمرين : أن يكون ذلك الماء المستعمل قليلاً كآنيّة الوضوء والغسل , وأن يوجد غيره , وإلّا فلا كراهة , كما أنّه لا كراهة إذا صبّ على الماء اليسير المستعمل ماء مطلق غير مستعمل , فإن صبّ عليه مستعمل مثله حتّى كثر لم تنتف الكراهة لأنّ ما ثبت للأجزاء يثبت للكلّ , واستظهر ابن عبد السّلام نفيها .
وقال الدّردير : الماء اليسير الّذي هو قدر آنيّة الغسل فأقل المستعمل في حدث يكره استعماله في حدث بشروط ثلاثة : أن يكون يسيراً , وأن يكون أستعمل في رفع حدث لا حكم خبث , وأن يكون الاستعمال الثّاني في رفع حدث .
وعلى هذا فإنّ الماء المستعمل في حكم خبث لا يكره له استعماله , وأنّ الماء المستعمل في حدث لا يكره استعماله في حكم خبث , والرّاجح في تعليل الكراهة أنّه مختلف في طهوريّته. الماء المستعمل عند الشّافعيّة :
11 - الماء المستعمل عند الشّافعيّة : هو الماء القليل المستعمل في فرض الطّهارة عن حدث كالغسلة الأولى فيه , أو في إزالة نجسٍ عن البدن أو الثّوب , أمّا نفل الطّهارة كالغسلة الثّانية , والثّالثة فالأصح في الجديد أنّه طهور .
ويفرّق الشّافعيّة بين القليل الّذي لا يبلغ قلّتين , وبين الكثير الّذي يبلغ قلّتين فأكثر .
فيرون في المذهب الجديد : أنّ القليل من الماء المستعمل طاهر غير طهور , فلا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً لأنّ السّلف الصّالح كانوا لا يحترزون عنه ولا عمّا يتقاطر عليهم منه .
فعن جابر رضي الله عنه قال : « جاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريضٌ لا أعقل فتوضّأ وصبّ عليّ من وضوئه فعقلت » .
ولأنّ السّلف الصّالح - مع قلّة مياههم - لم يجمعوا الماء المستعمل للاستعمال ثانياً بل انتقلوا إلى التّيمم , كما لم يجمعوه للشّرب لأنّه مستقذر .
فإن جمع الماء المستعمل فبلغ قلّتين فطهور على الأصحّ .
واختلف في علّة منع استعمال الماء المستعمل , قال الشّربيني : وهو الأصح : لأنّه غير مطلق كما صحّحه النّووي وغيره .
فإن جمع المستعمل على الجديد فبلغ قلّتين فطهور في الأصحّ لأنّ النّجاسة أشد من الاستعمال , والماء المتنجّس لو جمع حتّى بلغ قلّتين أي ولا تغير به صار طهوراً قطعاً , فالمستعمل أولى , ومقابل الأصحّ لا يعود طهوراً لأنّ قوّته صارت مستوفاةً بالاستعمال فالتحق بماء الورد ونحوه وهو اختيار ابن سريج .
ويقول الشّيرازي : الماء المستعمل ضربان : مستعمل في طهارة الحدث , ومستعمل في طهارة النّجس .
فأمّا المستعمل في طهارة الحدث فينظر فيه :
فإن أستعمل في رفع حدث فهو طاهر , لأنّه ماء طاهر لاقى محلاً طاهراً , فكان طاهراً , كما لو غسل به ثوب طاهر .
ثمّ قال : وأمّا المستعمل في النّجس فينظر فيه :(/3)
فإن انفصل من المحلّ وتغيّر فهو نجسٌ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ الماء لا ينجّسه شيء إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه » .
وإن كان غير متغيّر ففيه ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنّه طاهر , وهو قول أبي العبّاس وأبي إسحاق لأنّه ماء لا يمكن حفظه من النّجاسة فلم ينجس من غير تغير كالماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة .
والثّاني : أنّه ينجس , وهو قول أبي القاسم الأنماطيّ لأنّه ماء قليل لاقى نجاسةً , فأشبه ما وقعت فيه نجاسة .
والثّالث : أنّه إن انفصل والمحل طاهر فهو طاهر , وإن انفصل والمحل نجسٌ , فهو نجسٌ . وهو قول أبي العبّاس بن القاصّ لأنّ المنفصل من جملة الباقي في المحلّ : فكان حكمه في النّجاسة والطّهارة حكمه .
الماء المستعمل عند الحنابلة :
12 - قال الحنابلة : الماء الّذي أستعمل في رفع حدث أو إزالة نجسٍ ولم يتغيّر أحد أوصافه طاهر غير مطهّر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً وهذا هو ظاهر المذهب عندهم . وعند أحمد رواية أخرى أنّه طاهر مطّهر .
أما الماء المستعمل في طهارة مستحبّة كتجديد الوضوء والغسلة الثّانية والثّالثة فيه والغسل للجمعة والعيدين وغيرهما ففيه روايتان :
إحداهما : أنّه كالمستعمل في رفع الحدث لأنّه طهارة مشروعة أشبه ما لو اغتسل به من جنابة .
والثّانية : لا يمنع الطّهوريّة لأنّه لم يزل مانعاً من الصّلاة أشبه ما لو تبرّد به , فإن لم تكن الطّهارة مشروعةً لم يؤثّر استعمال الماء فيها شيئاً كالغسلة الرّابعة في الوضوء لم يؤثّر استعمال الماء فيها شيئاً وكان كما لو تبرّد أو غسل به ثوبه , ولا تختلف الرّواية أنّ ما أستعمل في التّبرد والتّنظيف أنّه باق على إطلاقه , قال ابن قدامة : ولا نعلم فيه خلافاً . وأمّا المستعمل في تعبد من غير حدث كغسل اليدين من نوم اللّيل , فإن قلنا ليس ذلك بواجب لم يؤثّر استعماله في الماء , وإن قلنا بوجوبه فقال القاضي : هو طاهر غير مطّهر, وذكر أبو الخطّاب فيه روايتين , إحداهما : أنّه يخرج عن إطلاقه لأنّه مستعمل في طهارة تعبد أشبه المستعمل في رفع الحدث , ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى أن يغمس القائم من نوم اللّيل يده في الإناء قبل غسلها » , فدلّ ذلك على أنّه يفيد منعاً .
والرّواية الثّانية أنّه باق على إطلاقه لأنّه لم يرفع حدثاً , أشبه المتبرّد به .
الماء المسخّن :
وهو إمّا أن يكون مسخّناً بتأثير الشّمس فيه , وإمّا أن يكون مسخّناً بتأثير غيرها .
أ - الماء المسخّن بتأثير الشّمس فيه " المشمّس " :
13 - يطلق الفقهاء على الماء المسخّن بتأثير الشّمس فيه اسم الماء المشمّس وقد اختلفوا في حكم استعماله على قولين :
القول الأوّل : جواز استعماله مطلقاً من غير كراهة , سواء أكان هذا الاستعمال في البدن أم في الثّوب .
وبهذا قال الحنابلة وجمهور الحنفيّة وهو قول لبعض فقهاء المالكيّة والشّافعيّة كالنّوويّ والروياني .
القول الثّاني : كراهة استعماله : وذهب إليه المالكيّة في المعتمد عندهم و الشّافعيّة في المذهب وبعض الحنفيّة .
يقول الخطيب الشّربيني : ويكره شرعاً تنزيهاً الماء المشمّس أي ما سخّنته الشّمس , أي يكره استعماله في البدن في الطّهارة وغيرها كأكل وشرب , لما روى الشّافعي عن عمر رضي الله عنه أنّه : كان يكره الاغتسال بالماء المشمّس , وقال : يورّث البرص .
لكن بشرط أن يكون ببلاد حارّة أي تقلّبه الشّمس عن حالته إلى حالة أخرى , كما نقله في البحر عن الأصحاب في آنيّة منطبعة غير النّقدين وهي كل ما طرق كالنحاس ونحوه , وأن يستعمل في حال حرارته , لأنّ الشّمس بحدّتها تفصل منه زهومةً تعلو الماء , فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدّم فيحصل البرص .
وقال الدّردير : يكره المشمّس أي المسخّن بالشّمس في الأقطار الحارّة كأرض الحجاز لا في نحو مصر والروم .
وعقّب الدسوقيّ على قول الدّردير في الشّرح الكبير " والمعتمد الكراهة " بقوله : هو ما نقله ابن الفرات عن مالك واقتصر عليه جماعة من أهل المذهب .
وهذه الكراهة طبّيّة لا شرعيّة لأنّها لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل , بخلاف ما لو كانت كراهته لشدّة حرارته فإنّها شرعيّة , والفرق بين الكراهتين : أنّ الشّرعيّة يثاب تاركها بخلاف الطّبّيّة .
ويقول ابن عابدين : قدّمنا في مندوبات الوضوء أنّ منها : أن لا يكون بماء مشمّسٍ , وبه صرّح في الحلية مستدلاً بما صحّ عن عمر من النّهي عنه , ولذا صرّح في الفتح بكراهته , ومثله في البحر .
وقال في معراج الدّراية وفي القنية : وتكره الطّهارة بالمشمّس , لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين سخّنت الماء بالشّمس : « لا تفعلي يا حميراء فإنّه يورث البرص » , وفي الغاية : يكره بالمشمّس في قطر حار في أوان منطبعة .
ب - الماء المسخّن بغير الشّمس :
14 - ذهب المالكيّة و الشّافعيّة إلى أنّ الماء المسخّن بالنّار لا يكره استعماله لعدم ثبوت نهي عنه ولذهاب الزهومة لقوّة تأثيرها , وأضاف الشّافعيّة : ولو كان التّسخين بنجاسة مغلّظة وإن قال بعضهم فيه وقفة .
وأمّا شديد السخونة أو البرودة فذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يكره في الطّهارة لمنعه الإسباغ .
وذهب الحنابلة إلى أنّ الماء المسخّن بالنّجاسة على ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يتحقّق وصول شيء من أجزاء النّجاسة إلى الماء فينجّسه إذا كان يسيراً . والثّاني : ألّا يتحقّق وصول شيء من أجزاء النّجاسة إلى الماء , والحائل غير حصين فالماء على أصل الطّهارة ويكره استعماله .(/4)
الثّالث : إذا كان الحائل حصيناً فقال القاضي يكره , واختار الشّريف أبو جعفر وابن عقيل أنّه لا يكره , لأنّه غير متردّد في نجاسته , بخلاف الّتي قبلها .
وذكر أبو الخطّاب في كراهة المسخّن بالنّجاسة روايتين على الإطلاق .
الماء المختلط :
وهو إمّا أن يكون مختلطاً بطاهر , أو يكون مختلطاً بنجس .
أوّلاً - حكم الماء المختلط بطاهر :
15 - اتّفق الفقهاء على أنّ الماء إذا اختلط به شيء طاهر - ولم يتغيّر به لقلّته - لم يمنع الطّهارة به , لأنّ الماء باق على إطلاقه .
كما اتّفقوا على أنّ الماء إذا خالطه طاهر لا يمكن الاحتراز منه - كالطحلب والخزّ وسائر ما ينبت في الماء , وكذا أوراق الشّجر الّذي يسقط في الماء أو تحمله الرّيح فتلقيه فيه , وما تجذبه السيول من العيدان والتّبن ونحوه كالكبريت وغيره - فتغيّر به يجوز التّطهير به , لأنّه يشق التّحرز منه .
أمّا الماء الّذي خالطه طاهر يمكن الاحتراز عنه - كزعفران وصابون ونحوهما - فتغيّر به أحد أوصافه فقد اختلفوا في حكمه إلى فريقين :
الفريق الأوّل : وهم الحنفيّة وأحمد في رواية : يرون أنّه طاهر مطهّر , إلّا أنّ الحنفيّة يشترطون أن لا يكون التّغيير عن طبخ , أو عن غلبة أجزاء المخالط حتّى يصير ثخيناً . قال صاحب الهداية : وتجوز الطّهارة بماء خالطه شيء طاهر فغيّر أحد أوصافه , كماء المدّ , والماء الّذي اختلط به اللّبن أو الزّعفران أو الصّابون أو الأشنان . . . إلى أن يقول : ولا يجوز - أي التّطهر - بماء غلب عليه غيره , فأخرجه عن طبع الماء , كالأشربة والخلّ وماء الباقلّا , لأنّه لا يسمّى ماءً مطلقاً , والمراد بماء الباقلّا وغيره : ما تغيّر بالطّبخ , فإن تغيّر بدون الطّبخ يجوز التّوضّؤ به .
وقال ابن قدامة : ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه , منهم أبو الحارث والميموني وإسحاق بن منصور جواز الوضوء به .
واستدلوا بقوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } . فقد أمر اللّه عزّ وجلّ باستعمال الماء - منكّراً - عند إرادة الصّلاة , ولم يبح التّيمم إلّا عند عدم وجوده والقدرة على استعماله , فدلّ هذا على طهوريّته وعدم جواز التّيمم مع وجوده , سواء أكان الواقع فيه مسكاً أم عسلاً أم نحو ذلك .
وبما ورد عن أمّ هانئٍ رضي الله عنها قالت : « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين » .
فهذا الحديث واضح الدّلالة في جواز التّطهر بالماء إذا خالطه شيء طاهر يمكن الاحتراز عنه , لأنّه لو كان اختلاطٌ يمنع التّطهر لما اغتسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بماء فيه أثر العجين فدلّ هذا على طهوريّته , ولأنّ الماء طهور بأصل خلقته , وقد خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء ولا رقّته ولا جريانه , فأشبه المتغيّر بالدهن ,أو المختلط بالطحلب وشبهه. والفريق الثّاني : وهم المالكيّة والشّافعيّة وأحمد في رواية أخرى أنّه طاهر غير مطهّر .
قال صاحب أسهل المدارك : والمتغيّر بالطّاهر كاللّبن طاهر في نفسه غير طهور , يستعمل في العادات كالطّبخ والشّرب , ولا يستعمل في العبادات كالوضوء والغسل .
وقال النّووي : منع الطّهارة بالمتغيّر بمخالطة ما ليس بمطهّر والماء يستغنى عنه هو مذهبنا .
وقال ابن قدامة : ما خالطه طاهر يمكن التّحرز منه فغيّر إحدى صفاته - طعمه أو لونه أو ريحه - كماء الباقلّا وماء الحمّص وماء الزّعفران , اختلف أهل العلم في الوضوء به , واختلفت الرّواية عن إمامنا - رحمه اللّه - في ذلك . فروي عنه : لا تحصل الطّهارة به .. قال القاضي أبو يعلى : وهي الأصح وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف , وقال المرداوي وهي المذهب .
واستدلوا بأنّه ماء تغيّر بمخالطة ما ليس بطهور , ويمكن الاحتراز منه , فلم يجز الوضوء به كماء الباقلّا المغلي , وبأنّ اختلاط الماء بطاهر يمكن الاحتراز عنه كالزّعفران ونحوه يمنعه الإطلاق , ولهذا لا يحنث بشربه الحالف على ألّا يشرب ماءً , ولقياسه على ماء الورد .
ثانياً - حكم الماء إذا تغيّر بمجاورة طاهر :
16 - إذا تغيّر الماء بمجاورة طاهر كالدهن والطّاهرات الصلبة كالعود والكافور , إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه فهو طاهر مطهّر عند الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة , لأنّ هذا التّغيير إنّما هو من جهة المجاورة فلا يضر , لأنّه لا يمنع إطلاق الاسم عليه , فهو يشبه تروح الماء بريح شيء على جانبه .
والأظهر عند الشّافعيّة أنّه لا يضر متغيّر بمجاور طاهر كعود ودهن , مطيّبين أو لا , أو بتراب طرح فيه , لأنّ تغيره بذلك لكونه في الأوّل تروحاً , وفي الثّاني كدورةً لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه .
ويرى المالكيّة في المعتمد لديهم , والشّافعيّة في مقابل الأظهر : أنّه طاهر غير مطهّر , قياساً على المتغيّر المختلط .
أمّا إذا هلك المجاور الطّاهر وماع في الماء فحكمه حكم الطّاهر .
ثالثاً - حكم الماء المختلط بنجس :
17 - اتّفق الفقهاء على أنّ الماء إذا خالطته نجاسة , وغيّرت أحد أوصافه , كان نجساً , سواء أكان الماء قليلاً أم كثيراً .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة , فغيّرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحةً أنّه نجسٌ ما دام كذلك .
واختلفوا في الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه على قولين :
القول الأوّل : أنّ الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه , فهو طاهر سواء أكان كثيراً أم قليلاً , وهذه رواية عن مالك , وإحدى الرّوايتين عن أحمد , وبه قال بعض الشّافعيّة , وإليه ذهب جماعة من الصّحابة والتّابعين .(/5)
يقول ابن رشد : اختلفوا في الماء الّذي خالطته نجاسة ولم تغيّر أحد أوصافه , فقال قوم : هو طاهر سواء أكان كثيراً أم قليلاً , وهي إحدى الرّوايات عن مالك .
ويقول ابن قدامة : وأمّا ما دون القلّتين إذا لاقته النّجاسة فلم يتغيّر بها فالمشهور في المذهب أنّه ينجس , وروي عن أحمد رواية أخرى : أنّ الماء لا ينجس إلّا بالتّغير قليله وكثيره .
واستدلّ أصحاب هذا القول بما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ الماء لا ينجّسه شيء , إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه » .
القول الثّاني : يفرّق بين كونه قليلاً وبين كونه كثيراً , فإن كان الماء قليلاً ينجس , وإن كان كثيراً لا ينجس .
وإلى هذا ذهب الحنفيّة , وهو رواية عن مالك , والمذهب عند الشّافعيّة , والمشهور عند الحنابلة , وهو رأي جماعة من الصّحابة والتّابعين .
18 - لكنّ أصحاب هذا القول اختلفوا في الحدّ الفاصل بين القليل والكثير على ثلاثة مذاهب: المذهب الأوّل : وهو مذهب الحنفيّة يرى : أنّ الماء إن كان بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل , وإن كان لا يخلص فهو كثير .
والمعتبر في الخلوص التّحريك , فإن كان بحال لو حرّك طرف منه يتحرّك الطّرف الآخر فهو ممّا يخلص , وإن كان لا يتحرّك فهو ممّا لا يخلص .
واختلفوا في جهة التّحريك : فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنّه يعتبر التّحريك بالاغتسال من غير عنف , وروى محمّد عنه أنّه يعتبر التّحريك بالوضوء , وفي رواية باليد من غير اغتسال ولا وضوء .
واستدلوا بما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثاً , فإنّه لا يدري أين باتت يده » .
فلو كان ماء الإناء لا ينجس بالغمس لم يكن للنّهي لوهم النّجاسة معنىً , ومعلوم أنّ ماء الإناء إذا حرّكه آدميّ من أحد طرفيه سرت الحركة فيه إلى الطّرف الآخر .
وبما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب : أن يغسله سبع مرّاتٍ أوّلاهنّ بالتراب » .
فقد أوجب النّبي صلى الله عليه وسلم غسل الإناء سبع مرّاتٍ أوّلاهنّ بالتراب إذا ولغ فيه الكلب , وولوغ الكلب لا يغيّر لون الماء ولا طعمه ولا ريحه , وإنّما يحرّكه .
المذهب الثّاني : وهو مذهب مالك , ويرى أنّه إن تغيّر لونه أو طعمه أو ريحه فهو قليل , وإن لم يتغيّر فهو كثير .
واستدلوا بما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « إنّ الماء لا ينجّسه شيء إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه » .
وفي رواية : « إنّ الماء طاهر , إلّا إن تغيّر ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه » . فهاتان الرّوايتان تفيدان أنّ التّغيير وعدمه معتبر في معرفة الطّاهر من النّجس , وإذا كان كذلك كان حداً فاصلاً بين القليل والكثير , بالقياس على ما إذا ورد الماء على النّجاسة , فإنّه يبقى على طهارته ما لم يتغيّر .
المذهب الثّالث : وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة , ويرون أنّ الماء إذا بلغ قلّتين فهو كثير , وإلّا فهو قليل .
واستدلوا بما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من الدّوابّ والسّباع , فقال : « إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث » , وفي رواية : « إذا كان الماء قلّتين لم ينجّسه شيء » .
فتحديد الماء بالقلّتين ونفي النّجاسة عنه يدل على أنّ ما دونهما ينجس , إذ لو استوى حكم القلّتين وما دونهما لم يكن للتّحديد معنىً .
ولأنّ الأصول مبنيّة على أنّ النّجاسة إذا صعبت إزالتها وشقّ الاحتراز منها عفي عنها , كدم البراغيث وسلس البول والاستحاضة ، وإذا لم يشقّ الاحتراز لم يعف عنها كغير الدّم من النّجاسات , ومعلوم أنّ قليل الماء لا يشق حفظه , وكثيره يشق , فعفي عمّا شقّ دون غيره , وضبط الشّرع حدّ القلّة بقلّتين فتعيّن اعتماده , ولا يجوز لمن بلغه الحديث العدول عنه .
واختلف الفقهاء في حكم الماء المختلط بنجس في حالتي الجريان والركود .
وفيما يلي أقوال الفقهاء في ذلك :
أوّلاً - مذهب الحنفيّة :
19 - فرّق فقهاء الحنفيّة بين كون الماء جارياً أو راكداً :
فإن وقع في الماء نجاسة وكان جارياً والنّجاسة غير مرئيّة , ولم تغيّر أحد أوصاف الماء : فهو طاهر عندهم .
يقول الكاساني : فإن وقع - أي النّجس - في الماء : فإن كان جارياً :
أ - فإن كان النّجس غير مرئي كالبول والخمر ونحوهما : لا ينجس ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه , ويتوضّأ منه من أيّ موضع كان من الجانب الّذي وقع فيه النّجس أو من جانب آخر . كذا ذكره محمّد .
ثمّ قال : وعن أبي حنيفة في الجاهل بال في الماء الجاري ورجل أسفل منه يتوضّأ به ؟ قال: لا بأس به , وهذا لأنّ الماء الجاري ممّا لا يخلص بعضه إلى بعض , فالماء الّذي يتوضّأ به يحتمل أنّه نجسٌ , ويحتمل أنّه طاهر , والماء طاهر في الأصل فلا نحكم بنجاسته بالشّكّ . ب - وإن كانت النّجاسة مرئيّةً كالجيفة ونحوها , فإن كان جميع الماء يجري على الجيفة لا يجوز التّوضّؤ من أسفل الجيفة لأنّه نجسٌ بيقين , والنّجس لا يطهر بالجريان .
وإن كان أكثره يجري على الجيفة فكذلك , لأنّ العبرة للغالب .
وإن كان أقله يجري على الجيفة , والأكثر يجري على الطّاهر يجوز التّوضّؤ به من أسفل الجيفة , لأنّ المغلوب ملحق بالعدم في أحكام الشّرع .
وإن كان يجري عليها النّصف , أو دون النّصف فالقياس أنّه يجوز التّوضّؤ به , لأنّ الماء كان طاهراً بيقين , فلا يحكم بكونه نجساً بالشّكّ .(/6)
وفي الاستحسان : لا يجوز احتياطاً .
وقد اختلف فقهاء الحنفيّة في حدّ الجريان : فقال بعضهم : هو أن يجري بالتّبن والورق . وقال بعضهم : إن كان بحيث لو وضع رجل يده في الماء عرضاً لم ينقطع جريانه فهو جار, وإلّا فلا .
وروي عن أبي يوسف : إن كان بحال لو اغترف إنسان الماء بكفّيه لم ينحسر وجه الأرض بالاغتراف فهو جار , وإلّا فلا .
وقيل : ما يعده النّاس جارياً فهو جار , وما لا فلا . قال الكاساني : وهو أصح الأقاويل . وإن كان الماء راكداً وكان قليلاً ينجس وإن كان كثيراً لا ينجس .
ثانياً - مذهب المالكيّة :
20 - قال الدسوقيّ : إنّ الماء اليسير - وهو ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونهما - إذا حلّت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيّره , فإنّه يكره استعماله في رفع حدث أو في حكم خبث ومتوقّف على طهور كالطّهارة المسنونة والمستحبّة .
وأمّا استعماله في العادات فلا كراهة فيه , فالكراهة خاصّة بما يتوقّف على طهور .
ثمّ قال : الكراهة مقيّدة بقيود سبعة : أن يكون الماء الّذي حلّت فيه النّجاسة يسيراً , وأن تكون النّجاسة الّتي حلّت فيه قطرة فما فوقها , وأن لا تغيّره , وأن يوجد غيره , وأن لا يكون له مادّة كبئر , وأن لا يكون جارياً , وأن يراد استعماله فيما يتوقّف على طهور كرفع حدث وحكم خبث وأوضية واغتسالات مندوبة . فإن انتفى قيد منها فلا كراهة .
ثالثاً - مذهب الشّافعيّة :
21 - يقول الشّيرازي : إذا وقعت في الماء نجاسة لا يخلو : إمّا أن يكون راكداً أو جارياً , أو بعضه راكداً وبعضه جارياً .
أ - فإن كان راكداً : نظرت في النّجاسة : فإن كانت نجاسةً يدركها الطّرف من خمر أو بول أو ميتة لها نفسٌ سائلة نظرت :
فإن تغيّر أحد أوصافه من طعم أو لون أو رائحة فهو نجسٌ, لقوله صلى الله عليه وسلم :
« الماء لا ينجس إلّا ما غيّر ريحه أو طعمه » . فنصّ على الطّعم والرّيح , وقيس اللّون عليهما لأنّه في معناهما .
وإن تغيّر بعضه دون البعض : نجس الجميع , لأنّه ماء واحد , فلا يجوز أن ينجس بعضه دون بعض .
وإن لم يتغيّر : نظرت : فإن كان الماء دون القلّتين فهو نجسٌ , وإن كان قلّتين فصاعداً فهو طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث » . ولأنّ القليل يمكن حفظه من النّجاسة في الظروف , والكثير لا يمكن حفظه من النّجاسة , فجعل القلّتين حداً فاصلاً بينهما .
ثمّ قال : فإن كانت النّجاسة ممّا لا يدركها الطّرف ففيه ثلاث طرق :
من أصحابنا من قال : لا حكم لها , لأنّها لا يمكن الاحتراز منها فهي كغبار السّرجين . ومنهم من قال : حكمها حكم سائر النّجاسات لأنّها نجاسة متيقّنة فهي كالنّجاسة الّتي يدركها الطّرف .
ومنهم من قال : فيه قولان .
كما بيّن حكمه إن كان جارياً , فقال :
ب - وإن كان الماء جارياً وفيه نجاسة جارية كالميتة , والجرية المتغيّرة , فالماء الّذي قبلها طاهر لأنّه لم يصل إلى النّجاسة , فهو كالماء الّذي يصب على النّجاسة من إبريق , والّذي بعدها طاهر أيضاً لأنّه لم تصل إليه النّجاسة , وأمّا ما يحيط بالنّجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها فإن كان قلّتين ولم يتغيّر فهو طاهر , وإن كان دونهما فهو نجسٌ كالرّاكد .
وقال أبو العبّاس ابن القاصّ : فيه قول آخر قاله في القديم : أنّه لا ينجس الماء الجاري إلّا لتغير , لأنّه ماء ورد على النّجاسة فلم ينجس من غير تغير , كالماء المزال به النّجاسة . وإن كانت النّجاسة واقفةً والماء يجري عليها , فإنّ ما قبلها وما بعدها طاهر , وما يجري عليها إن كان قلّتين فهو طاهر , وإن كان دونهما فهو نجسٌ , وكذلك كل ما يجري عليها بعدها فهو نجسٌ , ولا يطهر شيء من ذلك حتّى يركد في موضع ويبلغ قلّتين .
وأضاف الشّيرازي : وإن كان بعضه جارياً وبعضه راكداً : بأن يكون في النّهر موضع منخفضٌ يركد فيه الماء , والماء يجري بجنبه والرّاكد زائل عن سمت الجري , فوقع في الرّاكد نجاسة وهو دون القلّتين , فإن كان مع الجرية الّتي يحاذيها يبلغ قلّتين فهو طاهر . وإن لم يبلغ قلّتين فهو نجسٌ , وتتنجّس كل جرية بجنبها إلى أن يجتمع في موضع قلّتان فيطهر .
رابعاً - مذهب الحنابلة :
22 - قال الحنابلة : إذا تغيّر الماء بمخالطة النّجاسة فهو نجسٌ .
وإن لم يتغيّر وهو يسير ففيه روايتان , إحداهما : ينجس , وهو المذهب وعليه الأصحاب , وعموم هذه الرّواية يقتضي النّجاسة سواء أدركها الطّرف أو لا , وهو الصّحيح وهو المذهب .
والرّواية الثّانية لا ينجس , وهذا الخلاف في الماء الرّاكد .
وأمّا الجاري , فعن أحمد أنّه كالرّاكد إن بلغ جميعه قلّتين دفع النّجاسة إن لم تغيّره , وإلّا فلا وهي المذهب .
قال في الحاوي الصّغير : ولا ينجس قليل جار قبل تغيره في أصحّ الرّوايتين , وعن أحمد تعتبر كل جرية بنفسها , اختارها القاضي وأصحابه , وقال : هي المذهب .
تطهير المياه النّجسة :
23 - اختلف الفقهاء في كيفيّة تطهير الماء النّجس على الوجه الآتي :
قال الكاساني : اختلف المشايخ في كيفيّة تطهير المياه النّجسة في الأواني ونحوها , فقال أبو جعفر الهنداوني وأبو اللّيث : إذا دخل الماء الطّاهر في الإناء وخرج بعضه يحكم بطهارته بعد أن لا تستبين فيه النّجاسة , لأنّه صار ماءً جارياً , ولم يستيقن ببقاء النّجاسة فيه .
وقال أبو بكر الأعمش : لا يطهر حتّى يدخل الماء فيه , ويخرج منه مثل ما كان فيه ثلاث مرّاتٍ , فيصير ذلك بمنزلة غسله ثلاثاً .
وقيل : إذا خرج منه مقدار الماء النّجس يطهر , كالبئر إذا تنجّست أنّه يحكم بطهارتها بنزح ما فيها من الماء .(/7)
وقال المالكيّة : إنّ الماء النّجس يطهر بصبّ الماء عليه ومكاثرته حتّى يزول التّغير .
ولو زال التّغير بنفسه أو بنزح بعضه ففيه قولان .
والتّفصيل في مصطلح ( طهارة ف / 16 ) .
وأمّا الشّافعيّة والحنابلة : فقد فرّقوا بين ما إذا كان الماء المراد تطهيره دون القلّتين وبين ما إذا كان وفق القلّتين أو يزيد .
أ - فإن كان الماء دون القلّتين : فتطهيره يكون بالمكاثرة .
وليس المراد بالمكاثرة صب الماء دفعةً واحدةً , بل المراد إيصال الماء على ما يمكنه من المتابعة , إمّا من ساقية , وإمّا دلواً فدلواً , أو يسيل إليه ماء المطر .
غير أنّ الشّافعيّة قالوا : يكون التّكثير حتّى يبلغ قلّتين , سواء أكان الماء الّذي كاثره به طاهراً أم نجساً , قليلاً أم كثيراً , لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « إذا كان الماء قلّتين لم يحمل الخبث » .
أمّا الحنابلة فقالوا : يكون التّكثير بقلّتين طاهرتين , لأنّ القلّتين لو ورد عليهما ماء نجسٌ لم ينجّسهما ما لم تتغيّر به , فكذلك إذا كانت واردةً , ومن ضرورة الحكم بطهارتهما طهارةً ما اختلطتا به .
ب - وإن كان الماء وفق القلّتين : فإمّا أن يكون غير متغيّر بالنّجاسة , وحينئذٍ يطهر بالمكاثرة لا غير .
وإمّا أن يكون متغيّراً بها فيطهر بأحد أمرين : بالمكاثرة إذا زال التّغير , أو بتركه حتّى يزول تغيره بطول مكثه .
ولا يطهر بأخذ بعضه حينئذٍ ولو زال به التّغير , لأنّه ينقص عن قلّتين وفيه نجاسة .
ج - وإن كان الماء يزيد عن قلّتين فله حالان :
إحداهما : أن يكون نجساً بغير التّغير , فلا سبيل إلى تطهيره بغير المكاثرة .
والثّاني : أن يكون متغيّراً بالنّجاسة فتطهيره بأحد أمور ثلاثة : بالمكاثرة , أو بزوال تغيره بمكثه , أو بالأخذ منه ما يزول به التّغير ويبقى بعد ذلك قلّتان فصاعداً . فإن بقي ما دون القلّتين قبل زوال تغيره لم يبق التّغير علّة تنجيسه , لأنّه تنجّس بدونه فلا يزول التّنجيس بزواله , ولذلك طهر الكثير بالنّزح وطول المكث ولم يطهر القليل , فإنّ الكثير لمّا كانت علّة تنجيسه التّغير زال تنجيسه بزوال علّته كالخمرة إذا انقلبت خلاً , والقليل علّة تنجيسه الملاقاة لا التّغير فلم يؤثّر زواله في زوال التّنجيس .
واختلفوا في تطهيره بالتراب أو الجصّ إن زال به التّغير على قولين :
الأوّل : لا يطهر , كما لا يطهر إذا طرح فيه كافور أو مسك فزالت رائحة النّجاسة , ولأنّ التراب أو الجصّ لا يدفع النّجاسة عن نفسه فعن غيره أولى , وهو الأصح عند الشّافعيّة . والثّاني : يطهر , لأنّ علّة نجاسته التّغير وقد زال , فيزول التّنجيس كما لو زال بمكثه أو بإضافة ماء آخر , ويفارق الكافور والمسك لأنّه يجوز أن تكون الرّائحة باقيةً , وإنّما لم تظهر لغلبة رائحة الكافور والمسك .
تطهير مياه الآبار :
24 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ تطهيره يكون بالتّكثير إلى أن يزول التّغير ويكون التّكثير بالتّرك حتّى يزيد الماء ويصل إلى حدّ الكثرة أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ .
كما ذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار النّزح طريقاً للتّطهير أيضاً .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ تطهيره يكون بالنّزح فقط .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( آبار ف / 21 - 32 ) .
اختلاط الأواني واشتباه ما فيها من الماء الطّهور بالماء المتنجّس :
25 - إذا اختلطت الأواني اختلاط مجاورة , وكان في بعضها ماء طهور , وفي البعض الآخر ماء نجسٌ واشتبه الأمر على الشّخص , ولا قدرة له على إيجاد ماء آخر طهور غير الّذي في بعضها , فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على خمسة أقوال :
القول الأوّل : يجب عليه الاجتهاد والتّحرّي لمعرفة الطّهور منها , فإذا اجتهد وغلب على ظنّه طهوريّة أحدها بعلامة تظهر جاز له التّطهر به , وإلّا فلا .
وبهذا قال جمهور الشّافعيّة , وبعض المالكيّة .
واستدلوا بقوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } . وهذا واجد للماء فلم يجز التّيمم , ووجب الاجتهاد , وبأنّ التّطهر شرطٌ من شروط صحّة الصّلاة يمكن التّوصل إليه بالاجتهاد , فوجب قياساً على القبلة , وعلى الاجتهاد في الأحكام وفي تقويم المتلفات وإن كان قد يقع في الخطأ .
القول الثّاني : يجب عليه الاجتهاد والتّحرّي إذا كان عدد أواني الماء الطّهور أكثر من عدد أواني النّجس , فإن كان عدد أواني الماء الطّهور مساوياً لعدد أواني النّجس أو أقلّ لا يجوز له التّحرّي , بل يتيمّم .
وبهذا قال الحنفيّة , وبعض الحنابلة .
واستدلوا بحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » . وكثرة النّجس تريب , فوجب تركه والعدول إلى ما لا ريب فيه وهو التّيمم , وبأنّ الأصول مقرّرة على أنّ كثرة الحرام واستواء الحلال والحرام يوجب تغليب حكمه في المنع كأخت أو زوجة اختلطت بأجنبيّة .
وبالقياس على ما لو اشتبه ماء وبول , فإنّه لا يجتهد فيه بل يتيمّم .
القول الثّالث : لا يجوز التّحرّي في المياه المختلطة عند الاشتباه مطلقاً , بل يترك الجميع ويتيمّم .
وهو أحد قولي سحنون من المالكيّة , وبه قال أبو ثور والمزني من الشّافعيّة , وأحمد وأكثر أصحابه .
واستدلوا بأنّه إذا اجتهد قد يقع في النّجس , وأنّه اشتبه طاهر بنجس فلم يجز الاجتهاد فيه كما لو اشتبه ماء وبول .
ثمّ اختلف هؤلاء فيما بينهم : فقال أحمد في إحدى الرّوايتين : لا يتيمّم حتّى يريق الماء لتحقق عدم الماء .
وقال سحنون وأبو ثور والمزني : يتيمّم وإن لم يرقه لأنّه كالمعدوم .(/8)
القول الرّابع : يتوضّأ ويصلّي بعدد النّجس وزيادة إناء .
وبهذا قال ابن الماجشون , وهو القول الثّاني لسحنون .
واستدلوا بأنّ الشّخص في هذه الحالة معه ماء محقّق الطّهارة ولا سبيل إلى تيقن استعماله إلّا بالتّوضّؤ والصّلاة بعدد النّجس وزيادة إناء , فلزمه ذلك .
القول الخامس : يجوز التّطهر بأيّها شاء بلا اجتهاد ولا ظن .
وهو وجه للشّافعيّة .
واستدلوا بأنّ الأصل طهارة الماء في كلّ الأواني .
سقي أرض الفلاحة بماء نجسٍ :
26 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وابن عقيل من الحنابلة إلى أنّ الزّرع الّذي يسقى بماء نجسٍ طاهر , فإن أصاب الماء النّجس ظاهر الزّرع تنجّس ووجب تطهيره بالغسل . والمذهب عند الحنابلة : أنّ الزروع والثّمار الّتي سقيت بالنّجاسات أو سمّدت بها تحرم , لما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال : « كنّا نكري أرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة النّاس » , ولأنّها تتغذّى بالنّجاسات وتترقّى فيها أجزاؤها , والاستحالة لا تطهر , فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطّاهرات , كالجلّالة إذا حبست وأطعمت الطّاهرات(/9)
مِيزاب *
التّعريف :
1 - الميزاب في اللغة : قناة أو أنبوبة يصرف بها الماء من سطح بناء أو موضع عال . والمرزاب والمزراب بمعنى الميزاب .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
الأحكام المتعلّقة بالميزاب :
يتعلّق بالميزاب أحكام منها :
إخراجه إلى الطّريق الأعظم :
2 - ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة و المالكيّة و الشّافعيّة وهو قول عند الحنابلة إلى أنّه يجوز إخراج الميزاب إلى الطّريق الأعظم لأنّ « عمر رضي الله عنه خرج في يوم جمعة , فقطر ميزاب عليه للعبّاس فأمر به فقلع , فقال العبّاس : قلعت ميزابي , واللّه ما وضعه حيث كان إلّا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيده . فقال عمر رضي الله عنه : واللّه لا يضعه إلّا أنت بيدك , ثمّ لا يكون لك سلّم إلّا عمر . قال : فوضع العبّاس رجليه على عاتقي عمر ثمّ أعاده حيث كان » . وما فعله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلغيره فعله ما لم يقم دليل على اختصاصه به , ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ولا يمكنه رد مائه إلى الدّار , ولأنّ النّاس يعملون ذلك في جميع بلاد الإسلام من غير نكير , وذلك إذا لم يكن فيه ضرر , وزاد أبو حنيفة وأبو يوسف : ولم يمنعه أحد من النّاس .
وقال الحنابلة : لا يجوز إخراج الميازيب إلى الطّريق الأعظم , ولا يجوز إخراجها إلى درب نافذٍ إلّا بإذن الإمام ونائبه وأهله , لأنّ هذا تصرف في هواء مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فلم يجز سواء ضرّ بالمارّة أو لا , لأنّه إذا لم يضرّ حالاً فقد يضر مآلاً , كما لو كان الطّريق غير نافذٍ ولأنّه يضر بالطّريق وأهلها , فلم يجز كبناء دكّة فيها أو جناح يضر بأهلها, ولا يخفى ما فيه من الضّرر فإنّ ماءه يقع على المارّة وربّما جرى فيه البول أو ماء نجسٌ فينجّسهم , ويزلق الطّريق ويجعل فيها الطّين .
والتّفصيل في ( طريق ف / 14 ) .
الخصومة في الميزاب :
الخصومة في إخراج الميازيب إلى الطّريق :
3 - قال أبو حنيفة وأبو يوسف : من أراد أن يخرج إلى الطّريق الأعظم ميزاباً فلكلّ أحد من عرض النّاس مسلماً كان أو ذمّيّاً أن يمنعه من الوضع سواء كان فيه ضرر أو لم يكن إذا أراد الوضع بغير إذن الإمام لأنّ فيه الافتيات على رأي الإمام فيما إليه تدبيره فلكلّ أحد أن ينكر عليه .
وقال المالكيّة و الشّافعيّة و الحنابلة في قول ومحمّد من الحنفيّة : ليس لأحد حق المنع إذا لم يكن فيه ضرر , لأنّه مأذون في إحداثه شرعاً فهو كما لو أذن له الإمام .
الخصومة في رفع الميزاب :
4 - قال أبو حنيفة : من أخرج إلى طريق العامّة ميزاباً فلكلّ أحد من أهل الخصومة - كالمسلم البالغ العاقل الحرّ أو الذّمّيّ - مطالبته بالنّقض لأنّ لكلّ منهم المرور بنفسه وبدوابّه فيكون له الخصومة بنقضه كما في الملك المشترك .
وقال أبو يوسف ومحمّد : ليس لأحد ذلك , أمّا على قول محمّد فظاهر لأنّه جعله كالمأذون من الإمام فلا يرفعه أحد , وأمّا أبو يوسف فإنّه يقول كان قبل الوضع لكلّ أحد يد فيه فالّذي يحدث يريد أن يجعلها في يد نفسه خاصّةً , أما بعد الوضع فقد صار في يده فالّذي يخاصمه يريد إبطال يده من غير دفع الضّرر عن نفسه فهو متعنّت .
وقال الأتاسيّ : دور في طريق لها ميازيب من القديم منصّبة على ذلك الطّريق , ومنه تمتد إلى عرصة واقعة في أسفله جارية من القديم , ليس لصاحب العرصة سد ذلك المسيل القديم, فإنّ سدّه يرفع السّدّ من طرف الحاكم ويعاد إلى وضعه القديم لأنّه يريد بالسّدّ دفع الضّرر عن عرصته وفي ذلك ضرر بالطّريق الّذي تنصب إليه الميازيب وهو لا يجوز ؛ لأنّ ذلك الطّريق إن كان خاصاً ففيه دفع الضّرر الخاصّ بمثله والضّرر لا يزال بمثله , وإن كان عاماً ففيه دفع الضّرر الخاصّ بالضّرر العامّ , ويتحمّل الضّرر الخاص لدفع الضّرر العامّ , ولا سبيل إلى رفع الميازيب عن الطّريق الخاصّ لأنّها قديمة ولا عن الطّريق العامّ لأنّه لم يتحقّق الضّرر حيث كان مسيل ماء إلى العرصة المذكورة قديماً , فاتّضح أنّ المراد بالطّريق ما يعم الخاصّ والعامّ كما هو مقتضى الإطلاق .
وقال الشّافعيّة : من نصب ميزاباً يضر بالمارّة فلكلّ أحد من النّاس مطالبته بإزالته , لأنّه من إزالة المنكر , لكن لا يزيله إلّا الحاكم لا غيره , لما فيه من توقع الفتنة .
الاختلاف في حقّ إجراء ماء الميزاب :
5 - قال الحنفيّة : إذا كان الميزاب منصوباً إلى دار رجل واختلفا في حقّ إجراء الماء وإسالته فإن كان في حال عدم جريان الماء لا يستحق إجراء الماء وإسالته إلّا ببيّنة وليس لصاحب الدّار أيضاً أن يقطع الميزاب . وحكى الفقيه أبو اللّيث : أنّهم استحسنوا أنّ الميزاب إذا كان قديماً وكان تصويب السّطح إلى داره وعلم أنّ التّصويب قديم وليس بمحدث أن يجعل له حقّ التّسييل , وإن اختلفا في حال جريان الماء قيل : القول لصاحب الميزاب ويستحق إجراء الماء , وقيل : لا يستحق , فإن أقام البيّنة على أنّ له حقّ المسيل وبيّنوا أنّه لماء المطر من هذا الميزاب فهو لماء المطر وليس له أن يسيل ماء الاغتسال والوضوء فيه , وإن بيّنوا أنّه لماء الاغتسال والوضوء فهو كذلك وليس له أن يسيل ماء المطر فيه وإن قالوا له فيها حق مسيل ماء ولم يبيّنوا لماء المطر أو غيره صحّ , والقول لربّ الدّار مع يمينه أنّه لماء المطر أو لماء الوضوء والغسالة , وقال بعض مشايخ الحنفيّة : لا تقبل هذه الشّهادة في المسيل , وفي الطّريق تقبل .
الوضوء والغسل بماء الميزاب :
6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من وقف تحت ميزاب أو تحت مطر ناوياً الطّهارة ووصل الماء إلى شعره وبشره أجزأه عن وضوئه أو غسله .(/1)
وذهب المالكيّة والمزنيّ إلى أنّه لا يكفي في الغسل إفاضة الماء على الجسد دون الدّلك .
قال المتولّي والروياني من الشّافعيّة : في ماء الميزاب الّذي يظن نجاسته ولا يتيقّن طهارته ولا نجاسته فيه قولان : والمختار الجزم بطهارته , لأنّه إن كان هناك نجاسة انغسلت .
سقوط الميزاب وأثره في الضّمان :
7 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة و الشّافعيّة و الحنابلة - إلى أنّه إذا أشرع في الطّريق ميزاباً فسقط على إنسان فعطب فالدّية على عاقلته لأنّه مسبّب لتلفه متعد بشغله هواء الطّريق وهذا من أسباب الضّمان .
وفصّل الحنفيّة والشّافعيّة فقال الحنفيّة : إن أخرج ميزاباً إلى الطّريق فسقط على رجل فقتله ينظر : إن أصابه الطّرف الّذي كان في الحائط لا ضمان فيه لأنّه وضع ذلك الطّرف في ملكه ولم يكن تعدّياً , وإن أصابه الطّرف الخارج من الحائط ضمن صاحب الميزاب لأنّه متعدٍ في ذلك حيث شغل به هواء الطّريق لأنّه يمكنه أن يركّبه في الحائط , ولا كفّارة عليه ولا يحرم في الميراث لأنّه ليس بقاتل حقيقةً , وإن لم يعلم أيّهما أصابه ففي القياس لا شيء عليه لوقوع الشّكّ في الضّمان , وفي الاستحسان يضمن النّصف , وإن أصابه الطّرفان جميعاً وعلم ذلك وجب نصف الدّية وهدر النّصف , ومن صبّ الماء في ميزاب له وتحت الميزاب متاع لغيره يفسد به كان ضامناً استحساناً .
وقال الشّافعيّة : إن سقط الميزاب على شيء فأتلفه كان مضموناً في الجديد لأنّه ارتفاق بالشّارع , فجوازه مشروطٌ بسلامة العاقبة . فإن كان بعض الميزاب في الجدار وبعضه خارجاً عنه فسقط الخارج منه كله أو بعضه فأتلف شيئاً فكل الضّمان يجب لأنّه تلف بما هو مضمون عليه خاصّةً , وإن سقط كل الميزاب داخله وخارجه بأن قطع من أصله فنصف الضّمان يجب في الأصحّ , لأنّ التّلف حصل بالدّاخل في ملكه وهو غير مضمون وبالخارج وهو مضمون فوزّع على النّوعين سواء أكانت الإصابة بالدّاخل والخارج استويا بالقدر أم لا, ومقابل الأصحّ يوزّع على الدّاخل والخارج فيجب قسط الخارج , ويكون التّوزيع بالوزن وقيل : بالمساحة .
ولو أصاب الماء النّازل من الميزاب شيئاً فأتلفه ضمن نصفها إن كان بعضه في الجدار وبعضه خارجاً , ولو اتّصل ماؤه بالأرض ثمّ تلف به إنسان قال البغويّ : القياس التّضمين أيضاً .
وقال المالكيّة وهو القول القديم عند الشّافعيّة : إن سقط ميزابه على رأس إنسان فلا ضمان عليه , لأنّه فعل ما أذن له فيه , ولأنّه لضرورة تصريف المياه .
وقال الحنابلة : من أخرج ميزاباً في درب نافذٍ بغير إذن الإمام أو في درب غير نافذٍ بغير إذن أهله فسقط على إنسان فأتلفه ضمنه , لأنّه تلف بسبب متعد به , وإن كان بإذن الإمام بلا ضرر أو بإذن أهل غير النّافذ فلا ضمان لعدم العدوان .(/2)
مَِرْفَِق *
التّعريف :
1 - المرفق كمسجد ومنبر لغتان , ويطلق في اللغة على معنيين :
الأوّل : مرفق الإنسان , وهو آخر عظم الذّراع المتّصل بالعضد , أو مجتمع طرف السّاعد والعضد , ويجمع على مرافق .
الثّاني : مرفق الدّار ونحوها , وهو كل ما يرتفق به من مطبخ , وكنيف ومصابّ المياه , وقيل : مرفق الدّار بكسر الميم وفتح الفاء لا غير , على التّشبيه باسم الآلة .
والمرفق بهذا المعنى الثّاني قد سبق الكلام عليه في مصطلح : ( ارتفاق ) .
ويستعمل الفقهاء المرفق بهذين المعنيين .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - العضد :
2 - يطلق العضد على معان منها : ما بين المرفق إلى الكتف , ويجمع على أعضاد , ومنها المعين والنّاصر , ومنه قوله تعالى : { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً } .
والصّلة بين المرفق والعضد المجاورة .
ب - اليد :
3 - لليد في كلام العرب إطلاقات كثيرة , والمراد بها هنا عضوٌ من أعضاء الجسد , وهي بهذا المعنى تطلق على ثلاثة معان : الكف فقط , والكف والذّراع , والكف والذّراع والعضد. فالمرفق والعضد والذّراع جميعاً من أجزاء اليد على الإطلاق الثّالث , وليس كذلك على الإطلاق الأوّل والثّاني .
الحكم الإجمالي :
يختلف الحكم المترتّب على المرفق باختلاف مواطنه على النّحو التّالي :
غسل المرفق في الوضوء :
4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب غسل المرفقين مع اليدين في الوضوء , واستدلوا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } , ووجه الاستدلال : أنّ معنى قوله تعالى : { الْمَرَافِقِ } مع المرافق , لأنّ " إلى " تستعمل بمعنى " مع " كقوله تعالى : { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } أي مع قوّتكم .
وقال بعض أصحاب مالكٍ وزفر من الحنفيّة والطّبري : لا يجب غسل المرفقين , لأنّ اللّه تعالى أمر بالغسل إليهما فلا يدخل المذكور بعده , نظيره قوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } .
وعند المالكيّة قول ثالث : وهو دخول المرفقين في الغسل استحباباً لكونه أحوط , لزوال مشقّة التّحديد .
وإن خلقت اليدان بلا مرفقين كالعصا , فصرّح جمهور الفقهاء بأنّه يغسل إلى قدرهما من غالب النّاس إلحاقاً للنّادر بالغالب .
وقال بعض المالكيّة : يجب غسلهما للإبط احتياطاً , وفيه , وفي غسل الأقطع من مفصل مرفق , أو دونه أو فوقه تفصيل ينظر في مصطلح ( وضوء ) .
وأمّا مسح المرفقين في التّيمم فقد اختلف الفقهاء فيه , وينظر في مصطلح ( تيمم ف / 11 ) .
كيفيّة وضع المرفق في السجود :
5 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من سنن السجود للرّجل غير العاري مجافاة مرفقيه عن ركبتيه في السجود , بحيث يكونان بعيدين عن جنبيه , لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يفعل ذلك في سجوده , وقد روي أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم « كان إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمرّ بين يديه لمرّت » , وفي رواية أخرى : « كان النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سجد جافى بين يديه حتّى لو أنّ بهمةً أرادت أن تمرّ تحت يديه مرّت » , وذلك يدل على شدّة مبالغته في رفع مرفقيه وعضديه .
وقيل : إذا كان في الصّفّ لا يجافي , كي لا يؤذي جاره .
وزاد الرّحيبانيّ وغيره من الحنابلة : بأنّه يجب تركه في حالة الإيذاء , ويحرم عليه فعله لحصول الإيذاء المنهيّ عنه .
ونصّ أيضاً بأنّ للمصلّي أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال سجوده ليستريح , لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم , وقد شكوا إليه مشقّة السجود عليهم : « استعينوا بالرّكب » .
وأمّا المرأة فتضم المرفقين إلى الجنبين في جميع الصّلاة , لأنّه أستر لها .
وكذلك العاري , فالأفضل له الضّم وعدم التّفريق , وإن كان خالياً , كما صرّح به بعض الشّافعيّة .
وصرّح الحنابلة بأنّ من كمال السجود رفع المرفقين عن الأرض , واستدلوا بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : « إذا سجدت فضع كفّيك , وارفع مرفقيك » .
القصاص في المرفق :
6 - من شروط وجوب القصاص فيما دون النّفس الاستيفاء من غير حيف , ويتحقّق ذلك في اليد بأن يكون القطع من مفصل فإن كان من غير مفصل فلا قصاص فيه من موضع القطع من غير خلاف بل فيه الدّية , وعلى هذا : لو قطع يد شخص من المرفق فله القصاص منه , لأنّه مفصل , وليس له القطع من الكوع , لأنّه أمكنه استيفاء حقّه بكماله , والاقتصاص يكون من محلّ الجناية عليه , فلم يجز له العدول إلى غيره .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( جناية على ما دون النّفس ف / 11 ) .
دية المرفق :
7 - اتّفق الفقهاء على وجوب الدّية في قطع اليدين , ووجوب نصفها في قطع إحداهما , واختلفوا فيما إذا قطع ما فوق الكوع أي من بعض السّاعد أو المرفق على أقوال ينظر في مصطلح ( ديات ف / 43 ) .
النّظر إلى مرفقيّ المرأة :
8 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ مرفقيّ المرأة عورة بالنّسبة للأجنبيّ , وورد عن أبي يوسف القول بجواز إظهار ذراعيها لأنّهما يبدوان منها عادةً .
أما بالنّسبة للمحارم لنسب أو سبب مصاهرة أو رضاع فيرى جمهور الفقهاء جواز النّظر إلى اليدين إلى المرفقين .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( عورة ف / 3 , 6 ) .(/1)
نجاسة
التعريف
نجاسة
التعريف
1 - النجاسة في اللغة القذارة ، يقال تنجس الشيء صار نجسا ، وتلطخ بالقذر .
والنجاسة في الاصطلاح عرفها الشافعية بأنها مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص .
وعرفها المالكية بأنها صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه .
الألفاظ ذات الصلة
أ - الطهارة
الألفاظ ذات الصلة
أ - الطهارة
2 - الطهارة في اللغة النقاء من الدنس والنجس والبراءة من كل ما يشين .
40 74 وفي الاصطلاح صفة حكمية توجب لموصوفها جواز استباحة الصلاة به أو فيه أو له .
فالطهارة هي المدخل لأداء العبادات التي لا تجوز إلا بها ، كالصلاة والطواف ومس المصحف ، وهي لا تكون إلا بإزالة ما قد يكون عالقا وقائما بالبدن أو الثوب أو المكان من أحداث وأخباث .
ب - الاستنجاء
ب - الاستنجاء
3 - من معاني الاستنجاء لغة الخلاص من الشيء . يقال استنجيت الشجرة قطعتها من أصلها .
والاستنجاء في الاصطلاح إزالة ما يخرج من السبيلين سواء بالغسل أو المسح بالحجارة ونحوها عن موضع الخروج وما قرب منه .
والاستنجاء خاص بإزالة النجاسة عن السبيلين فقط ، لا عن باقي البدن أو الثوب .
والصلة بين النجاسة والاستنجاء أن الاستنجاء وسيلة لإزالة النجاسة عن المحل وتطهيره . ( ر استنجاء ف 1 ) .
ما يعتبر نجسا وما لا يعتبر
ما يعتبر نجسا وما لا يعتبر
4 - قسم الحنفية الأعيان النجسة إلى نوعين النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة . وقالوا كل ما يخرج من بدن الإنسان مما يوجب خروجه الوضوء أو الغسل فهو مغلظ ، كالغائط والبول والمني والمذي والودي والقيح والصديد والقيء إذا ملأ الفم ودم الحيض والنفاس والاستحاضة ، وكذلك بول الصغير والصغيرة أكلا أو لا ، والخمر والدم المسفوح ولحم الميتة وبول ما لا يؤكل والروث وإخثاء البقر والعذرة ونجو الكلب وخرء الدجاج والبط والأوز وخراء السباع والسنور والفأر وخراء الحية ويولها وخراء العلق ودم الحلمة والوزغة إذا كان سائلا ، فهذه الأعيان كلها نجسة نجاسة غليظة .
وعدوا من النجاسات المخففة بول ما يؤكل لحمه والفرس وخراء طير لا يؤكل .
أما أجزاء الميتة التي لا دم فيها إن كانت صلبة ، كالقرن والعظم والسن والحافر والخف والظلف والشعر والصوف والعصب والأنفحة الصلبة فليست بنجس ، لأن هذه الأشياء ليست بميتة ولقوله تعالى { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } .
40 75 وقال المالكية عند الكلام عن تمييز الأعيان الطاهرة عن النجسة
أ - الجمادات كلها على الطهارة إلا المسكر .
ب - والحيوانات كلها على الطهارة .
ج - والميتات كلها على النجاسة .
د - ودود الطعام كله طاهر ، ولا يحرم أكله مع الطعام ، وكل ما ليس له نفس سائلة لا ينجس بالموت ، ولا ينجس ما مات فيه من ماء أو مائع .
وذهب الشافعية إلى أن الأصل في الأعيان الطهارة .
وفصلوا في ضبطها فقالوا الأعيان جماد وحيوان .
فالجماد كله طاهر .
والحيوان - أي الحي - كله طاهر إلا الكلب والخنزير وفرع كل منهما .
وجزء الحيوان كميتته .
والميتة كلها نجسة إلا السمك ، والجراد ، والآدمي ، والجنين بعد ذكاة أمه ، والصيد الذي لا تدرك ذكاته .
والمنفصل عن الحيوان إما يرشح رشحا كالعرق ، وله حكم حيوانه - أي الحي - وإما له استحالة في الباطن كالبول فهو نجس إلا ما استثني .
تقسيم النجاسة إلى نجاسة عينية ونجاسة حكمية
تقسيم النجاسة إلى نجاسة عينية ونجاسة حكمية
5 - من تقسيمات النجاسة التي جرى عليها الفقهاء تقسيمها إلى نجاسة عينية ونجاسة حكمية .
وفي ذلك يقول الحنفية إن العينية تعني الخبث ، والحكمية تعني الحدث .
وعرفوا الخبث بأنه عين مستقذرة شرعا .
وعرفوا الحدث بأنه وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة . سواء كان أصغر أو أكبر ، فلا تحل مثلا صلاة مع وجوده حتى يضع مريد الصلاة الطهور مواضعه ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( " إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه " ) فهو يوجب الطهارة من 40 76 النجاسة الحكمية .
ويطهر الخبث بزواله ، ( لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش " اغسلي عنك الدم وصلي " ) فإنه يوجب الطهارة من النجاسة الحقيقية .
ويمنع بقاء الحكمية عن المشروط بزوالها بقاء بعض المحل وإن قل من غير إصابة مزيلها . فالمحدث حدثا أصغر يمنعه قيام هذا الحدث من الصلاة مثلا حتى يتوضأ حالة وجود الماء أو يتيمم حالة فقده بشروطه ، والمحدث حدثا أكبر يمنعه من ذلك حتى يغتسل . وعلى هذا فقليل الحكمية يمنع جواز الصلاة بالاتفاق .
والعينية تختلف من حيث غلظها وخفتها ، وقليلها عفو ، وهو دون مقعر الكف في الغليظة ، ودون ربع الثوب أو البدن في الخفيفة ، وتطهر بزوال عينها في المرئي ، وبالغسل في غيره .
ويقول الشافعية إن العينية هي ما لا تتجاوز محل حلول موجبها كالنجاسات ، والحكمية هي ما تتجاوزه بغسل أعضاء الوضوء أو جميع البدن بخروج الخارج وبنزول المني .
وقد تطلق الحكمية على ما لا وصف له من طعم أو لون أو ريح من باب مجاز المشاكلة .
ويقول المالكية إن الحدث هو الوصف المانع من الصلاة ونحوها ، المقدر شرعا قيامه بجميع البدن أو أعضاء الوضوء فقط عند موجبه .
والخبث هو الوصف المقدر شرعا قيامه بعين النجاسة .
وفي ذلك يقولون النجاسة حدث وخبث ، فالحدث هو المنع القائم بالأعضاء لموجب من بول ونحوه أو جنابة أو حيض أو نفاس .
وإن كان الممنوع منه بالنسبة لمن يريد الدخول في الصلاة ثوبا أو مكانا فهي طهارة خبث أي طهارة منه .
والحدث والخبث لا يرفعان إلا بالماء المطلق .(/1)
والحدث ينقسم إلى قسمين الأكبر والأصغر ، أما الأكبر فهو الجنابة والحيض والنفاس ، والأصغر هو البول والغائط والريح والمذي والودي .
وأما الخبث فهو عبارة عن النجاسة القائمة 40 77 بالشخص أو الثوب أو المكان .
وهذه الأشياء هي المعبر عنها بالأحداث والأخباث ، ولا يصح التطهير منها إلا بالماء الطاهر المطلق ، وهو ما كان على خلقته أو تغير بما لا ينفك عنه غالبا كقراره والمتولد منه ، قال تعالى { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } والماء الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره ، كماء المطر والبحر والبئر إذا لم يتغير شيء من أوصافه الثلاثة ، وهي اللون والطعم والريح .
ويقول الحنابلة إن الحدث هو الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها ، وزوال هذا الوصف يكون بالوضوء في الحدث الأصغر ، وبالغسل في الحدث الأكبر ( الجنابة والحيض والنفاس ) .
والخبث ما كان نجسا مستقذرا ، وتطهيره بغسله بالماء ، فهو يرفع الحدث ويزيل الخبث لقوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( " اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد " ) ، ( وقوله في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ) .
وصرح الحنفية بأن الخبث يختص بالنجاسة الحقيقية ، ويقسمون النجاسة الحقيقية ( الخبث ) إلى قسمين مغلظة ومخففة .
فما توافقت على نجاسته الأدلة فمغلظ عند أبي حنيفة ، سواء اختلف فيه العلماء وكان فيه بلوى أم لا ، وإلا فهو مخفف .
وقال أبو يوسف ومحمد ما اتفق العلماء على نجاسته ولم يكن فيه بلوى فمغلظ وإلا فمخفف ، ولا نظر للأدلة .
وقال الشافعية النجاسة العينية ( الخبث ) ثلاثة أقسام مغلظة أو مخففة أو متوسطة
القسم الأول ما نجس بملاقاة شيء من كلب أو خنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما .
القسم الثاني ما تنجس ببول صبي لم يطعم 40 78 غير لبن .
القسم الثالث ما تنجس بغيرهما .
طهارة الآدمي ونجاسته
طهارة الآدمي ونجاسته
6 - ذهب الفقهاء إلى طهارة الآدمي الحي المسلم والكافر ، ولقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم } ( ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد ) ، ولو كانت أبدانهم نجسة لم ينزلهم فيه تنزيها له .
وأما الآدمي الميت فيرى عامة مشايخ الحنفية أنه يتنجس بالموت لما فيه من الدم المسفوح ، كما يتنجس سائر الحيوانات التي لها دم سائل بالموت ، ولهذا لو وقع في البئر يوجب تنجسه ، إلا أنه إذا غسل يحكم بطهارته إذا كان مسلما كرامة له ، وأما الكافر فإنه لا يطهر بالغسل ، وأنه لا تصح صلاة حامله .
ويقول المالكية ميتة الآدمي ولو كافرا طاهرة على المعتمد ، ومذهب ابن القاسم وابن شعبان وابن عبد الحكم نجاسته .
قال عياض لأن غسله وإكرامه يأبى تنجيسه ، إذ لا معنى لغسل الميتة التي هي بمنزلة العذرة ( ولصلاته عليه الصلاة السلام على سهيل بن بيضاء رضي الله عنه في المسجد ) ، ولما روي ( أنه صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون بعد الموت ) ، ولو كان نجسا لما فعل عليه الصلاة والسلام ذلك .
ويقول الشافعية كذلك بطهارة الآدمي الميت مسلما أو غير مسلم ، لقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم } وتكريمهم يقتضي طهارتهم أحياء وأمواتا ، وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته بعد الموت ، وسواء في ذلك المسلم وغيره . وأما قوله تعالى { إنما المشركون نجس } 40 79 سورة التوبة 28 . فالمراد به نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الأبدان .
ويقول الحنابلة إن الصحيح في المذهب أن الآدمي طاهر حيا وميتا ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( " إن المؤمن لا ينجس " ) ولأنه آدمي فلو نجس بالموت لم يطهر بالغسل كسائر الحيوانات التي تنجس .
ولم يفرقوا بين المسلم والكافر لاستوائهما في الآدمية وفي حال الحياة ، ويحتمل أن ينجس الكافر بموته ، لأن الخبر إنما ورد في المسلم ولا يصح قياس الكافر عليه ، لأنه لا يصلى عليه وليس له حرمة كحرمة المسلم . .
7 - ويرى جمهور الفقهاء أن حكم أجزاء الآدمي وأبعاضه حكم جملته سواء انفصلت في حياته أو بعد موته ، لأنها أجزاء من جملته ولأنها يصلى عليها فكانت طاهرة كجملته .
وذكر القاضي من الحنابلة أنها نجسة رواية واحدة لأنها لا حرمة لها بدليل أنه لا يصلى عليها .
طهارة الحيوان الحي ونجاسته
أ - الكلب
طهارة الحيوان الحي ونجاسته
أ - الكلب
8 - اختلف الفقهاء في الكلب من حيث الطهارة والنجاسة .
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الكلب نجس العين .
وذهب الحنفية إلى أن الكلب ليس بنجس العين ، ولكن سؤره ورطوباته نجسة .
وذهب المالكية إلى أن الكلب طاهر العين ، لقولهم الأصل في الأشياء الطهارة ، فكل حي ولو كلبا طاهر ، وكذا عرقه ودمعه ومخاطه ولعابه .
كما اختلفوا في حكم شعر الكلب ، وحكم معض كلب الصيد من حيث النجاسة والطهارة ، فذهب بعضهم إلى الحكم بالنجاسة ، وذهب آخرون إلى الحكم بالطهارة .
وتفصيل ذلك كله في مصطلح ( كلب ف 15 - 19 ، شعر وصوف ووبر ف 19 ، صيد .
ف 44 ) .
ب - الخنزير
40 80 ب - الخنزير
9 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى نجاسة عين الخنزير ، وكذلك نجاسة جميع أجزائه ، وما ينفصل عنه كعرقه ولعابه ، وذلك لقوله تعالى { قُلْ لَا أجِدُ في مَا أوحِي إلَي مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه إلَّا أنْ يَكُونَ مَيْتَة أوْ دَمًا مَسْفُوحًا أوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّه رِجْسٌ أوْ فِسْقًا أهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِه } . والضمير في قوله تعالى { أوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّه رِجْسٌ } راجع إلى الخنزير فيدل على تحريم عين الخنزير وجميع أجزائه .(/2)
وذهب المالكية إلى طهارة عين الخنزير حال الحياة ، لأن الأصل في كل حي الطهارة ، والنجاسة عارضة ، فطهارة عينه بسبب الحياة ، وكذلك طهارة عرقه ولعابه ودمعه ومخاطه .
والتفصيل في مصطلح ( خنزير ف 4 وما بعدها ) .
جـ - سباع البهائم وسباع الطير
جـ - سباع البهائم وسباع الطير
10 - اختلف الفقهاء في طهارة سباع البهائم والطير أو نجاستها .
فذهب الحنفية إلى نجاسة سباع البهائم كالأسد والفهد والذئب والنمر والقرد ، ونجاسة سباع الطير كالصقر والشاهين والحدأة .
وذهب المالكية إلى أن الحي من جميع الحيوانات طاهر ، وقيل بنجاسة الكلب والخنزير والمشرك .
وقال الشافعية بطهارة الحيوانات وأسآرها ، إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهو نجس .
وقال الحنابلة الحيوان قسمان نجس وطاهر .
القسم الأول النجس ، وهو نوعان
أحدهما ما هو نجس رواية واحدة وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما ، فهذا نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه .
والثاني ما اختلف فيه ، وهو سائر سباع البهائم إلا السنور وما دونه في الخلقة ، وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل ، فعن أحمد أن سؤرها نجس .
والقسم الثاني طاهر في نفسه وسؤره وعرقه ، وهو ثلاثة أضرب
40 81 الأول الآدمي ، والثاني ما يؤكل لحمه ، والثالث السنور وما دونها في الخلقة .
طهارة الحيوان الميت ونجاسته
أ - ميتة ما ليس له نفس سائلة
طهارة الحيوان الميت ونجاسته
أ - ميتة ما ليس له نفس سائلة
11 - ذهب عامة الفقهاء إلى أن ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض ونحوهما إذا وقع في ماء يسير أو مائع ومات فإنه لا ينجس ما وقع فيه ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فيلغمسه ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء " وفي رواية " وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء " ) ، وقد يفضي غمسه إلى موته فلو نجس لما أمر به .
ومقابل المشهور عند الشافعية أنه ينجس ما وقع فيه كسائر الميتات .
وقال الشافعية ومحل الخلاف إذا لم تنشأ فيه ، فإن نشأت فيه وماتت كدود الخل لم تنجسه جزما .
ونص الحنابلة على أن ما ليس له نفس سائلة من الحيوان نوعان ما يتولد من الطاهرات فهو طاهر حيا وميتا ، وما يتولد من النجاسات كصراصر الحش ودوده فهو نجس حيا وميتا ، لأنه متولد من النجاسة فكان نجسا كولد الكلب والخنزير .
قال أحمد في رواية المروزي صراصر الكنيف والبالوعة إذا وقع في الإناء أو الحب صب ، وصراصر البئر ليست بقذرة ولا تأكل العذرة .
ب - ميتة الحيوان البحري والبرمائي
ب - ميتة الحيوان البحري والبرمائي
12 - ذهب الحنفية إلى أن ما كان مائي المولد من الحيوان فموته في الماء لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ) ، وهو يفيد عدم تنجسه بالموت ، وإذا لم يكن نجسا لا ينجس ما يجاوره . وكذا لو مات خارج الماء ثم وقع فيه .
ولو مات في غير الماء كالخل واللبن روي عن محمد أنه لا يفسد وسواء فيه المنتفخ وغيره ، وعنه أنه سوى بين الضفدع البري والمائي . وقيل إن كان للبري دم سائل أفسده وهو 40 82 الصحيح .
وعند المالكية دواب الماء طاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم " ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) " ، فميتة الحيوان البحري طاهرة لهذا الحديث وسواء مات حتف أنفه ووجد طافيا ، أو بسبب شيء فعل به من اصطياد مسلم أو مجوسي ، أو ألقي في النار ، أو دس في طين ومات بسبب ذلك ، أو وجد في بطن حوت أو طير ميتا .
ولا فرق بين أن يكون مما لا تطول حياته ببر كحوت ، أو تطول حياته كالضفدع البحري والسلحفاة البحرية .
وعن عبد الحق وأما ميتة الضفادع البرية فنجسة ، والمعول عليه من الأقوال في ميتة ما تطول حياته ببر من الحيوان والبحر كالتمساح الطهارة ، وعليه مالك وأكثر أصحابه من أهل المدن والأمصار إلا من شذ .
وقال الشافعية ميتة حيوان البحر طاهرة وحلال أكلها ، لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر " ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) " .
وقالوا ما يعيش في الماء وفي البر كطير الماء مثل البط والأوز ونحوهما حلال ، إلا ميتتها لا تحل قطعا ، والضفدع والسرطان محرمان على المشهور ، وذوات السموم حرام قطعا ، ويحرم التمساح على الصحيح ، والسلحفاة على الأصح .
وذهب الحنابلة إلى أنه تباح ميتة السمك وسائر حيوان البحر الذي لا يعيش إلا في الماء فهو طاهر حيا وميتا ، لولا ذلك لم يبح أكله ، فإن غير الماء لم يمنع لأنه لا يمكن التحرز منه .
وحيوان البحر الذي يعيش في البر كالضفدع والتمساح وشبههما ينجس بالموت ، فينجس الماء القليل إذا مات فيه ، والكثير إذا غيره ، لأنها تنجس غير الماء فتنجس الماء كحيوان البر ، ولأنه حيوان له نفس سائلة لا تباح ميتته فأشبه طير الماء . ويفارق السمك فإنه مباح ولا ينجس غير الماء .
ج - ميتة الحيوان البري
ج - ميتة الحيوان البري
13 - ذهب الفقهاء إلى أن ميتة الحيوان كلها نجسة إلا السمك والجراد ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( " أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد ، 40 83 وأما الدمان فالكبد والطحال " ) .
والتفصيل في مصطلح ( ميتة ) .
د - ما انفصل من الحيوان
د - ما انفصل من الحيوان
14 - ذهب الفقهاء في الجملة إلى أن ما انفصل من الحيوان الحي فهو كميتته لقوله صلى الله عليه وسلم ( " ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة " ) .
واختلفوا في أمور أخرى وذلك على التفصيل التالي(/3)
ذهب الحنفية إلى أن شعر الميتة غير الخنزير وعظمها وعصبها - على المشهور - وحافرها وقرنها الخالية عن الدسومة ، وكذا كل ما لا تحله الحياة وهو ما لا يتألم الحيوان بقطعه كالريش والمنقار والظلف طاهر .
واختلف في أذنيه ففي البدائع نجسة ، وفي الخانية لا ، وفي الأشباه المنفصل من الحي كميتته إلا في حق صاحبه فطاهر وإن كثر .
( ر أطعمة ف 74 وما بعدها ) .
وقال المالكية أجزاء الميتة نجسة إلا الشعر وشبهها من الريش .
وأما أجزاء الحيوان فإن قطعت منه في حال حياته فهي نجسة إجماعا إلا الشعر والصوف والوبر . وإن قطعت بعد موته فإن قيل بطهارته فأجزاؤه كلها طاهرة ، وإن قيل بالنجاسة فلحمه نجس .
وأما العظم وما في معناه كالقرن والسن والظلف فهي نجسة من الميتة ، وأما الصوف والوبر والشعر فهي طاهرة من الميتة .
ويقول الشافعية الجزء المنفصل من الحي كميتة ذلك الحي إن كان طاهرا فطاهرا ، وإن كان نجسا فنجس لخبر " ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة ) " ، فالمنفصل من الآدمي أو السمك أو الجراد طاهر ، ومن غيرها نجس إلا 40 84 شعر المأكول أو صوفه أو ريشه أو وبره فطاهر بالإجماع ولو نتف منها . قال الله تعالى { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } وهو محمول على ما إذا أخذ بعد التذكية أو في الحياة على ما هو المعهود .
وقالوا دخل في نجاسة الميتة جميع أجزائها من عظيم وشعر وصوف ووبر وغير ذلك لأن كلا منها تحله الحياة .
وقال الحنابلة عظم الميتة وقرنها وظفرها وعصبها وحافرها ، وأصول شعرها إذا نتف ، وأصول ريشها إذا نتف وهو رطب أو يابس نجس ، لأنه من جملة أجزاء الميتة أشبه سائرها ، ولأن أصول الشعر والريش جزء من اللحم لم يستكمل شعرا ولا ريشا .
وصوف ميتة طاهرة في الحياة كالغنم طاهر ، وشعرها ووبرها وريشها طاهر ولو كانت غير مأكولة كهر وما دونها في الخلقة ، لقوله تعالى { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } والآية سيقت للامتنان ، فالظاهر شمولها لحالتي الحياة والموت ، والريش مقيس على هذه الثلاثة .
وما أبين من حي من قرن وإلية ونحوهما كحافر وجلد فهو كميتته طهارة أو نجاسة ، لقوله صلى الله عليه وسلم " ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة ) " .
ولمزيد من التفصيل ينظر في مصطلحات ( شعر وصوف ووبر ف 17 وما بعدها ، وعظم ف 2 ، وأظفار ف 12 ) .
هـ - جلد الحيوان
هـ - جلد الحيوان
15 - جلد الحيوان إما أن يكون جلد ميتة ، أو جلد حيوان حي غير مأكول اللحم .
أما جلد الميتة فقد اتفق الفقهاء على نجاسته ، واختلفوا في طهارته بالدباغة .
فذهب الحنفية والشافعية - وهو رواية عن أحمد في جلد ميتة مأكول اللحم - إلى أن الدباغة تطهر جلود الميتة إلا جلد الخنزير عندهم لنجاسة عينه .
وروي عن سحنون وابن عبد الحكم من المالكية قولهما بطهارة جلد جميع الحيوانات بالدباغة حتى الخنزير .
واستثنى الشافعية أيضا جلد الكلب ، كما استثنى محمد من الحنفية جلد الفيل .
وذهب المالكية في المشهور المعتمد عندهم 40 85 والحنابلة في المذهب إلى عدم طهارة جلد الميتة بالدباغة .
وأما جلد الحيوان الحي غير مأكول اللحم فذهب جمهور الفقهاء إلى أن التذكية لا تطهره .
وذهب الحنفية إلى أن ما يطهر جلده عندهم بالدباغ يطهر بالذكاة الشرعية .
وتفصيل ما سبق ينظر في مصطلحات ( جلد ف 8 ، 10 ، ودباغة ف 9 وما بعدها ، وطهارة ف 23 ) .
حكم ما يخرج من أبدان الناس والحيوانات
أ - الريق والمخاط والبلغم
حكم ما يخرج من أبدان الناس والحيوانات
أ - الريق والمخاط والبلغم
16 - ذهب الحنفية إلى طهارة البلغم ، فمن قاء بلغما لا ينتقض وضوؤه وإن ملأ الفم لطهارته ، " ( لأنه صلى الله عليه وسلم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض ) " ، ولهذا لا ينقض النازل من الرأس بالإجماع ، وهو للزوجته لا تتداخله النجاسة ، وأما ما يجاوره من النجاسة فهو قليل ، والقليل غير ناقض ، بخلاف الصفراء فإنها تمازجها .
وقال أبو يوسف إن كان من الجوف نقض لأنه محل النجاسة فأشبه الصفراء .
وذهب المالكية إلى أن كل حي بحريا كان أو بريا ، كلبا أو خنزيرا أو آدميا ، مسلما كان أو كافرا ، لعاب ذلك كله - وهو ما سال من فمه في يقظة أو نوم - طاهر ، ما لم يعلم أنه من المعدة بصفرته ونتونته ، فإنه نجس ، ولا يسمى حينئذ لعابا ، ويعفى عنه إذا لازم وإلا فلا ، ومخاطه كذلك طاهر ، وهو ما سال من أنفه .
والبلغم طاهر ، وهو المنعقد كالمخاط يخرج من الصدر أو يسقط من الرأس من آدمي أو غيره ، حيث يقولون بطهارة المعدة لعلة الحياة ، فما يخرج منها طاهر ، وعلة نجاسة القيء الاستحالة إلى فساد .
ويقول الشافعية إن ما انفصل عن باطن الحيوان ، وليس له اجتماع واستحالة في الباطن ، وإنما يرشح رشحا كاللعاب والدمع والعرق والمخاط ، فله حكم الحيوان المترشح منه ، إن كان نجسا فنجس ، وإلا فطاهر .
ويقولون إن البلغم الصاعد من المعدة 40 86 نجس ، بخلاف النازل من الرأس أو من أقصى الحلق أو الصدر فإنه طاهر .
ويقول الحنابلة إن ريق الآدمي ومخاطه ونخامته طاهر ، ففي حديث أنس " ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه ، فقام فحكه بيده فقال إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه - أو إن ربه بينه وبين القبلة - فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدميه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا ) " ، ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه .(/4)
ولا فرق في البلغم بين ما يخرج من الرأس وما يخرج من الصدر .
وريق مأكول اللحم طاهر ، وما لا يؤكل لحمه ويمكن التحرز منه نوعان
أحدهما الكلب والخنزير ، فهما نجسان بجميع أجزائهما وفضلاتهما وما ينفصل عنهما .
الثاني ما عداهما من سباع البهائم وجوارح الطير والبغل والحماز ، فعن أحمد أنها نجسة بجميع أجزائها وفضلاتها إلا أنه يعفى عن يسير نجاستها ، وعنه ما يدل على طهارتها فحكمها حكم الآدمي .
ب - القيء والقلس
ب - القيء والقلس
17 - يقول الشافعية والحنابلة بنجاسة القيء ، لأنه طعام استحال في الجوف إلى النتن والفساد فكان نجسا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار رضي الله عنه " ( إنما يغسل الثوب من خمس . . . وعد منها القيء ) " .
وهو عند الحنفية نجس إذا كان ملء الفم أما ما دونه فطاهر على ما هو المختار من قول أبي يوسف .
وقال المالكية إن النجس منه هو المتغير عن حال الطعام ، فإن كان تغيره لصفراء أو بلغم ولم 40 87 يتغير عن حالة الطعام فطاهر .
فإذا تغير بحموضة أو نحوها فهو نجس كما هو ظاهر المدونة .
18 - أما القلس - بفتح القاف وسكون اللام - فهو كما قال المالكية ماء تقذفه المعدة أو يقذفه ريح من فمها ، وقد يكون معه طعام .
وقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القلس نجس ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ، ثم ليبن على صلاته ، وهو في ذلك لا يتكلم ) " .
وقالوا إن خروج النجاسة هو الذي يؤثر في زوال الطهارة .
وقال المالكية إن القلس طاهر كالقيء ما لم يتغير عن حالة الطعام ، فإن تغير كان نجسا .
ج -
ج - الجرة من الحيوان المجتر
الجرة من الحيوان المجتر
19 - الجرة بالكسر عرفها الحنفية بأنها ما يصدر من جوف البعير أو البقر أو الغنم إلى فيه .
وعرفها الشافعية بأنها ما يخرجه البعير أو غيره من جوفه للاجترار .
وقد ذهب الحنفية ما عدا زفر والشافعية إلى أنها نجسة كروثه ، لأنه واراه جوفه ، كالماء إذا وصل إلى جوفه فحكمه حكم بوله ، فكذا الجرة يكون حكمها حكم الروث ، ولا يجتر من الحيوان إلا ماله كرش .
وأما المالكية فلا يتأتى ذلك عندهم لأن معدة مباح الأكل طاهرة عندهم لعلة الحياة وما يخرج منها من مرارة وصفراء .
د - عرق الحيوان
40 88 د - عرق الحيوان
20 - اختلف الفقهاء في حكم طهارة عرق الحيوان أو نجاسته .
فذهبوا إلى طهارة عرق ما يؤكل لحمه من الحيوان ، واختلفوا فيما عدا ذلك .
والتفصيل في مصطلح ( عرق ف 4 وما بعدها ) .
هـ - اللبن
ه - اللبن
21 - اللبن إما أن يكون من آدمي أو حيوان ، فإن كان من آدمي حي فهو طاهر باتفاق .
وإن كان من حيوان حي مأكول اللحم فهو طاهر بلا خلاف .
واختلف الفقهاء فيما عدا ذلك تبعا لاختلافهم في حل أكل الحيوان ، فما حل أكله كان لبنه طاهرا .
والتفصيل في مصطلح ( لبن ف 2 وما بعدها ) .
و - الإنفحة
و - الإنفحة
22 - الإنفحة مادة بيضاء صفراوية في وعاء جلدي يستخرج من بطن الجدي أو الحمل الرضيع يوضع منها قليل في اللبن الحليب فينعقد ويتكاثف ويصير جبنا ، وجلدة الإنفحة هي التي تسمى كرشا إذا رعى الحيوان العشب .
والإنفحة إن أخذت من مذكى ذكاة شرعية فهي طاهرة مأكولة بالاتفاق ، وقيد الشافعية ذلك بألا يطعم المذكى غير اللبن .
وإن أخذت من ميت ، أو من مذكى ذكاة غير شرعية فهي نجسة غير مأكولة عند الجمهور ، وطاهرة مأكولة عند أبي حنيفة ، سواء أكانت صلبة أم مائعة قياسا على اللبن .
وقال الصاحبان إن كانت صلبة يغسل ظاهرها وتؤكل ، وإن كانت مائعة فهي نجسة لنجاسة وعائها بالموت فلا تؤكل .
وللتفصيل ( ر أطعمة ف 85 ) .
ز - الدم والقيح
ز - الدم والقيح والصديد
23 - ذهب الفقهاء إلى نجاسة الدم ، لحديث أسماء رضي الله عنها قالت ( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع ؟ قال " تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه ) " ، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن 40 89 ياسر رضي الله عنهما " ( إنما يغسل الثوب من المني والبول والدم ) " وكذلك القيح والصديد لأنهما مثله .
واستثنى الفقهاء دم الشهيد عليه فقالوا بطهارته ما دام عليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى أحد " ( زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك ) " . فإن انفصل الدم عن الشهيد كان الدم نجسا .
وذهب الحنفية إلى أنه يعفى عن دم الإنسان الذي لا يسيل عن رأس جرحه ، ويعفى أيضا عن دم البق والبراغيث لأنه لا يمكن الاحتراز عنه وفيه حرج .
وذهب المالكية إلى أنه يعفى عما دون الدرهم من الدم المسفوح إذا انفصل عن الحيوان .
وذهب الشافعية إلى أنه يعفى عن اليسير في العرف من الدم والقيح ، سواء كان من نفسه كأن انفصل منه ثم عاد إليه أو كان من غيره ، إلا دم الكلب والخنزير وفرع أحدهما فلا يعفى عن شيء منه لغلظ نجاسته ، وأما دم الشخص نفسه الذي لم ينفصل منه كدم الدماميل والقروح وموضع الفصد فيعفى عن قليله وكثيره ، انتشر بعرق أم لا .
ويعفى عن دم البراغيث والقمل ونحو ذلك مما تعم به البلوى ويشق الاحتراز عنه ، ومحل العفو عن سائر الدماء ما لم يختلط بأجنبي ، فإن اختلطت به كأن خرج من عينه دم أو دميت لثته لم يعف عن شيء منه .
وأما ما لا يدركه البصر من النجاسات فيعفى عنه ولو من النجاسة المغلظة لمشقة الاحتراز عنه .(/5)
وذهب الحنابلة إلى أنه يعفى عن يسير دم وما تولد منه من قيح وصديد في غير مائع ومطعوم ، أي أنه يعفى عنه في الصلاة ، لأن الإنسان غالبا لا يسلم منه ويشق التحرز منه ، وقدر اليسير المعفو عنه هو ما لا يفحش في النفس ، والمعفو عنه من القيح ونحوه أكثر مما يعفى عن مثله من الدم ، والمعفو عنه هو ما كان من آدمي أو حيوان طاهر خارجا من غير سبيل ، فإن كان من سبيل لم 40 90 يعف عنه ، ولا يعفى عن الدم الخارج من حيوان نجس كالكلب والخنزير ، ويضم متفرق في ثوب من دم ونحوه ، فإن فحش لم يعف عنه ، ويعفى عن دم بق وقمل ونحو ذلك من كل ما لا نفس له سائلة . ( ر عفوف 7 وما بعدها ، معفوات ف 3 وما بعدها ) .
ح - دم الحيض والاستحاضة والنفاس
ح - دم الحيض والاستحاضة والنفاس
24 - اتفق الفقهاء على نجاسة دم الحيض والنفاس والاستحاضة ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت " ( جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، إنما ذلك عرق وليس بحيض ، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ) " .
وللتفصيل في أثر الحيض والنفاس والاستحاضة في منع العبادات تنظر مصطلحات ( استحاضة ف 25 وما بعدها ، حيض ف 33 وما بعدها ، نفاس ) .
ط - المسك والزباد والعنبر
ط - المسك والزباد والعنبر
25 - ذهب الحنفية إلى أن المسك طاهر حلال ، فيؤكل بكل حال ، وكذا نافجته طاهرة مطلقا على الأصح من غير فرق بين رطبها ويابسها ، وبين ما انفصل من المذبوحة وغيرها ، وبين كونها بحال لو أصابها الماء فسدت أو لا .
وكذا الزباد طاهر لاستحالته إلى الطيبية .
وكذا العنبر كما في الدر المنتقى ، قال في خزانة الروايات ناقلا عن جواهر الفتاوى الزباد طاهر ، وفي المنهاجية من مختصر المسائل المسك طاهر لأنه وإن كان دما لكنه تغير ، وكذا الزباد طاهر ، وكذا العنبر .
وذهب الشافعية إلى أن المسك - كما قال النووي - طاهر ، وفي فأرته المنفصلة في حياة الظبية وجهان الأصح الطهارة كالجنين ، فإن انفصلت بعد موتها فنجسة على الصحيح كاللبن ، وطاهرة في وجه كالبيض المتصلب .
والزباد طاهر لأنه لبن سنور بحري أو عرق 40 91 سنور بري ، وهو الأصح ، ويعفى عن قليل شعر فيه عرفا في مأخوذ جامد ، وفي مأخوذ منه مائع .
والعنبر طاهر لأنه نبات بحري على الأصح ، نعم ما يبتلعه منه حيوان البحر ثم يلقيه نجس لأنه من القيء ويعرف بسواده .
ويقول المالكية إنه لا خلاف في طهارة المسك وحل أكله ، وهو الدم المنعقد يوجد عند بعض الحيوان كالغزال واستحال إلى صلاح ، وكذا فأرته وهي وعاؤه الذي يكون فيه من الحيوان الخصوص ، لأنه عليه الصلاة والسلام تطيب بذلك ولو كان نجسا ما تطيب به .
وقال الحنابلة المسك وفأرته طاهران وهو سرة الغزال ، وكذا الزباد طاهر لأنه عرق سنور بري ، وفي الإقناع نجس ، لأنه عرق حيوان أكبر من الهر ، والعنبر طاهر .
ي - البول والعذرة
ي - البول والعذرة
26 - اتفق الفقهاء على نجاسة بول وعذرة الآدمي وبول وروث ما لا يؤكل لحمه ، لما ورد أنه " ( جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه ) " وقوله صلى الله عليه وسلم " ( استنزهوا من البول ) " ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر " ( إنما يغسل الثوب من خمس من الغائط والبول والقيء والدم والمني ) " .
واختلفوا في نجاسة بول وروث الحيوان مأكول اللحم ، وكذا خرء الطير .
فذهب المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن وزفر من الحنفية إلى طهارتهما في حياة الحيوان أو بعد ذكاته لحديث العرنيين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ، ولو كان 40 92 نجسا لما أمرهم بذلك ، ولصلاته صلى الله عليه وسلم في مرابض الغنم ، ولأنه لو كان بول وروث الحيوان مأكول اللحم نجسا لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر فإنها لا تسلم من أبوالها .
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة ، أما روثه فهو عند أبي حنيفة نجس نجاسة غليظة ، وعند أبي يوسف نجاسته خفيفة .
والفرق بين النجاسة الخفيفة والغليظة عند الحنفية هو باعتبار كثرة المعفو عنه من الخفيفة وقلة المعفو عنه من الغليظة ، لا في كيفية التطهير ، لأنه لا يختلف بالغلظ والخفة .
وأما خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور فهو نجس نجاسة مخففة عند الحنفية ، وخرء ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر إلا الدجاج والبط الأهلي والأوز فنجاسة خرئها غليظة لنتنه .
وذهب الشافعية إلى أن بول الحيوان المأكول اللحم نجس وكذلك روثه ، وكذا ذرق الطير ، لما ورد " ( أنه صلى الله عليه وسلم لما جيء له بحجرين وروثة ليستنجي بها أخذ الحجرين ورد الروثة وقال هذا ركس ) " ، والركس النجس .
وأما أمره صلى الله عليه وسلم العرنيين بشرب أبوال الإبل فكان للتداوي ، والتداوي بالنجس جائز عند فقد الطاهر إلا خالص الخمر ، ولأن أبوال مأكول اللحم وأرواثها مما استحال بالباطن ، وكل ما استحال بالباطن نجس .
انظر مصطلح ( ذرق ف 3 - 5 ، روث ف 2 - 3 ) .
ك - المني والمذي والودي
ك - المني والمذي والودي(/6)
27 - ذهب الفقهاء إلى نجاسة المذي ، للأمر بغسل الذكر منه والوضوء في حديث علي رضي الله عنه قال " ( كنت رجلا مذاء ، وكنت أستحيي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله ، فقال يغسل ذكره 40 93 ويتوضأ ) " ، ولأنه خارج من سبيل الحدث لا يخلق منه طاهر فهو كالبول .
وذهب الفقهاء إلى نجاسة الودي كذلك .
واختلفوا في نجاسة المني أو طهارته فذهب الحنفية والمالكية إلى نجاسته ، وذهب الشافعية والحنابلة إلى طهارته .
والتفصيل في مصطلح ( مذي ف 4 ، ومني ف 5 ، وودي ) .
ل - رطوبة الفرج
ل - رطوبة الفرج
28 - ذهب أبو حنيفة إلى طهارة رطوبة فرج المرأة الداخلي كسائر رطوبات البدن ، وذهب أبو يوسف ومحمد إلى نجاسته .
أما رطوبة الفرج الخارجي فطاهرة اتفاقا .
وإذا كانت النجاسة في محلها فلا عبرة بها باتفاق .
وذهب المالكية إلى أن رطوبة الفرج من غير مباح الأكل نجسة ، أما من مباح الأكل فطاهرة ما لم يتغذ بنجس ، ورطوبة فرج الآدمي نجسة على الراجح خلافا لمن قال بطهارته .
وذهب الشافعية إلى أن رطوبة الفرج من الآدمي أو من حيوان طاهر ولو غير مأكول ليست بنجس في الأصح بل طاهرة لأنها كعرقه ، ومقابل الأصح أنها نجسة ، لأنها متولدة من محل النجاسة ينجس بها ذكر المجامع .
وذهب الحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أن رطوبة فرج المرأة طاهرة للحكم بطهارة منيها ، فلو حكمنا بنجاسة رطوبة فرجها لزم الحكم بنجاسة منيها .
وقالوا في الرواية الثانية - اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وجزم به في الإفادات - إن رطوبة الفرج نجسة ، وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع نجس لأنه لا يسلم من المذي .
حكم الخمر
حكم الخمر
29 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخمر نجسة كالبول والدم ، لثبوت حرمتها وتسميتها رجسا بقوله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس } والرجس في اللغة الشيء القذر أو النتن .
40 94 وذهب بعض الفقهاء منهم ربيعة شيخ مالك والصنعاني والشوكاني إلى طهارتها تمسكا بالأصل ، وحملوا الرجس في الآية على القذارة الحكمية .
والتفصيل في مصطلح ( أشربة ف 30 - 32 وما بعدها ، وتخليل ف 13 - 14 ) .
ما تلاقيه النجاسة
أ - تلاقي الجافين أو الطاهر الجاف بالنجس المائع أو المبتل وعكسه
ما تلاقيه النجاسة
أ - تلاقي الجافين أو الطاهر الجاف بالنجس المائع أو المبتل وعكسه
35 - قال الحنفية لو ابتل فراش أو تراب نجسان من عرق نائم أو بلل قدم وظهر أثر النجاسة في البدن والقدم تنجسا وإلا فلا ، كما لا ينجس ثوب جاف طاهر لف في ثوب نجس رطب لا ينعصر الرطب لو عصر ، ولا ينجس ثوب رطب بنشره على أرض نجسة يابسة فتندت منه ولم يظهر أثرها فيه ، ولا بريح هبت على نجاسة فأصابت الثوب إلا أن يظهر أثرها فيه أي الثوب ، وقيل ينجس إن كان مبلولا لاتصالها به .
ولو خرج منه ريح ومقعدته مبلولة فالصحيح طهارة الريح الخارجة فلا تنجس الثياب المبتلة .
وقال المالكية لو زال عين النجاسة عن المحل بغير الماء المطلق من مضاف وبقي بلله ، فلاقى جافا ، أو جف ولاقى مبلولا لم يتنجس ملاقي محلها على المذهب ، إذ لم يبق إلا الحكم وهو لا ينتقل ، ومقابل المذهب أن المضاف قد يتنجس بمجرد الملاقاة فالباقي نجس ، ومقتضى ذلك أنه إذا لاقى المحل المبلول جافا ، أو لاقى المحل الجاف شيء مبلول أنه يتنجس بمجرد الملاقاة .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأعيان الطاهرة إذا لاقاها شيء نجسر وأحدهما رطب والآخر يابس فينجس الطاهر بملاقاتها .
ب - وقوع النجاسة في مائع أو جامد
ب - وقوع النجاسة في مائع أو جامد
31 - إذا وقعت نجاسة في سمن ونحوه من المائعات الطاهرة ، فإن كان جامدا فقد ذهب الفقهاء إلى أنها تلقى وما حولها وينتفع بالباقي ، لما روت ميمونة رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال " ألقوها وما حولها فاطرحوه ، وكلوا سمنكم ) " 40 95 أما إذا كان السمن ونحوه مائعا ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك .
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أنه ينجس ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " إن كان جامدا فألقوها وما حولها ، وإن كان مائعا فلا تقربوه ) " .
وذهب الحنفية وأحمد في رواية إلى أن المائع كالماء لا ينجس إلا بما ينجس به الماء .
32 - واختلف الفقهاء كذلك في إمكان تطهير المائع من النجاسة .
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يمكن تطهير المائع من النجاسة . لحديث أبي هريرة السابق .
والفتوى عند الحنفية على أنه يمكن تطهير المائع من النجاسة .
والتفصيل في مصطلح ( مائع ف 3 - 4 ، وطهارة ف 15 ) .
ج - المياه التي تلاقي النجاسة
ج - المياه التي تلاقي النجاسة
33 - اتفق الفقهاء على أن الماء إذا خالطته نجاسة وغيرت أحد أوصافه كان نجسا ، سواء أكان الماء قليلا أم كثيرا .
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت للماء لونا أو طعما أو رائحة أنه نجس ما دام كذلك .
واختلفوا في الماء إذا خالطته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه على أقوال .
والتفصيل في مصطلح ( مياه ف 17 - 23 ) .
د - الماء المنفصل عن محل التطهير
د - الماء المنفصل عن محل التطهير
34 - اختلف الفقهاء في الماء الذي أزيل به حدث أو خبث من حيث بقاؤه على طهوريته أو فقده الطهورية ، ومن حيث نجاسته أو عدم نجاسته .
والتفصيل في مصطلح ( مياه ف 9 - 12 ) .
هـ - تنجس الآبار
هـ - تنجس الآبار(/7)
35 - قال الحنفية إن البئر الصغيرة - وهي ما دون عشرة أذرع في عشرة - ينجس ماؤها بوقوع نجاسة فيها ، وإن قلت النجاسة من غير 40 96 الأرواث كقطرة دم أو خمر ، ولكي تطهر ينزح ماؤها كما تنزح بوقوع خنزير فيها ولو خرج حيا ولم يصب فمه الماء لنجاسة عينه .
وتنزح بموت كلب فيها ، فإذا لم يمت وخرج حيا ولم يصل فمه الماء لا ينجس ، لأنه غير نجس العين على الصحيح .
كما تنزح أبضا بموت شاة أو موت آدمي فيها ، لنزح ماء زمزم بموت زنجي وأمر ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم به بمحضر من الصحابة من غير نكير .
وتنزح بانتفاخ حيوان ولو كان صغيرا لانتشار النجاسة ، فلو لم يمكن نزحها نزح منها وجوبا مئتا دلو وسط ، وهو المستعمل كثيرا في تلك البئر ، وقدر محمد رحمه الله الواجب بمائتي دلو لو لم يمكن نزحها ، وأفتى به لما شاهد آبار بغداد كثيرة المياه لمجاورة دجلة .
وإن مات في البئر دجاجة أو هرة أو نحوهما في الجثة ولم ينتفخ لزم نزح أربعين دلوا بعد إخراج الواقع منها ، روي التقدير بالأربعين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الدجاجة ، وما قاربها يعطى حكمها ، وتستحب الزيادة إلى خمسين أو ستين لما روي عن عطاء والشعبي .
وإن مات فيها فأرة أو نحوها كعصفور ولم ينتفخ لزم نزح عشرين دلوا بعد إخراجه ، لقول أنس رضي الله عنه في فأرة ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح عشرون دلوا ، وتستحب الزيادة إلى ثلاثين لاحتمال زيادة الدلو المذكور في الأثر على ما قدر به من الوسط ، وكان ذلك المنزوح طهارة للبئر والدلو والرشا والبكرة ويد المستسقى ، روي ذلك عن أبي يوسف والحسن ، لأن نجاسة هذه الأشياء كانت بنجاسة الماء ، فتكون طهارتها بطهارته نفيا للحرج ، كطهارة دن الخمر بتخللها ، وطهارة عروة الأبريق بطهارة اليد إذا أخذها كلما غسل يده .
ولا تنجس البئر بالبعر وهو للإبل والغنم ، والروث - للفرس والبغل والحمار ، والخثى للبقر ، ولا فرق بين آبار الأمصار والفلوات في الصحيح ، ولا فرق بين الرطب واليابس ، والصحيح والمنكسر في ظاهر الرواية لشمول الضرورة ، فلا تنجس إلا أن يكون كثيرا ، وهو ما يستكثره الناظر أو أن لا يخلو دلو عن بعرة ونحوها كما صححه في المبسوط ، والقليل ما يستقله وعليه الاعتماد .
ولا ينجس الماء بخرء حمام وعصفور ، ولا بموت ما لا دم له فيه كسمك وضفدع ، ولا بوقوع آدمي وما يؤكل لحمه إذا خرج حيا ولم يكن على بدنه نجاسة متيقنة ، ولا بوقوع بغل 40 97 وحمار وسباع طير ووحش في الصحيح ، وإن وصل لعاب الواقع إلى الماء أخذ حكمه ، ووجود حيوان ميت فيها ينجسها من يوم وليله ومنتفخ من ثلاثة أيام ولياليها إن لم يعلم وقت وقوعه .
36 - وقال المالكية إذا مات بري ذو نفس سائلة في بئر فإن تغير الماء طعما أو لونا أو ريحا وجب نزحه حتى يزول التغير ويعود كهيئته أولا طاهرا مطهرا ، فإن زال بنفسه فالظاهر عوده إلى أصله ، فيصير طهورا خلافا لابن القاسم ، وقال البناني الأرجح أنه يطهر ، وهو قول ابن وهب عن مالك واعتمد عليه خليل والأجهوري ، وقال عبد الباقي لا يطهر ، ورجح ابن رشد قول ابن وهب . وإن لم يتغير ندب النزح بقدر الماء قلة وكثرة ، والحيوان صغرا وكبرا ، وأما إن وقع حيا أو طرق ميتا وأخرج فلا نزح ولا كراهة .
وفي المدونة إن مات بري ذو نفس سائلة بماء لا مادة له كالجب لا يشرب منها ولا يتوضأ ، وينزح الماء كله ، بخلاف ما له مادة .
وفي العتبية قال مالك في ثياب أصابها ماء بئر وقعت فيه فأرة فماتت وتسلخت يغسل الثوب وتعاد الصلاة في الوقت .
وقال الدردير على أقرب المسالك وإذا مات الحيوان البري في الماء القليل أو الكثير له مادة أو لا كالصهاريج - وكان له نفس سائلة أي دم يجري منه إذا جرح - فإنه يندب النزح منه بقدر الحيوان من كبر أو صغر ، وبقدر الماء من قلة وكثرة ، إلى ظن زوال الفضلات التي خرجت من فيه حال خروج روحه في الماء .
وينقص النازح الدلو لئلا تطفو الدهنية فتعود للماء ثانيا ، والمدار على ظن زوال الفضلات .
فلو أخرج الحيوان من الماء قبل موته ، أو وقع فيه ميتا ، أو كان جاريا أو مستبحرا كغدير عظيم جدا ، أو كان الحيوان بحريا كحوت ، أو بريا ليس له نفس سائلة كعقرب وذباب ، لم يندب النزح ، فلا يكره استعماله كما لا يكره بعد النزح . هذا ما لم يتغير الماء بالحيوان المذكور ، فإن تغير لونا أو طعما أو ريحا تنجس لأن ميتته نجسة .
40 98 37 - وقال الشافعية إن ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها ، فإن كان قليلا وتنجس بوقوع نجاسة فلا ينبغي أن ينزح لينبع الماء الطهور بعده ، لأنه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا ، وقد تنجس جدران البئر أيضا بالنزح ، بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حد الكثرة .
وإن كان نبعها قليلا لا تتوقع كثرته صب فيها ماء ليبلغ الكثرة ويزول التغير إن كان تغير .
وإن كان الماء كثيرا طاهرا وتفتت فيه شيء نجس كفأرة تمعط شعرها فقد يبقى على طهوريته لكثرته وعدم التغير ، لكن يتعذر استعماله ، لأنه لا ينزح دلوا إلا وفيه شيء من النجاسة ، فينبغي أن يستقى الماء كله ليخرج الشعر منه .
فإن كانت العين فوارة وتعذر نزح الجميع نزح ما يغلب على الظن أن الشعر خرج كله معه ، فما بقي بعد ذلك في البئر وما يحدث طهور لأنه غير مستيقن النجاسة ولا مظنونها ، ولا يضر احتمال بقاء الشعر .
فإن تحقق شعرا بعد ذلك حكم به ، فأما قبل النزح إلى الحد المذكور إذا غلب على ظنه أنه لا يخلو كل دلو عن شيء من النجاسة لكن لم يتيقنه ففي جواز استعماله قولان .(/8)
38 - وأما الحنابلة فقد قال إسحاق بن منصور سئل أحمد عن بئر بال فيها إنسان ؟ قال تنزح حتى تغلبهم ، قلت ما حده ؟ قال لا يقدرون على نزحها ، وقيل لأبي عبد الله الغدير يبال فيه ، قال الغدير أسهل ولم ير به بأسا ، وقال في البئر يكون لها مادة هو واقف لا يجري ليس بمنزلة ما يجري ، يعني أنه يتنجس بالبول فيه إذا أمكن نزحه .
ولا فرق بين البول القليل والكثير ، قال مهنا سألت أحمد عن بئر غزيرة وقعت فيه خرقة أصابها بول . قال تنزح ، وقال في قطرة بول وقعت في ماء لا يتوضأ منه ، وذلك لأن سائر النجاسات لا فرق بين قليلها وكثيرها ، وإذا كانت بئر الماء ملاصقة لبئر فيها بول أو غيره من النجاسات وشك في وصولها إلى الماء فهو على أصله في الطهارة ، قال أحمد يكون بين البئر والبالوعة ما لم يغير طعما ولا ريحا ، وقال الحسن ما لم يتغير لونه أو ريحه فلا بأس أن يتوضأ منها ، وذلك لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك ، وإن أحب علم حقيقة ذلك فليطرح في البئر النجسة نفطا ، فإن وجد رائحته في الماء علم وصوله إليه وإلا فلا .
وإذا نزح ماء البئر النجس فنبع فيه بعد ذلك ماء أو صب فيه فهو طاهر ، لأن أرض البئر من 40 99 جملة الأرض التي تطهر بالمكاثرة بمرور الماء عليها ، وإن نجست جوانب البئر فهل يجب غسلها ؟ على روايتين إحداهما يجب لأنه محل نجس فأشبه رأس البئر .
والثانية لا يجب للمشقة اللاحقة بذلك فعفي عنه كمحل الاستنجاء وأسفل الحذاء .
صلاة حامل النجاسة ومن تصيبه النجاسة أثناء الصلاة
صلاة حامل النجاسة ومن تصيبه النجاسة أثناء الصلاة
39 - قال الحنفية لو صلى حاملا بيضة مذرة صار محها دما جاز لأنه في معدنه ، والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة ، بخلاف ما لو حمل قارورة مضمومة فيها بول فلا تجوز صلاته لأنه في غير معدنه .
ولو أصاب رأسه خيمة نجسة تبطل صلاته لأنه يعد حاملا للنجاسة .
وقال المالكية إن سقوط النجاسة على المصلي في صلاة ولو نفلا مبطل لها ويقطعها - ولو مأموما - إن استقرت عليه أو تعلق به شيء منها ولم تكن مما يعفى عنه ، بشرط أن يتسع الوقت الذي هو فيه اختياريا أو ضروريا بأن يبقى منه ما يسع ولو ركعة ، وأن يجد لو قطع ما يزيلها به أو ثوبا آخر يلبسه ، وأن لا يكون ما فيه النجاسة محمولا لغيره وإلا فلا يقطع لعدم بطلانها ، وذلك كما لو تعلق صبي نجس الثياب أو البدن بمصل - والصبي مستقر بالأرض - فالصلاة صحيحة على الظاهر .
وقال الشافعية إن حمل حيوانا طاهرا في صلاته صحت صلاته ، " ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ) " ، ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدن النجاسة فهو كالنجاسة التي في جوف المصلي ، وإن حمل قارورة فيها نجاسة وقد سد رأسها ففيها وجهان أحدهما يجوز لأن النجاسة لا تخرج منها كما لو حمل حيوانا طاهرا ، والمذهب أنه لا يجوز لأنه حمل نجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه ما إذا حمل النجاسة في كمه .
وقال الحنابلة لو حمل قارورة فيها نجاسة 40 100 مسدودة لم تصح صلاته لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه ما لو حملها في كمه .
وقالوا إذا سقطت عليه نجاسة ثم زالت عنه أو أزالها في الحال لم تبطل صلاته ، لأن " ( النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بالنجاسة في نعليه خلعهما وأتم صلاته ) " ، ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها ككشف العورة .
توقي النجاسات
توقي النجاسات
40 - ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز كتابة القرآن بشيء نجس ، كما لا يجوز إلقاؤه في نجاسة أو تلطيخه بنجس .
ولا يجوز كذلك إلقاء شيء من كتب التفسير أو الحديث أو العلوم الشرعية في نجاسة أو تلطيخه بنجس .
وذهب الفقهاء إلى وجوب تنزيه المساجد عن النجاسات ، فلا يجوز إدخال النجاسة إلى المسجد أو دخول من على بدنه أو ثيابه نجاسة ، وقيده الشافعية بخشية تلويث المسجد ، كما لا يجوز بناؤه بنجس أو متنجس .
وذهب الفقهاء إلى وجوب توقي النجاسة في الأبدان والثياب والمكان عند الصلاة .
واتفق الفقهاء على توقي الملاعن الثلاث ، وهي البول والبراز في طريق الناس أو مورد ماء أو ظل ينتفع به ، لحديث معاذ رضي الله عنه مرفوعا " ( اتقوا الملاعن الثلاثة البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل ) " ، وكذلك تحت الشجرة المثمرة وفي الماء الراكد
تطهير النجاسات
40 101 تطهير النجاسات
41 - لا خلاف بين الفقهاء في أن تطهير النجاسات واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه لقوله تعالى { وثيابك فطهر } وقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن دم الحيض يصيب الثوب " ( تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه، وتصلي فيه ) "
والتفصيل في مصطلح ( طهارة ف 7 وما بعدها ).
تطهير الدباء إذا استعمل فيه الخمر
تطهير الدباء إذا استعمل فيه الخمر
42 - يرى الحنفية أنه إذا انتبذ في الدباء ونحوها من الآنية قبل استعمالها في الخمر فلا إشكال في حله وطهارته. وإن استعمل فيها الخمر ثم انتبذ فيها ينظر فإن كان الوعاء عتيقا يطهر بغسله ثلاثا، وإن كان جديدا لا يطهر عند محمد لتشرب الخمر فيه بخلاف العتيق .
وعند أبي يوسف يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة، وهي من مسائل غسل ما لا ينعصر بالعصر.
وقيل عند أبي يوسف يملأ ماء مرة بعد أخرى حتى إذا خرج الماء صافيا غير متغير لونا أو طعما أو رائحة حكم بطهارته
بيع النجاسات والمتنجسات
بيع النجاسات والمتنجسات(/9)
43 - ذهب الحنفية إلى أن بيع النجس غير جائز، وفي هذا قالوا إن بيع شعر الخنزير غير جائز لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له، ولكنهم أجازوا الانتفاع به للخرز للضرورة، فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه
كما لم يجيزوا بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ لأنه غير منتفع بها، قال صلى الله عليه وسلم " ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) " وهو اسم لغير المدبوغ، ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ لأنها قد طهرت بالدباغ، أما قبل الدباغ فهي نجسة
ويجوز بيع الكلب والفهد والسبع، المعلم وغير المعلم في ذلك سواء، لأنه منتفع به حراسة واصطيادا فكان مالا فيجوز بيعه، بخلاف الهوام 40 102 المؤذية لأنه لا ينتفع بها ، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه غير منتفع به، ولما روي " ( أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد ) "
ولا يجوز بيع الخمر والخنزير لقوله صلى الله عليه وسلم " ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها ) " .
وأهل الذمة في البياعات كالمسلمين، لأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ولأنهم مكلفون بموجب البيعات والتصرفات محتاجون إلى مباشرتها كالمسلمين، إلا في الخمر والخنزير خاصة فإن عقدهم على الخمر كعقد المسلم على العصير وعقدهم على الخنزير كعقد المسلم على الشاة، لأنها أموال في اعتقادهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يعتقدون، دل عليه قول عمر رضي الله عنه ولوهم بيعها، وخذوا العشر من أثمانها
وذكر أبو الليث أنه يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع بها في الأدوية وإن لم ينتفع فلا يجوز.
ويجوز بيع الدهن النجس لأنه ينتفع به للاستصباح فهو كالسرقين في جواز بيعه، وأما العذرة فلا ينتفع بها إلا إذا خلطت بالتراب فلا يجوز بيعها إلا تبعا للتراب المخلوط، بخلاف الدم يمنع مطلقا
وذهب المالكية في المشهور لديهم إلى أن المتنجس الذي يقبل التطهير كالثوب المتنجس يجوز بيعه، وما لا يقبله كالزيت المتنجس لا يجوز بيعه
وفي أسهل المدارك عن الخرشي جلد الميتة والمأخوذ من الحي نجس، ولو دبغ على المشهور المعلوم من قول مالك لا يجوز بيعه ولا يصلى عليه. قال ابن رشد ولا يؤثر دبغه طهارة في ظاهرة ولا باطنه
وقال الشافعية من شروط المبيع طهارة عينه، فلا يصح بيع نجس العين، سواء أمكن تطهيره بالاستحالة كجلد الميتة أم لا كالسرجين والكلب ولو معلما والخمر ولو محترمة، لخبر 40 103 أنه صلى الله عليه وسلم " ( نهى عن ثمن الكلب ) " وقال كذلك " ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ) " وقيس بها ما في معناه.
ولا يصح بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كالخل واللبن والصبغ والآجر المعجون بالزبل لأنه في معنى نجس العين، أما ما يمكن تطهيره كالثوب المتنجس فإنه يصح بيعه لإمكان طهره
ويرى الحنابلة وفق ظاهر كلام أحمد تحريم بيع النجس، وقال أبو موسى في الزيت الذي وقعت فيه نجاسة لتوه بالسويق وبيعوه ولا تبيعوه من مسلم وبينوه.
وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أنه يباع لكافر بشرط أن يعلم بنجاسته، لأن الكفار يعتقدون حله ويستبيحون أكله.
واستدل ابن قدامة لظاهر كلام أحمد بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ( لعن الله اليهودي، إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ) " ولكنهم يعتقدون حله ولا يجوز لنا بيعه لهم كالخمر والخنزير
الانتفاع بالنجاسات والمتنجسات دون تطهير
الانتفاع بالنجاسات والمتنجسات دون تطهير
44 - ظاهر المذهب عند الحنفية أنه لا يحل الانتفاع بالدهن المتنجس، لما ورد عن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول وهو بمكة " ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ قال لا. هو حرام ) "
كما ذهب الحنفية إلى جواز الانتفاع بشعر الخنزير للخرازين للضرورة بالرغم من أنه نجس 40 104 العين، وذلك لأن عملهم لا يتأتى بدونه ولأن غيره لا يعمل عمله
وذهب المالكية إلى جواز الانتفاع بمتنجس من الطعام والشراب واللباس كزيت ولبن وخل ونبيذ، أما النجس وهو ما كانت ذاته نجسة كالبول والعذرة ونحوهما فلا ينتفع به، إلا جلد الميتة المدبوغ فإنه ينتفع به بعد الدبغ في اليابسات والماء، أو ميتة تطرح لكلاب إذ طرح الميتة للكلاب فيه انتفاع لتوفير ما كانت تأكله من عند صاحبها، أو شحم ميتة لدهن عجلة ونحوها، أو عظم ميتة لوقود على طوب أو حجارة لتصير جيرا، أو دعت ضرورة كإساغة غصة بخمر عند عدم غيره، وكأكل ميتة لمضطر، أو جعل عذرة بماء لسقي الزرع فيجوز في غير مسجد لا فيه، فلا يوقد بزيت تنجس إلا إذا كان المصباح خارجه والضوء فيه فيجوز، ولا يبنى بالمتنجس فإن بني به لا يهدم لإضاعة المال، وفي غير أكل وشرب آدمي فإنه يحرم على الآدمي أكل وشرب المتنجس لتنجيسه جوفه وعجزه عن تطهيره، ولا يدهن به، إلا أن الادهان به مكروه على الراجح إن علم أن عنده ما يزيل به النجاسة، والمراد بغير المسجد وأكل الآدمي أن يستصبح بالزيت المتنجس ويعمل به صابون، ثم تغسل الثياب بالماء المطلق بعد الغسل به، ويدهن به حبل وعجلة وساقية ويسقى به ويطعم للدواب
وذهب الشافعية إلى أنه يجو استعمال النجس والمتنجس في الأشياء اليابسة كاستعمال الإناء من العظم النجس، وكذا جلد الميتة قبل الدباغ، وإيقاد عظام الميتة لكن يكره(/10)
واختلفت الرواية عند الحنابلة في الاستصباح بالزيت النجس فأكثر الروايات إباحته، لأن ابن عمر رضي الله عنهما أمر أن يستصبح به، ويجوز أن تطلى به السفن، وعن أحمد لا يجوز الاستصباح به، وهو قول ابن المنذر، لحديث " ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا، هو حرام ) "
وفي إباحة الاستصباح به قالوا إنه زيت أمكن الانتفاع به من غير ضرر فجاز كالطاهر، 40 105 وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في العجين الذي عجن بماء من آبار ثمود أنه نهاهم عن أكله، وأمرهم أن يعلفوه النواضح ، وهذا الزيت ليس بميتة ولا هو من شحومها فيتناوله الخبر، إذا ثبت هذا فإنه يستصبح به على وجه لا يمسه ولا تتعدى نجاسته إليه.
ولم ير أبو عبد الله أن تدهن بها الجلود وقال يجعل منه الأسقية والقرب.
ونقل عن عمر رضي الله عنه أنه تدهن به الجلود، وعجب أحمد من هذا وقال إن في هذا لعجبا !! شيء يلبس يطيب بشيء فيه ميتة؟!! فعلى هذا أي على قول أحمد كل انتفاع يفضي إلى تنجيس إنسان لا يجوز وإن لم يفض إلى ذلك جاز، فأما أكله فلا إشكال في تحريمه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ( وان كان مائعا فلا تقربوه ) " ولأن النجس خبيث وقد حرم الله الخبائث .
فأما شحوم الميتة وشحم الخنزير فلا يجوز الانتفاع بشيء منها باستصباح ولا غيره، ولا أن تطلى بها السفن ولا الجلود، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ( إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ قال لا، هو حرام ) " .
وإذا استصبح بالزيت النجس فدخانه نجس لأنه جزء يستحيل منه والاستحالة لا تطهر، فإن علق بشيء وكان يسيرا عفي عنه، لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه دم البراغيث، وإن كان كثيرا لم يعف عنه .
استعمال ما غالب حاله النجاسة
استعمال ما غالب حاله النجاسة
45 - اختلف الفقهاء في استعمال ما غالب حاله النجاسة
فذهب الحنفية إلى أنه يكره الأكل والشرب في أواني المشركين قبل الغسل، ومع هذا لو أكل أو شرب فيها قبل الغسل جاز، ولا يكون آكلا وشاربا حراما. وهذا إذا لم يعلم بنجاسة الأواني، فأما إذا علم فإنه لا يجوز أن يشرب 40 106 ويأكل منها قبل الغسل، ولو شرب أو أكل كان شاربا وآكلا حراما، وهو نظير سؤر الدجاجة إذا علم أنه كان على منقارها نجاسة فإنه لا يجوز التوضؤ به.
والصلاة في سراويل المشركين نظير الأكل والشرب من أوانيهم إن علم أن سراويلهم نجسة لا تجوز الصلاة فيها، وإن لم يعلم تكره الصلاة فيها، ولو صلى يجوز .
وذهب المالكية إلى أنه يحرم أن يصلى فرض أو نفل بلباس كافر، ذكر أو أنثى، كتابي أو غيره، باشر جلده أو لم يباشره، كان مما الشأن أن تلحقه النجاسة كالذيل وما حاذى الفرج، أو لا كعمامته والشال، جديدا أولا،! لا أن تعلم أو تظن طهارته، بخلاف نسجه أي منسوج الكافر، فيصلى فيه ما لم تتحقق نجاسته أو تظن لحمله على الطهارة، وكذا سائر صنائعه يحمل فيها على الطهارة عند الشك- ولو صنعها في بيت نفسه- خلافا لابن عرفة .
ويحرم أن يصلى بما ينام فيه مصل آخر، أي غير مريد الصلاة به، لأن الغالب نجاسته بمني أو غيره، وهذا إذا لم يعلم أو يظن أن من ينام فيه محتاط في طهارته، وإلا صلى فيه، وكذا يصلى فيه إذا أخبر صاحبه بطهارته إذا كان ثقة.
وأما ما يفرش في المضايف والقيعان والمقاعد فتجوز الصلاة فيه، لأن الغالب أن النائم عليه يلتف في شيء آخر غير ذلك الفرش، فإذا حصل منه شيء مثلا فإنما يصيب ما هو ملتف به، فقد اتفق الأصل والغالب على طهارتها .
وذهب الشافعية إلى أنه لو غلبت النجاسة في شيء والأصل فيه الطهارة كثياب مدمني الخمر والنجاسة كالمجوس والمجانين والصبيان والجزارين.. حكم له بالطهارة عملا بالأصل، وكذا ما عمت به البلوى كعرق الدواب ولعابها.. ونحو ذلك
وذهب الحنابلة إلى أن ثياب الكفار وأوانيهم طاهرة إن جهل حالها كما لو علمت طهارتها، وكذا آنية مدمني الخمر وثيابهم، وآنية من لابس النجاسة كثيرا وثيابهم طاهرة.
وتصح الصلاة في ثياب المرضعة والحائض والصبي ونحوهم كمدمني الخمر لأن الأصل طهارتها، مع الكراهة احتياطا للعبادة، ما لم تعلم نجاستها فلا تصح الصلاة فيها .
الصبغ للثياب والاختضاب بمادة نجسة
الصبغ للثياب والاختضاب بمادة نجسة
46 - ذهب الفقهاء إلى أن ما خضب أو صبغ 40 107 بمتنجس يطهر بغسله ثلاثا، فلو اختضب الرجل أو اختضبت المرأة بالحناء المتنجس وغسل كل ثلاتا طهر، أما إذا كان الاختضاب بعين النجاسة فلا يطهر إلا بزوال عينها وطعمها وريحها وخروج الماء صافيا، ويعفى عن بقاء اللون لأن الأثر الذي يشق زواله لا يضر بقاؤه، ومن هذا القبيل المصبوغ بالدم فهو نجس، والمصبوغ بالدودة غير المائية التي لها دم سائل فإنها ميتة يتجمد الدم فيها وهو نجس.
وأضاف القليوبي من الشافعية أنه لا بد من صفاء غسالة ثوب صبغ بنجس، ويكفي غمر ما صبغ بمتنجس في ماء كثير أو صب ماء قليل عليه كذلك فيطهر هو وصبغه .
وينظر مصطلح ( اختضاب ف 15 ).
الاستجمار بالنجس
الاستجمار بالنجس
47 - ذهب الفقهاء إلى أنه لا يصح الاستجمار بالنجس ولا بالمتنجس، ومما اشترطوه فيما يصح الاستجمار به أن يكون طاهرا، أي غير نجس ولا متنجس.
والتفصيل في مصطلح ( استجمار ف 28 ).
التداوي بالنجس
التداوي بالنجس
48 - اتفق الفقهاء على عدم جواز التداوي بالنجس من حيث الجملة إلا في حالة الضرورة.
والتفصيل في مصطلح ( تداوي ف 8 ).(/11)
سقي الزروع بالمياه النجسة والتسميد بالنجاسات
سقي الزروع بالمياه النجسة والتسميد بالنجاسات
49 - صرح الحنفية والمالكية والشافعية في سقي الزروع والثمار بالمياه النجسة أنها لا تتنجس ولا تحرم .
(ر أطعمة ف 11 ).
وفي هذا يقول المالكية الزرع المسقي بنجس طاهر وإن تنجس ظاهره فيغسل ما أصابه من النجاسة ، ولو جعل العذرة في الماء لسقي الزرع جاز ، وأن المتغير بالنجس كالعذرة ونحوها نجس لا يستعمل في شيء من العادات ولا في شيء من العبادات، لكن يسقى به الزرع والبهائم .
ويقول الشافعية الزرع النابت على السرجين قال عنه الأصحاب إنه ليس بنجس 40 108 العين لكن ينجس بملاقاة النجاسة فإذا غسل طهر، وإذا سنبل فحباته الخارجة طاهرة ، ولو أكلت بهيمة حبا ثم ألقته صحيحا فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع نبت فعينه طاهرة، ويجب غسل ظاهره، لأنه وإن صار غذاء لها فما تغير إلى فساد، فصار كما لو ابتلع نواة، وإن زالت صلابته بحيث لا ينبت فنجس العين .
وحرم الحنابلة الزروع والثمار التي سقيت بالنجسات أو سمدت بها، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال " ( كنا نكري أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس ) " . ولأنها تتغذى بالنجاسات وأجزاؤها تتحلل فيها، والاستحالة لا تطهر.
وقال ابن عقيل يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم، ولا يحكم بتنجيسها لأن النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة، كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان ويصير لبنا، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يدخل أرضه بالمعرة ويقول مكتل عرة مكتل بر، والعرة عذرة الناس .
وكرهوا لذلك أكل الزروع التي تسمد بالنجاسة ، أو تسقى بمتنجس من زرع وثمر، ولا يحل حتى يسقى بعد ذلك بماء طاهر يستهلك عين النجاسة، ونقل في الإنصاف عن ابن عقيل قوله ليس بنجس ولا محرم، بل يطهر بالاستحالة كالدم يستحيل لبنا، وجزم به في التبصرة .
وقالوا إن روث ما يؤكل لحمه طاهر فالتسميد به لا يحرم الزرع .
إطعام الحيوانات علفا نجسا أو متنجسا
إطعام الحيوانات علفا نجسا أو متنجسا
55 - أجاز المالكية والشافعية إطعام العلف النجس أو المتنجس للدواب ، كما أجازوا سقي الماء المتغير بالنجس للبهائم والزرع .
ويقول الحنفية بحرمة الانتفاع بالخمر في التداوي بالاحتقان وسقي الدواب والإقطار في الإحليل، ذلك لأن الانتفاع بالنجس حرام، فإذا 40 109 حرم سقي الدواب بالنجس حرم إطعامها به .
وأجاز الحنابلة إطعام ذلك لما لا يؤكل لحمه من الدواب، ولم يجيزوا إطعامه لما يؤكل منها، إلا أن يكون إذا أطعمه لم يذبح حتى يكون له ثلاثة أيام على معنى الجلالة، فقد سئل أحمد عن خباز خبز خبزا فباع منه، ثم نظر في الماء الذي عجن منه فإذا فيه فأرة؟ فقال لا يبيع الخبز من أحد، كان باعه استرده، فإن لم يعرف صاحبه تصدق بثمنه، ويطعمه من الدواب ما لا يؤكل لحمه، ولا يطعم لما يؤكل إلا أن يكون إذا أطعمه لم يذبح حتى يكون له ثلاثة أيام على معنى الجلالة ، قال ليس هذا بمنزلة الميتة إنما اشتبه عليه، قيل له فهو بمنزلة كسب الحجام يطعم النواضح، قالت هذا أشد عندي لا يطعم الرقيق لكن يعلفه البهائم، قيل له أين الحجة؟ قال حدثنا عبد الصمد عن صخر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما " ( أن قوما اختبزوا من آبار الذين مسخوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئارها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة ) " .
درجات النجاسات
أ- النجاسات المغلظة
درجات النجاسات
أ- النجاسات المغلظة
51 - المغلظ من النجاسة عند أبي حنيفة ما ورد في نجاسته نص ولم يعارضه آخر ولا حرج في اجتنابه وإن اختلفوا فيه، لأن الاجتهاد لا يعارض النص.
وعند أبي يوسف ومحمد ما اتفق على نجاسته ولا بلوى في إصابته.
والقدر الذي يمنع الصلاة من النجاسة الغليظة أن تزيد على قدر الدرهم مساحة إن كان مائعا ووزنا إن كان كثيفا .
وقالوا كل ما يخرج من بدن الإنسان وهو موجب للتطهير فنجاسته غليظة كالغائط والبول والدم والصديد والقيء ولا خلاف فيه، كذلك المني لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها " ( إن كان رطبا فاغسليه، وإن كان يابسة فافركيه ) " 40 110 وقوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضي الله عنهما " ( إنما يغسل الثوب من خمس وذكر منها المني ) " ولو أصاب البدن وجف، روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر بالفرك، وذكر الكرخي أنه يطهر لأن البلوى فيه أعم، والاكتفاء بالفرك لا يدل على طهارته، فإن الصحيح عن أبي حنيفة أنه لم يقل بالفرك، فتجوز الصلاة فيه حتى إذا أصابه الماء يعود نجسا عنده خلافا لهما.
0 وكذلك الروث والإخثاء وبول مالا يؤكل لحمه من الدواب عند أبي حنيفة، لأن نجاستها ثبتت بنص لم يعارضه غيره، وهو قوله عليه الصلاة والسلام في الروثة " ( هي رجس ) " ، والإخثاء مثله، ولأنه استحال إلى نتن وفساد وهو منفصل عن حيوان يمكن التحرز عنه فصار كالآدمي .
وكذلك بول الفأرة وخرؤها، لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم " ( استنزهوا من البول ) " ، والاحتراز عنه ممكن في الماء غير ممكن في الطعام والثياب فيعفى عنه فيهما.(/12)
وكذلك بول الصغير والصغيرة أكلا أو لا، للحديث المذكور من غير فصل، وأما ما ورد من نضح بول الصبي إذا لم يأكل فيما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ( ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية ) " فالنضح يذكر بمعنى الغسل، قال عليه الصلاة والسلام للمقداد بن الأسود لما سأله عن المذي " ( توضأ وانضح فرجك ) " أي اغسله فيحمل عليه توفيقا.
والبط الأهلي والدجاج نجاستهما غليظة بإجماع فقهاء الحنفية وقال الشافعية إن المغلظ ما نَجُسَ بملاقاة 40 111 شيء من كلب أو خنزير أو متولد منهما أو من أحدهما .
والنجس عند المالكية ما كانت ذاته نجسة كالبول والعذرة ونحوهما، والمتنجس ما كان طاهرا في الأصل وأصابه نجاسة .
وقسم الحنابلة النجاسة من حيث تطهيرها إلى ثلاثة أقسام.
الأول نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما، ويكون تطهيرها بالغسل سبع مرات إحداهن بالتراب.
الثاني نجاسة بولس الصبي الذي لم يأكل الطعام، ويطهر محل النجاسة من هذا البول بنضحه أي غمره بالماء.
الثالث بقية المتنجسات وتطهر بسبع غسلات منقية ولا يشترط لها تراب .
ب- النجاسات المخففة
ب- النجاسات المخففة
52 - المخفف من النجاسة عند أبي حنيفة ما تعارض نصان في طهارته ونجاسته.
وعند أبي يوسف ومحمد ما اختلف في نجاسته، لأن الاجتهاد حجة شرعية كالنص .
والنجاسة المخففة لا تمنع الصلاة إذا لم تبلغ ريع الثوب، لأن للربع حكم الكل في أحكام الشرع كمسح الرأس وحلقه، وثم قيل ربع جميع الثوب، وقيل ربع ما أصابه كالكم والذيل، وعند أبي يوسف شبر في شبر، وعند محمد ذراع في ذراع، وعنه موضع القدمين، والمختار الربع، وعن أبي حنيفة أنه غير مقدر هو موكول إلى رأي المبتلى، لتفاوت الناس في الاستفحاش .
ومن النجس نجاسة مخففة عند أبي يوسف ومحمد الروث والإخثاء لعموم البلوى به في الطرقات ووقوع الاختلاف فيه .
وبول ما يؤكل لحمه وبول الفرس ودم السمك ولعاب البغل والحمار وخرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور نجاسته مخففة، وعند محمد بول ما يؤكل لحمه طاهر، لحديث العرنيين، وهو " ( أن قوما من عرينة أتوا المدينة فاجتووها- أي لم توافقهم- فاصفرت ألوانهم وانتفخت بطونهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من ألبانها وأبوالها، فخرجوا وشربوا 40 112 فصحوا ) " . فلو كان ذلك من الإبل نجسا لما أمرهم بشربه لكونه حراما- وقد قال عليه الصلاة والسلام " ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) " .
ويدخل في الطاهر بول الفرس عند محمد أيضا، ودم السمك ليس بدم حقيقة لأنه يبيض بالشمس، وعن أبي يوسف أنه نجس، ولذا قيل بخفته لذلك، ولعاب البغل والحمار لتعارض النصوص، وخرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور لعموم البلوى فإنه لا يمكن الاحتراز عنه لأنها تزرق من الهواء، وعند محمد نجاسته غليظة لأنها لا تخالط الناس فلا بلوى .
والمخففة عند الشافعية هي خصوص بول الصبي إذا لم يبلغ الحولين ولم يتغذ إلا باللبن، بخلاف الأنثى والخنثى المشكل، ذلك لأن بول الصبي عندما يراد تطهير محل إصابته يرش على محل الإصابة بماء يعم النجاسة وإن لم يسل، أما الأنثى والخنثى المشكل فإنه يجب غسل محل الإصابة، ويتحقق الغسل بالسيلان لقوله صلى الله عليه وسلم " ( يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام ) " . وألحق الخنثى بالأنثى.
ولهم تقسيم ثالث وهو النجاسة المتوسطة، وهي ما عدا النجاسة المغلظة والمخففة.
فإن لم تكن عينا، وهي ما تيقن وجودها، ولا يدرك لها طعم ولا لون ولا ريح كفى في تطهيرها جري الماء على محلها بحيث يسيل زائدا على النضح.
وإن كانت عينية وجب بعد زوال عينها إزالة الطعم والريح وإن عسر، لأن بقاءه يدل على بقاء العين.
ولا يضر بقاء لون أو ريح عسر زواله فيطهر المحل للمشقة، بخلاف ما إذا سهل فيضر بقاؤه لدية ذلك على بقاء العين.
وفي الريح قوله أنه يضر بقاؤه، قال النووي 40 113 فإن بقيا معا بمحل واحدٍ ضرا على الصحيح لقوة دلالتهما على بقاء العين، والثاني لا يضر لاغتفارهما منفردين، فكذا مجتمعين .
وقسم الحنابلة النجاسة من حيث تطهيرها إلى ثلاثة أقسام الأول نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما، ويكون تطهيرها بالغسل سبع مرات إحداهن بالتراب.
والثاني نجاسة بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، ويطهر محل النجاسة من هذا البول بنضحه أي غمره بالماء.
الثالث بقية النجاسات، وتطهر بسبع غسلات منقية ولا يشترط لها تراب .
جـ- النجاسات المعفو عنها
جـ- النجاسات المعفو عنها
53 - ذهب الحنفية إلى أنه يعفى في النجاسة المغلظة عن أمور فيعفى قدر الدرهم وزنا في النجاسة الكثيفة وقدر بعشرين قيراطا، وفي النجاسة الرقيقة أو المائعة بقدر الدرهم مساحة، وقدر بمقعر الكف داخل مفاصل الأصابع، والمقصود بعفو الشارع عنها العفو عن فساد الصلاة، وإلا فكراهة التحريم باقية إجماعا إن لغت الدرهم، وتنزيها إن لم تبلغ.
ويعفى عن بول الهرة والفأرة وخرئهما فيما تظهر فيه حالة الضرورة، فمعفى عن خرء الفأرة إذا وقع في الحنطة ولم يكثر حتى يظهر أثره، ويعفى عن بولها إذا سقط في البئر لتحقق الضرورة، بخلاف ما إذا أصاب أحدهما ثوبا أو إناء مثلا فإنه لا يعفى عنه لإمكان التحرز، ويعفى عن بول الهرة إذا وقع على نحو ثوب لظهور الضرورة، بخلاف ما إذا أصاب خرؤها أو بولها شيئا غير ذلك فإنه لا يعفى عنه.
ويعفى عن بخار النجس وغبار سرقين، فلو مرت الريح بالعذرات وأصابت الثوب لا يتنجس إلا أن يظهر أثر النجاسة في الثوب، وقيل يتنجس إن كان مبلولا لاتصالها به.(/13)
ويعفى عن رشاش البول إذا كان رقيقة كرءوس الإبر بحيث لا يرى ولو ملأ الثوب أو البدن، فإنه يعتبر كالعدم للضرورة، ومثله الدم الذي يصيب القصاب فيعفى عنه في حقه للضرورة، فلو أصاب الرشاش ثوبا ثم وقع ذلك الثوب في ماء قليل تنجس الماء لعدم الضرورة حينئذ، ومثل هذا أثر الذباب الذي وقع على نجاسة ثم أصاب ثوب المصلي فإنه يعفى عنه.
40 114 ويعفى عما يصيب الغاسل من غسالة الميت مما لا يمكنه الامتناع عنه مادام في تغسيله.
ويعفى عن طين الشوارع ولو كان مخلوطا بنجاسة غالبة ما لم يرعينها.
ويعفى في النجاسة المخففة عما دون ربع الثوب كله أو ربع البدن كله.
وإنما تظهر الخفة في غير المائع، لأن المائع متى أصابته نجاسة تنجس، لا فرق بين مغلظة ومخففة، ولا عبرة فيه لوزن أو مساحة.
ويعفى عن بعر الإبل والغنم إذا وقع في البئر أو في الإناء، ما لم يكثر كثرة فاحشة أو يتفتت فيتلون به الشيء الذي خالطه.
والقليل المعفو عنه هو ما يستقله الناظر إليه، والكثير عكسه.
وأما روث الحمار وخثي البقر والفيل فإنه يعفى عنه في حالة الضرورة والبلوى، سواء كان يابسا أو رطبا .
54 - وعد المالكية من المعفو عنه ما يأتي أ- سلس الأحداث كبول أو غائطٍ أو مذيٍ أو وديٍ أو منيٍ إذا سال شيء منها بنفسه، فلا يجب غسله عن البدن أو الثوب أو المكان الذي لا يمكن التحول عنه إلى مكان آخر إذا حصل شيء منها ولو كل يوم مرة.
ب- بلل الباسور إذا أصاب يد صاحبه أو ثوبه كل يوم ولو مرة، وأما يده فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر استعمالها في إرجاعه بأن يزيد عن مرتين كل يوم، وإنما اكتفي في الثوب والبدن بمرة واحدة في اليوم ولم يكتف في اليد إلا بما زاد على اثنتين لأن اليد لا يشق غسلها إلا عند الكثرة بخلاف الثوب والبدن.
ج- ما يصيب ثوب أو بدن المرضعة من بول أو غائط رضيعها - ولو لم يكن وليدها- إذا اجتهدت في التحرز عنهما حال نزولهما، ولكن يندب لها إعداد ثوب للصلاة.
د- ما يصيب ثوب أو بدن الجزار ونازح المراحيض والطبيب الذي يعالج الجروح، ولكن يندب لهم إعداد ثوب للصلاة.
هـ- ما يصيب ثوب المصلي أو بدنه أو مكانه من دمه أو دم غيره ، آدميا كان أو غيره ولو خنزيرا ، إذا كانت مساحته لا تزيد عن قدر الدرهم البغلي، وهو الدائرة السوداء التي تكون في ذراع البغل، ولا عبرة بالوزن، ومثل الدم في ذلك القيح والصديد.
و- ما يصيب ثوبه أو بدنه أو مكانه من بول أوروث خيل أو بغال أو حمير إذا كان ممن يباشر 40 115 رعيها أو علفها أو ربطها أو نحو ذلك، فيعفى عنه لمشقة الاحتراز.
ز- أثر ذباب أو ناموس أو نمل صغير يقع على النجاسة ويرفع شيئا منها فيتعلق برجله أو فمه، ثم يقع على ثوبه أو بدنه لمشقة الاحتراز، أما أثر النمل الكبير فلا يعفى عنه لندرته.
ح- أثر دم موضع الحجامة بعد مسحه بخرقةٍ ونحوها، فيعفى عنه إلى أن يبرأ فيغسله.
ط- ما يصيب ثوبه أو رجله من طين المطر أو مائه المختلط بنجاسة مادام موجودا في الطرق ولو بعد انقطاع المطر، فيعفى عنه بشروط ثلاثة أولا أن لا تكون النجاسة المخالطة أكثر من الطين أو الماء تحقيقًا أو ظنًّا.
ثانيا أن لا تصيبه النجاسة بدون ماء أو طين.
ثالثا أن لا يكون له مدخل في الإصابة بشيء من ذلك الطين أو الماء، كأن يعدل عن طريق خالية من ذلك إلى طريق فيها ذلك.
ي- المدة السائلة من دمامل أكثر من الواحد، سواء سالت بنفسها أو بعصرها ولو غير محتاج إليه، لأن كثرتها مظنة الاحتياج إلى العصر، فيعفى عما سال عنها ولو زاد على قدر الدرهم، وأما الدمل الواحد فيعفى عما سال منه بنفسه أو بعصر احتيج إليه، فإن عُصِرَ بغير حاجة فلا يُعفى إلا عن قدر الدرهم.
ك- خرء البراغيث ولو كثر، وإن تغذت بالدم المسفوح، فخرؤها نجس ولكن يُعفى عنه.
وأما دمها فإنه كدم غيرها لا يعفى عما زاد منه على قدر الدرهم البغلي كما تقدم.
ل- الماء الخارج من فم النائم إذا كان من المعدة بحيث يكون أصفر منتنا فإنه نجس، ولكن يعفى عنه إذا لازم.
م- القليل من ميتة القمل فيعفى منه عن ثلاثة فأقل.
ن- أثر النجاسة على السبيلين بعد إزالة عين النجاسة بما يزيلها من حجر ونحوه فمعفى عنه، ولا يجب غسله بالماء ما لم ينتشر كثيرا، فإن انتشر تعين غسله بالماء، كما يتعين الماء في إزالة النجاسة عن قمل المرأة .
وقالوا في المعتمد عندهم إن رماد نجس طاهر مطلقا، سواء أكلت النار النجاسة أكلا قويا أو لا.
وأما دخان النجاسة ففي ظاهر المذهب نجسٌ، وهو الذي اختاره اللخمي والتونسي 40 116 والمازري وأبو الحسن وابن عرفة ، قال بعضهم وهو المشهور، واختار ابن رشد طهارة دخان النجاسة كالرماد .
وقالوا يُعفى عما تعلق بذيل ثوب المرأة اليابس من الغبار النجس .
55 - وقال الشافعية يُعفى عن أمور منها ما لا يدركه البصر المعتدل من النجاسة ولو مغلظة.
ومنها الأثر الباقي بالمحل بعد الاستنجاء بالحجر، فيُعفى عنه بالنسبة لصاحبه.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( استنجاء ف 23 ).
ومنها طين الشارع المختلط بالنجاسة المحققة، فإذا شك في نجاسة ذلك الطين أو ظن كان طاهرا، لا نجسا معفوا عنه، وإنما يعفى عنه بشروط أربعة أولا أن لا تظهر عليه النجاسة.
ثانيا أن يكون المار محترزا عن إصابتها، بحيث لا يرخي ذيل ثيابه ولا يتعرض لرشاش نحو سقاء.
ثالثا أن تصيبه النجاسة وهو ماشٍ أو راكب، أما إذا سقط على الأرض فتلوثت ثيابه فلا يُعفى عنه لندرة الوقوع.
رابعا أن تكون النجاسة في ثوب أو بدن.(/14)
ومما يعفى عنه عندهم الدم الباقي على اللحم وعظامه، فقيل إنه طاهر، وظاهر كلام الحليمي وجماعة أنه نجسٌ معفوٌّ عنه، وهذا هو الظاهر كما قال الشربيني الخطيب .
ومنها دخان النجاسة فإنه نجس يعفى عن قليله وعن يسيره عرفا.
ومنها بخار النجاسة إن تصاعد بواسطة نار فنجس، لأن أجزاء النجاسة تفصلها النار بقوتها لكن يعفى عن قليله ، وإلا بأن كان كالبخار الخارج من نجاسة الكنيف فطاهر.
وصرح الزركشي بأن من المعفو عنه غبار النجاسة اليابسة.
ومنها الماء السائل من فم النائم إن كان من المعدة، كأن خرج منتنا بصفرة فنجس، لا إن كان من غيرها، أو شك في أنة منها فطاهر.
وقيل إن كان متغيرا فنجس مالا فطاهر، فإن ابتُلِيَ به شخص لكثرته منه قال في الروضة 40 117 فالظاهر العفو .
56 - وذهب الحنابلة إلى أنه يعفى عن النجاسة المغلظة لأجل محلها في ثلاثة مواضع أحدها محل الاستنجاء، فيعفى فيه عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء واستيفاء العدد.
الثاني أسفل الخُف والحذاء إذا أصابته نجاسة فدلكها بالأرض حتى زالت عين النجاسة، ففيه ثلاث روايات إحداها يجزئ دلكه بالأرض، وهذه الرواية هي الأولى كما قال ابن قدامة، والثانية يجب غسله كسائر النجاسات، والثالثة يجب غسله من البول والعذرة دون غيرهما.
الثالث إذا جبر عظمه بعظم نجس فانجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر، لأنها نجاسة باطنه يتضرر بإزالتها، فأشبهت دماء العروق.
ويُعفى عن يسير دمٍ وقيحٍ وصديدٍ، واليسير ما يعده الإنسان في نفسه يسيرا، وإنما يُعفى عن اليسير إذا أصاب غير مائع ومطعوم.
ومما يُعفى عنه يسير سلسِ بولٍ بعد تمام التحفظ لمشقة التحرز .
ومنها دخان نجاسة وغبارها وبخارها ما لم تظهر له صفة.
ومنها قليل ماء تنجس بمعفوٍّ عنه.
ومنها النجاسة التي تصيب عين الإنسان ويتضرر بغسلها .
ومنها اليسير من طين الشارع الذي تحققت نجاسته بما خالطه من النجاسة .(/15)
نزول
التعريف
نزول التعريف 1- النزول لغة مصدر نزل ، يقال نزل نزولا هبط من علو إلى سفل ، ويقال نزل فلان عن الأمر والحق تركه ، وبالمكان وفيه حل ، وعلى القوم حل ضيفا ، ويقال نزل به مكروه أصابه ، والحاج أتى منى ، وعلى إرادة زميله وافقه في الرأي ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي
الأحكام المتعلقة بالنزول
نزول خطيب الجمعة بعد الفراغ من خطبته
الأحكام المتعلقة بالنزول نزول خطيب الجمعة بعد الفراغ من خطبته 2- اختلف الفقهاء في وقت نزول الخطيب بعد الفراغ من خطبة الجمعة .
40 226 فقال الحنفية إذا نزل الخطيب أقام المؤذن للصلاة .
وقال المالكية إذا قضى الخطيب الخطبة استغفر الله ثم نزل فصلى .
وقال الشافعية من سنن الخطبة يوم الجمعة أن الإمام يأخذ في النزول بعد الفراغ من خطبته ويأخذ المؤذن في الإقامة ، ويبتدر الإمام ليبلغ المحراب مع فراغ المقيم .
وقال الحنابلة إذا فرغ الخطيب من الخطبة نزل عند قول المؤذن قد قامت الصلاة ، وينزل مسرعا مبالغة في الموالاة بين الخطبتين والصلاة ، والإسراع يكون من غير عجلة تقبح
نزول وفد الكافرين في المسجد
نزول وفد الكافرين في المسجد 3- قال النووي إذا قدم وفد من الكفار فالأولى أن ينزلهم الإمام في دار مهيأة لذلك أو في فضول مساكن المسلمين ، فإن لم يتيسر فله إنزالهم في المسجد واحتج ابن قدامة لجواز ذلك بأن ( النبي - صلى الله عليه وسلم - " لما قدم عليه وفد ثقيف أنزلهم من المسجد قبل إسلامهم " ) وقال سعيد بن المسيب قد كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شركه
نزول الراكب لسجود التلاوة
نزول الراكب لسجود التلاوة 4- المسافر الذي يسجد للتلاوة في صلاته على الراحلة يجزئه الإيماء للسجود تبعا للصلاة ولا يلزمه النزول ، أما المسافر الذي يريد السجود للتلاوة على الراحلة في غير صلاة ففيه خلاف . فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يومئ بالسجود ، وذهب غيرهم إلى أنه لا يجزئ الإيماء .
والتفصيل في مصطلح ( سجود التلاوة فقرة 17 ) .
نزول الخطيب لسجدة التلاوة
نزول الخطيب لسجدة التلاوة 5- أجاز الشافعية والحنابلة نزول الخطيب عن المنبر لسجود التلاوة وشرط الشافعية عدم الكلفة . وأوجبه الحنفية لوجوب سجود التلاوة عندهم .
40 227 ويرى المالكية عدم السجود ، ولذا لا يجوز النزول عندهم للسجود مع اختلافهم في كراهة السجود أو حرمته .
وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( سجود التلاوة ف 21 ) .
نزول المني بشهوة في حق الصائم
نزول المني بشهوة في حق الصائم 6- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تعمد إنزال المني مبطل الصوم في الجملة . والتفصيل في مصطلح ( صوم ف 41-44 ، واستمناء ف 8- 10 ) .(/1)
نسيان
التعريف
نسيان التعريف 1- النسيان لغة بكسر النون ضد الذكر والحفظ ، يقال نسيه نسيانا ونساوة ونساوة ، ويأتي بمعنى الترك ، يقول الله تعالى ( { نسوا الله فنسيهم } ) . أي تركوا الله فتركهم ، ولما كان النسيان ضربا من الترك وضعه موضعه ، أو أنساهم أن يعملوا لأنفسهم ، وقوله تعالى ( { فنسيتها فكذلك اليوم تنسى } ) . . ورجل نسيان بفتح النون كثير النسيان للشيء ، وقوله تعالى ( { ما ننسخ من آية أو ننسها } ) . أي نأمركم بتركها .
وقال الفيومي نسيت الشيء أنساه نسيانا ، مشترك بين معنيين ، أحدهما ترك الشي ذهولا وغفلة ، وذلك خلاف الذكر له ، تقول تركت ركعة أهملتها ذهولا ، والثاني الترك مع التعمد ، 40 265 وعليه قوله تعالى ( { ولا تنسوا الفضل بينكم } ) . أي لا تقصدوا الترك والإهمال . ويأتي النسيان بمعنى التأخير قال ابن الأعرابي إن علي عقبة أقضيها لست بناسيها ولا منسيها أي ولا مؤخرها والنسيان اصطلاحا قال الراغب هو ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه ، وإما عن غفلة ، وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وعرفه ابن نجيم بأنه عدم تذكر الشيء وقت حاجته إليه
الألفاظ ذات الصلة
الخطأ
الألفاظ ذات الصلة الخطأ 2- الخطأ لغة ضد الصواب وضد العمد أيضا ، وأخطأ الطريق عدل عنه ، وأخطأ الرامي الغرض لم يصبه . واصطلاحا هو ما ليس للإنسان فيه قصد والصلة بين الخطأ والنسيان عدم إصابة المقصود في كل .
أثر النسيان على الأهلية
أثر النسيان على الأهلية 3- اختلف الفقهاء في أثر النسيان على الأهلية فيرى الشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب أن الناسي غير مكلف حال النسيان ؛ لأن الإتيان بالفعل المعين على وجه الامتثال يتوقف على العلم بالفعل المأمور به ، لأن الامتثال عبارة عن إيقاع المأمور به على وجه الطاعة . ويلزم من ذلك علم المأمور به بتوجه الأمر نحوه وبالفعل فهو مستحيل عقلا لعدم الفهم ، وقد ورد في الخبر " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " .
وأما وجوب الزكاة والنفقة وضمان المتلفات ونفوذ الطلاق وغيرها من أحكام الناسي ، فهي ليست من باب التكليف ، بل من باب ربط الأحكام بالأسباب ؛ لتعلق الوجوب بماله أو ذمته الإنسانية التي بها يستعد لقوة الفهم بعد الحالة 40 266 التي امتنع تكليفه من أجلها بخلاف البهيمة وقال بعض الشافعية نسيان الأحكام بسبب قوة الشهوات لا يسقط التكليف ، كمن رأى امرأة جميلة وهو يعلم تحريم النظر إليها فنظر إليها ناسيا عن تحريم النظر
وذهب الحنفية إلى أن النسيان لا ينافي الوجوب في حق الله تعالى ؛ لأنه لا ينافي العقل ، ولا حكم الفعل ، ولا القول ، ولكنه يحتمل أن يجعل عذرا في حق الله تعالى ، لأنه يعدم القصد ، إذ القصد إلى فعل بعينه لا يقصد قبل العلم به .
قال أبو اليسر النسيان سبب للعجز ، لأن الناسي يعجز عن أداء الحقوق بسبب النسيان فيمنع وجود أداء الحقوق كسائر الأعذار عند عامة أصحابنا ، لكنه لا يمنع وجوب الحقوق ، فإنه لا يخل بالأهلية ، وإيجاب الحقوق على الناسي لا يؤدي إلى إيقاعه في الحرج ليمتنع الوجوب به ، إذ الإنسان لا ينسى عبادات متوالية تدخل في حد التكرار غالبا فصار في حكم النوم ، ولهذا قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين نسيان الصلاة والنوم عنها في قوله " ( إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ) " . وفي حقوق العباد لا يجعل النسيان عذرا ؛ لأن حقوق العباد محترمة لحقهم ، جبرا للفائت ، لا ابتلاء ، وحقوق الله تعالى شرعت ابتلاء لاستغنائه عن الخلق ، ولكنه ابتلاهم ، لأنه إلهنا ونحن عبيده ، وللمالك أن يتصرف في مملوكه كيف يشاء
وعند الحنفية النسيان على ضربين ضرب أصلي ، ويراد به ما يقع فيه الإنسان من غير أن يكون منه شيء من أسباب التذكر ، وهذا القسم يصلح عذرا لغلبة وجوده . وضرب غير أصلي أو طارئ يقع المرء فيه بالتقصير بأن لم يباشر سبب التذكر مع قدرته عليه ، وهذا الضرب يصلح للعتاب ، أي لا يصلح عذرا للتقصير لعدم غلبة وجوده .
40 267 قال البزدوي إنما يصير النسيان عذرا في حق الشرع إذا لم يكن عن غفلة ، فأما إذا كان عن غفلة فلا يكون عذرا ، كنسيان المرء ما حفظه مع قدرته على تذكاره بالتكرار فإنه إنما يقع فيه بتقصيره فيصلح سببا للعتاب ، ولهذا يستحق الوعيد من نسي القرآن بعدما حفظه مع قدرته على التذكر بالتذكار
وقال المالكية إن النسيان في العبادات لا يقدح والجهل يقدح ؛ لأنه إذا كان العلم بما يقدم الإنسان عليه واجبا كان الجاهل في الصلاة عاصيا بترك العلم ، فهو كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه ، وهذا هو وجه قول مالك إن الجهل في الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسي ، وأما الناسي فمعفو عنه لقوله عليه الصلاة والسلام " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " ، وأجمعت الأمة على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة ، وكذلك فإن النسيان يهجم على العبد قهرا لا حيلة له في دفعه عنه ، والجهل له حيلة في دفعه بالتعلم
الأحكام المترتبة على النسيان
أولا الحكم الأخروي(/1)
الأحكام المترتبة على النسيان يترتب على النسيان أحكام في الدنيا وفي الآخرة . أولا الحكم الأخروي 4- اتفق العلماء على أن النسيان مسقط للإثم مطلقا لقوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " . ولأن النسيان من باب ترك الحقيقة بدلالة محل الكلام ، لأن عين الخطأ وأخويه غير مرفوع ، فالمراد حكمها وهو نوعان أخروي ، وهو المأثم ، ودنيوي وهو الفساد ، والحكمان مختلفان ، فصار بعد كونه مجازا مشتركا لا يعم فإذا ثبت الأخروي إجماعا لم يثبت الآخر
ثانيا الحكم الدنيوي
40 268 ثانيا الحكم الدنيوي 5- إن وقع النسيان في ترك مأمور لم يسقط ، بل يجب تداركه ولا يحصل الثواب المترتب عليه لعدم الائتمار . وإن وقع النسيان في فعل منهي عنه ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه . أما إن وقع في فعل منهي عنه فيه إتلاف لم يسقط الضمان ، فإن وقع في فعل منهي عنه يوجب عقوبة كان النسيان شبهة في إسقاطها
أقسام النسيان
القسم الأول النسيان في ترك مأمور به
أ- نسيان التسمية في أول الوضوء
أقسام النسيان القسم الأول النسيان في ترك مأمور به قد يقع النسيان في ترك مأمور به في العبادات ، وقد يقع في المعاملات . فأما النسيان في ترك مأمور به في العبادات فمنه أ- نسيان التسمية في أول الوضوء 6- ذهب الحنفية إلى أن من نسي التسمية في أول الوضوء فذكرها خلال الوضوء فسمى لا تحصل السنة ، بخلاف نحوه في الأكل تحصل السنة في الباقي لاستدراك ما فات ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم " ( إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى ، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره ) " . والأصح عند الحنفية وابن رشد من المالكية أن التسمية من مستحبات الوضوء ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم " ( لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) ". والمراد به نفي الفضيلة
وذهب المالكية إلى أن التسمية من فضائل الوضوء ، واستحسنها مالك مرة وأنكرها مرة والفضيلة لا يؤمر بفعلها إذا تركها ولا بالإعادة ، أما السنة فإنه يؤمر بفعلها إذا تركها
وذهب الشافعية وهو ظاهر مذهب أحمد إلى أن التسمية من سنن الوضوء ، فلو نسيها في الابتداء أتى بها متى ذكرها قبل الفراغ كما في 40 269 الطعام ، فإن تركها سهوا صحت طهارته ، نص عليه أحمد في رواية أبي داود ، فإنه قال سألت أحمد بن حنبل إذا نسي التسمية في الوضوء ، قال أرجو ألا يكون عليه شيء ، وهذا قول إسحاق ، فعلى هذا إذا ذكرها في أثناء طهارته أتى بها حيث ذكرها ؛ لأنه لما عفى عنها مع السهو في جملة الوضوء ففي بعضها أولى ، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " ، ولأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها فكان في واجباتها ما يسقط بالسهو والنسيان كالصلاة ، ولا يصح قياسها على سائر الواجبات والطهارة ، لأن تلك تأكد وجوبها بخلاف التسمية . وعن أحمد - وهو المذهب عند الحنابلة - وابن عبد السلام من المالكية أن التسمية واجبة في طهارة الأحداث كلها ، قال بعض الحنابلة وهم أبو الخطاب والمجد وابن عبدوس وصاحب مجمع البحرين وابن عبيدان ، وهو ما جزم به في المنور وقدمه في المحرر إن التسمية فرض لا تسقط بالسهو ، لظاهر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم " ( لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) " وقياسا لها على سائر الواجبات
ب- نسيان غسل عضو في الوضوء
ب- نسيان غسل عضو في الوضوء 7- ذهب الفقهاء إلى من نسي غسل عضو هو فرض في الوضوء أو لمعة في ذلك العضو ، فإنه يجب تداركه ؛ لأنه ترك فرضا من فروض الوضوء . والتفصيل في ( وضوء ) .
ج- نسيان سنة من سنن الوضوء
ج- نسيان سنة من سنن الوضوء 8- ذهب الفقهاء إلى أنه إذا نسي المتوضي سنة من سنن الوضوء ، فإن وضوءه صحيح . ولهم في ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( وضوء ) .
د- تيمم الجنب للحدث الأصغر ناسيا الجنابة
د- تيمم الجنب للحدث الأصغر ناسيا الجنابة 9- اختلف الفقهاء فيمن تيمم للحدث الأصغر ونسي جنابة عليه ولم يذكرها في النية . فذهب المالكية والحنابلة إلى أن صلاته بهذا التيمم لا تجزئه .
40 270 وذهب الشافعية إلى أن صلاته صحيحة مجزئة .
وذهب الحنفية إلى أنه لا يجب في النية التمييز بين الحدث والجنابة ، حتى لو تيمم الجنب يريد به الوضوء جاز . والتفصيل . في مصطلح ( تيمم ف 9 ) .
هـ- التيمم عند نسيان الماء
هـ- التيمم عند نسيان الماء 10- اختلف الفقهاء في صحة صلاة من تيمم عند نسيان الماء . فذهب الحنابلة وهو الأظهر عند الشافعية ، ومطرف وعبد الملك وابن عبد الحكم من المالكية ، وأبو يوسف إلى أن من نسي الماء في رحله وتيمم لم يجزئه وعليه القضاء للصلاة . وكذلك لو كان الماء يباع ونسي ثمنه وتيمم وصلى لم يجزئه وعليه الإعادة للصلاة ؛ لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدا للماء ، وشرط إباحة التيمم عدم الوجدان ، ولأن التطهر بالماء يجب مع الذكر فلم يسقط بالنسيان كالحدث ، ولوجود الماء معه(/2)
وذهب أبو حنيفة ومحمد والشافعية في مقابل الأظهر وهو ما رواه ابن عبد الحكم من المالكية إلى أن من نسي الماء في رحله وتيمم وصلى لم يعد الصلاة مطلقا ، ولو أدرج الماء في رحله ولم يعلم لم يقطع الصلاة ، ولم يقض لأنه عاجز عن استعمال الماء ؛ لأنه لا قدرة عليه مع النسيان ، وعجزه بأمر سماوي وهو النسيان . وكذلك لو حصل العجز بسبب البعد أو المرض أو عدم الدلو والرشا ، فالنسيان جبلة في البشر خصوصا إذا مر به أمر يشغله عما وراءه ، والسفر محل المشقات ومكان المخاوف فنسيان الأشياء فيه غير نادر ؛ ولأنه لم يكن معه الماء حال الصلاة فلا يقضي
وقال الحنفية إن المسافر إذا تيمم ومعه ماء في رحله وهو لا يعلم به - وهذا يتناول حال النسيان وغيره - ولو ظن أن ماءه قد فني فتيمم وصلى ثم تبين له أنه قد بقي لا يجزئه ؛ لأن العلم لا يبطل بالظن فكان الطلب واجبا بخلاف النسيان ، لأنه من أضداد العلم . وكذلك لو كان الماء على رأسه أو ظهره أو كان الماء معلقا في عنقه ، فنسيه فتيمم ثم تذكر لا يجزئه ؛ لأن النسيان في هذه الحالة نادر ، وأما لو كان الماء معلقا على الإكاف فلا يخلو إما إن كان راكبا أو سائقا ، فإن كان راكبا وكان الماء في 40 271 مؤخرة الرحل فهو على الاختلاف بين أبي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف ، وإن كان الماء في مقدم الرحل لا يجوز بالإجماع ؛ لأن نسيانه نادر ، وإن كان سائقا فالجواب على العكس وهو إن كان الماء في مؤخر الرحل لا يجوز بالإجماع عند الحنفية ، لأنه يراه ويبصره فكان النسيان نادرا وإن كان في مقدم الرحل فهو على الاختلاف
وقال المالكية على المشهور إن تيمم وصلى ناسيا للماء في رحله يعيد في الوقت ، وإن لم يعد حتى خرج الوقت فلا إعادة على المشهور
و- نسيان صلاة مفروضة
و- نسيان صلاة مفروضة 11- اتفق الفقهاء على أن من نسي صلاة مفروضة وجب عليه قضاؤها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم " ( إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ) " والصلاة المتروكة نسيانا إما أن تكون واحدة أو أكثر ، وإذا كانت واحدة فإما أن تكون معروفة بعينها كالظهر مثلا أو غير معروفة . وإن كانت أكثر من واحدة فإما أن يعرف ترتيب كل منها بالنسبة لغيرها من الفوائت أو لا يعرف . فإن عرفت الصلاة المتروكة وعرف ترتيبها بالنسبة للصلاة الحاضرة وللفوائت غيرها ، قضيت المتروكة بمراعاة الترتيب عند جمهور الفقهاء مطلقا ، إلا لعذر . وان لم تعرف الصلاة المتروكة أو لم يعرف ترتيبها كما سبق قضيت على النحو الذي فصله الفقهاء . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( قضاء الفوائت ف 17- 25 ) .
ز- ترك شيء من الصلاة نسيانا
ز- ترك شيء من الصلاة نسيانا 12- ذهب الحنفية إلى أنه إذا ترك المصلي فرضا من فرائض الصلاة كالقراءة والركوع والسجود فإن أمكنه التدارك بالقضاء يقضي ، وإلا فسدت صلاته . وإذا ترك واجبا من واجبات الصلاة كقراءة الفاتحة وضم سورة عليها ، ورعاية الترتيب في كل فعل مكرر في كل ركعة أو في جميع الصلاة ، فإن تركه ناسيا يجبر بسجدتي السهو ، وإن تركه عامدا لا يخبر بسجدتي السهو ، وظاهر كلام أكثرهم أنه لا يجب السجود في العمد وإنما تجب الإعادة جبرا لنقصانه .
40 272 وأما إذا ترك سنة من سنن الصلاة - كجهر الإمام بالتكبير ، كالاستفتاح - فإن صلاته لا تفسد ؛ لأن قيام الصلاة بأركانها ، وقد وجدت ، ولا يجبر بسجدتي السهو
وقال المالكية المصلي إذا ترك ركنا من أركان الصلاة - كركوع أو سجود - سهوا وطال بحيث لا يتداركه - إما بالعرف وإما بالخروج من المسجد - فإن الصلاة تبطل ، وأما مع العمد فلا يتقيد البطلان بالطول . وقد اختلف المالكية في بطلان الصلاة بترك السنة المؤكدة فقال ابن كنانة تبطل الصلاة بترك السنة المؤكدة - عمدا أو جهلا - لتلاعبه ، وقد شهره في البيان . وقال مالك وابن القاسم وشهره ابن عطاء الله لا تبطل الصلاة بترك هذه السنة عمدا أو جهلا ، ويستغفر الله لكون العبادة قد حوفظ على أركانها وشروطها ، ولا سجود للسهو لأن السجود إنما هو للسهو . وكلام خليل يحتمل وحدة السنة ، كما عند ابن رشد في المقدمات ، وأما إن كثرت السنن المتروكة فإنها تبطل . ويحتمل كلامه الجنس فيتناول السنة ولو كثرت
ويرى الشافعية أن المصلي إذا ترك ركنا من أركان الصلاة - كركوع وسجود - عمدا بطلت صلاته ، وإن تركه سهوا فما بعد المتروك لغو ، فإن تذكر قبل بلوغ مثله فعله ، وإلا تمت به ركعته ، وتدارك الباقي من صلاته . وإن كان المتروك سنة من الأبعاض - وهي القنوت ، والقيام له والتشهد الأول ، والجلوس له ، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول ، والصلاة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول والآخر- أتى بسجود السهو إذا تركها سهوا ، وكذا إذا تركها عمدا في الأظهر . وأما سائر السنن غير الأبعاض فلا تجبر بسجود السهو ، سواء تركها عمدا أو سهوا
وذهب الحنابلة إلى أركان الصلاة - كقراءة الفاتحة للإمام والمنفرد - لا تسقط في عمد ولا سهو ولا جهل ، فمن ترك شيئا منها بطلت صلاته عامدا كان أو ساهيا أو جاهلا . ومن ترك واجبا من واجبات الصلاة كالتكبير للانتقال ، والتسبيح والتحميد عامدا بطلت 40 273 صلاته ، ومن ترك شيئا منها ساهيا أو جاهلا أتى بسجدتي السهو . وأما السنن - كالاستفتاح والتعوذ - فلا تبطل الصلاة بتركها ولو عمدا والتفصيل في مصطلح ( صلاة ف 10- 14 ، 115- 124 ) .
ح- نسيان النجاسة في بدن المصلي أو ثوبه(/3)
ح- نسيان النجاسة في بدن المصلي أو ثوبه 13- ذهب الحنفية إلى أن من صلى بنجاسة مانعة من صحة الصلاة ناسيا فإن صلاته تبطل وذهب المالكية إلى أن إزالة النجاسة عن بدن المصلي ومكانه واجبة مع الذكر والقدرة ، فمن صلى بها فإن كان ذاكرا قادرا أعاد الصلاة أبدا ، وإن كان ناسيا أو عاجزا حتى فرغ من صلاته أعاد الصلاة في الوقت ندبا
وذهب الشافعية إلى أن من صلى بنجس لا يعفى عنه لم يعلمه في ابتداء صلاته ثم علم كونه فيها وجب القضاء في الجديد ؛ لأن ما أتى به غير معتد به لفوات شرطه ، وفي القديم لا يجب عليه القضاء لعذره بالنسيان وعدم العلم بها ، ولحديث خلع النعلين في الصلاة ، وفيه فقال - صلى الله عليه وسلم " ( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا ) " . والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يستأنف الصلاة ، واختار هذا في المجموع ، وإن علم بالنجس ثم نسي فصلى ثم تذكر في الوقت أو قبله أعادها ، أو بعده وجب القضاء على المذهب المقطوع به لتفريطه بترك التطهير لما علم به . وحيث أوجبنا الإعادة فيجب إعادة كل صلاة تيقن فعلها مع النجاسة ، فإن احتمل حدوثها بعد الصلاة فلاشيء عليه ؛ لأن الأصل في كل حادث تقدير وجوده في أقرب زمن ، والأصل عدم وجوده قبل ذلك ، قال في الأنوار إذا صلى وفي ثوبه مثلا نجاسة ولم يعلم بها حتى مات ، فالمرجو من عفو الله عدم المؤاخذة
وقال الحنابلة من صلى وعلم أنه كانت عليه نجاسة في الصلاة ولكن جهلها أو نسي لا تصح صلاته فيعيدها وهو المذهب . وفي إحدى الروايتين تصح صلاته ، وهي الصحيحة عند الأكثرين
ط- نسيان سجود السهو
40 274 ط- نسيان سجود السهو 14- إذا سها المصلي عن سجود السهو فانصرف من الصلاة دون سجود فإنه يعود إليه ويؤديه . والتفصيل في مصطلح ( سجود السهو ف 9 ) .
ي- زكاة المال المنسي
ي- زكاة المال المنسي 15- اختلف الفقهاء في حكم مال الضمار ، من حيث وجوب الزكاة فيه إذا وصل إلى يد مالكه بعد إياسه من الحصول عليه . ومن صوره المال المودع عند من لا يعرفه إذا نسي شخصه سنين ثم تذكره ، وذلك على ثلاثة أقوال الأول تجب فيه الزكاة للسنين الماضية إذا وصلت إليه يده . الثاني لا تجب فيه الزكاة ويستقبل مالكه حولا مستأنفا من يوم قبضه . الثالث يزكيه مالكه إذا قبضه لسنة واحدة . والتفصيل في مصطلح ( ضمار ف 3 ، 12 وما بعدها ) .
ك- نسيان قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر
ك- نسيان قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر 16- اختلف الفقهاء في حكم من نسي قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر . فذهب الشافعية وهو المذهب والحنابلة والسيوري من المالكية إلى أن من أخر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر ، فإن كان بعذر يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول ولا فدية عليه ، لأنه معذور . ومن الأعذار النسيان كما نص عليه بعضهم . وقال الشربيني الخطيب والظاهر أنه إنما يسقط عنه بذلك الإثم لا الفدية
وذهب الحنفية إلى أن من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر فلا فدية عليه ؛ لأن القضاء على التراخي على الصحيح ، ومعنى التراخي أنه يجب في مطلق الوقت غير عين ، فيجوز القضاء في جميع الأوقات ، إلا الأوقات المستثناة ، ولا يجوز إلا بنية معينة من الليل بخلاف الأداء ، والفدية شرط العجز عن القضاء عجزا لا ترجى معه القدرة في جميع عمره
وقال البرزلي من المالكية ظاهر المدونة أن الناسي لقضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان 40 275 آخر يجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم ولا يعذر إلا بما لا يقدر على الصوم من زمن تعين وقته إلى دخول رمضان الثاني
ل- أثر النسيان في قطع تتابع الصوم الواجب تتابعه
مستوى7 المسألة الأولى الأكل والشرب والجماع نسيانا
ل- أثر النسيان في قطع تتابع الصوم الواجب تتابعه وفيه مسائل المسألة الأولى الأكل والشرب والجماع نسيانا 17- ذهب الحنفية والمالكية في المشهور ، والشافعية والحنابلة في الصحيح إلى أن الأكل والشرب والجماع نسيانا في صوم الكفارات الواجب التتابع فيها لا يقطع التتابع لقول النبي - صلى الله عليه وسلم " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " .
وذهب المالكية في القول المقابل للمشهور - ونص على أنه ضعيف - والحنابلة في رأي إلى أنه يقطعه
مستوى7 المسألة الثانية ترك النية نسيانا في الصوم الواجب تتابعه
المسألة الثانية ترك النية نسيانا في الصوم الواجب تتابعه 18- ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن نسيان النية في بعض الليالي في الصوم الواجب تتابعه يقطع التتابع كتركها عمدا ، ولا يجعل النسيان عذرا في ترك المأمورات
وذهب المالكية إلى أنه تكفي نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه كرمضان والكفارات التي يجب تتابع الصوم فيها ، وقالوا لو بيت الفطر ناسيا للصوم فإنه يقطع التتابع على المشهور من المذهب خلافا لابن عبد الحكم حيث عذره في تفريق الصوم بالنسيان
مستوى7 المسألة الثالثة وطء المظاهر نسيانا
المسألة الثالثة وطء المظاهر نسيانا 19- ذهب أبو حنيفة ومحمد والمالكية والحنابلة في المذهب إلى أن المظاهر إن جامع المظاهر منها ليلا أو نهارا ولو ناسيا انقطع التتابع ويستقبل الصوم
40 276 ويرى الشافعية أنه إن جامع المظاهر امرأته التي ظاهر منها بالليل قبل التكفير أو أثناء شهري صوم الكفارة أثم لأنه جامع قبل التكفير ، ولا يبطل التتابع لأن جماعه لم يؤثر في الصوم فلم يقطع التتابع كالأكل بالليل ، وهو ما ذهب إليه أبو يوسف حيث قال إذا جامع المظاهر المظاهر منها بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا أو ناسيا لا يستأنف الصوم لأنه لا يمنع التتابع ، إذ لا يفسد به الصوم(/4)
م- نسيان نذر صوم يوم معين
م - نسيان نذر صوم يوم معين 20- قال المالكية من نذر صوم يوم بعينه ثم نسيه صام الجمعة كلها على المختار ، فإن صام اليوم المعين الذي نذره ، ثم أفطر فيه ناسيا ثم نسي أي يوم كان من الجمعة فإنه يجزئه يوم واحد ينوي به ذلك اليوم ، فلو ظن أنه يوم بعينه فنواه لقضائه ثم انكشف له أنه غير ذلك اليوم فالظاهر أنه لا يجزئ
وقال الشافعية لو نذر يوما عينه من أسبوع ثم نسيه صام آخر الأسبوع وهو الجمعة ، فإن لم يكن هو اليوم الذي عينه وقع صوم يوم الجمعة قضاء عنه ، وإن كان هو فقد وفى بما التزمه
ن- نسيان ما أحرم الشخص به من النسك
ن- نسيان ما أحرم الشخص به من النسك 21- ذهب الحنفية إلى أن من عين بإحرامه شيئا من النسك ونسيه فعليه حجة وعمرة احتياطا ليخرج عن العهدة بيقين ، ولا يكون قارنا ، فإن أحصر تحلل بدم واحد ويقضي حجة وعمرة ، وإن جامع مضى فيهما ويقضيهما إن شاء جمع وإن شاء فرق . وإن أحرم بشيئين ونسيهما لزمه في القياس حجتان وعمرتان وفي الاستحسان حجة وعمرة حملا لأمره على المسنون والمعروف وهو القران ، بخلاف ما قبله إذ لم يعلم أن إحرامه كان بشيئين
وذهب المالكية إلى أن من عين إحراما ونسي ما أحرم به أهو إفراد أو عمرة أو قران ؟ فقران ، بأن يعمل عمله ويهدي له ؛ لأنه إن كان أحرم أولا بحج أو قران لم يضره ذلك ، وإن كان قد أحرم بعمرة فقد أردف الحج عليها وبرئ من الحج فقط لا من العمرة ، فيأتي بها لاحتمال أن يكون إحرامه الأول بإفراد
40 277 ويرى الشافعية أنه إذا نسي المحرم ما أحرم به جعل نفسه قارنا وعمل أعمال النسكين ؛ لأنه قد تلبس بالإحرام يقينا فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه وذهب الحنابلة إلى أن من أحرم بنسك تمتع أو إفراد أو قران ، أو أحرم بنذر ونسي ما أحرم به ، أو نسي ما نذره قبل طواف ، صرفه للعمرة ندبا لأنها اليقين ، ويجوز صرف إحرامه لغير العمرة ، لعدم تحقق المانع ، ويلزمه دم متعة بشروطه . وإن نسي ما أحرم به ، أو نذره بعد طواف ولا هدي مع الناسي ، يتعين صرفه إلى العمرة ؛ لامتناع إدخال الحج عليها بعد طوافها لمن لاهدي معه . ومن كان معه هدي وطاف ثم نسي ما أحرم به صرف إحرامه للحج وجوبا ، وأجزأ حجه عن حجة الإسلام فقط لصحته بكل حال ، ولا يجوز له التحلل قبل تمام نسكه
س- نسيان التسمية عند الأكل والشرب
س- نسيان التسمية عند الأكل والشرب 22- ذهب الفقهاء إلى أن من نسي التسمية في أول الأكل أو الشرب أتى بها ؛ حيث ذكرها لما روت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " ( إذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله تعالى ، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره ) " . والتفصيل في ( أكل ف 11 ، بسملة ف 10 ) .
ع- نسيان التسمية عند الذبح
ع- نسيان التسمية عند الذبح 23- ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أنه إذا نسي الذابح الذي تحل ذبيحته التسمية عند الذبح فإن ذبيحته تحل . وفي رواية عن أحمد أنها تحرم . والتفصيل في ( بسملة ف 8 ، وذبائح ف 31 ) .
ف- تأثير النسيان في الشهادة
ف- تأثير النسيان في الشهادة 24- نص الحنفية على أن من شهد ولم يبرح مجلس القضاء ثم قال أخطأت بنسيان ما يحق علي ذكره ، أو أتيت بما لا يجوز لي فإما أن يقول ذلك وهو في مجلس القاضي أو بعد ما قام عنه ثم عاد إليه ، وعلى كل من التقديرين إما أن يكون عدلا أو غيره ، والمتدارك إما أن يكون موضع شبهة التلبيس والتغرير من أحد الخصمين أو لا .
40 278 فإن كان غير عدل ردت شهادته مطلقا ، سواء قاله في المجلس أو بعده ، في موضع الشبهة أو غيره . وإن كان عدلا قبلت شهادته في غير موضع الشبهة ، مثل أن يدع لفظة الشهادة وما يجري مجراه ، مثل أن يترك ذكر اسم المدعي والمدعى عليه أو الإشارة إلى أحدهما ، سواء كان في مجلس القضاء أوفي غيره . وتدارك ترك لفظ الشهادة ، إنما يتصور قبل القضاء إذ من شرط القضاء أن يتكلم الشاهد بلفظ أشهد ، والمشروط لا يتحقق بدون الشرط . وأما إذا كان في موضع شبهة التلبيس كما إذا شهد بألف ثم قال غلطت بل هي خمسمائة أو بالعكس ، فإنها تقبل إذا قال في المجلس بجميع ما شهد أولا عند بعض المشايخ ؛ لأن المشهود له استحق القضاء على القاضي بشهادته ، ووجب قضاؤه فلا يسقط ذلك بقوله أوهمت ، وبما بقي أو زاد عند آخرين ، لأن الحادث بعد الشهادة من العدل في المجلس كالمقرون بأصلها ، وإليه مال السرخسي . وهذا التدارك يمكن أن يكون قبل القضاء بتلك الشهادة وبعدها . ووجه قبوله من العدل في مجلس القضاء أن الشاهد قد يبتلى بمثله ، لمهابة مجلس القضاء ، فكان العذر واضحا ، إذ طبع البشر النسيان ، وعدالته مع عدم التهمة توجب قبول قوله ذلك . وأما إن كان بعد ما قام عن المجلس فلا يقبل ؛ لأنه يوهم الزيادة من المدعي بإطماعه الشاهد بحطام الدنيا والنقصان من المدعى عليه بمثل ذلك ، فوجب الاحتياط
القسم الثاني النسيان في فعل منهي عنه ليس فيه إتلاف
أ- وطء الرجل امرأته الحائض نسيانا(/5)
القسم الثاني النسيان في فعل منهي عنه ليس فيه إتلاف النسيان في فعل منهي عنه ليس من باب الإتلاف له صور منها أ- وطء الرجل امرأته الحائض نسيانا 25- ذهب الحنفية إلى أن وطء الحائض كبيرة إن كان عامدا مختارا عالما بالحرمة ، لا جاهلا أو مكرها أو ناسيا ، فتلزمه التوبة ، ويندب تصدقه بدينار أو نصفه ، ومصرفه كزكاة ، وهل على المرأة تصدق ؟ قال في الضياء الظاهر لا وقال الشافعية وطء الحائض في الفرج كبيرة من العامد العالم بالتحريم المختار ، ويكفر مستحله ، بخلاف الجاهل والناسي والمكره 40 279 لخبر " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " .
ب- الكلام في الصلاة نسيانا
ب- الكلام في الصلاة نسيانا 26- ذهب المالكية والشافعية إلى أن الكلام في الصلاة ناسيا لا يبطل الصلاة إن كان الكلام يسيرا ويسجد للسهو ، فإن كان كثيرا يبطل الصلاة وذهب الحنفية إلى أنه يفسد الصلاة - ومثلها سجود السهو والتلاوة والشكر على القول به - التكلم وهو النطق بحرفين ، أو حرف مفهم كـ ( ع ، ق ، أمرا ) عمدا كان أو سهوا قبل قعوده قدر التشهد لحديث " ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ) " . وقال الحنابلة في المذهب إذا تكلم المصلي سهوا في صلاته بطلت صلاته إماما كان المصلي أو غيره ، فرضا كانت الصلاة أو نفلا وفي رواية لا تبطل الصلاة بالتكلم ناسيا والتفصيل في مصطلح ( صلاة ف 107 ) .
ج- الأكل والشرب في الصلاة نسيانا
ج- الأكل والشرب في الصلاة نسيانا 27- ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن من أكل أو شرب يسيرا ناسيا أنه في الصلاة لم تبطل صلاته وذهب الحنفية إلى أن من أكل أو شرب في الصلاة ولو سمسمة ، أو وقع في فيه قطرة مطر فابتلعها ولو ناسيا بطلت صلاته ، إلا أن يكون بين أسنانه مأكولا دون الحمصة فابتلعها فإنه لا تفسد به الصلاة . والتفصيل في مصطلح ( صلاة ف 113 ) .
د- الأكل والشرب أو الجماع ناسيا في رمضان
د- الأكل والشرب أو الجماع ناسيا في رمضان 28- للفقهاء تفصيل في أثر النسيان على من أكل أو شرب أو جامع ناسيا . 40 280 فيرى الحنفية أنه إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسيا لم يفطر ، لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " ( إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) " ، وإذا ثبت هذا في الأكل والشرب ثبت في الوقاع بدلالة النص ؛ لأن كلا منهما نظير للآخر في كون الكف عن كل واحد منهما ركنا في الصوم
وذهب المالكية إلى أن من أكل أو شرب أو جامع في نهار رمضان فسد صومه وعليه القضاء في الفرض مطلقا أفطر عمدا أو سهوا أو غلبة أو إكراها ، كان الفرض أصليا أو نذرا ، ووجب الإمساك مطلقا أفطر عمدا أو لا ، وكذا الجماع ناسيا فعليه القضاء ولا كفارة على المشهور . وفي صوم التطوع إن أفطر ناسيا يجب عليه الإمساك ولا قضاء عليه
وقال الشافعية في الأصح المنصوص الذي قطع به جمهورهم إن أكل الصائم أو شرب ناسيا لم يفطر وإن كثر الأكل للحديث . وقال بعضهم إذا كثر الأكل أو الشرب أفطر لأن النسيان مع الكثرة نادر ، ولهذا بطلت الصلاة بكثير الكلام دون قليله ، والكثير كما في الأنوار ثلاث لقم . والجماع ناسيا كالأكل ناسيا فلا يفطر به على المذهب
وذهب الحنابلة إلى من أكل أو شرب أو احتجم أو استعط أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان ، أو قبل فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأنزل ، فأي ذلك فعله ناسيا فهو على صومه ولا قضاء عليه وقالوا في الصحيح من المذهب إن من جامع ناسيا في نهار رمضان في الفرج ، فعليه القضاء والكفارة قبلا كان الفرج أو دبرا . وعن الإمام أحمد لا يكفر ، واختار هذه الرواية ابن بطة ، وقال الزركشي لعله مبني على أن الكفارة ماحية ، ومع النسيان لا إثم ينمحي . وعن الإمام أحمد كذلك ولا يقضي أيضا ، واختار هذا القول الآجري وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين ابن تيمية وصاحب الفائق
هـ- الجماع ناسيا في الاعتكاف
40 281 هـ- الجماع ناسيا في الاعتكاف 29- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من جامع في اعتكافه ناسيا فإن اعتكافه يبطل لقوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المسجد } وذهب الشافعية إلى أن الاعتكاف يبطل بالجماع من عالم بتحريمه ذاكر له ، فمن جامع ناسيا لا يبطل اعتكافه . والتفصيل في مصطلح ( اعتكاف ف 27 ) .
و- الجماع في الحج ناسيا
و- الجماع في الحج ناسيا 30- ذهب الفقهاء إلى أن الجماع في حالة الإحرام جناية يجب فيها الجزاء . والجمهور ( الحنفية والمالكية والحنابلة ) على أن العامد والجاهل والساهي والناسي والمكره في ذلك سواء ، لكن استثنى الحنابلة من الفداء الموطوءة كرها . وقال الشافعية وطء الناسي لا يفسد الإحرام . والتفصيل في ( إحرام ف 170 وما بعدها ، وكفاره ف 47 ) .
ز- النسيان في الطلاق
ز- النسيان في الطلاق للنسيان في الطلاق صور 31- منها ما لو طلق ناسيا أنه تزوج مثلا أو طلق امرأة بعينها ناسيا أنها زوجته . فيرى الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب أن طلاق الناسي واقع . وقال الطوفي من الحنابلة الأشبه عدم وقوع طلاق الناسي ؛ لأنه غير مكلف ولا عبارة لغير مكلف
32- ومنها لو علق الطلاق على أمر ففعله ناسيا فقال الحنفية العامد والناسي في الطلاق سواء ، فإن علق طلاقه على فعله أو فعل غيره ، فحصل المعلق عليه الطلاق ، عامدا أو ناسيا ، فإنه يقع الطلاق به ؛ لأن الفعل شرط الوقوع ، والفعل الحقيقي لا ينعدم بالنسيان(/6)
وقال الشافعية إن من علق الطلاق بفعل شيء ففعله مكرها أو ناسيا أو جاهلا ففي وقوع الطلاق قولان ، وذكر صاحب المهذب والروياني 40 282 وغيرهما أن الأظهر في الأيمان لا يحنث الناسي والمكره ، ويشبه أن يكون الطلاق مثله ، وقطع القفال بأنه يقع الطلاق ، والمذهب الأول ، وعليه جمهور الشافعية للخبر الصحيح " ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) " . وكذلك لو علق بفعل غيره من زوجة أو غيرها ممن يبالي بتعليقه ، بأن تقضي العادة والمروءة بأنه لا يخالفه ويبر قسمه لنحو حياء أو صداقة أو حسن خلق ، قال في التوضيح فلو نزل به عظيم قرية فحلف أن لا يترحل حتى يضيفه وعلم ذلك الغير بتعليقه ، يعني وقصد إعلامه به فلا يحنث بفعله ناسيا للتعليق أو المعلق به أو مكرها ، وإلا بأن لم يقصد الحالف حثه أو منعه ، أو لم يكن يبالي بتعليقه كالسلطان والحجيج ، أو كان يبالي ولم يعلم وتمكن من إعلامه ولم يعلمه ، فيقع قطعا ولو ناسيا ؛ لأن الحلف لم يتعلق به حينئذ غرض حث ولا منع ، لأنه منوط بوجود صورة الفعل .
ولو علق بقدوم وهو عاقل ، فجن ثم قدم ، لم يقع كما في الكفاية عن الطبري ، وحكم اليمين فيما ذكر كالطلاق ، ولا تنحل بفعل الجاهل والناسي والمكره وقال الحنابلة إن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا حنث في الطلاق والعتاق لوجود شرطهما ، وإن لم يقصده كأنت طالق إن قدم الحاج ؛ لأن الطلاق والعتق يتعلق بهما حق آدمي فيتعلق الحكم مع النسيان كالإتلاف . ولا يحنث في يمين مكفرة مع النسيان ، لأن الكفارة تجب لدفع الإثم ، ولا إثم على الناسي . ومن يمتنع بيمين الحالف إذا حلف عليه وقصد بيمينه منعه كأن يحلف على زوجته أو نحوها لا تدخل دارا فدخلتها ناسية ، فعلى ما سبق يحنث في الطلاق والعتق فقط . وأما إن حلف على حق لا يمتنع بيمينه كسلطان وأجنبي فإن الحالف يحنث مطلقا ، سواء كان عمدا أو خطأ أو مكرها أو جاهلا أو ناسيا ؛ لأنه تعليق محض فحنث بوجود المعلق عليه
33- ومنها ما لو طلق إحدى نسائه وكان قد عينها ثم نسي التعيين . 40 283 فقال المالكية لو قال لزوجاته إحداكن طالق ولم ينو معينة أو عينها ونسيها فالجميع يطلقن وقال الشافعية لو طلق إحداهما بعينها كأن خاطبها به أو نواها ، عند قوله " طالق " ثم جهلها بنحو نسيان وقف حتما الأمر من وطء وغيره عنهما حتى يتذكر لحرمة إحداهما عليه يقينا ، ولا دخل للاجتهاد هنا ، ولا يطالب ببيان للمطلقة إن صدقتاه في الجهل بها لأن الحق لهما ، فإن كذبتاه وبادرت واحدة وادعت أنها المطلقة طولب بيمين جازمة أنه لم يطلقها ، ولا يقنع منه بنسيت وإن احتمل ، فإن نكل حلفت وقضي لها ، فإن قالت الأخرى ذلك فكذلك ، ولو ادعت كل منهما أو إحداهما أنه يعلم التي عناها بالطلاق وسألت تحليفه على نفي علمه بذلك ولم تقل إنه يعلم المطلقة فالوجه - كما قاله الأذرعي - سماع دعواها وتحليفه على ذلك
القسم الثالث النسيان في فعل منهي عنه ترتب عليه إتلاف
القسم الثالث النسيان " في فعل منهي عنه ترتب عليه إتلاف 34- ذهب الفقهاء إلى أنه لا أثر للنسيان على ضمان المتلفات ، حتى لو أتلف مال غيره ناسيا يجب عليه ضمانه ؛ لأن حقوق العباد محترمة لحاجتهم ، ولأن الضمان من الجوابر ، والجوابر لا تسقط بالنسيان . وكذلك الحكم إذا جنى جناية على النفس أو على ما دون النفس ناسيا وهي مما يستوجب المال فتجب الدية أو الأرش وقال المالكية من أتلف مال غيره أو تسبب في إتلافه عدوانا فهو ضامن ، سواء فعل ذلك عمدا أو خطأ(/7)
نصاب
التعريف
نصاب
التعريف
1- من معاني النصاب في اللغة الأصل، ونصاب الزكاة القدر المعتبر- من المال- لوجوبها .
وفي الاصطلاح قال البركتي النصاب شرعا ما لا تجب فيما دونه زكاة من مال .
الألفاظ ذات الصلة
المقدار
الألفاظ ذات الصلة
المقدار
2- المقدار في اللغة المثل. يقال مقدار الشيء مثله في العدد أو الكيل أو الوزن أو المساحة.
وفي الاصطلاح ما يعرف به الشيء من معدود أو مكيل أو موزون .
والصلة بين المقدار والنصاب أن المقدار أعم من النصاب.
الأحكام المتعلقة بالنصاب
أ- النصاب في صلاة الجمعة
40 319 الأحكام المتعلقة بالنصاب
تتعلق بالنصاب أحكام منها
أ- النصاب في صلاة الجمعة
3- يشترط الفقهاء لصحة صلاة الجمعة كونها في جماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤدها إلا جماعة وعليه الإجماع.
واختلف الفقهاء في النصاب الذي تنعقد به صلاة الجمعة.
والتفصيل في مصطلح ( صلاة الجمعة ف 20-21 ).
ب- النصاب في الزكاة
ب - النصاب في الزكاة
4- يشترط الفقهاء لوجوب الزكاة في المال شروطا منها أن يبلغ المال النصاب، وهو المقدار الذي لا تجب الزكاة في أقل منه.
والنصاب يختلف باختلاف أجناس الأموال الزكوية.
والتفصيل في مصطلح ( زكاة ف 31، 43، وما بعدها ).
ج- النصاب في حد السرقة
ج- النصاب في حد السرقة
5- يشترط الفقهاء للقطع في حد السرقة- ضمن ما يشترطون- أن يبلغ المال المسروق نصابا، فلا قطع فيما دونه عند جمهور الفقهاء.
ولكنهم اختلفوا في تحديد مقدار هذا النصاب.
والتفصيل في مصطلح ( سرقة ف 32 وما بعدها ).(/1)
نطفة
التعريف
40 335 نطفة
التعريف
1 - النطفة في اللغة ماء الرجل والمرأة، قال الله تعالى { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } الآية، وسمي هذا الماء نطفة لقلته، لأن النطفة القليل من الماء ، وقد يقع على الكثير، والجمع نطف ونطاف.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للنطفة عن معناه اللغوي .
الألفاظ ذات الصلة
أ- العلقة
الألفاظ ذات الصلة
أ- العلقة
2 - العلقة في اللغة المني ينتقل بعد طوره، فيصير دما غليظا متجمدا، وهي القطعة التي يتكون منها الولد، والعلقة طور من أطوار الجنين، يقال علقت المرأة إذا حبلت، ومنه قوله تعالى { ثم من علقة }
والعلق الدم الجامد وهو الدم العبيط أي الطري، وقيل الشديد الحمرة، ومنه قوله تعالى { خلق الإنسان من علق }
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للعلقة عن معناه اللغوي.
والصلة بين النطفة والعلقة أن كلا منهما من أطوار الجنين .
ب- المضغة
ب- المضغة
3 - المضغة في اللغة القطعة من اللحم قدر ما يمضغ ولم ينضج، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )
وقد جعلت المضغة اسما للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد طور العلقة، ومنه قول الله تعالى { فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما } فالمني ينتقل بعد طوره فيصير دما غليظا متجمدا، ثم ينتقل طورا آخر فيصير لحما وهو المضغة.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
40 336 والصلة بينهما أن كلا منهما من أطوار الجنين .
جـ- الجنين
جـ- الجنين
4 - الجنين في اللغة اسم للولد مادام في بطن أمه، وجمعه أجنة، ومنه قول الله تعالى { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم }
وسمي الجنين بذلك، لاستتاره، فماذا ولد فهو منفوس.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للجنين عن معناه اللغوي .
والصلة بين النطفة والجنين أن النطفة أولى مراحل الجنين .
الأحكام المتعلقة بالنطفة
أ- انقضاء العدة بالنطفة
الأحكام المتعلقة بالنطفة
تتعلق بالنطفة أحكام منها
أ- انقضاء العدة بالنطفة
5- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المرأة إذا ألقت نطفة لا تدري هل هي مما يخلق منه الآدمي أو لا- بعد فرقة زوجها- لا تنقضي عدتها بها، لأنها لم يثبت أنها ولد، لا بالمشاهدة ولا بالبينة، ولأن ذلك لا يسمى حملا فلا يبرأ به الرحم .
قال القرطبي النطفة ليست بشيء يقينا، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم، فهي كما لو كانت في صلب الرجل .
والتفصيل في مصطلح ( عدة ف 22 ).
ب- إسقاط النطفة
ب- إسقاط النطفة
6 - اختلف الفقهاء في حكم إسقاط النطفة - أي قبل نفخ الروح والتخلق- وذلك بعد أن اتفقوا على تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه .
والتفصيل في مصطلح ( إجهاض ف 3- 8 ).
جـ- الجناية على النطفة
جـ- الجناية على النطفة
7 - ذهب الفقهاء إلى أنه لو ألقت المرأة بسبب جناية عليها نطفة لم يجب على الجاني شيء أي لا غرة عليه، لأنه لم يثبت أن السقط ولد، لا بالمشاهدة ولا بالبينة، ولأن الأصل براءة الذمة .(/1)
نعاس
التعريف
40 373 نعاس
التعريف
1 - النعاس في اللغة أول النوم أو النوم القليل، يقال نعس نعسا ونعسا ونعاسا فترت حواسه فقارب النوم فهو ناعس، ونعسان قليلة، ومنه قول الله تعالى { إذ يغشيكم النعاس أمنة منه }
وقال الأزهري حقيقة النعاس السنة من غير نوم، ومن علامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
الألفاظ ذات الصلة
أ- النوم
الألفاظ ذات الصلة
أ- النوم
2 - النوم معروف وهو ضد اليقظة فترة راحة للبدن والعقل تغيب خلالها الإرادة والوعي جزئيا أو كليا، وتتوقف الوظائف البدنية.
وفي الاصطلاح حالة طبيعية، تتعطل معها القوى بسبب ترقي البخارات إلى الدماغ .
والعلاقة بين النعاس والنوم قال زكريا الأنصاري إن النوم فيه غلبة على العقل بسقوط الحواس، والنعاس ليس فيه ذلك وإنما فيه فتور الحواس .
ب- الإغماء
ب- الإغماء
3 - الإغماء في اللغة فقد الحس والحركة لعارض .
وفي الاصطلاح آفة في القلب أو الدماغ تعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا .
والعلاقة بين النعاس والإغماء أن الإغماء يعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها؟ وأما النعاس فإنه لا يعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها يمنع من سماع كلام الناس.
الأحكام المتعلقة بالنعاس
أثر النعاس في الوضوء
40 374 الأحكام المتعلقة بالنعاس
أثر النعاس في الوضوء
4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوضوء لا ينقض بالنعاس ولو شك هل نام أو نعس فلا وضوء عليه لأن الأصل الطهارة ، ويستحب أن يتوضأ. وقال زكريا الأنصاري لو رأي رؤيا وشك أنام أم لا فعليه الوضوء لأن الرؤيا لا تكون إلا بنوم .
وقال الحنفية النعاس في حالة الاضطجاع لا يخلو إما أن يكون ثقيلا أو خفيفا، فإن كان ثقيلا فهو حدث، وإن كان خفيفا لا يكون حدثا، والفاصل بين الخفيف والثقيل أنه إن كان يسمع ما قيل عنده فهو خفيف، وإن كان يخفى عليه عامة ما قيل عنده فهو ثقيل .
وقال البهوتي نقلا عن ابن المنير يغتفر النعاس الخفيف، والأولى لأئمة المساجد تجديد الوضوء .
النعاس في المسجد يوم الجمعة
النعاس في المسجد يوم الجمعة
5 - قال ابن قدامة يستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه، واستدل لذلك بما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول ( إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك ) ولأن تحوله عن مجلسه يصرف عنه النوم .
وقال الشافعي أحب للرجل إذا نعس في المسجد يوم الجمعة ووجد مجلسا غيره- ولا يتخطى فيه أحدا- أن يتحول عنه ليحدث له القيام واعتساف المجلس ما يذعر عنه النوم وإن ثبت وتحفظ من النعاس بوجه يراه ينفي النعاس عنه فلا أكره ذلك له ولا أحب إن رأى أنه يمتنع من النعاس إذا تحفظ أن يتحول وأحسب من أمره بالتحول إنما أمره حين غلب عليه النعاس فظن أن لن يذهب عنه النوم إلا بإحداث تحول وإن ثبت في مجلسه ناعسا كرهت له ذلك ولا إعادة عليه إذ لم يرقد زائلا عن حد الاستواء .(/1)
نعي
التعريف
نعي
التعريف
1 - النعي والنعيان لغة خبر الموت، أو نداء الداعي، أو الدعاء بموت الميت والإشعار به، الناعي الذي يأتي بخبر الموت، أو بإذاعة موت الشخص أو يندبه.
قال ابن منظور كانت العرب إذا قتل منهم شريف أو مات بعثوا راكبا إلى قبائلهم ينعاه إليهم .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
(ر جنائز ف 4 ).
الألفاظ ذات الصلة
أ- الندب
الألفاظ ذات الصلة
أ- الندب
2 - الندب من معاني الندب قي اللغة البكاء 40 376 مع تعديد محاسن الميت بلفظ النداء، كواسيداه، واجبلاه.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
والصلة بينه وبين النعي أن الندب قد يقترن بالنعي، وقد يحصل بعده، فليس هناك تلازم بينه وبين الإخبار بالموت.
ب- النوح
ب- النوح
3 - النوح لغة رفع الصوت بالبكاء مع رنة، وعن أم عطية ( أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح ) وعن أبى سعيد الخدري ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة )
والصلة بين النوح والنعي أن النعي المطلق الإعلام سواء كان فيه بكاء أم لا، أما النوح فهو الإعلام المقترن بالبكاء، وقد يحصل بعد الإخبار بالموت .
صيغة النعي
صيغة النعي
4 - لم يذكر الفقهاء صيغة محددة للنعي، بعد استبعاد ما كان مباهاة ومفاخرة ولكنهم نصوا على اختيار ما فيه تذلل واسترحام.
قال ابن عابدين نقلا عن الفتاوى الهندية وينبغي أن يكون بنحو مات الفقير إلى الله تعالى فلان بن فلان، ثم قال ابن عابدين ويشهد له أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يؤذن بالجنازة، فيمر بالمسجد فيقول عبد الله دعي فأجاب، أو أمة الله دعيت فأجابت .
الحكم التكليفي للنعي
الحكم التكليفي للنعي
5 - اختلفت أقوال الفقهاء في حكم النعي ، حتى في المذهب الواحد، ما بين الاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم، ولذا اختار بعض 40 377 المحققين أن أقوالهم ليست من قبيل الخلاف في الأمر إذ لم تتوارد على الصورة المطلقة للنعي.
قال المباركفوري نقلا عن أبي بكر بن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات
1 - إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سنة.
2 - دعوة الحفل للمفاخرة بالكثرة، فهذا مكروه.
3 - الإعلام بنوع آخر، كالنياحة ونحو ذلك فهذا محرم.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني النعي ليس ممنوعا كله، وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه ولم ينقل رأي فقهي بوجوب النعي، وقد صرح ابن مفلح بعدم الوجوب حتى للقريب، فقال ولا يلزم إعلام قريب .
النعي المستحب
النعي المستحب
6 - النعي المستحب أو المندوب إليه على حسب تعبير بعض الفقهاء- هو على ما صرح الحنفية به وبعض الشافعية وهو المتجه عند الحنابلة وهو قول النخعي وابن سيرين - ما كان فيه إعلام الجيران والأصدقاء.
قال في الفتاوى الهندية يستحب أن يعلم جيرانه وأصدقاؤه حتى يؤدوا حقه بالصلاة عليه والدعاء له.
روى سعيد بن منصور عن النخعي لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه، إنما يكره أن يطاف في المجلس فيقال أنعي فلانا لأن ذلك من فعل أهل الجاهلية ، وروي نحوه باختصار عن ابن سيرين .
قال النووي ، في شرح حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات ) فيه استحباب الإعلام بالميت ، لا على صورة نعي الجاهلية ، بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها.
40 378 وقال ابن مفلح ويتوجه استحبابه، لإعلامه صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنجاشي ، وقوله عن الذي يقم المسجد، أي يكنسه ( أفلا كنتم آذنتموني به، دلوني على قبره ) أي أعلمتوني، قال ابن سيرين لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل بالموت صديقه وحميمه .
وحديث الذي يقم المسجد الذي أشار إليه ابن مفلح وغيره في إيذان أصحاب المنعي وأقاربه هو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ( أن أسود (رجلا أو امرأة) كان يقم المسجد فمات ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فذكره ذات يوم فقال ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا مات يا رسول الله، قال أفلا آذنتموني؟ فقالوا إنه كان كذا وكذا قصته (قال الراوي فحقروا شأنه) قال فدلوني على قبره فأتى قبره فصلى عليه )
ونقل النووي عن الحاوي للماوردي أن بعض الشافعية استحب النعي للغريب الذي إذا لم يؤذن به لا يعلمه الناس .
والوجه في الاستحباب عند ابن قدامة أن في كثرة المصلين على الميت أجرا لهم ونفعا للميت فإنه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه )
وقال صلى الله عليه وسلم كذلك ( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه )
ويشمل حكم الاستحباب النداء في الأسواق على ما نقل ابن عابدين عن النهاية قوله إن كان المنعي عالما أو زاهدا فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته وهو 40 379 الأصح، ولكن لا يكون على هيئة التفخيم .
النعي المباح
النعي المباح
7 - النعي المباح هو ما اقتصر فيه على الإعلام بالموت بصورة خالية من عمل محرم، قال الحافظ ابن حجر محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا.(/1)
وقال ابن عابدين لا بأس بإعلام بعضهم بعضا بموته ليقضوا حقه، وكره بعضهم أن ينادى عليه في الأزقة والأسواق، لأنه يشبه نعي الجاهلية ، والأصح أنه لا يكره إذا لم يكن معه تنويه بذكره وتفخيم بل يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلان بن فلان الفلاني... فإن نعي الجاهلية ما كان فيه قصد الدوران مع الضجيج والنياحة، وهو المراد بدعوى الجاهلية في قوله صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ) كما في شرح المنية .
وجاء في الفتاوى الهندية وكره بعضهم النداء في الأسواق، والأصح أنه لا بأس به، كما في محيط السرخسي .
وحصر الحنابلة النعي المباح فيما ليس فيه نداء، قال الرحيباني لا بأس بإعلام أقاربه وإخوانه من غير نداء، ( لإعلامه صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنجاشي في اليوم الذي مات فيه ) وفيه كثرة المصلين عليه فيحصل لهم ثواب ونفع للميت .
قال ابن المرابط - من شراح البخاري - مبينا الحكمة في الإباحة مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام.
وقد استدل النووي للإباحة بالأحاديث التي استدل بها القائلون بالاستحباب ثم قال الصحيح الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أن 40 380 الإعلام بموته لمن يعلم ليس بمكروه بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء، وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز إلغاؤها .
النعي المكروه
النعي المكروه
8 - للنعي المكروه عند الحنابلة صورتان
الأولى أنه ما كان لغير قريب أو صديق أو جار أو من يرجى إجابة دعائه.
الثانية أنه ما كان بنداء، وعليه مذهب المالكية أيضا.
قال في الشرح الصغير كره صياح بمسجد، أو ببابه، بأن يقال فلان قد مات فاسعوا إلى جنازته مثلا، إلا الإعلام بصوت خفي أي من غير صياح فلا يكره.
وقال ابن مفلح ولا يستحب النعي، وهو النداء بموته بل يكره، نص عليه أحمد وقال لا يعجبني، وفي رواية عن أحمد يكره إعلام غير قريب أو صديق. ونقل حنبل عنه أو جار، وعنه أو أهل دين.
ونقل النووي الكراهة في نعي الميت والنداء عليه للصلاة وغيرها عن جماعة من الشافعية منهم أبو إسحاق الشيرازي والبغوي .
النعي المحرم
النعي المحرم
9 - النعي المحرم - على ما ذكره الحنابلة- هو ما اشتمل على النحيب والبكاء بصوت عال، وتعداد محاسن الميت ومزاياه على سبيل المباهاة، وإظهار الجزع.
قال ابن القيم من هديه صلى الله عليه وسلم ترك النعي، وقد نهى عنه، وهو من عمل الجاهلية، ( فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال إذا مت فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكون نعيا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي )
وقال الرحيباني من الحنابلة النعي المعروف الذي تفعله النساء بدعة أي ما كان بالنحيب والندب والجزع.
وقد أورد القائلون بالتحريم الحكمة في ذلك بأن السخط على موت المنعي يشبه التظلم من الظالم، وحكم الموت على العباد عدل من الله 40 381 تعالى لأن له أن يتصرف في خلقه بما شاء، لأنهم ملكه .
ومما نصوا على أنه محرم ما كان على صورة النعي في الجاهلية.
وفي صفته أورد الحافظ ابن حجر ما رواه سعيد بن منصور ، أخبرنا ابن علية عن ابن عون قال قلت لإبراهيم أكانوا يكرهون النعي؟ قال نعم قال ابن عون كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس أنعي فلانا .(/2)
نفاس
التعريف
41 4 بسم الله الرحمن الرحيم ( { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ) .
(سورة التوبة آية 122)
" ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) "
(أخرجه البخاري ومسلم )
41 5 نفاس
التعريف
ا- النفاس لغة ولادة المرأة إذا وضعت ، وتنفس الرحم بالولد ، فهي نفساء ، والنفس الدم ، ونفست المرأة ونفست - بالكسر - نفسا ونفاسة ونفاسا وهي نفساء ، ونفساء ونفساء .
وقال ثعلب النفساء الوالدة والحامل والحائض والجمع من كل ذلك ، نفساوات ونفاس ونفاس ونفس ، وفي الحديث " أن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر " أي وضعت ، والمنفوس المولود ، وفي الحديث أيضا ( "ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار " ) واصطلاحا عرفه الحنفية والشافعية بأنه الدم الخارج عقيب الولادة ، وعرفه المالكية
بأنه الدم الخارج من الفرج لأجل الولادة على جهة الصحة والعادة ، بعدها اتفاقا ، أو معها على قول الأكثر ، لا قبلها على الراجح .
وعرفه الحنابلة بأنه دم ترخيه الرحم مع الولادة وقبلها بيومين أو ثلاث مع أمارة كوجع وبعدها إلى تمام أربعين يوما .
الألفاظ ذات الصلة
أ- الحيض
ب- الاستحاضة
الألفاظ ذات الصلة
أ- الحيض
2 - الحيض لغة مصدر حاض ، يقال حاض السيل إذا فاض ، وحاضت المرأة سال دمها .
واصطلاحا عرف الحيض بتعريفات متقاربة فقال المالكية هو دم يلقيه رحم امرأة معتاد 41 6 حملها دون ولادة ولا مرض أو افتضاض ولا زيادة على الأمد ، وقال غيرهم نحو ذلك .
والصلة بين الحيض والنفاس أن كلا منهما دم يخرج على جهة الصحة والعادة ، غير أنه في الحيض دم جبلة يخرج من أقصى الرحم بعد البلوغ ، وفي النفاس دم يخرج عقب الولادة .
ب- الاستحاضة
3 - الاستحاضة لغة أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتاد ، يقال استحاضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة .
واصطلاحا عرفها المالكية بأنها دم يخرج من الفرج على وجه المرض ، وعرفها الشافعية بأنها الدم الخارج لعلة من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل في غير أيام أكثر الحيض أو أكثر مدة النفاس .
والصلة بين النفاس والاستحاضة أن كلا منهما يخرج من المرأة إلا أن دم الاستحاضة دم فساد ودم النفاس دم صحيح .
أثر النفاس على الأهلية
4 - النفاس من عوارض الأهلية وهو لا يسقط أهلية الوجوب ولا أهلية الأداء لبقاء الذمة والعقل وقدرة البدن ، إلا أنه ثبت بالنص أن الطهارة منه شرط للصلاة على وفق القياس لكونه من الأحداث والأنجاس ، وللصوم على خلاف القياس لتأديه مع الحدث والنجاسة .
مدة النفاس
أ- أقل مدة النفاس
ب- أقصى مدة النفاس
مدة النفاس
اختلف الفقهاء في أقل مدة النفاس وفي أكثرها ، وفيما يلي تفصيل ذلك
أ- أقل مدة النفاس
5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا حد لأدنى النفاس ، ففي أي وقت رأت الطهر اغتسلت وصلت .
وقال الحنفية في اعتبار أقل النفاس في انقضاء العدة خلاف ، بأن قال لها زوجها إذا ولدت فأنت طالق ، فقالت نفست ثم طهرت ، فبكم تصدق في النفاس؟ فقال 41 7 أبو حنيفة يعتبر الأقل بخمسة وعشرين يوما ، وقال أبو يوسف يعتبر الأقل بأحد عشر يوما ، وقال محمد تصدق فيما ادعت وإن كان ساعة .
وقال المزني من الشافعية أقل مدة النفاس أربعة أيام ، وروي عن أحمد أن أقله يوم .
ب- أقصى مدة النفاس
6 - للفقهاء رأيان
الأول ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة وهو مقابل المشهور عند المالكية إلى أن أقصى مدة النفاس أربعون يوما ، وهو غالب مدة النفاس عند الشافعية ، وقال أبو عيسى الترمذي أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي ، وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس .
وروي هذا عن عمر وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو ، وأنس ، وأم سلمة ، وبه قال الثوري وإسحاق ، لما روي ( عن أم سلمة قالت "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما " ) وما روي ( عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال "تجلس أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " ) فإن زاد دم النفاس على أربعين يوما فصادف عادة الحيض فهو حيض وإن لم يصادف عادة فهو استحاضة .
الرأي الثاني ذهب الشافعية والمالكية في المشهور عندهم ، وهو مروي عن الشعبي وعبيد الله بن الحسن العنبري والحجاج بن أرطاة ورواية عن أحمد حكاها ابن عقيل إلى أن أقصى مدة النفاس ستون يوما ، واستدلوا بما روي عن الأوزاعي أنه قال 41 8 عندنا امرأة ترى النفاس شهرين ، وروى مثل ذلك عن عطاء أنه وجده ، والمرجع في ذلك إلى الوجود .
ابتداء النفاس
ابتداء النفاس
7 - اتفق الفقهاء على أن الدم الخارج بعد انفصال الولد نفاس .
واختلفوا في الدم الخارج قبل الولادة لأجلها .
فذهب الحنفية إلى أن الدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد استحاضة وليس بنفاس وإن كان ممتدا .
وذهب المالكية في الراجح والشافعية في الأظهر إلى أن الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة لأجلها حيض وليس بنفاس ، ولا تحسب مدة النفاس منه بل من خروج الولد وانفصاله .(/1)
وذهب الحنابلة إلى أن ابتداء النفاس من خروج بعض الولد ، والدم الذي رأته قبل خروج بعض الولد بثلاثة أيام فأقل بأمارة كوجع فهو نفاس كالخارج مع الولد ، ولا يحسب ما قبل الولادة من مدة النفاس .
وذهب المالكية على قول الأكثر إلى أن ما خرج قبل الولادة لأجلها هو دم نفاس .
أما الدم الخارج مع الولد فقد اختلف الفقهاء فيه أيضا
فيرى الحنفية أنه استحاضة ، ويرى المالكية أنه نفاس على قول الأكثر وكذا الحنابلة .
انقطاع الدم في مدة النفاس
الحالة الأولى انقطاع الدم انقطاعا تاما بغير عودة
الحالة الثانية انقطاع الدم ثم عودته في مدة النفاس
انقطاع الدم في مدة النفاس
انقطاع الدم في مدة النفاس أي قبل تمام الأربعين على ما ذهب إليه الجمهور- إما أن ينقطع انقطاعا تاما بغير عودة ، وإما أن ينقطع ثم يعود ، والتفصيل فيما يلي
الحالة الأولى انقطاع الدم انقطاعا تاما بغير عودة
8 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن النفساء إذا 41 9 انقطع دمها قبل الأربعين انقطاعا تاما طهرت ، واغتسلت وصلت .
واحتجوا بما روي ( عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال "تجلس أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " )
كما عللوا هذا الحكم أيضا بأنه مبني على الظاهر ، لأن معاودة الدم موهوم ، فلا يترك المعلوم بالموهوم .
غير أن الحنابلة كرهوا وطأها قبل الأربعين بعد التطهير ، قال أحمد ما يعجبني أن يأتيها زوجها ، على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال لا تقربيني ، ولأنه لا يؤمن عود الدم في زمن الوطء .
وذكر أبو الخطاب الكلوذاني أن أكثر الفقهاء لا يكره وطأها .
وذكر المالكية والشافعية أن أكثر دم النفاس ستون يوما فإذا انقطع قبل تمام الستين انقطاعا تاما بغير عودة طهرت واغتسلت وصلت .
الحالة الثانية انقطاع الدم ثم عودته في مدة النفاس
9 - ذهب المالكية ومحمد وأبو يوسف من الحنفية والشافعية في الأصح عندهم إلى أنه إذا انقطع دم النفاس خمسة عشر يوما فقد تم طهرها ، وما نزل بعد ذلك فهو حيض .
أما إذا نقصت مدة الانقطاع عن خمسة عشر يوما أو زادت فيرى أبو حنيفة أن الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس لا يفصل ، سواء كان خمسة عشر أو أقل أو أكثر ، ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي ، وعليه الفتوى ، وعند أبي يوسف ومحمد الخمسة عشر تفصل ، فلو رأت بعد الولادة يوما دما وثمانية وثلاثين طهرا ويوما دما ، فعند أبي حنيفة الأربعون نفاس ، وعندهما الدم الأول هو النفاس .
41 10 وذهب المالكية إلى أنه إذا انقطع دم النفاس قبل طهر تام تلفق من أيام الدم ستين يوما، وتلغي أيام الانقطاع ، وتغتسل كلما انقطع ، وتصوم وتصلي وتوطأ .
ومقابل الأصح عند الشافعية أنها إذا رأت النقاء خمسة عشر يوما فصاعدا ثم عاد الدم فهو نفاس كما لو تخلل بينهما دون خمسة عشر لوقوعه في زمن الإمكان .
وفي النقاء المتخلل عند الشافعية قولان ، أحدهما أنه طهر ، والثاني أنه نفاس ، وهذا هو المشهور ، وبه قطع الجمهور .
أما إذا لم تبلغ مدة النقاء خمسة عشر يوما فإما أن يتجاوز التقطع ستين يوما ، أو لا ، فإذا لم يتجاوزها نظر فإن لم يبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر بأن رأت يوما دما ويوما نقاء فأزمنة الدم نفاس قطعا ، وفي النقاء القولان- كالحيض .
الأول أنه نفاس ، ويسمى قول السحب .
والثاني أن النقاء طهر ، لأن الدم إذا دل على النفاس وجب أن يدل النقاء على الطهر ، وهو ما يسمى بقول اللقط ، وقول التلفيق .
وإن جاوز التقطع ستين يوما فإما أن يبلغ النقاء خمسة عشر يوما أم لا ، فإن بلغ زمن النقاء خمسة عشر يوما ثم جاوز العائد فالعائد حيض بلا خلاف ، والنقاء قبله طهر .
وإن لم يبلغ النقاء خمسة عشر يوما فهي مستحاضة ، فإن كانت مميزة ردت إلى التمييز ، وإن كانت مبتدأة فهل ترد إلى أقل النفاس أم غالبه؟ فيه خلاف ، وإن كانت معتادة ردت إلى العادة ، وفي الأحوال كلها يراعى التلفيق ، فإن سحبنا فالدماء في أيام المرد مع النقاء المتخلل نفاس ، وإن لفقنا فلا يخفى حكمه ، وهل يلفق من العادة ، أم من مدة الإمكان وهي الستون ، فيه الوجهان السابقان في فصل التلفيق .
ويرى الحنابلة أن عودة الدم بعد انقطاعه في مدة الأربعين مشكوك في كونه دم نفاس أو دم فساد لأنه تعارض فيه الأمارتان ، كما إذا لم تر الدم مع الولادة ثم رأته في المدة ، أي في الأربعين فمشكوك فيه ، فتصوم وتصلي وتقضي صوم الفرض ، ولا يأتيها في الفرج زمن هذا الدم .
مجاوزة الدم أكثر مدة النفاس
مجاوزة الدم كثر مدة النفاس
10 - للفقهاء تفصيل في حكم الدم الذي يزيد على مدة النفاس
41 11 فيرى الحنفية التفرقة بين المبتدأة بالحبل ، وبين من لها عادة في النفاس
فأما المبتدأة بالحبل- وهي التي حبلت من زوجها قبل أن تحيض- إذا ولدت فرأت الدم زيادة على أربعين يوما فهو استحاضة لأن الأربعين للنفساء كالعشرة للحيض ، ثم الزيادة على العشرة في الحيض استحاضة ، فكذا الزيادة على الأربعين في النفاس .
وأما صاحبة العادة في النفاس إذا رأت زيادة على عادتها فإن كانت عادتها أربعين فالزيادة استحاضة لما مر ، وإن كانت دون الأربعين فما زاد يكون نفاسا إلى الأربعين ، فإن زاد على الأربعين ترد إلى عادتها فتكون عادتها نفاسا ، وما زاد عليها يكون استحاضة .
وأما المالكية فيرون أن دم النفاس إن زاد عن الستين يوما فهو استحاضة حتى ولو كانت لها عادة في الزيادة ، خلافا لما في الإرشاد فإنها تعول على عادته .(/2)
وأما الشافعية فقد جاء في المجموع إذا عبر دم النفساء الستين ففيه طريقان أصحهما أنه كالحيض إذا عبر الخمسة عشر في الرد إلى التمييز إن كانت مميزة أو العادة إن كانت معتادة غير مميزة ، أو الأقل أو الغالب إن كانت مبتدأة غير مميزة ، ووجهه ما ذكره المصنف . وبهذا الطريق قطع المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والغزالي .
والطريق الثاني- حكاه المحاملي وابن الصباغ والمتولي والبغوي والشيخ نصر وآخرون من العراقيين والخراسانيين- إن في المسألة ثلاثة أوجه
أصحها باتفاقهم أنه كالطريق الأول .
والثاني أن الستين كلها نفاس وما زاد عليه استحاضة ، وبه قطع ابن القاص في المفتاح واختاره المزني حكاه أصحابنا عنه ، قال الماوردي قاله المزني في جامعه الكبير . وفرقوا بينه وبين الحيض بأن الحيض محكوم به من حيث الظاهر وليس مقطوعا به فجاز أن ينتقل عنه إلى ظاهر آخر والنفاس مقطوع به فلا ينتقل عنه إلى غيره إلا بيقين وهو مجاوزة الأكثر ، قال الرافعي وهذا القائل يجعل الزائد استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد إن كانت معتادة أو المردود إليه إن كانت مبتدأة ثم ما بعده .
والوجه الثالث أن الستين نفاس والذي بعده حيض على الاتصال به ، لأنهما دمان مختلفان فجاز أن يتصل أحدهما بالآخر .
41 12 وقال الحنابلة إن جاوز الدم الأربعين وصادف عادة حيضها ولم يزد عن عادتها فالمجاوز حيض ، لأنه في عادتها أشبه ما لو لم يتصل بنفاس ، أو زاد الدم عن العادة وتكرر ثلاثة أشهر ولم يجاوز أكثر الحيض فهو حيض ، لأنه دم متكرر صالح للحيض ، أشبه ما لو لم يكن قبله نفاس .
وإلا بأن زاد ولم يتكرر ، أو جاوز أكثر الحيض وتكرر أولا ، أو لم يصادف عادة حيض فهو استحاضة إن لم يتكرر ، لأنه لا يصلح حيضا ولا نفاسا ، فإن تكرر وصلح حيضا فحيض ، وعندهم لا تدخل استحاضة في مدة نفاس ، كما لا تدخل في مدة حيض ، لأن الحكم للأقوى .
النفاس في ولادة التوأمين
النفاس في ولادة التوأمين
11 - التوأمان هما الولدان اللذان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر ، فإن تجاوز ما بين التوأمين ستة أشهر فهما حملان ونفاسان بلا خلاف .
وقد اختلف الفقهاء في تحديد بداية النفاس في ولادة التوأمين - إذا كان بينهما أقل من ستة أشهر- وفي حكم الدم النازل بينهما ، والدم النازل بعد الثاني ، إلى ثلاثة آراء
12 - الرأي الأول يرى أن نفاس هذه المرأة ما خرج عقب الولد الأول ، وهو رأي أبي حنيفة ، وأبي يوسف والمالكية ، ووجه عند الشافعية ، والحنابلة ، وللقائلين بذلك تفصيل
قال الحنفية بناء على رأي أبي حنيفة وأبي يوسف ، وهو أن نفاسها من الولد الأول ، وذلك لأنهما توأمان ، ودم النفاس ، وهو الفاضل عن غذاء الولد من دم الحيض الممنوع خروجه بانسداد فم الرحم بالحبل ، وبالولد الأول ظهر انفتاحه ، فظهر أن الخارج هو ذاك الذي كان ممنوعا ، وقد حكم الشرع بأن ما كان منه ينتهي بأربعين ، حتى لو زاد استمرار الدم عليها في الولد الواحد حكم بأنه من غير ذلك ، فيلزم أن الخارج بعد الثاني بعد الأربعين غير ذلك ، وأنه استحاضة .
كما بينوا أنه إذا كانت عادتها عشرين فرأت بعد الأول عشرين ، وبعد الثاني أحدا وعشرين فعند أبي حنيفة وأبي يوسف العشرون الأولى نفاس وما بعد الولد الثاني استحاضة .
كما قالوا إنه لو ولدت ثلاثة أولاد بين الأول والثاني أقل من ستة أشتهر ، وكذا بين الثاني والثالث ، ولكن بين الأول والثالث أكثر من ستة أشهر فالصحيح أنه يجعل حملا واحدا .
41 13 وقال المالكية يبدأ النفاس من الأول إذا كان بينهما أقل من ستين يوما ، فتبني بعد وضع الثاني على ما مضى من الأول . هذا إذا لم يحصل لها نقاء خمسة عشر يوما ، فإن حصل لها نقاء ، ثم أتت بولد ، فإنها تستأنف له نفاسا لانقطاع حكم النفاس بمضي المدة المذكورة .
فإن كان بينهما ستون فأكثر فنفاسان .
وتقطع دم النفاس قبل طهر تام كتقطع دم الحيض ، فتلفق من أيام الدم ستين يوما وتلغي أيام الانقطاع ، وتغتسل كلما انقطع وتصوم وتصلي وتوطأ .
ومحل التلفيق ما لم يأت الدم بعد طهر تام وإلا كان حيضا .
وقال الشافعية يعتبر النفاس من الولد الأول ، لأنه دم يعقب الولادة فاعتبرت المدة منه كما لو كان وحده ، ويترتب على هذا الوجه أنهما- الدمين- نفاس واحد ابتداؤه من خروج الولد الأول ، فإن زاد مجموعهما على ستين يوما فهي مستحاضة ، وإن وضعت الثاني بعد مضي ستين يوما فهي مستحاضة ، وإن وضعت الثاني بعد مضي ستين يوما من حين وضعت الأول ، قال جماعة كان ما رأته بعد الثاني دم فساد ، وليس بنفاس .
وقال الحنابلة إن ولدت توأمين فأكثر فأول النفاس وآخره من ابتداء خروج بعض الأول في المذهب كما قال المرداوي ، لأنه دم خرج عقب الولادة فكان نفاسا واحدا كحمل واحد ووضعه ، فلو كان بينهما أربعون فأكثر فلا نفاس للثاني نصا ، لأن الولد الثاني تبع للأول فلم يعتبر في آخر النفاس كأوله ، بل ما خرج مع الولد الثاني بعد الأربعين من الأول دم فساد ، لأنه لا يصلح حيضا ولا نفاسا .
13 - الرأي الثاني يرى أن النفاس يبدأ من الولد الأخير
وهو قول محمد وزفر من الحنفية ، وأصح الأوجه عند الشافعية ، ورواية عن أحمد .(/3)
واحتجوا بأن النفاس يتعلق بوضع ما في البطن فيتعلق بالولد الأخير كانقضاء العدة ، وهذا لأنها بعد حبلى ، وكما لا يتصور انقضاء عدة الحمل بدون وضع الحمل لا يتصور وجود النفاس من الحبلى ، لأن النفاس بمنزلة الحيض ، ولأن النفاس مأخوذ من تنفس الرحم ولا يتحقق ذلك على الكمال إلا بوضع الولد الثاني ، فكان الموجود قبل وضع الثاني نفاسا من وجه دون وجه ، فلا تسقط الصلاة 41 14 عنها بالشك ، كما إذا ولدت ولدا واحدا وخرج بعضه دون بعض .
وأضاف محمد وزفر أنه إذا كانت عادتها عشرين ، فرأت بعد الأول عشرين ، وبعد الثاني واحدا وعشرين أن العشرين الأولى تكون استحاضة تصوم وتصلي معها ، وما بعد الثاني نفاس .
والوجه الثاني عند الشافعية أنه يعتبر النفاس من الولد الثاني لأنه ما دام معها حمل فالدم ليس بنفاس كالدم الذي تراه قبل الولادة ، قال النووي وهو أصح الأوجه عند الشيخ أبي حامد وأصحابنا العراقيين والبغوي والروياني وصاحب العدة وغيرهم من الخراسانيين .
ويتفرع عن هذا الوجه أن في حكم الدم الذي بينهما ثلاثة طرق أصحها وبه- قطع القاضي حسين فيه القولان في دم الحامل
أصحهما أنه حيض . والثاني دم فساد .
والطريق الثاني القطع بأنه دم فساد كالذي تراه في مبادئ خروج الولد ، وبهذا قطع الشيخ أبو حامد .
والثالث القطع بأنه حيض لأنه بخروج الأول انفتح باب الرحم فخرج الحيض ، بخلاف ما قبله فإنه منسد ، وقال الرافعي قال الأكثرون إن قلنا دم الحامل حيض فهذا أولى وإلا فقولان .
14 - الرأي الثالث يرى أن مدة النفاس تبدأ من الأول ، ثم تستأنف المدة من الثاني ، وهو وجه عند الشافعية حيث قالوا إن المدة تعتبر من الولد الأول ثم تستأنف ، ومعنى ذلك أنهما نفاسان يعتبر كل واحد منهما على حدته ، ولا يبالي بزيادة مجموعهما على ستين حتى لو رأت بعد الأول يوما دما ، وبعد الثاني ستين ، كانا نفاسين كاملين .
قال إمام الحرمين حتى لو ولدت أولادا في بطن ورأت على إثر كل واحد ستين فالجميع نفاس ، ولكل واحد حكم نفاس مستقل لا يتعلق حكم بعضها ببعض .
حكم السقط في النفاس
15 - ذهب الفقهاء إلى أن السقط الذي استبان بعض خلقه كأصبع وغيره ولد تصير به المرأة نفساء ، لأنه بدء خلق آدمي ، وتصير الأمة أم ولد به إن ادعاه المولى ، وكذلك تنقضي العدة به .
41 15 وأما إذا لم يستبن شيء من خلقه فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين
القول الأول للشافعية ، إن المرأة إذا ألقت مضغة أو علقة خفيت على غير القوابل ، وقال القوابل إنه مبتدأ خلق آدمي فالدم الموجود بعده نفاس .
وقال المالكية لو ألقت دما اجتمع لا يذوب بصب الماء الحار عليه تنقضي به العدة وما بعده نفاس .
القول الثاني وهو قول الحنفية ، فقالوا إنه إن لم يستبن من خلقه شيء فلا نفاس لها .
وقال الحنابلة يثبت حكم النفاس بوضع ما يتبين فيه خلق الإنسان على الصحيح من المذهب ونص عليه أحمد ، فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت بذلك حكم النفاس ، نص عليه وقدمه في الفروع والمجد في شرحه وصححه وابن تميم والفائق .
وعنه يثبت- أي حكم النفاس- بمضغة ، وعنه وعلقة .
وقيل يثبت لها حكم النفساء إذا وضعته لأربعة أشهر .
وجوب الغسل عند انقطاع دم النفاس
16 - ذهب الفقهاء إلى أنه يجب الغسل على المرأة بعد انقطاع دم النفاس ، ودليل وجوب الغسل منه الإجماع لأنه لم يرد نص من قرآن أو سنة على وجوبه .
17 - وإذا عريت الولادة أو خلت عن دم بأن خرج الولد جافا فهي طاهر لا نفاس لها ، لأن النفاس هو الدم ، ولم يوجد .
وفي وجوب الغسل وعدمه اختلاف بين الفقهاء
الرأي الأول يرى عدم وجوب الغسل ، ذهب إلى ذلك المالكية وهو الصحيح عند الحنابلة ، ومقابل الأصح عند الشافعية ، لأنه لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص ، ولا يبطل الصوم بالولادة العارية عن دم ، ولا يحرم الوطء .
ولأن الوجوب بالشرع ولم يرد بالغسل هاهنا ، ولا هو في معنى المنصوص فإنه ليس بدم ولا مني ، وإنما ورد الشرع بهذين الشيئين ، إلا أن المالكية يرون ندب الغسل .
والرأي الثاني يجب الغسل ، ذهب إلى هذا الشافعية في الأصح ، وهو وجه عند 41 16 الحنابلة ، لأنها مظنة للنفاس الموجب فقامت مقامه في الإيجاب كالتقاء الختانين ، ولأنها يستبرئ بها الرحم فأشبهت الحيض .
وذهب الحنفية إلى أن المرأة إذا ولدت ولم تر دما لا تكون نفساء في الصحيح ، ولا يلزمها إلا الوضوء عند الصاحبين ، ويلزمها الغسل احتياطا عند الإمام ، لأن الولادة لا تخلو ظاهرا عن قليل دم .
ونص الشافعية على أنه إذا ألقت الحامل ولدا أو علقة أو مضغة ولم تر دما ولا بللا لزمها الغسل على الأصح ، لأنه لا يخلو عن بلل غالبا فأقيم مقامه كالنوم مع الخارج ، وتفطر به المرأة على الأصح .
وذهب الحنابلة إلى أن خروج العلقة والمضغة لا توجب الغسل بلا نزاع .
الولادة بجرح في البطن
18 - لما كان النفاس هو الدم الخارج من الفرج عقب الولادة ، فقد نص الحنفية على أنه إذا ولدت من سرتها- مثلا- وسال منها دم لا تكون نفساء ، بل هي صاحبة جرح ما لم يسل من فرجها ، لكن يتعلق بالولد سائر أحكام الولادة .
خروج بعض الولد ثم رجوعه
خروج بعض الولد ثم رجوعه
19 - نص الشافعية على أنه لو خرج بعض الولد ثم رجع لا يجب الغسل ويجب الوضوء .
ما يحل وما يحرم على النفساء
20 - صرح الفقهاء بأن حكم النفساء حكم الحائض في حل ما يحرم عليها ويسقط عنها .
وذلك لأن دم النفاس هو دم الحيض إنما امتنع خروجه مدة الحمل لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل .
فيحرم على النفساء الصلاة والصوم وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة .(/4)
انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( حيض ف 3 ) ، ومصطلح ( قضاء الفوائت ف 6 ) .
وهناك أحكام فقهية أخرى تتعلق بالنفساء ، منها
- حكم قراءة النفساء القرآن- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( قراءة ف 6 ) .
- 41 17 - حكم مسها المصحف- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( مصحف ف 3- 9 ) .
- حكم دخولها المسجد- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( مسجد ف 35 ) .
- حكم طوافها البيت- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( طواف 22 ) .
- حكم قربان النفساء في حالة النفاس- انطر تفصيل ذلك في مصطلح ( غسل ف 18- 19 ).
- قطع النفاس التتابع في صوم الكفارات والنذر المعين- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( تتابع ف 110 ) ، ومصطلح ( نذر ف 34- 35 ) .
- حكم إيقاع الطلاق على النفساء- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( طلاق ف 40 ) .
- ويختلف حكم النفاس عن الحيض في مسائل- انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( حيض ف 50 ) .(/5)
نفر
التعريف
41 26 نفر
التعريف
ا- النفر في اللغة مصدر نفر ويأتي بمعان ، يقال نفر نفرا هجر وطنه وضرب في الأرض ، ويقال نفر الحاج من منى دفعوا إلى مكة ، ونفر الناس إلى العدو أسرعوا في الخروج لقتاله .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
الأحكام المتعلقة بالنفر
نفر الحاج
النفر الأول والثاني
الأحكام المتعلقة بالنفر نفر الحاج
2 - للحاج نفران ينفر في أيهما شاء ، لقوله تعالى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى }
النفر الأول
3 - وهو في اليوم الثاني من أيام التشريق ثالث أيام النحر ، أي الثاني عشر من ذي الحجة ، ويسمى يوم النفر الأول .
وذلك إذا رمى الحاج الجمار الثلاث في اليوم الثاني من أيام التشريق ، جاز له أن ينفر أي يرحل إلى مكة ، ويسقط عنه رمي اليوم الثالث من أيام التشريق ، والمبيت بمنى ليلته .
ويشترط لذلك أن يجاوز الحاج منى قبل غروب الشمس ، عند المالكية والشافعية والحنابلة .
وقال الحنفية يشترط أن يجاوز حدود منى قبل فجر اليوم الثالث من أيام التشريق .
فإن لم يخرج الحاج من منى إلى ذلك الوقت المبين لكل مذهب فليمكث وليبت بمنى ، وقد وجب عليه رمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث من أيام التشريق ، ووجب عليه المبيت بمنى هذه الليلة ، عند القائلين بوجوب المبيت بمنى . (انظر مصطلح رمي ف 3 وما بعدها ) .
النفر الثاني
4 - وهو في اليوم الثالث من أيام التشريق ، 41 27 بعد رمي الجمار الثلاث ، ويسمى "يوم النفر الثاني" (ر مصطلح رمي ف 3 وما بعدها وحج ف 46 ) .
وبعد هذا الرمي تنتهي مناسك منى ، ويرحل الحجاج جميعهم إلى مكة ، ولا يشرع المكث بمنى بعد رمي هذا اليوم .
ويستحب في النفر إلى مكة ما يستحب من الأذكار للمسافرين من التكبير ، والتهليل ، والتمجيد ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء .
وإذا وصل "المحصب" يستحب أن ينزل فيه ويصلي ، ر مصطلح ( حج ف 107 ) .
النفر لطلب العلم والجهاد
النفر لطلب العلم والجهاد
5 - ورد النفر في القرآن الكريم في الحث على طلب العلم والجهاد في قوله تعالى { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } وقوله تعالى { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
قال القرطبي هذه الآية (يعني الآية الأولى ) أصل في وجوب طلب العلم ، وقول مجاهد وقتادة يقتضي ندب طلب العلم والحث عليه ، دودن الوجوب والإلزام وإنما لزم طلب العلم بأدلته .
ر مصطلح ( طلب العلم ف 6 وجهاد ف 7 ).(/1)
نواقض الوضوء
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 111 / ص 23)
نواقض الوضوء
139 - ذهب الحنفية إلى أن المقصود بنقض الوضوء هو إخراج الوضوء عن إفادة المقصود منه كاستباحة الصلاة.
وقال المالكية هو انتهاء حكم الوضوء المنقوض أو رفع استمرار حكمه مما كان يباح به من صلاة وغيرها كما ينتهي حكم 43 386 النكاح بالموت.
وقد ذكر الفقهاء نواقض الوضوء بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وذلك على التفصيل الآتي
أولا - الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما
أولا - الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما
140- ذهب الفقهاء -في الجملة- إلى أن من المعاني الناقضة للوضوء، أي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب به.. خروج شيء من السبيلين، لقوله تعالى { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكمْ مِنَ الْغَائِطِ }
والغائط حقيقة المكان المطمئن الذي يقضي فيه الناس حاجتهم، وليست حقيقته مرادة، فجعل مجازا عن الأمر المحوج إلى المكان المطمئن، ولهذه الأشياء تحوج إليه لتفعل فيه تسترا عن الناس على ما عليه العادة، حتى لو جاء أحد من الغائط أي المكان المطمئن من غير حاجة لا يجب عليه الوضوء إجماعا .
وللفقهاء تفصيل في كون الخارج معتادا كالبول والغائط أو غير معتاد، بل يكون نادرا كالدود والحصى، وفي كون الخارج من أحد السبيلين -الدبر والذكر أو فرج المرأة- أو من غيره، من تحت المعدة أو من فوقها، وكان السبيلان مفتوحين أو مسدودين أو.................... الخ.(ر حدث ف 6 - 10).
ثانيا خروج النجاسات من غير السبيلين
141- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء، أو عدم نقضه بخروج شيء من النجاسات من سائر البدن غير السبيلين.
فقال المالكية والشافعية إنه غير ناقض للوضوء، وإنما يلزم تطهير الموضع الذي أصابته النجاسة الخارجة من سائر البدن، ويبقى الوضوء إلا إذا انتقض بسبب آخر.
ونص الحنفية والحنابلة على أن النجاسات الخارجة من سائر البدن غير السبيلين- كالقيء والدم ونحوهما- ناقضة للوضوء، وذلك في الجملة على اختلاف بينهم في ذلك.
(ر حدث ف 10).
ثالثا زوال العقل الحدث الحكمي
أ - النوم
43 387 ثالثا زوال العقل الحدث الحكمي
ثالثا زوال العقل قد يكون بالنوم أو الجنون أو السكر أو الإغماء أو الغشي.
أ - النوم
اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالنوم إلى رأيين
142- الرأي الأول
يرى جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن النوم ناقض للوضوء في الجملة ، واستدلوا بحديث ( "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" ) وحديث ( إن العينين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء )
ثم اختلفوا في بعض التفاصيل
143 - أما الحنفية فالنائم عندهم إما أن يكون مضطجعا أو متوركا ، أو يكون مستندا على شيء لو أزيل عنه لسقط ، أو نام قائما أو راكبا أو ساجدا.
أ - فإن كان مضطجطعا أو متوركا نقض وضوؤه لحديث ( "إنما الوضوء على من نام مضطجعا" ) إن من اضطجع استرخت مفاصله غاية الاسترخاء بحالة الاضطجاع فيكون بمظنة خروج الريح.
ب - وألحق به من نام متوركا لزوال مقعديهما من الأرض.
وإن كان مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط فهذا لا يخلو إما أن يكون مقعدته 43 388 زائلة من الأرض أو لا، فإن كانت زائلة نقض بالإجماع بين أئمتهم، وإن كانت غير زائلة ذكر القدوري أنه ينقض، وهو مروي عن الطحاوي .
وقال الزيلعي الصحيح أنه لا ينقض، ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة .
ج- وإن كان النائم قائما أو راكعا أو ساجدا فإنه إن كان في الصلاة لا ينتقض وضوءه، لقوله صلى الله عليه وسلم ( "لا وضوء على من نام قائما أو راكبا أو ساجدا" ) وإن كان خارج الصلاة، فكذلك على الصحيح إن كان على هيئة السجود بأن كان رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه وإلا انتقض وضوءه.
د- واختلفوا في المريض إذا كان يصلي مضطجعا فنام، قال الزيلعي فالصحيح انتفاض وضوئه للحديث ( "إنما الوضوء على من نام مضطجعا" )
هـ- ولو نام قاعدا أو قائما فسقط على وجهه أو جنبه إن انتبه قبل سقوطه، أو حالة سقوطه، أو سقط نائما وانتبه من ساعته لا ينتقض الوضوء، وإن استقر بعد السقوط نائما ثم انتبه انتقض لوجود النوم مضطجعا، وعن أبي يوسف ينتقض بالسقوط لزوال الاستمساك حيث سقط.
وعن محمد بن الحسن إن انتبه قبل أن تزايل معقدته الأرض لم ينتقض، وإن زايلها وهو نائم انتقض، وهو مروي عن أبي حنيفة وقال الزيلعي والظاهر الأول.
وقال الحنفية الصحيح أن النوم نفسه ليس بحدث وإنما الحدث ما لا يخلو عنه النائم، فأقيم السبب الظاهر -وهو النوم هنا- مقامه كالسفر ونحوه .
144- وللمالكية طريقتان في اعتبار النوم ناقضا
الأولى طريقة اللخمي، وظاهر هذه الطريقة أن المعتبر في النقض صفة النوم ولا عبرة بهيئة النائم من اضطجاع أو قيام أو غيرهما، فمتى كان النوم ثقيلا نقض، سواء كان النائم مضجعا أو ساجدا أو جالسا، أو قائما، وعلامة النوم الثقيل هو ما لا يشعر 43 389 صاحبه بصوت مرتفع أو كان بيده مروحة فسقطت ولم يشعر بها، وإن كان النوم غير ثقيل فلا ينتقض على أي حال.
الطريقة الثانية اعتبر بعضهم صفة النوم مع الثقل، وصفة النائم مع النوم غير الثقيل، وقالوا إن النوم ثقيل يجب منه الوضوء على أي حال، وأما غير الثقيل فيجب الوضوء في الاضطجاع والسجود، ولا يجب في القيام والجلوس.
وعزي هذه الطريقة لعبد الحق وغيره.
ولكن الطريقة الأولى هي الأشهر عندهم .
145- وقال الشافعية إن النوم ينقض الوضوء كيفما كان إلا نوم المتمكن مقعده من الأرض أو غيرها، فلا ينقض وضوءه، وإن استند إلى ما لو زال لسقط لأمن خروج شيء حينئذ من دبره.(/1)
ولا عبرة لاحتمال خروج شيء من قبله، لأنه نادر، والنادر لا حكم له، ولأثر أنس رضي الله عنه قال "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" . وفي رواية "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم" .
وحمل على نوم المتمكن مقعده في الأرض جميعا بين الحديثين، ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا .
وذكر النووي مسائل تتعلق بالتفريع على المذهب، وهو أن نوم المتمكن مقعده لا ينقض وغيره ينقض
المسألة الأولى قال الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب يستحب للنائم ممكنا أن يتوضأ؛ لاحتمال خروج حدث، وللخروج من خلاف العلماء.
المسألة الثانية لو تيقن النوم وشك هل كان ممكنا أم لا فلا وضوء عليه.
المسألة الثالثة نام جالسا فزالت ألياه أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه 43 390 انتقض؛ لأنه مضى لحظة وهو نائم غير ممكن، وإن زالت بعد الانتباه أو معه، أو لم يدر أيهما سبق لم ينتقض؛ لأن الأصل الطهارة .
المسألة الرابعة نام ممكنا مقعده من الأرض مستندا إلى حائط أو غيره لا ينتقض وضوءه، سواء أكان بحيث لو وقع الحائط لسقط أم لا، وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا.
المسألة الخامسة قليل النوم وكثيره عندنا سواء، نص عليه الشافعي والأصحاب، فنوم لحظة ونوم يومين سواء في جميع التفصيل والخلاف.
المسألة السادسة قال أصحابنا لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا أو غيره من الحالات بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو غيرها متمكنا، وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب فلا ينتقض الوضوء بشيء من ذلك، نص عليه الشافعي في الأم، واتفق عليه الأصحاب.
ولو نام محتبيا -وهو أن يجلس على ألييه رافعا ركبتيه محتويا عليهما بيديه أو غيرهما- ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والروياني أحدها لا ينتقض كالمتربع، والثاني ينتقض كالمضطجع، والثالث إن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق ألياه على الأرض انتقض وإلا فلا، والمختار الأول.
المسألة السابعة إذا نام مستلقيا على قفاه وألصق ألييه بالأرض فإنه يستبعد خروج الحدث منه، ولكن اتفق الأصحاب على أنه ينتقض وضوءه؛ لأنه ليس كالجالس الممكن، فلو استثفر وتلجم بشيء فالصحيح المشهور الانتقاض أيضا .
146- وقال الحنابلة النوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام
أ- نوم المضطجع فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم.
ب- ونوم القاعد إن كان كثيرا نقض، وإن كان يسيرا لم ينقض.
واستدلوا بعموم حديث ( "فإذا نامت العينان استطلق الوكاء" ) وحديث ( "فمن نام فليتوضأ". )
وقول صفوان بن عسال -رضي الله عنه- ( "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من 43 391 غائط وبول ونوم" ) وقالوا وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس -رضي الله عنه- "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون" وليس فيه بيان كثرة ولا قلة، فإن النائم يخفق رأسه في يسير النوم، فهو يقين في اليسير فيعمل به، وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن، ولأنه نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه، ولا يحس بخروجه منه، بخلاف اليسير، ولا يصح قياس الكثير على اليسير لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث، وعن الإمام أحمد ينقض، وعنه لا ينقض نوم الجالس ولو كان كثيرا.
واختاره الشيخ ابن تيميه، وحكي عنه لا ينقض غير نوم المضطجع.
ج- وما عدا هاتين الحالتين هو "نوم القائم والراكع والساجد" فروي عن أحمد في جميع ذلك روايات إحداهما ينقض وهو المذهب؛ لأنه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نص، ولا هو في معنى المنصوص؛ لكون القاعد متحفظا لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض، والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما.
والثانية لا ينقض إلا إذا كثر، وعليه جمهور الأصحاب.
والثالثة لا ينقض نوم الراكع، وينقض نوم الساجد .
وأما نوم القاعد المستند والمحتبي فقد اختلف الحنابلة في أثره على الوضوء.
فالصحيح من المذهب أنه ينقض يسيره؛ لأنه معتمد على شيء فهو كالمضطجع .
وعن أحمد لا ينقض يسيره.
قال أبو داود سمعت أحمد قيل له الوضوء من النوم؟ قال إذا طال، قيل فالمحتبي؟ قال يتوضأ، قيل فالمتكئ؟ قال الاتكاء شديد، والمتساند كأنه أشد -يعني من الاحتباء- ورأى منها كلها الوضوء إلا أن يغفو قليلا .
43 392 وقال ابن قدامة والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير؛ لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله .
ثم اختلف علماء الحنابلة في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء.
فقال أبو يعلى ليس للقليل حد يرجع إليه، وهو على ما جرت به العادة، وقيل حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض، ومنها أن يرى حلما.
وقال ابن قدامة والصحيح أنه لا حد له؛ لأن التحديد إنما يعرف بتوقيف، ولا توقيف في هذا، فمتى وجدنا ما يدل على الكثرة مثل سقوط المتمكن وغيره انتقض وضوءه، وإن شك في كثرته لم ينتقض وضوءه؛ لأن الطهارة متيقنة فلا تزول بالشك .
وقال من لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه؛ لأن النوم الغلبة على العقل، وقال بعض أهل اللغة في قوله تعالى { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } هي ابتداء النعاس في الرأس، فإذا وصل إلى القلب صار نوما، ولأن الناقض زوال العقل، ومتى كان ثابتا وحسه غير زائل، مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه فلم يوجد سبب النقض من حقه.(/2)
وإن شك هل نام أم لا أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا هو أم حديث نفس؟ فلا وضوء عليه .
الرأي الثاني
147- حكي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- وأبي مجلز وحميد الأعرج وعمرو بن دينار أن النوم لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما ورد عن أنس -رضي الله عنه- قال ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون" )
وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، وقال ابن قدامة لعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه، والحدث مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك .
قال المرداوي نقل الميموني لا ينقض 43 393 النوم الوضوء بحال، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية إن ظن بقاء طهره، وقال الخلال هذه الرواية خطأ بين .
ب- الإغماء
ج- الجنون
د- السكر
ب- الإغماء
148- اتفق الفقهاء على أن الإغماء ينقض الوضوء، ومنه الغشي .
(ر إغماء، ف6).
ج- الجنون
149- اتفق الفقهاء على أن الجنون قليلا كان أو كثيرا ينقض الوضوء .
(ر جنون، ف10).
د- السكر
150- اتفق الفقهاء على أن السكر ناقض للوضوء .
(ر حدث ف11).
رابعا مس فرج الآدمي
خامسا التقاء بشرتي الرجل والمرأة
رابعا مس فرج الآدمي
151- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس فرج الآدمي ذكرا كان أم أنثى أم خنثى، والتفصيل في مصطلح (حدث ف14، فرج ف5، 4، مس ف18، خنثى ف9).
خامسا التقاء بشرتي الرجل والمرأة
152- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس بشرة الرجل بشرة الأنثى، والتفصيل في مصطلح (حدث ف13، أنوثة ف21).
سادسا الردة
153- اختلف الفقهاء في كون الارتداد عن الإسلام -والعياذ بالله تعالى- ناقضا للوضوء .
فذهب الحنفية والشافعية في الأصح وجماعة من المالكية والحنابلة في رواية إلى أن الردة بذاتها ليست من نواقض الوضوء، وإنما تكون محبطة للعمل في حال اتصالها بالموت، وعليه فمن ارتد وهو متوضئ ثم عاد إلى الإسلام لم ينتقض وضوءه بردته ذاتها إن لم يكن انتقض لسبب آخر.
ونص الشافعية على أن الردة إن اتصلت بالموت فهي محبطة للعمل والثواب وإن لم تتصل به فهي محبطة للثواب دون العمل، بمعنى أن من ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه لا يثاب على علمه السابق ولا يطالب بإعادته، 43 394 ومن اتصلت ردته بالموت لم يثب أيضا.
وقال المالكية في المعتمد عندهم والحنابلة في الصحيح من المذهب والشافعية في وجه إن الردة عن الإسلام تنقض الوضوء، لقول الله تعالى { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } فمن كان على وضوء وارتد انتقض هذا الوضوء بالردة ذاتها وبمجرد حدوثها؛ لأن الوضوء عمل فيحبط بنص الآية، ولأن الوضوء عبادة يفسدها الحدث فأفسد الشرك كالصلاة والتيمم، وقالوا الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يستحيل منه الردة شرعا، فقد علم الله -تعالى- أنه صلى الله عليه وسلم لا يشرك ولا يقع منه إشراك.
وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم ندب الوضوء من الردة .
وقال الصاوي معنى إحباط العمل من حيث الثواب، ولا يلزم من بطلان ثوابه إعادته، فلهذا لا يطالب بعدها بقضاء ما قدمه من صلاة وصيام، وإنما وجب الوضوء على القول المعتمد؛ لأنه صار بعد توبته -أي عودته إلى الإسلام- بمنزلة من بلغ حينئذ، فوجب عليه الوضوء لموجبه، وهو إرادة القيام إلى الصلاة .
سابعا القهقهة في الصلاة
154- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء، وتفسد الصلاة.
واستحب الشافعية الوضوء من الضحك في الصلاة .
وذهب الحنفية -وهو ما روي عن الحسن والنخعي والثوري - إلى أن القهقهة في صلاة كاملة -وهي ما لها ركوع وسجود- تنقض الوضوء، وتفسد الصلاة .
(ر حدث ف15- 16، قهقهة ف4- 5).
ثامنا أكل ما مسته النار
43 395 ثامنا أكل ما مسته النار
155- اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار على قولين
أحدهما لا يجب الوضوء بأكل شيء مما مسته النار، وبه قال جمهور العلماء، وهو محكي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة -رضي الله عنهم-، وبه قال جمهور التابعين والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
واحتجوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم ( "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ" ) وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما- يعني الخارج النجس ولم يوجد، وبما روى جابر -رضي الله عنه- قال ( "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار" )
والثاني يجب الوضوء مما مسته النار، وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة ابن عمر وأبي طلحة وأبي موسى وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، واحتجوا بما رواه زيد بن ثابت وأبو هريرة وعائشة -رضي الله عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( "توضئوا مما مست النار" )
تاسعا الوضوء من أكل لحم الجزور
156- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور والإبل، على قولين(/3)
43 396 الأول يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية في الجديد الصحيح والحنابلة في قول) وهو ما حكي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة -رضي الله عنهم- أنه لا ينقض الوضوء كأكل سائر الأطعمة .
ولحديث ( "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" )
قال ابن عباس -رضي الله عنه- الوضوء مما يخرج، يعني الخارج من النجس ولم يوجد، قال الكاساني والمعنى في المسألة أن الحدث هو خروج النجس حقيقة أو ما هو سبب الخروج ولم يوجد.
الثاني يجب الوضوء من أكل لحم الجزور خاصة لا فرق بين قليله وكثيره، وكونه نيئا أو غير نيئ، وهو قول الشافعي في القديم، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وحكاه الماوردي عن جماعة من الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي هريرة وعائشة، وحكاه ابن المنذر عن جابر الصحابي رضي الله عنه، ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة، واختاره ابن خزيمة وابن المنذر .
واحتجوا بحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه- ( "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ، قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم، فتوضأ من لحوم الإبل" )
وعن البراء -رضي الله عنه- ( "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال توضئوا منها" )
وللحنابلة في نقض الوضوء بأكل لحوم الإبل تفصيل
فالمذهب أن الوضوء ينتقض بأكل لحوم الجزور، سواء علمه أو جهله، وسواء كان نيئا 43 397 أو مطبوخا، وسواء كان عالما بالحديث الوارد في ذلك أو لا؟
وعن أحمد ينقض نيئه دون مطبوخه، وعنه لا ينقض مطلقا، اختاره يوسف الجوزي والشيخ تقي الدين ابن تيميه .
وعنه إن علم النهي نقض وإلا فلا، اختاره الخلال وغيره .
واختلف الحنابلة كذلك بنقض الوضوء ببقية أجزاء الإبل كأكل سنامها ودهنها وقلبها وكبدها وطحالها وكرشها ومصرانها.
فالمذهب أنه لا ينقض؛ لأن النص لا يتناوله، والثاني ينقض .
وصرحوا بأن الوضوء لا ينتقض بشرب لبن الإبل وشرب مرق لحمها؛ لأن الأخبار إنما وردت في اللحم، والحكم فيه غير معقول المعنى، فيقتصر على ما ورد النص فيه، وعن أحمد ينقض شرب لبنها .
(ر حدث ف17) .
عاشرا- أكل الأطعمة المحرمة
157- اختلف الحنابلة في انتقاض الوضوء بأكل الطعام المحرم
فقد ورد عن الإمام أحمد ينقض الوضوء الطعام المحرم، وعنه ينقض اللحم المحرم مطلقا، وعنه ينقض لحم الخنزير فقط.
وقال أبو بكر وبقية النجاسات تخرج عليه.
والمذهب عند الحنابلة أنه لا نقض بأكل ما سوى لحم الإبل من اللحوم، سواء كانت مباحة أو محرمة كلحوم السباع، لكون النقض بلحم الإبل تعبدي؛ فلا يتعدى إلى غيره.
قال المرداوي ظاهر كلام المصنف أن أكل الأطعمة المحرمة لا ينقض الوضوء، وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه الأصحاب .
حادي عشر غسل الميت
158- لم يذكر جمهور الفقهاء غسل الميت ضمن نواقض الوضوء.
ونص الحنفية على أنه يستحب الوضوء بعد غسل الميت.
43 398 والصحيح من المذهب عند الحنابلة أن غسل الميت ينقض الوضوء.
ولبعض الحنابلة احتمال بعض النقض إذا غسله الغاسل في قميص .
(ر حدث ف18).
ثاني عشر الشك في الوضوء أو عدمه
159- اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بالشك
فذهب المالكية إلى أن من نواقض الوضوء الشك؛ لأن الذمة لا تبرأ مما طلب منها إلا بيقين، ولا تعين عند الشاك، والمراد باليقين ما يشمل الظن.
وللشك الموجب للوضوء عندهم ثلاث صور
الأولى أن يشك بعد علمه بتقدم طهره، هل حصل منه ناقض من حدث أو سبب أم لا؟
والثانية أن يشك بعد علم حدثه، هل حصل منه وضوء أم لا؟
والثالثة علم كلا من الطهر والحدث، وشك في السابق منهما .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشك في بقاء الوضوء أو عدمه ليس من نواقض الوضوء، فمن أيقن أنه كان متوضئا، وشك في حدوث ناقض للوضوء، وعكسه وهو من أيقن أنه كان محدثا وشك في طروء الوضوء.. عمل بيقينه في كلتا الحالتين وهو السابق منهما، قال في فتح القدير كما نقل ابن عابدين إلا إن تأيد اللاحق؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فمن ظن الضد -أي ضد اليقين- لا يعمل بظنه؛ لأن استصحاب اليقين أقوى منه، فعلم بذلك أن المراد باليقين استصحابه، وإلا فاليقين لا يجامعه شك، ولخبر مسلم ( "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" ) 43 399
ثالث عشر- الغيبة والكلام القبيح
160- حكي عن أحمد رواية أن الوضوء ينتقض بالغيبة.
وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها .
وورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت "يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها" .(/4)
نَفْل
التعريف
نَفْل
التعريف
1- من معاني النفل - بسكون الفاء وقد تحرك- في اللغة الزيادة ، والنفل والنافلة ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه .
قال الله تعالى { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ }
وأما في الاصطلاح فقد عرفه إبراهيم الحلبي الحنفي بأنه العبادة التي ليست بفرض ولا واجب ، فهي العبادة الزائدة على ما هو لازم ، فتعم السنن المؤكدة والمستحبة والتطوعات غير المؤقتة .
وقال الدسوقي النفل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يداوم عليه ، أي يتركه في بعض الأحيان ويفعله في بعض الأحيان .
41 101 وعند الشافعية النفل هو ما عدا الفرائض - أي من الصلاة وغيرها كالصوم والصدقة - وهو ما طلبه الشارع طلبا غير جازم ، ويعبر عنه بالسنة والمندوب والحسن والمرغب فيه والمستحب والتطوع ، فهي بمعنى واحد لترادفها على المشهور .
الألفاظ ذات الصلة
السنة
الألفاظ ذات الصلة
السنة
2- السنة في اللغة الطريقة والسيرة ، يقال سنة فلان كذا أي طريقته وسيرته ، حسنة كانت أو سيئة .
وأما في الاصطلاح فقد عرفها إبراهيم الحلبي بأنها الطريقة المرضية المسلوكة في الدين من غير إلزام على سبيل المواظبة .
وقال الدسوقي السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره حالة كونه في جماعة وداوم عليه ولم يدل دليل على وجوبه .
وأما الصلة بين النفل والسنة فقد قال الشرنبلالي النفل أعم ، إذ كل سنة نافلة ولا عكس .
فضل النفل
فضل النفل
3- تدل السنة النبوية على أن إدامة النوافل بعد أداء الفرائض تفضي إلى محبة الله تعالى للعبد وصيرورته من جملة أوليائه الذين يحبهم ويحبونه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه )
فقد قسم الله تعالى أولياءه المقربين إلى قسمين
أحدهما من تقرب إليه بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات ، وترك 41 102 المحرمات ، لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها الله على عباده .
والثاني من تقرب إليه بعد الفرائض بالنوافل .
ومن أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم ، قال خباب بن الأرت رضي الله عنه لرجل تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك لست تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه . ومن ذلك كثرة ذكر الله الذي يتواطأ عليه القلب واللسان ، فقد ورد ( عن معاذ رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال "أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله ) وتدل الأحاديث النبوية كذلك على أن الله سبحانه وتعالى يكمل للعبد ما ترك من الفرائض بفضل النوافل ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك )
قال العراقي يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية ، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله فيها وإنما فعله في التطوع ، ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضا من فروضها وشروطها ، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسا فلم يصله فيعوض عنه من التطوع ، والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عن الصلوات المفروضة .
وقال ابن العربي يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بفضل 41 103 التطوع ، ويحتمل ما نقصه من الخشوع ، والأول عندي أظهر لقوله صلى الله عليه وسلم- في بعض الروايات - ( ثم الزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك ) وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة ، وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم .
المفاضلة بين الفرض والنفل
المفاضلة بين الفرض والنفل
4- لا خلاف بين الفقهاء في أن الفرض أفضل من النفل ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) وقال إمام الحرمين قال الأئمة خص الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإيجاب أشياء لتعظيم ثوابه ، فإن ثواب الفرائض يزيد على ثواب المندوبات بسبعين درجة .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أفضل الأعمال أداء ما افترض الله ، والورع عما حرم الله ، وصدق النية فيما عند الله عز وجل ، وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم .
5- واستثنى الفقهاء من أصل أفضلية الفرض على النفل أمورا وذكروا صورا للنوافل التي فضلها الشرع على الواجبات منها
أ- إبراء المعسر فإنه أفضل من إنظاره ، وإنظاره واجب ، وإبراؤه مستحب .
هذه الصورة ذكرها ابن نجيم وابن السبكي والقرافي .
ب- ابتداء السلام فإنه سنة ، والرد واجب والابتداء أفضل ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )
41 104 ج- الوضوء قبل الوقت مندوب ، وهو أفضل من الوضوء بعد الوقت وهو الفرض .
وذكر هاتين الصورتين الحنفية والشافعية .
وذكر الشافعية أن الأذان سنة ، وهو على ما رجحه النووي أفضل من الإمامة وهي فرض كفاية أو عين .
وذكر المالكية الصور الآتية(/1)
أ- صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة ، أي بسبع وعشرين مثوبة مثل مثوبة صلاة المنفرد ، وهذه السبع والعشرون مثوبة هي مضافة لوصف صلاة الجماعة خاصة ، ألا ترى أن من صلى وحده ثم صلى في جماعة حصلت له ، مع أن الإعادة في جماعة غير واجبة ، فصار وصف الجماعة المندوب أكثر ثوابا من ثواب الصلاة الواجبة ، وهو مندوب فَضُل واجبا ، فدل ذلك على أن مصلحته عند الله أكثر من مصلحة الواجب . ب- الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة في غيره بألف مثوبة مع أن الصلاة فيه غير واجبة ، فقد فضل المندوب الذي هو الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب الذي هو أصل الصلاة .
ج- الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره ، مع أن الصلاة فيه غير واجبة ، فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة من حيث هي صلاة .
د- الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة ، مع أن الصلاة فيه غير واجبة ، فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة .
هـ- روي أن صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك ، مع أن وصف السواك مندوب إليه ليس بواجب ، فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة .
و- الخشوع في الصلاة مندوب إليه لا يأثم تاركه . فهو غير واجب مع أنه قد ورد ( عن أبي قتادة قال "بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال "ما شأنكم ؟ قالوا استعجلنا إلى الصلاة . قال فلا تفعلوا ، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا ) وفي 41 105 حديث آخر ( وما فاتكم فاقضوا )
قال بعض العلماء إنما أمر بعدم الإفراط في السعي ، لأنه إذا قدم على الصلاة عقيب شدة السعي يكون عنده انبهار وقلق يمنعه من الخشوع اللائق بالصلاة ، فأمره عليه الصلاة والسلام بالسكينة والوقار واجتناب ما يؤدي إلى فوات الخشوع وإن فاتته الجمعة والجماعات ، وذلك يدل على أن الخشوع أعظم من مصلحة وصف الجمعة والجماعات مع أن الجمعة واجبة ، فقد فضل المندوب الواجب في هذه الصورة فهي على خلاف القاعدة العامة التي تقدم تقريرها التي شهد لها الحديث في قوله تعالى ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )
لزوم النفل بالشروع
لزوم النفل بالشروع
6- اتفق الفقهاء على لزوم إتمام حج النفل والعمرة بعد الشروع فيهما .
كما اتفقوا على أن من نوى الصدقة بمال مقدر ، وشرع في الصدقة به ، فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه .
وإنما اختلفوا في لزوم إتمام النفل من الصلاة والصوم بعد الشروع فيهما .
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه من شرع في صلاة النفل أو في صوم النفل يؤاخذ بالمضي فيه ، ولو لم يمض يؤاخذ بالقضاء ، لأن المؤدى موصوف بأنه لله تعالى ، وقد صار مسلّما بالأداء ، ولهذا لو مات كان مثابا على ذلك ، فيجب التحرز عن إبطاله مراعاة لحق صاحب الحق ، وهذا التحرز لا يتحقق إلا بالإتمام فيما لا يحتمل الوصف بالتجزي عبادة ، فيجب الإتمام لهذا وإن كان في نفسه نفلا ، ويجب القضاء إذا أفسده لوجود التعدي فيما هو حق الغير بمنزلة المنذور ، فالمنذور في الأصل مشروع نفلا ، ولهذا لا يكون مستداما كالنوافل ، إلا أنه 41 106 لمراعاة التسمية بالنذر يلزمه أداء المشروع نفلا ، فإذا وجب الابتداء لمراعاة التسمية فلأن يجب الإتمام لمراعاة ما وجد منه الابتداء ابتداء كان أولى ، وهو نظير الحج فإن المشروع منه نفلا يصير واجب الأداء لمراعاة التسمية حقا للشرع ، فكذلك الإتمام بعد الشروع في الأداء يجب حقا للشرع .
وقد روي عن أحمد في الصلاة ما يدل على أنها تلزم بالشروع ، فإن الأثرم قال قلت لأبي عبد الله الرجل يصبح صائما متطوعا فيكون بالخيار ، والرجل يدخل في الصلاة له أن يقطعها ؟ فقال الصلاة أشد أما الصلاة فلا يقطعها ، قيل له فإن قطعها قضاها ؟ قال فإن قضاها فليس فيه اختلاف ، ومال أبو إسحاق الجوزجاني إلى هذا القول ، وقال الصلاة ذات إحرام وإحلال فلزمت بالشروع فيها .
وأضاف الحنفية أنه إذا افتتح التنفل بالصلاة حالة الطلوع والغروب والانتصاف ثم أفسدها لزمه القضاء في ظاهر الرواية .
ولو شرع في صوم يوم النحر وأيام التشريق ثم أفسده لم يلزمه القضاء .
والفرق أن النهي إنما ورد عن الصلاة في هذه الأوقات ، والصلاة إنما هي أركان مثل القيام والركوع والسجود ، فابتداء الافتتاح ليس بصلاة ، فلم يوجد ما هو المنهي عنه ، فجاز أن يلزمه .
وليس كذلك الصوم لأن النهي ورد في صوم يوم النحر ، وابتداء الصوم صوم ، لأن الصوم ليس هو إلا الإمساك ، فوجد الفعل المنهي عنه ، فجاز أن لا يثبت حكمه ولا يؤمر بإتمامه .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن من تلبس بنفل - غير حج وعمرة - فله قطعه ولا قضاء عليه إذا خرج منه ، واستدلوا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم النفل ( الصائم المتطوع أمين نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ) وقال والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم . .
وقاسوا الصلاة على الصوم وقالوا يقاس بذلك بقية النوافل غير الحج والعمرة كاعتكاف وطواف ووضوء وقراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها والتسبيحات عقب الصلاة ، ولئلا يغير الشروع حكم المشروع فيه .
41 107 وصرح الشافعية بأنه يكره الخرج من النفل غير الحج والعمرة بلا عذر ، لظاهر قوله تعالى { وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه .(/2)
وقال السيوطي ليس لنا نفل مطلق يستحب قضاؤه إلا من شرع في نفل صلاة أو صوم ثم أفسده ، فإنه يستحب له قضاؤه .
وقال الحنابلة يستحب لمن شرع في النفل إتمامه ، وإن خرج منه استحب قضاؤه للخروج من الخلاف وعملا بالخبر الذي رواه المخالفون .
تنفل من عليه فرض من جنسه قبل أدائه
تنفل من عليه فرض من جنسه قبل أدائه
7- يرى الحنفية أنه يكره التنفل بالصلاة لمن عليه الفوائت ، وأما التنفل بالصوم قبل قضاء رمضان فيجوز عندهم من غير كراهة .
وقالوا من نوى الحج وعينه نفلا فيقع نفلا وإن لم يكن حجّ للفرض ، وكذا لو نوى الحج عن الغير أو النذر كان عما نوى وإن لم يحج للفرض ، لأن الفرض لا يتأدى بنية النفل ، وهو الصحيح المعتمد المنقول الصريح عن أبي حنيفة وأبي يوسف ، وروي عن الثاني وقوعه عن حجة الإسلام كأنه قاسه على الصيام .
وصرح المالكية بأنه يحرم التنفل لمن عليه فوائت من الصلاة حتى تبرأ ذمته مما عليه ، لاستدعائه التأخير ، واستثنوا من هذا الحكم السنن كوتر وعيد والشفع المتصل بالوتر وركعتي الفجر .
وقالوا يكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب كالمنذور والقضاء والكفارة ، وذلك لما يلزم من تأخير الواجب وعدم فوريته .
وصرحوا بأن من نوى وقت إحرامه للحج النفل وقع نفلا والفرض باق عليه .
وجاء في مغني المحتاج نقلا عن الجرجاني يكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بصوم .
وقال الزركشي ليس له التطوع بالحج 41 108 قبل أداء الفرض فلو فعل انصرف إلى الفرض .
وقال ابن حجر الهيتمي لا يجوز لمن عليه فائتة بغير عذر أن يصرف زمنا لغير قضائها كالتطوع ، قال الشرواني ويصح التطوع في هذه الحالة مع الإثم خلافا للزركشي .
ويرى الحنابلة كراهة التنفل قبل قضاء الصلاة المكتوبة الفائتة ، واستثنوا من هذا الحكم ركعتي الفجر حيث قالوا باستحباب قضائهما قبل الفريضة .
وقال ابن قدامة اختلفت الرواية عن أحمد في جواز التطوع بالصوم ممن عليه صوم فرض ، فنقل عنه حنبل أنه قال لا يجوز له التطوع بالصوم وعليه صوم من الفرض حتى يقضيه يبدأ بالفرض ، وإن كان عليه نذر صامه يعني بعد الفرض .
واستدل بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه )
ثم قال ولأنه عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصح التطوع بها قبل أداء فرضها كالحج .
وروي عن أحمد أنه يجوز له التطوع ، لأنها عبادة تتعلق بوقت موسع فجاز التطوع في وقتها قبل فعلها ، كالصلاة يتطوع في أول وقتها .
وصرح الحنابلة بأنه إن أحرم بتطوع أو نذر من لم يحج حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام لأنه أحرم بالحج وعليه فرضه فوقع عن فرضه كالمطلق ، ولو أحرم بتطوع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة لأنها واجبة فهي كحجة الإسلام .
والعمرة كالحج فيما ذكر ، لأنها أحد النسكين فأشبهت الآخر ، والنائب كالمنوب عنه في هذا ، فمتى أحرم النائب بتطوع أو نذر عمن لم يحج حجة الإسلام وقعت عن حجة الإسلام ، لأن النائب يجري مجرى المنوب عنه .
نفل الصلاة
أ- النوافل المعينة
ب- النوافل المطلقة
نفل الصلاة
8- الصلاة على ضربين فرض ونفل .
فالفرض خمس في اليوم والليلة وسبق 41 109 تفصيل أحكامها في مصطلح ( الصلوات الخمس المفروضة ) .
وأما النوافل فتنقسم إلى معينة ومطلقة
أ- النوافل المعينة
9- النوافل المعينة تتعلق بسبب أو بوقت .
فأما النوافل المعينة التي تتعلق بسبب فهي الكسوفان ، والاستسقاء ، وركعتا الطواف ، وركعتا الإحرام ، وتحية المسجد ، وركعتان بعد الوضوء ، وصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة .
وأما النوافل المعينة التي تتعلق بالوقت فهي العيدان والتراويح ، والوتر ، والضحى ، وصلاة الأوابين ، وصلاة التهجد ، والسنن الرواتب .
ومن هذا الصنف إحياء العشر الأخير من رمضان ، وإحياء ليلتي العيدين ، وليلة الجمعة ، وأول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة القدر .
وقال الحنفية يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وغيرها .
وقال إبراهيم الحلبي إن كلا من صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة البراءة ليلة النصف من شعبان ، وصلاة القدر ليلة السابع والعشرين من رمضان بالجماعة بدعة مكروهة .
وتنظر التفاصيل المتعلقة بهذه النوافل في المصطلحات الخاصة بها وفي ( إحياء الليل ف 6 ) .
وأما حكم الجماعة في النوافل فينظر في ( صلاة الجماعة ف 8 ) .
ب- النوافل المطلقة
10- هي النوافل التي لا تتعلق بسبب ولا وقت ولا حصر لأعدادها .
عدد ركعات النوافل المطلقة
عدد ركعات النوافل المطلقة
11- صرح الشافعية والحنابلة بأن الأفضل في صلاة النفل في الليل والنهار أن يكون مثنى .
وأضاف الشافعية إذا شرع في نفل ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله أن يسلم من ركعتين فصاعدا ، ولو صلى عددا لا يعلمه ثم سلم صح ولو نوى ركعة أو عددا قليلا أو كثيرا فله ذلك ، ثم إذا نوى عددا 41 110 فله أن يزيد وله أن ينقص ، فمن أحرم بركعة فله جعلها عشرا ، أو بعشر فله جعلها واحدة بشرط تغيير النية قبل الزيادة والنقصان ، فلو زاد أو نقص قبل تغير النية عمدا بطلت صلاته .
وصرح الحنابلة بأن من تطوع بأربع نهارا فلا بأس لحديث أبي أيوب ( أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم ) وكون الأربع بتشهدين أولى من سردها لأنه أكثر عملا ، وإن زاد على أربع ركعات نهارا ، أو زاد على اثنتين ليلا ولو جاوز ثمانيا نهارا أو ليلا بسلام واحد صح ذلك وكره .(/3)
وقالوا يصح التنفل بركعة ونحوها كثلاث وخمس لقوله صلى الله عليه وسلم ( الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر ) وعن عمر رضي الله عنه أنه دخل المسجد فركع ركعة واحدة ، ثم انطلق فلحقه رجل فقال يا أمير المؤمنين ما ركعت إلا ركعة واحدة . قال هو التطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص .
وقال المالكية يستحب في النوافل بالليل والنهار أن تكون مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين فقد جاء في مواهب الجليل نقلا عن التلقين والاختيار في النفل مثنى مثنى .
وفي كتاب الصلاة الأول من المدونة في باب النافلة ما نصه وصلاة النافلة في الليل والنهار مثنى مثنى قال ابن ناجي هذا مذهب مالك باتفاق ، وقال ابن فرحون السنة في صلاة النافلة أن يسلم من كل ركعتين ، وأجاز ابن عرفة التنفل بأربع ، واستظهر الحطاب أنه مكروه ابتداء .
وقال أبو حنيفة الأفضل في نوافل الليل والنهار رباع لما ورد ( أن عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة رسول الله في 41 111 رمضان ؟ فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا ) ( وكان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا لا يفصل بينهن بسلام )
وعند أبي يوسف ومحمد الأفضل في النهار كما قال الإمام أربع وأربع وفي الليل مثنى مثنى ، قال في الدراية وفي العيون وبقولهما يفتى اتباعا للحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( صلاة الليل مثنى مثنى )
وأضاف الحنفية تكره الزيادة على أربع بتسليمة في نفل النهار ، والزيادة على ثمان ليلا بتسليمة واحدة ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزد عليه .
قال حسن الشرنبلالي هذا اختيار أكثر المشايخ ، وفي المعراج والأصح أنه لا يكره لما فيه من وصل العبادة ، وكذا صحح السرخسي عدم كراهة الزيادة عليها .
ويفرق الحنفية بين الرباعيات المؤكدة والرباعيات المندوبة إذ يقولون إن المصلي إذا قام للشفع الثاني من الرباعية المؤكدة لا يأتي في ابتداء الثالثة بدعاء الاستفتاح لأنها لتأكدها أشبهت الفرائض ، بخلاف الرباعيات المندوبة فيستفتح ويتعوذ ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء كل شفع منها .
وقالوا إذا صلى نافلة أكثر من ركعتين كأربع فأتمها ولم يجلس إلا في آخرها فالقياس فسادها وبه قال زفر وهو رواية عن محمد .
وفي الاستحسان لا تفسد لأنها صارت صلاة واحدة من ذوات الأربع ، وفيها الفرض الجلوس آخرها ويجبر ترك القعود على الركعتين ساهيا بالسجود ويجب العود إليه بتذكره بعد القيام ما لم يسجد .
41 112 وصرحوا بأن التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع .
المفاضلة بين طول القيام وبين كثرة الركعات في النافلة
المفاضلة بين طول القيام وبين كثرة الركعات في النافلة
12- لا خلاف بين الفقهاء في أن الكثير من الصلاة أفضل من القليل مع الاستواء في الطول .
واختلفوا في المفاضلة بين طول القيام وبين كثرة الركوع والسجود مع استواء الزمان .
فذهب الحنفية والشافعية والمالكية في أحد القولين والحنابلة في قول إلى أن تطويل القيام أفضل من تكثير الركعات لقوله عليه الصلاة والسلام ( أفضل الصلاة طول القنوت ) أي القيام ، ولأن القراءة تكثر بطول القيام ، وبكثرة الركوع والسجود يكثر التسبيح ، والقراءة أفضل منه ، ولأن القراءة ركن فكان اجتماع أجزائه أولى وأفضل من اجتماع ركن وسنة .
وذهب الحنابلة والمالكية في أظهر القولين . وجماعة من الشافعية ورواية عن محمد بن الحسن ، مع اختلاف الرواية عنه إلى أن كثرة الركوع والسجود - أي كثرة الركعات - أفضل من طول القيام لقوله صلى الله عليه وسلم ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدا ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( عليك بكثرة السجود لله ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من ركع ركعة أو سجد سجدة رفع بها درجة وحطت عنه بها خطيئة )
وقال إسحاق بن راهويه أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل ، وأما بالليل فتطويل القيام أفضل إلا أن يكون للرجل جزء 41 113 بالليل يأتي عليه ، فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ جزءه ويربح كثرة الركوع والسجود ، قال الترمذي إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف بالليل .
وقال أبو يوسف إنه إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن يكثر عدد الركعات ، وإلا فطول القيام أفضل ، لأن القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود .
الفصل بين الفريضة والنافلة
الفصل بين الفريضة والنافلة
13- ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يسن الفصل بين النافلة والفريضة ( لقول معاوية رضي الله عنه "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج )
قال البيهقي - فيما نقل عنه النووي - أشار الشافعي إلى أن المراد بالاضطجاع بعد ركعتي الفجر - الفصل بين النافلة والفريضة فيحصل بالاضطجاع والتحدث أو التحول من ذلك المكان أو نحو ذلك ، ولا يتعين الاضطجاع .
وذهب الحنفية إلى أن المستحب في حق الإمام والمقتدي والمنفرد وصل السنة بالمكتوبة من غير تأخير إلا أن الاستحباب في حق الإمام أشد حتى لا يؤدي تأخيره إلى الكراهة ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام )
بخلاف المقتدي والمنفرد .(/4)
وقالوا إذا تمت صلاة الإمام فهو مخير إن شاء انحرف عن يساره وإن شاء انحرف عن يمينه ، وإن شاء ذهب إلى حوائجه وإن شاء استقبل الناس بوجهه .
هذا إذا لم يكن بعد الصلاة المكتوبة التي أتمها تطوع كالفجر والعصر ، قال في الخلاصة وفي الصلاة التي لا تطوع بعدها كالفجر والعصر يكره المكث قاعدا في مكانه مستقبل القبلة .
فإن كان بعد المكتوبة تطوع يقوم إلى التطوع بلا فصل إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام 41 114 ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، ويكره تأخير السنة عن حال أداء الفريضة بأكثر من نحو ذلك القدر لحديث عائشة المتقدم قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام )
وقالوا إذا قام الإمام إلى التطوع لا يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة بل يتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينا أو شمالا أو يذهب إلى بيته فيتطوع ثمة .
وأضافوا لو تكلم الإمام بعد الفرض لا تسقط السنة لكن ثوابها أقل .
وقيل في الكلام أنه يسقط السنة .
قال الحلبي والأول أولى .
ونصوا على أن المقتدي والمنفرد إن لبثا في مكانهما الذي صليا فيه المكتوبة جاز ، وإن قاما إلى التطوع في مكانهما ذلك جاز أيضا والأحسن أن يتطوعا في مكان آخر غير مكان المكتوبة .
وذهب المالكية إلى أن المصلي يفصل بين الفريضة والنفل بالذكر الوارد .
النافلة من الصدقات
النافلة من الصدقات
14- صدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات لقوله تعالى { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها .
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )
وقد اختلف الفقهاء في حكم التصدق قبل أداء الواجبات من الزكوات والكفارات وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب والزوجات .
فيرى جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة أنه يحرم عليه ذلك .
والأصح عند الشافعية أنه يحرم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته أو يحتاج إليه لنفقة نفسه ولم يصبر على الإضافة أو ما 41 115 يحتاج إليه لدين لا يرجو له وفاء لخبر ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ) ( وابدأ بمن تعول ) ولأن كفايتهم فرض وهو مقدم على النفل .
ومقابل الأصح عندهم أنها غير مستحبة .
وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( صدقة ف 23 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي الصدقة منها ما نفعه متعد كالإصلاح ، وإعانة الرجل على دابته يحمله عليها أو يرفع متاعه عليها ، والكلمة الطيبة ويدخل فيها السلام وتشميت العاطس ، وإزالة الأذى عن الطريق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودفن النخامة في المسجد ، وإعانة ذي الحاجة الملهوف وإسماع الأصم ، والبصر للمنقوص بصره ، وهداية الأعمى أو غيره الطريق ، وجاء في بعض روايات حديث أبي ذر ( وبيانك عن الأرتم صدقة ) يعني من لا يطيق الكلام إما لآفة في لسانه أو لعجمة في لغته فيبين عنه ما يحتاج إلى بيانه .
ومنه ما هو قاصر النفع كالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل ، والمشي إلى الصلاة ، والجلوس في المساجد لانتظار الصلاة أو لاستماع الذكر ، والتواضع في اللباس والمشي والهدى ، والتبذل في المهنة واكتساب الحلال والتحري فيه .
صيام النافلة
صيام النافلة
15- صيام النافلة من أفضل الأعمال ويتأكد استحبابه في الأيام الفاضلة ، وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة وبعضها يوجد في كل شهر وبعضها في كل أسبوع .
أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم ، وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم وهي أوقات فاضلة .
وأما ما يتكرر في الشهر فأول الشهر وأوسطه وآخره ، ووسطه الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .
وأما في الأسبوع فالاثنين والخميس والجمعة ، قال الغزالي فهذه هي الأيام الفاضلة فيستحب فيها الصيام وتكثر الخيرات لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات .
وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصيام وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل .
41 116 والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم وقد يقتضي دوام الفطر وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم ، وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه ، وذلك لا يوجد ترتيبا مستمرا ، ولذلك روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ) ( وعن أنس كان لا تشاء تراه من الليل مصليا إلا رأيته ، ولا نائما إلا رأيته ) وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات .
وللتفصيل في أنواع صيام النافلة وما يستحب صيامه من الأيام وسائر الأحكام المتعلقة بالموضوع ( ر صوم التطوع من ف 7- 17 ) .
حج النفل
حج النفل
16- حج النفل من أفضل الأعمال ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ فقال "إيمان بالله ورسوله ، قيل ثم ماذا ؟ قال الجهاد في سبيل الله ، قيل ثم ماذا ؟ قال حج مبرور )(/5)
( وعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ألا نغزو ونجاهد معكم ؟ فقال "لا ، لكن أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور " قالت عائشة فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم )
ثم اختلف الفقهاء في المفاضلة بين حج النفل وبين غيره من أعمال البر فقال الحنفية بناء الرباط أفضل من حج النفل .
واختلفوا في المفاضلة بين الصدقة وحج النفل
41 117 فرجح صاحب البزازية أفضلية حج النفل لمشقته في المال والبدن جميعا ، قال وبه أفتى أبو حنيفة حين حج وعرف المشقة .
وفي الولوالجية المختار أن الصدقة أفضل لأن الصدقة تطوعا يعود نفعها على غيره والحج لا .
وذكر المالكية في المفاضلة بين الحج والجهاد أربع صور حيث قالوا إن الصور أربع لأن الحج والغزو إما فرضان أو متطوع بهما ، وإما أن يكون الحج فرضا والغزو تطوعا وإما عكسه ، فإن كان الجهاد متعينا بفجأة العدو أو بتعيين الإمام أو بكثرة الخوف كان أفضل من الحج سواء كان تطوعا أو واجبا وحينئذ فيقدم عليه ولو على القول بفورية الحج ، وإن كان الجهاد غير متعين كان الحج ولو تطوعا أفضل من الغزو ولو فرض كفاية وحينئذ فيقدم تطوع الحج على تطوع الغزو وهو الجهاد في الجهات الغير المخيفة ، وعلى فرضه الكفائي كالجهاد في الجهات المخيفة .
ويقدم فرض الحج على تطوع وعلى فرض الغزو الكفائي على القول بالفور ، وكذا على القول بالتراخي إن خيف الفوات ، فإن لم يخف يقدم فرض الغزو الكفائي على فرض الحج .(/6)
نَمَاء
التعريف
42 369 نَمَاء
التعريف
ا- النماء لغة الزيادة من نمى ينمى نَميا ونُميا ونَماء زاد وكثر ، والنماء الريع، ونمى الإنسان سمن، والنامية من الإبل السمينة يقال نمت الناقة إذا سمنت . ولا يخرج معنى النماء عند الفقهاء عن المعنى اللغوي .
الألفاظ ذات الصلة
أ- الريع
ب- الكسب
الألفاظ ذات الصلة
أ- الريع
2- الريع لغة من راع الطعام وغيره يريع ريعا وريوعا ورياعا وريعانا وأراع وريع، كل ذلك زكا وزاد، والريع النماء والزيادة . والريع عند الفقهاء هو الزيادة والفائدة والدخل الذي يحصل من الشيء والغلة كذلك . والعلاقة بين النماء والريع هي العموم والخصوص، فكل ريع يعد نماء وليس كل نماء ريعا .
ب- الكسب
3- الكسب لغة الربح من كسبت مالا ربحته . وفي الاصطلاح هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر . والعلاقة بين النماء والكسب أن الكسب سبب من أسباب النماء .
أقسام النماء
التقسيم الأول باعتبار المشروعية وعدمها
التقسيم الثاني باعتبار كون النماء طبيعيا أو غير طبيعي
التقسيم الثالث باعتبار الاتصال والانفصال
التقسيم الرابع حقيقي وتقديري
أقسام النماء
ينقسم النماء إلى تقسيمات عدة باعتبارات مختلفة نذكرها فيما يلي
التقسيم الأول باعتبار المشروعية وعدمها
4- النماء باعتبار المشروعية وعدمها ينقسم إلى قسمين
الأول نماء مشروع، وهو ما كان مقتصرا 42 370 على الوسائل المشروعة نحو التجارة والزراعة مع استيفاء شروطها الشرعية.
الثاني نماء غير مشروع، وهو ما كان طريق النماء فيه محرما كالربا والقمار والتجارة بالخمر. ويتعلق بهذا التقسيم أحكام تنظر في مصطلح ( إنماء ف 16 ).
التقسيم الثاني باعتبار كون النماء طبيعيا أو غير طبيعي.
5- النماء بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين
الأول نماء طبيعي كالسمن والولد.
الثاني نماء ناتج بعمل نحو الكاسب والبناء.
ويتعلق بهذا التقسيم أحكام تنظر في مصطلح ( إنماء ف 17 ، زيادة ف 5 ).
التقسيم الثالث باعتبار الاتصال والانفصال.
6- النماء من حيث الاتصال والانفصال ينقسم إلى قسمين
الأول نماء متصل كالوبر والسمن.
الثاني نماء منفصل كالولد والثمر.
ويتعلق بهذا التقسيم أحكام تنظر في مصطلح ( زيادة ف 5 ).
التقسيم الرابع حقيقي وتقديري
7- ينقسم النماء إلى حقيقي وتقديري
الأول النماء الحقيقي هو الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات.
الثاني النماء التقديري هو التمكن من الزيادة بكون المال في يده أو يد نائبه .
الأحكام المتعلقة بالنماء
أ- النماء في الزكاة
أولا اشتراط النماء في وجوب الزكاة
ثانيا زكاة نماء المال أثناء الحول
الأحكام المتعلقة بالنماء
يتعلق بالنماء أحكام منها
أ- النماء في الزكاة
أولا اشتراط النماء في وجوب الزكاة
8- صرح الحنفية بأنه يشترط في وجوب الزكاة في المال أن يكون المال ناميا حقيقة أو تقديرا .
وينظر تفصيل ذلك في ( زكاة ف 27 ).
ثانيا زكاة نماء المال أثناء الحول
9- اختلف الفقهاء في وجوب زكاة الزيادة التي تحصل للمال المزكي أثناء الحول، فذهب بعضهم إلى أنه يزكى بتزكية الأصل، وذهب آخرون إلى أنه يزكى لحاله.
42 371 وقد سبق تفصيله في مصطلح ( زكاة ف 30 ).
ب- النماء في الصداق
ب- النماء في الصداق
10- اختلف الفقهاء في حكم نماء الصداق بعد الطلاق قبل الدخول، فذهب الحنفية والمالكية إلى أن الزيادة تأخذ حكم الأصل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تكون للمرأة.
وتفصيل ذلك في ( زيادة ف 24 ).
ج- النماء في البيع
أولا نماء المبيع وأثره في خيار الشرط
ثانيا نماء المبيع في المرابحة
ثالثا تلف نماء المبيع
ج- النماء في البيع
أولا نماء المبيع وأثره في خيار الشرط
11- يرى الحنفية أن نماء الأصل يمنع رد المبيع في زمن الخيار ويسري هذا المنع على جميع أنواع الزيادة (النماء) سوى الزيادة المنفصلة غير المتولدة اتفاقا والزيادة المتصلة المتولدة على خلاف.
انظر مصطلح ( خيار الشرط ف 35- 37 ).
ثانيا نماء المبيع في المرابحة
12- اختلف الفقهاء فيما إذا نما المبيع في بيع المرابحة، فذهب بعضهم إلى أنه يتبع الأصل فيكون مرابحة، وذهب آخرون إلى أنه لا يتبعه.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( مرابحة ف 9 ).
ثالثا تلف نماء المبيع
13- إذا تلف نماء المبيع أو هلك وهو في يد البائع فهل يعد البائع ضامنا لتلف أو هلاك هذا النماء أم لا؟ خلاف بين الفقهاء. انظر تفصيله في مصطلح ( تلف ف 19 ، وضمان ف 33 ).
د- نماء المرهون
د- نماء المرهون
14- إذا نما المرهون فإن كانت الزيادة متصلة فلا خلاف في أنها تتبع الأصل وإن كانت منفصلة فقد اختلف الفقهاء في دخول النماء في الرهن، وإلى هذا ذهب بعضهم وقال آخرون لا يدخل في الرهن كالأصل (المرهون). تفصيله في مصطلح ( زيادة ف 22 ) ، ومصطلح ( رهن ف 15 ).
هـ- نماء المشفوع فيه
هـ- نماء المشفوع فيه
15- إذا نما المشفوع فيه عند المشتري قبل الأخذ بالشفعة فقد اختلف الفقهاء في حكمه فذهب بعضهم إلى أنه إذا كانت الزيادة متصلة فإنها تكون للشفيع وإن كانت منفصلة تكون للمشتري المأخوذ منه بالشفعة.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( زيادة ف 21 )
.
و- نماء المغصوب
و- نماء المغصوب
16- اختلف الفقهاء في ضمان نماء المغصوب هل يضمن ضمان الغصب فيضمنها 42 372 الغاصب بالتلف كالأصل أم أنها أمانة في يد الغاصب فلا يضمن إلا بالتعدي؟ خلاف في ذلك تفصيله في مصطلح ( ضمان ف 23، وغصب ف 12، 18 ).
ز- نماء التركة
ز- نماء التركة
17- نماء التركة ونتاجها إذا حصل بين الوفاة وأداء الدين هل يضم إلى التركة لمصلحة الدائنين أم هو للورثة؟(/1)
خلاف دين الفقهاء مبني على أن التركة قبل وفاء الدين المتعلق بها هل تنتقل إلى الورثة أم لا؟
وتفصيل ذلك في مصطلح ( تركة ف 14 ، وزيادة ف 25 ).
ح- نماء الموهوب
ح- نماء الموهوب
18- إذا نما الموهوب فإما أن يكون نماء منفصلا، وإما أن يكون نماء متصلا، فإن كان نماء منفصلا كالثمرة فإنه لا يؤثر في الرجوع في الهبة.
وإن كان نماء متصلا كان مانعا من الرجوع فيها عند بعض الفقهاء.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( زيادة ف 24، هبة ).(/2)
نُخَامَة
التعريف
40 125 نُخَامَة
التعريف
1 - النخامة في اللغة ما يخرج من صدر الإنسان أو خيشومه، من البلغم والمواد عند التنحنح .
والنخاعة هي النخامة كما قال المطرزي.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي فقد عرفها القليوبي بأنها الفضلة الغليظة تنزل من الدماغ أو تصعد من الباطن .
ونقل البعلي عن صاحب المطالع أن النخامة ما يلقيه الرجل من الصدر وهو البلغم .
الألفاظ ذات الصلة
أ- المخاط
الألفاظ ذات الصلة
أ- المخاط
2 - المخاط هو السائل من الأنف خاصة .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
والعلاقة بين النخامة والمخاط هي أن النخامة أعم من المخاط.
ب- القلس
ب- القلس
3 - القلس - بفتح القاف وسكون اللام- ما يخرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء فإذا غلب فهو القيء .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
والعلاقة بين النخامة والقلس أن النخامة أعم من القلس من حيث مكان خروجها.
الأحكام المتعلقة بالنخامة
النخامة من حيث الطهارة والنجاسة
الأحكام المتعلقة بالنخامة
تتعلق بالنخامة أحكام منها
النخامة من حيث الطهارة والنجاسة
4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن النخامة طاهرة إن نزلت من الرأس أو خرجت من الصدر أو من أقصى الحلق.
واختلفوا في حكم ما صعد من المعدة، فذهب الشافعية وأبو يوسف من الحنفية إلى أنها نجسة .
40 126 وذهب المالكية والحنابلة وهو المذهب عند الحنفية إلى أنها طاهرة، لأنها تخلق من البدن كنخامة الصدر والرأس ولأن ( رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ النخامة- وهو في الصلاة- بطرف ردائه )
ولهذا لا ينقض الوضوء بصعودها وإن خرجت من المعدة .
ابتلاع النخامة في الصوم
ابتلاع النخامة في الصوم
5 - اختلف الفقهاء في حكم ابتلاع النخامة في الصوم فذهب بعضهم إلى تحريم ذلك وفساد الصوم به وخالفهم آخرون وهذا في الجملة.
والتفصيل في (مصطلح صوم ف 79 ).
التنخم في المسجد
التنخم في المسجد
6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يحرم إلقاء النخامة ونحوها في أرض المسجد وعلى جدرانه وعلى حصيره، بل يجب أن يصان المسجد عن كل قذر وقذارة وإن لم تكن نجسا كالنخامة ونحو ها .
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ) " .
وكتب الخطيئة بمجرد البصاق يدل دلالة واضحة على أنها حرام، ولكنها تزول بالدفن وتبقى بعدمه .
وان كانت على حائطه وجب إزالتها وتطييب موضعها لفعله عليه الصلاة والسلام .
وورد " ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحكها فقال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قتل وجهه ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ) " وجاء في الفتاوى الهندية فإن اضطر إلى إلقائها في المسجد كان إلقاؤها فوق الحصير أهون من إلقائها تحته لأن الحصير ليس بمسجد حقيقة .
40 127 وإن لم يكن حصير فيه يدفنه في التراب ولا يتركه على وجه الأرض .
وقال المالكية إن البصق في أرض المسجد مكروه مع حكه. وعن الإمام مالك رحمه الله أنه قال إن كان محصبا فلا بأس أن يبصق بين يديه، وعن يساره، وتحت قدمه ويدفنه وإن كان لا يقدر على دفنه فلا يبصق في المسجد بحال سواء كان مع ناس أو وحده .(/1)
وَرِك
التعريف
وَرِك
التعريف
1 ـ الوَرِك في اللغة بفتح الواو وكسر الراء مؤنثة ويجوز فيه التخفيف بكسر الواو وسكون الراء ، وللإنسان وركان وهما فوق الفخذين كالكتفين فوق العضدين . يقال قعد متوركاً أي متكئاً على إحدى وركيه .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
الألفاظ ذات الصلة
الفخذ
الألفاظ ذات الصلة
الفخذ
2 ـ من معاني الفخذ في اللغة بكسر الخاء وسكونه أنها اسم للعضو الذي بين الركبة والورك ، وهي مؤنثة وجمعها أفخاذ .
وتفخذ الرجل المرأة وفخذها تفخيذاً وفاخذها جلس بين أو فوق فخذيها كجلوس المجامع ، وربما استمنى بذلك ، وامرأة فخذاء 43 117 مثل حمراء تضبط الرجل بين فخذيها .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي ، والعلاقة بين الورك والفخذ أن كلاًّ منهما جزء من رجل الإنسان .
الأحكام المتعلقة بالورك
أ ـ التورك في الصلاة
الأحكام المتعلقة بالورك
تتعلق بالورك أحكام منها
أ ـ التورك في الصلاة
3 ـ اتفق الفقهاء على استحباب التورك في الجلوس للتشهد في الصلاة من حيث الجملة ، إلا أنهم اختلفوا في أي تشهد يستحب ذلك ولمن من المصلين يستحب له ذلك .
فذهب المالكية إلى أنه يكون في كل جلوس في الصلاة .
وقال الشافعية والحنابلة يكون في التشهد الأخير في الصلاة .
لكن قال الحنابلة لا يستحب التورك إلا في التشهد الأخير في صلاة فيها تشهدان أصليان ، كالجلوس للتشهد الثاني في صلاة ثلاثية أو رباعية ، لما رواه أبو حميد ـ رضي الله عنه ـ ( في صفة صلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى إذا كان في السجدة التي فيها التسليم أخرج رجليه وجلس على شقه الأيسر متوركاً )
قال البهوتي فإنه وصف جلوسه في التشهد الأول مفترشاً وفي الثاني متوركاً وهذا بيان الفرق بين التشهدين وزيادة يجب الأخذ بها ، والمصير إليها .
قالوا وهذا لأن التشهد الثاني إنما تورك فيه للفرق بين التشهدين ، وما ليس فيه إلاّ تشهد واحد لا اشتباه فيه ، فلا حاجة إلى الفرق . وحينئذ لا يسن عندهم التورك لتشهد صلاة الصبح وصلاة الجمعة وصلاة التطوع .
لأن التشهدات في هذه الصلوات ليست مسبوقة بتشهد أول وإن أعقبها سلام ، ما لم يكن فيها سجود السهو .
فإن كان فيها سجود سهو فقد اختلفت آراء الحنابلة في التورك فيها .
43 118 قال ابن قدامة قيل لأبي عبد الله فما تقول في تشهد سجود السهو ؟ فقال يتورك فيه هو من بقية الصلاة ، يعني إذا كان من السجود في صلاة رباعية لأن تشهدها يتورك فيه وهذا تابع له .
وقال القاضي يتورك في كل تشهد لسجود السهو بعد السلام سواء كانت الصلاة رباعية أو ركعتين ، لأنه تشهد ثان في الصلاة ويحتاج إلى الفرق بينه وبين تشهد صلب الصلاة . وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يجيء فيدرك مع الإمام ركعة فيجلس في الرابعة أيتورك معه الرجل الذي جاء في هذه الجلسة ؟ فقال إن شاء تورك ، قلت فإذا قام يقضي يجلس في الرابعة هو ، فينبغي له أن يتورك ؟ فقال نعم يتورك ، هذا لأنها هي الرابعة له .
وذهب الحنفية إلى التفريق بين الرجل والمراة ، فالرجل يسن له الافتراش ، والمرأة يسن لها التورك ، لا فرق في ذلك بين التشهد الأول والتشهد الأخير .
وينظر التفصيل في مصطلحات ( صلاة ف80 ، وجلوس ف13 ، وتورك ف2 ) .
ب ـ وجوب القصاص في قطع الرجل من الورك
ب ـ وجوب القصاص في قطع الرجل من الورك
4 ـ اتفق الفقهاء في الجملة على أنه يجب القصاص في قطع الرجل من أصل الورك لإمكان المماثلة لأنه جرح ينتهي إلى مفصل وذلك إذا توفرت فيه شروط وجوب القصاص في الأطراف والجراحات .
والتفصيل في مصطلح ( فخذ ف4 ، جناية على ما دون النفس ف4 وما بعدها ، قصاص ف35 وما بعدها ، عظم ف5 ) .
ج ـ دية الورك
ج ـ دية الورك
5 ـ اختلف الفقهاء في دية الرجل إذا قطعت من الورك .
فذهب جمهور الفقهاء ( المالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية وابن أبي ليلى والنخعي وقتادة ) إلى أن دية الرجل سواء قطعت من مفصل الكعبين أو من مفصل الركبة أو من مفصل الفخذ ( الورك ) لا تختلف ، وأنها خمسون من الإبل لحديث عمرو بن حزم ـ رضي الله عنه ـ " ( وفي الرجل الواحدة نصف الدية ) " ، والرجل عبارة عن العضو 43 119 المخصوص من رءوس الأصابع إلى الورك .
ولأن ما ليس له أرش مقدر إذا اتصل بما له أرش مقدر يتبعه في الأرش ، ولأنه إذا قطع الرجل من الورك فما قطع إلا رجلاً لأن جميع ذلك في عرف الناس يسمى رِجلاً فلا يلزمه أكثر من ديتها .
وذهب أبو حنيفة ومحمد والشافعية والقاضي من الحنابلة إلى أنه يجب فيما فوق الكعبين من الساق والفخذ حكومة مع دية القدم ، فإذا قطعها من الورك أومن الركبة وجبت عليه نصف الدية وحكومة العدل لما زاد ، لأن اسم الرجل لها إلى الكعبين ، وما فوق الكعبين ليس بتابع لهما فتجب فيه حكومة العدل كما لو قطعه بعد قطع القدم من الكعبين .
وهذا الخلاف يجري فيما إذا قطع الرجل من الركبة أو من الورك مرة واحدة .
فأما إذا قطعها من الكعبين ثم قطعها من الركبة أو من الورك فيجب في المقطوع ثانياً حكومة بلا خلاف ، لأنه وجبت عليه دية الرجل بالقطع الأول فوجبت بالثاني حكومة .
كما لو قطع حشفة الذكر ، ثم قطع بقيته أو لو فعل ذلك شخصان ( انظر ديات ف48 ) .(/1)
وسط
التعريف
وسط
التعريف
1- الوسط ـ بالتحريك ـ المعتدل ، يقال شيء وسط أي بين الجيد والرديء ، وفي التنزيل قال الله تعالى { من أوسط ما تطعمون أهليكم } أي من وسط بمعنى المتوسط ، ووسط الشيء ما بين طرفيه وهو منه ، وما يكتنفه أطرافه ولو من غير متساوٍ ، وهو من أوسط قومه أي من خيارهم .
والوسْط ـ بالسكون ـ ظرف بمعنى بين ، يقال جلس وسط القوم أي بينهم ، جاء في اللسان وكل موضع ذكر فيه وسط إذ صلح فيه بين فهو بالتسكين ، وإن لم يصلح فيه ذلك فهو بالفتح ، وربما سكن وليس بالوجه .
ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن معانيه اللغوية .
الألفاظ ذات الصلة
أ الغلو
ب التفريط
ج الإفراط
43 139 الألفاظ ذات الصلة
أ ) الغلو
2ـ الغلو في اللغة من غلا في الدين أو الأمر غلواً تشدد فيه حتى جاوز الحدّ وأفرط ، فهو غالٍ .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
والصلة بين الوسط والغلو التضاد .
ب ) التفريط
3ـ التفريط في اللغة من فرط في الأمر تفريطاً قصر فيه وضيّعه .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
والصلة بين الوسط والتفريط التضاد .
ج ) الإفراط
4ـ الإفراط في اللغة من أفرط في الشيء إفراطاً أسرف وجاوز فيه الحدّ .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي .
والصلة بين الإفراط والوسط التضاد .
الأحكام المتعلقة بالوسط
أولا الوسط بمعنى معتدل
أ - أخذ الوسط في زكاة الماشية
ب - الجلد بسوط معتدل
الأحكام المتعلقة بالوسط
تطلق كلمة وسط عند الفقهاء ، على ثلاثة معان ، سبق بيانها ، ونذكر فيما يلي الأحكام المتعلقة بكل معنى من هذه المعاني
أولا الوسط بمعنى معتدل
5- الأصل أن الواجب في كل جنس له وسط الوسط .
ومن تطبيقات هذا الأصل
أ - أخذ الوسط في زكاة الماشية .
6- يرى الفقهاء أن الواجب في زكاة الماشية هو الوسط ، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الأيمان من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا هو ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ، ولا يعطي الهرمة 43 140 ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ، ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره )
والتفصيل في مصطلح ( زكاة ف 64 ) .
ب - الجلد بسوط معتدل
7- ذهب الفقهاء إلى أن الجلد في الحدود والتعزير يكون بسوط وسط ، لا جديد فيجرح ، ولا خلقاً فيقل ألمه ، ولا ثمرة له ، وأن يضرب به ضرباً متوسطاً ، والمتوسط بين المبرح وغير المؤلم ، لإفضاء الأول إلى الهلاك ، وخلو الثاني من المقصود ، وهو الانزجار .
فقد روى حنظلة السدوسي قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال " كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ، ثم يدق بين حجرين حتى يلين ، ثم يضرب به ، فقلت لأنس في زمن من كان هذا ؟ قال في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " .
وعن يحيى بن أبي كثير " ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، إني أصبت حداً فأقمه عليّ ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط جديد عليه ثمرته ، فقال لا ، سوط دون هذا ، فأتى بسوط مكسور العجز ، فقال لا ، سوط فوق هذا ، فأتى بسوط بين السوطين ، فأمر به فجلد )
ج - التوسط في حجارة الرجم
ج - التوسط في حجارة الرجم
8- ذهب الفقهاء إلى أن الزاني المحصن يرجم بحجارة متوسطة كالكف ، فلا ينبغي أن يثخن بصخرة كبيرة ، ولا أن يطول بحصيات صغيرة . والتفصيل في مصطلح ( زنى ف 44 ) .
د- التوسط في التكفير بالإطعام
د- التوسط في التكفير بالإطعام
9- من وجبت عليه بالحنث كفارة ، 43 141 واختار أن يكفر بالإطعام فهو يطعم عشرة مساكين مسلمين من أوسط ما يطعم أهله .
قال الجصاص هو مرتان في اليوم غداء وعشاء ؛ لأن الأكثر في العادة ثلاث مرات ، والأقل واحدة ، والأوسط مرتان ، وقد روي ليث عن ابن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( إذا كان خبزاً يابساً فهو غداؤه وعشاؤه ) " .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال كانوا يفضلون الحر على العبد ، والكبير على الصغير فنزلت { من أوسط ما تطعمون أهليكم }
وروي عن سعيد بن جبير مثله ( 18 ) .
ونص المالكية على أنه يجزئ عن إخراج العشرة الأمداد شبع عشرة مساكين مرتين كغداء وعشاء في يوم أو أكثر ، والمراد بالشبع عندهم الشبع الوسط في كل مرة .
وللفقهاء في المراد بأوسط الطعام خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ( إطعام ف 12 - 13 ، كفارة ف 17 وما بعدها ) .
ثانيا الوسط بمعنى الخيار
ثانيا الوسط بمعنى الخيار
10- يأتي الوسط بمعنى الخيار في أمور منها قوله تعالى { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وقد اختلف الفقهاء في تحديد الصلاة الوسطى والتفضيل في ( الصلاة الوسطى ف2 وما بعدها ) .
ثالثا الوسط بمعنى ما بين طرفي الشيء
أ - وقوف الإمام في مقابلة وسط الصف
ثالثا الوسط بمعنى ما بين طرفي الشيء
أ - وقوف الإمام في مقابلة وسط الصف
11- ينبغي للإمام أو يقف بإزاء الوسط لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ( وسٍّطو الإمام وسدوا الخلل ) " .
43 142 وقال في الفتاوى الهندية نقلاً عن التبيين فإن وقف الإمام في ميمنة الوسط أو في ميسرته فقد أساء لمخالفة السنة .
وانظر مصطلح ( صف ف 3 ، إمامة الصلاة ف 20 ) .
ب - وقوف إمامة النساء وسطهن
ب - وقوف إمامة النساء وسطهن
12- يندب وقوف إمامة النساء وسطهن ، ولا تتقدم عليهن عند من يرى أن لها أن تؤمهن ، لثبوت ذلك عن فعل عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما ، ولأن المرأة يستحب لها التستر ، وكونها في وسط الصف أستر لها ، لأنها تستتر بهن من جانبيها ، فاستحب لها ذلك كالعريان .(/1)
ولمعرفة حكم صلاة جماعة النساء ( ر صلاة الجماعة ف 7 ) .
ج - الأكل من وسط القصعة
الأكل من وسط القصعة
13- من السنة أن لا يأكل من وسط القصعة ، فان البركة تنزل في وسطها ، فقد ورد عن ابن عباس مرفوعاً ( البركة تنزل وسط الطعام فكلوا ما حافتيه ولا تأكلوا من وسطه )
قال الشافعية ويكره الأكل مما يلي غيره ، ومن الأعلى والوسط ، ونص الشافعي على تحريمه محمول على المشتمل على الإيذاء ، ويستثنى من ذلك نحو الفاكهة مما ينتقل به فيأخذ من أي جانب شاء .
د - الأكل من وسط الخبز
د - الأكل من وسط الخبز
14- نص الحنفية على أن من الإسراف أن يأكل شخص وسط الخبز ويدع حواشيه ، أو يأكل ما انتفخ منه ، إلا أن يكون غيره يأكل ما تركه فلا بأس به ، كما لو اختار رغيفاً دون رغيف .
الجلوس في وسط الحلقة
43 143 الجلوس في وسط الحلقة
15- اختلف الفقهاء في حكم الجلوس في وسط الحلقة ، سواء أكانت الحلقة حلقة ذكر أم علم أم طعام .
فيرى بعض الشافعية أنه حرام وهو متجه عند بعض الحنابلة ، لما روي عن حذيفة رضي الله عنه " ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من قعد وسط الحلقة ) " ، وعده بعض الشافعية من الكبائر أخذا من اللعن المذكور في الحديث ، قال ابن حجر وهو أخذ ظاهر إن آذى بجلوسه غيره إيذاء لا يحتمل عرفاً ، وعمله يحمل الحديث .
ويرى الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية كراهته ، قال الحنفية ظاهر اللعن في الحديث الإطلاق لتأذي الجالسين به ، وقيل مختص بمن يجلس استهزاء كالمضحك ، وبمن يجلس لأخذ العلم نفاقا .
وأما تفسيره بمن يتخطى الرقاب ويقعد وسط الحلقة ، ويحجب البعض عن البعض ، فقد قال المناوي ليس تقويم إلا إن قيل بقصد الضرر ، أو أول اللعن بالأذى ، ووجه اللعن أنهم يلعنونه ويذمونه .(/2)
وسوسة
التعريف
وسوسة
التعريف
1- الوسوسة والوَسواس لغة الصوتُ الخفيّ من ريح ونحوه .
والوسوسة والوِسواس ـ بالكسر ـ حديث النفس . قال الله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } وحديث الرجل صاحبه بصوت خفي ، وقال الفراء وسوس الرجل إذا اختلط كلامه ودُهش ، ومن ذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال " أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنوا عليه ، حتى كاد بعضهم يوسوس ، قال عثمان وكنت منهم " يريد أن اختلط كلامه ودهش لموته صلى الله عليه وسلم . ورجل موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة . والوَسواس ـ بفتح الواو ـ الشيطان يوسوس بصدر الرجل ، ويوسوس إليه .
43 147 والوسوسة في الاصطلاح يستعملها الفقهاء بمعان
الأول الوسوسة بمعنى حديث النفس ، وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا يفعل .
الثاني الوسوسة بمعنى ما يلقيه الشيطان في روع الإنسان .
الثالث الوسوسة وهي ما يقع في النفس مما ينشأ من المبالغة في الاحتياط والتورع حتى إنه ليفعل الشيء ، ثم تغلبه نفسه فيعتقد أنه لم يفعله فيعيده مراراً وتكراراً ، وقد يصل إلى حد أن يكون الشخص مغلوباً على عقله .
الرابع الموسوس هو المصاب في عقله إذا تكلم بغير نظام .
الألفاظ ذات الصلة
أ- الاحتياط
ب ـ الورع
الألفاظ ذات الصلة
أ- الاحتياط
2- الاحتياط لغة هو طلب الأحظ والأخذ بأوثق الوجوه .
والاحتياط في الاصطلاح هو الأخذ بالثقة فيما يحتمل وجهين .
والصلة بين الوسوسة والاحتياط التباين ، لأن الاحتياط مبناه على الثقة والوسوسة ناشئة عن التردد .
ب ـ الورع
3ـ الورع في اللغة الكف ، من ورع يرع ورعاً تحرج وتوقى عن المحارم ثم استعير للكف عن الحلال المباح .
والورع في الاصطلاح هو اجتناب الشبهات .
والصلة بين الورع والوسوسة أن الورع محمود شرعاً ، والوسوسة مذمومة .
الأحكام المتعلقة بالوسوسة
أولاً الوسوسة بمعنى حديث النفس
الوسوسة في الصلاة
الأحكام المتعلقة بالوسوسة
أولاً الوسوسة بمعنى حديث النفس
4- حديث النفس أقوى من الهاجس والخاطر ، وأقوى منه الهمُّ والعزم .
43 148 وحكم هذا النوع وما كان أضعف منه أنه مرفوع عن هذه الأمة ، فلا إثم فيه إن لم يقترن به عمل أو قول ، كمن حدّث نفسه أن يسرق أو يخون.
ولو حدّث نفسه أنه يطلق زوجته ، أو ينذر لله تعالى شيئاً ، ولم ينطق بذلك ، لم يقع طلاقه ، ولم يصح نذره ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ( إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست - أو حدثت - به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم ) " .
وقال قتادة بعد أن روى الحديث إذا طلق في نفسه فليس بشيء .
وقال عقبة بن عامر لا يجوز طلاق الموسوس .
وعلق ابن حجر على هذا القول شارحا له أي لا يقع طلاقه ؛ لأن الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في النفس .
الوسوسة في الصلاة
5- مدافعة حديث النفس في الصلاة مشروعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ( من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه ) " ، وفي حديث عثمان رضي الله عنه بلفظ " ( ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ) " .
قال ابن حجر قوله " لا يحدث فيهما نفسه " المراد به ما تسترسل النفس معه ، ويمكن المرء قطعه ، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه . ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلاً ورأساً ، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك بلفظ " لم يسر فيهما " .
43 149 قال النووي هذه الفضيلة تحصل مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة .
ومن اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلاً أعلى درجة بلا ريب .
6- وقد اختلف فقهاء الحنابلة في بطلان الصلاة بغلبة الوسواس .
فقال ابن تيمية إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لا يبطلها ، لأن الخشوع سنة ، والصلاة لا تبطل بترك سنة .
وقال ابن حامد وابن الجوزي تبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر صلاته ، وهو مقتضى قول الشيخ وجيه الدين حيث صرح بأن الخشوع واجب وعليه فتبطل صلاة من غلب الوسواس على أكثر صلاته . لكن قال في الفروع مراد الشيخ وجيه الدين والله أعلم ـ وجوب الخشوع ـ في بعض الصلاة وإن أراد في كلها فإن لم تبطل بتركه فخلاف قاعدة ترك الواجب ، وإن بطل به فخلاف الإجماع وكلاهما خلاف الأخبار . ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العابث بلحيته بإعادة الصلاة مع قوله " ( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ) " .
والتفصيل في حكم الخشوع ينظر في مصطلح ( خشوع ف 4 وما بعدها ) .
ثانياً وسوسة الشيطان للإنسان
ثانياً وسوسة الشيطان للإنسان
7- الوسوسة الشيطانية هي الخواطر المحركة للرغبة في الشر ، والأمر بالفحشاء والتخويف عند الهمّ بالخير .
وفي الحديث " ( إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } )
دفع وسوسة الشيطان
43 150 دفع وسوسة الشيطان
8 ـ يكون دفع الوسوسة بذكر الله تعالى ، كما قال تعالى { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى { تذكروا } أي عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب .
قال الغزالي الوسواس أصناف(/1)
الأول يكون من جهة التلبيس بالحق ، كأن يقول أتترك التنعم باللذات ، فإن العمر طويل ، والصبر عنها طول العمر ألمه عظيم . فإذا ذكر العبد عظيم حق الله ، وعظيم ثوابه وعقابه ، وقال لنفسه الصبر عن الشهوات شديد لكن الصبر على النار أشد منه ، ولا بد من أحدهما فإذا ذكر العبد وعد الله تعالى ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنس الشيطان .
الثاني أن يكون بتحريك الشهوة إلى المعصية ، ودفعها بالعلم بأنها معصية لله تعالى .
الثالث أن تكون الوسوسة بمجرد الخواطر ، والفكر في أمرٍ غير الصلاة . فإن أقبل الإنسان على ذكر الله اندفعت ، ثم تعود . ويتصور أن يجتمع الوسوسة من هذا النوع مع الذكر ، كأنهما في موضعين من القلب .
مدافعة وسوسة الشيطان في شأن الإيمان
مدافعة وسوسة الشيطان في شأن الإيمان
9- يتعرض الشيطان لكثير من أهل الإيمان ، وخاصة أهل العلم منهم بوساوس الكفر التي يلقيها إليهم ، من أجل فتنتهم عن دينهم . قال ابن تيمية المؤمن يبتلى بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره ، كما ورد ( أن الصحابة قالوا يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به فقال صلى الله عليه وسلم " الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ) " . وفي حديث آخر ( سُئل النبي صلى الله عليه وسلم في الوسوسة قال " تلك محض الإيمان ) " .
43 151 يعني أن حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ، ودفعه عن القلب ، هو من صريح الإيمان ، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه . وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية فدفعوها ، فخلص الإيمان فصار صريحاً ، قال ومن الناس من يجيب تلك الوساوس فيصير كافراً أو منافقاً ، قال والشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه ، والتقرب إليه ، والاتصال به فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم ، ويعرض للخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة ، قال ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم .
ومن وساوس الشيطان في هذا الباب ما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " ( يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله وَلْيَنْتَهِ ) " .
ثالثا الوسوسة الناشئة عن المبالغة في الاحتياط والورع
ثالثا الوسوسة الناشئة عن المبالغة في الاحتياط والورع
10- الوسوسة نوع من المبالغة في الورع والاحتياط ، حتى يخرج الموسوس من حدّ الورع إلى ما ليس منه ، وهو التشدد في الدين ، والخروج عن سماحته ويسره ، وعن مسلك السلف الصالحين .
قال الهيتمي في شرحه لحديث " ( الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) " إن الشيء إذا لم يتنازعه دليلان فهو حلال بين أو حرام بين ، وإن تنازعه سبباهما ، فإن كان سبب التحريم مجرد توهم وتقدير لا مستند له ، كترك التزوج من نساء بلد كبير خشية أن يكون له فيها محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، وترك استعمال ماء لمجرد احتمال وقوع نجاسة فيه ، ألغي ولم يلتفت إليه 43 152 بكل حال ؛ لأن ذلك التجويز هوس ، فالورع فيه وسوسة شيطانية ، إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء ، وإن كان له نوع قوةٍ فالورع مراعاته .
ومن أمثلته ( 33 ) ( قوله صلى الله عليه وسلم لمن تزوج امرأة فقالت له امرأة إني قد أرضعتكما " وكيف وقد قيل ؟ دعها عنك ) " ( وقوله لزوجته سودة رضي الله تعالى عنها لما اختصم أخوها عبد الله وسعد بن أبي وقاص في ابن وليدة أبيها زمعة فألحقه صلى الله عليه وسلم بأبيها بحكم الفراش ولكنه رأى فيه شبها بينا بعتبة أخي سعد " احتجبي منه يا سودة ) ".
وصف حال بعض أهل الوسوسة
وصف حال بعض أهل الوسوسة
11- قال أبو محمد الجويني الشافعي من الذين يعتريهم الوسواس من يركب رأسه ، ويجاوز حدود الأصول ، وقد رأيت منهم من يكرر تحريمته للمكتوبة حتى يشرف وقتها على الانقضاء ، أو تفوته الجمعة مع الإمام ، أو ركعة منها . وإذا تعاطى الماء للطهارة أسرف منه قلةً أو قِلالاً .
وقال ابن الجوزي وبعض الموسوسين يغسل الثوب الطاهر مراراً ، وربما لمسه مسلم فيغسله . ومنهم من يغسل ثيابه في دجلة ، لا يرى غسلها في البيت يجزئ .
قال وما كانت الصحابة تعمل هذا ، بل قد صلوا في ثياب فارس لما فتحوها ، واستعملوا أكسيتهم ، والشريعة سمحة سليمة من هذه الآفات .
الشبهة التي تؤدي إلى الوسوسة وكشفها
الشبهة التي تؤدي إلى الوسوسة وكشفها
12- تنشأ الشبهة المؤدية إلى الوسوسة من التصور الخاطئ لمعنى الاحتياط واتقاء الشبهات المفهوم من ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم " ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) " . وقوله 43 153 " ( من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ) " .
وقد جرت كثير من مسائل الفقه على قاعدة الاحتياط ، فظن الموسوسون أن ما هم فيه من أمر الوسوسة داخل في قاعدة الاحتياط ، ورأوا أن ذلك خير من التفريط ، كمن لا يبالي كيف يتوضأ ، ولا بأي ماء توضأ ، ولا بأي مكان صلى ، ولا يبالي ما أصاب ثوبه ، فيحمل الأمور كلها على الطهارة ، ورأوا أن الاستقصاء والتشديد والاجتهاد في الاحتياط خير من ذلك .(/2)
وقال ابن القيم في معرض كشف شبهات أهل الوسوسة إن الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه هو قصد السبيل ، وما خرج عنه فهو من السبل الجائرة ، فالميزان الذي يعرف به الاستقامة والجور هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) " ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين .
وأهل الوسواس شددوا على أنفسهم فشدد عليهم حتى استحكم ذلك فيهم وصار صفةً لازمة لهم .
فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله ، وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم ، وأن ما خالفه فهو من تسويل إبليس ووسوسته ، ولينظر في أحوال السلف فليقتدِ بهم .
ففي مسألة الإسراف في ماء الوضوء والغسل " ( قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ) " .
وعن عبد الله بن مغفل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ( سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ) " وورد في 43 154 حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء ، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال " هكذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ) " .
الأحكام الخاصة بأهل الوسواس
مستوى7 أـ تقدير إزالة النجاسة بثلاث غسلات في حق الموسوس
الأحكام الخاصة بأهل الوسواس
أـ تقدير إزالة النجاسة بثلاث غسلات في حق الموسوس .
13- المفتى به عند الحنفية كما قال الحصكفي وغيره ، أن طهارة محل النجاسة المرئية بقلعها ، ولا يضر بقاء أثر لازم ، وطهارة محل نجاسة غير مرئية تحصل بغلبة ظن غاسلها طهارة محلها . ويقدر ذلك في حق الموسوس بغسلٍ وعصرٍ ثلاثاً فيما ينعصر .
مستوى7 ب ـ اجتناب البول في مكان الاستحمام خشية الوسواس
ب ـ اجتناب البول في مكان الاستحمام خشية الوسواس
14- نص الحنفية والشافعية والحنابلة على كراهة البول في مكان الاستحمام لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه " وفي رواية " ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه ) " . وإنما نهي عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول ، أو كان المكان صلباً فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شيء فيحصل به الوسواس .
مستوى7 جـ ـ الانتضاح بعد الاستنجاء من أجل قطع الوسواس
جـ ـ الانتضاح بعد الاستنجاء من أجل قطع الوسواس
15- ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب لمن استنجى بالماء أن ينضح فرجه وسراويله قطعاً للوسواس ( 50 ) ، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " جاءني جبريل فقال يا محمد إذا توضأت فانضح ) " .
43 155 وصرح الحنفية بأن من يعرض له الشيطان كثيراً لا يلتفت إليه بل ينضح فرجه أو سراويله بماء حتى إذا شك حمل البلل على ذلك النضح ما لم يتيقن خلافه . وعن أحمد لا ينضح .
قال الإمام أحمد فيمن ظن خروج شيء من البول بعد الاستنجاء لا تلتفت إليه ، حتى تتيقن ، وَالْهُ عنه ، فإنه من الشيطان ، فإنه يذهب إن شاء الله .
مستوى7 د ـ أثر بلوغ الشك في نية الطهارة إلى درجة الوسواس
د ـ أثر بلوغ الشك في نية الطهارة إلى درجة الوسواس
16- يصرح الحنابلة أن المتوضئ إن شك في أثناء طهارته أنه نوى أو لم ينو ، يلزمه استئناف الوضوء ؛ لأنه عبادة شك في شرطها وهو فيها فلم تصح كالصلاة ، ولا يصح ما فعله منه . لكن إن كان ذلك الشك من قبيل الوهم كالوسواس فلا يلتفت إليه يعني إنه يستمر في وضوئه ولا يستأنف .
مستوى7 هـ ـ التلفظ بنية الصلاة لدفع الوسواس
هـ ـ التلفظ بنية الصلاة لدفع الوسواس
17- ذهب الحنفية في المختار والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أن التلفظ بالنية في الصلاة سنة ليوافق اللسان القلب ؛ ولأنه أبعد عن الوسواس .
وذهب بعض الحنفية وبعض الحنابلة إلى أن التلفظ بالنية مكروه .
وقال المالكية بجواز التلفظ بالنية في الصلاة والأولى تركه إلا الموسوس فيستحب له التلفظ ليذهب اللبس والشك .
( ر نية ف 11 ) .
مستوى7 و ـ الوسوسة بإتيان ركن من أركان الصلاة
و ـ الوسوسة بإتيان ركن من أركان الصلاة
18- صرح المالكية بأن شك الموسوس كالعدم فإنه يعمد بما شك فيه ويسجد بعد السلام ، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً بنى على الأربع وسجد بعد السلام .
والموسوس ـ كما قال القاضي عبد الوهاب ـ هو الذي يطرأ ذلك عليه في كل صلاة أو في اليوم مرتين أو مرة ، وأما إذا لم يطرأ له ذلك 43 156 إلا بعد يوم أو يومين فليس بموسوس ( 56 ) .
ومذهب الحنابلة مثل ذلك ، قال ابن قدامة " إذا رفع المصلي رأسه من الركوع ، ثم شك هل ركع أم لا ؟ أو هل أتى بالقدر المجزئ أم لا ؟ لم يعتد بركوعه ، وعليه أن يعود فيركع حتى يطمئن راكعاً ، وهذا ما لم يكن ذلك الشك وسواساً ، فلا يلتفت إليه يعني يستمر في صلاته ولا يأتي بركوعٍ آخر غير الذي شك فيه ، وهكذا بقية الأركان .
( ر شك ف 10 )
مستوى7 ز ـ تخلف المأموم عن إمامه في أركان الصلاة بسبب الوسوسة
ز ـ تخلف المأموم عن إمامه في أركان الصلاة بسبب الوسوسة
19- صرح الشافعية بأنه يجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة .(/3)
فإن تخلف عنه بركن واحد لم تبطل صلاته ، وإن تخلف بركنين فعليين بطلت إلا من عذر ، والعذر كأن يكون الإمام سريع القراءة ، والمقتدي بطيء القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة ظاهرة ، أما الوسوسة الخفيفة فهي عذر ، وأما الوسوسة الظاهرة وهي التي تؤدي إلى التخلف بركنين فعليين فلا يسقط بها عنه شيء من الفاتحة ، كمتعمد تركها ، فله التخلف لإتمامها إلى أن يقرب إمامه من فراغ الركن الثاني ، وحينئذ يتعين عليه مفارقته إن بقي عليه شيء منها لإتمامه لبطلان صلاته بشروع إمامه فيما بعده .
والأوجه عدم الفرق بين استمرارية الوسوسة بعد ركوع الإمام أو تركه لها بعده أو تفويت إكمالها قبل ركوع إمامه نشأ من تقصيره ، بترديده الكلمات من غير بطء خلقي في لسانه ، سواء أنشأ ذلك من تقصيره في التعلم ، أم من شكه في إتمام الحروف بعد فراغه منها .
رابعاً الموسوس بمعنى المغلوب على عقله
أ - طلاق الموسوس
رابعاً الموسوس بمعنى المغلوب على عقله
أ - طلاق الموسوس
20- نقل ابن عابدين عن الليث في مسألة طلاق الموسوس أنه لا يجوز طلاق الموسوس قال يعني المغلوب في عقله .
43 157 ونقل ابن القيم إن المطلق إن كان زائل العقل بجنون أو إغماء أو وسوسة لا يقع طلاقه ، قال وهذا المخلص مجمع عليه بين علماء الأمة .
ب ـ ردة الموسوس
ب ـ ردة الموسوس
21 ـ إن تكلم الموسوس بكلام يقتضي الردة لم يكن في حقه ردة . صرح بذلك الحنفية ، يعنون المغلوب في عقله(/4)
وصال
التعريف
وصال
التعريف
1- الوصال في اللغة مصدر واصل ، ومنه المواصلة بالصوم وغيره ، وواصل الصيام لم يفطر أياما تباعا ، ومنه صوم الوصال ، وهو أن يصل صوم النهار بإمساك الليل مع صوم الذي بعده من غير أن يطعم شيئاً .
والوصال في الاصطلاح ـ عند جمهور الفقهاء ـ هو أن يصوم يومين فأكثر لا فِطْر بينهما .
وفي رأي عند الشافعية أن يصوم يومين فأكثر ، ولا يتناول بالليل مطعوما عمدا بلا عذر . فالجماع ونحوه لا يمنع الوصال .
43 161 وقال بعض الحنفية هو أن يصوم السنة كلها ولا يفطر في الأيام المنهي عنها .
وقال بعض الشافعية هو أن يستديم جميع أوصاف الصائمين .
الحكم التكليفي
أـ الوصال في الصوم
الوصال في حق الأمة
الحكم التكليفي
أـ الوصال في الصوم
الوصال في حق الأمة
2- اختلف الفقهاء في حكم الوصال في الصوم
فذهب جمهورهم ( الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية ) إلى أن الوصال في الصوم مكروه في حق الأمة ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما " ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل في رمضان ، فواصل الناس ، فنهاهم . قيل له أنت تواصل ، قال إني لست مثلكم ، إني أُطعم وأُسقَى ) " ولأن النهي وقع رفقا ورحمة ، ولهذا واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وواصلوا بعده .
وذهب الشافعية في الأصح إلى إن الوصال حرام على الأمة ـ نفلا كان الصوم أو فرضا ـ مباح له صلى الله عليه وسلم ، لما روى أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما ( أنه صلى الله عليه وسلم " نهى عن الوصال ) " أي نهى تحريم في الأصح .
قال النووي الوصال منهي عنه وهو قول الجمهور . وقال العبدري إن النهي عن الوصال هو قول العلماء كافة إلا ابن الزبير ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فإنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
43 162 ونقل عن ابن المنذر قوله كان ابن الزبير وابن أبي نُعم يواصلان .
وعن الماوردي أن عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ واصل سبعة عشر يوماً ثم أفطر على سمن ولبن وصبر .
وقال ابن حجر العسقلاني وقيل يحرم على من شق عليه ، ويباح لمن لم يشق عليه ، وقد اختلف السلف في ذلك فنقل التفصيل عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، فإنه كان يواصل خمسة عشر يوما ، وذهب إليه من الصحابة أيضا أخت أبي سعيد ، ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نُعم ، وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن زيد التيمي وأبو الجوزاء .
ومن حجتهم أنه صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه بعد النهي فلو كان النهي للتحريم لما أقرهم على فعله ، فعلم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة رضي الله عنهما في حديثها بقولها " ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم ) " ، وهذا مثل ما نهاهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم ولم ينكر على من بلغه أنه فعله ممن لم يشق عليه ، فمن لم يشق عليه ولم يقصد موافقة أهل الكتاب ولا رغب عن السنة في تعجيل الفطر لم يمنع من الوصال .
الوصال في حق النبي صلى الله عليه وسلم
الوصال في حق النبي صلى الله عليه وسلم
3- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوصال في حق النبي صلى الله عليه وسلم مباح ، وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، لقوله حين سئل عن وصاله " ( إني لست مثلكم ، إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني ) " .
وقال إمام الحرمين هو قربة في حقه ، وقد نبه على الفرق بينه وبيننا في ذلك بقوله " ( إني لست كهيئتكم ) " الحديث .
43 163 وقال إمام الحرمين والغزالي إن الوصال له مستحب . قال الرملي وهو متجه ، إذ العبادة إما واجبة أو مستحبة ، وينبغي حمل إطلاق الجمهور الإباحة على نفي التحريم الصادق بالاستحباب .
4- وفي معنى الحديث " ( يطعمني ربي ويسقيني ) " أقوال للعلماء
قال السيوطي إن الحديث على ظاهره ، وإن الله عز وجل يطعم النبي صلى الله عليه وسلم من طعام الجنة ، وطعامها لا يفطر ، كرامة له لا تشاركه فيه الأمة .
وقال آخرون ، وهو الأصح كما قال النووي وغيره المعنى أن الله تعالى يعطي نبيه صلى الله عليه وسلم قوة الطاعم الشارب ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في رواية " ( إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ) " لأن " أظل " لا يقال إلا في النهار ، ولا يجوز الأكل والشرب فيه للصائم بلا شك ، فدل على أنه لم يأكل ، وليس المراد الأكل حقيقة ، وإنما ذلك كناية عن إعطائه قوة الطاعم الشارب لا على حقيقته ، لأن لو أكل حقيقة لم يبق وصال ، ولقال صلى الله عليه وسلم " . . . ما أنا مواصل . . "
وقيل معناه أن محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب ، والحب البالغ يشغل عنهما .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم " . . . عند ربي . . . " قال الدسوقي هي عندية مكانة لا عندية مكان .
الوصال إلى السحر
الوصال إلى السحر
5- نص الحنابلة على أنه لا يكره الوصال إلى السحر لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ( لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ) " .
وقال الحنابلة فيمن فعل ذلك إنه ترك سنة وهي تعجيل الفطر ، فترك ذلك أولى ، محافظة على السنة .
43 164 وقال الشافعية في ذلك إن أخر الأكل إلى السحر لمقصود صحيح أو غيره فليس بوصال .
الحكمة في النهي عن الوصال في الصوم
الحكمة في النهي عن الوصال في الصوم
6- قال الشافعية الحكمة في النهي عن الوصال لئلا يضعف من يواصل عن الصيام والصلاة وسائر الطاعات ، أو يملها ويسأم منها ، لضعفه بالوصال ، أو يتضرر بدنه أو بعض حواسه ، وغير ذلك من أنواع الضرر .
وقال الحنابلة النهي وقع رفقا ورحمة .
الوصال لا يبطل الصوم(/1)
الوصال لا يبطل الصوم
7- قال النووي اتفق أصحابنا ( أي الشافعية ) وغيرهم على أن الوصال لا يبطل الصوم ، سواء حرمناه أو كرهناه ، لأن النهي لا يعود إلى الصوم ، فلا يوجب بطلانه .
الجماع في الوصال
الجماع في الوصال
8- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجماع في ليل الوصال في الصوم يمنع الوصال ، لأن المجامع لا يستديم جميع أوصاف الصائمين .
وقال بعض الشافعية إن الجماع في ليل الوصال لا يخرج من حكم الوصال ، لأن تحريم الوصال للضعف عن الصيام والصلاة وسائر الطاعات ، وهو حاصل في هذه الحالة .
ب ـ الوصال في الصلاة
ب ـ الوصال في الصلاة
9- لم يعن كثير من الفقهاء بتعريف الوصال في الصلاة كما عنوا بتعريفه في الصوم .
وذكر بعض الفقهاء والمحدثين حكم الوصال في الصلاة .
43 165 فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال " ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواصلة في الصلاة وقال إنَّ امرأً واصل في الصلاة خرج منها صِفرا ) " .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قال أبي ما كنا ندري ما المواصلة في الصلاة حتى قدم علينا الشافعي ، يقول عبد الله فمضى إليه أبي فسأله عن أشياء ، وكان فيما سأله أن سأله عن المواصلة في الصلاة ، فقال هي في مواضع
منها أن يقول الإمام " ولا الضالين " فيقول من خلفه " آمين " معا ، قال أبي أوليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول " آمين " ؟ قال نعم ، ولكن بعد أن يسكت الإمام .
قال له هل بقي من المواصلة شيء ؟ قال نعم أن يقرأ الإمام " { ولم يكن له كفوا أحد } " الله أكبر ، فيصل التكبير بالقراءة .
قال له هل بقي من المواصلة شيء ؟ قال نعم ، السلام عليكم ورحمة الله ، فيصل التسليمة الأولى بالثانية ، الأولى فرض ، والثانية سنة ، ولا يجمع بين الفرض والسنة .
فعلى الإمام من النهي اثنتان ، وعلى المأموم واحدة .
وفي رواية ومنها إذا كبر الإمام فلا يكبر معه حتى يسبقه الإمام ولو بواو .
وقال الغزالي المواصلة في الصلاة خمسة اثنان على الإمام أن لا يصل قراءته بتكبيرة الإحرام ، ولا ركوعه بقراءته ، واثنان على المأموم أن لا يصل تكبيرة الإحرام بتكبيرة الإمام ، ولا تسليمه بتسليمه ، وواحدة بينهما أن لا يصل تسليمة الفرض بالتسليمة الثانية ، وليفصل بينهما .
وقد ذكر الفقهاء أحكام هذه المسائل ، ومن ذلك
وصل المأموم تكبيرة الإحرام بتكبيرة الإمام
43 166 وصل المأموم تكبيرة الإحرام بتكبيرة الإمام
10- إذا قارن المأموم تكبيرة الإحرام بتكبيرة الإمام فقد اختلف الفقهاء في صحة صلاته .
والتفصيل في مصطلح ( اقتداء ف 29 ) .
وصل التأمين بالفاتحة
وصل التأمين بالفاتحة
11- قال الشافعي لا يقال آمين إلا بعد أم القرآن .
وقال الغزالي لا يصل " آمين " بقوله ( ولا الضالين ) وصلا . . . ويقرن المأموم تأمينه بتأمين الإمام معا لا تعقيبا .
وقال النووي ذكر أصحابنا أو جماعة منهم أنه يستحب أن لا يصل لفظة " آمين " بقوله " ولا الضالين " بل بسكتة لطيفة جداً ، ليعلم أن " آمين " ليست من الفاتحة للفصل اللطيف .
والمزيد من التفصيل في مصطلح ( صلاة ف 68 ) .
وصل القراءة بتكبيرة الإحرام
وصل القراءة بتكبيرة الإحرام
12- ذهب جمهور الفقهاء إلى أن فصل تكبيرة الإحرام عن قراءة الفاتحة في الصلاة بدعاء الاستفتاح سنة ، للأحاديث الواردة في ذلك .
وذهب آخرون إلى الوصل بين القراءة وتكبيرة الإحرام .
والتفصيل في مصطلح ( استفتاح ف 5 ، وف 11 إلى ف 16 ) .
وصل التسليمتين
وصل التسليمتين
13- ذكر الفقهاء أنه يسن لمن يأتي بالتسليمتين في آخر الصلاة للخروج منها أن يفصل بينهما .
وذهب الفقهاء إلى أن المقتدي يتابع إمامه في السلام ، بأن يسلم بعده .
وقال الجمهور إن مقارنة المقتدي للإمام في التسليم لا تضر ، وهذا في الجملة .
والتفصيل في مصطلح ( إقتداء ف 29 ) .(/2)
وضع اليد
التعريف
وضع اليد
التعريف
1ـ من معاني الوضع في اللغة الترك، يقال وضعت الشيء بين يديه وضعًا تركته هناك.
ويأتي بمعنى الإسقاط، يقال وضعت عنه دينه أسقطته.
واليد في اللغة من المنكب إلى أطراف الأصابع، والجمع الأيد، والأيادي جمع الجمع.
واليد النعمة والإحسان، وتطلق اليد على القدرة، ويده عليه أي سلطانه، والأمر بيد فلان أي في تصرفه.
وقال الراغب الأصفهاني استعير اليد للحوز والملك مرة، يقال هذا في يد فلان أي في حوزه وملكه، وللقوة مرة، يقال لفلان يد على كذا، ومالي بكذا يد.
43 302 ووضع اليد عند الفقهاء هو تصرف ذي اليد في عين بالفعل، أو ثبوت تصرفه فيها تصرف الملاك.
قال علي حيدر ذو اليد هو واضع اليد على عين بالفعل، أو الذي يثبت تصرفه في عين وانتفاعه منها تصرف الملاك.
ويطلق الفقهاء وضع اليد كذلك ويريدون به وضع اليد الحسية ـ وهي الجارحة ـ على شيء ما.
الألفاظ ذات الصلة
أـ الحيازة
ب ـ الغصب
الألفاظ ذات الصلة
أـ الحيازة
2ـ الحيازة في اللغة ضم الشيء وجمعه يقال حزت الشيء وأحوزه حوزًا وحيازة ضممته وجمعته، وكل من ضم إلى نفسه شيئًا فقد حازه .
والحيازة في الاصطلاح هي وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه .
ووضع اليد أعم من الحيازة.
ب ـ الغصب
3ـ الغصب في اللغة الأخذ قهرًا وظلمًا. يقال غصب الشيء غصبًا أخذه قهرًا وظلمًا، والاغتصاب مثله .
والغصب في الاصطلاح إزالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل في المال .
والصلة بين وضع اليد والغصب أن وضع اليد أعم من الغصب.
أولا الأحكام المتعلقة بوضع اليد بمعنى التصرف في عين
أ ـ دلالة وضع اليد على الملكية
أولا الأحكام المتعلقة بوضع اليد بمعنى التصرف في عين
أ ـ دلالة وضع اليد على الملكية
4ـ اتفق الفقهاء في الجملة على أن وضع اليد دليل الملك ، ولهم بعد ذلك تفصيل
قال الحنفية وضع اليد والتصرف من أقوى ك 43 303 قال ابن عابدين إذا ادعى واضع اليد على الأرض الذي تلقاها شراء أو إرثًا أو غيرهما من أسباب الملك أنها ملكه، وأنه يؤدي خراجها، فالقول له، وعلى من يخاصمه في الملك البرهان إن صحت دعواه عليه شرعًا واستوفيت شروط الدعوى.
ثم يقول وقد قالوا إن وضع اليد والتصرف من أقوى ما يستدل به على الملك، ولذا تصح الشهادة بأنه ملكه.
وفي رسالة الخراج لأبي يوسف وأيما قوم من أهل الخراج أو الحرب بادوا فلم يبق منهم أحد، وبقيت أرضهم معطلة ولا يعرف أنها في يد أحد، ولا أن أحدًا يدعي فيها دعوى، وأخذها رجل فحرثها وغرس فيها وأدى عنها الخراج أو العشر فهي له، وليس للإمام أن يخرج شيئًا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف .
وصرح المالكية بأن وضع اليد ـ أي الحيازة ـ إذا طال ولم يوجد منازع، وهو يتصرف تصرف الملاك دل على الملك، وإن لم تطل الحيازة لم يثبت الملك.
قال سحنون الشهادة بالملك أن تطول الحيازة وهو يفعل ما يفعل الملاك لا منازع له، وإن لم تطل الحيازة لم يثبت الملك .
واختلف فقهاء المالكية في سؤال الحائز الأجنبي من أين صار إليه الملك؟ قال ابن رشد يختلف الجواب في ذلك بحسب اختلاف الوجوه
فوجه لا يسأل الحائز عما في يديه من أين صار إليه وتبطل دعوى المدعى فيه بكل حال، فلا يوجب يمينا على الحائز المدعى فيه، إلا أن يدعي عليه أنه أعاره إياه فتجب له عليه اليمين على ذلك. وهذا الوجه هو إذا لم يثبت الأصل للمدعي ولا أقر له به الحائز الذي حازه في وجهه العشرة الأعوام ونحوها ولو ادعى عليه ما في يديه أنه ماله وملكه قبل أن تنقضي مدة الحيازة عليه في وجهه لوجبت عليه اليمين.
ووجه يسأل الحائز عما في يديه من أين صار إليه؟ ولا يصدق في ذلك مع يمينه ويكلف البينة على ذلك، وهو إذا ثبت الأصل للمدعي، أو أقر له به الحائز قبل أن تنقضي مدة الحيازة عليه، فيجب أن يسأل من أين 43 304 صار إليه؟ ويكلف البينة على ذلك.
ووجه يختلف فيه، فقيل إنه لا يلزم المطلوب أكثر من أن يوقف على الإقرار أو الإنكار، وقيل إنه يوقف ويسأل من أين صار إليه؟ وهو إذا ثبتت المواريث ولم يثبت أنها لأبيه أو جده . (ر حيازة ف 6)
ب ـ كيفية وضع اليد
ب ـ كيفية وضع اليد
5ـ وضع اليد يكون في كل شيء بحسبه ويختلف ذلك باختلاف ما توضع اليد عليه.
6ـ ففي العقار يحصل وضع اليد عليه بأحد أمور
ـ أن يسكن الدار، وأن يحدث أبنية فيها.
ـ وفي العرصة حفر بئر أو نهر أو قناة أو غرس أشجار أو زرع مزروعات، أو إنشاء أبنية أو صنع لبن.
ـ وفي الحرج والغاب قطع الأشجار منها وبيعها وبالانتفاع منها بوجه قريب من ذلك.
ـ وفي المرعى قطع الحشائش وحفظها وبيعها، أو رعي الحيوانات فيها وما أشبه ذلك من التصرفات.
أما وجود مفتاح باب الدار في يد أحد فلا يكون بمجرد وجوده في يده ذا يد، فلذلك إذا كان أحد ساكنا في دار وأشياؤه موضوعة فيها، وكان مفتاح تلك الدار في يد آخر، فالواضع اليد على الدار هو الساكن فيها وليس حامل مفتاح بابها .
قال أصبغ ما حازه الأجنبي على الأجنبي بحضرته وعلمه أي الحيازات كانت من سكنى فقط أو ازدراع أو هدم أو بنيان صغر شأنه أو عظم أو غير ذلك من وجوه الحيازات كلها فذلك يوجبه لحائزه .
7ـ أما وضع اليد على المنقول فيكون بكل ما يدل على حيازة الشخص له، قال مطرف وأصبغ ما حازه الأجنبي على الأجنبي من العبيد والإماء والدواب والحيوان كله والعروض كلها فأقام ذلك في يديه يختدم الرقيق ويركب الدواب ويحلب الماشية 43 305 ويمتهن العروض فذلك كله كالحائز .
ج ـ وسائل إثبات وضع اليد
ج ـ وسائل إثبات وضع اليد(/1)
8ـ يفرق الحنفية في إثبات وضع اليد بين العقار وغيره، فيلزم إثبات اليد بالبينة في العقار المنازع فيه، ولا يحكم بها بتصادق الخصمين.
ومعنى هذا كما في درر الحكام أنه لا يحكم بأن المدعى عليه ذو يد بإقراره عند دعوى المدعي، فإذا أنكر المدعى عليه دعوى الملك المطلق في العقار المنازع فيه، فلأجل صحة إقامة البينة يلزم إثبات وضع اليد بالبينة، لأن دعوى الملك المطلق هي دعوى إزالة اليد وترك التعرض، وطلب إزالة اليد إنما يكون على ذي اليد.
ولا يثبت وضع اليد بعلم القاضي لأن علم القاضي ليس من أسباب الحكم.
كما لا يثبت وضع اليد في العقار بتصادق الخصمين، لأن اليد فيه غير مشاهدة، فلعله في يد غيرهما تواضعا فيه ليكون لهما ذريعة إلى أخذه بحكم الحاكم.
فإذا ثبت وضع اليد بمجرد الإقرار وثبتت الملكية بالشهود وحكم بها لا ينفذ الحكم .
9ـ ويستثنى من لزوم إثبات وضاعة اليد في دعوى العقار مسائل الشراء والغصب والسرقة. وهي أنه
إذا ادعى المدعي قائلا إنني كنت اشتريت منك ذلك العقار، أو كنت غصبته مني فلا حاجة إلى إثبات كون المدعى عليه ذا اليد بالبينة، لأن دعوى الفعل كما تصح على ذي اليد تصح على غيره، فعدم ثبوت اليد لا يمنع صحة الدعوى.
وإن الذي يحدث يده تغلبًا على مال لا يعد واضعا اليد على ذلك المال في نفس الأمر، فعليه إذا ثبت للقاضي إحداث يده تغلبًا على ذلك الوجه يؤمر برد المال المذكور إلى الشخص الذي أخذه منه، ويعد ذلك الشخص ذا اليد.
10ـ أما المنقول فذو اليد عليه هو من وجد في يده فلا حاجة فيه إلى إثبات اليد بالبينة.
وعلى هذا فإذا وجد المنقول في يد أي شخص كان فهو ذو اليد، لأن وضع اليد في المنقول كما يثبت بالبينة يثبت بالمشاهدة 43 306 والعيان وبالإقرار.
وإذا أنكر المدعى عليه وجود المال المنقول في يده وادعى المدعي أن المال المنقول كان تحت يد المدعى عليه منذ سنة، وأقام البينة في ذلك فتسمع البينة ويعتبر المدعى عليه ذا اليد .
د ـ وضع اليد على مال الغير
د ـ وضع اليد على مال الغير
11 ـ ومن أخذ مال غيره بغير إذنه عدوانا فهو غاصب وينظر التفصيل في مصطلح (غصب ف 1 وما بعدها).
وإن أخذ مال الغير بغير إذنه خطأ كأن ظن أنه ملكه، وجب عليه الضمان، لأنه حق العبد فلا يتوقف على قصده ولا إثم عليه، لأن الخطأ مرفوع المؤاخذة شرعا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" .
هـ ـ التنازع في وضع اليد
هـ ـ التنازع في وضع اليد
12ـ إذا تنازع شخصان في عقار وادعى كل منهما كونه ذا اليد في ذلك العقار تطلب أولا البينة من كل واحد منهما على كونه ذا اليد، فإذا أقام كل منهما البينة على ذلك تثبت يدهما معًا على العقار، ويكون كل منهما مدعى عليه في القسم الواضع اليد عليه ومدعيًا في القسم الذي يكون فيه خارجًا، لأنهما متساويان في أسباب الثبوت إلا أنهما ما لم يثبت كون العقار المذكور ملكهما المشترك بالبينة أو بالإقرار فلا يقسم الملك بينهما. وإذا أظهر أحدهما العجز عن إثبات وضع يده وأقام الآخر البينة على كونه واضع اليد يحكم بكونه ذا اليد مستقلًا ومدعى عليه، ويعد الآخر خارجًا ومدعيًا .
و ـ مراتب وضع اليد
و ـ مراتب وضع اليد
13 ـ ذهب الفقهاء إلى أنه عند التنازع في وضع اليد، ولا بينة لأحدهما فإنه يقضى للأقوى منهما، أو يشتركان إذا تساويا في القوة.
43 307 وللفقهاء في ذلك تفصيل
فقد نص الحنفية على ما يلي
اللابس للثوب أحق من آخذ الكم، قال الشيخ قاسم فيقضى له قضاء ترك لا استحقاق، حتى لو أقام الآخر البينة بعد ذلك يقضى له.
والراكب أحق من آخذ اللجام.
ومن في السرج أحق من رديفه (وفي ظاهر الرواية هي بينهما نصفين، قال ابن عابدين أقول لكن في الهداية والملتقى مثل الرأي الأول) بخلاف ما إذا كانا راكبين في السرج فإنهما بينهما قولًا واحدًا، كما في الغاية، ويؤخذ منه اشتراكهما إذا لم تكن مسرجة.
وذو حمل الدابة أولى ممن علق كوزه بها، لأنه أكثر تصرفًا، أما لو كان له بعض حملها، كما إذا كان لأحدهما مَنّ والآخر مائة مَنّ، كانت بينهما.
والجالس على البساط، والمتعلق به سواء كجالسيه، وكراكبي سرج - وكذا من معه ثوب وطرفه مع الآخر - لا هدبته، أي طرّته غير المنسوجة، لأنها ليست بثوب.
أما جالسا دارٍ تنازعا فيها فإنه لا يقضى لهما لاحتمال أنها في يد غيرهما.
ونصوا أيضًا على أن الحائط يكون لمن جذوعه عليه، ولو كان لأحدهما جذع أو جذعان دون الثلاثة وللآخر عليه ثلاثة أجذاع أو أكثر.
ذكر في النوازل أن الحائط يكون لصاحب الثلاثة، ولصاحب ما دون الثلاثة موضع جذعه، قال وهذا استحسان، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف آخرًا، وقال أبو يوسف إن القياس أن يكون الحائط بينهما نصفين، وبه كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول أولا، ثم رجع إلى الاستحسان.
وكذا يكون الحائط لمن هو متصل به اتصال تربيع ـ بأن تتداخل أنصاف لبناته في لبنات الآخر ـ ولو من خشب فبأن تكون الخشبة مركبة في الأخرى لدلالته على أنهما بنيا معًا، ولذا سمي بذلك، لأنه حينئذٍ يبنى مربعًا، ولا يكون لمن له اتصال ملازقة أو نقب وإدخال (بأن نقب وأدخل الخشبة)، أو هرادي 43 308 (كقصب وطبق يوضع على الجذوع) ولا يخص به صاحب الهرادي، بل صاحب الجذع الواحد أحق منه.
ولو لأحدهما جذوع وللآخر اتصال، فلذي الاتصال وللآخر حق الوضع، وقيل لذي الجذوع.
وذو بيت من دار فيها بيوت كثيرة كذي بيوت منها في حق ساحتها، فهي بينهما نصفين كالطريق.(/2)
ونص المالكية على أن لليد مراتب مرتبة، فأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ومنطقته، ويليه البساط الذي هو جالس عليه، والدابة التي هو راكبها، ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها، ويليه الدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة، لعدم استيلائه على جميعها. قال في تهذيب الفروق قال بعض العلماء تقدم أقوى اليدين على أضعفهما، فراكب الدابة يقدم مع يمينه على السائق عند تنازعهما، وإذا تنازع الساكنان الدار سوى بينهما بعد أيمانهما .
وقال الشافعية إذا تداعيا دابة ولأحدهما عليها حمل فالقول قول صاحب الحمل مع يمينه لانفراده في الانتفاع بالدابة، ولو تداعا ثلاثة دابة واحد سائقها والآخر آخذ بزمامها والثالث راكبها، فالقول قول الراكب لوجود الانتفاع في حقه.
ولو تنازعا على حيوان، ويد أحدهما على الحيوان، ويد الآخر على حمله فإنه لمن يده على الحيوان، لا لمن يده على حمله.
ولو تنازعا في ثوب، أحدهما لابسه والآخر متعلق به يجاذبه، فالقول قول اللابس منهما، لأنه المنفرد بالانتفاع.
ولو تنازعا في سفينة، أحدهما راكب والآخر ممسكها، فالقول قول الراكب، لأنه متصرف فيها. وكذا في ممسك جنبها وممسك رباطها، يصدق ممسك الجنب .
وقال الحنابلة لو تنازعا دابة، أحدهما ركبها أَوْ لَهُ عليها حمل، والآخر آخذ بزمامها أو سائقها، فهي للأول بيمينه، لأنه تصرف أقوى، ويده آكد.
وإن تنازعا ثياب عبد عليه فهي لصاحب العبد.
43 309 وإن تنازعا قميصًا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للأول.
ولو كانت دار فيها أربعة بيوت، في أحدها ساكن وفي الثلاثة الأخرى ساكن، فلكل واحد منهما ما هو ساكن فيه.
وإن تنازعا ساحة الدار فهي بينهما نصفان لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها. ولو كانت شاة مذبوحة مسلوخة بيد أحدهما جلدها ورأسها وسواقطها، وبيد الآخر بقيتها، وادعى كل واحد منهما كلها، وأقاما بينتين بدعواهما، فلكل واحد منهما ما بيد صاحبه من الشاة لأن بينة كل واحد منهما خارجة.
وإن تنازع صاحب الدار وخياط فيها في إبرة ومقص فهما للخياط عملًا بالظاهر.
(ر تعارض ف 4 ـ 11، تنازع بالأيدي)
ز ـ اعتبار النية في وضع اليد على اللقطة أو اللقيط
ز ـ اعتبار النية في وضع اليد على اللقطة أو اللقيط
14 ـ نص الحنفية على أنه يحرم على المتلقط أن يأخذ اللقطة لنفسه لا لصاحبها لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من آوى ضالة فهو ضال ما لم يُعَرِّفها" والمراد أن يضمها إلى نفسه لأجل نفسه لا لأجل صاحبها بالرد عليه، لأن الضم إلى نفسه لأجل صاحبها ليس بحرام ولأنه أخذ مال الغير بغير إذنه لنفسه فيكون بمعنى الغصب .
نص الشافعية على أنه لو تماشى اثنان فأرى أحدهما الآخر لقطة وأمره بالتقاطها بصيغة هاتها، أو نحوها، فإن أخذها لنفسه فهي له أي للأخذ، وكذا إذا أخذها ولم يقصد نفسه ولا غيره، وإن أخذها وقصد بها الأمر وحده فهي للآمر بناء على جواز التوكيل في الاصطياد، لأن أخذها حينئذٍ استعانة مجردة على تناول شيء معين.
وإن أخذها وقصد بها الأمر مع نفسه فتكون لهما بناءً على جواز التوكيل بالاصطياد أيضًا.
(انظر ف 4)
43 310 ونص الحنابلة على أنه لو رأيا اللقيط جميعًا، فسبق أحدهما فأخذه، أو وضع يده عليه، فهو أحق به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فهو أحق به" وإن رآه أحدهما قبل صاحبه، فسبق إلى أخذه الآخر، فالسابق إلى أخذه أحق؛ لأن الالتقاط هو الأخذ لا الرؤية. ولو قال أحدهما لصاحبه ناولنيه. فأخذه الآخر، نظرنا إلى نيته، فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق، كما لو لم يأمره الآخر بمناولته إياه، وإن نوى مناولته فهو للآمر؛ لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه، فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح.
(انظر مصطلح لقطة، لقيط ف 6).
ح ـ وضع المحرم يده على الصيد
ح ـ وضع المحرم يده على الصيد
15ـ ذهب الفقهاء إلى أنه يحرم على المحرم بحج أو عمرة وضع يده على الصيد بشراء أو إجارة أو عارية أو نحو ذلك، سواء كان في الحرم أو خارج الحرم، لقول الله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا).
ولا فرق بين المستأنس وغيره، ولا بين المملوك لغيره وغير المملوك له.
كما يحرم وضع اليد على الصيد في الحرم على الحلال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرام بحرمة الله تعالى لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده".
وللتفصيل (ر إحرام ف 83 ـ 92، حرم ف 13 ـ 15، صيد 6 ـ 10، ضمان ف 133).
ط ـ ما لا يدخل تحت اليد
ي- وضع اليد على مال الغير بلا سبب شرعي
ط ـ ما لا يدخل تحت اليد
16 ـ ذكر الفقهاء قاعدة "الحر لا يدخل تحت اليد"، وفرعوا عليها مسائل متعددة ينظر تفصيلها في مصطلح (حرٌ ف 6، يد).
ي- وضع اليد على مال الغير بلا سبب شرعي
17- ذهب الفقهاء إلى أن وضع اليد على 43 311 مال الغير بلا سبب شرعي مفسدة موجبة للضمان سواء كان حاكمًا أو محكومًا.
(ر ضمان - 79، وقضاء ف 61)
ثانيًا ـ الأحكام المتعلقة بوضع اليد الحسية
أ - وضع اليد في الصلاة
ب ـ وضع اليد على الخاصرة في الصلاة
ثانيًا ـ الأحكام المتعلقة بوضع اليد الحسية
أـ وضع اليد في الصلاة
18ـ اختلف الفقهاء في وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة على أقوال
والتفصيل في مصطلح (إرسال ف 4، صلاة ف 62 ـ 64، يد)
ب ـ وضع اليد على الخاصرة في الصلاة
19ـ اتفق الفقهاء على أنه يكره للمصلي ذكرًا كان أو أنثى أن يضع يده على خاصرته للنهي عنه، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرًا" ، ولأن هذه الهيئة تنافي هيئة الصلاة .(/3)
ج- وضع اليد على الحجر الأسود
د - وضع اليد على القبر
ج- وضع اليد على الحجر الأسود
20- ذهب الفقهاء إلى أن الطائف يستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر، وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه .
وللتفصيل في الأحكام المتعلقة باستلام الحجر الأسود (ر استلام، الحجر الأسود ف 2، طواف ف 30 ـ 33).
د - وضع اليد على القبر
21- اختلف الفقهاء في حكم وضع اليد على القبر
فذهب المالكية والحنفية في قول والشافعية في قول كذلك إلى أن وضع اليد على القبر بدعة .
جاء في المدخل لابن الحاج المالكي ترى من لا علم عنده يطوف بالقبر الشريف كما يطوف بالكعبة الحرام ويتمسح به ويقبله 43 312 ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم يقصدون به التبرك، وذلك كله من البدع لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له عليه الصلاة والسلام، وما كان سبب عبادة الجاهلية للأصنام إلا من هذا الباب .
وفي الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض قال مالك في رواية ابن وهب إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا إلى القبلة ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده .
وجاء في الفتاوى الهندية قال شمس الأئمة المكي وضع اليد على المقابر بدعة.
وجاء في المجموع للنووي نقلا عن أبي الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني لا يستلم القبر بيده ولا يقبله، وعلى هذا مضت السنة، واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعًا ينبغي تجنب فعله وينهى فاعله.
قال الحافظ أبو موسى الأصفهاني قال الفقهاء المتبحرون الخراسانيون ولا يمسح القبر بيده، ولا يقبله، ولا يمسه؛ فإن ذلك عادة النصارى، قال وما ذكروه صحيح، لأنه صح النهي عن تعظيم القبور، ولأنه لم يستحب استلام الركنين الشاميين من أركان الكعبة، لكونه لم يسن مع استحباب استلام الركنين الآخرين، فلأن لا يستحب مس القبور أولى.
وقال الغزالي وليس من السنة أن يمس الجدار، ولا أن يقبله فإن المس والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود.
وقال الشيخ ابن تيمية اتفق السلف والأئمة على أن من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين فإنه لا يتمسح بالقبر ولا يقبله، بل اتفقوا أنه لا يستلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يستلم ولا يقبل على الصحيح.
ويرى الشافعية في المذهب وأحمد في رواية أنه يكره استلام القبر باليد، واستثنى الشيخ سليمان الجمل من هذا الحكم ما إذا 43 313 قصد به التبرك حيث قال إنه لا يكره حينئذ.
قال الشربيني الخطيب يكره تقبيل التابوت الذي يجعل على القبر كما يكره تقبيل القبر واستلامه وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء فإن هذا كله من البدع التي ارتكبها الناس.
وقال سليمان الجمل يكره تقبيل التابوت الذي يحمل فوق القبر كما يكره تقبيل القبر واستلامه وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء، نعم إن قصد بتقبيل أضرحتهم التبرك لم يكره كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
قال المرداوي وعن أحمد يكره لمس القبر باليد. قال أحمد أهل العلم كانوا لا يمسونه. وقال الأثرم رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يقومون من ناحية فيسلمون. قال أحمد وهكذا كان ابن عمر يفعل.
وذهب الحنفية في قول، والحنابلة في المذهب إلى أن وضع اليد على القبر لا بأس به.
جاء في الفتاوى الهندية نقلًا عن برهان الترجماني لا نعرف وضع اليد على المقابر سنة ولا مستحسنًا ولا نرى به بأسًا .
وقال عين الأئمة الكرابيسي هكذا وجدناه من غير نكير من السلف.
وفي غاية المنتهى لا بأس بلمس قبر بيد لا سيما من ترجى بركته، وفي كشاف القناع لا بأس بلمسه، أي القبر باليد، وفي الإنصاف يجوز لمس القبر من غير كراهة، قدمه في الرعايتين والفروع.
ويرى الإمام أحمد بن حنبل في رواية أنه يستحب لمس القبر، وقال أبو الحسين في تمامه عن هذه الرواية هي أصح.
انظر مصطلح (زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ف 6)
هـ ـ وضع اليد على الفم عند التثاؤب
و ـ وضع اليد على الفم عند العطاس
هـ ـ وضع اليد على الفم عند التثاؤب
22 ـ يندب كظم التثاؤب في الصلاة 43 314 وخارجها، فإذا لم يستطع وضع يده على فمه.
وللتفصيل (ر تثاؤب ف 2-3)
و ـ وضع اليد على الفم عند العطاس
23 ـ السنة عند العطاس وضع اليد أو الثوب على الفم وخفض الصوت لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده ـ أو ثوبه ـ على فيه، وخفض ـ أو غَضَّ ـ بها صوته".
(ر تشميت ف4).
ز ـ وضع اليد على المريض عند الدعاء له
ح ـ كيفية وضع يدي الميت
ز ـ وضع اليد على المريض عند الدعاء له
24 ـ نص المالكية على أنه إن كان المريض لا يكره وضع اليد عليه ندب وضعها عند الدعاء له، ومن أحسن الدعاء "أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك، سبعًا" للوارد بذلك.
(ر عيادة ف 7).
ح ـ كيفية وضع يدي الميت
25 ـ نص الحنفية على أنه إذا مات المسلم توضع يده اليمنى في الجانب الأيمن واليسرى في الجانب الأيسر، ولا يجوز وضع اليدين على صدر الميت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اجعلوا أمواتكم بخلاف الكافرين فإنهم يضعون يد الميت على صدره" ، وأجاز الشافعية جعل يدي الميت على صدره؛ اليمنى على اليسرى، أو إرسالهما في جنبي الميت. قال الشربيني الخطيب فكل من ذلك حسن محصل للفرض.
43 315(/4)
وضوء
مستوى4 التعريف
"وضوء"
التعريف:
1ـ الوضوء في اللغة: من الوَضاءة أي الحسن والنظافة، وقد وَضُؤَ ـ من باب كَرُم ـ وضاءةً مثل ضخم ضخامة: حسن ونظف، ووضَّأه: جعله يتوضأ، وتوضّأَ: غسل بعض أعضائه ونظفها، وتوضأ الغلام والجارية: أدركا حد البلوغ.
والميضأة: بكسر الميم: الموضع يتوضأ فيه، ومنه. والمطهرة: يتوضأ منها.
والوُضوء ـ بالضم ـ الفعل، وبالفتح: الماء يتوضأ به.
وقيل: الوضوء بالفتح ـ مصدر أيضا، أو هما لغتان قد يعنى بهما المصدر، وقد يعنى بهما الماء .
والوضوء شرعا: عرفه الفقهاء بتعريفات منها:
قال الحنفية: الوضوء هو الغسل والمسح على أعضاء مخصوصة.
وقال المالكية: هو طهارة مائية تتعلق بأعضاء مخصوصة ـ وهي الأعضاء الأربعة ـ على وجه مخصوص.
وقال الشافعية: هو أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية، أو هو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحًا بالنية.
وقال الحنابلة: هو استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة، (وهي الوجه واليدان، والرأس، والرجلان)، على صفة مخصوصة في الشرع، بأن يأتي بها مرتبة متوالية مع باقي الفروض.
مستوى4 الألفاظ ذات الصلة
مستوى5 أـ الغسل
الألفاظ ذات الصلة:
أـ الغسل:
2ـ الغَسْل في اللغة مصدر غسل، يقال: غَسَل يغسله غسلًا: أزال عنه الوسخ ونظفه بالماء، ويضم.. أي تضم الغين، أو: بالفتح 43 316 مصدر وبالضم اسم، وبعضهم يجعل المضموم والمفتوح بمعنى، وعزاه إلى سيبويه.
ومن معاني الغُسل ـ بالضم ـ في اللغة: تمام الطهارة.. كما قال ابن القوطية.
والغُسل في اصطلاح الفقهاء: استعمال ماء طهور في جميع البدن على وجه مخصوص.
والصلة بين الوضوء والغسل أن كلا منهما رافع للحدث، لكن الوضوء يرفع الحدث الأصغر، والغُسل يرفع الحدث الأكبر.
مستوى5 ب ـ الطهارة
مستوى5 ج ـ التيمم
ب ـ الطهارة:
3ـ الطهارة في اللغة نقيض النجاسة، وهي النقاء من النجاسة والدنس. يقال: طهَّره بالماء: غسله به، والتطهر: التنزه، والكف عن الإثم.
والطهارة في الاصطلاح: ارتفاع الحدث ـ أكبر كان أو أصغر، أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها ـ وما في معناه، وزوال النَّجس أو ارتفاع حكم ذلك.
والصلة أن الطهارة أعم من الوضوء.
ج ـ التيمم:
4ـ التيمم في اللغة: التوخي والتعمد والقصد، يقال: تيممت الصعيد تيممًا وتأممت أيضًا: قال ابن السكيت: قول الله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ، أي اقصدوا الصعيد الطيب.
وفي الاصطلاح: عرفه الفقهاء بأنه: مسح الوجه واليدين بصعيد طاهر على وجه مخصوص .
والصلة أن كلًّا من الوضوء والتيمم طهارة ورفع للحدث، لكن الوضوء من الحدث الأصغر وهو طهارة مائية، أما التيمم فيكون من أي من الحدثين: الأصغر أو الأكبر، ويستعمل فيه الصعيد الطاهر.
مستوى4 الوضوء من الشرائع القديمة
الوضوء من الشرائع القديمة: 5ـ ذهب جمهور الفقهاء ـ الحنفية في المختار والشافعية في الأصح والحنابلة والمالكية في الصحيح ـ إلى أن الوضوء من الشرائع القديمة، وأنه كان في تلك الشرائع، 43 317 وأنه ليس مختصًا بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، بدليل ما ورد في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: "... ثم دعا ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ بماء فتوضأ ثلاثًا، ثم قال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي" ، وما ثبت للأنبياء صلوات الله عليهم يثبت لأممهم، ويؤيده ما ورد من حديث إبراهيم عليه السلام لما مر على الجبار ومعه سارة "... أنها لما دخلت على الجبار توضأت وصلت ودعت الله عز وجل" ، وما ورد في قصة جريج الراهب لما رموه بالمرأة "أنه توضأ وصلى، ثم قال للغلام: من أبوك؟ قال: هذا الراعي" .
وقالوا: إن الذي هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو الكيفية المخصوصة، أو أثر الوضوء، وهو بياض محله يوم القيامة المسمى بالغرة والتحجيل.
وذهب المالكية في قول، والشافعية في مقابل الأصح، وبعض الحنفية إلى أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، مستدلين بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون عليَّ غُرًّا محجلين من آثار الوضوء" .
مستوى4 مكان فرض الوضوء وزمانه
مكان فرض الوضوء وزمانه:
6ـ ذهب الفقهاء إلى أن الوضوء فرض بمكة مع فرض الصلاة، والمعية هنا للمكان لا للزمان، فلا يلزم أن تكون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الافتراض بلا وضوء، وقد كان يصلي قبل فرض الصلوات الخمس قطعًا، ولم يُصَلِّ قط إلا بوضوء، قال ابن عبد البر : وهذا مما لا يجهله عالم، ولم 43 318 ينقل وقوع صلاة لغير عذر بدونه، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" أي بالماء، أو ما يقوم مقامه، وقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعًا: "إن الصعيد الطيب وضوء المسلم" فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه.
وقال جمهور الفقهاء: إن الوضوء شريعة من قبلنا، وقد تقرر في الأصول أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله تعالى من غير إنكار، ولم يظهر نسخه. وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة ورأي عند الشافعية.
ونص الحنفية على أن فائدة نزول آية الوضوء وهي مدنية، مع أن الوضوء فرض بمكة: تقرير حكمه الثابت، فإنه لما لم يكن عبادة مستقلة، بل تابعًا للصلاة احتمل أن لا تهتم الأمة بشأنه، وأن يتساهلوا في شرائطه وأركانه بطول العهد عن زمن الوحي وانتقاص الناقلين يومًا فيومًا، بخلاف ما إذا ثبت بالنص المتواتر الباقي في كل زمان وعلى كل لسان.(/1)
ومن الفائدة كذلك تَأَتِّي اختلاف المجتهدين الذي هو رحمة، وذلك في بعض أحكامه، كالنية، والدلك، والترتيب، وقدر المسموح، ونقضه بالمس.
وكذلك اشتمال الآية على أحكام كثيرة مبسوطة في بعض كتب الحنفية.
وقال الشافعية: إن المسلمين كانوا قبل فرض الصلوات الخمس لا يصلون إلا بالوضوء، لكن على سبيل الندب أو النظافة لأنه من الشرائع القديمة، كما دلت الأحاديث الصحيحة، والمختار أن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا.
وكان الوضوء واجبًا في صدر الإسلام لكل صلاة، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ثم نسخ يوم الخندق ـ إلا مع الحدث ـ وصار يؤدى به صلوات كثيرة مع بقاء طلبه . (ر: شرع من قبلنا ف 3).
43 319
مستوى4 مشروعية الوضوء
مشروعية الوضوء:
7ـ ذهب الفقهاء إلى أن الوضوء مشروع بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) . قالوا: الآية دالة على فرضية الوضوء، أو هي آية الوضوء كما قال القرطبي، وظاهرها يقتضي وجوب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة، وهو مذهب أهل الظاهر ـ محدثًا كان أو غيره ـ والجمهور على خلافه، قالوا: معناه إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون.. وإنما أضمر وأنتم محدثون كراهة أن يفتتح آية الطهارة بذكر الحدث كما قال: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) ولم يقل هدى للضالين الصائرين إلى التقوى بعد الضلال، كراهة أن يفتتح أولى الزهراوين بذكر الضلالة.
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة بغير طهور".
وأجمع أهل السير أن الوضوء فرض بمكة مع فرض الصلاة بتعليم جبريل عليه السلام، وأجمعت الأمة على مشروعية الوضوء ووجوبه.
مستوى4 منكر وجوب الوضوء
منكر وجوب الوضوء:
8ـ نص الفقهاء على أن من أنكر وجوب الوضوء للصلاة يكفر، لإنكاره النص القطعي، وهو آية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ولإنكاره الإجماع.
وأضاف الحنفية أن منكر وجوب الوضوء إن كان إنكاره وجوب الوضوء لغير الصلاة لا يكفر، قال ابن عابدين: ولو لمسِّ المصحف، لوقوع الخلاف في تفسير آيته وهو قوله 43 320 تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
ترك الوضوء عمدا ثم صلى محدثا
9- نص الحنفية على أن كل من يستخف بالدين يكفر - كالصلاة بلا وضوء عمدا -.
وقال المالكية : من ترك الطهارة يقتل بها كالصلاة .
ونص الشافعية على أنه إن تعمد ترك الوضوء ثم صلى محدثا ، استتيب فإن لم يتب قتل حدا ، لا كفرا .
وقال الحنابلة : من ترك شرطا مجمعا عليه أو ركنا كالطهارة والركوع والسجود فهو كتاركها ، حكمه حكمه ، وقالوا : من ترك الصلاة وهو بالغ عاقل جاحدا أو غير جاحد دعي إليها في وقت كل صلاة ثلاثة أيام ، فإن صلى وإلا قتل .
مستوى4 الحكم التكليفي
مستوى5 أولا : ما يكون الوضوء له فرضا
مستوى6 أ- الصلاة
9ـ الحكم التكليفي:
يختلف الحكم التكليفي للوضوء بحسب اختلاف ما يتوضأ لأجله ، وتفصيله فيما يلي :
أولا : ما يكون الوضوء له فرضا :
أ- الصلاة :
10- اتفق الفقهاء على أن الوضوء فرض على المحدث إذا أراد القيام لصلاة الفرض أو النفل ، لأن الله لا يقبل صلاة من غير طهور .
ونص الحنفية على أن الوضوء فرض لصلاة الجنازة ، لأنها صلاة وإن لم تكن كاملة . وهو ما ذهب إليه سائر الفقهاء ، إذ يشترط لصحة صلاة الجنازة عندهم ما يشترط لبقية الصلوات من الطهارة الحكمية أو الطهارة الحقيقية بدنا وثوبا ومكانا وستر العورة ، واستقبال القبلة ، والنية .
(ر: جنائز ف22)
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوضوء 43 321 فرض لسجدة التلاوة باعتبار أنه يشرط لسجدة التلاوة ما يشترط للصلاة .
( ر: سجدة التلاوة ف3 )
مستوى6 ب - الطواف
ب - الطواف
11 - ذهب جمهور الفقهاء : المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الوضوء فرض للطواف فرضه ونفله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير " .
وذهب الحنفية إلى أن الوضوء للطواف واجب ، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالحديث الآنف الذكر الذي استدل به الجمهور وقالوا : إنه لما أشبه الطواف الصلاة من وجه قلنا بوجوب الطهارة وعدم توقف صحته عليها ، وزادوا : إذا طاف الطائف الفرض محدثاً وجب دم ، وإن كان جنباَ فبدنة ، وإذا طاف الواجب كالوداع أو النفل محدثاَ فصدقة، وجنبا فدم.
مستوى6 ج - مس المصحف
ج - مس المصحف :
12- اختلف الفقهاء في فرضية الوضوء لمس المصحف فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوضوء فرض لمس المصحف لقوله تعالى: (لَّا يمسه إلا اَلمطَهَّرُون ) .
(ر: مصحف ف 4-11)
43 322
مستوى5 ثانياَ: ما يكون الوضوء له سنة
ثانياَ: ما يكون الوضوء له سنة :
13- صرح الحنفية والحنابلة والشافعية غير البغوي بأن الوضوء للنوم سنة، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بحديث: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ".
ويرى المالكية أن الوضوء للنوم مستحب ، وفي قول عندهم وضوء الجنب للنوم سنة وفي قول : إنه واجب ، وقال البغوي من الشافعية إن النوم لا يستحب له الوضوء .
مستوى5 ثالثا : ما يكون الوضوء له مندوباً
مستوى6 أ- قراءة القرآن
ثالثا : ما يكون الوضوء له مندوباً :(/2)
ضابط الوضوء المندوب : كل وضوء ليس شرطا في صحة ما يفعل به بل من كمالات ما يفعل به .
يكون الوضوء مندوباً في أحوال كثيرة منها :
أ- قراءة القرآن .
14- اتفق الفقهاء على أنه يستحب الوضوء لقراءة القرآن وقراءة الحديث وروايته .
مستوى6 ب- ذكر الله تعالى
مستوى6 ج - الأذان
مستوى6 د- الإقامة
مستوى6 هـ - الخطبة
ب- ذكر الله تعالى :
15- صرح الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة باستحباب الوضوء لذكر الله تعالى .
(ر: ذكر ف 28) .
ج - الأذان :
5ام - اتفق الفقهاء على أنه يستحب : الوضوء للأذان .
(ر: أذان ف33 ) .
د- الإقامة :
16- اختلف الفقهاء في حكم الوضوء
43 323 للإقامة . (ر: إقامة ف 11) .
هـ - الخطبة :
17- يرى جمهور الفقهاء أنه يستحب الوضوء للخطبة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقب الخطبة لا يفصل بينهما بطهارة ، فيدل على أنه كان متطهراً ، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم إن لم يكن واجباً فهو سنة .
ويرى الشافعية والمالكية على القول المقابل للمشهور أن الطهارة عن الحدث من شروط الخطبة .
( ر: خطبة ف11)
مستوى6 و- دراسة العلم الشرعي
مستوى6 ز- الوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة
مستوى6 ح- زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
مستوى6 ط - الوضوء على الوضوء
و- دراسة العلم الشرعي :
18 - يرى جمهور الفقهاء أنه يستحب الوضوء لدراسة العلم الشرعي ، وقال الحطاب نقلا عن الشبيبي : من المباح الوضوء لتعلم العلم وتعليمه عند بعضهم .
ز- الوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة :
19- يستحب الوضوء للوقوف بعرفة لشرف المكان ومباهاة الله تعالى الملائكة بالواقفين ، كما يستحب الوضوء للسعي بين الصفا والمروة لأداء العبادة وشرف المكانين .
ح- زيارة النبي صلى الله عليه وسلم :
20 - اتفق الفقهاء على أنه يستحب الوضوء لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً لحضرته ودخول مسجده .
ط - الوضوء على الوضوء :
21 - اختلف الفقهاء في حكم تجديد الوضوء .
( ر: تجديد ف2 )
43 324
مستوى6 ي - وضوء الجنب عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم
ي - وضوء الجنب عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم :
22- ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب للجنب الوضوء عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم لحديث عائشة - رضي الله عنها- " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة " .
ولحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة " ولحديث " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " .
قال الطحطاوي : أما الوضوء بين الجماعين وعند النوم فالمراد به الشرعي في قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة " وفي رواية : " توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام " .
أما الوضوء عند إرادة الأكل والشرب فالمراد به اللغوي لما ورد عن عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه " قال في شرح المشكاة : وعليه جمهور العلماء .
وقال أبو يوسف : لا يستحب الوضوء بين الجماعين بل هو جائز .
وقال المالكية: ليس على الجنب وضوء عند إرادة الأكل والشرب أو معاودة الجماع ولكن يستحب له غسل يديه من الأذى إذا أراد الأكل كما يستحب له غسل فرجه ومواضع النجاسة إذا أراد أن يعاود الجماع ، أما إذا أراد النوم ففي وضوئه ثلاثة أقوال :
الأول : أنه يندب له الوضوء .
الثاني : أنه يسن له الوضوء.
43 325 الثالث : أنه يجب عليه الوضوء .
مستوى6 ك - المحافظة على الوضوء
مستوى6 ل - الوضوء خروجا من الخلاف
ك - المحافظة على الوضوء :
23- صرح الحنفية بأنه يندب المحافظة على الوضوء ، وتفسيره أن يتوضأ كلما أحدث ليكون على الوضوء في الأوقات كلها .
ل - الوضوء خروجا من الخلاف :
24- صرح الحنفية بأنه يستحب الوضوء للخروج من خلاف سائر العلماء كما إذا مس امرأة مشتهاة غير محرمة ، أو فرجه ببطن كفه لتكون عبادته صحيحة بالاتفاق عليها استبراء لدينه من القول بالإفساد .
(ر : مراعاة الخلاف فقرة 2-4 )
مستوى5 رابعا : ما يباح له الوضوء
رابعا : ما يباح له الوضوء :
25- صرح المالكية بأن الوضوء المباح هو الوضوء للتنظيف والتبرد ، وقال الشبيبي : من المباح الوضوء لتعلم العلم وتعليمه عند بعضهم .
وقال القاضي عياض : الوضوء المباح هو الوضوء للدخول على الأمراء ولركوب البحر وشبهه من المخاوف وليكون الشخص على طهارة ولا يريد به استباحة صلاة أو غيرها مما يمنعه الحدث . ثم قال : وقد يقال في هذا كله إنه من المستحبات .
واستظهر الحطاب في هذا كله الاستحباب ما عدا التنظيف والتبرد فإنه مباح .
وهذا الوضوء لا يرفع الحدث ما لم ينوه ، لأن ما قصده يصح فعله مع بقاء الحدث .
مستوى5 خامسا : الوضوء الممنوع
خامسا : الوضوء الممنوع :
26 - نص المالكية على أن الوضوء الممنوع هو المجدد قبل أن تفعل به عبادة والوضوء لغير ما شرع له الوضوء أو أبيح .
انظر المصطلح ( تجديد ف2 )
مستوى4 فضيلة الوضوء
فضيلة الوضوء :
27 ـ وردت عدة أحاديث في فضل 43 326 الوضوء وسقوط الخطايا به ، منها :
ما روى أبو مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطهور شطر الإيمان " .(/3)
وروى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه توضأ ثم قال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال : " من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وعن عثمان رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت أظفاره " .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما منكم من أحد يتوضأ فيُبْلِغ ، أو فيُسْبِغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها شاء " ، وفي رواية : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غُرّاً محجّلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " .
مستوى4 شروط الوضوء
مستوى5 أولاً : شروط وجوب الوضوء
مستوى6 أ ـ العقل
شروط الوضوء :
28 ـ شروط الوضوء منها ما هو شرط في وجوبه ، ومنها ما هو شرط في صحته ، ومنها ما هو شرط في وجوبه وصحته معاً .
والمراد بشروط الوجوب هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص .
وشروط الصحة هي ما لا تصح الطهارة إلا بها ، ولا تلازم بين النوعين بل بينهما عموم وجهي .
أولاً : شروط وجوب الوضوء :
أ ـ العقل :
29 ـ ذهب الفقهاء إلى أن العقل من شروط وجوب الوضوء إذ لا خطاب 43 327 بدون العقل ، وصرح المالكية بأن العقل شرط في وجوب الوضوء وصحته معاً ، ونص الحنابلة على أن العقل شرط لصحة الوضوء .
مستوى6 ب ـ البلوغ
مستوى6 ج ـ الإسلام
ب ـ البلوغ :
30 ـ ذهب الفقهاء إلى أن البلوغ شرط في وجوب الوضوء ، فلا يجب على الصبي لعدم تكليف القاصر ، أما الصبي المميز فيصح وضوؤه .
ج ـ الإسلام :
31 ـ صرح الحنفية في الصحيح بأن الإسلام شرط لوجوب الوضوء ، إذ لا يخاطب كافر بفروع الشريعة .
كما يرى المالكية في مقابل المشهور أن الإسلام شرط في الوجوب والصحة معاً .
ويرى الشافعية والحنابلة والمالكية في المشهور أن الإسلام شرط في صحة الوضوء ، بناءً على أن الكفار يخاطبون بفروع الشريعة .
مستوى6 د ـ انقطاع ما ينافي الوضوء من حيض ونفاس
مستوى6 هـ ـ وجود الماء المطلق الطهور الكافي
د ـ انقطاع ما ينافي الوضوء من حيض ونفاس :
32 ـ ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن انقطاع ما ينافي الوضوء من حيض ونفاس شرط في وجوب الوضوء وصحته معاً .
ه ـ ـ وجود الماء المطلق الطهور الكافي :
33 ـ نص الحنفية والمالكية على أن من شروط وجوب الوضوء وجود الماء المطلق الطهور الكافي .
43 328 فلا يجب الوضوء على من عَدِمَ الماء ، والحاجة إلى الماء تنفيه حكماً ، فلا قدرة إلا بالماء الكافي لجميع الأعضاء مرة مرة ، وغيره كالعدم .
واشترط الشافعية : وجود الماء المطلق والعلم بأنه مطلق ولو ظناً عند الاشتباه .
ونص الحنابلة على اشتراط طهورية الماء .
مستوى6 و ـ القدرة على استعمال الماء
مستوى6 ز ـ وجود الحدث
و ـ القدرة على استعمال الماء :
34 ـ نص الحنفية والمالكية على أن من شروط وجوب الوضوء القدرة على استعمال المطهر .
وصرح الحنفية بأنه لا يجب على عاجز عن استعمال المطهر ، ولا على من قطعت يداه من المرفقين ، ورجلاه من الكعبين .
ز ـ وجود الحدث :
35 ـ يرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن وجود الحدث الموجب للوضوء شرط لوجوب الوضوء .
نص الشافعية على أن في موجبه أوجهاً :
أحدها : الحدث مع الانقطاع فيجب وجوباً موسعاً .
ثانيها : القيام إلى الصلاة ونحوها .
ثالثها : هما معاً وهو الأصح في التحقيق .
ونص الحنابلة على أن سبب وجوب الوضوء الحدث ، ذكره ابن عقيل وغيره .
وفي الانتصار : يجب بإرادة الصلاة بعد الحدث . قال ابن الجوزي : لا تجب الطهارة قبل إرادة الصلاة بل تستحب .
أما إذا شك في الحدث وتيقن الطهارة فلا يجب عليه الوضوء عند جمهور الفقهاء .
ويرى المالكية على المشهور أن عليه الوضوء وجوباً ، وقيل : استحباباً .
انظر مصطلح (شك ف 14) .
43 329
مستوى6 ح ـ ضيق الوقت
مستوى6 ط ـ بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم
ح ـ ضيق الوقت :
36 ـ نص الحنفية على أن ضيق الوقت من شروط وجوب الوضوء ، وقالوا : إن هذا شرط للوجوب المضيق ، لتوجه الخطاب مضيقاً حينئذٍ وموسعاً في ابتدائه ، بمعنى أن وجوب الوضوء موسع بدخول الوقت كالصلاة ، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقاً .
ونص المالكية على أن من شروط وجوب الوضوء دخول وقت الصلاة الحاضرة وتذكر الفائتة .
وقال في الفروع : ويتوجه قياس المذهب أن الوضوء يجب بدخول الوقت ، لوجوب الصلاة إذن ووجوب الشرط بوجوب المشروط .
ط ـ بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم :
37 ـ صرح المالكية بأن من شروط صحة الوضوء ووجوبه بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المكلف .
مستوى5 ثانياً : شروط صحة الوضوء
مستوى6 أ ـ عموم البشرة بالماء الطهور
مستوى6 ب ـ زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد
ثانياً : شروط صحة الوضوء :
أ ـ عموم البشرة بالماء الطهور :
38 ـ صرح الحنفية بأن من شروط صحة الوضوء عموم البشرة بالماء الطهور ، أي بأن يعم الماء جميع المحل الواجب استعماله فيه ، حتى لو بقي مقدار مغرز إبرة لم يصبه الماء من المفروض غسله لم يصح الوضوء .
وقال الشافعية : من شروط الوضوء أن يغسل مع المغسول جزءًا يتصل بالمغسول ويحيط به ، ليتحقق به استيعاب المغسول .
ب ـ زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد :(/4)
39 ـ نص الحنفية والمالكية على أنه من شروط صحة الوضوء زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد لجرمه الحائل كشمع وشحم وعجين وطين.
واعتبر الشافعية والحنابلة إزالة مانع وصول الماء إلى البشرة من شروط الوضوء .
وزاد الشافعية : وأن لا يكون على العضو ما 43 330 يغير الماء تغيراً مضراً . قال في الإمداد : ومنه الطيب الذي يحسّن به الشعر ، على أنه قد ينشف ويمنع وصول الماء للباطن ، فيجب إزالته وهذا هو الراجح.
مستوى6 ج ـ انقطاع الحدث حال التوضؤ
مستوى6 د ـ العلم بكيفية الوضوء
ج ـ انقطاع الحدث حال التوضؤ :
40 ـ يرى الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) أن انقطاع الحدث حال التوضؤ شرط لصحة الوضوء ، لأنه بظهور بول وسيلان ناقض لا يصح الوضوء.
د ـ العلم بكيفية الوضوء :
41 ـ ذكر الشافعية ضمن شروط الوضوء : معرفة كيفية الوضوء ، بمعنى أنه لا بد للمتوضئ أن يميز فرائض الوضوء من سننه ، أو يعتقد أن فيه فرضاً وسنة وإن لم يميز أحدهما عن الآخر ، أو يعتقد أن أفعاله كلها فرض .
والمضر أن يعتقد أن فيه فروضاً وسنناً ويعتقد أن الفرض سنة .
وهذا في حق العامي أما العالم فلابد فيه من التمييز .
مستوى6 هـ ـ عدم الصارف عن الوضوء
هـ ـ عدم الصارف عن الوضوء :
42 ـ ذكر الشافعية من شروط الوضوء عدم صارف عن الوضوء ، ويعبر عنه بدوام النية حكماً : بأن لا يأتي بمناف للنية كردة أو قول إن شاء الله لا بنية التبرك أو قطع للنية .
مستوى6 و ـ جري الماء على العضو
مستوى6 ز ـ النية
و ـ جري الماء على العضو :
43 ـ صرح الشافعية بأن من شروط الوضوء جري الماء على العضو ، وقالوا : لا يمنع من عد هذا شرطاً كونه معلوماً من مفهوم الغسل ، لأنه قد يراد به ما يعم النضح .
ز ـ النية :
44 ـ عد الحنابلة من شروط الوضوء النية لخبر "إنما الأعمال بالنيات" أي لا عمل 43 331 جائز ولا فاضل إلا بالنية ، ولأن النص دل على الثواب في كل وضوء ولا ثواب في غير منوي ، ولأن الوضوء عبادة ومن شروط العبادة النية ، لأن ما لم يعلم إلا من الشارع فهو عبادة.
مستوى6 ح ـ إباحة الماء
ح ـ إباحة الماء :
45 ـ يرى الحنابلة على الصحيح من المذهب أن من شروط صحة الوضوء إباحة الماء لحديث : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" فلا يصح الوضوء بماء محرم الاستعمال كالمغصوب ونحوه وعن أحمد : تصح الطهارة بالماء المغصوب وتكره .
مستوى4 شروط الوضوء في حق صاحب الضرورة
شروط الوضوء في حق صاحب الضرورة :
46 ـ يشترط الشافعية والحنابلة لوضوء صاحب الضرورة ـ وهو من حدثه دائم كسلس واستحاضة ـ دخل الوقت ولو ظناً ، لأن طهارته طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم ، و تقديم الاستنجاء أو الاستجمار .
وزاد الشافعية اشتراط التحفظ حيث احتيج إليه ، وأيضاً الموالاة بين الاستنجاء والتحفظ ، والموالاة بين أفعال الوضوء ، والموالاة بين الوضوء وبين الصلاة . .
وانظر للتفصيل في مصطلح (سلس ف 5) ، (واستحاضة ف 30 وما بعدها)
مستوى4 أسباب الوضوء
أسباب الوضوء :
47 ـ اختلف الفقهاء في سبب وجوب الوضوء ، فذهب جمهور الفقهاء ـ الحنفية والمالكية والشافعية على الصحيح ورأي عند الحنابلة ـ إلى أن سبب فريضة الوضوء إرادة الصلاة مع وجود الحدث ، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ . . .) ، قال ابن عباس : معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون.
43 332 وذهب الشافعية في وجه ، والحنابلة على الصحيح من المذهب إلى أن سبب وجوب الوضوء : الحدث .
وزاد الشافعية وجوبا موسعا فلولاه لم يجب الوضوء .
وذهب الشافعية في وجه والحنابلة في رأي إلى أن موجب الوضوء القيام إلى الصلاة أو نحوها فإنه لا يتعين الوضوء قبله .
وفي رأي عند الحنابلة نقل عن الفروع أنه يتوجه قياس المذهب أن الوضوء يجب بدخول الوقت لوجوب الصلاة.
مستوى4 فروض الوضوء
فروض الوضوء :
48 ـ اتفق الفقهاء على أن غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين من فرائض الوضوء .
واختلفوا في عد النية والمولاة ( ويعبر عنها بالفور ) والترتيب والدلك من فرائضه .
ونوضح كل فرض من هذه الفروض فيما يلي :
مستوى5 أولا الفرائض المتفق عليها في الوضوء
مستوى6 الفرض الأول غسل الوجه
أولا : الفرائض المتفق عليها في الوضوء :
الفرض الأول : غسل الوجه :
49 ـ اتفق الفقهاء على أن غسل ظاهر الوجه بكامله مرة فرض من فروض الوضوء لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ . . .) .
ولما روى عطاء بن يزيد الليثي أن حُمران مولى عثمان أخبره أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه "دعا بوضوء فتوضأ ، فغسل كفيه ثلاث مرات ، ثم مضمض واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم 43 333 توضأ نحو وضوئي هذا".
واستدلوا كذلك بالإجماع على وجوب غسل الوجه بكامله في الوضوء.
50 ـ
مستوى7 المجزىء من الغسل في الوضوء
اختلف الفقهاء في المجزىء من الغسل في الوضوء فذهب الجمهور : ( الحنفية ، والشافعية والحنابلة ) أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء جريان الماء على الأعضاء ، ولا يشترط الدلك ، وانفرد مالك والمزني باشتراطه .(/5)
قال الحنفية : غسل الوجه هو إسالة الماء مع التقاطر ولو قطرة ، حتى لو لم يسل بأن استعمله استعمال الدهن لم يجز في ظاهر الرواية ، وكذا لو توضأ بالثلج ولم يقطر منه شيء لم يجز .
وعن أبي يوسف : هو مجرد بَلّ المحل بالماء . . سال أو لم يسل .
ونقل ابن الهمام عنه أنه يجزي إذا سال على العضو وإن لم يقطر .
ونقل الحصكفي عن الفيض أن أقله قطرتان في الأصح .
وقال الدسوقي : الغسل هو إمرار اليد على العضو مقارنا للماء أو عقبه على المشهور .
وقال الشافعية : المراد بالغسل الانغسال ، سواء كان بفعل المتوضئ أم بفعل غيره . أم بغير فعل أصلا - كأن ينزل عليه المطر - ولو بغسل غيره بلا إذنه ، أو سقوطه في نهر إن كان ذاكرا للنية فيهما.
مستوى7 الوجه وحدّه
الوجه وحدّه :
51 ـ قال الفقهاء : الوجه هو ما تحصل به المواجهة ، فيغسل ظاهره كله .
وقال الفقهاء : حد الوجه عرضا ما بين الأذنين ، وحده طولاً ما بين منابت شعر رأسه عالياً ـ أي أن ما من شأن أن ينبت عليه الشعر المذكور ـ ويعبر عنه بعضهم : من مبدأ أعلى جبهته . . إلى أسفل الذقن .
43 334 وقال المالكية والحنابلة : ذلك فيمن لا لحية له ، وأما من له لحية . . فمنتهى لحيته .
وقال الحنفية : المسترسل أي الخارج عن دائرة الوجه من الشعر لا يجب غسله لأنه إنما يواجه إلى المتصل عادة لا إلى المسترسل فلم يكن وجها فلا يجب غسله ، ولا يجب مسحه كذلك بل يسن ، والسلعة إذا تدلت عن الوجه فالصحيح أنه يجب غسلها .
وقال الشافعية : الشعور الخارجة عن حد الوجه يجب غسل ظاهرها وباطنها مطلقا إن خفت ، وظاهرها مطلقا إن كثفت . . . وفي قول لا يجب غسل خارج عن حد الوجه من لحية وغيرها خفيفاً كان أو كثيفاً ، لا ظاهراً ولا باطناً ، لخروجه عن محل الغرض . . . وقالوا : يجب غسل سلعة نبتت في الوجه وإن خرجت عن حده لحصول المواجهة بها.
مستوى7 غسل الشعر الذي على الوجه
غسل الشعر الذي على الوجه :
52 ـ قال الفقهاء : إن ما في الوجه من شعر إن كان لحية رجل فيغسل الخفيف من هذا الشعر ظاهرا وباطنا حتى الجلدة التي نبت عليها الشعر ، وإن كان كثيفا بحيث لا ترى هذه الجلدة أثناء المخاطبة سقط غسل الباطن للحرج .
وإن كان ما في الوجه من شعر هدبا أو حاجباً أو شاربا أو عنفقة ـ وهي الشعر النابت على الشفة السفلى ـ أو لحية امرأة أو خنثى . . فقد اختلفوا في حكم غسل هذا الشعر ـ خفيفا أو كثيفاً ـ على النحو التالي :
فقال الحنفية : لا يجب غسل أصول شعر الحاجبين والشارب واللحية والعنفقة إذا كان هذا الشعر كثيفا للحرج في إيصال الماء إلى أصول الشعر ويسن تخليل لحية غير المحرم ، أما إذا كان الشعر خفيفا تبدو البشرة من خلاله فيجب غسله ظاهراً وباطنا إلى الجلدة التي نبت عليها .
ولا يجب غسل المسترسل من الشعر لخروجه من دائرة الوجه كما لا يجب مسحه.
وقال المالكية : يجب غسل الوجه مع تخليل شعر من لحية أو حاجب أو شارب أو 43 335 عنفقة أو هدب تظهر البشرة تحته في مجلس المخاطبة ، والتخليل : إيصال الماء إلى البشرة أي الجلدة النابت فيها الشعر . . وهذا في الشعر الخفيف ، أما الكثيف فلا يخلله ، بل يكره لما فيه من التعمق ، ويكفي إمرار الماء على ظاهر الشعر دون إيصال الماء إلى البشرة .
قال الدردير : ولا ينافى أنه يجب تحريكه ليدخل الماء بين ظاهره وإن لم يصل إلى البشرة . قال الدسوقي : وهو الراجح ، خلافا لمن قال بندبه ، ولمن قال بوجوب تخليله ، وقال : والمرأة كالرجل في وجوب تخليل الخفيف ، وفي الأقوال الثلاثة في الكثيف.
وقال الشافعية : شعور الهدب والحاجب والشارب والعذار والعنفقة تغسل شعرا وبشرا ظاهرا وباطنا وإن كثفت لأن كثافتها نادرة ، وقيل : لا يجب غسل باطن عنفقة كثيفة ولا بشرتها كاللحية ، وفي ثالث : يجب إن لم تتصل باللحية .
وقالوا : لحية المرأة كهذه الشعور تغسل ظاهراً وباطناً لندرة كثافتها ، ولأنه يسن لها إزالتها لأنها مثلة في حقها ، ومثلها الخنثى في غسل ما ذكر إن لم يجعل ذلك علامة على ذكورته وهو المعتمد .
ولحية الرجل إن خفت ـ بحيث ترى بشرة الوجه تحت الشعر ـ يجب غسل ظاهرها وباطنها ، وإن كثفت فيغسل ظاهرها ولا يجب غسل باطنها لعسر إيصال الماء إليه مع الكثافة غير النادرة ، لما روي "أن النبي ( توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه ، وكانت لحيته الكريمة كثيفة ، وبالغرفة الواحدة لا يصل الماء إلى ذلك غالباً . . ويسن تخليلها .
فإن خف بعض لحية الرجل وكثف بعضها وتميز فلكل حكمه ، وإن لم يتميز بأن كان الكثيف متفرقا بين أثناء الخفيف وجب غسل الكل لأن إفراد الكثيف بالغسل يشق وإمرار الماء على الخفيف لا يجزئ . . وهذا هو المعتمد.
وفي رأي يجب غسل البشرة ، حكاه الرافعي قولا ووجها عند الشافعية ، وهو مذهب المزني وأبي ثور ، وإسحاق بن راهويه ، واحتج لهم بحديث أنس رضي الله عنه " أن رسول الله 43 336 ( كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء ، فأدخله تحت حنكه ، فخلل بها لحيته ، وقال هكذا أمرني ربي".
واحتجوا أيضا بالقياس على غسل الجنابة وعلى الشارب والحاجب.
وقال الحنابلة : في الصحيح من المذهب أنه يجب غسل اللحية وما خرج عن حد الوجه من الشعر المسترسل لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة .
وكذا يجب غسل عنفقة وشارب وحاجبان ولحية امرأة وخنثى إذا كان كثيفا ، ويجزئ غسل ظاهره كلحية الذكر ، ويسن غسل باطنه خروجاً من خلاف من أوجبه . . كالشافعي أي في غير لحية الرجل .(/6)
والخفيف من شعور الوجه كلها ـ وهو الذي يصف البشرة ـ يجب غسله وغسل ما تحته ، لأن الذي لا يستره شعره يشبه ما لا شعر عليه ويجب غسل الشعر تبعا للمحل ، فإن كان في شعره كثيف وخفيف فلكل حكمه .
وقالوا يسن تخليل اللحية عند غسلها لحديث عثمان رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته ".
وعن الإمام أحمد لا يجب غسل ما خرج عن محاذاة البشرة طولاً وعرضاً وهو ظاهر كلام الخرقي في المسترسل . قال أحمد : ويسن أن يزيد في ماء الوجه لأساريره ودواخله وخوارجه وشعوره.
مستوى7 غسل مآق العين وداخلها
غسل مآق العين وداخلها :
53 ـ قال الفقهاء : يغسل مع الوجه في الوضوء مآق العين ـ أي طرفها أو مؤخرها ـ فإن كان عليه ما يمنع وصول الماء إلى المحل الواجب غسله كالرمص وجبت إزالته وغسل ما تحته .
أما داخل العين فقد اختلف الفقهاء في غسله مع الوجه في الوضوء :
فذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية و الحنابلة في المذهب إلى أنه لا يغسل مع الوجه في الوضوء باطن العينين لأن النبي ( لم يفعله ولا أمر به ولأنه شحم 43 337 يضره الماء الحار والبارد .
وروي عن أحمد وجوب غسل داخل العينين بشرط أمن الضرر ، وعنه : يجب في الطهارة الكبرى.
أما إذا تنجس داخل العين فقد اختلف الفقهاء في غسله أثناء الوضوء .
فذهب المالكية والشافعية وأحمد في قول إلى أنه يجب غسل باطن العين من نجاسة .
وذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى أنه لا يجب غسل داخل العين من نجاسة فيها فيعفى عنها في الصلاة.
مستوى7 غسل موضع الغمم
غسل موضع الغمم :
54 ـ ذهب الفقهاء إلى أنه يدخل في غسل الوجه في الوضوء موضع الغمم من الوجه لحصول المواجهة به ، وموضع الغمم هو ما ينبت عليه الشعر من الجبهة ، والغمم أن يسيل الشعر حتى يضيق الجبهة والقفا فيغسل المتوضئ ما نزل من الشعر عن المعتاد من حد منبته في الرأس ، وينتهي إلى المعتاد وقدر ما يتم به الواجب ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
مستوى7 غسل موضع التحذيف في الوضوء
غسل موضع التحذيف في الوضوء :
55 ـ موضع التحذيف : هو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة.
وضابطه أن تضع طرف خيط على طرف الأذن ، والطرف الثاني على أعلى الجبهة وتفرض هذا الخيط مستقيماً فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف .
واختلف الفقهاء في دخول موضع التحذيف في غسل الوجه عند الوضوء .
43 338 فذهب جمهور الشافعية والمالكية في رأي والحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أن موضع التحذيف من الرأس لاتصال شعره بشعر الرأس فلا يغسل مع الوجه .
وذهب الحنفية والمالكية في رأي آخر والحنابلة في قول والشافعية في قول قال الغزالي والرافعي وغيرهما هو الأصح إلى أن التحذيف من الوجه لمحاذاته بياض الوجه فيغسل معه.
مستوى7 غسل البياض بين العذار والأذن
غسل البياض بين العذار والأذن :
56 ـ ذهب الشافعية والحنابلة وهو الصحيح وظاهر المذهب عند الحنفية وبه يفتى . . إلى أن البياض الذي بين العذار والأذن من الوجه لدخوله في حده .
وعن أبي يوسف في رواية عنه أنه لا يدخل في الوجه .
وعن المالكية ـ كما قرر الدسوقي ـ أن البياض المحاذى لوتد الأذن من الوجه باتفاق ، وكذا ما كان تحته على المشهور ، خلافا لمن قال إنه لا يغسل ولا يمسح مع الرأس ، وأما البياض الذي فوقه فهو من الرأس.
غسل الشفتين :
57 ـ قال الفقهاء : يجب أن يغسل مع الوجه في الوضوء ما ظهر من حمرة الشفتين أي ما يظهر منهما عند انضمامهما انضماما طبيعيا لا عند انضمامهما بشدة وتكلف ، وقيل عند الحنفية في وجه : الشفة تبع للفم.
غسل جزء من الرأس :
58 ـ ذهب الفقهاء إلى وجوب غسل جزء من الرأس في غسل الوجه ، وزاد الشافعية : وغسل جزء من الحلق ومن تحت الحنك ومن الأذنين مع غسل الوجه في الوضوء ، لأن ذلك مما لا يتم الواجب إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
مستوى7 غسل العذار
مستوى7 غسل الوترة وداخل الفم والأنف
43 339 غسل العذار :
59 ـ قال الفقهاء : العذار ـ وهو الشعر النابت على العظم الناتئ أي المرتفع المسامت صماخ الأذن وهو خرقها ـ من الوجه فيغسل معه.
غسل الوترة وداخل الفم والأنف :
60 ـ نص المالكية على غسل الوترة - وهي الحائل بين طاقتي الأنف ـ مع الوجه في الوضوء لأنها وإن كانت من الوجه إلا أنها من المواضع التي ينبو عنها الماء.
وقال الشافعية : يغسل ما ظهر من الوجه بالجدع : أي ما باشرته السكين بالقطع لا ما كان مستورا بالأنف . . . ولو اتخذ له أنفا من ذهب والتحم وجب غسله ، لأنه وجب غسل ما ظهر من أنفه بالقطع ، وقد تعذر بالقطع ، فصار الأنف المذكور في حقه كالأصلي.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الواجب في الوضوء غسل الوجه أي ظاهره ، وقالوا : إن داخل الفم وداخل الأنف لا يجب غسلهما مع الوجه في الوضوء لأنهما ليسا من الوجه ، فهو ما تتم به المواجهة وذلك يكون بالظاهر .
وذهب الحنابلة إلى أن الفم والأنف من الوجه لدخولهما في حده ، فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الصغرى والكبرى ، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي ( قال : "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه".
مستوى7 غسل الصدغ وموضع الصلع والنزعتين
غسل الصدغ وموضع الصلع والنزعتين :
61 ـ وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصدغ وموضع الصلع والنزعتان ليست من الوجه ، وإنما هي من الرأس .
والصدغ هو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الأذن وينزل عنه قليلا .
وموضع الصلع : وهو مقدم الرأس إذا خلا 43 340 من الشعر .
والنزعتان هما ما انحسر عنه الشعر من جانبي مقدمة الرأس .(/7)
وفي قول عند الحنابلة : الصدغ من الوجه فيغسل .
وقال الشربيني : يسن غسل موضع الصلع والتحذيف والنزغين والصدغين مع الوجه للخلاف في وجوبها في غسله.
وقال المالكية : يغسل المتوضئ أسارير جبهته ، أي خطوطها وتكاميشها ، وما غار من جفن أو غيره إذا أمكن إيصال الماء إليه بدلك أو نحوه ، فإن لم يمكن سقط غسله.
وخالف الزهري الجمهور في تحديد الوجه فذهب إلى أن الأذنين من الوجه يغسلان معه ، لقول النبي ( "سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره" حيث أضاف السمع إلى الوجه كما أضاف البصر إليه .
وأجيب عن ذلك بأن النبي ( قال : "الأذنان من الرأس" ، وروى ابن عباس : "أن النبي ( مسح أذنيه مع رأسه" ، ولم يحك أحد أنه غسلهما مع الوجه ، وإنما أضافهما إلى الوجه لمجاورتهما له ، والشيء يسمى باسم ما جاوره.
مستوى7 غسل ما ظهر من العضو بعد غسل ما فوقه
غسل ما ظهر من العضو بعد غسل ما فوقه :
62 ـ اختلف الفقهاء فيمن غسل ظاهر شعر اللحية أو نحوها من الشعور ثم زالت عنه أو انقلعت من وجهه جلدة بعد غسلها هل يلزمه غسل ما ظهر أم لا ؟
فذهب الحنفية والمالكية في الراجح والحنابلة والشافعية في أحد الوجهين إلى أنه لا يلزمه غسل ما ظهر ولا يعيد وضوءه ، لأن الفرض انتقل إلى الشعر أصلاً ، بدليل أنه لو 43 341 غسل البشرة دون الشعر لم يجزه . قال ابن قدامة : وهذا قول أكثر أهل العلم .
وذهب الشافعية في الوجه الآخر وهو الأصح والمالكية في أحد القولين وابن جرير إلى أن ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعره يوجب غسلها قياساً على ظهور قدم الماسح على الخف ، ولأن غسلها كان بدلا عما تحتها .
مستوى6 الفرض الثاني غسل اليدين إلى المرفقين
الفرض الثاني : غسل اليدين إلى المرفقين :
63 ـ اتفق الفقهاء على أن غسل اليدين إلى المرفقين ركن من أركان الوضوء وفرض من فروضه ، واستدلوا بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى المرافق .
وأما السنة فبما روي في صفة وضوء النبي ( من "أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد.
وأما الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمة في وجوب غسل اليدين إلى المرفقين في الوضوء.
مستوى7 غسل المرفقين في الوضوء
غسل المرفقين في الوضوء .
64 ـ ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب والحنفية ما عدا زفر) إلى وجوب غسل المرفقين مع اليدين لقوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ، سواء كان معنى "إلى" الوارد في الآية بمعنى "مع" فدخول المرفق ظاهر ، وإن كانت للغاية فالحد إذا كان من جنس المحدود دخل فيه وأصبح شاملاً للحد والمحدود .
ولحديث جابر رضي الله عنه قال : "كان النبي ( إذا توضأ أدار الماء إلى مرفقيه" ، ولما روي عن 43 342 أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضدين وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين ثم قال : "هكذا رأيت رسول الله ( يتوضأ" فثبت غسله ( المرفقين ، وفعله بيان للوضوء المأمور به في الآية ولم ينقل تركه ذلك .
ويرى نفر من الحنفية والمالكية في قول وأحمد في قول : أن المرفق لا يدخل في غسل اليد أي لا يجب غسله مع اليد ، لأن الله تعالى جعل المرفق غاية فلا يدخل تحت ما جعلت له الغاية كما لا يدخل الليل تحت الأمر بالصوم في قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ) .
وفي قول آخر عند المالكية : إن المرفقين يدخلان ، لا لأجل وجوب غسلهما مع اليدين بل احتياطاً ، لأن الواجب لا يتوصل إليه إلا بدخولهما . قال الحطاب بعد ما ذكر هذا القول : عزاه الباجي وغيره لأبي الفرج ، وعزاه اللخمي للقاضي عبد الوهاب وهو ظاهر قول الشيخ في الرسالة ، وإدخالهما أحوط لزوال تكليف التحديد.
مستوى7 قطع بعض ما يجب غسله من اليد
مستوى8 قطع اليد من المرفق
قطع بعض ما يجب غسله من اليد :
65 ـ اتفق الفقهاء على أنه إن قطع بعض ما يجب غسله من اليد وجب غسل ما بقى منه ، لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ، ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
قطع اليد من المرفق
66 - إذا قطعت اليد من المرفق فقد اختلف الفقهاء القائلون بوجوب غسل المرفق في حكم غسل موضع القطع : فذهب الحنفية 43 343 والحنابلة في المذهب والشافعية في المشهور والمالكية في قول إلى وجوب غسل العظم الذي هو طرف العضد ، لأن غسل العظمين المتلاقيين من الذراع والعضد واجب فإذا زال أحدهما غسل الآخر ، ولأنه من المرفق.
وذهب المالكية والشافعية في مقابل للمشهور إلى أنه لا يجب غسل موضع القطع بناء على أنه طرف عظم الساعد فقط ووجوب غسل رأس العضد كان بالتبعية ، ولأن المرفق في الذراع وقد أتى عليه القطع . قال المالكية : إلا إن عرف أنه بقى من المرفق شيء في العضد فيغسل موضع القطع.
مستوى8 قطع اليد من فوق المرفق
قطع اليد من فوق المرفق :
67 ـ إذا قطعت اليد من فوق المرفق فقد ذهب الفقهاء إلى سقوط وجوب الغسل ، لعدم محله ، لكن الشافعية نصوا على أنه يندب غسل باقي عضده ، لئلا يخلوا العضو عن طهارة ولتطويل التحجيل كما لو كان سليم اليد ، ولأن في هذا المحافظة على العبادة بقدر الإمكان ، كإمرار المحرم الموسى على رأسه عند عدم شعره وقالوا : وإن قطع من منكبه ندب غسل محل القطع بالماء . نص على ذلك الشافعي وجرى عليه الشيخ أبو حامد وغيره.
مستوى7 غسل ما زاد من إصبع أو كف أو يد
غسل ما زاد من إصبع أو كف أو يد :(/8)
68 ـ ذهب الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والقاضي من الحنابلة) : إلى أنه إذا كان للإنسان إصبع أو كف زائد في محل الفرض وجب غسلها مع الأصلية ، لأنها نابتة منها أشبهت الثؤلول .
واختلفوا فيما إذا نبتت في غير محل الفرض كالمنكب أو العضد :
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجب غسل ما حاذى منها محل الفرض لوقوع اسم اليد عليه ، وما لم يحاذ منها محل الفرض لا يجب غسله .
وذهب الحنابلة في الأصح عندهم إلى أن ما نبت في غير محل الفرض وتميز لا يجب غسله لأنها في غير محل الفرض فأشبهت شعر الرأس إذا نزل عن الوجه.
43 344
مستوى7 غسل ظفر اليد أو ما تحته
غسل ظفر اليد أو ما تحته :
69 - قال الحنفية والشافعية والحنابلة : يجب غسل ظفر اليد وإن طال لأنه متصل بيده اتصال خلقة فيدخل في مسمى اليد .
وقال المالكية والحنابلة في قول : لا يضر وسخ يسير تحت الظفر ولو منع وصول الماء قال المرداوي : وهو الصحيح لأن مما يكثر وقوعه عادة فلو لم يصح الوضوء معه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
وألحق الشيخ بالوسخ اليسير تحت الظفر كل يسير منع وصول الماء حيث كان من البدن كدم وعجين ونحوهما ، واختاره قياساً على ما تحت الظُفْر .
وعبارة المنتهى وغيره : تحت ظفر ونحوه ، فيدخل فيه الشقوق في بعض الأعضاء.
وقال الحنفية - كما جاء في الفتاوى الهندية - : على أنه إن بقي من موضع الوضوء قدر رأس إبرة أو لزق بأصل ظفره طين يابس أو رطب لم يجز وأن تلطخ يده بخمر أو حناء جاز ، وسئل الدبوسي عمن عجن فأصاب يده عجين فيبس وتوضأ ؟ قال : يجزيه إذا كان قليلاً كذا في الزاهديّ ، وما تحت الأظافير من أعضاء الوضوء حتى لو كان فيه عجين يجب إيصال الماء إلى ما تحته كذا في الخلاصة وأكثر المعتبرات .
ذكر الشيخ الإمام الزاهد أبو نصر الصفار في شرحه أن الظفر إذا كان طويلاً بحيث يستر رأس الأنملة يجب إيصال الماء إلى ما تحته وإن كان قصيراً لا يجب كذا في المحيط .
ولو طالت أظفاره حتى خرجت عن رؤوس الأصابع وجب غسلها قولاً واحداً كذا في فتح القدير وفي الجامع الصغير : سئل أبو القاسم عن وافر الظفر الذي يبقى في أظفاره الدرن أو الذي يعمل عمل الطين أو المرأة التي صبغ إصبعها بالحناء ، أو الصرام ، أو الصباغ قال كل ذلك سواء يجزيهم وضوؤهم إذ لا يستطاع الامتناع عنه إلا بحرج ، والفتوى على الجواز من غير فصل بين المدنيّ والقرويّ كذا في الذخيرة ، وكذا الخباز إذا كان وافر الأظفار ، كذا في الزاهديّ ناقلاً عن الجامع الأصغر ، 43 345 والخضاب إذا تجسّد ويبس يمنع تمام الوضوء والغسل ، كذا في السراج الوهاج ناقلاً عن الوجيزة.
وقال ابن الهمام : في الجامع الأصغر إن كان وافر الأظفار وفيها درن أو طين أو عجين أو المرأة تضع الحناء جاز الوضوء في القرويّ والمدنيّ ، قال الدبوسي : هذا صحيح وعليه الفتوى . وقال الإسكاف : يجب إيصال الماء إلى ما تحته إلا الدرن المتولد منه . وقال الصفار : فيه يجب الإيصال إلى ما تحته إن طال الظفر ، وهذا حسن لأن الغسل وإن كان مقصوراً على الظواهر لكن إذا طال الظفر يصير منزلة عروض الحائل كقطرة شمعة ونحوه لأنه عارض . وفي النوازل يجب في المصري لا القروي لأن دسومة أظفار المصري مانعة وصول الماء بخلاف القروي ولو لزق بأصل ظفره طين يابس ونحوه أو بقي قدر رأس الإبرة من موضع الغسل لم يجز ، ولو طالت أظفاره حتى خرجت عن رؤوس الأصابع وجب غسلها قولا واحدا.
ونص الشافعية على أنه يجب غسل الشعر على اليدين ظاهراً وباطناً وإن كثف لندرته ، وغسل باطن ثقب وشقوق فيهما إن لم يكن له غور في اللحم ، وإلا وجب غسل ما ظهر منه فقط ، ويجزه هذا في سائر الأعضاء.
ويجب عند المالكية على المشهور من المذهب تخليل أصابع اليدين فقط في الوضوء (خلافاً لجمهور الفقهاء) ، ويحافظ على عقد الأصابع باطناً وظاهراً ، بأن يحني أصابعه ، وعلى رؤوس الأصابع بأن يجمعها ويحكها بوسط الكف ، ويجب معاهدة تكاميش الأنامل ونحوها ، ولا يجب تحريك الخاتم المأذون فيه لرجل أو امرأة ، فيشمل الخاتم المتعدد في حقها وما كان مباحاً لها من أساور وغيرها ، ولو كان الخاتم المأذون فيه ضيقاً لا يدخل الماء تحته ، ولا يعد حائلاً ، بخلاف غير المأذون فيه كالذهب للرجل أو المتعدد ، فلابد من نزعه ما لم يكن واسعاً يدخل تحته الماء فيكفي تحريكه لأنه بمنزلة الدلك بالخرقة ، ولا فرق بين الحرام كالذهب أو المكروه كالنحاس ، وإن كان المحرم يجب نزعه على كل حال من حيث إنه حرام.
مستوى7 غسل اليد الزائدة
43 346 غسل اليد الزائدة :
70 - ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يجب غسل يد زائدة نبتت بمحل الفرض .
وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في قول إلى أنه إن نبتت اليد الزائدة بغير محل الفرض وجب غسل ما حاذى منها محل الفرض ، وكذا عند المالكية إن لم يكن لها مرفق فإن كان لها مرفق تغسل كلها .
وكذا عند الحنابلة إن لم تتميز الزائدة فإن تميزت وجب غسلها أيضاً على الصحيح من المذهب عند الحنابلة سواء كانت قصيرة أو طويلة.
وقال الحنفية : لو خلق له يدان على المنكب ، فالتامة هي الأصلية يجب غسلها والأخرى زائدة ، فما حاذى منها محل الفرض وجب غسله وما لا فلا ، بل يندب غسله .
وصرح الحصكفي نقلاً عن المجتبي : لو خلق له يدان فلو يبطش بهما غسلهما ، ولو بإحداهما في الأصلية فيغسلها.(/9)
وقال ابن عابدين في تعليقه على عبارة الدر المختار : " لو يبطش بإحداهما في الأصلية والأخرى زائدة لا يجب غسلها " ، وظاهره ولو كانت تامة ، وفي النهر : ولم أر حكم ما لو كانتا تامتين متصلتين أو منفصلتين ، والظاهر وجوب غسلهما في الأول وغسل واحدة في الثاني . ثم قال : فلم يعتبر - صاحب النهر - البطش ، والظاهر أنه يعتبر البطش أولاً ، فإن بطش بهما وجب غسلهما وإلا فإن كانتا تامتين متصلتين وجب غسلهما وإن كانتا منفصلتين لا يجب إلا غسل الأصلية التي يبطش بها.
وصرح الشافعية بأنه يجب غسل اليد الزائدة إن نبتت بغير محل الفرض ولم تتميز عن الأصلية بأن كانتا أصليتين أو إحداهما زائدة ولم تتميز بفحش قصر ونقص أصابع وضعف بطش ونحوه .
أما إذا كانت الزائدة متميزة فإنه يجب غسل ما جاء منها محل الفرض.
43 347
مستوى7 غسل الجلد المتدلي من العضد
غسل الجلد المتدلي من العضد :
71 - ذهب الحنفية والشافعية على أنه إذا تدلت جلدة العضد منه لم يجب غسل شيء منها إلا ما يحاذي محل الفرض لأن اسم اليد لا يقع عليها مع خروجها عن محل الفرض .
وصرح الحنابلة بأنه إن تقلعت جلدة من العضد حتى تدلت من الذراع وجب غسلها كالإصبع الزائدة.
وصرح الشافعية والحنابلة بأنه لو تقلصت جلدة من العضد والتحم رأسها بالذراع غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها ، والمتجافي منه لمحل الفرض من باطنها ، وغسل ما تحته لأنها كالناتئة في المحلين ، والحنفية يوافقونهم في الجملة.
غسل الجلد المتدلي من الذراع :
72 - ذهب الفقهاء إلى أنه إذا تقلصت جلدة الذراع منه فإنه يجب غسلها لأنها منه.
وإن تقلصت الجلدة من الذراع والتحم رأسها في العضد وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها دون غيره ، ثم إن تجافت عنه لزمه غسل ما تحتها أيضاً ، وبهذا يقول الحنفية والشافعية والحنابلة.
مستوى6 الفرض الثالث مسح الرأس
الفرض الثالث : مسح الرأس :
73 - اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء من أركانه أو فروضه لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) ، وللأحاديث الواردة في وصف وضوئه صلى الله عليه وسلم وخاصة حديث عثمان وقوله (ثم مسح برأسه) ولإجماع الفقهاء على ذلك .
والمسح هو : إمرار اليد المبتلة بالماء على الرأس بلا تسييل.
وفيما يلي بعض المسائل المتعلقة بمسح الرأس في الوضوء :
مستوى7 القدر المجزئ في مسح الرأس
القدر المجزئ في مسح الرأس :
74 - اختلف الفقهاء في القدر المجزئ في 43 348 مسح الرأس في الوضوء على أقوال : فذهب المالكية على المشهور والحنابلة على الصحيح من المذهب إلى أنه يجب مسح الرأس كله ، لكنهم اختلفوا في بعض التفصيل :
فقد نص المالكية على المشهور من المذهب على أنه يجب على المتوضئ مسح جميع رأسه من جلد أو شعر ، وذلك من منابت الشعر المعتاد غالباً من مقدم الرأس إلى نقرة القفا ، مع مسح شعر صدغيه مما فوق العظم الناتئ في الوجه ، وأما العظم الناتئ فهو من الوجه ، فلا يمسح مع الرأس بل يغسل مع الوجه .
ويدخل في الرأس البياض الذي فوق وتدي الأذنين .
وقال أشهب : يكفي مسح النصف ، وروي عنه أن مسح الناصية مجزئ ، وقال محمد بن مسلمة : يجزئ مسح الثلثين ، وقال أبو الفرج : يجزئ مسح الثلث ويدخل المتوضئ يده تحت الشعر في رد المسح حيث طال : إذ لا يحصل التعميم إلا بهذا الرد . ويطالب بالسنة بعد ذلك ، وأما الشعر القصير فيحصل التعميم من غير رد ، فالرد سنة وإن لم يكن على الرأس شعر بشرط أن يبقى بكل من أثر مسح الرأس وإلا سقطت سنة الرد.
وذهب الحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أنه يجب مسح جميع ظاهر الرأس ، وعن أحمد : يجزئ مسح أكثره ، وقال القاضي في التعليق وأبو الخطاب : أكثره الثلثان فصاعداً ، واليسير الثلث فما دونه ، وأطلق الأكثرُ فالأكثرَ فشمل أكثر من النصف ولو بيسير ، وعن أحمد أيضاً : يجزئ مسح قدر الناصية ، وعنه : يجزئ بمسح بعض الرأس من غير تحديد .
وذكر في الانتصار احتمالاً : يجزئ مسح بعضه في التجديد دون غيره ، وعنه يجزئ مسح بعضه للمرأة دون غيرها.
وقالوا : لو مسح البشرة فقط لم يجزئ كما لو غسل باطن اللحية.
ونص الحنفية على أن ركن الوضوء مسح الرأس مرة فوق الأذنين ، واختلفوا في المقدار المفروض مسحه ، وأشهر الروايات أنه ربع الرأس وهو المعتمد في المذهب ، والرواية 43 349 الثانية : أنه مقدار الناصية ، والثالثة : أنها مقدار ثلاثة أصابع ، رواها هشام عن الإمام ، وقيل هي ظاهر الرواية وفي البدائع : أنها رواية الأصول وصححها في التحفة وغيرها ، وفي الظهيرين وعليها الفتوى
وقال الشافعية : من فروض الوضوء مسمّى مسح فيجزئ مسح لبعض بشرة الرأس أو بعض شعر الرأس ، ولو واحدة أو بعضها في حد الرأس بأن لا يخرج بالمد من جهة نزوله ، فلو خرج بالمد عن حد الرأس من جهة نزوله لم يكف حتى لو كان متجمعاً بحيث لو مد لخرج عن الرأس ولم يجز المسح عليه ، أو قدر بعض شعره من البشرة .
ونص الشافعية على أن كلا من البشرة والشعر أصل في المسح ولذا خير بينها على الأصح لأن كلاً منهما يصدق عليه مسمى الرأس عرفا لأن الرأس اسم لما رأس وعلا.
مستوى7 كيفية مسح الرأس الواجب في الوضوء
كيفية مسح الرأس الواجب في الوضوء(/10)
: 75 - يرى الحنفية على الأصح أنه يجب أن يستعمل في مسح الرأس ثلاث أصابع من اليد ، فلو مسح بإصبع أو إصبعين لا يجوز في ظاهر الرواية ، ولو مسح بالسبابة والإبهام مفتوحتين فبعضهما مع ما بينهما من الكف على رأسه فحينئذٍ يجوز ؛لأنهما إصبعان وما بينهما من الكف قدر إصبع فيصير ثلاثة أصابع . ولو وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها جاز على رواية الثلاث أصابع لا الربع ، ولو مسح بها منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة فلا يجزئ لأنه لم يأت بالقدر المفروض.
وقال الحنابلة : يجزئ المسح على أي كيفية فعل : بيده وبحائل ، قال في الإنصاف : الصحيح من المذهب أن المسح بحائل يجزئ مطلقاً ، فيدخل في ذلك المسح بخشبة وخرقة مبلولتين على رأسه ولم يمرها عليها أو وضع عليه خرقة مبلولة أو بلها وهي عليه لم يجزئ في الأصح ، ويحتمل أن يصح.
مستوى7 ما نزل من شعر الرأس
ما نزل من شعر الرأس :
76 - قال الحنفية والشافعية والحنابلة : لا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر لعدم مشاركته الرأس في الترؤس ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم 43 350 يرده ، وإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه ولو كان الذي تحته محلوقاً كما لو كان بعض شعره دون بعضه.
ونص المالكية على أنه : يجب مسح ما استرخى من الشعر ولو طال جداً ، لأنه من شعر الرأس ويجب عندهم - في المشهور من المذهب - مسح جميع الرأس
مستوى7 غسل الرأس بدل مسحه
غسل الرأس بدل مسحه :
77 - ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية في المشهور والشافعية في الأصح والحنابلة على الصحيح من المذهب) إلى أنه إن غسل المتوضئ رأساً عوضاً عن مسحه أجزأه لأنه مسح وزيادة .
وقيد الحنابلة هذا الحكم على الصحيح من المذهب بأن يمر المتوضئ يده على الرأس وعن أحمد : يجزئه غسله وإن لم يمر يده .
كما نص الحنفية والمالكية في الأظهر والحنابلة إلى أنه يكره غسل الرأس بدلاً من مسحه ابتداءً ؛ لأنه خلاف المأمور به .
وذهب بعض المالكية والشافعية في مقابل الأصح والحنابلة في قول إلى أنه لا يجزئ غسل الرأس من مسحه ، لأنه لا يسمى مسحاً وزاد الحنابلة : وإن أمر يده.
مستوى7 حلق شعر الرأس بعد الوضوء
حلق شعر الرأس بعد الوضوء :
78 - ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية في المذهب والشافعية والحنابلة) إلى أن حلق شعر رأسه بعد الوضوء لا يؤثر في الوضوء .
وقال الحنفية : لا يعاد الوضوء بحلق رأسه لأن المسح على شعر الرأس ليس بدلاً عن المسح على البشرة ، لأنه يجوز مع القدرة على مسح البشرة ، ولو كان بدلا لم يجز . . . ولا يعاد بلّ المحل بذلك .
وحكي في رأي عند المالكية تجب إعادة مسح الرأس بعد الحلق ، قال الدسوقي عن هذا الرأي : هو ضعيف .
وحكى وجوب الإعادة كذلك عن ابن جرير الطبري ، حيث ألحقه بخلع الخف بعد مسحه .
43 351 وعن ابن رجب : استحب أحمد أنه إذا حلق رأسه أن يمسه بالماء ولم يوجبه.
مستوى7 تكرار المسح
تكرار المسح :
79 - نص الحنفية والمالكية والحنابلة على أن المسح على الرأس يكون مرة واحدة ، لأنه بالتكرار يصير غسلاً والمأمور به المسح .
وقال الحنابلة : لا يستحب تكرار مسح الرأس . . . لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن مسح رأسه مرة واحدة قاله الترمذي ، وكذا قال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس واحدة ، لأنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً ثلاثاً وقالوا فيها : " ومسح برأسه " ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره . . . لا يقال إنه صلى الله عليه وسلم مسح مرة واحدة لبيان الجواز وثلاثاً ليبين الفضيلة ، لأن قول الراوي : هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن طهوره على الدوام.
وذهب الشافعية إلى أنه يسن تثليث مسح الرأس.
مستوى7 الشعور المضفورة
الشعور المضفورة :
80 - قال المالكية : ما ضفر من الشعر بنفسه لا ينقض في الوضوء مطلقاً . . اشتد أم لا ، وما ضفر بخيوط ثلاثة يجب نقضه مطلقاً . . اشتد أم لا ، وما ضفر بأقل منها يجب نقضه إن اشتد ، فإن لم يشتد فلا يجب نقضه .
ونبه الصاوي على أن ينفع النساء في الوضوء تقليد الشافعي أو أبي حنيفة
مستوى7 المسح على العمامة
مستوى6 الفرض الرابع غسل الرجلين
المسح على العمامة :
81 - في إجزاء المسح على العمامة - مع مسح الفرض من الرأس أو بدلاً عنه - أو عدم إجزائه تفصيل ينظر في مصطلح (مسح ف 8 - 12 ، عمامة ف13 ) .
الفرض الرابع : غسل الرجلين :
82 - اختلف الفقهاء في غسل الرجلين أو 43 352 مسحهما على أربعة أقوال :(/11)
القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن من أركان الوضوء غسل الرجلين الظاهرتين السليمتين غير المستورتين بخف أو جبيرة إلى الكعبين مرة واحدة لقول الله تعالى "يا أيها الذي آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"وللأحاديث الصحيحة المستفيضة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ومنها : "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً ثم غسل اليسرى مثل ذلك"، وفي حديث آخر "ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً"ولقوله صلى الله عليه وسلم "ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله تعالى"قال البيهقي : وفي هذا دلالة أن الله تعالى أمر بغسلهما ، ولأن الرجلين عضوان محدودان فكان واجبهما الغسل كاليدين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتخليل الأصابع في غسل الرجلين، وأنه كان يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه، وهذا يدل على وجوب الغسل فإن الممسوح لا يحتاج إلى الاستيعاب والدلك، وقال الكاساني : قد ثبت بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه في الوضوء لا يجحده مسلم فكان قوله وفعله بيان المراد بالآية .
43 353 وثبت غسل الرجلين في الوضوء بالإجماع ، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين.
وقال الماوردي : غسل الرجلين في الوضوء يجمع عليه بنص الكتاب والسنة ، وفرضها عن كافة الفقهاء الغسل دون السح.
ونقل النووي عن أبي حامد وغيره أنه أجمع المسلمون على وجوب غسل الرجلين ولم يخالف في ذلك مع يعتد به.
القول الثاني : فرض الرجلين المسح دون الغسل ، وروى ذلك عن علي رضي الله عنه ، فقد ورد أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد فخلع نعليه.
وقد ثبت رجوعه عن ذلك، فقد أخرج الطبري بإسناده عن علي أنه قال : اغسلوا الأقدام إلى الكعبين ، وروي عن أبي عبد الرحمن أنه قال : قرأ عليّ الحسن والحسين رضوان الله عليهما : فقرآ (وأرجلكم إلى الكعبين) فسمع علي رضي الله عنه ذلك وكان يقضي بين الناس فقال (وأرجلكم) هذا من المقدم والمؤخر من الكلام.
وحكى عن ابن عباس أنه قال "ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين".
وقال الشوكاني : ثبت رجوعه عن ذلك، فعن ابن عباس أنه قرأها (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بالنصب وقال عاد الأمر إلي الغسل.
وروي عن أنس بن مالك أنه ذكر له قول الحجاج "اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما ، وخللوا ما بين الأصابع ، فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه" فقال أنس : صدق الله وكذب الحجاج وتلا الآية ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلى الكعبين ) قرأها جرا (6) .
وحكي عن الشعبي أنه قال : الوضوء مغسولان وممسوحان ، فالممسوحان يسقطان 43 354 في التيمم . وهو قول للطبري ..
وقال ابن قدامة أنه بعد أن ذكر ما حكي عن علي وابن عباس وأنس والشعبي رضي الله عنهم من أن فرض الرجلين المسح ولم يعلم من فقهاء المسلمين من يقول بالمسح على الرجلين غير من ذكرنا ، إلا ما حكي عن ابن جرير أنه قال : هو مخير بين المسح والغسل.
القول الثالث : ذهب الحسن البصري والجنابي وابن جرير الطبري في إحدى الروايات عنه إلى أن المتوضئ مخير بين غسل الرجلين ومسحهما.
القول الرابع : وذهب بعض أهل الظاهر إلى وجوب الجمع بين الغسل والمسح ، بحجة أن القراءتين في آية واحدة بمنزلة آيتين فيجب العمل بهما جميعاً ما أمكن ، وأمكن هنا لعدم التنافي ، إذ لا تنافي بين الغسل والمسح في محل واحد ، فيجب الجمع بينهما.
ويجب عند جمهور الفقهاء إدخال الكعبين في غسل الرجلين ، ولم يخالفهم في ذلك إلا زفر والكلام في الكعبين نحو الكلام في المرفقين.
والكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق (ر : كعب ف1 وما بعدها ) .
مستوى5 ثانياً الفرائض المختلف فيها في الوضوء
مستوى6 أ - النية
ثانياً : الفرائض المختلف فيها في الوضوء :
أ - النية :
83 - اختلف الفقهاء في حكم النية في الوضوء :
فذهب الجمهور إلى أن النية شرط لا يصح الوضوء إلا بها .
وذهب البعض إلى أنها سنة ، وآخرون إلى أنها فرض .
والتفصيل في مصطلح (نية ف 44) .
رفض نية الوضوء :
84 - إذا رفض المتوضئ النية بعد كمال 43 355 الوضوء فلا يؤثر هذا الرفض في الوضوء عند المالكية ، والشافعية على الصحيح ، والحنابلة على الصحيح كذلك .
ومقابل الصحيح عند الحنابلة : يبطل أما إذا رفضها أثناء الوضوء فقد اختلف الفقهاء القائلون بفرضيتها أو شرطيتها في نقض الوضوء .
قال الشافعية في الأصح : إذا نوى قطع الوضوء في أثنائه لم يبطل ويستأنف النية لما بقي إن جوزنا تفريقها ، وإلا استأنف الوضوء .
وقال الحنابلة في الصحيح : يبطل ما مضى من الطهارة كالصلاة والصوم ، فإن أراد الإتمام استأنف ، وقيل : لا يبطل ما مضى فيها ، فعلى هذا إن غسل الباقي بنية أخرى قبل طول الفصل صحت طهارته ، وإن طال انبنى على وجوب الموالاة وعدمه .
فأما إن غسل بعض أعضائه بنية الوضوء وبعضها بنية التبرد ثم أعاد غسل ما نوى به التبرد بنية الوضوء قبل طول الفصل أجزأ .
وقال المالكية على الراجح : لا يغتفر رفض النية في أثناء الوضوء فيبطل .
وقيل : يغتفر الرفض فلا يبطل الوضوء ، ومحل الخلاف عندهم في الرفض الواقع في أثناء الوضوء إذا كمله بالقرب بالنية الأولى .
وأما إذا لم يكمله أو كمله بنية أخرى أو بعد طول لم يختلف في بطلانه.
مستوى6 ب : الموالاة
ب : الموالاة :
85 ـ الموالاة : هي غسل الأعضاء على سبيل التعاقب بحيث لا يجف العضو الأول قبل الشروع في الثاني .(/12)
وقد اختلف الفقهاء في حكم الموالاة في الوضوء :
فذهب الحنفية والشافعية في القول الصحيح الجديد والمالكية في قول والحنابلة في رواية إلى أن الموالاة في الوضوء سنة ، وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومن التابعين الحسن وسعيد بن المسيب والثوري إلى أنها سنة .
وقال المالكية على المشهور والشافعية في القديم والحنابلة في المذهب : إنها واجبة . وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والأوزاعي .
(ر : موالاة ف 3)
مستوى6 ج الترتيب
ج : الترتيب :
86 ـ اختلف الفقهاء في حكم الترتيب بين 43 356 أعضاء الوضوء في المسح والغسل ، هل هو واجب أو سنة .
فذهب الشافعية والحنابلة في المذهب والمالكية في قول إلى أن الترتيب في الوضوء ركن من أركانه وهو عثمان بن عفان وابن عباس ورواية عن علي رضي الله عنهم وبه قال قتادة وأبو ثور وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه ، والمراد بالترتيب أن يأتي بالطهارة عضوا بعد عضو ، كما أمر الله تعالى بأن يغسل الوجه ثم اليدين ، ثم يمسح رأسه ، ثم يغسل الرجلين لقول الله تعالى (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) .
حيث دخل المسح بين الغسلين وقطع حكم النظير عن النظير ، فدل ذلك على أنه قصد إيجاب الترتيب ، لأن عادة العرب إذا ذكرت أشياء متجانسة وغير متجانسة جمعت المتجانسة على نسق ، ثم عطفت غيرها ولا يخالفون ذلك إلا لفائدة ، فلو لم يكن الترتيب واجبا لما قطع النظير عن نظيره ، ولأن الآية سيقت لبيان الوضوء الواجب ، لا للمسنون ، حيث لم يذكر فيها شيء من السنن ، ولأن كل من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه مرتبا مع كثرتهم وكثرة المواطن التي حكوها وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للوضوء المأمور به في الآية ولأن الوضوء عبادة تشتمل على أفعال متغايرة يرتبط بعضها ببعض فوجب فيها الترتيب كالصلاة والحج.
وذهب الحنفية والمالكية على المشهور وبعض علماء الشافعية وهو رواية عن أحمد إلى أن الترتيب سنة من سنن الوضوء ، وليس من أركانه ولا من واجباته .
وإليه ذهب ابن مسعود رضي الله عنه وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء ومكحول والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي والثوري ، لأن الله سبحانه وتعالى أمر في الآية بغسل أعضاء الوضوء وعطف بعضها على بعض بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا ، فكيفما غسل المتوضئ أعضاءه كان ممتثلا للأمر .
ولما روي أن النبي ( توضأ فغسل وجهه ثم يديه ثم رجليه ، ثم مسح رأسه، ولأن الوضوء طهارة فلم يجب فيها ترتيب كالجنابة ، 43 357 وكتقديم اليمين على الشمال ، ولأنه لو اغتسل المحدث دفعة واحدة ارتفع حدثه ، فدل على أن الترتيب لا يجب.
( ر : ترتيب ف4 )
مستوى6 د - الدلك
د - الدلك
87 ـ الدلك لغة : مصدر دلك ، يقال : دلكت الشيء دلكا من باب قتل : مرسته بيدك ، ودلكت النعل بالأرض : مسحتها بها .
وفي الاصطلاح هو - كما نص المالكية - : إمرار اليد على العضو إمراراً متوسطا ولو لم تزل الأوساخ ولو بعد صب الماء قبل جفافه.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الدلك في الوضوء هل هو فرض أو سنة ؟
فذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة وقول عند المالكية ، إلى أن الدلك سنة من سنن الوضوء ، زاد الشافعية ويبالغ في العقب خصوصا في الشتاء، فقد ورد : "ويل للأعقاب من النار".
وقال المالكية في المشهور هو فرض من فرائض الوضوء ، قال الحطاب : وقد اختلف في الدلك هل هو واجب أو لا على ثلاثة أقوال :
المشهور : الوجوب وهو قول مالك في المدونة بناء على أنه شرط في حصول مسمى الغسل ، قال ابن يونس : لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها : "وادلكي جسدك بيدك"، والأمر على الوجوب ، ولأن علته إيصال الماء إلى جسده على وجه يسمى غسلا ، وقد فرق أهل اللغة بين الغسل والانغماس .
43 358 والثاني : نفى وجوبه ، وهو لابن عبد الحكم بناء على صدق اسم الغسل بدونه .
والثالث : أنه واجب لا لنفسه بل لتحقق إيصال الماء ، فمن تحقق إيصال الماء لطول مكث أجزأه ، وعزاه اللخمي لأبي الفرج وذكر ابن ناجي أن ابن رشد عزاه له.
مستوى4 سنن الوضوء
مستوى5 أولاً التسمية
مستوى6 أ - التسمية في أول الوضوء
سنن الوضوء :
أولاً : التسمية :
ذكر الفقهاء حكم التسمية في أول الوضوء وعند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء .
وذلك على النحو التالي :
أ - التسمية في أول الوضوء :
88 - اختلف الفقهاء في حكم التسمية في أول الوضوء :
فذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والشافعية وأحمد في رواية ) إلى أنها سنة من سنن الوضوء .
وذهب المالكية في المشهور إلى أنها مستحبة ، وقيل :إنها غير مشروعة وأنها تكره .
وذهب الحنابلة إلى أنها واجبة.
(ر : بسملة ف 6)
وقال الحنفية : وتحصل التسمية بكل ذكر ، فلو كبر أو هلل أو حمد كان مقيما لأصل السنة ، لكن الوارد عن النبي ( والمنقول عن السلف : بسم الله العظيم والحمد لله على الإسلام ، وقيل : الأفضل : بسم الله الرحمن الرحيم بعد التعوذ ، وفي المجتبي : يجمع بينهما، وقال العبيني : المروي عن رسول الله ( : بسم الله والحمد لله.
وقال الشافعية : أقلها بسم الله ، وأكملها كمالها (بسم الله الرحمن الرحيم) ثم الحمد لله على الإسلام ونعمته والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ، وزاد الغزالي : ربي أعوذ 43 359 بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ، وحكى المحب الطبري عن بعضهم التعوذ قبلها .(/13)
والمراد بأول الوضوء : أو غسل الكفين ، فينوي الوضوء ويسمي الله عنده بأن يقرن النية بالتسمية عند أول غسلهما ، ثم يتلفظ النية ، ثم يكمل غسلهما ، لأن التلفظ بالنية والتسمية سنة ، ولا يمكن أن يتلفظ بهما في زمن واحد.
وقال المالكية ـ على المشهور ـ : يقول المتوضئ عند ابتداء وضوئه أي عند غسل يديه إلى كوعيه : بسم الله ، وفي زيادة : الرحمن الرحيم قولان رجح كل منهما ، فابن ناجي رجح القول بعدم زيادتهما ، والفاكهاني وابن المنير رجحا القول بزيادتهما.
وقال الحنابلة : صفة التسمية أن يقول : بسم الله ، لا يقوم غيرها مقامها ، فلو قال : بسم الرحمن أو القدوس أو نحوه لم يجزئه على الأشهر ، وقال المرداوي : الأولى الإجزاء ، ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر ، ووقتها عند أول الواجبات وجوبا وأول المسنونات استحبابا.
مستوى6 ب ـ التسمية عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء
ب ـ التسمية عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء :
89 ـ نص فقهاء الحنفية على أن من آداب الوضوء التسمية عند غسل كل عضو في الوضوء أو عند مسح ما يمسح من أعضاء الوضوء ، والتسمية تكون بالصيغة الواردة وهي : بسم الله العظيم ، والحمد لله على دين الإسلام ، وزاد بعضهم التشهد هنا .
قال ابن عابدين: قال في الحلية : عن البراء بن عازب عن النبي ( قال : "ما من عبد يقول حين يتوضأ : بسم الله ، ثم يقول بكل عضو : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم يقول حين يفرغ : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ، فإن قام من وقت ذلك فصلى ركعتين يقرأ فيهما ويعلم ما يقول انفتل من صلاته كيوم ولدته أمه ، ثم يقال له : استأنف العمل.
43 360 ونص ابن مفلح وغيره على أن ظاهر كلام فقهاء الحنابلة أنه لا تستحب التسمية عند كل عضو.
مستوى5 ثانياً : غسل اليدين إلى الرسغين
ثانياً : غسل اليدين إلى الرسغين :
90 ـ ذهب الفقهاء إلى أنه يسن غسل اليدين الطاهرتين إلى الرسغين في ابتداء الوضوء لفعل النبي ( فقد روى عثمان بن عفان رضي الله عنه صفة وضوء النبي ( فقال : "دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ، ثم أدخل يمينه في الإناء".
وإن كانتا نجستين فيجب غسلها اتفاقاً .
(ر : رسغ ف 2 ، كف ف 3 ، نوم ، يد) .
مستوى5 ثالثاً المضمضمة
ثالثاً : المضمضمة :
91 ـ اختلف الفقهاء في حكم المضمضة في الوضوء :
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن المضمضة في الوضوء سنة .
وقال الحنابلة : المضمضة في الوضوء واجبة .
وانظر تفصيل آراء الفقهاء في بيان حكم المضمضة وأدلة كل رأي وفي بيان حكم المضمضة وكيفيتها ، والترتيب بينها وبين غيرها ، والمبالغة فيها ، وحكمها للصائم في مصطلح (مضمضة ف 2 ـ 8) .
مستوى5 رابعاً ـ الاستنشاق
رابعاً ـ الاستنشاق :
92 ـ اختلف الفقهاء في حكم الاستنشاق في الوضوء :
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الاستنشاق في الوضوء سنة .
وذهب الحنابلة إلى أن الاستنشاق في الوضوء فرض أو واجب .
وانظر تفصيل آراء الفقهاء في حكم الاستنشاق وأدلة كل رأي وكيفيته : في مصطلح (مضمضة ف 3 ـ 8 ، استنشاق ف 2) .
مستوى5 خامساً ـ الاستنثار
خامساً ـ الاستنثار :
93 ـ ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الاستنثار في الوضوء سنة من سننه لحديث "إذا استنشقت فانتثر"وبما ورد 43 361 أن النبي ( : "مضمض استنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات من ماء ".
والاستنثار عند المالكية : طرح المتوضئ الماء من الأنف بالنَّفَس واضعا إصبعيه السبابة والإبهام من اليد اليسرى عليه عند نثره ، ممسكا له من أعلاه لأنه أبلغ في النظافة ، فإن لم يضع إصبعيه على أنفه ولا أنزل الماء من الأنف بالنفس ـ وإنما نزل الماء بنفسه ـ فلا يسمى هذا استنثارا بناء على أن وضع الإصبعين من تمام السنة ، وقيل : إن ذلك مستحب ، وكون الإصبعين من اليد اليسرى مستحب ، وكذلك كون الإصبعين السبابة والإبهام .
والاستنثار عند الشافعية : أن يخرج المتوضئ بعد الاستنشاق ما في أنفه من ماء وأذى بخنصر يده اليسرى .
وقال الحنابلة : يسن استنثاره بيساره.
مستوى5 سادساً مسح كل الرأس
سادساً : مسح كل الرأس :
94 ـ سبق بيان أن مسح جميع الرأس فرض عند المالكية على المشهق والحنابلة .
وذهب الحنفية والشافعية إلى أن من سنن الوضوء مسح كل الرأس .
واستدل الحنفية على ما ذهبوا إليه بما ورد "أن رسول الله ( توضأ ومسح رأسه كله".
وقالوا " إنه ( قد مسح بناصيته "فيكون مسح الربع فرضا ويكون مسح الجميع سنة .
ونص الحنفية على أن المتوضئ إذا داوم على ترك استيعاب كل الرأس بالمسح بلا عذر يأثم ، وقالوا : وكأنه لظهور رغبته عن السنة .
وقال الشافعية : يسن للمتوضئ مسح كل الرأس للاتباع ، وخروجا من خلاف من أوجبه.
مستوى6 مسائل تتعلق بمسح الرأس
مستوى7 أ - تكرار المسح
43 362 مسائل تتعلق بمسح الرأس :
أ - تكرار المسح
95 ـ ذهب الحنفية إلى أنه يسن مسح كل الرأس مرة بماء واحد ، والذي يروى من التثليث محمول على المسح بماء واحد وهو مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة أن المتوضئ إذا مسح بماء واحد ثلاثا كان مسنونا .
أما لو مسح ثلاثاً ففيه ثلاثة أقوال : قيل يكره ، وقيل : بدعة ، وقيل : لا بأس به .
وفي الخانية : لا يكره ولا يكون سنة ولا أدبا ، قال في البحر : وهو الأولى ، إذ لا دليل على الكراهية ، قال ابن عابدين : لكن استوجه في شرح المنية القول بالكراهة ، وذكرت ما يؤيده فيما علقته على البحر.(/14)
أما عند الشافعية : فيسن مسح كل الرأس ثلاثا مرة بعد مرة . إذ ليس عندهم تثليث مغسول وممسوح ولو مسح بعض رأسه ثلاثا حصل له التثليث.
مستوى7 ب - كيفية مسح الرأس المسنون
ب - كيفية مسح الرأس المسنون :
96 ـ الأظهر في كيفية مسح الرأس عند الحنفية أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب جميع الرأس ، ثم يمسح أذنيه بإصبعيه ، والأذنان عندهم من الرأس ، فلا يثبت استعمال الماء قبل الانفصال .
وقال الشافعية : السنة في كيفية المسح أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالأخرى ، وإبهاميه على صدغيه ، ثم يذهب بهما إلى قفاه ، ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إذا كان له شعر ينقلب وحينئذ يكون الذهاب والرد مسحة واحدة لعدم تمام المسحة بالذهاب .
وأما من لا شعر له أو له شعر لا ينقلب لقصره أو طوله فيقتصر على الذهاب ، فلو رد لم يحسب ثانية .
وصرح الحنابلة بأنه لا يستحب تكرار مسح 43 363 الرأس لما روى أبو حية قال : رأيت علياً توضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ، ثم مضمض ثلاثاً ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه مرة ، ثم غسل قدميه إلى الكعبين ، ثم قال أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله (.
وعن ابن عباس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ . . . " - فذكر الحديث - كله ثلاثاً . . وقال : مسح برأسه وأذنيه واحدة.
وعن أحمد : يستحب تكرار المسح بماء جديد . نصره أبو الخطاب وابن الجوزي ، وكذا أذنيه وفاقاً.
وعد المالكية من السنن كذلك رد المتوضئ مسح رأسه أي إلى حيث بدأ ، وإن لم يكن عليه شعر بأن يعمه بالمسح ثانيا بعد أن عمه أولا ، ولا يحصل التعميم إذا كان الشعر طويلا إلا بالرد الأول ، ثم يأتي بالسنة بعد ذلك بأن يعيد المسح والرد كذا قيل ، إلا أنهم استظهروا ما للزرقاني ـ المراد به الشيخ أحمد بن فجله ـ من أنه لا يجب الرد في المسترخى لأن له حكم الباطن والمسح مبني على التخفيف .
قال الدسوقي : وحاصل كلامهم أن الشعر الطويل إنما يمسح مرتين فقط ، مرة للفرض ومرة للسنة ، وأن إدخال اليد تحته في رد المسح هو السنة .
ومحل كون الرد سنة إن بقي بيده بلل من المسح الواجب وإلا لم يسن ، ويكره تجديد الماء للرد ، ولهذا لو نسيه حتى أخذ الماء لرجليه لم يأت به ولم يكن الرد فضيلة ، فإن بقي ما يكفي بعض الرد فالظاهر أن يسن بقدر البلل فقط ؛ لقوله ( : "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"ومقابل الظاهر أنه يسقط.
مستوى7 ج - صفة مسح الرأس
ج - صفة مسح الرأس :
97 - وقالوا في صفة المسح : يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى ثم 43 364 يمسح بهما رأسه ، يبدأ بمقدمه من أول منابت شعر رأسه وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه وجعل إبهاميه على صدغيه ثم يذهب بيديه ماسحاً إلى طرف شعر رأسه مما يلي قفاه ثم يردهما حيث بدأ.
وقال الحنابلة الصفة المسنونة في مسح الرأس أنه يمر يديه من مقدمه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه ، لما روي عن عبد الله بن زيد "أن رسول الله ( مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ". ثم يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما .
فإن كان المتوضئ ذا شعر يخاف أن ينتفش برد يديه لم يردهما . لأن قد ورد عن الربيع بنت معوذ : "أن رسول الله ( توضأ عندها فمسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناحية لمنصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته".
وسئل أحمد كيف تمسح المرأة ؟ قال : هكذا فوضع يده على وسط رأسه ثم جرها إلى مقدمه ، ثم رفعها فوضعها حيث منه بدأ ، ثم جرها إلى مؤخره.
مستوى5 سابعاً ـ مسح الأذنين
سابعاً ـ مسح الأذنين :
98 - اختلف الفقهاء في حكم مسح الأذنين :
فذهب الحنفية والمالكية على المشهور والشافعية إلى أن من سنن الوضوء مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما ، لأن "النبي ( مسح في وضوئه برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ، وأدخل إصبعيه في صماخ أذنيه ".
ويرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) أن ظاهر الأذنين هو ما يلي الرأس ، وباطنها هو ما كان مواجها .
قال المالكية : لأنها خلقت كالوردة .
43 365 وفي رأي عند المالكية : أن ظاهر الأذنين هو ما كان مواجها وباطنهما هو ما يلي الرأس .
مستوى6 تجديد ماء لمسح الأذنين
تجديد ماء لمسح الأذنين ،وكيفية مسحهما :
99 ـ اختلف الفقهاء في تجديد ماء مسح الأذنين
فيرى جمهور الفقهاء (المالكية ، والشافعية ، والحنابلة) أنه يسن تجديد الماء لهما . ولهم في ذلك تفصيل :
فقال المالكية : السنن التي تتعلق بالأذنين في الوضوء ثلاث : مسح ظاهرهما وباطنهما ، ومسح الصماخين ، وتجديد الماء لهما ، فلو مسحهما بلا تجديد ماء كان آتيا بسنة المسح فقط وتاركا لسنة تجديد الماء ، وبقي عليه سنة مسح الصماخين إذ هو سنة مستقلة كما نقل المواق عن اللخمي وابن يونس .
والصماخ : هو الثقب الذي تدخل فيه رأس الإصبع من الأذن.
وقال الشافعية : يسن مسح الأذنين بماء جديد ، ويأخذ لصماخيه ماء جديدا ، ويشترط في تحصيل السنة ترتيب الأذن على الرأس ـ قال الشربيني الخطيب : كما هو الأصح في الروضة ـ ولو أخذ بأصابعه ماء لرأسه ثم أمسك بعض أصابعه ولم يمسح الرأس بها بعد الأذنين كفى لأنه ماء جديد .
وذهب الحنابلة وبعض المالكية إلى أنه يجب مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ، قال الحنابلة : لأنهما من الرأس لقوله عليه السلام "الأذنان من الرأس".(/15)
ويسن مسحهما بماء جديد بعد مسح رأسه لما روى عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه "رأى رسول الله ( يتوضأ ، فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي مسح به رأسه"، والبياض فوق الأذنين 43 366 دون الشعر من الرأس أيضاً : على الصحيح من المذهب ، فيجب مسحه مع الرأس ، وكيف مسح الأذنين أجزأ كالرأس .
والمسنون في مسحهما أن يدخل سبابتيه في صماخيهما ، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما لما روى ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه : داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه "ولا يجب مسح ما استتر من الأذنين بالغضاريف لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر ، فالأذن أولى.
وقال الحنفية : يكفي مسح جميع الرأس والأذنين بماء واحد ، لأنهما من الرأس ، قال صلى الله عليه وسلم : "الأذنان من الرأس" والمراد بيان الحكم دون الخلقة .
والأظهر أنه يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى قفاه على وجه يستوعب جميع الرأس ، ثم يمسح أذنيه بإصبعيه ، ولا يكون الماء مستعملا بهذا لأن الاستيعاب بماء واحد لا يكون إلا بهذه الطريقة .
فلو مسح المتوضئ أذنيه بالبلة الباقية من مسح الرأس كفى وكان مقيما للسنة ، ولكن مسحهما بماء جديد أولى ، مراعاة للخلاف ليكون آتيا بالسنة اتفاقا .
وقالوا يندب إدخال خنصره المبلولة في صماخ أذنيه عند مسحهما.
مستوى5 ثامناً ـ تخليل اللحية وشعور الوجه
ثامناً ـ تخليل اللحية وشعور الوجه :
100 ـ ذهب الفقهاء ـ في الجملة ـ إلى أنه يسن في الوضوء تخليل اللحية وسائر شعور الوجه ، على خلاف بينهم وتفصيل سبق بيانه (ف5) في غسل الوجه في الوضوء ، وينظر مصطلح (تخليل ف 6 ـ 8) .
مستوى5 تاسعاً ـ تخليل أصابع اليدين والرجلين
مستوى5 عاشراً ـ التثليث
تاسعاً ـ تخليل أصابع اليدين والرجلين :
101 ـ اختلف الفقهاء في حكم تخليل أصابع اليدين وأصابع الرجلين في الوضوء .
43 367 وينظر التفصيل في مصطلح (إصبع ف 2 ـ 3 ، وتخليل 2 ـ 5) .
عاشراً ـ التثليث :
102 ـ ذهب الفقهاء إلى أن تثليث غسل الأعضاء في الوضوء سنة لأن النبي ( "توضأ مرة مرة وقال : هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به ، وتوضأ مرتين مرتين وقال : هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين ، وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال : هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي"، والتفصيل في مصطلح ( تثليث ف2)
مستوى5 الحادي عشر ـ الاستياك
الحادي عشر ـ الاستياك :
103 ـ ذهب جمهور الفقهاء إلى أن السواك سنة عند الوضوء ، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) . وقال الحصكفي : السواك سنة مؤكدة . . . وهو للوضوء عندنا .
والمشهور من المذهب عند المالكية أن السواك مستحب ، ونقل الحطاب عن ابن عرفة أن مقتضى الأحاديث من ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم عليه لمرض موته ، وقوله : " لولا أن أشق . . . . . " أن يكون سنة ، وهو وجيه لكنه خلاف المشهور ، قال الدسوقي.
وفي تعريف الاستياك ، وحكمة مشروعيته ، وحكمه التكليفي ، والاستياك في الوضوء ، وللصائم ، وما يُستاك به وما يحظر أو يُكره ، وصفات السواك ، والسواك بغير عود أو بالإصبع ، وكيفية الاستياك ، وآدابه ، وتكراره وأقله وأكثره ، وإدماء السواك للفم ، و . . . . . . في كل ذلك تفصيل ينظر في مصطلح (استياك) .
مستوى5 الثاني عشر ـ المسح على العمامة
مستوى5 الثالث عشر ـ عدم الإسراف في استعمال الماء
الثاني عشر ـ المسح على العمامة :
104 ـ اختلف الفقهاء في حكم المسح على العمامة ، وانظر تفصيل آرائهم في مصطلح (مسح ف 8 ـ12 ، عمامة ف13) .
43 368 الثالث عشر ـ عدم الإسراف في استعمال الماء :
105 ـ تناول الفقهاء موضوع الإسراف في استعمال الماء في الوضوء في حالتين :
أ ـ الزيادة على ثلاث مرات .
ب ـ حالة استعمال الماء بكثرة في الوضوء .
وينظر تفصيل آراء الفقهاء في الحالتين في مصطلح (إسراف ف 6 ـ 7) .
مستوى5 الرابع عشر ـ التيامن
الرابع عشر ـ التيامن :
106 ـ اختلف الفقهاء في حكم التيامن في الوضوء في اليدين والرجلين .
فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أن التيامن في الوضوء مستحب.
واستدلوا بما ورد عن عائشة رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله : وفي طهوره وترجله وتنعله ".
وحكى عثمان وعلي رضي الله عنهما وضوء النبي صلى الله عليه وسلم : " فبدأ باليمنى قبل اليسرى ".
وذهب الشافعية ، وبعض الحنفية ، إلى أن التيامن في الوضوء سنة ، واستدلوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم ".
وقال ابن الهمام : إن التيامن سنة لثبوت مواظبته صلى الله عليه وسلم عليه ، فغير واحد ممن حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم صرّحوا بتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين وذلك يفيد المواظبة ، لأنهم إنما يحكون وضوءه الذي هو دأبه وعادته 43 369 فيكون سنة ، ولما ورد عنه صلى الله عليه وسلم : " إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم " .
وفي رواية عن أحمد أن التيامن واجب ، حكاها الفخر الرازي ، وشذذه الزركشي .
وقيل يكره تركه .
قال ابن قدامة : وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه.
مستوى5 الخامس عشر ـ إطالة الغرة والتحجيل
الخامس عشر ـ إطالة الغرة والتحجيل :
107 ـ اختلف الفقهاء في حكم الغرة والتحجيل :
فذهب الشافعية والحنابلة على الصحيح من المذهب إلى أنه يسن في الوضوء إطالة الغرة والتحجيل ، بأن يتجاوز المتوضئ موضع الفرض في غسل الوجه واليدين والرجلين .(/16)
وقال الحنفية : إن ذلك من آداب الوضوء .
وإطالة الغرة تكون بغسل زائد على الواجب من الوجه من جميع جوانبه ، وغايتها غسل صفحة العنق مع مقدمات الرأس .
وإطالة التحجيل بغسل زائد على الواجب من اليدين والرجلين من جميع الجوانب ، وغايتها استيعاب العضدين والساقين ، ولا فرق في ذلك بين بقاء محل الفرض وسقوطه .
والأصل في ذلك خبر : " إن أمتي يُدعون يوم القيامة غُرّاً محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ".
ومعنى "غُرّاً محجلين" : بيض الوجوه واليدين والرجلين ، كالفرس الأغر وهو الذي في وجهه بياض ، والمحجل وهو الذي قوائمه بيض ، قال الشافعية والحنابلة : وهذا من خصائص هذه الأمة.
ومذهب المالكية ورواية عن أحمد : لا تندب إطالة الغرة ، وهي الزيادة في غسل أعضاء الوضوء على محل الفرض .
وقال المالكية : بل يكره لأنه من الغلو في الدين ، وإنما يندب دوام الطهارة والتجديد ، قال الدسوقي : ويسمى ذلك إطالة الغرة كما حمل عليه قوله عليه الصلاة والسلام : " من استطاع منكم أن 43 370 يطيل غرته فليفعل " ، فقد حملوا الإطالة على الدوام ، والغرة على الوضوء .
وقال : والحاصل أن إطالة الغرة تطلق على الزيادة على المغسول ، وتطلق على إدامة الوضوء ، وإطالة الغرة بالمعنى الأول هو المكروه عند مالك ، وإطالة الغرة بالمعنى الثاني مطلوب عنده ، وحينئذٍ لا يكون الحديث السابق معارضاً لما ذكره من الكراهة.
(ر : غرة ف 5) .
مستوى5 السادس عشر ـ استقبال القبلة
السادس عشر ـ استقبال القبلة :
108 ـ اختلف الفقهاء في حكم استقبال القبلة أثناء الوضوء :
فذهب الحنفية والمالكية إلى أن استقبال القبلة في الوضوء من آدابه وفضائله وقيّد المالكية ذلك بأن يمكن بغير مشقة .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن من سنن الوضوء استقبال القبلة وهو متجه لكل طاعة إلا لدليل ، كما نقل المرداوي عن الفروع.
مستوى5 السابع عشر ـ الجلوس بمكان مرتفع
السابع عشر ـ الجلوس بمكان مرتفع :
109 ـ نص الحنفية والمالكية على أن من آداب الوضوء الجلوس في مكان مرتفع ، تحرزاً عن الماء المستعمل في الوضوء ، لوقوع الخلاف في نجاسته ولأنه مستقذر ، زاد المالكية : الجلوس مع التمكن .
وعبر الكمال بحفظ ثيابه من الماء المتقاطر . قال الحصكفي : وهو أشمل ، لأنه قد يكون مستعلياً ولا يتحفظ .
ونص الشافعية على أنه يسن أن يتوقى المتوضئ الرشاش المتطاير من ماء الوضوء.
مستوى5 الثامن عشر ـ التوضؤ في مكان طاهر
الثامن عشر ـ التوضؤ في مكان طاهر :
110 ـ نص الحنفية والمالكية على أن من مستحبات الوضوء التوضؤ في مكان طاهر ، لأن لماء الوضوء حرمة .
وقال المالكية في موضع طاهر بالفعل ، وشأن المكان الطهارة ليخرج بيت الخلاء قبل الاستعمال ، فيكره الوضوء فيه لأنه وإن كان طاهراً بالفعل لكن ليس شأنه الطهارة ، وأولى 43 371 غيره من المواضع المتنجسة بالفعل.
مستوى5 التاسع عشر ـ ترك الاستعانة
التاسع عشر ـ ترك الاستعانة :
111 ـ ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن من سنن الوضوء عدم الاستعانة ، وعَدّ الحنفية ذلك من آداب الوضوء .
قال الحنابلة : من سنن الوضوء أن يتولى الشخص وضوءه بنفسه من غير معاونة ، لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : " ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد ، ولا صدقته التي يتصدق بها إلى أحد ، يكون هو الذي يتولاها بنفسه ) "، وتباح معاونة المتوضئ كتقريب ماء الوضوء أو صبّه عليه ، لأن ( المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه : " أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم من وضوئه ) ". ( وعن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه قال : " صببت على النبي صلى الله عليه وسلم الماء في السفر والحضر في الوضوء ) ". وترك المعاونة أفضل .
وزاد الشافعية فقالوا : من سنن الوضوء ترك الاستعانة بالصب عليه لغير عذر لأنه الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم ، ولأن الاستعانة نوع من التنعم والتكبر وذلك لا يليق بالمتعبد ، والأجر على قدر النصب ، وهي خلاف الأولى ، وقيل : تكره ، والاستعانة بغسل الأعضاء لا بالصب مكروهة ، أما الاستعانة بإحضار الماء فهي لا بأس بها ، أما إذا كان ذلك لعذر كمرض فلا تكون الاستعانة خلاف الأولى ولا مكروهة دفعاً للمشقة ، بل قد تجب إذا لم يمكنه التطهر إلا بها ولو ببذل أجرة مثلاً .
والمراد بترك الاستعانة الاستقلال بالأفعال لا طلب الإعانة فقط ، حتى لو أعانه غيره وهو ساكت كان الحكم كذلك .
وإذا استعان بالصب فليقف المعين على يسار المتوضئ لأنه أعون وأمكن وأحسن أدباً .
وقال الحنفية : من آداب الوضوء عدم 43 372 استعانة المتوضئ بغيره إلا لعذر ، وأما استعانته صلى الله عليه وسلم بالمغيرة بن شعبة رضي الله عنه فكانت لتعليم الجواز .
وقال ابن مودود : يكره أن يستعين في وضوئه بغيره إلا عند العجز ، ليكون أعظم لثوابه وأخلص لعبادته .
وقال ابن عابدين : وظاهر ما في شرح المنية أنه لا كراهة أصلاً إذا كانت بطيب قلب ومحبة من المعين من غير تكليف من المتوضئ .
وقال : حاصله : أن الاستعانة في الوضوء إن كانت بصب الماء أو استقائه أو إحضاره فلا كراهة بها أصلاً ولو كانت بطلبه ، وإن كانت بالغسل والمسح فتكره بلا عذر.
مستوى5 العشرون ـ مسح الرقبة
العشرون ـ مسح الرقبة :
112 ـ اختلف الفقهاء في حكم مسح الرقبة :
فقال الحنفية وأحمد في رواية عنه : من مستحبات الوضوء مسح المتوضئ رقبته بظهر يديه ، لعدم استعمال بلتهما ، قال ابن عابدين : هذا هو الصحيح . وقيل : إنه سنة .(/17)
وقال المالكية والشافعية والحنابلة في الصحيح من مذهب : أنه لا يسن مسح الرقبة ، إذ لم يثبت فيه شيء .
وذهب الحنفية في قول حكي بلفظ : قيل ، والنووي إلى أن مسح الرقبة بدعة .
وقال المالكية : لا يندب مسح الرقبة بالماء لعدم ورود ذلك في وضوئه صلى الله عليه وسلم ، بل يكره لأنه من الغلو في الدين .
مستوى5 الحادي والعشرون ـ تحريك الخاتم
الحادي والعشرون ـ تحريك الخاتم :
113 ـ اختلف الفقهاء في حكم تحريك الخاتم في الوضوء :
فقال الحنفية والشافعية : من مستحبات الوضوء تحريك المتوضئ خاتمه الواسع ـ ومثله القرط ـ وكذا الضيق إن علم وصول الماء ، وإلا فرض .
وقال أحمد بن حنبل : من توضأ وكان خاتمه ضيقاً فلا بد أن يحركه ، وإن كان واسعاً 43 373 يدخل فيه الماء أجزأه ، وقد روى أبو رافع : " ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ حرك خاتمه ) ".
وإذا شك في وصول الماء إلى ما تحته وجب تحريكه ليتبيّن وصول الماء إليه ، لأن الأصل عدمه .
ونص المالكية على أن الخاتم المأذون فيه لا يجب نزعه ولا تحريكه في الوضوء ولو كان ضيقاً لا يصل الماء تحته ، فإن نزعه غسل محله إن لم يظن أن الماء وصل تحته . وأما غير المأذون فيه فيجب نزعه إن كان حراماً وأجزأ تحريكه إن كان واسعاً.
مستوى5 الثاني والعشرون ـ البدء بمقدم الأعضاء
الثاني والعشرون ـ البدء بمقدم الأعضاء :
114 ـ قال الشافعية : يسن في الوضوء البدء بأعلى الوجه ، وأطراف الأصابع ، ومقدم الرأس .
وقال الحنفية والمالكية : من مستحبات الوضوء البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو ، بأن يبدأ في الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد نازلاً إلى ذقنه أو لحيته ، ويبدأ في اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ، وفي الرأس من منابت شعر الرأس المعتاد إلى نقرة القفا، وفي الرجل من الأصابع إلى الكعبين.
مستوى5 الثالث والعشرون ـ عدم الكلام
الثالث والعشرون ـ عدم الكلام :
115 ـ ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يستحب أن لا يتكلم المتوضئ أثناء وضوئه بلا حاجة .
ويرى المالكية والحنابلة في الصحيح من المذهب أنه يكره الكلام على الوضوء .
والمراد بالكراهة عند الحنابلة هنا ترك الأولى.
وقال المالكية وابن مفلح من الحنابلة : الكراهة بغير ذكر الله .
(3)
مستوى6 السلام على المتوضئ وردّه
43 374 السلام على المتوضئ وردّه :
116 ـ اختلف الفقهاء في حكم إلقاء السلام على المتوضئ وحكم ردّه :
فذهب المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة إلى أنه يشرع السلام على المتوضئ كما يشرع ردّه . قال شيخ الإسلام من الشافعية : الظاهر أنه يشرع السلام على المتوضئ ويجب عليه الرد .
قال في الفروع : ظاهر كلام الأكثر لا يكره السلام ولا الرد وإن كان الرد على طهر أكمل ، لفعله صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيحين : " ( أن أم هانئ رضي الله عنها سلّمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل ، فقال : من هذه ؟ قلت : أم هانئ بنت أبي طالب ، قال : مرحباً بأم هانئ ) ".
وقال أبو الفرج وغيره من الحنابلة : يكره السلام على المتوضئ ، وفي الرعاية : ويكره رد المتوضئ السلام.
مستوى5 الرابع والعشرون ـ الدعاء عند كل عضو
الرابع والعشرون ـ الدعاء عند كل عضو :
117 ـ اختلف الفقهاء في الدعاء عند غسل أو مسح الأعضاء في الوضوء .
فذهب الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية وجماعة من الحنابلة إلى أنه يستحب قول الدعاء عند كل عضو .
وصرّح المالكية بأنه يستحب ذكر الله عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء .
ودعاء الأعضاء عند الحنفية والشافعية والأفقهسي من المالكية هو أن يقول بعد التسمية عند المضمضة : اللهم أعني على تلاوة القرآن الكريم وذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
وعند الاستنشاق : اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار .
وعند غسل الوجه : اللهم بيّض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .
وعند غسل يده اليمنى : اللهم أعطني كتابي 43 375 بيميني وحاسبني حساباً يسيراً .
وعند غسل يده اليسرى : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري .
وعند مسح رأسه : اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك .
وعند مسح أذنيه : اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
وعند مسح عنقه : اللهم أعتق رقبتي من النار .
وعند غسل رجله اليمنى : اللهم ثبّت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام .
وعند غسل رجله اليسرى : اللهم اجعل ذنبي مغفوراً وسعيي مشكوراً وتجارتي لن تبور .
وقالوا : إن الوارد من الدعاء رواه ابن حبان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق يقوي بعضها بعضاً ـ فارتقى إلى مرتبة الحسن كما قال ابن عابدين ـ فيعمل به ، والحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال بشرط : عدم شدة ضعفه ، وأن يدخل تحت أصل عام ، وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث .
وذهب الشافعية في رأي والحنابلة على الأصح : إلى أنه لا يستحب الدعاء عند كل عضو .
ونص الحنابلة على كراهته ، والمراد ترك الأولى .
قال النووي : دعاء الأعضاء لا أصل له .
وقال ابن القيم : الأذكار التي يقولها العامة على الوضوء عند كل عضو لا أصل لها عنه عليه أفضل الصلاة والسلام.
مستوى5 الخامس والعشرون ـ الدعاء بعد الوضوء
الخامس والعشرون ـ الدعاء بعد الوضوء :
118 ـ ذهب الفقهاء إلى مشروعية الدعاء بعد الوضوء :(/18)
فنص الشافعية والحنابلة على أنه يسن أن يقول المتوضئ عقب فراغه من الوضوء وهو مستقبل القبلة وقد رفع يديه وبصره إلى السماء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده 43 376 لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، لخبر : " ( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) "، ثم يقول المتوضئ : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ـ زاده الترمذي على خبر مسلمـ سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، لخبر : " ( من توضأ ثم قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة ) "أي لم يتطرق إليه إبطال ، أي يصان صاحبه من تعاطي مبطل .
وقال الحنفية والمالكية والشافعية : يسن أن يقول بعد الوضوء : وصلى الله وسلم على محمد وآل محمد .
وزاد الحنفية والمالكية : ويقول المتوضئ بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، واجعلني من عبادك الصالحين من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وقال الحنابلة والشافعية : ويقرأ سورة القدر ثلاثاً .
والحكمة ـ كما قال البهوتي ـ في ختم الوضوء ، والصلاة وغيرهما بالاستغفار : أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي ، وعن أدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته ، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه ، فالعارف يعرف أن قدر الحق أجل من ذلك ، فهو يستحيي من عمله ، ويستغفر من تقصيره فيه ، كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته .
والاستغفار يرد مجرداً ، ومقروناً بالتوبة .
فإن ورد مجرداً دخل فيه طلب وقاية شر 43 377 الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه ، ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع عنه ، وهذا الاستغفار الذي يمنع الإصرار والعقوبة .
وإن ورد مقروناً بالتوبة اختص بالنوع الأول ، فإن لم يصحبه الندم على الذنب الماضي ـ بل كان سؤالاً مجرداً ـ فهو دعاء محض ، وإن صحبه ندم فهو توبة ، والعزم على الإقلاع من تمام التوبة.
مستوى5 السادس والعشرون ـ تنشيف الأعضاء من بلل ماء الوضوء
السادس والعشرون ـ تنشيف الأعضاء من بلل ماء الوضوء :
119 ـ اختلف الفقهاء في حكم تنشيف أعضاء الوضوء من بلل مائه :
فذهب المالكية والحنابلة والشافعية في مقابل الأصح إلى أنه يجوز التنشيف ويجوز تركه واستدلوا بما روى سلمان رضي الله عنه : " ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها وجهه ) "، " ( ولأنه صلى الله عليه وسلم بعد غسله من الجنابة ناولته ميمونة رضي الله عنها خرقة فلم يردها فجعل ينفض بيده ) ".
وصرح الحنابلة بأن ترك التنشيف أفضل .
ونص الحنفية على أن من آداب الوضوء التنشيف .
واستدل الحنفية بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله .
وعند الشافعية في الأصح أن المسنون ترك التنشيف إلا لعذر لأنه يزيل أثر العبادة .
وقالوا : إذا كان التنشيف لعذر فلا يسن تركه بل يتأكد سنه ، كأن خرج عقب وضوئه في هبوب ريح تنجس أو آلمه شدة نحو برد أو كان يتيمم عقب الوضوء لكي لا يمنع البلل في وجهه ويديه التيمم .
وذهب الحنفية في رأي وكذلك الشافعية في رأي أنه يكره التنشيف.
(ر : تنشيف ف 3) .
مستوى5 السابع والعشرون ـ ترك نفض اليد أو الماء
43 378 السابع والعشرون ـ ترك نفض اليد أو الماء :
120 ـ اختلف الفقهاء في حكم عدم نفض ماء الوضوء عن الأعضاء أو عن اليد :
فيرى الحنفية والشافعية في الأصح أنه يستحب للمتوضئ عدم نفض يده ، لحديث : " ( إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان ) "، ولأنه يشعر بكراهة أمر الطهارة .
وقال الحنابلة في الصحيح من المذهب والشافعية في رأي جزم به الرافعي : يكره نفض الماء .
وقال ابن قدامة في الشرح : لا يكره نفض الماء بيديه عن بدنه لحديث ميمونة رضي الله عنها ويكره نفض يده .
وقال في غاية المطلب - كما نقل عنه البهوتي - هل يباح نفض يده أو يكره .
وذهب الشافعية في قول رجّحه النووي إلى أنه يباح للمتوضئ نفض الماء وتركه.
مستوى5 الثامن والعشرون الشرب من فضل ماء الوضوء
الثامن والعشرون : الشرب من فضل ماء الوضوء :
121 ـ نص الحنفية والشافعية على أن من مستحبات الوضوء أن يشرب المتوضئ عقب فراغه من الوضوء من الماء الذي زاد في الإناء ، لما ورد عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله.
قال الكمال : يشرب المتوضئ فضل وضوئه قائماً مستقبلاً ، قيل : وإن شاء قاعداً .
وقال الحصكفي وابن عابدين وغيرهما : يشرب المتوضئ بعد الوضوء من فضل وضوئه ـ التشبيه في الشرب مستقبلاً قائماً لا في كونه بعد الوضوء ـ مستقبل القبلة قائماً أو قاعداً . . . والمراد شرب كل الفضل أو بعضه .
43 379 ويقول عقب الشرب : اللهم اشفني بشفائك ، وداوني بدوائك ، واعصمني من الوهل والأمراض والأوجاع . قال في الحلية : والوَهَل هنا ـ بالتحريك ـ الضعف والفزع ، ولم أقف على هذا الدعاء مأثوراً ، وهو حسن.
مستوى5 التاسع والعشرون ـ صلاة ركعتين عقب الوضوء
التاسع والعشرون ـ صلاة ركعتين عقب الوضوء :
122 ـ ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب أن يصلي المتوضئ ركعتين عقب فراغه من الوضوء لحديث :" ( ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة ) ".(/19)
ويرى الحنفية والحنابلة ، أن المتوضئ يصلي سنة الوضوء في غير وقت الكراهة وهي الأوقات الخمسة التي يكره فيها الصلاة ، وذلك لأن ترك المكروه أولى من فعل المندوب .
وقال الشافعية : في الحديث استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء ، وهو سنة مؤكدة ، ويفعل هذه الصلاة في أوقات النهى وغيرها ، لأن لها سببا .
وللتفصيل في أوقات الكراهة ينظر (أوقات الصلاة ف 23 وما بعدها)
مستوى5 الثلاثون ـ تجديد الوضوء
الثلاثون ـ تجديد الوضوء :
123 ـ اختلف الفقهاء في حكم تجديد الوضوء . . أي التوضؤ على وضوء قائم لم ينقض .
فذهب البعض إلى أنه سنة .
وقال بعضهم : إنه مستحب .
وذهب بعضهم إلى أنه ممنوع قبل أن تفعل به عبادة
وفي رواية عن أحمد أنه لا فضل فيه.
ولهم في ذلك تفصيل ( ر : مصطلح تجديد ف 2 )
مستوى5 الواحد والثلاثون - عدم نقص ماء الوضوء عن مد
43 380 الواحد والثلاثون - عدم نقص ماء الوضوء عن مد :
124- ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يستحب ألا ينقص ماء الوضوء عن مد ، واستدلوا بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه " ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ) ".
وذهب المالكية في المشهور والحنفية في قول إلى أن ماء الوضوء لا يحد بحد معين ، والمقصود بما ورد في الحديث هو فضيلة الاقتصاد وترك الإسراف . أورد ابن عابدين عن الحلية : نقل غير واحد إجماع المسلمين على أن ما يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر بمقدار، وما في ظاهر الرواية من أن أدنى ما يكفي في الغسل صاع وفي الوضوء مد للحديث المتفق عليه " ( كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ) " ليس بتقدير لازم بل هو بيان أدنى القدر المسنون .
وقال ابن شعبان من المالكية: لا يجزئ أقل من مد في الوضوء ولا أقل من صاع في الغسل.
ولمعرفة مقدار المد واختلاف الفقهاء فيه (ر: مقادير ف 25) .
مستوى5 الثاني والثلاثون عدم النفخ في الماء حال غسل الوجه
مستوى5 الثالث والثلاثون : الترتيب بين السنن
الثاني والثلاثون: عدم النفخ في الماء حال غسل الوجه :
125- نص الحنفية على أن من آداب الوضوء ومستحباته عدم نفخ المتوضئ في الماء حل غسل الوجه . وأن يتوضأ من متوضأ العامة.
الثالث والثلاثون : الترتيب بين السنن :
126- ذهب الحنفية في المذهب والشافعية في المذهب كذلك إلى أنه يسن ترتيب سنن الوضوء فيما بينها .
وصرح المالكية والحنفية في قول بأنه يندب ترتيب سنن الوضوء في أنفسها .
فلو حصل تنكيس بين السنن أو بين السنن والفرائض لم تطلب الإعادة لما نكسه ولا لما 43 381 بعده للترتيب ، لأن المندوب إذا فات لا يؤمر بفعله .
وقال المرداوي من الحنابلة: اختار أبو الخطاب في الانتصار عدم وجود الترتيب في نفل الوضوء.
وقال الشافعية في أحد الوجهين إلى أن الترتيب في الأعضاء المسنونة في الوضوء واجب ، فإن نكس وخالف الترتيب لم يعتد بما لم يقدمه لأن ما استحق الترتيب في فرضه استحق الترتيب في مسنونه قياسا على أركان الصلاة ، وأنه لو جدد لكان الترتيب فيه واجبا ، وإن كان التجديد فيه مسنوناً.
مستوى5 الرابع والثلاثون أخذ المتوضئ الماء بيديه جميعا عند غسل الوجه
الرابع والثلاثون : أخذ المتوضئ الماء بيديه جميعا عند غسل الوجه :
127- ذهب الشافعية في الصحيح الذي نص عليه في مختصر المزني وقطع به جمهورهم إلى أن صفة غسل الوجه المستحبة أن يأخذ المتوضئ الماء بيديه جميعاَ لما ورد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( أدخل يديه فاغترف به ما فغسل وجهه ثلاث مرات ) " . ولأن غسل الوجه بهذه الصفة أمكن وأسبغ .
وفي قول عندهم يأخذ المتوضئ الماء بيده . لما ورد عن عبد الله بن زيد : " ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً ) ".
وفي وجه ثالث لزاهر السرخسي أن المتوضئ يغرف بكفه اليمنى ويضع ظهرها على بطن كفه اليسرى ويصبه من أعلى جبهتهلما ورد ( عن ابن عباس : " ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا ، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ) " (3) .
وذكر الحنابلة في معرض الكلام عن صفة الوضوء الكامل : ثم يغسل وجهه فيأخذ الماء بيديه جميعاَ، أو يغترف بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بهما ثلاثاً لأن السنة قد استفاضت به.
مستوى5 الخامس والثلاثون ـ تدارك ما فات من الوضوء
43 382 الخامس والثلاثون ـ تدارك ما فات من الوضوء :
128 ـ التدارك وهو فعل العبادة ، أو فعل جزئها إذا ترك المكلف فعل ذلك في محله المقرر شرعاً ما لم يفت .
وقد تناول الفقهاء حكم تدارك ركن من أركان الوضوء بالإتيان بالفائت ثم الإتيان من بعده ، أو تدارك واجب من واجبات الوضوء ، أو سنة من سننه .
وينظر التفصيل في مصطلح (تدارك ، فقرات 4 ـ 7)
مستوى4 مكروهات الوضوء
مستوى5 أولاً لطم الوجه أو غيره من أعضاء الوضوء
مكروهات الوضوء :
عدد الفقهاء أمورا اعتبروها من مكروهات الوضوء ، منها :
أولاً : لطم الوجه أو غيره من أعضاء الوضوء :
129 - نص الحنفية والشافعية على كراهة لطم الوجه أو غيره من أعضاء الوضوء بالماء ، وخص الوجه بالذكر لما له من مزيد الشرف.
مستوى5 ثانياً التقتير في الوضوء
ثانياً : التقتير في الوضوء :
130 - نص الحنفية على أنه يكره التقتير في التوضؤ بأن يقرب إلى حد دهن الأعضاء بالماء ويكون التقاطر غير ظاهر ، بل ينبغي أن يكون ظاهرا ليكون غسلا ـ فيما يغسل ـ بيقين في كل مرة من الثلاث .
مستوى5 ثالثاً الإسراف في التوضؤ
ثالثاً : الإسراف في التوضؤ :(/20)
131 - يكره الإسراف في التوضؤ . . بأن يستعمل من الماء فوق الحاجة الشرعية لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال : "ما هذا السرف ؟" فقال : أفي الوضوء إسراف ؟ فقال : "نعم ، وإن كنت على نهر جار ) ".
ولأنه من الغلو في الدين الموجب للوسوسة وفي الحديث " ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) "نص عليه الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
43 383 وزاد الحنفية والشافعية : أن الماء الموقوف على من يتطهر به ومن ماء المدارس فالإسراف فيه حرام ؛لأن الزيادة غير مأذون بها ، لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحتها لغير ذلك .
قال ابن عابدين : وينبغي تقييده بما ليس بجار ، أما الجاري فهو من المباح.
مستوى5 رابعاً التوضؤ بفضل ماء المرأة
رابعاً : التوضؤ بفضل ماء المرأة :
132 - قال الشرواني : المراد بفضل ماء المرأة ما فضل عن طهارتها وإن لم تمسه ، دون ما مسته في شرب أو أدخلت يدها فيه بلا نية .
واختلف الفقهاء في حكم التطهر بفضل ماء المرأة وذهب بعض الحنفية وبعض الشافعية وأحمد في رواية إلى أن التوضؤ بفضل ماء المرأة مكروه مراعاة للخلاف .
وذهب بعض الحنفية وأحمد في رواية والمالكية في المذهب وبعض الشافعية منهم البغوي إلى أن فضل ماء المرأة طاهر مطهر يرفع الحدث مطلقاً فلا يكره استعماله لما ورد ( أن ميمونة رضي الله عنها قالت : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت : يا رسول الله ، إني كنت جنبا فقال : إن الماء لا يجنب )
وذهب الحنابلة في ظاهر المذهب إلى أنه لا يجوز للرجل الطهارة بفضل طهور المرأة.
لحديث " ( أن النبي ( " نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ) "
وقال المرداوي : منع الرجل من استعمال فضل طهور المرأة تعبدي لا يعقل معناه . نص عليه ، ولذلك يباح لامرأة سواها ولها التطهر به في طهارة الحدث والخبث وغيرها ، لأن النهي مخصوص بالرجل ، وهو غير معقول فيجب قصره على مورده .
مستوى5 خامساً : تثليث المسح بماء جديد
43 384 خامساً : تثليث المسح بماء جديد :
133 - نص عليه الحنفية والمالكية ، وصرح الحنابلة في المذهب بأنه لا يستحب تكرار مسح الرأس.
مستوى5 سادساً : الوضوء في مكان نجس
سادساً : الوضوء في مكان نجس : 134 - يكره فعل الوضوء في مكان نجس لأنه طهارة : فيتنحى عن المكان النجس أو من ما شأنه كذلك ، لأن لماء الوضوء حرمة ، ولئلا يتطاير عليه شيء مما يتقاطر من أعضائه ويتعلق به النجاسة وذلك في المكان النجس بالفعل . نص عليه الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
وزاد الحنفية : يكره تنزيها إلقاء النخامة والامتخاط في الماء .
مستوى5 سابعاً التوضؤ في المسجد
سابعاً : التوضؤ في المسجد :
135 - يكره التوضؤ في المسجد إلا في إناء أو في موضع أعد لذلك ، نص عليه الحنفية وأحمد في رواية ، وهو قول مالك وإن جعله في طست .
وقال الشافعية والحنابلة على الصحيح من المذهب يباح الوضوء والغسل في المسجد إذا لم يؤذ به أحدا ، ولم يؤذ المسجد .
وقال سحنون : لا يجوز التوضؤ بصحن المسجد لقول الله تعالى ( { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } ) فوجب أن ترفع وتنزه عن أن يتوضأ فيها لما يسقط فيها من غسالة الأعضاء من الأوساخ والتمضمض والاستنشاق وقد يحتاج للصلاة بذلك الموضع آخر . فيتأذى بالماء المهراق فيه، وقد روي أن رسول الله ( قال : ( اجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم )
مستوى5 ثامنا إراقة ماء الوضوء في المسجد
43 385 ثامنا: إراقة ماء الوضوء في المسجد :
136 - نص الحنابلة على أنه تكره إراقة ماء الوضوء والغسل في المسجد وتكره على المذهب أيضا إراقته في مكان يداس فيه كالطريق .
وقال أحمد في رواية: لا يكره، وعلى المذهب تكون الكراهة تنزيها للماء، وفي وجه على الآخر تكون الكراهة تنزيها للطريق.
وذهب الشافعية إلى أنه يجوز إسقاط ماء الوضوء في أرض المسجد إذا لم يتأذ به الناس.
مستوى5 تاسعا الوضوء بماء الشمس
تاسعا: الوضوء بماء الشمس :
137 - اختلف الفقهاء في التوضؤ بالماء المشمس على قولين:
فذهب المالكية في المعتمد والشافعية في المذهب وبعض الحنفية إلى كراهة التوضؤ بالماء المشمس.
وذهب جمهور الحنفية والحنابلة والمالكية في قول وبعض الشافعية إلى جواز التوضؤ بالماء المشمس مطلقا من غير كراهة.
(ر: مياه ف 13).
مستوى5 عاشرا - ترك سنة من سنن الوضوء
عاشرا - ترك سنة من سنن الوضوء :
138 - نص المالكية على أنه يكره للمتوضئ ترك سنة من سنن الوضوء، فإن تركها عمدا أو سهوا سن له فعلها لما يستقبل من الصلاة إن أراد أن يصلي بذلك الوضوء.
ويرى الحنفية أن ترك المندوب خلاف الأولى، وعبر بعضهم عن هذا المطلب بأن ترك المندوب مكروه تنزيها.
مستوى4 نواقض الوضوء
نواقض الوضوء :
139 - ذهب الحنفية إلى أن المقصود بنقض الوضوء هو: إخراج الوضوء عن إفادة المقصود منه كاستباحة الصلاة.
وقال المالكية: هو انتهاء حكم الوضوء المنقوض أو رفع استمرار حكمه مما كان يباح به من صلاة وغيرها كما ينتهي حكم 43 386 النكاح بالموت.
وقد ذكر الفقهاء نواقض الوضوء بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وذلك على التفصيل الآتي:
مستوى5 أولا - الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما
أولا - الخارج من السبيلين أو خروج شيء منهما :(/21)
140- ذهب الفقهاء -في الجملة- إلى أن من المعاني الناقضة للوضوء، أي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب به.. خروج شيء من السبيلين، لقوله تعالى: { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكمْ مِنَ الْغَائِطِ }
والغائط حقيقة: المكان المطمئن الذي يقضي فيه الناس حاجتهم، وليست حقيقته مرادة، فجعل مجازا عن الأمر المحوج إلى المكان المطمئن، ولهذه الأشياء تحوج إليه لتفعل فيه تسترا عن الناس على ما عليه العادة، حتى لو جاء أحد من الغائط أي المكان المطمئن من غير حاجة لا يجب عليه الوضوء إجماعا .
وللفقهاء تفصيل في كون الخارج معتادا كالبول والغائط أو غير معتاد، بل يكون نادرا كالدود والحصى، وفي كون الخارج من أحد السبيلين -الدبر والذكر أو فرج المرأة- أو من غيره، من تحت المعدة أو من فوقها، وكان السبيلان مفتوحين أو مسدودين أو.................... الخ.
(ر: حدث ف 6 - 10).
مستوى5 ثانيا خروج النجاسات من غير السبيلين
ثانيا: خروج النجاسات من غير السبيلين :
141- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء، أو عدم نقضه بخروج شيء من النجاسات من سائر البدن غير السبيلين.
فقال المالكية والشافعية: إنه غير ناقض للوضوء، وإنما يلزم تطهير الموضع الذي أصابته النجاسة الخارجة من سائر البدن، ويبقى الوضوء إلا إذا انتقض بسبب آخر.
ونص الحنفية والحنابلة على أن النجاسات الخارجة من سائر البدن غير السبيلين- كالقيء والدم ونحوهما- ناقضة للوضوء، وذلك في الجملة على اختلاف بينهم في ذلك.
(ر: حدث ف 10).
مستوى5 ثالثا: زوال العقل الحدث الحكمي
مستوى6 أ - النوم
43 387 ثالثا: زوال العقل الحدث الحكمي:
ثالثا: زوال العقل قد يكون بالنوم أو الجنون أو السكر أو الإغماء أو الغشي.
أ - النوم:
اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالنوم إلى رأيين:
142- الرأي الأول:
يرى جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن النوم ناقض للوضوء في الجملة ، واستدلوا بحديث ( "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" ) وحديث ( إن العينين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء )
ثم اختلفوا في بعض التفاصيل:
143 - أما الحنفية فالنائم عندهم إما أن يكون مضطجعا أو متوركا ، أو يكون مستندا على شيء لو أزيل عنه لسقط ، أو نام قائما أو راكبا أو ساجدا.
أ - فإن كان مضطجطعا أو متوركا نقض وضوؤه لحديث ( "إنما الوضوء على من نام مضطجعا" ) إن من اضطجع استرخت مفاصله غاية الاسترخاء بحالة الاضطجاع فيكون بمظنة خروج الريح.
ب - وألحق به من نام متوركا لزوال مقعديهما من الأرض.
وإن كان مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط: فهذا لا يخلو: إما أن يكون مقعدته 43 388 زائلة من الأرض أو لا، فإن كانت زائلة نقض بالإجماع بين أئمتهم، وإن كانت غير زائلة: ذكر القدوري أنه ينقض، وهو مروي عن الطحاوي .
وقال الزيلعي : الصحيح أنه لا ينقض، ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة .
ج- وإن كان النائم قائما أو راكعا أو ساجدا فإنه إن كان في الصلاة لا ينتقض وضوءه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( "لا وضوء على من نام قائما أو راكبا أو ساجدا" ) وإن كان خارج الصلاة، فكذلك على الصحيح إن كان على هيئة السجود بأن كان رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه وإلا انتقض وضوءه.
د- واختلفوا في المريض إذا كان يصلي مضطجعا فنام، قال الزيلعي : فالصحيح انتفاض وضوئه للحديث: ( "إنما الوضوء على من نام مضطجعا" )
هـ- ولو نام قاعدا أو قائما فسقط على وجهه أو جنبه: إن انتبه قبل سقوطه، أو حالة سقوطه، أو سقط نائما وانتبه من ساعته لا ينتقض الوضوء، وإن استقر بعد السقوط نائما ثم انتبه انتقض لوجود النوم مضطجعا، وعن أبي يوسف ينتقض بالسقوط لزوال الاستمساك حيث سقط.
وعن محمد بن الحسن : إن انتبه قبل أن تزايل معقدته الأرض لم ينتقض، وإن زايلها وهو نائم انتقض، وهو مروي عن أبي حنيفة وقال الزيلعي : والظاهر الأول.
وقال الحنفية: الصحيح أن النوم نفسه ليس بحدث وإنما الحدث: ما لا يخلو عنه النائم، فأقيم السبب الظاهر -وهو النوم هنا- مقامه كالسفر ونحوه .
144- وللمالكية طريقتان في اعتبار النوم ناقضا:
الأولى: طريقة اللخمي، وظاهر هذه الطريقة: أن المعتبر في النقض صفة النوم ولا عبرة بهيئة النائم من اضطجاع أو قيام أو غيرهما، فمتى كان النوم ثقيلا: نقض، سواء كان النائم مضجعا أو ساجدا أو جالسا، أو قائما، وعلامة النوم الثقيل هو ما لا يشعر 43 389 صاحبه بصوت مرتفع أو كان بيده مروحة فسقطت ولم يشعر بها، وإن كان النوم غير ثقيل فلا ينتقض على أي حال.
الطريقة الثانية: اعتبر بعضهم صفة النوم مع الثقل، وصفة النائم مع النوم غير الثقيل، وقالوا: إن النوم ثقيل يجب منه الوضوء على أي حال، وأما غير الثقيل فيجب الوضوء في الاضطجاع والسجود، ولا يجب في القيام والجلوس.
وعزي هذه الطريقة لعبد الحق وغيره.
ولكن الطريقة الأولى هي الأشهر عندهم .
145- وقال الشافعية: إن النوم ينقض الوضوء كيفما كان إلا نوم المتمكن مقعده من الأرض أو غيرها، فلا ينقض وضوءه، وإن استند إلى ما لو زال لسقط لأمن خروج شيء حينئذ من دبره.
ولا عبرة لاحتمال خروج شيء من قبله، لأنه نادر، والنادر لا حكم له، ولأثر أنس رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" . وفي رواية: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم" .
وحمل على نوم المتمكن مقعده في الأرض جميعا بين الحديثين، ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا .(/22)
وذكر النووي مسائل تتعلق بالتفريع على المذهب، وهو أن نوم المتمكن مقعده لا ينقض وغيره ينقض:
المسألة الأولى: قال الشافعي في الأم والمختصر والأصحاب: يستحب للنائم ممكنا أن يتوضأ؛ لاحتمال خروج حدث، وللخروج من خلاف العلماء.
المسألة الثانية: لو تيقن النوم وشك هل كان ممكنا أم لا فلا وضوء عليه.
المسألة الثالثة: نام جالسا فزالت ألياه أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه 43 390 انتقض؛ لأنه مضى لحظة وهو نائم غير ممكن، وإن زالت بعد الانتباه أو معه، أو لم يدر أيهما سبق لم ينتقض؛ لأن الأصل الطهارة .
المسألة الرابعة: نام ممكنا مقعده من الأرض مستندا إلى حائط أو غيره لا ينتقض وضوءه، سواء أكان بحيث لو وقع الحائط لسقط أم لا، وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا.
المسألة الخامسة: قليل النوم وكثيره عندنا سواء، نص عليه الشافعي والأصحاب، فنوم لحظة ونوم يومين سواء في جميع التفصيل والخلاف.
المسألة السادسة: قال أصحابنا: لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متوركا أو غيره من الحالات بحيث يكون مقعده لاصقا بالأرض أو غيرها متمكنا، وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب فلا ينتقض الوضوء بشيء من ذلك، نص عليه الشافعي في الأم، واتفق عليه الأصحاب.
ولو نام محتبيا -وهو أن يجلس على ألييه رافعا ركبتيه محتويا عليهما بيديه أو غيرهما- ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والروياني : أحدها: لا ينتقض كالمتربع، والثاني: ينتقض كالمضطجع، والثالث: إن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق ألياه على الأرض انتقض وإلا فلا، والمختار الأول.
المسألة السابعة: إذا نام مستلقيا على قفاه وألصق ألييه بالأرض فإنه يستبعد خروج الحدث منه، ولكن اتفق الأصحاب على أنه ينتقض وضوءه؛ لأنه ليس كالجالس الممكن، فلو استثفر وتلجم بشيء فالصحيح المشهور الانتقاض أيضا .
146- وقال الحنابلة: النوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- نوم المضطجع فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم.
ب- ونوم القاعد إن كان كثيرا نقض، وإن كان يسيرا لم ينقض.
واستدلوا بعموم حديث: ( "فإذا نامت العينان استطلق الوكاء" ) وحديث: ( "فمن نام فليتوضأ". )
وقول صفوان بن عسال -رضي الله عنه-: ( "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من 43 391 غائط وبول ونوم" ) وقالوا: وإنما خصصناهما في اليسير: لحديث أنس -رضي الله عنه-: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون" وليس فيه بيان كثرة ولا قلة، فإن النائم يخفق رأسه في يسير النوم، فهو يقين في اليسير فيعمل به، وما زاد عليه فهو محتمل لا يترك له العموم المتيقن، ولأنه نقض الوضوء بالنوم يعلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة يفضي إليه، ولا يحس بخروجه منه، بخلاف اليسير، ولا يصح قياس الكثير على اليسير لاختلافهما في الإفضاء إلى الحدث، وعن الإمام أحمد : ينقض، وعنه: لا ينقض نوم الجالس ولو كان كثيرا.
واختاره الشيخ ابن تيميه، وحكي عنه لا ينقض غير نوم المضطجع.
ج- وما عدا هاتين الحالتين هو "نوم القائم والراكع والساجد" فروي عن أحمد في جميع ذلك روايات إحداهما: ينقض وهو المذهب؛ لأنه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نص، ولا هو في معنى المنصوص؛ لكون القاعد متحفظا لاعتماده بمحل الحدث إلى الأرض، والراكع والساجد ينفرج محل الحدث منهما.
والثانية: لا ينقض إلا إذا كثر، وعليه جمهور الأصحاب.
والثالثة: لا ينقض نوم الراكع، وينقض نوم الساجد .
وأما نوم القاعد المستند والمحتبي فقد اختلف الحنابلة في أثره على الوضوء.
فالصحيح من المذهب أنه ينقض يسيره؛ لأنه معتمد على شيء فهو كالمضطجع .
وعن أحمد : لا ينقض يسيره.
قال أبو داود : سمعت أحمد قيل له: الوضوء من النوم؟ قال: إذا طال، قيل: فالمحتبي؟ قال: يتوضأ، قيل: فالمتكئ؟ قال: الاتكاء شديد، والمتساند كأنه أشد -يعني من الاحتباء- ورأى منها كلها الوضوء إلا أن يغفو قليلا .
43 392 وقال ابن قدامة: والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير؛ لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله .
ثم اختلف علماء الحنابلة في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء.
فقال أبو يعلى: ليس للقليل حد يرجع إليه، وهو على ما جرت به العادة، وقيل: حد الكثير: ما يتغير به النائم عن هيئته: مثل أن يسقط على الأرض، ومنها أن يرى حلما.
وقال ابن قدامة : والصحيح أنه لا حد له؛ لأن التحديد إنما يعرف بتوقيف، ولا توقيف في هذا، فمتى وجدنا ما يدل على الكثرة: مثل سقوط المتمكن وغيره انتقض وضوءه، وإن شك في كثرته لم ينتقض وضوءه؛ لأن الطهارة متيقنة فلا تزول بالشك .
وقال: من لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه؛ لأن النوم الغلبة على العقل، وقال بعض أهل اللغة في قوله تعالى: { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } هي ابتداء النعاس في الرأس، فإذا وصل إلى القلب صار نوما، ولأن الناقض زوال العقل، ومتى كان ثابتا وحسه غير زائل، مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه فلم يوجد سبب النقض من حقه.
وإن شك: هل نام أم لا أو خطر بباله شيء لا يدري أرؤيا هو أم حديث نفس؟ فلا وضوء عليه .
الرأي الثاني:(/23)
147- حكي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- وأبي مجلز وحميد الأعرج وعمرو بن دينار : أن النوم لا ينقض الوضوء، واستدلوا بما ورد عن أنس -رضي الله عنه- قال: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون" )
وعن سعيد بن المسيب : أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء، وقال ابن قدامة : لعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه، والحدث مشكوك فيه، فلا يزول اليقين بالشك .
قال المرداوي : نقل الميموني: لا ينقض 43 393 النوم الوضوء بحال، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية إن ظن بقاء طهره، وقال الخلال : هذه الرواية خطأ بين .
مستوى6 ب- الإغماء
مستوى6 ج- الجنون
مستوى6 د- السكر
ب- الإغماء:
148- اتفق الفقهاء على أن الإغماء ينقض الوضوء، ومنه الغشي .
(ر: إغماء، ف6).
ج- الجنون:
149- اتفق الفقهاء على أن الجنون قليلا كان أو كثيرا ينقض الوضوء .
(ر: جنون، ف10).
د- السكر:
150- اتفق الفقهاء على أن السكر ناقض للوضوء .
(ر: حدث ف11).
مستوى5 رابعا مس فرج الآدمي
مستوى5 خامسا: التقاء بشرتي الرجل والمرأة
رابعا: مس فرج الآدمي:
151- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس فرج الآدمي ذكرا كان أم أنثى أم خنثى، والتفصيل في مصطلح (حدث ف14، فرج ف5، 4، مس ف18، خنثى ف9).
خامسا: التقاء بشرتي الرجل والمرأة:
152- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بمس بشرة الرجل بشرة الأنثى، والتفصيل في مصطلح (حدث ف13، أنوثة ف21).
مستوى5 سادسا الردة
سادسا: الردة:
153- اختلف الفقهاء في كون الارتداد عن الإسلام -والعياذ بالله تعالى- ناقضا للوضوء .
فذهب الحنفية والشافعية في الأصح وجماعة من المالكية والحنابلة في رواية إلى أن الردة بذاتها ليست من نواقض الوضوء، وإنما تكون محبطة للعمل في حال اتصالها بالموت، وعليه فمن ارتد وهو متوضئ ثم عاد إلى الإسلام لم ينتقض وضوءه بردته ذاتها إن لم يكن انتقض لسبب آخر.
ونص الشافعية على أن الردة إن اتصلت بالموت فهي محبطة للعمل والثواب وإن لم تتصل به فهي محبطة للثواب دون العمل، بمعنى أن من ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه لا يثاب على علمه السابق ولا يطالب بإعادته، 43 394 ومن اتصلت ردته بالموت لم يثب أيضا.
وقال المالكية في المعتمد عندهم والحنابلة في الصحيح من المذهب والشافعية في وجه: إن الردة عن الإسلام تنقض الوضوء، لقول الله تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } فمن كان على وضوء وارتد انتقض هذا الوضوء بالردة ذاتها وبمجرد حدوثها؛ لأن الوضوء عمل فيحبط بنص الآية، ولأن الوضوء عبادة يفسدها الحدث فأفسد الشرك كالصلاة والتيمم، وقالوا: الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يستحيل منه الردة شرعا، فقد علم الله -تعالى- أنه صلى الله عليه وسلم لا يشرك ولا يقع منه إشراك.
وروى موسى بن معاوية عن ابن القاسم ندب الوضوء من الردة .
وقال الصاوي : معنى إحباط العمل من حيث الثواب، ولا يلزم من بطلان ثوابه إعادته، فلهذا لا يطالب بعدها بقضاء ما قدمه من صلاة وصيام، وإنما وجب الوضوء على القول المعتمد؛ لأنه صار بعد توبته -أي عودته إلى الإسلام- بمنزلة من بلغ حينئذ، فوجب عليه الوضوء لموجبه، وهو إرادة القيام إلى الصلاة .
مستوى5 سابعا القهقهة في الصلاة
سابعا: القهقهة في الصلاة :
154- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، فذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء، وتفسد الصلاة.
واستحب الشافعية الوضوء من الضحك في الصلاة .
وذهب الحنفية -وهو ما روي عن الحسن والنخعي والثوري - إلى أن القهقهة في صلاة كاملة -وهي ما لها ركوع وسجود- تنقض الوضوء، وتفسد الصلاة .
(ر: حدث ف15- 16، قهقهة ف4- 5).
مستوى5 ثامنا أكل ما مسته النار
43 395 ثامنا: أكل ما مسته النار:
155- اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار على قولين:
أحدهما: لا يجب الوضوء بأكل شيء مما مسته النار، وبه قال جمهور العلماء، وهو محكي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة -رضي الله عنهم-، وبه قال جمهور التابعين والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
واحتجوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم: ( "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ" ) وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: يعني الخارج النجس ولم يوجد، وبما روى جابر -رضي الله عنه- قال: ( "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار" )
والثاني: يجب الوضوء مما مسته النار، وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وأبي قلابة وأبي مجلز، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من الصحابة: ابن عمر وأبي طلحة وأبي موسى وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، واحتجوا بما رواه زيد بن ثابت وأبو هريرة وعائشة -رضي الله عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( "توضئوا مما مست النار" )
مستوى5 تاسعا الوضوء من أكل لحم الجزور
تاسعا: الوضوء من أكل لحم الجزور :
156- اختلف الفقهاء في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور والإبل، على قولين:(/24)
43 396 الأول: يرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية في الجديد الصحيح والحنابلة في قول) وهو ما حكي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وأبي طلحة وأبي الدرداء وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي أمامة -رضي الله عنهم- أنه لا ينقض الوضوء كأكل سائر الأطعمة .
ولحديث: ( "الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل" )
قال ابن عباس -رضي الله عنه-: الوضوء مما يخرج، يعني الخارج من النجس ولم يوجد، قال الكاساني : والمعنى في المسألة أن الحدث هو خروج النجس حقيقة أو ما هو سبب الخروج ولم يوجد.
الثاني: يجب الوضوء من أكل لحم الجزور خاصة: لا فرق بين قليله وكثيره، وكونه نيئا أو غير نيئ، وهو قول الشافعي في القديم، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وحكاه الماوردي عن جماعة من الصحابة: زيد بن ثابت وابن عمر وأبي موسى وأبي طلحة وأبي هريرة وعائشة، وحكاه ابن المنذر عن جابر الصحابي رضي الله عنه، ومحمد بن إسحاق وأبي ثور وأبي خيثمة، واختاره ابن خزيمة وابن المنذر .
واحتجوا بحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه-: ( "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل" )
وعن البراء -رضي الله عنه-: ( "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها" )
وللحنابلة في نقض الوضوء بأكل لحوم الإبل تفصيل:
فالمذهب أن الوضوء ينتقض بأكل لحوم الجزور، سواء علمه أو جهله، وسواء كان نيئا 43 397 أو مطبوخا، وسواء كان عالما بالحديث الوارد في ذلك أو لا؟
وعن أحمد : ينقض نيئه دون مطبوخه، وعنه: لا ينقض مطلقا، اختاره يوسف الجوزي والشيخ تقي الدين ابن تيميه .
وعنه: إن علم النهي نقض وإلا فلا، اختاره الخلال وغيره .
واختلف الحنابلة كذلك بنقض الوضوء ببقية أجزاء الإبل كأكل سنامها ودهنها وقلبها وكبدها وطحالها وكرشها ومصرانها.
فالمذهب أنه لا ينقض؛ لأن النص لا يتناوله، والثاني ينقض .
وصرحوا بأن الوضوء لا ينتقض بشرب لبن الإبل وشرب مرق لحمها؛ لأن الأخبار إنما وردت في اللحم، والحكم فيه غير معقول المعنى، فيقتصر على ما ورد النص فيه، وعن أحمد : ينقض شرب لبنها .
(ر: حدث ف17) .
مستوى5 عاشرا- أكل الأطعمة المحرمة
عاشرا- أكل الأطعمة المحرمة:
157- اختلف الحنابلة في انتقاض الوضوء بأكل الطعام المحرم :
فقد ورد عن الإمام أحمد : ينقض الوضوء الطعام المحرم، وعنه: ينقض اللحم المحرم مطلقا، وعنه ينقض لحم الخنزير فقط.
وقال أبو بكر : وبقية النجاسات تخرج عليه.
والمذهب عند الحنابلة أنه لا نقض بأكل ما سوى لحم الإبل من اللحوم، سواء كانت مباحة أو محرمة كلحوم السباع، لكون النقض بلحم الإبل تعبدي؛ فلا يتعدى إلى غيره.
قال المرداوي : ظاهر كلام المصنف أن أكل الأطعمة المحرمة لا ينقض الوضوء، وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه الأصحاب .
مستوى5 حادي عشر غسل الميت
حادي عشر: غسل الميت:
158- لم يذكر جمهور الفقهاء غسل الميت ضمن نواقض الوضوء.
ونص الحنفية على أنه يستحب الوضوء بعد غسل الميت.
43 398 والصحيح من المذهب عند الحنابلة أن غسل الميت ينقض الوضوء.
ولبعض الحنابلة احتمال بعض النقض إذا غسله الغاسل في قميص .
(ر: حدث ف18).
مستوى5 ثاني عشر الشك في الوضوء أو عدمه
ثاني عشر: الشك في الوضوء أو عدمه:
159- اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بالشك :
فذهب المالكية إلى أن من نواقض الوضوء الشك؛ لأن الذمة لا تبرأ مما طلب منها إلا بيقين، ولا تعين عند الشاك، والمراد باليقين ما يشمل الظن.
وللشك الموجب للوضوء عندهم ثلاث صور:
الأولى: أن يشك بعد علمه بتقدم طهره، هل حصل منه ناقض من حدث أو سبب أم لا؟
والثانية: أن يشك بعد علم حدثه، هل حصل منه وضوء أم لا؟
والثالثة: علم كلا من الطهر والحدث، وشك في السابق منهما .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشك في بقاء الوضوء أو عدمه ليس من نواقض الوضوء، فمن أيقن أنه كان متوضئا، وشك في حدوث ناقض للوضوء، وعكسه: وهو من أيقن أنه كان محدثا وشك في طروء الوضوء.. عمل بيقينه في كلتا الحالتين وهو السابق منهما، قال في فتح القدير كما نقل ابن عابدين : إلا إن تأيد اللاحق؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فمن ظن الضد -أي ضد اليقين- لا يعمل بظنه؛ لأن استصحاب اليقين أقوى منه، فعلم بذلك أن المراد باليقين استصحابه، وإلا فاليقين لا يجامعه شك، ولخبر مسلم : ( "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" )
43 399
مستوى5 ثالث عشر- الغيبة والكلام القبيح
ثالث عشر- الغيبة والكلام القبيح:
160- حكي عن أحمد رواية أن الوضوء ينتقض بالغيبة.
وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها .
وورد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها" .(/25)