بقلم
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
** المقدمة **
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ، (1)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } . (2)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } . (3)
أما بعد،،
فإن خير الكلام كلام الله تعالى ، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إن للمرأة في الإسلام مكانة عظيمة حيث إنها نصف المجتمع وقد ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة واهتم بها الإسلام وحافظ عليها أية محافظة ، ولها أحكام منها ما تكون مشتركة بينها وبين الرجل ، ومنها ما أختصت بها دون الرجال .
وقد قمنا بجمع النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح بخصوص الأحكام التي تخص المرأة وما تحتاج إليه في عبادة ربها من أوامر ونواهي، لكي تكون على علم بها ولتعبد الله على علم .
__________
(1) سورة آل عمران آية (102).
(2) سورة النساء آية (1).
(3) سورة الأحزاب آية (70-71).(1/1)
وقمنا أيضاً بترتيب الكتاب على الأبواب الفقهية بدءاً بكتاب الطهارة والتي هي مفتاح الصلاة وانتهاءاً بكتاب الجنائز ، ليسهل على المرأة المسلمة القراءة والبحث وأخذ الفائدة التي تحتاجها .
وهذا ما ستجدينه بإذن الله تعالى في هذا البحث ، كتبته لك من باب الدال على الخير كفاعله ، وهو من باب النصح الذي أمرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الدين النصيحة لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم" . (1)
ومن باب التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله تعالى به، حيث قال الله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } . (2)
هذا وأشكر كل من قدم لي المساعدة لأخراج هذا الكتاب وتقديمه للمسلمين لكي ينتفعوا به .
و "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" (3) ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فجزاهم الله عنا خير الجزاء وجعل عملهم هذا في ميزان حسناتهم يوم القيامة .
والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، ولا يجعل لأحد فيه نصيباً،
وأن يجعل له القبول في الأرض ، وأن ينفعني به في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتب / ماجد إسلام البنكاني
أبو أنس العراقي
2/محرم/1425هـ .
23/2/2004م
- - -
تمهيد
__________
(1) ) ) أخرجه مسلم .
(2) ) ) المائدة الآية (2) .
(3) صحيح الترمذي رقم (1592)، السلسلة الصحيحة برقم (417)، المشكاة رقم (3025)، التعليق الرغيب (2/56) .(1/2)
بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين العظيم للجن والإنس كافة صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . (1)
وأُنزل عليه هذا الكتاب العظيم ، وهو القرآن الكريم ، وجعله مهيميناً على كل الكتب السماوية السابقة ومصدقاً لها ، كما جعل أمته أفضل الأمم ، وجعل سبحانه هذا الكتاب ناسخاً للكتب السابقة ، كما جعل شريعته ناسخة لكل الشرائع السابقة .
قال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } . (2) مهيمن : أي أمين ، وأصل الهيمنة : الارتقاب والحفظ .
قال ابن منظور : وفي المُهَيْمِن خمسة أَقوال :
قال ابن عباس المُهَيْمِن المُؤْتَمَنُ ، وقال الكسائي المُهَيمِنُ الشهيد ، وقال غيره هو الرقيب ، يقال : هَيْمَن يُهَيْمِنُ هَيْمَنَة إِذا كان رقيباً على الشيء ، وقال أَبو مَعْشَرٍ ومُهَيْمِناً عليه معناه وقَبَّاناً عليه ، وقيل : وقائماً على الكُتُب ، وقيل : مُهَيمِنٌ في الأَصْل مُؤَيمِنٌ ، وهو مُفَيْعِلٌ من الأَمانة . (3)
__________
(1) )) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (2/234) : فمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله إلى جميع الثقلين، إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، ملوكهم وزهادهم ، الأولياء منهم وغير الأولياء، فليس لأحد الخروج عن متابعتة باطنا وظاهرا ولا عن متابعة ما جاء به من الكتاب والسنة في دقيق ولا جليل لا في العلوم ولا الأعمال ، وليس لأحد أن يقول له كما قال الخضر لموسى وأما موسى فلم يكن مبعوثا إلى الخضر . اهـ.
(2) ) ) سورة المائدة الآية (48) .
(3) ) ) لسان العرب (13/437) .(1/3)
ونقل الإمام ابن جرير الطبري عن ابن عباس : قوله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ } ، وهو القرآن شاهد على التوراة والإنجيل مصدقا لهما مهيمنا عليه يعني أمينا عليه يحكم على ما كان قبله من الكتب . (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : قال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } . (2) فجعل القرآن مهيمنا ، والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن ، فهو يحكم بما فيها مما لم ينسخه الله ، ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يبدل ، ولهذا قال : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } . (3)
والمرأة حكمها حكم الرجل وتشارك الرجل في الأحكام كالعبادات والمعاملات وما شابه ذلك إلا ما خص، لأن النساء شقائق الرجال كما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما النساء شقائق الرجال" . (4)
وفي لفظ : "إن النساء شقائق الرجال" . (5)
النساء شقائق الرجال : أي نظائِرُهم وأَمثالهم في الأَخْلاَقِ والطِّباعِ كأَنهن شُقِقْنَ منهم ولأَن حوَّاء خلقتْ من آدم . (6)
__________
(1) ) ) تفسير الطبري(6/267)
(2) ) ) سورة المائدة الآية (48) .
(3) ) ) سورة المائدة: من الآية (48) .
(4) )) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (26238)، وأبو داود برقم (236) ، باب في الرجل يجد البلة في منامهن، والترمذي برقم (113)، باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما ،والدارمي برقم (764) ، باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3333) .
(5) )) صحيح الجامع برقم (1983) .
(6) )) لسان العرب (10/184) .(1/4)
قال ابن حجر في الفتح : " قال ابن أبي جمرة: وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خص" . (1)
فالأصل في الأحكام الشرعية من أوامر ونواهي تشمل النساء والرجال جميعاً إلا ما استثنى الدليل .
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل هناك فرق بين الرجال والنساء في أحكام المسح على الخفين ؟
فأجاب : ليس هناك فرق بين الرجال والنساء في هذا . وينبغي أن نعلم قاعدة وهي " أن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء ، وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل يدل على افتراقهما " . (2)
كتاب التوحيد
قال الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } . (3)
وقال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (4) .
وقال الله تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } (5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في قوله عز وجل : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } .قال: وهذا هو حقيقة قول لا إله إلا الله وبذلك بعث جميع الرسل
قال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (6) . أ.هـ. (7)
باب
من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
صدقاً من قلبه دخل الجنة
__________
(1) )) فتح الباري (1/254) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/181) .
(3) )) سورة الذاريات الآية (56) .
(4) سورة الأنبياء الآية (25).
(5) سورة البينة الآية (5).
(6) سورة الأنبياء الآية (25).
(7) مجموع الفتاوى .(1/5)
عن رفاعة الجهني - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة". (1)
وفي رواية لمسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار".
وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار". (2)
وعن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله". (3)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منهُ، والجنة حقٌ، والنارَ حق، أدخله الله الجنة على ما كانَ من العمل" (4) .
__________
(1) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع (1/20): "رواه أحمد وعند ابن ماجة بعضه ورجاله موثقون" .
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس (5967) وفي كتاب الاستئذان (6267) وفي كتاب الرقاق برقم (6500)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (142) و (143).
(3) رواه الحاكم في المستدرك (1/351) وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق" ووافقه الذهبي، الجنائز (34).
(4) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3435)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (28)(1/6)
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب -هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده. بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها. ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمن قال ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء" (1) .
باب
من لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار
قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ } . (2)
وقال تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
__________
(1) رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، حديث البطاقة.
(2) سورة النساء الآية (47).(1/7)
وَمَأْوَاهُ النَّارُ } . (1) وقال تعالى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } . (2)
والآيات في الباب كثيرة.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار". (3)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار". (4)
__________
(1) سورة المائدة الآية (72).
(2) سورة لقمان الآية (13).
(3) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (129)، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (93)، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار .
(4) رواه البخاري برقم (4227)، باب قوله ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله يعني أضدادا واحدها ند .(1/8)
وعن بن عباس رضي الله عنهما، قال : "شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } . (1) حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك"، وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله لا يدري الحسن من هي، قال: "فتصدقن، وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال" . (2)
وسُئل - صلى الله عليه وسلم - : أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك". (3)
و (الند) هو: المثل.
قال تعالى: { فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
وقال تعالى: { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } .
فالشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وتعبد معه غيره وتصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى من شجر، أو حجر، أو بشر، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو مَلَكٍ وغير ذلك.
__________
(1) سورة الممتحنة الآية (12) .
(2) رواه البخاري برقم (4613) ، باب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك، ومسلم برقم (1866) ، باب كيفية بيعة النساء.
(3) أخرجه البخاري برقم (4207)، باب قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ، ومسلم برقم (86)، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده .(1/9)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فمن جعل لله نداً من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع المسلمين. (1) أ.هـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى –في معرض كلامه على أنواع الشرك-: النوع الأول: شرك أكبر مخرج عن الملة؛ وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله؛ بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى؛ مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر. (2) أ.هـ
فالذي يموت مشركاً بالله تعالى والعياذ بالله فهو من أهل النار خالداً فيها.
و عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". (4)
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص يعافيك منها.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : "من الكبائر أربعة هي في القلب: الشرك بالله، والإصرار على معصيته، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره".
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/88).
(2) مجموع فتاوى ورسائل (7/115).
(3) رواه البخاري في كتاب الشهادات برقم (2654)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (87).
(4) رواه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2766)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (89).(1/10)
ومن أنواع الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين:
عبادة القبور: واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم.
يقول الله عز وجل: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } . (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الكبائر سبعٌ أولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحفِ، وقَذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ". (2)
وكذلك من أنواع الشرك الأكبر الذبح لغير الله.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله من ذبح لغير الله". (3)
وكذلك السحر والكهانة والعرافة.
قال الله تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ } . (4)
فالسحر كفر، والساحر كافر وحكمه القتل وكسبه حرام.
وأما الكاهن والعراف فكلاهما كافر بالله العظيم إذا ادَّعيا علم الغيب ولا يعلم علم الغيب إلا الله تعالى.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". (5)
وأما الذي يذهب إليهم غير مصدق بأنهم يعلمون الغيب لا يكفر ولكن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً كفارة لما فعل.
__________
(1) سورة الأحقاف الآية (5).
(2) رواه البزار من رواية عمرو بن أبي سلمة، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (1848).
(3) رواه مسلم برقم (1978).
(4) سورة البقرة الآية (102).
(5) رواه الإمام أحمد (2/429)، صحيح الجامع (5939).(1/11)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلا
أربعين يوماً". (1)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مؤمن بسحر". (2)
ومن أنواع الشرك: الاعتقاد في تأثير النجوم والكواكب في الحوادث وحياة الناس.
عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب". (3)
وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية. أهـ. (4)
فمن أشرك بربوبية الله فزعم أن شيئاً في الوجود يشارك الله في الخلق والتدبير، والحياة والموت والرزق، والنفع والضر، وغير ذلك من خصائص الرب الخالق، فهو كافرٌ ومن أشرك بألوهية الله، فزعم أن أحداً غير الله يستحق أن يُعبد من دون الله، أو عَبَدَ مع الله إلهاً آخر، أو تقرب إلى غير الله عز وجل بالعبادة، فهو كافر.
باب
ما جاء في النذر
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه برقم (1715).
(2) أخرجه النسائي في كتاب الأشربة (8/318) وأحمد في المسند (3/314) وصححه الحاكم كما في فتح الباري (10/405). وصححه العلامة الألباني في سنن النسائي برقم (5672).
(3) رواه البخاري برقم (991)، باب قول الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال بن عباس شكركم ، ومسلم برقم (71)، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء .
(4) مجموع الفتاوى (1/91).(1/12)
كثير ما يقع من بعض النساء النذر كأن تقول لله عليّ كذا إن شفى ولدي أو لله عليّ كذا إن فعل كذا ، وما شابه ذلك ، وهذا فيه محذور شرعي .
قال الله تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } (1)
النذر في اللغة: الإلزام والعهد.
واصطلاحا: إلزام المكلف نفسه لله شيئاً غير واجب.
والنذر في الأصل مكروه بل وبعض العلماء يميل إلى تحريمه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وقال: "لا يأتي بخير، وإنما يستخرج من البخيل". (2)
وفيه إلزام النفس بالوفاء بالنذر، أي من نذر فعليه أن يعمل ما ألزم نفسه به من النذر.
فعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟". قالوا: لا. قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟" قالوا: لا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أَوْفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم". (3)
فعلى المسلم أن لا ينذر، وإذا نذر فعليه بالوفاء، وأن لا يذبح بمكان يذبح فيه لغير الله، وهو ما جاء في الحديث وأن لا يؤدي ذلك بالتشبه بالكفار.
فعلى المسلم أن لا ينذر لما تقدم.
هذا بالنسبة إلى النذر لله تعالى، فمن باب أولى عدم جواز النذر لغير الله لأنه حرام، فمن نذر لله فعليه الوفاء، ومن نذر لغير الله فلا يجوز له الوفاء وعليه كفارة يمين.
__________
(1) سورة البقرة الآية (270).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان (4/277)، ومسلم في كتاب النذر، باب النهي عن النذر (3/1260).
(3) رواه أبو داود في كتاب الإيمان والنذور (3/607)، والبيهقي في السنن (10/83). وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3313).(1/13)
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "النَّذر نَذران: فما كان لله، فكفارتُهُ الوَفاء، وما كان للشيطان، فلا وفاء فيه، وعليه كفارةُ يمين". (1)
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه". (2) وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أقسام النذر فقال:
الأول: ما يجب الوفاء به، وهو نذر الطاعة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من نذر أن يطيع الله، فليطعه". (3)
الثاني: ما يحرم الوفاء به، وهو نذر المعصية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه" (4) ، وقوله: "فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله".
الثالث: ما يجري مجرى اليمين، وهو نذر المباح، فيخير بين فعله وكفارة اليمين، مثل لو نذر أن يلبس هذا الثوب، فإن شاء لبسه وإن شاء لم يلبسه، وكفر كفارة يمين.
الرابع: نذر اللجاج والغضب، وسُمي بهذا الاسم، لأن اللجاج والغضب يحملان عليه غالباً، وليس بلازم أن يكون هناك لجاج وغضب، وهو الذي يقصد به معنى اليمين، الحث، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، مثل لو قال: حصل اليوم كذا وكذا، فقال الآخر: لم يحصل، فقال: إن كان حاصلاً فعلي لله نذر أن أصوم سنة، فالغرض من هذا التكذيب، فإذا تبين أنه حاصل، فالناذر مخيّر بين أن يصوم سنة، وبين أن يكفّر كفارة يمين، لأنه إن صام فقد وفى بنذره وإن لم يصم حنث، والحانث في اليمين يكفر كفارة يمين.
الخامس: نذر المكروه، فيكره الوفاء به، وعليه كفارة يمين.
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (935)، والبيهقي (10/72)، السلسلة الصحيحة رقم (479).
(2) رواه البخاري في كتاب الإيمان والنذور (4/229).
(3) من حديث عائشة السابق.
(4) من حديث عائشة السابق.(1/14)
السادس: النذر المطلق، وهو الذي ذكر فيه صيغة النذر، مثل أن يقول: لله علي نذر، فهذا كفارته يمين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين". (1) أ.هـ. (2)
باب
صرف الدعاء لله سبحانه وتعالى
على العبد أن يصرف الدعاء لله تعالى ولا يشرك به غيره سبحانه وتعالى وهذا من التوحيد لأن الدعاء هو العبادة ، ومن صرف الدعاء لغير الله فقد أشرك به، كمن يدعو ويستغيث بالقبر أو بالحجر أو بالشجر أو بالولي وما شابه ذلك ، فهذا كله من الشرك بالله تعالى .
قال الله تعالى: { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } . (3)
وقال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الدعاء هو العبادة". (5)
باب
النهي عن سب الدهر
نهانا الشارع الحكيم عن سبِّ الدهر لأن الله تعالى هو المتصرف به وهو الذي يقدره .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تعالى: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار".
وفي رواية: "أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما". (6)
__________
(1) رواه ابن ماجة برقم (2127)، والترمذي برقم (1528)، وأصله في مسلم برقم (1645). وصححه العلامة الألباني في سنن ابن ماجه برقم (2127).
(2) سورة يونس الآية (106-107).
(3) القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/237-238) .
(4) سورة الأحقاف الآية (5).
(5) صححه شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في المشكاة برقم (2230).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6181) ومسلم في كتاب الألفاظ برقم (2246).(1/15)
كان من عادة الجاهلية إذا أصيبوا بنازلة أو مصيبة أن يسبوا الدهر، قاصدين بذلك مصرف الأمور وخالق الضر معترضين على مواقع القدر وكذلك فعل هذا بعض الجهلة من هذه الأمة فسبوا الدهر عند نزول المصيبة بهم فشابهوا أهل الجاهلية بقولهم، والعياذ بالله.
وفي رواية لمسلم: "لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر". (1)
فيه النهي عن سب الدهر لأن سب الدهر سبٌ للخالق سبحانه وتعالى لأنه هو خالق الدهر ومصرفه ومقلبه، فنهوا عن سب الدهر لكي لا يقعوا في سب خالقه سبحانه وتعالى.
وفي رواية للبخاري: "لا تسمّو العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر". (2)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : "قال المحققون : من نسب شيئاً من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر، ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر، لكنه يكره له ذلك لشبهة بأهل الكفر في الإطلاق، وهو نحو التفصيل الماضي في قولهم: مطرنا بكذا، وقال عياض: زعم بعض من لا تحقيق له أن الدهر من أسماء الله، وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا، وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت، وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم، لأن الدهر عندهم حركات وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه، وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث "أنا الدهر أقلب ليله ونهاره" فكيف يقلب الشيء نفسه؟ تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً" . أ هـ. (3)
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يقال هذا "زمان أقشر" أو "الزمن غدار" أو "يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه".
فأجاب رحمه الله قائلاً: هذه العبارات التي ذكرت في السؤال تقع على وجهين:
__________
(1) صحيح مسلم برقم (2246) كتاب الألفاظ.
(2) فتح الباري كتاب الأدب برقم (6182).
(3) فتح الباري (12 / 205)(1/16)
الوجه الأول: أن تكون سباً وقدحاً في الزمن فهذا حرام، ولا يجوز، لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل، فمن سبّه فقد سبّ الله، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".
والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار فهذا لا بأس به، ومنه قوله تعالى عن لوط عليه الصلاة والسلام: "وقال هذا يوم عصيب" (1) . أي شديد، وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور وليس فيه شيء.
وأما قوله: "هذا زمن غدار" فهذا سب لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز.
وأما قول: "يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه" إذا قصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس به، وليس سبا للدهر، وإن قصد الزمن أو اليوم فهذا سبٌ له فلا يجوز. (2) أ.هـ.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يَقُل أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدَّهر". (3)
باب
من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد
لا ينبغي الذهاب للكهنة والعرافين والسحرة فقد نهانا الشارع الحكيم عن ذلك وهو من كبائر الذنوب فمن ذهب لهم وصدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فعن ابي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد". (4)
ومن ذهب إلى عراف فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً .
فعن صفية عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". (5)
__________
(1) سورة هود الآية (77).
(2) فتاوى العقيدة ( ص 614-615).
(3) صحيح الترغيب (3/65).
(4) رواه أحمد في "مسنده" وغيره وهو في "غاية المرام" برقم (285).
(5) رواه مسلم في صحيحه برقم (2230)، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان .(1/17)
العراف : هو الذي يدعي علم الغيب ، و معرفة الأمور التي يستدل بها على مواضع السرقة ومكان الضالة وما شابه ذلك .
قال الخطابي في معالم السنن: كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافاًَ وهو اذي يزعم معرفة الأمور استدل بها كمعرفة من سرق الشيء الفلاني ومعرفة من يتهم به المرأة ونحو ذلك، ومنهم من يسمى المنجم كاهناً، قال : والحديث يشتمل على النهي عن اتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه .اهـ. (1)
باب
ما جاء في النشرة
عن الحسن مرفوعاً ،قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنها من عمل الشيطان". (2)
النشرة : وهو ماء يرقى ويترك تحت السماء ويغسل به المريض
وقال بعضهم :النشرة مشهورة عند أهل التعزيم ،وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أي تجلى عنه ،وأجازها الطبري وغيره . وقال ابن الجوزي في "جامع المسانيد":النشرة حَلُّ السحرِ عن المسحور ،ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر .وقد قال الحسن :لا يطلق السحَر إلا من ساحرٌ إلا أنه يجوز ذلك .وسئل سعيد بن المسيب عن حل العقد والنشر فقال :لا بأس به ،وسئل أحمد عمن أطلق السحر عن المسحور فقال : لا بأس به انتهى كلامه.وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون التمائم ، والرقى والنشر. اهـ . (3)
باب
ما جاء فيمن تعلق شيئاً
__________
(1) )) انظر شرح النووي (5/22) .
(2) مصنف ابن أبي شيبة (8/29)، والمراسيل لأبي داود برقم (453) ، ورجال إسناده ثقات .
(3) الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي (3/64).(1/18)
عن يحيى بن الجزار ، قال : دخل عبد الله بن مسعود، على امرأة وفي عنقها شيء معقود ، فجذبه فقطعه ، ثم قال :لقد أصبح آلُ عبد الله أغنياء عن أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ، ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن الرقى والتمائم والتولة شركٌ". (1)
قال ابن حجر : والتمائم جمع تميمة ، وهي خرز أو قلادة تعلق في الرأس كانوا في الجاهلية يعتقدون أن ذلك يدفع الآفات ، والتولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها ، وهو ضرب من السحر ، وإنما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله . ا هـ .
عن عقبة بن عامر: انه جاء ركب عشرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايع تسعة، وأمسك عن رجل منهم، فقالوا: ما شأنه؟ فقال: "إن في عضده تميمة"، فقطع الرجل التميمة، فبايعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "من علّق فقد أشرك". (2)
"التولة": بكسر المثناة فوق وبفتح الواو: شيء شبيه بالسحر أو من أنواعه، تفعله المرأة ليحبِّبها إلى زوجها.
وعن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: دخلت على عبد الله بن حكيم أبي معبد الجهني نعوده وبه حمرةٌ، فقلت: ألا تعلِّق شيئا؟ فقال: الموت أقرب من ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تعلَّق شيئا وكل إليه".
ورواه الترمذي إلا أنه قال:فقلنا: ألا تعلّق شيئا؟ فقال: الموت أقرب من ذلك. (3)
قال الخطابي : "التميمة" يقال : إنها خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها ترفع عنهم الآفات ، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة ، إذ لا مانع إلا الله ، ولا دافع غيره . اهـ . (4)
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (331و2972) ، "غاية المرام" رقم (298) ، "تخريج الإيمان"(87/81) ،"صحيح موارد الظمآن" رقم (1184) ، "صحيح الترغيب" رقم (3457) .
(2) صحيح الترغيب (3455).
(3) صحيح الترغيب (3456).
(4) صحيح الترغيب (3/348).(1/19)
باب
الأعمال بالنيات وإخلاص النية لله تعالى
يجب أن تكون الأعمال الظاهرة والباطنة خالصة لله تعالى من غير رياء ولا سمعة ولا يشرك أحد مع الله من خلقه.
قال الله تعالى: { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } (1)
ويجب استحضار النية في كل العبادات وتكون في القلب دون التلفظ بها .
فينبغي لمن أراد شيئاً من الطاعات وإن قلّ أن يُحضر النِّيةَ وهي أن يقصد بعملهِ رضا الله عزوجل وتكون نيَّتهُ حاضرةً حالَ العمل . (2)
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما
هاجر إليه". (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال -فيما يَروي عن ربه عز وجل-: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك في كتابه، فمن هم بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عِنْدَه حسنة كاملةً، فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسناتٍ إلى سَبْع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة".
زاد في رواية: "أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك". (4)
__________
(1) سورة البينة الآية (5).
(2) أنظر إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد (ص5) للعلامة عبد العزيز المحمد السلمان .
(3) أخرجه البخاري في الإيمان (54)، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل أمرىء ما نوى ، ورواه مسلم في الإمارة برقم (1907)، باب قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال .
(4) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6491)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (131).(1/20)
وفي راوية لمسلم قال: عن محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عزوجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جَراي". (1)
قوله: "من جَراي" أي: من أجلي، وهي بفتح الجيم وتشديد الراء، بالمد والقصر لغتان.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل لأجل الناس رياء ، والعمل لأجل الناس شرك.
وقال بعض السلف: لا يقبل العمل إلا ما كان خالصاً صواباً.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما جاء يعوده: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك". (2)
قوله: (تبتغي بها وجه الله) أي: تقصد بها وجه الله عز وجل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وينبغي أن يستحضر النية في جميع العبادات (وتكون في القلب) فينوي مثلاً الوضوء وأنه توضأ لله امتثالا لأمر الله فهذه ثلاثة أشياء :
1- نية العبادة .
2- نية أن تكون لله .
3- نية أنه قام بها امتثالا لأمر الله .
فهذا أكمل شيء في النية، كذلك في الصلاة وفي كل العبادات .اهـ. (3)
وعن أنس رضي الله عنه قال: "رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر" (4) .
__________
(1) صحيح مسلم في كتاب الإيمان برقم (129).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الوصايا برقم (2742)، ومسلم في كتاب الوصية برقم (1628).
(3) )) شرح رياض الصالحين (1/10) .
(4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2839).(1/21)
وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض".
وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر". (1)
إن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ولكنه حبسه العذر فإنه يكتب له أجر ما نوى كاملاً ويدل عليه قوله تعالى: { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرةً ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون } . (2)
وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم". (3)
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، رضي الله عنه قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". (4)
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن الصدق والإخلاص؟ فقال: بهذا ارتفع القوم.
صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، وكان خزازاً، يحمل معه غداءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشياً فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله قد أكل في السوق. (5)
__________
(1) أخرجه مسلم في الإمارة برقم (1911).
(2) سورة التوبة الآية (120-121).
(3) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2564).
(4) أخرجه البخاري في التوحيد برقم (7458)، ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1904).
(5) صفة الصفوة: 3/300.(1/22)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حجة الوداع: "نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقهٍ ليس بفقيه، ثلاث لا يُغَل عليهن قلبُ امرئ مؤمنٍ: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم". (1)
قال في النهاية نَضَره ونضَّره وأنضَره: أي نعمه: ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق وإنما أراد حسن خلقه وقدره.
(يُغل): هو من الإغلال وهي الخيانة في كل شيء.
وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم". (2)
وعن أبي أمامة قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شيء له" فأعادها ثلاث مرات، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا شيء له" ثم قال: "إن الله عزوجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه". (3)
وعن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله". (4)
وعن أبي هريرة ذرضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما يُبعث الناس على نياتهم". (5)
__________
(1) رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3).
(2) رواه النسائي في الجهاد (6/45)، وصححه الألباني في الترغيب برقم (5).
(3) رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد، وصححه الألباني في الترغيب (6).
(4) رواه الطبراني بإسناد لا بأس به وحسنه العلامة الألباني في الترغيب.
(5) رواه ابن ماجة بإسناد حسن، وصححه الألباني في الترغيب برقم (11).(1/23)
وعن معن بن يزيد، رضي الله عنهما قال: "كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لك ما نويت يا يزيد؟ ولك ما أخذت يا معن!". (1)
وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثلاث أقسم عليهم وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال: ما نقص مال عبدٍ من صدقةٍ ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقرأو كلمة نحوها وأحدثكم حديثاً فاحفظوه:
إنما الدنيا لأربعة نفر عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كُتِبَت". (3)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1422).
(2) رواه أحمد والترمذي واللفظ له وقال: (حديث حسن صحيح) ورواه ابن ماجة، وصححه العلامة الألباني في الترغيب برقم (14).
(3) رواه مسلم برقم (128) ، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب.(1/24)
وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبتْهُ عيناهُ حتى أصبح كُتب له ما نوى وكان نومه صدقةً عليه
من ربه". (1)
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً.
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي.
وعن أبي حمزة الثُّمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: "إن صدقة السر تطفئ غضب الربّ عز وجل". (2)
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسَّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جُرُب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة! (3)
وعن ابن عائشة قال: قال أبي: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فَقَدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين. (4)
وعن سفيان قال: أخبرتني مرّيّة الربيع بن خُثيم قالت: كان عمل الربيع كلُّه سراً، إن كان ليجئُ الرجل وقد نشَر المصحف فيغطيه بثوبه.
وقال ابن الجوزي: كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه.
وعن جبير بن نفير، أنه سمع أبا الدرداء، وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد، يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر التعوذ منه، قال جبير: ومالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ فقال: دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليُقْلَبُ عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه. (5)
__________
(1) رواه النسائي وابن ماجة بإسناد جيد ورواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في الترغيب برقم (19).
(2) الحديث عن معاويى بن حيدة ، رواه الطبراني في "الكبير"، وقال الألباني: حسن لغيره، الترغيب (888)، والسلسلة الصحيحة برقم (1908).
(3) صفة الصفوة (2/96).
(4) المصدر السابق.
(5) سير أعلام النبلاء: 6/383 وقال الذهبي: إسناده صحيح.(1/25)
وعن عبد الله بن مبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلَّموا لعزّ الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخَلْق. (1)
وقال علي بن الحسن بن شقيق: لم أر أحداً من الناس أقرأ من ابن المبارك ولا أحسن قراءة، ولا أكثر صلاة منه، كان يصلي الليل كله في السفر وغيره، وإنما ترك النوم في المحمل، لأنه كان يصلي، وكان الناس لا يدرون.
وكان أيوب بن كيسان السختياني يقوم الليل كله، فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. (2)
ويا معشر المتزهدين، إنه يعلمُ السر وما يخفى، أتُظْهِرونََ الفقر في لباسكم وأنتم تشتهون شهوات، وتُظهرون التخشُّعَ والبكاء في الجلوات دون الخلوات ، كان ابنُ سيرينَ يضحكُ ويقهقه فإذا خلا بكى فأكثر . وقال سفيان لصاحبه : ما أوقحكَ تُصلِّي والناسُ يرونَكَ؟
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها مَْغَ الكلام ولا صبغَ الحواجيبِ
آه للمرائي من يوم يحصّلُ ما في الصدور، وهي النيات والعقائد، فالجزاء عليهما لا على الظواهر، فأفيقوا من سكرتكم، وتوبوا من زَلَّتكم، واستقيموا على الجادة { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي قال جَنبِ اللَّهِ } . (3) . (4)
قال العلامة عبد العزيز المحمد السلمان : ومن حُرِمَ النيةَ في هذه الأعمال فقد حُرِمَ خيراً كثيراً ، ومن وفق فقد أوتي فضلاً عظيماً، فنسأل الله العلي العظيم ذا الجلال والإكرام الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد التفيق لذلك وسائر وجوه الخير .
__________
(1) صفة الصفوة: 4/122.
(2) حلية الأولياء 3/8.
(3) سورة الزمر الآية (56) .
(4) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/247) .(1/26)
وقال محمد بن واسع : لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بلّ ما تحت خدهِ من دموعه لا تشعر به امرأته، ولقد أدركتُ رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه . (1)
باب
النهي عن الرياء
قال الله تعالى: { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً } . (2)
وقال الله تعالى: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم
يراؤون } . (3)
وقال الله تعالى: { كالذي ينفق ماله رئاء الناس } . (4)
وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ به ومن يُرائي يُرائي الله به". (5)
قوله: "سمع" معناه: من أظهر عمله للناس رياءً أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.
وعن معاذ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اليسير من الرياء شرك". (6)
__________
(1) إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد بتصرف .
(2) سورة النساء الآية (142).
(3) سورة الماعون الآية (4-6).
(4) سورة البقرة الآية (264).
(5) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6499) ومسلم في كتاب الزهد برقم (3986).
(6) أخرجه ابن ماجةبرقم (3989)مطولاً وابن أبي الدنيا،والحاكم في المستدرك (4/328 و 3/270)،وأبو نعيم في حلية الأولياء(2/5) ، والطبراني في"الصغير"(2/123) رقم (892 مع الروض الداني)وقال: "لم يروه عن زبيد إلا الفياض ولا عنه إلا طلحة تفرد به إسحاق بن سليمان".
وأخرجه من طريق صحيح الحاكم في المستدرك (1/4) وعنه البيهقي في الأسماء والصفات (ص 499-500) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.(1/27)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول الناس يُقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمته فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال جرئ فقد قيل ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه الله نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمة فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار". (1)
(جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد أي: شجاع.
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أُثني عليه وينقص إذا ذم به". (2)
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك.
وعن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : "ألا أُخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟" قالوا: بلى. قال: "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يَرى من نظر رجل إليه". (3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1905) والترمذي في الزهد برقم (2383) والنسائي في الجهاد (6/23 و 24).
(2) الكبائر للذهبي.
(3) أخرجه أحمد (3/30) وابن ماجة في الزهد (2/1406)، والحاكم (4/329) وصححه، و رواه البيهقي، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (30).(1/28)
(الخفي) : ما كان في القلب مثل الرياء لأنه لا يتبين، إذ لا يعلم ما في القلوب إلا الله، ويسمى "شرك السرائر" وهذا هو الذي بينه الله بقوله : { يوم تبلى السرائر } (1) .
(فيزين صلاته) : أي يحسنها بالطمأنينة، ورفع اليدين عند التكبير ونحو ذلك.
وفي رواية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" فسئل عنه؟ فقال: "الرياء، يقول الله عزوجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً". (2)
وعن يعلى بن شداد، عن أبيه قال: "كنا نعد الرياء في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرك الأصغر". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ناساً قالوا له: إنا ندخل على أمرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم به إذا خرجنا من عندهم، قال ابن عمر: "كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (4)
وعن أبي هند الداريِّ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قام مقام رياء وسمعة، راءى الله به يوم القيامة وسَمَّع". (5)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أيها الناس! اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل".
__________
(1) سورة الطارق الآية (9).
(2) أخرجه أحمد (5/428)،وابن أبي شيبة في "الإيمان"ص 86،وقال الهيثمي في المجمع(10/222)، "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن شبيب بن خالد وهو ثقة". وصححه الألباني في الترغيب برقم (32).
(3) رواه البيهقي والحاكم (4/329) وقال: "صحيح"، وقال الألباني "صحيح" الترغيب (35).
(4) رواه البخاري في كتاب الأحكام برقم (7178).
(5) رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (24).(1/29)
فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله! قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه". (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من راءى بشيء في الدنيا من عمله، وكله الله إليه يوم القيامة، وقال: انظر هل يُغني عنك شيئاً؟! (2)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سمَّع الناس بعمله، سمَّع الله به مسامع خلقه، وصغرَّه وحقَّره". (3)
قال القرافي رحمه الله : "الفرق الثاني والعشرون والمئة بين قاعدة الرياء في العبادة، وبين قاعدة التشريك فيها.
اعلم أن الرياء شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته، وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة، فالرياء: إن يعمل المأمور به المتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى، وأن يعظمه الناس أو يعظمهم، فيصل إليه نفعهم أو يندفع به ضررهم". (4) أ.هـ
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المراء في الدين يُقسيّ القلب، ويورث الضغائن. (5)
باب
النهي عن الاستسقاء بالنجوم
قال الله تعالى: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } . (6)
__________
(1) رواه أحمد والطبراني، وحسنه الألباني في الترغيب برقم (36).
(2) رواه البيهقي موقوفاً، وقال الألباني "صحيح موقوف" الترغيب (29).
(3) رواه الطبراني في "الكبير" ، والبيهقي، وأحمد (6509 و 6986 و 7085 – طبعة شاكر)، وقال الألباني: "صحيح" الترغيب (25).
(4) الفروق (3/22).
(5) سير أعلام النبلاء (10/28).
(6) سورة الواقعة الآية (82).(1/30)
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قِطران ودرع من جرب". (1)
وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية، في إثر السّماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله
أعلم. قال: "أصبح عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر الكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب". (2)
(الحديبية): بتخفيف الياء وتشديدها، والتخفيف أصح.
(على إثر سماء): بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وهو المطر.
و(النوء): قال أبو عمرو بن الصلاح: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءاً، أي سقط وغاب، وقيل: أي نهض وطلع. أ.هـ. (3)
باب
النهي عن التألي على الله تعالى
قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } . (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم). (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (934).
(2) رواه البخاري في كتاب الاستسقاء برقم (991)، وفي كتاب الصلاة برقم (10)، ومسلم في (كتاب الإيمان) برقم (228).
(3) )) شرح النووي (2/249) .
(4) سورة الإسراء الآية (36)، وقد أخذت هذا الموضوع من كتاب "حصائد الألسن".
(5) رواه مسلم برقم (2623) وغيره.(1/31)
وعن جندب بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدّث "والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك". (1)
وعن سعد - رضي الله عنه - قال: "ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البّر منكم". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين وكان أحدهما مذنباً والآخر مجتهداً في العبادة وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول أقصر فوجده يوماً على ذنب فقال له أقصره، فقال: خلّني وربي أبعثت عليّ رقيباً؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أو يدخلك الله الجنة فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً، أو كنت على ما في يدي قادراً، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار". (4)
باب
النهي عن الاستغفار للمشركين والكفار
قال الله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } . (5)
__________
(1) رواه مسلم (2623) وغيره.
(2) رواه البخاري برقم (3610)، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه .
(3) رواه مسلم في كتاب الآداب برقم (2142)، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية .
(4) رواه أبو داود وغيره وانظر في تخريج الطحاوية برقم (364).
(5) سورة التوبة الآية (113).(1/32)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله، فقال صلى الله عليه وسلم : "استأذنت ربي في أن أغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت". (1)
باب
النهي عن الحلف بغير الله
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركبٍ وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ألا إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت". (2)
ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، روى الترمذي: "أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو اشرك". (3)
ومنه الحلف بملة غير ملة الاسلام
فعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بملةٍ غير الاسلام كاذباً فهو كما قال". (4)
ومنه الحلف بالطلاق: لقد شاع على ألسنة بعض الناس الحلف بالطلاق، مثل أن يقول: علي الطلاق لأفعلن كذا، أو علي الطلاق ثلاثاً لا أفعله ونحو ذلك.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (976)، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه .
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6108)، ومسلم في كتاب الأيمان برقم (1646).
(3) رواه الترمذي برقم (1535)، وقال: "حديث حسن"، وأحمد برقم (6036)، وأبو داود برقم (3251)، وصححه الألباني.
(4) رواه البخاري في كتاب الأيمان برقم (6552)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (110).(1/33)
قال الشيخ ابن عثيمين في جواب له: أما أن يحلفوا بالطلاق مثل عليّ الطلاق أن تفعل كذا، أو علي الطلاق ألا تفعل كذا، أو أن فعلت كذا فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق، وما أشبه ذلك من الصيغ فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال كثير من أهل العلم بل أكثر أهل العلم: إنه إذا حنث في ذلك فإن الطلاق يلزمه وتطلق منه امرأته، وإن كان القول الراجح أن الطلاق إذا استعمل استعمال اليمين بأن كان القصد منه الحث على الشيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب أو التوكيد، فإن حكمه حكم اليمين لقول الله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم، قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } . (1)
فجعل الله التحريم يميناَ، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وهذا لم ينو الطلاق إنما نوى اليمين أو نوى معنى اليمين، فإذا حنث فإنه يجزيه كفارة يمين، وهذا هو القول الراجح. (2) أ.هـ
ومنه الحلف بالأمانة: فعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بالأمانة فليس منا". (3)
ومن ذلك الحلف بالنبي، وبالحياة، كأن يقول: (وحياتك) أو (وحياة فلان) وغير ذلك من الحلف بغير الله.
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف فقال: إني برئ من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الاسلام سالماً". (4)
__________
(1) سورة التحريم الآية (1-2).
(2) فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/796).
(3) رواه أبو داود برقم (3253) واللفظ له، ورواه أحمد برقم (22471)، وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (3253).
(4) صحيح الترغيب رقم (2955).(1/34)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره وأنا صادق". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين فهو كما حلف، إن قال: هو يهودي فهو يهودي، وإن قال: هو نصراني، فهو نصراني، وإن قال: هو برئ من الاسلام، فهو برئٌ من الإسلام، ومن دعى دعاء الجاهلية، فإنّه من جثا جهنم" قالوا: يا رسول الله! وإن صام وصلى؟ قال: "وإن صام وصلى". (2)
جثا : جمع جثوة بالضم : وهو الشيء المجموع.
باب
النهي عن اليأس من روح الله تعالى والقنوط
قال الله تعالى: { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } . (3)
وقال الله تعالى: { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } . (4)
وقال تعالى: { وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا } . (5)
وقال تعالى: { قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } . (6) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يموتن أحدكم إلا وهو حسن الظن بالله تعالى". (7)
باب
النهي عن التكذيب بالقدر
قال الله تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . (8) قال الله تعالى: { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } . (9) قال الله تعالى: { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ } . (10)
قال تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ } . (11)
__________
(1) صحيح الترغيب رقم (2953).
(2) صحيح الترغيب (2956).
(3) سورة الحج الآية (56).
(4) سورة يوسف الآية (87).
(5) سورة الشورى الآية (28).
(6) سورة الزمر الآية (73).
(7) رواه مسلم في كتاب "صفة الجنة" برقم (2877) ورواه أبو داود في "الجنائز" برقم (2389).
(8) سورة القمر الآية (49).
(9) سورة الصافات الآية (96).
(10) سورة الأعراف الآية (186).
(11) سورة الإنسان الآية (30).(1/35)
وقال تعالى: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } . (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل عليه السلام حين سأله جبريل : ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره". (2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: المكذب بالقدر والزائد في كتاب الله والمتسلط بالجبروت والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي". (3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة عاق ولا مكذب بالقدر ولا مدمن خمر". (4)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القدرية مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم". (5)
__________
(1) سورة الشمس الآية (8).
(2) رواه البخاري في الإيمان رقم (50)، ومسلم في الإيمان (6). وضعفه الألباني في سنن الترمذي برقم (2154).
(3) أخرجه الترمذي في أبواب القدر (2154)، والحاكم في المستدرك (1/36) و (4/90 و 525)، والطبراني في الكبير (3/136) و الأوسط كما في مجمع الزوائد (7/205)، وابن حبان (52 – موارد) وابن أبي عاصم في السنة (1/24 و 149) ، والطحاوي في مشكل الآثار (4/366) من طرق عن عائشة. وأخرجه الحاكم (4/525) من حديث علي بن أبي طالب، وصححه ووافقه الذهبي مرة وخالفه أخرى.
(4) أخرجه أحمد في المسند (6/441)، والبغوي في معالم التنزيل (3/490)، والبزار (3/36) رقم (2182 كشف الأستار)، والطبراني وزاد (ولا منان) كما في مجمع الزوائد (7/203).
(5) أخرجه أبو داود برقم (4691)، والبيهقي في الاعتقاد (ص 236)، والحاكم (1/85) وقال: صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر ووافقه الذهبي. وحسنه العلامة الألباني في سنن ابي داود برقم (4691).(1/36)
وقال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله العباد وقهرهم على ما قدره وقضاه وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه بما يكون من اكتساب العبد وتقدير أعماله وخلقه لها فهو علم شامل لما كان وما سيكون وفرق بين العلم بوقوع الشيء وتقديره وبين الإجبار عليه.
وقال ابن عمر: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر". (1)
وعن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنه - جاءه رجل فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام فقال: إنه بلغني أنه قد أحدث فإن كان قد أحدث فلا تقرئه مني السلام إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في هذه الأمة خسف ومسخ أو قذف في أهل القدر". (2)
وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويؤمن بالبعث ويؤمن بالقدر". (3)
__________
(1) أخرجه الحاكم المستدرك (1/84) وأحمد في المسند (2/90) وابنه عبد الله السنة (2/140) من حديث عبد الله بن عمر رضي عنهما وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في التلخيص وصححه الألباني صحيح الجامع برقم (3669).
(2) أخرجه الترمذي أبواب القدر (2152) و (2153) وأحمد في المسند (2/108 و 137) وابن ماجة في الفتن (2/1350) رقم (4061) والبغوي شرح السنة (1/151) رقم (82). وحسنه الألباني في سنن الترمذي برقم (2152).
(3) أخرجه الترمذي أبواب القدر (2145) وابن ماجة المقدمة (1/32) رقم (81) وأحمد المسند (1/97 و 133) وابنه عبد الله السنة (1/122) والطيالسي المسند (106) وابن حبان (130) والحاكم المستدرك (1/32 - 33)، وصححه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في سنن الترمذي برقم (2145).(1/37)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آخر كلام في القدر لشرار هذه الأمة". (2)
وعن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خلق الله كل صانع وصنعته". (3)
باب
النهي عن سب الله وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم -
اعلم أخي المسلم أن من نواقض الإيمان، سب الله تعالى، أو سب الدِّين، أو سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأن ذلك يُوجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواء استحل ذلك أو لم يستحل، ويُعد من أقبح وأشنع المكفِّرات القولية.
__________
(1) أخرجه ابن ماجة (92) وابن عدي "الكامل" (1-190) وابن أبي عاصم "السنة" (1/144) والطبراني "الصغير" (1/221) والآجري الشريعة (ص 190) وابن الجوزي "العلل المتناهية" (1/160). وحسنه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجة برقم (92).
(2) أخرجه الحاكم "المستدرك" (2/473) والعقيلي "الضعفاء الكبير" (3/366) وابن أبي عاصم "السنة" (1/155) برقم (350)، "السلسلة الصحيحة" (1124) وصحيح الجامع (226).
(3) أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص 25) وابن أبي عاصم "السنة" (357 و 358) والحاكم "المستدرك" (1/31) والبيهقي "الاعتقاد" (ص 75) و"الأسماء والصفات" (ص 26 و 388)، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي في "التلخيص" وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1637) وعزاه إلى المحاملي في "الأمالي" (ج6 رقم 13).(1/38)
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (1)
في هذه الآية فرّق الله سبحانه وتعالى بين أذى الله ورسوله، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على أذية الله ورسوله اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً، وجعل على أذية المؤمنين والمؤمنات أنهم احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً من اعتقاده. (2)
وقال ابن رهويه: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله.
فاحذر أخي المسلم أن تقع في هذا المزلق الخطير، وعليك أن تتجنب ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي:
هل يجوز لي البقاء بين قوم يسبُّون الله عز وجل؟
فأجاب رحمه الله: لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل لقوله تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } (3) .أ.هـ
فعلى المسلم أن يحذر من مجالسة هؤلاء القوم، لكي لا يصيبه ما يصيبهم من العقوبة والإثم. والعياذ بالله.
باب
النهي عن الكذب على الله تعالى وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سورة الأحزاب الآية (57-58).
(2) الصارم المسلول.
(3) سورة النساء الآية (140).(1/39)
قال تعالى: { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ } . (1)
وقال تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ
عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } . (2)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار". (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن كذباً عليّ ليس ككذب على غيري من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". (4) وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من كذب عليّ بني له بيت في جهنم". (5) وقال عليه الصلاة والسلام: "يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب". (6)
وقال عليه الصلاة والسلام: "من روى عني حديثاً وهو يُرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". (7)
__________
(1) سورة الزمر الآية (60).
(2) سورة الأنعام الآية (144).
(3) أخرجه أحمد (5/297) والدارمي (1/77) وابن ماجة (35) والطحاوي في مشكل الآثار (1/172) والحاكم في المستدرك (1/111)، السلسلة الصحيحة (1753).
(4) أخرجه البخاري في الجنائز (1291) ومسلم في المقدمة (3) عن المغيرة بن شعبة.
(5) أخرجه أحمد (2/22 و 103 و 144) وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبهان" (2/80) والحاكم "المدخل إلى الصحيح" (ص 91).
(6) أخرجه أحمد في "المسند" (5/252) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/197) وعبد الرزاق في "المصنف" (11/161) وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (472) و "مكارم الأخلاق" رقم (144)، و "السنة" لابن أبي عاصم رقم (114) والدارقطني في "العلل" (4/329) وابن أبي حاتم في "العلل" (2/328 – 329) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/217) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/197).
(7) أخرجه مسلم في "المقدمة" (1/9) والترمذي في كتاب "العلم" (2664) وابن ماجة في كتاب "السنة" (38).(1/40)
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تفسيره: قد ذهب طائفة من العلماء الى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض. أ.هـ. (1)
وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين". (2)
وعن هشام بن أبي رقية قال: سمعت مسلمة بن مخلد وهو على المنبر يخطُبُ الناس يقول: يا أيها الناسُ! أما لكم في العَصْب والكتانِ ما يُغنيكُم عن الحرير؟ وهذا رجل يخبرُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُمْ يا عقبة! فقام عقبة بن عامر –وأنا أسمع- فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
وأشهدُ أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من لَبِس الحرير في الدنيا، حُرِمَه أن يَلبسه في الآخِرَةِ". (3)
(العَصْب) بفتح العين وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البُرود.
وعن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أعظم الفِرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُرى عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل". (4)
باب
التمسك بالسنة والمحافظة عليها
ينبغي التمسك بالسنة والتأدب بآدابها لأن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله تعالى .
قال تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله } . (5)
__________
(1) الكبائر للذهبي (ص70) .
(2) رواه مسلم في المقدمة "باب وجوب الرواية عن الثقات" برقم (1/9)، وغيره.
(3) رواه ابن حبان في "صحيحه" وقال الألباني: "حسن صحيح" الترغيب (2052).
(4) رواه البخاري برقم (3317)، باب نسبة اليمن إلى إسماعيل منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة .
(5) سورة النساء الآية (80).(1/41)
قال الله تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } . (1)
وقال تعالى: { إنما قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } . (2)
وقال الله تعالى: { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } إلى قوله تعالى { واتبعوه لعلكم تهتدون } . (3)
والآيات في الباب كثيرة.
فالمحبة تكون بالإتباع والنصرة وليس بالكلام فقط كما هي طبيعة المنافقين، فتكون نتيجة الإتباع هي المحبة من الله تعالى وغفران الذنوب.
وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة". (4)
النواجذ: بالذال المعجمة: الأنياب وقيل: الأضراس، ومعناه: ألزموا السنة واحرصوا عليها كما يلزم العاض بنواجذه الشيء حرصا عليه وخوفا من ذهابه.
موعظة: هي النصح والتذكير بالعواقب.
بليغة: مؤثرة تبلغ سويداء القلب.
وجلت: خافت.
ذرفت: سالت.
__________
(1) سورة آل عمران الآية (31).
(2) سورة النور الآية (51-52).
(3) سورة الأعراف الآية (157-158).
(4) أخرجه أبو داود برقم (4607) والترمذي برقم (2676) وابن ماجة برقم (43 و 44) من طريق عبد الرحمن عن عمرو السلمي، وصححه الألباني في الإرواء (2455)، والطحاوية (501)، وصحيح الترغيب (34)، والسنة (31، 54، 1037 – 1045)، والمشكاة (165).(1/42)
النجاة في زمن ووقت الغربة والإختلاف هو بالتزام كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بفهم اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال، خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" قالوا: بلى: قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً". (1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد". (2)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لكل عمر شرةً ولكل شرةٍ فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك
فقد هلك". (3)
الشرة بكسر الشين المعجمة هو النشاط والهمة.
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال بن الحارث يوماً: "اعلم يا بلال" قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: "اعلم أن من أحيا سنة من سنتي قد أُميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً". (4)
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد جيد، قال في المجمع (1/169): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب برقم (38).
(2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/132) (رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن صالح العدوي ولم أر من ترجم له وبقية رجاله ثقات).
(3) رواه ابن حبان، صحيح الترغيب رقم (55،56)، والسنة (51).
(4) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: (حديث حسن).(1/43)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى". (1)
تكون نجاة المرء في الدنيا والآخرة باتباع هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وعن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟" قالوا: بلى. قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً". (2)
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة". (3)
وعن أبي أيوب الأنصاري قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مرعوب فقال: "أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله، أحِلوا حلاله وحرموا حرامه". (4)
وعن عبد الله بن مسعود قال: "إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه (أو كلمة نحوها) زخَّ في قفاه إلى النار". (5)
زخ بالزاي والخاء المعجمتين أي دفع.
وعن عابس بن ربيعة قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقبل الحجر (يعني الأسود) ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك". (6)
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (6851)،باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(2) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد وصححه الألباني في الترغيب برقم (35).
(3) رواه الحاكم موقوفاً وقال : (إسناده صحيح على شرطهما) ، وهو في صحيح الترغيب برقم (37) .
(4) رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، صحيح الترغيب (38).
(5) رواه البزار موقوفاً على ابن مسعود، صحيح الترغيب (39).
(6) رواه البخاري في كتاب الحج برقم (1597)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1270).(1/44)
قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباعٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. أ.هـ. (1)
وعن مجاهد قال: "كنا مع ابن عمر رحمه الله في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل: لم فعلت ذلك؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا ففعلت". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك". (3)
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها ما عُمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطاً جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة". (4)
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا الخير خزائن وتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لمن جعله الله عز وجل مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير". (5)
__________
(1) )) فتح الباري (3/463) .
(2) رواه أحمد والبزار بإسناد جيد وهو في صحيح الترغيب برقم (43).
(3) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (44).
(4) رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (62).
(5) رواه ابن ماجة واللفظ له وابن أبي عاصم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (62).(1/45)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ دَعَا إلى هدَّى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". (1)
باب
النهي عن الابتداع في الدين
قال الله تعالى: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } (2)
وقال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (3)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا هذا، ما ليس فيه، فهو رد". (4)
قوله: "أحدث" أي: أتى بشئ جديد.
"في أمرنا" أي: في ديننا.
"ما ليس منه" أي: باعتبار الشرع.
"رد" بمعنى: مردود، أي لا يقبل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ولهذا كان من القواعد المقررة عند أهل العلم "أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية" قال سبحانه: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه } . وهذا إنكار عليهم. (5)
وعلى العكس من ذلك فالأصل في المعاملات والأفعال والأعيان الإباحة والحل حتى يقوم دليل على المنع.
وهذا الحديث ورد في العبادات وهي التي يقصد الإنسان بها التعبد والتقرب إلى الله، فتقول لمن يزعم شيئاً عبادة: هات الدليل على أن هذا عبادة، وإلا فقولك مردود (6) .أهـ.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب العلم برقم (2674).
(2) سورة النساء الآية (59).
(3) سورة آل عمران الآية (31).
(4) البخاري برقم(2550)، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ، ومسلم برقم (1718) ، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور .
(5) سورة الطلاق الآية (6).
(6) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (5/259).(1/46)
وفي الحديث الذي يرويه العرباض بن سارية - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر علكيم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". (1)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته". (2)
باب
النهي عن ترك السنة أو سنَّ سنة سيئة أو دعا إلى ضلالة
قال الله تعالى: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . (3)
وقال تعالى: { وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم } . (4)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (5)
وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ".
__________
(1) أخرجه أبو داود والترمذي والدارمي وغيرهم وهو من الإرواء برقم (2455).
(2) رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (51)، السلسلة الصحيحة برقم (1620).
(3) سورة القصص الآية (50).
(4) سورة الأنعام الآية (119).
(5) رواه البخاري في كتاب الصلح برقم (2697)، ومسلم في كتاب الأقضية برقم (1718).(1/47)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، كأنه منذر جيش، يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك دنيا أو ضياعاً فإليّ و عليّ". (1)
(الضياع) : العيال، والمراد: من ترك أطفالاً وعيالاً ذوي ضياع.
وزاد النسائي وابن خزيمة : "وكل ضلالة في النار". (2)
(إذا خطب احمرت عياه وعلا صوته) الخ، قال الألباني رحمه الله: يفعل عليه الصلاة والسلام ذلك حال الخطبة إزالة للغفلة من قلوب الناس، ليتمكن فيها كلامه - صلى الله عليه وسلم - كل التمكن، أو ليتوجه فكره إلى الموعظة فتظهر عليها آثار الهيبة الإلهية. أ.هـ. (3)
قوله (صبحكم ومساكم) هو بتشديد الباء في الأولى أي: نزل بكم العدو صباحاً، والمراد سينزل وبتشديد السين المهملة في الثاني.
قوله (محدثاتها) بفتح الدال، والمراد بها ما لا أصل له في الدين مما أحدث بعده - صلى الله عليه وسلم - .
(ضياعاً) بفتح الضاد المعجمة : العيال وأصله مصدره أو بكسرها: جمع ضائع، كجياع جمع جائع، والله أعلم.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "... ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجمعة برقم (867)، وابن ماجة وغيرهما.
(2) رواه النسائي (1/234)، وابن خزيمة في صحيحه (3/143/ 1785) وغيرهما، وصححهما الألباني في صحيح الترغيب برقم (50).
(3) صحيح الترغيب (1/128) .
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1017)، والنسائي في كتاب الزكاة برقم (75 و 76).(1/48)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "... ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه في الإثم مثل آثام من تبعه ولا ينقص ذلك من آثامهم شيئا". (1)
وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستتفرق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة". (2) أي: الصحابة كما في بعض الروايات.
وفي رواية: "هي ما أنا عليه وأصحابي". (3)
ورواه أبو داود وزاد في رواية: "وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، ولا يبقى من عرق ولا مفصل إلا دخله". (4)
(الكلب) بفتح الكاف واللام، قال الخطابي: هو داء يعرض الإنسان من عضة الكلْب الكَلِب، قال: وعلامة ذلك في الكلب أن تحمر عيناه، ولا يزال يُدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنساناً ساوَرَه: أي وثب عليه.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله حَجَبَ التوبة عن كلِّ صاحب بدعة حتى يَدَع بِدْعَته". (5)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رَغِبَ عن سنتي فليس مني". (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب العلم برقم (2674) .
(2) رواه أحمد، وأبو داود، وقال الألباني "حسن صحيح"، الترغيب (51).
(3) رواه الترمذي وغيره: السلسلة الصحيحة.
(4) رواه أبو داود برقم (4597) وأحمد (4/102)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (51).
(5) رواه الطبراني بإسناد حسن، أخرجه في "الأوسط" (5/113/ 4214 – ط)، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1620)، والترغيب (54).
(6) أخرجه البخاري في كتاب النكاح برقم (5063)، ومسلم في كتاب النكاح برقم (1401)، والحديث قطعه من حديث الرهط الثلاثة الذين سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عبادته.(1/49)
(رغب) الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ طريقة غيري فليس مني.
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك". (1)
(البيضاء) أي: الملة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلاً.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لكل عمل شرَّة، ولكل شِرةٍ فترةٌ، فمن كانت فترتُه إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هَلَكَ". (2)
وفي رواية عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عمل شرَّةٌ، ولكل شرّة فترة، فإن كان صاحبُها سدّد أو قارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعُدّوه". (3)
(الشّرَّة) بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء، وبعدها تاء تأنيث: هي النشاط والهمة، وشرة الشباب: أوله وحدّته.
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى". (4)
__________
(1) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" برقم (48)، وأحمد وابن ماجة والحاكم، وصححه الألباني في الترغيب برقم (59).
(2) رواه أحمد والطحاوي بإسنادين صحيحين عن عبد الله بن عمرو، وابن أبي عاصم، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في "تخريج السنة" برقم (51) والترغيب برقم (56).
(3) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، والطحاوي، وصححه الألباني الترغيب (57).
(4) رواه أحمد والبزار والطبراني في معاجمه الثلاثة، وقال الألباني : صحيح ،الترغيب برقم (52).(1/50)
وعن عمرو بن زرارة قال: وقف عليَّ عبد الله –يعني ابن مسعود- وأنا أقُصُّ، فقال: يا عمرو! لقد ابتدعت بدعةً ضلالةً، أو إنّك لأهدى من محمدٍ وأصحابه! فلقد رأيتُهم تفرّقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحدٌ. (1)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس من نفس تُقتَل ظلماً إلا كان على ابن آدَمَ الأول كِفلٌ من دَمِها، لأنه أول من سن القتل". (2)
باب
النهي عن سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
إن مما يدمي القلب حقاً أن نسمع من يطعن في الصحابة الكرام الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وهم أفضل البشر بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد مدحهم الله - سبحانه وتعالى - في غير ما موضع من كتابه العزيز ، فقال الله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . (3)
ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض .
ومذهب أهل السنة والجماعة، أن ما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من الحروب والفتنة، أن يُمسك عن الكلام فيها، والخوض في تفاصيلها، وعلينا أن نذكر محاسنهم وفضائلهم الكثيرة، ثم الاستغفار لهم.
__________
(1) أخرجه الدارمي، والطبراني في الكبير، وقال الألباني: صحيح لغيره موقوف، صحيح الترغيب برقم (60).
(2) رواه البخاري في كتاب الاعتصام برقم (7321)، وفي كتاب الأنبياء برقم (3335)، ورواه مسلم في كتاب القسامة برقم (1677).
(3) ) ) سورة التوبة الآية (100) .(1/51)
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا } . (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا". (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل قال: من عاد لي ولياً آذنته بالحرب". (3)
وعن شهاب بن خراش قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهم يقولون: اذكروا مجالس أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تألف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرّشوا عليهم الناس. (4)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه". (5)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من سبَّ أصحابي، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين". (6)
و سبو عمر وقد أقسم الصادق والمصدوق - صلى الله عليه وسلم - في حقه، فقال: "والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً، إلا وسلك فجاً غير فجك". (7)
و سبو معاوية - رضي الله عنه - كاتب الوحي وقد دعا له عليه الصلاة والسلام فقال: "اللهم اجعله هادياً مهدياً واهده واهدِ به". (8)
__________
(1) سورة الحشر الآية (10).
(2) ذكره الحافظ في الفتح (11/477)، وحسنه الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة برقم (34).
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6502).
(4) سير أعلام النبلاء (8/285).
(5) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (3673) ومسلم في فضائل الصحابة برقم (2541).
(6) رواه الطبراني، وأبو نعيم في الحلية وغيرهما، السلسلة الصحيحة رقم (2340).
(7) رواه مسلم.
(8) أخرجه البخاري في كتاب التاريخ، والترمذي وغيرهما، السلسلة الصحيحة رقم (1969).(1/52)
وقالت عائشة رضي الله عنها: "أُمِروا بالاستغفار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم". (1)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد أمر الله بالاستغفار لأصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم أنهم سيقتتلون. (2)
وقال علي - رضي الله عنه - : والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهدُ النبي الأمي إلي: "لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق". (3)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فإذا كان هذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق علي فالصِّدِّيقُ بالأولى والأحرى لأنه أفضل الخلق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومذهب عمر وعلي رضي الله عنهما أن من فضل على الصديق أحداً فإنه يجلد حد المفتري. انتهى. (4)
وروى شعبة عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الجارود بن المعلى العبدي قال: أبو بكر خير من عمر فقال آخر: عمر خير من أبي بكر فبلغ ذلك عمر فضربه بالدرة حتى سعر برجليه وقال: إن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أخير الناس في كذا وكذا من قال غير ذلك وجب عليه حد المفتري.
وروى حجاج بن دينار عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة قال: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: بلغني أن قوماً يفضلوني على أبي بكر وعمر من قال شيئاً من هذا فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري.
وعن أبي عبيدة بن حجل أن علياً - رضي الله عنه - قال: لا أُوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب التفسير برقم (3022) عن هشام عن أبيه عن عائشة.
(2) منهاج السنة النبوية (2/22)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: رواه ابن بطة بإسناد صحيح.
(3) رواه مسلم في "الإيمان" برقم (78).
(4) الكبائر (ص 181).(1/53)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما". (1)
قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: فأقول: من قال لأبي بكر ودونه: يا كافر! فقد باء القائل بالكفر هنا قطعاً لأن الله تعالى قد رضي عن السابقين الأولين قال الله تعالى: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } ومن سب هؤلاء فقد بارز الله تعالى بالمحاربة، بل من سب المسلمين وآذاهم وازدراهم فقد قدمنا أن ذلك من الكبائر فما الظن بمن سب أفضل الخلق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ لكنه لا يخلد بذلك في النار، إلا أن يعتقد نبوة علي - رضي الله عنه - أو أنه إله فهذا ملعون كافر. أ.هـ (2)
قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: من أحب أبا بكر فقد أقام منار الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى ومن قال الخير في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد برئ من النفاق.
إخواني الكرام وبعد أن عرفنا حكم سبّ الصحابة رضوان الله عليهم الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمهم ورباهم بنفسه على منهج الحق وزكى نفوسهم، وشهد لهم القرآن الكريم بالجنة والمغفرة والرضوان عند الله تعالى فقد قال عنهم جلّ وعلا : { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ } ، وقال عنهم: { أُوْلَئِكَ المُؤْمِنُونَ حَقْاً } ، وقال عنهم: { وكُلاً وعدَ الله الحُسْنَى } .
__________
(1) رواه البخاري برقم (5752)، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال ، ومسلم برقم (60)، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر .
(2) الكبائر (ص 182).(1/54)
وغيرها من الآيات الكثيرة، فيجب الذبّ عنهم ورد الاتهامات التي تنسب لهم، من قبل عدو الله - سبحانه وتعالى - وعدو رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعدو الإسلام والمسلمين عبد الله ابن سبأ اليهودي وأتباعه الشيعة المارقين الذين نشروا العقائد الضالة ووضعوا الروايات الكاذبة زوراً وبهتاناً على الصحابة الكرام وأئمة الاسلام، وغيرهم من الفرق الضالة المنحرفة، الذين كذبوا وافتروا على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عداوة منهم للإسلام والمسلمين، لأن الصحابة الكرام هم شهود القرآن والنبوة والسنّة، فالطعن في هؤلاء الشهود هو في الحقيقة طعن في القرآن والإسلام والسنة النبوية المطهرة.
عافانا الله من هذه الفتن والضلالات والانحرافات.
??????
باب
النهي عن الحسد
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه قال : اغتسل أبي سهل بن حنيف بـ(الخراز) ، فنزع جبة كانت عليه ؛ وعامر بن ربيعة ينظر ، قال وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد ، قال:
فقال عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء ، فوعك سهل فكأنه فاشتد وعكه ، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر أن سهلاً وعك ، وأنه رائحٍ معك يا رسول الله ! فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر بن ربيعة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"علام يقتل أحدكم أخاه ؟! ألا برّكت ؟! إن العين حقّ ، توضأ له".
فتوضأ له عامر بن ربيعة ، فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس . (1)
وعن أبي هريرة مرفوعاً ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العينُ حقّ " . (2)
__________
(1) صحيح موارد الظمآن (1193) ، السلسلة الصحيحة برقم (2572) ، المشكاة برقم (4562) ،الروض النضير برقم (1194) .
(2) أخرجه البخاري (10/166) ، ومسلم (7/13) .(1/55)
عن ابن عباس ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :"العينُ حق ، تستنزل الحالق ". (1)
عن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه شيئاً يعجبه فليدع بالبركة ؛فأن العين حق". (2)
عن جابر بن عدي عن أبي ذر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"العين تُدخل الرجل القبر ،والجمل القدر" . (3)
عن عائشة قال :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كان يأمرني أن أسترقي من العين " . (4)
عن عائشة قالت ،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كان يأمرها [يعني عائشة ] أن تسترقي من العين ". (5)
وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله و قدره بالعين" . (6)
قال المناوي رحمه الله تعالى في تعليقه على هذا الحديث : "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء اللّه وقدره بالعين" ، وفي رواية "بالنفس" وفسر بالعين ، وذلك لأن هذه الأمة فضلت باليقين على سائر الأمم فحجبوا أنفسهم بالشهوات فعوقبوا بآفة العين ، فإذا نظر أحدهم بعين الغفلة كانت عينه أعظم والذم له ألزم { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُم } . (7) ، فلما فضلهم اللّه باليقين لم يرض منهم أن ينظروا إلى الأشياء بعين الغفلة وتتعطل منة اللّه عليهم وتفضيله لهم.ذكره الحكيم . اهـ . فيض القدير .
__________
(1) السلسلة الصحيحة رقم (1250) .
(2) أخرجه ابن ماجة (3509)،والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(208)و(209)وهو حديث حسن. ورواه البيهقي بنحوه والنسائي في سننه ، أنظر صحيح الجامع رقم (4020)
(3) السلسلة الصحيحة (1249) .
(4) السلسلة الصحيحة (6/61) .
(5) أخرجه مسلم (7/17) .
(6) صحيح الجامع حديث رقم (1206) .
(7) سورة آل عمران الآية (73)(1/56)
وعن ابن عباس مرفوعاً : "العين حق ،ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا" . (1)
قال الإمام النووي : قال الإمام أبو عبد الله المازري : أخذ جماهير العلماء بظاهر هذا الحديث وقالوا العين حق ، وأنكره طوائف من المبتدعة ، والدليل عل فساد قولهم أن كل معنى ليس مخالفا في نفسه ، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فإنه من مجوزات العقول إذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه ، وهل من فرق بين تكذيبهم بهذا وتكذيبهم بما يخبر به من أمور الآخرة ، قال وقد زعم بعض الطبائعين المثبتين للعين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالعين فيهلك أو يفسد ، قالوا ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا فكذا العين ، قال المازري : وهذا غير مسلم لأنا بينا في كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى ، وبينا فساد القول بالطبائع ، وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئا ، وإذا تقرر هذا بطل ما قالوه ، ثم هذا المنبعث من العين إما جوهر وإما عرض فباطل أن يكون عرضا لأنه لا يقبل الانتقال وباطل أن يكون جوهرا لأن الجوهر متجانسة فليس بعضها بأن يكون مفسدا لبعضها بأولى من عكسه فبطل ما قالوه ، قال وأقرب طريقة قالها من ينتحل الإسلام منهم أن قالوا لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالعين وتتخلل مسام جسمه فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة أجراها الله تعالى وليست ضرورة ولا طبيعة ألجأ العقل إليها ، ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة الشخص لشخص آخر ، وهل ثم جواهر خفية أم لا هذا من مجوزات العقول لا
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (2188) ، والترمذي برقم (2062) ، وابن حبان (6107) ، واللفظ لمسلم .(1/57)
يقطع فيه بواحد من الأمرين وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وبإضافته إلى الله تعالى فمن قطع من أطباء الإسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه وإنما هو من الجائزات هذا ما يتعلق بعلم الأصول ، أما ما يتعلق بعلم الفقه فان الشرع ورد بالوضوء لهذا الآمر في حديث سهل بن حنيف "لما أصيب بالعين عند اغتساله فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائنه أن يتوضأ" . رواه مالك في الموطأ ، وصفة وضوء العائن عند العلماء أن يؤتى بقدح ماء ولا يوضع القدح في الأرض فيأخذا منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمحها في القدح ، ثم يأخذ منه ماء يغسل وجهه ، ثم يأخذ بشماله ماء يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ماء يغسل به مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكعبين ، ثم يغسل قدمه اليمنى ثم اليسرى على الصفة المتقدمة وكل ذلك في القدح ثم داخلة إزاره وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن ، وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كناية عن الفرج ، وجمهور العلماء على ما قدمناه فإذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه ، وهذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه ، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات فلا يدفع هذا بأن لا يعقل معناه ، قال وقد اختلف العلماء في العائن هل يجير على الوضوء للمعين أم لا ، واحتج من أوجبه بقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية مسلم هذه "وإذا استغسلتم فاغسلوا" .(1/58)
وبرواية الموطأ التي ذكرناها أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بالوضوء والأمر للوجوب ، قال المازري : والصحيح عندي الوجوب ويبعد الخلاف فيه إذا خشي على المعين الهلاك ، وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبريء به ، أو كان الشرع أخبر به خبرا عاما ، ولم يكن زوال الهلاك إلا بوضوء العائن فإنه يصير من باب من تعين عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك ، وقد تقرر أنه يجير على بذل الطعام للمضطر فهذا أولى ، وبهذا التقرير يرتفع الخلاف فيه هذا آخر كلام المازري ، قال القاضي عياض بعد أن ذكر قول المازري الذي حكيته ، بقى من تفسير هذا الغسل على قول الجمهور وما فسره به الزهري ، وأخبر أنه أدرك العلماء يصفونه واستحسنه علماؤنا ، ومضى به العمل أن غسل العائن وجهه إنما هو صبه وأخذه بيده اليمنى ، وكذلك باقي أعضائه إنما هو صبه على ذلك الوضوء في القدح ليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغيره . اهـ . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : "كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين". (2)
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى : وهذا من الطب الشرعي المتلقى بالقبول عند أهل الإيمان ، وقد تكلم بعضهم في حكمة ذلك ، ومعلوم أن ثم خواص استأثر الله بعلمها فلا بد مثل هذا ولا يعارضه شيء ، ولا ينفع مثل هذا إلا من أخذه بالقبول واعتقادٍ حسن ، لا مع شك وتجربة. اهـ . (3)
??????
كتاب الطهارة
قال الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } . (4)
الطهارة : هي النظافة وارتفاع الحدث وزوال النجاسة .
قال الجرجاني : الطهارة في اللغة: عبارة عن النظافة .
وفي الشرع: عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة . (5)
ختان المرأة
__________
(1) شرح مسلم (14/171) .
(2) السلسلة الصحيحة رقم (2522) .
(3) الآداب الشرعية (3/58).
(4) )) سورة البقرة الآية (222) .
(5) )) التعريفات (1/184) .(1/59)
الختان هو من سنن الفطرة ويشرك فيه الرجل والمرأة ، ويؤكد أكثر بالنسبة للرجل ، وهو مستحب بالنسبة للمرأة .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "الفطرة خمس : الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار" . (1)
الختان : هو قطع جلدة الذكر التي فوق الحشفة حتى تبرز ، وقطع رأس جلدة في فرج الأنثى فوق محل الإيلاج . (2)
واختلف في أن الختان واجب أو سنة، قال الحافظ في الفتح ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه وقال به من القدماء عطاء حتى قال لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختتن، وعن أحمد وبعض المالكية يجب .
قال الخطابي محتجا بأن الختان واجب بأنه من شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين جماعة مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين بالإجماع .
قال الماوردي في الختان: إدخال ألم عظيم على النفس وهو لا يشرع إلا في إحدى ثلاث خصال لمصلحة أو عقوبة أو وجوب، وقد انتفى الأولان فثبت الثالث بالإجماع. أبو شامة: بأن في الختان عدة مصالح كمزيد الطهارة والنظافة فإن القلفة من المستقذرات، وقد كثر ذم الأقلف في أشعارهم وكان للختان عندهم قدر وله وليمة خاصة به وأقر الإسلام ذلك. . (3)
وسئل الشيخ صالح فوزان بن عبد الله الفوزان : هل ختان البنت أمر مندوب إليه أم مباح ؟
فأجاب : ختان البنت مستحب إذا كان على الصفة الشرعية ويسمى بالخفاض ، وفائدته تقليل شهوة الأنثى .
قال - صلى الله عليه وسلم - :" أشمى ولا تنهكى ؛ فإنه أبهى للوجه ، وأحظى عند الزوج " رواه الحاكم والطبراني وغيرهما .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (5939) ، باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط ، ومسلم برقم (257) باب خصال الفطرة .
(2) )) قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تنبيه الأفهام .
(3) )) فتح الباري (10/342) ، تحفة الأحوذي (8/29) .(1/60)
ويكون ذلك في حال صغرها، ويتولاه من يعرف الحكم الشرعي ويتقن تطبيقه. (1)
باب
النهي عن الاستنجاء باليمين
عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه" . (2)
وعن عائشة "كانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليسرى لخلائه وما كان من أذى، وكانت اليمنى لوضوئه ولمطعمه" (3) .
الاستنجاء : -هو القطع- نجوت غصون الشجر إذا قطعتها، قال غيره نجوت الشجرة وأنجيت واستنجيت إذا قطعتها وإنما قيل لمن استعمل الحجارة في الخلاء قد استنجى لأنه يقطع النجاسة بها عن بدنه ويزيلها عنه . (4)
قال النووي : إن فى النهى عن الاستنجاء باليمين تنبيها على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها . (5)
وقال ابن حجر : قوله باب لايمسك ذكره بيمينه إذا بال أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين، كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا . (6)
وقال ابن الجوزي رحمه الله: وإنما وقع النهي عن مس الذكر والاستنجاء باليمين لمعنيين: "أحدهما: لرفع اليمين عن الاستعمال في خساس الأحوال، ولهذا تجعل في آخر دخول الخلاء وأول دخول المسجد، وتُعجل اليمين للأكل والشرب والتناول، وتمتهن اليسرى في الأقذار.
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان (3/203) .
(2) )) رواه البخاري برقم (152) ، باب النهي عن الاستنجاء باليمين ، ومسلم برقم (267) ، باب النهي عن الاستنجاء باليمين .
(3) صحيح أبي داود رقم (25) .
(4) )) الغريب للخطابي (2/374) .
(5) )) شرح مسلم (3/156) .
(6) )) فتح الباري (1/254) .(1/61)
والثاني: أنه لو باشرت اليُمنى النجاسة لكان الإنسان يتذكر عند تناول طعامه بيمينه ما باشرت ومست، فينفر الطبع ويستوحش، ويخيل إليه بقاء ذلك الأثر فيها. فنزهت عن هذا ليطيب عيشه في التناول. أ.هـ. (1)
فائدة: قال الشيخ تقي الدين ( يعني ابن دقيق العيد ) : "هذا الحديث عام مخصوص لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار". (2)
باب
فرض الوضوء للصلاة
فرض الله سبحانه وتعالى على المؤمنين الوضوء للصلاة ، حيث أن الوضوء مفتاح الصلاة ، ولا تصح بدونه، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . (3)
والوضوء هو طهور المؤمن حيث أنه نصف الإيمان كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" (4) .
__________
(1) )) مشكل الصحيحين (2/138)برقم (604) .
(2) )) نقله الحافظ في الفتح ( 1/ 216) وأقره .
(3) )) سورة المائدة الآية (6) .
(4) أخرجه مسلم برقم (223) .(1/62)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : هذا حديث عظيم أصل من أصول الاسلام قد اشتمل على مهمات من قواعد الاسلام ، فأما الطهور فالمراد به الفعل فهو مضموم الطاء على المختار وقول الأكثرين ويجوز فتحها كما تقدم ، وأصل الشطر النصف واختلف في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الطهور شطر الايمان" فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهى تضعيفه إلى نصف أجر الايمان ، وقيل معناه أن الايمان يجب ما قبله من الخطايا ، وكذلك الوضوء لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر ، وقيل المراد بالايمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى : (وما كان الله ليضيع إيمانكم) والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر . اهـ . (1)
قال ابن منظور: الوَضُوءُ، بالفتح : الماء الذي يُتَوَضَّأُ به، كالفَطُور والسُّحُور لما يُفْطَرُ عليه ويُتَسَحَّرُ به. والوَضُوءُ أَيضاً: المصدر من تَوَضَّأْتُ للصلاةِ، مثل الوَلُوعِ والقَبُولِ.
والوُضُوءُ : - بالضم - وهو الفعلُ . (2)
فائدة : يستحب أن يقول عقب الوضوء أيضاً : " سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك " لحديث أبي سعيد .اهـ. (3)
باب
المسح على الرأس في الوضوء
حكم المرأة في مسح الرأس في الوضوء حكم الرجل ، قال الله تعالى : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } . . (4) ، وهذا عام يشمل النساء والرجال ولا يوجد دليل يخص النساء .
سئل الشيخ محمد صالح العثيمين :هل يسن للمرأة عند مسح رأسها في الوضوء أن تبدأ من مقدم رأسها إلى مؤخره ثم ترجع إلى مقدم الرأس كالرجل في ذلك ؟
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (3/101) .
(2) )) لسان العرب (1/194) .
(3) )) إرواء الغليل (1/131-135) ، باب الوضوء .
(4) ) ) سورة المائدة الآية (6)(1/63)
فأجاب : نعم ، لأن الأصل في الأحكام الشرعية أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء والعكس بالعكس ، ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل ، ولا أعلم دليلاً يخصص المرأة في هذا ، وعلى هذا فتمسح من مقدم الرأس إلى مؤخره ، وإن كان الشعر طويلاً فلن يتأخر بذلك ، لأنه ليس المعنى أن تضغط بقوة على الشعر حتى يتبلل أو يصعد إلى قمة الرأس ، إنما هو مسح بهدوء . (1)
باب
الذكر بعد الوضوء وثوابه
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء". (2)
وفي رواية : "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل في أيها شاء". (3)
وزاد الترمذي بعد التشهد: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". (4)
وزاد أحمد : "ثم رفع نظره إلى السماء". (5)
وزاد ابن ماجة مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات. (6)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : وأما الأذكار التي يقولها العامة عند كل وضوء فلا أصل لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ،
ولا الأئمة الأربعة ، وفيها حديث كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أ.هـ . (7)
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/151، 152) .
(2) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234) وأحمد في مسنده (17316/1).
(3) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وأبو داود وابن ماجة وقالا : فيسحن الوضوء .
(4) أخرجه الترمذي في الطهارة برقم (55).
(5) في مسنده (17316/6).
(6) في كتاب الطهارة (470).
(7) ) ) الوابل الصيب .(1/64)
وعن أبي سيعد الخدري - رضي الله عنهم - : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ ففرغ من وضوئه ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك كُتِبَ في رَقٍّ وطبع عليها بطابع ثم رُفِعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة". (1)
باب
حكم تنشيف أعضاء الوضوء
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين : عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء ؟
فأجاب : تنشيف الأعضاء لا بأس به ، لأن الأصل عدم المنع ، والأصل في ما عدا العبادات من العقود والأفعال والأعيان الحل والإباحة حتى يقوم الدليل على المنع .
فإن قال قائل : كيف تجيب عن حديث ميمونة ، رضي الله عنها ، حينما ذكرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، اغتسل قالت : فأتيته بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده ؟
فالجواب : أن هذا الفعل من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قضية عين تحتمل عدة أمور :إما لأنه لسبب في المنديل ، أو لعدم نظافته ، أو يخشى أن يبله بالماء ، وبلله بالماء غير مناسب ، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه ، وإلا لما أتت به . (2)
باب
لا يقبل الله الصلاة بغير وضوء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" . (3)
__________
(1) رواه النسائي في الكبير برقم (9909/6)، ورواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (218).
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/153) .
(3) )) أخرجه البخاري برقم (6554) ، باب في الصلاة ، مسلم برقم (225) ، باب وجوب الطهارة للصلاة .(1/65)
قال بن بطال: فيه رد على من قال أن من أحدث في القعدة الأخيرة أن صلاته صحيحة لأنه أتى بما يضادها وتعقب بأن الحدث في أثناءها مفسد لها فهو كالجماع في الحج لو طرأ في خلاله لأفسده وكذا في آخره . (1) وقال ابن القيم :قول: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث" من وجهين : أحدهما : أن نفي القبول قد يكون لفوات الشرط وعدمه، وقد يكون لمقارنة محرم يمنع من القبول كالإباق وتصديق العراف وشرب الخمر وتطيب المرأة إذا خرجت للصلاة ونحوه.
الثاني : أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضي أنه لم يحصل له الدخول فيها وأنه مصدود عنها كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير مفتاح، وأما عدم القبول فمعناه عدم الاعتداد بها وأنه لم يرتب عليها أثرها المطلوب منها بل هي مردودة عليه . اهـ. (2)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وعائشة رضي الله عنهم ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ويل للأعقاب من النار" . (3)
قال ابن حزم رحمه الله : فأمر عليه السلام بإسباغ الوضوء في الرجلين وتوعد بالنار على ترك الأعقاب فكان هذا الخبر زائدا على ما في الآية - { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } - وعلى الأخبار التي ذكرنا وناسخا لما فيها ولما في الآية والأخذ بالزائد واجب . (4)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
"إذا توضأ أحدكم فليجعل في كلاهما ثم لينثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" . (5)
__________
(1) )) فتح الباري (12/329) .
(2) )) حاشية ابن القيم (1/60) .
(3) )) أخرجه البخاري برقم (60)، باب من رفع صوته بالعلم ، ومسلم برقم (240) ، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما .
(4) )) المحلى (2/57) .
(5) )) أخرجه البخاري برقم (160) ،باب الاستجمار وترا ، مسلم برقم (237) ، باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار .(1/66)
قال ابن حجر : واستدل بهذا الحديث على التفرقه بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء وهو ظاهر وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء وهو صحيح لكن كونها تؤثر التنجيس وأن لم يتغير فيه نظر لأن مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون قاله بن دقيق العيد ومراده أنه ليست فيه دلاله قطعيه على من يقول أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير . (1)
وقال الشوكاني : والحديث يدل على المنع من إدخال اليد إلى إناء الوضوء عند الاستيقاظ وقد اختلف في ذلك فالأمر عند الجمهور على الندب وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل . (2)
باب
في أن مس المرأة لا ينقض الوضوء؟
الصحيح من النصوص الشرعية وأقوال أهل العلم أن مس المرأة لا ينقض الوضوء .قال الله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } . (3)
عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، أنه قال : { أو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } قال: هو الجماع .
وعن قتادة، عن سعيد بن جبير، قال : اختلفت أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله: { أو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } ، فقال عبيد بن عمير : هو الجماع .
- واختلف عبيد بن عمير وعطاء حيث يقول- عطاء: هو اللمس ، قال : فدخلنا على ابن عباس فسألناه، فقال : غلب فريق الموالي وأصابت العرب هو الجماع ولكن الله يعف ويكني . (4)
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى : وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال معنى ذلك الجماع أو ما قام مقام الجماع . (5)
__________
(1) )) فتح الباري (1/264) .
(2) )) نيل الأوطار (1/170) .
(3) ) ) سورة النساء الآية (43) .
(4) )) تفسير الطبري (5/102) .
(5) )) تفسير الطبري (2/181) .(1/67)
وعن أبي هريرة، عن عائشة رضي الله عنهما، قالت : "فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" . (1)
قال ابن قدامة : وقوله: { أو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } المائدة، أراد به الجماع بدليل أن المس أريد به الجماع في آيات الطلاق، فكذلك اللمس ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين . (2)
وقال النووي رحمه الله تعالى : استدل به من يقول لمس المرأة لا ينقض الوضوء ، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وآخرين، وقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى والأكثرون: ينقض واختلفوا في تفضيل ذلك، وأجيب عن هذا الحديث بأن الملموس لا ينتقض على قول الشافعي رحمه الله تعالى وغيره وعلى قول من قال ينتقض وهو الراجح ثم أصحابنا يحمل هذا اللمس على أنه كان فوق حائل فلا يضر . (3)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل مس المرأة ينقض الوضوء ؟
فأجاب : الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً ،إلا إذا خرج منه شيء ، ودليل هذا ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ . ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صريح على النقض ، ولأن الرجل أتم طهارته بمقتضى دليل شرعي ، فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي .
فإن قيل : قد قال الله في كتابه : { أو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } . (4)
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (486) ، باب ما يقال في الركوع والسجود .
(2) )) المغني (1/124) .
(3) )) شرح النووي على مسلم (4/203) .
(4) ) ) سورة النساء الآية (43) .(1/68)
فالجواب : أن المراد بالملامسة في الآية الجماع ، كما صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ثم هناك دليلاً من تقسيم الآية الكريمة ، تقسيم للطهارة إلى أصلية ، وبدلية ، وتقسيم للطهارة إلى كبرى ، وصغرى .
وتقسيم للأسباب الطهارة الكبرى ، والصغرى .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ْ } . (1) فهذه طهارة بالماء أصلية صغرى . ثم قال :
{ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ } .فهذه طهارة بالماء أصلية كبرى { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } .فقوله : { فَتَيَمَّمُواْ } هذا البدل . وقوله: { أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ } . هذا بيان سبب الصغرى . وقوله { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } هذا بيان سبب الكبرى . ولو حملناه على المس الذي هو الجس باليد ، لكانت الآية الكريمة ذكر الله فيها سببين للطهارة الصغرى ، وسكت عن سبب الطهارة الكبرى ، مع أنه قال : { وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ } . وهذا خلاف البلاغة القرآنية ، وعليه فتكون الآية دالة على أن المراد بقوله : { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء } . أي جامعتم النساء ، لتكون الآية مشتملة على السببين الموجبين للطهارة ، السبب الأكبر والسبب الأصغر ، والطهارتين الصغرى في الأعضاء الأربعة ، والكبرى في جميع البدن ، والبدل الذي هو طهارة التيمم في عضوين فقط لأنه يتساوى فيها الطهارة الصغرى والكبرى .
__________
(1) ) ) سورة المائدة الآية (6)(1/69)
وعلى هذا فالقول الراجح : أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً ، سواء بشهوة أو بغير شهوة إلا أن يخرج منه شيء ، فإن خرج منه شيء وجب عليه الغسل إن كان الخارج منياً ، ووجب عليه غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء إن كان الخارج مذياً . (1)
باب الغسل
غسل الرجل مع امرأته من الجنابة
قالت عائشة رضي الله عنها : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل عنه بشماله حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه، قالت عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ونحن جنبان" . (2)
وفي رواية للبخاري :
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد من قدح يقال له الفرق" . (3)
وعن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب ، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" . (4)
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 201، 202) .
(2) )) رواه البخاري برقم (269) ، باب تخليل الشعر حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه ، مسلم برقم (321) ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر .
(3) )) رواه البخاري برقم (247) ، باب غسل الرجل مع امرأته .
(4) )) رواه البخاري برقم (295) ، باب من سمى النفاس حيضاً ، ومسلم برقم (321) ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر .(1/70)
قال النووي : وأما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين لهذه الأحاديث التي في الباب، وأما تطهير المرأة بفضل الرجل فجائز بالإجماع أيضا، وأما تطهير الرجل بفضلها فهو جائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء سواء خلت به أو لم تخل، قال بعض أصحابنا: ولا كراهة في ذلك للأحاديث الصحيحة الواردة به . اهـ. (1)
باب
صفة الغسل من الجنابة
في غسل الجنابة لابد أن يدخل الماء إلى جميع الشعر دون أن تنقضه .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : إذا أصابت إحدانا جنابة أخذت بيديها ثلاثا فوق رأسها ثم بيدها على شقها الأيمن وبيدها الأخرى على شقها الأيسر . (2)
وعن عائشة أيضاً، أن أسماء (3) سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض، فقال : "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها" ، فقالت أسماء: وكيف تطهر بها، فقال: "سبحان الله تطهرين بها"، فقالت عائشة : كأنها تخفي ذلك تتبعين أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة، فقال: "تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تفيض عليها الماء"، فقالت عائشة : نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين . (4)
ولا يجب على المرأة في غسل الجنابة نقض شعرها .
__________
(1) )) شرح النووي (4/2) .
(2) )) رواه البخاري برقم (273) ، باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل .
(3) )) هي أسماء بنت شَكَلْ رضي الله عنها .
(4) )) رواه مسلم برقم (332) ، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم .(1/71)
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة، قال : "لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" . (1)
وعن شريح بن عبيد، قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان حدثهم أنهم استفتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال : "أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها" . (2)
سئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن المرأة إذا كانت عليها جنابة واغتسلت ، هل تغسل شعرها حتى يدخل الماء إلى البشرة؟
فأجاب : الغسل من الجنابة أو غيرها من موجبات الغسل فيه إيصال الماء إلى منبت الشعر ،وسواء كان ذلك من الرجال أو من النساء، لقوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ } (3)
ولا يجوز لها أن تغسل ظاهر الشعر فقط ، بل لابد أن يصل الماء إلى أصول الشعر إلى مجدلاً الرأس ، ولكن إذا كان مجدلاً فإنه لا يجب عليها نقضه بل يجب عليها أن يصل الماء إلى كل الشعرات بأن تضع الجديلة تحت مصب الماء ثم تعصره حتى يدخل الماء إلى جميع الشعر . (4)
باب
هل تحتلم المرأة
وهل عليها الغسل إذا احتلمت؟
المرأة تحتلم في المنام كالرجل ويخرج منها المني وترى الماء .
فعن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت : جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (330) ، باب حكم ضفائر المغتسلة .
(2) )) رواه أبو داود برقم (255) ، باب في المرأة هل تنقض شعرها ثم الغسل .
(3) ) ) سورة المائدة آية (6) .
(4) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/226) .(1/72)
"إذا رأت الماء"، فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ قال: "نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها" . (1)
وإذا احتلمت في المنام وخرج منها المني وجب عليها الغسل ، وحكمها كذلك نفس حكم الرجل .
والضابط في ذلك هو وجود الماء وهو المني ، فإذا رأت الماء وجب عليها الغسل ، وإذا لم توجد البلل فلا شيء عليها .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ قال: "يغتسل"، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يرى بللا؟ قال: "لا غسل عليه"، فقالت أم سليم: هل على المرأة ترى ذلك شيء؟ قال: "نعم إنما النساء شقائق الرجال" . (2)
قال ابن حجر : قوله باب إذا احتلمت المرأة إنما قيده بالمرأة مع أن حكم الرجل كذلك لموافقة صورة السؤال وللإشارة إلى الرد على من منع منه في حق المرأة دون الرجل كما حكاه بن المنذر وغيره عن إبراهيم النخعي واستبعد النووي في شرح أعطى صحته عنه لكن رواه بن أبي شيبة عنه بإسناد جيد . (3)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
هل تحتلم المرأة ؟ وإذا احتلمت فماذا يجب عليها ؟ ومن احتلمت ولم تغتسل فماذا يلزمها؟
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (130) ، باب الحياء في العلم وقال مجاهد لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ، ومسلم برقم (313) ، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها .
(2) )) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (26238)، وأبو داود برقم (236) ، باب في الرجل يجد البلة في منامهن، والترمذي برقم (113)، باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما ،والدارمي برقم (764) ، باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3333) .
(3) )) فتح الباري (1/388) .(1/73)
فأجاب : المرأة قد تحتلم ؛ لأن النساء شقائق الرجال ، فكما أن الرجال يحتلمون فالنساء كذلك .
وإذا احتلمت المرأة أو الرجل كذلك ولم يجد شيئاً بعد الاستيقاظ ، أي ما وجد أثراً من الماء فإنه ليس عليها غسل ، وإن وجدت الماء فإنه يجب أن تغتسل لأن أم سليم قالت : يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال :"نعم إذا هي رأت الماء ".فإذا رأت الماء وجب عليها الغسل .
وأما من احتلمت فيما مضى فإن كانت لم تر الماء فليس عليها شيء ، وأما إن كانت رأته فإنها تتحرى كم صلاة تركتها وتصليها . (1)
باب
وجوب الغسل لالتقاء الختانين
معنى الختانان :
قال ابن منظور : موضع الخَتْنِ من الذكر، وموضع القطع من نَواة الجارِيةِ. قال أَبو منصور: هو موضع القطع من الذكر والأُنثى؛ ومنه الحديث المرويُّ: إِذا الْتَقَى الخِتانانِ فقد وجب الغسلُ، وهما موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية. (2)
إذا التقى الختانان وجب على الرجل والمرأة الغسل سواء أنزل الرجل أم لم ينزل .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" . (3)
قوله : شعبها المراد به يداها ورجلاها .
جهدها : أي هيجها وحفزها بحركته .
وقال ابن منظور : جَهَدَها أَي دفعها وحفزها؛ وقيل: الجَهْد من أَسماء النكاح.
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/230) .
(2) )) لسان العرب (13/138) .
(3) )) رواه البخاري برقم (287)، باب إذا التقى الختانان ، ومسلم برقم (348) ، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين .(1/74)
وعن أبي موسى قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي، فقلت لها: يا أماه أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت : على الخبير سقطت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" . (1)
وعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : إن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل" . (2)
قال الإمام النووي : ومعنى الحديث: أن إيجاب الغسل لا يتوقف على نزول المني، بل متى غابت الحشفة في الفرج وجب الغسل على الرجل والمرأة، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة ومن بعدهم، ثم انعقد الإجماع على ما ذكرناه .اهـ . (3)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل على زوجتي غسل جنابة في حالة الإيلاج عند الجماع ، لكن دون إنزال في الرحم ؟ وهل عليها غسل جنابة في حالة وضعها لولب داخل الرحم ، أم تكتفي بغسل جسدها وأعضائها فقط ؟
فأجاب : نعم يلزمها الاغتسال بمجرد الإيلاج ولو قليلاً لحديث : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل " وحديث :" إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " .
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (349) ، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين.
(2) )) رواه مسلم برقم (350) ، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين.
(3) ) ) شرح النووي على صحيح مسلم .(1/75)
وكذا عليها الغسل لو كان بها لولب داخل الرحم لحصول الإيلاج والإنزال غالباً وإنما يكفي الوضوء إذا كان هناك مجرد لمس بدون إيلاج . (1)
باب
الإنزال دون الفرج هل يوجب الغسل
وإذا أصاب الرجل امرأته دون الجماع وأنزل وجب عليه الغسل ولم يجب عليها .
عن الزبير بن عدي ، عن إبراهيم في الرجل يجامع امرأته الفرج فينزل الماء ، قال: يغتسل هو ولا تغتسل هي ولكن تغسل ما أصاب منها . (2)
وعن الأوزاعي، عن عطاء فيما يصيب المرأة من ماء زوجها تغسله ولا تغسل إلا أن يدخل الماء فرجها فإن دخل فلتغتسل .
وعن الزبير بن عدي عن إبراهيم في الرجل يجامع امراته دون فرجها قال يغتسل وتغسل فرجها إلا أن ينزل .
وعن مكحول في الرجل يحتلم وامرأته إلى جنبه فيصيبها من مائه أنه ليس عليها غسل وتغسل حيث أصابها إلا أن يصيب فرجها فتغتسل .
وعن زكريا عن فراس قال اشتريت جارية صغيرة فكنت أصيب منها أن أخالطها فسألت الشعبي فقال أما أنت فاغتسل وأما هي فيكفيها الوضوء .
وعن هشام عن الحسن في الرجل يصيب من المرأة فرجها قال إن هي أنزلت فاغتسلت وإن هي لم تنزل توضأت وغسلت ما أصاب من جسدها من ماء الرجل . (3)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
عن الرجل يجلس بين شعبها الأربع ويمس الختان الختان من غير مجاوزة ، ثم ينزل خارج الفرج فهل عليها غسل ؟
__________
(1) ) ) فتاوى المرأة ص(21) .
(2) )) رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (971) ، باب الرجل يصيب امرأته الفرج .
(3) )) هذه الآثار رواها ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (988-992) ، في الرجل يجامع امرأته دون الفرج .(1/76)
فأب : الرجل عليه الغسل ، لأنه أنزل ، وأما المرأة فليس عليها غسل ، لأنه من شرط وجوب الغسل الإيلاج ، ومن المعلوم أن موضع الختان فوق الحشفة مما يلي قصبة الذكر ، فإذا كان كذلك فلا يمس موضع ختان المرأة إلا بعد أن تلج الحشفة ، ولذلك اشتراطنا في وجوب الغسل من الجماع أن يغيب الحشفة ، وقد ورد في بعض ألفاظ حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص :" إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل " . (1)
باب
المرأة يجامعها زوجها ثم يخرج من فرجها من مني زوجها بعد الاغتسال
يحصل بعض الأحيان للمرأة عندما يجامعها زوجها فتغتسل وبعد الاغتسال يخرج من فرجها من مني زوجها فما تفعل؟
الصحيح أنه لا شيء عليها لأنها اغتسلت من الجماع والمني الخارج من فرجها هو من مني زوجها وليس منها ن ويكون عليها الوضوء فقط .
عن الأوزاعي، عن الزهري في المرأة والرجل يخرج منهما الشيء بعدما يغتسلان؟ قال : يغسلان فرجهما ويتوضآن . (2)
وعن جابر بن زيد في المرأة يخرج منها الشيء من ماء الرجل بعد الغسل، قال: عليها الوضوء . (3)
وقال الإمام النووي : أما إذا جُومعت فاغتسلت ثم خرج منها مني الرجل فقال الأصحاب : لا غسل عليها وعليها الوضوء . (4)
ويرى ابن حزم أنه لا غسل ولا وضوء . فتعقبه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المحلى ، فقال :" أما وجوب الغسل فلا دليل عليه لأنه لم يحصل منها إنزال ، وأما الوضوء فالظاهر وجوبه لأن الخارج منها وإن كان من مني الرجل إلا أنه لا يخلو من اختلاطه برطوبات خارجية منها ، وهذا الأحوط" .اهـ.
باب
خروج المذي من المرأة ينقض الوضوء
__________
(1) )) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/223) .
(2) )) مصنف ابن أبي شيبة (1/129) رقم (1485) ، الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل .
(3) )) مصنف ابن أبي شيبة (1/129) رقم (1488) ، الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل .
(4) )) المجموع (1/151) .(1/77)
خروج المذي من الفرج ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل ، كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن علي - رضي الله عنه - ، قال : كنت رجلا مذاء، وكنت أستحيي أن أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال : "يغسل ذكره ويتوضأ" . (1)
قال النووي رحمه الله : والمذي ماء أبيض دقيق لزج يخرج ثم شهوة لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة وهو في النساء أكثر منه في الرجال والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم وانضح فرجك فمعناه اغسله فان النضح يكون غسلا ويكون رشا، وقد جاء في الرواية الأخرى يغسل ذكره فيتعين حمل النضح عليه . (2)
وعن مجاهد عن ابن عباس قال المني والودي والمذي فأما المني ففيه الغسل وأما المذي والودي ففيهما الوضوء ويغسل ذكره . (3)
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
عن امرأة ينزل منها شيء باستمرار بدون أي تأثير وأحياناً لأبسط تأثير ، فهذا يقلقني جداً لأنني أغتسل كل يوم من أجل أداء الصلاة ، والاغتسال يسبب لي بعض المتاعب ، وخاصة ونحن الآن نعيش أيام الشتاء ، أرشدوني جزاكم الله خيراً .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (132) ، باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال ، ومسلم برقم (303) ، باب المذي .
(2) )) شرح النووي (3/213) .
(3) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (984) ، في الرجل يجامع امراته دون الفرج .(1/78)
فأجاب : لا .لاما يلزمك تغتسلين أبداً ما في داعي تغتسلين لا في الشتاء ولا في غير الشتاء ، إنما الاغتسال الواجب هذا إذا كان عن جماع أو احتلام أو نزل بشهوة كما لو احتلمت أن رجلاً يجامعك ورأيت الماء فنعم تغتسلين ، أما مجرد خروج ماء أصفر أو ما أشبه ذلك من الفرج فهذا لا يوجب الغسل ، فإن أم سليم سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ قال :" إذا هي رأت الماء " فأخبرها بأنها تغتسل إذا احتلمت متى رأت الماء يعني "منيها" بأن خرج منها شيء بالتلذذ في النوم ، إما إذا لم تحتلم أو احتلمت ولم تجد ماء ، يعني ما خرج منها بلل بل فخذها أو ثوبها أو فراشها فإنه لا شيء عليها ، كذلك ما يخرج من الرجل من مذي ونحوه فإنه لا يوجب الغسل ، إنما يوجب الوضوء فقط ويجب عليه أن يغسل ما أصابه المذي من ثوب ونحوه ، أما الغسل فلا يجب عليه أن يغتسل ، فكذلك أنت لا يجب عليك أن تغتسلي لمجرد خروج بلل من الفرج هذا لا يوجب الغسل إنما الذي يوجبه ما كان عن شهوة وخرج سواء كان بجماع الزوج أو كان باحتلام والله أعلم . (1)
باب
المسح على الخفين والجبيرة
عن عوف بن مالك: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم" . (2) .
قال الألباني رحمه الله : "قال أحمد : هذا من أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها . نقلته عن "نصب الراية" وكانت الغزوة المذكورة في شهر رجب سنة تسع كما في كتب "المغازي" .
__________
(1) ) ) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(2) رواه أحمد (1/138) ، والطبراني في ((الأوسط )) (1/8/2) ، والدارقطني أيضاً (72) ، والبيهقي برقم (1/8/2) .(1/79)
ومثله بل وأجود منه حديث جرير المتقدم (99) (1) ، فإن في رواياته الصحيحة أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين بعد نزول سورة المائدة ، وهي آخر سورة نزلت ، كما قالت عائشة وعبد الله بن عمر ، فيما رواه الحاكم (2/311) بإسنادين صحيحين عنهما ، وقد قال ابن سعد : إن إسلام جرير في العاشرة ، ولا سنة إحدى عشر ، فقد ثبت في "الصحيحين" أن جريراً شهد معه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع .
وبالجملة فقصة جرير في المسح متأخرة عن قصة عوف هذه ، فهي من هذه الوجهة أجود منها . والله أعلم" . (2)
وحديث صفوان بن عسال قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة " رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه (3) .
قال الألباني رحمه الله : "تنبيه : في حديث عاصم عند جميع من ذكرناهم من المخرجين حاشا المعجم الصغير زيادة في آخره بلفظ : "ولكن من غائط وبول ونوم".
ومن فوائد هذه الزيادة : أنها تدل على أن النوم مطلقاً ناقض للوضوء كالغائط والبول وهو مذهب جماعة من العلماء منهم الحنابلة كما ذكره" .اهـ. (4)
باب هل يمسح على الجورب المخرق والخفيف
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن الحكم على الجورب المخرق والخفيف ؟
__________
(1) عن جريرقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم توضأ ومسح على خفيه.أخرجه البخاري(1/393)، ومسلم(1/156).
(2) )) إرواء الغليل (1/139) .
(3) رواه أحمد (4/239،240) ، والنسائي (1/32) ، والترمذي (1/159،160) ، وكذا ابن ماجة (1/176).
(4) )) إرواء الغليل( 1/138ـ 139 )(1/80)
فأجاب: القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة ، لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً ؛ فإن الرجل ليست عورة يجب سترها ، وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه ، بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء ، بل نقول : يكفيك أن تمسح عليه ، هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين ، وهذه العلة يستوي فيها الخف أو الجورب والسليم والخفيف والثقيل . (1)
باب
لا فرق بين الرجال والنساء
في أحكام المسح على الخفين
المسح على الخفين يشترك فيه الرجل والمرأة لأن النساء شقائق الرجال كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (2)
سئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل هناك فرق بين الرجال والنساء في أحكام المسح على الخفين ؟
فأجاب : ليس هناك فرق بين الرجال والنساء في هذا . وينبغي أن نعلم قاعدة وهي " أن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء ، وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل يدل على افتراقهما " . (3)
باب
حكم مسح المرأة على لفة الرأس
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين :
عن حكم مسح المرأة على لفة الرأس ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/167) .
(2) ) ) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (26238)، وأبو داود برقم (236) ، باب في الرجل يجد البلة في منامهن، والترمذي برقم (113)، باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما ،والدارمي برقم (764) ، باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3333) .
(3) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/181) .(1/81)
فأجاب: يجوز أن تمسح المرأة على رأسها سواء كان ملفوفاً أو نازلاً ، ولكن لا تلف شعر رأسها فوق وتبقيه على الهامة لأني أخشى أن يكون داخلاً في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" ونساء كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ". (1)
باب
هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين :
هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها ؟
فأجاب : المشهور من مذهب الإمام أحمد ، أنها تمسح على الخمار إذا كان مداراً تحت حلقها ، لأن ذلك قد ورد عن بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن .
وعلى كل حال فإذا كانت هناك مشقة ، إما لبرودة الجو أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى ، فالتسامح في مثل هذا لا بأس به ، وإلا فالأولى ألا تمسح . (2)
باب
إذا دهنت رأسها ومسحت
عليه هل يصح وضوؤها ؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن المرأة إذا دهنت رأسها ومسحت عليه هل يصح وضوؤها ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/152) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/171) .(1/82)
فأجاب : قبل الإجابة على هذا السؤال ، أود أن أبين بأن الله عز وجل قال في كتابه المبين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ْ إِلَى الْكَعْبَينِ } . (1) والأمر بغسل هذه الأعضاء ومسح ما يمسح منها يستلزم إزالة ما يمنع وصول الماء إليها ، لأنه إذا وجد ما يمنع وصول الماء إليها لم يكن غسلها ولا مسحها ، وبناء على ذلك نقول : إن الإنسان إذا استعمل الدهن في أعضاء طهارته ، فإما أن يبقى الدهن جامداً له جرم ، فحينئذٍ لابد أن يزيل ذلك قبل أن يطهر أعضاءه ، فإن بقى الدهن هكذا جرماً ، فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة وحينئذٍ لا تصح الطهارة . أما إذا كان الدهن ليس له جرم ، وإنما أثره باقٍ على أعضاء الطهارة ، فإنه لا يضر ، ولكن في هذه الحال يتأكد أن يمر الإنسان يده على الوضوء لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء ، فربما لا يصيب جميع العضو الذي يطهره . (2)
باب
إذا لبدت رأسها بالحناء هل تمسح عليه ؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
إذا لبَّدت المرأة رأسها بالحناء ونحوه ، فهل تمسح عليه ؟
فأجاب : إذا لبَّدت المرأة رأسها بالحناء فإنها تمسح عليه ، ولا حاجة إلى أنها تنقض الرأس وتحّت هذا الحناء ، لأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان في إحرامه ملبّداً رأسه . فما وُضِعَ على الرأس من التلبيد فهو تابع له ، وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل . (3)
باب
نهي المرأة عن دخول الحمامات العامة
نهى الشارع الحكيم المرأة عن دخول الحمامات العامة والتي تكون في السوق لما في ذلك من كشف العورات وهتك الستر .
__________
(1) ) ) المائدة : آية( 6) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 147) .
(3) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/171) .(1/83)
فعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يُدخل حليلته الحمّام". (1)
وعن قاص الأجناد بـ (القسطنطينية)، أنه حدَّث: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس! إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعدنَّ على مائدة يُدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام". (2)
وعن أبي المليح الهُذَلي: أن نساء من أهل (حِمصَ) أو من أهل (الشام) دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي يَدخُلْنَ نساؤكن الحمّامات؟! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها، إلا هَتَكَت السِّتر بينها وبين ربِّها". (3)
وفي رواية: أن نساء دَخلْنَ على أمِّ سلمة رضي الله عنها، فسألتهنَّ: من أنتنَّ؟ قلن: من أهل (حمص). قالت: من أصحاب الحمَّامات؟ قلن: وبها بأسٌ؟ قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما امرأةٍ نزعت ثيابها في غير بيتها، خرق الله عنها بستره". (4)
__________
(1) رواه النسائي، والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، السلسلة الصحيحة برقم (3439) وصحيح الترغيب (164).
(2) رواه أحمد، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (167).
(3) رواه الترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن" وأبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، وصححه الألباني في الترغيب (170).
(4) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم، من طريق دراج أبي السمح عن السائب، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (171).(1/84)
وعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: خرجت من الحمام، فلقيني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من أين يا أمّ الدرداء؟" فقلت: من الحمام، فقال: "والذي نفسي بيده ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت أحدٍ من أمهاتها، إلا وهي هاتكة كلَّ ستر بينها وبين الرحمن عز وجل". (1)
باب
الحيض وتوابعه
تعريف الحيض : هو معاهدة اندفاع الدم العفن الذي هو في الدم بمنزلة البول والعذرة في فضلتي الطعام والشراب من الفرج . (2)
وقال النووي : وأما الحيض فأصله في اللغة السيلان وحاض الوادي إذا سال قال الأزهري والهروي وغيرهما من الأئمة الحيض جريان دم المرأة في روينا معلومة يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها . (3)
وقال ابن قدامة : الحيض : دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في روينا معلومة لحكمة تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته ولذلك لا تحيض الحامل، فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به العربي ولذلك قلما تحيض المرضع، فإذا خلت المرأة من حمل وضاع بقي ذلك الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة، وقد يزيد على ذلك ويقل، ويطول شهر المرأة يقصر على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع، وسمي حيضا من قولهم حاض السيل .اهـ. (4)
فالحيض أمر قد كتبه الله تعالى على بنات حواء ويكون عند البلوغ ، حيث أن بلوغ المرأة يحصل بأحد أربعة أمور : أما بإنبات شعر العانة أو بلوغها خمس عشرة سنة أو الاحتلام أو يأتيها الحيض ، فهذه علامات البلوغ لدى المرأة .
سئل الشيخ صالح فوزان بن عبد الله الفوزان :
__________
(1) رواه أحمد والطبراني في (الكبير)، قال في المجمع (1/277): "رجال أحدهما رجال الصحيح"، وعند أحمد (6/361-362) وسنده صحيح كما قال الألباني في الترغيب برقم (169).
(2) )) التعاريف (1/303) .
(3) )) شرح النووي على صحيح مسلم (3/204) .
(4) )) المغني (1/188) .(1/85)
كنت في الرابعة عشر من العمر ، وأتتني الدورة الشهرية ، ولم أصم رمضان تلك السنة ؛ علماً بأن هذا العمل ناتج عن جهلي وجهل أهلي ؛ حيث إننا كنا منعزلين عن أهل العلم، ولا علم لنا بذلك ، وقد صمت في الخامسة عشر ، وكذلك سمعت من بعض المفتين أن المرأة إذا أتتها الدورة الشهرية فإنه يلزم عليها الصيام ، ولو كانت أقل من سن البلوغ . نرجو الإفادة ؟
فأجاب : هذه السائلة التي ذكرت عن نفسها أنها أتاها الحيض في الرابعة من عمرها ، ولم تعلم أن البلوغ يحصل بذلك ؛ ليس عليها إثم حين تركت الصيام في تلك السنة ؛ لأنها جاهلة ، والجاهل لا إثم عليه ، لكن حين علمت أن الصيام واجب عليها ؛ فإنه يجب عليها أن تبادر بقضاء صيام الشهر الذي أتاها بعد أن حاضت ؛ لأن المرأة إذا بلغت ؛ وجب عليها الصوم .
وبلوغ المرأة يحصل بواحد من أمور أربعة :
1ـ أن تتم خمس عشرة سنة .
2ـ أن تنبت عانتها .
3ـ أن تنزل .
4ـ أن تحيض .
فإذا حصل واحد مَن مِن هذه الأربعة ؛ فقد بلغت وكلفت ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبيرة . (1)
باب
الفرق بين دم الحيض ودم
الإستحاضة ودم النفاس
هناك فرق بين الحيض والاستحاضة ، فالحيض تدع فيه المرأة الصلاة والصيام حال الحيض ، أما في حال الاستحاضة تصلي وتصوم وحالها حال المرأة الطاهرة ، ويعلم هذا بلون الدم حيث أن دم الحيض يكون أسود قاتم بخلاف دم الاستحاضة يكون باللون الطبيعي .
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، "أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فأمرها أن تغتسل ، فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة" . (2)
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/194، 195) .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (321) ، باب عرق الاستحاضة ، ومسلم برقم (334) ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها .(1/86)
وعنها رضي الله عنها ، قالت : "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ ، فقال : لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" . (1)
قال ابن حزم : فصح بما ذكرنا أن الحيض إنما هو الدم الأسود وحده وأن الحمرة والصفرة والكدرة عرق وليس حيضا ولا يمنع شيء من ذلك الصلاة . (2)
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :
ما هو الفرق بين دم الحيض ودم الإستحاضة ودم النفاس ؟
فأجاب : هذه الدماء المذكورة تخرج من محل واحد ولكن تختلف أسمائها وأحكامها باختلاف أسبابها فأما دم النفاس فسببه ظاهر وهو الدم الخارج من الأنثى بسبب الولادة وهو بقية الدم المحتبس وقت الحمل في الرحم فإذا ولدت خرج هذا الدم شيئاً فشيئاً وما تولد بعد الولادة وتطول مدته وقد تقصر أما أقله فلا حد له قولاً واحداً وأما أكثره فعلى المذهب ما جاوز الأربعين ولم يوافق عادة حيض فهو استحاضة وعلى الصحيح لا حد لأكثره كما يأتي التنبيه على دليله في مسألة الحيض . (3)
باب
جواز صلاة المرأة في الثوب الذي حاضت فيه
إذا لم للمرأة إلا ثوب واحد وتحيض به تلبسه بعد أن تطهره ولو بريقها .
عن مجاهد قال : قالت عائشة رضي الله عنها : "ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها" . (4)
باب
المرأة تتخذ ثوباً للحيض
__________
(1) )) أخرجه البخاري برقم (226) ، باب غسل الدم ، ومسلم برقم (333) ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها.
(2) )) المحلى (2/164) .
(3) ) ) الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص( 23: 26) .
(4) )) رواه البخاري برقم (306) ، باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه .(1/87)
عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها رضي الله عنها قالت : بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي ، فقال: "ما لك أنفست" ،قلت: نعم ، فدخلت معه في الخميلة، وكانت هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم . (1)
وقد جمع الحافظ ابن حجر بين حديث أم سلمة وحديث عائشة في الباب السابق ، حيث قال : "وفي الجمع بينه وبين حديث أم سلمة الماضي الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث عائشة محمول على ما كان في أول الأمر وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال ويحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها ثوب واحد مختص بالحيض وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة وليس فيه أيضا أنها صلت فيه فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب رجاء ولم تقصد تطهيره" .اهـ. (2)
باب
الحامل قد تحيض
ربما ترى الحامل الدم فيكون حيضاً أو لا يكون حيضاً ، وهذا يكون بمعرفة المرأة نفسها فدم الحيض مائل للسواد ذو رائحة كريهة ، وربما يكون دماً طبيعياً حكمها حكم المستحاضة .
وهناك خلاف بين العلماء هل تحيض الحامل أم لا .
فعن ابن المسيب وعن عمرو عن الحسن في الحامل ترى الدم قالا هي بمنزلة المستحاضة تغتسل كل يوم مرة ثم صلاة الظهر . (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1828) ، باب القبلة للصائم وقال جابر بن زيد إن نظر فأمنى يتم صومه ، ومسلم برقم (256) ، باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد.
(2) )) فتح الباري (1/412-413) .
(3) )) رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (1210) ، باب الحامل ترى الدم .(1/88)
وعن ابن جريج قال قلت لعطاء امرأة تطلق فترى الدم قبل أن تضع أحيضة ذلك قال لا ولكن بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين ثم تجمعهما قلت يغلبها الوجع قال فلتتوضأ ولتصل حتى تضع . (1)
وعن الثوري عن جامع بن أبي راشد عن عطاء ابن أبي رباح في الحامل ترى الدم قال تتوضأ وتصلي ما لم تضع وإن سال الدم فليس عليها غسل إنما عليها الوضوء . (2)
والصحيح والله أعلم أن الحامل قد تحيض كما أسلفنا ويكون له أحكام الحيض .
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :
إذا تبين حمل المرأة ، ثم رأت الدم على العادة ، فهل يحكم بأنه حيض ؟
فأجاب : المرأة التي تبين لها أنها حامل ، ثم رأت الدم على العادة ، فالخلاف مشهور ، هل تحيض الحامل ، أم لا ؟ فالمذهب أنها لا تحيض ، فيكون ما رأته دم فساد ، لا تترك له العبادة ، والرواية الثانية عن الإمام أحمد : أنها قد تحيض ، وهي الصحيحة ، وقد وجد ذلك كثيراً ، فيكون على هذا دم حيض ، يثبت له جميع أحكام الحيض ، وهو نختاره . والله أعلم . (3)
باب
إذا حاضت قبل أن تعتمر عليها الغسل للإحرام
عن عائشة رضي الله عنها، قالت : "نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل" . (4)
قولها: نفست أي ولدت وهي بكسر الفاء لا غير، وفي النون لغتان المشهورة ضمها، والثانية فتحها، سمي نفاساً لخروج النفس وهو المولود والدم أيضاً . والشجرة : موضع بذي الحليفة . (5)
__________
(1) )) رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (1212) ، باب الحامل ترى الدم .
(2) )) رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (1213) ، باب الحامل ترى الدم .
(3) ) ) الفتاوى السعدية ص ( 134، 135) .
(4) )) رواه مسلم برقم (1209) ، باب إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام وكذا الحائض .
(5) ) ) شرح مسلم .(1/89)
قال النووي : وفيه صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما للإحرام وهو مجمع على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجب، والحائض والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي» وفيه أن ركعتي الإحرام سنة ليستا بشرط لصحة الحج لأن أسماء لم تصلهما . (1)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
عن المرأة المتمتعة إذا أحرمت . ثم قبل وصولها البيت الحرام جاءها الحيض .فماذا تفعل . وهل تحج قبل أن تعتمر ؟
فأجاب : تبقى على إحرامها بالعمرة فإن طهرت قبل اليوم التاسع وأمكنها إتمام عمرتها أتمتها . ثم أحرمت بالحج وذهبت إلى عرفة لإكمال بقية المناسك فإن لم تطهر قبل يوم عرفة فإنها تدخل الحج على العمرة بقولها :" اللهم إني أحرمت بحج مع عمرتي " فتصير قارنة وتقف مع الناس وتكمل الأعمال وتكفيها إحرامها وطوافها يوم العيد أو بعده للزيارة وسعيها عن الحج والعمرة وعليها هدي قران كما على المتمتع . (2)
قال ابن القيم رحمه الله : ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - خيرهم عند الإحرام بين الأنساكِ الثلاثة، ثم ندبهم عند دُنوِّهم من مكة إلى فسخ الحج والقران، وولَدَتْ أسماء بنت عُميس زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بذي الحُليفة محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل، وتستنفر بثوب وتُحرم وتُهِلَّ (3) .
وكان في قِصتها ثلاثُ سُنن:
إحداها: غسلُ المحرم، والثانية: أن الحائضَ تغتسل لإحرامها، والثالثة: أن الإحرام يصحُّ من الحائض.
باب
الرجل يقرأ القرآن في حجر امرأته الحائض
__________
(1) ) ) شرح مسلم .
(2) ) ) اليمامة ( 867) .
(3) وقصتها جاءت في حديث جابر الطويل في صحيح مسلم برقم (1218) وغيره.(1/90)
يجوزللرجل قراءة القرآن في حجر امرأته وهي حائض ، كما كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فعن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكىء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن . (1)
عن عائشة رضي الله عنها ، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن" . (2)
قال النووي: فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب موضع النجاسة والله أعلم . (3)
وكان أبو وائل يرسل خادمته وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته . (4)
باب
هل تقرأ الحائض القرآن وتذكر الله
هنا مسألة وهي هل تقرأ الحائض والنفساء القرآن أم لا ؟ فالذي يظهر والله أعلم بأنه لا يوجد دليل على منعها . بل الأدلة تدل على خلاف ذلك .
وكانت الحائض تخرج لصلاة العيد وتكبر بتكبير الناس وتدعو بدعائهم .
فعن أم عطية رضي الله عنها، قالت :
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (293) ، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته ، ومسلم برقم (301) ، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (293) ، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض ، ورقم (7110) ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة وزينوا القرآن بأصواتكم ، وأخرجه مسلم برقم (293) ، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته .
(3) )) شرح النووي على صحيح مسلم (3/211) .
(4) ) ) التخريج السابق .(1/91)
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع نساء الأنصار في بيت فأرسل إلينا عمر بن الخطاب فقام على فرددنا عليه فقال أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض والعتق لا جمعة علينا ونهانا عن إتباع الجنائز" . (1)
قال الشوكاني : والحديث وما في معناه من الأحاديث قاضية بمشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى، ولا فرق بين البكر والثيب، والشابة والعجوز والحائض وغيرها ما لم تكن معتدة أو كان في خروجها فتنة أو كان لها عذر . (2)
وعن أم عطية أيضاً أنها قالت :
"كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون
بركة ذلك اليوم وطهرته" . (3)
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت : قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، قالت : فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "افعلي كما يفعل غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" . (4)
__________
(1) )) رواه أبو داود برقم (1139) ، باب خروج النساء في العيد ، والنسائي في الكبرى برقم (5427) ، باب من لا تلزمه الجمعة .
(2) )) نيل الأوطار (3/354) .
(3) )) رواه البخاري برقم (928) ، باب التكبير أيام منى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .
(4) )) رواه البخاري برقم (1567) ، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى وضوء بين الصفا والمروة ، ومسلم برقم (1211) ، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه .(1/92)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (26/191) قوله : "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن: حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفه بالحديث رواه إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبه، عن نافع، عن بن عمر، وأحاديثه عن أهل الحجاز يغلط فيها كثيرا وليس لهذا أصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا حدث به عن ابن عمر ولا عن نافع ولا عن موسى بن عقبه أصحابهم المعروفون بنقل السنن عنهم .
وقد كان النساء يحضن على عهد رسول الله فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه إلى الناس فلما لم ينقل أحد عن النبي في ذلك نهيا لم يجز أن تجعل حراما مع العلم انه لم ينه عن ذلك وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم انه ليس بمحرم، وهذا كما استدللنا على أن المني لو كان نجسا لكان يأمر الصحابة بإزالته من أبدانهم وثيابهم لأنه لابد أن يصيب أبدان الناس وثيابهم. اهـ.
مسألة : هل للجنب أن يقرأ القرآن .
قول علي - رضي الله عنه - : " هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية " .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى :
"فائدة : قال الحافظ في "التلخيص" ( ص51) :
قال ابن خزيمة : لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة لأنه ليس فيه نهي وإنما هي حكاية فعل ، ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إنما امتنع من ذلك لأجل الجنابة، وذكر البخاري عن ابن عباس أنه لم ير بالقراءة للجنب بأساً، وذكر في الترجمة، قالت عائشة :" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه " .
قلت : وحديث عائشة وصله مسلم وغيره .
وأثر ابن عباس وصله ابن المنذر بلفظ : " أن ابن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب " كما في" الفتح" وذكر أن البخاري والطبري وابن المنذر ذهبوا إلى جواز قراءة القرآن من الجنب واحتجوا بعموم حديث عائشة المذكور .(1/93)
قال: وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر، أو قال : على طهارة " . صريح في كراهة قراءة الجنب،لأنَّ الحديث ورد في السلام كما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح ، فالقرآن أولى من السلام كما هو ظاهر والكراهة لا تنافي الجواز كما هو معروف، فالقول بها لهذا الحديث الصحيح واجب ، وهو أعدل الأقوال إن شاء الله تعالى" .اهـ. (1)
باب
الحائض تشهد العيدين وتعتزل المصلى
تقدم حديث أم عطية رضي الله عنها، قالت :"كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته" . (2)
وفي رواية عنها أنها قالت: كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس . (3)
__________
(1) )) إرواء الغليل (2/ 244).
(2) )) رواه البخاري برقم (928) ، باب التكبير أيام منى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .
(3) )) رواه البخاري برقم (890) ، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .(1/94)
وعن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ست، قالت: كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال : "لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين"، فلما قدمت أم عطية سألتها أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: بأبي نعم، وكانت لا تذكره إلا قالت: بأبي سمعته يقول يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى، قالت حفصة: فقلت الحيض، فقالت : أليس تشهد عرفة وكذا وكذا. (1)
قولها : العواتق : العاتق هي الشابة أول ما تدرك ، وكل شيء بلغ إناه فقد عتق .
وقيل: هي الَّتي لم تَبِنْ مِنْ والِدَيها ولم تُزَوَّج وقد أدْركَت وشَبَّت، وتُجْمَع على العُتَّق والعواتِق . (2)
وقولها : وذوات الخدور : الخدْرُ ناحية في البيت يُتْرك عليها سِتْرٌ فتكون فيه الجارية البكر، خُدِّرت فهي مُخَدَّرة، وجمع الخدْر الخُدُور . (3)
باب
الحائض تغسل رأس زوجها
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (890) ، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .
(2) )) النهاية في غريب الحديث (3/179) .
(3) )) النهاية في غريب الحديث (2/13) .(1/95)
عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب ، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" . (1)
قال النووي : وفي هذا الحديث فوائد كثيرة تتعلق بالاعتكاف .
فيه: أن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه، وأن من حلف أن لا يدخل دارا أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث والله أعلم، وفيه: جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها برضاها وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة وأما بغير رضاها فلا يجوز لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط والله أعلم . (2)
باب
حرمة إتيان الرجل أهله وهي حائض
قال الله تعالى: { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } (3) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ملعون من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها" (4) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد" (5) .
وعن مسروق بن الأجدع قال: سألت عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: "كل شيء إلا الفرج" (6) .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (295) ، باب من سمى النفاس حيضاً ، ومسلم برقم (321) ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر .78
(2) )) شرح مسلم (3/208) .
(3) البقرة (222) .
(4) رواه أحمد وأبو داود .
(5) رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه .
(6) رواه البخاري في التاريخ(1/96)
قال ابن قدامة : ويستمتع من الحائض بما دون الفرج وجملته أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع ، والوطء في الفرج محرم بهما .اهـ. (1)
وقال النووي رحمه الله تعالى: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافراً مرتداً، وإن فعله عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصية كبيرة يجب عليه التوبة منها.
وقال : واعلم أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل أو تتيمم أن عدمت الماء بشرطه هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف . (2)
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن المرأة تطهر من الحيض ، ولم تجد ماءاً تغتسل به هل لزوجها أن يطأها قبل غسلها من غير شرط؟
فأجاب : أما المرأة الحائض إذا انقطع دمها فلا دمها زوجها حتى تغتسل إذا كانت قادرة على الاغتسال ، وإلا تيممت كما هو مذهب جمهور العلماء كمالك وأحمد والشافعي . (3)
وقال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير : ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض، وهو معلوم من ضرورة الدين . (4)
وعن أيوب عن أبي قلابة أن رجلا قال لأبي بكر الصديق رأيت في المنام أبول دما قال أنت رجل تأتي امرأتك وهي حائض فاستغفر الله ولا تعد . (5)
وعن محمد بن راشد قال سمعت مكحولا يسأل عن الرجل يأتي امرأته حائضا قال يستغفر الله ويتوب إليه . (6)
باب
حرمة إتيان الرجل زوجته إذا طهرت من الحيض حتى تغتسل
هل للزوج أن يأتي زوجته إذا طهرت من الحيض قبل أن تغتسل، الذي يظهر عدم الجواز وهو الصحيح .
__________
(1) )) المغني (1/ 203) .
(2) )) شرح النووي (3/205) .
(3) )) مجموع الفتاوى (21/624) .
(4) )) فتح القدير (1/226) .
(5) )) مصنف عبد الرزاق برقم (1270) ، باب إصابة الحائض .
(6) )) مصنف عبد الرزاق برقم (1271) ، باب إصابة الحائض .(1/97)
قال الله تعالى: { ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } (1) .
وعن مجاهد في قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث قال للنساء طهران طهر قوله حتى يطهرن يقول إذا تطرهن من الدم قبل أن يغتسلن وقوله إذا تطهرن أي إذا اغتسلن ولا تحل لزوجها حتى تغتسل يقول فأتوهن من حيث أمركم الله من حيث يخرج الدم فإن لم يأتها من حيث أمر فليس من التوابين ولا من المتطهرين . (2)
وقال ابن كثير : وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه . (3)
وعن ابن جريج قال سأل إنسان عطاء قال الحائض ترى الطهر ولا تغتسل أتحل لزوجها قال لا حتى تغتسل . (4)
وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن سالم ابن عبد الله وسليمان بن يسار سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل فقالا لا حتى تغتسل . (5)
باب
في أن دم الحيض نجس
من المعلوم أن دم الحيض يكون نجساً ، بخلاف غيره من الدماء وهذا هو الراجح والله أعلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في إرواء الغليل ( 1/197-198 ) : قوله - صلى الله عليه وسلم - لأسماء في الدم : " اغسليه بالماء " (6) متفق عليه .
__________
(1) البقرة (222) .
(2) )) مصنف عبد الرزاق برقم (1272)، باب الرجل يصيب امرأته وقد رأت الطهر ولم تغتسل
(3) )) تفسير ابن كثير (1/261) .
(4) )) مصنف عبد الرزاق برقم (1273) ، باب الرجل يصيب امرأته وقد رأت الطهر ولم تغتسل .
(5) )) مصنف عبد الرزاق برقم (1274) ، باب الرجل يصيب امرأته وقد رأت الطهر ولم تغتسل .
(6) أخرجه البخاري (1/86) ، ومسلم (1/166) .(1/98)
وقد استدل المصنف رحمه الله بهذا الحديث على نجاسة الدماء كلها ولا يخفى بعده فإن الحديث خاص بدم الحيض ولا يصح إلحاق غيره به لظهور الفرق ، إذ كيف يلحق الدم من الفم مثلاً بالدم الخارج من هناك ؟ !.
وقول عائشة:" يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض ثم ترى فيه قطرة من الدم فتقصعه بريقها وفي رواية تبله بريقها ثم تقصعه بظفرها"رواه أبو داود (1) .
وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث على أن اليسير من الدم بعض عنه قال :"لأن الريق لا يطهره ويتنجس به ظفرها وهو أخبار عن دوام الفعل ومثل هذا لا يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - وهذا ظاهر والله أعلم" . اهـ .
ما يستفاد من الحديث :
قال ابن قدامة رحمه الله : فإن اقتصرت على إزالته بالماء جاز، فإن لم يزل لونه وكانت إزالته تشق أو يتلف الثوب ويضره عفي عنه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ولا يضرك رجاء، وإن استعملت في إزالته شيئا يزيله كالملح وغيره فحسن ، لما روى أبو داود بإسناده عن امرأة من غفار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردفها على حقيبته فحاضت، قالت فنزلت فإذا بها دم مني، فقال: ما لك لعلك نفست؟ قالت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، قال الخطابي: فيه من الفقه: جواز استعمال الملح وهو مطعوم في غسل الثوب وتنقيته من الدم ، فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان يفسدها الصابون وبالخل إذا أصابها الحبر والتدلك بالنخالة وغسل الأيدي بها والبطيخ ودقيق الباقلا وغيرها من الأشياء التي لها قوة الجلاء والله أعلم .اهـ . (2)
باب
في أن الحائض إذا جامعها زوجها إكراهاً
ليس عليها شيء
__________
(1) أخرجه في سننه برقم ( 358) .
(2) )) المغني (1/49) .(1/99)
على المرأة أن تمنع زوجها من جماعها أثناء الحيض ولا تستجيب له ، لأن هذا الشيء محرم كما قدمنا وهو من الكبائر ، ولكن إذا أكرهها زوجها على الجماع هل عليها شيء ؟ الصحيح أنه ليس عليها شيء .
فعن بن عباس رضي الله عنهما، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" . (1)
مسألة : ما كفارة من أتى زوجته وهي حائض .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى : فصل وفي قدر الكفارة روايتان : إحداهما : أنها دينار أو نصف دينار على سبيل التخيير أيهما أخرج أجزأه روي ذلك عن ابن عباس .
والثانية: أن الدم إن كان أحمر فهي دينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق، وقال النخعي: إن كان في فور الدم فدينار وإن كان في آخره فنصف دينار، لما روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال إن كان دما أحمر فدينار، وإن كان دما أصفر فنصف دينار رواه الترمذي والأول أصح . (2)
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
ما الواجب بوطء الحائض؟
فأجاب : يجب على من وطئ الحائض دينار أو نصفه كفارة وهو مروي عن ابن عباس ، وهو وجيه ، لأن الكفارات كما تكون في الأيمان ، تكون في فعل المعاصي رجاء تخفيفها ، وهي من تمام التوبة منها . (3)
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن حكم وطء الرجل زوجته وهي حائض ؟
__________
(1) )) صحيح ابن حبان برقم (7219) ، قال ذكر الأخبار عما وضع الله بفضله عن هذه الأمة ، صحيح الجامع برقم (3515) .
(2) )) المغني (1/204) .
(3) ) ) الفتاوى السعدية ص( 135) .(1/100)
فأجاب : الحمد لله . وطء الرجل امرأته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة قال الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ } . (1) والمراد المنع من وطئها في المحيض وهو موضع الحيض وهو الفرج . فإذا تجرأ ووطئها فعليه التوبة وأن لا يعود لمثلها . وعليه الكفارة وهي دينار أو نصف دينار على التخيير لحديث ابن عباس مرفوعاً في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال :"يتصدق بدينار أو نصف دينار". (2)
والمراد بالدينار : مثقال من الذهب .فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة . والله أعلم . (3)
والنفساء حكمها حكم الحائض لا يجوز وطئها كذلك حتى تطهر .
باب
ما يباح للرجل من امرأته وهي حائض
تقدم القول في أن الحائض لا يجوز وطئها ،قال الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } ، ولكن يباح منها كل شيء إلا الجماع .
__________
(1) ) ) سورة البقرة آية ( 222) .
(2) ) ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي
(3) ) ) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 2/98، 99) ، صادرة عن الإفتاء ( 2475ـ 1 في 8ـ 9ـ 1385هـ ) .(1/101)
فعن أنس - رضي الله عنه - ، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما" . (1)
وعن عكرمة، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا" . (2)
وعن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب ، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" . (3)
باب
الحائض ليس عليها طواف وداع
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحائض أن تنفر من مكة بعد انتهاء مناسك الحج، كما ثبت أن صفية رضي الله عنها نفرت بعد أن حاضت قبل طواف الوداع .
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (302) ، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه .
(2) )) رواه أبو داود برقم (272) ، باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع .
(3) )) البخاري برقم (295) ، باب من سمى النفاس حيضاً ، ومسلم برقم (321) ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر .(1/102)
فعن عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتهما أن صفية بنت حيي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضت في حجة الوداع فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أحابستنا هي، فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فلتنفر". (1)
وعن عائشة، أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعلها تحبسنا ألم تكن قد طافت معكن بالبيت قالوا بلى قال فاخرجن" . (2)
قال ابن قدامة : فدل على أن هذا الطواف لا بد منه وأنه حابس لمن لم يأت به ولأن الحج أحد النسكين فكان الطواف ركنا كالعمرة . (3)
باب
الحائض تدع الصلاة والصوم
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار"، فقالت امرأة منهن جزلة: ومالنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال : "تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن"، قالت : يا رسول الله وما نقصان والدين؟ قال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين" . (4)
قوله : جزلة : أي ذات عقل ورأي .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1440) ،باب حجة الوداع، ومسلم برقم (1211)، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .
(2) )) رواه البخاري برقم (322) ، باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ، ومسلم برقم (1211) ، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .
(3) )) المغني (3/226) .
(4) )) رواه البخاري برقم (298) ، باب ترك الحائض الصوم ، مسلم برقم (79) ، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر بالله ككفر النعمة والحقوق .(1/103)
وفي النهاية : جَزْلَة : أي تامَّة الَخلْق، ويجوز أن تكون ذات كلام جَزْل : أي قوِيّ شديد . (1)
وقوله : تكفرن العشير ـ يعني الزوج, سمي عشيرا لأنه يعاشرها وتعاشره. و قال الله تبارك و تعالى لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيْرُ، وكذلك حليلة الرجل هي امرأته, وهو حليلها, سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحالّ صاحبه ـ يعني أنهما يحلان في منزل واحد . (2)
وقوله : لذي لب : أي صاحب عقل .
فوائد الحديث :
قال الإمام النووي رحمه الله : وأما أحكام الحديث ففيه جمل من العلوم : منها الحث على الصدقة وأفعال البر ، والإكثار من الاستغفار وسائر الطاعات .
وفيه : إن الحسنات يذهبن السيئات، كما قال الله عزوجل .
وفيه : إن كفران العشير والإحسان من الكبائر فان التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة . اهـ. (3)
وعن معاذة ، أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها ، فقالت : أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها ، فقالت عائشة أحرورية أنت ، قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لا تؤمر بقضاء" . (4)
قولها : أحرورية ، نسبة إلى حروراء وهي قرية صغيرة في العراق بقرب الكوفة نزل فيها الخوارج فنسبوا إليها ، وكان من رأيهم الخاطئ أن الحائض تقضي الصلاة كالصوم . (5)
فوائد الحديث :
1- حرص السلف على البحث في العلم ومعرفة حكمة التشريع .
2- وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة .
3- الاكتفاء بذكر الدليل الشرعي عن ذكر الحكمة ، لأن المؤمن يقتنع به حيث إن الشرع متضمن للحكمة بكل حال .
__________
(1) )) النهاية في غريب الحديث (1/270) .
(2) )) الغريب لابن سلام (2/247) .
(3) )) شرح النووي (2/66) .
(4) )) أخرجه البخاري برقم (315) ، باب لا تقضي الحائض الصلاة وقال جابر وأبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم تدع الصلاة ، ومسلم برقم (335) ، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة .
(5) )) أنظر تنبيه الأفهام .(1/104)
4- أن ترك الأمر بالشيء مع وجود مقتضيه دليل على عدم وجوبه . (1)
باب
الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة
عن معاذة ، أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها ، فقالت : أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها ، فقالت عائشة أحرورية أنت ، قد كانت إحدانا تحيض
على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لا تؤمر بقضاء" . (2)
قال ابن حجر رحمه الله : من أصولهم – أي الخوارج - المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذه فقلت لا ولكني أسأل أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل . (3)
__________
(1) )) قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تنبيه الأفهام (1/119) طبعة دار البصيرة .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (315) ، باب لا تقضي الحائض الصلاة وقال جابر وأبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم تدع الصلاة ، ومسلم برقم (335) ، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة .
(3) )) فتح الباري (1/422) .(1/105)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله : "فائدة : "حرورية " (1) مؤنث "حروري" نسبة إلى حروراء بلدة على ميلين من الكوفة ويقال بالبلدة لمن يعتقد مذهب الخوارج "حروري" لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي - رضي الله عنه - بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها ، وهم فرق كثيرة ومن أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقاً ، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار . كذا في "فتح الباري" .
وأقول : وإنكار عائشة عليها إما لعلمها أنهم كانوا يوجبون القضاء على الحائض . فقد حكى ابن عبد البر القول بذلك عن طائفة من الخوارج ، وإما لعلمها بأن أصولهم تقتضي ذلك . وقد يقلدهم في هذه الضلالة بعض المعاصرين ممن يدعي الإصلاح ! فقد سمعت أحدهم يقول أنه أمر إحدى المعلمات بأن تصلي وهي حائض ! بحجة أنها داخلة في عموم الأدلة الآمرة بالصلاة في القرآن ، وليس هناك أي دليل ـ بزعمه ـ يستثني الحائض من ذلك فلما عارضته بهذا الحديث أعرض ونأى بجانبه . فإلى الله المشتكى من فساد الزمان وطغيان الجهل باسم العلم ، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة: 11،12)" . اهـ . (2)
باب
صفة غسل المرأة من الحيض
بعد أن علمنا كيفية غسل المرأة من الجنابة علينا أن نعلم كيفية الغسل من الحيض
__________
(1) حديث معاذة : " إنها سألت عائشة رضي الله عنها : مابالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟! قلت : لست بحرورية ، ولكن أسأل ، قالت : كان يصيبنا ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " . أخرجه البخاري (1/89) ، ومسلم (1/182) .
(2) )) إرواء الغليل ( 1/221) .(1/106)
عن عائشة رضي الله عنها، أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسلن قال: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها"، قالت : كيف أتطهر؟ قال : "تطهري بها" ، قالت : كيف؟ قال: "سبحان الله تطهري"، فاجتبذتها إلي، فقلت: تتبعي بها أثر الدم" . (1)
وقد تقدم حديث عائشة السابق: أن أسماء (2) سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض، فقال : "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها4 فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها". (3)
باب
مدة الحيض
قال الربيع، وهو آخر قوليه يعني الشافعي : إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر وأقل الطهر خمسة عشر، فلو أن امرأة أول ما حاضت طبق الدم عليها أمرناها أن تدع الصلاة إلى خمسة عشر فإن انقطع الدم في خمس عشرة كان ذلك كله حيضا وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة وأمرناها أن تدع الصلاة أول يوم وليلة وتعيد أربع عشرة لأنه يحتمل أن يكون حيضها يوم وليلة ويحتمل أكثر . (4)
وقال ابن قدامة: وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشرة يوما هذا الصحيح من مذهب أبي عبد الله .
وقال الخلال: مذهب أبي عبد الله لا اختلاف فيه أن أقل الحيض يوم وأكثره خمسة عشر يوما، وقيل عنه أكثره سبعة عشر يوما وللشافعي قولان كالروايتين في أقله وأكثره .
وقال إسحاق بن راهويه: قال عطاء الحيض يوم واحد، وقال سعيد بن جبير: أكثره ثلاثة عشر يوما .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (308) ، باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع أثر الدم ، ومسلم برقم (332) ، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم .
(2) )) هي أسماء بنت شَكَلْ رضي الله عنها .
(3) )) رواه مسلم برقم (332) ، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم .
(4) )) الأم (1/67) .(1/107)
وقال سعيد بن جبير : أكثره ثلاثة عشر يوما .
وقال الثوري وأبو حنيفة وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة لما روى واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة"، وقال أنس: قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشرة، ولا يقول أنس ذلك إلا توقيفا وقال مالك بن أنس ليس لأقله حد يجوز أن يكون ساعة لأنه لو كان لأقله حد لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد ولنا إنه ورد في الشرع مطلقا تجديد ولا حد له في اللغة ولا في الشريعة، فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة كما في القبض والإحراز والتفرق وأشباهها وقد وجد حيض معتاد يوما، وقال عطاء رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر، وقال أحمد: حدثني يحيى بن آدم قال: سمعت شريكا، يقول: عندنا امرأة تحيض كل خمسة عشر يوما حيضا مستقيماً، وقال ابن المنذر: قال الأوزاعي: عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر أن حيض تدع له الصلاة، وقال الشافعي: رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام، وذكر إسحاق بن راهوية عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: تحيض امرأتي يومين، وقال إسحاق: قالت: امرأة من أهلنا معروفة لم أفطر منذ عشرين سنة في شهر رمضان إلا يومين وقولهن يجب الرجوع إليه، لقوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } . (1) ، فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن الكتمان، وجرى ذلك مجرى قوله ولا تكتموا الشهادة البقرة، ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من الأعصار فلا يكون حيضا بحال .اهـ. (2)
__________
(1) )) سورة البقرة الآية (228) .
(2) )) المغني (1/189) .(1/108)
وقال ابن حزم : مسألة ولا حد لأقل الطهر ولا لأكثره فقد يتصل الطهر باقي عمر فلا تحيض بلا خلاف من أحد مع المشاهدة لذلك وقد ترى الطهر ساعة وأكثر بالمشاهدة وقال أبو حنيفة لا يكون طهر أقل من خمسة عشر يوما، وقال بعض المتأخرين: لا يكون طهر أقل من تسعة عشر يوما، وقال مالك الأيام الثلاثة والأربعة والخمسة بين الحيضتين ليس طهرا وكل ذلك حيض واحد، وقال الشافعي في أحد أقواله كقول أبي حنيفة والثاني أنه لا حد لأقل الطهر، وهو قول أصحابنا وهو قول ابن عباس كما أوردنا قبل ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم . (1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما الذين يقولون أكثر الحيض خمسة عشر كما يقوله الشافعي وأحمد ، ويقولون أقله يوم كما يقوله الشافعي وأحمد ، أو لا حد له كما يقوله مالك فهم يقولون : لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في هذا شيء ، والمرجع في ذلك إلى العادة كما قلنا ، والله أعلم . (2)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله : بل الصواب المقطوع به أنه لا حد لأقل الحيض سناً وزمناً ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين بل الحيض هو وجود الدم والطهر فقده ولو زاد أو نقص أو تأخر أو تقدم لظاهر النصوص الشرعية وظاهر عمل المسلمين ولأنه لا يسع النساء العمل بغير هذا القول . (3)
وقال أيضاً في سؤال له :
إذا بلغت المرأة سبعين سنة ودمها على حالته ، فهل تجلس ؟
فأجاب : المرأة التي قد بلغت السبعين من عمرها ، ودمها على حالته ما تكره ، فإنها تجلس فيه ، لأن الصواب أن الحيض لا حد لأقل سنه ولا لأكثره ، وحكم هذا الدم حكم الحيض من كل وجه . (4)
باب
النفاس وأحكامه
النفاس : هو الدم الذي يخرج من المرأة بعد الولادة .وهو بالكسر فإذا وضعت المرأة فهي نُفساء ونَفساء .
__________
(1) )) المحلى (2/200) .
(2) )) مجموع الفتاوى (21/623) .
(3) )) الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص( 23: 26) .
(4) ) ) الفتاوى السعدية ص( 134) .(1/109)
قال النووي في قصة نفاس أسماء بنت عميس الذي تقدم: "قولها: نفست أي ولدت وهي بكسر الفاء لا غير، وفي النون لغتان المشهورة ضمها، والثانية فتحها، سمي نفاساً لخروج النفس وهو المولود والدم أيضاً". اهـ . (1)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : وأما الدم الذي يخرج بغير سبب الولادة فقد أجرى الله سنته وعادته أن الأنثى إذا صلت للحمل والولادة يأتيها الحيض غالباً في أوقات معلومة بحسب حالها وطبيعتها ولذلك من حكمة وجود منها أنه أحد أركان مادة حياة الإنسان ففي بطن الأم يتغذى بالدم ولهذا ينجس غالباً في الحمل وإذا كان هذا أصله وهو الواقع الموجود عرف أن أصل الدم الخارج من الأنثى حيض لأن وجوده في وقته يدل على الصحة والاعتدال وعدمه يدل على ضد ذلك وهذا المعنى متفق عليه بين أهل العلم بالشرع والعلم بالطب بل معارف الناس وعوائدهم وتجاربهم دلتهم على ذلك ، ولذلك قال العلماء في حده هو دم طبيعة وجبلة يأتي الأنثى في أوقات معروفة والتسمية تابعة لذلك والشارع أقر النساء على هذه التسمية لهذا الدم الخارج منهن وعلق عليه من الأحكام الشرعية ما علق ، ففهم الناس عنه هذه الأحكام وعلقوها على وجود هذا الدم ومتى زال زالت لأن الحكم يدور مع علته وجوداً فلهذا كان الصحيح بل الصواب المقطوع به أنه لا حد لأقل الحيض سناً وزمناً ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين بل الحيض هو وجود الدم والطهر فقده ولو زاد أو نقص أو تأخر أو تقدم لظاهر النصوص الشرعية وظاهر عمل المسلمين ولأنه لا يسع النساء العمل بغير هذا القول ، وأما المشهور من المذهب فإن أقل من تحيض فيه المرأة تسع سنين وأكثره سنة وأقل مدة الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً وما خرج عن هذا فهو دم فساد لا تترك له العبادة وإن زاد عن العادة أو تقدم أو تأخر لم تصر إليه حتى يتكرر ثلاثاً فيصير عادة تنتقل إليه ثم تقضي ما صامته أو اعتكفته ونحوه وحجتهم على هذا
__________
(1) ) ) شرح مسلم للنووي .(1/110)
القول بعضه لا كله أن هذا الموجود الغالب وما خرج عنه نادر والأصل أن النادر لا يثبت له الحكم وهذه حجة ضعيفة جداً فإن الوجود يتفاوت تفاوتاً كثيراً وبالإجماع أن النساء يتفاوتن في هذه الأمور تفاوتاً ظاهراً ، والأسماء ثلاثة أقسام شرعية ولغوية وعرفية وكلها تتطابق على أن هذا الدم حيض وأن عدمه طهر فلا أبلغ من حكم اتفقت عليه الحقائق الثلاث فعلى المذهب الاستحاضة من تجاوز دمها خمسة عشر يوماً أو كان دماً غير صالح للحيض بأن نقص عن يوم وليلة أو كان قبل تسع سنين أو بعد خمسين سنة وأما على القول الصحيح فالحيض هو الأصل والاستحاضة عارض لمرض أو نحوه مثل أن يطبق عليها الدم أو تكون شبيهة بالمطبق عليها الدم بأن لا تطهر إلا أوقاتاً لا تذكر وعلى كل فإنه إذا ثبتت استحاضتها فإن كان لها عادة قبل ذلك رجعت إلى عادتها فصارت العادة هي حيضها وما زاد فهي استحاضة تغتسل وتتعبد فيه وإن لم يكن لها عادة وصار دمها متميزاً بعضه غليظ وبعضه رقيق أو بعضه أسود وبعضه أحمر أو بعضه منتن وبعضه غير منتن فالغليظ والأسود والمنتن حيض والآخر استحاضة ولكن على المذهب يشترطون في المتميز أن يكون صالحاً للحيض لا ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوماً ونحو ذلك مما هو على أصل المذهب والصواب عدم اعتبار ذلك كما تقدم فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز جلست من كل شهر غالب الحيض ستة أيام أو سبعة للأحاديث الثابتة في ذلك ثم تغتسل إذا مضى المحكوم بأنه حيض وتسد الخارج حسب الإمكان وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي بلا إعادة فظهر مما تقدم أن دم النفاس سببه الولادة وأن دم الاستحاضة دم عارض لمرض ونحوه وأن دم الحيض هو الدم الأصلي، والله أعلم . (1)
باب
هل يوجد حد لمدة النفاس؟
__________
(1) ) ) الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص( 23: 26) .(1/111)
النفاس لا حد له كما نعلم ويكون في الغالب أربعين يوماً ، فمتى طهرت المرأة وجب عليها أن تصلي وتؤدي بقية العبادات التي عليها، ولزوجها أن يجامعها .
وأخبرت أم سلمة رضي الله عنها بأن النفساء تجلس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين يوماً فقط وبعده لا يعد نفاس بل تغتسل وتطهر .
عن أبي سهل عن مسة الأزدية، عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : كانت النفساء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجوهنا الورس يعني من الكلف .
وفي رواية عنها : "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين يوماً" . (1)
ومتى رأت الطهر قبل الأربعين اغتسلت وطهرن وصلت .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
كم مدة التي تبقى فيها النفساء ما تصلي؟ وما الذي يجوز للرجل منها وقت النفاس ؟
فأجاب : النفساء لها أحوال :
1ـ أن ينقطع عنها الدم قبل تمام الأربعين ولا يعود بعد ذلك فمتى انقطع الدم عنها فإنها تغتسل وتصوم وتصلي .
2ـ أن ينقطع عنها قبل تمام الأربعين ثم يعود قبل بلوغ الأربعين . ففي هذه الحال إذا انقطع عنها فتغتسل وتصوم وتصلي . وإذا عاودها فهو نفاس تجلسه فلا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة .
3ـ أن يستمر معها إلى تمام الأربعين فتجلس جميع هذه المدة ما تصوم ولا تصلي ، وإذا انقطع تطهرت وصامت وصلت .
4ـ أن يجوز الأربعين . وهذا يأتي على صورتين :
الأولى : أن يصادف عادة حيضها .
__________
(1) )) أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (622) ، والبيهقي برقم (1502) ، باب النفاس ، وأبو داود برقم (311) ، باب ما جاء في وقت النفساء ، صحيح ابن ماجة برقم (530) .(1/112)
الثانية أن لا يصادف عادة حيضها . فإن صادف العادة جلست عادة حيضها . وإذا لم يصادف عادة حيضها فإنها تغتسل بعد تمام الأربعين وتصوم وتصلي ، فإن تكرر ثلاث مرات صار عادة لها وانتقلت إليه . وتقضي الصوم الذي صامتة فيه ولا تقضي الصلاة . وإن لم يتكرر فلا حكم له أي يكون دم استحاضة . (1)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله:
إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين فهل يجامعها زوجها ؟ وإذا عاودها الدم بعد الأربعين . فما الحكم ؟
فأجاب : النفساء لا يجوز أن يجامعها ، فإذا طهرت أثناء الأربعين ، فإنه يجب عليها أن تصلي ، وصلاتها صحيحة ، ويجوز لزوجها أن يجامعها في هذه الحال ،لأن الله تعالى يقول في المحيض : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } . (2)
فما دام الأذى موجوداً وهو الدم ، فأنه لا يجوز الجماع ، فإذا طهرت منه جاز الجماع . وكما أنه يجب عليها أن تصلي ، ولها أن تفعل كل ما يمتنع عليها في النفاس إذا طهرت في أثناء الأربعين ، فكذلك الجماع يجوز لزوجها ، إلا أنه ينبغي أن يصبر لئلا يعود عليها بسبب الجماع ، حتى تتم الأربعين ، ولكن لو جامعها قبل ذلك ، فلا حرج عليه .
وإذا رأت الدم بعد الأربعين وبعد أن طهرت ، فإنه يعتبر دم حيض ، وليس دم معلوم للنساء فمتى أحست به فهو دم خيض ، فإن استمر معها وصار لا ينقطع عنها إلا يسيراً من الدهر ، فإنها تكون مستحاضة ، وحينئذٍ ترجع إلى عادتها في الحيض ، فتجلس وما زاد عن العادة فإنها تغتسل وتصلي . والله أعلم . (3)
باب
المستحاضة حكمها حكم الطاهرة يأتيها زوجها
__________
(1) ) ) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (2/102) .
(2) ) ) سورة البقرة آية (222) .
(3) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/290) .(1/113)
والاستحاضة: جريان الدم دون أوانه قالوا ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ودم الاستحاضة يسيل من العاذل بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة وهو عرق فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره . (1)
تقدم حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، "أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فأمرها أن تغتسل ، فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة" . (2)
قال البخاري (3) : باب إذا رأت المستحاضة قال ابن عباس المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم، ولأن المستحاضة كالطاهرة في الصلاة والصوم وغيرهما فكذا في الجماع ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بتحريمه والله أعلم .
قال النووي : ولان المستحاضة كالطاهرة في الصلاة والصوم وغيرهما فكذا في الجماع ولأن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بتحريمه والله أعلم. وأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله وسجود والتلاوة وسجود الشكر ووجوب العبادات عليها فهي في كل ذلك كالطاهرة وهذا مجمع عليه . (4)
__________
(1) )) شرح النووي على صحيح مسلم (3/204) .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (321) ، باب عرق الاستحاضة ، ومسلم برقم (334) ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها .
(3) )) رواه البخاري برقم (324) ، باب المرأة تحيض بعد الإفاضة .
(4) )) شرح النووي (4/17) .(1/114)
وقال ابن قتيبة : وحَدَّثني أبي قال : حَدَّثني أحمد بن سعيد عن أبي عُبيدة , انّه قال: هذه امرأة اسُتحِيضت ولم تكن تعرف عَدَد أيام حيضها لاختلافها عليها , فأمرها أنْ تتعرَّف ذلك من الدم , فتقعد عن الصلاة ما كان الدم دم الحيض الطبيعي , الذي تراه الحُيّضُ من النساء ويَعرفْنه , فإذا تغَّير ذلك ورقَّ فهو حينئذ عارِض , فتسْتثفِر وتتوضّأ لكلّ صلاة وتُصلّي , فاِنْ رأت الطهر ساعةً من النهار اغتسلت , فاِنء عاودهَا دم الاستحاضة توضَّأت وصلَّت , كذلك أبداً حتى ترى الدم البحراني ثانية , فتكون حائضاً , فتقعد عن الصلاة , ولو كانت هذه المرأة تعرف أيام حيضها لأمرها أن تقعُد تلك الأيام عن الصلاة , ثم تسْتثفِر وتُصَلي , ولم يأمرها بالنظر إلى الدّم . كمثل حديث ابن عباس رضي اللّه عنه.اهـ. (1)
أسئلة تطبيقية في الطهارة .
باب
جواز صلاة أكثر من فريضة بوضوء واحد
وإذا توضأ العبد يجوز له أن يصلي أكثر من صلاة إذا لم ينتقض وضوئه .
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين :
هل يجوز للإنسان أن يصلي فريضتين بوضوء واحد ؟
فأجاب : نعم يجوز ذلك فإذا توضأ لصلاة الظهر مثلاً ثم حضرت صلاة العصر وهو على طهارة فله أن يصلي صلاة العصر بطهارة الظهر ، وإن لم يكن قد نوى حين تطهره أن يصلي بها الفريضتين ، لأن طهارته التي تطهرها لصلاة الظهر رفعت الحدث عنه ، وإذا ارتفع حدثه فإنه لا يعود إلا بوجود سببه ، وهو أحد نواقض الوضوء المعروفة . (2)
حكم وضوء من كان على أظافرها مناكير .
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم وضوء من كان على أظافرها ما يسمى بـ "المناكير" .
__________
(1) )) غريب الحديث (2/367) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/150) .(1/115)
فأجاب : ما يسمى " المناكير " وهو شيء يوضع على الأظفار تستعمله المرأة وله قشرة ، لا يجوز استعماله للمرأة إذا كانت تصلي لأنه يمنع وصول الماء في الطهارة ، وكل شيء يمنع وصول الماء فإنه لا يجوز استعماله للمتوضئ ، أو المغتسل ، لأن الله يقول { فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } . (1) وهذه المرأة إذا كان على أظافرها مناكير فإنها تمنع وصول الماء فلا يصدق عليها أنها غسلت يدها فتكون قد تركت فريضة من فرائض الوضوء أو الغسل .
وأما من كانت لا تصلي كالحائض فلا حرج عليها إذا استعمله إلا أن يكون هذا الفعل من خصائص نساء الكفار فإنه لا يجوز لما فيه من التشبه بهم .
ولقد سمعت أن بعض الناس أفتى بأن هذا من جنس الخفين وأنه يجوز أن تستعمله المرأة لمدة يوم وليلة إن كانت مقيمة ومدة ثلاثة أيام إن كانت مسافرة ، ولكن هذه فتوى غلط ، وليس كل ما ستر الناس به أبدانهم يلحق بالخفين ، فإن الخفين جاءت الشريعة بالمسح عليهما للحاجة إلى ذلك غالباً ، فإن القدم محتاجة إلى التدفئة ومحتاجة إلى الستر ، لأنها تباشر الأرض ، والحصى ، والبرودة ، وغير ذلك ، فخصص الشارع المسح بهما ، وقد يقيسون أيضاً على العمامة ، وليس بصحيح لأن العمامة محلها الرأس والرأس فرضه مخفف من أصله ، فإن فريضة الرأس هي المسح بخلاف اليد ، فإن فريضتها الغسل ، ولهذا لم يبح النبي - صلى الله عليه وسلم - للمرأة أن تمسح القفازين مع أنهما يستران اليد ، فبدل هذا على أنه لا يجوز للإنسان أن يقيس أي حائل يمنع وصول الماء على العمامة وعلى الخفين ، والواجب على المسلم أن يبذل غاية جهده في معرفة الحق ، وأن لا يقدم على فتوى إلا وهو يشعر أن الله تعالى سائله عنها ، لأنه يعبر عن شريعة الله عز وجل . والله الموفق الهادي إلى الصراط المستقيم . (2)
__________
(1) ) ) سورة المائدة آية (6) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/148) .(1/116)
حكم تطويل الأظافر ووضع المناكير عليها؟
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
ما حكم تطويل الأظافر ووضع " المناكير" عليها ، مع العلم أنني أتوضأ قبل وضعه ويجلس 24 ساعة ثم أزيله ؟
فأجاب : تطويل الأظافر خلاف السنة ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :"الفطرة خمس : الختان والاستحداد وقص الشارب ونتف الإبط وقلم الأظافر" .
ولا يجوز أن تترك أكثر من أربعين ليلة لما ثبت أن أنس - رضي الله عنه - قال :" وقت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قص الشارب وقلم الظفر ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك شيئاً من ذلك أكثر من أربعين ليلة " ولأن تطويلها فيه تشبه بالبهائم وبعض الكفرة . (1)
إذا وضأت طفلها وهي طاهرة
هل يجب عليها أن تتوضأ ؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن المرأة إذا وضأت طفلها وهي طاهرة هل يجب عليها أن تتوضأ ؟
فأجاب : إذا وضأت المرأة طفلتها ومست الفرج فإنه لا يجب عليها الوضوء وإنما تغسل يديها فقط ، لأن مس الفرج لغير شهوة لا يوجب الوضوء ، ومعلوم أن المرأة التي تغسل أولادها لا يخطر ببالها الشهوة فهي إذا وضأت الطفل أو الطفلة فإنما تغسل يديها فقط من النجاسة التي أصابتها ولا يجب عليها أن تتوضأ . (2)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
إذا كنت طاهرة ، ثم نظفت طفلي " وضيته" هل ينقطع وضوئي أم لا ؟!
فأجاب : من مس عورة غيره بشهوة انتقض وضوءه واختلف في المس بلا شهوة والأرجح أن مس عورة الطفل لتطهيره لا ينقض الوضوء لكونه ليس محلاً للشهوة وهو مما تعم به البلوى ففي نقض الوضوء به حرج ومشقة ولو كان ناقضاً لاشتهر عن الصحابة فمن بعدهم . (3)
باب
هل يجب نزع الأسنان الصناعية عند الوضوء
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين :
__________
(1) ) ) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/79، 80) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/203) .
(3) ) ) فتاوى المرأة ص (18) .(1/117)
إذا كان للإنسان أسنان صناعية فهل يجب عليه نزعها عند المضمضة ؟
فأجاب : إذا كان على الإنسان أسنان مركبة ، فالظاهر أنه لا يجب عليه أن يزيلها ، ويشبه هذا الخاتم ، والخاتم لا يجب نزعه عند الوضوء ، بل الأفضل أن يحركه ، لكن ليس على سبيل الوجوب ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسه ولم ينقل أنه كان ينزعه عند الوضوء ، وهو أظهر من كونه مانعاً من وصول الماء من هذه الأسنان، لا سيما أن بعض الناس تكون هذه التركيبة شاقاً عليه نزعها ثم ردها (1)
باب
استعمال كريم الشعر وأحمر الشفاه هل ينقض الوضوء ؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل استعمال المرأة كريم الشعر وأحمر الشفاه ينقض الوضوء ؟
فأجاب : تدهن المرأة بالكريم أو بغيره من الدهون لا يبطل الوضوء بل ولا يبطل الصيام أيضاً ، وكذلك دهنه بالشفة لا يبطل الوضوء ولا يبطل الصيام ، ولكن الصيام إذا كان لهذه التحميرات طعم فإنها لا تستعمل على وجه ينزل طعمها إلى جوفها . (2)
باب
حكم الإفرازات المهبلية التي
تخرج من المرأة
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة ، هل تعتبر نجسة تفسد الوضوء ؟ وهل ينجس ما تلوثه من ملابس ؟ وما حكم من لا تنقطع عنها هذه الإفرازات في حالة العبادات التي تستغرق بعض من الزمن ؛ كالعمرة ، والطواف ، والبقاء في المسجد ؟ وما حكم الإفرازات المهبلية التي تفرز من المرأة عند الإثارة الجنسية " القبلة " دون أن يكون هناك جماع ؟ وهل تستوجب الغسل كغسل الجنابة ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/140) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 200، 201) .(1/118)
فأجاب : حكم الإفرازات التي تخرج من قبل المرأة أنها نجسة ، وتنقض الوضوء ، وتنجس ما أصابته من البدن أو الثياب ، فيجب على المرأة أن تستنجي منها وتتوضأ إذا أرادت الصلاة ، وتغسل المكان الذي أصابته من ثوبها أو بدنها ، وكذلك يجب الوضوء من كل خارج من السبيلين عندما يريد المسلم الصلاة .
والمرأة التي يستمر معها خروج الإفرازات تستنجي وتنظف فرجها وتضع عليه حفاظاً يمنع أن يخرج منه شيئاً ، وتتوضأ لكل صلاة وعندما تريد الطواف ، ولا بأس بلبثها في المسجد ؛ لأن هذا ليس حيضاً ، والذي يمنع اللبث في المسجد هو الحيض والنفاس والجنابة .
وخروج الإفرازات نتيجة القبلة أو الملاعبة من الزوج لا توجب الغسل ، إلا إن كانت منياً خرج بدفق ولذة . (1)
حكم السائل الذي ينزل من المرأة
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل السائل الذي ينزل من المرأة طاهر أو نجس ؟ وهل ينقض ؟
فأجاب قائلاً : الظاهر لي بعد البحث أن السائل الخارج من المرأة إذا كان لا يخرج من المثانة وإنما يخرج من الرحم فهو طاهر ، ولكنه ينقض الوضوء وإن كان طاهراً ، لأنه لا يشترط للناقض للوضوء أن يكون نجساً ، فها هي الريح تخرج من الدبر وليس لها جرم ، ومع ذلك تنقض الوضوء . وعلى هذا إذا خرج من المرأة وهي على وضوء ، فإنه ينقض الوضوء وعليها تجديده ، فإن كان مستمراً ، فإنه لا ينقض الوضوء ، ولكن لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها وتصلي في هذا الوقت الذي تتوضأ فيه فروضاً ونوافل وتقرأ القرآن وتفعل ما شاءت مما يباح لها ، كما قال أهل العلم نحو هذا فيمن به سلس البول .
هذا هو حكم السائل من جهة الطهارة فهو طاهر ، لا ينجس الثياب ولا البدن .
وأما حكمه من جهة الوضوء ، فهو ناقض للوضوء ، إلا أن يكون مستمراً عليها ، فإن كان مستمراً فإنه لا ينقض ، لكن على المرأة أن لا تتوضأ للصلاة إلا بعد دخول الوقت وأن تتحفظ .
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان ( 3/203، 204) .(1/119)
أما إن كان متقطعاً وكان من عادته أن ينقطع في أوقات الصلاة ، فإنها تؤخر الصلاة إلى الوقت الذي ينقطع فيه ما لم تخش خروج الوقت ، فإن خشيت خروج الوقت ، فإنها تتوضأ وتتلجم " تتحفظ" وتصلي . ولا فرق بين القليل والكثير ، لأنه كله خارج من السبيل فيكون ناقضاً قليله وكثيره.
وأما اعتقاد بعض النساء أنه لا ينقض الوضوء ، فهذه لا أعلم له أصلاً إلا قولاً لابن حزم رحمه الله فإنه يقول : إن هذا لا ينقض الوضوء ، ولكنه لم يذكر لهذا دليلاً ، ولو كان له دليل من الكتاب والسنة أو أقوال الصحابة لكان حُجة . وعلى المرأة أن تتقي الله وتحرص على طهارتها ، فإن الصلاة لا تقبل بغير طهارة ولو صلت مئة مرة ، بل إن بعض العلماء يقول : إن الذي يصلي بلا طهارة يكفر لأن هذا من باب الاستهزاء بآيات الله سبحانه وتعالى . (1)
خروج الهواء من فرج المرأة
هل ينقض الوضوء
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل خروج الهواء من فرج المرأة ينقض الوضوء ؟
فأجاب : هذا لا ينقض الوضوء ؛ لأنه لا يخرج من محل نجس كالريح التي تخرج من الدبر . (2)
باب
إذا حاضت بعد دخول وقت
الصلاة فما الحكم ؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة فما الحكم ؟ وهل تقضي الصلاة عن وقت الحيض ؟
فأجاب : إذا حدث الحيض بعد دخول وقت الصلاة كأن حاضت بعد الزوال بنصف ساعة مثلاً فإنها بعد أن تتطهر من الحيض تقضي هذه الصلاة التي دخل وقتها وهي طاهرة لقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } . (3)
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 284، 285) ..
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة ابن عثيمين (4/147)
(3) ) ) النساء آية ( 103) .(1/120)
ولا تقضي الصلاة عن وقت الحيض لقوله - صلى الله عليه وسلم - ، في الحديث الطويل :" أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟" . وأجمع أهل العلم على أنها لا تقضي الصلاة التي فاتتها أثناء مدة الحيض .
أما إذا طهرت وكان باقياً من الوقت مقدار ركعة فأكثر فإنها تصلي ذلك الوقت الذي طهرت فيه لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " . فإذا طهرت وقت العصر أو قبل طلوع الشمس وكان باقياً على غروب الشمس أو طلوعها مقدار ركعة فإنها تصلي العصر في المسألة الأولى والفجر في المسألة الثانية . (1)
لا تعجلي حتى تري علامة الطهر
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
عادتي الشهرية تتراوح ما بين سبعة إلى ثمانية أيام . وفي بعض الأحيان في اليوم السابع لا أرى دماً ولا أرى الطهر ، فما الحكم من حيث الصلاة والصيام والجماع ؟
فأجاب : لا تعجلي حتى تري القصة البيضاء التي يعرفها النساء وهي علامة الطهر فتوقف الدم ليس هو الطهر وإنما ذلك برؤية علامة الطهر وانقضاء المدة المعتادة. (2)
باب
ما الذي يجوز للرجل من
النفساء وقت النفاس ؟
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
ما الذي يجوز للرجل من النفساء وقت النفاس ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين ( 4/276) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 27) .(1/121)
فأجاب : الذي يجوز له منها الاستمتاع بما دون الفرج لحديث عائشة رضي الله عنها قال :" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض " والمقصود بالمباشرة هنا دون الفرج . ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد انقطاع الدم والتطهير . قال أحمد : ما يعجبني أن يأتيها زوجها . أحاديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال لا تقربيني . ولأنه لا يؤمن عود الدم في زمن الوطئ . (1)
باب
لمس الجنب والحائض للكتب والمجلات
التي بها آيات قرآنية
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يحرم على الحنب والحائض لمس الكتب والمجلات التي تشتمل على آيات قرآنية ؟
فأجاب : لا يحرم على الجنب ولا الحائض ولا على غير المتوضئ لمس شيء من الكتب أو المجلات التي فيها شيء من الآيات ؛ لأن ذلك ليس بمصحف . (2)
باب
هل تجبر الزوجة الذمية على غسل الجنابة
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
هل تجبر الزوجة الذمية على غسل الجنابة ؟
فأجاب : الصحيح فيه أنه يجبرها عليها ، كما يجبرها على كل ما يعود بنظافتها ، ويمنعها من كل ما يكره منها ، لأن طاعته واجبة ، وحقه واجب ، وهذا من حقه . (3)
باب
ماذا تفعل إذا اضطربت عادة الحيض ؟
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن السعدي :
إذا اضطربت عادة المرأة في الحيض بتقدم أو تأخر ، أو زيادة أو نقص ، فماذا تفعل ؟
__________
(1) ) ) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 4/103) ، ( صادرة عن الإفتاء 1146ـ في 20ـ 5ـ 88هـ ) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/225) .
(3) ) ) الفتاوى السعدية ص(505) .(1/122)
فأجاب : أما ما ذكره الحنابلة أنها لا تنتقل إليه حتى يتكرر ذلك ، فهو قول ليس العمل عليه ، ولم يزل عمل الناس جارياً على القول الصحيح الذي قاله في " الإنصاف" ولا يسع النساء إلا العمل به ، وهو أن المرأة إذا رأت الدم جلست فلم تصل ولم تصم ، وإذا رأت الطهر البين ، تطهرت واغتسلت وصلت ، سواء تقدمت عادتها أو تأخرت ، وسواء زادت ، مثل أن تكون عادتها خمسة أيام وترى الدم سبعة ، فإنها تنتقل إليها من غير تكرار ، وهذا هو الذي عليه عمل نساء الصحابة رضي الله عنهن والتابعين من بعدهم ، حتى الذين أدركنا من مشايخنا لا يفتون إلا به ، لأن القول الذي ذكروا أنها لا تنتقل إلى ذلك إلا بتكراره ثلاثاً ، قول لا دليل عليه ، وهو مخالف للدليل ، وكذلك على الصحيح أنه لا حد للسن الذي تحيض فيه المرأة ولو دون التسع ، ولو جاوزت الخمسين سنة ، ما دام الدم يأتيها فإنها تجلسه ، لأنه الأصل ، والاستحاضة عارضة . (1)
باب
ما هو اليأس وهل هو مرتبط بسن
معينة أم بانقطاع الحيض ؟
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين :
ما هو اليأس ، وهل هو مرتبط بسن معينة أم بانقطاع الحيض ؟
فأجاب : اليأس ليس مقيداً بسن معينة ، لأن اليأس ضد الرجاء ، فمتى انقطع الحيض عن المرأة على وجه لا ترجو رجوعه فهذا هو اليأس ، ولهذا ربما تحيض المرأة ولها أكثر من خمسين سنة . (2)
تجاوزت الخمسين ويأتيها الدم
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة تجاوزت الخمسين يأتيها الدم على الصفة المعروفة ، وأخرى تجاوزت الخمسين يأتيها الدم على غير الصفة المعروفة ، وإنما صفة أو كدرة ؟
فأجاب : التي يأتيها دم على صفته المعروفة يكون دمها دم حيض صحيح على القول الراجح : إذ لا حد لأكثر سن الحيض وعلى هذا فيثبت لدمها أحكام دم الحيض المعروفة من اجتناب الصلاة والصيام والجماع ولزوم الغسل وقضاء الصوم ونحو ذلك .
__________
(1) ) ) الفتاوى السعدية ص(135، 136) .
(2) ) ) فتاوى الحرم 1408 هـ ص(286) .(1/123)
وأما التي يأتيها صفرة وكدرة فالصفرة والكدرة إن كانت في زمن العادة فحيض ، وإن كانت في غير زمن العادة فليست بحيض ، وأما إن كان دمها دم الحيض المعروف لكن تقدم أو تأخر فهذا لا تأثير له ، بل تجلس إذا أتاها الحيض وتغتسل إذا انقطع عنها . وهذا كله على القول الصحيح من أن سن الحيض لا حد له ، أما على المذهب فلا حيض بعد خمسين سنة وإن كان دماً أسود عادياً ، وعليه فتصوم وتصلي ولا تغتسل عند انقطاعه لكن القول غير صحيح . (1)
باب
حكم استعمال حبوب منع الحمل
يجوز للمرأة أن تستعمل الحبوب التي تمنع الحمل بشرط أن لا يترتب عليه ضرر من ذلك وبإذن زوجها ، وأن لا يكون بشكل دائم بل يكون للحاجة وإذا كانت تضرر من الحمل لأسباب صحية .
سئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم استعمال حبوب منع الحيض ؟
فأجاب : استعمال المرأة حبوب منع الحيض إذا لم يكن عليها ضرر من الناحية الصحية ، فإنه لا بأس به ، بشرط أن يأذن الزوج بذلك .
ولكن حسب ما علمته أن هذه الحبوب تضر المرأة ، ومن المعلوم أن خروج دم الحيض خروج طبيعي ، والشيء الطبيعي إذا منع في وقته ، فإنه لا بد أن يحصل من منعه ضرر على الجسم ، وكذلك أيضاً من المحذور في هذه الحبوب أنها تخلط على عادتها ، فتختلف عليها ، وحينئذٍ تبقى في قلق وشك من صلاتها ومن مباشرة زوجها وغير ذلك ، ولهذا أنا لا أقول إنها حرام ولكني لا أحب للمرأة أن تستعملها خوفاً من الضرر عليها .
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/269، 270) .(1/124)
وأقول : ينبغي للمرأة أن ترضى بما قدر الله لها ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عام حجة الوداع على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تبكي وكانت قد أحرمت بالعمرة فقال :" مالك لعلك نفست ؟" قال : نعم قال :" هذا شيء كتبه الله على بنات آدم " فالذي ينبغي للمرأة أن تصبر وتحتسب ، وإذا تعذر عليها الصوم والصلاة من أجل الحيض ، فإن باب الذكر مفتوح ولله الحمد ، تذكر الله وتسبح الله سبحانه وتعالى ، وتتصدق وتحسن إلى الناس بالقول والفعل ، وهذا من أفضل الأعمال . (1)
مسألة :
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن امرأة تضع معها دواء وقت المجامعة تمنع بذلك نفوذ المني في مجاري الحبل فهل ذلك جائز حلال أم لا؟ وهل إذا بقي الدواء معها بعد الجماع ، ولم يخرج يجوز لها الصلاة والصوم بعد الغسل أم لا ؟
فأجاب : أما صومها وصلاتها فصحيحة ، وإن كان ذلك الدواء في جوفها ، وأما جواز ذلك ففيه نزاع بين العلماء ، والأحوط أنه لا يفعل والله أعلم . (2)
الكدرة التي سبقت الحيض ليست بحيض
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة رأت الكدرة فبل حيضها المعتاد ، فتركت الصلاة ، ثم نزل الدم على عادته ، فما الحكم ؟
فأجاب : تقول أم عطية رضي الله عنها :" كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً " وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض ، لا سيما إذا كانت أتت قبل العادة ، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك ، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة . (3)
باب
حكم السائل الأصفر الذي ينزل من
المرأة قبل الحيض بيومين
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم السائل الأصفر الذي ينزل من المرأة قبل الحيض بيومين ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/283) .
(2) )) مجموع الفتاوى (21/297) .
(3) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/280) .(1/125)
فأجاب : إذا كان هذا السائل أصفر قبل أن يأتي الحيض فإنه ليس بشيء لقول أم عطية :" كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً " أخرجه البخاري ، وفي رواية لأبي داود :" كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً " فإذا كانت هذه الصفرة قبل الحيض ثم تنتقل بالحيض فإنها ليست بشيء ، أما إذا علمت المرأة أن هذه الصفرة هي مقدمة الحيض فإنها تجلس حتى تطهر . (1)
باب
إذا تسببت في نزول الحيض
فهل لها أحكامه ؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة تسببت في نزول دم الحيض منها بالعلاج ، وتركت الصلاة فهل تقضيها أم لا ؟
فأجاب : لا تقضي المرأة الصلاة إذا تسببت لنزول الحيض فنزل ، لأن الحيض دم متى وجد وجد حكمه ، كما أنها لو تناولت ما يمنع الحيض ، فإنها تصلي وتصوم ولا تقضي الصوم ، لأنها ليست بحائض ، فالحكم يدور مع علته ، قال الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } . (2) فمتى وجد هذا الأذى ثبت حكمه ، ومتى لم يوجد لم يثبت حكمه . (3)
باب
حكم غسل الحائض رأسها أثناء الحيض
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حكم غسل الحائض رأسها أثناء الحيض ؟ فبعض الناس يقولون إنه لا يجوز ؟
فأجاب : غسل الحائض رأسها أثناء الحيض لا بأس به . وأما قولهم لا يجوز فلا صحة له ، بل لها أن تغسل رأسها وجسده . (4)
باب
إذا زادت أيام عادتها
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة كانت عادة حيضها ستة أيام ، ثم زادت أيام عادتها ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/280) .
(2) ) ) البقرة : آية (222)
(3) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 272) .
(4) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/288) .(1/126)
فأجاب: إذا كانت عادة هذه المرأة ستة أيام ثم طالت هذه المدة وصارت تسعة أو عشرة أو أحد عشر يوماً ، فإنها لا تبقى لا تصلي حتى تطهر ، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد حداً معيناً في الحيض ، وقد قال الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } . (1)
فمتى كان هذا الدم باقياً ، فإن المرأة على حالها حتى تطهر وتغتسل ثم تصلي ، فإذا كان جاءها في الشهر الثاني ناقصاً عن ذلك فإنها تغتسل إذا طهرت وإن لم يكن على المدة السابقة . والمهم أن المرأة متى كان معها موجوداً فإنها لا تصلي ، سواء كان الحيض موافقاً للعادة السابقة أو زائداً عنها أو ناقصاً وإذا طهرت تصلي . (2)
باب
إذا تقدمت عادة المرأة عن وقتها
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة كانت تحيض في آخر الشهر ثم رأت الحيض في أول الشهر ، فما الحكم ؟
فأجاب : إذا تقدمت عادة المرأة عن وقتها ، مثل أن تكون عادتها في آخر الشهر فترى الحيض في أوله فهي حائض كما تقدم . (3)
على الجنب المبادرة بالاغتسال أما
الحائض والنفساء فلا بأس
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
ما حكم الشرب أو الاستحمام بالماء المقرئ عليه بالقرآن ؟ وما حكم الرقية الشرعية على المرأة إذا كانت حائض أو نفساء ، وعلى الرجل إذا كان جنباً ؟
فأجاب : على الجنب أن يبادر بالإعتسال قبل استعمال القراءة ليكون أقرب إلى التأثير ، ولو كان ذلك شرباً للماء المقروء فيه ، أو غسلاً به .
فإما الحائض والنفساء فلها استعمال الماء المقروء فيه زمن العادة ، حيث أنها قد تتضرر بتأخير الاستعمال . (4)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
__________
(1) ) ) البقرة آية ( 222) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 277) .
(3) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/278) .
(4) ) ) الكنز الثمين (1/194) .(1/127)
أنا امرأة متزوجة تأتيني الدورة الشهرية مرتين في الشهر ، وفي كل مرة تأخذ فترة أكثر من 15 يوماً ، وفي شهر رمضان أتت قبل موعدها بأسبوع ، ولم تنزل خارج الفرج ، بل تكون في باطن الجسم وتستمر في الباطن أسبوعاً قبل أن تنزل إلى الخارج ، مع العلم أنها لم تكن كذلك ؛ إلا من مدة أربعة أعوام ، وكانت قبل هذه المدة تأتي في موعدها ولا تستمر أكثر من خمسة أيام ؛ ما أعمل في الصوم ؟ هل أصوم وأصلي في الفترة التي تكون في باطن الجسم أولا أصوم ولا أصلي ؟
فأجاب : المرأة لا تترك الصوم والصلاة حتى يخرج منها دم الحيض ، ولمدة لا تزيد عن خمسة عشر يوماً ، فإن استمر معها خروج الدم أكثر من خمسة عشر يوماً ؛ فإنه لا تعتبر الزيادة عن عادتها ، بل تغتسل لتمامها ، وتصوم ، وتصلي ، وأما إحساسها بوجود دم الحيض في جسمها ؛ فهذا لا يترتب عليه شيء حتى يخرج ، وقبل خروجه تصوم وتصلي وتعتبر طاهراً . (1)
تركت الصلاة معتقدة أنها العادة
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة ، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا ؟
فأجاب : الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى ، وإن لم تفعل فلا حرج عليها وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة ، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء . (2)
صلت حياءً وهي حائض فما الحكم
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/200)
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/275، 276) .(1/128)
عن امرأة صلت حياءً وهي حائض فما الحكم عملها هذا ؟
فأجاب : لا يحل للمرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء أن تصلي ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرأة :
" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟" .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل للحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي ، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها . (1)
حكم قراءة الحائض للقرآن
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن غيباً وهي حائض ، وإذا كان هذا غير جائز ؛ فهل عليها إثم إذا درست أبناءها القرآن ، خاصة إذا كانوا في المدارس أثناء الحيض ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن ؛ لا من المصحف ، ولا عن ظهر قلب ؛ لأن عليها حدثاً أكبر ، ومن عليه حدث أكبر ـ كالحيض والجنابة ـ لا يجوز له أن يقرأ القرآن ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمتنع من قراءة القرآن إذا كان عليه جنابة ، والحيض حدث أكبر مثل الجنابة يمنع قراءة القرآن .
ولكن في حالة خوف النسيان ؛ إذا كانت الحائض تحفظ سوراً من القرآن ،أو تحفظ القرآن ، وتخشى إذا تركت التلاوة أن تنسى ؛ لأن مدة الحيض تطول فتنسى ما حفظته من القرآن ؛ فلا بأس أن تقرأ في هذه الحالة ؛ لأن هذا من الضرورات ؛ لأنها لو تركت قراءة القرآن نسيته .
وكذلك الطالبة ؛ إذا جاء وقت الامتحان في مادة القرآن وهي حائض ، ويمتد حيضها ، ولا يمكن أن تؤدي الامتحان بعد نهاية الحيض ؛ فلا بأس أن تقرأه للامتحان ؛ لأنها لو تركته ؛ لفات عليها الامتحان ، وحصل عليها رسوب في القرآن ، وهذا يضرها ؛ ففي هذه الحالة أيضاً يجوز للطالبة أن تقرأ القرآن لأداء الامتحان عن ظهر قلب ومن المصحف ، لكن بشرط أن لا تمسه إلا من وراء حائل .
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/272) .(1/129)
أما قراءة الحائض القرآن لأجل التعليم فإنها لا تجوز؛ لأن هذا ليس ضرورة والله أعلم . (1)
الحائض وكتابة القرآن
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل يجوز للحائض قراءة آيات القرآن كالتمثل بها أو الاستدلال على شيء وهل يجوز لها كتابة آيات القرآن أو أحاديث شريفة ؟
فأجاب : لا بأس أن تقرأ الحائض الكتب التي فيها آيات قرآنية أو آيات مفسرة ولا بأس أن تكتبها ضمن مقال أو نحوه وكذا يجوز الاستشهاد بها كدليل على الحكم أو قراءتها كدعاء وورد ونحو ذلك ، فإنه لا يسمى تلاوة وكذا لها حمل كتب التفسير ونحوها للحاجة . (2)
هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر في المساجد ؟
فأجاب : المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد .
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان ( 3/159، 160) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 27) .(1/130)
وأما مرورها بالمسجد فلا بأس به ، بشرط أن تأمن تلويث المسجد مما يخرج منها من الدم ، وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد ، فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن ، اللهم إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت ، فلا بأس أن تجلس فيه لاستماع الذكر ، لأنه لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتكئ في حجر عائشة ، فيقرأ القرآن وهي حائض ، وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه للاستماع للذكر ، أو القراءة ، فإن ذلك لا يجوز ، ولهذا لما أبلغ النبي ، عليه الصلاة والسلام ، في حجة الوداع ، أن صفية كانت حائضاً قال :" أحابستنا هي؟ " ظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها لم تطف طواف الإفاضة فقالوا إنها قد أفاضت ، وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة . وثبت عنه أنه أمر النساء أن يخرجن إلى مصلى العيد للصلاة والذكر ، وأمر الحيض أن يعتزلن المصلى . (1)
حكم المرأة إذا أسقطت
في الشهر الثالث
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن المرأة إذا أسقطت في الشهر الثالث فهل تصلي أو تترك الصلاة ؟
فأجاب : المعروف عند أهل العلم أن المرأة إذا أسقطت ثلاثة أشهر فإنها لا تصلي لأن المرأة إذا أسقطت جنيناً قد تبين فيه خلق إنسان فإن الدم الذي يخرج منها يكن دم نفاس لا تصلي فيه .
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين (4/ 273، 274) .(1/131)
قال العلماء : ويمكن أن يتبين خلق الجنين إذا تم له واحد وثمانون يوماً وهذه أقل من ثلاثة أشهر ، فإذا تيقنت أنه سقط الجنين لثلاثة أشهر فإن الذي أصابها يكون دم حيض ن أما إذا كان قبل الثمانين يوماً فإن هذا الدم الذي أصابها يكون دم فساد لا تترك الصلاة من أجله وهذه السائلة عليها أن تتذكر في نفسها فإذا كان الجنين سقط قبل الثمانين يوماً فأنها تقضي الصلاة وإذا كانت لا تدري كم تركت فإنها تقدر وتتحرى وتقضي على ما يغلب عليه ظنها أنها لم تصله . (1)
حكمه كدم النفاس
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
ما حكم خروج الصفار أثناء النفاس وطوال الأربعين يوماً هل أصلي وأصوم ؟
فأجاب : ما يخرج من المرأة بعد الولادة حكمه كدم النفاس سواء كان دماً عادياً أو صفرة أو كدرة لأنه في وقت العادة حتى تتم الأربعين فما بعدها إن كان دماً عادياً ولم يتخلله انقطاع فهو دم نفاس وإلا فهو دم استحاضة أو نحوه . (2)
باب
إذا اشتبه الدم على المرأة فلم تميز
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
إذا اشتبه الدم على المرأة فلم تميز هل هو دم حيض أم دم استحاضة أم غيره فماذا تعتبره ؟
فأجاب : الأصل في الدم الخارج من المرأة أنه دم حيض حتى يتبين أنه دم استحاضة وعلى هذا فتعتبره دم حيض ما لم يتبين أنه دم استحاضة . (3)
عمن أصابها نزيف دم كيف
تصلي ومتى تصوم؟
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عمن أصابها نزيف دم كيف تصلي ومتى تصوم ؟
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/291، 292) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 23) .
(3) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثمين ( 4/275) .(1/132)
فأجاب : مثل هذه المرأة التي أصابها نزيف الدم ، حكمها أن تجلس عن الصلاة والصوم مدة عادتها السابقة قبل الحدث الذي أصابها ، فإذا كان من عادتها أن الحيض يأتيها من أول كل شهر لمدة ستة أيام مثلاً ، فإنها تجلس من أول كل شهر مدة ستة أيام لا تصلي ولا تصوم ، فإذا انقضت اغتسلت وصلت وصامت .
وكيفية الصلاة لهذه المرأة وأمثالها أنها تغسل فرجها غسلاً تاماً وتعصبه وتتوضأ وتفعل ذلك عند دخول وقت صلاة الفريضة لا تفعله قبل دخول الوقت ، تفعله بعد دخول الوقت ، ثم تصلي وكذلك تفعله إذا أرادت أن تتنفل في غير أوقات الفرائض ، وفي هذه الحال ومن أجل المشقة عليها ، يجوز لها أن تجمع صلاة الظهر مع العصر " أو العكس" وصلاة المغرب مع العشاء "أو العكس" حتى يكون عملها هذا واحداً للصلاتين صلاة الظهر والعصر ، وواحداً للصلاتين المغرب والعشاء ، وواحداً لصلاة الفجر بدلاً من أن تعمل ذلك خمس مرات تعمله ثلاث مرات . والله الموفق . (1)
دم العملية لا يعتبر حيضاً
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن امرأة أجرأت عملية وبعد العملية وقبل العادة بأربعة أو خمسة أيام رأت دماً أسوداً غير دم العادة وبعدها مباشرة جاءتها العادة مدة سبعة أيام فهل هذه الأيام التي قبل العادة تحسب منها ؟
فأجاب : المرجع في هذا إلى الأطباء لأن الظاهر أن الدم الذي حصل لهذه المرأة كان نتيجة العملية ، والدم الذي يكون نتيجة العملية ليس حكمه حكم الحيض لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرأة المستحاضة :" إن ذلك دم عرق " وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان عرق ومنه دم العملية فإن ذلك لا يعتبر حيضاً فلا يحرم به ما يحرم بالحيض وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان . (2)
حكم الدم الذي يخرج في غير
أيام الدورة الشهرية
__________
(1) ) ) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين ( 4/293) .
(2) ) ) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/277) .(1/133)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية . فأنا عادتي في كل شهر من الدورة هي 9 أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي الدم خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب علي الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء ؟
فأجاب : هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق لا يحسب من العادة فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج فإذا طهرت وانقضت أيام عادتها واغتسلت فهي في حكم الطاهرات ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فلذلك استحاضة لا تردها على الصلاة ونحوها . (1)
إذا انقطع الدم ثم عاد ثانية
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
تقول إن دم الحيض في أيام العادة الشهرية يأتي يومين ثم ينقطع في اليوم الرابع يعود مرة أخرى فهل أصلي اليوم الثالث من أيام العادة أم لا أصلي ؟
فأجاب : ما دامت المرأة في أيام عادتها التي تعرفها فإنها تسقط عنها الصلاة ولا يجزئها الصوم في وسط أيام العادة ولو توقف الدم في بعض الأيام ما دامت في زمن العادة ولم تر علامة الطهر وهي القصة البيضاء التي تعرفها النساء علامة على انقضاء الحيض فهذه المرأة تتوقف عن الصلاة في أيام عادتها كلها فلا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف في الثالث الذي ذكرت أو بعده حتى تطهر الطهر الكامل . (2)
__________
(1) ) ) فتاوى المرأة ص( 21، 22) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 25، 26) .(1/134)
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ ، فقال : لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، "أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فأمرها أن تغتسل ، فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة" . (2)
كتاب الصلاة
تعريف الصلاة
الصلاة في اللغة : الدعاء . (3)
وفي الشرع : هي عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة أومخصوصة مبتدأ بالتكبير مختتمة بالتسليم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : الصلاة في اللغة هي الدعاء ، وشاهد ذلك قوله تعالى : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (4) : أي ادع لهم ، وقال تعالى : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً } (5) .
قد يقال : أن المراد بها الصلاة الشرعية ، أو الصلاة اللغوية ، أي : الدعاء .
أما في الشرع : فهي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلولة ، مفتتحة بالتكبير ، مختتمة بالتسليم .
وإن شئت فقل : هي عبادة ذات أقوال وأفعال ، مفتتحة بالتكبير ، مختتمة بالتسليم .
__________
(1) )) أخرجه البخاري برقم (226) ، باب غسل الدم ، مسلم برقم (333) ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها.
(2) )) أخرجه البخاري برقم (321) ، باب عرق الاستحاضة ، ومسلم برقم (334) ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها .
(3) ) ) معجم مقاييس اللغة (3/300) ، القاموس المحيط (1/355) .
(4) ) ) سورة التوبة الآية (103) .
(5) ) ) سورة التوبة الآية (84) .(1/135)
أما قول بعض العلماء : إن الصلاة هي : أقوال وأفعال ، معلومة مفتتحة بالتكبير ، مختتمة بالتسليم . فهذا فيه قصور ، بل يشترط أن نقول : عبادة ذات أقوال ، أو نقول : التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة حتى يتبين أنها من العبادات . اهـ (1)
حكم الصلاة
اعلمي أختي المسلمة إن من أوجب ما أوجب الله عليك بعد الشهادتين الصلاة ، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام . وتركها : كفر ، ويستحق تاركها العقاب يوم القيامة .
قال الله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } . (2)
وقال تعالى : { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } . (3)
وعن بريدة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". (4)
قال تعالى : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين } . (5)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بُني الإسلام على خمسٍ :شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان" . (6)
__________
(1) ) ) الشرح الممتع (1/315) .
(2) )) سورة البقرة الآية (43) .
(3) )) سورة آل عمران الآية (43) .
(4) أخرجه أحمد في مسنده (5/346)، والترمذي برقم (2623)، والنسائي المجتبى (1/231) والحاكم (1/6-7) ، وابن أبي شيبة في الإيمان رقم (46) ، صحيح الجامع حديث رقم (4143).
(5) المدثر (42-43).
(6) ) ) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم (8)،ومسلم في كتاب الإيمان برقم (16).(1/136)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وكذلك قوله تعالى : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين } فوصفه بترك الصلاة كما وصفه بترك التصديق ووصفه بالتكذيب والتولي و المتولي هو العاصي الممتنع من الطاعة كما قال تعالى: { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } . (1) وكذلك وصف أهل سقر بأنهم لم يكونوا من المصلين . (2)
وعن بريدة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". (3)
قال المناوي : "العهد الذي بيننا وبينهم" يعني المنافقين هو "الصلاة" بمعنى أنها موجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهد .
"فمن تركها فقد كفر" : أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار فنقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له .
قال في الكشاف : والعهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه .
وقال القاضي : الضمير الغائب للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم ، وحقن دمائهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه ، والمعنى : أن العمدة في إجراء الأحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلواتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة،فإذا تركوها كانوا وسائر الكفار سواء .
__________
(1) ) ) سورة الفتح الآية (16) .
(2) ) ) مجموع الفتاوى (7/613) .
(3) أخرجه أحمد (5/346)، والترمذي(2623)والنسائي المجتبى (1/231) والحاكم (1/6-7) ، وابن أبي شيبة في الإيمان(46) ، صحيح الجامع حديث رقم (4143).(1/137)
قال التوربشتي : ويؤيد هذا المعنى قوله عليه السلام لما استؤذن في قتل المنافقين: إني نهيت عن قتل المصلين قال الطيبي : ويمكن أن يكون الضمير عاماً فيمن تابع النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام سواء كان منافقاً أم لا .اهـ. (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة". (2)
وفي رواية : "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة". (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمه الله". (4)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من فاتته صلاة العصر حبط عمله". (5)
وفي رواية عن نوفل بن معاوية ، وابن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله و ماله - يعني العصر – " . (6)
انظر أخي إذا كان ترك صلاة واحدة يحبط العمل فما بالك بمن ترك الصلاة بالكلية .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام نفيس في هذه المسألة أحببت أن أنقله هنا لأهميته ولكي تتم الفائدة لأحبتنا القراء حيث قال :
__________
(1) ) ) فيض القدير .
(2) رواه مسلم في صحيحه برقم (82) ، وأبو داود في السنة برقم (4678) ، والترمذي برقم (2622).
(3) رواه مسلم في كتاب الإيمان والنسائي والترمذي وأبو داود.
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الفتن (4034) والبخاري في الأدب المفرد برقم (18) ، وتلخيص الحبير (2/148)، الإرواء (7/89-91).
(5) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة برقم (553).
(6) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (5904).(1/138)
ومن أحب الأعمال إلى الله وأعظم الفرائض عنده الصلوات الخمس في مواقيتها ، وهى أول ما يحاسب عليها العبد من عمله يوم القيامة ، وهى التي فرضها الله تعالى بنفسه ليلة الإسراء والمعراج لم يجعل فيها بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - واسطة وهي عمود الإسلام الذي لا يقوم إلا به ، وهى أهم أمر الدين كما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يكتب إلى عماله إن أهم أمركم عندي
الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة" .
وقال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " ، فمن لم يعتقد وجوبها على كل عاقل بالغ غير حائض ونفساء فهو كافر مرتد بإتفاق أئمة المسلمين ، وإن اعتقد أنها عمل صالح وأن الله يحبها ويثيب عليها وصلى مع ذلك وقام الليل وصام النهار وهو مع ذلك لا يعتقد وجوبها على
كل بالغ فهو أيضا كافر مرتد حتى يعتقد أنها فرض واجب على كل بالغ عاقل " . (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/ 433) .(1/139)
ثم قال رحمه الله تعالى : "ومن اعتقد أنها تسقط عن بعض الشيوخ العارفين والمكاشفين والواصلين أو أن لله خواصا لا تجب عليهم الصلاة بل قد سقطت عنهم لوصولهم إلى حضرة القدس أو لاستغنائهم عنها بما هو أهم منها أو أولى أو أن المقصود حضور القلب مع الرب أو أن الصلاة فيها تفرقة فإذا كان العبد في جمعيته مع الله فلا يحتاج إلى الصلاة بل المقصود من الصلاة هي المعرفة ، فإذا حصلت لم يحتج إلى الصلاة فإن المقصود أن يحصل لك خرق عادة كالطيران في الهواء والمشي على الماء أو ملء الأوعية ماء من الهواء أو تغوير المياه واستخراج ما تحتها من الكنوز وقتل من يبغضه بالأحوال الشيطانية فمتى حصل له ذلك استغنى عن الصلاة ونحو ذلك ، أو أن لله رجالا خواصا لا يحتاجون إلى متابعة محمد بل استغنوا عنه كما استغنى الخضر عن موسى ، أو أن كل من كاشف وطار في الهواء أو مشى على الماء فهو ولى سواء صلى أو لم يصل ، أو اعتقد أن الصلاة تقبل من غير طهارة أو أن المولهين والمتولهين والمجانين الذين يكونون في المقابر والمزابل والطهارات والخانات والقمامين وغير ذلك من البقاع وهم لا يتوضئون ولا يصلون الصلوات المفروضات ، فمن اعتقد أن هؤلاء أولياء الله فهو كافر مرتد عن الإسلام باتفاق أئمة الإسلام ولو كان في نفسه زاهدا عابدا فالرهبان أزهد وأعبد وقد آمنوا بكثير مما جاء به الرسول وجمهورهم يعظمون الرسول ويعظمون أتباعه ولكنهم لم يؤمنوا بجميع ما جاء به بل آمنوا ببعض وكفروا ببعض فصاروا بذلك كافرين كما قال تعالى :(1/140)
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } . (1) ، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى . (2)
وفي فتوى اللجنة الدائمة عن حكم ترك الصلاة أجابت :
الصلاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء في ذلك، والأصل في ذلك عموم الأدلة التي دلت على الحكم بكفره ولم تفرق بين من يتركها تهاوناً ومن تركها جاحداً لوجوبها. أ.هـ. (3)
وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك الصلاة فقد كفر".
قال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".ا.هـ.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - أن : "لا تُشرك بالله شيئا وإن قُطعت أو حرقت ، ولا تترك صلاةً مكتوبةً متعمداً ، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذِّمة ، ولا تشرب الخمر ، فإنها مفتاح كل شرّ " . (4)
__________
(1) النساء (150-152) .
(2) مجموع الفتاوى (10/435) ، والفتاوى الكبرى (2/263) .
(3) فتاوى اللجنة الدائمة (1/37) .
(4) .صححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2026)، وصحيح الترغيب برقم (567).(1/141)
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فقال : يا رسول الله! علمني عملاً إذا أنا عملته دخلت الجنة .
فقال: "لا تشرك بالله شيئاً وإن قُتلت وحُرِّقت ، ولا تعُقَّن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك ، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً؛ فإنَّ من ترك صلاة مكتوبة متعمداً؛ فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربنَّ خمرا، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية، فإن بالمعصية حلَّ سخط الله، وإياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس، وإن أصاب الناس موت فاثبُت، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله". (1)
وعن مصعب بن سعد قال : قلت لأبي : يا أبتاه أرأيت قوله : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } أيّنا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه ؟ قال : ليس ذلك، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت. (2)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له . (3)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". (4)
وعن أبي سعيد الخدري : أن رجلاً قال : يا رسول الله!اتق الله فقال : "ويلك ألست أحق أهل الأرض أن أتقي الله ؟! فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه : ألا أضرب عنقه يا رسول الله ؟ فقال : " لا لعله أن يكون يصلي". (5)
__________
(1) صحيح الترغيب (570)، إرواء الغليل (7/89-91).
(2) حسنه الألباني في الترغيب برقم (576).
(3) قال الألباني: صحيح موقوف، صحيح الترغيب (575).
(4) رواه البخاري برقم (25)، ورواه مسلم برقم (21).
(5) رواه البخاري(4351)،ورواه مسلم (1064).(1/142)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من لم يحافظ على الصلاة لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي جهل وأبي بن خلف". (1)
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي - رضي الله عنه - قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يَرونَ شيئاً من الأعمال تركُه كُفر، غيرَ الصلاة". (2)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنهم - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يُكثرُ أن يقول لأصحابه : "هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا" فيقصُ عليه ما شاءَ الله أن يُقصّ ، وإنه قال لنا ذات غداة : "إنه أتاني الليلة" اثنان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق، وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه ، فَيَتدهده الحجر، فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصحَّ رأسه
قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق..."الحديث.
"أما الرجل الأولَ الذي أتيتَ عليه يثلغُ رأسه بالحجر،فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه،وينام عن الصلاة المكتوبة" . (3)
قوله : "يثلغُ رأسه" أي : يشدخ .
وقوله : "فيتدهده" أي : فيتدحرج ..
قال أبو محمد بن حزم : وقد جاء عن عُمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة،وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا. أ.هـ. (4)
__________
(1) أخرجه أحمد (2/169) ، والدارمي (2/301) ، وابن حبان (254) ، ونسبه الهيثمي (1/292) إلى الطبراني في"الكبير"و"الأوسط"قال:"رجال أحمد ثقات" ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/3836) إسناده جيد.
(2) رواه الترمذي ، والحاكم (1/1) وقال الشيخ الألباني : "صحيح" الترغيب (565)
(3) أخرجه البخاري برقم (7047) .
(4) المحلى (2/242).(1/143)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الصلاة : تجب على كلِّ مكلَّف لا حائضاً ونُفٍساء ، ويقضي من زال عقله بنوم أو إغماء أو سكر أو نحوه ، ولا تصح من مجنون ولا كافر ، فإن صلى فمسلم حكماً ، ويؤمر بها صغير لسبع يضرب عليها لعشرٍ ، فإن بلغَ في أثنائها ، أو بعدها في وقتها أعادَ . _ يعني أعاد تلك الصلاة فقط _ .
ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لناوي الجمع ، ولمشغل بشرطها الذي يحصله قريباً .
ومن جحد وجوبها كفرَ ، وكذا تاركها تهاوناً ودعاه إمام أو نائبه فأصر وضاق وقت الثانية عنها ، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فيهما . (1)
وقال رحمه الله تعالى : وقول الإمام أحمد : بتكفير تارك الصلاة كسلاً ، هو القول الراجح ،( مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (1/190و191) ، وانظر (الإنصاف) (1/401و 402).)
والأدلة تدل عليه من كتاب الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلَّم، وأقوال السلف، والنظر الصحيح. أ.هـ. (2)
وهي أول ما يحاسب عليه العبد .
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح و إن فسدت فقد خاب و خسر و إن انتقص من فريضة قال الرب : انظروا هل لعبدي من
تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك" . (3)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن :
ما حكم من يصلي الفجر قبل الظهر بساعتين مثلاً علماً أنه كان نائماً طوال الفترة السابقة ؟
__________
(1) الشرع الممتع (1/315) .
(2) الشرح الممتع (2/26) .
(3) أخرجه أحمد في المسند (2/290 و 425)و(4/60 و 103) و (5/72 و 377)، وأبو داود (864) و (413)، والنسائي (1/232)، وابن ماجة (1425) و (1426)، والترمذي (411)، وابن أبي عاصم في الأوائل رقم (35) ، صحيح الجامع حديث رقم (2020) .(1/144)
فأجاب : لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر والنوم قد لا يكون عذراً لكل واحد فإنه يتمكن من النوم مبكراً ليستيقظ وقت الصلاة وكذا يوكل من يوقظه من أبويه أو أحج إخوته أو جيرانه أو نحوهم ومع ذلك يهتم للصلاة ويشتغل قلبه بها حتى إذا قرب الوقت أحس به ولو كان نائماً فالذي لا يصلي الفجر دائماً إلا في الضحى لم يكن في قلبه أدنى اهتمام لها وبكل حال فالإنسان مأمور بأداء الصلاة في أقرب ما يمكنه فإن كان نائماً فعليه المبادرة إليها حين قيامه وكذا الناس والساهي . (1)
باب
الإذن للنساء في الخروج إلى المساجد
أجاز الشارع الحكيم للمرأة الخروج إلى المسجد وحضور الجماعة مع المسلمين ، ولكن بيتها خير لها وأفضل .
فعن سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها" ، قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن قال ، فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول والله لنمنعهن ". (2)
عن نافع ، عن بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" . (3)
__________
(1) ) ) فتاوى المرأة ص( 32) .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (858) ،باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم ،ومسلم برقم (442) ،باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .
(3) )) رواه البخاري برقم (858) ، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم وقال بن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة ، ومسلم برقم (442) ، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .(1/145)
وعن بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد" . (1)
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
هل صلاة المرأة في بيتها أفضل أم في المسجد الحرام ؟
فأجاب : صلاة النافلة في البيت أفضل سواء كان ذلك في حق الرجال أو حق النساء لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي النوافل في بيته ، وهو الذي قال :" صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام " .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (857) ، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم وقال بن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة ، ومسلم برقم (442) ، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .(1/146)
وعلى هذا فنقول : لو أذن الظهر وأنت في بيتك وأنت في مكة تريد صلاة الظهر في المسجد الحرام فالأفضل أن تصلي راتبة الظهر في بيتك ثم تأتي إلى المسجد الحرام وتصلي فيه تحية المسجد ، ومن ثم ذهب بعض العلماء إلى أن مضاعفة الصلاة في المساجد الثلاثة خاص بمضاعفة الصلاة المفروضة ، لأنها هي التي تفعل في هذه المساجد ، وأما النوافل فليس فيها هذا التضعيف ، ولكن الصحيح أنه عام يشمل صلاة الفريضة وصلاة النافلة ، ولكن لا يعني ذلك أن الصلاة النافلة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى أفضل من صلاتها في البيت ، بل صلاتها في البيت أفضل ، لكن لو دخل الإنسان المسجد الحرام وصلى تحية المسجد فتحية المسجد في المسجد الحرام بمائة ألف تحية في المساجد الأخرى ، وتحية المسجد في المسجد النبوي خير من ألف تحية فيما عداه إلا المسجد الحرام ، وكذلك لو أتيت ودخلت المسجد الحرام ، وصليت تحية المسجد ولم يحن وقت صلاة الفريضة وبقيت تتطوع بالنافلة فإن هذه الصلاة خير من مائة ألف صلاة وعلى هذا فقس .
بقى الفقرة الثانية من السؤال وهي صلاة المرأة وهل الأفضل في المسجد الحرام أم في بيتها؟
فالجواب : أما صلاة الفريضة فإن صلاتها في بيتها أفضل كغيره من المساجد ، وأما قيام رمضان فإن من أهل العلم من يقول : إن الأفضل للنساء حضور القيام في المساجد مستدلين لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أهله وصلى بهم في قيام رمضان ، وبأنه روى عن عمر - رضي الله عنه - وعلي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - ، أنهما كانا يأمران رجلاً يؤم النساء في المسجد .(1/147)
وعندي في هذا توقف فإن الأثرين المرويين عن عمر وعثمان ضعيفان لا تقوم بهما حجة ، وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع أهله ليس بصريح أنه يجمعهم في المسجد فيصلي بهم ، فعندي في المسألة نظر ، وهو أنه هل الأفضل للمرأة أن تصلي قيام رمضان في المسجد الحرام أو في بيتها ؟ والأصل أن بيتها أفضل ، إلا إذا ورد نص واضح على أن صلاتها في المسجد الحرام أفضل . ولكن لو جاء وحضرت فيرجى لها أن تنال الأجر الذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام :" صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة " أما إذا كان يترتب على حضورها فتنة فلا ريب أن بقاءها في بيتها أفضل . (1)
وما هو حكم تجوال المرأة بين المساجد لصلاة التراويح
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان:
هل على المرأة أو غيرها حرج أن تصلي التراويح بعض الأيام في مسجد وأياماً آخر في مسجد آخر .. وهكذا طلباً لإمام صوته حسن ، وتنشطاً لأداء هذه السنة ؟
فأجاب: ينبغي للمرأة أن تصلي التراويح في أقرب مسجد إلى بيتها إذا علمت بالرخصة وخرجت إلى المسجد .
وأما تجوالها بين المساجد ففيه من الخطورة ما فيه لتعرضها للفتنة ، واحتاجها إلى قطع مسافات كثيرة ، مما قد يحوجها إلى سيارة وسائق وخلوة محرمة ، وليس هناك غرض صحيح ترتكب من أجله هذه المحاذير إلا التلذذ بالأصوات وتذوقها فتصبح وهمتها ليست من أجل الصلاة ، وإنما طلب التلذذ بالأصوات ، وحينئذٍ يكون قد انتفى الغرض الذي من أجله رخص لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخروج إلى المسجد .
وهذه ظاهرة مع الأسف بدرت عند كثير من الرجال والنساء والشباب : أنهم يقومون بالتجوال بين المساجد ؛ لتقفر أصوات القراء وانتجاع المساجد التي يتجمهر فيها الناس .
__________
(1) ) ) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/856) .(1/148)
ولبعض الأئمة هداهم الله دور في حصول هذه الظاهرة غير المرغوب فيها ؛ لما يقوم به بعضهم من تكلفة في القراءة ورفع الأصوات فوق المنائر وخارج المساجد ، ولو ترتب على هذا أذية المصلين في المساجد المجاورة لهم ، وتشويش على المصلين فيها ؛ فالذي نراه أن يصلي كل جماعة في مسجدهم ، ويعمروه بالطاعة ، ويتركوا التكلف .
ونوصي النساء خاصة بأن تصلي كل امرأة في أقرب مسجد إلى بيتها ؛ لأن ذلك أحفظ لها ، وأبعد عن الفتنة ، ونوصي الأئمة بالاعتدال وترك التكلف والإغراب وأن لا يكون قصدهم اجتلاب الناس إلى مساجدهم ؛ لأن هذا أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء والسمعة . وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به . (1)
باب
جواز تنفل المرأة في المسجد
قد تقدم في الباب السابق جواز خروج المرأة للمساجد، ومن ذلك يجوز لها التنفل في المسجد وحضور التراويح في شهر رمضان المبارك .
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين الساريتين ، فقال : "ما هذا الحبل" ،قالوا : هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا، حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد" . (2)
فوائد الحديث :
قال النووي: وفيه: الحث على الاقتصاد في العبادة،والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور،وفيه: إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه، وفيه: جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها . (3)
والأفضل للمرأة صلاة التراويح في بيتها .
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/195، 196) .
(2) )) رواه البخاري برقم (1099) ، باب ما يكره من التشديد في العبادة ، ومسلم برقم (784) ، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يباع حتى يذهب عنه ذلك .
(3) )) شرح مسلم (6/73) .(1/149)
سئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
أيهما أفضل للمرأة صلاتها التراويح في بيتها أم صلاتها مع المسلمين في المسجد ؟
فأجاب : الأفضل للمرأة صلاتها في بيتها ، ويجوز لها أن تصلي في المسجد مع الجماعة صلاة الفريضة وصلاة التراويح والكسوف وصلاة الجنازة ، بشرط أن تكون متسترة بالحجاب الكامل ومتجنبة للزينة في بدنها وفي ثيابها
، ومتجنبة للطيب في بدنها وفي ثيابها .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن ، وليخرجن تفلات" أي : غير متزينات ومتطيبات .
فالحديث يدل على جواز خروجها للمسجد بالشرط المذكور ، وهو أن تكون ملازمة للحياء والستر ، تاركة للزينة والطيب ، وأن تصف حلف الرجال ، فمع التزامها بهذا الشرط فصلاتها في بيتها خير لها ؛ لما في ذلك من صيانتها وعدم افتتانها والافتتان بها ، أما إذا لم تلتزم بهذا الشرط فإن خروجها حرام عليها، تأثم به، ولو كان قصدها الصلاة . (1)
حكم ذهاب المرأة للمسجد للتراويح مع سائقها الأجنبي
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة أن تذهب للمسجد لأداء التراويح مع سائقها الأجنبي ؟ وهل يختلف الحكم إذا كان أكثر من امرأة مع السائق ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم ؛ لا في الذهاب إلى المسجد ولا في غيره ؛لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له .
وإذا كان مع السائق جماعة من النساء ؛ فالأمر أخف لزوال الخلوة المحذورة ، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء ، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه ؛ لقوله تعالى:
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/180، 181) .(1/150)
{ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً } . (1) (2)
باب
نهي المرأة عن الطيب عند الخروج إلى المسجد
لا يجوز للمرأة أن تخرج متعطرة بأي حال من الأحوال حيث ثبت في حقها النهي عن ذلك .
فعن أَبي مُوسَى ، عن النبيِّ قالَ: «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بالمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً» . (3)
وكذلك لا يجوز خروجها للمسجد متعطرة لتشهد الجماعة من المسلمين .
فعن موسى بن يسار قال: مرت بأبي هريرة امرأةٌ وريحُها تَعصِفُ، فقال لها: أين تريدين يا أمةَ الجبار؟ قالت: إلى المسجد. قال: وتطيَّبْتِ؟ قالت: نعم. قال: فارْجعي فاغتسلي، فإنني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقبل الله من امرأةٍ صلاةَ خرجَتْ إلى المسجد وريحُها تَعْصِفُ حتى ترجع فتَغْتَسِلَ" (4) .
عن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة" . (5)
__________
(1) الأحزاب آية : ( 32) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/197) .
(3) ) ) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (19338) ، وأبو داود في سننه برقم (2863) ، والنسائي في الصغرى برقم (5110)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. صحيح الترغيب رقم (2019).
(4) صحيح ابن خزيمة (3/91) وصحيح الترغيب رقم (2020) .
(5) رواه مسلم برقم (442) ، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .(1/151)
وعن محمد بن عجلان، حدثني بكير بن عبد الله بن وعثمان، عن بسر بن سعيد، عن زينب امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً" . (1)
وعن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة عن يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد العشاء الآخرة" . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهدَنَّ مَعنا العِشاءَ -قال ابن نفيل:- الآخِرَةَ" (3) .
وعن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها سمعت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: "لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل، قال : فقلت لعمرة: أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد؟ قالت: نعم" . (4)
قال النووي : قولها: لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد يعنى من الزينة والطيب وحسن الثياب والله أعلم . (5)
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (443) ، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .
(2) )) رواه مسلم برقم (444) ، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .
(3) صحيح الترغيب برقم (2021) .
(4) )) رواه البخاري برقم (831) ، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم ، ومسلم برقم (445) ، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة .
(5) )) شرح النووي: (4/164) .(1/152)
و عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات" . (1)
قوله : تفلات : أي غير متطيبات
قال ابن منظور : التَّفَل: ترك الطِّيب. رجل تَفِلُ أَي غير مُتَطَيِّب بَيِّن التَّفَل، وامرأَة تَفِلَة و مِتْفَال؛ الأخيرة على النسب. وفي الحديث: أَنه،، قال: لِتَخْرُجِ النِّساءُ إِلى المساجد تَفِلات أَي: تارِكات للطِّيب؛ قال أَبو عبيد: التَّفِلة التي ليست بمتطيبة وهي المنتنة الريح . (2)
قال النووي : خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ،هذا وشبه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطرق ما يخاف به مفسدة ونحوها وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع .اهـ (3)
وقال صاحب هون المعبود : وإنما أمرن بذلك ونهين عن التطيب، كما في رواية مسلم عن زينب لئلا يحركن الرجال بطيبهن، ويلحق بالطيب ما في معناه من الحركات لداعي الشهوة كحسن الملبس والتحلي الذي يظهر رجاء والزينة الفاخر . (4)
__________
(1) )) صحيح ابن خزيمة برقم (1679) ، باب الأمر بخروج النساء إلى المساجد تفلات ، وموارد الظمآن برقم (326) ، باب دخول النساء المسجد وصلاتهن فيه وفي بيوتهن ، وابن حبان برقم (1211) ، والدارمي برقم (1279) ، باب النهي عن منع النساء عن المساجد وكيف يخرجن إذا خرجن ،
(2) )) لسان العرب (11/78) .
(3) )) شرح مسلم (4/161) .
(4) )) عون المعبود (2/192) .(1/153)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
بعض النساء يذهبن إلى المسجد وهن في كامل زينتهن ؛ بحجة أنهن سيزرن بعد انتهاء الصلاة قريباتهن أو صديقاتهن ، وبعضهن يخرجن متعطرات متطيبات ، وبعضهن يذهبن بالبخور إلى المسجد ؛ فما حكم ذلك ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متزينة أو متطيبة ، سواء كان خروجها للصلاة في المسجد أو لزيارة قريباتها ؛ لما في ذلك من الفتنة ، وإنما تخرج في ثياب ساترة لا زينة فيها ولا طيب . أما الإتيان بالبخور للمسجد ؛ فلا بأس به ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تنظف المساجد وتطيب ، لكن النساء لا تتطيب بالبخور في المسجد ؛ لأنهن منهيات عن التطيب عند خروجهن ، وسواء تطيبن في بيوتهن قبل الخروج أو في الطريق أو في المسجد . والله أعلم ، لكن لا بأس أن يطيب المكان الذي يصلين فيه من المسجد بالبخور وغيره . (1)
باب
سرعة انصراف النساء من المسجد عقب الصلوات
من باب درء الفتنة والحفاظ على المرأة عليها أن تخرج من المسجد قبل خروج الرجال ، حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثبت في المسجد عقب الصلاة مع الرجال لخروج النساء .
فعن عروة بن الزبير ، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : "لقد كان نساء من المؤمنات يشهدن الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن وما يعرفن من تغليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة" . (2)
__________
(1) المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان ( 3/ 193) .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (365) ، باب في كم تصلي المرأة من الثياب وقال عكرمة لو وارت جسدها في ثوب لأجزته ، ومسلم برقم (645) ، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها .(1/154)
وعن الزهري، قال : حدثتني هند بنت الحارث، أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتها: "أن النساء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الرجال" . (1)
وإذا كان خروجها للتراويح يضيع شيء من حقوق البيت الأفضل بقائها في البيت
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
إذا كان سيترتب على خروج المرأة لصلاة التراويح تضييع جزء ولو قليل من حقوق البيت ، فما حكم خروجها ؟
فأجاب : إذا كان يترتب على خروج المرأة لصلاة التراويح تضييع بعض أعمال البيت المطلوب منها القيام بها ، فإنها لا تخرج ، بل تبقى وتقوم بعمل بيتها ؛ لأن بإمكانها أن تصلي في بيتها وأيسر لها ، ولأن قيامها بعمل البيت واجب على الصحيح ، وخروجها إلى المسجد مباح إذا لم يترتب عليه مضرة . (2)
باب
صلاة المرأة في بيتها خير لها
كما قدمنا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل لها من صلاتها في المسجد .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن". (3)
وعن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن". (4)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (828) ، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم .
(2) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/198) .
(3) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (576) وصحيح الجامع برقم (7336) والإرواء (8-5).
(4) رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1683) بشواهده.(1/155)
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيتها ظلمة". (1)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها". (2)
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما: أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي".
قال: "فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها أو أظلمه وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل". (3)
وعن السائب مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خير مساجد النساء قعر بيوتهن" . (4)
الأفضل للمرأة صلاة التراويح في بيتها فهذا خير لها .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
أيهما أفضل للمرأة صلاتها التراويح في بيتها أم صلاتها مع المسلمين في المسجد ؟
__________
(1) رواه ابن خزيمة وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1691).
(2) رواه أبو داود وابن خزيمة، وصححه الألباني في صحيح أبي خزيمة برقم (1688 و 1690).
(3) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1689).
(4) )) أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (26584) ، والحاكم في المستدرك برقم (756) ، والبيهقي في الكبرى برقم (5142) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/33) : "رواه أحمد وأبو يعلى ولفظه خير صلاة النساء في قعر بيوتهن رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام" ، صححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3311) ، ورقم (3327) .(1/156)
فأجاب : الأفضل للمرأة صلاتها في بيتها ، ويجوز لها أن تصلي في المسجد مع الجماعة صلاة الفريضة وصلاة التراويح والكسوف وصلاة الجنازة ، بشرط أن تكون متسترة بالحجاب الكامل ومتجنبة للزينة في بدنها وفي ثيابها
، ومتجنبة للطيب في بدنها وفي ثيابها .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن ، وليخرجن تفلات" أي : غير متزينات ومتطيبات .
فالحديث يدل على جواز خروجها للمسجد بالشرط المذكور ، وهو أن تكون ملازمة للحياء والستر ، تاركة للزينة والطيب ، وأن تصف حلف الرجال ، فمع التزمها بهذا الشرط فصلاتها في بيتها خير لها ؛ لما في ذلك من صيانتها وعدم افتتانها والافتتان بها ، أما إذا لم تلتزم بهذا الشرط فإن خروجها حرام عليها، تأثم به، ولو كان قصدها الصلاة . (1)
باب
نوم المرأة في المسجد
وكذلك يجوز للمرأة أن تنام في المسجد إذا لم يكن لها مسكن وأمنت الفتنة .
عن عائشة رضي الله عنها، أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم، قالت : فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت : فوضعته أو وقع منها فمرت به حُدَيَّاة وهو مُلقى فحسبته لحماً فخطفته، قالت : فالتمسوه فلم يجدوه ، قالت : فاتهموني به ، قالت : فطفقوا يُفتشون حتى فَتَّشوا قُبُلها، قالت : والله إني لقائمةٌ معهم إذ مرت الحُدَيَّاة فألْقته، قالت : فَوَقَع بينهم، قالت: فَقُلْتُ هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو ذا هو، قالت : فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خِباءٌ في المسجد أو حِفْشٌ ، قالت : فكانت تأتيني فتحدثُ عنْدي ، قالت : فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت :
ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني ،
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/180، 181) .(1/157)
قالت عائشة : فقلت لها : ما شأنُكِ لا تقعدين معي مقعداً إلا قُلْتِ هذا؟ قالت : فحدثتني بهذا الحديث . (1)
(حدياة) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة، ويجوز فتح أوله، وهي الطائر المعروف المأذون في قتله في الحل والحرم . (2)
فوائد الحديث :
قال ابن حجر : وفي الحديث: إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها، وفيه: الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة، ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه المرأة، وفيه: فضل الهجرة من دار الكفر، وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة، والله أعلم . (3)
باب
المرأة تقم المسجد
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه ، فقالوا : مات، قال : "أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها" . (4)
فوائد الحديث :
قال ابن حجر : وفي الحديث: فضل تنظيف المسجد، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب ، وفيه: المكافأة بالدعاء، والترغيب في شهود جنائز أهل الخير، وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه والإعلام بالموت . (5)
وفيه كذلك جواز الدفن في الليل .
باب
عدم كف الثوب والشعر في الصلاة
ومن الأخطاء التي تقع من بعض المصلين : أنهم يكفون ثيابهم أو شعرهم قبل دخولهم في الصلاة - والكف هو التشمير – وهذا منهي عنه .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (428) ، باب نوم المرأة في المسجد .
(2) )) فتح الباري .
(3) )) فتح الباري .
(4) )) رواه البخاري برقم (446) ، باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان ، ومسلم برقم (956) ، باب الصلاة على القبر .
(5) )) فتح الباري (1/553) .(1/158)
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أمرت أن أسجد على سبعة ولا أكف شعراً ولا ثوباً " . (1)
ترجم ابن خزيمة رحمه الله على هذا الحديث بـ"باب الزجر عن كف الثياب في الصلاة". (2)
وعلى هذا يكون كف الثياب - أي تشميرها – سواء قبل الصلاة ويدخل بها مشمراً أو أثناء الصلاة ، فهذا لا يجوز وهو منهي عنه .
وعن عمرو بن الحارث أن بكيراً حدثه: أن كريباً مولى بن عباس حدثه عن عبد الله بن عباس : أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله فلما انصرف أقبل إلى بن عباس، فقال: مالك ورأسي ؟ فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف" . (3)
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : هذه الأحاديث فيها فوائد: منها: أن أعضاء السجود سبعة وأنه ، ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها، وأن يسجد على الجبهة والأنف .
ثم قال :
اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء وهو كراهة تنزيه فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلات . (4)
والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل وهو معقوص شعره، قال العراقي: وهو مختص بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها وأيضا فيه مشقة عليها في نقضه للصلاة، وقد رخص لهن - صلى الله عليه وسلم - في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع الشعر . (5)
باب
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (490) ، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة .
(2) ) ) صحيح ابن خزيمة:(1/ 383) .
(3) )) رواه مسلم برقم (492) ، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة .
(4) ) ) شرح مسلم (4/208) .
(5) )) تحفة الأحوذي (2/326) .(1/159)
ثياب المرأة في الصلاة
الواجب على المرأة ستر عورتها في الصلاة ، ولا يجوز لها كشف أي شيء من جسدها في الصلاة غير وجهها وكفيها، حيث لا يجوز للمرأة تغطية وجهها وكفيها في الصلاة ، كما لا يجوز للرجل تغطية وجهه وفمه في الصلاة .
عن عروة بن الزبير ، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : "لقد كان نساء من المؤمنات يشهدن الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن وما يعرفن من تغليس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة" . (1)
قال ابن قدامة في المغني : والمستحب أن تصلي المرأة في درع قال الدرع يشبه القميص لكنه سابغ يغطي قدميها وخمار يغطي رأسها وعنقها وجلباب تلتحف به من فوق الذراع وروي ذلك عن عمر وابنه، وعائشة وعبيده السلماني وعطاء وهو قول الشافعي قال: قد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها فتبين عجيزتها ومواضع عوراتها . (2)
__________
(1) )) أخرجه البخاري برقم (365) ، باب في كم تصلي المرأة من الثياب وقال عكرمة لو وارت جسدها في ثوب لأجزته ، ومسلم برقم (645) ، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها .
(2) )) المغني (1/349) .(1/160)
وعن حفصة قالت كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة وكانت أختي معه في ست قالت كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى فسألت أختي النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج، قال ثم لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين فلما قدمت أم عطية سألتها أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت بأبي نعم وكانت لا تذكره إلا قالت بأبي سمعته يقول يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى قالت حفصة فقلت الحيض فقالت أليس تشهد عرفة وكذا وكذا. (1)
وعن ابن جريج، عن عطاء قال: تصلي المرأة في درعها وخمارها وإزارها، وان تجعل الجلباب أحب إلي، قلت : أرأيت إن كان درعها وخمارها رقيقا أحدهما؟ قال : فالجلباب إذا على ذلك من أجل الملائكة أنها معها، قلت : درعها إلى الركبتين؟ قال : لا حتى يكون سابغا كثيفا، قال : ولتأتزر الإزار وتشد به على حقويها . (2)
ولا يجوز للمرأة أن تغطي وجهها وكفيها في الصلاة .
قال ابن قدامة : وإذا انكشف من المرأة الحرة شيء سوى وجهها أعادت الصلاة لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها، وفي الكفين روايتان، واختلف أهل العلم فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (890) ، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .
(2) )) أخرجه عبد الرزاق في المصنف برقم (5036) .(1/161)
وقال مالك والأوزاعي والشافعي : جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } . (1) قال الوجه والكفين . (2)
وقال الصنعاني رحمه الله تعالى : حديث أم سلمة في صلاة المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار وأنه قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها: فيدل على أنها لا بد في صلاتها من تغطية رأسها ورقبتها كما أفاده حديث الخمار ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهر قدميها كما أفاده حديث أم سلمة ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته والمراد كشفه ثم صلاتها بحيث لا يراها أجنبي فهذه عورتها في الصلاة، وأما إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة كما يأتي تحقيقه . (3)
وقدم المرأة عورة في الصلاة يجب تغطيته .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : "وكل المرأة عورة إلا كفيها ووجهها وظهر قدميها عورة" .اهـ. (4)
كيفية لباس المرأة في الصلاة وهل يجوز ظهور كفيها وقدميها في الصلاة.
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ماذا عن ظهور كف المرأة وقدميها أثناء الصلاة ؟
فأجاب : المرأة في الصلاة كلها عورة فيجب عليها ستر جميع بدنها إلا وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها . فإذا كانت خالية أو عندها رجال من محارمها فإنها تكشف وجهها في الصلاة .
وأما إذا كانت بحضرة رجال غير محارم فإنها تغطي وجهها في الصلاة وفي غيرها لأن الوجه عورة .
وأما الكفان والقدمان فيجب سترهما على كل حال في الصلاة ولو لم يكن عندها رجال ، لأن المرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها إذا لم تكن بحضرة رجال غير محارم . (5)
__________
(1) )) سورة النور الآية (31) .
(2) )) المغني (1/349) .
(3) )) سبل السلام (1/132) .
(4) )) الأم (1/89) .
(5) ) ) فتاوى نور على الدرب لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان ص( 50) .(1/162)
وما هو حكم الصلاة بالبنطلون والثياب الشفافة؟
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز الصلاة بالبنطلون بالنسبة للمرأة وبالنسبة للرجال ، وأيضاً إ‘ذا لبست المرأة ثوباً خفيفاً ليس مبيناً لعورتها ، فما حكم الشرع في ذلك ؟
فأجاب : الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها ، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا النساء ، ولكن النساء أشد ، لأن الفتنة بهن أشد .
أما الصلاة في حد ذاتها ، إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس فصلاته في حد ذلتها صحيحة لوجود ستر العورة ، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه ، ولا سيما المرأة .
فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسع ، يسترها ، ولا يصف شيئاً من أعضاء جسمها ، ولا يلفت الأنظار إليها ، ولا يكون ثوباً خفيفاً أو شفافاً وإنما يكون ثوباً ساتراً يستر المرأة ستراً كاملاً لا يرى شيء من جسمها ، لا يكون قصيراً حاسراً عن ساقيها ، أو ذراعيها ، وكفيها ، ولا تكون أيضاً سافرة بوجهها عند الرجال غير المحارم ، وإنما تكون ساترة لجميع جسمها ، ولا يكون شفافاً بحيث يرى من ورائه جسمها أو لونها فإن هذا لا يعتبر ثوباً ساتراً .(1/163)
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :" سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في آخر أُمتي رجال يركَبون على سُروجٍ كأشْباهُ الرِّحال، ينزلون على أبْوابِ المساجِدَ، نساؤهم كاسياتٌ عاريات، على رؤوسهنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجافِ، العَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعونَاتٌ. لَو كَان وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ نساؤكم كما خَدَمَكُم نساءُ الأمَمِ قبلَكُمْ" (1) .
(سُرُوج) جمع (سراج).
(الرحال) بالحاء المهملة جمع (رحل): وهو كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير. كما في "المصباح المنير".
قال الألباني رحمه الله: الحديث يشير إلى السيارات التي تتجمع اليوم على أبواب المساجد يوم الجمعة، أو يوم إدخال الجنازة إلى المسجد للصلاة عليها، والمشيعون ينتظرون ولا يصلون ونساؤهم كاسيات عاريات.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان مِنْ أهلِ النارِ لم أرَهُما: قومٌ معهم سياطٌ كَأذْناب البَقَرِ يضربونَ بها الناسَ، ونساءً كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائلَةِ، لا يدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يجْدنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَة كذا وكذا" (2) .
فمعنى " كاسيات " : أنهن لابسات شيئاً من الملابس ، ولكنهن في الحقيقة عاريات ؛ لأن هذه الثياب لا تستر فهي ثياب شكلية فقط ، لكنها لا تستر ما وراءها : إما لشفافيتها ، وإما لقصرها ، أو لعدم ضفافها على الجسم .
فيجب على المسلمات أن يتنبهن لذلك . (3)
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه" واللفظ له ـ والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم". "السلسة الصحيحة" (2682) وصحيح الترغيب (2043).
(2) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2128).
(3) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان ( 3/ 158، 159) .(1/164)
وما هو حكم صلاة المرأة في ثوب قصير يبدي بعض ساقيها؟
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة مع النساء في صلاة التراويح أن تصلي في ثوب قصير يبدي بعض ساقيها أو لا يستر كامل يديها ؟
فأجاب : لا تصح صلاة المرأة تراويح أو غيرها إلا بثوب ساتر لجميع بدنها ما عدا وجهها ، إذا كانت وحدها أو بحضرة نساء أو رجال من محارمها ، فإنها تكشفه في الصلاة ، وإن كانت بحضرة رجال غير محارم ، فإنها تغطي وجهها ، فهذه المرأة التي تصلي في ثوب يبدي بعض ساقيها لا تصح صلاتها ، بل لابد أن يكون الثوب ضافياً يستر قدميها . (1)
باب
لا تنتقب المرأة في الصلاة
على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة ولا تغطيه بشيء كما هو الحال في الإحرام .
قال ابن قدامة : ويكره أن تنتقب المرأة وهي تصلي، لأنه يحل بمباشرة المصلي بجبهتها وأنفها ويجري مجرى تغطية الفم للرجل، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن عبد البر: وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام .اهـ. (2)
باب
إمامة النساء في الصلاة
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/196) .
(2) )) المغني (1/350) .(1/165)
عن وكيع بن الجراح ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع قال حدثتني جدتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما غزا بدرا قالت: قلت له يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: "قري في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة"، قال : فكانت تسمى الشهيدة ، قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها، قال: وكانت دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا فأصبح عمر فقام في الناس ،فقال: من كان عنده من هذين علم أو من رآهما فليجيء بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أول مصلوب بالمدينة . (1)
وعن الثوري عن ميسرة بن حبيب النهدي عن ريطة الحنفية أن عائشة أمتهن وقامت بينهن في صلاة مكتوبة . (2)
وقال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن عمار الدهنى عن امرأة من قومه يقال لها حجيرة أن أم سلمة أمتهن فقامت وسطا .
وقال الشافعي روى الليث عن عطاء عن عائشة أنه صلت بنسوة العصر فقامت في وسطهن . (3)
باب إمامة المرأة وتسوية الصفوف وصفة الصلاة شروط إمامة المرأة للنساء
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للنساء أن يتخذن لهن إمامة منهن تصلي بهن في رمضان وغيره ؟
__________
(1) )) رواه أبو داود برقم (591) ، باب إمامة النساء ، وابن الجارود في المنتقى برقم (333) ، وابن أبي شيبة في المصنف برقم (33657) .
(2) )) أخرجه عبد الرزاق في المصنف برقم (5086) .
(3) )) الأم (1/164) .(1/166)
فأجاب : يجوز للنساء أن يصلين جماعة في التراويح وغيرها من الصلوات الخمس ، وتكون إمامتهن واحدة منهن ، ويكون ذلك في بيت إحداهن أو في مكان مستور عن الرجال ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لأم ورقة أن تصلي بأهل دارها إمامة لهم . (1)
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
هل هناك شروط لإمامة المرأة للنساء مثلها ؟
فأجاب : إذا كانت أحسنهن وأقرؤهن لكتاب الله فلا مانع كالرجل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها . (2)
باب
في صفوف النساء
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها". (3)
قال النووي رحمه الله: أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبداً، وشرها آخرها أبداً، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صليت متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك.
باب
المرأة تكون خلف الرجال ولو وحدها
تقف المرأة خلف الرجال والصبيان في صلاة الجماعة حتى لو كانت وحدها تكون صفاً لوحدها خلف الرجال والصبيان .
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/204) .
(2) ) ) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (984)، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.(1/167)
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمي أم سليم خلفنا . (1)
قال النووي رحمه الله : وفيه أن المرأة تقف خلف الرجال وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى تقف وحدها متأخرة . (2)
باب
تأخر الرجال عن الانصراف من الصلاة لأجل خروج النساء
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم قال نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال" . (3)
فوائد الحديث :
قال الشوكاني : فيه أنه يستحب للإمام مراعاة أحوال المأمومين والاحتياط في الاجتناب ما قد يفضي إلى المحذور واجتناب مواقع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت فأتى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يستحب هذا المكث ، وفي الحديث أنه لا بأس بحضور النساء الجماعة في المسجد . (4)
باب
النساء ليس عليهن صلاة جماعة
ولا جمعة
لم يثبت دليل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجب الجماعة على النساء بل الدليل خلاف ذلك وهو أن المرأة تصلي في ببيتها وهو أفضل مكان لها .
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيتها ظلمة". (5)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (694) ، باب المرأة وحدها تكون صفا ، ومسلم برقم (612) .
(2) )) شرح النووي (5/163) .
(3) )) رواه البخاري برقم (832) ، باب صلاة النساء خلف الرجال .
(4) )) نيل الأوطار (2/357) .
(5) رواه ابن خزيمة وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1691).(1/168)
وتقدم كذلك حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما: أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي".
قال: "فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها أو أظلمه وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل". (1)
قال ابن قدامة رحمه الله : أما المرأة فلا خلاف في أنها لا جمعة عليها.
قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء ، ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ولذلك لا تجب عليها جماعة . (2)
وقال ابن حزم رحمه الله : مسألة ولا جمعة على معذور بمرض ذلك من الأعذار، ولا على النساء ، فإن حضر هؤلاء صلوها ركعتين لأن الجمعة كسائر الصلوات تجب على من وجبت عليه سائر الصلوات في الجماعات ويسقط الإجابة من الأعذار ما يسقط الإجابة من غيرها ولا فرق، فإن حضرها المعذور فقد سقط العذر فصار من أهلها وهي ركعتان، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولو صلاها الرجل المعذور بامرأته صلاها ركعتين، وكذلك لو صلاها النساء في جماعة .اهـ . (3)
باب
متى ترفع النساء رؤوسهن من السجود
__________
(1) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (1689).
(2) )) المغني (2/94) .
(3) )) المحلى (5/55) .(1/169)
عن سفيان، قال : حدثني أبو حازم، عن سهل قال : "كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على أعناقهم ويقال للنساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً" . (1)
قال النووي : قوله رأيت الرجال عاقدي أزرهم معناه عقدوها لضيقها لئلا يكشف شيء من العورة ففيه الاحتياط في ستر العورة والتوثق بحفظ السترة وقوله يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال معناه لئلا يقع بصر امرأة على عورة رجل انكشف وشبه ذلك والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب . (2)
باب
تسبيح الرجال وتصفيق النساء
للأمر يحدث في الصلاة
لا يجوز للمرأة أن تتكلم بحضرة الرجال دون ضرورة ، وإذا طرأ طارئ في الصلاة، إذا أخطأ الإمام مثلاً فعليها بالتصفيق دون الكلام .
فعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم بالتصفيق إنما التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله ... " . (3)
وعن بن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء".
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (355) ، باب إذا كان الثوب ضيقا ، وباب أمر النساء المصليات وراء الرجال، ومسلم برقم (441) ، باب أمر النساء المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال .
(2) )) شرح النووي (4/160) .
(3) )) رواه البخاري برقم (1160) ، باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به ، ومسلم برقم (421) ، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم.(1/170)
زاد حرملة في روايته قال بن شهاب: "وقد رأيت رجالا من أهل العلم يسبحون ويشيرون" . (1)
باب
حمل الطفل في الصلاة
يجوز للرجل أن يحمل الطفل أثناء الصلاة لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال أبو قتادة - رضي الله عنه - : "خرج ألينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمامة بنت أبي العاص بنت أبنته على عنقه ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه ، وقمنا خلفه ، وهي في مكانها الذي هي فيه ، قال : فكبر فكبرنا حتى إذا أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركع أخذها فوضعها ، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ، ثم قام ، أخذها فردها في مكانها ، فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته" . (2)
فوائد الحديث :
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : ففيه :
1- دليل لصحة صلاة من حمل آدميا ، أو حيواناً طاهراً من طير وشاة وغيرهما ، وأن وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها .
2- وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة ، وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال بل تفرقت لا تبطل الصلاة .
3- وفيه التواضع مع سائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم .
4- وقوله : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس وأمامة على عاتقة ، هذا يدل لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه : أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من في صلاة الفرض وصلاة النفل ، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد . (3)
باب
خروج النساء إلى صلاة العيد
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1145) ، باب التصفيق للنساء ، ومسلم برقم (422) ، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة .
(2) ) ) رواه البخاري برقم ( 516) و( 5996) ، باب حمل جارية صغيرة على عنقه ، ومسلم برقم ( 543) ، باب جواز حمل الصبيان .
(3) ) ) شرح النووي على صحيح مسلم (5/31) .(1/171)
صلاة العيدين واجبة على النساء والرجال لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخروج إليها ومواظبته عليها .
فعن أم عطية رضي الله عنها، قالت :"كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته" . (1)
وتقدم حديث عن حفصة قالت كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة وكانت أختي معه في ست قالت كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى فسألت أختي النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج، قال ثم لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين فلما قدمت أم عطية سألتها أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت بأبي نعم وكانت لا تذكره إلا قالت بأبي سمعته يقول يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور والحيض وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى قالت حفصة فقلت الحيض فقالت أليس تشهد عرفة وكذا وكذا. (2)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (928) ، باب التكبير أيام منى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .
(2) )) رواه البخاري برقم (890) ، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .(1/172)
وقد استدل العراقي لاستحباب المشي في صلاة العيد بعموم حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون"، فهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء، قال: وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يأتي إلى صلاة العيد ماشياً، فمن الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ومن التابعين إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز ، ومن الأئمة سفيان الثوري والشافعي وأحمد وغيرهم . (1)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن :
هل يجوز للمرأة الخروج لصلاة عيد الفطر ؟
فأجاب : نعم الخروج للعيدين ويتأكد للنساء ففي الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته ، وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض في العيدين فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قالت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال :" لتلبسها أختها من جلبابها " لكن تتجنب الطيب والزينة وتخرج تفلة بعيدة عن الاختلاط بالرجال . (2)
باب
تكبير النساء يوم العيد
عن أم عطية رضي الله عنها، قالت :"كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته" . (3)
باب
موعظة النساء يوم العيد
__________
(1) )) نيل الأوطار (3/353) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 36) .
(3) )) رواه البخاري برقم (928) ، باب التكبير أيام منى ، ومسلم برقم (890) ، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال .(1/173)
عن جابر بن عبد الله قال : "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن ، فقال : "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم" ، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال : "لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير"، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن" . (1)
قوله : سطة النساء: قال ابن منظور : سِطةً: أَي تَوَسَّطْتُهم. ووَسَطَ الشيءَ و تَوَسَّطَه: صار في وسَطِه. و وُسُوطُ الشمس: توَسُّطُها السماء. (2)
وسفعاء الخدين : أي في خديها سواد .
وقوله : تكفرن العشير : يعني الزوج, سمي عشيراً لأنه يعاشرها وتعاشره. (3)
والقرط : ما يلبس في شحمة الأذن .
قال النووي : ومعنى الحديث أنهن يجحدن الإحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذي إحسان . (4)
وقال الشوكاني : والحديث فيه فوائد: منها ما ذكره المصنف ههنا لأجله، وهو جواز صدقة المرأة من مالها توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث . (5)
باب
جواز الغناء للجواري يوم العيد
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1393) ، باب الزكاة على الأقارب وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - له أجران أجر القرابة والصدقة ، ومسلم برقم (885) ، كتاب صلاة العيدين .
(2) )) لسان العرب (7/429) .
(3) )) الغريب لابن سلام (2/247) .
(4) )) شرح النووي (6/176) .
(5) )) نيل الأوطار(6/1249 .(1/174)
عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع على بالحق وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال : مِزمارةُ الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبل عليه رسول الله عليه السلام ، فقال : "دعهما"، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإما قال : "تشتهين تنظرين؟" ، فقلت : نعم، فأقامني وراءَه خدِّي على خدِّه وهو يقول : "دونكم يا بني أرفدة" حتى إذا مللت ، قال : "حسبك؟"ن قلت : نعم ، قال : "فاذهبي" . (1)
قال النووي رحمه الله : فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وان لم يكن فيه إثم وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتا على الكبير بل هو وضوء ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه وإنما سكت النبي ص عنهن لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه إعراضا عن اللهو ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن وكان هذا من رأفته ص وحلمه وحسن خلقه قوله جاريتان تلعبان بدف هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر ففي مع قوله ص هذا عيدنا أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور الظاهر وهو العيد والعرس . (2)
عن عمر رضي الله عنه أنه قال الغناء زاد الراكب واختار القاضي أنه محرم وهو قول الشافعي، قال :هو من اللهو المكروه، وقال أحمد : الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني . (3)
باب
جواز صلاة الكسوف للنساء مع الرجال
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (907) ، باب الحراب والدرق يوم العيد ، ومسلم برقم (892) ، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد .
(2) )) شرح مسلم (6/183) .
(3) )) المغني (10/174) .(1/175)
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أنها قالت : أتيت عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس فأشارت بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان الله ، فقلت: آية، فأشارت: أي نعم، قالت: فقمت حتى تجلاني الغشي فجعلت أصب فوق رأسي الماء، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال، لا أدري أيتهما قالت أسماء: يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن لا أدري أي ذلك، قالت أسماء: فيقول محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحا فقد علمنا إن كنت لموقناً، وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أيتهما قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته . (1)
وعن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : خسفت الشمس فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله ، وقال : "هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بها عباده فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره " . (2)
باب
التحذير من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1005) ، باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف ، ومسلم برقم (905) ، باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار .
(2) )) رواه البخاري برقم (1010) ، باب الذكر في الكسوف رواه بن عباس رضي الله عنهما ، ومسلم برقم (911) ، باب ذكر الكسوف الصلاة جامعة .(1/176)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في ناحية المسجد فصلى، ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "و عليك السلام ارجع فصلِّ فإنك لم تصل" فصلى ثم جاء فسلم فقال: "وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل" فصلى ثم جاء فسلم فقال: "وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل" فقال في الثانية أو في التي تليها: علمني يا رسول الله فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تستوي قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".
وفي رواية: "ثم ارفع حتى تستوي قائماً" يعني من السجدة الثانية. (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، ثم انصرف فقال: "يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي فإنما يصلي لنفسه إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديّ". (2)
قال النووي: قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له - صلى الله عليه وسلم - إدراكاً في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضي: قال أحمد بن حنبل رحمه الله وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين الحقيقية.
__________
(1) رواه البخاري، في كتاب الأذان برقم (757)، وفي كتاب الاستئذان برقم (6251)، وفي كتاب الإيمان والنذور برقم (549)، ورواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (397).
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (423).(1/177)
وعن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه". (1)
باب
التحذير من رفع البصر إلى السماء في الصلاة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!" فاشتّد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهُنَّ عن ذلك، أو لتخطَفَنَّ أبصارُهم". (2)
قيل: إن المعنى أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين، وقال القاضي عياض: رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراض عن القبلة وخروج عن هيئته . (3)
وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء عند الدعاء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم". (5)
وفي رواية لمسلم قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجعُ إليهم".
وفي رواية لأبي داود:
دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، فرأى فيه ناساً يُصلُّون، رافعي أبصارهم إلى السماء، فقال: "لينتهين رجالُ يَشخَصُون أبصارَهم في الصلاةِ، أو لا ترجعُ إليهم أبصارُهم". (6)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة برقم (234)، وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم واللفظ له وقال: (صحيح الإسناد).
(2) رواه البخاري في كتاب ألأذان برقم (750).
(3) )) فتح الباري (2/233، 234).
(4) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (428).
(5) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (429) .
(6) صحيح الترغيب رقم (551).(1/178)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدُكم في الصلاة، فلا يَرفع بَصَرَه إلى السماء، لا يُلتمعُ". (1)
قال الشوكاني : والعلة في ذلك أنه إذا رفع بصره إلى السماء خرج عن سمت القبلة وأعرض عنها وعن هيئة الصلاة، والظاهر أن رفع البصر إلى السماء حال الصلاة حرام يعاقب بالعمى . (2)
باب
التحذير من الالتفات في الصلاة
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة وقال عنه أنه اختلاس يختلسه الشيطان ، حيث أن الالتفات في الصلاة يذهب الخشوع وينقص من أجر الصلاة .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التلفت في الصلاة؟ فقال: "اختلاس يختَلِسُهُ الشيطانُ من صلاة العبد". (3)
الاختلاس من الخلسة، وهي ما يؤخذ سلباً مكابرة.
قال الطيبي: سمي اختلاساً تصويراً لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل على الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه،فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة . (4)
وعن أبي الأحوص عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صَرَف وجهه انصرف عنه". (5)
وفي حديث الحارث الأشعري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، ..".
__________
(1) رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية ابن لهيعة، وصححه الألباني في الترغيب برقم (550).
(2) )) نيل الأوطار (2/205) .
(3) رواه البخاري في كتاب الأذان برقم (751) ، باب الالتفات في الصلاة .
(4) )) فتح الباري (2/235) .
(5) صحيح الترغيب (554).(1/179)
وفيها: "وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهَه لوجه عبده في صلاتِهِ، ما لم يلتفت".الحديث (1)
قال المباركفوري : وأحاديث الباب تدل على كراهة الالتفات في الصلاة، وهو قول الأكثر والجمهور وأنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة، والحكمة في التنفير عنه ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان . (2)
باب
التحذير من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نُهيَ عن الخصر في الصلاة". (3)
وفي رواية لمسلم والترمذي ولفظهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصليَ الرجل مختصراً".
ورواه أبو داود وقال: "يعني: يضع يده على خاصرته". (4)
باب
التحذير من المرور بين يدي المصلي
عن أبي الجُهيم عبد الله بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين، خيراً له من أن يَمُرَّ بين يديه".
قال أبو النضر: لا أدري قال: "أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة". (5)
قوله: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه) أي: لو يعلم ماذا عليه من الإثم والخطيئة لوقف، ولكان وقوفه خيراً له.
__________
(1) رواه الترمذي وهذا لفظه، وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (552).
(2) )) تحفة الأحوذي (3/161) .
(3) رواه البخاري في كتاب العمل في الصلاة برقم (1219)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (545) .
(4) سنن أبي داود في كتاب الصلاة برقم (947)، وصحيح الترغيب (1/363).
(5) رواه البخاري في كتاب سترة المصلي برقم (510)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (507).(1/180)
(يمر بين يديه) أي: أمامه بالقرب منه، وحده ما بينه وبين موضع سجوده وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما. والله أعلم. قاله الألباني
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستُرُه من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".
وفي لفظ آخر: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى، فليقاتله، فإنَّما هو شيطان". (1)
ولفظ البخاري: "فليدفعه".
قوله: (وليدرأه) بدال مهملة أي: فليدفعه، بوزنه ومعناه
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى، فليقاتله، فإن معه القرين". (2)
وعن عبد الله بن عمر قال: "لأن يكون الرجلُ رماداً يُذرَى به، خير له من أن يمرَّ بين يدي رجل متعمداً وهو يصليَّ". (3)
تنبيه : كيف يكون الدفع والمقاتلة في الصلاة .
قوله: "فليدفعه" قال القرطبي : أي بالإشارة ولطيف المنع، وقوله الآتي "فليقاتله" أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول .أ.هـ. فتح الباري (1/583)
باب
التحذير من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة برقم (509)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (505).
(2) رواه مسلم في (2/58)، وابن ماجة، وابن خزيمة في "صحيحه".
(3) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (21/149) موقوفا،وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/354) من طريق أبي عمران الغافقي عنه: وقال الألباني: صحيح موقوف، صحيح الترغيب برقم (562).(1/181)
تقدم حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين الساريتين ، فقال : "ما هذا الحبل" ،قالوا : هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا، حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد" . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه". (2)
قال النووي: فيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلبه ونشاطه، وفيه أمر الناس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار ... ولكن لا يخرج فريضة عن وقتها. (3)
قوله : يسب نفسه : يدعو على نفسه.
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ". (4)
ورواه النسائي إلا أنه قال: "إذا نعسَ أحدُكم في الصلاة فليَنم، حتى يعلمَ ما يقرأُ". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قام أحدكم من الليل، فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فليضطجع". (6)
(فاستعجم القرآن على لسانه): أي استغلق ولم ينطق به لسانه لغلبة النعاس.
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1099) ، باب ما يكره من التشديد في العبادة ، ومسلم برقم (784) ، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يباع حتى يذهب عنه ذلك .
(2) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (212)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم(786).
(3) )) شرح النووي (6/74) .
(4) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (213).
(5) صحيح الترغيب (1/408).
(6) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين برقم (787).(1/182)
وفي رواية للنسائي ولفظه: "إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يصلي فلينصرف، فلعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري". (1)
باب
مرور المرأة أمام المصلي يقطع الصلاة
ثبت في السنة المطهرة أن مرور المرأة البالغة أمام المصلي يؤدي ذلك إلى قطع الصلاة .
فعن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود"، قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال : يا بن أخي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان" . (2)
قال الصنعاني رحمه الله : واعلم أن الحديث عام في الأمر باتخاذ السترة في الفضاء وغيره فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى إلى جدار جعل بينه وبينه قدر ممر الشاة ولم يكن يتباعد منه بل أمر بالقرب من السترة وكان إذا صلى إلى عود أو عمود أو شجرة جعله على جانبه الأيمن أو الأيسر ولم يصمد له صمدا وكان يركز الحربة في السفر أو العنزة فيصلي إليها فتكون سترته وكان يعرض راحلته فيصلي إليها . (3)
__________
(1) صحيح الترغيب (1/408).
(2) )) رواه مسلم برقم (510) ، باب قدر ما يستر المصلي .
(3) )) سبل السلام (1/146) .(1/183)
وقال الشوكاني : وأحاديث الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة، والمراد فتكون الصلاة إبطالها، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه، وحكى أيضا عن أبي ذر وابن عمر وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار، وممن قال من التابعين فتكون الثلاثة المذكورة الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود، ومن الأئمة أحمد بن حنبل فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري، وحكى الترمذي عنه أنه يخصص بالكلب الأسود ويتوقف في الحمار والمرأة قال ابن دقيق العيد وهو أجود مما دل عليه كلام الأثرم من جزم القول عن أحمد بأنه لا يقطع المرأة والحمار، وذهب أهل الظاهر أيضا إلى قطع الصلاة بالثلاثة المذكورة إذا كان الكلب والحمار بين يديه سواء كان الكلب والحمار مارا مار وصغيرا أم كبيرا حياً أم ميتاً، وكون المرأة بين يدي الرجل مارة صغيرة أم كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة .
فعلى المرأة أن تحرص بأن لا تمر أمام المصلي .
أسئلة تطبيقية في الصلاة
حكم متابعة المرأة والرجل للإمام
لقراءته من المصحف
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة أو الرجل أن يتابع القراءة مع الإمام في المصحف وهو يصلي التراويح ، سواء رفع المتابع صوته أم لم يرفعه ؟
فأجاب : لا يجوز للمأموم رجلاً كان أو امرأة أن يتابع قراءة الإمام نظراً في المصحف ؛ لأن هذا يشغله عن الصلاة من غير حاجة إلى ذلك ، وهذه ظاهرة يفعلها بعض الشباب الآن ، ولم يكن هذا من عمل السلف فيما نعلم ، فالواجب تركه والنهي عنه .
وقد اختلف العلماء في حكم قراءة الإمام من المصحف عند الحاجة فكيف بالمأموم . (1)
هل يجوز للمرأة مخالفة الإمام
في الركوع وغيره
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ بن فوزان ( 3/ 196، 197) .(1/184)
هل يجوز للمرأة أو غيرها أن تركع قبل الإمام ، أو تسجد قبله ، أو تسلم قبله ؟
فأجاب : لا يجوز للمأموم رجلاً كان أم امرأة أن يركع أو يسجد قبل الإمام ، بل يجب أن تكون أفعال المأموم بعد أفعال الإمام ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" إنما جعل الإمام ليؤتم به : فإذا كبر ، فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر ، وإذا ركع فاركعوا ، ولا تركعوا حتى يركع " .
وقد جاء الوعيد في حق الذي يسابق الإمام بأنه يخشى أن يحول الله رأسه رأس حمار .
ولذلك يجب على المأموم ألا يسلم من الصلاة إلا بعد سلام إمامه فإن فعل متعمداً من غير عذر يجيز له مفارقة الإمام بطلت صلاته . والله أعلم . (1)
جهر المرأة بالصلاة
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة وهي تصلي أن تجهر بصلاتها ويكون الجهر بصوت مسموع وليس ذلك في الصلاة الجهرية بل في السنن والرواتب والصلاة السرية والغرض من ذلك أن ترتل ليكون جالباً للخشوع ومبتعداً عن السهو ولا يوجد عندها رجال ولا نساء ؟
فأجاب : أما في صلاة الليل فإنه يستحب لها أن تجهر في قراءة الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة ما لم يسمعها رجل أجنبي يخشى أن يفتتن بصوتها فإذا كانت في مكان لا يسمعها رجل أجنبي وفي صلاة الليل فإنها تجهر بالقراءة ، إلا إذا ترتب على ذلك التشويش على غيرها فإنها تسر .
أما في صلاة النهار فإنها تسر بالقراءة لأن صلاة النهار سرية وإنما تجهر فيها بقدر ما تسمع نفسها فقط . حيث لا يستحب الجهر في صلاة النهار لمخالفة ذلك السنة . (2)
هل يشترط في صفوف النساء
تسويتها وانتظامها
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان ( 3/158) .
(2) ) ) فتاوى نور على الدرب لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان ص( 51) .(1/185)
هل يشترط في صفوف النساء تسويتها وانتظامها ؟ وهل يكون حكم الصف الأول وغيره سواء ، وخاصة إذا كان مصلى النساء معزولاً تماماً عن الرجال ؟
فأجاب : يشرع في صفوف النساء ما يشرع في صفوف الرجال من حيث تسويتها ، وانتظامها ، وإكمال الصف الأول فالأول منها ، وسد الفرج فيها ، وإذا لم يكن بينهن وبين الرجال ساتر فخير صفوفهن آخرها ؛ من أجل البعد عن الرجال ، وكما جاء في الحديث ، وإن كان بينهن وبين الرجال فاصل وساتر فالذي يظهر أن خير صفوفهن أولها ؛ لزوال المحذور ، ولأجل مصلحة القرب من الإمام . والله أعلم . (1)
باب
مسائل متفرقة في الصلاة
لا يلزمه قضاء ما ترك من الصلوات
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
كنت سابقاً لا أؤدي الصلاة . ومن الله عليَّ بالهداية . فأصبحت حريصاً على أدائها . سؤالي عن الصلوات خلال السنوات الماضية هل يلزمني قضاؤها أم لا ؟
فأجاب : متى ترك الإنسان الصلاة سنين عديدة ثم تاب وحافظ عليها فإنه لا يلزم بقضاء ما ترك من الصلوات . ولو اشترط ذلك لكان منفراً للكثيرين من التوبة .
وإنما يؤمر التائب بالمحافظة عليها في المستقبل والإكثار من النوافل والطاعات وفعل الخير والتقرب إلى الله وخشيته . (2)
الشك في الصلاة
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
أحياناً في الصلاة أنسى هل قرأت الفاتحة أم لا . فأقوم بقراءتها ثانية فهل عملي هذا صحيح أم أسجد سجود السهو ؟
فأجاب : تكثر الوسوسة من بعض الناس أثناء الصلاة ويقع منهم الشك في القراءة أو التشهد وعلاج ذلك الحرص على الإقبال على الصلاة واحضار القلب فيها حتى تخف الأوهام والوساوس ثم إن غلب ذلك وكان المعتاد القراءة فتكره الإعادة والتكرار ثم إن حصلت الإعادة من باب الاحتياط لم يلزم سجود السهو . (3)
قطع الصلاة
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/ 157، 158) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 37) .
(3) ) ) فتاوى المرأة ص( 30) .(1/186)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
إذا نسيت وصليت بثوب فيه نجاسة وتذكرت ذلك أثناء الصلاة فهل يجوز لي قطع الصلاة وإبداله ؟ وما هي الحالات التي يجوز فيها قطع الصلاة ؟
فأجاب : من صلى وهو حامل نجاسة يعلمها بطلت صلاته فإن لم يعلمها حتى انقضت صلاته أجزأته ولم يلزمه الإعادة فإن علم أثناء الصلاة وأمكنه إزالتها بسرعة فعل وأتم الصلاة فقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه مرة في صلاته لما أخبره جبريل أن فيهما أذى ولم يبطل أول صلاته وكذا لو كانت في عمامته فألقاها بسرعة بنى على ما مضى ، أما إذا احتاج إلى عمل كخلع القميص والسراويل ونحوها فإنه بعد الخلع يستأنف صلاته وهكذا يقطع الصلاة إذا تذكر أنه محدث أو أحدث في الصلاة أو بطلت بضحك ونحوه . (1)
هل تصلي النساء في البيت بعد
الأذان لأم بعد الإقامة
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
متى تصلي النساء في البيت ؟ أبعد الأذان ؟ أم بعد الإقامة .
فأجاب : إذا دخل الوقت فإن النساء اللاتي في البيوت يصلين ولا ينتظرن الإقامة ، بل يصلين بعد سماع الأذان إذا كان المؤذن يؤذن عند دخول الوقت ، ويجوز لهن تأخير عن أول الوقت . والله أعلم . (2)
حديث النساء في أمور الدنيا في المسجد
والانشغال بذلك عن الدخول في الصلاة
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
تتعمد بعض النساء حين يحضرن إلى المسجد الحديث مع بعضهن في أمور خارج العبادة ، وأحياناً لا ينهين حديثهن إلا عند ركوع الإمام ، فما الحكم في ذلك ؟
فأجاب : من حضر في المسجد من الرجال والنساء فإنه يراعي حرمة المسجد وحرمة العبادة ، فلا يخوض في حديث الدنيا ؛ لأن ذلك يسيء إلى المسجد ، ويشغل عن العبادة ويفوت الفرصة على المسلم في هذا المكان الطاهر .
__________
(1) ) ) فتاوى المرأة ص( 34) .
(2) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/181) .(1/187)
ومن باب أولى لا يجوز الانشغال بالحديث عن الدخول في الصلاة مع الإمام من أولها ؛ لأن هذا يفوت فضل تكبيرة الإحرام ، ويعرض الركعة للفوات ، ويشوش على الإمام وعلى المصلين . (1)
صلاة المرأة في السوق
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل تجوز الصلاة في السوق ؟
فأجاب : تلزم الرجال المكتوبة في المساجد في الجماعة فإما المرأة فبيتها خير لها فإن احتاجت للصلاة في السوق وكان هناك ستر وسترة فلا مانع من ذلك إن شاء الله . (2)
باب
ثواب الصلاة في مسجد قباء
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج كل سبت إلى مسجد قباء للصلاة فيه لأنه ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن صلاة في مسجد قباء تعدل أجر عمرة .
فعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة". (3)
وعن أسيد بن ظهير الأنصاري - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجد قباء كعمرة". (4)
وعن عامر بن سعد وعائشة بنت سعد: أنهما سمعا أباهما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: "لأن أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أصلي في مسجد بيت المقدس". (5)
باب
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان ( 3/192، 193) .
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 28) .
(3) رواه ابن ماجة عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف، ورواه أحمد والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه العلامة الألباني صحيح ابن ماجة (1160) وصحيح الجامع (6030)، الترغيب (1181) وقال الألباني صحيح.
(4) رواه ابن ماجة (1411) والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1159)، وصحيح الترغيب برقم (1180).
(5) رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط البخا ري ومسلم وهو موقوف"، المستدرك (3/12) ووافقه الذهبي، وقال الألباني: "صحيح موقوف"، صحيح الترغيب برقم (1183).(1/188)
مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة الشريفة
لمكة المكرمة والمدينة الشريفة مكانة خاصة عند الله سبحانه وتعالى ومن ذلك أن جعل أجر الصلاة فيهما مضاعف عن غيرهما من البلاد .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". (1)
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألفَ صلاة". (2)
قال النووي : وأعلم أن مذهبنا أنه لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة بل يعم الفرض والنفل جميعا وبه قال مطرف من أصحاب مالك وقال الطحاوي يختص بالفرض وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة والله أعلم . (3)
ثم قال : وأعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما يزيد فيه بعده فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرته . (4)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل: المسجد الحرام ومسجدي وصلاة في مسجدي أفضل من آلف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام". (5)
__________
(1) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.
(2) رواه أحمد وابن ماجة بإسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1155)، الإرواء (4/146) و (1129).
(3) ) ) شرح النووي على صحيح مسلم (9/164) .
(4) ) ) شرح النووي على صحيح مسلم (9/166) .
(5) رواه البزار، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1175)0(1/189)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى، قال: فأخذ كفاً من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: "هو مسجدكم هذا" لمسجد المدينة. (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء – أو يأتي قباء راكباً وماشياً. زاد في رواية: فيصلي فيه ركعتين. (2)
وفي رواية للبخاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً، وكان عبد الله يَفعَلُه. (3)
باب
ثواب الصلاة في مسجد بيت المقدس
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل حُكماً يصادف حكمه وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده وأنه لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أما إثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة". (4)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الحج برقم (1398).
(2) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1194) ومسلم في كتاب الحج برقم (1399).
(3) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1193).
(4) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم" صحيح ابن ماجة (1156) والترغيب (1178) وقال الألباني: "صحيح".(1/190)
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في بيت المقدس افضل أو في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتين زمانٌ ولقيد سوط أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعاً". (1)
(المنشر) أي: يوم القيامة.
حكم السفر وشد الرحال إلى المساجد لزيارتها
أو التعبد بها
لا يشرع السفر وشد الرحال لأي مسجد إلا للمساجد الثلاثة ، كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لا تشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى" . (2)
وفي لفظ لمسلم : "إنما يُسافَرُ إلى ثلاثة مساجد" . الحديث .
قال المناوي : "لا تشد" : بصيغة المجهول نفي بمعنى النهي لكنه أبلغ منه لأنه كالواقع بالامتثال لا محالة .
"الرحال" : جمع رحل بفتح الراء وحاء مهملة وهو للبعير بقدر سنامه أصغر من القتب كنى بشدها عن السفر إذ لا فرق بين كونه براحلة أو فرس أو بغل أو حمار أو ماشياً كما ل عليه قوله في بعض طرقه في الصحيح إنما يسافر فذكره شدها غالبي .
"إلا إلى ثلاثة مساجد" : الاستثناء مفرغ والمراد لا تسافر لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة لا أنه لا يسافر أصلاً إلا لها .
وذهب القاضي عياض والجويني والقاضي حسين للتحريم ، فيحرم شد الرحل لغيرها كقبور الصالحين والمواضع الفاضلة .
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (4/509) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الترغيب برقم (1179).
(2) ) ) رواه البخاري برقم (1189) ، ومسلم برقم (1397) .(1/191)
قال الطيبي : وهو أبلغ مما لو قيل لا تسافر لأنه صورة حالة المسافر وتهيئة أسبابها وأخرج النهي مخرج الإخبار أي لا ينبغي ولا يستقيم أن تقصد الزيارة بالراحلة إلا إلى هذه الثلاثة :
"المسجد الحرام" .
"ومسجدي هذا" : في رواية مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل لعله من تصرف الرواة .
"والمسجد الأقصى" : وهو بيت المقدس سمي به لبعده عن مسجد مكة مسافة أو زمناً أو لكونه لا مسجد وراءه أو لأنه أقصى موضع من الأرض ارتفاعاً وقرباً إلى السماء خص الثلاثة لأن الأول إليه الحج والقبلة ، والثاني أسس على التقوى ، والثالث قبلة الأمم الماضية ، ومن ثم لو نذر إتيانها لزمه عند مالك وأحمد وكذا عن بعض الشافعية لكن الصحيح عندهم قصره على الأول لتعلق النسك به .اهـ . (1)
وعلى هذا لا يجوز السفر وشد الرحال لأي مكان أو أي مسجد كان بقصد التعبد غير هذه المساجد الثلاثة ، وهذا مذهب كثير من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، وغيرهما .
وروى الطبراني وغيره ، عن قزعة قال : "أردت الخروج إلى الطور ، فسألت ابن عمر فقال :" أما علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمسجد الأقصى" ، ودع عنك الطور ، فلا تأته" . (2)
__________
(1) ) ) فيض القدير للمناوي .
(2) ) ) أحكام الجنائز للشيخ الألباني رحمه الله تعالى (ص226) .(1/192)
هذا ونجد ممن يذهب للحج أو للعمرة يقصد المسجد النبوي لزيارته ، فنقول هذا لا بأس به علماً أن المسجد ليس له علاقة بمناسك الحج والعمرة ، ولكن الناس تقطع المسافات الكبيرة لأداء فريضة الحج أو العمرة فيغتنمون الفرصة لزيارة المسجد النبوي وهذا لا بأس به ، ولكن نجد ممن يقصد زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا محرم في الشرع ، حيث لا يشرع زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا لأي قبر كان للنهي المتقدم عن شد الرحال لأي مكان غير المساجد الثلاثة .
وكذلك ثبت النهي عن زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تجعلوا بيوتكم قبورا و لا تجعلوا قبري عيدا و صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" . (1)
أما لو سافر المسلم إلى المسجد النبوي وصلى فيه للأجر العظيم ، ثم زار بعض الأماكن كقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو مسجد قباء ، أو شهداء أحد ، أو البقيع أو غير ذلك فهذا لا بأس به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "لو سافر إلى المسجد النبوي ، ثم ذهب منه إلى قباء ، فهذا يستحب ، كما يستحب زيارة قبور البقيع ، وشهداء أحد" .اهـ . (2)
وتروى أحاديث غير ثابتة ولا تصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما بينه علماؤنا الأجلاء ، منها :
1- "من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي" . (3)
قال المناوي : "قال البيهقي : تفرد به حفص بن سليمان وهو ضعيف وقال ابن عدي : حفص هذا هو القارئ ضعفوه جداً مع إمامته في القراءة ورمي
بالكذب والوضع ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن ابن عمر وأعله بأن فيه حفص بن أبي داود ضعفوه ، ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوع" .اهـ (4)
__________
(1) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (7226).
(2) ) ) مجموع الفتاوى (27/22) .
(3) ) ) انظر ضعيف الجامع حديث رقم : (5553) .
(4) ) ) فيض القدير .(1/193)
وقال عنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : "موضوع" . (1)
وعلى هذا الحديث الذي لا يصح والمكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب جمع من الصوفية إلى أن الهجرة إليه ميتاً كمن هاجر إليه حياً .
وأخذ منه السبكي أنه تسن زيارته حتى للنساء ، وإن كانت زيارة القبور لهنّ مكروهة
وأطال في الرد على شيخ الإسلام ابن تيمية من حرمة السفر لزيارته حتى على الرجال .
2- وحديث : "من زار قبري وجبت له شفاعتي" . (2)
قال ابن القطان : وفيه عبد اللّه بن عمر العمري قال أبو حاتم : مجهول وموسى بن هلال البصري قال العقيلي : لا يصح حديثه ولا يتابع عليه ، وقال ابن القطان : فيه ضعيفان .
وقال النووي في المجموع : ضعيف جداً .
وقال الغرياني : فيه موسى بن هلال العبدي ، قال العقيلي : لا يتابع على حديثه . وقال أبو حاتم : مجهول .
وقال السبكي : بل حسن أو صحيح .
قال ابن حجر : حديث غريب خرجه ابن خزيمة في صحيحه . وقال في القلب في سنده شيء وأنا أبرأ إلى اللّه من عهدته قال أعني ابن حجر : وغفل من زعم أن ابن خزيمة صححه .اهـ (3)
3- "من صلى علي عند قبري سمعته و من صلى علي نائيا أبلغته" . (4)
قال العقيلي : حديث لا أصل له .
وقال ابن دحية : موضوع تفرد به محمد بن مروان السدي قال : وكان كذاباً .
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .
وفي الميزان : ابن مروان السدي تركوه واتهم بالكذب ثم أورد له هذا الخبر .
- - -
باب
ثواب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال الله تعالى { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } (5) .
__________
(1) ) ) انظر ضعيف الجامع حديث رقم : (5553) .
(2) ) ) وقال الشيخ الألباني : موضوع انظر ضعيف الجامع حديث رقم (5607).
(3) ) ) فيض القدير للمناوي .
(4) ) ) قال عنه العلامة الألباني رحمه الله تعالى : "موضوع" ، انظر ضعيف الجامع حديث رقم (5670) .
(5) سورة الأحزاب الآية (56).(1/194)
هذه الآية شَرَّفَ الله سبحانه وتعالى بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وموته وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء.
فيستحب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما كتبه ويكتبها كاملة ولا يقتصرها كما يفعل البعض فيكتبها هكذا (صلعم) أو يكتبها (ص).
ويستحب إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما وهذا ظاهر في الآية.
وذكر ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى : في كتابه العظيم (جلاء الأفهام) تسعاً وتسعين فائدة يحصل عليها المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - منها:
يصلي الله عليه بكل صلاة عشر صلوات وترفع له عشر درجات ويكتب له عشر حسنات وتمحى عنه عشر سيئات ويرجى إجابة دعائه إذا بدأه بحمد الله ثم - صلى الله عليه وسلم - بعدها وختم دعاءه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبب لنيل شفاعته - صلى الله عليه وسلم - وسبب لغفران الذنب وذهاب الهم والغم وقضاء الحوائج ، وتكون سبب للقرب منه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة.
وتكون سبب لطيب المجلس، وسبب لتثبيت القدم على الصراط ونور على الصراط وبركة على المصلى في عمره وأسباب مصالحه.
وسبب لنيل رحمة الله وسبب لهداية المصلي عليه وحياة قلبه، ويقول رحمه الله تعالى: (فكلما أكثر العبد من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة شيء من أوامر ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة ومعرفة ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - فذكره - صلى الله عليه وسلم - وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على أنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه". أ هـ.(1/195)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلى علي صلاة - صلى الله عليه وسلم - عليه بها عشراً" (1) .
فيه الحث على الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيها من الأجر العظيم والخير العميم، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبب في رحمة الله للعبد.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" (2) .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطّ عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحدٍ يسلم علي إلا ردَّ الله إلي روحى حتى أرد عليه السلام" (4) .
وعن مكحول عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أكثروا عليَّ من الصلاة في يوم الجمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم مني منزلة" (5) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (284) وأبو داود والترمذي .
(2) رواه الترمذي برقم (484) وابن حبان برقم (908) . المشكاة (923) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (حسن لغيره)(1668)
(3) رواه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال (صحيح الإسناد)، وصححه الألباني في المشكاة برقم (922)، وفضل الصلاة برقم (12211)، وصحيح الترغيب رقم (1657) .
(4) رواه أحمد وأبو داود ، المشكاة (625) النقد (47) التوسل(64) الآيات (43، 44)، الترغيب (1666) .
(5) رواه البيهقفي في الشعب بإسناد حسن ، الصحيحة : (1527) ، الإرواء (4)، فضل الصلاة (40). وصحيح الترغيب برقم (1673).(1/196)
وعن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب: فقلت يا رسول الله : إني أُكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي قال: "ما شئت" قلت: الربع؟ قال: "ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت: النصف قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير" قال: أجعل لك صلاتي كلها قال: " إذاً تكفى همك ويغفر ذنبك" (1) .
المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء.
استحباب كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وفي ليلته لقوله عليه الصلاة والسلام "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة" (2) .
من حديث أنس رضي الله عنه بزيادة "... فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً" (3) .
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فأما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد له إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده - صلى الله عليه وسلم - فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه - صلى الله عليه وسلم - أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته . أ هـ. (4)
__________
(1) رواه أحمد والترمذي ، وقال : "حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال : "صحيح الإسناد"، السلسلة الصحيحة برقم (952)، والمشكاة برقم (5351)، وفضل الصلاة برقم (14) .
(2) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/249).
(3) سبق تخريجه.
(4) زاد المعاد (1/283) .(1/197)
قال أنس بن مالك قال أبو طلحة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا : إنا نعرف الآن في وجهك البشر يا رسول الله ! قال : "أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلى علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشرا مثالها" (1) .
وعن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يوماً والبشر يرى في وجهه فقالوا : يا رسول الله إنا نرى في وجهك بِشراً لم نكن نراه، ، قال : " أجل إنه أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك ألا يُصلي عليك أحدٌ من أُمتك إلا صليت عليه كثيراً ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشراً" (2) .
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فأطال السجود قال: " أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليتَ عليه ومن سلم عليكَ سلمتَ عليه فسجدت لله شكراً" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً" (4) .
__________
(1) رواه أحمد والنسائي وابن حبان في ( صحيحه ) ، قال العلامة الألباني رحمه الله : الحديث بمجموع طرقه صحيح، فضل الصلاة (ص 22 ) وصحيح الترغيب برقم (1662).
(2) رواه ابن حبان وصححه (2391) موارد، وصححه الألباني بشواهده، فضل الصلاة (ص22)، وصحيح الترغيب برقم (1661).
(3) رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد ،وقال الألباني: الحديث صحيح لطرقه وشواهده ، فضل الصلاة (ص25) ، وصحيح الترغيب برقم (1658).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (911)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1530)، والترمذي في كتاب الصلاة رقم (485)، والنسائي في كتاب السهو برقم (1295).(1/198)
وقال - صلى الله عليه وسلم - "أتاني آتٍ من عند ربي عز وجل قال: " من صلى عليك مِنْ أُمتك صلاة كتب الله له عشر حسنت ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وردَّ عليه مثلها" (1) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" (2) .
وعن جعفر عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ينسى الصلاة عليَّ خطئ أبواب الجنة" (3) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من نسيَّ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة" (4) .
وعن بكر بن عبد الله المزني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم فإذا أنا مِتُ كانت وفاتي خيراً لكم تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم" (5) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم" (6) .
__________
(1) رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (57)، وفضل الصلاة برقم (13).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة برقم (847).
(3) قال الألباني : إسناده مرسل جيد، فضل الصلاة (41).
(4) قال الألباني: إسناده مرسل صحيح ، فضل الصلاة (ص43).
(5) رواه البزار موصولاً من حديث ابن مسعود، وصححه الألباني وقال: إسناده مرسل صحيح، فضل الصلاة (ص25).
(6) فضل الصلاة (ص30) وقال الألباني: صحيح .(1/199)
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة" (1) .
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أجعلُ ثلث صلاتي عليك؟ قال: " نعم، إن شئت" ، قال: الثلثين؟ قال: " نعم" قال: فصلاتي كلها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذاً يكفيك ما همك من أمر دنياك وآخرتِك" (2) .
وأفضل الصلاة هي الصلاة الإبراهيهية وهي : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
باب
النهي عن الجلوس في مجلس لا يذكر الله فيه
ولا يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم -
عن ابي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم". (3)
وفي رواية: قال: "من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه، كان عليه من الله تِرةً، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة، وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه، إلا كان عليه من الله ترة". (4)
(الترة) بكسر التاء المثناة فوق أو تخفيف الراء: هي النقص، وقيل التبعة.
__________
(1) وقال الألباني: "صحيح"، فضل الصلاة (ص50).
(2) رواه الطبراني بإسناد حسن، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب برقم (1671) .
(3) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال: "حديث حسن"، ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1512).
(4) رواه أبو داود وأحمد وابن أبي الدنيا والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، السلسلة الصحيحة" (78 و 79).(1/200)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما قعد قوم مقعداً لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة،
وإن دخلوا الجنة للثواب". (1)
وعن عبدالله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله، إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة". (2)
وعن ابي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة". (3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أَبخلَ الناس من ذكرت عنده فلم يصلي عليَّ" (4) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم" (5) .
كتاب الصيام
الصوم : هو الإمساك .
وفي الشرع : هو إمساك مخصوص عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق إلى المغرب تعبداً لله عزوجل .
باب
فرضية الصوم
فرض الله سبحانه وتعالى علينا الصيام كما فرض بقية العبادات .
__________
(1) رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري" وصححه الألباني في الترغيب برقم (1513).
(2) رواه الطبراني في " الكبير" و "الأوسط"، والبيهقي، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (1515).
(3) رواه أبو داود و الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وصححه الألباني في الترغيب (1514).
(4) قال الألباني: صحيح ، فضل الصلاة (ص37)، وصحيح الترغيب(1684).
(5) قال الألباني: صحيح ، فضل الصلاة (ص54).(1/201)
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } . (1)
وفي حديث جبريل عليه السلام، عن أبي هُرَيرةَ قال: «كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بارِزاً يَوْماً للنَّاسِ، فأتاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: ما الإِيمانُ؟ قال: «أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلاَئِكتِهِ، وبِلقائه، وَرُسُلِهِ، وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ». قال: ما الإِسلامُ؟ قال: «الإِسْلامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ ولا تُشْرِكَ بهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكاةَ المَفْروضةَ، وتَصومَ رَمضانَ». قال: ما الإِحسانُ؟ قال: «أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يراك». قال: مَتى الساعةُ؟ قال: «ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِنَ السائل. وسأُخبِرُكَ عنْ أشَراطها: إِذا وَلَدَت الأَمَةُ رَبَّها؛ وإِذَا تَطاوَلَ رُعاةُ الإِبلِ البُهْمِ في البُنْيانِ، في خَمْس لا يَعْلَمُهنَّ إلاَّ اللَّهُ». ثمَّ تَلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَاعةِ} الآية. ثمَ أدْبَرَ. فقال «رُدُّوهُ». فلم يَرَوا شَيئاً. فقال: «هذا جِبْريلُ جاءَ يُعَلِّمُ الناسَ دِينَهُم». قال أبو عبدِ اللَّهِ: جَعَل ذلكَ كلَّهُ مِنَ الإِيمان» . . (2)
وقال عليه الصلاة والسلام: "رغم أنف امرئٍ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له". (3)
قال الذهبي رحمه الله تعالى: وعند المؤمنين أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عذر أنه شر من المكاس والزاني بل يشكون إسلامه ويظنون به الزندقة والإنحلال.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
__________
(1) سورة البقرة (183-184).
(2) )) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (50) ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (256) .
(3) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3545)، والحاكم في المستدرك (1/549)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.(1/202)
الصيام له ركن وهو : التعبد لله عزوجل بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
والمراد بالفجر هنا : الفجر الثاني دون الأول .
ويتميز الفجر الثاني عن الفجر الأول بثلاثة مميزات .
الميزة الأولى : أن الفجر الثاني يكون معترضاً في الأفق ، والفجر الأول يكون مستطيلاً – أي : ممتداً من المشرق إلى المغرب – وأما الفجر الثاني فيمتد من الشمال إلى الجنوب .
الميزة الثانية : أن الفجر الثاني لا ظلمة بعده بل يستمر النور في الازدياد حتى طلوع الشمس ، وأما الفجر الأول فيظلم بعد أن يكون له شعاع .
الميزة الثالثة : أن الفجر الثاني متصل بياضه بالأفق ، وأما الفجر الأول فبينه وبين الأفق ظلمة .
والفجر الأول ليس له حكم في الشرع فلا تحل به صلاة الفجر ولا يحرم به الطعام على الصائم بخلاف الفجر الثاني . اهـ . (1)
باب
التحذير من إفطار رمضان بلا عذر ولا حاجة
قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } . (2)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهم ما اجتنبت الكبائر". (3)
وقال عليه الصلاة والسلام: "رغم أنف امرئٍ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له". (4)
قال الذهبي رحمه الله تعالى: وعند المؤمنين أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عذر أنه شر من المكاس والزاني بل يشكون إسلامه ويظنون به الزندقة والإنحلال.
باب
ثواب الصوم مطلقاً
__________
(1) ) ) فقه العبادات لابن عثيمين (ؤص172، 173) .
(2) سورة البقرة (183-184).
(3) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة برقم (233).
(4) أخرجه الترمذي في الدعوات برقم (3545)، والحاكم في المستدرك (1/549)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.(1/203)
قال الله تعالى : { والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } . (1)
وقال تعالى: { كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية } . (2)
قال وكيع وغيره : هي أيام الصوم إذ تركوا فيها الأكل والشرب .
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" (3) .
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" إلا أنه قال: "فإذا دخل آخرهم أُغلقَ، مَن دخلَ شَرِبَ، ومن شَرِبَ لم يظمأ أبداً".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام والصيام لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة". (4)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الصوم جنة يستجن بها العبد من النار". (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه". (6)
"كل عمل ابن آدم له" أي: له أجر محدود (إلا الصوم) فأجره بدون حساب.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية (35).
(2) سورة الحاقة الآية (24).
(3) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1896)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1152).
(4) رواه البخاري (10/369 فتح)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (2698).
(5) رواه الطبراني في "الكبير" عن عثمان بن أبي العاص، صحيح الجامع (3861).
(6) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1904)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1151).(1/204)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان" (1) . أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة.
قال المناوي: "وهذا القول يحتمل أنه حقيقة بأن يجسد الله ثوابهما ويخلق الله فيه النطق (والله على كل شيء قدير) أ.هـ. (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابهُ أحد أو قاتله فليقل إني صائم". (3)
وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصيام جُنةٌ وحصنٌ حصين من النار". (4)
قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى : "جُنة" بضم الجيم : كل ما ستر ، ومنه "المجن" وهو الترس ، ومنه سُمي الجن لاستتارهم عن العيون ، وإنما كان الصوم لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات كما في الحديث الصحيح "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" .
قال ابن الأثير في النهاية : "معنى كونه جنة : أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات". أ.هـ. (5)
__________
(1) رواه أحمد ، والطبراني، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني رحمه الله في تمام المنة ص (94)، والمشكاة برقم (1963)، وصحيح الترغيب برقم (973).
(2) صحيح الترغيب (1/579) .
(3) متفق عليه.
(4) رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي، وقال شيخنا الألباني رحمه الله : "حسن لغيره" الترغيب (980) .
(5) صحيح الترغيب (1/575) .(1/205)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضِعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". (1)
وفي رواية: "وإذا لقي الله عزوجل فجزاه فرح" الحديث. (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به يدعْ الطعام من أجلي ويدع الشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه". (3)
الخلوف: بضم الخاء: هو تغير رائحة الفم من الصوم.
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي"؟ فقال: "إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيحتمل الله ما بقيَ عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة".
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إن ربكم يقول: كل حسنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به، والصوم جنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإن جَهِل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل: إني صائم، إني صائم". (4)
وحديث الحارث الأشعري وفيه: "وآمركم بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة مع صرة مسك، كلهم يحب أن يجد ريحها، وإن الصيام أطيب عند الله من ريح المسك". الحديث.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1151).
(2) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1151) وابن خزيمة.
(3) رواه ابن خزيمة، وقال الألباني صحيح الترغيب (1/576).
(4) رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (1/575).(1/206)
رواه الترمذي وصححه إلا أنه قال: "وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". (1)
وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الصيام جُنَّة يَستَجِنُّ بها العبد من النار". (2)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ألا أدُّلك على أبواب الخير؟" قلت: بلى يا رسول الله! قال: "الصومُ جنةٌ، والصدقةُ تطفئُ الخطيئة كما يطفئُ الماءُ النارَ". (3)
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أسندت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري فقال: "من قال: (لا إله إلا الله) خُتم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء الله خُتم له به، دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة". (4)
ورواه الأصبهاني بلفظ : "يا حذيفة! من خُتم له بصيامِ يومٍ يريد به وجه الله عز وجل ، أدخله الله الجنة ". (5)
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تُكفرها الصلاة والصيام والصدقة". (6)
__________
(1) رواه الترمذي وابن خزيمة في "صحيحه" واللفظ له وابن حبان والحاكم.
(2) رواه أحمد بإسناد والبيهقي، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب برقم (981).
(3) رواه الترمذي في حديث وصححه، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (983).
(4) رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (985).
(5) قال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (1/579).
(6) رواه البخاري ومسلم.(1/207)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول: "لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنت الذي يقول ذلك" فقلت له : قد قلته يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونم وقم صم في الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر" قال: فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: "صم يوماً وأفطر يومين" قال: فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً وذلك صيام داود وهو
أعدل الصيام" قال: فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا أفضل من ذلك" قال عبد الله بن عمرو: لأن أكون قبلت الثلاثة، التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أهلي ومالي". (1)
وفي رواية لمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار" قال: يا رسول الله ما أردت بذلك إلا خير، قال: "لا صيام من صام الأبد ولكن أدلك على صوم الدهر ثلاثة أيام من كل شهر".
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً". (2)
الخريف : السنة .
وعن عمرو بن عبسة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوماً في سبيل الله، بعدت منه النار مسيرة مئة عام". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك
باب
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير برقم (2840)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (2704).
(3) رواه الطبراني في الكبير و الأوسط، وقال الألباني : صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (988).(1/208)
جواز القبلة والمباشرة للصائم والصائمة
عن زينب بنت أم سلمة عن أمها رضي الله عنها قالت : بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي ، فقال: "ما لك أنفست" ،قلت: نعم ، فدخلت معه في الخميلة، وكانت هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه" .
وقالت عائشة رضي الله عنها يحرم عليه فرجها. (2)
قولها : "أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِه" قال ابن منظور : أَي لحاجَتِه، تعني أَنه - صلى الله عليه وسلم - كان أَغْلَبَكم لِهَواه وحاجتِه أَي كان يَمْلِكُ نَفْسَه وهَواهُ. وقال السلمي: الإِرْبُ الفَرْجُ ههنا. قال: وهو غير معروف. قال ابن الأَثير: أَكثر المحدِّثينَ يَرْوُونه بفتح الهمزة والراءِ يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأْويلان: أَحدهما أَنه الحاجةُ والثاني أَرادت به العُضْوَ، وعَنَتْ به من الأَعضاءِ الذكَر خاصة. (3)
فوائد الحديث :
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1828) ، باب القبلة للصائم وقال جابر بن زيد إن نظر فأمنى يتم صومه ، ومسلم برقم (256) ، باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد .
(2) )) رواه البخاري برقم (1826)، باب المباشرة للصائم ، ومسلم برقم (1106) ، باب بيان أن القبلة في الصوم على من لم تحرك شهوته .
(3) )) لسان العرب .(1/209)
قال النووي : أما أحكام الباب ففيه: جواز النوم مع الحائض والاضطجاع معها في لحاف واحد إذا كان هناك حائل يمنع من ملاقاة البشرة فيما بين السرة والركبة أو يمنع الفرج وحده ثم من لا يحرم إلا الفرج، قال العلماء: لا تكره مضاجعة الحائض، ولا قبلتها، ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة وتحت الركبة، ولا يكره وضع يدها في شئ من المائعات ، ولا يكره غسلها رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع، وسؤرها وعرقها طاهران، وكل هذا متفق عليه، وقد نقل الإمام أبو جعفر محمد بن جرير في كتابه في مذاهب العلماء إجماع المسلمين على هذا كله ودلائله من السنة ظاهرة مشهورة، وأما قول الله تعالى : { فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } . (1) فالمراد اعتزلوا وطأهن ولا تقربوا وطأهن والله أعلم .اهـ . (2)
باب
جواز إتيان الرجل أهله في ليالي رمضان
أباح الله سبحانه تعالى للصائم أن يأتي أهله في ليالي رمضان بعد ما كان إذا نام أحدهم حرم عليه ذلك .
__________
(1) )) سورة البقرة الآية (222) .
(2) )) شرح النووي (3/207) .(1/210)
فقال الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . (1)
سبب نزول الآية :
عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما وكان يومه ذلك يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت خيبة لك أنمت فلما انتصف النهار غشى عليه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ففرحوا بها فرحاً شديداً .
وقال أبو إسحاق : سمعت البراء - رضي الله عنه - : "لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله { عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ } ." (2)
__________
(1) )) سورة البقرة الآية (187).
(2) )) رواه البخاري برقم (4238) ، باب أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم .(1/211)
قال ابن كثير رحمه الله : هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة والرفث هنا هو الجماع، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وطاوس وسالم بن عبد الله وعمرو بن دينار والحسن وقتادة والزهري والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وقوله هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان يعني هن سكن لكم وأنتم سكن لهن وقال الربيع بن أنس هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان ذلك عليهم ويحرجوا، قال الشاعر :
إذا ما الضجيع ثنى جيدها ثم تداعت فكانت عليه لباسا . (1)
باب
الكحل والعطر للصائم
عن محمد بن بكر عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الصبر يكتحل به الصائم ؟ قال: نعم إن شاء . (2)
وعن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال: لا بأس بالكحل للصائم . (3)
وعن حفص عن، الأعمش، عن إبراهيم قال: لا بأس بالكحل للصائم . (4)
وعن حفص، عن عمرو، عن الحسن قال: لا بأس بالكحل للصائم ما لم يجد طعمه . (5)
__________
(1) )) تفسير ابن كثير (1/221) .
(2) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9266)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .
(3) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9267)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .
(4) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9268)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .
(5) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9269)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .(1/212)
وعن وكيع، عن سفيان، عن خالد عن الحسن، وعن ليث، عن عطاء قال: لا بأس بالكحل للصائم . (1)
وعن أبي معاوية، عن أبي معاذ، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم . (2)
وعن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري قال: لا بأس بالكحل للصائم في الصائم يتطعم بالشيء . (3)
هذا إذا كان الكحل أو أي شيء يوضع في العين لا يصل إلى الجوف فلا بأس به أما إذا كان يصل إلى الجوف فلا يجوز لأن العين منفذ للجوف ، فكل شيء يصل للجوف في حال الصيام يفطر الصائم .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم الكحل والعطر ومساحيق المكياج للصائمة ؟
فأجاب : أما الكحل والقطرة وما يوضع في العين للصائم فهذا قد يتسرب على حلقه فيؤثر على صيامه، وقد قال الكثير من أهل العلم بمنع الكحل للصائم أو أن يضع شيئاً بعينه كالقطرة وغير ذلك ، لأن العين منفذ ويتسرب منها الشيء إلى الحلق دون أن يستطيع الإنسان منع ذلك .
أما قضية المساحيق التي توضع على الوجه والأصباغ والطيب الذي يتطيب به الإنسان من العطورات السائلة ، فهذا لا بأس به . إلا أنه ينبغي أن يعلم أن المرأة ممنوعة من التزين والتعطر عند الخروج من البيت ، بل يجب عليها أن تخرج متسترة متجنبة للطيب ، ويحرم عليها التطيب عند الخروج قال تعالى : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } . (4)
وحتى في خروجها للعبادة إلى المسجد فهي مأمورة بترك الزينة وبترك الطيب .
__________
(1) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9271)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .
(2) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9272)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .
(3) )) مصنف ابن أبي شيبة برقم (9275)، باب ما ذكر في الصبر يكتحل به الصائم .
(4) ) ) الأحزاب :( 33) .(1/213)
قال - صلى الله عليه وسلم - :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " (1) يعني في غير زينة وفي غير طيب لأن الزينة والطيب مما يجلب الأنظار وبسبب الفتنة .
وقد ابتليت بعض نساء المسلمين بالتبرج والتزين عند الخروج وعمل الأصباغ والمكياج فكأنهن إنما يستعملن الزينة للخروج من البيت وهذا حرام عليها . (2)
باب
الصائمة تتذوق الطعام
يجوز للصائمة أن تتذوق الطعام ما لم يدخل إلى جوفها، ويكون للحاجة ، وحكمه حكم المضمضة .
فعن عبد السلام، عن ليث، عن مجاهد أو عطاء قال: لا بأس أن يتطعم الصائم من القدر . (3)
وعن وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم . (4)
وعن شريك، عن سليمان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا بأس أن يتطاعم الصائم عن القدر . (5)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ذوق الطعام يكره لغير حاجة لكن لا يفطره ، وأما للحاجة فهو كالمضمضة . (6)
باب
من أكل أو شرب ناسياً في الصيام فالصيام صحيح
الخطأ والنسيان إذا وقع من العبد يكون معفواً عنه، لأنه لا يقصد هذا الفعل.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه". (7)
__________
(1) )) صحيح ابن خزيمة برقم (1679) ، باب الأمر بخروج النساء إلى المساجد تفلات ، وموارد الظمآن برقم (326) ، باب دخول النساء المسجد وصلاتهن فيه وفي بيوتهن ، وابن حبان برقم (1211) ، والدارمي برقم (1279) ، باب النهي عن منع النساء عن المساجد وكيف يخرجن إذا خرجن ،
(2) ) ) فتاوى نور على الدرب لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان ص(81) .
(3) )) مصنف ابن أبي شيبة رقم (9277) .
(4) )) مصنف ابن أبي شيبة رقم (9278) .
(5) )) مصنف ابن أبي شيبة رقم (9279) .
(6) )) مجموع الفتاوى (25/266) .
(7) رواه البخاري (1831) ، ومسلم (1155) .(1/214)
قال ابن حزم : ففي هذا الحديث نص التسوية بين العمل المقصود نسيانا بغير نية وبين الخطأ الذي لم يقصد ، فلهذا ولنصوص أخر لم يبطل الصوم بفطر نسيان ولا بطلت الصلاة لعمل نسيان وهكذا كل نسيان إلا نسيانا استثناه من هذا النص نص آخر أو إجماع كما صح من الإجماع المتيقن المقطوع به في الأحداث المذكورة أنها تنقض الطهارة على كل حال بالنسيان والعمد . (1)
فمن أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فليتم صومه ، ولا شيء عليه ، وصيامه صحيح . وسواء كان في الفرض أو النفل .
وهذا خلاف ما انتشر بين الناس أن الذي يأكل أو يشرب ناسياً أفطر ولا يحق له اتمام صومه،وهذا باطل لهذا الحديث
وعليه إتمام صومه وصومه صحيح نفلاً كان أم فرضاً .
وكذلك انتشر بين الناس عدم التسوك [ أي استخدام السواك ] بعد الظهر في حال الصيام ، وهذا كذلك خطأ والصحيح هو جواز التسوك في كل وقت ، وهذا الذي كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام .
وننبه على أن السواك الذي فيه مادة أخرى كبعض النكهات التي تضاف إليه في هذه الأيام وغالباً ما يكون مغلفاً من بعض الشركات التي تضيف إليه هذه المواد ، نقول على المتسوك في حال الصيام أن يبصق هذه المواد بعد التسوك ولا يبلعها ، لأن هذه المواد تفطر الصائم . والله أعلم .
باب
هل على المرأة شيء إذا جامعها زوجها في نهار رمضان إكراهاً؟
على المرأة أن لا تسمح لزوجها أن يجامعها في نهار رمضان لأن هذا معصية لله تعالى ، والزوج لا يُطاع في معصية الله تعالى ، ولكن إذا أكرهها وغلبها بقوته وجامعها فلا شيء عليها والله أعلم .
لأنه من المعلوم أن العبد لا يكون آثماً إذا كان مكرهاً .
__________
(1) )) الأحكام لابن حزم (5/138) .(1/215)
فعن بن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" . (1)
قال ابن حزم : ففي هذا الحديث نص التسوية بين العمل المقصود نسيانا بغير نية وبين الخطأ الذي لم يقصد . (2)
باب
المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج
عن حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله هلكت، قال: "ما لك"، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله " : - صلى الله عليه وسلم - هل تجد رقبة تعتقها؟" قال" لا ،قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين"، قال: لا ،فقال : "فهل تجد سنان ستين مسكينا"، قال: لا ، قال: فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينا نحن على ذلك أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر والعرق المكتل ، قال: "أين السائل"، فقال: أنا، قال: "خذ هذا فتصدق به"، فقال الرجل : أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك" . (3)
__________
(1) )) صحيح ابن ماجة برقم (7219) ، ذكر الأخبار عما وضع الله بفضله عن هذه الأمة .
(2) )) الأحكام لابن حزم (5/138) .
(3) )) رواه البخاري برقم (1834) ، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، ومسلم برقم (1111) ، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه .(1/216)
وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الآخر وقع على امرأته في رمضان، فقال: "أتجد ما تحرر رقبة"، قال: لا ، قال: "فتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين"، قال: لا، قال: "أفتجد ما تطعم به ستين مسكينا" ، قال: لا ، قال: فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر، وهو الزبيل، قال: "أطعم هذا عنك" ، قال: على أحوج منا، ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، قال: "فأطعمه أهلك" . (1)
قال ابن حجر : وقال الجمهور وأبو ثور وابن المنذر تجب الكفارة على المرأة أيضا على اختلاف وتفاصيل لهم في الحرة والأمة والمطاوعة والمكرهة وهل هي عليها أو على الرجل عنها . (2)
قال الشافعي رحمه الله: ولو جامع صبية لم تبلغ أو أتى بهيمة فكفارة واحدة، ولو جامع بالغة كانت كفارة لا يزاد عليها على الرجل وإذا كفر أجزأ عنه وعن امرأته، وكذلك في الحج والعمرة، وبهذا مضت السنة ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل تكفر المرأة وأنه لم يقل في الخبر في الذي جامع في الحج تكفر المرأة .
وقال الشافعي رحمه الله : فإن قال قائل فما بال الحد عليها في الجماع ولا تكون الكفارة عليها قيل الحد لا يشبه الكفارة ألا ترى أن الحد يختلف في الحر والعبد والثيب والبكر ولا يختلف الجماع عامدا في رمضان مع افتراقهما ذلك، فإن مذهبنا وما ندعي إذا فرقت الأخبار بين الشيء أن يفرق بينه كما فرقت .
وقال الشافعي: وإن جامع في قضاء رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أفسد صومه ولا كفارة عليه ولكن يقضي يوما مكان يومه الذي جامع فيه .اهـ. (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1835) ، باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج، ومسلم برقم (1111) ، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه .
(2) )) فتح الباري (4/170) .
(3) )) الأم (2/100) .(1/217)
وقال ابن قدامة رحمه الله : وإن أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها رواية واحدة وعليها القضاء، قال مهنا: سألت أحمد عن امرأة غصبها رجل نفسها فجامعها أعليها القضاء قال نعم، قلت: وعليها كفارة، قال: لا، وهذا قول الحسن ونحو ذلك قول الثوري و الأوزاعي وأصحاب الرأي وعلى قياس ذلك إذا وطئها نائمة وقال مالك في النائمة عليها القضاء بلا كفارة والمكرهة عليها القضاء والكفارة وقال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر إن كان الإكراه بوعيد حتى فعلت فكقولنا وإن كان إلجاء لم تفطر، وكذلك إن وطئها وهي نائمة ويخرج من قول أحمد في رواية ابن القاسم كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره أنه لا قضاء عليها إذا كانت ملجأة أو نائمة، لأنها لم يوجد منها يوجد منها فعل فلم تفطر كما لو صب في حلقها ماء بغير اختيارها ووجه الأول أنه جماع في الفرج فأفسد الصوم كما لو أكرهت بالوعيد ولأن الصوم عبادة يفسدها الوطء ففسدت به على كل حال كالصلاة والحج، ويفارق الأكل، فإنه يعذر فيه بالنسيان بخلاف الجماع . (1)
باب
الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة
عن معاذة ، أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها ، فقالت : أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها ، فقالت عائشة أحرورية أنت ، قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لا تؤمر بقضاء" . (2)
قول عائشة: أحرورية أنت : قد تقدم أن أهل حروراء وهم الخوارج يرون أن الحائض تقضي الصلاة كذلك مع الصيام ، وهذا الرأي خاطئ وليس عليه دليل بل الدليل ضده .
فالحائض عليها فقط قضاء ما عليها من الصيام ، وليس عليها قضاء الصلاة .
__________
(1) )) المغني (3/27) .
(2) )) أخرجه البخاري برقم (315) ، باب لا تقضي الحائض الصلاة وقال جابر وأبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم تدع الصلاة ، ومسلم برقم (335) ، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة .(1/218)
قال ابن عبد البر : أن الحائض بعد طهرها لا تقضي صلاة أيام حيضتها لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين فلزمت حجته وارتفع القول فيه وقد روى أبو قلابة وقتادة جميعا عن معاذة العدوية عن عائشة أن امرأة سألتها أتقضي الحائض الصلاة فقالت لها عائشة أحرورية أنت قد كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نطهر فلا نؤمر بقضاء الصلاة وزاد بعضهم ونؤمر بقضاء الصوم، وهذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لا خلاف في شيء من ذلك والحمد لله وما أجمع المسلمون عليه فهو الحق والخبر القاطع للعذر، وقال الله عز وجل: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً } . (1) والمؤمنون هنا الإجماع لأن الخلاف لا يكون معه سبيل المؤمنين لأن بعض المؤمنين مؤمنون وقد اتبع المتبع سبيلهم وهذا واضح يغني عن القول فيه .اهـ. (2)
باب
إذا طهرت الحائض قبل الفجر ونوت الصيام
الحائض إذا طهرت قبل الفجر ونوت الصيام وصامت هذا اليوم ، فصيامها صحيح .
قال ابن حجر : أنها لو طهرت قبل الفجر ونوت صح صومها في قول الجمهور ولا يتوقف على الغسل بخلاف الصلاة . (3)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
إذا كانت المرأة حائضاً في رمضان في آخر فترة نفاس وطهرت من ذلك بعد الفجر من أحد أيام رمضان ؛ فهل عليها أن تكمل صيام ذلك اليوم أم لا ؟ وماذا عليها أن تفعل لو اغتسلت وبدأت في الصيام ثم ظهر شيء من ذلك بعد انتهاء المدة المعتادة لكل من الحيض والنفاس ؛ هل تقطع صيامها ، أم لا يؤثر ذلك عليه ؟
__________
(1) )) سورة النساء الآية (115) .
(2) )) التمهيد (22/107) .
(3) )) فتح الباري (4/192) .(1/219)
فأجاب : أما بالنسبة للنقطة الأولى من السؤال ، وهي ما إذا طهرت الحائض في أثناء النهار أو النفساء طهرت ؛ فإنها تغتسل وتصلي وتصوم بقية يومها ، ثم تقضي هذا اليوم في فترة أخرى . هذا الذي يلزمها . وأما النقطة الثانية ، وهي إذا انقطع دمها من الحيض ثم اغتسلت ثم رأت بعد ذلك شيئاً ؛ فإنها لا تلتفت إليه ؛ لقول أم عطية رضي الله عنها :" كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً " ؛ فلا تلتفت إلى ذلك .
أما بالنسبة للنفساء :
فإذا كانت انقطع دمها قبل الأربعين ، ثم اغتسلت ، ثم عاد إليها شيء فإنها تعتبر نفساء ، وهذا الذي عاد يعتبر من النفاس ، لا يصح معه صوم ولا صلاة مادام موجوداً ؛ لأنه عاد في فترة النفاس .
أما إذا كانت تكاملت الأربعين ، واغتسلت ، ثم عاد إليها شيء بعد الأربعين ؛ فإنها لا تلتفت إليه ؛ إلا إذا صادف أيام عادتها قبل النفاس ؛ فإنه يكون حيضاً الحاصل أن هذا لابد فيه من تفصيل : إذا أكملت عادة الحائض واغتسلت ، ثم رأت شيئاً بعد ذلك ، لا تلتفت إليه .
وإذا كانت عادتها لم تكمل ، ورأت طهراً في أثناء العادة ، واغتسلت ثم عاد إليها الدم ، فإنها تعتبره حيضاً ؛ لأنه جاءها في أثناء العادة . وكذلك النفساء إذا كان عاد إليها في فترة الأربعين ؛ فإنه يعتبر نفاساً ، وإن كان عاد إليها بعد تمام الأربعين ؛ فإنها لا تعتبره شيئاً ؛ إلا إذا صادف أيام حيضها قبل النفاس وقبل الحمل . (1)
باب
متى يباح الفطر في رمضان
للحامل والمرضع
إن الله تعالى وضع عن الحامل والمرضع الصوم ، وتطعم عن كل يوم مسكين .
فعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع" . (2)
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/198، 199) .
(2) )) رواه ابن ماجة برقم (1667) ، والنسائي سنن برقم (2274) ، وان عبد البر في التمهيد (16/312).(1/220)
عن معمر عن قتادة قال: تفطر الحامل التي تخاف على ولدها وتفطر المرضع التي تخاف على ولدها وتطعم كل واحدة منهما كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما. (1)
وعن ابن جريج عن عطاء قال تفطر الحامل والمرضع في رمضان إذا خافتا على أولادهما في الصيف، قال: وفي الشتاء إذا خافتا على أولادهما . (2)
وقال الشافعي رحمه الله : والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم ولم تخافا على ولديهما لم تفطرا فإن خافتا على ولديهما أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة وصامتا إذا أمنتا على ولديهما قال الشافعي وإن ينفذ لا تقدران على الصوم فهذا مثل المرض أفطرتا وقضتا بلا كفارة إنما تكفران بالأثر وبأنهما لم تفطرا لأنفسهما إنما أفطرتا لغيرهما فذلك فرق بينهما وبين المريض لا الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد حنطة خبرا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقياسا على من لم يطق الحج أن يحج عنه غيره وليس عمل غيره عنه عمله نفسه كما ليس الكفارة كعمله . (3)
وكذلك الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا لم يستطيعوا الصوم أفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكيناً .
وقال الإمام البخاري : وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر قراءة العامة يطيقونه وهو أكثر .
وقال : باب قوله أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون . (4)
__________
(1) )) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم (7556) .
(2) )) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم (7557) .
(3) )) الأم (2/103- 104) .
(4) )) صحيح البخاري برقم (4235) .(1/221)
وقال عطاء : يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى، وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران ثم تقضيان، وقال الشوكاني : وأنه يجوز للحبلى والمرضع الإفطار وقد ذهب إلى ذلك العترة والفقهاء إذا خافت المرضعة على الرضيع والحامل على الجنين وقالوا إنها تفطر حتما قال أبو طالب ولا خلاف في الجواز، وقال الترمذي العمل على هذا ثم أهل العلم، وقال بعض أهل العلم الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد وقال بعضهم ويفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاء ناقضتا ولا طعام عليهما وبه يقول إسحاق انتهى . (1)
وقال الشوكاني : وأنه يجوز للحبلى والمرضع الإفطار، وقد ذهب إلى ذلك العترة والفقهاء إذا خافت المرضعة على الرضيع والحامل على الجنين، وقالوا إنها تفطر حتما، قال أبو طالب: ولا خلاف في الجواز، وقال الترمذي : العمل على هذا ثم أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان، وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعضهم: ويفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاء ناقضتا ولا طعام عليهما وبه يقول إسحاق انتهى . (2)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله :
متى يباح الفطر في رمضان للحامل والمرضع ؟ وما هي مفسدات الصوم عموماً ؟ وهل يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للعادة الشهرية حتى تتمكن من صيام رمضان بدون انقطاع ؟
__________
(1) )) نيل الأوطار (4/313) .
(2) )) نيل الأوطار (4/313) .(1/222)
فأجاب : يجوز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافتا على ولديها من أضرار الصيام ؛ لأنه يمكن أن الصيام يضعف الغذاء الذي يتغذى به المولود في بطن أمه ؛ فإذا كان الأمر كذلك ؛ فلها أن تفطر وأن تقضي من أيام أخر وتطعم مع القضاء ، وإن خافت على نفسها من الصيام ؛ لأنها لا تستطيع الصيام وهي حامل أولا تستطيع الصيام وهي مرضع ، فهذه تفطر وتقضي من أيام أخر وليس عليها إطعام . هذا ما يتعلق بالحامل والمرضع .
ويجوز للمرأة تناول الحبوب التي تمنع عنها الحيض من أجل أن تصوم إذا كانت هذه الحبوب لا تضر بصحتها . (1)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
والدتي أنجبت طفلاً عام 1382 هـ في شهر رمضان المبارك ومعروف لديهم أن المرضع في شهر رمضان لا يجوز أن تصوم خوفاً على حياة طفلها ولم يكن معروفاً لديهم قضاء شهر رمضان بعد كبر الطفل لأنهم ساكنون في البادية لا يعرفون من الإسلام إلا قليلاً واليوم بعد انتشار العلم عرفت أن المرضع إذا أفطرت رمضان لابد أن تقضيه .. ولكنها أفطرت ذلك الشهر في عام 1382 هـ لعذر حقيقي هو إرضاع طفلها وكبر الطفل وصار اليوم عمره 24 سنة ولم تقض ذلك الشهر وهذا والله أعلم بسبب الجهل لا تهاوناً وقصد التعمد .
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/200، 201) .(1/223)
فأجاب : يجب عليها المبادرة على قضاء ذلك الشهر في أقرب وقت فتصومه ولو متفرقاً بقدر الأيام التي صامها المسلمون ذلك العام وعليها مع الصيام صدقة وهي إطعام مسكين عن كل يوم كفارة عن التأخير فإن من أخر القضاء حتى أدركه رمضان آخر لزمه مع القضاء كفارة فيكفي عن الشهر كله كيس من الأرز خمسة وأربعون كيلو جراماً وكان الواجب عليها البحث والسؤال عن أمر دينها . فإن هذه المسألة مشتهرة ومعروفة بين الناس وهي إن أفطر لعذر لزمه القضاء فوراً ولم يجز له التأخير لغير عذر فأما فطرها بسبب الرضاع فقد يكون لعذر إذا خافت على نفسها من الضرر باجتماع الصوم والرضاع فيكفيها القضاء فوراً وقد تكون بسبب الطفل إذا خافت عليه الجوع والمرض فأفطرت فيكون عليها مع القضاء كفارة طعام مسكين بقدر الأيام التي أفطرت ولو قضته في ذلك العام وعلى هذا فإن كان فطرها بسبب الطفل وأخرت القضاء فعليها كفارتان كما ذكرنا والله أعلم . (1)
وعن عمرو بن دينار عن عطاء سمع بن عباس يقرأ وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين قال بن عباس : ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً. (2)
عن ابن عباس قال : " رخص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطر إن شاء ويطعما كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما ثم نسخ ذلك في هذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه " (3) .وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكيناً .
__________
(1) ) ) اليمامة (892) .
(2) )) صحيح البخاري برقم (4235) ، باب فمن شهد منكم الشهر فليصمه .
(3) سورة البقرة الآية (185) .(1/224)
قال الشيخ الألباني في الإرواء: "تنبيه : استدل المؤلف رحمه الله تعالى بحديث ابن عباس هذا على أن العاجز عن الصيام لكبر ، أو مرض مزمن يطعم كل يوم مسكيناً ، وهذا صحيح يشهد له حديث ابن عمر وأبي هريرة غير أن في قول ابن عباس في هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه } ليست منسوخة وأن المراد بها الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصيام إشكالاً كبيراً ذلك لأن معنى" يطيقونه" أي يستطيعون بمشقة فكيف تفسر حينئذٍ بأن المراد بها من لا يستطيع الصيام لا سيما وابن عباس نفسه يذكر في رواية عزرة أن الآية نزلت في الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم ثم نسخت فكيف تفسر الآية بتفسيرين متناقضين :" يستطيعون" و" لا يستطيعون" ؟ ! وأيضاً فقد جاء عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال : لما نزلت : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها . أخرجه الستة إلا ابن ماجة". (1)
باب
النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم
نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام، كما نهانا عن تخصيص قيام ليلها .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبلهُ أو يوماً بعده". (3)
__________
(1) )) إرواء الغليل (4 /22).
(2) رواه مسلم في كتاب الصيام برقم (1144).
(3) رواه البخاري برقم (1883)، باب صوم يوم الجمعة فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده، ومسلم برقم (1144)،باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا .(1/225)
وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس؟" قالت: لا. قال: "تريدين أن تصومي غداً؟" قالت: لا. قال: "فأفطري". (1)
وعن محمد بن عباد قال: سألت جابراً وهو يطوف بالبيت: أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيام الجمعة؟ قال: نعم ورب هذا البيت". (2)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: ذكر ابن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنهم كرهوا صوم الجمعة ليقوموا على الصلاة.
قلت (أي ابن قيم الجوزية): المأخذ في كراهيته: ثلاثة أمور: هذا أحدها، ولكن يُشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم قبله، أو بعده إليه.
والثاني: أنه يوم عيد، والمأخذ الثالث: سد الذريعة من أن يُلحق بالدِّين ما ليس فيه، ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية.. إلى آخر كلامه (3)
باب
النهي عن صيام أيام العيد وأيام التشريق
عن أبي عبيد مولى بن أزهر أنه قال : "شهدت العيد مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجاء فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال إن هذين يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم " . (4)
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - ،قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم الفطر والنحر وعن الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد وعن صلاة بعد الصبح والعصر" . (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1986).
(2) رواه البخاري في كتاب الصوم برقم (1984)، ومسلم في كتاب الصيام برقم (1143).
(3) زاد المعاد (1/320 - 321).
(4) ) ) رواه البخاري برقم (1889) ، باب صوم يوم الفطر ، ومسلم برقم (1137) ، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى .
(5) ) ) رواه البخاري برقم (1890) ، باب صوم يوم الفطر ، ومسلم برقم (2099) ، باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد .(1/226)
قال الإمام الشافعي رحمه الله : والنهي يدل على أنه إنما نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء مفضيا مستتر أن في ذلك كشف عورته قيل له يسترها بثوبه فلم يكن نهيه عن كشف عورته نهيه عن لبس ثوبه فيحرم عليه لبسه بل أمره أن يلبسه كما يستر عورته .اهـ. الرسالة (1/351) .
وعن عُروةَ عن عائشة وعن سالمٍ عنِ ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهم، قالا: «لم يُرَخَّصْ في أيّامِ التَّشريقِ أنْ يُصَمنَ إلاّ لمن لم يَجِدِ الهَدْيَ». (1)
وفي رواية لمسلم عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ : بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. فَنَادَى «أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ. وَأَيَّامُ مِنىً أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». (2)
وفي رواية عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ : «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1974)، باب صيام أيام التشريق، ومسلم برقم (1226) ، باب تحريم صوم أيام التشريق .
(2) )) صحيح مسلم برقم (2623) .
(3) )) صحيح مسلم برقم (2630) .(1/227)
قال النووي : وفيه دليل لمن قال لا يصح صومها بحال وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما. وقال جماعة من العلماء: يجوز صيامها لكل أحد تطوعاً وغيره، حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين. وقال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولا يجوز لغيره، واحتج هؤلاء بحديث البخاري في صحيحه عن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها وهو تقديدها ونشرها في الشمس، وفي الحديث استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره.اهـ. (1)
باب
لا تصوم المرأة إلا بإذن زوجها
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة أن تصوم نافلة وزوجها شاهد أي حاضر إلا أن يأذن لها بالصوم .
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه بغير أمره فإن نصف أجره له" . (2)
قوله : بعلها أي زوجها ، ويقال للزوج : بعل .
وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في أثناء حديث ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن فعلت لم يقبل منها ، والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون إذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور . (3)
__________
(1) )) شرح النووي على صحيح مسلم .
(2) )) رواه البخاري برقم (4896) ، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا ، ومسلم برقم (1226) ، باب ما أنفق العبد من مال مولاه .
(3) )) نيل الأوطار (6/367) .(1/228)
وقال النووي : هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين وهذا النهى للتحريم صرح به أصحابنا وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي، فان قيل فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فان أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد . (1)
باب
الرخصة في تأخير القضاء من رمضان
لقضاء الصوم بالنسبة للمرأة وقت موسع كما ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها ، ولها أن تؤخر ما عليها من صوم إلى شعبان القادم .
فعن أبي سلمة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان الشغل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - " . (2)
قال النووي : كل واحدة منهن كانت مهيئة نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها أن أراد ذلك ولا تدرى متى يريده ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه وهذا من الأدب . (3)
وال ابن حجر : وظاهر صنيع عائشة يقتضى إيثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من الشغل فيشعر بان من كان بغير عذر لا ينبغي له التأخير . (4)
باب
ثواب الصائم إذا أكل عنده
__________
(1) )) شرح مسلم (7/115) .
(2) )) رواه البخاري برقم (1849) ، باب متى يقضى قضاء رمضان ، ومسلم برقم (1146) ، باب قضاء رمضان في شعبان .
(3) )) شرح النووي (8/22) .
(4) )) فتح الباري (4/189) .(1/229)
عن أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فقدمت إليه طعاماً فقال: "كلي" فقالت: إني صائمة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا" وربما قال: "حتى يشبعوا". (1)
أبواب الاعتكاف
باب
مشروعية اعتكاف النساء وإذن الزوج في ذلك
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده" . (2)
قال الصنعاني : فيه دليل على أن الاعتكاف سنة واظب عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه من بعده . (3)
وعن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، قالت : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه، قال فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت فيه قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغد أبصر أربع قباب، فقال : "ما هذا؟"، فأخبر خبرهن، فقال: "ما حملهن على هذا آلبر انزعوها فلا أراها"، فنزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال" . (4)
باب
اعتكاف المستحاضة
__________
(1) أخرجه الترمذي (785 و 786)، وحسنه وابن ماجة (1848)، وابن خزيمة وابن حبان وأبو داود والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1085).
(2) )) رواه البخاري برقم (1922) ، باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، ومسلم برقم (1172) ، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
(3) )) سبل السلام (2/174) .
(4) )) رواه البخاري برقم (1936) ، باب الاعتكاف في شوال .(1/230)
عن عكرمة عن عائشة: أن النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت كأن هذا شيء كانت فلانة تجده . (1)
وفي رواية : اعتكفت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي . (2)
وفي رواية : أن بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة . (3)
باب
الحائض تغسل رأس زوجها
عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب ، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" . (4)
وعن هشام، قال: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها، قالت :" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض" . (5)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (303) ، باب الاعتكاف للمستحاضة .
(2) )) رواه البخاري برقم (304) ، باب الاعتكاف للمستحاضة .
(3) )) رواه البخاري برقم (305) ، باب الاعتكاف للمستحاضة .
(4) )) البخاري برقم (295) ، باب من سمى النفاس حيضاً ، ومسلم برقم (321) ، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر .78
(5) )) رواه البخاري برقم (1924) ، باب الحائض ترجل المعتكف ، ومسلم برقم (297) ، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه .(1/231)
قال النووي : فيه جمل من العلم: منها أن أعضاء الحائض طاهرة، وهذا مجمع عليه ولا يصح ما حكى عن أبى يوسف من نجاسة يدها، وفيه: جواز ترجيل المعتكف شعره ونظره إلى امرأته ولمسها شيئا منه بغير شهوة منه، واستدل به أصحابنا وغيرهم على أن الحائض لا تدخل المسجد، وأن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد ولا يظهر فيه دلالة لواحد منهما فانه لا شك في كون هذا هو المحبوب وليس في الحديث أكثر من هذا فأما الاشتراط والتحريم في حقها فليس فيه لكن لذلك دلائل أخر مقررة في كتب الفقه واحتج القاضي عياض رحمه الله به على أن قليل الملامسة لا تنقض الوضوء. (1)
باب
المرأة تزور زوجها في معتكفه
عن الزهري قال أخبرني علي بن الحسين رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته ثم أنها جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد ثم باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً" . (2)
أسئلة تطبيقية في الصيام
سئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
__________
(1) )) شرح النووي (1/134) .
(2) )) رواه البخاري برقم (1930) ، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد ، ومسلم برقم (2275) ، باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأة وكانت زوجة أو محرما له أن يقول هذه فلانة ليرفع ظن السوء به .(1/232)
أمي في الستين من عمرها ، لم تقض أيام الحيض من أشهر رمضان فاتتها منذ أن تزوجت والدي ، حيث كان يقول لها والدي بأن تكفر عن كل يوم بدلاً من قضائه ، وذلك لأنها أم ولها أولاد ، والمدة التي فاتتها تقدر بعشرين عاماً ، بواقع سبعة أيام من كل رمضان ؛ ماذا عليها ؟ هل تصوم ما فاتها أم تتصدق ؟ وما مقدار الصدقة ؟
فأجاب : الواجب على والدتك قضاء الأيام التي تركت صيامها من رمضان في فترة الحيض ، ولو تكرر ذلك منها عدة رمضانات ، فتحصي الأيام التي تركتها ، وتقضيها ، وتطعم مع القضاء مسكيناً عن كل يوم ، بمقدار نصف صاع عن كل يوم ؛ كفارة عن تأخير القضاء ، ويجوز أن تقضيها متتابعة أو متفرقة حسب ظروفها .
المهم أنه لا يجوز لها تركها ، ووالدك قد أخطأ خطأً كبيراً في إفتائها بغير علم . (1)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
أنا امرأة أصبت بمرض ولم أستطع صيام شهر رمضان . وعندما أحسست أنني شفيت أردت أن أصوم هذا الشهر الذي علي ولكن لم أستطع صيامه كله وصمت منه 12 يوماً فقط . لقد حاولت في الباقي ولكن لم أستطع لما أحس من ألم . ماذا أفعل في الباقي جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب : عليك محاولة الصيام مهما استطعت مع الصبر على المشقة فإنه أعظم للأجر فأما إن عجزت وشق عليك أو كان يزيد من المرض ولا يرجى برؤه فإنه يجزئ عنك الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم . فإن زال المرض وحصلت القدرة بعد ذلك فلاحتياط القضاء لما فات والله الشافي . (2)
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/199، 299) .
(2) ) ) اليمامة (895) .(1/233)
عن سيدة تبلغ من العمر قرابة خمسين عاماً ، وأنها أجرت عملية جراحية في عام 1386 هـ وأن الطبيب منعها من الصيام ، وأنها الآن تماثلت للشفاء ، وهي مصابة بداء السكر ، ولا تستطيع قضاء الصوم متتابعاً لأنها تتناول العلاج لداء السكر ثلاث مرات في اليوم . إلى آخر ما ذكرت . وتسأل هل يجوز لها الصيام مفرقاً ؟
فأجاب : لا بأس بقضاء الصوم مفرقاً ؛ كن بشرط ألا يأتي شهر رمضان إلا وقد أتمت قضاء ما عليها من صوم ، ثم إن الصوم يعتبر كما ذكر الأطباء من أسباب تقليل كمية السكر . وبالله التوفيق . (1)
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
إذا كانت المرأة عليها قضاء أيام من شهر رمضان هل يجوز لها أن تصوم نافلة كيوم عرفة مثلاً مع بقاء القضاء ؟
فأجاب : تجب المبادرة بقضاء رمضان ولا يصح التطوع والتنفل قبل القضاء لكن إن صام يوم عرفة ونحوه بنية التطوع لم يسقط الفرض فإن صامه ونوى أنه من الدين الذي عليه من رمضان صح وله أجر على ذلك إن شاء الله تعالى . (2)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
تقيأت وهي صائمة وتعمدت الأكل فماذا يجب عليها ؟
__________
(1) ) ) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 4/199) ، ( صادرة عن الإفتاء 2566ـ 1 في 15/6/1387 هـ )
(2) ) ) فتاوى المرأة ص( 109) .(1/234)
فأجاب : لا يجوز للصائم تعمد إخراج القيء من جوفه بإدخال يده في فمه أو جعلها تحت بطنه أو شم شيء مما له رائحة تحرك ما في الجوف من الطعام ونحوه حتى يخرج فمتى فعل الصائم شيئاً من ذلك فخرج منه القيء لزمه قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً وهذه المرأة أخطأت أولاً في كونها استدعت القيء عمداً وأخطأت ثانياً في تعمدها الأكل بعد ذلك فإن من فسد صومه بفعل بعض المفطرات عمداً لا يجوز له الأكل ونحوه بل يمسك بقية يومه وإن3 كان ملزماً بقضائه فلعلها أحست بمرض أو ضعف في البدن وبكل حال فليس عليها كفارة إن شاء الله وإنما يلزمها قضاء ذلك اليوم فقط والله أعلم . (1)
كتاب الصدقات
قال الله تعالى : { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } . (2)
الصدقة في الأصل: تقال للمتطوع به والزكاة للواجب ويقال لما يسامح به الإنسان من حقه تصدق به نحو قوله فمن تصدق به فهو كفارة له وقوله وأن تصدقوا خير لكم فإنه أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصدقة ومنه قوله ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فسمى إعفاءه صدقة وقوله في الحديث ما اختلفا العافية صدقة . (3)
وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (4)
__________
(1) ) ) المسلمون (54)
(2) )) سورة النساء الآية (114) .
(3) )) التعاريف (1/453) .
(4) )) سورة البقرة الآية (254) .(1/235)
قال الإمام الطبري : يقول ادخروا لأنفسكم عند الله في دنياكم من أموالكم بالنفقة منها في سبيل الله والصدقة على أهل المسكنة والحاجة وإيتاء ما فرض الله عليكم فيها وابتاعوا بها ما عنده مما أعده لأوليائه من الكرامة بتقديم ذلك لأنفسكم ما دام لكم السبيل إلى ابتياعه بما ندبتكم إليه وأمرتكم به من النفقة من أموالكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه يعني من قبل مجيء يوم لا بيع فيه يقول لا تقدرون فيه على ابتياع ما كنتم على ابتياعه بالنفقة من أموالكم التي أمرتكم به أو ندبتكم إليه في الدنيا قادرين لأنه يوم جزاء وثواب وعقاب لا يوم عمل واكتساب وطاعة ومعصية فيكون لكم إلى ابتياع منازل أهل الكرامة بالنفقة حينئذ أو ومعناه بطاعة الله سبيل ثم أعلمهم تعالى ذكره أن ذلك اليوم مع ارتفاع العمل الذي ينال به رضا الله أو الوصول إلى كرامته بالنفقة من الأموال إذ كان لا مال هنالك يمكن إدراك ذلك به يوم لا مخالة فيه نافعة كما كانت في الدنيا فإن خليل الرجل في الدنيا قد كان ينفعه فيها بالنصرة له على من حاوله بمكروه وأراده بسوء والمظاهرة له على ذلك فآيسهم تعالى ذكره أيضا من ذلك لأنه لا أحد يوم القيامة ينصر أحدا من الله بل الأخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين كما قال الله تعالى ذكره، وأخبرهم أيضا أنهم يومئذ مع فقدهم السبيل إلى ابتياع ما كان لهم إلى ابتياعه سبيل في الدنيا بالنفقة من أموالهم والعمل بأبدانهم وعدمهم النصراء من الخلان والظهراء من الإخوان لا شافع لهم يشفع عند الله كما كان ذلك لهم في الدنيا فقد كان بعضهم يشفع في الدنيا لبعض بالقرابة والجوار والخلة وغير ذلك من الأسباب فبطل ذلك كله يومئذ كما أخبر تعالى ذكره عن أعدائه من أهل الجحيم في الآخرة إذا صاروا فيها فما لنا من شافعين ولا صديق حميم . (1)
باب
تحريض النساء على الصدقة
__________
(1) )) تفسير الطبري (3/3) .(1/236)
قال الله تعالى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } . (1)
وقال الله تعالى : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروفٍ أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } . (2)
قال الإمام الطبري رحمه الله : يعني جل ثناؤه بقوله : { لا خير في كثير من نجواهم } لا خير في كثير من نجوى الناس جميعا ، { إلا من أمر بصدقة أو معروفٍ } والمعروف هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البر والخير ، { أو إصلاح بين الناس } وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به ، ثم أخبر جل ثناؤه بما وعد من فعل ذلك فقال : { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } ، يقول : ومن يأمر بصدقة أو معروف من الأمر أو يصلح بين الناس ابتغاء مرضاة الله ، يعني طلب رضا الله بفعله ذلك فسوف نؤتيه أجرا عظيما يقول فسوف نعطيه جزاء لما فعل من ذلك عظيما ولا حد لمبلغ ما سمى الله عظيما يعلمه سواه . (3)
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا توكي فيوكي عليك".
__________
(1) )) سورة الأحزاب الآية (35) .
(2) سورة النساء الآية (114).
(3) ) ) تفسير الطبري (5/276) .(1/237)
وفي رواية: "أنفقي وأنضحي أو انضخي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك". (1)
(لا توكي): لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك.
(فيوكي): فيقطع.
(ولا تحصي): لا تمسكي المال وتعديه وتدخريه من غير إنفاق.
(فيحصي الله عليك): يمسك عنك الرزق ويناقشك الحساب يوم القيامة.
(ولا توعي): تمنعي ما فضل عنك.
(فيوعي الله عليك): يصيبك الله بالتشدد ويمنع عنك فضله وجوده.
- - -
باب
الصدقة على الأقارب أفضل من عتق الرقاب
بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصدقة على الأقارب من أعظم القربات إلى الله تعالى ، بل أفضل من عتق الرقاب .
فعن كريب مولى بن عباس رضي الله عنهما ، أن – أم المؤمنين - ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته : أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه .
قالت : أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي .
قال : أو فعلت .
قالت : نعم .
قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" . (2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة (1433) وفي كتاب الهبة (2590)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2372).
(2) ) ) أخرجه البخاري برقم (2452) ، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها ، ومسلم برقم (999) ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين .(1/238)
قال ابن حجر في الفتح : "قال بن بطال : فيه : أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق ، ويؤيده ما رواه الترمذي ، والنسائي ، وأحمد ، وصححه بن خزيمة وابن حبان ، من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعا : "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" (1) ، لكن لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقا لاحتمال أن يكون المسكين محتاجا ونفعه بذلك متعديا والآخر بالعكس ...". (2)
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن رجل وهب لأولاده مماليك ثم قصد عتقهم فهل الأفضل استرجاعهم منهم وعتقهم أو إبقاؤهم في يد الأولاد؟ فأجاب : الحمد لله إن كان أولاده محتاجين إلى المماليك فتركهم لأولاده أفضل من استرجاعهم وعتقهم ، بل صلة ذي الرحم المحتاج أفضل من العتق ، كما ثبت في الصحيح أن ميمونة زوج النبي أعتقت جارية لها فذ كرت ذلك للنبي ، فقال : "لو أعطيتها أخوالك كان خيرا لك" ، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فضل إعطاء الخال على العتق فكيف الأولاد المحتاجون ، وأما إن كان الأولاد مستغنين عن بعضهم فعتقه حسن ، وله أن يرجع في هذه الهبة عند الشافعي وأحمد وغيرهما ولا يرجع فيها عند أبى حنيفة والله أعلم . (3)
فوائد الحديث :
قال النووي : قوله: - صلى الله عليه وسلم - في قصة ميمونة حين أعتقت الجارية : "لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك"
فيه : فضيلة صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب وأنه أفضل من العتق . وفيه : الاعتناء بأقارب الأم إكراما بحقها وهو زيادة في برها .
وفيه : جواز تبرع المرأة بما لها بغير إذن زوجها . (4)
- - -
باب
الصدقة سبب لنجاة النساء من العذاب
__________
(1) رواه الترمذي، وحسنه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد ، وصححه الألباني في الترغيب برقم(892).
(2) ) ) فتح الباري (5/219) .
(3) ) ) مجموع الفتاوى (31/298) .
(4) ) ) شرح النووي (7/86) .(1/239)
عن بن عباس رضي الله عنهما، قال : "شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } . (1) حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك"، وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله لا يدري الحسن من هي، قال: "فتصدقن، وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال" . (2)
وعن جابر بن عبد الله قال : "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن ، فقال : "تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم" فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله، قال : "لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن" . (3)
فوائد الحديث :
__________
(1) سورة الممتحنة الآية (12) .
(2) رواه البخاري برقم (4613) ، باب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك، ومسلم برقم (1866) ، باب كيفية بيعة النساء.
(3) )) رواه البخاري برقم (1393) ، باب الزكاة على الأقارب وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - له أجران أجر القرابة والصدقة ، ومسلم برقم (885) ، كتاب صلاة العيدين .(1/240)
قال ابن حجر : "وفيه إن الصدقة تدفع العذاب وإنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين" .اهـ. (1)
وقال رحمه الله : وفي هذا الحديث أيضاً : استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام ، وتذكيرهن بما يجب عليهن ويستحب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ، ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة .
واستدل به على جواز صدقة المرأة من مالها توقف على إذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث خلافا لبعض المالكية .
وفيه : أن الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك .
وفيه : بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك والعناية بذكر ما يحتاج إليه لتلاوة آية لممتحنة لكونها خاصة بالنساء .
وفيه : جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ، ولو كان محتاج .اهـ . (2)
قال الله تعالى : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } . (3)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها كانت خيراً لصاحبها وإن لم ينو فإن نوى زاد خيراً على خير وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً.أ.هـ. (4)
- - -
باب
حث الزوجة على الصدقة
عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيت فاطمة فلم يدخل عليها وجاء علي فذكرت له ذلك فذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إني رأيت على بابها ستراً موشياً، فقال: "ما لي وللدنيا"، فأتاها علي فذكر ذلك لها ، فقالت: ليأمرني فيه بما شاء، قال: "ترسل به إلى فلان أهل بيت بهم حاجة" . (5)
- - -
سخاء أم المؤمنين عائشة
__________
(1) )) فتح الباري (1/406) .
(2) )) فتح الباري (2/468) .
(3) )) سورة النساء الآية (114) .
(4) )) شرح رياض الصالحين (3/235)
(5) )) رواه البخاري برقم (2471) ، باب هدية ما يكره لبسه .(1/241)
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أسخى الناس في زمانها ، وكانت تتصدق بما تمتلك .
فعن تميم بن سلمة عن عروة قال : لقد رأيت عائشة - رضي الله عنها – تقسم سبعين ألفاً ، وإنها لترقع جيب درعها .
وأتيت مرة بمئة ألف درهم وكانت صائمة ففرقتها كلَّها ، وليس في بيتها شيءٌ ، فلما أمست قالت : ياجارية ، هلمي فطري ، فجاءتها بخبز وزيت ، ثم قالت الجارية : أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحماً بدرهم نفطر عليه .
قالت : لا تعنفيني ، لو كنتِ ذكرتيني لفعلت . (1)
وعن عبد الله بن القاسم قال : أهدي لعائشة رضي الله عنها سلال من عنب فقسمته ، ورفعت الجارية سلة ولم تعلم بها عائشة ، فلما كان الليل جاءت به الجارية ، فقالت عائشة رضي الله عنها : ما هذا ؟ قالت : يا سيدتي أو يا أم المؤمنين رفعت لنا لنأكله ، قالت عائشة : فلا عنقوداً واحداً ، والله لا أكلت منه شيئاً . (2)
قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما : ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء وجودهما مختلف ، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها قسمت ، وأما أسماء فكانت لا تمسك شيئاً لغد . (3)
لقد كانت الزاهدة الكريمة أُمُّنا عائشة رضي الله عنها تمر عليها الأيام الطويلة وما يوقد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - نار كانت تعيش مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الماء والتمر .
قال الذهبي رحمه الله تعالى : كانت أم المؤمنين من أكرم أهل زمانها ، ولها في السخاء أخبار .
- - -
عطاء أم المؤمنين زينب بنت جحش
وكانت أمنا السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها من أجود الناس في زمانها
ونذكر من جودها وصدقتها :
كانت كريمة النفس ، كل ما تصنع بيدها تتصدق به على المساكين .
__________
(1) ) ) حلية الأولياء (2/47) .
(2) ) ) الحلية لأبي نعيم (2/59) .
(3) ) ) صفة الصفوة لابن الجوزي (2/31) .(1/242)
وقد وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بطول اليد كناية عن كثرة إنفاقها في سبيل الله عز وجل .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً ". (1)
قالت عائشة رضي الله عنها فكنا إذا اجتمعنا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نمد أيدينا في الحائط نتناول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ فكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا ، فعرفت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بطول اليد الصدقة، وكانت تعمل بيدها وتتصدق به في سبيل الله .
وقالت عائشة حين بلغها نعي زينب : لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل .
- - -
أبو طلحة يتصدق بأحب ماله
عن أنس رضي الله عنه قال :
كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل ويشرب من ماءٍ فيها طيَّب .
قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } (2) قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال :
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بخ ذاك مال رابح بخ ذاك مال رابح". (3)
(بيرحاء) بكسر الباء وفتحها وبالمد هي اسم لحديقة نخل كانت أبي طلحة رضي الله عنه.
__________
(1) صحيح البخاري رقم (1354) .
(2) سورة آل عمران الآية (92).
(3) رواه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1461)، وفي كتاب الوكالة (2318)، وفي كتاب الوصايا (2752)، وفي كتاب التفسير برقم (4554)، ورواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (2312).(1/243)
(بخ بخ) قال ابن دريد : معناه : تعظيم الأمر وتفخيمه وقال غيره: تقال عند الإعجاب .
- - -
أبو الدحداح يتصدق ببستان فيه ستمائة نخلة
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : لما نزلت : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } (1) .
قال أبو الدحداح : يا رسول الله أو إن الله يريد منا القرض .
قال : "نعم يا أبا الدحداح" .
قال : أرني يدك ، قال فناوله ، قال : فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة ، ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط ، وأم الدحداح فيه وعياله فناداها يا أم الدحداح ، قالت : لبيك ، قال : أخرجي قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة .
فوائد الحديث :
قال الإمام النووي : في هذا الحديث فوائد :
1- منها : الابتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب .
2- ومنها : أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد .
3- ومنها : أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة ولا ينحصر في جهة بعينها ،.
4- منها : دلالة ظاهرة للشافعي وموافقيه في جواز بيع المدبر وقال مالك وأصحابه لا يجوز بيعه إلا إذا كان على السيد دين فيباع فيه ، وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما باعه لينفقه سيده على نفسه ، والحديث صريح أو ظاهر في هذا ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - أبدأ بنفسك فتصدق عليها إلى آخره والله أعلم .
5- وفيه : أن القرابة يرعى حقها في صلة الأرحام وان لم يجتمعوا إلا في أب بعيد ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين فجعلها في أبي بن كعب وحسان ابن ثابت وإنما يجتمعان معه في الجد السابع . (2)
__________
(1) ) ) سورة البقرة الآية (245)
(2) ) ) شرح النووي (7/85) .(1/244)
وقال زيد بن أسلم - رضي الله عنه - : لما نزل : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } ، قال أبو الدحداح : فداك أبي وأمي يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض ، قال : نعم يريد أن يدخلكم الجنة به ، قال : فإني إن أقرضت ربي قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة ، قال : نعم ، قال : فناولني يدك ، فناوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ، فقال : إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية والله لا أملك غيرهما قد جعلتهما قرضا لله تعالى ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك" .
قال : فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت خيرهما لله تعالى فيه ستمائة نخلة .
قال : "إذا يجزيك الله به الجنة" .
فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل ، فأنشأ يقول :
هداك ربي سبل الرشاد ثم إلى سبيل الخير والسداد
بيني من الحائط بالوداد ثم فقد مضى قرضا إلى التناد
اقرضته الله على اعتمادي ثم بالطوع لامن ولا ارتداد
إلا رجاء الضعف في المعاد ثم فارتحلي بالنفس والأولاد
والبر لاشك فخير زاد ثم قدمه المرء إلى المعاد
قالت أم الدحداح : ربح بيعك بارك الله لك فيما اشتريت ، ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول :
بشرك الله بخير وفرح ثم مثلك ما أدى مالديه ونصح
قد متع الله عيالي ومنح ثم بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدح ثم طول الليالي وعليه ما اجترح
ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"كم من عذق رداح ودار فياح لأبي الدحداح" .
قال ابن العربي : انقسم الخلق بحكم الخالق وحكمته وقدرته ومشيئته وقضائه وقدره حين سمعوا هذه الآية أقساما فتفرقوا فرقا ثلاثة :(1/245)
الفرقة الأولى : الرذلى ، قالوا : إن رب محمد محتاج والحاصل إلينا ونحن أغنياء ، فهذه جهالة لا تخفى على ذي لب ، فرد الله عليهم بقوله : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله والحاصل ونحن أغنياء .
الفرقة الثانية : لما سمعت هذا القول آثرت الشح والبخل وقدمت الرغبة في المال فما أنفقت في سبيل الله ولا فكت أسيرا ولا أعانت أحدا تكاسلا عن الطاعة وركونا إلى هذه الدار .
الفرقة الثالثة : لما سمعت بادرت إلى امتثاله وآثر المجيب منهم بسرعة بماله كأبي الدحداح - رضي الله عنه - وغيره . والله أعلم . (1)
- - -
قال ابن وهب : أنفقَ ربيعة على إخوته أربعين ألفَ دينار ، ثم كان بَعْدُ يسألُ إخوانه في إخوانه . وقال المروذي : قال ابنُ وهب : سمعت بشر بن الحارث يقول : ولقد جاءني صديق لي وعندي عشرون درهماً فأعطيته تسعةَ عشرَ درهماً وبقَّيْتُ درهماً ، ففيهم اليوم مَنْ يفعل هذا بصاحبه؟.
وأبلغ من هذا ما قال هارون المستملي : لقيتُ أحمد فقلت : ماعندنا شيء ، فأعطاني خمسة دراهم ، وقال : ماعندنا غيرُها. (2)
- - -
باب
صدقة المرأة على زوجها وولدها
__________
(1) ) ) تفسير القرطبي (3/237) .
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/87).(1/246)
عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تصدقن يا معشر النساء ولو من حُليكن" قالت : فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت له : إنك رجل خفيف ذات اليد وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فأتِهِ فسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم، فقال عبد الله : بل إئتيه أنتِ، فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أُلقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال ، فقلنا له : أئتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك : أتجزئ الصدقة عنها على أزواجها وعلى أيتام في حجورها؟ ولا تخبره من نحن فدخل بلال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله .
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من هما؟" قال : امرأة من الأنصار وزينب .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "وأي الزيانب هي؟" قال: امرأة عبد الله .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة". (1)
خفيف ذات اليد : أي قليل المال .
(المهابة): الهيبة والإجلال.
(في حجورهما): في ولايتهما.
في الحديث من الثواب والأجر أن الصدقة على الأقارب لها أجران صلة وقرابة .
وفيه : جواز دفع الزكاة للزوج .
قال الشوكاني : استدل بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها ، وبه قال الثوري ، والشافعي ، وصاحبا أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك، وعن أحمد وإليه ذهب الهادي والناصر والمؤيد بالله . (2)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة برقم (1466)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2315).
(2) ) ) نيل الأوطار (4/246) .(1/247)
ثم قال رحمه الله : والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها أما أولا فلعدم المانع من ذلك ومن قال إنه لا يجوز فعليه الدليل وأما ثانيا فلأن ترك استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لها ينزل منزلة العموم فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب فكأنه قال يجزي عنك فرضا كان أو تطوعاً ، وقد اختلف في الزوج هل يجوز له أن يدفع زكاته إلى زوجته ، فقال ابن المنذر : أجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة شيئا لأن نفقتها واجبة عليه ، ويمكن أن يقال إن التعليل بالوجوب على الزوج لا يوجب امتناع الصرف إليها لأن نفقتها واجبة عليه غنية كانت أو فقيرة فالصرف إليها لا يسقط عنه شيئا .اهـ . (1)
وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة". (2)
وفي رواية عند ابن خزيمة قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى القريب صدقتان صدقة وصلة". (3)
قوله : "صدقتان وصلة" : قال المناوي : صدقتان اثنتان صدقة وصلة فهي عليه أفضل لاجتماع الشيئين .
ففيه : حث على الصدقة على الأقارب وتقديمهم على الأباعد ، لكن هذا غالبي وقد يقتضي الحال العكس . (4)
وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح". (5)
الكاشح : هو المضمر العداوة والمقاطعة في كشحه وهو خصره.
__________
(1) ) ) نيل الأوطار (4/247) .
(2) رواه الترمذي، وحسنه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح الإسناد"، وصححه الألباني في الترغيب برقم(892).
(3) صححه العلامة الألباني في صحيح ابن خزيمة برقم (2867)، والمشكاة برقم (1939)، وصحيح الترغيب برقم (892).
(4) ) ) فيض القدير (4/237) .
(5) رواه الطبراني وابن خزيمة والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، وقال الألباني صحيح، الترغيب برقم (894)، والإرواء (892).(1/248)
يعني : أن أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه.
وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال :
قلت : يا رسول الله إن أمي ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال : الماء
، فحفر بئراً ، وقال : هذه لأم سعد". (1)
وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة". (2)
قوله : "يحتسبها" ، قال القرطبي : أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أو مباحة ، وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى ، وأطلق الصدقة على النفقة مجازا والمراد بها الأجر والقرينة الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها الصدقة . (3)
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى". (4)
الفضل : ما زاد على قدر الحاجة .
و الكفاف : ما كف عن الحاجة إلى الناس مع القناعة ولم يزد على قدر الحاجة .
__________
(1) رواه أبو داود برقم (1681) باب في فضل سقي الماء .
(2) أخرجه البخاري برقم (55) ، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى ، ومسلم برقم (1002) ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين
(3) ) ) فتح الباري (1/136) .
(4) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (1036) ، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن اليد السفلى هي الآخذة .(1/249)
قال النووي : ومعناه : إن بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه ، وإن أمسكته فهو شر لك ، لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه وإن أمسك عن المندوب فقد نقص ثوابه وفوت مصلحة نفسه في آخرته ، وهذا كله شر .
ومعنى لا تلام على كفاف : أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه ، وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي كمن كان له نصاب زكوي ووجبت الزكاة بشروطها وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه وجب عليه إخراج الزكاة ويحصل كفايته من جهة مباحة .
ومعنى أبدأ بمن تعول : أن العيال والقرابة أحق من الأجانب.اهـ. (1)
- - -
باب
جواز إنفاق الزوجة من غير إذن زوحها
عن عائشة رضي الله عنها ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها مما أنفقت ولزوجها أجره بما أكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً". (2)
وعن همام قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها أمره فلها نصف أجره" . (3)
باب
إهداء الرجل إلى صديقات امرأته
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وإن كان ليذبح الشاة ثم يهدي في خلتها منها . (4)
__________
(1) )) شرح النووي على صحيح مسلم (7/127) .
(2) رواه البخاري برقم (1370) ، باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر مفسد ، ومسلم برقم (1023) ، باب أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها مفسدة بإذنه الصريح أو العرفي .
(3) )) رواه البخاري برقم (1960) ، باب قول الله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ، ومسلم برقم (1026) ، باب ما أنفق العبد من مال مولاه .
(4) )) رواه البخاري برقم (5658) ، باب حسن العهد من الإيمان .(1/250)
وفي رواية عنها قالت : ما غرت على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على خديجة وإني لم أدركها قالت وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة فيقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت فأغضبته يوما فقلت خديجة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني قد رزقت حبها" . (1)
باب
زكاة الفطر
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. (2)
وعن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" . (3)
قال الخطابي رحمه الله : قوله : "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر" .
فيه : بيان أن صدقة الفطر فرض واجب، كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان أن ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما فرض الله، لأن طاعته صادرة عن طاعة الله، وقد قال بفريضة زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم. وقد عللت بأنها طهرة للصائم من الرفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم في ذي جِدَّةٍ، أو فقير يجدها فضلاً عما قوته، إذ كان وجوبها لعلة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب.أ.هـ. (4)
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (2435) ، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها.
(2) رواه أبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (1085).
(3) )) رواه البخاري برقم (1433) ، باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ، ومسلم برقم (984) ، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير .
(4) معالم السنن (3/214).(1/251)
وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض، وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق"، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم".أ.هـ.
علماً إن زكاة الفطر تكون إطعام وليس أموال للأدلة الواردة ولا يوجد دليل على إعطائها أموال، ومن الغريب نجد من يقول بأنها أموال، وقد أفتى بعض أهل العلم على أن زكاة الفطر إذا خرجت أموال لا تجزئ وتكون صدقة إلا إذا أخرجها طعام.
قال الإمام مالك رحمه الله في المدونة: "ولا يجزئ أن يجعل الرجل مكان زكاة الفطر عرضا من العرض قال وليس كذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم: "ولا يؤدي ما يخرجه من الحب لا يؤدي إلا الحب نفسه لا يؤدي سويقاً ولا دقيقاً ولا يؤدي قيمته ولا يؤدي أهل البادية من شيء يقتاتونه من الغث والحنظل وغيره من ثمره لا تجوز في زكاة ويكلفون أن يؤدوا من قوت أقرب البلاد إليهم".
وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: "ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة".
وقال ابن قدامة المقدسي في المغني: "ومن أعطى القيمة لم يجزؤه، قال أبو داود: (قيل لأحمد وأنا أسمع أعطي دراهم -يعني في صدقة الفطر- قال أخاف أن لا يجزؤه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
باب
زكاة الحلي
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } . (1)
__________
(1) )) سورة التوبة (34-35) .(1/252)
عن زيد بن أسلم أن أبا صالح ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " . (1)
قال ابن حزم رحمه الله : وفيه من كانت له ذهب أو فضة لم يؤد ما فيها جعلت له يوم القيامة صفائح من نار فوضعت على جنبه وظهره وجبهته حتى يقضى بين الناس ثم يري سبيله، فوجبت الزكاة في الذهب بهذا الوعيد الشديد فوجب طلب الواجب في الذهب الذي من لم يؤده عذب هذا العذاب الفظيع نعوذ بالله منه بعد الإجماع المتيقن المقطوع به على أنه عليه السلام لم يرد كل عدد من الذهب ولا كل وقت من الزمان وأن الزكاة إنما تجب في عدد معدود وفي وقت محدود فوجب فرضا طلب ذلك العدد وذلك الوقت فوجدنا من حد في ذلك عشرين دينارا احتج بما رويناه من طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وآخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر كلاما وفيه وليس عليك شيء حتى يكون يعني في الذهب لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك . (2)
وسئل الشيخ عبد الله بن حميد :
هل هناك زكاة على حلي المرأة التي تلبسها ؟
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (987) ، باب إثم مانع الزكاة .
(2) )) المحلى (6/68) .(1/253)
فأجاب : أختلف العلماء في حلي المرأة ، هل فيه زكاة أم لا ؟ ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن فيه زكاة ، وجمهور العلماء أنه لا زكاة فيه كما هو مذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام مالك ومذهب الإمام الشافعي ، وهو مروي عن خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلهم يقولون : لا زكاة في حلي النساء ، واختار هذا القول العلامة ابن القيم وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية على أن حلي النساء لا زكاة فيه ، مستدلين بما في الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى النساء فوعظهن وقال :" يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن " فقوله :"تصدقن ولو من حليكن " فيه ما يدل على أنه لا زكاة واجبة في الحلي ، لأنه قال :" ولو من حليكن " مثل قوله :" اتقوا النار ولو بشق تمرة " إذ لو كانت الزكاة واجبة في الحلي لم يقل :" تصدقن ولو من حليكن" بل قال :"أدّو زكاة حليكن" بل قال :"تصدقن" دلّ على أنها لو تصدقت من ملابسها أو من أثاث بيتها أو من طعامها كان ذلك كافي ، وهذا كله في صدقة التطوع ولا يلزمها أن تخرج زكاة حليها ، وكان عمر - رضي الله عنه - يرى أن زكاة الحلي إعارته للإستعمال وهو مروي عن أنس ، وعبد الله بن عمر كان يحلي بناته الذهب ولا يخرج زكاته ، وعائشة رضي الله عنها وليت أمر بنات أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر ولم تزكي ما كان عليهن من حلي ،
إلى غير ذلك ، فبهذا نعرف أن حلي النساء لا زكاة فيه ، وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله .
فإذا كان عندك حلي أيتها الأخت المسلمة وهو معد للإستعمال فإنه لا زكاة فيه ولا حرج عليك في ذلك كما هو قول جمهور العلماء ، وكما هو مروي عن عدد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم ، وكما دل عليه حديث الصحيحين "تصدقن ولو من حليكن " إلى غير ذلك . والله أعلم . (1)
__________
(1) ) ) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .(1/254)
وسئل أيضاً الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان:
هل على الحلي الذي يلبس سواء كان ذهباً أو فضة زكاة خاصة ؟ وما مقدارها ؟
فأجاب : إن الله سبحانه وتعالى أوجب الزكاة في الذهب والفضة وفي غيرهما من الأموال النامية ؛ كبهيمة الأنعام ، وعروض التجارة ، والخارج من الأرض ، وإذا بلغ الذهب أو الفضة نصاباً فأكثر ؛ فإنه تجب فيهما الزكاة كسائر الأموال الأخرى .
ونصاب الذهب عشرون مثقالاً ، وهي بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه ، ومقدارها بالغرامات اثنان وتسعون غراماً .
ونصاب الفضة مئة وأربعون بالريال الفضي السعودي المعروف ستة وخمسون ريالاً .
فإذا بلغ الذهب أو الفضة هذا المقدار فأكثر ؛ فإنه تجب فيه الزكاة ربع العشر ، ومثل ذلك النقود الورقية ؛ لأنها تقوم مقام الذهب والفضة ؛ فإذا بلغت النقود الورقية قيمة نصاب الفضة ـ يعني : بلغ صرفها صرف ستة وخمسين ريالاً من الفضة فأكثر ـ فإنها تجب فيها الزكاة .
وأما الحلي المعد للباس والزينة؛ فهذا محل خلاف بين أهل العلم ، والجمهور على أنه لا زكاة فيه ؛ ما دام أنه معد للاستعمال أو العارية ، ولم يعد للتجارة أو للقنية ، فهو كسائر المستعملات ؛ لأنه تحول من كونه مالاً نامياً إلى كونه مالاً مستعملاً ؛ كالملابس ، والمساكن ، والمراكب ، وغير ذلك . هذا قول جمهور العلماء أهل العلم سلفاً وخلفاً .
وذهب بعض العلماء إلى وجوب الزكاة في الحلي ، ولو كان معداً للاستعمال لأدلة رأوها وأخذوا بها ، مع العمومات التي توجب الزكاة في الذهب والفضة ، ولم ينظروا إلى ماعرض للحلي من تحويله من كونه مالاً ملبوساً مستعملاً ، فرأوا بقاء وجوب الزكاة فيه .
وعلى كل حال ؛ فإذا زكاة الإنسان ؛ فهذا أحوط وأبرأ لذمته وخروج من الخلاف . والله أعلم . (1)
وسئل أيضاً الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/95، 96) .(1/255)
هل يجوز أن تزكي المرأة على الذهب الذي تلبسه إذا كان كثيراً والعكس ؟
فأجاب : لقد كثر الخلاف والكلام حول زكاة الحلي الذي تلبسه النساء من الذهب والفضة ونحوها فالجمهور على أنه لا زكاة فيه حيث أنه معد للاستعمال ولا نماء فيه زكاته عاريته والراجح من حيث الدليل أن يزكي كل عام فيقدر بقيمته الحالية ويخرج عنها ولا ينظر إلى رأس المال والدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في المرأة التي في يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - :"أتعطين زكاة هذا ؟ " قالت لا قال :" أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار " الخ وغيره من الأحاديث والله أعلم . (1)
وقد قاتل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مانعي الزكاة وقال: والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. (2)
باب
التحذير من منع الزكاة
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله وفقير فخور". (3)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حَقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثرَ ما كانت، وقعد لها بقاع قَرقرة، تَستَنُّ عليه بقوائمها وأخفافها.
ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقَّها إلا جاءت يوم القيامة أكثرَ مما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها.
ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جَمّاءُ، ولا منكسرٌ قرنُها.
__________
(1) ) ) المسلمون (54)
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة برقم (1400)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (20).
(3) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.(1/256)
ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقَّه إلا جاء كنزُه يومَ القيامة شجاعاً أقرع، يتبعُه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فَرَّ منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غنيٌّ، فإذا رأى أن لا بد له منه سلك يده في فيه، فيقضمها قضم الفحل". (1)
(القاع): المكان المستوي من الأرض.
و (القَرقَر) بقافين مفتوحتين وراءين مهملتين: الأملس.
و (الظلف): للبقر والغنم، بمنزلة الحافر للفرس.
و (العقصاء): هي الملتوية القرن.
و (الجلحاء): هي التي ليس لها قرن.
و (العضباء) بالضاد المعجمة: هي المكسورة القرن.
و (الطَوّل) بكسر الطاء وفتحها وفتح الواو: هو حبل تشد به قائمة الدابة وترسلها ترعى، أو تمسك طرقه وترسلها.
و (استنَّت) بتشديد النون، أي: جرّت بقوة.
و (شَرَفاً) بفتح الشين المعجمة والراء، أي: شوطاً، وقيل: نحو ميل.
و (الشجاع) بضم الشين المعجمة وكسرها: هو الحية، وقيل: الذكر خاصة، وقيل: نوع من الحيات.
و (الأقرَع) منه: الذي ذهب شعر رأسه لكثرة سمه.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من أحد لا يؤدي زكاةَ ماله إلا مُثِّل له يومَ القيامة شجاعاً أقرع حتى يُطوَّق به عُنُقُه". ثم قرأ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله } (2) الآية.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان يُطوّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتَيه (يعني شدقيه) ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك!".
ثم تلا هذه الآية: { ولا يحسبن الذي يبخلون } الآية (3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الزكاة برقم (988) ، باب إثم مانع الزكاة .
(2) رواه ابن ماجة واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (756).
(3) رواه البخاري.(1/257)
(الزبيبتان): هما الزبدتان في الشدقين: وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبيه وظهره". (1)
وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين". (2)
(السنين): القحط والجدب، ورواه الحاكم والبيهقي في حديث إلا أنهما قالا: "ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمسٌ بخمسٍ" قيل: يا رسول الله: ما خمسٌ بخمسٍ؟ قال: "ما نقص قومٌ العهد، إلا سُلِّط عليهم عدُّوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله، إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة، إلا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حُبس عنهم القَطر، ولا طفّفُوا المكيال، إلا حُبس عنهم النبات وأخذوا بالسنين". (3)
(السنين): جمع (سَنَة) وهي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا، سواء وقع قطر أو لم يقع.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه الطبراني والحاكم والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (763).
(3) رواه الطبراني في الكبير، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب برقم (765).(1/258)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا معشر المهاجرين! خصالُ خمسٌ إن ابتُليتُم بهنّ، ونَزَلْنَ بكم وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشةُ في قوم قطّ حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقُضُوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين وشدّة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا نَقَضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلِّط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جُعل بأسهم بينهم". (1)
وعن مسروق قال: قال عبد الله: آكلُ الربا، ومُوكله وشاهداه إذا علماه، والواشمة والموتَشِمَة، ولاوي الصدقة، والمرتدُّ أعرابيا بعد الهجرة، ملعنون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة". (2)
(لاوي الصدقة): هو المماطل بها، الممتنع من أدائها.
وعن علي - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وشاهده، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة، ومانع الصدقة، والمحلل والمحلل له". (3)
__________
(1) رواه ابن ماجة والبزار، والبيهقي وهذا لفظه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (764).
(2) رواه ابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، ورواه أحمد وأبو يعلى، وان حبان في "صحيحه" وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (757).
(3) رواه أحمد والنسائي والأصبهاني وغيرهما، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (758).(1/259)
وعن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: "ما هذا يا عائشة؟" فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: "أتؤدين زكاتهنّ؟" قلت: لا، أو ما شاء الله. قال: "هي حسبك من النار". (1)
وفي هذا الحديث دليل على وجوب زكاة الحلي في كل عام .
قال الزهري رحمه الله : الزكاة في الحلي في كل عام . (2)
(الفتخات) بالخاء المعجمة: جمع (فتخة): وهي حَلقة لا فص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجليها وفي يدها، وقال بعضهم، هي خواتم كبار كان النساء يتختمن بها.
قال الخطابي: والغالب أن الفتخات لا تبلغ بانفرادها نصاباً، وإنما معناه: أن تضم إلى بقية ما عندها من الحلي، فتؤدى زكاتها فيه. (3)
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مانع الزكاة يوم القيامة في النار". (4)
كتاب الحج
قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين } . (5)
الحَجُّ: في الأصل القصد، وفي العرف: قصد مكة للنسك وبابه رد فهو حاجٌّ ، وجمعه حُجُّ بالضم كبازل وبزل والحِجُّ بالكسر الاسم، والحِجَّةُ بالكسر أيضا المرة الواحدة وهي من الشواذ لأن القياس الفتح، والحجة بالكسر أيضا السنة والجمع الحِجَجُ بوزن العنب وذو الحِجَّةِ بالكسر شهر الحج . (6)
باب
وجوب الحج على المرأة على الفور
إذا تيسر للمرأة الزاد والراحلة والمحرم وجب عليها الحج على الفور ولا يجوز لها التأخير فتكون آثمة بتأخيرها للحج .
__________
(1) رواه أبو داود والدارقطني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (769).
(2) )) رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (7054) .
(3) معالم السنن (2/176).
(4) رواه الطبراني في الصغير، وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (762).
(5) سورة آل عمران الآية (97).
(6) )) مختار الصحاح (1/52) .(1/260)
قال الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين } . (1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "بني الإسلام على خمس : على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" . (2)
وذهب فريق من أهل العلم إلى أن المرأة لا يشترط لها أن تستأذن زوجها في حج الفريضة.
فعن الفضيل بن عياض، عن هشام، عن الحسن في المرأة التي لم تحج، قال: تستأذن زوجها فإذا أذن لها فذاك أحب إلي وإن لم يأذن لها خرجت مع ذي محرم فإن ذلك فريضة من فرائض الله ليس له عليها فيها طاعة . (3)
وعن أبي عوانة، عن منصور، عن إبراهيم قال: إذا كانت الفريضة وكان لها محرم فلا بأس أن تخرج ولا تستأذن زوجها . (4)
باب
أفضل الجهاد للنساء حج البيت
عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت : استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد، فقال: "جهادكن الحج" . (5)
قال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء، ولكن ليس في قوله ” جهادكن الحج ” أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال . (6)
__________
(1) سورة آل عمران الآية (97).
(2) )) رواه البخاري برقم (8) ، باب الإيمان ، ومسلم برقم (16) ، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام .
(3) )) رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (14720) ، باب في المرأة تحرم في الحج بغير إذن زوجها .
(4) )) رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (14719) ، باب في المرأة تحرم في الحج بغير إذن زوجها .
(5) )) رواه البخاري برقم (2720)، باب جهاد النساء .
(6) )) فتح الباري .(1/261)
وعن عائشة أم المؤمنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله نساؤه عن الجهاد، فقال : "نعم الجهاد الحج" . (1)
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة". (2)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور". (3)
نرى: نعتقد، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه: قالت: قلت يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة". (4)
باب
نهي المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة عن السفر يوم وليلة بدون محرم، ومع هذا نجد في هذا الزمان وللأسف الشديد بعض النساء يسافرن بدون محرم سواء إلى العمرة أو إلى غيرها، والغريب في هذا الأمر أن بعض هذه الرحلات تقوم عليها بعض الجمعيات!!!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها".
وفي رواية: "مسيرة يوم".
وفي أخرى: "مسيرة ليلة إلا ومعها ذو محرم منها". (5)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (2721)، باب جهاد النساء .
(2) رواه النسائي، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب برقم (1100).
(3) أخرجه البخاري برقم (1502)، باب فضلِ الحَجِّ المَبْرُورِ .
(4) صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب برقم (1099).
(5) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة برقم (1088)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1339).(1/262)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها". (1)
وفي رواية لهما: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرمٍ منها أو زوجها". (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرمٍ منها"". (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم فقام رجل فقال يا رسول الله: اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجَّة. قال: "اذهب فحج مع امرأتك". (4)
قال النووي: فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة لأنه لما تعارض سفره في الغزوة وفي الحج معها رجح الحج معها لأن الغزو يقوم غيره في مقامه عنه بخلاف الحج معها. أ.هـ. (5)
انظر أخي وفقك الله في هذا الحديث، فإن النهي فيه صريح في منع المرأة من السفر مسيرة يوم وليلة بدون محرم لها .
المحرم : هو زوجها أو كل من يحرم على المرأة على التأبيد بنسب أو بسبب مباح .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب جزاء الصيد برقم (1764) ، ومسلم في كتاب الحج برقم (1340).
(2) رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة برقم (1197) ، ومسلم في كتاب الحج برقم (827).
(3) رواه البخاري في كتاب تقصير الصلاة برقم (1086 و 1087)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1338).
(4) )) رواه البخاري برقم (2844) ، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له عذر هل يؤذن له ، ومسلم برقم (1341) ، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره .
(5) )) شرح النووي (9/93) .(1/263)
قال ابن قدامة رحمه الله : والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأييد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع، لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها". رواه مسلم، قال أحمد ويكون زوج أم المرأة محرما لها يحج بها ويسافر الرجل مع أم ولد وجده، فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه وقال في أم امرأته ويكون محرما فلها في حج الفرض دون غيره، قال: الأثرم كأنه ذهب إلا أنها لم تذكر في قوله { ولا يبدين زينتهن } النور الآية، فأما من تحل له في حال كعبدها وزوج أختها فليسا بمحرم لها نص عليه أحمد مأمونين عليها ولا تحرم عليهما على التأييد فهما كالأجنبي .اهـ. (1)
وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى :
فصل ما يحرم من سفر المرأة مع غير ذي رحم محرم منها
قال في المستوعب : لا يجوز أن تسافر المرأة مع غير ذي رحم محرم منها سفرَ يوم وليلة وأكثر، وقيل : ثلاث أيام فأكثر، لا في حَجّ فريضةٍ، ولا نافلة، ولا غير ذلك، لا عند ضرورة وخوف على نفسها. وقال في التلخيص : وفي اعتبار المحرم في السفر القصير روايتان. وقدم في المستوعب وفي الرعاية اعتبار المحرم في السفر القصير .
ومعلوم أنَّ السفرَ القصيرَ عندنا ما دون اليومين . وعند أحمد : لا يعتبر المحرم في سفر الحج الواجب، والمذهب اعتباره، وهل له أن يردفها معه على الدابة مع الأمن وعدم سوء الظن ؟ يتوجه خلاف بناء على إنَّ إرادته عليه السلام أنْ يردف أسماء يختص به، واختار أبو زكريا النووي الجواز، واختار القاضي عياض المنعَ . والله أعلم . (2)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله:
__________
(1) )) المغني (3/98) .
(2) )) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/55) .(1/264)
امرأة من سبأ مشهورة بالصلاح وهي في أوسط عمرها وأقرب إلى الشيخوخة وأرادت أن تحج حجة الإسلام ولكن ليس لها محرم ويوجد من أعيان البلد من يريد الحج مشهور بالصلاح ومعه نسوة من محارمه . فهل يصح لهذه المرأة أن تحج مع هذا الخير لعدم وجود محرم مع أنها مستطيعة من ناحية المال . أفتونا بارك الله فيكم لأننا اختلفنا مع بعض الإخوان ؟
فأجاب : لا يحل لهذه المرأة أن تحج بلا محرم حتى وإن كانت مع نساء ورجل أمين لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب فقال :" لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " فقام رجل وقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا كذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" انطلق فحج مع امرأتك " ولم يستفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - منه هل كانت آمنة أو غير آمنة وهل كان معها نساء ورجال مأمونون أم لم يكن مع أن الحال تفتضي ذلك مع أن زوجها قد اكتتب في غزوة فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدع الغزوة وأن يخرج مع امرأته وقد ذكر أهل العلم أن المرأة إذا لم لها محرم فإن الحج لا يجب عليها حتى ولو ماتت لا يحج عنها من تركتها لأنها غير قادرة والله سبحانه وتعالى فرض الحج على المستطيع . (1) ...
باب
جواز حج المرأة عن الرجل
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟
قال: "نعم" وذلك في حجة الوداع " . (2)
باب
جواز حج الرجل عن المرأة
__________
(1) ) ) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/ 592) .
(2) )) رواه البخاري برقم (1442) ، باب وجوب الحج وفضله ، ومسلم برقم (1334) ، باب الحج عن العاجز لزمانه وهرم ونحوهما أو للموت .(1/265)
عن بن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟" قال: نعم، قال: "فاقض الله فهو أحق بالقضاء" . (1)
فوائد الحديث :
قال ابن حجر : فيه: مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه: تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه، وفيه: أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه، وفيه: أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلوما عندهم مقررا ولهذا حسن الإلحاق به، وفيه: إجزاء الحج عن الميت، وفيه اختلاف: فروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن مالك والليث، وعن مالك أيضا إن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي يليه، قوله: (أكنت قاضيته) كذا للأكثر بضمير يعود على الدين، وللكشميهني قاضية بوزن فاعلة على حذف المفعول، وفيه أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء، ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك، وفي قوله ” فالله أحق بالوفاء ” دليل على أنه مقدم على دين الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعي، وقيل بالعكس، وقيل هما سواء .اهـ. (2)
باب
جواز حج المرأة عن المرأة
عن عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه - رضي الله عنه - قال :
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (6321) ، باب من مات وعليه نذر ، ومسلم برقم (1148) ، باب بيان نسخ قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه .
(2) )) فتح الباري .(1/266)
"بينا أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتته امرأة، فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت، قال: فقال: "وجب أجرك وردها عليك الميراث"، قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: "صومي عنها"، قالت: إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال : "حجي عنها" . (1)
فوائد الحديث :
قال ابن حجر : قوله أرأيت الخ، فيه: مشروعية القياس، وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه.
وفيه: تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه .
وفيه: أنه يستحب للمفتى التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتى وادعى لإذعانه .
وفيه: أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلوما عندهم مقررا ولهذا حسن الإلحاق به .
وفيه: أجزاء الحج عن الميت وفيه اختلاف .
وفي قوله: فالله أحق بالوفاء دليل على أنه مقدم على دين الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعي . (2)
باب
جواز حج المرأة عن الصبي
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي ركباً بالروحاء فقال: "من القوم"؟ قالوا: المسلمون قالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" فرفعت امرأة صبيا فقال: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر". (3)
الروحاء: موضع من عمل الفرع بينها وبين المدينة ستة وثلاثين ميلاً.
للصبي أجر حج ولأمه مثل أجره لأنها سبب ذلك، فالدال على الخير كفاعله.
قوله - صلى الله عليه وسلم - : "نعم ولك أجر" ، قال النووي : فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعا وهذا الحديث صريح فيه .
ومعناه:بسبب حملها وتجنيبها إياه ما يجتنبه المحرم وفعل ما يفعله المحرم والله أعلم (4)
باب
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (1149) ، باب قضاء الصيام على الميت .
(2) )) فتح الباري (4/66) .
(3) أخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (3240).
(4) )) شرح مسلم (9/99-100) .(1/267)
لباس المرأة المحرمة
على المرأة أن تحرم بملابسها بخلاف الرجل ، ولكن عليها أن لا تلبس النقاب ، والكفوف ، ويكون إحرامها في وجهها .
فعن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال : قام رجل، فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس، ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" . (1)
وفي رواية عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال : يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو ورس" . (2)
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القمص والعمائم والسراويلات والخفاف والبرانس .
ويكون إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها ، وليس لها أن تنتقب، إلا للضرورة تضع شيء من الثياب على وجهها تسدله ويكون كالستر على وجهها .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1741) ، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة .
(2) )) رواه البخاري برقم (1468) ، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب ، ومسلم برقم (1177)، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه .(1/268)
قال ابن قدامة : وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه، فيكون للرجل تغطية وجهه كله ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة، ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخى جلبابها أو بعض خمارها ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافيا كالستر على وجهها، ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: تدلى عليها من جلبابها ولا عملا به، قلت وما لا عملا به، فأشار إلى كما تجلبب المرأة ثم أشار إلى ما علي خدها من الجلباب، فقال: لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ولا تقلبه ولا عملا به ولا تعطفه .اهـ. (1)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم صلاة المرأة وحجها وهي لابسة القفازين ؟
فأجاب : صلاة المرأة وهي لابسة للقفازين لا بأس بها ؛ لأنه مطلوب منها ستر كفيها في الصلاة على الصحيح الراجح ؛ سواء سترتها بالقفازين أو بغيرهما .
أما في حال الإحرام ؛ فلا يجوز لها لبس القفازين ؛ لأنها منهية عن ذلك ، وذلك من محظورات الإحرام ، ويجب عليها أن تغطي كفيها عن الرجال غير المحارم بغير القفازين من ثوبها أو عباءتها ، وفي غير حالة الإحرام يجوز للمرأة الحاجة لبس القفازين ؛ لأنها إنما منعت من لبسهما في حال الإحرام فقط . (2)
باب
المحرمة تلبس الخفين إن شاءت
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن الزهري عن سالم، عن أبيه أنه كان يفتى النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتي النساء أن لا يقطعن فانتهى عنه. (3)
وعن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: تلبس المحرمة الخفين . (4)
__________
(1) )) المغني (2/148-149) .
(2) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/186) .
(3) )) الأم (2/147) .
(4) )) رواه مصنف ابن أبي شيبة برقم (4/434) .(1/269)
وعن الحسن، أنه كان لا يرى بأسا أن تلبس المحرمة الخفين . (1)
باب
المحرمة تلبس السراويل إن شاءت
عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرخص في الخفين والسراويل للمحرمة قال كانت صفية تلبس خفين . (2)
قال الشافعي لا تقطع المرأة الخفين والمرأة تلبس السراويل والخفين والخمار والدرع ضرورة كضرورة الرجل وليست في هذا كالرجل . (3)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل من الضروري أن تلبس المرأة ثياباً ذات ألوان محددة عند أداء مناسك الحج ؟
فأجاب : ليس للمرأة ثياب مخصصة تلبسها في الحج ، وإنما تلبس ما جرت عادتها بلبسه مما يستر بدنها وليس فيه زينة ولا تشبه بالرجال ، وإنما نهيت المرأة المحرمة عن لبس البرقع والنقاب مما خيط أو نسج للوجه خاصة ، وعن لبس القفازين مما خيط أو نسج للكفين خاصة ، ويجب أن تغطي وجهها بغير البرقع والنقاب ، وتغطي كفيها بغير القفازين لأنهما عورة يجب سترها ، وهي لم تنه عن تغطيتهما مطلقاً حال الإحرام ، وإنما نهيت عن تغطيتهما بالبرقع والنقاب وبالقفازين فقط . (4)
باب
جواز طواف النساء مع الرجال بدون اختلاط
__________
(1) )) رواه مصنف ابن أبي شيبة برقم (4/434) .
(2) )) رواه مصنف ابن أبي شيبة برقم (4/434) .
(3) )) الأم (2/147) .
(4) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان (3/ 184) .(1/270)
عن عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، قال بن جريج، أخبرنا قال : أخبرني عطاء إذ منع بن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال، قلت: أبعد الحجاب أو قبل ، قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت : كيف يخالطن الرجال ، قال: لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت انطلقي عنك، وأبت وكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال، وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير، قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قبة تركية لها غشاء، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها درعاً مورَّداً . (1)
وعن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي، قال : "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة" ، فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور . (2)
قال النووي : إنما أمرها - صلى الله عليه وسلم - بالطواف من وراء الناس لشيئين:
أحدهما: أن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف .
والثاني: أن قربها يخاف منه تأذى الناس بدابتها وكذا إذا طاف الرجل راكبا، وإنما طافت في حال صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكون أستر لها، وكانت هذه الصلاة صلاة الصبح. والله أعلم . (3)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة أن تزاحم الرجال أثناء الطواف حول الكعبة ؟
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1539) ، باب طواف النساء مع الرجال .
(2) )) رواه البخاري برقم (452) ، باب إدخال البعير في المسجد للعلة ، ومسلم برقم (1276) ، باب جواز الطواف على بعير وغيره واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب .
(3) )) شرح النووي (9/20) .(1/271)
فأجاب : يحرم على المرأة مزاحمة الرجال مطلقاً في أي مكان ولاسيما في الطواف ؛ لما في ذلك من الفتنة ، والمزاحمة في الطواف أشد تحريماً ، فيجب عليها تجنب المزاحمة في الطواف ؛ بأن تتحين الفرص التي ليس فيها زحمة ، أو تكون في جانب المطاف ، ولو بعدت عن الكعبة ؛ لأن ذلك أحفظ لها ، وأبعد لها عن الخطر والفتنة . (1)
باب
نهي المحرمة عن الجماع
عن ابن طاوس عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله فلا رفث ولا فسوق، قال: هو التعريض بذكر الجماع، وهي العرابة من كلام العرب وهو أدنى الرفث . (2)
وعن ابن وهب قال: أخبرني يونس، أن نافعا أخبره: أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم . (3)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال أتى رجل ابن عمر فسأله عن محرم وقع بامرأته فسأله فأشار له إلى عبد الله بن عمرو الرجل قال شعيب فذهبت معه فسأله فقال بطل حجه قال فيقعد قال لا بل يخرج مع الناس فيصنع ما يصنعون فإذا أدركه قابل حج وأهدى فرجعا إلى عبد الله بن عمر فأخبراه فأرسلنا إلى ابن عباس قال شعيب فذهبت إلى ابن عباس معه فسأله فقال له مثل ما قال ابن عمرو فرجع إليه فأخبره، فقال له الرجل: ما تقول أنت، فقال: مثل ما قالا . (4)
وعن شعبة، عن قتادة: أنه سئل عن رجل أهل بعمرة ثم غشي امرأته قبل أن يصل إلى البيت، أنه قال: يرجعان إلى حدهما فيهلان بعمرة ويتفرقان حتى يقضيا العمرة، وعليهما هديان . (5)
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
__________
(1) )) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان (3/185) .
(2) )) تفسير الطبري (2/263) .
(3) )) تفسير الطبري (2/263) .
(4) )) رواه ابن أبي شيبة برقم (13085) .
(5) )) رواه ابن أبي شيبة برقم (14814) .(1/272)
عن المرأة التي أحرمت مع زوجها من جدة ، وأدت مناسك الحج ، إلا أنها عندما نزلت إلى مكة حاضت ، فسافرت إلى جدة قبل طواف الإفاضة والوداع . وبعد أن طهرت واقعها زوجها قبل طواف الإفاضة والوداع . الخ ..
فأجاب : الحمد لله . سفر المرأة المذكورة إلى جدة قبل إتمامها المناسك لا ينبغي ؛ بل تقيم بمكة حتى تطهر ، ثم تكمل مناسكها ؛ لحديث :" أحابستنا هي " لكن لاشيء عليها في سفرها إلى وطنها قبل ذلك ، ووطؤها حينئذٍ لا يحل لبقاء الإفاضة عليها . وتخير بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين . وعليها أن ترجع إلى مكة بعمرة فتحرم من جدة ، ثم تدخل إلى مكة فتطوف وتسعة وتقصر من شعرها وبعد ذلك تطوف طواف الإفاضة وطواف الوداع . وإن خرجت من مكة عقب فراغها من طواف الإفاضة فوراً فإنه يكفي عن طواف الوداع . (1)
باب
الزواج للمحرم
عن نافع عن نبيه بن وهب، أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان يحضر ذلك وهو أمير الحج، فقال أبان: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " . (2)
قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن قدامة بن موسى عن شوذب : أن زيد بن ثابت رد نكاح محرم، قال الشافعي رحمه الله : وبهذا كله ينفذ ، فإذا نكح المحرم أو أنكح غيره فنكاحه مفسوخ، وللمحرم أن يراجع امرأته لأن الرجعة قد ثبتت بابتداء النكاح وليست بالنكاح إنما هي شيء له في نكاح كان محرم، وكذلك له أن يشتري الأمة للوطء وغيره، وبهذا نقول فإن نكح المحرم فنكاحه مفسوخ . (3)
باب
جواز دفع الضعفة والنساء من مزدلفة
__________
(1) )) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ بن إبراهيم آل الشيخ (4/64- 65) .
(2) )) رواه مسلم برقم (1409) ، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته .
(3) )) الأم (5/178) .(1/273)
أباح الشارع الحكيم للضعفة والنساء الدفع من مزدلفة بليل وذلك من باب الحفاظ عليهم والتيسير والمراعات لهم .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت سودة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة جمع وكانت ثقيلة ثبطة فأذن لها . (1)
قولها : كانت سَوْدَةُ امرأَةً ثَبِطةً، أَي ثقِيلة بَطِيئة من التَّثْبِيطِ وهو التعْوِيقُ والشَّغْلُ عن المُراد . (2)
وفي رواية عنها، قالت: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - سودة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة بطيئة فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه فلأن أكون استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به . (3)
قال النووي: قوله قبل حطمة الناس بفتح الحاء أي زحمتهم .
قوله إن سودة استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفيض من جمع بليل فأذن لها، فيه دليل لجواز الدفع من مزدلفة قبل الفجر، قال الشافعي وأصحابه: يجوز قبل نصف الليل ويجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل واستدلوا بهذا الحديث، واختلف العلماء في مبيت الحاج بالمزدلفة ليلة النحر، والصحيح من مذهب الشافعي أنه واجب من تركه لزمه دم وصح حجه، وبه قال فقهاء الكوفة وأصحاب الحديث.اهـ. (4)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1596) ، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ، ومسلم برقم (1290) ، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي قبل زحمة الناس واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة .
(2) )) لسان العرب 7/267) .
(3) )) رواه البخاري برقم (1597) ، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر .
(4) )) شرح النووي (9/38-39) .(1/274)
قال سالم: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان بن عمر رضي الله عنهما يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وعن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما، قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جمع بليل . (2)
وعن عبيد الله بن أبي يزيد سمع بن عباس رضي الله عنهما يقول ثم أنا ممن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة في ضعفة أهله . (3)
باب
جواز رمي الجمرات للنساء بليل
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1592) ، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ، ومسلم برقم (1293) ، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى .
(2) )) رواه البخاري برقم (1593) ، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر .
(3) )) رواه البخاري برقم (1594) ، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ، ومسلم برقم (1293) ، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي قبل زحمة الناس واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة .(1/275)
عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء: أنها نزلت ليلة جمع ثم المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قالت هل غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا، قالت: يا بني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن . (1)
قولها أذن للظعن : الظَّعِينَة: الجمل يُظْعَنُ عليه. والظَّعِينَة: الهَوْدج تكون فيه المرأَة، وقيل: هو الهودج؛ كانت فيه أَو لم تكن. والظَّعِينة: المرأَة في الهودج، سميت به على حَدِّ تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه، وقيل: سميت المرأَة ظَعِينة لأَنها تَظْعَنُ مع زوجها وتقيم بإِقامته كالجليسة، ولا تسمى ظَعِينَة إِلا وهي في هودج. وعن ابن السكيت: كل امرأَة ظَعِينَةٌ في هودج أَو غيره . (2)
فوائد الحديث :
قال الإمام النووي : فيه دليل لجواز الدفع من مزدلفة قبل الفجر، قال الشافعي وأصحابه: يجوز قبل نصف الليل ويجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل. واستدلوا بهذا الحديث، واختلف العلماء في مبيت الحاج بالمزدلفة ليلة النحر، والصحيح من مذهب الشافعي أنه واجب من تركه لزمه دم وصح حجه، وبه قال فقهاء الكوفة وأصحاب الحديث . (3)
قال ابن حجر : واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل بالضعفة وعند من لم يخصص . (4)
باب
الرجل ينحر عن نسائه
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1595) ، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر ، ومسلم برقم (1291) ، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي قبل زحمة الناس واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة .
(2) )) لسان العرب .
(3) )) شرح النووي على صحيح مسلم .
(4) )) فتح الباري .(1/276)
وكذلك من التيسير للنساء أباح الشارع الحكيم للرجل أن ينحر الهدي عن نسائه، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذبح عن نسائه .
فعن عمرة قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل قالت عائشة رضي الله عنها فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه . (1)
ويجوز للمرأة أن تذبح بنفسها إذا اضطرت لذلك .
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
إذا جاء وقت الذبح ولم يوجد في البيت رجل هل يجوز أن تقوم المرأة بذبح الأضحية ؟
فأجاب : نعم يجوز للمرأة أن تتولى ذبح الأضحية أو غيرها عند الحاجة متى تمت الشروط الأخرى للذكاة . ويسن عند ذبح الأضحية تسمية من ينويها له من حي أو ميت فإن لم يفعل اكتفى بالنية فإن سمى غير صاحبها خطأ فلا يضر فالله أعلم بالنيات والله الموفق . (2)
باب
ليس على النساء الحلق وإنما عليهن التقصير
عن عبد الحميد بن جبير عن صفية بنت شيبة، قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن بن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير". (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1633) ، باب وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا ، ومسلم برقم (1211) ، باب بيان وجوه الإحرام .
(2) ) ) اليمامة ( 884) .
(3) )) رواه أبو داود برقم (1985) ، باب الحلق والتقصير ، والدارمي برقم (1905) ، باب من قال ليس على النساء حلق ،(1/277)
قال ابن قدامة : والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة رأس الأصبع من المفصل الأعلى والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم وذلك لأن الحلق في حقهن مثلة ، وقد روى ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ليس على نساء حلق إنما على النساء التقصير" ،وعن علي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحلق المرأة رأسها ، وكان أحمد يقول تقصر من كل قرن قدر الأنملة، وهو قول ابن عمر والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها، قال: نعم تجمع شعرها إلى مقدم رأسها ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة، والرجل الذي يقصر في ذلك كالمرأة .اهـ. (1)
باب
منع الحائض من الطواف
عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت : "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أني لم أحج العام، قال: لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" . (2)
قال ابن حجر : والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، لأن النهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معنى الحائض الجنب والمحدث وهو قول الجمهور .
ثم قال : وروي عن عطاء: إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها . (3)
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
ما حكم المرأة إذا طافت طواف الإفاضة وعليها العادة ثم سافرت ؟
__________
(1) )) المغني (3/226) .
(2) )) رواه البخاري برقم (298) ، باب ترك الحائض الصوم ، ومسلم برقم (1211) ، باب بيان وجوه الإحرام .
(3) )) فتح الباري (3/505) .(1/278)
فأجاب : جواب هذه المسألة هو جواب الأولى وهو أن المرأة تقول إنها طافت وهي حائض : جمهور العلماء لا يصححون هذا الطواف لأنها حائض ، فمادام أنها لا تصلي ولا تصوم فكذلك لا يصح طوافها لأن الطواف بالبيت صلاة ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة :
" افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " فطوافها عند الجمهور وجوده كعدمه بل يحرم عليها أن تدخل المسجد وهي حائض ، والخلاف كما أشرنا إليه في جواب المسألة الأولى . (1)
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن امرأة حجت وحاضت قبل طواف الإفاضة ولما أراد رفقتها السفر إلى بلادهم وكلت وليها يطوف عنها طواف الإفاضة ويسعى عنها ففعل ، وسافروا إلى بلدهم : فهل تصح الوكالة في مثل هذا ؟ مع العلم أن هذه الحجة نفل .
فأجاب : ظاهر كلام الفقهاء جواز مثل هذا إذا كان الحج نفلاً، والذي وكلته قد حج تلك السنة وفرغ من أعمال الحج ؛ ولا سيما عند الحاجة . والله أعلم . (2)
باب
الحل من كل شيء بعد طواف الإفاضة
عن سالم بن عبد الله، أن بن عمر رضي الله عنهما قال:
__________
(1) ) ) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(2) ) ) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 4/60، 61) .(1/279)
تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجة ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله فطاف حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف ومشى أربعا فركع حين قضى طوافه بالبيت ثم المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهدى وساق الهدي من الناس . (1)
قوله : فطاف حين قدم مكة، وهو طواف الإفاضة .
قال الصنعاني : وهو الذي يقال له طواف الزيارة ومن بعده يحل له كل ما حرم بالإحرام حتى وطء النساء، وأما إذا رمى جمرة العقبة ولم يطف هذا الطواف فإنه يحل له ما عدا النساء، فهذه الجمل من السنن والآداب التي أفادها هذا الحديث الجليل من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - وسلم تبين كيفية أعمال الحج وفي كثير مما دل عليه هذا الحديث الجليل . (2)
قال ابن قيم الجوزية :
فقد تضمنت حجته - صلى الله عليه وسلم - سِتَّ وقفات للدعاء.
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1606) ، باب من ساق البدن معه، ومسلم برقم (1227، باب وجوب الدم على المتمتع وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .
(2) )) سبل السلام (2/203) .(1/280)
الموقف الأول: على الصفا (1) .
والثاني: على المروة (2) .
والثالث: بعرفة (3) .
والرابع: بمزدلفة (4) .
والخامس: عند الجمرة الأولى (5) .
والسادس: عند الجمرة الثانية (6) . (7)
حج الحائض والنفساء
للحائض والنفساء أحكام خاصة في الحج والعمرة والإحرام بيّنها الشارع الحكيم ، نذكر أهمها لتكون المرأة على علم بها .
باب
اغتسال النفساء وإحرامها
__________
(1) قرب من الصفا فقرأ: "إن الصَّفا والمروة من شعائر الله" البقرة (159) أبدأ بما بدأ الله به، ثم رمى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القِبلة، فوحَّد الله وكبره، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك.
(2) وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا وصل الى المروة، رقى عليها، واستقبل البيت، وكبّر الله ووحّده، وفعل كما فعل على الصفا.
(3) عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". أخرجه مالك في الموطأ (1/422)، والترمذي (3579)، وصححه الألباني في الصحيحة (4/807).
(4) عندما أتى موقِفَه عند المشعر الحرام، فاستقبل القِبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع، والتكبير، والتهليل، والذكر، حتى أسفر جداً، وذلك قبل طلوع الشمس.
(5) تقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل، فقام مستقبل القِبلة، ثم رفع يديه ودعا دعاءً طويلاً بقدر سورة البقرة. أخرجه البخاري (3/464) في الحج.
(6) وأتى الجمرة الوسطى، فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فوقف مستقبل القِبلة رافعاً يديه يدعو قريباً من وقوفه الأولِ. نفس التخريج السابق.
(7) )) زاد المعاد .(1/281)
ولَدَتْ أسماء بنت عُميس زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بذي الحُليفة محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل، وتستنفر بثوب وتُحرم وتُهِلَّ (1) .
قال ابن قيم الجوزية : ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - خيرهم عند الإحرام بين الأنساكِ الثلاثة، ثم ندبهم عند دُنوِّهم من مكة إلى فسخ الحج والقران، وولَدَتْ أسماء بنت عُميس زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بذي الحُليفة محمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل، وتستنفر بثوب وتُحرم وتُهِلَّ .
وكان في قِصتها ثلاثُ سُنن:
إحداها: غسلُ المحرم، والثانية: أن الحائضَ تغتسل لإحرامها، والثالثة: أن الإحرام يصحُّ من الحائض.
ثم سار رسول الله وهو يلبي بتلبيته المذكورة ، والناس معه يزيدون فيها وينقصون ، وهم يقرهم ولا ينكر عليهم . (2)
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
المرأة النفساء إذا بدأ نفاسها يوم التروية وأكملت أركان الحج عدا الطواف والسعي إلا أنها لاحظت أنها طهرت مبدئياً بعد عشرة أيام فهل تتطهر وتغتسل وتؤدي الركن الباقي الذي طواف الحج ؟
__________
(1) وقصتها جاءت في حديث جابر الطويل في صحيح مسلم برقم (1218) وغيره.
(2) )) زاد المعاد .(1/282)
فأجاب : نعم إذا نفست في اليوم الثامن مثلاً فلها أن تحج وتقف مع الناس في عرفات ومزدلفة ولها أن تعمل ما يعمل الناس من رمى الجمار والتقصير ونحر الهدي وغير ذلك ويبقى عليها الطواف والسعي تؤجله حتى تطهر فإذا طهرت بعد عشرة أيام أو أقل اغتسلت وصلت وصامت وطافت وسعت وليس لأقل النفاس حد محدود فقد تطهر في عشرة أيام أو أقل من ذلك أو أكثر لكن نهايته أربعون فإذا تمت الأربعون ولم ينقطع الدم فإنها تعتبر نفسها في حكم الطاهرات تغتسل وتصلي وتصوم وتعتبر الدم الذي بقى معها على الصحيح ـ دم فساد ـ تصلي معه وتصوم وتحل لزوجها لكنها تجتهد في التحفظ منه بقطن ونحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة ولا بأس أن تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء كما أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - حمنة بنت جحش بذلك . (1)
باب
فيما جاء في عمرة السيدة عائشة
: "فلما كان بسرف، حاضت عائشةُ رضي الله عنها، وقد كانت أهلت بعمرة، فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي، قال: "مايبكيك لعلك نفستِ" ؟ قالت: نعم، قال: "هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت". (2)
__________
(1) ) ) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/134، 135) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) )) الحديث بطوله أخرجه البخاري في كتاب الحيض (294) ، ومسلم في الحج برقم (1211)(1/283)
قال الحافظ في الفتح: "قال عياض وغيره : الصواب في الجمع بين الروايات المختلفة عن عائشة أنها أحرمت بالحج كما هو ظاهر رواية القاسم وغيره عنها، ثم فسخته إلى العمرة لما فسخ الصحابة، وعلى هذا يتنزل قول عروة عنها "أحرمت بعمرة" فلما حاضت، وتعذر عليها التحلل من العمرة لأجل الحيض وجاء وقت الخروج إلى الحج أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة واستمرت إلى أن تحللت، وعليه يدل قوله لها في رواية طاوس عنها عند مسلم ((طوافك يسعك لحجك وعمرتك))، وأما قوله لها: ((هذه مكان عمرتك)) فمعناه العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة ثم أنشؤوا الحج منفرداً، فعلى هذا فقد حصل لعائشة عمرتان)) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى. (1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
وحديث عائشة هذا، يُؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك :
أحدها : اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد .
الثاني : سقوطُ طوافِ القدوم عن الحائض ، كما أن حديث صفيَّة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل في سُقوط طواف الوداع عنها.
الثالث : أن إدخال الحجِّ على العمرة للحائض جائز، كما يجوز للطاهر، وأولى، لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك.
الرابع: أن الحائض تفعل أفعال الحج كلها، إلا أنها لا تطوفُ بالبيت.
الخامس: أن التنعيم مِن الحل.
السادس: جوازُ عمرتين في سنة واحدة، بل في شهر واحد.
السابع: أن المشروعَ في حق المتمتِّع إذا لم يأمن الفوات أن يُدخِلَ الحج على العمرة، وحديث عائشة أصل فيه.
__________
(1) )) فتح الباري (4/ 447/448) .(1/284)
الثامن: أنه أصل في العمرة المكية، وليس مع من يستحبُّها غيره، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر هو ولا أحد ممن حج معه من مكة خارجاً منها إلا عائشة وحدها فجعل أصحابُ العمرة المكية قصة عائشة أصلاً لقولهم، ولا دلالة لهم فيها فإن عمرتها إما أن تكون قضاءً للعمرة المرفوضة عند من يقول: إنها رفضتها، فهي واجبة قضاءً لها أو تكون زيادة محضة وتطييباً لقلبها عند من يقول: إنها كانت قارنة، وإن طوافها وسعيها أجزأها عن حجها وعمرتها، والله أعلم. (1)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
إذا حجت المرأة ، وعند قدومها إلى مزدلفة ؛جاءها العذر الشرعي ؛فما الحكم في ذلك ؟
فأجاب : إذا أصاب المرأة الحيض وهي محرمة ؛ فإنها تفعل ما يفعل الحاج من الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة والمبيت بمنى ورمي الحجار والتقصير من رأسها ؛ إلا أنها تؤخر الطواف بالبيت للإفاضة ، حتى تطهر من حيضها وتغتسل ، ثم تطوف للإفاضة ؛ لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حاضت وهي محرمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها - صلى الله عليه وسلم - :" افعلي ما يفعل الحاج ؛ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ". (2)
باب
الحائض ليس عليها طواف وداع
إذا حاضت المرأة أو نفست بعد طواف الإفاضة تنفر وليس عليها طواف وداع ، كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) )) زاد المعاد .
(2) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/185) .(1/285)
فعن عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتهما أن صفية بنت حيي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضت في حجة الوداع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أحابستنا هي"، فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فلتنفر". (1)
وعن عائشة، أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعلها تحبسنا ألم تكن قد طافت معكن بالبيت قالوا بلى قال فاخرجن" . (2)
قال ابن قدامة : فدل على أن هذا الطواف لا بد منه وأنه حابس لمن لم يأت به ولأن الحج أحد النسكين فكان الطواف ركنا كالعمرة . (3)
وعن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال: رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت، وكان بن عمر يقول في أول أمره إنها لا تنفر ثم سمعته يقول تنفر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لهن . (4)
وعن بن عباس أيضاً، قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض . (5)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1440) ،باب حجة الوداع، ومسلم برقم (1211)، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .
(2) )) رواه البخاري برقم (322) ، باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ، ومسلم برقم (1211) ، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .
(3) )) المغني (3/226) .
(4) )) رواه البخاري برقم (323) ، باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ، وبنحوه أخرجه مسلم .
(5) )) رواه البخاري برقم (1668) ، باب طواف الوداع ، ومسلم برقم (1328) ، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض .(1/286)
وقال ابن حزم : فمن خرج ولم يودع البيت فقد ترك فرضا لازما فعليه أن يؤديه، روينا من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير بن عبد الله أن قوما نفروا ولم يودعوا فردهم عمر بن الخطاب حتى ودعوا، قال : علي ولم يخص عمر موضعا من موضع . (1)
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
كيف يتم وداع الحائض والنفساء :
فأجاب : ليس على الحائض والنفساء وداع لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
" أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض " متفق عليه .. والنفساء في حكمها عند أهل العلم . (2)
أسئلة تطبيقية عن الحج :
باب
هل الحج بدون محرم صحيح ؟
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
إذا حجت المرأة بدون محرم فهل حجها صحيح وهل الصبي المميز يصلح أن يكون محرماً ؟
__________
(1) )) المحلى (7/171) .
(2) ) ) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/137) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/287)
فأجاب : أما حجها فصحيح ، ولكن سفرها بدون محرم محّرم ومعصية للرسول - صلى الله عليه وسلم - لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :" لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، والصغير الذي لم يبلغ لا يصلح أن يكون محرماً لأنه هو نفسه ليحتاج إلى ولاية وإلى نظر ومن كان كذلك لا يمكن أن يكون ناظراً أو ولياً لغيره والذي يشترط أن يكون المحرم ذكراً بالغاً عاقلاً فإذا لم يكن كذلك فإنه ليس بمحرم وها هنا أمر نأسف له كثيراً وهو تهاون بعض النساء في السفر بالطائرة بدون محرم فأنهن يتهاون بذلك تجد المرأة تسافر بالطائرة وحدها وتعليل هذا الفعل يقولون محرمها يشيعها في المطار الذي أقلعت منه الطائرة والمحرم الآخر يستقبلها في المطار الذي تهبط فيه الطائرة وهذه العلة عليلة في الواقع فإن محرمها الذي شيعها ليس يدخلها في الطائرة بل إنه يوصلها إلى صالة الانتظار وربما تتأخر الطائرة عن الإقلاع فتبقى هذه المرأة ضائعة وربما تطير الطائرة ولا تتمكن من الهبوط في المطار الذي تريد لسبب من الأسباب وتهبط في مكان آخر فتضيع هذه المرأة وربما تهبط في المطار الذي قصدته ولكن لا يأتي محرمها لسبب من الأسباب إما نوم أو مرض أو زحام أو حادث منعه من الوصول وإذا انتفت هذه الموانع كلها ووصلت هذه الطائرة في وقتها ووجد المحرم الذي يستقبلها فإنه من الذي يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون بجانبها رجل لا يخشى الله تعالى ولا يرحم عباد الله(1/288)
فيغريها وتغتر به ويحصل بذلك الفتنة والمحذور ـ كما هو معلوم ـ فالواجب على هذه المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن لا تسافر إلا نع ذي محرم والواجب على الرجال أيضاً الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله عز وجل وأن لا يفرطوا في محارمهم وأن لا تذهب غيرتهم ودينهم فإن الإنسان مسؤول عن أهله لأن الله جعلهم أمانة عنده فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } . (1) (2)
باب
حكم أداء المرأة لفريضة الحج مع
زوج شقيقتها وأختها ؟
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة أن تؤدي فريضة الحج مع زوج شقيقتها وأختها ؟
فأجاب : جواب هذا السؤال كجواب السؤال الذي قبله ، وزوج أخت المرأة لا يكون محرماً لها ؛ لأنه أجنبي عنها . (3)
باب
هل تعتبر المرأة محرماً للمرأة في السفر ؟
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هل تعتبر المرأة محرماً للمرأة الأجنبية في السفر والجلوس ونحو ذلك أو لا ؟
فأجاب : ليست المرأة محرماًَ لغيرها إنما المحرم هو الرجل الذي تحرم المرأة بنسب كأبيها وأخيها أو سبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج وكالأب من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهما .
ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية ولا أن يسافر بها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " متفق على صحته .
__________
(1) ) ) سورة التحريم آية( 6) .
(2) ) ) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/ 593) .
(3) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/184) .(1/289)
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عمر - رضي الله عنه - بإسناد صحيح والله ولي التوفيق . (1)
باب
حكم سفر الخادمة بدون محرم
للحج مع أهل البيت
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
لدينا خادمة في البيت فإذا أردنا أن نحج أو نعتمر أو نسافر إلى أي بلد فهل يجوز أن نأخذها وليس لها محرم أفيدونا جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب : أليست هذه الخادمة امرأة ؟ إذن ما الذي يخرجها عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :" لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " نعم ! لو فرض أن خادمة لا يمكن أن تبقى بعدهم في البيت لأن ليس في البلد من يحميها ففي هذه الحال تذهب معهم للضرورة . (2)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز لي أن أبعث خادمتي لتؤدي فريضة الحج مع مجموعة من النساء عن طريق مؤسسات متخصصة في نقل الحجاج ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تسافر لحج ولا لغيره إلا مع ذي محرم ؛ سواء كانت خادمة أو غير خادمة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين ؛ إلا مع ذي محرم " ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم ، وكذا المؤسسات لا تكفي عن وجوب المحرم للمرأة في سفرها ، ولا يخرجها ذلك عن النهي الوارد في الأحاديث . (3)
حكم وضع المرأة للطيب قبل الإحرام
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
هل يجوز للمرأة أن تتطيب عند لبسها للإحرام وهل في ذلك شيء ؟
__________
(1) ) ) الفتاوى ـ كتاب الدعوة (1/190) لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.
(2) ) ) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/ 593) .
(3) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/183، 184) .(1/290)
فأجاب : لا ، المرأة لا تتطيب فإن طيب المرأة ما ظهر لونه وخفي ريحه وطيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه ، فالمرأة لا ينبغي لها أن تتطيب بما ظهر ريحه لأنها لو تطيبت ومرت مع الشارع أو ذهبت للحرم يكون عندها روائح طيبة وهي ممنوعة من هذا في غير الإحرام لاسيما إذا خرجت في الشوارع أو مجتمعات الرجال ففي الإحرام بطريق الأولى مع أن طيب المرأة هو ما ظهر لونه وخفي ريحه ، فالأولى في حق المرأة عدم التطيب عند الإحرام وخاصة إذا كانت تخالط الرجال وتأتي تطوف وتسعى وعن يمينها وعن يسارها رجال يشمون هذه الرائحة فالأولى تركه في حقها ، والله أعلم . (1)
باب
هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها ؟
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها ؟
__________
(1) ) ) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .(1/291)
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند الرجال الذين ليسوا من محارمها ؛ لا في الحج ، ولا في غيره ؛ لأن الله أمر المرأة بالحجاب أمراً عاماً في جميع الأحوال ، وفي الحج خاصة ؛ فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة المحرمة أن تنتقب ؛ أي : أن تغطي وجهها بالنقاب ؛ مما يدل على أنه معروف تغطية النساء وجوههن ، ونهين عن هذا النوع من الأغطية خاصة ؛ كما نهى الرجال عن لبس المخيط في حالة الإحرام ، ولم تنه عن تغطية وجهها بغير النقاب ؛ فقد جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :" أنها هي والنساء كن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمات فإذا مر بهن الرجال ؛ سدلت إحداهن خمارها من على رأسها على وجهها ، فإذا جاوزهن الرجال ؛ كشفت وجوههن " ؛ فهذا دليل صريح في وجوب وجوب تغطية المرأة وجهها في الحج وغيره ، مع أدلة كثيرة من الكتاب والسنة ، وليس هذا موضع بسطها ، بل إن المرأة في الحج أحرى أن تلتزم الحجاب وغيره من الواجبات ؛ لأنها في عبادة عظيمة وفي موطن عظيم . (1)
كتاب الحجاب
باب
ما هو الحجاب الشرعي؟
الحجاب: هو الستر .
وهو حجب المرأة المسلمة عن أنظار الرجال الأجانب الذين ليسوا بمحارمها .
قال الله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } . (2)
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } . (3)
__________
(1) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/184، 185) .
(2) ) ) سورة النور آية ( 31) .
(3) ) ) سورة الأحزاب آية ( 59) .(1/292)
قال الطبري رحمه الله : يقول الله تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليما أن يأمر النساء المؤمنات خاصة أزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء والجلباب هو الرداء فوق الخمار قاله ابن مسعود، وعبيدة، وقتادة، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعطاء الخراساني، وغير واحد وهو بمنزلة الإزار اليوم، قال الجوهري: الجلباب الملحفة، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها :
تمشي النسور إليه وهي لاهية ثم مشي العذارى عليهن الجلابيب . (1)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
ما هو الحجاب الشرعي ؟
__________
(1) )) تفسير ابن كثير (3/519) .(1/293)
فأجاب : الحجاب هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره أي سترها ما يجب عليها ستره وأولى ذلك وأوله ستر الوجه لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عن من ليسوا بمحارمها وأما من زعم أن الحجاب الشرعي هو ستر الرأس والعنق والنحر والقدم والساق والذراع ، وأباح للمرأة أن تخرج وجهها وكفيها فإن هذا من أعجب ما يكون من الأقوال لأنه من المعلوم أن الرغبة ومحل الفتنة هو الوجه وكيف يمكن أن يقال أن الشريعة تمنع كشف القدم من المرأة وتبيح لها أن تخرج الوجه ، هذا لا يمكن أن يكون واقعاً في الشريعة العظيمة الحكمية المطهرة من التناقض وكل إنسان يعرف أن الفتنة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة بكشف القدم ، وكل إنسان يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء إنما هي الوجوه ولهذا لو قيل للخاطب أن مخطوبتك قبيحة الوجه ولكنها جميلة القدم ما أقدم على خطبته،ا ولو قيل له أنها جميلة الوجه ولكن في يديها أو في كفيها أو في قدميها أو في ساقيها نزول عن الجمال لكان يقدم عليها ، فعلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه وهناك أدلة من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة وأقوال أئمة الإسلام وعلماء الإسلام تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها عن من ليسوا بمحارمها وتدل على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها وليس هذا موضع ذكر ذلك ، والله أعلم . (1)
باب
وجوب طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -
في لباس الحجاب وغيره
قد أوجب الله سبحانه وتعالى طاعته على المؤمنين والمؤمنات حيث قال الله تعالى :
{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } . (2)
__________
(1) ) ) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2/863) .
(2) ) ) سورة الأحزاب الآية (36) .(1/294)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ } : أي لا ينبغي ولا يليق بمن اتصف بالإيمان إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والهرب من سخط الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال تعالى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } . (1)
وقال الله تعالى : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ... } . (2)
وكذلك لا يجوز لها أن تحدث صوتاً في حليها أو حذائها أو ما شابه ذلك .
قال الله تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ } . (3)
قال الإمام الذهبي رحمه الله: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت.
وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة.
ولا يجوز لها كذلك أن ترقق صوتها أو تلينه إذا تكلمت مع أجنبي من غير محارمها ، قال تعالى :
{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً } . (4)
__________
(1) ) ) سورة النساء الآية (65)
(2) ) ) سورة النور الآية (31) .
(3) ) ) سورة النور الآية (31) .
(4) ) ) سورة الأحزاب الآية (32).(1/295)
هذا بحق نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فغيرهن من النساء المسلمات من باب أولى .
والحجاب هو من أنفع الوسائل لغض البصر وحفظ الفرج.
باب
الحجاب عفة وطهارة وستر
جعل الله سبحانه وتعالى الحجاب عنوان العفة والطهارة للمرأة .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } . (1)
فيجب علن المرأة أن تكون عفيفة ذو حياء ، وعليها أن تعلم أن ابنتها تُقلدها ، وتريد أن تتشبه بأمها .
وللأسف الشديد نرى العجب العجاب ! نرى المرأة المسلمة تتشبه بالمرأة الإفرنجية التي لا دين لها ، والمرأة الإفرنجية ينطبق عليها : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة : إذا لم تستح فاصنع ما شئت " . (2)
مجرد ظهور محاسن المرأة إيذاء لها ووقوع غيرها بالمعصية والإثم في قوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ }
فنجد المرأة المسلمة إما سافرة متبرجة ، أو " ميني حجاب " وتضرب وسطها بحزام ، وتدعي أن ذلك هو الحجاب الشرعي كذبت والله ، إن الحجاب له شروط .
أيتها المرأة المسلمة اتقي الله عز وجل في نفسك ودينك ، وعرضك ولكي تفوزي برضا ربك سبحانه وتعالى الذي أمرك بالحجاب .
ووصف الله سبحانه وتعالى الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات فقال الله تعال :
وقال الله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن } . (3)
__________
(1) ) ) سورة الأحزاب الآية (59) .
(2) ) ) أحرجه البخاري في كتاب الأنبياء (2/379) ، وفي كتاب الأدب (4/140) .
(3) ) ) سورة الأحزاب الآية (53) .(1/296)
ومجرد النظر للمرأة الأجنبية يجعل الشهوة في القلب ولكت لو لم يرى وينظر لم يشته القلب ، فالحجاب طهارة للقلوب وكسر للشهوة .
و الحجاب ستر للمرأة وحفظ لها .
عن يعلى بن أمية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى حييٌّ سِتِّير ، يحب الحياء والستر ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر " . (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها ، خَرَق الله عزوجل عنها سِتْرَهُ"
قال المناوي رحمه الله تعالى : "إن اللّه تعالى حيي" ، بكسر المثناة تحت الأولى ، أي ذو حياء عظيم ، وأصل الحياء انقباض النفس عن القبائح خوف لحوق عار ، وهو في حقه تعالى محال والقانون في مثله حمله على الغايات دون المبادىء .
"ستير" بالكسر والتشديد ، أي تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح فعيل بمعنى فاعل وجعله بمعنى مفعول أي مستور عن العيون في الدنيا بعيد من السوق كما لا يخفى على أهل الذوق .
"يحب الحياء" : أي من اتصف به والمراد الحياء المحمود بدليل خبر " إن اللّه لا يستحيي من الحق " .
"الستر" : بفتح السين أي يحب من فيه ذلك ولهذا جاء في الحديث الحياء من الإيمان وجاء أيضاً من ستر مسلماً ستره اللّه ، والستر: من العبد وإن كره ما يستر عبده عليه كما يحب المغفرة وإن كره المعصية والعتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار والعفو وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار والتوبة وإن كره المعصية التي يتاب منها والجهاد وإن كره أفعال من يجاهدوه وهذا باب واسع يضيق عنه الأسفار واللبيب من يدخل عليه من بابه .
وقال الطيبي : وصف اللّه بالحياء والستر تهجناً لكشف العورة وحثاً على تحري الحياء والستر .
__________
(1) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (1756) .(1/297)
"فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" أي يستر عورته بما لا يصف اللون وجوباً إن كان بحضرته من يحرم النظر إلى عورته وندباً في غير ذلك ومن ثم ندبوا أن لا يدخل الماء إلا بإزار وعدّ الشافعية من سنن الغسل أن يستر عورته بإزار إن لم يحضر من يحرم نظره إليه بأن كان بخلوة أو حضرة من يحل نظره إليه كحليلته قالوا : وأما غسله عليه السلام متجرداً فلبيان الجواز فإن حضره من يحرم نظره لعورته وعلم منه أنه لا يغض بصره عنه لزمه الاستتار منه وحرم التكشف كما في الروضة والمجموع ويجوز كشف العورة في الخلوة لأدنى غرض كالتبرد فالغسل أولى .
أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي لا يلحق الإنسان من خوف كأن ينسب إلى القبيح وأما النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل، فإذا ورد الحياء في حق اللّه فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمه يل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته، وكذا الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام وله غاية وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه. اهـ .
باب
النهي عن لبس الرقيق من الثياب
ووجوب ستر العورة
قال الله تعالى: { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون. يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنُون } (1) .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ( من الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، فاللباس يستر العورات وهي السوآت، والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات ) (2) إ.هـ.
__________
(1) سورة الأعراف الآية (26 ـ 27) .
(2) تفسير القرآن العظيم (2/217).(1/298)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجلُ إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" (1) .
وعن المسور بن حمزه - رضي الله عنه - قال: أقبلت بحجرٍ أحمله ثقيلٍ وعليَّ إزارٌ خفيفٌ، قال: فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغتُ به موضعه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ارجع إلى ثوبك فخذهُ ولا تمشوا عراة" (2) .
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "أحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها". قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: " الله أحق أن يستحيا منه من الناس" (3) .
وروى يعلى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله عز وجل حييٌ ستير يحبُ الحياءَ والسترَ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" (4) .
(البَراز): بالفتح: المكان الفضاء من الأرض البعيد الواسع.
__________
(1) رواه الإمام أحمد برقم (1127)، مسلم برقم (338) ، والترمذي برقم (2793)، وابن ماجة برقم (661).
(2) رواه مسلم برقم (341) وأبو داود برقم (4016).
(3) رواه أبو داود برقم (4017)، والترمذي برقم (2794)، وابن ماجة برقم (1920). وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3391).
(4) رواه أبو داود برقم (4012) ورواه أحمد برقم (17509) والنسائي برقم (406). وصححه الألباني في صحيح أبي داود.(1/299)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في آخر أُمتي رجال يركَبون على سُروجٍ كأشْباهُ الرِّحال، ينزلون على أبْوابِ المساجِدَ، نساؤهم كاسياتٌ عاريات، على رؤوسهنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجافِ، العَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعونَاتٌ. لَو كَان وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ نساؤكم كما خَدَمَكُم نساءُ الأمَمِ قبلَكُمْ" (1) .
(سُرُوج) جمع (سراج).
(الرحال) بالحاء المهملة جمع (رحل): وهو كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير. كما في "المصباح المنير".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان مِنْ أهلِ النارِ لم أرَهُما: قومٌ معهم سياطٌ كَأذْناب البَقَرِ يضربونَ بها الناسَ، ونساءً كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائلَةِ، لا يدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يجْدنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَة كذا وكذا" (2) .
وعن عائشة رضي الله عنها: أن أسماءَ بنت أبي بكر دخلَتْ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثيابٌ رِقاقٌ فأعرضَ عنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا أسماءُ ! إنَّ المرأة إذا بلَغَت المحيضَ لم يَصلُح أنْ يُرى مِنْها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجْهِهِ وكَفَّيْهِ. (3) .
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له ـ والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم . السلسة الصحيحة رقم (2682)، وصحيح الترغيب رقم (2043).
(2) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2128).
(3) رواه أبو داود وقال: هذا مرسل، وقال الألباني: حسن بغيره، صحيح الترغيب برقم (2045)، جلباب المرأة المسلمة (ص57 ـ 60).(1/300)
وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام في لبس الضيق من اللباس، نذكره للفائدة، فقال: لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه الفتنة محرم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجالٌ معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس
-يعني ظلماً وعدواناً- ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ". فقد فسر قوله: "كاسيات عاريات " بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة، وفُسر بأنهن يلبسن ألبسة تكون خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة، وفُسرت بأن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو زوجها فقط فإنه ليس بين الزوج وزوجته عورة لقول الله تعالى: { والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } (1) .
وقالت عائشة: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد تختلف أيدينا فيه" (2) .
فالإنسان بينه وبين زوجته لا عورة بينهما، وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها، والضيق لا يجوز عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقاً شديداً يبين مفاتن المرأة (3) . أ.هـ.
حكم كشف الوجه
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هناك من يقول إن كشف الوجه لَيْسَ حراماً ، وبذلك لا يجب تغطيته عن ذلك في سائر الأوقات ، وفي الحج بصفة خاصة .
__________
(1) المؤمنون (5 ـ 6).
(2) رواه البخاري برقم (261) ومسلم برقم (316).
(3) فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين (2/825 ـ 826) . ط دار عالم الكتب .(1/301)
فأجاب : الصحيح الذي تدل عليه الأدلة أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها ، بل هو أشد المراضع الفاتنة في جسمها ، لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه ؛ لأنه مركز الجمال ، ومحل مدح الشعراء أكثره في محاسن الوجه ، فالوجه أعظم عورة في المرأة ، مع ورود الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه .
من ذلك قوله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } . (1) فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه .
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } . (2)
غطى وجهه وأبدى عينا واحدة فهذا يدل على أن المراد بالآية تغطية الوجه ، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية كما رواه عنه عبيدة السلماني لما سأله عن ذلك .
ومن السنة أحاديث كثيرة منها :" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المحرمة أن تنتقب وأن تلبس البرقع " فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها .
وليس معنى هذا أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها تبقي وجهها مكشوفاً ، بل تستره بغير النقاب وبغير البرقع بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قال :" كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمات ، فكنا إذا مر بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه " فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب ؛ لأن الوجه هو مركز الجمال ، وهو محل النظر من الرجال فلا حجة صحيحة مع من يرى أن الوجه ليس بعورة ،وإنما الحجة الصحيحة مع من يرى أنه عورة ،والله أعلم . (3)
باب
__________
(1) ) ) سورة النور آية ( 31) .
(2) ) ) سورة الأحزاب آية ( 59) .
(3) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/154، 155) .(1/302)
معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - " كاسيات عاريات"
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يكون في آخر أُمتي رجال يركَبون على سُروجٍ كأشْباهُ الرِّحال، ينزلون على أبْوابِ المساجِدَ، نساؤهم كاسياتٌ عاريات، على رؤوسهنَّ كأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجافِ، العَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعونَاتٌ. لَو كَان وراءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ خَدَمَتْهُنَّ نساؤكم كما خَدَمَكُم نساءُ الأمَمِ قبلَكُمْ" (1) .
(سُرُوج) جمع (سراج).
(الرحال) بالحاء المهملة جمع (رحل): وهو كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير . (2)
قوله : ونِساءٍ كاسيات عارِياتٍ، قال ابن منظور : أَي أَنهنَّ كاسياتٌ من نِعَم الله عارِياتٌ من الشكر، وقيل: هو أَن يَكْشِفْنَ بعضَ جسدهن ويَسْدُلْن الخَمُر من ورائهن فهنَّ كاسياتٌ كعارِيات، وقيل: أَراد أَنهن يَلْبَسْن ثِياباً رقاقاً يَصِفْنَ ما تحتها من أَجْسامِهن فهن كاسياتٌ في الظاهر عارياتٌ في المعنى . (3)
قال الألباني رحمه الله: الحديث يشير إلى السيارات التي تتجمع اليوم على أبواب المساجد يوم الجمعة، أو يوم إدخال الجنازة إلى المسجد للصلاة عليها، والمشيعون ينتظرون ولا يصلون ونساؤهم كاسيات عاريات.
ومعنى الحديث: إنهنّ كاسِيات من نِعَم الله عارِيات من الشُّكر، وقيل : هو أن يَكْشِفْن بعضَ جَسَدِهنّ ويَسْدِلْن الخُمُر من وَرائهِنّ فهنّ كاسيات كعارِيات، وقيل: أراد أنهنّ يَلْبَسْن ثياباً رِقاقاً يَصِفْن ما تحتها من أجسامِهِنّ فهُنّ كاسِيات في الظاهر عارِيات في المعنى . (4)
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له ـ والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. السلسة الصحيحة رقم (2682)، وصحيح الترغيب رقم (2043).
(2) ) ) أنظر المصباح المنير .
(3) ) ) لسان العرب .
(4) )) لسان العرب (15/224) ، النهاية في غريب الحديث (4/175) .(1/303)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان مِنْ أهلِ النارِ لم أرَهُما: قومٌ معهم سياطٌ كَأذْناب البَقَرِ يضربونَ بها الناسَ، ونساءً كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤوسُهنَّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائلَةِ، لا يدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يجْدنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِنْ مسيرَة كذا وكذا" (1) .
قال الإمام النووي: هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان، وفيه ذم هذين الصنفين.أ.هـ. (2)
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله :
ما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث :" كاسيات عاريات " ؟
فأجاب : معنى قوله :" كاسيات عاريات " أن هؤلاء النسوة عليهن كسوة ، لكنها لا تفيد في ستر المرأة .
قال العلماء : مثل أن تكون الكسوة هذه خفيفة يرى من ورائها الجلد ، فهذه كاسية ولكنها عارية ، ومثل أن تكون الثياب التي عليها ثياب ثخينة لكنها قصيرة ، فهذه أيضاً كاسية عارية ، مثل أن تكون الثياب ضيقة بحيث تلصق على الجلد وتبدو المرأة وكأنه لا ثياب عليها فهذه أيضاً كاسية عارية ، وهذا بناء على أن المراد بالكسوة والعرى المعنى الحسي .
أما إذا أريد به المعنى المعنوي ، فإن المراد بالكاسيات اللاتي يظهرن العنان والحياء ، والعاريات اللاتي يخفين الفجور ولا يبين أمرهن للناس ، فهن كاسيات من وجه وعاريات من وجه . (3)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2128).
(2) )) شرح مسلم (14/13) .
(3) فتاوى الحرم 1408 هـ . ص (272) .(1/304)
وعن عائشة رضي الله عنها: أن أسماءَ بنت أبي بكر دخلَتْ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثيابٌ رِقاقٌ فأعرضَ عنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا أسماءُ ! إنَّ المرأة إذا بلَغَت المحيضَ لم يَصلُح أنْ يُرى مِنْها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجْهِهِ وكَفَّيْهِ. (1) .
ومن الغريب في هذا الزمان نجد بعض النساء ترتدي البنطال الذي يفصل جسمها وربما يكون ضيقاً بحيث يصف العورة وتغطي شعرها بقطعة قماش وتقول أنا محجبة !!!
باب
الإذن للنساء بالخروج لحاجتهن
ذكر ابن كثير في تفسيره عن قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } . (2) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل يدنين عليهن من جلابيبهن فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى وقال عكرمة تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها . (3)
__________
(1) رواه أبو داود وقال: هذا مرسل، وقال الشيخ الألباني: حسن بغيره، صحيح الترغيب برقم (2045)، جلباب المرأة المسلمة (ص57 ـ 60).
(2) ) ) سورة الأحزاب آية ( 59) .
(3) )) تفسير ابن كثير (3/519) .(1/305)
عن عائشة رضي الله عنها، قالت : خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين ، قالت : فانكفأت راجعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق ، فدخلت فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه ، فقال: "إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن" . (1)
فوائد الحديث :
قال النووي رحمه الله : وفى هذا الحديث منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم ونصيحتهم وتكرار ذلك عليهم، وفيه جواز تعرق العظم وجواز خروج المرأة من بيت زوجها لقضاء حاجة الإنسان إلى الموضع المعتاد لذلك بغير استئذان الزوج لأنه مما أذن فيه الشرع .
قال القاضي عياض: فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها ولا يجوز لهن إظهار شخوصهن وان كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج للبراز، قال الله تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ } . (2) وقد كن إذا قعدن للناس جلسن من وراء الحجاب وإذا خرجن حجبن وسترن أشخاصهن كما جاء في حديث حفصة يوم وفاة عمر ولما توفيت زينب رضي الله عنها جعلوا لها قبة فوق نعشها تستر شخصها، هذا آخر كلام القاضي . (3)
باب
تحذير المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4517) ، باب قوله لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى ناظرين إناه ، ومسلم برقم (2170) ، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان .
(2) )) سورة الأحزاب الآية (53) .
(3) )) شرح النووي (14/150) .(1/306)
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها". (1)
وقد تقدم هذا الموضوع في كتاب الحج بتوسع .
أسئلة تطبيقية عن الحجاب :
حكم الشرع في النقاب
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم الشرع في نظركم في النقاب ؛ فأنا امرأة ملتزمة بالشرع ومحافظة على صلواتي وواجباتي الزوجية ، فأنا إلا أنني عند خروجي من المنزل أخرج عيني فقط من الشيلة للنظر بهما ، مع أن باقي جسمي مغطى ن ومنه الوجه ببشت أسود فضفاض ، وألبس قفازين لليدين ، والسبب في ذلك أنني أعاني من ضعف في البصر ؟
فأجاب : لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط ؛ لأن هذا كان معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أجل الحاجة ، فإذا كان لا يبدو إلا العينان فلا بأس بذلك ، وخصوصاً إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها . (2)
باب كشف المرأة أمام المحارم وغير المحارم
زوجة الخال أجنبية
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
يعتقد بعض النساء الكبيرات السن أن يحل للشاب أن يجلس مع زوجة خاله وأنها مخالته ويقولون :" أعقب عمك ولا تعقب خالك" وأحاول إقناعهن بخطأ ذلك وأن الآية الموضحة للمحارم واضحة لا يقتنعون فهل تقول لهم شيئاً ؟
__________
(1) رواه البخاري في كتاب جزاء الصيد برقم (1764)، ومسلم في كتاب الحج برقم (1340).
(2) ) ) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/ 167، 168) .(1/307)
فأجاب : لا شك أن زوجة الخال أجنبية من ابن أخته تحل له بعد الفراق وعلى هذا فيحرم عليها أن تبرز أمامه سافرة وحرام عليه الخلوة بها أو النظر إلى عورتها كالوجه والمحاسن فهو لم يذكر مع جملة المحارم في قوله تعالى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } . (1) وهي لم تذكر مع المحرمات في قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } . (2) وعلى هذا فاعتقاد محرميته لها لا أصل لها فيجب الانتباه لذلك . (3)
زوج الأخت ليس من المحارم
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل يجوز لأختي أن تحتجب عن ابن عمها الذي يكون نسيباً لنا أي أن ابنته سوف يزوجها لأخي علماً أن الزواج لم يتم حتى الآن .
فأجاب : يلزم أختك أن تحتجب عن ابن عمها الذي ليس من محارمها ولو كان نسيباً ولو زوج ابنته فإن زوج الأخت أجنبي وكذا والد الأخ ونحوهم . (4)
الصبي هل يكون محرماً للمرأة
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
أذهب مع " السواق" إلى المدرسة صباحاً والعودة ظهراً ومعي أخي الذي لا يتجاوز الحادية عشر من عمره . فهل يجوز أن يكون أخي محرماً أم لا ؟
فأجاب : ورد النهي الشديد عن الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " لذلك نحن ننصح المرأة المسلمة عن ركوبها وحدها مع قائد أجنبي مخافة الفتنة ولو أمنته فإن الشيطان قد يوسوس بينهما . وقد رخص فيه بعض المشايخ داخل البلد مع الطرق المسلوكة التي لا تخلو من الناس لضرورة أو حاجة ملحة كعيادة أو سوق لغرض مهم أو مدرسة أو مقر عمل أو زيارة أهل أو أقارب وقد
يرخص في ذلك إذا كان معها نسوة ثقات أو محرم ولو مميزاً وكل ذلك عند الحاجة . (5)
__________
(1) ) ) سورة النور آية ( 31) .
(2) ) ) سورة النساء آية( 23) .
(3) ) ) اليمامة ( 900) .
(4) فتاوى المرأة ص( 59) .
(5) فتاوى المرأة ص( 59) .(1/308)
عم الأم وخالها من المحارم
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز للمرأة أن تكشف على عم أمها أو خال أمها أو عم أبيها أو خال أبيها أي هل يعد هؤلاء الأشخاص من المحارم لها . فقد قيل لي أن هذه المرأة تعد من فروعهم وهم أصول لأم المرأة أو أبيها ؟
فأجاب : نعم إذا كان لأم المرأة أو أبيها عم شقيق أو من الأب أو من الأم أو لها خال كذلك فإنه يكون من محارم المرأة لأن عم أبيك عن ذلك وخال أبيك خال لك وكذلك عم أمك وكذلك خالها من النسب فإنه يكون عماً لك أو خالاً لك . (1)
زوج البنت من المحارم لأمها
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هناك امرأة عندها بنت متزوجة وهذه المرأة تستر عن زوج ابنتها ولا تأكل معه وحتى أيام المناسبات لا تسلم عليه فما الحكم ؟
فأجاب : زوج البنت من المحارم لأمها لقول الله سبحانه في بيان المحرمات : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُم } . (2) وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم فأم المرأة وجداتها من جهة أبيها وأمها كلهن محارم لزوجها للآية المذكورة . لكن لا يلزمها كشف الحجاب عنه أو الأكل معه ، فإن فعلت فهو الأحسن والأفضل حتى تسود المحبة والألفة بينهما وحتى تمتثل حكم الله الذي أباح لها ذلك . (3)
عورة الحرة بالنسبة لمحارمها
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حد عورة الحرة مع خالها وعمها وإخوانها في المنزل ؟
فأجاب : لها أن تكشف لمحارمها عن الوجه والرأس والرقبة والكفين والذراعين والقدمين والساقين وتستر ما سوى ذلك . (4)
حكم لبس المرأة الملابس الضيقة عند المحارم
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2/771) .
(2) النساء : آية ( 23) .
(3) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/ 183) لسماحة الشيخ ابن باز .
(4) من رسالة للشيخ عليها توقيعه بتاريخ ( 22/ 12/ 1405) هـ عن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2/773) .(1/309)
ما حكم لبس الملابس الضيقة عند النساء وعند المحارم ؟
فأجاب : لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه الفتنة محرم ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ـ ظلماً وعدواناً ـ ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات " فقد فسر قوله كاسيات عاريات بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة لا تستر ما يجب ستره من العورة وفسر بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة ، وفسرت بأن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لفاتن المرأة وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو الزوج فإنه ليس بين الزوج وزوجته عورة لقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } . (1) وقالت عائشة :" كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعني من الجنابة من إناء واحد تختلف أيدينا فيه " فالإنسان بينه وبين زوجته لا عورة بينهما وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها ، والضيق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان ضيقاً شديداً يبين مفاتن المرأة . (2)
لبس المرأة للقصير أمام أولادها ومحارمها
وسئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
لدي أربعة أولاد وأنا ألبس أمامهم القصير .. فما حكم ذلك ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها ومحارمها ، ولا تكشف عندهم إلا ما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة ، وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط. (3)
هل أخدم والد زوجي ؟
__________
(1) المؤمنون : آية ( 5ـ 6) .
(2) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/ 825) .
(3) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/170) .(1/310)
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
أنا امرأة أقوم بخدمة والد زوجي وهو رجل ليس له أحد غير زوجي فهل لي حق في غسله والإشراف عليه ؟
فأجاب : أما قيامك بخدمة والد زوجك فهذا أمر تشكرين عليه لأنه من الإحسان إلى هذا الرجل الكبير ومن الإحسان إلى زوجك أيضاً ولك أن تغسليه فيما عدا الفرجين أما الفرجان فإن كان يستطيع أن يغسل نفسه فذاك ولا يجوز لك أن تغسليه وإذا كان لا يستطيع فلا حرج عليك أن تغسليه بشرط أن ترتدين قفازين على يديك حتى لا تباشري مس عورته كما يجب أن تغضي البصر عن النظر إلى عورته لأنه لا يجوز لك أن تنظري إلى عورة أحد من الناس إلا زوجك وكذا المثل . (1)
أخوات الزوجة يحتجبن عن الزوج
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يباح لزوج الأخت أن يرى أخت زوجته ؟
فأجاب : زوج المرأة أجنبي بالنسبة إلى أختها فليس له أن يرى منها شيئاً لأنه ليس من محارمها . (2)
زوج الأخت ليس من المحارم
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل يجوز لأختي أن تحتجب عن ابن عمها الذي يكون نسيباً لنا أي أن ابنته سوف يزوجها لأخي علماً أن الزواج لم يتم حتى الآن .
فأجاب : يلزم أختك أن تحتجب عن ابن عمها الذي ليس من محارمها ولو كان نسيباً ولو زوج ابنته فإن زوج الأخت أجنبي وكذا والد الأخ ونحوهم . (3)
هل أبي محرم لزوجة أخي من أمي ؟
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
لي أخ من أمي تزوج ، هل أبي محرم لزوجته أم لا ؟
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/775) .
(2) من رسالة للشيخ بخطه عليها بتاريخ 22/ 12/ 1405 هـ عن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين
(3) فتاوى المرأة ص( 59) .(1/311)
فأجاب : لا ، لأنه ليس بإنه إنما هي زوجة ابن زوجته فأخوك لأمك هو ابن زوجة أبيك الذي هو أخوك من أمك فزوجته أجنبية من أبيك : إذ لو طلقها أخوك جاز لأبيك أن يتزوجها ، فهي أجنبية منه ليس هو لها بمحرم لأنها لم تكن بزوجة ابنه ولا هي بنت زوجته بحيث تكون ربيبته وإنما هي زوجة ابن زوجته ، هي أجنبية منه والله أعلم . (1)
الصبي هل يكون محرماً للمرأة
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
أذهب مع " السواق" إلى المدرسة صباحاً والعودة ظهراً ومعي أخي الذي لا يتجاوز الحادية عشر من عمره . فهل يجوز أن يكون أخي محرماً أم لا ؟
فأجاب : ورد النهي الشديد عن الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " لذلك نحن ننصح المرأة المسلمة عن ركوبها وحدها مع قائد أجنبي مخافة الفتنة ولو أمنته فإن الشيطان قد يوسوس بينهما . وقد رخص فيه بعض المشايخ داخل البلد مع الطرق المسلوكة التي لا تخلو من الناس لضرورة أو حاجة ملحة كعيادة أو سوق لغرض مهم أو مدرسة أو مقر عمل أو زيارة أهل أو أقارب وقد
يرخص في ذلك إذا كان معها نسوة ثقات أو محرم ولو مميزاً وكل ذلك عند الحاجة . (2)
عم الأم وخالها من المحارم
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز للمرأة أن تكشف على عم أمها أو خال أمها أو عم أبيها أو خال أبيها أي هل يعد هؤلاء الأشخاص من المحارم لها . فقد قيل لي أن هذه المرأة تعد من فروعهم وهم أصول لأم المرأة أو أبيها ؟
فأجاب : نعم إذا كان لأم المرأة أو أبيها عم شقيق أو من الأب أو من الأم أو لها خال كذلك فإنه يكون من محارم المرأة لأن عم أبيك عن ذلك وخال أبيك خال لك وكذلك عم أمك وكذلك خالها من النسب فإنه يكون عماً لك أو خالاً لك . (3)
__________
(1) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(2) فتاوى المرأة ص( 59) .
(3) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2/771) .(1/312)
زوج البنت من المحارم لأمها
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هناك امرأة عندما بنت متزوجة وهذه المرأة تستر عن زوج ابنتها ولا تأكل معه وحتى أيام المناسبات لا تسلم عليه فما الحكم ؟
فأجاب : زوج البنت من المحارم لأمها لقول الله سبحانه في بيان المحرمات : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُم } . (1) وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم فأم المرأة وجداتها من جهة أبيها وأمها كلهن محارم لزوجها للآية المذكورة . لكن لا يلزمها كشف الحجاب عنه أو الأكل معه ، فإن فعلت فهو الأحسن والأفضل حتى تسود المحبة والألفة بينهما وحتى تمتثل حكم الله الذي أباح لها ذلك . (2)
عورة الحرة بالنسبة لمحارمها
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حد عورة الحرة مع خالها وعمها وإخوانها في المنزل ؟
فأجاب : لها أن تكشف لمحارمها عن الوجه والرأس والرقبة والكفين والذراعين والقدمين والساقين وتستر ما سوى ذلك . (3)
لبس المرأة للقصير أمام أولادها ومحارمها
وسئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
لدي أربعة أولاد وأنا ألبس أمامهم القصير .. فما حكم ذلك ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها ومحارمها ، ولا تكشف عندهم إلا ما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة ، وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط. (4)
هل أخدم والد زوجي ؟
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
أنا امرأة أقوم بخدمة والد زوجي وهو رجل ليس له أحد غير زوجي فهل لي حق في غسله والإشراف عليه ؟
__________
(1) النساء : آية ( 23) .
(2) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/ 183) لسماحة الشيخ ابن باز .
(3) من رسالة للشيخ عليها توقيعه بتاريخ ( 22/ 12/ 1405) هـ عن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2/773) .
(4) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/170) .(1/313)
فأجاب : أما قيامك بخدمة والد زوجك فهذا أمر تشكرين عليه لأنه من الإحسان إلى هذا الرجل الكبير ومن الإحسان إلى زوجك أيضاً ولك أن تغسليه فيما عدا الفرجين أما الفرجان فإن كان يستطيع أن يغسل نفسه فذاك ولا يجوز لك أن تغسليه وإذا كان لا يستطيع فلا حرج عليك أن تغسليه بشرط أن ترتدين قفازين على يديك حتى لا تباشري مس عورته كما يجب أن تغضي البصر عن النظر إلى عورته لأنه لا يجوز لك أن تنظري إلى عورة أحد من الناس إلا زوجك وكذا المثل . (1)
أخوات الزوجة يحتجبن عن الزوج
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يباح لزوج الأخت أن يرى أخت زوجته ؟
فأجاب : زوج المرأة أجنبي بالنسبة إلى أختها فليس له أن يرى منها شيئاً لأنه ليس من محارمها . (2)
جلوس المرأة مع أقارب زوجها
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هل يجوز للمرأة أن تجلس مع أقارب زوجها وهي محجبة حجاب السنة ؟
فأجاب : يجوز للمرأة أن تجلس مع أخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجبة الحجاب الشرعي بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها ، لأنها عورة وفتنة إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة .. أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر فلا يجوز .. وهكذا معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك .. ولا يجوز لها الخلوة بواحد منهم أو غيرهم ممن ليس محرماً لها ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم " متفق على صحته . وقوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " ، أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . والله ولي التوفيق . (3)
إبداء الكف أمام أخوة الزوج
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/775) .
(2) من رسالة للشيخ بخطه عليها بتاريخ 22/ 12/ 1405 هـ عن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/773) .
(3) الفتاوى كتاب الدعوة ( 2/223) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/314)
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل يجوز لي إبداء كفي فقط أمام أخوة زوجتي ؟ وهل تختلف الحال بحضرة زوجي ؟
فأجاب : على المرأة التستر الكامل عن كل أجنبي سواء شقيق الزوج أو زوج الأخت أو ابن العم أو غيرهم وسواء بحضرة محرم أو غيبته وذلك بأن تستر محاسنها وما يسبب الفتنة من الوجه والذراع والساق والصدر ونحو ذلك ، فأما الكف والقدم فالظاهر أنه يجوز إبداؤه لحاجة التناول والأخذ والإعطاء ونحو ذلك لكن إن خيف فتنة وجب ستره كما إذا رؤى الأجنبي يحدق نظره في المرأة ويطيل النظر إليها وبهذا يعرف أن الخلطة والمجالسة للأجانب قد تمنع إذا خيف ضررها والله أعلم . (1)
كشف المسنة وجهها لغير المحارم
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هل يجوز للمرأة الكبيرة في السن مثل أم 70 أو 90 عاماً أن تكشف وجهها لأقاربها غير المحارم ؟
فأجاب : قال الله تعالى : { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم } . (2) والقواعد هن العجائز اللاتي لا يرغبن في النكاح ولا يتبرجن بالزينة ، فلا جناح عليهن أن يسفرن عن وجوههن لغير محارمهن ن لكن تحجبهن أفضل وأحوط لقوله سبحانه : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ } ولأن بعضهن قد تحصل برؤيتها فتنة من أجل جمال صورتها وإن كانت عجوزاً غير متبرجة بزينة أما مع التبرج فلا يجوز لها ترك الحجاب ومن التبرج تحسين الوجه بالكحل ونحوه والله ولي التوفيق . (3) كشف المرأة وجهها عند الأعمى
وسئل الشيخ عبد الله بن حميد :
__________
(1) فتاوى المرأة ص( 78) .
(2) النور : آية ( 6)
(3) الفتاوى ـ كتاب الدعوة (2/222) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/315)
إننا طالبات ندرس في مدرسة ويدرسنا مدرس كفيف ، وسؤالي : هل يجوز الكشف للشيخ الكفيف أم التغطي ؟ فأجاب : لا يلزمها أن تحتجب فإنه لا يراها إلا إنه لا ينبغي أن تنظر إليه كما في حديث :" أعمياوان أنتما " وليس فيه ما يدل على أن المرأة تغطي وجهها عن الرجل المكفوف لأنه لا يبصرها ولا ينظر إلى شيء من محاسنها ، إنما هي لا ينبغي لها أن تتأمل صورته وأن تنظر إليه ، هذا هو الذي لا ينبغي فقط وإلا فلا بأس به إن شاء الله . (1)
كشف العروس في ليلة الزفاف أمام الأجانب لا يجوز
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
ما حكم كشف العروس في ليلة الزفاف أمام الأجانب منها الذين يزورون مع العروس ؟
فأجاب : لا .. لا يجوز بكل حال ، ويلزم المرأة أن تتستر وأن لا تبرز إلى الرجال الأجانب سواء قدموا مع زوجها كما هو العادة في ليلة العرس يأتي معه أناس يمشون معه فكل هذا لا ينبغي لا العروسة ولا غيرها من النساء فاختلاط النساء بالرجال الأجانب من العروس أو من النساء الحافلات لا يجوز لهن أن يكشفن وجوههن ويظهروا محاسنهن للرجال الأجانب فهذا يتنافى مع الشريعة الإسلامية في العرس وفي غيره كل ذلك سواء ، والله أعلم . (2) لا يجوز للمرأة أن تقبل غير محارمها
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
امرأة تقبل زوج أختها عند السلام إذا جاء من سفر ولا تصافحه بيدها فهل هذا يجوز لا علماً أن زوج واحدة ابن عم لها أما الثانية فليس ابن عمها بل إنه زوج أختها افيدونا جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تقبل غير محارمها كزوج أختها أو ابن عمها لا يحل لها أن تبدي زينتها أمامه حيث أنه أجنبي ويجوز أن تسلم عليه وهي مستترة وفي غير خلوة ويجب الإنكار على من فعل ذلك ممن رآة وبيان عادة جاهلية أبطلها الإسلام . (3)
هل صوت المرأة عورة؟
__________
(1) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(2) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(3) فتاوى إسلامية (3/ 220) .(1/316)
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل صوت المرأة عورة ؟
فأجاب : نعم ، المرأة مأمورة بتجنب الفتنة ، فإذا كان يترتب على سماع صوتها افتتان الرجال بها؛ فإنها تخفيه .
ولذلك فإنها لا ترفع صوتها بالتلبية ، وإنما تلبي سراً .
وإذا كانت تصلي خلف الرجال وناب الإمام شيء في الصلوات ؛ فإنها تصفق لتنبهه ؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا نابكم شيء في صلاتكم ، فلتسبح الرجال ، لتصفق النساء " .
وهي منهية من باب أولى عن ترخيم صوتها وتحسينه عند مخاطبتها الرجال لحاجة ؛ قال تعالى: { َّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ً } . (1)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله :" ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ؛ أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها " . (2)
الخضوع بالقول
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
يقول الله تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } . (3) ومعروف عن البنت أن طبيعتها الخجل ويحمر وجهها إذا تكلمت مع أي رجل فهل هذا من الخضوع المنهي عنه إذا تغير صوتها أثناء اضطرارها للحديث ؟ تطالعنا الصحف كل يوم بأبحاث للعلماء تبين كثيراً من فوائد العبادات في الإسلام كالصلاة والصوم واستعمال السواك وصلاة الفجر وقراءة القرآن وأحس أنني عند القيام بأي عبادة من هذه العبادات أنني لا أقوم بها عبادة وإنما من أجل الفائدة ما الحكم ؟
فأجاب : أولاً : المرأة لا يجوز لها مخاطبة الرجال الذين ليسوا محارم لها إلا عند الحاجة وبصوت ليس فيه إثارة ولا تنبسط في الكلام معهم زيادة عن الحاجة .
__________
(1) سورة الأحزاب آية ( 32) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/ 193، 194) .
(3) سورة الأحزاب آية ( 32) .(1/317)
ثانياً : أما الخضوع في القول المنهي عنه فهو ترخيم الصوت وتحسينه بحيث يثير الفتنة فلا يجوز للمرأة أن تكلم الرجل الأجنبي بصوت رخيم ولا أن تكلمه بمثل ما تكلم به زوجها ، لأن ذلك يثير الفتنة ويحرك الغريزة وقد يجر إلى الفاحشة ومعلوم أن الشارع الحكيم جاء بسد الذرائع التي تقضي إلى المحاذير وأما تغير صوتها من أجل الخجل فليس ذلك من الخضوع بالقول . وأما فعل العبادة فيجب فيه أن تكون خالصة لله عز وجل وصواباً على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقصد بها التعبد لله وطلب الأجر ولا مانع مع ذلك أن يقصد ما فيها من الفوائد العاجلة . (1)
صوت المرأة في الإذاعة والتليفون
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز للمرأة أن تعمل مذيعة يسمع صوتها الأجانب ؟
وهل يجوز للرجل الأجنبي مخاطبة المرأة في التليفون أو بصورة مباشرة ؟
فأجاب : إن المرأة في الإذاعة تختلط بالرجال بلا شك وربما تبقى مع الرجل وحده في غرفة الإرسال وهذا لا شك أنه منكر وأنه محرم وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :" لا يخلون رجل بامرأة " ولا يحل هذا أبداً ثم إن المعروف أن المرأة التي تذيع تحرص على أن تجمل صوتها وتجعله جذاباً وهذا أيضاً من البلاء الذي يجب تجنبه لما فيه من الفتنة . وفي الرجال .. الشباب والكهول ما يغني عن ذلك ، فصوت الرجل أقوى من المرأة وأبين وأظهر .
__________
(1) المسلمون ( 68) .(1/318)
لكن صوت المرأة بالنسبة للتليفون لا بأس به ولا مانع أن تتكلم في التليفون ، ولكن لا يحل لأحد أن يتلذذ بهذا الصوت وأن يديم مخاطبتها من أجل التلذذ والتمتع بصوتها لأن هذا محرم لكن لو أنها اتصلت بأحد لتخبره بخبر أو تستفتيه عن مسألة أو ما أشبه ذلك فلا بأس به ولكن إن حصل ملاطفة أو ملاينة فهو محرم ، وحتى وإن لم يحصل ذلك مثلاً أن تكون المرأة لا تدري بشيء والرجل الذي يخاطبها يتلذذ بها ويتمتع بها فهذا محرم على الرجل ومحرم عليها أن تستمر إذا شعرت بهذا .
وأما مخاطبة المرأة مباشرة فهذا لا بأس به " إن كانت محجبة " وأمنت الفتنة مثل أن تكون من معارفه .. كزوجة أخيه وبنت عمه وبنت خالته وما أشبه بذلك . (1)
تهاون النساء في الملابس
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
كثير من النساء يذكرن أن عورة المرأة من المرأة هي من السرة إلى الركبة ، فبعضهن لا يترددن في ارتداء الملابس الضيقة جداً أو المفتوحة لتظهر أجزاء كبيرة من الصدر واليدين ؛ فما تعليقكم ؟
فأجاب : مطلوب من المسلمة الاحتشام والحياء ، وأن تكون قدوة حسنة لأخواتها من النساء ، وأن لا تكشف عند النساء إلا ما جرت عادة المسلمات الملتزمات بكشفه فيما بينهن ، هذا هو الأولى والأحوط ؛ لأن التساهل في كشف ما لا داعي لكشفه قد يبعث على التساهل ويجر إلى السفور الحرم . والله أعلم . (2)
حكم سفور المرأة وخروجها بين الرجال الأجانب
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن حكم سفور المرأة ، وخروجها بين الرجال الأجانب ؟
__________
(1) المسلمون عدد (2)
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان (3/175) .(1/319)
فأجاب : الحمد لله . لا يخفى أن عمل المسلمين ونساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء الصحابة في عهده - صلى الله عليه وسلم - وعهد خلفائه الراشدين والسلف الصالح رضوان الله عليهم أن المرأة لا تخرج سافرة ، والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ومن بعدهم على هذا كثيرة معروفة وقد أمر الله نساء المؤمنين : : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ } وفسره ابن عباس وغيره من السلف بتغطية الوجه عن الرجال الأجانب ، ولم يضع الجناح في ترك الحجاب عن القواعد بشرط عدم التبرج ، فقال تعالى : : { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } . (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :" المرأة عورة " .
والعورة يجب سترها كلها ولا يجوز كشف شيء منها ، وحكى ابن المنذر الإجماع على المرأة المحرمة تغطي رأسها وتستر شعرها وتسدل الثوب على وجهها سدلاً خفيفاً تستتر عن نظر الرجال الأجانب ، وحكى ابن رسلان اتفاق المسلمين على منع أن يخرجن سافرات الوجوه .
ولو تتبعنا كل ما ورد في هذا لطال الكلام ، وفي هذا كفاية لمن كان قصده الحق ، والله الموفق ، ونسأل الله أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، ويرزقنا التمسك . (2)
يعارض زوجته في ارتداء الزي الشرعي
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
رجل متزوج وله أبناء ، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم ؟
__________
(1) النور : آية (60) .
(2) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/ 23، 24) ، ( صادرة عن الإفتاء 1243 في 21/6/1389 هـ ) .(1/320)
فأجاب : إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله وأن يحمد الله عز وجل الذي يسر له هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله:
: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون َ } . (1) وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حمل الرجل المسؤولية في أهله فقال :" الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته " .
فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم ، يكون سبباً للفتنة بها ومنها فليتق الله تعالى في نفسه وليتق الله في أهله وليحمد الله على نعمته أن يسر له مثل هذه المرأة الصالحة .
وأما بالنسبة لزوجته فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبداً لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . (2)
حجاب المرأة في الخارج
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هل يجوز للمرأة أن تحتجب من دون أن تغطي وجهها إذا سافرت للخارج ؟
فأجاب : يجب على المرأة أن تحتجب عن الأجانب في الداخل والخارج ، لقوله سبحانه وتعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن } . (3)
__________
(1) التحريم : آية ( 6) .
(2) فتاوى نور على الدرب ص( 79) .
(3) الأحزاب : آية ( 53) .(1/321)
وهذه الآية الكريمة تعم الوجه وغيره ، والوجه هو عنوان المرأة وأعظم زينتها . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً } . (1)
وقال سبحانه : { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } . (2)
وهذه الآيات تدل على وجوب الحجاب في الداخل والخارج ، وعن المسلمين والكفار . ولا يجوز لأي امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تتساهل في هذا الأمر ، لما في ذلك من المعصية لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأن ذلك يفضي إلى الفتنة بها في الداخل والخارج . (3)
حكم إظهار الساعدين للمرأة
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل صحيح أن من تظهر ساعديها من النساء وهي في البيت يوم القيامة تحترق ساعداها مع العلم أننا قد فصلنا ملابسنا بعضها إلى الأكمام أو بعض الأكمام إلى المرفقين نرجو توضيح الحكم في ذلك ؟
__________
(1) الأحزاب : آية ( 59) .
(2) النور : آية ( 31) .
(3) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/ 221) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/322)
فأجاب : أما هذا الجزاء وهو أن الساعدين تحترقان يوم القيامة فلا أصل له وأما الحكم في إظهار الساعدين لغير ذوي المحارم والزوج فإن هذا محرم لا يجوز أن تخرج المرأة ذراعيها لغير زوجها ومحارمها فعلى المرأة أن تحتشم وأن تحتجب ما استطاعت وأن تستر ذراعيها إلا إذا كان البيت ليس فيه إلا زوجها ومحارمها فهذا لا بأس بإخراج الذراعين وقولها أننا قد فصلنا ملابسنا إلى الأكمام فأقول لا بأس تبقى الثياب المخيطة على هذا الوضع وتلبس للزوج والمحارم ويفصل ثياب جديدة إذا كان في البيت من ليس محرماً لها كأخ زوجها وما أشبهها ولا يجوز للمرأة أن تخرج بهذه الملابس إلى الشارع إلا أن تسترها بالعباءة ولا تخرجها أمام الناس في السوق . (1)
حكم كشف يدي المرأة في السوق
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم خروج يدي المرأة في السوق خاصة ، وهل يفضل لبس قفاز أسود لليدين أو الأبيض علماً بأن البعض قال لا حرج في ظهورها وأن لبس القفاز ادعاء للتدين ما رأي فضيلتكم بذلك ؟
فأجاب : يجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها وسائر بدنها عن الرجال الذين هم ليسوا محارم لها فإذا خرجت إلى السوق فإنه يتأكد عليها ذلك وكذلك أمرت بأن ترخي ثيابها وأن تزيد فيها لتستر عقبيها ، فستر الكفين من باب أولى لأن ظهور الكفين فيه فتنة ويجب على المرأة أن تسترهما عن الرجال الذين ليسوا محارم لها . سواء سترتهما في ثوبها أو في عبائتها أو في القفازين .
__________
(1) ) ) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/838) .(1/323)
وأما من أنكر ذلك واستغربه فلا عبرة به ما دام أنا قد عرفنا أن الشرع يأمر بستر نفسها عن الرجال فلا عبرة بمن يستنكرون ويستغربون ومن يعتبرون هذا من التشدد . لأن الله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } . (1) ولقوله سبحانه وتعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } . (2) وقال الله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ } . (3) والحجاب يراد به الساتر الذي يسترها من ثوب أو جدار أو باب أو غير ذلك مما يستر المرأة عن الرجل الذي ليس من محارمها وأمرت بأن تستر جميع بدنها . (4)
خلع الخمار
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
أصابني مرض جلدي في رأسي .. وقال لي الطبيب أن أخلع الخمار الذي أضعه على رأسي والذي يؤلمني وجوده الآن فعلاً ، هل يحق لي ذلك ؟ وماذا أفعل ؟
فأجاب : نعم يحق لك أن تخلعي الخمار عن رأسك إذا لم يكن عندك رجال أجانب مثل أن يكون عندك زوجك أو أحد من محارمك أو نساء فقط لا رجال معهن أما أذا خرجت إلى السوق ، وأَمامَ الرجال الأجانب فإنه يجب عليك أن تغطي رأسك ووجهك وغير ذلك من بدنك . (5)
حكم مصافحة أم الزوجة والسفر معها
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز مصافحة أم الزوجة والسفر معها ؟
__________
(1) ) ) الأحزاب : آية ( 59) .
(2) ) ) النور : آية ( 31) .
(3) ) ) الأحزاب : آية ( 53) .
(4) ) ) فتاوى نور على الدرب لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 113، 114) .
(5) ) ) المسلمون عدد ( 21) .(1/324)
فأجاب : نعم ؛ لا بأس بذلك ، لأنها من محارمه ؛ لأن الله جل وعلا حرم أم الزوجة على زوج ابنتها تحريماً مؤبداً ، فهي من محارمك ؛ لا بأس أن تصافحها وأن تسافر بها وتكون محرماً بها ؛ إلا إذا خشيت من الفتنة فإنك لا تصافحها ، كما إذا خشيت من المصافحة وجود فتنة أو ثوران شهوة ؛ فلا تصافحها ، أما لم يكن هناك محذور ؛ فلا بأس بذلك أن تصافحها وأن تسافر بها وتكون محرماً لها ؛ لأنها أصبحت من محارمك بموجب العقد على ابنتها ، وقال تعالى في تعداد المحرمات من النساء : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } . (1)
أي : حرمت عليكم أمهات نسائكم . (2)
حكم مصافحة النساء والأقارب
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز مصافحة النساء الأقارب من وراء حائل ؟
فأجاب : النساء الأقارب إن كن محارم للإنسان يعني من المحرمات عليه في النكاح فإنه يجوز أن يصافحهن من وراء حائل ومباشرة لأن المحرم يجوز أن ينظر من المرأة التي هو محرم لها وجهها وكفيها وقدميها وما ذكره أهل العلم في ذلك . وأما إذا كانت القريبة ليست محرماً فإنه لا يجوز أن يصافحها لا بحائل ولا بدونه حتى لو كانت من عادتهم أن يصافحوهن فإنه يجب على المرء أن يبطل تلك العادة لأنها مخالفة للشرع فإن المس أعظم من النظر وتتحرك الشهوة بالمس أعظم من تحركها بالنظر غالباً فإذا كان الإنسان لا ينظر إلى كف امرأة ليست من محارمه فكيف يقبض على هذا الكف . (3)
حكم مصافحة غير المحارم
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
نحن في قرية لها عادات سيئة من ذلك مثلاً أنه إذا جاء ضيف إلى المنزل فإن الكل يصافحونه ذكوراً وإناثاً فإذا امتنعت عن ذلك قالوا عني أنثى شاذة فما الحكم ؟
__________
(1) النساء آية : (22) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان (3/ 173) .
(3) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/901) .(1/325)
فأجاب : الواجب على المسلم أن يطيع الله عز وجل بامتثال أمره والبعد عن نهيه والتمسك بذلك ليس شاذاً بل الشاذ هو الذي يخالف أوامر الله وهذه العادة ـ المسئول عنهاـ عادة سيئة فمصافحة المرأة للرجل غير المحرم سواء كانت من وراء حائل أو مباشرة حرام لما يفضي إليه الملمس من الفتنة وقد وردت في ذلك أحاديث في الوعيد عليه وإن كانت غير قوية السند ولكن المعنى يؤيدها ـ والله أعلم ـ وأقول للسائلة لا تصغي لذم أهلها بل الواجب عليها أن تنصحهم بأن يقلعوا عن هذه العادة السيئة وأن يعملوا بما يرضي الله ورسوله . (1)
ما حكم تقبيل المحارم ، ومصافحة الأخ الذي لا يصلي
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حكم تقبيل المحارم ؟ وهل يجوز للمرأة أن تصافح أخاها الذي لا يصلي ؟
فأجاب : تقبيل المحارم إذا كان لشهوة ـ وهو بعيد ـ أو خاف الإنسان ثوران الشهوة ـ وهو أيضاً بعيد ـ لكن قد يقع ـ أحياناً فيما لو كانت المحارم محارم بالرضاع أو بالمصاهرة ، أما المحارم بالقرابة فلا أظن أن هذا يقع ، لكن المحارم بالمصاهرة أو بالرضاع ربما يقع فإذا كان الإنسان يخاف على نفسه من ثوران الشهوة فهو حرام بلا شك ، وإذا كان لا يخاف فإن تقبيل الرأس والجبهة لا بأس به ، وأما التقبيل على الخد أو الشفتين فإنه ينبغي تجنبه إلا بالنسبة للوالد مع ابنته مثلاً ، أو للأم مع ابنها فإن هذا أمره أسهل ، لأنه ثبت أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل على عائشة رضي الله عنها وهي مريضة فقبلها على خدها وقال : كيف أنت يا بنية ؟
وأما مصافحة الأخ الذي لا يصلي من حيث المصافحة لا بأس بها ، لكن من لا يصلي يجب هجره فلا يسلم عليه ولا يصافح حتى يعود إلى الإسلام فيصلي . (2)
حكم تقبيل الأب لأبنته
وسئل سماحة عبد العزيز بن باز :
__________
(1) المسلمون عدد (59) .
(2) فتاوى الحرم 1408 هـ ص ( 284) .(1/326)
هل يجوز للرجل أن يقبل ابنته إذا كبرت وتجاوزت سن البلوغ سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة وسواء كان التقبيل في خدها أو فمها أو نحوه ، وإذا قبلته على في تلك الأماكن فما الحكم ؟
فأجاب : لا حرج في تقبيل الرجل لابنته الكبيرة والصغيرة بدون شهوة على أن يكون ذلك في خدها إذا كانت كبيرة لما ثبت عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قبل ابنته عائشة رضي الله عنها في خدها ولأن التقبيل على الفم قد يفضي إلى تحريك الشهوة الجنسية فتركه أولى وأحوط وهكذا وهكذا البنت لها أن تقبل أباها على أنفه أو رأسه من دون شهوة ، أما مع شهوة فيحرم ذلك على الجميع حسماً لمادة الفتنة وسداً لذرائع الفاحشة .. والله ولي التوفيق . (1)
من العادات القبيحة المحرمة
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
أنا أسكن حالياً في مدينة الرياض ولي فيها أقارب صلة القرابة بيني وبينهم قريبة جداً ومن بينهم بنات خالتي وزوجات أعمامي وبنات أعمامي وعندما أزورهم أقوم بالسلام عليهن وتقبيلهن ويجلسن معي وهن كاشفات وأنا أتضايق من هذه الطريقة علماً أن هذه العادة منتشرة في أغلب مناطق الجنوب فما قولكم في هذه العادة وماذا أفعل أنا ؟
فأجاب: هذه العادة سيئة منكرة مخالفة للشرع المطهر ولا يجوز لك تقبيلهن ولا مصافحتهن لأن زوجات أعمامك وبنات عمك وبنات خالك ونحوهن ليسوا محارم لك فيجب عليهن أن يحتجبن عنك وأن لا يبدين زينتهن لك لقول الله سبحانه : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ } . (2)
__________
(1) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/188، 189) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) الأحزاب آية : (53) .(1/327)
وهذه الآية تعم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن في أصح قولي العلماء ومن قال إنها خاصة بهن فقوله باطل لا دليل عليه . وقال سبحانه في سورة النور في حق النساء { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } . (1)
ولست من هؤلاء المستثنين بل أنت أجنبي من بنات عمك وبنات خالك وزوجات أعمامك بمعنى أنك لست من محارمهن والواجب عليك أن تخبرهن بما ذكرنا وتقرأ عليهن هذه الفتوى حتى يعذرنك ويعلمن حكم الشرع في ذلك ويكفي أن تسلم عليهن بالكلام من دون تقبيل أو مصافحة لما ذكرنا من الآيات .
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرادت امرأة أن تصافحه قال :" إني لا أصافح النساء " ولقول عائشة رضي الله عنها :" ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام" ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك أنها قالت سمعت صوت صفوان بن المعطل :" خمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب" فدل ذلك على أن النساء كن يخمرن وجوههن بعد نزول آية الحجاب . أصلح الله أحوال المسلمين ومنحهم الفقه في الدين . والله ولي التوفيق . (2)
ركوب المرأة مع السائق الأجنبي
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي وحدها ليوصلها في داخل المدينة ؟ وما الحكم إذا ركبت المرأة ومجموعة من النساء مع السائق وحدهن ؟
__________
(1) النور آية : (31) .
(2) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/187، 188) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/328)
فأجاب : أقول وأنا كاتبه محمد صالح العثيمين إنه لا يجوز للرجل أن يتفرد بالمرأة الواحدة في السيارة إلا أن يكون محرماً لها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " أما إذا كان معه امرأتان فأكثر فلا بأس لأنه لا خلوة حينئذٍ بشرط أن يكون مأموناً وأن يكون في غير سفر والله الموفق . (1)
وسئل أيضاً سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي عنها وحدها ليوصلها في داخل المدينة ؟ وما الحكم إذا ركبت المرأة ومجموعة من النساء مع السائق وحدهن ؟
فأجاب : لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معها غيرهما لأن هذا في حكم الخلوة .وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم "
وقال - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " أما إن كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر وهذا في غير السفر ، أما في السفر فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم " لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " متفق على صحته ولا فرق بين كون السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر والله ولي التوفيق . (2)
ركوب المرأة مع أخي زوجها
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هل يجوز للمسلم أن تركب معه في السيارة امرأة أخيه لتوصيلها إلى بيتها بدون محرم ؟ وإذا كانت مضطرة إلى ذلك فما الحكم ..؟
__________
(1) من رسالة للشيخ بخطه 19/ 6/1406 هـ من فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/898) .
(2) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/ 266،267) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/329)
فأجاب : لا يجوز مثل هذا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم " وقوله - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان " . فإن ركب معها ثالث زالت الخلوة من رجل أو امرأة على وجه لا ريبة فيه ولا خطر عملاً بالأدلة الشرعية كلها . (1)
وسئل أيضاً فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز لأخ الزوج أن يذهب بزوجة أخيه للدكتور إذا كان أخوه غير موجود أو اعتذر وهو موجود والمستشفى داخل البلد ؟
فأجاب : لا يجوز للزوجة أن تركب في السيارة وحدها مع أخ زوجها لأن ذلك من الخلوة التي حذر منها الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال :" إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو قال الحمو الموت " ماذا تفهمون يا عباد الله من هذه الكلمات التحذير أو الإباحة ؟ لا شك أن المفهوم التحذير لا الإباحة ! فلا يجوز للرجل أن يخلو بزوجة أخيه لا في السيارة ولا في البيت ، وأنكر من ذلك ما يفعله بعض الناس يأتيه الضيف وهو في عمله وليس في البيت إلا زوجته ثم تفتح له الباب فيدخل ينتظر صاحب البيت ، والمهم أنه لا يجوز لأي امرأة أن تخلو مع أحد من الرجال ولو كان من أقارب زوجها أو من جيرانها إلا أن يكون معها محرم سواء في البلد أو في السفر مع أن السفر يحرم أن تسافر ولو بدون خلوة إذا لم يكن معها محرم لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول :" لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " . (2)
كشف الأطباء على عورات النساء
للعلاج ، وخلوتهم بهن
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن كشف الأطباء على عورات النساء للعلاج وخلوتهم بهن ؟
__________
(1) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/226) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/ 897) .(1/330)
فأجاب : أولاً : أن المرأة عورة ، ومحل مطمع للرجال بكل حال فلهذا لا ينبغي لها أن تمكن الرجال من الكشف عليها أو معالجتها .
ثانياً : إذا لم يوجد الطبيبة المطلوبة فلا بأس بمعالجة الرجل لها ، وهذا أشبه بحال الضرورة ، ولكنه يتقيد بقيود معروفة ، ولهذا يقول الفقهاء :
الضرورة تقدر بقدرها ؛ فلا يحل للطبيب أن يرى منها أو يمس مالا تدعو الحاجة إلى رؤيته أو مسه ويجب عليها ستر كل مالا حاجة إلى كشفه عند العلاج .
ثالثاً : مع كون المرأة عورة ؛ فإن العورة تختلف ، فمنها عورة مغلظة ، ومنها ما هو أخف من ذلك ، كما أن المرض التي تعالج منه المرأة قد يكون من الأمراض الخطرة التي لا ينبغي تأخر علاجها ، وقد يكون من العوارض البسيطة التي لا ضرر في تأخر علاجها حتى يحضر محرمها ولا خطر كما أن النساء يختلفن ، فمنهن القواعد من النساء ، ومنهن الشابة الحسناء ن ومنهن ما بين ذلك ، ومنهن من تأتي وقد أنهكها المرض ، ومنهن من تأتي إلى المستشفى من دون أن يظهر عليها أثر المرض ، ومنهن من يعمل لها بنج موضعي أو كلى ، ومنهن من يكتفي بإعطائها حبوباً ونحوها ولكل واحدة من هؤلاء حكمها .
وعلى كل فالخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة شرعاً ولو للطبيب الذي يعالجها ، لحديث :" ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " فلابد من حضور أحد معها سواء كان زوجها أو أحد محارمها الرجال ؛ فإن لم يتهيأ فلو من أقاربها النساء ، فإن لم يوجد أحد ممن ذكر وكان المرض خطراً لا يمكن تأخيره فلا أقل من حضور الممرضة ونحوها تقادياً من الخلوة المنهي عنها . (1)
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
__________
(1) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/12، 13) ، (صادرة عن الإفتاء .. 27في 21/ 9/ 1385هـ )(1/331)
في الجامعات عندنا بمصر اختلاط شديد بين الطلبة والطالبات فماذا نفعل ونحن في حاجة لهذه الدراسة لخدمة الإسلام والمسلمين في بلدنا وعدم ترك هذه الأماكن لغير المسلمين ليتحكموا بعد ذلك في شئون المسلمين الهامة مثل الطب والهندسة وغيره ؟
فأجاب : الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة فتحرروا منه ما أمكن وأنكروه ما استطعتم نسأل الله لنا ولكم السلامة . (1)
دخول الأسواق المختلطة
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
هل يجوز للمسلم أن يدخل سوقاً تجارية وهو يعلم أن في السوق نساء كاسيات عاريات وأن فيه اختلاطاً لا يرضاه الله عز وجل ؟
فأجاب : مثل هذا السوق لا ينبغي دخوله إلا لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أو لحاجة شديدة مع غض البصر والحذر من أسباب الفتنة حرصاً على السلامة لعرضه ودينه وابتعاداً عن وسائل الشر ، لكن يجب على أهل الحسبة وعلى كل قادر أن يدخلوا مثل هذه الأسواق لإنكار ما فيها من المنكر عملاً بقول الله سبحانه وتعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر } . (2) وقوله سبحانه وتعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ". (4)
__________
(1) من رسالة للشيخ بخطه بتاريخ 4/ 4/ 1406هـ عن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/896) .
(2) سورة التوبة آية ( 71) .
(3) آل عمران آية (104) .
(4) رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بإسناد صحيح .(1/332)
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه الإمام مسلم في صحيحه . الأحاديث في هذا المعنى كثيرة والله ولي التوفيق . (1)
حكم تحدث المرأة مع الخياط
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط ؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء .
فأجاب : تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به ، كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة .
أما إذا كان مصحوباً بضحك أو بمباسطة أو صوت فاتن ؛ فهذا حرام لا يجوز .
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهن : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً } . (2) والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة ، أما ما زاد عن ذلك ؛ بأن كان على الطريق الضحك والمباسطة ، أو بصوت فاتن ، أو غير ذلك ، أو أن تكشف وجهها أمامه ، أو تكشف ذراعيها ، أو كفيها ؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة .
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله ،وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم ،تجنب هذا فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال ، فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة فيه. (3)
لا تجوز المراسلة بين الشبان والشابات
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
__________
(1) الفتاوى ـ كتاب الدعوة (2/227، 228) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) الأحزاب آية : ( 32) .
(3) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/156، 157) .(1/333)
ما حكم الشرع في المراسلة بين الشبان والشابات علماً بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام ، وأنا دائماً أكتب في أول الرسالة قول الله تعالى :
{ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } . (1)
فأجاب : لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه ، لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به .
وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - من سمع الدجال أن يبتعد عنه وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه .
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة وخطر كبير ويجب ابتعاد عنها وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام .
أما مراسلة الرجال للرجال والنساء للنساء ، فليس فيها شيء إلا أن يكون هناك أمر محظور . (2)
هل يجوز أن أستقدم خادمة غير مسلمة ؟
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
بعثت أطلب خادمة لإعانة زوجتي في المنزل فأفادوا بالمراسلة أنه لا يوجد مسلمة في البلد الذي أريد الخادمة منه فهل يجوز أن أستقدم خادمة غير مسلمة؟
فأجاب : لا يجوز استقدام خادمة غير مسلمة ولا خادم غير مسلم ولا سائق غير مسلم ولا عامل غير مسلم إلى الجزيرة العربية لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراج اليهود والنصارى منها وأمر ألا يبقى فيها إلا مسلم وأوصى عند وفاته عليه الصلاة والسلام بإخراج جميع المشركين من هذه الجزيرة ؟
ولأن في استقدام الكفرة من الرجال والنساء خطراً على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم وتربية أولادهم فوجب منع ذلك طاعة لله سبحانه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وحسما لمادة الشرك والفساد والله ولي التوفيق . (3)
احتجاب الخادمة عن مخدومها
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
__________
(1) الحجرات آية : ( 13) .
(2) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/898) .
(3) الفتاوى ـ كتاب الدعوة (1/ 202) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/334)
هل يلزم أن تحتجب الخادمة التي تعمل في المنزل عن مخدومها ؟
فأجاب : نعم عليها أن تحتجب عن مخدومها وألا تتبرج بالزينة لديه ، ويحرم عليه الخلوة بها لعموم الأدلة ولأن في عدم تحجبها وفي تبرجها بالزينة ما يثير الفتنة بها ، وهكذا خلوته بها من أسباب تزيين الشيطان له الفتنة بها . والله المستعان . (1)
حكم مقابلة المرأة للسائق والخادم
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين وهل يعتبرون في حكم الأجانب علماً بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي " إيشارب" فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل ؟
فأجاب : السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله . (2)
كتاب النكاح
لقد حث الشارع الحكيم على الزواج ورغب فيه .
قال الله تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . (3)
قال الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } . (4)
__________
(1) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/227) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 1/ 199) لسماحة الشيخ ابن باز .
(3) )) سورة النور الآية (32) .
(4) )) سورة النساء الآية (3) .(1/335)
سبب نزول الآية :
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه: وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله . (1)
قال ابن قدامة: النكاح في الشرع هو عقد التزويج فعند إطلاق لفظة ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل وقال القاضي الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطء جميعا لقولنا بتحريم موطوءة الأب تزويج لدخوله في قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء البقرة، وقيل بل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد تقول العرب أنكحنا الفرى فسترى أي اضربنا فحل حمر الوحش أمه فسترى ما يتولد منهما يضرب مثلا للأمر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه . (2)
باب
الحث على النِّكَاح سيَّما بذاتِ الدِّين الوَلُود
عن أبي ذر - رضي الله عنه - : "أن ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (3) .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4297) ،باب وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، وانظر صحيح مسلم كتاب التفسير برقم (3018) .
(2) )) المغني (7/3) .
(3) ) ) أخرجه البخاري برقم (807) ، ومسلم برقم (1006) .(1/336)
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أعض للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" (1) .
المعشر : هم الطائفة الذين شملهم وصف. فالشباب معشر والشيوخ معشر والأنبياء معشر، والشباب جمع شاب، وهو مَنْ بلغَ ولم يجاوز الثلاثين.
الباءة: أصلها في اللغة الجماع مشتقة من المباءة وهي المنزل.
والوِجاء :بكسر الواو وبالمد: هو رض الخصيتين، والمراد هنا أن الصوم يقطع الشهوة، ويقطع شر المني كما يفعله الوجاء . (2)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء رهطٌ إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً. وقال الآخر: أنا أصوم الدهر فلا أفطر. وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: "أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا؟
أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" (3) .
قوله : رهط : الرَّهْطُ ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة . (4)
وقوله : تقالوها: أي استقلوها، وأصل تقالوها: تقاللوها، أي رأى كل منهم أنها قليلة . (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5065) ومسلم في كتاب النكاح برقم(1400).
(2) )) شرح النووي (9/173).
(3) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم(5063)، ومسلم في كتاب النكاح برقم (1401).
(4) )) مختار الصحاح (1/109) .
(5) )) فتح الباري (9/105) .(1/337)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (1) .
قال النووي رحمه الله: "الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين. أ.هـ (2) .
وقوله: "تربت يداك" كلمة معناها الحث والتحريض، وقيل: هي هنا دعاءٌ عليه بالفقر، وقيل: بكثرة المال واللفظ مشترك بينهما، قابل لكل منهما، والآخر هنا أظهر. ومعناه: اظفر بذات الدين لا تلتفت إلا المال ، وأكثر الله مالك، والله تعالى أعلم.
قال ابن قدامة : وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، واختلف أصحابنا في وجوبه فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجب إلا أن يخاف أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه، وهذا قول عامة الفقهاء، وقال أبو بكر عبد العزيز: هو واجب، وحكاه عن أحمد، وحكي عن داود أنه يجب في العمر مرة واحدة للآية والخبر . (3)
باب
استعفاف من لم يجد النكاح
قال الله تعالى { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . (4)
قال الشافعي رحمه الله : إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج مالم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم . (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5090) ، ومسلم في كتاب الرضاع برقم (3620).
(2) شرح النووي (10/293).
(3) )) المغني (7/3) .
(4) )) سورة النور الآية (33) .
(5) )) الأم (5/145).(1/338)
وقال ابن كثير : هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجا بالتعفف عن الحرام كما قال - صلى الله عليه وسلم - يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء الحديث وهذه الآية مطلقة ملكا في سورة النساء أخص منها، وهي قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ } إلى قوله : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . (1) أي صبركم عن تزوج الإماء خير لكم لأن الولد يجيء رقيقا والله غفور رحيم، قال عكرمة في قوله : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا } . (2) قال: هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض حاجته منها وإن لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السموات والأرض حتى يغنيه الله .اهـ. (3)
باب
المحرمات من النساء
قال الله تعالى { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً } . (4)
عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب، والجمع بين الأختين، قال: فأنزل الله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } و { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } . (5)
__________
(1) )) سورة النساء الآية (25) .
(2) )) سورة النور الآية (33) .
(3) )) تفسير ابن كثير (3/288) .
(4) )) سورة النساء الآية (22) .
(5) )) تفسير الطبري (4/318) .(1/339)
وعن عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء، عن أبيه، قال: "لقيت عمي ومعه راية ، فقلت له أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله" . (1)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: بينا أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه، فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه. (2)
قال القرطبي : عقب بالذم البالغ المتتابع وذلك دليل على أنه فعل إنتهى من القبح إلى الغاية قال أبو العباس سألت إبن الأعرابي عن نكاح المقت فقال: هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات . (3)
وقال الله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } . (4)
فالمحرمات من النسب بنص هذه الآية سبعٌ .
قال القرطبي : فالسبع المحرمات من النسب: 1- الأمهات، 2- والبنات ، 3- والأخوات، 4- والعمات، 5- والخالات، 6- وبنات الأخ، 7- وبنات الأخت . (5)
__________
(1) )) رواه أبو داود برقم (4457) ، والدارمي (2/153) ، والنسائي في الكبرى (4/296) .
(2) )) رواه أبو داود برقم (4456) .
(3) )) تفسير القرطبي (5/104) .
(4) )) سورة النساء الآية (23) .
(5) )) تفسير القرطبي (5/105) .(1/340)
والمحرمات بالمصاهرة : أم الزوجة ، فبمجرد العقد على البنت تحرم الأم ، وابنة الزوجة المدخول بها، فإن عقد على الأم ولم يدخل بها حلّت له ابنتها، لقوله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ، وزوجة الابن، تحرم بمجرد العقد، وزوجة الأب، تحرم على الأبن بمجرد عقد الأب عليها .
قال القرطبي : والسبع المحرمات بالصهر والرضاع: 1- الأمهات من الرضاعة، 2- والأخوات من الرضاعة، 3- وأمهات النساء، 4- والربائب، 5- وحلائل الأبناء، 6- والجمع بين الأختين، والسابعة: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم. قال الطحاوي: وكل هذا من المحكم المتفق عليه وغير جائز نكاح واحدة منهن بإجماع العالمين إلا النساء اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن فإن جمهور السلف ذهبوا إلى أن الأم تحرم بالعقد على الإبنة ولا تحرم الإبنة إلا بالدخول بالأم، وبهذا قول جميع أئمة الفتوى بالأمصار . (1)
وقال تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } . (2)
قال أبو عمر: وروى الإمام أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن ابن سيرين عن ابن مسعود قال: يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد وعن ابن مسعود والشعبي نحو ذلك . (3)
المحرمات بالرضاع :
قال الله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } .
__________
(1) )) تفسير القرطبي (5/105) .
(2) )) سورة النساء الآية (24) .
(3) )) تفسير ابن كثير (1/474) .(1/341)
وعن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عندها وأنها رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت: فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فلانا"، لعم حفصة من الرضاعة، قالت عائشة: لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي ،فقال: "نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" . (1)
فتكون المحرمات بسبب الرضاع :
المرضعة، وأم المرضعة، وأم زوج المرضعة، وأخت المرضعة، وأخت زوج المرضعة، وبنات بنيها وبناتها، والأخت من الرضاعة.
قوله : "تحرم ما تحرم الولادة" قال الحافظ : أي وتبيح ما تبيح، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الاقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة، ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة من التوارث ووجوب الإنفاق والعتق بالملك والشهادة والعقل واسقاط القصاص .اهـ. (2)
والحرمات مؤقتاً:
الجمع بين الأختين ، والجمعه بين المرأة وعمتها أو خالتها، وزوجة الغير ومعتدته .
باب
النهي عن الزنا وهو من كبائر الذنوب
قال الله تعالى: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } . (3)
وقال تعالى: { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } . (4)
وقال تعالى: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } . (5)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4811)، باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ، ومسلم برقم (1444)، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة .
(2) )) فتح الباري (9/141) .
(3) سورة الفرقان الآية (68).
(4) سورة الإسراء الآية (32).
(5) سورة النور الآية (2).(1/342)
وقال تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } . (1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". (2)
وعن بن عباس رضي الله عنهما، قال : "شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } . (3) حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: "أنتن على ذلك"، وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله لا يدري الحسن من هي، قال: "فتصدقن، وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال" . (4)
__________
(1) سورة النور الآية (3).
(2) رواه البخاري في كتاب الديات برقم (6876)، ومسلم في كتاب القسامة برقم (1676).
(3) سورة الممتحنة الآية (12) .
(4) رواه البخاري برقم (4613) ، باب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك، ومسلم برقم (1866) ، باب كيفية بيعة النساء.(1/343)
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ" فذكر الحديث إلى أن قال: "فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاهُ ضيق، وأسفله واسع، يتوقد تحته نارٌ، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجالٌ ونساءٌ عراة".
وفي رواية:
"فانطلقنا على مثل التنور قال: فأحسبُ أنه كان يقولُ: فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطّلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا"... الحديث وفي آخره: "وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين هم في مثل بناء التَّنُّور، فإنهم الزُّناة والزَّواني". (1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسئل أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك". (2)
باب
الزانية لا يستجاب دعاؤها
عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"تفتح أبوابُ السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائل فيعطى؟ هل من مكروب فيفرج عنه؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ، إلا استجاب الله عزَّ وجل له، إلا زانيةً تسعى بفرجها أو عشّاراً". (3)
قوله : عشاراً أي مكاساً ، يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيما على دينهم أو مستحلا ، قال في المصباح: عشرت المال عشرا من باب قتل وعشورا أخذت عشره واسم الفاعل عاشر وعشار . (4)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه البخاري في كتاب التفسير برقم (4477)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (86).
(3) رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2391).
(4) )) فيض القدير .(1/344)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟". (1)
وقال عليه الصلاة والسلام: "أربعة يبغضهم الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر". (2)
وحديث البراء أن خاله بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل عرَّس بامرأة أبيه أن يقتله ويخمس ماله". (3)
باب
الزاني والزانية يُنزع منهما الإيمان حال الزنى
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". (4)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان عليه كالظُّلة فإذا أقلع منها رجع إليه الإيمان". (5)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1897).
(2) أخرجه النسائي في الزكاة (6/86)، وابن حبان (7/434) رقم (5532) مع الإحسان والخطيب في تاريخ بغداد (9/358)، والبيهقي في شعب الإيمان (16/86) ، وفي كنز العمال، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2397).
(3) أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام (1362) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه في كتاب الحدود برقم (2607)، وأحمد في المسند (4/295)، وأبو داود في كتاب الحدود (4456)و (4457)، والنسائي في النكاح (6/109-110).
(4) رواه البخاري في كتاب المظالم برقم (2475)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (57).
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/22) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بروايته، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة برقم (4690) ، وأخرجه ابن مندة في الإيمان (5/600) رقم (519)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2394)، و الصحيحة برقم (509).(1/345)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه". (1)
باب
الزاني لا ينظر الله إليه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملكٌ كذَّاب، وعائلٌ مستكبرٌ". (2)
(العائل): الفقير.
وفي لفظ للطبراني: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني، ولا
العجوز الزانية". (3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ظهر الزنا في قريةٍ، فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله". (4)
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟" قالوا: حرام حرَّمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جارهِ". (5)
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، فأوشك أن يعمهم الله بعذاب". (6)
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ظهر في قوم الزنا أو الربا، إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله". (7)
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/22) وقال: على شرط مسلم، وقال الذهبي في الكبائر : إسناده جيد.
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (107)، والنسائي.
(3) صحيح الترغيب (2/613).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والأوسط، والبخاري في الأدب المفرد ، السلسلة الصحيحة رقم (65).
(6) رواه أحمد، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2400).
(7) سبق تخريجه.(1/346)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا شباب قريش! احفظوا فروجكم ولا تزنوا، إلا من حفظ فرجه فله الجنة". (1)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييهِ وما بين رجليه، اضمن له الجنة". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنّة شائت". (3)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وافوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا إبصاركم، وكفوا أيديكم". (4)
باب
النهي عن الدياثة
قال الله تعالى: { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } . (5)
__________
(1) رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2696).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6474).
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب رقم (2416).
(5) سورة النور الآية (3).(1/347)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق والديه والديوث ورجلة النساء". (1)
العاق والديه : هو الذي قطع والديه ولم يصلهما ، وشق عصا طاعتهما .
والديوث : هو الذي لا يغار على أهله ويقر الخبث فيهم
ورجلة النساء : هي التي تتشبه بالرجال .
باب
تحريم بنت الزنا على أبيها
قال ابن كثير : وقد استدل جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه بعموم قوله تعالى وبناتكم فإنها بنت فتدخل في العموم كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وقد حكى عن الشافعي شيء في إباحتها لأنها ليست بنتا لم تدخل في قوله يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإنها لا ترث بالإجماع فكذلك لا تدخل في هذه الآية والله أعلم . (2)
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (2/69 و 28)، النسائي في كتاب الزكاة (5/80-81)، والحاكم في المستدرك (4/146-147)، وأبو يعلى في المسند (9/408-409) رقم (5559)، والبيهقي في شعب الإيمان (16/32) كما في كنز العمال، و السنن الكبرى (10/226)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/147-148): رواه البزار والنسائي بإسنادين جيدين، والضياء في المختارة (1/75) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والقلب إلى رواية أيوب بن سليمان أميل حيث لم يذكر في إسناده عمر. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح الإسناد وبعضهم يقول: عن أبيه عن عمر، وصححه ابن حبان برقم (2032 - موارد).
(2) )) تفسير ابن كثير (1/470) .(1/348)
وقال ابن قدامة : ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا وأخته وبنت ابنه وبنت ابنته وبنت أخيه وأخته من الزنا وهو قول عامة الفقهاء وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز ذلك كله لأنها أجنبية منه ولا تنسب إليه شرعا ولا يجري التوارث بينهما ولا قوما عليه إذا ملكها ولا تلزمه نفقتها فلم تحرم عليه كسائر الأجانب، ولنا قول الله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم النساء وهذه ابنته فإنها أنثى مخلوقة من مائه هذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال بن أمية انظروه يعني ولدها فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء يعني الزاني لأنها مخلوقة من مائه وهذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة فأشبهت المخلوقة من وطء اليسرى ولأنها بضعة منه فلم تحل له كابنته من النكاح وتخلف بعض الأحكام لا ينفي كونها بنتا كما لو تخلف لرق أو اختلاف دين. (1)
باب
النهي عن الغناء والموسيقى
قال الله تعالى: { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } (2) .
وقال تعالى: { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } (3) .
(لهو الحديث) فسره ابن عباس بأنه الغناء وكذلك ابن مسعود حيث قال: والذي لا إله إلا هو لهو الغناء.
والمكاء والتصدية: هو التصفيق والصفير.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة وصوت عند مصيبة" (4) .
وصح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الربيع البقل".
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير
__________
(1) )) المغني (7/91-92) .
(2) سورة لقمان الآية (6) .
(3) سورة الأنفال الآية (35) .
(4) رواه الترمذي وإسناده حسن .(1/349)
والخمر والمعازف" (1) .
(الحِرَ) هو الفرج والزنا به.
( المعازف ) اسم لآلات اللهو والطرب .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام" (2) .
(الكوبة): هو الطبل الصغير وهو آلة من آلات الطرب.
وقال رسول - صلى الله عليه وسلم - : "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء" فذكر منها: "إذا اتخذت القينات والمعازف" (3) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الجرس مزمار الشيطان" (4) .
وقال أبو سعيد الخدري: بينما كنا نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرض شاعر نشيد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً" (5) .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى معلم أولاده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن فقد بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب على الماء.
وقال الإمام الشافعي: "من داوم على سماع الأغاني رُدَت شهادته وبطلت عدالته ومن جمع الناس على مغنية فهو ديوث".
باب
نهي المرأة عن السحاق
قال الله تعالى: "ويحفظن فروجهن" (6) .
(السحاق): هو مباشرة المرأة المرأة بشهوة عن طريق الدلك دون إيلاج، وهو عمل خبيث يدل على انتكاس في الفطرة، ولذلك يقام فيه التعزير دون الحد فهو من انحطاط في الأخلاق.
__________
(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم .
(2) رواه أحمد في مسنده، وأبو داود عن عبد الله بن عمر،صحيح الجامع برقم (1747) و (1748).
(3) رواه الترمذي عن علي - رضي الله عنه - ، ضعيف الجامع برقم (608).
(4) رواه مسلم .
(5) رواه مسلم .
(6) سورة النور الآية (31).(1/350)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد" (1) .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (عشر خصال من أعمال قوم لوط، تصفيف الشعر وحل الأزرار و ... وقال وستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء).
باب
نهي الرجل عن النظر إلى المرأة الأجنبية
ونهي المرأة عن النظر إلى الرجل الأجنبي
قال الله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } (2) .
وقال تعالى: { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } (3) .
وقال تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } (4) .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر، واللسان يزني وزناه النطق، والرجل تزني وزناها الخطى، واليد تزني وزناها البطش، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" (5) .
__________
(1) رواه مسلم .
(2) سورة النور الآية ( 30-31 ) .
(3) سورة غافر الآية ( 19 ) .
(4) سورة الإسراء الآية ( 36 ) .
(5) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان برقم ( 6243 )، وأخرجه مسلم في كتاب القدر برقم (20و21 ) .(1/351)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والجلوس في الطرقات"، قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله، قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (1) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - : "يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية" (2) .
وعن جرير، سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة فقال: "أصرف نظرك" (3) .
فالنظر من الرجل إلى المرأة التي لا تحل له، ومن المرأة إلى الرجل الذي لا يحل لها حرمها الإسلام، فإن العين مفتاح القلب والنظر رسول الفتنة وبريد الزنا، وسهم من سهام إبليس.
وفي الحديث: "النظر سهم من سهام إبليس فمن تركه لله أورث قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة" (4) .
فإن السهم من شأنه أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السهم الذي يسقاه المسموم، فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولا بدّ (5) .
__________
(1) رواه البخاري برقم (2333) ، باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات ، ومسلم برقم (2121) ، باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه .
(2) أخرجه أبو داود في النكاح برقم (44)، والترمذي في الأدب، باب نظر الفجأة : (2778)، وحسنه الألباني في ( صحيح أبي داود ) (2/403) رقم (1881) .
(3) رواه مسلم في كتاب الآداب برقم (2159)، ورواه الترمذي، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة .
(4) رواه أحمد في مسنده، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/314) وقال : (صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وفي سنده ضعف.
(5) روضة المحبين (95).(1/352)
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحموُ؟ قال: "الحموُ الموتُ" (1) .
باب
التحذير من الإختلاط
قال الله تعالى: { وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجاب } (2) .
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (فإن ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية، وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق في الخلوة مع من لا تحل له، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما خلا رجل بإمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" (3) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" (4) .
ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه "الطرق الحكمية" فصلا بين فيه أنه يجب على أولي الأمر أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال، وذكر فيه أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر ومن أعظم أسباب نزول العقوبة العامة كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة، وسبب لكثرة الفواحش والزنا). أ.هـ
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو، قال: "الحمو الموت" (5) .
الحمو: هو قريب الزوج.
قال ابن الأثير: (الحمو الموت) كلمة تقولها العرب كما تقول (الأسد الموت) و (السلطان النار) أي لقاؤهما مثل الموت لأنه يميت الأخلاق والعفة ويؤدي إلى هلاك النفس، وخلوة الحمو أشد وأخطر من خلوة غيره من الغرباء، وكم سمعنا من الفواحش والمصائب بسبب دخول أخو الزوج على المرأة ويخلو بها وإلى الله المشتكى.
باب
الحث على تعليم المرأة الكتابة
__________
(1) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5232)، ومسلم في كتاب السلام برقم (2172).
(2) سورة الأحزاب الآية (53).
(3) رواه الترمذي والطبراني عن أبي أمامة.
(4) متفق عليه.
(5) متفق عليه.(1/353)
عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال لشفاء بنت عبد الله : "علمي حفصة رقية النملة" . (1)
وفي رواية : "ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة" . (2)
قوله : "علمي" يا شفاء بنت عبد اللّه "حفصة رقية" : بالضم وسكون القاف "النملة" ورقيتها ، كما في الفائق وغيره العروس تحتفل أي تتزين وتختضب وتكتحل وكل شيء تفتعل غير أن لا تعاصي الرجل ، وقيل : النملة بالفتح قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب ورده بعض أذكياء الماربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها فكيف يأمر بها وإنما أراد الأول وقصد به تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله :
{ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } . (3)
وذلك أن حفصة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتها وهو يطأ مارية ، فقال : لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة فإن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت فاكتمي فأخبرت حفصة عائشة فلم تكتم رواه الطبراني . (4)
قال المجد ابن تيمية في منتقى الأخبار : وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة . (5)
وقال الخطابي : فيه دلالة على أن تعلم النساء الكتابة غير مكروه . (6)
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : وفي الحديث دليل على جواز تعليم النساء الكتابة . (7)
وقال ابن مفلح : ظاهر كلام الأكثرين أن الكتابة لا تكره للمرأة كالرجل ، وذكره ابن عقيل في الفنون وهو ظاهر المنقول عن الإمام أحمد رضي الله عنه . . (8)
باب
__________
(1) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (4028) .
(2) ) ) أخرجه أبو داود برقم (3887) ، السلسلة الصحيحة برقم (178) .
(3) ) ) سورة التحريم الآية (3) .
(4) ) ) فيض القدير .
(5) ) ) نيل الأوطار (10/183) .
(6) ) ) معالم السنن على حاشية سنن أبي داود (4/215) .
(7) ) ) زاد المعاد (4/185) .
(8) ) ) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/461) .(1/354)
حرمة امتناع الزوجة عن زوجها
إذا دعاها إلى فراشه والحذر من عصيانه ومخالفة أمره
لا يجوز للمرأة أن تمتنع عن زوجها إذا دعاها إلى فراشه ليجامعها حيث بامتناعها عنه يعرضها للعنة الملائكة لها والعياذ بالله .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" . (1)
وفي رواية لهما: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "والذي نفسي بيده، ما مِنْ رجلٍ يَدْعُو امرأتَهُ إلى فراشِه، فتأبَى عليه إلا كانَ الذي في السماء ساخطاً عليها، حتى يَرْضَى عنها".
ومن رواية لهما: "إذا باتَتِ المرأةُ هاجرةً فِراشَ زوجها لعنتها الملائكةٌ حتى تصبحَ" (2) .
ولا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها أو تعصي أمره ، ولا يجوز لها أن تدخل في بيته أحد إلا بإذنه .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهِدٌ إلا بإذنِه، ولا تأذَنَ في بيتِهِ إلا بإذنه" (3) .
مسألة :
هل للمرأة أن تمتنع عن زوجها بسبب عدم وجود الماء لكي تغتسل به هي وزوجها من الجنابة ؟
الجواب على ذلك : عليها أن تطيعه ولا تمتنع عنه حتى لو فقد الماء ولا يكون لديها للاغتسال .
فعن عطاء رحمه الله قال : إذا طهرت الحائض فلم تجد ماء تتيمم ويأتيها زوجها . (4)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4897) ، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ، ومسلم برقم (1436) ، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها .
(2) فتح الباري رقم (5194) كتاب النكاح، وصحيح مسلم في كتاب النكاح برقم (1436) .
(3) رواه البخاري برقم (4896) ، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا ، ومسلم برقم (1226) ، باب ما أنفق العبد من مال مولاه .
(4) )) مصنف ابن أبي شيبة (1/93) رقم (01033) .(1/355)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وليس للمرأة أن تمنع زوجها الجماع ، بل يجامعها فإن قدرت على الاغتسال ، وإلا تيممت وصلت ، إذا طهرت من الحيض لم يجامعها إلا بعد الاغتسال وإلا تيممت ووطئها زوجها ويتيمم الواطئ حيث يتيمم للصلاة . (1)
وسئل الشيخ صالح فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما رأيك بالمرأة التي لا تسمع كلام زوجها ، ولا تطيعه ، وتخالفه في كثير من الأمور ؛ كأن تخرج بدون أمره وتخرج أحياناً خلسة بدون علمه ؟
فأجاب: يجب على المرأة أن تطيع زوجها بالمعروف ، ويحرم عليها معصية ، ولا يجوز لها الخروج من بيته إلا بإذنه .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشها ، فأبت أن تجيء ، فبات غضبان عليها ؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح " . متفق عليه .
وقال - صلى الله عليه وسلم - :" لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها " .
وقال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } . (2) فبين سبحانه أن الرجل له القوامة على المرأة ، وأنه إذا تنكرت له ؛ يتخذ معها الإجراء الرادع ؛ مما يدل على وجوب طاعته بالمعروف وتحريم مخالفتها له بغير حق . (3)
باب
التحذير من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده
__________
(1) )) مجموع الفتاوى (21/454) .
(2) سورة النساء الآية ( 31) .
(3) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/164، 165) .(1/356)
عن بُريدةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ليسَ منّا مَنْ حلَف بالأمانَةِ، ومن خَبَّبَ على امْرئٍ زوجتَه أوْ مَمْلوكَه فليسَ مِنَّا" (1) .
(خَبَّبَ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، معناه: خدع وأفسد.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من خبب امرأةً على زوجها أو عبداً على سيِّدهِ" (2) .
ورواه ابن حبان في "صحيحه" ولفظه: "من خبب عبداً على أهله فليس منا، ومن أفْسَد امرأةً على زوجها فليس منا".
وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدْناهُم منه منزِلةً أعظمهم فتنةً، يجيءُ أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا. فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً. ثم يجئُ أحدُهم فيقولُ: ما تركْتُه حتى فَرَّقْتُ بينه وبينَ امْرأَتِهِ! فيُدْنيهِ منه ويقولُ: نعم أنتَ. فيلْتَزِمُه " (3) .
قوله: "فيلتزمه": أي يضمه إلى نفسه ويعانقه.
وقال الشيخ الفوزان : وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ، ويخيبها عليه ؛ فقد جاء في الحديث :" ملعون من خبَّب امرأة على زوجها " ومعناه : أفسد أخلاقها عليه ، وتسبب في نشوزها عنه . والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها ؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم . (4)
باب
النهي عن إفشاء السّر سيما ما كان بين الزوجين
__________
(1) رواه أحمد واللفظ له ـ والبزار وابن حبان في صحيحه.وصححه الألباني صحيح الترغيب برقم (2013).
(2) رواه أبو داود وهذا أحد ألفاظه ـ والنسائي. وقال الألباني صحيح ، صحيح الترغيب برقم (2014).
(3) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2813).
(4) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/248، 249) .(1/357)
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شر الناسِ عند الله منزلة يوم القيامة، الرجلَ يُفضي إلى امرأتِهِ أو تفضي إليه، ثم ينشُرُ أحدُهما سِرَّ صاحبه" (1) .
وفي رواية: "إن من أعظمِ الأمانة عند الله يومَ القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها" (2) .
قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيلَ ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه، لأنه خلاف المروءة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعى عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأفعله أنا وهذه"، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة: "أعرستم الليلة"، وقال لجابر: "الكيس الكيس"، والله أعلم أ.هـ. (3)
باب
نهي المرأة عن سؤال زوجها الطلاق من غير بأس
لا يحل للمرأة أن تطلب من زوجها الطلاق بدون سبب شرعي كما تفعل بعض النساء .
فعن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقها من غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنَّةِ".
وفي رواية: "وإن المختلعات والمنتزعات هنَّ المنافِقاتُ، وما مِن امْرأَةٍ تسألُ زوجَها الطلاقَ مِن غيرِ بأسٍ، فتجد ريحَ الجنةِ، أو قال: رائِحة الجنَّةِ" (4) .
باب
تحذير المرأة من النشوز
__________
(1) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين برقم (2813).
(2) رواه مسلم في كتاب النكاح برقم (1437).
(3) )) شرح النووي (10/8) .
(4) صحيح الترغيب (2018)، والإرواء (7/100)، والصحيحة (632).(1/358)
قال الله تعالى: { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إنّ اللهَ كانَ عليًّا كبيراً } (1) .
الحل الأول: هو الوعظ، وتكون الموعظة بالتي هي أحسن ، فإذا كانت الموعظة لا تنفع فعليك بالحل الثاني وهو الهجر .
فيكون الحل الثاني : الهجر في المضجع ، فإذا الزوج سيطر على نفسه ولم يأتيها فقد حطم أقوى الأسلحة للمرأة، ويكون من باب التأديب، وعلاجها من النشوز ، فإذا لم ينفع فعليك بالحل الذي بعده ، وهو الضرب .
فيكون الحل الثالث : هو الضرب،ويكون ضرب غير مبرح ، ولا يكون تعذيباً ، ولا انتقام ، ولا تشفي ، ولا يكون فيه إهانة ولا تحقير ولا إذلال .
فعلى المرأة أن تتقي الله تعالى وتطيع زوجها فيما أحل الله، لأنها معرضة لعقوبة الله تعالى وسخطه والعياذ بالله .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأتهِ فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" (2) .
وفي لفظ في الصحيحين: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة".
وفي لفظ قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها" (3) .
قال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" (4) .
__________
(1) سورة النساء الآية (34).
(2) رواه البخاري في كتاب النكاح (3065)، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومسلم في كتاب النكاح (1436)، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها .
(3) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5193)، ورواه مسلم في كتاب النكاح برقم (1436).
(4) رواه البخاري في كتاب النكاح برقم (5195).(1/359)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" (1) .
وقالت عمة ابن محصن وذكرت زوجها للنبي - صلى الله عليه وسلم - : فقال: "أنظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك" (2) .
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه" (3) .
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
إذا نشزت امرأة على زوجها وكثر التردد وبذلت العوض طالبة الخلع فمنع الزوج هل يسوغ للحاكم إجباره ؟
__________
(1) أخرجه الترمذي أبواب الرضاع برقم (1159)، وابن حبان رقم (1291ـ موارد) والبيهقي في السنن الكبرى (7/291)، والحاكم في المستدرك (4/171ـ172)، والبزار كما في "المجمع" (9/4) عن أبي هريرة، وقال الحاكم صحيح الإسناد، إرواء الغليل (7/54) .
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/241)، والنسائي في السنن الكبرى (13/113ـ114) .
(3) أخرجه النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (6/300)، والحاكم في المستدرك (2/190) و(4/174)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/294)، والديلمي الفردوس (5/133) رقم (7723)، والبزار والطبراني كما في مجمع الزوائد (4/309)، وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين، والطبراني، وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي .(1/360)
فأجاب : لا يخلو سبب النشوز عن واحد من اثنين : بغض المرأة زوجها ، أو ادعاؤها التقصير منه عليها . فإن كان السبب البغض فيستحب للزوج طلاقها . حيث أن المودة والرحمة بينهما متعذر حصولها ، وعليها أن تبذل له العوض ، فإن طلاقها وأحدث نشوزها بعد بذل الجهد في نصحها وتوبيخها وتبشيرها وإنذارها فقد ذكر بعض الأصحاب من المقادسة أن للحاكم فسخها منه . وإن كان سبب النشوز ادعاء التقصير فيحقق في هذا الادعاء ، ويجري نحوه ما يقتضيه الوجه الشرعي حسبما نصت عليه الآية الكريمة : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } . (1) (2)
حدود الهجر بين الزوجين
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
من المعلوم أن هجران المسلم لأخيه فوق ثلاث ليال غير جائز ؛ فما حكم ما يحصل ما بين الزوج وزوجته من هجران ، سواء هجرها لقصد التربية أو هجرها لسبب غير ذلك ؟
فأجاب : إذا حصل من الزوجة نشوز في حق زوجها ، ووعظها ، فلم تتراجع عن صنيعها ويعرض عنها بوجهه حتى تتوب ، ولا يتعارض هذا مع تحريم هجر المسلم أخاه فوق ثلاث ؛ لأن هذا هجر مقيد بالمضجع ، والممنوع هو هجر المطلق ، أو يقال : الممنوع هو الهجر بغير سبب المعصية ، ونشوز المرأة يعتبر معصية تبيح هجرها . (3)
باب
علاج نشوز الرجل
كما أعطانا الله سبحانه وتعالى علاج المرأة من النشوز فكذلك أعطانا علاج الرجل من النشوز .
__________
(1) سورة النساء آية ( 35) .
(2) صادرة عن الإفتاء 4264في 16/11/1387هـ ، فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/282، 283) .
(3) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/251) .(1/361)
قال الله تعالى : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } . (1)
فإذا رأت المرأة من زوجها الجفاء ، أو خشيت أن يطلقها زوجها ، أو تركها زوجها معلقة لاهي ذات زوج ولا مطلقة ، فليس عليها حرج بأن تتنازل عن بعض فرائضها المالية أو فرائضها الحيوية ، كأن تترك له جزءاً من نفقتها الواجبة على الزوج ، أو تتنازل عن قسمتها وليلتها للزوجة الثانية إذا كان له زوجة ثانية ، ويكون هذا من باب الصلح بينهما، وهو خير من الطلاق كما قال الله تعالى : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } .
باب
علاج الخلاف بين الزوجين
وإذا اشتد الخلاف بين الزوجين وتفاقم، فكذلك جعل الله سبحانه وتعالى له العلاج .
فقال الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } . (2)
فإذا كانت الرغبة في نفس الزوجين في الإصلاح وكان الغضب هو الحاجز والحاجب بينهما ، وكان الرغبة كذلك في نفس الحكمين بالإصلاح يقدر الله تعالى الصلح بينهما ويوفق بينهما { إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا } ، فالله تعالى يستجيب لهما ويوفق { بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } .
باب
الإيلاء من الزوجة
قال الله تعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . (3)
__________
(1) )) سورة النساء الآية (128) .
(2) )) سورة النساء الآية (35) .
(3) )) سورة البقرة الآية (226) .(1/362)
الإيلاء: هو اليمين على ترك وطء المنكوحة مدة، مثل: والله لا أجامعك أربعة أشهر . (1)
إذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته مدة دون أربعة أشهر ، عليه أن يكفر عن يمينه ويطأ زوجته وهذا الأولى له .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها وليكفر عن يمينه" . (2)
وإذا حلف ألا يطأ زوجته أبداً ، أو أكثر من أربعة أشهر ، فلا يحق له ذلك فعليه أن يكفر ويعود إلى وطئها ، وإلا انتظرت الزوجة حتى تمضي أربعة أشهر فلها أن تطالبه بوطئها أو طلاقها ، لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } .
وعن نافع ، أن ابن عمر رضي الله عنهما، كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى : "لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق، كما أمر الله عز وجل" . (3)
باب
في الخلع
قال الله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } . (4)
الخلع : هو إزالة ملك النكاح بأخذ المال . (5)
وعرفه الفقهاء : بأنه فراق الرجل زوجته ببدل يأخذه منها .
__________
(1) )) التعريفات (1/59) .
(2) )) رواه مسلم برقم (1650) ، باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه .
(3) )) رواه البخاري برقم (4985) .
(4) )) سورة البقرة الآية (229) .
(5) )) التعريفات (1/135) .(1/363)
وقال ابن حجر : الخلع : بضم المعجمة وسكون اللام، وهو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب، لأن المرأة لباس الرجل، مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي . (1)
فإذا اشتد الخلاف بين الزوجين ولم يمكن التوفيق بينهما ورغبت المرأة في الفراق جاز لها أن تفدي نفسها من زوجها بمال تعويضاً له عن الضرر الذي يلحقه بفراقها . قال الله تعالى : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }
وقد ثبت ذلك في السنة المطهرة .
فعن عكرمة، عن بن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أتردين عليه حديقته؟"، قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أقبل الحديقة وطلقها تطليقة" . (2)
قال ابن قدامة: وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها لِخُلُقِهِ، أوخَلْقِهِ، أو دينه، أو كبرهن أو ضعفه، أو نحو ذلك وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه، لقوله الله تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به البقرة ..." .
ثم قال : وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام، قال ابن عبد البر : ولا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه زعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج النساء، الآية ..." . (3)
__________
(1) )) فتح الباري (9/395) .
(2) )) البخاري برقم (4971) ، باب الخلع .
(3) )) المغني (7/246) .(1/364)
وهل الخلع يعتد به في التطليقات أم لا، وجمهور من رأى أنه طلاق يجعله بائنا لأنه لو كان للزوج في العدة منه الرجعة عليها لم يكن لافتدائها معنى وقال أبو ثور: إن لم يكن بلفظ الطلاق لم يكن له عليها رجعة وإن كان بلفظ الطلاق كان له عليها الرجعة . (1)
وقال الشوكاني : وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع . (2)
باب
المحرمات من الرضاع
قال الله تعالى :
{ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } . (3)
وعن عروة، عن عائشة، أنها أخبرته أن عمها من الرضاعة يسمي افلح استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : "لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب". (4)
قال الشافعي: حرم الله عز وجل الأم والأخت من الرضاعة واحتمل تحريمهما معنيين: أحدهما إذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاعة مثله، وبهذا نقول القدرة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقياس على القرآن، والآخر أن يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما، ثم ذكر دلالة السنة لما اختار من المعنى الأول، قال الشافعي رحمه الله والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر منها إلى كمال إرضاع الحولين ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين، فاستدللنا أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض لا من لزمه اسم رضاع . (5)
__________
(1) )) بداية المجتهد (2/52) .
(2) )) نيل الأوطار (7/39) .
(3) )) سورة النساء الآية (23) .
(4) )) رواه البخاري برقم (2502) ، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم ، ومسلم برقم (1445) ، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل .
(5) )) الأم (5/24) .(1/365)
وعن بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بنت حمزة: "لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب هي بنت أخي من الرضاعة" . (1)
باب
عدد الرضعات المحرمات
عن عمرة عن عائشة أنها قالت ثم كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن . (2)
وفي رواية عنها: أنها سمعت عائشة تقول وهى تذكر الذي يحرم من الرضاعة قالت عمرة فقالت عائشة ثم نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات . (3)
باب
تحريم الجمع بين الأختين
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (2502) ، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم ، ومسلم برقم (1446) ، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة.
(2) )) روه مسلم برقم (1452) ، باب التحريم بخمس رضعات .
(3) )) روه مسلم برقم (1452) ، باب التحريم بخمس رضعات .(1/366)
عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها، قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان ، فقال: "أو تحبين ذلك"، فقلت: نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن ذلك لا يحل لي"، قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: "بنت أم سلمة"، قلت: "نعم"، فقال: "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن"، قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرحيبة، قال له: ماذا لقيت، قال: أبو لهب لم ألق أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة" . (1)
باب
تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها
عن الشعبي، سمع جابراً - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها " . (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" . (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4813) ، باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ، ومسلم برقم (1449) ، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة .
(2) )) رواه البخاري برقم (4819) ، باب لا تنكح المرأة على عمتها ، ومسلم برقم (1408) ، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح .
(3) )) رواه البخاري برقم (4820) ، باب لا تنكح المرأة على عمتها ، ومسلم برقم (1408) ، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح .(1/367)
قال الشافعي : ما نهى الله عن الجمع بينه من الأخوات وما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة والخالة وكل من نهى عن الجمع بينه . (1)
باب
في ملك اليمين
قال الله تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . (2)
سبب نزول الآية :
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا بالحق ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن" . (3)
قال النووي : والمراد بالمحصنات هنا المزوجات ومعناه والمزوجات حرام أزواجهن إلا ما ملكتم بالسبي فإنه ينفسخ نكاح زوجها الكافر وتحل لكم إذا انقضى استبراؤها والمراد بقوله إذا انقضت عدتهن أي استبراؤهن وهي بوضع الحمل عن الحامل وبحيضة من الحائل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة وأعلم إن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم فما دامت على دينها وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب عبدة الأوثان فيؤول هذا الحديث وشبهه على أنهن أسلمن وهذا التأويل لا بد منه والله أعلم . (4)
__________
(1) )) الأم (5/6) .
(2) )) سورة النساء الآية (24) .
(3) )) رواه مسلم برقم (1456) ، باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي .
(4) )) شرح النووي (10/35-36) .(1/368)
وعن زكريا عن الشعبي قال: نزلت يوم حنين، حدثنا ابن مسهر عن أشعث عن حسن: قال ذات زوج عليك حرام إلا ما ملكت يمينك .
وعن ابن جريج عن عطاء قال هو الزنا وقال مجاهد هو الزنا وقال عكرمة هو الزنا إلا ما ملكت أيمانكم .
وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سُبيت .
وقال : إلا ما ملكت أيمانكم ينزع الرجل وليدة امرأة عبده . (1)
وقال أنس - رضي الله عنه - : والمحصنات من النساء ذوات الأزواج الحرائر حرام إلا ما ملكت أيمانكم لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته من عبده . (2)
باب
النهي عن نكاح المشركة
ونهي المؤمنة عن نكاح المشرك
قال الله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } . (3)
عن نافع : أن بن عمر كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة ربها عيسى وهو عبد من عباد الله . (4)
__________
(1) )) هذه الآثار رواها ابن أبي شيبة في مصنف (3/5337) .
(2) )) صحيح البخاري (5/1963) ، باب ما يحل من النساء وما يحرم .
(3) )) سورة البقرة الآية (221) .
(4) )) رواه البخاري برقم (4981) ، باب قول الله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن .(1/369)
قال ابن حزم رحمه الله تعالى : فإنما حرم فيهن النكاح فقط والنكاح ليس إلا عقد الزواج أو الوطء فقط فإذا ملكناهن فلم تحرم علينا أعيانهن إذ لا نص في ذلك ولا إجماع وإنما حرم وطئهن فقط وبقي سائر ذلك على التحليل بملك اليمين كالمملوكة والحائض والمحرمة والصائمة فرضا والمعتكفة فرضا والحامل السيد ولا فرق فلما لم يكن في واحدة من العين كن فراشا الوطء فكان الوطء وإن كان حراما فهو في فراش لم يحرم فيه إلا الوطء فقط وكل وطء محرم العين فليس عهرا ولا زنى وإنما العهر ما كان العين فقط وبالله تعالى التوفيق . (1)
وقال تعالى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } . (2)
قال الإمام الطبري : يقول جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر ففارقتني والكوافر جمع كافرة والعصم جمع عصمة وهي ما اعتصم به من العقد والسبب وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان وأمر لهم بفراقهن . (3)
قال الشافعي : وقد قيل في هذه الآية إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن ننكح رجالهم المؤمنات .
وقال : وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المؤمنين على المشركين وفي مشركي أهل الأوثان فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن على كل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين وما لم يختلف الناس فيه علمته . (4)
باب
النهي عن نكاح الشغار
__________
(1) )) المحلى (11/255-256) .
(2) )) سورة الممتحنة الآية (10) .
(3) )) تفسير الطبري (28/71) .
(4) )) الأم (5/6) .(1/370)
الشِّغار: الطَّرْد، يقال: شَغَرُوا فلاناً عن بلده شَغْراً و شِغَاراً إِذا طَرَدُوهُ ونَفَوْهُ. والشِّغار، بكسر الشين: نكاح كان في الجاهلية، وهو أَن تُزوِّج الرجلَ امرأَةً ما كانت، على أَن يزوّجك أُخرى بغير مهر، وخص بعضهم به القرائب فقال: لا يكون الشِّغار إِلا أَن تنكحه وَلِيَّتك، على أن ينكحك وليَّته؛ وقد شَاغَرَهُ؛ الفراء: الشِّغار شِغَارُ المتناكحين، ونهى رسولا، عن الشِّغار؛ قال الشافعي وأَبو عبيد وغيرهما من العلماء: الشِّغار المنهي عنه أَن يزوّج الرجل الرجلَ حريمتَه على أَن يزوّجه المزوَّج حريمة له أُخرى، ويكون مهر كل واحدة بُضْعَ الأُخرى، كأَنهما رفعا المهر وأُخليا البضع عنه . (1)
ونكاح الشغار حرام ومبطل النكاح من أصله .
فعن نافع، عن بن عمر رضي الله عنهما ،"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق" . (2)
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن الرجل إذا كان له بنت ، وقال لرجل آخر عنده بنت أريد تزوج ولدي بنتك وأزوجك ابنتي ، بشرط أن يكون المبلغ الذي يسلمه كل واحد منا ألفين وخمسمائة ريال إلخ ... ؟
فأجاب : الحمد لله إذا زوج الرجل موليته وأخته ونحو ذلك على أن يزوجه الآخر موليته ولا صداق بينهما فهذا نكاح الشغار ، وهو حرام ، ومبطل النكاح من أصله ، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال :" نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق " متفق عليه . وأما إذا ذكر صداق لكل واحدة منهن ، وكان الصداق مستقلاً ، وغير قليل ، ولم يكن حيلة فهذا لا بأس به .
__________
(1) )) لسان العرب (4/417) .
(2) )) رواه البخاري برقم (4822) ، باب الشغار ، ومسلم برقم (1415) ، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه .(1/371)
إذا عرف هذا فإن كانت الألفان وخمسمائة المذكورة في السؤال يزوج بها كل واحد من الزوجين موليه الآخر على الانفراد صح وإلا فهو الشغار الممنوع . (1)
باب
نكاح الكتابيات
أباح الله سبحانه وتعالى لنا نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى، يرجى إسلامهن ، ولكن إذا كان هناك مفسدة من الزواج بالكتابية الأولى عدم الزواج ، كأن يتأثر هو بدينها ويتبعه، أو يخشى على أولاده أن يفقد السيطرة عليهم ويتأثروا بأمهم ويتنصروا أو يتهودوا، فإذا كان هذا موجوداً فالأولى أن لا يتزوج من أهل الكتاب لوجود المفسدة .
قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . (2)
باب
النهي عن المُحَلِّلِ والمُحَلَّل له
عن المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله المحلل والمحلل له" . (3)
__________
(1) ( صادرة عن الإفتاء 1242في 9/11/1377هـ ) ، فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/152، 153) .
(2) )) سورة المائدة الآية (5) .
(3) )) رواه أبو داود برقم (2076) ، باب في التحليل ، وان ماجة برقم (1934) ، باب المحلل والمحلل له ، والدارمي برقم (2258) ، باب في النهي عن التحليل ، والمنتقى لابن الجارود في النكاح برقم (684) ،والنسائي في الكبرى برقم (5536) .(1/372)
ورواه ابن مسعود - رضي الله عنه - . (1) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له" (2) .
قوله : المُحِلَّ والمُحَلَّ له، قال ابن منظور : وهو أَن يطلق الرجل امرأَته ثلاثاً فيتزوجها رجل آخر بشرط أَن يطلقها بعد مُوَاقَعته إِياها لتَحِلَّ للزوج الأَول. (3)
وسئل عمر بن الخطاب عن تحليل المرأة لزوجها فقال: "ذلك السفاح" (4) .
وقال إبراهيم النخعي: (إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة التحليل فنكاح الآخر باطل ولا تحل للأول).
وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها (الأول) فقال: (لا تحل له).
ومن قال بذلك مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والإمام أحمد وقال إسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك ؟ فقال: هو محلل وإذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
باب
النهي عن نكاح الزانية
قال الله تعالى : { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . (5)
سبب نزول الآية :
__________
(1) ، رواه النسائي (6/149)، والترمذي (3/428) رقم (1120)، وأحمد (1/448 و 462)، والدارمي (2/158)، وابن أبي شيبة (4/295)، والبيهقي (7/208)، وعبدالرزاق (6/269)، وابن راهويه كما في نصب الراية (3/293)، كلهم من حديث ابن مسعود، الإرواء (6/307).
(2) رواه ابن ماجة بإسناد جيد.
(3) )) لسان العرب (11/167) .
(4) الكبائر للذهبي.
(5) )) سورة النور الآية (3) .(1/373)
عبد بن حميد، حدثنا روح بن عبادة، عن عبيد الله بن الأخنس، أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : "كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت يخلو ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إلي عرفته، فقالت: مرثد ،فقلت: مرثد، فقالت: مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة، قال: قلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فطل بولهم على رأسي وأعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ففككت عنه كبله فجعلت أحمله ويعينني حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أنكح عناقا؟ فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد علي شيئا حتى نزلت: { الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فلا تنكحها" . (1)
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
رجل زنى بامرأة ، فهل يجوز له أن يتزوجها قبل أن تتوب وما المقصود بتوبتها هل هي إقامة الحد عليها أم التوبة المعروفة ؟ وإذا كانت التوبة الحد فنحن فب بلد لا يقام فيها الحدود فما حل هذه المسألة ؟
__________
(1) )) رواه الترمذي برقم (3177) ، باب ومن سورة النور ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .(1/374)
فأجاب : لا يتزوج الزاني بمن زنى بها إلا أن يتوبا إلى الله توبة نصوحاً على الوجه المعروف في التوبة ولابد من استبرئها قبل العقد عليها ليعلم أنها تحمل من الزنى فإن تبين أنها حامل لم يعقد عليها حتى تضع الحمل لأن ولد الزنى لا يلحق الزاني لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" الولد للفراش وللعاهر الحجر " . (1)
باب
النهي عن نكاح المتعة
المتعة : هو أنّ يُشارِط الرجل المرأة شَرْطاً على شىء بأجلِ معلوم يستحِلّ به فرَجْها ثم يفارقُها من غير تَزْويج ولا طلاق أُحِلّ ذلك للمسلمين بمكة ثلاثة أيام حين حَجّوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم حُرِّم وهي الآن حرام ومن فعل ذلك فهو زانٍ .
فعن الحسن بن محمد بن علي وأخوه عبد الله، عن أبيهما: أن عليا - صلى الله عليه وسلم - قال لابن عباس : "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر" . (2)
وعن سبرة الجهني - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيءٌ فليخل سبيله. ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".
وفي رواية لمسلم أيضاً عنه - رضي الله عنه - ، أنه قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها". (3)
__________
(1) من رسالة للشيخ بخطه عليها توقيعه بتاريخ 22/12/1405هـ عن فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين
( 2/779) .
(2) )) رواه البخاري برقم (4825) ، عن نكاح المتعة آخرا .
(3) أخرجه مسلم في كتاب النكاح (1406) ، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ إلى يوم القيامة .(1/375)
والشيعة الروافض جعلوا الزنا من دينهم وسموه بالمتعة ، وإن امرأة واحدة لتتمتع بخمسة رجال ولا يدري أحدهم بالآخر ، وقد ذكر بعض الثقات كما قدّمنا أن ثلاثة من علمائهم اجتمعوا للغسل في حمام واحد فسأل بعضهم بعضاً، فإذا الثلاثة قد زنوا تلك الليلة بإمرأة واحدة ولا يدري بعضهم ببعض ، ولله در القائل :
قال الروافض نحن أطيب مولداً
كذبوا على دين النبي محمد
أخذوا النساء تمتعاً فولدت من
تلك النساء فأين طيب المولد (1)
ثم نسبت الشيعة كذباً وزوراً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين ومن تمتع مرتين كانت درجته كدرجة الحسن ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي .
فاللهم إنا نبرأ إليك مما يدعي هؤلاء الثلة المارقة ونكل أمرهم إلى الله الجبار القهار، لا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم .
باب
عرض المرأة المؤمنة نفسها على الرجل الصالح
يجوز للمرأة المؤمنة أن تعرض نفسها على الرجل الصالح وتحرص على ذلك ، لأن المؤن يكرمها ولا يظلمها .
فعن محمد بن سلام، حدثنا بن فضيل، حدثنا هشام، عن أبيه، قال : "كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجي من تشاء منهن قلت يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" . (2)
__________
(1) ) ) مختصر التحفة الإثنى عشرية ، محمود شكري الآلوسي البغدادي.
(2) ) ) رواه البخاري برقم (4823)، باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد، ومسلم برقم (1464) ، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها .(1/376)
قال ابن حجر : قوله باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد، أي فيحل له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين: إحداهما: مجرد الهبة من دون ذكر مهر، والثاني: العقد بلفظ الهبة، فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح وأجازه الحنفية والأوزاعي ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وقال الأوزاعي: أن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح، وحجة الجمهور قوله تعالى خالصة لك من دون المؤمنين فعدلوا ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المال وأجاب المجيزون عن ذلك بان المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح أو التزويج لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث، وذهب الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات، واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد .اهـ. (1)
قال الشافعي: فسمى الله تبارك وتعالى النكاح اسمين النكاح والتزويج، وقال عز وجل: قال الله تعالى: { وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } . (2) ، فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون المؤمنين، والهبة والله تعالى أعلم نجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر، وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج ولا يقع بكلام غيرهما وإن كانت معه نية التزويج وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية .اهـ. (3)
باب
عرض الرجل ابنته أو أخته على الرجل الصالح
__________
(1) )) فتح الباري (9/164) .
(2) )) سورة الأحزاب الآية (50) .
(3) )) الأم (5/37).(1/377)
قال الله تعالى : { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } . (1)
عن سالم بن عبد الله، أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحدث : أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدرا توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت : نعم ، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها لقبلتها. (2)
__________
(1) )) سورة القصص الآية (27) .
(2) )) رواه البخاري برقم (3783) .(1/378)
سفيان أخبرتها أنها، قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت أبي سفيان ، فقال: "أو تحبين ذلك"، فقلت: نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن ذلك لا يحل لي"، قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: "بنت أم سلمة"، قلت: "نعم"، فقال: "لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن"، قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرِّ حِيبةٍ، قال له: ماذا لقيت، قال: أبو لهب لم ألق أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة" . (1)
قوله : بشرِّ حِيبةٍ ، أي بسوء حال .
عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله مالك تنوَّق في قريش وتدعنا، فقال: "وعندكم شيء"، قلت: نعم بنت حمزة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة" . (2)
قوله : تنوَّق ، أي تختار وتبالغ في الاختيار .
باب
نظر الرجل إلى من يريد الزواج منها
عن أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنظرت إليها؟" قال: لا ، قال: "فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" . (3)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4813) ، باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ، ومسلم برقم (1449) ، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة .
(2) )) رواه مسلم برقم (1446) ، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة .
(3) )) رواه مسلم برقم (1424) ، باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها .(1/379)
وعن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: "فهل عندك من شيء؟" فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا"، فذهب ثم رجع، فقال : لا والله ما وجدت شيئا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "انظر ولو خاتم من حديد" ، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتم من حديد ولكن هذا إزاري، قال سهل: ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء"، والحاصل الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا فأمر به فدعى فلما جاء، قال: "ماذا معك من القرآن؟" قال: معي سورة كذا وسورة كذا عددها، فقال: "تقرؤهن عن ظهر قلبك؟" قال: نعم، قال : "اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن" . (1)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (833) ، باب قول الله جل وعز ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ، ومسلم برقم (1425) ، باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها .(1/380)
قال الصنعاني : دلت الأحاديث على أنه يندب تقديم النظر إلى من يريد نكاحها وهو قول جماهير العلماء، والنظر إلى الوجه والكفين لأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده والكفين على خصوبة البدن أو عدمها وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم، وقال داود ينظر إلى جميع بدنها والحديث مطلق فينظر إلى ما يحصل له إليه ويدل على فهم الصحابة لذلك ما رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور أن عمر كشف عن ساق أم كلثوم بنت علي لما بعث بها إليه لينظرها، ولا يشترط رضا المرأة بذلك النظر بل له أن يفعل ذلك على غفلتها كما فعله جابر . اهـ. (1)
باب
موعظة الرجل ابنته لحال زوجها
__________
(1) )) سبل السلام (3/113) .(1/381)
عن بن عباس رضي الله عنهما، قال:لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله تعالى { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } ، حتى حج عمر وحججت معه فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرز ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال الله عز وجل لهما إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، قال عمر: وا عجبا لك يا بن عباس، قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه، قال: هي حفصة وعائشة، ثم أخذ يسوق الحديث قال: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال وكان منزلي في بنى أمية بن زيد بالعوالي فتغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني، فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل قالت: نعم ، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك يريد عائشة، قال: وكان لي جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبي ثم أتاني عشاء فضرب بأبي ثم ناداني فخرجت إليه، فقال : حدث أمر عظيم، قلت: ماذا أجاءت غسان؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأطول طلق النبي - صلى الله عليه(1/382)
وسلم - نساءه، فقلت: قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهى تبكي فقلت أطلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: لا أدرى ها هو ذا معتزل في هذه المشربة ، فأتيت غلاما له أسود فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى، فقال : قد ذكرتك له فصمت فانطلقت حتى انتهيت إلى المنبر فجلست فإذا عنده رهط جلوس يبكى بعضهم فجلست قليلا ثم غلبنى ما أجد ثم أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى، فقال : قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال : ادخل فقد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو متكي على رمل حصير قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلى وقال: "لا"، فقلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت: ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك فتبسم أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله قال: "نعم" فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبةٍ ثلاثة، فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا ثم قال: "أفي شك أنت يا بن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا"، فقلت: استغفر لي يا رسول الله وكان(1/383)
أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا، فقال: "الشهر تسع وعشرون" فكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة، قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة . (1)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث الاعتماد على خبر الواحد ، والعمل بمراسيل الصحابة ، وفيه: أن الطالب لا يغفل عن النظر في أمر معاشه ليستعين على طلب العلم وغيره مع أخذه الحزم في السؤال عما يفوته يوم غيبته لما علم من حال عمر أنه كان يتعانى التجارة إذ ذاك كما سيأتي في البيوع ، وفيه أن شرط التواتر أن يكون مستند نقلته الأمر المحسوس لا الإشاعة التي لا يدري من بدأ بها . اهـ . (2)
باب
في العدة
العدة : بالضم ما أعددته لحوادث الدهر،
والعدة: تربص يلزم المرأة ثم زوال النكاح، ويقال: تربص المرأة مدة معلومة يعلم بها براءة رحمها عن فرقة حياة بطلاق أو فسخ أو لعان أو شبهة أو وضع أو تفجعا عن فرقة وفاة . (3)
أنواعها :
1- عدة الوفاة .
ممن مات عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرا .
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } . (4)
إلا أن تكون المدخول بها حاملاً ، فعدتها بوضع الحمل .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (4895) ، باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها ، ومسلم برقم (1479) ، باب في الإبلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى وإن تظاهرا عليه .
(2) )) فتح الباري (1/186) .
(3) )) التعريفات (1/506) .
(4) )) سورة البقرة الآية (234) .(1/384)
قال الله تعالى : { وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } . (1)
وعن المسور بن مخرمة : "أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها
بليال ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت" . (2)
2- الطلاق .
عدة المطلقة المدخول بها إذا كانت حاملا ً فعدتها بوضع الحمل ، لقوله تعالى : { وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } . (3)
وعن الزبير بن العوام : "أنه كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة ، فقالت له وهي حامل : طيب نفسي بتطليقة ، فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت فقال : مالها خدعتني خدعها الله ؟! ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " سبق الكتاب أجلة ، أخطبها إلى نفسها " . (4)
وإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيض، لقوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } . (5)
والقرء هو الحيضة ، لحديث عائشة رضي الله عنها : " أن أم حبيبة كانت تستحاض ،فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها " . (6)
فإن كانت صغيرة لا تحيض ، أو كبيرة قد يئست من الحيض ، فعدتها ثلاثة أشهر .
قال الله تعالى : { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } . (7)
أسئلة تطبيقية في النكاح :
العلاقات العاطفية قبل الزواج
__________
(1) )) سورة الطلاق الآية (4) .
(2) )) رواه البخاري برقم (5014) ، باب وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، ومسلم برقم (1485) ، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل .
(3) )) سورة الطلاق الآية (4) .
(4) )) صحيح ابن ماجة برقم (1646) .
(5) )) سورة البقرة الآية (228) .
(6) )) رواه أبو داود برقم (278) ، صحيح أبي داود برقم (252) .
(7) )) سورة الطلاق الآية (4) .(1/385)
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين : ما رأي الدين في العلاقات قبل الزواج ؟
فأجاب : قول السائلة قبل الزواج إن أرادت قبل الدُّخول وبعد العقد فلا حرج لأنها بالعقد تكون زوجته وإن لم تحصل مراسيم الدخول وأما إن كان قبل العقد أثناء الخطبة أو قبل ذلك فإنه محرم ولا يجوز فلا يجوز لإنسان أن يستمتع مع امرأة أجنبية منه لا بكلام ولا نظر ولا بخلوة فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :" لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم " .
والحاصل أنه إذا كان هذا الاجتماع بعد العقد فلا حرج فيه وإن كان قبل العقد ولو بعد الخطبة والقبول فإنه لا يجوز وهو حرام عليه لأنها أجنبية وحتى يعقد عليها . (1)
من أسباب الطلاق عدم رؤية المخطوبة
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز :
من أسباب الطلاق عدم رؤية الزوج لزوجته قبل الدخول عليها ، وديننا الإسلامي قد أباح ذلك فما تعليق سماحتكم حول هذا الموضوع ؟
فأجاب : لا شك أن عدم رؤية الزوج للمرأة قبل النكاح قد يكون من أسباب الطلاق ، إذا وجدها خلاف ما وصفت له . ولهذا شرع الله سبحانه للزوج أن يرى المرأة قبل الزواج حيث أمكن ذلك . فقال - صلى الله عليه وسلم - :" إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ، فإن ذلك أحرى إلى أن يؤدم بينهما " رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن وصححه الحاكم من حديث جابر - رضي الله عنه - .
وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - : أنه خطب امرأة فقال - صلى الله عليه وسلم - :" انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .
__________
(1) المسلمون (10) .(1/386)
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رجلاً ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب امرأة فقال له - صلى الله عليه وسلم - :" أنظرت إليها ؟ قال : لا قال اذهب فانظر إليها "، وهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على شرعية النظر للمخطوبة قبل عقد النكاح لأن ذلك أقرب إلى التوفيق وحسن العاقبة .
وهذا من محاسن الشريعة التي جاءت ما فيه صلاح العباد وسعادة المجتمع في العاجل والآجل فسبحان الذي شرعها وأحكمها وجعلها كسفينة نوح من ثبت نجا ومن خرج عنها هلك . (1)
لبس الدبلة للخاطب
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
ما حكم لبس ما يسمى بالدبلة ، في اليد اليمنى للخاطب واليسرى للمتزوج ، علماً أن هذه الدبلة من غير الذهب ؟
فأجاب : لا نعلم لهذا العمل أصلاً في الشرع ، والأولى ترك ذلك سواء كانت الدبلة من فضة أو غيرها ، لكن إذا كانت من الذهب فهي حرام على الرجل ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال عن التختم بالذهب . (2)
هل يجوز للأب أن يأخذ من صداق ابنته شيئاً ؟
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
هل يجوز للأب أن يأخذ من صداق ابنته شيئاً ؟
فأجاب : للأب أن يأخذ من صداق ابنته ما شاء ولو كان أكثره لأن له أن يتملك من مالها ، فكيف بصداقها والله أعلم . (3)
إذا تزوج بصداق بعضه مؤجل بالموت أو الفراق
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
لا يحل إلا بموت أو فراق ، فهل يصح ؟
__________
(1) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/207ن 208) لسماحة الشيخ ابن باز .
(2) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/208، 209) لسماحة الشيخ ابن باز .
(3) الفتاوى السعدية ص(501) .(1/387)
فأجاب : هذا التأجيل صحيح ، سواء تلفظوا به أو جرت عادتهم المطردة بذلك ، وعلى ذلك ، فليس للمرأة ولا لأهلها المطالبة في المؤجل والزوجة في حباله ، وليس لها الامتناع حتى تقبض الصداق المؤجل لأنهم اتفقوا وقت العقد على تأجيله التأجيل المذكور ، وإذا ذهبت إلى أهلها ، وقالوا : لا نسلمها حتى يسلم الزوج الصداق، فليس لهم ذلك وامتناعهم عن تسليمها بغير حق ، ولو استمرت على هذا الامتناع بهذه الحجة فقط ، فليس لها على الزوج نفقة ، لأنها ناشز ، والناشز بغير حق ليس لها نفقة . (1)
تزويج البنت بدون مهر
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز :
هل يجوز للمسلم أن يزوج ابنته لرجل لوجه الله تعالى ولا يأخذ مهراً في ذلك ؟
فأجاب : لابد في النكاح من وجود المال لقوله سبحانه وتعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم } . (2) وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سهل بن سعد المتفق على صحته للذي خطب المرأة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - :" التمس ولو خاتماً من حديد " ومتى تزوج إنسان على غير مهر وجب للمرأة مهر المثل ، ويجوز أن يتزوج على تعليم المرأة شيئاً من القرآن أو الحديث أو شيئاً معلوماً من العلوم النافعة ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج الخاطب المذكور المرأة الواهبة على أن يعلمها من القرآن لما لم يجد مالاً . والمهر حق للمرأة فمتى تنازلت عنه بعد ذلك وهي رشيدة صح ذلك لقول الله عز وجل : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } . (3)
هل يجوز للبكر الزواج دون إذن والدها
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
__________
(1) الفتاوى السعدية ص( 502) .
(2) سورة النساء آية ( 24) .
(3) سورة النساء آية ( 4) .(1/388)
هل يجوز للبكر الزواج دون إذن والدها ؟ وما حكم الشرع في المكالمات الهاتفية والرسائل في حدود الصداقة بين الشاب والشابة ؟
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تتزوج دون إذن والدها ، لأنه ولها وهو أحسن نظراً منها ، ولكن لا يجوز للأب أن يمنع تزويج ابنته من الكفء الصالح .
قال - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته ؛ فزوجوه ، إلا تفعلوه ؛ فتنة في الأرض وفساد كبير " .
ولا ينبغي للبنت أن تصر على الزواج من شخص لا يرتضيه والدها ؛ لأن الوالد أبعد نظراً منها ، ولأنه لا تدري ؛ لعل الخيرة في عدم التزوج منه ، والله تعالى يقول : { وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } . (1) وعليها أن تسأل الله أن يختار لها الصالح .
ولا يجوز للفتاة أن يكون بينها وبين أحد الشباب مكالمات ورسائل ؛ لأن هذا قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه ، ويطمع فيها هؤلاء الشباب ، ولأن هذا يذهب الحياء من الفتاة ، وفيه من المحاذير الشيء الكثير . (2)
الولاية للجد قبل الأخوة
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن زواج يتيمة زوّجها جدها أبو أبيها نظراً لغيبة أمها ، وتسأل هل يصح مع عدم حضور الأخ ؟
فأجاب : الولاية للجد ، وليس للإخوة ولاية على أخواتهم حضروا أم غابوا مع وجود جدهن ، إذ هو بمنزلة الأب . (3)
إذا لم يوجد للمرأة ولي فقاضي
البلد الذي تقيم فيه
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن امرأة صومالية في الدمام تريد الزواج من رجل صومالي وليس لها ولي في هذا البلد ؟
__________
(1) سورة البقرة آية ( 216) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/218،219) .
(3) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/ 92) ، ( صادرة عن الإفتاء 624 في 24/8/1376هـ ) .(1/389)
فأجاب : نفيدكم أنه إذا كانت المرأة معدومة الولي أو وليها بعيد لا يمكن التوصيل إليه إلا بمشقة فإن قاضي البلد الذي تقيم فيه المرأة هو الذي يتولى تزويجها ، فتحال هذه المعاملة إلى قاضي الدمام ليجري ما يلزم من الوجهة الشرعية . (1)
هل يجوز إجبار البنت على التزويج
بمن لا ترضاه ؟
وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي :
هل يجوز إجبار البنت على تزويجها بمن لا ترضاه ؟
فأجاب : لا يجبرها أبوها ، ولا تجبرها أمها على تزويجها ، ولو أنهما يرتضيان لدينه . (2)
باب الشروط في النكاح
إذا شرطت طلاق ضرتها
في «الصحيحين»: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «إن أَحَق الشُّرُوط أَن تُوَفُّوا ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ». (3)
وفيهما عنه : «لا تَسأل المَرأَةُ طَلاَقَ أُختها لتَستَفرغَ صَحفَتَها ولتَنكحَ، فإنما لَهَا ما قُدرَ لَها».
وفيهما: أنه نهى أن تَشتَرطَ المرأةُ طلاقَ أختها.
وفي مسند أحمد: عنه : «لا يَحلُّ أَن تُنكَحَ امرَأَةٌ بطَلاق أُخرى».
قال ابن قيم الجوزية : فتضمن هذا الحكمُ وجوبَ الوفاء بالشروط التي شُرطَت في العقد إذا لم تتضمن تَغييراً لحكم الله ورسوله.
وقد اتُّفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله والضمين والرهن به، ونحو ذلك، وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء، والإنفاق، والخلو عن المهر، ونحو ذلك.
واختُلفَ في شرط الإقامة في بلد الزوجة، وشرط دار الزوجة، وأن لا يتسرى عليها، ولا يتزوجَ عليها، فأوجب أحمدُ وغيرُه الوفاء به، ومتى لم يَف به فلها الفسخُ عند أحمد.
__________
(1) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (10/93) ، ( صادرة عن الإفتاء 624في 24/8/1376هـ ) .
(2) رواه البخاري برقم (2527)، ومسلم برقم (1418) .
(3) الفتاوى السعدية ص( 489) .(1/390)
واختُلفَ في اشتراط البكارة والنسب، والجمال والسلامة من العيوب التي لا يُفسخ بها النكاحُ، وهل يؤثرُ عدمُها في فسخه؟ على ثلاثة أقوال. ثالثها: الفسخ عند عدم النسب خاصة.
وتضمن حكمُه بطلانَ اشتراط المرأة طلاقَ أختها، وأنه لا يجب الوفاءُ به، فإن قيل؛ فما الفرق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها حتى صححتم هذا، وأبطلتم شرط طلاق الضرة؟ قيل: الفرقُ بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها، وكسر قلبها، وخراب بيتها، وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاحها، ونكاح غيرها، وقد فرق النصُّ بينهما، فقياس أحدهما على الآخر فاسد .اهـ (1)
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن طلاقه لزوجته الأولى وذكر أن زوجته الأخيرة اشترطت عليه طلاق زوجته الأولى فطلقها وفاء بهذا الشرط ، ويريد الآن أن يراجعها ، ويسأل هل الشرع يجيز مثل هذا الشرط ، وهل يلزمونه بالوفاء به ؟
فأجاب : الحمد لله . الكلام على هذا من ناحيتين :
الأولى : هل يجوز اشتراط هذا الشرط ، أم لا ؟
فالحديث الوارد في هذا صريح بعدم الجواز وهو " نهيه - صلى الله عليه وسلم - المرأة أن تطلب طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها " .
والناحية الثانية : هل يلزم الزوج بما التزم به وشرط عليه أم لا يلزم به ؟
والجواب : الظاهر ـ والله أعلم ـ أن المرأة ووليها جاهلين ما ورد في هذا من النهي فلهما المطالبة به ، ويلزم الزوج بالوفاء به لحديث : " إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحلت به الفروج " .
__________
(1) زاد المعاد، فصل في حُكمه في الشُّروط في النكاح .(1/391)
فإن لم يف به فلها الفسخ . وإن كانت عالمة بالنهي الوارد في ذلك فلا فسخ ولا يحق لها المطالبة به ؛ لأنها عالمة بأن ذلك لا يجوز ويستدل بقصة بريرة حينما اشترتها عائشة واشترط بعدها ولاءها فقال - صلى الله عليه وسلم - :" كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط " الحديث . والله أعلم . (1)
اشترطت هي أو أهلها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
عن الزوج الذي اشترط عليه ولي زوجته بقاءها في بلدها وعدم انتقالها مع زوجها إلى بلد آخر إلى آخره ؟
فأجاب : أن اشتراط الزوجة أو وليها على الزوج أن لا يخرجها من دارها أو من بلدها شرط صحيح لازم يتعين العمل به ؛ لما روى عقبة بن عامر مرفوعاً :" إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " رواه الشيخان . وروي الأثرم بإسناده أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها ، فإراد نقلها ، فخاصموه إلى عمر - رضي الله عنه - ، فقال : لها شرطها .لكن إن رضيت الزوجة بالانتقال معه فالحق لها وإذا أسقطته سقط.وهذه القضية إن كان فيها مخاصمة فترد إلى المحكمة الشرعية بطرفكم لإنهائها وحسم النزاع بين الخصوم . (2)
لا يجوز زف العريس مع العروسة
وسئل عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
هل يجوز زف العريس بين النساء في الأفراح ؟
فأجاب : لا يجوز هذا الفعل فإنه دليل نزع الحياء وتقليد لأهل الخنا والشر بل الأمر واضح فإن العروس تستحي أن تبرز أمام الناس فكيف تزف أمام الأشهاد . (3)
حكم الزغرطة
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم الزغرطة " التلوولش " ، وهو صوت تطلقه المرأة عند الفرح ؟
__________
(1) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/144، 145) .
(2) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ( 10/146، 147) ، ( صادرة عن الإفتاء 1028في 8/7/1383هـ ) .
(3) فتاوى المرأة ص( 46) .(1/392)
فأجاب : لا يجوز للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال ؛ لأن في صوتها فتنة ؛ لا بالزغرطة ، ولا غيرها ، ثم إن الزغرطة ليست معروفة عند كثير من المسلمين لا قديماً ولا حديثاً ؛ فهي من العادات السيئة التي ينبغي تركها ، ولما تدل عليه أيضاً من قلة الحياء . (1)
حكم رقص النساء في العرس فيما بينهن
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم رقص النساء فيما بينهن في العرس وغيره أفتونا أثابكم الله ؟
فأجاب : لا بأس برقص النساء بمناسبة الزواج وضربهن بالدف مع شيء من الغناء النزيه ؛ لأن هذا من إعلان الزواج المأمور به شرعاً ، لكن بشرط أن يكون ذلك في محيط النساء فقط ، وبصوت لا يرتفع ويتجاوز مكانهن ، وبشرط التستر الكامل ؛ بحيث لا يبدو شيء من عورة المرأة في حالة الرقص ؛ كسيقانها وذراعيها وعضديها ، وإنما يبدو منها ما جرت عادة المرأة المسلمة بكشفه في في حضرة النساء . (2)
يمنع زوجته من الذهاب لأهلها
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم الرجل يمنع زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها إذا كانوا يقومون بإثارة المشاكل والتدخل في حياة الزوجين ؟ وما الحد الأدنى المطلوب من الزوجة لصلة رحمها ؟ وهل يكتفي بالرسالة والمكالمة فقط ؟
فأجاب : نعم ، يحق للرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى أهلها إذا كان يترتب على ذهابها إليهم مفسدة في دينها أو في حق زوجها ؛ لأن في منعها من الذهاب في هذه الحالة درءاً للمفسدة ، وبإمكان المرأة أن تصل أهلها بغير الذهاب إليهم في هذه الحالة ، بل عن طريق المراسلة أو المكالمة الهاتفية إذا لم يترتب عليها محذور ؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } . (3) والله أعلم .
__________
(1) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/155) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/ 171، 172) .
(3) سورة التغابن آية ( 16).(1/393)
إذا أطلق أحد الزوجين على الآخر اللعنة ؟
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
إذا أطلق أحد الزوجين على الآخر اللعنة هل يصح لهما العشرة بعد ذلك ، وهل يقام الحد عليهما ؟
فأجاب : لا شك أن التلاعن بين المسلمين حرام ومنكر إلا أنه ليس له عقوبة محددة كعقوبات الزنا والسرقة وغيرها بل عقوبته التعزيز إذا بلغ ولي الأمر بما يراه زاجراً رادعاً كما أنه لا يؤثر على صحة المعاشرة الزوجية . (1)
نصيحة للنساء اللاتي تأخر زواجهن
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
أريد أن أستشير فضيلتكم في أمر يخصني أنا وسائر أخواتي البنات إلا وهو أنه قد كتب علينا أن نظل بلا زواج ، وقد تخطينا سن الزواج ، واقتربنا من سن اليأس ، هذا مع العلم ولله الحمد والله على ما أقول شهيد فنحن على درجة من الأخلاق ، وحصلنا على شهادات جامعية جميعنا ، ولكن هذا هو نصيبنا والحمد لله ـ ولكن الناحية المادية هي التي لا تشجع احد أن يتقدم لزواجنا ، فإن ظروف الزواج وخاصة في بلدنا يقوم على المشاركة بين الزوجين باعتبار ما سيكون في المستقبل . أرجو نصيحتي وتوجيهي أنا وأخواتي ؟
__________
(1) ( صادرة عن الإفتاء 993ـ 1 في 17/4/1385هـ ) ، فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (10/ 267) .(1/394)
فأجاب : النصيحة التي أوجهها إلى مثل هؤلاء النساء اللاتي تأخرن عن الزواج هي كما أشارت إليه السائلة أن يلجأن إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع إليه بأن يهئ لهن من يرضى دينه وخلقه ، وإذا صدق الإنسان العزيمة في التوجه إلى الله ، واللجوء إليه ، وأتى بآداب الدعاء ، وتخلى عن موانع الإجابة ، فإن الله تعالى يقول : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } . (1) { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . (2) فرتب سبحانه وتعالى الإجابة على الدعاء بعد أن يستجيب المرء لله ، ويؤمن به ، فلا أرى شيئاً أقوى من اللجوء إلى الله عز وجل ، ودعائه والتضرع إليه وانتظار الفرج ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :" واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً " وأسأل الله تعالى لهن ولأمثالهن أن ييسر لهن الأمر وأن يهيء لهن الرجال الصالحين ، الذي يريدونهن على صلاح الدين والدنيا . والله أعلم . (3)
كتاب
اللباس والزينة
باب
نهي المرأة عن التبرج
قال الله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } . (4)
__________
(1) سورة البقرة آية ( 186) .
(2) سورة غافر آية ( 60) .
(3) فتاوى فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/769) .
(4) )) سورة الأحزاب الآية (33) .(1/395)
قوله : وقرن في بيوتكن، قال ابن كثير: أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات" (1) ، وفي رواية: "وبيوتهن خير لهن". (2)
قوله : تفلات : أي غير متطيبات .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبايعه على الإسلام، فقال:
"أبايعك عن أن لا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى" . (3)
قال الإمام الذهبي رحمه الله: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر والحرير والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت.
وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة.
باب
في الزينة التي تبديها المرأة والتي تخفيها
__________
(1) )) صحيح ابن خزيمة برقم (1679) ، باب الأمر بخروج النساء إلى المساجد تفلات ، وموارد الظمآن برقم (326) ، باب دخول النساء المسجد وصلاتهن فيه وفي بيوتهن ، وابن حبان برقم (1211) ، والدارمي برقم (1279) ، باب النهي عن منع النساء عن المساجد وكيف يخرجن إذا خرجن ،
(2) )) تفسير ابن كثير (3/483) .
(3) )) رواه الإمام أحمد في المسند برقم (6850) .(1/396)
وقال تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . (1)
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } : ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال، ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة، وهذا في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل . (2)
وعن صفية بنت شيبة، أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : "لما نزلت هذه الآية وليضربن بخمرهن على جيوبهن أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها" . (3)
__________
(1) )) سورة النور الآية (31) .
(2) )) نيل الأوطار (6/248) .
(3) )) رواه البخاري برقم (4481) ، باب وليضربن بخمرهن على جيوبهن .(1/397)
قال ابن حجر رحمه الله : وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التمتع، قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار ، والخمار للمرأة كالعمامة للرجل، قوله في الرواية الثانية، عن الحسن هو بن مسلم قوله: لما نزلت هذه الآية { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } ، أخذن أزرهن . اهـ. (1)
حكم لبس الخلخال في القدم
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
ما حكم لبس الخلخال في القدم للزينة ؟
فأجاب : يجوز لبس الخلخال في الساق للجمال لكن لا تحركه أمام الأجانب لتظهر ذلك لهم كما قال تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ } . (2) (3)
باب
التحذير من إظهار المرأة زينتها إلا لمن استثناهم الله
والتحذير من خروجها متعطرة
قال الله تعالى: { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } (4) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها.أ.هـ. تيسير الكريم الرحمن.
وقوله: { ولا يبدين زينتهن } أي الباطنة كالوجه والعنق والحلي والكفين، فلا يجوز لها إظهار هذه الزينة إلا لمن استثناهم الله عز وجل.
ثم قال تعالى: { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } (5) .
قال ابن سعدي: أي: لا يضربن بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي،
كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة .اهـ . (6)
__________
(1) )) فتح الباري (8/489) .
(2) سورة النور آية ( 31) .
(3) اليمامة( 902) .
(4) سورة النور الآية (31).
(5) سورة النور الآية (31).
(6) ) ) تيسير الكريم الرحمن (5/412) .(1/398)
وعن أَبي مُوسَى ، عن النبيِّ قالَ: «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بالمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً» . (1)
وعن موسى بن يسار قال: مرت بأبي هريرة امرأةٌ وريحُها تَعصِفُ، فقال لها: أين تريدين يا أمةَ الجبار؟ قالت: إلى المسجد. قال: وتطيَّبْتِ؟ قالت: نعم. قال: فارْجعي فاغتسلي، فإنني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقبل الله من امرأةٍ صلاةَ خرجَتْ إلى المسجد وريحُها تَعْصِفُ حتى ترجع فتَغْتَسِلَ" (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهدَنَّ مَعنا العِشاءَ -قال ابن نفيل:- الآخِرَةَ" (3) .
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حكم تعطر المرأة وتزينها وخروجها من بيتها إلى مدرستها مباشرة هل لها أن تفعل هذا الفعل وما هي الزينة التي تحرم على المرأة عند النساء يعني ما هي الزينة التي لا يجوز إبداؤها للنساء ؟
__________
(1) ) ) رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (19338) ، وأبو داود في سننه برقم (2863) ، والنسائي في الصغرى برقم (5110)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ. صحيح الترغيب رقم (2019).
(2) صحيح ابن خزيمة (3/91) وصحيح الترغيب رقم (2020) .
(3) صحيح الترغيب رقم (2021) .(1/399)
فأجاب : خروج المرأة متطيبة إلى السوق محرم لما في ذلك من الفتنة أما إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر الريح عنده وستنزل فوراً بدون أن يكون هناك رجال حول المدرسة فهذا لا بأس به لأنه ليس في هذا محذور فهي في سيارتها كأنها في بيتها ولهذا لا يحل للإنسان أن يمكن امرأته أو من له ولاية عليها أن تركب وحدها مع السائق لأن هذه خلوة ، أما إذا كانت ستمر إلى جانب الرجال فإنه لا يحل لها أن تتطيب وبهذه المناسبة أود أن أذكر النساء بأن بعضهن في أيام رمضان تأتي بالطيب معها وتعطيه النساء فتخرج النساء من المسجد وهن متطيبات بالبخور وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء " ولكن لا بأس أن تأتي بالبخور لتطيب المسجد أما بالنسبة للزينة التي تظهرها للنساء فإن كل ما اعتيد بين النساء من الزينة المباحة فهي حلال وأما التي لا تحل كما لو كان الثوب خفيفاً جداً يصف البشرة أو كان ضيقاً جداً يبين مفاتن المرأة فإن ذلك لا يجوز لدخوله في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد .. وذكر : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها " . (1)
باب
التحذير من ارتداء الملابس التي عليها صلبان أو تصاوير
انتشر بين الناس وخصوصاً الشباب والشابات منهم إلا من رحم الله ارتداء الملابس التي عليها صور أو صليب، ونرى بعض الشباب يدخلون المسجد وهم يرتدون ملابس عليها تصاوير أو صلبان.
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/ 834) .(1/400)
فعن عائشة رضي الله عنها: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالباب فلم يدخل، فقلت أتوب إلى الله مما آذيت. قال: "ما هذه النمرقة؟" قالت: لتجلس عليها وتوسدها. قال: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه الصورة" (1) .
وعنها قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه، وقال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين" (2) .
القِرام : السِتْر الرقيق، وقيل: الصَّفيق من صوف ذي ألْوان والإضافة فيه كقولك ثَوبُ قميصٍ، وقيل القِرام السِتر الرقيق وراء السِتْر الغليظ ولذلك أضاف . (3)
وعن عمران بن حطان، أن عائشة رضي الله عنها، حدثته: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه" (4) .
نقضه : أي نبذه ونكثه وألقاه .
يتبين لنا فيما سبق أن التصاوير من ذوات الأرواح أو الصلبان إذا كانت على الملابس أو الستائر أو نحوها، لا يجوز لبسها أو تعليقها، فالواجب طمسها ونقضها.
فهل تصح صلاة من صلى بلباس فيه تصاوير أو صلبان؟
أجابت اللجنة الدائمة: لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طيور أو أنعام أو غيرها من ذوات الأرواح، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي.
__________
(1) رواه البخاري برقم (5957)، ومسلم برقم (2107) .
(2) رواه البخاري برقم (5954)، ومسلم برقم (2107) .
(3) )) النهاية في غريب الحديث (4/49) .
(4) رواه البخاري برقم (5952) .(1/401)
وفي جواب آخر لها عن لبس الساعة أو صليب قالت اللجنة: لا يجوز لبس الساعة أو صليب لا في الصلاة ولا في غيرها حتى يزال الصليب بحك أو بوية تستره، لكن لو صلى وهي عليه فصلاته صحيحة. والواجب عليه البدار بإزالة الصليب، لأنه من شعار النصارى، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بهم (1) .
أما الصور التي تكون على النقود أو الأوراق الرسمية كالبطاقة الشخصية ونحوها، فلها حكم الضرورة، ولا تدخل في النهي والله أعلم.
باب
إباحة الذهب والحرير للنساء وتحريمهما على الرجال
قال الله تعالى: { ولباس التقوى ذلك خير } (2) .
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" (3) .
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة" (4) .
الخلاق: النصيب.
عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "إن الله أحل لإناث أمتي الحرير والذهب ، وحرمه على ذكورها". وفي لفظ : "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم" . (5) .
وعن حذيفة ، قال : "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير والديباج ، وأن يجلس عليه ، وقال : هو لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة". (6) .
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة رقم (3932) (6/178) .
(2) سورة الأعراف الآية (26) .
(3) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5834)، ورواه مسلم في كتاب اللباس برقم (2073) .
(4) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم 5835)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2068) .
(5) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (19930)، والنسائي (8/161) في الزينة : باب تحريم الذهب على الرجال ، والترمذي (1720) في اللباس .
(6) أخرجه البخاري (10/242) في اللباس :باب لبس الحرير للرجال .(1/402)
والحرير من الأدوية الحيوانية لخروجه من حيوان .ومن خاصته تقوية القلب وتفريحه ، ينفع من كثيرٍ من أمراضهِ ومن علة المرة السوداء الحادث عنها ، وهو مقوّ للبصر اكتحل به ، والخام منه وهو المستعمل في صناعة الطب حار يابس في الأولى ،وقيل : رطبٌ فيها وقيل : معتدل يُربي اللحم.
والحكة لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة ، فلذلك كانت ثياب الحرير نافعة فيها .وهي أبعد عن قبول تولّد القمل فيها إذا كان مزاجها مخالفاً لمزاج ما يتولد منه القمل ، الآداب الشرعية (3/ص5).
باب
تحذير المترجلة من النساء والمخنث من الرجال
قال الله تعالى: { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله الرجلة من النساء" (2) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنَّثينَ من الرجالِ والمترجلات من النساء" .
وقال: "أخرجوهم من بيوتكم".
قال: فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلاناً، وأخرج عمر فلاناً (3) .
فيه لعن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووعيد شديد لهذا الصنف من الناس.
(المخنث) بفتح النون وكسرها: مَنْ فيه انخناث وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء لا الذي يأتي الفاحشة الكبرى.
والمترجلات: اللاتي يتشبهن بالرجال في الحركة والكلام والمخالطة ونحو ذلك.
وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين مِنَ الرجال بالنساء، والمتشبِّهات مِنَ النساءِ بالرجالِ" (4) .
__________
(1) سورة الشورى الآية (37) .
(2) أخرجه أبو داود في اللباس عن عائشة (4099)، صحيح الجامع برقم (5096)، حجاب المرأة المسلمة (ص 67).
(3) رواه البخاري في اللباس برقم (5885) و (5886).
(4) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5885).(1/403)
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يَدْخُلونَ الجنَّةَ أبداً: الديُّوث، والرُجلَةُ مِنَ النساءِ، ومُدْمِنُ الخَمرْ".
قالوا: يا رسول الله! أما مُدمنُ الخمرِ فقدْ عَرْفناه، فما الديُّوثُ؟
قال: "الذي لا يُبالي مَنْ دَخلَ على أهْلهِ"
قلنا: فما الرجُلَةُ مِنَ النساء؟ قال:
"التي تتشّبه بالرجالِ" (1) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء.
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسةَ المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل" (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" (3) .
قال الإمام النووي: هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين.أ.هـ. (4)
__________
(1) رواه الطبراني ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2071).
(2) أخرجه أحمد في المسند (2/325)، وابن حبان (5721) و (5722) مع الإحسان ، وأبو داود في اللباس برقم (4098) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/194) وقال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم(2069) .
(3) رواه مسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2128)، ومالك في الموطأ كتاب اللباس برقم (7)، وأحمد في المسند (2/356و440) .
(4) )) شرح النووي (14/13) .(1/404)
وقال - صلى الله عليه وسلم - :"ألا هلك الرجال حين أطاعوا النساء" (1) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثَةٌ لا يدخلونَ الجنَّة: العاقُ لوالِدَيْهِ، والديوث، ورَجُلَةُ النساءِ" (2) .
باب
نهي المرأة عن وصل شعرها بشعر آخر { الباروكة }
قال الله تعالى عن إفساد الشيطان للفطرة البشرية: { لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً } (3) .
عن أسماء رضي الله عنها: أن امرأةً سألتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: يا رسولَ الله إنَّ ابنَتي أصابَتْها الحَصْبَة فتمرَّقَ شَعْرُهَا،، وإني زَوَّجْتُها، أفأصِلُ فِيهِ؟ فقال: "لعن الله الواصِلة والموصُولَةَ".
وفي رواية قالت أسماء: لعن النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصِلَةَ (4) .
الحصبة: مرض يصاب به الأطفال غالباً، وإصابتُهُ في الكهول قليل.
__________
(1) أخرجه أحمد في "المسند"(5/45) والطبراني كما في "كنز العمال" (16/287) وأبو نعيم "ذكر أخبار أصبهان" (2/37) وابن عدي "الكامل في الضعفاء" (2/475) والحاكم في "المستدرك" (4/291) وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي "فيض القدير" (6/356) .
(2) رواه النسائي والبزار ، والحاكم واللفظ له وقال : صحيح الإسناد، وقال الألباني : حسن صحيح، صحيح الترغيب رقم (2070) .
(3) سورة النساء الآية (118و119).
(4) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5941) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2122).(1/405)
قال النووي : وهذه الأحاديث صريحة في تحريم الوصل ولعن الواصلة والمستوصلة مطلقا وهذا هو الظاهر المختار وقد فصله أصحابنا فقالوا إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف سواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأحاديث ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير الآدمي فان كان شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا يؤكل إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث ولأنه حمل نجاسة في صلاته وغيرها عمدا . شرح النووي (14/104) .
وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية عامَ حَجٍّ، فقام على المنبر وتناوَل قُصَّةً من شَعَرٍ كانتْ في يد حَرَس فقال: يا أهل المدينة أين عُلماؤكم؟ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنْ مثلِ هذه ويقول: "إنَّما هلَك بنو إسْرائيلَ حين اتخذ هذه نِساؤُهم" (1) .
وفي رواية: قدم معاوية المدينة، فخطَبنا، وأخرج كُبَّةً من شَعَرٍ، فقال: ما كنت أرى أنَّ أحداً يفعله إلا اليهود. إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَلَغَهُ، فسمَّاه "الزُّورَ" (2) .
وفي رواية: أنَّ معاوية قال ذاتَ يوم: إنكُم أحدثتم زيَّ سوءٍ، وإنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نَهى عنِ الزورِ.
قال: وجاءَ رجلٌ بعَصاً رأْسِها خِرْقَةٌ فقال مُعاويَةُ: ألا هذا الزُّورُ.
قال قتادة: يعني ما يكثِّر به النساءُ أشعارَهُنَّ مِنَ الخِرَق (3) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3468)، وكتاب اللباس برقم (5932)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2127).
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم(5938)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2127).
(3) رواه البخاري ومسلم.(1/406)
وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ جاريةً من الأنصارِ تزوَّجت، وأنَّها مرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شعْرُها، فأرادوا أنْ يَصِلوها، فسألوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لعن الله الواصِلَة والمسْتَوْصِلَة".
وفي رواية: أنَّ امرأةَ مِنَ الأنصار زوَّجت ابنتهَا، فتمعط شعْرُ رأسِها، فجاءَتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكَرتْ ذلك له وقالتْ: إنَّ زوْجَها أمَرني أنْ أصِلَ في شعرها. فقال: "لا إنَّه قد لُعِنَ الموصولاتُ" (1) .
معط شهرها: سقَط وتناثر.
واللعن لا يختص النساء فقط بل يدخل فيه الرجال إذا فعلوا ذلك، سواء نمصوا، أو وشموا، أو وصلوا الشعر الذي تسمى ( الباروكة )، أو تفلجوا للحسن.
ونجد وللأسف الشديد بعض الناس ينمصون سواء لنفسهم أو لغيرهم، فإذا فعلوا ذلك فإنهم آثمون هم والذين ينمصون لهم، فهم في الإثم سواء.
باب
في لعن النامصة والمتنمصة
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "لعن الله الواشِمات والمستوشماتِ والمتَنَمِّصَاتِ والمتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المغيرات خلق الله" فقالت لهُ امرأةٌ من في ذلك فقال: وما لي لا ألْعَنُ مَنْ لعَنَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله؟ قال الله تعالى: { وما آتاكم الرسولُ فخذوه وما نهاكُم عنه فانْتَهُوا } قالت بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: إني أرى أهلك يفعلونه. قال: فاذهبي فانظري: فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً.فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها" (2) .
الواصلة : هي التي تصل شعرها والمستوصلة: التي يوصل لها.
المتنمصة: النمص: ترقيق الحواجب وتدقيقها طلباً لتحسينها.
وسئل أيضاً الشيخ محمد صالح العثيمين :
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5934)، وفي كتاب النكاح برقم (5205) ، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2123).
(2) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5931و5939و5943)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2125).(1/407)
عن حكم تخفيف شعر الحاجب ؟
فأجاب : تخفيف شعر الحاجب إذا كان بطريق النتف فهو حرام بل كبيرة من الكبائر ، لأنه من النمص الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فعله .
وإذا كان بطريق القص أو الحلق ، فهذا كرهه بعض أهل العلم ، ومنعه بعضهم ، وجعله من النمص ، وقال : إن النمص ليس خاصاً بالنتف ، بل هو عام لكل تغيير لشعر لم يأذن الله به إذا كان في الوجه .
ولكن الذي نرى أنه ينبغي للمرأة ـ حتى وإن قلنا بجواز أو كراهة تخفيفه بطريق القص أو الحلق ـ أن لا تفعل ذلك إلا إذا كان الشعر كثيراً على الحواجب ، بحيث ينزل إلى العين ، فيؤثر على النظر فلا بأس بإزالة ما يؤذي منه . (1)
حكم تقصير أو إزالة بعض الزوائد من الحاجبين
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حكم إزالة أو تقصير بعض الزوائد من الحاجبين ؟
فأجاب : إزالة الشعر من الحاجبين إن كان بالنتف فإنه هو النمص وقد " لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - النامصة والمتنمصة " وهو من كبائر الذنوب وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالباً للتجمل وإلا فلو صنعه رجل لكان ملعوناً كما تلعن المرأة ـ والعياذ بالله ـ وإن كان بغير النتف بالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف لأنه تغيير لخلق الله فلا فرق بين أن يكون نتفاً أو أن يكون قصاً أو حلقاً وهذا أحوط بلا ريب فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلاً أو امرأة . (2)
باب
في لعن الواشمة والمتفلجة
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/133) .
(2) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/830) .(1/408)
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "لعن الله الواشِمات والمستوشماتِ والمتَنَمِّصَاتِ والمتَفَلِّجاتِ لِلْحُسْنِ، المغيرات خلق الله" فقالت لهُ امرأةٌ من في ذلك فقال: وما لي لا ألْعَنُ مَنْ لعَنَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله؟ قال الله تعالى: { وما آتاكم الرسولُ فخذوه وما نهاكُم عنه فانْتَهُوا } قالت بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: إني أرى أهلك يفعلونه. قال: فاذهبي فانظري: فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً.فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها" (1) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثمن الكلب والدم حرام وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وأكل الربا وموكله ولعن المصورين" (2) .
الواشمة: هي التي تزين جلد غيرها ببعض الرسوم أو النقط وخاصة في الوجه واليدين وذلك بغرز إبرة في المكان المراد وذر مادة ( النيلج ) عليه.
المتفلجة: الفلج تباعد ما بين الثنايا والمتفلجة: تفعل ذلك بأسنانها طلباً للحسن.
أسئلة تطبيقية عن اللباس والزينة :
أحكام تتعلق بزينة المرأة حال خروجها
إن الله جميل يحب الجمال
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
عن امرأة تحب أن تكون متميزة عن غيرها في لباسها ، ولا تريد أحداً مثلها ؛ بل ولا تريد أحداً أفضل منها ، ولكنها لا تتمنى زوال نعمة أحد من الناس ، فهل هذا حسد أم كبر ؟
علماً بأنها تكره هاتين الصفتين الحسد والكبر ؟
فأجاب : لا تدري ماذا يقوم بقلب هذه المرأة مما يجعلها على هذه الصفات فإن كان ذلك حسداً فهو حرام .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب اللباس برقم (5931و5939و5943)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (2125).
(2) رواه البخاري في كتاب البيوع برقم (2238و2086).(1/409)
وإن كان تكبراً واستنكافاً عن مشاركة الغير في ذلك الوصف ؛ فهو محرم أيضاً ، ولكن الكبر المذموم هو بطر الحق وغمط الناس ، أي : احتقارهم ، وليس من الكبر من يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ، فإن الله جميل يحب الجمال .
وإن كان فعله هذا حباً للتميز والشهرة ، بسمة خاصة ، فينظر إلى سبب ذلك ، ويمكن أن يكون هذا من الأخلاق التي تتمكن من قلوب بعض الناس دون أن يكون لها دوافع ممنوعة . والله أعلم . (1)
انشغال كثير من النساء بالركض وراء الأسواق
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل من كلمة جامعة توجهها للمرأة المسلمة والتي أصبح شغلها الشاغل الركض وراء الأسواق والتقصير في حقوق كثيرة في سبيل المحافظة على ذلك ؟
فأجاب : الكلمة التي أوجهها نحو المرأة المسلمة : أن تتقي الله في نفسها وفي زوجها وأولادها ، فتقوم بأعمال بيتها وتربية أولادها وحقوق زوجها ، وأن تتعلم أمور دينها ، وأن تحافظ على أداء فرائض الله ، وتكثر من النوافل والتصدق بما تستطيع ، وأن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ، مع التستر الكامل ، وترك الطيب والزينة عند الخروج ، وأن لا تركب وحدها مع سائق غير محرم ، وأن لا تزاحم الرجال وتختلط بهم ، وأن لا تدخل على الطبيب وحدها بدون أن يكون معها محرم ، وأن لا تسافر بدون محرم ، وأن تعالج عند طبيبات من النساء ولا تعالج عند الأطباء الرجال ؛ إلا بشرطين :
الأول : أن لا تجد طبيبة امرأة .
__________
(1) الكنز الثمين (1/231) .(1/410)
الثاني : أن تكون مضطرة للعلاج ، وأن تبتعد عن التشبه بالرجال وعن التشبه بالكافرات في شعرها ولباسها ، وأن تبادر إلى الزواج إذا لم تكن قد تزوجت ولا تبقى بدون زوج ، وأن تتناول عن كثير عن مطامعها إذا وجدت الزوج الصالح ، ولذلك على المرأة المسلمة أن لا تلتفت إلى الدعايات المغرضة التي أن تسلب المرأة كرامتها وعفتها ، فتدعوها إلى الخروج على الآداب الشرعية والتمرد على ولي أمرها الذي ينظر في مصلحتها ، وعليها بالبر بوالديها وصلة أرحامها وإكرام جيرانها وكف الأذى عنهم والله الموفق وصلى الله على نبينا وآله وصحبه . (1)
حكم إنفاق الأموال على ملابس النساء وأمور زينتهن
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
بحجة أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ؛ فإن البعض من النساء ينفق الأموال الكثيرة على ملابسهن وأمور زينتهن ؛ فما تعليقكم ؟
فأجاب : من رزقه الله ملاً حلالاً ؛ فقد أنعم الله عليه نعمة يجب عليه شكرها ، وذلك بالتصدق منها والأكل واللبس من غير سرف ولا مخيلة ، وما تفعله بعض النساء من المغالاة في اشتراء الأقمشة والإكثار منها من غير حاجة ؛ إلا مجرد المباهاة ومسايرة معارض الأقمشة في دعاياتها ؛ كل ذلك من الإسراف والتبذير المنهي عنه وإضاعة المال ، والواجب علة المسلمة الاعتدال والابتعاد عن التبرج والمبالغة في التجمل ، خصوصاً عند الخروج من بيوتهن .
__________
(1) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/177، 178) .(1/411)
قال تعالى : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } . (1) وقال تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } إلى قوله تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ } . (2) وهذه الأموال سنسأل عنها يوم القيامة : من أين اكتسبناها ؟ وفيم أنفقناها ؟ . (3)
حكم وضع النساء سحّاب لأثوابهن من الخلف
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد هل يجوز للمرأة أن تضع سحّاب ثوبها من الخلف ، هل فيه شيء أم لا ؟
فأجاب : لا بأس به .. ما في مانع ، فهذه من باب العادات وليست من باب العبادات فلو جعلتها من الخلف لا حرج عليها إن شاء الله في ذلك والله أعلم . (4)
باب التجمل استعمال البيض والعسل واللبن في علاج النمش جائز
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
بعض صديقاتي يستعملن البيض والعسل واللبن في علاج النمش والكلف الذي يظهر في الوجه فهل يجوز لهن ذلك ؟
فأجاب : من المعلوم أن هذه الأشياء من الأطعمة التي خلقها الله عز وجل لغذاء البدن ، فإذا احتاج الإنسان إلى استعمالها في شيء آخر ليس بنجس كالعلاج فإن هذا لا بأس به لقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً } . (5)
__________
(1) سورة الأحزاب آية ( 33) .
(2) سورة النور آية ( 31) .
(3) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان
(4) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(5) سورة البقرة آية ( 29) .(1/412)
فقوله تعالى: { لَكُمْ } يشمل عموم الانتفاع إذا لم يكن ما يدل على التحريم ، وأما استعمالها للتجميل فهناك مواد أخرى يحصل التجميل بها سوى هذه فاستعمالها أولى .. وليعلم أن التجميل لا بأس به ، بل إن الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال ، لكن الإسراف فيه حتى يكون أكبر هم الإنسان بحيث لا يهتم إلا به ويغفل كثيراً من مصالح دينه ودنياه من أجله فهذا أمر لا ينبغي لأنه داخل في الإسراف لا يحبه الله عز وجل . (1)
حكم تركيب الأسنان الذهبية
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين : عن حكم تركيب الأسنان الذهبية ؟
فأجاب : الأسنان الذهبية لا يجوز تركيبها للرجال إلا لضرورة لأن الرجل يحرم عليه لبس الذهب والتحلي به ، وأما للمرأة فإذا جرت عادة النساء بأن تتحلى بأسنان الذهب فلا حرج عليها في ذلك فلها أن تكسو أسنانها ذهباً إذا كان هذا مما جرت العادة بالتجمل به ، ولم يكن إسرافاً ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أحل الذهب والحرير لإناث أمتي " .
وإذا ماتت المرأة في هذه الحال أو مات الرجل وعليه سن ذهب قد لبسه للضرورة فإنه يخلع إلا إذا خشي المثلة ، يعني خشي أن تتمزق اللثة فإنه يبقى ؛ وذلك أن الذهب يعتبر من المال والمال يرثه الورثة من بعد الميت فإبقاؤه على الميت ودفنه إضاعة للمال . (2)
حكم لبس الساعة المطلية بالذهب الأبيض
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم لبس الساعة المطلية بالذهب الأبيض ؟
فأجاب : الساعة المطلية بالذهب للنساء لا بأس بها ، وأما الرجال فحرام ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم الذهب على ذكور أمته .
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/842) .
(2) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين ( 4/101) .(1/413)
وأما قول السائل الذهب الأبيض فلا نعلم أن هناك ذهباً أبيض . الذهب كله أحمر ، لكن إن كان قصده بالذهب الأبيض الفضة فإن الفضة ليست الذهب ويجوز منها ما لا يجوز من الذهب كالخاتم ونحوه . (1)
هل يجوز تقويم الأسنان ؟
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
هل يجوز تقويم الأسنان من بعضها البعض حتى لا تكون متفرقة ؟
فأجاب : إذا احتيج إلى هذا كأن يكون في الأسنان تشويه واحتيج إلى إصلاحها فهذا لا بأس به ، أما إذا لم يحتج إلى هذا فهو لا يجوز .
بل جاء النهي عن وشر الأسنان وتفليجها للحسن وجاء الوعيد على ذلك لأن هذا من العبث ومن تغيير خلق الله .
أما إذا كان هذا لعلاج مثلاً أو لإزالة تشويه أو لحاجة لذلك كأن لا يتمكن الإنسان من الأكل إلا بإصلاح الأسنان وتعديلها فلا بأس بذلك . (2)
حكم التزين بالحناء
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم التزين بالحناء ؟ وفعل ذلك والمرأة حائض ؟
فأجاب : التزين بالحناء لا بأس به لاسيما للمرأة المتزوجة التي تتزين به لزوجها ، وأما غير المتزوجة فالصحيح أنه مباح لها إلا أنها لا تبديه للناس لأنه من الزينة .
وفعل ذلك في وقت الحيض لا بأس به ، وقد كثر السؤال عنه من النساء هل يجوز للمرأة أن تحني رأسها أو يديها أو رجليها وهي حائض ؟
والجواب على ذلك : أن هذا لا بأس به والحناء كما نعلم يعقبه أثر تلوين بالنسبة لموضعه واللون هذا لا يمنع من وصول الماء إلى البشرة كما يتوهم فإذا غسلته المرأة أول مرة زال جرمه وبقيت آثاره الملونة وهذا لا بأس به . (3)
عمليات التجميل لإزالة التشوه جائزة
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما الحكم في إجراء عمليات التجميل .. ؟ وما حكم تعلم علم التجميل ؟
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 101) .
(2) فتاوى نور على الدرب لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان ص ( 34) .
(3) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين ( 4/288) .(1/414)
فأجاب : التجميل نوعان : تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره .. وهذا لا بأس به ولا حرج فيه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إذن لرجل قطعت أنفه في الحرب أن يتخذ أنفاً من ذهب .."
والنوع الثاني : هو التجميل الزائد وهو ليس من أجل إزالة العيب بل لزيادة الحسن .. وهو محرم ولا يجوز ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - :" لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ." لما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب .
أما بالنسبة للطالب الذي يقرر علم التجميل ضمن مناهج دارسته فلا حرج عليه أن يتعلمه ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة .. بل ينصح من يطلب ذلك يتجنبه لأنه حرام وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب كانت أوقع في أنفس الناس . (1)
حكم لبس العدسات الملونة للعين للزينة والموضة
وسئل الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان :
ما حكم لبس العدسات الملونة بحجة الزينة واتباع الموضة علماً بأن قيمتها لا تقل عن 700 ريال ؟
فأجاب : لبس العدسات من أجل الحاجة لا بأس به ، أما إذا كان من غير حاجة ؛ فإن تركه أحسن ، خصوصاً إذا كان غالي الثمن ؛ فإنه يعد من الإسراف المحرم ؛ علاوة على ما فيه من التدليس والغش ؛لأنه يظهر العين بغير مظهرها الحقيقي من غير حاجة إليه . (2)
حكم ثقب أذن البنت أو أنفها من أجل الزينة
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم ثقب أذن البنت أو أنفها من أجل الزينة ؟
فأجاب : الصحيح أن ثقب الأذن لا بأس به ، لأن هذا من المقاصد التي يتوصل بها إلى التحلي المباح ، وقد ثبت أن نساء الصحابة كان لهن أخراص يلبسنها في آذانهن ، وهذا التعذيب تعذيب بسيط ، وإذا ثقب في حال الصغر صار برؤه سريعاً .
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2 /832) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/177) .(1/415)
وأما ثقب الأنف : فإنني لا أذكر فيه لأهل العلم كلاماً ، ولكنه فيه مُثلة وتشويه للخلقة فيما نرى ، ، ولعل غيرنا لا يرى ذلك ، فإذا كانت المرأة في بلد بعد تحلية الأنف فيها زينة وتجملاً فلا بأس بثقب الأنف لتعليق الحلية عليه . (1)
حكم استعمال الكحل
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين : عن حكم استعمال الكحل ؟
فأجاب : الاكتحال نوعان :
أحدهما : اكتحال لتقوية البصر وجلاء الغشاوة من العين وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال ، فهذا لا بأس به ، بل إنه مما ينبغي فعله ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكتحل في عينيه ، ولا سيما إذا كان بالأثمد الأصلي .
النوع الثاني : ما يقصد به الجمال والزينة ، فهذا للنساء مطلوب ، لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها .
وأما الرجال فمحل نظر ، وأنا أتوقف فيه ، وقد يفرق فيه بين الشباب الذي يخشى من اكتحاله فتنة فيمنع ، وبين الكبير الذي لا يخشى ذلك من اكتحاله فلا يمنع . (2)
أحكام شعر المرأة
باب
نهي المرأة عن صبغ شعرها بالسواد
لا حرج إن شاء الله من استخدام صبغات الشعر كالحناء والكتم وغيرها من الصبغات الغير طبيعية مادامت تخلو من خداع أو تلبيس وأما التزين للزوج بذلك فلا بأس إن شاء الله ، وعليها أن تتجنب اللون الأسود .
فعن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - قال : أتي بأبي قحافة أو جاء عام الفتح أو يوم الفتح ورأسه ولحيته مثل الثغام أو الثغامة، فأمر أو فأمر به إلى نسائه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" . (3)
حكم قص المرأة لشعر رأسها
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم قص المرأة شعر رأسها ؟
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 137) .
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 116) .
(3) )) رواه مسلم برقم (2102) ، باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة وتحريمه بالسواد .(1/416)
فأجاب : المشروع أن تُبقي المرأة على رأسها ما كان عليه ، ولا تخرج عن عادة أهل بلدها ، وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله أنه يكره للمرأة قص شعرها إلا في حج أو عمرة ، وحرم بعض فقهاء الحنابلة قص المرأة شعر رأسها .
ولكن ليس في النصوص ما يدل على الكراهة أو على التحريم ، والأصل عدم ذلك . فيجوز للمرأة أن تأخذ من شعر رأسها من قدام أو من الخلف ، على وجه لا تصل به إلى حد التشبه برأس الرجل ، لأن الأصل الإباحة . لكن مع ذلك ، أنا أكره للمرأة أن تفعل هذا الشيء ، لأن نظر المرأة وتطلبها لما يجد من العادات المتلقاة عن غير بلادها مما يفتح لها باب النظر إلى العادات المستوردة ، وربما تقع في عادات محرمة وهي لا تشعر ، فكل العادات الواردة إلى بلادنا في المظهر والملبس والمسكن ـ إذا لم تكن من الأمور المحمودة التي دل الشرع على طلبها ـ فإن الأولى البعد عنها وتجنبها ، نظراً إلى النفوس تتطلب المزيد من تقليد الغير ، لاسيما إذا شعر الإنسان بالنقص في نفسه وبكمال غيره ؛ فإنه حينئذٍ يقلد غيره وربما يقع في شرك التقليد الآثم لا تبيحه شريعته .
وهناك أشياء نتمسك بها يسميها بعضنا عادات وتقاليد . ونحن ننكر هذه التسمية ، ونقول :(1/417)
لقد ضللتم وما أنتم بالمهتدين ، فإن من عاداتنا ما هو من الأمور المشروعة التي لا تتحكم فيها العادات والتقاليد ، كمثل الحجاب مثلاً ، فلا يصح أن نسمي احتجاب المرأة عادة أو تقليداً وإذا سمينا ذلك عادة أو تقليداً ، فهو جناية على الشريعة ، وفتح باب لتركه والتحول عنه إلى عادات جديدة تخضع لتغير الزمن ، وهو كذلك تحويل للشريعة إلى عادات وتقاليد تتحكم فيها الأعراف ، ومن المعلوم أن الشريعة ثابتة لا تتحكم فيها الأعراف ولا العادات ولا التقاليد ، بل المسلم أياً كان وفي أي مكان ، يلزمه أن تلتزم بها وجوباً فيها يجب ، واستحباباً فيما ستحب . والله الموفق . (1)
حكم قص بعض النساء لمقدم رؤوسهن
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما رأيكم في قص بعض النساء لمقدم رؤوسهن باسم الزينة وهو ما يسمونه بالقذلة ؟
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/134، 135 ) .(1/418)
فأجاب : ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله أنه يكره للمرأة أن تقص شيئاً من شعر رأسها إلا في الحج أو العمرة ولكن لم يذكروا لذلك دليلاً وبعض الفقهاء الحنابلة أيضاً حرموا قص المرأة شيئاً من شعرها إلا في الحج أو العمرة ولكني لا أعلم لهم دليلاً في ذلك والذي يترجح عندي أنه إن قصته على وجه تصل بقصة إلى مشابهة الرجل أو مشابهة المشركات فإن ذلك لا يجوز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لعن المتشبهات من النساء بالرجال " وقال :" من تشبه بقوم فهو منهم " وإن كان على غير هذا الوجه فهو جائز ومع قولي بأنه جائز فإنه لا يعجبني ولا أحبذه ولا أرى للمرأة ولا لغير المرأة أن تعشق كل جديد يرد إلينا لأننا إذا عشقنا كل جديد وتتبعنا كل ما ورد إلينا من تقاليد غيرنا أوجب لنا أن ننساب في تقليدهم حتى ربما نقلدهم فيما هم عليه من الضلال في الأخلاق والعقائد والأفكار فالإنسان ينبغي له أن يحافظ على ما كان عليه أهله ، إلا إذا كان مخالفاً للشريعة . (1)
حكم قص الشعر على هيئات مأخوذة من الغرب
وسئل الشيخ صالح الوزان :
ما حكم قص الشعر على هيئة مأخوذة من مجلات غربية أو قصات معروفة بأسماء معينة منتشرة بين الناس وهي مستوردة من الغرب أيضاً ؟
إذا انتشرت هذه القصات بين نساء المسلمين بشكل كبير ؛ هل تعتبر أيضاً تشبهاً أم لا ؟ ( نرجو إيضاح هذا إيضاحاً شافياً ) وما هو الضابط في هذا بارك الله فيكم ؛ لأن هذه مشكلة تواجه الجميع ؟
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/831) .(1/419)
فأجاب : نقول : خلق الله سبحانه شعر رأس المرأة جمالاً وزينة لها ، وحرم عليها حلقه ؛ إلا لضرورة ، بل شرع لها في الحج أو العمرة أن تقص من رؤوسه قدر أنملة ، في حين إنه شرع للرجل حلقه في هذين النسكين ، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة توفير شعرها وعدم قصه ؛ إلا لحاجة غير الزينة ، كأن يكون بها مرض تحتاج معه إلى القص ، أو تعجز عن مؤنته لفقرها ، فتخفف منه بالقص ؛ كما فعل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته .
أما إذا قصته من باب التشبه بالكافرات والفاسقات ؛ فلا شك في تحريم ذلك ، ولو كثر ذلك بين نساء المسلمين ، ما دام أن أصله التشبه ؛ فإنه حرام ، وكثرته لا تبيحه ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" ليس منا من تشبه بغيرنا " .
والضابط في ذلك أن ما كان من عادات الكفار الخاصة بهم ؛ فإنه لا يجوز لنا فعله تشبهاً بهم ؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يدل على محبتهم في الباطن ، وقد قال الله تعالى :
{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين } . (1)
وتوليتهم محبتهم ، ومن مظاهر المحبة لهم التشبه بهم . (2)
قص الشعر من الخلف وترك جوانبه أطول
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
ما حكم قص الشعر من الخلف بحيث يكون فوق الرقبة وترك جوانب الشعر أطول قليلاً من الخلف ؟ !
ما حكم قص شعر الرأس على أسماء منها : قصة ( ديانا ) وهي كافرة معروفة ، وقصة( الأسد ) ، وقصة ( الفأر ) .. وهكذا وهي أشكال مختلفة : إما بقص الشعر على شكل رأس الأسد ، والأخرى هي الصفة الواردة في السؤال السابق ؟!
__________
(1) سورة المائدة آية ( 51) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/186،187) .(1/420)
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تقص شعر رأسها من الخلف وتترك جوانبه ؛ لأن هذا فيه تشويه وعبث بشعرها الذي هو من جمالها ، وفيه أيضاً تشبه بالكافرات ، وكذا قصه على أشكال مختلفة وبأسماء كافرات أو حيوانات ؛ كقصة " ديانا " اسم كافرة ، أو قصة " الأسد " أو " الفأر" ؛ لأنه يحرم التشبه بالكفار والتشبه بالحيوانات ، ولما في ذلك من العبث بشعر المرأة الذي هو جمالها . (1)
باب وصل الشعر " الباروكة "
حكم وصل المرأة شعر رأسها " الباروكة "
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز للمرأة أن تستعمل الباروكة وهي الشعر المستعار لزوجها ؟ وهل يدخل ذلك تحت النهي عن الواصل والمتصل .
فأجاب : الباروكة محرمة وهي داخلة في الوصل ، وإن لم تكن وصلاً فهي تظهر على وجه أطول من حقيقته فتشبه الوصل وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - :"الواصلة والمستوصلة " ، لكن إن لم يكن على رأس المرأة شعر أصلاً أو كانت قرعاء فلا حرج من استعمال الباروكة ليستر هذا العيب لأن لإزالة العيوب جائزة ، ولهذا " أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قطعت أنفه في إحدى الغزوات أن يتخذ أنفاً من ذهب " فالمسألة أوسع من ذلك ، فيدخل فيها إذاً مسائل التجميل وعملياته من تصغير للأنف وغيره فما كان لإزالة عيب فلا بأس به مثل أن يكون في أنفه اعوجاج فيعدله أو إزالة بقعة سوداء مثلاً فهذا لا بأس به ، أما إن كان لغير إزالة عيب كالوشم والنمص مثلاً فهذا هو الممنوع .
واستعمال الباروكة حتى لو كان بإذن الزوج ورضاه فهو حرام ، لأنه لا إذن ولا رضي فيما حرَّمه الله . (2)
باب صبغ الشعر
حكم صبغ المرأة لشعر رأسها
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
ما حكم صبغ الشعر كاملاً بأي لون من الألوان " أحمر ، أصفر ، أبيض ، ذهبي " ؟
__________
(1) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/190) .
(2) المسلمون عدد ( 59) .(1/421)
وما حكم تمييش الشعر " والميش هو موضة أتت من الغرب وتقبلها نساؤنا ، وهي صبغ خصل متفرقة من الشعر بلون مخالف للون الشعر إما أبيض أو أحمر أو ذهبي ، يصبح الشعر ملوناً أجزاء طبيعية وأجزاء مصبوغة "؟
فأجاب : صبغ الشعر فيه تفصيل على النحو التالي :
الشيب يستحب صبغه بغير السواد من الحناء والوسمة والكتم والصفرة ، أما بالسواد فلا يجوز ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد " ، وهذا عام للرجال والنساء .
أما غير الشيب ؛ فيبقى على وضعه وخلقته ولا يغير ، إلا إذا كان لونه مشوهاً ؛ فإنه يصبغ بما يزيل تشويهه إلى اللون المناسب ، أما الشعر الطبيعي الذي ليس فيه تشويه ؛ فإنه يترك على طبيعته ؛ لأنه لا داعي لتغييره .
وإذا كان صبغه على شكل فيه تشبه بالكافرات والعادات المستوردة ؛ فلا شك في تحريمه ، سواء صبغه على شكل واحد على أشكال وهو ما يسمى بالتمييش .
صبغ الشعر باللون الأسود وخلطه بالحناء
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز صبغ الشعر باللون الأسود وخلطه مع حناء ؟
فأجاب : صبغ الشعر باللون الأسود الخالص حرام ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد " .
أما إذا خلط معه لون آخر حتى صار أدهم فإنه لا بأس به . (1)
باب تسريح وتصفيف الشعر
حكم تجعيد المرأة لشعرها
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
ما حكم تجعيد الشعر " والتجعيد : هو جعل الشعر مجعداً مدرجاً ، بدل سائحاً ، إما تجعيده فترة بسيطة ، وهناك البعض من النساء تذهب إلى الكوافيرات وتجعلها تضع عليه مواد حتى يصبح مجعداً لمدة ستة أشهر " ؟!
__________
(1) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/ 119 ، 120 ) .(1/422)
فأجاب : يباح للمرأة تجعيد شعرها على وجه ليس فيه تشبه بالكافرات ، ولا تظهره للرجال غير المحارم ، وتتولى هي تجعيده ، أو تتولاه امرأة من نسائها ، سواء كان تجعيداً لفترة يسيرة أو طويلة ، وسواء كان بوضع مادة مباحة عليه أو بغير ذلك ، ولا تذهب إلى الكوافيرات لفعل ذلك ؛ لأن في خروجها من منزلها تعريضاً للفتنة والوقوع في المحذور ؛ ولأن القائمات على هذه المحلات إما نساء غير ملتزمات أو رجال يحرم عليها أن تظهر شعرها لهم . (1)
حكم تجميع المرأة لشعرها فوق رأسها أو ما يسمى بالكعكة
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
ما حكم وضع الحشوى داخل الرأس أي ما حكم تجميع المرأة لشعرها فوق الرأس ـ أو ما يسمونه بوضع الكعكة ؟
فأجاب : الشعر إذا كان على الرأس على فوق فإن هذا عند أهل العلم داخل في النهي أو التحذير الذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد " وذكر الحديث وفيه " نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة " فإذا كان الشعر فوق ففيه نهي أما إذا كان على الرقبة مثلاً فإن هذا لا بأس به إلا إذا كانت المرأة ستخرج إلى السوق فإنه في هذه الحالة يكون من التبرج ، لأنه سيكون له علامة من وراء العباءة تظهر ويكون هذا من باب التبرج ومن أسباب الفتنة فلا يجوز . (2)
تصفيف الشعر بالطريقة العصرية
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز لها أن تصفف شعرها بالطريقة العصرية ، وليس الغرض التشبه بالكافرات ، ولكن للزوج علماً بأنها والحمد لله ملتزمة بأمور دينها ؟
__________
(1) المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان ( 3/ 187، 188) .
(2) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين (2 / 830) .(1/423)
فأجاب : الذي بلغني عن تصفيف الشعر أنه يكون بأجرة باهظة كثيرة قد تصفها بأنها إضاعة مال ، والذي أنصح به نساءنا أن يتجنبن هذا الترف ، والمرأة تتجمل لزوجها على وجه لا يضيع به المال هذا الضياع فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - :"نهى عن إضاعة المال " .
وأما لو ذهبت إلى ماشطة تمشطها بأجرة سهلة يسيرة للتجمل لزوجها ، فإن هذا لا بأس به . (1)
حكم فرق المرأة شعرها على الجنب
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم فرق المرأة شعرها على الجنب ؟
فأجاب بقوله : السنة في فرق الشعر أن يكون في الوسط ، من الناصية وهي مقدم الرأس إلى أعلى الرأس ، لأن الشعر له اتجاهات إلى الأمام وإلى الخلف وإلى اليمين وإلى الشمال ، فالفرق المشروع يكون في وسط الرأس ، أما الفرق على الجنب فليس بمشروع ، وربما يكون فيه تشبه بغير المسلمين ، وربما يكون أيضاً داخلاً في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها " فإن من العلماء من فسر المائلات المميلات بأنهن اللاتي يمشطن المشطة المائلة ويمشطن غيرهن تلك المشطة ، ولكن الصواب أن المراد بالمائلات من كن مائلات عما يجب عليهن من الحياء والدين ، مميلات لغيرهن عن ذلك . والله أعلم . (2)
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
ما حكم فرق شعر المرأة من الجانب وليس من الوسط ؟!
فأجاب : لا يجوز للمرأة أن تفرق رأسها من الجانب .
__________
(1) فتاوى الحرم 1408هـ . ص ( 285، 286) .
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/136) .(1/424)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :" وأما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا ، أو جعله فوق الرأس كما تفعله نساء الإفرنج ؛ فهذا لا يجوز ؛ لما فيه من التشبه بنساء الكفار " . (1) (2)
تمشيط الشعر في الأضحية
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
إذا نوت المرأة أن تضحي فهل يلزمها عدم تمشيط شعرها مع العلم أنها تتضايق من عدم تمشيطه خلال تلك الأيام العشرة ؟
فأجاب : ورد الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس شعره وبشره شيئاً " وفي رواية " فليمسك عن شعره وأظفاره " قال العلماء : المراد النهي عن إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذ بنورة أو غير ذلك وعلى هذا فلا يدخل فيه التمشط والتسريح كما يجوز غسله وفركه ولو تساقط منه شعر بغير قصد فلا يضر فيجوز للمرأة أن تمشط شعرها للحاجة ولا فرق في الأضحية بين التطوع وغيره . والله أعلم . (3)
باب كشف شعر المرأة
هل للمسلمة أن تكشف شعرها أمام غير المسلمة
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز أن تكشف المرأة المسلمة شعرها أمام امرأة غير مسلمة خاصة وأنها تصف المرأة المسلمة أمام الرجال من أقربائها وهم غير مسلمين ؟
__________
(1) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد ابن إبراهيم ( 1/47) .
(2) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان ( 3/190) .
(3) فتاوى المرأة ص ( 42) .(1/425)
فأجاب : هذا الأمر مبني على اختلاف العلماء في تفسير قوله تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ } . (1)
فالضمير في قوله تعالى : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } اختلف فيه العلماء فمنهم من قال إن المقصود الجنس أي جنس النساء عموماً ومنهم من قال إن المقصود بالضمير الوصف أي النساء المؤمنات فقط فعلى القول الأول يجوز للمرأة أن تكشف شعرها ووجهها أمام امرأة غير مسلمة وعلى القول الثاني لا يجوز ونحن نميل إلى الرأي الأول وهو الأقرب لأن المرأة مع المرأة لا فرق فيه بين امرأة مسلمة وغير مسلمة هذا إذا لم تكن هناك فتنة ، أما إذا خشيت الفتنة كأن تصف المرأة لأقاربها من الرجال فيجب توقي الفتنة حينئذٍ فلا تكشف المرأة شيئاً من جسدها كالرجلين أو الشعر أمام امرأة أخرى سواء مسلمة أو غير مسلمة والله أعلم . (2)
تسريح شعر المرأة عند الرجال الأجانب
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
ما حكم ذهاب المرأة " العروس " إلى الحلاق وذلك لتسريح شعرها ؟
فأجاب : ليس للمرأة أن تذهب إلى الحلاق ولا غيره من الرجال الأجانب لتسريح شعرها ، بل ذلك من شأن النساء ، ولا يجوز إتيان الرجال غير المحارم لهذا الغرض ، لما فيه من الفتنة والاطلاع على بعض العورة ، ولأن ذلك وسيلة إلى أمور لا تحمد عقباها .. والله ولي التوفيق . (3)
__________
(1) سورة النور آية ( 31) .
(2) المسلمون عدد ( 65) .
(3) الفتاوى كتاب الدعوة ( 2/223، 224) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/426)
هل تكشف شعرها أمام والدها وعمها
وسئل سماحة الشيخ عبد الله بن حميد :
هل يجوز للمرأة أن تكشف رأسها أمام والدها أو عمها أم لا ؟ رغماً أن عمها دائماً يكلمها ويطلب منها أن تستر شعرها منه ، نريد الإفادة وفقكم الله ؟
فأجاب : الأولى تغطيته وإلا فلا بأس به ما دام أنه أبوها وعمها جائز وليس فيه مانع فهو من محارمها ويجوز له النظر إليها ، قال الله تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ } إلى آخر الآية . (1) ولكن الأولى تغطية الشعر وإلا فما دام عمها أو أبوها وهي كاشفة رأسها عندهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله . (2)
باب شعر الحاجب واليدين والرجلين
ما حكم تخفيف شعر الحاجب
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :
ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجب ؟
فأجاب : لا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منهما ، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :" أنه لعن النامصة والمتنمصة " ، وقد بين أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص . (3)
وسئل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين :
هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر الحاجبين أو ترقيق شعر حاجبيها إذا كان يشوه منظرها ؟
فأجاب : هذه المسألة تقع على وجهين :
الوجه الأول أن يكون ذلك بالنتف فهذا محرم وهو من الكبائر : لأنه من النمص الذي لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعله .
__________
(1) سورة النور آية ( 31) .
(2) برنامج نور على الدرب بالإذاعة .
(3) الفتاوى ـ كتاب الدعوة ( 2/229) لسماحة الشيخ ابن باز .(1/427)
الوجه الثاني : أبن يكون على سبيل القص والحف ، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم هل يكون من النمص أم لا ، والأولى تجنب ذلك وألا تفعله المرأة ، أما ما كان من الشعر غير المعتاد بحيث ينبت في أماكن لم تجر العادة بها كأن يكون للمرأة شارب أو ينبت على خدها شعر ، فهذا لا بأس بإزالته : لأنه خلاف المعتاد وهو مشوه للمرأة ، أما الحواجب فإن كان معتاداً فلا يتعرض له ، لأن الناس لا يعدونه عيباً ، بل يعدون فواته جمالاً أو وجوده جمالاً ، وليس من الأمور التي تكون عيباً حتى يحتاج الإنسان إلى إزالته . (1)
وسئل الشيخ محمد صالح العثيمين :
عن حكم إزالة شعر اليدين والرجلين ؟
فأجاب : إن كان كثيراً فلا بأس من إزالته ، لأنه مشوه ، وإن كان عادياً فإن أهل العلم من قال إنه لا يزال لأن إزالته من تغيير خلق الله عز وجل .
ومنهم من قال : إنه تجوز إزالته لأنه مما سكت الله عنه ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" ما سكت الله عنه فهو عفو " . أي ليس بلازم ولا حرام عليكم . وقال هؤلاء : إن الشعور تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما نصَّ الشرع على تحريم أخذه .
القسم الثاني : ما نصَّ الشرع على طلب أخذه .
القسم الثالث : ما سكت عنه .
فما نص الشرع على تحريم أخذه فلا يُؤخذ كلحية الرجل ، ونمص الحاجب للمرأة والرجل .
وما نص الشرع على طلب أخذه فليؤخذ ، مثل : الإبط والعانة والشارب للرجل .
وما سكت عنه فإنه عفو لأنه لو كان مما لا يريد الله تعالى وجوده لأمر بإزالته ، لو كان مما يريد الله بإبقائه ، فلما سكت عنه كان هذا راجعاً إلى اختيار الإنسان ، إن شاء أزاله وإن شاء أبقاه . والله الموفق . (2)
كتاب الأدب
باب
ثواب الحياء وما جاء في فضله
__________
(1) فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين ( 2/832) .
(2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ( 4/134) .(1/428)
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجلٍ من الأنصار وهو يعظُ أخاه في الحياء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دعهُ فإن الحياء من الإيمان" (1) .
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الحياءُ لا يأتي إلا بخيرٍ" (2) .
وفي رواية لمسلم " الحياء خيرٌ كله" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبة من الإيمان" (4) .
باب
ثواب حسن الخلق وفضله
قال الله تعالى: { وإنك لعلى خلقٍ عظيم } (5) .
وقال الله تعالى { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } (6) .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله وحُسن الخُلق" وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: " الفم والفرج" (7) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (24)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (36).
(2) رواه البخاري في كناب الأدب برقم (6117)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (37).
(3) صحيح مسلم (37) كتاب الإيمان.
(4) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (9)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (35).
(5) سورة ن الآية (4).
(6) سورة آل عمران الآية (134).
(7) أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد) برقم (289)، والترمذي (2004)، وابن ماجه (4246) وابن حبان (476)، وأحمد (2/ 291, 392 و442)، والحاكم (4/324) والبيهقي في الزهد (236) والقضائي في الشهاب(1050)، والبغوي في معالم التنزيل (4/377) ، وشرح السنة (13/79 - 80) ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص (10) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2642).(1/429)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً" (1) .
وعن أبي ذر جندب بن جنادة ، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن" (2) .
(اتق الله حيثما كنت) التقوى : هي فعل الأوامر واجتناب النواهي.
وكما فسرها على بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: " التقوى هي مخافة الجليل والعمل بالتنزيل والرضى بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل" .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس شيء أثقل في الميزان من الخُلق الحسن" (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً في الدنيا" (4) .
وعن سهل بن سعد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها" (5) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب المناقب برقم (3559)، ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2321).
(2) أخرجه الترمذي في البر والصلة برقم (1987) ، وأحمد في المسند(5/153، 158، 228) والحاكم في المستدرك (1/54) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الترمذي : "حسنٌ صحيح".
(3) رواه أحمد في مسنده، وصححه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة (2/564)، وصحيح الترغيب برقم (2641).
(4) رواه ابن عساكر ، صحيح الجامع (1569).
(5) صحيح الجامع (1858).(1/430)
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أفضل المؤمنين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل" (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلقاً" (2) .
وعن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحُسن خلقه وكرم ضريبته" (3) .
(الضريبة): الطبيعة وزناً ومعنىً.
وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم فقال: "البر حُسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" (4) .
(حاك في صدرك): أي تحرك وتردد ولم ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنباً. شرح النووي (16/111)
وعن أبي قلابة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً وألطفهم بأهله" (5) .
وعن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاء أُناس فقالوا: من أحبُّ عباد الله إلى الله؟ قال: " أحسنهم خُلقاً" (6) .
__________
(1) رواه الطبراني في " الكبير" عن ابن عمرو ، ورواه ابن نصر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1129)، والصحيحة رقم (1491).
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (522)، وصحيح الترغيب برقم (2647).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، والحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، الصحيحة (168)، المشكاة (3263)
(6) رواه الطبراني ، قال في المجمع (8/24): "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".(1/431)
وفي رواية لابن حبان قالوا:يا رسول الله فما خير ما أُعطي الإنسان قال: " خُلقٌ حسن".
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كنت في مجلس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمرة أبو أمامة فقال: " إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنم خُلقاً وخيارهم خياركم لنسائهم" (2) .
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنا زعيم بيت في ربضٍ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه" (3) .
الزعيم : الكفيل الضامن.
(ربض الجنة): أدناها، وربض المدينة ما حولها.
( المراء) المجادلة والمنازعة في القول والعمل بقصد الباطل.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقة درجة الصوم والصلاة" (4) .
__________
(1) رواه أحمد بإسناد صحيح، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/25): "رواه الطبراني واللفظ له وأحمد وابنه وأبو يعلى بنحوه ورجاله ثقات".
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع برقم (1162)، وقال الترمذي : "حسنٌ صحيح" وأخرجه في كتاب الإيمان برقم (2612)، وأحمد في المسند(6/47) من حديث عائشة رضي الله عنها وأبو داود في كتاب الأدب برقم (4682) ، صحيح الجامع (1230 و 1231 و 1232).
(3) رواه أبو داود (4800) من طريق أبي الجماهير محمد بن عثمانن، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (273)، و حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص (22) ، والمناسك ص(8)، وصحيح الترغيب رقم (2648).
(4) رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (436)، وصحيح الترغيب (2645).(1/432)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن المؤمن ليدرك بحُسن خلقة درجة الصائم القائم" (1) .
وفي رواية الحاكم : " إن المؤمن ليدرك بحُسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار" (2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن من أحبكم وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" (3) .
و عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق".قيل : وما القلب المحموم؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : " هو التقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد"، قيل: فمن على أثره؟ قال: "الذي يشنأ الدنيا، ويحب الآخرة". قيل: فمن على أثره؟ قال: "مؤمن في خُلُق حسن" (4) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خيركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا" (5) .
باب
ثواب الرفق في الأمور كلها
قال الله تعالى: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً } (6) .
__________
(1) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وقال: "صحيح على شرط البخاري ومسلم"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2643).
(2) صحيح الجامع (1616)، صحيح الترغيب برقم (2643).
(3) رواه الترمذي وقال حديث حسن، الصحيحة برقم (791)، وصحيح الترغيب برقم (2649).
(4) رواه الحاكم والطبراني في " الكبير" وأبو نعيم، والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو، وشطره الأول عند ابن ماجه عن ابن عمرو، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3291).
(5) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2312) .
(6) سورة الفرقان الآية (67)(1/433)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" (1) .
وفي رواية لمسلم: " إن الله رفيق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه"
وعنها رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه" (2) .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أُعطي حظه من الرفق فقد أُعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير" (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: " يا عائشة ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق" (4) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عيه النار تحرم على كل هين لين سهل" (5) .
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يحرم الرفق
يُحرم الخير" (6) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6024)، ومسلم في كتاب السلام برقم (2165).
(2) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2594)، و رواه أبو داوود وأحمد.
(3) رواه الترمذي وقال : "حديث حسن صحيح"، الصحيحة (51، 563)، والمشكاة (5076).
(4) رواه الإمام أحمد ، الصحيحة (523، 219) وصححه الألباني في الترغيب (2669).
(5) رواه الترمذي وحسنه وابن حبان، الصحيحة رقم (938)، وصحيح الترغيب رقم (2676).
(6) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2592).(1/434)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا
ولا تنفروا" (2) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان ثم إثم كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى" (3) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشج "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة" (4) .
الأشج: اسمه المنذر بن عائذ، سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأشج لأثر كان في وجهه.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بردٍ نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبةً شديدة فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء" (5) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الوضوء برقم (220)، وكتاب الأدب برقم( 6128).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6125)، ومسلم في كتاب الجهاد برقم (1734).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6126)، وفي كتاب المناقب برقم (3560) ومسلم في كتاب الفضائل برقم (2327).
(4) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (17).
(5) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6088)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (1057).(1/435)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (2)
باب
باب ثواب طلاقة الوجه وفعال أخر من الخير
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل معروفٍ صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك". (3)
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق" (4)
وفي رواية "طليق"
"طلق وطليق" معناه: سهل منبسط؟
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف صدقة ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الردل في أرض الضلال صدقة وإماطتك الحجر و الشوك والعظم من الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " (5) .
ورواه ابن حبان وزاد: "وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة".
__________
(1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم(3477)، ومسلم في الجهاد والسيربرقم(1792).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114) ، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2609)
(3) رواه أحمد في مسنده (3/360) والترمذي (1970) وقال : "حديث حسن"، وصححه الألباني، صحيح الجامع (4433)، وصحيح الترغيب برقم (2684).
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2626).
(5) رواه الترمذي (1956) وقال: هذا حديث حسن غريب ، وابن حبان وصححه الألباني، الصحيحة (572)، صحيح الجامع رقم (2905)، وصحيح الترغيب برقم (2685).(1/436)
وعن أبي جري الهجيمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئاً ينفعنا الله به فقال : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فأنه من المخيلة ولا يحبها الله وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قالَهُ" (1)
باب
باب الحث على طيب الكلام وفضله.
قال الله تعالى { واخفض جناحك للمؤمنين } (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الإثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة قال: والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" (4)
وفي رواية : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" (5)
__________
(1) رواه أبو داود، والترمذي (1833) عن أبي ذر، وصححه النسائي وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2687).
(2) سورة الحجر الآية (88).
(3) سبق تخريجه.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6018)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (172 و174)
(5) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (171).(1/437)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"في الجنة غرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري:لمن هي يا رسول الله قال:"لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام" (1)
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم فلا يرى إلا ماقدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبة" (2)
" ليس بينه وبينه ترجمان" بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان.
قوله " ولو بكلمة طيبة" فيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة.
باب
قلة الكلام والتحفظ في النطق
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". (3)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". (4)
__________
(1) رواه الطبراني والحاكم وقال : "صحيح على شرطهما"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/16) : "رواه أحمد وفيه ابن ليهعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2692).
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق برقم (6539)، وفي كتاب التوحيد برقم (7443و 7512)، ومسلم في كتاب الزكاة برقم (2345 و2346و5347).
(3) رواه البخاري في كتاب الإيمان برقم (11)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (42).
(4) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (10)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (40).(1/438)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة على ميقاتها". قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: "أن يسلم الناس من لسانك". (1)
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! علّمني عملاً يدخلني الجنة قال: "إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلا عن خير". (2)
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك". (3)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته". (4)
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (5)
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة رجلٌ لا يأمن جاره بوائقه". (6)
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد صحيح وصدره في الصحيحين، الإوراء (1198).
(2) رواه أحمد وغيره.
(3) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وانظر "الصحيحة" (890).
(4) رواه الطبراني في الأوسط، و الصغير، وحسن إسناده كما قال المنذري ووافقهما شيخنا في صحيح الجامع (3929).
(5) رواه البخاري برقم (6109) ، باب حفظ اللسان .
(6) رواه أحمد وغيره.(1/439)
وعن معاذ أيضا - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أوصني. قال: "أعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت، أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله؟ قال: "هذا"، وأشار بيده إلى لسانه. (1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلّها تكفّر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا". (2)
عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول - رضي الله عنه - : "ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صمت نجا". (4)
وعن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا هل عسى رجل منكم أن يتكلم بالكلمة يُضحك بها القوم، فيسقط بها أبعد من السماء ألا هل عسى رجل منكم يتكلم بالكلمة يُضحك بها أصحابه فيسخط الله عليه لا يرضى عنه حتى يدخله النار". (5)
عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل كلام ابن آدم عليه، لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله". (6)
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد كما قال المنذري، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (415)، السلسلة الصحيحة (1473).
(2) صحيح الترمذي برقم (1962).
(3) رواه أبو يعلى في "مسنده"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" وغيرهما، وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (535).
(4) رواه الترمذي برقم (2502) ، والدارمي برقم (2713) .
(5) رواه أبو الشيخ بإسناد حسن وغيره، كما في "الترغيب" للمنذري.
(6) رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما. المشكاة (2275)، السلسلة الضعيفة رقم (1366)، الإيمان ص 46.(1/440)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". (1)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". (2)
وعن أسلم أن عمر دخل يوماً على ابي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: "إن هذا أوردني بشر الموارد". (3)
عن هشيم عن العوام بن حوشب قال: ما رأيت إبراهيم اليتمي رافعاً رأسه إلى السماء في الصلاة ولا في غيرها، ولا سمعته قط يخوض في شيء من أمر الدنيا. (4)
وعن أبو حيان التيمي عن أبيه قال: قال رأيت ابنة الربيع بن خيثم أتته فقالت: يا أبتاه أذهب ألعب؟ قال: يا بُنيتي اذهبي قولي خيراً. (5)
وعن الحسن - رضي الله عنه - قال: كانوا يقولون: لسانه الحكيم من وراء قلبه، فإذا أراد أن يقول رَجَع إلى قلبه، فإن كان له قال: وإن كان عليه أمسك، وإن الجاهل قلبُه على طرف لسانه، لا يرجع إلى قلبه، ما جرى على لسانه تكلم به. (6)
وعن مطرف أبي مصعب، قال: سمعت عبد العزيز بن الماجشون قال: قال أبو حازم لبعض أولئك الأمراء، والله لو تَبِعه لساني، لأشفيت منكم اليوم صدري. (7)
وعن عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت فضيل بن عياض رحمه الله يقول: كان بعض أصحابنا يحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة. (8)
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) صحيح الترغيب.
(3) صحيح الترغيب.
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/213)، وابن أبي الدنيا في الصمت (415).
(5) أخرجه ابن المبارك في الزهد (371)، وابن سعد (6/188)، وابن أبي شيبة (14/14) وابن سعد (6/188).
(6) أخرجه أحمد في الزهد (271).
(7) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (423).
(8) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (436).(1/441)
وعن مطرق بن الشخير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما للسانه: ويحك، قل خيراً تغنم، وإلا فاعلم أنك ستندم، قال: فقيل له: أتقول هذا! قال: بلغني أن الإنسان ليس هو يوم القيامة أشد منه على لسانه، إلا أن يكون قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم. (1)
باب
النهي عن قيل وقال
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". (2)
باب
النهي عن الكلام فيما لا يعنيك
عن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه". (4)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال". (5)
عن يسار أبي الحكم قال: قلت للقمان الحكيم: ما حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كُفيت ولا أتكلّف ما لا يعنيني. (6)
عن داود بن أبي هند قال: بلغني أن معاوية - رضي الله عنه - ، قال لرجل: ما بقي من حلمك؟ قال: لا يعنيني ما لا يعنيني. (7)
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/327-328)، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (439).
(2) رواه مسلم (1715) .
(3) رواه البيهقي في الأربعون الصغرى برقم (118)، صحيح ابن ماجة (2/360).
(4) سبق تخرجيه.
(5) أخرجه البخاري في كتاب الأدب برقم (5975)، وفي كتاب الاستقراض برقم (2408).
(6) أخرجه أحمد في الزهد برقم (106).
(7) رواه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (117).(1/442)
عن المعلى بن زياد، قال موّرق العجلي: أمر أنا أطلبه منذ عشر سنين، لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه، قالوا ما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني. (1)
عن زيد بن أسلم قال: دُخِل على أبي دجانة وهو مريض ووجهه يتهلل فقال: ما من عملي شيءٌ أوثق في نفسي من اثنتين: لم أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليماً. (2)
قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله عز وجل كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويبغض سفسافها". (3)
باب
النهي عن أذية المسلمين
قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (4)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه بنقيض ما أخبر الله عز وجل قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم هؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبداً فهم في الحقيقة منكسو القلوب ويذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين. أ.هـ. (5)
__________
(1) أخرجه أحمد في الزهد برقم (305)، وابن حبان في روضة العقلاء برقم (50)، وأبو نعيم في الحلية (2/235).
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/557)، وذكره الذهبي في السير (1/243).
(3) أخرجه الحاكم في "المستدرك"، وأبو نعيم في "الحلية"، وغيرهما، وهو في "السلسلة الصحيحة" برقم (1378).
(4) سورة الأحزاب: (الآية 58).
(5) تفسير ابن كثير (3/517).(1/443)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . (1)
اللمز: الاغتياب.
التنابز: التلقيب.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه حرام وماله وعرضه". (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه". (4)
باب
ما جاء في فضل الصدق
قال الله تعالى: { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (5) .
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } (6)
__________
(1) سورة الحجرات الآية (11).
(2) صحيح الترمذي برقم (1655). المشكاة رقم (5044).
(3) رواه مسلم برقم (2564) ، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله .
(4) رواه البخاري برقم (5707) ، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب ، ومسلم برقم (2591)، باب مداراة من يتقي فحشه .
(5) سورة المائدة الآية (119).
(6) سورة التوبة الآية (119).(1/444)
وقال الله تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } (1) .
وقال تعالى: { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } (2) .
وقال تعالى: { وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ } إلى قوله تعالى { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (3) .
وقال تعالى { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ، لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } (4) .
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار" (5) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صِديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" (6) .
__________
(1) سورة الأحزاب الآية (23).
(2) سورة الأحزاب الآية (24).
(3) سورة الأحزاب (35).
(4) سورة الزمر الآية (33-35).
(5) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال الهيثمي في مجمع الزوائد(1/93): "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن" ، صحيح الجامع (4071)، المشكاة(2824) والطحاوية (98).
(6) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2607).(1/445)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة ، وصدق حديث، وحسن خليقةٍ، وعفةُ في طُعمةٍ" (1) .
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه"". (2)
ربض الجنة : أي ما حولها .
وفي رواية عن فضالة بن عبيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و هاجر ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، و أنا زعيم لمن آمن بي و أسلم و جاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة ، و بيت في وسط الجنة ، و بيت في أعلى غرف الجنة ، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلبا و لا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت . (3)
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم ،و غضوا أبصاركم ، وكُفُوا أيديكم" (4) .
__________
(1) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بإسانيد حسنة، صحيح الترغيب برقم (2929).
(2) رواه أبو داود، الصحيحة رقم (273)، صحيح الجامع رقم (1464).
(3) ) ) صحيح الجامع حديث رقم (1465) .
(4) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم والبيهقي، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه، وقال الحاكم " صحيح الإسناد" ، وقال الألباني: صحيح لغيره" الترغيب (2925).(1/446)
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار" (1) .
والصدق عاقبته خير وإن توقع المتكلم شراً وفيه النجاة والصلاح، قال الله تعالى: { فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } . (2)
وفي قصة توبة كعب بن مالك، يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا: "يا رسول الله ! إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت".
ويقول - رضي الله عنه - كذلك: "فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا...". (3)
وروى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد أنه قيل له: كيف تخصلت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: لو وضع الصدق على جرح لبرأ.
عن يزيد بن خمير قال: سمعت سليم بن عامر يحدث عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط، سمع ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - ، بعد ما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنة فقال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أو مقامي هذا، ثم بكى أبو بكر ثم قال: عليكم بالصدق، فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والذكب، فإنه مع الفجور، وهما في النار". (4)
__________
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2933).
(2) سورة محمد الآية (21).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4418).
(4) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (724)، وابن ماجة (3849) وأحمد (1/3، 5، 7) والحميدي (7) وأبو يعلى (121) وابن حبان (106) والخرائطي في المكارم (307) والطحاوي في المشكل (1/189-190).(1/447)
وعن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن الصدق يهدي الى البر، وإن البر يهدي الى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صدِّيقا". (1)
وعن عمرو بن مرة قال: سمعت مرة الهمداني قال: كان عبد الله - رضي الله عنه - يقول: عليكم الصدق، فإنه يهدي الى الجنة، وما يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويثبت البر في قلبه، فلا يكون للفجور موضع إبرة يستقر فيها. (2)
وعن عمارة بن أبي حفصة، سمع أبا مجلز يقول: قال رجل لقومه: عليكم بالصدق فإنه نجاة. (3)
باب
النهي عن الكذب
قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } . (4)
قال الله تعالى: { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } . (5)
الخراصون: الكذابون.
وقال الله تعالى: { ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } . (6)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا". (7)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان". (8)
__________
(1) أخرجه البخاري (5743)، باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وما ينهى عن الكذب، ومسلم برقم (2607)، باب تحريم النميمة .
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (443).
(3) أخرجه ابن ابي الدنيا في الصمت برقم (450).
(4) سورة غافر الآية (28).
(5) سورة الذاريات الآية (10).
(6) سورة آل عمران الآية (61).
(7) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6094)، ومسلم في كتاب "البر" برقم (2606 و 2607).
(8) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (23)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (59).(1/448)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر". (1)
باب
النهي عن التشبع بما لم يعط
قال الله تعالى: { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (2)
عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أعطي عطاء فوجد، فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإنه من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يُعطه، كان كلابس ثوبي زور". (3)
وعن أسماء رضي الله عنها، أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرّة فهل عليّ جناح إن تشبعّت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع بما لم يُعط، كلابس ثوبي زور". (4)
فيجب على العبد أن يقنع بما رزقه الله، وان لا يتشبع بما لم يُعط، فإن ذلك مما نهى عنه الشارع الحكيم.
قال النووي رحمه الله في "رياض الصالحين":
(والمتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان ومعناه هنا: أن يُظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة، "ولابس ثوبي زور" أي ذي زور، وهو الذي يزور على الناس؛ بأن يتزيّا بزي أهل الزهد والعلم أو الثروة ليغتر به الناس، وليس هو بتلك الصفة، وقيل غير ذلك، والله أعلم).
وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع ما لم يعط كلابس ثوبي زور". (5)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (34)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (58).
(2) سورة آل عمران الآية (188).
(3) البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وغيرهما، الصحيحة برقم (617).
(4) متفق عليه.
(5) رواه مسلم في كتاب "اللباس" (2130).(1/449)
وقال عليه الصلاة والسلام: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث". (1)
باب
النهي عن الكذب بقصد المزاح
والصدق فيه
يجب على المسلم أن لا يتكلم إلا بحق وصدق، حتى لو كان مازحاً، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا ذا الأذنين". (2)
قال أبو أسامة يعني يمازحه.
وعن أنس أيضا - رضي الله عنه - قال: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا ابا عمير! ما فعل النغير". (3)
النغير: طائر صغير.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلاً استحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني حاملك على ولد ناقة"! فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة. فقال - صلى الله عليه وسلم - : وهل تلد الإبل إلا النوق". (4)
__________
(1) رواه البخاري في "النكاح" برقم (5143)، ورواه مسلم في "البر والصلة" برقم (2563).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب.
(3) رواه مسلم في كتاب الأدب بدون كلمة "يا" برقم (2150)، والترمذي وغيرهما.
(4) أخرجه الترمذي، وأبو داود وغيرهما، "مختصر الشمائل" برقم (203).(1/450)
وعنه - رضي الله عنه - أيضاً: أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً وكان يهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هدية من البادية فيجهزه النبي إذا أراد أن يخرج فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه" وكان يحبه وكان رجلاً دميماً، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل لا يألوا ما ألصق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يشتري هذا العبد؟" فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لكن عند الله لست بكاسد" أو قال: "أنت عند الله غالٍ". (1)
البادي: المقيم بالبادية، وحاضروه: أي حاضروا المدينة له.
دميماً: أي قبيح الصورة.
يألوا: لا يقصر.
وعن الحسن رحمه الله و رضي عنه قال: أتت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يدخلني الجنة فقال: يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز" قال: فولّت تبكي، فقال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، وإن الله تعالى يقول: { إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً، عُرُباً أَتْرَاباً } (2) ". (3)
الأبكار: هن العذارى.
عُربا: أي متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل.
أترابا: أي مستويات من سنّ واحدة.
فالمزاح لا بأس به، ولكن على المرء أن لا يكثر منه، ولا يكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب.
قال عليه الصلاة والسلام: "لا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك
__________
(1) رواه الترمذي في "الشمائل"، والبغوي في "شرح السنة"، واحمد وغيرهم وهو من "مختصر الشمائل" برقم (204).
(2) الواقعة: (35، 36، 37).
(3) حسن لغيره لشاهد له خرّجه شيخنا في "غاية المرام" برقم (375).(1/451)
تميت القلب". (1)
عن جابر - رضي الله عنه - أنه يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "كان طويل الصمت، قليل الضحك". (2)
باب
حفظ السر وعدم إفشائه
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت، فهي أمانة" (3)
وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : ما وضعت سري عند أحدٍ أخشاه علي فلمته، إنما كنت أضيق به، حيث استودعته إياه. (4)
فيجب على المسلم أن يحفظ السر ولا يفشيه وأن يفي بالعهد، حيث قال الله تعالى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } . (5)
__________
(1) ابن ماجه، وغيره، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (506).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد (3/324 و 352، 379، 380، 394)، وأبو داود برقم (4868)، والترمذي (1959)، والطحاوي في المشكل (4/335-336). ،والطيالسي (1761)، وصححه الألباني في المشكاة برقم (5061)، و الصحيحة برقم (1090).
(4) أخرجه ابن حبان في الروضة (188)، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم (406).
(5) سورة الإسراء الآية (34).(1/452)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن عمر - رضي الله عنه - حين تأيمت بنته حفصة قال: لقيت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ قال: سأنظر في أمري. فلبث ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. فلقيت ابا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ فقلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - لقبلتها. (1)
"تأيمت" : مات زوجها ، وأصبحت بلا زوج .
"وجدت" : غضبت .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أتى عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا، فبعثني في حاجته، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك. فقلت: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تخبرني بسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحداً. قال أنس: والله لو حدّثت به أحد لحدثتك به يا ثابت". (2)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان". (3)
__________
(1) ) ) رواه البخاري برقم (5122) .
(2) رواه مسلم.
(3) رواه البخاري في كتاب "الإيمان" برقم (23)، ومسلم في كتاب "الإيمان" برقم (59).(1/453)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة". (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن المجاهرة، أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". (2)
معافى: أي قد عافهم الله عز وجل.
المجاهرون: هم الذين يجاهرون بمعصية الله عز وجل.
باب
التحذير من ذي الوجهين و اللسانين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة، وتجدون أشر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". (3)
وروي عن أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان ذا لسانين، جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار". (4)
__________
(1) أخرجه أحمد ، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1090).
(2) رواه البخاري (8/24)، وبنحوه مسلم برقم (2990).
(3) رواه البخاري في كتاب المناقب برقم (3304)، ومسلم برقم (2526)، باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله .
(4) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" والطبراني و الأصبهاني وغيرهم، وقال الألباني: "صحيح لغيره" صحيح الترغيب رقم (2950).(1/454)
وعن محمد بن زيد: أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلطاننا فنقول بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ فقال: "كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (1)
وفي رواية: عن عريب الهمداني قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم فإذا خرجنا دعونا عليهم؟ قال كنا نعدّ ذلك النفاق. (2)
وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار". (3)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري أيهما تتبع". (4)
باب
النهي عن النميمة
قال الله تعالى: { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } . (5)
وقال تعالى: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } . (6)
(النميمة): نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم.
__________
(1) رواه البخاري برقم (6756)، باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج ذلك ، والبيهقي في الكبرى برقم (1638)، باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج ذلك
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وفي الصمت برقم (278)، وعزاه الحافظ في الفتح (13/170) لبعد الرحمن بن عمر الأصبهاني في كتاب الإيمان.
(3) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2949).
(4) أخرجه مسلم برقم (2784) دون قوله: "لا تدري أيهما تتبع" وغيره.
(5) سورة يونس الآية (10-11).
(6) سورة الحجرات الآية (12).(1/455)
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة نمام" وفي رواية: "قتات". (1)
(القتات) و (النمام) بمعنى واحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما احدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله". (2)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تجد من شرار الناس ذا الوجهين هو الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه". (3)
وفي لفظ: "تجد شرار الناس ذا الوجهين".
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر". (4)
عن أبي إسحق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله بن عمر رضي الله عهما قال: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "ألا أنبئكم بالعضة: هي النميمة، القالة بين الناس". (5)
وعن بشيل بن عوف رحمه الله قال: كان يقال: من سمع بفاحشةٍ فأفشاها فهو كالذي ابداها. (6)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6056)، ورواه مسلم في كتاب "الإيمان" برقم
(105).
(2) رواه البخاري في كتاب "الوضوء" برقم (216) ورواه مسلم في كتاب "االطهارة" برقم
(292).
(3) رواه البخاري في كتاب "الأدب" برقم (6058)، ورواه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2526).
(4) أخرجه أبو داود في "الأدب" برقم (4860) والترمذي في "أبواب المناقب" (3896 و 3897)، والبغوي في "شرح السنة" (3571) وأحمد في "المسند" (1/396) والبيهقي في "الآداب" (142) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه". وضعفه الشيخ الألباني في سنن أبي داود برقم (4860).
(5) أخرجه مسلم برقم (2606) ، باب تحريم النميمة .
(6) أخرجه وكيع (450)، وعنه هناد (1401) كلاهما في الزهد، والبخاري في الأدب المفرد برقم (325)، وأبو نعيم في الحلية (4/160).(1/456)
وعن كعب قال: اتقوا النميمة فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر.
وروى منصور عن مجاهد: حمالة الحطب قال: كانت تشمي بالنميمة. (1)
وعن ابي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
وفي رواية: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن أقول تحلق الدين". (2)
وعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب". (3)
وفي رواية: "المفسدون بين الأحبة".
وفي رواية: "ألا أخبركم بخياركم؟" قالوا: بلى. قال: "الذين إذا رؤوا ذُكر الله، أفلا أخبركم بشراركم؟" قالوا: بلى. قال: "المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون البُراء العنت". (4)
باب
النهي عن الغيبة والبهت
قال الله تعالى: { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه } . (5)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغيبة ذكر أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن ما تقول فقد بهته". (6)
__________
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وفي كتاب الصمت برقم (263)، وابن جرير (30/339).
(2) رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه" والترمذي وصححه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3/75).
(3) رواه أحمد في مسنده، وقال الألباني: "حسن لغيره" صحيح الترغيب رقم (2824).
(4) التعليق الرغيب (3/260، 295)، صحيح الأدب المفرد رقم (246).
(5) سورة الحجرات الآية (12).
(6) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة" برقم (2589)، وأبو داود والترمذي والنسائي.(1/457)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : حسبك من صفية كذا وكذا يعني أنها قصيرة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". -يعني لأفسدته وأنتنته.
قالت: وحكيت له إنساناً فقال: "ما أحب أني حكيت إنساناً، وأن لي كذا وكذا". (1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. (2)
يخمشون: أي يجرحون.
عن أبي بكرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت". (3)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق". (5)
__________
(1) أخرجه الترمذي وأبو داود والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2834).
(2) أخرجه أحمد (3/224) ، وأبو داود برقم (4878)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2839).
(3) رواه البخاري في كتاب العلم برقم (67) وفي كتاب "الفتن" برقم (7078)، ومسلم في كتاب "القسامة" برقم (1679).
(4) صحيح الجامع رقم (3537).
(5) صحيح الجامع رقم (3247) .(1/458)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، اتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته". (1)
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
ولا يدري هؤلاء أن كلمة واحدة يمكن أن تحبط جميع أعمالهم، وتوبق دنياهم وأخراهم.
ينبغي على من حلت إليه نميمة ستة أمور. (2)
الأول: أن لا يصدقه لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: أن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي عنه فيقول: فلان حكى كذا فيصير نماماً، ويكون آتيا ما نهى عنه هذا آخر كلام أبي حامد الغزالي رحمه الله.
وبعد هذا كله عليه كذلك أن يتثبت إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأن ينصح إذا تيقن، وأن يستر والله أعلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله". (3)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر أمر الربا، وعظّم شأنه وقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أدنى الربى عرض الرجل المسلم". (4)
__________
(1) رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
(2) من كتاب الآداب للأخ فؤاد عبد العزيز الشلهوب.
(3) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2564)، والترمذي.
(4) سبق تخريجه.(1/459)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه".
وفي رواية لأبي داود أنه قال: "إن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر السُّباب بالسُّبة". (1)
ورواه ابن ابي الدنيا ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الربا تسعون حُوباً، وأيسرها كنكاح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم". (2)
(الحوب): بضم الحاء المهملة هو الإثم .
وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : إنه مر على بغل ميت فقال لبعض أصحابه: لأن يأكل الرجل من هذا حتى يملأ بطنه، خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم". (3)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فوقع فيه رجل من بعده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تخلل!" فقال: ومما أتخلّل؟ ما أكلت لحماً! قال: "إنك أكلت لحم أخيك". (4)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
فقال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار". (5)
__________
(1) رواه البزار وأبو داود، وقال الألباني: "صحيح لغيره" الترغيب (2832).
(2) صحيح الترغيب (3/77).
(3) رواه أبو الشيخ ابن حيان وغيره، وصححه الألباني، الترغيب (2838).
(4) رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2608).
(5) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2581)، والترمذي وغيرهما.(1/460)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال". (1)
(ردغة الخبال): هي عصارة أهل النار.
عن حماد عن إبراهيم قال: كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: الغيبة: أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه وإذا قلت ما ليس فيه فذلك البهتان. (2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة". (3)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". (4)
عن الحسن رحمه الله أنه كان يقول: إياكم والغيبة والذي نفسي بيده، لهي أسرع في الحسنات من النار في الحطب. (5)
باب
تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا } . (6)
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } . (7)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله أخواناً". (8)
__________
(1) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2845).
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي كتاب الصمت برقم (211).
(3) رواه ابن ابي الدنيا موقوفا، ورواه بعضهم مرفوعا، الصحيحة (1217).
(4) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2848).
(5) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وفي الصمت برقم (300).
(6) سورة الحجرات الآية (12).
(7) سورة الأحزاب الآية (58).
(8) رواه مسلم.(1/461)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا". (1)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم". (2)
باب
وجوب التبين قبل الكلام والتثبت فيما يقوله المرء
قال الله تعالى: { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } . (3)
وقال تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . (4)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . (5)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". (6)
وعنه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" (7)
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع". (8)
__________
(1) متفق عليه.
(2) أخرجه أبو داود. وصححه الألباني في سنن أبي داود برقم (4888).
(3) الإسراء:36، وقد أخذت هذا الموضوع من كتاب "حصائد الألسن".
(4) سورة ق الآية (18).
(5) سورة الحجرات الآية (49).
(6) سبق تخريجه.
(7) أخرجه البخاري (6478-فتح)، (كتاب الرقاق) (باب حفظ اللسان).
(8) رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (4177) وصحيح الجامع (4480).(1/462)
وقال عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع". (1)
فعلى العبد أن يلتزم الصمت، وأن لا يتكلم إلا بخير، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمتْ". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صَمَت نجا". (3)
باب
ثواب الحلم والصفح وكظم الغيظ
قال تعالى { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } إلى قوله { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } (4) .
وقال تعالى: { خذ العفو وأمر بالعرفِ وأعرض عن الجاهلين } (5) .
وقال تعالى: { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون } (6) .
وقال تعالى: { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } (7) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يُحبهما الله: الحلم والأناة" (8) .
وخرج أبو الشيخ ابن حبان بإسناده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم والقائم" (9) .
__________
(1) رواه مسلم في مقدمته، وفي الصحيحة برقم (2025).
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) سورة آل عمران الآية (134-136).
(5) سورة الأعراف الآية (199).
(6) سورة الشورى الآية (37)
(7) سورة فصلت الآية (34-35).
(8) أخرجه مسلم برقم (17و25).
(9) رواه ابن حبان في سننه .(1/463)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دلني على عمل يدخلني الجنة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تغضب ولك الجنة" (1) .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه" (2) .
العنف : الشدة والمشقة .
الرفيق : يستحب الثناء الجميل والأجر الجزيل من الله سبحانه وتعالى.
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (3) .
و قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الصرعة كل الصرعة الصرعة كل الصرعة الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ويقشعر جلده فيصرع غضبه" (4) .
الصُّرعة: بضم الصاد وفتح الراء هو الذي يصرع الناس بقوته.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث من كن فيه أواه الله في كنفه وستر عليه برحمته وأدخله في محبته من إذا أعطي شكر وإذا قدر غفر وإذا غضب فتر" (5) .
وعنه في قوله تعالى { ادفع بالتي هي أحسن } قال: "الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلو ذلك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم" (6) .
__________
(1) قال الهيثمي في جمع الزوائد (8/70):"رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إٍسنادي الكبير رجاله ثقات " صحيح الجامع رقم (7374).
(2) أخرجه مسلم برقم (2593).
(3) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6114)ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2609).
(4) رواه أحمد.
(5) رواه الحاكم في المستدرك (1/125-126) وقال ٍ: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(6) ذكره البخاري معلقاً.(1/464)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني قال: "لا تغضب" فردد مراراً، قال:"لا تغضب " (1) .
قال سليمان بن صرد: كنت جالسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلان يستبان وأحدهما قد أحمر وجهه وانتفخت أوداجُهُ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد" فقالوا له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقال: وهل بي من جنون (2) .
من فوائد هذه الكلمة تكون سبب لذهاب الغضب وتهدئته لأن الغضب من الشيطان فعندما تستعيذ بالله من الشيطان فالله سبحانه وتعالى يعيذك منه ويؤدي بالتالي إلى كتم الغيظ فيترتب عليه أجور عظيمة جداً فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء " (3) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :فإذا اغتاظ الإنسان من شخص وهو قادر على أن يفتك به ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله وصبر على ما حصل له من أسباب الغيظ فله هذا الثواب العظيم أنه يدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة ويخير من أي الحور شاء .آ.هـ شرح رياض الصالحين (1/213).
(الغيظ): هو الغضب الشديد .
وقال الليث بن سعد وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أن أكتب إلي بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماءِ الناس، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل (4) .
باب
ثواب احتمال الأذى
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6116).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6115)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2610).
(3) سبق تخريجه .
(4) سير أعلام النبلاء (3/222).(1/465)
قال الله تعالى: { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المُحسنين } .
وقال الله تعالى: { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رجلاً قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لي قرابةً أصلهم ويقطعونني وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إلى وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المَل ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك" (1) .
"المل": هو الرماد الحار.
وعن سهل بن معاذ عن أبيه - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من حور العين ما شاء" (2) .
باب
ثواب من رد غيبة أخيه المسلم وذب عن عرضه
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" (3) .
وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حمى مؤمناً من منافق أراه قال: بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلماً بشيء يريد به شينه حبسه الله عز وجل على جسر حتى يخرج مما قال" (4) .
شينه: أي عيبه وتنقصه والشين العيب.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار" (5) .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2558).
(2) رواه أبو داود في الأدب (4777)، ابن ماجه في الزهد (4186)مع اختلاف في ألفاظه، الصحيحة رقم (1750).
(3) رواه الترمذي وقال( حديث حسن) ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ، غاية المرام (431) صحيح الجامع (6138)، وصحيح الترغيب برقم (2848).
(4) رواه أبو داود، المشكاة (4986).
(5) رواه البيهقي في السنن، صحيح الجامع (6139).(1/466)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار" (1) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة" (2) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من نصر أخاه المسلم بالغيب، نصره اللهُ في الدنيا والآخرة " (3) .
باب
ثواب الصدق
قال الله تعالى: { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدأً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم } (4) .
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } (5)
وقال الله تعالى: { من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم
من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً } (6) .
وقال تعالى: { ليجزي الله الصادقين بصدقهم } (7) .
وقال تعالى: { والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات } إلى قوله تعالى { أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً } (8) .
وقال تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليُكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون" (9) .
__________
(1) رواه الطبراني عن أسماء بنت يزيد ، ورواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وقال الألباني في الترغيب: "صحيح لغيره" (2847).
(2) رواه البيهقي في السنن والضياء عن أنس ، صحيح الجامع رقم (6450)، وصحيح الترغيب برقم (2848).
(3) رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً، وقال الألباني رحمه الله: ورواه بعضهم مرفوعاً، انظر الصحيحة برقم (1217)، وصحيح الترغيب برقم (2849).
(4) سورة المائدة الآية (119).
(5) سورة التوبة الآية (119).
(6) سورة الأحزاب الآية (23).
(7) سورة الأحزاب الآية (24).
(8) سورة الأحزاب (35).
(9) سورة الزمر الآية (33-35).(1/467)
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار" (1) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صِديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" (2) .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة ، وصدق حديث، وحسن خليقةٍ، وعفةُ في طُعمةٍ" (3) .
وتقدم حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه" (4) .
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم ،و غضوا أبصاركم ، وكُفُوا أيديكم" (5) .
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد حسن، قال الهيثمي في مجمع الزوائد(1/93): "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن" ، صحيح الجامع (4071)، المشكاة(2824) والطحاوية (98).
(2) رواه البخاري في كتاب الأدب برقم (6094)، ومسلم في كتاب البر والصلة برقم (2607).
(3) رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بإسانيد حسنة، صحيح الترغيب (2929).
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه أحمد وابن أبي الدنيا، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم والبيهقي ، وقال الحاكم " صحيح الإسناد" ، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب رقم (2925).(1/468)
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالصدق فإنه مع البر، وهما في الجنة وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار" (1) .
باب
ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر
عن أم الدرداء قالت : حدثني سيدي (يعني زوجها أبو الدرداء وهي الصغرى) أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: ولك بمثل" (2) .
(وقال الحافظ): أم الدرداء هذه هي الصغرى تابعية واسمها (هُجيمة) ويقال (جهيمة) بتقديم الجيم ويقال (جُمانة) ليس لها صحبة إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى واسمها (خيرة) وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث قاله: غير واحد من الحُفاظ "انظر العجالة".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر" (3) .
باب
فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب
و عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما من عبدٍ مسلم يدعوا لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل" (4) .
وعنه - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل" (5) .
__________
(1) رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2933).
(2) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6865)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1534)، واللفظ له.
(3) رواه أبو داود ، والترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3132).
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (6864)، وأبو داود في كتاب الصلاة برقم (1534).
(5) أخرجه مسلم.(1/469)
وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان كانت تحته، الدرداء قال: قدمت الشام ، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت : نعم قالت: فادع الله لنا بخير فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " دعوة المرء بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"
قال فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
(بظهر الغيب) معناه:في غيبة المدعو له وفي سِره لأنه أبلغ في الإخلاص
(بمثل) بكسر الميم وإسكان الثاء أي عديله سواء.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعاء لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعاء لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعوا لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها.
كتاب الجنائز
باب
الصبر عند الصدمة الأولى
قال الله تعالى: { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .. (2)
الصبر لغة : الحبس
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "الصبر شرعاً هو: حبس النفس على ثلاثة أمور :
الأول : طاعة الله
والثاني : عن محارم الله
والثالث : على أقدار الله المؤلمة
فهذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم .أ.هـ. . (3)
وقال حفظه الله: الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:
الحالة الأولى : أن يتسخط
والحالة الثانية : أن يصبر
والحالة الثالثة : أن يرضى
والحالة الرابعة : أن يشكر
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم(6866)، وابن ماجه في كتاب الحج برقم (2895).
(2) ) ) سورة البقرة الآية (155-157).
(3) ) ) شرح رياض الصالحين (1/119)(1/470)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن يتصبر يصبره الله وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر" . (1)
وقوله ومن يتصبر : أي يعالج نفسه على ترك السؤال ويصبر إلى أن يحصل له الرزق .
وقوله يصبره الله : أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ويذعن لتحمل الشدة ، فعند ذلك يكون الله معه فيظفره بمطلوبه . ا هـ . (2)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: وأما من وفقه الله تعالى للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً واحتسب أجرها عند الله وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له ، بل المصيبة تكون نعمة في حقه لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها فقد امتثل أمر الله وفاز بالثواب.
فلهذا قال الله تعالى : { وبشر الصابرين } .
أي بشرهم بأنهم يوفون أجورهم بغير حساب فالصابرين هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة .أ.هـ . . (3)
باب
ثواب ما يقول من مات له ميت
قال الله تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (4) .
وعن ابن موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم فيقول:قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. (5) .
__________
(1) ) ) رواه البخاري برقم (1400)، ومسلم برقم (1053) .
(2) ) ) فتح الباري (11/304) .
(3) ) ) تيسير الكريم الرحمن (1-100)
(4) سورة البقرة الآية (156)
(5) رواه الترمذي و حسنه ابن ماجه، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع
برقم (807)، السلسلة الصحيحة رقم (1408).(1/471)
وعن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌُ من أبي سلمة أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إني قلتها فأخلف الله خيراً منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
وفي رواية لمسلم : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: "قولي :اللهم اغفر لي وله، واعقبني منه عُقبى حسنة" فقلت، فأعقبني الله مَنْ هو خيرٌ لي منه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - (2) .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال : "اتقي الله واصبري، قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل : لها إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين، فقالت :لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" . (3)
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (918)
(2) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز رقم (919)
(3) )) رواه البخاري برقم (1223) ، باب زيارة القبور ، ومسلم برقم (926) ، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى .(1/472)
"إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم،فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟فيقولون : نعم،فيقول : فماذا قال عبدي؟فيقولون : حمدك واسترجع،فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد" . (1)
إذا مات ولد العبد ، أي الإنسان ولو أنثى ، قال الله تعالى لملائكته الموكلين بقبض الأرواح : قبضتم ولد عبدي أي روحه ، فيقولون : نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ، أي نتيجته كالثمرة تنتجها الشجرة ، فيقولون : نعم ، فيقول :ماذا قال عبدي ، فيقولون : حمدك واسترجع ، أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .
__________
(1) ) ) رواه الترمذي ، وحسنه ابن ماجه ، و كذلك حسنه العلامة الألباني رحمه الله، صحيح الجامع برقم (807)، والسلسلة الصحيحة برقم (1408) .(1/473)
قال الطيبي : رجع السؤال إلى تنبيه الملائكة على ما أراد الله من التفضل على عبده الحامد لأجل تصبره على المصائب وعدم تشكيه بل إعداده إياها من النعم الموجبة للشكر ثم استرجاعه وأن نفسه ملك لله وإليه المصير ، وقال أولا ولد عبدي أي فرع شجرته ثم ترقى إلى ثمرة فؤاده أي نقاوة خلاصته ، فإن خلاصة المرء الفؤاد ، والفؤاد إنما يعتد به لمكان اللطيفة التي خلق لها فحقيق لمن فقد تلك النعمة فتلقاها بالحمد أن يكون هو محمودا حتى المكان الذي يسكنه ، ولذلك قال فيقول الله تعالى لملائكته أو لمن شاء من خلقه ابنوا لعبدي بيتا في الجنة يسكنه في الآخرة وسموه بيت الحمد أخذ من تسميته به أن الأسقام والمصائب لا يثاب عليها لأنها ليست بفعل اختياري بل هو على الصبر وهو ما عليه ابن عبد السلام وابن القيم ، قالا : فهو إنما نال ذلك البيت بحمده واسترجاعه لا بمصيبته، وإنما ثواب المصيبة يكفر الخطايا لكن الأصح خلافه تنبيه ظاهر ترتيب الأمر ببناء البيت على الحمد والاسترجاع معا أنه لو أتى بأحدهما دون الآخر لا يبنى له شيء وعليه فكان القياس في وجه التسمية أن يقال سموه بيت الحمد والاسترجاع لكن الأقرب أن الخصلة التي يستحق بها ذلك إنما هي الحمد وذلك الاسترجاع معه كالتتمة والرديف بدليل إفراده بالتسمية تتمة قال المصنف موت الأولاد فلذ الأكباد ومصابهم من أعظم مصاب وفراقهم يقرع القلوب والأوصال والأعصاب يا له من صدع لا يشعب يوهي القوي ويقوي الوهي ويوهن العظم ويعظم الوهن مر المذاق صعب لا يطاق يضيق عنه النطاق شديد على الإطلاق لا جرم أن الله تعالى حث فيه عليه الصبر الجميل ووعد عليه بالأجر الجزيل وبنى له في الجنة ذاك البناء الجليل .اهـ . (1)
باب
صبر أم حارثة
__________
(1) ) ) فيض القدير (1/440) .(1/474)
عن أنس - رضي الله عنه - أيضاً، أن أم الربيع البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة وكان قتل يوم بدر فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال: "يا أم حارثة إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى". (1)
باب
النهي عن النياحة واللطم
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اثنتان هما بالناس كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت". (2)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : "النائحة إذا لم تتب أُلبست درعاً من جرب وسربالاً من قطران يوم القيامة". (3)
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". (4)
وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي عن امرأة من المبايعات قالت: "كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، ولا ننشر شعراً". (5)
وعن أبي أمامة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور". (6)
قوله : الخامشة : قال ابن منظور : الخَمْشُ: الخدْشُ في الوجه وقد يستعمل في سائر الجسد، خَمَشَه يَخْمِشُه و يَخْمُشُه خَمْشاً و خُمُوشاً و خَمَّشه. و الخُمُوشُ: الخُدُوشُ . (7)
باب
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد برقم (2809).
(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (67).
(3) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (974).
(4) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1297)، ورواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (103).
(5) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3535).
(6) رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3536).
(7) )) لسان العرب (6/299) .(1/475)
الميت يعذب بما نيح عليه
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم - : "إن الميت يعذب في قبره بما نيح عليه". (1)
وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة". (2)
وعن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال : "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" . (3)
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تعدد عليه فتقول: واكذا واكذا، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذا أنت كذا". (4)
وزاد البخاري: "فلما مات لم تبك عليه" أي بعد هذه القصة، فإنه مات شهيداً في غزوة مؤتة كما هو معروف في كتب الحديث والسيرة . قاله الألباني رحمه الله .
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه! أو نحو ذلك، إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا أنت؟!". (5)
(اللهز): هو الدفع بجمع اليد في الصدر.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1292)، ورواه مسلم في كتاب الجنائز برقم(927).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1291)، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (933).
(3) )) رواه البخاري برقم (1227) ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ، ومسلم برقم (932) ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه .
(4) أخرجه البخاري في كتاب المغازي برقم (4267).
(5) رواه ابن ماجة، والترمذي واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3522).(1/476)
وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي، إذا قالت: واعضداه! وامانعاه، واناصراه، واكاسياه، جبذ الميت فقيل: أنا حِرها أنت؟! أكاسيها أنت؟!". (1)
وفاة عمر - رضي الله عنه - وبكاء صهيب عليه
__________
(1) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب برقم (3523).(1/477)
عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر والحاصل إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال بن عباس رضي الله عنهما قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك ثم حدث قال صدرت مع عمر - رضي الله عنه - من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الركب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال ادعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه فقال - رضي الله عنه - يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه قال بن عباس رضي الله عنهما فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى قال بن عباس رضي الله عنهما ثم ذلك والله هو أضحك وأبكى قال بن أبي مليكة والله ما قال بن عمر رضي الله عنهما شيئا . (1)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1226) ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ، ومسلم برقم (928) ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه .(1/478)
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله : هذا أحد الأحاديث التي ردتها عائشة واستدركتها ووهمت فيه ابن عمر، والصواب مع ابن عمر فإنه حفظه ولم يتهم فيه، وقد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبوه عمر بن الخطاب وهو في الصحيحين، وقد وافقه من حضره من جماعة الصحابة كما أخرجا في الصحيحين عن ابن عمر قال : لما طعن عمر أغمي عليه فصيح عليه فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الميت ليعذب ببكاء الحي" . اهـ. (1)
باب
النياحة من أمر الجاهلية
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".
وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب". (2)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ثلاثة من الكفر بالله، شقً
الجيب، والنياحة، والطعن في النسب". (3)
وفي رواية لابن حبان: "ثلاثة هي الكفر".
وفي أخرى: "ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الإسلام" فذكر الحديث.
(الجيب): هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في القميص ونحوه.
__________
(1) )) حاشية ابن القيم علي سنن أبي داود (8/277) .
(2) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (934).
(3) رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3525).(1/479)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة رن إبليس رنةً اجتمعت إليه جنوده. فقال: ايأسوا بأن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح. (1)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة". (2)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "النياحة من أمر الجاهلية، وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران، ودرعاً من لهب النار". (3)
(القطران) بفتح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: "هو النحاس المذاب"
وقال الحسن: "هو قطران الإبل" وقيل غير ذلك.
باب
النياحة سبب لدخول الشيطان للبيت
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
لما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرضه غربة، لأبكيّنه بكاءً يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة تريد أن تساعدني، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه؟".
فكففت عن البكاء، فلم أبك. (4)
تساعدني: أي في البكاء والنوح، قولها (غريب في أرض غربة) لأنه من أهل مكة ومات بالمدينة.
باب
في أن من مات له ثلاثة من الولد دخل الجنة
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير، وأبو يعلى في المسند الكبير، والضياء في امختارة، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3526)، والصحيحة برقم (3417).
(2) رواه البزار، وقال المنذر في الترغيب: رواته ثقات، وحسنه الشيخ الألباني في الترغيب برقم (3527).
(3) رواه ابن ماجة، وقال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب (3/382).
(4) رواه مسلم في كتاب الجنائز برقم (922).(1/480)
عن أنس - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" (1) .
الحنث: بكسر الحاء وسكون النون : هو الإثم والذنب والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم في الذنوب.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
"من أشكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله في سبيل الله عزَّ وجلَّ وجبت له الجنة" (2) .
وعن عتبة بن عبد السلمي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" (3) .
وعن حبيبه أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها فقال: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم :"ادخلوا أنتم وآباؤكم" (4) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1248) ، ومسلم في كتاب البر والصلة .
(2) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2000)والصحيحة برقم (2296).
(3) رواه ابن ماجه بإسناد جيد، صحيح الجامع (5772)، الرياض (958)، الجنائز (ص23). وحسنه الألباني في الترغيب برقم (1993).
(4) رواه الطبراني بإسناد جيد، المشكاة (1754) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2003).(1/481)
وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة - رضي الله عنه - ، إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم " صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوب هذا فلا يتناهى أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة" (1) .
الدعاميص: بفتح الدال وبالصاد مهملتين جمع دعموص بضم الدال وهي دويبة صغيرة تكون في العذران إذا نشفت يضرب لونها إلى السواد وشبه الطفل به لصغره وسرعة حركته في الجنة. وقيل الدعموص هو الرجل كثير الدخول على الملوك من غير إذن منهم.
وصنفة الثوب : بفتح الصاد المهملة والنون معاً بعدهما فاء هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له، وقيل هي الناحية ذات الهدب والله تعالى أعلم.
باب
في أن من مات له ولد واحد فصبر
دخل الجنة
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة" فقالت له عائشة : فمن كان له فرط ؟ قال: " من كان له فرط ؟؟" قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال: " فأما فرط أمتي لن يصابوا بمثلي" (2) .
(الفرط) بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء ويهيء لهم الدلاء والرشاء والمراد به هنا الولد دون البلوغ يقدمه المرء بين يديه ذكراً كان أو أنثى وجمعه أفراط.
وقوله " فأنا فرط أمتي" أي أتقدمهم إلى الحوض قبل ورودهم أهيء مصالحهم في دار القرار والله تعالى أعلم.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (2635)، وأحمد (2/510).
(2) رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن، المشكاة (1735).(1/482)
وعن قرة بن إياس - رضي الله عنه - ، أن رجلاً كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أتحبه" قال: نعم يا رسول الله أَحبكَ الله كما أحبه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما فعل فلان بن فلان" قالوا يا رسول الله مات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه "ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك" فقال رجلٌ : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا؟ قال "بل لكلكم" (1) .
وفي رواية للنسائي قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس جلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجلٌ له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعد بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"مالي لا أرى فلاناً" قالوا : يا رسول الله بُنيه الذي رأيته هلك فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بُنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: "يا فلان أيهما كان أحب إليك؟ أن تمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟" قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لهو أحب إليَّ قال: "فذاك لك" (2) .
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم" فقالوا: يا رسول الله أو اثنان قال: "أو اثنان" قالوا: أو واحد؟ قال: "أو واحد" ثم قال: "والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته" (3) .
(السرر) بسين مهملة وراء مكررة محركاً : هو ما تقطعه القابلة وما بقي بعد القطع فهو السُّرَّة.
باب
__________
(1) رواه أحمد ، والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2007).
(2) سبق تخريجه.
(3) أخرجه أحمد بإسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب برقم (2008)، المشكاة برقم (1754).(1/483)
جواز البكاء من غير نياحة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : "دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول - صلى الله عليه وسلم - تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله فقال يا بن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال - صلى الله عليه وسلم - إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" . (1)
قال ابن سعد : عبد الله بلغ سنة فنقره ديك في وجهه فمات . (2)
وقال البلاذري في الأنساب : أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات وضعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجره ، وقال : "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" . (3)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال قد قضى قالوا لا يا رسول الله فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا فقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وكان عمر رضي الله عنه يضرب فيه بالعصا ويرمى بالحجارة ويحثي بالتراب . (4)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1241) ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون .
(2) ) ) الطبقات الكبرى (8/30) .
(3) ) ) فتح الباري (3/186) .
(4) )) رواه البخاري برقم (1242) ، باب البكاء ثم المريض ، ومسلم برقم (924) ، باب البكاء على الميت .(1/484)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد إمرة ففتح له" . (1)
وعن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت، فقال للرسول: "ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب" ، فعاد الرسول، فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله! قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" . (2)
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (1189) ، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه .
(2) ) ) البخاري برقم (1224) ، ومسلم برقم (923) .(1/485)
قوله فقال هذه أي الدمعة أثر رحمة أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذه عليه وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر قوله وإنما يرحم الله من عباده الرحماء في رواية شعبة في أواخر رآه ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء ومن في قوله من عباده بيانية وهي حال من المفعول قدمه فيكون أوقع والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغه ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو ثم أبي داود وغيره الراحمون يرحمهم الرحمن والراحمون جمع راحم فيدخل كل من فيه أدنى رحمة وقد ذكر الحربي مناسبة الإتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقا للتعظيم فلما ذكر هنا ناسب ذكر من الغرماء رحمته وعظمته ليكون الكلام جاريا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر فإن لفظ الرحمن دال على العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وأن قلت والله أعلم وفي هذا الحديث من ما تقدم جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليه لذلك وجواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة وجواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع مبالغة في ذلك لينبعث خاطر المسئول في المجيء للإجابة إلى ذلك وفيه استحباب إبرار القسم وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر وإخبار من يستدعى بالأمر الذي يستدعى من أجله وتقديم السلام على الكلام وعيادة المريض ولو كان مفضولاً أو صبياً صغيرا وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردوا أول مرة واستفهام التابع من أمامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره وحسن الأدب في السؤال لتقديمه قوله يا رسول الله على الاستفهام وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم(1/486)
والترهيب من قساوة القلب وجمود العين وجواز البكاء نوح ونحوه . (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلُ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن، قالت: وأنا أطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: أي رسول الله! إن نساء جعفر - وذكر بكاءهن، فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبنني أو غلبننا.
فزعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاحثِ في أفواههن التراب".
فقلت: أرغم الله أنفك، فو الله ما أنت بفاعل ولا تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العَنا. (2)
قال النووي: مرادها أن الرجل قاصر عن القيام بما أمر به من الإنكار والتأديب، ومع ذلك لم يفصح بعجزه عن ذلك ليرسل غيره فيستريح من التعب. أ.هـ.
وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، أنه قال: إذ حُضِر: إذا أنا مت فلا يؤذن علي أحد، إني أخاف أن يكون نعياً وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النعي. (3)
عن أنس - رضي الله عنه - قال : شهدنا بنتاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ، قال : فرُأيت عيناه تدمعان ،
قال : فقال :" هل منكم رجل لم يقارف الليلة " ؟
فقال أبو طلحة : أنا ، قال :" فانزل "
قال : فنزل في قبرها . (4)
لم يقارف : أي لم يجامع .
باب
المرأة تغسل زوجها
__________
(1) ) ) فتح الباري (3/157،158) .
(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم )1305)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الجنائز برقم (935).
(3) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (3531)، وأحكام الجنائز ( ص 44).
(4) ) ) رواه البخاري برقم ( 3/ 126، 127، 167) .(1/487)
عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال سمعت عائشة تقول ثم لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه . (1)
وعن وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر أن أبا موسى غسلته امرأته في الرجل يغسل امرأته . (2)
وعن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن امرأة أبي بكر غسلته حين توفي أوصى بذلك . (3)
وعن الثوري عن إبراهيم النخعي أن أبا بكر غسلته امرأته أسماء وأن أبا موسى الأشعري غسلته امرأته أم عبد الله قال الثوري ونقول نحن لا يغسل الرجل امرأته لأنها لو شاء تزوج أختها حين ماتت ونقول تغسل المرأة زوجها لأنها في عدة منه. (4)
و عن عبد الله بن أبي بكر ثم أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا . (5)
باب
صفة تغسيل الميت
__________
(1) )) رواه أحمد في المسند برقم (26349)، وأبو داود برقم (3141) ، باب في ستر الميت ثم غسله .
(2) )) رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (10976)، في المرأة تغسل زوجها ألها ذلك.
(3) )) رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (6117) ، باب المرأة تغسل الرجل .
(4) )) رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (6119) ، باب المرأة تغسل الرجل .
(5) )) رواه مالك في الموطأ برقم (521) ،(1/488)
عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ، فقال : " أغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أوأكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني"،فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حَقْوَهُ ، وقال : "أشعرنيها إياه". (1)
حقوه : الحقو : الإزار .
وقوله : أشعرنيها إياه : أي اجعلنه شعاراً لها ، وهو الثوب يلي جسدها .
ثلاثة قرون : أي ثلاث ضفائر .
وكان ممن غسل أم كلثوم رضي الله عنها ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أم عطية ، وأسماء بنت عميس ، وصفية بنت عبد المطلب ، وليلى بنت قانف الثقفية ، وأم سليم. (2)
وصلى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (3)
باب
صفة كفن المرأة
عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ، فقال : " أغسلنها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني"،فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حَقْوَهُ ، وقال : "أشعرنيها إياه". (4)
باب
النهي عن سب الميت والإساءة له
__________
(1) ) ) أخرجه ابن ماجة برقم (1458) ونحوه في الصحيحين بدون التصريح باسم أم كلثوم . رواه البخاري برقم (1195) ، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر ، ومسلم برقم (939) ، باب في غسل الميت .
(2) ) ) فتح الباري (3/153) .
(3) ) ) أسد الغابة (5/486) ، والطبقات الكبرى (8/31) .
(4) ) ) رواه البخاري برقم (1195) ، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر ، ومسلم برقم (939) ، باب في غسل الميت . أخرجه ابن ماجة برقم (1458) ونحوه في الصحيحين بدون التصريح باسم أم كلثوم .(1/489)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قدموا". (1)
قوله : "أفضوا إلى ما قدموا" : أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر .
قال ابن حجر رحمه الله: "واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساوئهم للتحذير منهم والتنفير عنهم، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأموات. أ.هـ. (2)
باب
التحذير من اتباع النساء الجنائز
عن أم عطية رضي الله عنها قالت : نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علين . (3)
باب
جواز صلاة النساء على الجنازة
بن عبد الله بن الزبير يحدث عن عائشة ثم أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد . (4)
باب
إدخال المرأة في القبر
قام أبو طلحة بدفن أم كلثوم رضي الله عنها .
فعن أنس - رضي الله عنه - قال : شهدنا بنتاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ، قال : فرُأيت عيناه تدمعان ،
قال : فقال :" هل منكم رجل لم يقارف الليلة " ؟
فقال أبو طلحة : أنا ، قال :" فانزل "
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الجنائز برقم (1393).
(2) )) فتح الباري (3/259) .
(3) )) رواه البخاري برقم (1219) ، باب اتباع النساء الجنائز ، ومسلم برقم (938) ، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز .
(4) )) رواه مسلم برقم (973) ، باب الصلاة على الجنازة في المسجد .(1/490)
قال : فنزل في قبرها . (1)
لم يقارف : أي لم يجامع .
قال ابن حزم رحمه الله : فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الأب والزوج وغيرهما . (2)
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث :
جواز البكاء كما ترجم له .
وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء .
وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الأب والزوج ، وقيل إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته وفيه نظر فإن ظاهر السياق أنه - صلى الله عليه وسلم - اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع .
وفيه : جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن ، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت .
واستدل به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقا ، وفيه نظر ، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد أن شاء الله تعالى وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وأن كان عليه فيه غضاضة .اهـ . (3)
__________
(1) ) ) رواه البخاري برقم (1277) ، باب من يدخل قبر المرأة .
(2) )) المحلى (5/145) .
(3) ) ) فتح الباري (3/159) .(1/491)
قال ابن قدامة : لا خلاف بين أهل العلم في أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها ولها السفر معه وقد روى الخلال بإسناده عن عمر - رضي الله عنه - أنه قام عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت زينت بنت جحش، فقال : ألا إني أرسلت إلى النسوة من يدخلها قبرها (1) فأرسلن من كان يحل له الدخول عليها في حياتها فرأيت أن قد صدقن ، ولما توفيت امرأة عمر قال لأهلها أنتم أحق بها ولأن محرمها أولى الناس بولايتها في الحياة فكذلك بعد الموت، وظاهر كلام أحمد أن الأقارب يقدمون على الزوج، قال الخلال استقامت الرواية عن أبي عبد الله أنه إذا حضر الأولياء والزوج فالأولياء أحب إليه، فإن لم يكن الأولياء فالزوج أحق من الغريب لما ذكرنا من خبر عمر ولأن الزوج قد زالت زوجتيه بموتها والقرابة باقية، وقال القاضي الزوج أحق من الأولياء لأن أبا بكر أدخل امرأته قبرها دون أقاربها ولأنه أحق بغسلها منهم فكان أولى بإدخالها قبرها كمحل الوفاق وأيهما قدم فالآخر بعده فإن لم يكن واحد منهما، فقد روي عن أحمد، أنه قال: أحب إلي أن يدخلها النساء لأنه مباح لهن النظر إليها وهن أحق بغسلها وعلى هذا يقدم الأقرب منهن فالأقرب كما في حق الرجل ....". (2)
__________
(1) )) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (4/53) .
(2) )) المغني (2/189) .(1/492)
وقال الشوكاني : والحديث يدل على أنه يجوز أن يدخل المرأة في قبرها الرجال دون النساء لكونهم أقوى على ذلك، وأنه يقدم الرجال الأجانب الذين بعد عهدهم بالملاذ في المواراة على الأقارب الذين قرب عهدهم بذلك كالأب والزوج وعلل بعضهم تقدم من لم يقارف بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة، وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطف - صلى الله عليه وسلم - في منعه من النزول قبر زوجته بغير لبعض ، ووقع في رواية حماد المذكورة فلم يدخل عثمان القبر، وفي الحديث: أيضا جواز الجلوس على شفير القبر وجواز البكاء بعد الموت، وحكى ابن قدامة عن الشافعي أنه يكره لخبر فإذا وجب فلا تبكين باكية يعني إذا مات وهو محمول على الأولوية، والمراد لا ترفع صوتها بالبكاء ويمكن الفرق بين النساء والرجال في ذلك لأن بكاء النساء قد يفضي إلى ما لا يحل من النوح لقلة صبرهن .اهـ. (1)
باب
جواز زيارة النساء للقبور
تقدم حدبث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر، فقال : "اتقي الله واصبري، قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل : لها إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين، فقالت :لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" . (2)
__________
(1) )) نيل الأوطار (4/135) .
(2) )) رواه البخاري برقم (1223) ، باب زيارة القبور ، ومسلم برقم (926) ، باب في الصبر على المصيبة ثم الصدمة الأولى .(1/493)
وعن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما ألا أحدثكم عني وعن أمي قال فظننا أنه يريد أمه التي ولدته قال قالت عائشة ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا بلى قال قالت لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما ثم رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال مالك يا عائش حشيا رابية قالت قلت لا شيء قال لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير قالت قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال الذي رأيت أمامي قلت نعم فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم قال فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم قالت قلت كيف أقول لهم يا رسول الله قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون . (1)
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (974) ، باب ما يقال ثم دخول القبور والدعاء لأهلها .(1/494)
وعن أبي هريرة قال ثم زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" . (1)
قال النووي : فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى وقد قال الله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وفيه النهى عن الاستغفار للكفار قال القاضي عياض رحمه الله سبب زيارته - صلى الله عليه وسلم - قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت . (2)
عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور، قالت : نعم كان قد نهى ثم أمر بزيارتها . (3)
باب
الإحداد ثلاثة أيام سوى الزوج
عن حفصة عن أم عطية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وقد رخص لنا ثم الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار وكنا ننهي عن إتباع الجنائز . (4)
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (976) ، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه .
(2) )) شرح النووي (7/42) .
(3) )) المستدرك برقم (1392) .
(4) )) رواه البخاري برقم (307) ، باب الطيب للمرأة ثم غسلها من المحيض ، ومسلم برقم (938) ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه ذلك إلا ثلاثة أيام .(1/495)
وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوجها" . (1)
قال الشافعي كان الإحداد على المتوفى عنهن الزوج في الجاهلية سنة فأقر الإحداد على المتوفى عنهن في عددهن وأسقط عنهن عددهن ولم يكن الإحداد في سكنى البيوت فتسكن المتوفى عنها أي بيت كانت فيه جيد أو رديء وذلك أن الإحداد إنما هو في البدن وترك لزينة البدن وهو أن يدخل على البدن شيء بزينة أو طيب معها عليها يظهر بها فتدعو إلى شهوتها فأما اللبس نفسه فلا بد منه قال فزينة البدن المدخل عليه من غيره الدهن كله في الرأس فلا خير في شيء منه طيب ولا غيره زيت ولا شيرق ولا غيرهما وذلك أن كل الأدهان تقوم مقاما واحدا في ترجيل الشعر وإذهاب الشعر الشعث وذلك هو الزينة وإن كان بعضها أطيب من بعض وهكذا رأيت المحرم يفتدي بأن يدهن رأسه ولحيته بزيت أو دهن طيب لما وصفت من الترجيل وإذهاب الشعث قال فأما بدنها فلا بأس أن تدهنه بالزيت وكل مالا طيب فيه من الدهن كما لا يكون بذلك بأس للمحرم وإن كانت الحاد تخالف المحرم في بعض أمرها لأنه ليس بموضع زينة للبدن ولا طيب تظهر ريحه فيدعو إلى شهوتها فأما الدهن الطيب والبخور فلا خير فيه لبدنها لما وصفت من أنه طيب يدعو إلى شهوتها وينبه بمكانها وإنما الحاد من الطيب شيء أذنت فيه الحاد والحاد إذا مست الطيب لم يجب عليها فدية ولم ينتقض إحدادها وقد أساءت قال وكل كحل كان زينة فلا خير فيه لها مثل الأثمد وغيره مما يحسن موقعه في عينها فأما وما أشبهه إذا احتاجت إليه فلا بأس لأنه ليس فيه زينة بل هو يزيد العين مرها وقبحها وما اضطرت إليه مما فيه زينة من الكحل اكتحلت به بالليل ومسحته بالنهار وكذلك الدمام وما أرادت به الدواء قال الشافعي أخبرنا مالك أنه .
__________
(1) )) رواه مسلم برقم (1491) ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه ذلك إلا ثلاثة أيام .(1/496)
(1)
باب
الإحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرا
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة :
قالت زينب : دخلت على أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" .
قالت زينب: فدخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: أما والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" .
قالت زينب: وسمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا"، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: "لا"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول"، قال حميد: فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول، فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة - حمار أو شاة أو طائر - فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره .
__________
(1) )) الأم (5/230-231) .(1/497)
سئل مالك ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها . (1)
قال الشافعي رحمه الله تعالى الحفش البيت الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره والقبص أن تأخذ من الدابة موضعا بأطراف أصابعها والقبض الأخذ بالكف كلها قال الشافعي وترمي بالبعرة من ورائها على معنى أنها قد بلغت الغاية التي لها أن تكون ناسية زمام الزوج بطول ما حدث عليه كما تركت البعرة وراء ظهرها . (2)
باب
ما على الحادة اجتنابه
عن حفصة عن أم عطية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وقد رخص لنا ثم الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار وكنا ننهي عن إتباع الجنائز . (3)
زوج أربعة أشهر وعشرا" .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (5024) ، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، ومسلم برقم (1486) ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه ذلك إلا ثلاثة أيام .
(2) )) الأم (5/230-231) .
(3) )) رواه البخاري برقم (307) ، باب الطيب للمرأة ثم غسلها من المحيض ، ومسلم برقم (938) ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه ذلك إلا ثلاثة أيام .(1/498)
قالت زينب: وسمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا"، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: "لا"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول"، قال حميد: فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول، فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة - حمار أو شاة أو طائر - فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره . (1)
الخاتمة
نسأل الله حسنها
وبعد : فلقد علمتِ أختي المسلم – حفِظَكِ الله بهذا الدين –
علمتي ما أوجب الله عليكِ وما نهاكِ عنه، فعليك بالتمسك بأوامر الله تعالى وترك ما نهى عنه وعليك بالكتاب والسنة فإن فيهما النجاة يوم القيامة .
وعليك بتوحيد رب الأرباب الذي خلقك في أحسن تقويم وسواك وأحسن صورتك .
__________
(1) )) رواه البخاري برقم (5024) ، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، ومسلم برقم (1486) ، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه ذلك إلا ثلاثة أيام .(1/499)
وعلمت أختي عَظَمَةَ هذه الأعمال عند الله تعالى..وأنّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العبد صرفاً ولاعدلاً إلاّ بقدوم العبد بالأعمال الصالحة يوم الجزاء الأكبر يوم تعرض الأعمال على الخلاّق العليم الذي لا تخفى عليه خافية...تُعرضُ الأعمال وتأتي الصلاةُ في مقدّمتها نوراً يتلألأ وبرهاناً ساطعاً ,نوراً يُضيء الطريقَ لصاحبها حتّى يجتازَ الصراط المنصوب على متن جهنّم { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُوْرُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ ... } وبرهاناً يشهد لِمَن أقامها ولم يشغله عنها شاغل مهما كبر وعظم { رِجَالٌ لاَتُلْهِيْهِمْ تِجارَةٌ وَلابَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ... } ، تشهد له عند عدم استطاعة الكلام { إِذِ الْقُلُوْبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِيْنَ... } في ذلك الموقف العصيب والمشهد المخيف تتغيّر الأعضاءُ عن أماكِنها.. { يَخافُوْنَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيْهِ الْقُلُوبُ والأَََبْصارُ } فلا حيلة ولا مكر ولا خلاص إلاّ بالإتيان بها خالصةً صحيحةً ,فلْيكن دأبنا هو المحافظة عليها من الضياع ,ولْيكن دعاؤنا دوماً (اللهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينِك).
واعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد حكم على تارك الصلاة بالإجرام ,وكفى بالله حَكَماً, وكفى بالإجرامِ حُكْماً.. { يَتَسَاءَلُوْنَ عَنِ الْمُجْرِمِيْنَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ } . (1)
فالحرص الحرص أختي الكريمة على هذه الأعمال والأجور العظيمة .
وبهذا تم الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأرجو الله أن تكونوا قد انتفعتم به،وأن تعملوا به ، وأن يعم به النفع .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله ألا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
- - -
المادة ... الرقم
__________
(1) ) ) سورة المدثر الآيات (40-45) .(1/500)
المقدمة ............................................... ... 5
تمهيد ................................................. ... 7
كتاب التوحيد ................................... ... 15
باب من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه دخل الجنة .................................... ... 18
باب من لقي الله وهو يشرك به شيئاً دخل النار ......... ... 21
باب ما جاء في النذر ......................... ... 28
باب صرف الدعاء لله سبحانه وتعالى ................... ... 32
باب النهي عن سب الدهر ............................. ... 33
باب من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ....................................... ... 36
باب ما جاء في النشرة ................................ ... 38
باب ما جاء فيمن تعلق شيئاً ........................... ... 39
باب الأعمال بالنيات وإخلاص النية لله تعالى ............ ... 41
باب النهي عن الرياء .................................. ... 52
باب النهي عن الاستسقاء بالنجوم ...................... ... 58
باب النهي عن التألي على الله تعالى ..................... ... 59
باب النهي عن الاستغفار للمشركين والكفار ............ ... 61
باب النهي عن الحلف بغير الله .......................... ... 62
باب النهي عن اليأس من روح الله تعالى والقنوط ...... ... 65
باب النهي عن التكذيب بالقدر ........................ ... 66
باب النهي عن سب الله وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ............. ... 70
باب النهي عن الكذب على الله تعالى وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ..... ... 72
باب التمسك بالسنة والمحافظة عليها .................... ... 75
باب النهي عن الابتداع في الدين ....................... ... 83
باب النهي عن ترك السنة أو سنَّ سنة سيئة أو دعا إلى ضلالة ............................................... ... 85(2/1)
باب النهي عن سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .... ... 91
باب النهي عن الحسد ................................. ... 96
كتاب الطهارة ................................... ... 103
باب ختان المرأة ....................................... ... 105
باب النهي عن الاستنجاء باليمين ....................... ... 107
فرض الوضوء للصلاة .................................. ... 108
باب المسح على الرأس في الوضوء ...................... ... 110
باب الذكر بعد الوضوء وثوابه ......................... ... 111
باب حكم تنشيف أعضاء الوضوء ...................... ... 113
باب لا يقبل الله الصلاة بغير وضوء ..................... ... 114
باب في أن مس المرأة لا ينقض الوضوء؟ ................. ... 116
باب الغسل غسل الرجل مع امرأته من الجنابة ............ ... 120
باب صفة الغسل من الجنابة ............................ ... 121
باب هل تحتلم المرأة وهل عليها الغسل إذا احتلمت؟ .... ... 123
باب وجوب الغسل لالتقاء الختانين ..................... ... 126
باب الإنزال دون الفرج هل يوجب الغسل .............. ... 128
باب المرأة يجامعها زوجها ثم يخرج من فرجها من مني زوجها بعد الاغتسال .................................. ... 130
باب خروج المذي من المرأة ينقض الوضوء .............. ... 131
باب المسح على الخفين والجبيرة ........................ ... 133
باب لا فرق بين الرجال والنساء في أحكام المسح على الخفين ................................................ ... 135
باب حكم مسح المرأة على لفة الرأس ................... ... 136
باب هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها .............. ... 137
باب إذا دهنت رأسها ومسحت عليه هل يصح وضوؤها ؟.. ... 137
باب إذا لبدت رأسها بالحناء هل تمسح عليه ؟ ........... ... 138
باب التحذير من دخول الرجال الحمام بغير أُزُرٍ، ومن دخول النساء بأُزُرٍ وغيرها ............................. ... 139(2/2)
باب الحيض وتوابعه ................................... ... 140
باب الفرق بين دم الحيض ودم الإستحاضة ودم النفاس ... ... 143
باب جواز صلاة المرأة في الثوب الذي حاضت فيه ....... ... 144
باب المرأة تتخذ ثوباً للحيض ........................... ... 145
باب الحامل قد تحيض .................................. ... 146
باب إذا حاضت قبل أن تعتمر عليها الغسل للإحرام ...... ... 147
باب الرجل يقرأ القرآن في حجر امرأته الحائض .......... ... 150
باب هل تقرأ الحائض القرآن وتذكر الله ................. ... 151
باب الحائض تشهد العيدين وتعتزل المصلى .............. ... 154
باب الحائض تغسل رأس زوجها ........................ ... 156
باب حرمة إتيان الرجل أهله وهي حائض ............... ... 157
باب حرمة إتيان الرجل زوجته إذا طهرت من الحيض حتى تغتسل ............................................... ... 159
باب في أن دم الحيض نجس ............................ ... 160
باب في أن الحائض إذا جامعها زوجها إكراهاً ليس عليها شيء ................................................. ... 162
باب ما يباح للرجل من امرأته وهي حائض .............. ... 164
باب الحائض ليس عليها طواف وداع ................... ... 165
باب الحائض تدع الصلاة والصوم ...................... ... 166
باب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ............ ... 169
باب صفة غسل المرأة من الحيض ....................... ... 171
باب مدة الحيض ...................................... ... 172
باب النفاس وأحكامه .................................. ... 175
باب هل يوجد حد لمدة النفاس؟ ........................ ... 177
باب المستحاضة حكمها حكم الطاهرة يأتيها زوجها ..... ... 180
باب جواز صلاة أكثر من فريضة بوضوء واحد .......... ... 182
إذا وضأت طفلها وهي طاهرة هل يجب عليها أن تتوضأ ؟ ... 184
باب هل يجب نزع الأسنان الصناعية عند الوضوء ........ ... 185(2/3)
باب استعمال كريم الشعر وأحمر الشفاه هل ينقض الوضوء ؟ ... 186
باب حكم الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة ......... ... 187
حكم السائل الذي ينزل من المرأة .................... ... 188
خروج الهواء من فرج المرأة هل ينقض الوضوء ........... ... 189
باب إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة فما الحكم ؟ ... ... 191
لا تعجلي حتى تري علامة الطهر ....................... ... 192
باب ما الذي يجوز للرجل من النفساء وقت النفاس ؟ .... ... 192
باب لمس الجنب والحائض للكتب والمجلات التي بها آيات قرآنية ................................................ ... 193
باب هل تجبر الزوجة الذمية على غسل الجنابة ........... ... 194
باب ماذا تفعل إذا اضطربت عادة الحيض ؟ ............. ... 194
باب ما هو اليأس وهل هو مرتبط بسن معينة أم بانقطاع الحيض ؟ ............................................. ... 195
تجاوزت الخمسين ويأتيها الدم .......................... ... 196
باب حكم استعمال حبوب منع الحمل .................. ... 197
الكدرة التي سبقت الحيض ليست بحيض ................ ... 195
باب حكم السائل الأصفر الذي ينزل من المرأة قبل الحيض بيومين ......................................... ... 199
باب إذا تسببت في نزول الحيض فهل لها أحكامه ؟ ....... ... 200
باب حكم غسل الحائض رأسها أثناء الحيض ............ ... 200
باب إذا زادت أيام عادتها .............................. ... 201
باب إذا تقدمت عادة المرأة عن وقتها ................... ... 202
على الجنب المبادرة بالاغتسال أما الحائض والنفساء فلا بأس ................................................. ... 202
تركت الصلاة معتقدة أنها العادة ........................ ... 203
صلت حياءً وهي حائض فما الحكم .................... ... 204
حكم قراءة الحائض للقرآن ............................. ... 205
الحائض وكتابة القرآن ................................. ... 206(2/4)
هل يجوز للحائض حضور حلق الذكر؟ ................. ... 207
حكم المرأة إذا أسقطت في الشهر الثالث ............... ... 208
حكمه كدم النفاس .................................... ... 208
باب إذا اشتبه الدم على المرأة فلم تميز ................... ... 209
عمن أصابها نزيف دم كيف تصلي ومتى تصوم؟ ........ ... 209
دم العملية لا يعتبر حيضاً ............................... ... 210
حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية ....... ... 211
إذا انقطع الدم ثم عاد ثانية ............................. ... 211
كتاب الصلاة ...................................... ... 213
تعريف الصلاة ........................................ ... 215
حكم الصلاة ......................................... ... 216
باب الإذن للنساء في الخروج إلى المساجد ............... ... 227
باب جواز تنفل المرأة في المسجد ........................ ... 232
باب نهي المرأة عن الطيب عند الخروج إلى المسجد ....... ... 233
باب سرعة انصراف النساء من المسجد عقب الصلوات .. ... 237
باب صلاة المرأة في بيتها خير لها ........................ ... 239
باب نوم المرأة في المسجد ............................. ... 241
باب المرأة تقم المسجد ................................. ... 243
باب عدم كف الثوب والشعر في الصلاة ................ ... 244
باب ثياب المرأة في الصلاة ............................. ... 246
باب لا تنتقب المرأة في الصلاة .......................... ... 252
باب إمامة النساء في الصلاة ............................ ... 253
باب في صفوف النساء ................................ ... 255
باب المرأة تكون خلف الرجال ولو وحدها .............. ... 255
باب تأخر الرجال عن الانصراف من الصلاة لأجل خروج النساء ................................................ ... 256
باب النساء ليس عليهن صلاة جماعة ولا جمعة ........... ... 257(2/5)
باب متى ترفع النساء رؤوسهن من السجود ............. ... 259
باب تسبيح الرجال وتصفيق النساء للأمر يحدث في الصلاة ... 259
باب حمل الطفل في الصلاة ............................. ... 260
باب خروج النساء إلى صلاة العيد ..................... ... 263
باب تكبير النساء يوم العيد ............................. ... 264
باب موعظة النساء يوم العيد ........................... ... 264
باب جواز الغناء للجواري يوم العيد .................... ... 266
باب جواز صلاة الكسوف للنساء مع الرجال ........... ... 267
باب التحذير من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما ......................................... ... 268
باب التحذير من رفع البصر إلى السماء في الصلاة ........ ... 270
باب التحذير من الالتفات في الصلاة ................... ... 272
باب التحذير من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة ...... ... 273
باب التحذير من المرور بين يدي المصلي ................. ... 274
باب التحذير من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس ..... ... 276
باب مرور المرأة أمام المصلي يقطع الصلاة ............... ... 277
أسئلة تطبيقية في الصلاة ................................ ... 279
حكم متابعة المرأة والرجل للإمام لقراءته من المصحف .... ... 279
هل يجوز للمرأة مخالفة الإمام في الركوع وغيره .......... ... 280
جهر المرأة بالصلاة .................................... ... 280
هل يشترط في صفوف النساء تسويتها وانتظامها ......... ... 281
باب مسائل متفرقة في الصلاة لا يلزمه قضاء ما ترك من الصلوات ............................................. ... 283
الشك في الصلاة ...................................... ... 283
قطع الصلاة .......................................... ... 283
هل تصلي النساء في البيت بعد الأذان لأم بعد الإقامة ..... ... 284(2/6)
حديث النساء في أمور الدنيا في المسجد والانشغال بذلك عن الدخول في الصلاة ................................. ... 284
صلاة المرأة في السوق .................................. ... 285
باب ثواب الصلاة في مسجد قباء ....................... ... 285
باب مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة الشريفة .............................................. ... 286
باب ثواب الصلاة في مسجد بيت المقدس ............... ... 289
حكم السفر وشد الرحال إلى المساجد لزيارتها أو التعبد بها ... 290
باب ثواب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .................. ... 296
باب النهي عن الجلوس في مجلس لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - .......................................... ... 303
كتاب الصيام ..................................... ... 307
باب فرضية الصوم .................................... ... 309
باب التحذير من إفطار رمضان بلا عذر ولا حاجة ...... ... 311
باب ثواب الصوم مطلقاً ............................... ... 312
باب جواز القبلة والمباشرة للصائم والصائمة ............ ... 319
باب جواز إتيان الرجل أهله في ليالي رمضان ............ ... 321
باب الكحل والعطر للصائم ............................ ... 324
باب الصائمة تتذوق الطعام ............................ ... 326
باب من أكل أو شرب ناسياً في الصيام فالصيام صحيح .. ... 327
باب هل على المرأة شيء إذا جامعها زوجها في نهار رمضان إكراهاً؟ ...................................... ... 329
باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج ............................................... ... 329
باب الحائض تقضي الصوم ............................. ... 333
باب إذا طهرت الحائض قبل الفجر ونوت الصيام ........ ... 334
باب متى يباح الفطر في رمضان للحامل والمرضع ......... ... 336(2/7)
باب النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم ........... ... 342
باب النهي عن صيام أيام العيد وأيام التشريق ............ ... 344
باب لا تصوم المرأة إلا بإذن زوجها ..................... ... 346
باب الرخصة في تأخير القضاء من رمضان ............... ... 347
باب ثواب الصائم إذا أكل عنده ....................... ... 348
أبواب الاعتكاف ...................................... ... 348
باب مشروعية اعتكاف النساء وإذن الزوج في ذلك ...... ... 348
باب اعتكاف المستحاضة .............................. ... 350
باب الحائض تغسل رأس زوجها ........................ ... 350
باب المرأة تزور زوجها في معتكفه ...................... ... 352
كتاب الصدقات ................................... ... 357
باب تحريض النساء على الصدقة ....................... ... 361
باب الصدقة على الأقارب أفضل من عتق الرقاب ........ ... 363
باب الصدقة سبب لنجاة النساء من العذاب ............. ... 365
باب حث الزوجة على الصدقة ......................... ... 368
سخاء أم المؤمنين عائشة ............................... ... 369
عطاء أم المؤمنين زينب بنت جحش ..................... ... 370
أبو طلحة يتصدق بأحب ماله .......................... ... 371
أبو الدحداح يتصدق ببستان فيه ستمائة نخلة ............ ... 373
باب صدقة المرأة على زوجها وولدها ................... ... 377
باب جواز إنفاق الزوجة من غير إذن زوحها ............ ... 384
باب إهداء الرجل إلى صديقات امرأته ................... ... 384
باب زكاة الفطر ...................................... ... 385
باب زكاة الحلي....................................... ... 388
باب التحذير من منع الزكاة ........................... ... 393
كتاب الحج ....................................... ... 401
باب وجوب الحج على المرأة على الفور ................. ... 403
باب أفضل الجهاد للنساء حج البيت .................... ... 404(2/8)
باب نهي المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم ............... ... 406
باب جواز حج المرأة عن الرجل ........................ ... 410
باب جواز حج الرجل عن المرأة ........................ ... 411
باب جواز حج المرأة عن المرأة .......................... ... 412
باب جواز حج المرأة عن الصبي ........................ ... 413
باب لباس المرأة المحرمة ................................. ... 414
باب المحرمة تلبس الخفين إن شاءت ..................... ... 416
باب المحرمة تلبس السراويل إن شاءت ................... ... 417
باب جواز طواف النساء مع الرجال بدون اختلاط ....... ... 418
باب نهي المحرمة عن الجماع ............................ ... 420
باب الزواج للمحرم ................................... ... 422
باب جواز دفع الضعفة والنساء من مزدلفة .............. ... 423
باب جواز رمي الجمرات للنساء بليل .................. ... 425
باب الرجل ينحر عن نسائه ............................ ... 427
باب ليس على النساء الحلق وإنما عليهن التقصير .......... ... 428
باب منع الحائض من الطواف ......................... ... 429
باب الحل من كل شيء بعد طواف الإفاضة ............. ... 431
حج الحائض والنفساء ................................. ... 434
باب اغتسال النفساء وإحرامها ......................... ... 434
باب فيما جاء في عمرة السيدة عائشة ................... ... 436
باب الحائض ليس عليها طواف وداع ................... ... 439
أسئلة تطبيقية عن الحج ................................ ... 441
باب هل الحج بدون محرم صحيح ....................... ... 441
باب حكم أداء المرأة لفريضة الحج مع زوج شقيقتها وأختها ؟ ............................................ ... 443
باب هل تعتبر المرأة محرماً للمرأة في السفر ؟ ............ ... 443
باب حكم سفر الخادمة بدون محرم للحج مع أهل البيت ... 444
حكم وضع المرأة للطيب قبل الإحرام ................... ... 445(2/9)
باب هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها ....... ... 446
كتاب الحجاب ..................................... ... 449
باب ما هو الحجاب الشرعي؟ ......................... ... 451
باب وجوب طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في لباس الحجاب وغيره ... 453
باب الحجاب عفة وطهارة وستر ....................... ... 455
باب النهي عن لبس الرقيق من الثياب ووجوب ستر العورة ... 458
حكم كشف الوجه ................................... ... 462
باب معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - " كاسيات عاريات" ................ ... 464
باب الإذن للنساء بالخروج لحاجتهن .................... ... 468
باب تحذير المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم ............. ... 472
أسئلة تطبيقية عن الحجاب ............................. ... 472
حكم الشرع في النقاب ................................ ... 472
باب كشف المرأة أمام المحارم وغير المحارم زوجة الخال أجنبية ................................................ ... 473
زوج الأخت ليس من المحارم .......................... ... 474
حكم لبس المرأة الملابس الضيقة عند المحارم ............. ... 477
زوج الأخت ليس من المحارم ..................... ... 479
هل أبي محرم لزوجة أخي من أمي ؟ .................... ... 480
الصبي هل يكون محرماً للمرأة ......................... ... 480
عم الأم وخالها من المحارم ........................ ... 481
زوج البنت من المحارم لأمها ........................... ... 481
عورة الحرة بالنسبة لمحارمها ............................ ... 482
لبس المرأة للقصير أمام أولادها ومحارمها ................. ... 482
هل أخدم والد زوجي ؟ ............................... ... 483
أخوات الزوجة يحتجبن عن الزوج ...................... ... 483
جلوس المرأة مع أقارب زوجها ........................ ... 484
إبداء الكف أمام أخوة الزوج ........................... ... 484(2/10)
كشف المسنة وجهها لغير المحارم ........................ ... 484
كشف المرأة وجهها عند الأعمى ...................... ... 486
كشف العروس في ليلة الزفاف أمام الأجانب لا يجوز ..... ... 486
لا يجوز للمرأة أن تقبل غير محارمها ..................... ... 487
هل صوت المرأة عورة؟ ................................ ... 48
الخضوع بالقول ....................................... ... 489
صوت المرأة في الإذاعة والتليفون ....................... ... 490
تهاون النساء في الملابس ............................... ... 491
حكم سفور المرأة وخروجها بين الرجال الأجانب ....... ... 492
يعارض زوجته في ارتداء الزي الشرعي ................. ... 493
حجاب المرأة في الخارج ............................... ... 494
حكم إظهار الساعدين للمرأة .......................... ... 495
حكم كشف يدي المرأة في السوق ...................... ... 496
خلع الخمار .......................................... ... 497
حكم مصافحة أم الزوجة والسفر معها ................ ... 498
حكم مصافحة النساء والأقارب ....................... ... 499
حكم مصافحة غير المحارم ............................. ... 500
ما حكم تقبيل المحارم ، ومصافحة الأخ الذي لا يصلي .. ... 500
حكم تقبيل الأب لأبنته ................................ ... 501
من العادات القبيحة المحرمة ............................. ... 502
ركوب المرأة مع السائق الأجنبي ........................ ... 504
ركوب المرأة مع أخي زوجها .......................... ... 505
كشف الأطباء على عورات النساء للعلاج ، وخلوتهم بهن ... 507
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة ................ ... 508
دخول الأسواق المختلطة .............................. ... 509
حكم تحدث المرأة مع الخياط ........................... ... 510
لا تجوز المراسلة بين الشبان والشابات ................. ... 511(2/11)
هل يجوز أن أستقدم خادمة غير مسلمة ؟ ............... ... 512
احتجاب الخادمة عن مخدومها .......................... ... 513
حكم مقابلة المرأة للسائق والخادم ....................... ... 513
كتاب النكاح .................................... ... 515
باب الحث على النِّكَاح سيَّما بذاتِ الدِّين الوَلُود ........ ... 518
باب استعفاف من لم يجد النكاح ....................... ... 521
باب المحرمات من النساء ............................... ... 523
باب النهي عن الزنا وهو من كبائر الذنوب .............. ... 527
باب الزانية لا يستجاب دعاؤها ....................... ... 530
باب الزاني والزانية يُنزع منهما الإيمان حال الزنى ......... ... 531
باب الزاني لا ينظر الله إليه ............................. ... 532
باب النهي عن الدياثة .............................. ... 535
باب تحريم بنت الزنا على أبيها .......................... ... 536
باب النهي عن الغناء والموسيقى ........................ ... 537
باب نهي المرأة عن السحاق .......................... ... 540
باب نهي الرجل عن النظر إلى المرأة الأجنبية ونهي المرأة عن النظر إلى الرجل الأجنبي .............................. ... 541
باب التحذير من الإختلاط ............................ ... 543
باب الحث على تعليم المرأة الكتابة ...................... ... 545
باب حرمة امتناع الزوجة عن زوجها إذا دعاها إلى فراشه والحذر من عصيانه ومخالفة أمره ........................ ... 547
باب التحذير من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده ... 550
باب النهي عن إفشاء السّر سيما ما كان بين الزوجين .... ... 551
باب نهي المرأة عن سؤال زوجها الطلاق من غير بأس .... ... 552
باب تحذير المرأة من النشوز ............................ ... 553
حدود الهجر بين الزوجين ............................. ... 557
باب علاج نشوز الرجل................................ ... 557(2/12)
باب علاج الخلاف بين الزوجين ........................ ... 558
باب الإيلاء من الزوجة ................................ ... 559
باب في الخلع ......................................... ... 560
باب المحرمات من الرضاع .............................. ... 562
باب عدد الرضعات المحرمات .......................... ... 564
باب تحريم الجمع بين الأختين ........................... ... 564
باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها .... ... 565
باب في ملك اليمين ................................... ... 565
باب النهي عن نكاح المشركة ونهي المؤمنة عن نكاح المشرك ............................................... ... 568
باب النهي عن نكاح الشغار ........................... ... 570
باب نكاح الكتابيات .................................. ... 572
باب النهي عن المُحَلِّلِ والمُحَلَّل له ....................... ... 573
باب النهي عن نكاح الزانية ............................ ... 574
باب النهي عن نكاح المتعة ............................ ... 577
باب عرض المرأة المؤمنة نفسها على الرجل الصالح ....... ... 579
باب عرض الرجل ابنته أو أخته على الرجل الصالح ....... ... 581
باب نظر الرجل إلى من يريد الزواج منها ................ ... 583
باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها ................... ... 585
باب في العدة ......................................... ... 589
أسئلة تطبيقية في النكاح ................................ ... 591
العلاقات العاطفية قبل الزواج ......................... ... 591
من أسباب الطلاق عدم رؤية المخطوبة ................. ... 592
لبس الدبلة للخاطب .................................. ... 593
هل يجوز للأب أن يأخذ من صداق ابنته شيئاً ؟ .......... ... 594
إذا تزوج بصداق بعضه مؤجل بالموت أو الفراق ......... ... 594
تزويج البنت بدون مهر ................................ ... 595(2/13)
هل يجوز للبكر الزواج دون إذن والدها ................. ... 596
الولاية للجد قبل الأخوة ............................... ... 597
إذا لم يوجد للمرأة ولي فقاضي البلد الذي تقيم فيه ...... ... 597
هل يجوز إجبار البنت على التزويج بمن لا ترضاه ؟ ...... ... 598
باب الشروط في النكاح .............................. ... 598
إذا شرطت طلاق ضرتها .............................. ... 598
اشترطت هي أو أهلها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها ... 600
لا يجوز زف العريس مع العروسة ...................... ... 600
حكم الزغرطة ........................................ ... 601
حكم رقص النساء في العرس فيما بينهن ................ ... 601
يمنع زوجته من الذهاب لأهلها ......................... ... 602
إذا أطلق أحد الزوجين على الآخر اللعنة ؟ ............... ... 602
نصيحة للنساء اللاتي تأخر زواجهن ..................... ... 603
كتاب اللباس والزينة .......................... ... 605
باب نهي المرأة عن التبرج ................................. ... 607
باب في الزينة التي تبديها المرأة والتي تخفيها ................. ... 608
حكم لبس الخلخال في القدم ........................... ... 610
باب التحذير من إظهار المرأة زينتها إلا لمن استثناهم الله والتحذير من خروجها متعطرة ......................... ... 611
باب التحذير من ارتداء الملابس التي عليها صلبان أو تصاوير ............................................ ... 614
باب النهي عن لباس الحرير والذهب للرجل ............. ... 617
باب تحذير المترجلة من النساء والمخنث من الرجال ....... ... 618
باب نهي المرأة عن وصل شعرها بشعر آخر ............. ... 621
باب في لعن النامصة والمتنمصة ......................... ... 624
حكم تقصير أو إزالة بعض الزوائد من الحاجبين ........ ... 626
باب في لعن الواشمة والمتفلجة ........................... ... 627(2/14)
أسئلة تطبيقية عن اللباس والزينة ........................ ... 628
حكم تركيب الأسنان الذهبية .......................... ... 632
حكم لبس الساعة المطلية بالذهب الأبيض ............... ... 633
حكم التزين بالحناء ................................... ... 634
عمليات التجميل لإزالة التشوه جائزة ................... ... 635
حكم لبس العدسات الملونة للعين للزينة والموضة ......... ... 635
حكم ثقب أذن البنت أو أنفها من أجل الزينة ........... ... 636
حكم استعمال الكحل ................................. ... 637
أحكام شعر المرأة .................................. ... 638
باب نهي المرأة عن صبغ شعرها بالسواد ................. ... 638
حكم قص المرأة لشعر رأسها ..................... ... 638
حكم قص بعض النساء لمقدم رؤوسهن ............... ... 640
حكم قص الشعر على هيئات مأخوذة من الغرب ....... ... 641
قص الشعر من الخلف وترك جوانبه أطول ............. ... 642
حكم وصل المرأة شعر رأسها " الباروكة ................ ... 644
حكم صبغ المرأة لشعر رأسها .......................... ... 645
هل يجوز صبغ الشعر باللون الأسود وخلطه مع حناء ؟ ... ... 646
حكم تجعيد المرأة لشعرها .............................. ... 646
حكم تجميع المرأة لشعرها فوق رأسها أو ما يسمى بالكعكة ............................................. ... 647
تصفيف الشعر بالطريقة العصرية ..................... ... 647
حكم فرق المرأة شعرها على الجنب ................... ... 648
تمشيط الشعر في الأضحية ............................. ... 650
هل للمسلمة أن تكشف شعرها أمام غير المسلمة ........ ... 650
ما حكم ذهاب المرأة " العروس " إلى الحلاق وذلك لتسريح شعرها ؟ ... 651
هل تكشف شعرها أمام والدها وعمها ................. ... 652
ما حكم تخفيف شعر الحاجب ......................... ... 653(2/15)
هل يجوز للمرأة أن تزيل شعر الحاجبين أو ترقيق شعر حاجبيها إذا كان يشوه منظرها ؟ ....................... ... 653
ما عن حكم إزالة شعر اليدين والرجلين ؟ ............... ... 654
كتاب الأدب ....................................... ... 655
باب ثواب الحياء وما جاء في فضله ..................... ... 657
باب ثواب حسن الخلق وفضله ......................... ... 658
باب ثواب الرفق في الأمور كلها ....................... ... 664
باب ثواب طلاقة الوجه وفعال أخر من الخير ............ ... 667
باب باب الحث على طيب الكلام وفضله................ ... 669
باب قلة الكلام والتحفظ في النطق ...................... ... 671
باب النهي عن قيل وقال ............................... ... 676
باب النهي عن الكلام فيما لا يعنيك .................... ... 676
باب النهي عن أذية المسلمين ........................... ... 678
باب ما جاء في فضل الصدق ........................... ... 680
باب النهي عن الكذب ................................ ... 685
باب النهي عن التشبع بما لم يعط ........................ ... 686
باب النهي عن الكذب بقصد المزاح والصدق فيه ...... ... 688
باب حفظ السر وعدم إفشائه .......................... ... 691
باب التحذير من ذي الوجهين و اللسانين ............... ... 639
باب النهي عن النميمة ................................. ... 695
باب النهي عن الغيبة والبهت ........................... ... 698
باب تحذير من جس على المسلمين ودل على عوراتهم .... ... 704
باب وجوب التبين قبل الكلام والتثبت فيما يقوله المرء ... ... 705
باب ثواب من شاب شيبة في الإسلام ................... ... 707
باب ثواب الحلم والصفح وكظم الغيظ ................. ... 708
باب ثواب احتمال الأذى ............................. ... 713
باب ثواب من رد غيبة أخيه المسلم وذب عن عرضه ..... ... 714
باب ثواب الصدق ................................... ... 715(2/16)
باب ثواب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر .... ... 718
باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب ................ ... 719
كتاب الجنائز ..................................... ... 723
باب الصبر عند الصدمة الأولى ......................... ... 725
باب ثواب ما يقول من مات له ميت ................... ... 727
باب صبر أم حارثة .................................... ... 730
باب النهي عن النياحة واللطم ......................... ... 731
باب الميت يعذب بما نيح عليه .......................... ... 732
وفاة عمر - رضي الله عنه - وبكاء صهيب عليه ....................... ... 734
باب النياحة من أمر الجاهلية ............................ ... 736
باب النياحة سبب لدخول الشيطان للبيت ............... ... 738
باب في أن من مات له ثلاثة من الولد دخل الجنة ........ ... 739
باب في أن من مات له ولد واحد فصبر دخل الجنة ..... ... 741
باب جواز البكاء من غير نياحة ........................ ... 743
باب المرأة تغسل زوجها ............................... ... 748
باب صفة تغسيل الميت ................................ ... 750
باب صفة كفن المرأة .................................. ... 751
باب النهي عن سب الميت والإساءة له ............... ... 751
باب التحذير من اتباع النساء الجنائز .................... ... 752
باب جواز صلاة النساء على الجنازة .................... ... 753
باب إدخال المرأة في القبر .............................. ... 753
باب جواز زيارة النساء للقبور .......................... ... 757
باب الإحداد ثلاثة أيام سوى الزوج .................... ... 759
باب الإحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرا ............ ... 761
باب ما على الحادة اجتنابه ............................. ... 763
الخاتمة ....................................... ... 766
مصادر الكتاب ............................... ... 769(2/17)
فهرس المواضيع ............................... ... 679(2/18)