أقوال الأئمّة والدعاة في
بيان ردّة من بدّل الشريعة
من الحكام الطغاة
كتاب جامع لأكثر من 200 قول وفتوى في الحاكميّة
أعدّه وجمعه
أبو صُهيَب عبد العزيز بن صُهيب المالكيّ
جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
إلاّ لمن أراد طبع هذا الكتاب وتوزيعه مجّاناً
من غير إضافة ولا حذف ولا تغيير
الطبعة الأولى
1420 هـ - 2000 مـ
إهداء
إلى الباحثين عن الحق، المتبعين لسنة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ،
إلى كل العاملين لنصرة هذا الدين،
إلى مشايخ أهل السنة والجماعة،
وإلى طلاب الحق وطلاب العلم،
نُهدي هذه الرسالة الصغيرة في حجمها، الكبيرة في فائدتها إن شاء الله،
سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يتقبّلها خالصةً لوجهه الكريم، وأن يجعلها تبصرة لمن يشكّ في كفر الحكّام المبدّلين للشريعة،
ونرجوه تعالى أن ينفع بها، وأن ينصر بها الحقّ وأهله، ويخذل بها الباطل وجنده، آمين.
مقدّمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله.
قال الله تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حقَّ تُقاتِهِ ولا تَموتُنَّ إلاّ وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]. وقال سبحانه: {يا أيها النَّاس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحدةٍ وخلقَ مِنها زَوجَها وبث منهُما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءَلونَ به والأرحامَ إنّ الله كانَ عَلَيكُم رقيباً} [النساء: 1]. وقال جلّ جلاله: {يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذُنوبكم ومَن يُطعِ الله ورَسولَهُ فقد فازَ فوزاً عَظيماً} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:(1/1)
فإن أصدق الكلامِ كلامُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد بيّن كثيرٌ من علماء الإسلام والجماعات الإسلامية كفر الحكام الذين يبدّلون الشريعة، وبينوا ردتهم من وجوهٍ كثيرةٍ، وفصّلوا هذا الأمر تفصيلا. ولكنّ كثيراً من خواصّ المسلمين -لا عامّتهم- من الذين تصدروا الفتاوى بين الناس لا زالوا يجهلون حكم الإسلام في هؤلاء الحكام، حتى أني ناقشت كثيراً من هؤلاء القائلين بغير علم، فوجدت أكثرهم قد أخذ بمذهب الإرجاء في هؤلاء الحكّام، وزعم أن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، ومنهم من زعم أنه لم يكفّر هؤلاء الحكام إلاّ اثنين من علماء الإسلام في هذا العصر، وهما الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن -فك الله تعالى أسره من سجون أمريكا- والشيخ الدكتور الشهيد -نحسبه كذلك- عبد الله عزام رحمه الله تعالى، أو من قال -وهو أحسن القوم حالاً- أنّ في المسألة خلاف، زعموا!!!(1/2)
لذلك ولتعذّر الحصول على فتاوى وأقوال العلماء في هذه المسألة لتبعثرها هنا وهناك، قمت بكتابة هذه الرسالة، الصغيرة في حجمها الغزيرة في أدلّتها، لأن الكلام في هذا الموضوع -وهو تعريف المسلم بالطاغوت- هو من أصل الإيمان الواجب على كل مسلم معرفته، وذلك لكي يتبرَّأ من الطواغيت، إذ التبرُّأ من الطاغوت والكفر به هو من شروط لا إله إلاّ الله، فـ«لا إله» تعني وجوب الكفر بكل الآلهة التي تُعبد من دون الله تعالى، قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256]، فقدّم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله تعالى، فتنبه لذلك أيها المسلم الموحد. بينما تعني كلمة «إلا الله» وجوب عبادة الله تعالى وحده في كل الأعمال، سواء في الأمور الفردّية أو الجماعية. فالصلاة له، وكذلك الحكم والتشريع له، والمسجد له، وكذلك القضاء حق له، فيجب أن تحكّم الله تعالى في جميع أمورك. وهذا الكلام مبسوط في كتب العقائد وقد فصل العلماء قديماً وحديثاً هذا الأمر وألّفوا التآليف الكثيرة في ذلك وسموها بكتب «الإيمان».
لذلك كله، وتسهيلاً لطالب الحق، ولطالب العلم، وتبياناً للحق، وتنويراً لهؤلاء الذين تصدروا الفتاوى وزعموا أنه لم يقل بكفر هؤلاء الحكام إلاّ الشيخان الجليلان عمر عبد الرحمن وعبدالله عزام، قمت بجمع أقوال وفتاوى بعض علماء أهل السنة والجماعة القدامى، وبعض علماء ودعاة أهل السنة المعاصرين (1) من طيات الكتب والمنشورات والمقالات والمجلات والجرائد، ومن الأشرطة السمعيّة والبصريّة وغير ذلك.
__________
(1) لم أذكر "الجماعة" بعد ذكر "أهل السنة" هنا قصداً، حيث أنّ بعض الفتاوى الواردة في هذه الرسالة هي لمشايخ من أهل السنة -منهم من كان ومنهم من لم يزل- يتزعمون بعض الحركات الإسلامية وفيهم بعض البدع أو الضلالات التي نسأل الله تعالى أن يصرفهم عنها.(1/3)
وقسّمت هذه الرسالة إلى ثلاثة أبواب، وقسّمت الباب الأول إلى قسمين، والباب الثاني إلى ثلاثة أقسام، أمّا الباب الثالث فقد أوردّت فيه ردوداً على بعض شبه أهل الإرجاء، مع بيان وجوب الخروج على الحكّام المبدّلين للشريعة.
الباب الأول: ... بيان ردّة الحكام المستبدلين للشريعة من أدلّة كتاب الله تعالى
القسم الأول: تفسير بعض الآيات القرآنية المتعلّقة بالحكم
والتحاكم
... القسم الثاني: وجوب الكفر بالطاغوت
الباب الثاني: ... أقوال وفتاوى مشايخ ودعاة أهل السنة في حكام الردة
... القسم الأول: فتاوى وأقوال علماء أهل السنة والجماعة القدامى
... القسم الثاني: فتاوى وأقوال علماء أهل السنة المعاصرين.
... القسم الثالث: فتاوى وأقوال نظرية لا عملية.
الباب الثالث: ... الرد على بعض شبهات أهل الإرجاء مع بيان وجوب الخروج على الحكّام المبدّلين للشريعة
ثم الخاتمة، وأخيراً المراجع وفهرسة المواضيع.
ملاحظة هامّة: قمتُ في بعض المواضع بالاستدارك والزيادة على النقول المأخوذة من كلام العلماء، ووضعت هذه الزيادة بين قوسين مربّعين. فكلّ كلام يرد بين علامتَي [ ] عند نقل قول أحد العلماء هو للكاتب. فوجب التنبيه.
تمهيد
قبل أن نشرع في بيان كفر الحكام الذين يستبدلون شريعة الرحمن بشرائع أخرى ونثبت ردّتهم من النصوص الصريحة، وقبل أن ننقل إجماع الأمة والأئمة على ذلك، نود أن نعرّف القارئ الكريم بأهمية هذه المسألة، وهي أن الحكم بين العباد يجب أن يُفرد به الله سبحانه وتعالى وحده لأنه هو الحَكَم، وهو المشرِّع، ولا يحقّ لأحدٍ -كائناً من كان- أن يدّعي ذلك لنفسه. ونودّ كذلك أن نبيّن للقارئ الكريم كيف أن حكام زماننا قد سلبوا الله تعالى حقّ التشريع وادّعوه لأنفسهم، فحاربوا كل من طالبهم بتحكيم شرع رب العالمين. ونأخذ هذا الفصل من كلام صاحب "الظلال" الأستاذ الشهيد -نحسبه كذلك- سيد قطب، فإنه -رحمه الله تعالى- قد أجاد في بيان وتفنيد حالهم وحقيقتهم.(1/4)
قال رحمه الله تعالى: «إنها قضية الحكم والشريعة والتقاضي ومن ورائها قضية الألوهية والتوحيد والإيمان، والقضية في جوهرها تتلخص في الإجابة على هذا السؤال: أيكون الحكم والشريعة والتقاضي حسب مواثيق الله وعقوده وشرائعه التي استحفظ عليها أصحاب الديانات السماوية واحدة بعد الأخرى، وكتبها على الرسل [عليهم الصلاة والسلام] وعلى من يتولون الأمر بعدهم ليسيروا على هداهم؟ أم يكون ذلك كله للأهواء المتقلبة، والمصالح التي لا ترجع إلى أصل ثابت من شرع الله، والعرف الذي يصطلح عليه جيلٌ أو أجيال؟ وبتعبير آخر: أتكون الألوهية والربوبية والقوامة لله في الأرض وفي حياة الناس؟ أم تكون كلها أو بعضها لأحد من خلقه يشرّع للناس ما لم يأذن به الله؟(1/5)
الله سبحانه يقول: إنه هو الله لا إله إلاّ هو. وإن شرائعه التي سنها للناس بمقتضى ألوهيته لهم وعبوديتهم له، وعاهدهم عليها وعلى القيام بها، هي التي يجب أن تحكم هذه الأرض، وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس، وهي التي يجب أن يقضي بها الأنبياء ومَن بعدهم من الحكام... والله سبحانه يقول: إن المسألة في هذا كله مسألة إيمان أو كفر، أو إسلام أو جاهلية، وشرع أو هوى، وإنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح! فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله -لا يخرمون منه حرفاً ولا يبدلون منه شيئاً- والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله. وأنه إما أن يكون الحكّام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان، وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يأذن به الله فهم الكافرون الظالمون الفاسقون. وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون، وإلا فما هم بالمؤمنين. ولا وسط بين هذا الطريق وذاك... فمعنى الاستسلام لشريعة الله -هو قبل كلّ شيء- الاعتراف بألوهيته وربوبيته وقوامته وسلطانه. ومعنى عدم الاستسلام لهذه الشريعة واتخاذ شريعة غيرها في أي جزئية من جزئيات الحياة، -هو قبل كلّ شيء- رفض الاعتراف بألوهية الله وربوبيته وقوامته وسلطانه. ويستوي أن يكون الاستسلام أو الرفض باللسان أو بالفعل دون القول... فما يملك إنسانٌ أن يدّعي أن شريعة أحد من البشر، تَفْضُلُ أو تُماثل شريعة الله، في أية حالة أو في أي طور من أطوار الجماعة الإنسانية. ثم يدعي -بعد ذلك- أنه مؤمن بالله (1) وأنه من المسلمين.
__________
(1) وهذا هو حال حكام اليوم فرحم الله سيداً فقد كان بهم بصيراً.(1/6)
إنه يدعي أنه أعلم من الله بحال الناس، وأحكم من الله في تدبير أمرهم، أو يدّعي أن أحوالاً وحاجات جرت في حياة الناس، وكان الله سبحانه غير عالم بها وهو يشرع شريعته، أو كان عالماً بها ولكنه لم يشرّع لها! ولا تستقيم مع هذا الادعاء دعوى الإيمان والإسلام. مهما قالها باللسان... ثم إنه [أي الإسلام] المنهج الوحيد الذي يتحرّر فيه الإنسان من العبودية للإنسان. ففي كل منهج -غير المنهج الإسلامي- يتعبّد الناسُ الناسَ. ويعبد الناسُ الناسَ. وفي المنهج الإسلامي -وحده- يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك. إن أخصّ خصائص الألوهية -كما أسلفنا- هي الحاكمية. (1) والذي يُشرّع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها، فهم عبيده لا عبيد الله، وهم في دينه لا في دين الله... والجاهلية ليست فترة تاريخية، إنما هي حالة توجد كلما وُجِدت مقوماتها في وضعٍ أو نظام.
__________
(1) «إنّ ألوهيّة الربّ علىعبيده لُبُّها وجوهرها هو حبّ العبد وخوفه منه، فهما أخصّ خصائص التألُّه، فلا قيام للعبوديّة إلاّ بهذين الأمرين، ثمّ ما كان من مقتضيات هذا التعبّد من الطاعة والانقياد والالتزام بالشرائع إنّما قيامها بالعبد لوجود حبّ الله تعالى والخوف منه، فإذا أراد سيّد رحمه الله أن لا عبادة إلاّ بالتزام الأمر فقد أصاب، وإن أراد أنَّ إلتزام الأمر هو أصل التعبُّد ومُنْشِؤُه فلم يصب، إذ أصل العبادة هو الحبّ والخوف وبهما ينشأ التزام الأمر وامتثاله وعدم قلب الأمر بوضع النتيجة مكان الأصل له أهمّيته في تربية المسلم على طريقة تربية الصحابة - رضي الله عنهم - . هذا والله أعلم.» أفاده الشيخ أبي قتادة الفلسطيني حفظه الله تعالى وأمدّ في عمره في أشرطة دورة التوحيد وهي شرح العقيدة الطحاويّة.(1/7)
وهي في صميمها الرجوع بالحكم والتشريع إلى أهواء البشر، لا إلى منهج الله وشريعته للحياة، ويستوي أن تكون هذه الأهواء أهواء فرد، أو أهواء طبقة، أو أهواء أمة، أو أهواء جيل كامل من الناس. فكلها ما دامت لا ترجع إلى شريعة الله أهواء. يشرع فرد لجماعة فإذا هي جاهليّة. لأن هواه هو القانون. أو رأيه هو القانون. لا فرق إلاّ في العبارات! وتشرّع طبقة لسائر الطبقات فإذا هي جاهلية. لأن مصالح تلك الطبقة هي القانون -أي رأي الأغلبية البرلمانية هو القانون- فلا فرق إلاّ في العبارات!
ويشرّع ممثلو جميع الطبقات وجميع القطاعات في الأمة لأنفسهم فإذا هي جاهلية. لأن أهواء الناس الذين لا يتجرّدون أبداً من الأهواء، ولأن جهل الناس الذين لا يتجردون أبداً من الجهل، هو القانون -أو لأن رأي الشعب هو القانون- فلا فرق إلاّ في العبارات! وتشرّع مجموعة من الأمم للبشرية فإذا هي جاهلية. لأن أهدافها القومية هي القانون -أو رأي المجامع الدولية هو القانون- فلا فرق إلاّ في العبارات!
ويشرّع خالق الأفراد، وخالق الجماعات، وخالق الأمم والأجيال، للجميع، فإذا هي شريعة الله التي لا محاباة فيها لأحد على حساب أحد. لا لفرد ولا لجماعة ولا لدولة، ولا لجيل من الأجيال. لأن الله ربُّ الجميع والكلُّ لديه سواء. ولأن الله يعلم حقيقة الجميع ومصلحة الجميع، فلا يفوته -سبحانه- أن يرعى مصالحهم وحاجاتهم بدون تفريط ولا إفراط.(1/8)
ويشرّع غير الله للناس. فإذا هم عبيدُ من يُشرِّع لهم. كائناً من كان. فرداً أو طبقةً أو أمةً أو مجموعةً من الأمم. ويشرّع الله للناس. فإذا هم كلهم أحرارٌ متساوون، لا يحنون جباههم إلاّ لله، ولا يعبدون إلاّ الله. ومن هنا خطورة هذه القضية في حياة بني الإنسان، وفي نظام الكون كله: {ولوِ اتَّبعَ الحقُّ أهواءَهُم لفسَدَتِ السماواتُ والأرضُ ومن فيهن} فالحكم بغير ما أنزل الله معناه الشر والفساد والخروج في النهاية عن نطاق الإيمان. بنص القرآن...» (1)
وننصح من أراد مزيداً من التفصيل حول كفر الحكام المبدّلين للشريعة بالرجوع إلى المصدر المشار إليه، وإلى كتابه رحمه الله تعالى "معالم في الطريق"، وإلى الكتب التالية:
? ... "نواقض الإيمان القولية والعملية" للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف
? ... "الهادي إلى سبيل الرشاد" للشيخ عبدالقادر عبدالعزيز
? ... "القول القاطع فيمن امتنع عن الشرائع" من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر
? ... "ملّة إبراهيم" للشيخ أبي محمّد المقدسي
? ... "الردّ على الألباني" للشيخ عبدالمنعم أبو حليمة / أبي بصير الشامي
? ... الجزء الثالث من كتاب "التبيان في أهمّ مسائل الكفر والإيمان" للشيخ أبي عمرو حسّان عبدالحكيم
? ... "ردود على أباطيل وشبهات حول الجهاد - الرد على كتاب الدكتور البوطي" للشيخ عبدالملك البرّاك
? ... إمتاع النظر في الرد على مرجئة العصر للشيخ أبي محمّد المقدسيّ
? ... "الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية" لأبي البراء النجديّ
? ... الجزء الثاني من كتاب "التجربة الجهادية في سوريا" لأبي مصعب السوري
? ... "وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط «من منهج الخوارج»" لأبي إسراء الأسيوطي
? ... "فتوى خطيرة عظيمة الشأن في حكم الخطباء والمشايخ الذين دخلوا في نصرة وتأييد المبدّلين لشريعة الرحمن"، إعداد الشيخ أبي قتادة الفلسطيني
__________
(1) أنظر تفسيره القيم المسمى "في ظلال القرآن"، جـ2، ص888-891 بتصرّف.(1/9)
بالإضافة إلى أشرطة سلسلة "دورة الإيمان" وكفر دون كفر" للشيخ أبي قَتادة الفلسطيني، وأشرطة الشيخ أبي الوليد الأنصاري في "الرد على شريط: السلفية بين الولاة والغلاة، للشيخ محمد سرور". وغيرها الكثير من المؤلّفات المذكورة في فهرس المراجع أو في هامش باب الفتاوى والأقوال.
الباب الأول
بيان ردة الحكام
المستبدلين للشريعة
من أدلّة كتاب الله تعالى
القسم الأوّل: تفسير بعض الآيات
القرآنية المتعلّقة بالحكم والتحاكم
قبل أن نشرع في سرد أقوال وفتاوى علماء أهل السنّة القدامى ومن سار على دربهم من العلماء والدعاة المعاصرين، لا بدّ أن نذكر بعضاً من الآيات التي جاءت صريحة بكفر من لم يحكم بما أنزل الله، والتي هي عمدة العلماء -قديماً وحديثاً- والتي ارتكزوا عليها في فتاويهم وأقوالهم.
قال تعالى: {ألم ترَ إلى الذين أُتوا نصيباً مِنَ الكتابِ يُدعَوْنَ إلى كتابِ الله ليحكُمَ بينهم ثُمّ يَتولّى فَريقٌ مِنهم وهُم مُعرِضُونَ} [آل عمران: 23] يقول الشهيد -نحسبه كذلك- سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: «...هكذا يعجب الله من أهل الكتاب حين يُعرض بعضهم (لا كلهم) عن الاحتكام إلى كتاب الله في أمور الاعتقاد وأمور الحياة، فكيف بمن يقولون إنهم مسلمون ثم يُخرجون شريعة الله من حياتهم كلها ثم يظلون يَزعمون أنهم مسلمون؟ إنه مَثلٌ يضربه الله للمسلمين أيضاً كي يَعلموا حقيقة الدين وطبيعة الإسلام ويحذروا أن يكونوا موضعاً لتعجيب الله وتشهيره بهم، فإذا كان هذا هو استنكار موقف أهل الكتاب الذين لم يدَّعوا الإسلام حين يُعرِضُ فريقٌ منهم عن التحاكم إلى كتاب الله، فكيف يكون الاستنكار إذا كان «المسلمون» هم الذين يُعرضونَ هذا الإعراض؟ إنه العجب الذي لا ينقضي والبلاء الذي لا يُقَدر والغضب الذي ينتهي إلى الشقوة والطرد من رحمة الله، والعياذ بالله». (1)
__________
(1) المصدر السابق، جـ1/صـ 382.(1/10)
قال تعالى: {فلا وربِّكَ لا يُؤمِنونَ حتى يُحكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بينهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أنفسهِم حَرَجاً مِمَّا قضَيتَ ويُسلّموا تَسليماً} [النساء: 65] يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: «يُقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور فما حَكَمَ به فهو الحقّ الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً... أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكَمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيُسلمون لذلك تسليماً كُلّياً من غير مُمانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"». (1) نقول: وهل هناك منازعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكبر من منازعة هؤلاء الحكام المرتدين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ لقد نازعوه في كل شيء: في السياسة والمعاملات، وفي الحدود والتحليل والتحريم، حتى وصل بهم الأمر أن نازعوه في الصلاة، فخُطبَتي الجمعة اللتين هما بمثابة الركعتين من صلاة الظهر قد خصصهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإرشاد الناس إلى الخير، أمّا حكّام اليوم فقد جعلوا هاتين الخطبتين لهم وحدهم من دون الله تعالى، ففرضوا على خطبائهم أن يحولوهما للمدح والثناء عليهم (من دون الله أو مع الله تعالى فالحكم واحد)، وإن لم ينفّذ هذا الخطيب ما أُمر به مُنِع من الخطابة، بل لعل أن يصبح مصيره السجن كأسلافه من العلماء الأفاضل فكّ الله أسرهم.
__________
(1) تفسير القرآن العظيم جـ1 صـ 532.(1/11)
قال الإمام الشوكاني: «قال ابن جرير: قوله "فلا" ردٌ على ما تقدّم ذكره، تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك»، ثم قال الشوكاني: «والظاهر أن هذا شاملٌ لكل فرد في كل حكم». (1) وسبب نزول هذه الآية هو عدم قبول أحد الأنصار، وكان قد شهد بدراً، لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما أعطى الماء للزبير ابن العوام - رضي الله عنه - ، والقصة أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما. فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أنزل آيةً في حقّ هذا الأنصاريّ الذي قد شهد بدراً فأخبر عنه سبحانه بأنه لا يَكْمُلُ إيمانُه حتى يرضى بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويُسلّم لحكمه. فما بالك أخي المسلم بالحكام العلمانيين الذين بدّلوا شرع الله تعالى وجعلوا ما أحلّ الله تعالى حراماً وما حرّمَ حلالاً، ولم يكتفوا بذلك بل حاربوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - جهاراً نهاراً وقتلوا وشردوا كلّ من يُنادي ويقول {إن الحكم إلاّ لله}، وما أُعدم سيد قطب وغيره من الشهداء الأبطال -نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحد- بأمرٍ من الطاغية جمال عبد الناصر إلاّ لأنهم قالوا {إن الحكم إلاّ لله}.
$ $ $
__________
(1) فتح القدير جـ1 صـ 483.(1/12)
قال تعالى: { إنّا أنزلنا التوراةَ فيها هُدىً ونورٌ يحكُمُ بها النبيَّونَ الذين أسلموا للَّذينَ هادوا والربَّانيُّونَ والأحبارُ بما استُحفِظُوا من كِتابِ الله وكانوا عليهِ شُهداءَ فلا تخشوا النَّاس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يَحكُم بما أنزل الله فأُولئكَ هُمُ الكافرونَ * وَكتَبنا عليهم فيها أنَّ النفسَ بالنفسِ والعينَ بالعينِ والأنفَ بالأنفِ والأُذُنَ بالأُذُنِ والسِّنَّ بالسِّنِّ والجُرُوحَ قِصاصٌ فمن تصدَّقَ به فهو كفَّارةٌ له ومَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أنْزَلَ الله فأُولئكَ هُمُ الظالمونَ * وقفَّينا على آثارهم بعيسى ابنِ مريمَ مُصدِّقاً لما بين يديهِ من التوراةِ وآتيناه الإنجيلَ فيهِ هُدىً ونورٌ ومُصدِّقاً لما بين يديهِ من التوراةِ وهدىً وموعظةً للمتّقين *وَلْيَحكُم أهلُ الإنجيلِ بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئكَ هُمُ الفاسقونَ *وأنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ مُصدِّقاً لما بين يديهِ من الكتابِ ومُهيمناً عليه فاحكم بينهُم بما أنزلَ الله ولا تَتَّبع أهواءَهُم عَمَّا جآءَكَ من الحقِّ لكُلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيراتِ إلى الله مرجعُكُم جميعاً فيُنبِّئُكُم بما كنتم تختلفون *وأنِ احكم بينهُم بما أنزلَ الله ولا تتَّبِع أهواءَهم واحذرهم أن يفتِنوكَ عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولّوا فاعلم أنّما يُريدُ الله أن يُصيبَهم ببعضِ ذُنوبهم وإنَّ كثيراً من الناس لفاسقونَ * أفحُكمَ الجاهليةِ يَبغُونَ ومن أحسنُ من الله حُكماً لقومٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 44-50] قال ابن كثير: «قال البراء ابن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وابن مجلز وأبو رجاء العطاردي وعِكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري - رضي الله عنهم - وغيرهم: نزلت [هذه الآيات] في أهل الكتاب، زاد الحسن البصري: وهي علينا(1/13)
واجبة». نقول: رحم الله الحسن البصري، قال هذا في عصره محذراً القضاة والحكام، وهم الذين يحكمون بما أنزل الله بخلاف حكّام الردة اليوم، ومع هذا حذّرهم رحمه الله من الوقوع فيما وقع فيه أهل الكتاب حتى استحقّوا هذا الجزاء من الله تعالى، فكيف لو كان رحمه الله في أيامنا هذه التي بُدِّلَ فيها شرعُ الله تعالى بشرعِ البشر؟! ثم قال ابن كثير: «وقال عبد الرزاق عن سُفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضيَ الله لهذه الأمة بها»، ثم قال: «وقال ابن جَرير... عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود - رضي الله عنه - عن الرشوة فقال: من السحت، فقالا: وفي الحكم؟ قال: ذاك الكفر، ثم تلا قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هُمُ الكافرونَ}». قال ابن كثير: «قال السدي: يقول تعالى ومن لم يحكم بما أنزَلْتُ فتَرَكَه عمداً أو جارٍ وهو يعلم، فهو من الكافرين، ثم نقل عن ابن جرير عن الشعبي أنه قال {فأولئك هم الكافرون} قال هذا في المسلمين». (1) ثم قال: «وقال أبو حاتم...حدثنا أبو عبيدة الناجي قال: سمعت الحَكم يقول: من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية [أي فحكمه حكم الجاهلية، وحكم الجاهلية هو الكفر]». (2)
وقال الإمام الشوكاني في تفسير هذه الآية {فأُولئك هم الكافرون} قال: «لفظ "مَن" مِن صنيع العموم، فيُفيد أنّ هذا غيرُ مختصٍ بطائفة معيّنة، بل بكل من ولي الحكم... وقيل هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل الله [إذا] وقع استخفافاً أو استحلالاً أو جحداً، والإشارة بقوله "أُولئك" إلى من، والجمع باعتبار معناها وكذلك ضميرُ الجماعة في قوله "هم الكافرون"». (3)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم جـ2 صـ 63-64.
(2) المصدر السابق، ص70.
(3) فتح القدير جـ2 صـ 42.(1/14)
معناه أن الحكم سواء وقع من فرد أو جماعة، وسواء كان استخفافاً أو استحلالاً أو جحوداً للحكم، فالحكم واحد، ألا وهو أنهم كافرون، لأنّ أقلّ تعامل هؤلاء الحكام مع شرع الله تعالى هو الاستخفاف به، وهذا هو الذي أفضى بهم إلى تعطيله، فزادوا إلى كفر الاستخفاف، كفر التعطيل وكفر الاستبدال وكفر الاستهزاء.
ثم قال الإمام الشوكاني: «وخرج عبد بن حميد عن علي - رضي الله عنه - أنه سئل عن السُحت فقال: الرشا، فقيل له: في الحكم قال: ذاك الكفر» (1) ثم قال «وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن حذيفة - رضي الله عنه - أن هذه الآيات ذكرت عنده فقال رجل [كما يزعُم علماء السلطة اليوم من مرجئي هذا العصر]: إن هذا في بني إسرائيل، فقال حذيفة - رضي الله عنه - [رادّاً عليه ومُبيناً له خطأ هذا الفهم]: "نِعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مُرة، كلاّ والله لتسلُكنّ طريقهم قدّ الشراك"، وأخرج ابن المنذر نحوه عن ابن عباس». (2)
وقال الشهيد -نحسبه كذلك- سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى {وما أُولئك بالمؤمنين}: «فما يمكن أن يجتمع الإيمان، وعدم تحكيم شريعة الله، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة. والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم «مؤمنون» ثم هم لا يُحكمون شريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طُبق عليهم. إنما يَدعون دعوى كاذبة، وإنما يصطدمون بهذا النص القاطع. «وما أولئك بالمؤمنين» فليس الأمر في هذا هو أمر عدم تحكيم شريعة الله من الحكام فحسب، بل إنه كذلك عدم الرضى بحكم الله من المحكومين، يخرجهم من دائرة الإيمان، مهما ادعوه باللسان». (3)
$ $ $
__________
(1) المصدر السابق: ص44.
(2) نفس المصدر صـ 45.
(3) في ظلال القرآن، جـ2 صـ 895.(1/15)
قال تعالى: {إنِ الحُكمُ إلا لله } [الأنعام: 57، ويوسف: 40 و 67] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أخبرهم [الله تعالى] أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله وقد أمر عباده قاطبة أن لا يعبدوا إلاّ إياه». (1) وقال الإمام الشوكاني: «أي ما الحكم في كل شيء إلاّ لله سبحانه، ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب، والمراد: الحكم الفاصل بين الحق والباطل». (2) معناه أن الحكم الحق هو حكم الله تعالى، والحكم الباطل هو حكم آراء وأهواء الحكّام. وقال سيد قطب رحمه الله تعالى: «إنّ الحكم لا يكون إلاّ لله. فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته، إذ الحاكمية من خصائص الألوهية، من ادعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته (3) ، سواء ادعى هذا الحق فرد، أو طبقة، أو حزب، أو هيئة، أو أمة، أو الناس جميعاً في صورة منظمة عالمية. ومن نازع الله سبحانه أولى خصائص ألوهيته وادعاها فقد كفر بالله كفراً بواحاً، يصبح به كفره من المعلوم من الدين بالضرورة، حتى بحكم هذا النص وحده». (4)
$ $ $
قال تعالى: {ولا يُشركُ في حُكمهِ أحداً} [الكهف: 26]. قال الإمام الشوكاني: «والمراد بحكم الله ما يقضيه أم علم الغيب، والأوّل أولى، ويدخل علم الغيب في ذلك دخولاً أوّلياً فإن علمه سبحانه من جملة قضائه». (5) وقال الإمام الشنقيطي: «[وهذا] شاملٌ لكل ما يقضيه جلّ وعلا، ويدخل في ذلك التشريع دخولاً أولياً، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الحكم لله وحده لا شريك له في كلتا القراءتين جاء مبيناً في آيات أخرى». (6)
$ $ $
__________
(1) تفسير القرآن العظيم جـ2 صـ 496.
(2) فتح القدير جـ2 صـ 122.
(3) قد نبّهنا على قول سيّد رحمه الله هذا في التمهيد، فوجب التنبّه.
(4) تفسير الظلال جـ4 صـ 1990.
(5) فتح القدير جـ3 صـ 280.
(6) أضواء البيان جـ10 صـ 292.(1/16)
قال تعالى: {وإذا دُعُوا إلى الله ورسُولهِ ليَحكمَ بينهُم إذا فريقٌ منهم معرضُونَ * وإن يَكُن لهُمُ الحَقُّ يَأتُوا إليهِ مُذعِنِينَ * أفي قُلُوبِهم مرضٌ أمِ ارتابوا أم يَخافونَ أن يَحيفَ الله عَلَيهم ورَسولُهُ بل أُولئكَ هُمُ الظالمونَ} [النور: 48-50]. هنا يوبّخ الله تعالى المنافقين ويصفهم بالظلم، والظلم هنا كما هو في قوله تعالى من سورة المائدة {فأولئك هم الظالمون} أي ظلمهم ظلم كفر ونفاق. قال ابن كثير: «أي إذا طُلبوا إلى اتّباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن إتباعه وهذه كقوله تعالى {ألم ترَ إلى الذين يزعُمون أنهم آمنوا بما أُنزل إِلَيكَ ومَا أُنزِلَ من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً* وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزلَ الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يَصدون عنكَ صدوداً}». (1) وقال الإمام الشوكاني: «[قال تعالى] {أفي قلوبهم مرض} وهذه الهمزة للتوبيخ والتقريع لهم، والمرض [هو] النفاق، أي أكان هذا الإعراض منهم بسبب النفاق الكائن في قلوبهم {أم ارتابوا} وشكوا في أمر نبوته - صلى الله عليه وسلم - وعدله في الحكم، {أم يخافون أن يَحيفَ الله عليهم ورسوله} والحيف [هو] الميل في الحكم... {بل أولئك هم الظالمون} أي ليس ذلك مما ذكر بل لظلمهم وعنادهم... وفي هذه الآية دليل على وجوب الإجابة إلى القاضي العالم بحكم الله العادل في حكمه لأن العلماء ورثة الأنبياء». (2)
وقال سيد قطب رحمه الله تعالى: «إن الرضى بحكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو دليل الإيمان الحق... وما يرفض حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ سيّئُ الأدب معتم، لم يتأدب بأدب الإسلام، ولم يشرق قلبه بنور الإيمان». (3)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم جـ3 صـ 310.
(2) فتح القدير جـ4 صـ 45.
(3) تفسير الظلال جـ4 صـ 2526.(1/17)
$ $ $
قال تعالى: {يا داوُد إنا جعلناك خليفة في الأرضِ فاحكم بين الناسِ بالحقِ ولا تتَّبعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عن سبيلِ الله إن الذين يَضِلُّونَ عن سبيلِ الله لهم عذابٌ شديدٌ بما نَسوا يومَ الحسابِ} [ص: 26]. إذا كان الله تعالى قد حذّر نبيه داود من اتّباع الهوى في الحكم لأنه يؤدّي إلى عذاب الله الشديد، مع أن الله تعالى قد عصم أنبيائه عن الوقوع في مثل هذا الفعل، فما بالُ بعض المشايخ اليوم الذين يختلقون الأعذار لحكّامهم الكافرين الذين بدلوا شرع الله تعالى وقننوا قوانينهم الوضعية الحاكمة بكل ما تهواه أنفسهم من كفر وفسق ورذيلة؟ أفيقوا يا مرجئة عصرنا!
قال الشوكاني: «[قال تعالى] {فاحكم بين الناس بالحق} أي بالعدل الذي هو حكم الله بين عباده، {ولا تتبع الهوى} أي هوى النفس في الحكم بين العباد». (1) وقال الحافظ ابن كثير: «هذه وصيةٌ من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزَّل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله، وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد». (2) نقول: إذا كان هذا هو كلام الحافظ ابن كثير وهو يخاطب حكام عصره يوم أن كان حكم الله تعالى هو الذي يسود البلاد، فكيف به رحمه الله تعالى لو رأى حكامنا العصريين الجاحدين لشرع الله تعالى المبدلين لحكمه إبتداءً؟ وماذا كان حكمه في هؤلاء الطغاة؟ هل كان يتردد في إعلان كفرهم؟؟ ما أظنه يفعل مثل ذلك، لأنه قد صرّح بكفر إخوانهم التتار، وحال هؤلاء الحكام هو كحال التتار، بل هو عند من استقرأ حالهم أشدّ وأغلظ.
__________
(1) فتح القدير جـ4 صـ 429.
(2) تفسير القرآن العظيم جـ4 صـ 35.(1/18)
قال تعالى: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} [الممتحنة: 10]. فحكم الله تعالى هو خيرُ حكم، ومن حكَّم الله تعالى في أي اختلاف فلا يضل أبداً، لأنه سبحانه وتعالى عليمٌ بما يُصلح عباده حكيمٌ في أحكامه. فمن أين لهؤلاء الحكام أن يردّوا حكم الله تعالى ويُحكّموا أهوائهم وعقولهم القاصرة، التي لا تستطيع أن تَجلب لنفسها نفعاً ولا أن تدفع ضُراً؟ إذ النفع والضر بيد الله وحده.
يقول سيد قطب رحمه الله عن هذه الآية الكريمة بأنها هي: «الضمانة الوحيدة التي يُؤمنُ عليها من النقص والالتواء والاحتيال، فحكم الله هو حكم العليم الحكيم، وهو حكم المطلع على ذوات الصدور، وهو حكم القوي القدير، ويكفي أن يستشعر ضمير المسلم هذه الصلة ويُدرك مصدر الحكم ليستقيم عليه ويرعاه، وهو يُوقن أن مرده إلى الله». (1)
$ $ $
القسم الثاني: وجوب الكفر بالطاغوت
? معنى الطاغوت لغةً
قال الواحدي: «قال جميع أهل اللغة: الطاغوت [هو] كل ما عبد من دون الله، يكون واحداً وجمعاً ويُذكّر ويُؤنّث، قال تعالى: {يُريدون أن يَتحاكموا إلى الطاغوتِ وقد أمروا أن يكفروا به} [النساء: 60]. فهذا في الواحد وقال تعالى في الجمع: {والذينَ كفروا أولياؤهمُ الطاغوتُ يُخرِجونهُم منَ النور إلى الظلماتِ} [البقرة: 257]. وقال في المؤنث {والذينَ اجتنبوا الطاغوتَ أن يعبدوها} [الزمر: 17].» (2)
? معنى الطاغوت شرعاً
__________
(1) تفسير الظلال جـ6 صـ 3547.
(2) أنظر مجموعة التوحيد ص171.(1/19)
قال ابن جرير رحمه الله بعدما نقل خلاف السلف في تعريف معنى الطاغوت: «والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله، فيعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده وإما بطاعة ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو كائناً ما كان من شيء». (1) وقال ابن القيم رحمه الله في تعريفه للطاغوت: «والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قومٍ من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه [هي] طواغيت العالم إذا تأمّلتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطاغوت ومتابعته». (2)
وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: «والطواغيت كثيرة وروؤسهم خمسة: الأول: الشيطان... والثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله... والثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله... الرابع: الذي يدّعي علم الغيب من دون الله... الخامس: الذي يُعبد من دون الله وهو راضٍ بالعبادة...». (3)
__________
(1) تفسير ابن جرير ج3ص21.
(2) إعلام الموقعين جـ1 صـ 50.
(3) أنظر مجموعة التوحيد 14-15بتصرف.(1/20)
وقال تعالى: {فمن يَكفُر بالطاغوتِ ويُؤمن بالله فقدِ استمسكَ بِالعُروةِ الوثقى} [البقرة: 256-257]. قال الحافظ ابن كثير: «أي من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو عليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحّدَه وشهد أن لا إله إلاّ هو {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المُثلى والصراط المستقيم... ويخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام فيخرج عباده المؤمنين من ظُلُمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات ويُخرجونهم ويحيدون [هكذا الأصل ولعل الصواب: «ويخرجهم ويحيد»] بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ولهذا وحّد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات، لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة». (1)
$ $ $
قال تعالى: {ألم ترَ إلى الذينَ أُوتوا نَصيباً منَ الكتابِ يؤمنونَ بالجِبتِ والطاغوت ويقولونَ للذينَ كفروا هؤلاءِ أهدى منَ الذينَ ءامنوا سبيلاً} [النساء 51]. قال الحافظ ابن كثير: «قال مجاهد: الطاغوت [هو] الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم، وقال الإمام مالك: هو كل ما يُعبد من دون الله عز وجل...أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم وقلة دينهم وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم». (2) وقال الإمام الشوكاني: «وقيل هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله». (3)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم جـ1 صـ 319-320.
(2) تفسير القرآن العظيم جـ1 صـ 525.
(3) فتح القدير ج1ص477.(1/21)
نقول وهؤلاء الذين يرضون بهذه القوانين الوضعية ويناصرونها ويحاربون الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين من أجلها، تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة، لأنهم عبدوا حكامهم من دون الله تعالى أو مع الله، وأطاعوه بمعصية الله تعالى وبمعصية رسوله - صلى الله عليه وسلم - . فكفر هؤلاء وحكامهم معلومٌ من الدين بالضرورة، لأن الحكّام يلزمون الناس بعبادتهم من دون الله تعالى أو مع الله تعالى، وهؤلاء الأتباع يطيعون هؤلاء الحكام، ويعصون أمر الله تعالى وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - . ولا يقولنّ قائل بأننا نكفّر بالمعصية التي هي دون الكفر، لا بل المقصود بالمعصية هنا هو أنهم ردوا أمر الله تعالى وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأطاعوا هؤلاء الحكام وعبدوهم من دون الله، وعبادة هؤلاء الحكام كفر سواء كانت لفظية -أي كأن يقرّ الإنسان بلسانه بأنه يعبد هؤلاء الحكام، وهذا غير حاصل- أو تبعية -وهذه هي العبادة المقصودة هنا، لأن هؤلاء القوم قد اتبعوا الحكام وأيّدوهم وناصروهم ودافعوا عنهم بالنفس والمال، وحاربوا الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الموحدين لينصروا دين هؤلاء الحكام على دين الإسلام، فأصبح لسان حالهم يقول للحاكم: أنا أعبدك من دون الله!
$ $ $(1/22)
قال تعالى: {يُريدونَ أن يَتحاكموا إلى الطاغوتِ وقد أُمروا أن يكفروا بِه} [النساء: 60]. قال الإمام الشوكاني: «...والمراد {بما قدمت أيديهم} ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت». (1) وقال ابن كثير: «هذا إنكارٌ من الله عز وجل على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله تعالى والى غير سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - »، ثم تكلم عن سبب نزول هذه الآية حتى انتهى قائلاً: «والآية أعمّ من ذلك كله فإنها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا (2) إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت». (3) وقال سيد قطب رحمه الله تعالى: «ألم ترَ إلى هذا العجب العاجب: قومٌ يزعمون الإيمان... ثم لا يتحاكمون إلى ما أُنزلَ إليك وما أُنزل من قبلك؟ إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر، وإلى منهج آخر، وإلى حكم آخر، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك... طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية... وهم لا يفعلون هذا عن جهل (4) ، ولا عن ظن، إنما هم يعلمون يقيناً ويعرفون تماماً أن هذا الطاغوت مُحرّم التحاكم إليه {وقد أمروا أن يكفروا به} فليس في الأمر جهالة ولا ظن، بل هو العمد والقصد». (5)
$ $ $
__________
(1) فتح القدير جـ1 صـ 483.
(2) هكذا الأصل، ولعلّ الصواب وتحاكم.
(3) تفسير القرآن العظيم جـ1 صـ 531.
(4) نقول بأنّ الجهل في هذا الموضع لا يُعذَر به الإنسان لأنّ الكفر بالطاغوت من المعلوم من الدين بالضرورة.
(5) في ظلال القرآن جـ2 صـ 694.(1/23)
قال تعالى: {والذينَ كفروا يُقاتِلون في سبيل الطاغوتِ} [النساء: 76]. قال سيّد قطب رحمه الله تعالى: «وهكذا يقف المسلمون على أرض صلبة، مسندين ظهورهم إلى ركن شديد. مقتنعي الوجدان بأنهم يخوضون معركة لله، ليس لأنفسهم منها نصيب، ولا لذواتهم منها حظ. وليست لقومهم، ولا لجنسهم، ولا لقرابتهم وعشيرتهم منها شيء. إنما هي لله وحده، ولمنهجه وشريعته، وأنهم يواجهون قوماً أهل باطل، يقاتلون لتغليب الباطل على الحق. لأنهم يقاتلون لتغليب مناهج البشر الجاهلية -وكل مناهج البشر جاهلية- على شريعة منهج الله، ولتغليب شرائع البشر الجاهلية -وكل شرائع البشر جاهلية- على الله، ولتغليب ظلم البشر -وكل حكم للبشر من دون الله ظلم- على عدل الله، الذي هم مأمورون أن يحكموا به بين الناس». (1)
? معنى الكفر بالطاغوت
«
__________
(1) المصدر السابق، جـ2 صـ 709.(1/24)
بعدما تبين لنا معنى الطاغوت الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكفر به وبعدما اتضحت صورته... فإذا وقفت على ذلك فتأمل رحمك الله تعالى حال الأمّة عموماً من هذا الركن الركين والذي لا يصح إيمان عبد إلاّ به وأين هي من ذلك، فكم من الطواغيت الذين تضج من كثرتهم الأرض والذين صُرفت إليهم كل أنواع العبادات من الذبح إلى الحكم مروراً بالطاعة والإتباع، وتأمل أيضاً على وجه الخصوص بعض من ينتسبون إلى ما يُسمى بـ"الصحوة الإسلامية" وتمييعهم لهذا الأمر وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً، أليست الديمقراطية طاغوتاً يُعبد من دون الله تعالى؟ فأين الكفر بها الذي هو بغضها والبراءة منها ومحاربتها باللسان والبيان والسنان؟ ثم أليس هؤلاء الحاكمون بغير ما أنزل الله طواغيت بل هُم شرُّ الطواغيت، فهم الذين يُمهّدون لكل طاغوت عُبد على وجه الأرض في هذا الزمان سواءٌ في ذلك الطواغيت الأموات، والأحياء، ولا حياة، هل من الكفر بهم أن نشاركهم في برلماناتهم، ومقاعدهم، وحُكمهم، وطاغوتهم الممجوج، الذي يُسمونه الديمقراطية؟ أليسوا هم الذين ركعوا لطاغوت هذا الزمان وهو ما يُعرف بـ«الأمم المتحدة» وما يعرف بـ«مجلس الأمن الدولي» أين الكفر بالطاغوت من الذين يزعُمون أن الكلام على الحكام وتعرية باطلهم وكفرهم ومنابذتهم مما يُقسي القلوب ويُكثر الفرقة (1)
__________
(1) نعم، الكفر بالحكّام يفرق بين المؤمن الموحد والمرجئ الذي ما زال في قلبه شيء من حب هؤلاء الحكام المجمع على ردتهم؛ ومن كان في قلبه شيء من ذلك فإننا نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يُبصره ويفهمه التوحيد؛ ولكن إن كان قد أقيمت عليه الحجة وأُفهم معنى التوحيد الخالص؛ ومع ذلك أصر على موالاته لهؤلاء الحكام وأصر على محاربة أهل التوحيد وأصر على تسميتهم بالخوارج والبغاة، فلا يَسعُنا أن نقول في حقّ مثل هذا إلاّ أنه ضال مُضل؛ محبٌ للطواغيت وعون لهم، فإذاً حكمه حكم من تولاهم، لأنه بفعله هذا، وهو عدم البراءة منهم وتكفيرهم والتشهير بهم بل إنه قد وصل به الأمر أن والاهم فبفعله هذا قد جانب حقيقة التوحيد وركن إلى الطواغيت.(1/25)
ويسفك الدماء فعلينا أن نجتنبهم ونهتم بالتوحيد؟ ولا يدري هذا المسكين أنه قد جانب التوحيد حقيقةً بعدم البراءة منهم وتكفيرهم والتشهير بهم.
إن هذا الدين لا يمكن أن يقوم به إلاّ من أخذه من جميع جوانبه، فكيف يُقيمه من كان تاركاً لأول أمرٍ دعت إليه الرسل وهو الكفر بالطاغوت؟ ومن أين لهؤلاء القوم أن يحصروا معنى الطاغوت في قبورٍ شُيّد عليها بنيان أو حجر أو شجر؟ ومن أين لهم أن يصرفوا الناس عن الطواغيت الأحياء بحجة أن من السياسة أن لا تتكلم في السياسة؟ من أين لهؤلاء أن يُشنعوا على الموحدين الحقيقيين الذين كَفروا بكل الطواغيت أحياءً وأمواتاً، أحجاراً وأشجاراً، نقول كيف يقيم الدين من كان هذا حاله بل كيف يقيم دين الله وكيف يُشيد بنيانه ويقوي أركانه من ولج مع الطواغيت وساندهم ووقف معهم نابذاً لـ"الإرهاب" الذي هو الجهاد والذي هو جزءٌ من الكفر بالطاغوت، كيف يقيمه من يُسمي مسالك الجاهلية قنواتٌ مشروعة أو طرقاً شرعية ليرتمي عن طريقها على أعتاب الطاغوت دون أن يحرجه أحد أو يُنكر عليه مُنكِر، يا قوم إنكم تنحدرون إلى أمر عظيم وتزحفون نحو وادٍ سحيق فليس الأمر أمر طريقة تغيير فقط، إنه إيمانٌ بالله وكفر بما سواه من الطواغيت، فليحذر كل امرئ لنفسه وليعرف ما يقول، وما يفعل ويوم القيامة تُكشفُ السرائر». (1)
الباب الثاني
أقوال وفتاوى مشايخ
ودعاة أهل السنة في حكام الردة
__________
(1) زيادة في التوسع أنظر باب الدراسات الشرعية في عدد 17 من مجلة "الفجر" الصادرة عن مركز الإعلام الإسلامي فقد أخذنا منها هذا الفصل بتصرف.(1/26)
لقد أجمع علماء أهل السنة والجماعة على تكفير من حرّم شيئاً قد حلّلته الشريعة، أو حلّل شيئاً قد حرّمته الشريعة، أو جحد شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، أو استهزأ به أو أعرض عنه، أو شرّع شيئاً، فإن مطلق التشريع كفر، وقد نقل هذا جمعٌ من العلماء منهم ابن حزم في المحلى، والشاطبي في الاعتصام، وابن تيمية في الفتاوى وغيرهم كثير. قال الإمام أبو يعلى: «ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح، أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، أو أجمع المسلمون على تحريمه، فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله - صلى الله عليه وسلم - أوالمسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر، كمن حرّم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل... ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين». (1)
$ $ $
القسم الأوّل:
أقوال وفتاوى العلماء القدامى
? الإمام مجاهد رحمه الله تعالى
جمع الإمام مجاهد في تعريفه للطاغوت بين التشخيص والتعميم فقال: «الطاغوت هو شيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم». (2) فدلّ هذا على أنّ الحكّام المعاصرين طواغيت، لأنّهم لم يكتفوا بتحاكم الناس إليهم وإلى قوانينهم المضادّة لشرع الله فقط، بل دعوا إلى ذلك وعذّبوا كلّ من تخلّف عن عبادتهم.
? الإمام الحسن البصريّ رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}: «نزلت في أهل الكتاب وهي علينا واجبة». (3) فدلّ هذا على أنّ من لم يحكم بما أمر الله تعالى كافر، وهذا حاصل من الحكّام المعاصرين، بل زادوا عليه التشريع المضاد وعاقبوا كلّ من تخلّف عن تحكيم شرعهم.
? الإمام البقاعي رحمه الله تعالى
__________
(1) المعتمد في أصول الدين ص271-272.
(2) تفسير مجاهد، تحقيق عبدالرحمن السورتي، جـ1 صـ161.
(3) تفسير ابن كثير، جـ2 ص12.(1/27)
قال في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}: «{ومن لم يحكم} أي على وجه استمرار، {بما أنزل الله} أي الذي لا كفؤ له: فلا أمر لأحد معه لخوف أو رجاء، أو تديّناً بالإعراض عنه سواء حكم بغيره أو لا، {فأولئك} أي البعداء من طريق الاستقامة، البغضاء إلى الكرامة، {هم الظالمون} أي الذين تركوا العدل وضَلّوا فصاروا كمن يمشي في الظلام، فإن كان تديّناً بالترك كان نهاية الظلم، وهو الكفر». (1)
? الإمام ابن جريج رحمه الله تعالى
قال معرّفاً الداعي إلى عبادة نفسه من دون الله تعالى بأنّه: «من يأمر الناس بغير ما أنزل الله»، وقال: «كان الناس من اليهود يتعبّدون الناس دون ربّهم بتحريفهم ما أنزل الله». (2)
? الإمام السُدي رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله}: «من تركه عمداً أو جارٍ وهو يعلم فهو من الكافرين». (3)
? الإمام ابن زيد رحمه الله تعالى
قال في تفسير هذه الآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله}: «من حكم بكتابه الذي كتبه بيده وترك كتاب الله وزعم أن كتابه هذا من عند الله تعالى (4) فقد كفر». (5) كأنه رحمه الله تعالى يصف حال حكامنا، لأن الأمة الإسلامية لم تمر بمثل هذه الكارثة إلاّ في أيّام العبيديّين والتتار الذين سرعان ما زالت دولتهم، مع فارق وجود الخلافة الإسلامية، أما في عصرنا الحاضر فكل الحكومات تحكم بغير شرع الله.
? الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى
__________
(1) نظم الدرر في ترتيب الآيات والسور للإمام البقاعي، جـ6 صـ55.
(2) أنظر تفسير ابن أبي حيّان، جـ2 صـ64.
(3) نقلاً عن كتاب "كلمة حق" صـ 48.
(4) أو لم يزعم فالحكم واحد كما يُفهم من كلامه رحمه الله تعالى.
(5) رواه ابن جرير في تفسير سورة المائدة.(1/28)
قال في تفسيره لقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}: «ومن كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكماً بين عباده، فأخفاه وحكم بغيره {فأولئك} الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه، ولكن بدلوا وغيّروا حكمه وكتموا الحق الذي أنزله في كتابه {هم الكافرون} هم الذين ستروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبينه وغطوه عن الناس وأظهروا لهم غيره (1) وقضوا به لسحت أخذوه منهم عليه...». (2)
? الإمام ابن راهويه رحمه الله تعالى
قال: «قد أجمع المسلمون أنّ من سبّ الله تعالى، أو سبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو دفع شيئاً ممّا أنزل الله، أو قتل نبيّاً من أنبياء الله، أنّه كافرٌ بذلك، وإن كان مقرّاً بما أنزل الله». (3)
? الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى
قال: «أمّا الذي يجتهد ويشرّع على قواعد خارجة عن قواعد الإسلام، فإنّه لا يكون مجتهداً ولا يكون مسلماً، إذا قصد إلى وضع ما يراه من الأحكام وافقت الإسلام أم خالفته... بل كانوا بها لا يقلون عن أنفسهم كفراً حين يخالفون». (4)
? الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {إنما النسيءُ زيادةٌ في الكفرِ} [التوبة: 37]: «وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون ألبتة إلاّ منه لا من غيره، فصح أن النسيء كفر، وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله». (5)
__________
(1) كما هو حال حكامنا اليوم غطوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأظهروا للناس دينهم الوضعي، ولم يكتفوا بذلك بل ألزموا الناس به وحاربوا كل من لم يخضع لدينهم الكفري الجديد لعنهم الله.
(2) أنظر كلامه في تفسير سورة المائدة في تفسيره.
(3) أنظر كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول" للإمام ابن تيميّة، صـ512.
(4) نقلاً عن كتاب "كلمة حقّ"، صـ96.
(5) الفصل 3/245.(1/29)
قال الشيخ الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في تعليقه على قول ابن حزم: «وهؤلاء المشرّعون ما لم يأذن به الله تعالى، إنما وضعوا تلك الأحكام الطاغوتية لاعتقادهم أنها أصلح وأنفع للخلق وهذه ردة عن الإسلام، بل إن اعتبار شيء من تلك الأحكام ولو في أقل القليل [يعتبر] عدم رضا بحكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو كفر ناقل عن الملة، إضافة إلى أن هذا التشريع يُعدّ تجويزاً وتسويغاً للخروج على الشرع المنزّل، ومن سوّغ الخروج على هذه الشريعة فهو كافرٌ بالإجماع». (1)
وقال ابن حزم رحمه الله أيضاً: «فإن كان يعتقد أن لأحد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحرم شيئا كان حلالاً إلى حين موته - صلى الله عليه وسلم - أو يحل شيئا كان حراماً إلى حين موته - صلى الله عليه وسلم - أو يوجب حدا لم يكن واجباً إلى حين موته - صلى الله عليه وسلم - أو يشرّع شريعة لم تكن في حياته - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر مشركٌ حلال الدم والمال حكمه حكم المرتد ولا فرق». (2)
__________
(1) نواقض الإيمان القولية والعملية صـ 313.
(2) الإحكام ج1/73.(1/30)
وقال أيضا: «وأما من ظن أن أحداً بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينسخ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحدث شريعة لم تكن في حياته - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر وأشرك وحل دمه وماله ولحق بعبدة الأوثان، لتكذيبه قول الله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، وقال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، فمن ادعى أن شيئا مما كان في عصره - صلى الله عليه وسلم - على حكم ما ?ثم بدل بعد موته فقد ابتغى غير الإسلام دينا لأن تلك العبادات والأحكام والمحرمات والمباحات والواجبات التي كانت على عهده - صلى الله عليه وسلم - ، هي الإسلام الذي رضيه الله تعالى لنا وليس الإسلام شيئا غيرها، فمن ترك شيئا منها فقد ترك الإسلام، ومن أحدث شيئا غيرها فقد أحدث غير الإسلام، ولا مرية في شيء أخبرنا الله تعالى به أنه قد أكمله، وكل حديث أو آية كانا بعد نزول هذه الآية? فإنما هي تفسير لما نزل قبلها وبيان لجملتها وتأكيد لأمر متقدم، وبالله تعالى التوفيق». (1)
وقال: «وأيضا فلا فرق بين جواز شرع شريعة من إيجاب أو تحريم أو إباحة بالرأي لم ينص تعالى عليه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبين إبطال شريعة شرعها الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالرأي، والمفرق بين هذين العملين متحكم بالباطل مفتر، وكلاهما كفر لا خفاء به». (2)
__________
(1) الإحكام ج2/144،145.
(2) الإحكام ج6/31.(1/31)
وقال أيضا: «لأن إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه: إما إسقاط فرض لازم كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنا أو حد القذف، أو إسقاط جميع ذلك، وإما زيادة في شيء منها، أو إحداث فرض جديد، وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة، وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وما أشبه ذلك، وأي هذه الوجوه كان? فالقائل به كافر مشرك لاحق باليهود والنصارى، والفرض على كل مسلم قتل من أجاز شيئا من هذا دون استتابة ولا قبول توبة إن تاب واستصفاء ماله لبيت مال المسلمين لأنه مبدل لدينه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : من بدل دينه فاقتلوه، ومن الله تعالى نعوذ من غضبة لباطل أدت إلى مثل هذه المهالك». (1)
? الأستاذ أبو منصور البغدادي رحمه الله تعالى
قال مبيّناً حكم بعض الفرق الخارجة عن الملّة الإسلاميّة: «أو أباح ما نصّ القرآن على تحريمه، أو حرَّم ما أباحه القرآن نصّاً لا يحتمل التأويل، فليس هو من أمّة الإسلام ولا كرامة». (2)
? الإمام أبو حيّان الأندلسي
قال منكراً على من استدلّ على أنّ الكفر الوارد في الآية {فأولئك هم الكافرون} كفر أصغر: «وقيل المراد كفر النعمة، وضعف بأن الكفر إذا أطلق انصرف إلى الكفر في الدين، وقالها ابن الأنباري: فعل فعلاً يضاهي أفعال الكفّار. وضعف بأنّه عدول عن الظاهر». (3)
? الإمام الرازي رحمه الله تعالى
__________
(1) الإحكام ج6/110.
(2) الفرق بين الفرق صـ11.
(3) تفسير البحر المحيط، جـ3 صـ493.(1/32)
قال في تفسير قوله تعالى: {فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] أن: «...في هذه الآيات دلائل على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله أو أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو خارج عن الإسلام سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد وذلك يوجب صحة ما ذهب الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة...». (1)
? إسماعيل القاضي رحمه الله تعالى
قال أنّ: «ظاهر الآيات [من سورة المائدة] يدلّ على أنّه من فعل مثل ما فعلوا [يعني يهود] واخترع حكماً يخالف به حكم الله وجعله ديناً يعمل به، فقد لزمه ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره». (2)
? الإمام الجصاص رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفُسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء: 65]: «وفي هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو خارج من الإسلام، سواءً ردّهُ من جهة الشكِ فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة - رضي الله عنهم - في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم لأنّ الله تعالى حكم بأنّ من لم يسلِّم للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان». (3)
? الإمام أبو يعلى رحمه الله تعالى
__________
(1) التفسير الكبير، جـ3، نقلاً عن "كلمة حق: للشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن صـ 68.
(2) أنظر كتابه "أحكام القرآن" تفسير سورة المائدة.
(3) أحكام القرآن للجصاص، جـ3 صـ181.(1/33)
قال: «ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله تعالى وأباحه بالنص الصريح أو أباحه رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو المسلمون مع العلم بذلك فهو كافر كمن حرّم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - في خبره وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين». (1)
? الإمام الداودي رحمه الله تعالى
عندما سئل عن حكم الشريعة في العبيديّين وأتباعهم، وكانوا كحكّام اليوم لا يطبّقون أحكام الشريعة إضافة إلى كونهم زنادقة بسبب ما يخفوه من عقائد فاسدة، قال: «خطيبهم الذي يخطب لهم ويدعو لهم يوم الجمعة كافر يُقتل، ولا يُستتاب، وتحرم عليه زوجته، ولا يرث، ولا يُورث، وماله فيءٌ للمسلمين، وتعتق أمهات أولاده [اللاتي هنّ ملك يمينه وأنجبن له دون أن يتزوجهن]، ويكون مدبّروه (2) للمسلمين، يعتق أثلاثهم بموته، لأنه لم يبق له مال، ويؤدي مكاتبوه للمسلمين، ويُعتقون بالأداء، ويرقون بالعجز، وأحكامه كلها أحكام الكفر، فإن تاب قبل أن يُعزل إظهاراً للندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم قُبلت توبته، وإن كان بعد العزل أو بشيءٍ منعه لم تُقبل [أي توبته] ومن صلّى وراءه خوفاً [أي صلاة الجمعة] أعاد الظهر أربعاً، ثم لا يُقيم إذا أمكنه الخروج [من بلدهم] ولا عُذر له بكثرة عيال ولا غيره». (3)
? الإمام عبد الله الرعيني رحمه الله تعالى
__________
(1) المعتمد في أصول الدين 271-272.
(2) أي عبيده الذين علّق عتقهم بعد موته.
(3) أنظر "ترتيب المدارك وتقريب المسالك" للقاضي عياض 7/274، نقلاً عن "فتوى خطيرة" صـ 9-10 للشيخ أبي قَتادة الفلسطيني.(1/34)
الذي ألف كتاباً سماه "إجماع علماء القيروان" جاء فيه: «أن حال بني عبيد [هو] حال المرتدين والزنادقة، فحال المرتدين بما أظهروه من خلاف الشريعة فلا يُورثون بالإجماع، وحال الزنادقة بما أخفوه من التعطيل، فيُقتلون بالزندقة»، ثم قال «ولا يُعذر أحد بالإكراه على الدخول في مذهبهم بخلاف سائر أنواع الكفر، لأنه أقام بعد علمه بكفرهم فلا يجوز له ذلك، إلاّ أن يختار القتل دون أن يدخل في الكفر، وعلى هذا الرأي كان أصحاب سحنون يُفتون المسلمين». (1)
? الإمام أبو محمد الكبراني رحمه الله تعالى
قال عندما سُئِل عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يُقتل فقال: «يختار القتل، ولا يُعذر أحد بهذا... ولا يُعذر أحد بالخوف بعد إقامته لأن المقام في موضع يُطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز...». (2)
? الإمام الجويني رحمه الله تعالى
قال بعد أن ذكر حال المستحلّ الذنوب: «وما أقرب هذا المسلك من عقد من يتخذ من سنن الأكاسرة والملوك المنقرضين عمدة الدين، ومن تشبث بهذا فقد انسل عن ربقة الدين انسلال الشعرة من العجين». (3)
? الشيخ أبو بكر الطرطوشي
قال: «فكلّ مَن لم يحكم بما جاء من عند الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كملت فيه هذه الأوصاف الثلاثة [التي جاءت في آيات سورة المائدة] الكفر والظلم والفسق». (4)
? الإمام القرطبي رحمه الله تعالى
__________
(1) المصدر السابق، صـ 11 من رسالة الشيخ أبي قتادة الفلسطيني حفظه الله تعالى.
(2) المصدر السابق، صـ 10 من رسالة الشيخ أبي قتادة الفلسطيني؛ قال الشيخ أبو قتادة "فالمناط الذي كُفروا من أجله هو تعطيل الشريعة".
(3) غياث الأمم صـ 222، نقلاً عن الخطوط العريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة، صـ112.
(4) أنظر "نصيحة أهل الإسلام" صـ 194.(1/35)
قال في تفسير قوله تعالى {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذاً مثلهم} [النساء: 140]: «فدلّ بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي (1) إذا ظهر منهم منكر، لأنّ من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر...». (2)
وقال كذلك عند قوله تعالى {فويلٌ للذين يكتبون الكتابَ بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة: 79]: «في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكلّ من بدّل وغيَّر أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه، فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد والعذاب الأليم، وقد حذّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمّته لما قد علم مما يكون في آخر الزمان فقال: "ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملّة، وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين ملّة، كلّها في النار إلاّ واحدة.." الحديث. (3) فحذّرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب الله أو سنّته أو سنّة أصحابه فيضلّوا به الناس، وقد وقع ما حذّره وشاع وكثر وذاع، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون». (4)
? الإمام البيضاوي رحمه الله تعالى
__________
(1) المقصود بالمعصية هنا الكفر لا مجرد الصغائر، وهذا ما يدلّ عليه بقيّة كلامه رحمه الله.
(2) تفسير القرطبي 5/418.
(3) رواه أحمد وصحّحه أحمد شاكر، ورواه ابن ماجة وصحّحه الألباني.
(4) تفسير القرطبي، 2/9.(1/36)
قال في تفسير قوله تعالى {وما أرسلنا من رسول إلاّ ليُطاع بإذن الله} [النساء: 64]: «وكأنّه احتجّ بذلك على أنّ الذي لم يرضَ بحكمه -وإن أظهر الإسلام- كان كافراً مستوجب القتل، وتقريره أنّ إرسال الرسول لمّا لم يكن إلاّ ليطاع، كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه، لم يقبل رسالتَه، ومن كان كذلك كان كافراً مستوجب القتل». (1)
? الإمام البغوي رحمه الله تعالى
قال: «جمهور العلماء قالوا أن الكفر في الحكم هو عند مخالفة النص تعمداً من غير جهل به، ولا خطأ في التأويل». (2)
? شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
يقول رحمه الله تعالى: «والإنسان متى حلَّل الحرام المجمع عليه وحرَّم الحلال المجمعُ عليه أو بدَّل الشرع المجمعُ عليه كان كافراً مرتداً باتّفاق الفقهاء». (3)
__________
(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل للشيخ ناصر الدين عبدالله بن عمر البيضاوي، 1/222، دار الكتب العلميّة، بيروت.
(2) المصدر السابق، صـ 50.
(3) مجموع الفتاوى، جـ3 صـ267.(1/37)
وقال كذلك: «ولا ريب أنّ من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر، فمن استحلّ أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتّباعٍ لما أنزل الله فهو كافر، فإنّه ما من أمّة إلاّ وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ويرون أنّ هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر، فإنّ كثيراً من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلاّ بالعادات الجارية بينهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنّه لا يجوز الحكم إلاّ بما أنزل الله فلم يلتزموا بذلك بل استحلّوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفّار، والحكم بما أنزل الله واجب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وكلّ من تبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر». (1)
__________
(1) منهاج السنة النبوية، جـ3 ص22.(1/38)
وقال رحمه الله لما سُئِل عن قتال التتار مع نُطقهم بالشهادتين وزعمهم باتباعهم أصل الإسلام: «...كل طائفة ممتنعة عن الالتزام بشرائع الإسلام الظاهرة من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كالصلاة، كما قاتل أبو بكر والصحابة - رضي الله عنهم - مانعي الزكاة، وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم، فأيّما طائفة امتنعت عن الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام جهاد الكفار... فإن الطائفة الممتنعة تُقَاتَل عليها وإن كانت مقرّة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة بل هم خارجون عن الإسلام...». (1) وقال: «...فأيّما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال، والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرّة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السُنن كركعتي الفجر [أي سنة الفجر] والأذان والإقامة، عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر، هل تُقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا؟ فأمّا الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة... فهم خارجون عن الإسلام...». (2)
__________
(1) أنظر الفتاوى الكبرى، باب فقه الجهاد.
(2) مجموع الفتاوى جـ28 صـ 503(1/39)
وقال في رسالته "التسعينيّة": «والإيجاب والتحريم ليس إلاّ لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن عاقب على فعل أو ترك، بغير أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وشرّع ذلك ديناً، فقد جعل لله نداً ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - نظيراً، بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أنداداً أو بمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذّاب، وهو ممّن قيل فيه {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}». (1)
وقال أيضاً: «والشرع المنزّل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنّة الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنّ هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه ولا يخرج عنه إلاّ كافر». (2)
? الإمام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله تعالى
__________
(1) مجموعة فتاوى ابن تيمية، جـ5، ص14.
(2) مجموع الفتاوى جـ11، صـ262.(1/40)
قال: «أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأكبر والأصغر، بحسب حالة الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في الواقعة (1) مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخيرٌ فيه (2) مع يقينه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر». (3) نقول: لو كان رحمه الله تعالى في عصرنا ورأى مدى مخالفة الحكام الطواغيت للشرع المحكم جملةً وتفصيلاً، وكيف أنهم وضعوا منهجاً متكاملاً مضاداً لمنهج الله تعالى، واستبدالهم شريعته بقوانين من عند أنفسهم، لحكم عليهم رحمه الله تعالى كما حكم على من زعم أنه مخير بالحكم، ألا وهو الكفر البواح المخرجِ من الملة. وقال في موضع آخر «أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت [هو] كل ما تجاوز به العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم [هو] من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أو يعبدونه من دون الله تعالى».
? الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى
__________
(1) أنظر كيف قيّد ذلك بالواقعة الواحدة، وهذا الحكم يختلف كلياً عن حكم من نحّى شرع الله تعالى بأكمله عن الحكم إبتداءً، وليس طارئاً طرأ عليه في واقعة واحدة كما قيده رحمه الله هنا.
(2) بل إن حكام اليوم وصل بهم الأمر أن زعموا أن شرعهم هو أفضل وأنسب للبشرية في هذا العصر من حكم الله تعالى ومن استقرأ أقوال العَلمانيين سدنة الحكّام وجد ذلك بوضوح.
(3) مدارج السالكين1/ 336.(1/41)
قال في تفسير قوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون} [المائدة: 50]: «ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم [جنكيز خان] الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ?فلا يُحكّم سواه في قليلٍ ولا كثير». (2)
وقال رحمه الله: «فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدّمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين». (3)
? الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى
__________
(1) تماماً كحال دساتير حكام اليوم فإنها أصبحت شرعاً مقدماً على حكم الله تعالى وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
(2) تفسير القرآن العظيم 2/70، وانظر كذلك كتابه البداية والنهاية 13/119.
(3) البداية والنهاية، جـ14، ص119.(1/42)
قال: «...إن اعتقد [أي الحاكم] أن الحكم بما أنزل الله غير واجب أو أنه مخير فيه أو استهان به مع تيقّنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر...». (1) نقول: قد وقع حكّام اليوم في كل هذه الأمور، بل وزعموا أن أحكامهم خيرٌ وأصلح لهذا الزمان من حكم الله تعالى، ووصفوا كلّ مَن ينادي بوجوب تحكيم شرع الله تعالى بأنه إنسانٌ رجعيٌ متخلفٌ مهووس.
? الإمام أبو السعود رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله}: «كائناً من كان دون المخاطبين خاصة، فإنهم مندرجون فيه اندراجاً أولياً، إن من لم يحكم بذلك مستهيناً به... {فأُولئك هم الكافرون} لاستهانتهم به...حيث علّق الحكم فيه بالكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله تعالى فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه، لاسيما مع مباشرة ما نهوا عنه...». (2)
وقال كذلك: «الاقتصار في معرض التعجّب والاستقباح على ما ذكر من إرادة التحاكم دون نفسه، مع وقوعه أيضاً، للتنبيه على أن إرادته مما يقتضي منه العجب ولا ينبغي أن يدخل تحت الوقوع، فما ظنّك بنفسه؟». (3)
? الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية 2/446.
(2) نقلاً عن كتاب "كلمة حق" للشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن حفظه الله تعالى وفك أسره، صـ 49.
(3) تفسير أبي السعود، 1/714.(1/43)
قال وهو يُعرّف معنى الطاغوت ويبيّن وجوب الكفر به أن: «الطاغوت عام، فكل ما عُبد من دون الله ورضي بالعبادة فهو طاغوت، من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو طاغوت، والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة، الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله... والثاني: الحاكم الجائر المغيّر لأحكام الله... الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله... الرابع: الذي يَدَّعي علم الغيب من دون الله... الخامس: الذي يُعبد من دون الله وهو راضٍ بالعبادة». (1) وقال في موضع آخر: «واعلم أنّ الإنسانَ لا يصير مؤمناً بالله إلاّ بالكفر بالطاغوت» (2) وقال: «فأما صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله تعالى وتتركها وتُكفر أهلها وتعاديهم». (3) وحكّام اليوم قد اتصفوا بجميع هذه الصفات: فهم يُرغمون الناس على عبادتهم ويُحاربون كل من وحّد الله تعالى التوحيد الخالص الكامل الذي لا يشوبه شيء.
? الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى
__________
(1) مجموعة التوحيد صـ 14-15.
(2) المصدر السابق صـ 29.
(3) المصدر السابق ص30.(1/44)
قال في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الكافرون} أن:«لفظُ "مَنْ" مِن صيغ العموم فيفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة بل بكل من ولي الحكم... وقيل هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل الله وقع استخفافاً أو استحلالاً أو جحداً، والإشارة بقوله "أولئك" إلى من، والجمع باعتبار معناها، وكذلك ضمير الجماعة في قوله "هم الكافرون"» (1) معناه أنّ كل حكم بخلاف شرع الله، سواء استخفافاً أو استحلالاً أو جحداً، حكمه واحد وهو كُفرٌ وردة. وقال أيضاً في رسالته "الدواء العاجل في دفع العدو الصائل" «القسم الثاني: ...منها: أنهم يحكمون ويتحاكمون إلى من لا يعرف إلاّ الأحكام الطاغوتية منهم في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم... ولا شك أنّ هذا كفر بالله سبحانه وتعالى وبشريعته التي أمر بها على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - واختارها لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه الصلاة والسلام إلى الآن، وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعيّن حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية... وقد تقرر في القواعد الإسلامية: أن منكر القطعيّ وجاحده، والعامل على خلافه، تمرداً، أو استحلالاً، أو استخفافاً، كافر بالله وبالشريعة المطهرة التي اختارها الله تعالى لعباده». (2)
? الشيخ صديق حسن خان رحمه الله تعالى
__________
(1) فتح القدير جـ 2 صـ 42.
(2) الدواء العاجل صـ 68 ضمن الرسائل السلفية.(1/45)
قال: «قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} لفظ "مَن" مِن صيغ العموم فيفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة بل لكل من ولي الحكم وهو الأولى، وبه قال السدي» ثم قال: «وقال ابن مسعود والحسن والنخعي - رضي الله عنهم - : هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وحكم بغير حكم الله فقد كفر وظلم وفسق، هو الأولى لأن الاعتبار بعموم الألفاظ لا بخصوص السبب ... وكلمة "من" وقعت في معرض الشرط فتكون للعموم، فهذه الآية الكريمة متناولة لكل من لم يحكم بما أنزل الله، وهو الكتاب والسنة». (1)
? الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى
قال: «...فمن خالف ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن، فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك، وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله {يزعمون} من نفي إيمانهم، فإنّ {يزعمون} إنما يقال غالباً لمن ادّعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لِمُوجبها وعمله بما يُنافيها، يحقّق هذا قوله تعالى {وقد أمروا أن يكفروا به} لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً، والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسُد بعدَمِه، كما أنّ ذلك بيِّنٌ في قوله تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256] وذلك أن التَّحاكم إلى الطاغوت إيمانٌ به». (2)
? الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى
__________
(1) فتح البيان في مقاصد القرآن جـ3 صـ 29- 30 عن "التجربة الجهادية في سوريا" للأستاذ مصعب السوري جـ 2 صـ 82.
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد381 طبعة أولى بدار الحديث.(1/46)
قال وهو يفسر قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله} أن في: «الجملة تزييلٌ مقررٌ لمضمونِ ما قبلها أبلغ تقرير، وتحذيرٌ عن الإخلال به أشدّ تحذير، حيث علّقَ فيه الحكم بالكفر بمجرد ترك الحكم بما أنزل الله فكيف وقد انضم إليه الحكم بخلافه، لا سيما مع مباشرة ما نهوا عنه...». (1)
? الشيخ أحمد بن ناصر بن غنيم
قال إنّ «الذين يرضون بتحكيم القوانين بدلاً عن الحكم بما أنزل الله ويريدون سواه، فهؤلاء حكمهم الكفر مثل حكّامهم!!». (2)
القسم الثاني:
أقوال وفتاوى العلماء والدعاة المعاصرين
أوردنا في القسم السابق نبذات مختصرة ونذر يسير ممّا قاله العلماء القدامى حول موضوع التحاكم إلى غير شريعة الله والحكم بخلافها، ولكي لا نُتَّهم بأنّنا نحوّر كلامهم لتدعيم رأينا، أو أنّ ما قالوه لا يطابق واقعنا وإنّما يطابق واقعاً آخر، كان لا بدّ من أن نسوق أقوال وفتاوى العلماء والدعاة المعاصرين، الذين عاصروا وعاشوا واقع الحكم بغير ما أنزل الله واستبدال الشريعة الربّانية بالنظم والقوانين الوضعية.
$ $ $
? الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد
بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى
سُئل الشيخ عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد هل يُطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف؟ فأجاب: «مَن تحاكَم إلى غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد التعريف فهو كافر، قال الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُلئك هُمُ الكافرون}». (3)
? الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب
رحمه الله تعالى
__________
(1) محاسن التأويل، صـ1998.
(2) البرهان والدليل على كفر من حكم بغير التنزيل، ص27.
(3) الدرر السنية جـ 8 صـ 241.(1/47)
قال: «وقد جنح الخوارج إلى العموم لظاهر الآية وقالوا أنّها نصّ في أنّ كلّ من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكلّ من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله فوجب أن يكون كافراً. وقد انعقد إجماع أهل السنة والجماعة على خلافهم. ونحن لم نكفّر إلاّ من لم يحكم بما أنزل الله من التوحيد بل حكم بضدّه وفعل الشرك ووالى أهله وظاهرهم على الموحّدين». (1)
وقال: «سبب النزول وإن كان خاصّاً فعموم اللفظ إذا لم يكن منسوخاً معتبر، ولأنّ قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} كلام داخل فيه كلمة {من} في معرض الشرط فتكون للعموم». (2)
? الشيخ حَمَد بن علي بن عتيق النجدي رحمه الله تعالى
قال عندما ذكر قول ابن كثير في حكم من تحاكم إلى غير شرع الله تعالى وذكر فتواه في تكفيره للتتار: «قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم، وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يُسمونها شرع الرفاقة يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ». (3)
? شيخ الإسلام في الدولة العثمانية مصطفى صبري رحمه الله تعالى
__________
(1) التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق، صـ141، نقلاً عن "إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر"، صـ49، للشيخ أبي محمّد المقدسيّ فكّ الله تعالى أسره.
(2) توحيد الخلاّق صـ141.
(3) سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك صـ 84 طبعة 1408.(1/48)
قال: «إنّ هذا الفصل [أي فصل الدين عن الدولة] مؤامرة بالدين للقضاء عليه وقد كان في كله بدعة أحدثها العصريون المتفرنجون في البلاد الإسلامية كيداً للدين ومحاولة للخروج عليه... بل ارتدادٌ عنه من الحكومة أولاً ومن الأمة ثانياً، إن لم يكن بارتداد الداخلين في حوزة الحكومة تلك باعتبارهم أفراد، فباعتبارهم جماعة، وهو أقصر طريقاً إلى الكفر من ارتداد الأفراد بل إنه يتضمن ارتداد الأفراد أيضاً لقبولهم الطاعة لتلك الحكومة المرتدة التي ادعت الاستقلال لنفسها بعد أن كانت خاضعة لحكم الإسلام عليها... فإذا خرج عن الإسلام من لا يقبل سلطة الدين عليه بالأمر والنهي وتدخله في أعماله حال كونه فرداً من أفراد المسلمين فكيف لا يخرج من لا يقبل هذه السلطة وهذا التدخل بصفة أنه داخل في هيئة الحكومة». (1) قال أبو أُسّيد السوري رحمه الله تعالى: «إن فصل الدين عن الدولة هي صورة للتحاكم إلى الكتاب والسنة في علاقة الإنسان بربه من صلاة وصيام وحج وغيرها من الشعائر ثم التحاكم إلى غير الكتاب والسنة في غير ذلك، فمن أخذ صلاته وصيامه وشعائره من غير الكتاب والسنة فهو بلا شك كافر، وكذلك من أخذ منهج حياته من مصدر آخر غير الكتاب والسنة فهو كافر أيضاً لأنه تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ». (2)
? الإمام محمود الألوسي رحمه الله تعالى
__________
(1) موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين جـ4 صـ280 طبعة عيسى الحلبي.
(2) أنظر كتاب "التجربة الجهادية في سوريا" للأستاذ أبي مصعب السوري، الجزء الثاني صـ 75.(1/49)
قال: «لا شك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة ويتميز غيظاً ويتقصف غضباً إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم... فلا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بين المخالفة للشرع منها [القوانين الوضعية] ويقدمه على الأحكام الشرعية منتقصاً لها». (1)
? الشيخ محمد الكتاني رحمه الله تعالى
وهو من علماء المغرب، قال ومن المكفرات: «إتباع عوائد الكفار والتّمَذْهُب بمذاهبهم والعمل بقوانينهم» إلى أن قال: «ومِن جملتها -أعني تلك القوانين- الحكم في القضايا النازلة بين الخلق بغير ما حكم به فيها الملكُ الحق، بل بضوابط عقلية وسياسات كفرية وآراء فكرية لم يأتِ بها شرع ولا دين ولا نزل بها مَلَكٌ من ملائكة إله العالمين، وإنما هي أحكامٌ مختلفة وافقهم فيها ضعفت الإيمان ممن استذله وأغواه الشيطان حاولوا بها تبديل الشرع المطاع... وترويج كفرهم وشركهم وكلمتهم، والكتاب والسنة مملوآن بالتحذير من هذا والتنفير عنه والوعيد عليه والتقريع والتوبيخ لمن يفعله أو يميل بقلبه إليه...». (2)
? الشيخ عبد الله بن حَميد رحمه الله تعالى
قال: «ومَن أصدر تشريعاً عاماً مُلزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يَخرج من الملة [ويكون] كافراً» فمناط التكفير هو التشريع من دون الله تعالى. (3)
? الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى
__________
(1) أنظر تفسيره روح المعاني 28/20-21 باختصار
(2) أنظر كتابه "نصيحة أهل الإسلام" صـ 191.
(3) أهمية الجهاد لعلي العلياني، صـ 196.(1/50)
قال في تفسير قوله تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله} أن: «الآية ناطقة بأن من صدّ وأعرض عن حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عمداً ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يُعتدُّ بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام». (1)
ويقول كذلك في تفسير قوله تعالى {إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات...}: «هذه الآية جارية على الرؤساء الذين يحرّمون على الناس ما لم يحرّمه الله، ويشرّعون لهم ما لم يشرّعه من حيث يكتمون ما شرعه بالتأويل أو الترك، فيدخل فيه اليهود والنصارى ومن حذا حذوهم في شرع ما لم يأذن به الله وإظهار خلافه، سواء كان ذلك في أمر العقائد ككتمان اليهود أوصاف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أو الأكل والتقشّف وغير ذلك من الأحكام التي كانوا يكتمونها إذا كان لهم منفعة في ذلك، كما قال تعالى: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً} [الأنعام: 91]. وفي حكمهم كلّ من يبدي بعض العلم ويكتم بعضه لمنفعة لا لإظهار الحقّ وتأييده».
? الشيخ إسماعيل الأزهري رحمه الله تعالى
قال: «من ظنّ أن هذه الشريعة الكاملة التي ما طرق العالمَ شريعةٌ أكملُ منها ناقصةٌ تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر غير رسولهم الذي يحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وكذلك من ظن أن شيئاً من أحكام الكتاب والسنة النبوية الثابتة الصحيحة بخلاف السياسة والمصلحة التي يقتضيها نظام الدنيا فهو كافرٌ قطعاً». (2)
? الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى
__________
(1) تفسير المنار 5/227، عن كتاب "نواقض الإيمان" لعبد العزيز العبد اللطيف صـ 295.
(2) تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن صـ 80-81.(1/51)
قال معلقاً على كلام الحافظ ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون} :«أقول: أَفَيَجُوز في شرع الله تعالى أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيّرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أَوَافق شِرعة الإسلام أم خالفها؟ إن المسلمين لم يُبلوا بهذا قط -فيما نعلم من تاريخهم- إلاّ في ذلك العهد عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شِرعته، وزال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبما أن الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلّموه ولم يعلّموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره، أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير -في القرن الثامن- [الهجري] لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر الهجري؟ إلاّ في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمن سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت، ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً، وأشد ظلماً وظلاماً منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك "الياسق" الذي اصطنعه رجلٌ كافرٌ ظاهرُ الكفر، هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام، ثم يتعلّمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباءً وأبناء، ثم يجعلون مردّ أمرهم إلى معتنقي هذا "الياسق العصري" ويُحَقِّرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم "رجعياً" و "جامداً" إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة، بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع(1/52)
الإسلامي، يريدون تحويله إلى "ياسقهم" الجديد بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخديعة تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرّحون ولا يستحيون بأنهم يعملون على فصل الدولة من الدين! أفيجوز إذن -مع هذا- لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد؟ أَوَيَجوز لرجل مسلم أن يليَ القضاء في ظل هذا "الياسق العصري" وأن يعمل به ويُعرِض عن شريعته البيّنة؟ ما أظنّ أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويُؤمن به جملة وتفصيلا ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - كتاباً مُحكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلاّ أن يجزم غير متردد ولا متأول، بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلاناً أصلياً، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة، إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كُفرٌ بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عُذر لأحد ممن ينتسب للإسلام -كائناً من كان- في العمل بها، أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤٌ لنفسه، وكل امرئٍ حسيبُ نفسه». (1)
? الشيخ محمود شاكر رحمه الله تعالى
__________
(1) عمدة التفسير جـ4صـ 171-172(1/53)
قال: «اللهم إني ابرأ إليك من الضلالة وبعد: فإن أهل الريب والفتن ممن تصدّروا الكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله تعالى وفي القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير شريعة الله تعالى التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام... فهذا الفعل إعراض عن حكم الله تعالى ورغبة عن دينه، وإيثارٌ لأحكام أهل الكفر على حكمه سبحانه وتعالى، فهذا كفرٌ لا يشكُّ فيه أحد من أهل القبلة -على اختلافهم- في تكفير القائل به والداعي إليه، والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى عامّة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غيرُ حكمه في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله تعالى، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله تعالى المنزلة... فمن احتجّ بهذين الأثرين (1) وغيرهما في غير بابها وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصرّ على كفره معروف لأهل هذا الدين». (2)
? فتوى الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى
قال في تفسير قوله تعالى {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك} أن: (الرد إلى الكتاب والسنة شرط في الإيمان، فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائلَ النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت ... فإن الإيمان يقتضي الإنقياد لشرع الله وتحكيمه، في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن، واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك) (3)
? الدكتور صلاح الدين دبوس
__________
(1) هما قول ابن عباس وابن أبي مجلز - رضي الله عنهم - ، وسيأتي الكلام عنهما في باب الرد على بعض شبهات أهل الإرجاء.
(2) عمدة التفسير جـ4 صـ 157.
(3) تفسير السعدي صـ 148.(1/54)
قال مبيناً بعض الأسباب التي يُعزل الخليفة من أجلها منها: «...بروز رغبة الخليفة في عدم القيام بواجباته الشرعية بشكل واضح بحيث لا يكون ثمّة شك في كفره، فإنه في هذه الحالة يخرج من الخلافة ولا تجب له طاعة ولا نُصرة ويدخل ضمن هذه الصورة استبعاد ولي الأمر أو الخليفة الإسلام من توجيه الحياة العامة والخاصة للجماعة، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر المسلمين بطاعة ولاة أمورهم ما لم يروا منهم كفراً بواحاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عُبادة ابن الصامت المروي في صحيح مسلم "...وأن لا تُنازعوا الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" ولا تُثَار هنا فكرة الفتنة، إذ لا فتنة أكبر من ظهور كفر الخليفة أو ولي الأمر أو استبعاد الإسلام من حياة الجماعة». (1)
? شيخ جامع الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى
قال أن: «فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين ولا يقدم عليه المسلمون إلاّ بعد أن يكونوا غير مسلمين». (2)
? الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي
قال: «...فالحكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إلحاد وكفر وفساد وظلم للعباد، فلا يسود الأمن ولا تحفظ الحقوق الشرعية إلاّ بالعمل بشريعة الإسلام كلها عقيدة وعبادة وأحكاماً وأخلاقا وسلوكاً ونظاماً، فالحكم بغير ما أنزل الله هو حكم بعمل مخلوق لمخلوق مثله، هو حكم بأحكام طاغوتية... ولا فرق بين الأحوال الشخصية والعامة والخاصة، فمن فرّق بينها في الحكم فهو ملحدٌ زنديقٌ كافرٌ بالله العظيم». (3)
? الإمام العلامة مفتي الديار السعودية سابقاً ورئيس المحاكم الشرعية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى
__________
(1) أنظر كتابه الخليفة توليته وعزلُه جـ1 صـ 373، عن كتاب كلمة حق صـ 39-40 للشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن فكّ الله أسره.
(2) تحكيم الشريعة للصاوي صـ33.
(3) السلسبيل (على حاشية زاد المستقنع)، جـ2صـ384.(1/55)
قال مقسّماً الحكم بغير ما أنزل الله تعالى إلى ستة أقسام كلها مكّفرة: «أحدها: أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله تعالى أحقيَّةَ حُكمِ الله تعالى وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - ... الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى كونَ حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - حقاً، لكن اعتقد أن حكمَ غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحسنُ من حكمه وأتم وأشمل... الثالث: أن لا يعتقد كونَه أحسنَ من حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لكن اعتقد أنه مثله... الرابع: أن لا يعتقد كونَ حُكمِ الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى مماثلاً لحكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ... لكن اعتقد جواز الحُكم بما يُخالف حُكمَ الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ... الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً... فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحةُ الأبواب، والناسُ إليها أسرابٌ إثر أسراب، يحكم حكّامها بينهم بما يخالف حُكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرّهم عليه، وتُحتِّمُهُ عليهم، فأيُّ كُفرٍ فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسولُ الله بعد هذه المناقضة.... فيجب على العقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط، والأخطاء، فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.(1/56)
السادس: ما يحكم به كثيرٌ من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها "سلومهم" يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاءً على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبةً عن حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا حول ولا قوة إلاّ بالله تعالى». (1)
? الشيخ الإمام محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى
قال: «...وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتّبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على لسان أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله [عليهم الصلاة والسلام] أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلاّ من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي... فتحكيم هذا النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم، كفر بخالق السموات والأرض وتمرّد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرعٌ آخر علواً كبيرا...». (2)
? الشيخ عبدالله بن قعود حفظه الله تعالى
قال: «إنّ رفع أحكام شرعية من أحكام الإسلام معروف حكمها من دين الإسلام بالضرورة وإحلال قوانين وضعية من صنيع البشر مخالفة لها بدلاً منها والحكم بها بين الناس وحملهم على التحاكم إليها أنّ ذلك شرك بالله في حكمه» (3) .
? الشيخ الإمام أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى
__________
(1) أنظر رسالته تحكيم القوانين من صـ 14 الى صـ 20 دار المسلم طبعة أولى باختصار.
(2) أضواء البيان جـ4 صـ 83-84.
(3) الشريعة الإسلامة لا القوانين الوضعية، صـ179، نقلاً عن رسالة "الحاكمية"، صـ16.(1/57)
قال في كتابه "الحكومة الإسلامية" وهو يفسّر آيات سورة المائدة رقم44،45،47: «هنا أصدر الله تعالى ثلاثة أحكامٍ في شأن من لا يحكمون بقانون الله المنزل، الأول: أنهم كافرون، والثاني: أنهم ظالمون، والثالث: أنهم فاسقون، ومعنى هذا بوضوح أن من يترك حكم الله وقانونه ويحكم بقانون آخر وضعه هو بنفسه أو وضعه أناس غيره يرتكب ثلاثة جرائم. الأولى: أنّ تصرفه هذا يعني رفض حكم الله وهذا كفر. الثانية: أن فعله هذا يُخالف العدل والإنصاف ويجافيه لأن الحكم الذي ينطبق تمام الانطباق هو ما أصدره الله تعالى فإن حاد عنه ثم حكم [بخلافه] فقد ظلم بكل تأكيد ويقين. الثالثة: أنه مع كونه عبداً فقد عصى قانون سيده ومالكه [وهو الله تعالى] ونفّذَ قانونه الخاص أو قانون غيره من البشر ومِن ثَمّ فقد خرج فعلاً عن دائرة العبودية وشذّ عن إطار الطاعة وهذا فسق، وإن الكفر والظلم والفسق من حيث هم كذلك يدخلون بالضرورة تحت الانحراف عن حكم الله ولا يمكن أن يكون هناك ابتعاد عن الحكم بما أنزل الله دون أن توجد هذه الأشياء الثلاثة...». (1)
? الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى
__________
(1) الحكومة الإسلامية صـ 105-106.(1/58)
قال وهو يعرّف معنى الطاغوت أن: «الذي يُستخلص من كلام السلف - رضي الله عنهم - أن الطاغوت [هو] كل ما صرف العبد وصدّه عن عبادة الله تعالى وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ... ويدخل في ذلك بلا شك: الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله تعالى، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذّيها، والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت...» (1) وقال أيضاً وهو يعلق على قول ابن كثير رحمه الله تعالى في التتار: «ومثل هذا وشرٌّ منه مَنِ اتّخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال، ويقدّمها على ما عَلِم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله ولا ينفعه أي اسم تسمّى به، ولا أيّ عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام ونحوها». (2)
? الأستاذ الشهيد -نحسبه كذلك- عبد القادر عودة رحمه الله تعالى
__________
(1) فتح المجيد هامش صـ 269-270.
(2) المصدر السابق هامش صـ 384، طبعة أولى بدار الحديث القاهرة.(1/59)
قال تحت عنوان "ذلكم هو حكم الإسلام": «وهكذا يوجب الإسلام على كل مسلم عصيان الحكام والحكومات فيما يؤمر به من معصية الخالق... والحكام والأفراد يعصون الله ويحلّون ما حرّم الله، والحكومات تسنّ للمسلمين قوانين تلزمهم الكفر وتردهم عن الإسلام، فعلى كل مسلم أن يؤدي واجبه في هذه الفترة العصيبة، ومن واجب كل مسلم سواء كان موظفاً أو غير موظف، قاضياً أو غير قاضٍ أن يهاجم القوانين والأوضاع المخالفة للإسلام، وعلى المسلمين في أنحاء الأرض أن يتعاونوا على تغيير القوانين والأوضاع المخالفة للإسلام وتحطيمها بأيديهم، فإن عجز أحدهم أو بعضهم عن الاشتراك في تحطيمها بيده فعليه أن يسلّ عليها لسانه وأن يهاجمها بقلمه متعاوناً مع إخوانه الذين يستطيعون التغيير بأيديهم، فإن عجز أحد المسلمين أو بعضهم عن العمل أو القول الذي يهدم به القوانين أو الأوضاع المخالفة للإسلام، فعليه أن يهدمها في نفسه وأن يلعنها ويلعن القائمين عليها في قلبه، وكفى المسلمين أداءً لواجبهم ونجاحاً فيه أن يتعاون أقصاهم وأدناهم وأقواهم وأضعفهم إيماناً على تغيير المنكر وهدم هذه الأصنام والطواغيت» (1) ، وقال أيضاً: «إن إباحة المُجمَع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وتعطيل أحكام الشريعة، وشرع ما لم يأذن به الله تعالى، إنما هو كفرٌ وردة...» (2) وقال أيضاً: «ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر في عصرنا الحاضر الامتناع عن الحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً منها، والأصل في الإسلام أن الحكم بما أنزل الله واجب وأن الحكم بغير ما أنزل الله محرمٌ ونصوص القرآن صريحة وقاطعة في هذه المسألة...
__________
(1) "الإسلام وأوضاعنا القانونية" عن "التجربة الجهادية في سوريا" للأستاذ أبي مصعب السوري جـ2 صـ 133.
(2) المصدر السابق.(1/60)
ومن المتفق عليه أن من رد شيئاً من أوامر الله أو أوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو خارج عن الإسلام سواء رده من جهة الشك أو من جهة ترك القبول أو الامتناع عن التسليم». (1)
? الأستاذ الشهيد -نحسبه كذلك- سيد قطب رحمه الله تعالى
قال: «...إنّ المسألة «في هذا كله» مسألة إيمان أو كفر، أو إسلام أو جاهلية، وشرع أو هوى. وإنه لا وسط في هذا الأمر ولا هدنة ولا صلح! فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله «لايخرمون منه حرفاً ولا يبدلون منه شيئاً» والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله. وأنه إما أن يكون الحكّام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان. وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يأذن به الله، فهم الكافرون الظالمون الفاسقون. وأن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون، وإلا فما هم بالمؤمنين، ولا وسط بين هذا الطريق وذاك، ولا حجة ولا معذرة، ولا احتجاج بمصلحة. فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس، ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية. وليس أحسن من حكمه وشريعته حكم أو شريعة. وليس لأحد من عباده أن يقول: إنني أرفض شريعة الله، أو إنني أَبصر بمصلحة الخلق من الله، فإن قالها -بلسانه أو بفعله- فقد خرج من نطاق الإيمان...». (2)
? الشيخ الأستاذ محمد قطب حفظه الله تعالى
__________
(1) أنظر كتابه القيّم "التشريع الجنائي" جـ2 صـ 807.
(2) أنظر تفسيره القيّم "في ظلال القرآن" 2/888، ولمن أراد المزيد فليقرأ تفسيره لآيات سورة المائدة فإنه نفيس جداً.(1/61)
قال: «كيف نزعم لأنفسنا أننا آمنا بأنه لا إله إلاّ الله -أي لا معبود بحق إلاّ الله- ولا حاكم إلاّ الله، إذا كنا نقول بلسان الحال أو بلسان المقال: إنك يا رب قد قلت إن الربا حرام، أما نحن (1) فنقول إنه مدار الحياة الاقتصادية المعاصرة، (2) ولا يقوم إلاّ به ولذلك فنحن نقره ونتداوله ونجعله هو الأصل في تداول المال! وإنك يا ربّ قد قلت إن الزنا حرام، وحددت له عقوبة معينة في كتابك المنزل، وفي سنة رسولك - صلى الله عليه وسلم - أما نحن فنرى أنه ليس هناك جريمة تستحق العقاب أصلاً -خصوصاً- إذا تم الأمر برضى الطرفين ولم تكن المرأة قاصراً، وإذا وقعت من وجهة نظرنا جريمة فعقوبتها عندنا أمر آخر غير ما قررت! وإنك قد قلت يا رب إن عقوبة السرقة قطع اليد، أما نحن فنرى أن هذه عقوبةٌ وحشية بربرية، إنما عقوبة السرقة عندنا هي السجن وهي عقوبةٌ مهذبة تليق بإنسان القرن العشرين». (3)
? الشيخ المجاهد الدكتور عمر عبد الرحمن حفظه الله تعالى
وفك أسره من سجون الطواغيت في أمريكا
__________
(1) يقصد الحكام وكل من وافقهم على كفرهم.
(2) بهذه الأدبيات يبيّن الشيخ كفر الحكام وكفر كل من دخل في دينهم من العلمانيين الذين يتبجحون بكفرهم ويعلنون للملأ بأنهم لا يؤمنون بالإسلام، ثم يأتي مشايخ السلطة ويقولون بأنهم مسلمون كاملو الإيمان ويقولون عن أهل التوحيد الخالص بأنهم خوارجٌ كافرون، فإلى الله وحده المُشتكى.
(3) حول تطبيق الشريعة" صـ 20،21.(1/62)
قال في تفسير آية المائدة وهي قوله تعالى {فأولئك هم الكافرون} أنّ: «الآية متروكة الظاهر، فإنّ الحكم وإن كان شاملاً لفعل القلب والجوارح لكن المراد به هنا عمل القلب وهو التصديق، ولا نزاع في كفر من لم يصدق بما أنزل الله تعالى، وأيضاً إن المراد عموم النفي بحمل "ما" على الجنس ولا شك أن من لم يحكم بشيء مما أنزل الله تعالى لا يكون إلاّ غير مصدق، ولا نزاع في كفره، والحق الذي لا مِراء فيه في هذه الآية، وهو الرأي المؤيّدُ المنصور: أنّ الآية عامّة في أهل الكتاب وغيرهم، شاملة لليهود والنصارى والمسلمين، وأن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وأنّ الكفر فيها هو الكفر المخرج عن الملة» (1) ثم قال: «فإذا تأمّلتَ هذا التعريف عرفت أن حكم القانون المخالف للشريعة طاغوت، وأن الحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت، لأنه حكم بتشريع وضعي لا يستند إلى الكتاب والسنة... فأيّ إسلام وأيّ إيمان يبقى لمن منح البشر اختصاص الربوبية... ولا يصحّ إسلام من يتمرّد على حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ». (2)
? الشيخ المجاهد الذي جدد في هذه الأمة روح الجهاد
الدكتور الشهيد -نحسبه كذلك- عبد الله عزام رحمه الله تعالى
__________
(1) كلمة حق صـ 47.
(2) نفس المصدر صـ 66.(1/63)
قال أن: «الذين يشرّعون بغير ما أنزل الله كفارٌ وإن صلّوا وصاموا وأقاموا الشعائر الدينية، والقانونُ الذي يحكم في الأعراض والدماء والأموال هو الذي يُحدد هوية الحاكم من حيث الكفر والإيمان...». (1) وقال أيضاً: «فطاعة التشريع البشري الوضعي مع الرضا القلبي بها شرك يُخرج صاحبه من الملة». (2) وقال: «فالعبادة إذن قوانين وشرائع وتحريم وتحليل فإن كانت هذه القوانين والشرائع من عند الله فالعبودية لله وإن كانت هذه القوانين من عند البشر فالعبودية تقع للبشر ولو صام الناس وصلوا وقاموا بالشعائر الدينية الأخرى، فهي واضحة جدّ الوضوح وقضية حاسمة لا لَبَس فيها ولا غموض ولا لعثمة، وقد اتفق الفقهاء جميعاً على «أن من أحل الحرام فقد كفر ومن حرم الحلال فقد كفر» وليست القوانين الوضعية إلاّ التحليل والتحريم والإباحة والمنع». (3) وقال: «ولا يُشرّع أحدٌ قانوناً من القوانين الوضعية ويستبدلها بشرع الله وقانونه إلاّ ويمرّ في ذهنه أن هذا القانون أفضل من قانون الله لهذه المرحلة، وهذا كفرٌ بَوَاحٌ لا يشك في ذلك أحد من أهل هذه الملة، ليس هناك أي فرق بين من يقول إنّ صلاة الفجر ثلاث ركعات وبين من يقول إن حكم القاتل سجن سنة، وليس هناك فرق بين من يقول إن عقوبة الزاني سجن ستة أشهر وبين من يقول إن صيام رمضان محرّم على الناس...». (4)
? الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى
__________
(1) مفهوم الحاكمية في فكر الشهيد عزام، صـ 3.
(2) المصدر السابق، صـ 4.
(3) المصدر السابق، صـ 10.
(4) المصدر السابق، صـ 14-15.(1/64)
عندما سُئل عن وجوب السعي للقاء الحاكم أو الأمير لكي يُبَيَّن له وجوب تطبيق الشريعة أجاب: «هل يخفى أمر تطبيق الشريعة على أحد حتى يحتاج [هذا الحاكم] إلى لقاء» (1) ، وندّد في بعض خطبه بدخول رؤساء الدول العربية إلى المسجد الحرام مستدلاً بقوله تعالى {إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]».
? الشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله تعالى
قال أمام محكمة القانون الوضعي في مصر مبيناً وجوب الخروج على الحاكم الكافر: «وقد أجمع الفقهاء سلفاً وخلفاً على أن الإمامة -يعني رئاسة الدولة- لا تنعقد لكافر وأجمعوا كذلك على أنه لو طرأ الكفر على رئيس الدولة وَجَب عزله وأصبح الناس في حِلٍّ من بيعته». (2)
? الشيخ حمود التويجري رحمه الله تعالى
قال: «من أعظمها شراً [أي من أعظم المكفرات شراً] وأسوأها عاقبة ما ابتلي به كثيرون من اطراح الأحكام الشرعية والاعتياض عنها بحكم الطاغوت من القوانين والنظامات الإفرنجية أو الشبيهة بالإفرنجية المخالف كلٌ منها للشريعة المحمدية» ثمّ أورد بعض الآيات القرآنيّة وتابع: «وقد انحرف عن الدين بسبب هذه المشابهة فئاتٌ من الناس، فمستقل من الانحراف ومستكثر، وآل الأمر بكثير منهم إلى الردة والخروج من دين الإسلام بالكلية ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. والتحاكم إلى غير الشريعة المحمدية من الضلال البعيد والنفاق الأكبر... وما أكثرُ المعرضين عن أحكام الشريعة المحمدية من أهل زماننا... من الطواغيت الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم عنه بمعزل». (3)
? الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله تعالى
__________
(1) "الفتاوى" جـ5، ص29.
(2) نقلاً عن كتاب "كلمة حق" للشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن صـ 38.
(3) الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين صـ 28-29.(1/65)
والذي شرفه الله تعالى أن فصل مؤخراً من عضوية هيئة كبار العلماء في السعودية لأنه ظل جبلاً شامخاً في وجه الكفرة حكام آل سعود وأبى أن يُداهنهم على حساب دينه، ثبّته الله تعالى، قال: «أنّ الشرع إلى الله تعالى، فهو الذي شرع الشرائع وهو الذي سن الأحكام وهو الذي ألزم عباده بالعمل بهذه الشريعة... ومن المعلوم أن شريعة الله تعالى كاملة لا تحتاج إلى تكميلٍ ولا إلى تغيير، قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} وقال تعالى {ما فرّطنا في الكتاب من شيء}... فنقول: معلومٌ أن القوانين الوضعية التي فيها مخالفةٌ للشريعة أن اعتقادها والديانة بها خروجٌ عن الملة ونبذٌ للشريعة وحكمٌ بحكم الجاهلية، وقد قال الله تعالى {أَفَحُكْمَ الجاهليّةِ يبغون ومن أحسنُ من الله حُكماً لقومٍ يُوقنونَ} فحكم الله أحسنُ الأحكام وأولاها، وليس لأحدٍ تغييره وتبديله، فإذا جاء الإسلام بإيجاب عبادةٍ من العبادات فليس لأحدٍ أن يغيرها كائناً من كان، أميراً أو وزيراً أو ملكاً أو قائداً... فإذا حَكَمَ الله في أمرٍ من الأمور فليس لأحدٍ أن يتعدى حكم الله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كما أخبر بذلك». (1)
? الشيخ سعيد حوى رحمه الله تعالى
__________
(1) من شريط "حكم الدخول في المجالس النيابية" لعدد من العلماء، الوجه الثاني.(1/66)
قال: «لقد وُجدت في التاريخ الإسلامي صور متشابهة للأوضاع التي نواجهها على الأرض الإسلامية، فمثلاً بقى التتار محتفظين بالقانون الذي خلفه لهم جنكيز خان والمسمى بـ"الياسق" أو "الياسا" حتى بعد دخولهم في الإسلام، وبسبب هذا القانون أفتى العلماء بكفرهم ووجوب قتالهم إن استطعنا، وعلى هذا فنحن لا نتردّد في الحكم على أي نظام بالكفر إذا تبنى غير الإسلام، أو فرض قانوناً أو دستوراً غير إسلاميين أو عطّل الإسلام، أو بعضاً منه...». (1) وقال أيضاً: «إن أكثر [نقول بل كل] أقطار الإسلام اليوم قد سيطرَ عليها الكافرون والمرتدون والزنادقة والملحدون والمنافقون والفاسدون والمفسدون على شكل أفراد أو هيئات أو منظمات أو أحزاب، فنشأت في أرض الإسلام أحزابٌ ضالةٌ كافرةٌ وقامت جمعيات سرية [وعلانية] توالي الكافرين وتأكد وجود الباطنيين والزنادقة وأهل الإلحاد، ونقض النصارى عهود ذمتهم، وقامت حكومات أقطار العالم الإسلامي على هذا المزيج الكافر، وساعد هذه الحكومات أجهزةٌ مهمةُ رجالها تثبيت الفساد، وجاهر الناس بالمعاصي والكبائر، وأصروا عليها واستباحوها وفُقِدت الخلافة والإمامة، وأمام هذا كله فقد أصبح واجباً على المسلمين أن يُنظّموا عملية تطهير واسعة في كل قطر من أقطارهم يستأصلون بها من ذكرناهم في باب الشدة على الكافرين...». (2)
? الشيخ منّاع خليل القطّان رحمه الله تعالى
__________
(1) دروس في العمل الإسلامي صـ 86-87.
(2) "جند الله ثقافةً وأخلاقاً"، باب الشدة على الكافرين.(1/67)
قال: «قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ والإنْسَ إلاّ ليعبدون} [الذاريات: 56]، وهدف الشريعة الإسلامية أن تردّ الناس من هذا التمرّد الكفري إلى الله وحده، بخضوع شؤون حياتهم كلّها اعتقاداً وسلوكاً لشرعه عزّ وجلّ، وبهذا يتحقّق معنى التوحيد، أمّا أن ينتسب المرء إلى الإسلام، ثمّ يدين لغير الله في أفعاله الاختياريّة وشؤون حياته الإراديّة بالخضوع للقوانين الوضعيّة، فتلك هي انتكاسة الفطرة البشريّة التي بعث رسولنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - لتقويمها والهداية فيها حتّى يصير الكون خالصاً لله.
إنّه لا بدّ من خضوع الناس في أفعالهم الاختياريّة لله بتحكيم شريعته كما خضعت الكائنات لله تسخيراً حتّى يتمّ التناسق في الكون كلّه. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: {أفغير دينِ الله يبغونَ وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يُرجعون} [آل عمران: 83]. فعلام هذا الشتات في العقيدة والعبادة والعمل والحكم والله تعالى يقول: {إنِ الحكمُ إلاّ لله أمر ألاَّ تعبدوا إلاَّ إيّاه} [يوسف: 40].
والعمل بأحكام الشريعة الإسلامية من أركان الإيمان، ومقتضيات توحيد الله عزّ وجلّ، وما كان للمؤمنين في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتّصفوا بالإيمان وهم لا يتحاكمون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلّ أمر من الأمور، يستوي في هذا ما يتعلّق بالعبادات، وما يتعلّق بالمعاملات، فإنّ تحكيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلّ شأن من شؤون الحياة مع التسليم والرضا من صميم الإيمان، ويكون هذا بعد مماته بتحكيم شريعته. قال تعالى: {فلا وربِّكَ لا يُؤمِنونَ حتّى يحكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم ثمَّ لا يجدوا في أنفسِهم حرجاً ممَّا قضيتَ ويُسلِّموا تسليماً} [النساء: 65].(1/68)
ويأتي بيان هذه الحقيقة في صورة القسم المؤكّد بالنفي، فإنّ دخول "لا" النافية على القسم إذا كان جواب القسم منفيّاً يؤكّد نفي الجواب، والجواب هنا بنفي الإيمان {لا يؤمنون} كما يأتي شاملاً لأيّ شجار، فإنّ «ما» في قوله تعالى: {فيما شَجَر بَيْنَهُم} من صيغ العموم، فتشمل أيّ خلاف أو خصومة في أيّ شأن من الشؤون والتقييد بعدم الحرج يؤكّد ضرورة الرضا حتّى يكون التحاكم من صميم القلب {ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت} ويجب أن يكون الإنقياد لحكم الشريعة ظاهراً وباطناً، فيأتي التعبير بالتسليم مؤكّداً بالمصدر في قوله: {ويسلّموا تسليماً} فلا يثبت الإيمان لعبد حتّى يقع منه ذلك.
وإذا كان تحكيم الشريعة الإسلامية بهذه المثابة اتّباعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإنّ الوقوف عند ذلك هو سبيل المؤمنين، لأنّه دينهم، أمّا مخالفة ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ظهرت البراهين الدالّة على رسالته وسلوك طريق غير طريق المؤمنين وما هم عليه من دين الإسلام والعمل بأحكامه فهو موالاة للضلال وخروج عن الدين يصلى أصحابه نار الجحيم، يستوي في هذا أن تكون المخالفة عناداً واستكباراً، أو تكون جحوداً وإنكاراً، ما دام ذلك في أمر لا مجال للاجتهاد فيه، فإنّ المشاقّة في أصل معناها كونك في شقّ غير شقّ صاحبك، وهذا هو معنى قوله تعالى: {ومن يُشاقِقِ الرسولَ من بعد ما تبيَّنَ له الهدى ويتَّبِع غَيرَ سبيلِ المؤمنينَ نولَّهِ ما تولَّى ونُصلِهِ جهنّمَ وساءَت مصيرا} [النساء: 115].(1/69)
ذلك لأنّ التشريع من خصائص الألوهيّة، فإقرار تشريع لسلطة بشريّة في فرد أو جماعة شرك بالله. وهذا ما يدلّ عليه تعطيل مصير المشاقّين في الآية السابقة بقوله تعالى: {إنّ الله لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به ويغفِرُ ما دون ذلك لمن يشاءُ ومن يُشرِك بالله فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً} [النساء: 116]». (1)
? الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان
قال: «وإذا تابعت الأمة حكام الدولة المفسدين وانقادت إلى أوامرهم الباطلة ومناهجهم المخالفة لشرع الإسلام حق عليها العقاب ولن ينفعها اعتذارٌ ولا براءة منهم... وبهذا الفقه لحدود الطاعة لا يمكن للأمة الإسلامية أن تخضع وتنقاد لحكم ظالم منحرف مخالف لما شرعه الإسلام لأنها مسؤولة أمام الله تعالى على هذا الانقياد المحرم». (2)
? الشيخ عبد الله القرني حفظه الله تعالى
قال: «...يظهر لنا أن من جوزوا الحكم بغير ما أنزل الله تعالى وقد عرفوا ذلك [أي عرفوا حرمته من خلال النصوص ومن تبيين العلماء الأجلاء] فلم يلتزموا، فإنّ هذا يُعتبرُ استحلالاً وردّةً عن الإسلام ولو لم يتضمن تكذيباً». (3)
? الشيخ عمر الأشقر حفظه الله تعالى
قال: «ولعل مراد أبي عُبيد القاسم بن سلام بقوله: "أن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ليس كفراً مخرجاً من الملة" هو حكم القاضي أو الحاكم المسلم في قضيةٍ ما بالهوى مع حكمه في بقية الأمور بحكم الله تعالى، أما هؤلاء الذين جاءونا بالقوانين الكافرة وطبقوها علىالشعوب الإسلامية بقوة الحديد والنار وحاربوا وعذبوا كل من نادى بتطبيق الإسلام فهؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجرَ بينهم ثُمَّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مِّمَّا قَضيتَ ويُسلِموا تسليماً}». (4)
? الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز حفظه الله تعالى
__________
(1) وجوب تحكيم الشريعة الإسلاميّة، صـ60-63.
(2) الفرد والدولة صـ 96-97.
(3) ضوابط التكفير، صـ 228.
(4) العقيدة في الله صـ 28-29.(1/70)
قال بعد أن سرد أقوال العلماء في تكفير من لم يحكم بما أنزل الله تعالى: «...والذي يخرج به أن كفر الحكام الحاكمين بالقوانين الوضعية هو محل اتفاق بين أهل العلم، وقد تعاضدت النصوص مع الإجماع على بيان كفرهم ولا يخالف في هذا إلاّ أحد رجلين: جاهلٌ، أو صاحب هوى، وإن كان من المنتسبين إلى العلم الشرعي». (1)
وقال أيضاً: «والحاصل أنّه ينبغي التنبّه على أنّ الحكم بالقوانين الوضعيّة -كما هو الحال اليوم- ينطوي على ثلاث مناطات مكفّرة وهي:
1- ترك الحكم بما أنزل الله: لأنّ الحكم بالقوانين الوضعيّة في مسألة ما يلازمه ترك الحكم بما أنزل الله فيها (...).
2- إختراع شرع مخالف لشرع الله وهي القوانين الوضعيّة نفسها.
3- الحكم بغير ما أنزل الله أي الحكم بهذا الشرع المخالف لشرع الله.
[وهذه المناطات المكفّرة] لم يقع شيء منها في زمن ابن عبّاس (توفّي سنة 68هـ)، ولا فيما بعده بعدّة قرون... غاية ما كان يقع من الحكّام والقضاة هو الجور في الحكم في بعض الأمور بحيلة أو تأويل يصعب معه تأثيمه قضاءً وإن كان يأثم ديانةً...». (2)
? الشيخ الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف حفظه الله تعالى
__________
(1) الجامع في طلب العلم الشريف صـ 898.
(2) الجامع في طلب العلم الشريف، جـ2 صـ878-879.(1/71)
قال: «عليكم أيها المسلمون أن تتفهّموا صفات من يستحق أن يُشرع ويحلّل ويُحرّم، ولا تقبلوا تشريعاً من كافرٍ خسيسٍ حقيرٍ جاهل...كما أنّ الحكم بما أنزل الله تعالى هو تحقيقٌ للرضى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً ونبياً وتحكيم شرع الله تعالى وردّ النزاع إلى نصوص الوحيين شرط في الإيمان... وإذا كان التحاكم إلى شرع الله تعالى شرطاً في الإيمان فإن التحاكم إلى غير هذا الشرع وهو حكم الطاغوت والجاهلية ينافي الإيمان وهو من علامات النفاق... ولا شك أن تحكيم الشريعة انقيادٌ وخضوعٌ لدين الله تعالى وإذا كان كذلك فإن عدم تحكيم هذه الشريعة كفرُ إباءٍ وردّة وامتناع وإن كان مصدقاً بها فالكفر لا يختص بالتكذيب فحسب كما زعمت المرجئة... فإن الناظر إلى واقع المسلمين يرى ما وقع في تلك البلاد من المصائب والشرور ومن الفرقة والعداوة فيما بينهم وكذا التقاتل والتناحر كما ظهر الفقر والتدهور الاقتصادي مع أن في بلاد المسلمين -كما هو معلوم- أعظم الثروات وبمختلف الأنواع وأعظم سبب في ذلك هو تنحية شرع الله تعالى والتحاكم إلى الطاغوت والله المستعان». (1)
? الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني حفظه الله تعالى
قال: «إنّ تنحية شريعة الله عن مجرى الحياة، واستيراد قوانين البشر القاصرة، رِدَّةٌ جديدة برزت في القرون الأخيرة من حياة المسلمين، ذلك أن المجتمع الإسلامي عاش قروناً طوالاً يستظل بشرع الله تعالى وتهيمن الشريعة على حياة أفراده حكاماً ومحكومين... ولقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بنصوص كثيرة صريحة واضحة حول قضية الحكم وأنها من عقيدة المسلم، ومن أهم أمور الدين قال تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}». (2)
__________
(1) أنظر كتابه "نواقض الإيمان القولية والعملية"، باب "الحكم بغير ما أنزل الله تعالى" صـ 301-310 بتصرف.
(2) أنظر كتابه "الولاء والبراء في الإسلام" صـ 78.(1/72)
? الشيخ عبدالمجيد الشاذلي حفظه الله تعالى
قال: «ولا فرق في التشريع بين الإباحة وغيرها، فالمشرّع الوضعي لا يأمر بالشرب أو باستحلال الشرب، بل ذلك راجع إلى دين كلّ فردٍ في المجتمع وهو يفصل بين الدين والدولة وهو مشرّع الدولة، والدين في نظره علاقة بين العبد وربّه، وبالتالي فطاعته في ذلك لا شأن لها بالفعل ولا بالاستحلال وإنّما في أن يحترم هذا التحليل وأن يقرّ بحقّه في ممارسته». (1)
? الشيخ الدكتور سفر الحوالي حفظه الله تعالى
وجعله ذخراً للإسلام والمسلمين، قال مفسراً معنى العلمانية: «إن العلمانية تعني بداهةً الحكم بغير ما أنزل الله تعالى فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين ومن ثَمَّ فهي بالبديهة أيضاً نظامٌ جاهلي لا مكان لمُعتقده في دائرة الإسلام بل هو كافرٌ بنص القرآن الكريم قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الكافرون}». (2)
وقال في موضع آخر: «إنّ هذا الحشد من الآيات -وأمثالها في القرآن الكريم كثير بل إنّ موضوعها لهو موضوع القرآن الرئيسيّ- مع ذكر ما ذكره العلماء في فهمها من الأقوال ليدلّ دلالة قاطعة على نفي الإيمان عمّن ابتغى غير الله حَكَماً في أيّة قضيّة من قضايا الحياة والحكم عليه بالكفر والشرك والنفاق والجاهليّة كلّها سواء وأنّ وُرودها في حقّ مدّعي الإيمان بالله وكتبه لممّا يزيد المعنى قوّة وصراحة وجلاءً.
بل إنّ قوله تعالى {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} خطابٌ لمحمّد - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه وفي قضيّة فرعيّة هي الأكل ممّا لم يذكر إسم الله عليه.
فهل يبقى بعد هذا مجال للشكّ أو التردّد؟». (3)
? الشيخ سلمان العودة حفظه الله تعالى
__________
(1) حدّ الإسلام وحقيقة الإيمان، نقلاً عن كتاب "إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر" للشيخ أبي محمّد المقدسي، صـ52.
(2) العلمانية صـ 681.
(3) العلمانيّة صـ686.(1/73)
وأمد في عمره، قال: «وقد تجتمع بعض الفرق على الكفر الصريح الواضح الذي لا شك فيه كاجتماع الأحزاب القومية والوطنية على أساس الرابطة القومية وإنكارها للأخوة الإيمانية ومنحها حق التشريع والسلطة للبشر من دون الله تعالى». (1)
? الشيخ أبو عروة المغربي
قال في تقديمه لرسالة "تأسيس النظر في ردّ شبه مشايخ مرجئة العصر للشيخ عبدالكريم الشاذلي، قال إنّ: «الصبر إنّما يكون على أئمّة المسلمين إذا جاروا أو فسقوا، أمّا المرتدّون منهم فإنّه يجب على المسلمين القيام عليهم وخلعهم والخروج عليهم... كما أنّه لا علّة للتفريق بين الكفّار المتسلّطين على المسلمين، سواء كانوا يهوداً أو حكّاماً مرتدّين». (2)
? الأستاذ عبدالرحمن حسن
تحت عنوان "فصل الدين عن الدولة" قال: «معناها عند من ينادي به: أنّ الدين ليس له علاقة بتسيير أمور الناس، ولا بسياسة الدولة، فهو محصور في الشعائر التعبّدية فقط دون أن يُعمَلَ به ويُطبّق في واقع الحياة، وهذه النظريّة الشيطانيّة والتي تُعرَف اليوم بالعلمانيّة نصّ الأئمّة والعلماء على كفر من يعتقدها، أو يعمل بها ويفضّل الحكم بالقوانين العلمانيّة الجاهليّة على شرع ربّ البريّة، لأنّ ذلك يناقض الإيمان، ويضادّ كلمة التوحيد». (3)
? الشيخ الشهيد -نحسبه كذلك- مروان حديد رحمه الله تعالى
__________
(1) صفة الغرباء صـ 64.
(2) صـ6-7 من مقدّمة الكتاب المذكور.
(3) أنظر كتابه "القذّافي: مسيلَمة العصر"، صـ32.(1/74)
قال في بيانه الموجّه إلى علماء المسلمين خاصّة والأمّة الإسلاميّة عامّة: «قال تعالى: {قَدْ كَانَت لَكُم أسوةٌ حسنَةٌ في إبراهيم والذينَ معَه إذْ قالوا لِقومِهم إنّا بُرَءاؤا منكم وَمِمَّا تعبدون من دون الله كفَرنا بكم وبدا بيننا وبينَكُمُ العداوةُ والبغضاءُ أبداً حتّى تؤمنوا بالله وحدَه...} [الممتحنة: 4]. مَنِ المخاطب بهذه الآية يا معشر العلماء؟ وهل هي موجّهة إلينا، نحن المسلمين؟ وهل نفذّتموها مع حكّام بلادكم؟ أم تتعايشون معهم ولا تظهرون لهم العداوة والبغضاء؟ وهل الحكّام يحكمون بكتاب الله وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ؟ وإذا كانوا لا يحكمون بكتاب الله وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا كانوا لا يتّخذون من كتاب الله دستوراً لهم في حياتهم الخاصّة والعامّة وفي القانون الذي يحكمون به البلاد، فهل هم كفرة أم لا؟ أفتونِِ بعلمٍ يا علماء المسلمين». (1)
? الأستاذ أبو عبدالرحمن السبيعي
قال: «ونحن نقول، بل هو [أي الحاكم المبدّل للشريعة] من أكفر الكافرين ومَن شكّ في كفره فهو على شفا جرف هار، والأمر كما قال الشنقيطيّ في أضواء البيان 4/84 أنّه "لا يشكّ في كفرهم وشركهم إلاّ من طمس الله على بصيرته وأعماه من نور الوحي مثلهم"». (2)
? الشيخ عبدالعزيز آل محمد السليماني
قال «فكلّ حُكْم سوى حكم الله فهو باطل مردود، وكلّ حاكم بغير حكمه وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو طاغوت كافر بالله». (3)
? الشيخ حسن أيّوب رحمه الله تعالى
قال في كتابه "السلوك الاجتماعي": «إنّ من يرفض دين الله وقانونه ويمنعه ولا يرضاه أن يحكم حياة المسلمين، فهو كافر بإجماع المسلمين.. وإن صام وصلّى وزكّى وحجّ البيت الحرام ألف مرّة».
__________
(1) صـ5-6 من نصّ البيان الذي نشره الشيخ الشهيد -نحسبه كذلك- أنور شعبان رحمه الله تعالى.
(2) أنظر رسالته "براءة أهل السنّة..."، صـ26.
(3) موارد الظمآن، جـ1 صـ43.(1/75)
? الشيخ سليمان بن سحمان حفظه الله تعالى
عرّف الطاغوت فقال: «وحاصله أنّ الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة، وهذا هو الطاغوت بعينه [أي طاغوت الحكم] الذي أمر الله [تعالى] باجتنابه». (1)
? الشيخ محمد سرور زين العابدين
قال: «إنّ الأنظمة المعاصرة في ديار المسلمين علمانيّة في دساتيرها وقوانينها ومراسيمها الإدارية وسائر شؤون الحكم فيها، وسدنتها لا ينكرون ذلك في تصريحاتهم ومواقفهم التي لا تنقطع، كقولهم: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، ومنعهم منح ترخيص للأحزاب على أساسٍ دينيّ وغير ذلك.. أولسنا نرى اليوم كفراً عندنا من الله فيه برهان؟». (2)
? الشيخ عبد الرحيم الطحان حفظه الله تعالى
قال أن: «الذين فصلوا الدين عن السياسة أرادوا بذلك تجريد الحكومة من الدين -وقالوا أنه- لا مانع أن يحكم المسلمين حكامٌ كافرونَ لايؤمنون بالحي القيوم، لأن الدين حاد فيما بينهم وبين ربهم [وأعطوا تنظيم] أمور الحياة لمجلس أو لبرلمان أو لمجلس أمة أو لمجلس الشعب أو الوزراء أو النواب وما شابه ذلك. فيريدون إذاً فصل الدين عن السياسة، وبالتعبير الظاهر الواضح المكشوف هم يريدون تجرّد الحكومة عن الدين وعدم اشتراك الإسلام بالحاكمين، هذا هو الذي قصدوه، ثم قصدوا شيئاً ثانياً يترتب على هذا هو القضاء على دين المحكومين... [وعندما] تجردت [الحكومة] عن الدين أرادت أن تجرد الأمة عن دين الله تعالى ... وباختصار يُراد من فصل الدين عن السياسة تجرّد الحكام من الدين ثم تجرّد الأمة وإخراجهم من دين رب العالمين، وهذا كما قلت يعتبرُ ردةً [عن الدين]...». (3)
? الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل حفظه الله تعالى
__________
(1) أنظر "الدرر السنّية"، جـ8 صـ272.
(2) العلماء وأمانة الكلمة، صـ105-108 بتصرّف.
(3) شريط "فصل الدين عن الحكم" الوجه الأول.(1/76)
قال: «من المعلوم من الدين بالضرورة وممّا أجمع عليه أئمة الدين أن الدين عقيدة وشريعة، علم وعمل، وأنّ العقيدة والشريعة هما الإسلام ومن استغنى بإحداهما عن الآخر خرج عن الدين، وكانت الأمّة كلّها بمختلف طوائفها من أهل القبلة تدين بهذا الأمر طيلة القرون السالفة...
إنّ هذا التلازم وأثر كلّ منهما في تحقيق الآخر يقتضي أنّ من أخذ بالعقيدة ولم يعمل بالشريعة، أو عمل بالشريعة ولم يأخذ بالعقيدة خرج من الإسلام...» (1)
? الأستاذ الدكتور علي جريشة حفظه الله تعالى
قال: «إنّ من عدل عن شرع الله تعالى إلى شرع غيره فقد عدل بشرع الله شرعاً آخر ومن ثَمَّ عدل بالله آلهة أو أرباباً آخرين، لأن الشرع ابتداءً خالص حق الله باعتباره من خصائص الربوبية والألوهية، كذلك من لم يعدل عن شرع الله كله ولكنه عَدَّل فيه، لأنه لا يملك ذلك إلاّ سلطةٌ في نفس المستوى أو سلطة أعلى، فمن فعل ذلك فقد جعل من نفسه ندّاً لله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا... ففي مثل الخمر جاء تحريمها بالنص والإجماع، فإذا جاءت نصوصٌ وضعيّة خالية من العقاب فقد غيرت وصف الحكم وجعلته مباحاً، والمباح أحد أقسام الحلال ومن ثَمَّ فإنها تكون قد أحلت ما حرم الله تعالى... وهذه صورة من صور العدول، أما صور التعديل فإن الحكم يبقى على وصفه الأصلي فلا ينقلب من الحرام إلى الحلال، ولكن مثلاً يجري التعديل في العقوبة التي وضعها الله سبحانه للفعل، كأن يحتفظ بالنص الوضعي بتحريم الفعل ويحرمه ولكن يُعدّل العقوبة المقررة له شرعاً ويجعل الحبس بدلاً من الجلد أو الرجم... وعلى ذلك فالعدول والتعديل هو من قبيل التحليل الذي دمغه القرآن بالكفر والشرك...». (2)
? الدكتور عبد الله فهد النفيسي
__________
(1) التلازم بين العقيدة والشريعة، نقلاً عن نشرة "البيعة".
(2) أصول الشريعة الإسلامية جـ1 صـ 22-23 عن كلمة حق للشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، صـ 56-57(1/77)
أجاب مبيّناً حال الفقهاء الذين تكلموا عن جور الحكّام أيام الدولة الإسلامية ولكنهم اكتفوا بوصفهم بالظلم ولم يكفّروهم، فأوضح أن هؤلاء الحكام كانوا يحكمون بشرع الله تعالى لا بأحكامٍ وضعية كما هو حاصل اليوم، قال: «...لم يكن يَتَصوّر الفقهاء [القدامى] وجود حاكم لا يحكم بما أنزل الله بالصورة الكلية والشمولية التي نعيشها اليوم، لم يكن يتصوّر الفقهاء وجود حاكم يتنكّر لشرع الله ويتآمر على الإسلام وينكّل بالمسلمين ويوالي أعداء الله كما هو حال حكام اليوم...» ثم استدلّ بفتوى الحافظ ابن كثير على كفر حكام اليوم منها قوله: «فمن فعل ذلك منهم [أي فعل مثل هذه الأوصاف التي ذكرت عن التتار] فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يحكم سواه في كثير ولا قليل». (1)
? الدكتور محمد نعيم ياسين
__________
(1) السياسة الشرعية عن "التجربة الجهادية في سوريا" جـ2 صـ 115.(1/78)
قال: «...فمن ادّعى أن شيئاً من هذا الشرع لا يستحق الامتثال والتطبيق أو لا يصلح في هذا الزمان أو نحو ذلك، كَفَرَ بهذه الدعوى، لأن من خصائص الألوهية الأمر، والحكم، والتشريع، {إن الحكم إلاّ لله} ومن خصائص العبودية الامتثال والطاعة... ويكفر من ادّعى أنّ له الحق في تشريع ما لم يأذن به الله بسبب ما أوتي من السلطان والحكم، فيدّعي أن له الحق في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، ومن ذلك وضع القوانين والأحكام التي تبيح الزنا والربا وكشف العورات أو تغيير ما جعل الله لها من العقوبات المحددة في كتاب الله أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو تغيير المقادير الشرعية في الزكاة والمواريث والكفّارات والعبادات وغيرها مما قدّره الشارع في الكتاب والسنة. ويدخل بالكفر مَنْ يُؤمن بهذه الطواغيت ويعترف لها بما ادّعته من حقوق الألوهية... ومن هنا تعلم أنه إذا قام حاكم ينتحل الحق في إصدار تشريعات مناقضة لما هو ثابت في الكتاب أو السنة، يحلّل به ما حرّم الله أو يحرّم ما أحلّه سبحانه، كفر وارتدّ عن دين الله القويم، لأنه يعتقد بذلك أنه يسعه الخروج عن شريعة الإسلام بما يشرّع للناس، ومَن اعتقد ذلك كان من الكافرين... فمن سنّ قانوناً يُبيح بموجبه الزنا أو الربا أو أي شيء من المعاصي المتّفق على حرمتها في شرع الله فقد كفر، ويكفر جميع من يسهم برضاه في إصدار مثل هذا القانون... وتعلم أيضاً أنه يكفر من الناس من يعترف لهذه الطواغيت بهذه الحقوق ويرضى بها ويتحاكم إليهم وإلى شرائعهم المناقضة للإسلام في أصوله وما عُلم منه بالضرورة، وقد قال تعالى: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا} [النساء: 60] وقال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [النساء: 21]».(1/79)
(1)
? الشيخ عمر بن محمود أبو عمر (أبو قَتادة الفلسطيني)
حفظه الله تعالى
وأمدّ في عمره وجعله حامياً من حماة هذا الدين هو وبقية إخوانه المشايخ الموحدين الصادقين.
عندما سألته -حفظه الله تعالى- عن حكم الشريعة في حكّام بلاد المسلمين أجاب بهذا الجواب المطوّل، وهذا نص رسالته:
«
__________
(1) أنظر كتابه "الإيمان أركانه، حقيقته، نواقضه"، صـ149-150-151 طبعة دار التوزيع والنشر الإسلامية القاهرة.(1/80)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإنّ معرفة حكم الله تعالى في حكّام بلادنا المبدلين لشريعة الرحمن واجب على كل مسلم، وهو ليس من نافلة القول، ذلك لما يترتب على هذا الحكم من قضايا خطيرة وأعمالٌ جليلة، من أهمها البراء منهم وعدم الدخول في طاعتهم ووجوب الخروج عليهم كما هو إجماع أهل العلم المتقدمين، ولذلك زَعم الزاعمون أن مثل هذه الأمور تشغل المسلم عن الدعوة إلى الله أو أنها تصرفه عن طلب العلم أو يترتب عليها بعض المفاسد، وهذا زعمٌ باطل ليس من الشريعة في شيء، إذ أن سلفنا قد قرروا: أن إكْفَار الملحدين ضرورية من ضروريات الدين، وخاصة إذا كان هؤلاء الملحدون هم في مركز السلطة والقرار، وليعلم المسلمون أن السكوت عن هؤلاء الحكّام المبدلين لشريعة الرحمن قد جرّ على أمتنا الويلات والمصائب والبلايا، إذ جعل الكثير من المسلمين جُنداً لهؤلاء الطواغيت دون أن يشعروا، وبالتالي صاروا جُزءاً من طائفة الردة والكفر وخاصة في أحكام القتال، وبالسكوت عليهم كذلك مهد السبيل لمناهجهم الباطلة ولقوانينهم أن تعمل عملها في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فبقوانينهم استحلّ المالُ الحرام، وأُحلت الفروج الحرام، وقُضي بين الناس في دمائهم بالباطل والظلم، مع ما ترتّب على أحكامهم من ضياع البلاد وخرابها، وانتشار الفقر والظلم والمعاصي التي حرّمها الله تعالى، وصار الناسُ يخرُجُون من دين الله تعالى دون خوف أو وجل، وصارت مؤسسات الدولة الخاضعة لهؤلاء الحكام الكفرة تنشر الرذيلة وتُشجع المعاصي وتُزين الكفر وطرق الكافرين، حتى صدق فينا قول الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاةَ واتبعوا الشهواتِ فسوفَ يَلقَوْنَ غيّاً} [مريم: 59]. وكقوله سبحانه وتعالى: {ظهر الفسادُ في البَرِّ والبحرِ بما كَسبت أيدي الناس} [الروم: 41].(1/81)
وهذا هو نتيجة الإعراض عن شريعة رب الأرض والسماء، ولذلك من أهم الأمور التي يجب أن يعلمها المسلم في زماننا هذا هو حكم الله تعالى في هؤلاء الحكام.
إعلم أخي المسلم -حفظني الله وإياك من كل شرٍ وسوء وأجارنا الله وإياك من كل رديّة ومعصية- أنّ تبديل الشريعة كفرٌ بربّ السموات والأرض، والتبديل المقصود منه هو تسمية ما أحلّه الله تعالى حراماً، أو تسمية ما حرمه الله حلالاً، ذلك لأنّ الحلال هو ما أحلّه الله والحرام هو ما حرّمه الله تعالى، فكما أن الخلق خلقُه فكذلك الأمر أمرُه، قال تعالى: {ألا لهُ الخلقُ والأمر} [الأعراف: 54]. فمن زَعم أن الأمر في التحليل والتحريم هو لغير الله تعالى فهو كافرٌ ككفر من زعم أن هناك خالقاً غيرُ الله تعالى سواءً بسواء، قال تعالى في ذلك {يا صاحبَي السجنِ ءَأَربابٌ مُتفرقونَ خَيرٌ أمِ الله الواحدُ القهار* ما تعبدون من دونه إلاّ أسماءً سمّيتموهآ أنتم وءَاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطانٍ إنِ الحكمُ إلاّ لله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياهُ ذلك الدينُ القيمُ ولكن أكثرَ الناسِ لا يعلمونَ} [يوسف: 39،40]. فانظر -حفظني الله وإياك- كيف قصر الحكم له وحده وسمى ذلك عبادةً وجعل الدين القيم هو هذا الأمر، فالدين هو العبادة، والعبادة هي الخضوع لحكم الله تعالى، ولذلك فمن خضع وأطاع غير حكم ربّ السموات والأرض فقد عبد غير الله تعالى وهو في دينٍ آخر غيرَ دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فالدين هو الحكم والتشريع قال تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} [يوسف: 76]. وقد عُلم أنّ دين الملك هو حكمه وسلطانه، ولذلك فمن خضع لحكم الله فقد دخل في دينه، ومن رفض ذلك فقد خرج من دينه، هذا هو فهم كل مسلم صحيح الفهم عن الله تعالى في هذه الآيات البينات. وقال تعالى: {أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21].(1/82)
فقد سمى الله تعالى التشريع ديناً، فشرع الله هو دينه، ومن أخذ به فقد دان لله وخضع له، ومن رفض شرع الله تعالى وأخذ بشرع غيره فقد أشرك بالله ودخل في دين المشركين. -نعوذ بالله تعالى من الخذلان- وقد ردّ الله تعالى زَعْمَ من زَعَمَ أنه مؤمن وهو يتحاكم إلى غير حكم الله، وهو الحكم الذي سماه الله تعالى طاغوتاً. قال تعالى: {ألم ترَ إلى الذين يَزعمونَ أنهم ءامنوا بما أُنزل إليك وما أنزل من قبلك يُريدونَ أن يتحاكموا إلى الطاغوتِ وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يُضلهم ضلال بعيداً * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزلَ الله والى الرسولِ رأيت المُنافقين يصُدون عنك صُدوداً} [النساء: 60-61]. فهذا حال من تحاكم إلى هذه القوانين الباطلة الكافرة، فما هو حال من شرعها وأوجب القضاء بها بين الناس فهو بلا شك أكثرُ معنيّ في دخوله في هذه الآيات وفي الحكم الذي قرّرَته، بل هو طاغوتٌ بنص الآية الكريمة. وعلى هذا فإن هؤلاء الحكام المبدلين لشريعة الرحمن كفارٌ مرتدون، وأن هذا التبديل هو كفرٌ بنصوص الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة، سوى من شذ من المرجئة والجهمية والمبتدعة، وقد أكثر أئمتنا رحمهم الله تعالى بيان ذلك في نصوص كثيرة يطول شرحها وبسطها وما على الباحث عن الحق إلاّ أن يدع التعصب للرجال جانباً، وأن يخلع عنه رداء الهوى والجهل، وينظر إلى هذه المسألة نظرة إنصاف وتجرد عن الشهوات والشبهات، وسيرى بفضل الله تعالى أن الحق مع سلفنا في هذه المسألة، ومن هؤلاء الإمام أحمد بن تيمية وابن القيم وابن كثير ثم من بعدهم محمد بن عبد الوهاب والشيخ أحمد شاكر ومحمود شاكر والشيخ محمد أمين الشنقيطي وغيرهم الكثير ممن تكلم في هذا الباب بعلم ومتابعة، أما الذين يحاولون ستر هذا العلم عن الناس إما بإخفائه أو تزويره وتلبيسه فستكتبُ شهادتهم ويُسألون.(1/83)
فيا أيها الأخ المسلم: إصغ بسمعك واسأل الله تعالى الهداية إلى ما اختلف فيه الناس كما كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصةً في هذا الزمان الذي صار فيه الإسلام غريباً، وصارت الأمانة مغرماً، وصار أهل الحق هم الغرباء. جعلني الله وإياك من أهل الحق والدين، دينُ أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - النبي الأمين وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين. آمين.»
أخوكم الداعي لكم بكل خير / أبو قَتادة الفلسطيني
15/3/1418هـ الموافق 20/7/1997مـ
? الشيخ محمد شاكر الشريف
قال في كتيبه "العلمانية" الذي قدّم له فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، قال بعد أن عرّف صور العلمانية: «والخلاصة: أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفرٌ بَواح لا شكّ فيها ولا ارتياب، وأنّ من آمن بأي صورة منها وقَبِلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل... والأدلة الشرعية كثيرة جِداً في بيان كفر وضلال مَن رَفَضَ شيئاً محقّقاً معلوماً أنه من دين الإسلام، ولو كان هذا الشيء يسيراً جِداً، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا مثل العلمانيين؟ من فعل ذلك فلا شك في كفره». (1)
? الشهيد -نحسبه كذلك- محمد عبد السلام فرج رحمه الله تعالى
__________
(1) العلمانية وثمارها الخبيثة صـ 18-19.(1/84)
قال في رسالته الرائعة "الجهاد: الفريضة الغائبة" تحت عنوان "المقارنة بين التتار وحكام اليوم": «واضح من قول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون} [المائدة: 50] أنه لم يفرّق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أياً من كان وبين حكم التتار، وفي الحقيقة أن كون التتار يحكمون بـ"الياسق" الذي اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فلا شك أن الياسق أقل حرمة من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا لأيّ الشرائع... أليست هذه الصفات هي نفس صفات حكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم». (1)
? الشيخ أبو عبد الفتاح علي بن حاج حفظه الله تعالى
__________
(1) الجهاد: الفريضة الغائبة؛ صـ 11-12 بتصرف.(1/85)
قال في رسالة له مخاطباً بها قاضي التحقيق الذي يحقق معه بتهمة مفادها أنه يحثّ الشعب الجزائري على مطالبة الحكومة بوجوب تحكيم الشريعة الإسلامية في الجزائر: «إعلم أيها القاضي أنه لا يَكفر من سنَّ قانوناً يُنظمُ فيه السير مثلاً أو نحوه ما لم يتعرّض له الشارع بالذكر وقانوناً يتعلق بالمسائل الدنيوية الصرفة التي تدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم - "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، أما من سنَّ قانوناً يُخالفُ الكتاب والسنة والإجماع ويصدم مقاصد الشريعة الإسلامية فلا شكّ في خروجه عن الإسلام لأن الله تعالى يقول: {أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21]... لقد وضح من خلال البيان السابق أن منصب القضاء لا يجوز أن يتولاه إلاّ من استجمع شروطاً حدّها الشارع الحكيم وفصّلها العلماء الكبار، وإن الذي يتولى القضاء وهو لم يجمع تلك الشروط فالأحكام التي يصدرها على الخلق باطلة بطلاناً لا خفاء فيه وأن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفرٌ بواح كما أن الذي يتولى منصب القضاء في دولة تحكم بغير ما أنزل الله تعالى مرتكبٌ لجريمة كبرى تصل بصاحبها إلى الكفر والعياذ بالله، وإن ما يتقاضاه من مال فهو سُحتٌ بل إنه يطعم نفسه وأهله وأولاده من الحرام، لأن الله إذا حرم شيئاً حرَّم ثمنه، وصدق الله العظيم إذ يقول: {إنما كانَ قول المؤمنين إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك همُ المُفلحونَ} [النور: 51]». (1)
? الشيخ سعيد شعبان رحمه الله
__________
(1) غاية البيان والتدقيق في إقامة الحجة على قاضي التحقيق صـ 64-65-66 باختصار.(1/86)
قال في معرض رده على فرقة الأحباش: «بالأمس سمعت على التلفاز إنساناً معمماً يقول: بأن الحكم بغير ما أنزل الله تعالى لا يُعدّ كُفراً بالله تعالى. بالله عليكم هل من إنسانٍ أجرأ على الله تعالى وعلى كتاب الله من شيخٍ معممٍ يقول بأن الحكم بغير ما أنزل الله لا يعد كفراً؟؟ ألم يقل الله تعالى في القرآن الكريم {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {فأولئك هم الظالمون} {فأولئك هم الفاسقون}. أوصافٌ ثلاثة هي أشنع أوصافٍ أنزلها الله في حكام العرب الذين يحكمون بغير ما أنزل الله وبحكام الكفر العالمي. ويأتي شيخٌ معمم لا أدري من أين اشترى عمامته ومن أين تقاضى ثمنها يكذّبُ كلام الله تعالى بكل وقاحة، ويتحدث من أجل أن يتقرب إلى حكام العرب، يريد أن يخطب ودَّهم! أتخطب ودّ الظالمين وتترك حبّ رب العالمين؟ هل أنت موفق إلى هذه الدرجة في اختيارك؟ تختار الظالمين أولياء وتترك الولي العزيز العظيم من أجل أن تتقرب إلى كفار العرب وأمريكا وإسرائيل». (1)
? الشيخ وجدي غنيم حفظه الله تعالى
قال عندما سئل عن عدم التزام الحكام بالأحكام الشرعية أن: «هؤلاء الحكام وأذنابهم هم لا يريدون الإسلام، هم علانية يحاربون كتاب الله تعالى، فها هم يحاربون كل من يدعو إلى تطبيق شرع الله وتجدهم في نفس الوقت يبيحون الزنا والخمر ويحمونهما بقانون، فهم لا يريدون الإسلام أصلاً فحسبنا الله ونعم الوكيل». (2)
? الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق حفظه الله تعالى
__________
(1) أنظر كتابنا "المقالات السنيّة في كشف ضلالات الفرقة الحبشية" صـ 168، الطبعة الأولى.
(2) أفاده في بعض أشرطته من "سلسلة سلوك المسلم" الملتزم بشرع الله تعالى وقد تكلم بكلام غير هذا ولكنه كله يدور حول هذا التلخيص.(1/87)
قال: «ولا شكّ أنّ الحدود الشرعية للجرائم المعروفة: السرقة، والقتل، والزنا، وشرب الخمر، وقطع الطريق، والإفساد في الأرض، وغير ذلك من الجرائم، هذه الحدود الشرعيّة -أعني العقوبات المقدّرة شرعاً لهذه الجرائم- أصبحت لاشتهارها من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا يكاد، بل لا يصحّ من المسلم أن يجهل ذلك. وإذا كان هذا ثابتاً ومعلوماً في الدين، فإنّ تكذيبه أو ردّه كفرٌ مخرج عن الإسلام، وهذا الحكم لا خلاف فيه بتاتاً، أعني كفر من ردّ حكماً من أحكام الله الثابتة في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، خاصّة إذا كان هذا الردّ معلّلاً بأنّ هذا التشريع لا يناسب الناس، أو لا يوافق العصر أو أنّه وحشيّة، أو غير ذلك، لأنّ حقيقة عيب التشريع هي عيب المشرّع، والذي شرّع هذا وحكم به هو الله سبحانه وتعالى، ولا يشكّ مسلم في أنّ عيب الله أو نسبة النقص أو الجهل له كفرٌ به وخروج عن ملّة الإسلام». (1)
? الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد بمصر
حفظه الله تعالى
قال: «بل في حساب الإسلام وأصول شريعته يُقدّم قتال هؤلاء الحكام المرتدين على غيرهم من الكفار الأصليين لثلاثة أسباب، الأول: أنه قتال دفع متعيّن وهو مقدّم على قتال الطلب لأن هؤلاء الحكام المرتدين عدوٌ تسلط على بلاد المسلمين... الثاني: أن المرتد أغلظ جرماً من الكافر الأصلي... الثالث: لأنهم العدو الأقرب...». (2)
__________
(1) الحدود الشرعيّة وكيف نطبّقها، صـ21، المطبعة السلفيّة بالقاهرة.
(2) أنظر كتابه "شفاء صدور المؤمنين" (وهي رسالة عن بعض معاني الجهاد في عملية إسلام آباد)، إصدار رقم (11) من إصدارات المجاهدين بمصر، صـ 23-25.(1/88)
وقال موضحاً حالات تعيّن الجهاد: «وذلك مثل ما يحدث الآن في بلاد المسلمين، فقد تغلّب على أهلها حكّام كفّار مجرمون، حكموا المسلمين بأحكام اليهود والنصارى، ووالوا أعداء الله تعالى... فهؤلاء الحكام كفّار بنصّ الكتاب والسنّة وإجماع سلف الأمّة، يجب على كلّ مسلم جهادهم باليد والمال واللسان، كلٌّ بحسب طاقته وقدرته، ولا يؤثّر في ذلك أنّهم يتسمّون بأسماء المسلمين، ويتكلّمون بلسانهم، فلا فرق في إطلاق أحكام الكفر بين من كان من الكفار الأصليين ومن ينتسب زوراً وبهتاناً إلى هذا الدين، بل كما قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى: فقد استقرّت الشريعة على أنّ عقوبة المرتدّ أشدّ من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه عدّة، فهؤلاء الحكام يجب قتالهم وقتلهم، ومن قُتِل من المسلمين في أثناء قتالهم فهو شهيد إن شاء الله تعالى». (1)
وقال أيضاً في معرض حديثه عن نظام مصر: «أن معركتنا مع هذا النظام هي معركة عقائدية يحكمها الشرع الشريف فهذا النظام نظامٌ مرتد عن الشريعة لا يحكم بها» وأضاف «أنه لا يمكن إبرام هدنة مع نظامٍ مرتدٍ كافر يجب القيام عليه وخلعه وهذا بإجماع الفقهاء، والمرتد لا يقبل منه إلاّ التوبة أو القتل». (2)
? المجاهد عبود الزمر حفظه الله تعالى
__________
(1) معالم الجهاد، العدد 1، ص27.
(2) نشر هذا القول في أغلب الصحف تحت عنوان: زعيم "تنظيم الجهاد" يرفض الهدنة، وذلك في شهر أيلول/سبتمبر 1997 مـ.(1/89)
وفك أسره من سجون الطواغيت في مصر. قال أن: «كلّ من اختار شرعاً غير شرع الله تعالى وتصوّر أنه أفضل منه أو يساويه كان كافراً بما أنزل على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، فسواء كان المنهج الذي يختاره هو الشيوعية أو الليبرالية أو أية فكرة أرضية تخالف الإسلام في قليلٍ أو كثيرٍ فكل هذه الأفكار جاهلية قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسنُ من الله حكماً لقومٍ يُوقِنُونََ} وهذا الذي قلته ليس رأياً شخصياً بل هو إجماع أهل العلم سلفاً وخلفاً فليراجع كل امرئ نفسه...». (1)
? الدكتور ناجح إبراهيم حفظه الله تعالى
وفكّ أسره من سجون طاغوت مصر، قال: «فالحكّام موالون موالاة صريحة وقبيحة للشرق أو الغرب، وكلاهما كافر، والحب كل الحب لليهود والنصارى، والعداء والحرب والكيد والمكر للإسلام وأهله، وهم في ذات الوقت تاركون الحكم بكتاب الله تعالى، مبدلون للشرع، وهم بعد كل هذا ورغم كل هذا يدّعون أنهم مسلمون وعندهم من علماء السوء من يخلع عليهم لقب "الخليفة" و"الحاكم بأمر الله"، والشعوب مأمورة بموالاة الحكام، والرضا بكفرهم والتحاكم إلى شرعهم.
والعلمانية دينٌ جديد يستشري بين الخلق ويبشر به الإعلام، ويبثّه التعليمُ في عقول الأبناء، وهذا الدين ينادي بأن المسجد لله [أي للصلاة فقط ولا يحق لك أن تربيّ الأمة من خلاله] وللحكام التشريع.». (2)
? الشيخ طلعت فؤاد قاسم المعروف بـ(أبي طلال القاسمي)
__________
(1) من كتاب "عبود الزمر: كيف قتلنا السادات" لكاتب مصري قابله في سجنه ووضع هذا العنوان على غلاف الكتاب ليس حباً بالإسلاميين ولكن لتضليل الناس، أنظر صـ 42-43.
(2) ميثاق العمل الإسلامي، صـ 29، إعداد الدكتور ناجح إبراهيم وعاصم عبد الماجد وعصام الدين دربالة، تحت إشراف الشيخ الدكتور عمر عبدالرحمن، من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.(1/90)
حفظه الله تعالى وفك أسره إن كان لم يزل حيّاً في سجون الطواغيت، وإن كان قد قتل فنسأله تعالى أن يتقبله في عداد الشهداء ويعطيه أجر الشهادة التي طالما سأل الله تعالى أن يرزقه إياها، فرحمه الله تعالى حياً وشهيداً -إن شاء الله-، ورحم الله سائر إخوانه الشهداء الذين مضوا من قبله والذين لحقوا به.
قال: «جاء في مادة 136 من الدستور المصري "يتولى الشعب سلطة التشريع" وهذا ولا شك يتناقض مع الإسلام تناقضاً واضحاً عند من عنده أدنى معرفة بهذا الدين... وهنا نقول: أن من زعم لنفسه هذا الحق إنما ينازع الله سلطانه ويخرج بزعمه هذا من دائرة الإسلام، بل يخرج معه كل من أقر له بهذا الحق،» ثم سرد بعض الآيات القرآنية المصرّحة بكفر من يتحاكم إلى غير شرع الله تعالى، ثم نقل قول الإمام الشنقيطي، فقال: «وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله عز وجل على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام وأنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلاّ من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم». (1)
? عصام الدين دربالة وعاصم عبد الماجد
__________
(1) أنظر رسالته القيّمة "الأدلة النقلية والعقلية على حرمة دخول البرلمانات التشريعية" صـ 6-7، كما صرّح في كثير من أشرطته البصرية بكفر الحكّام المبدّلين للشريعة.(1/91)
رحم الله تعالى الأستاذ عصام وفك أسر الأستاذ عاصم من سجون مصر، قالا: «أن حكام زماننا ممتنعون عن أكثر شرائع الإسلام مستبدلون بها قوانين وضعية وذلك في حد ذاته كفرٌ بواح [وأن] حال حكامنا [هو نفس] حال التتار [الذين أفتى العلماء بكفرهم] وتسمى قوانينهم بـ«الياسق العصري» وقتالهم واجب وإن لم يكن هناك إمامٌ ممكن، فالقتال دائر لنصب الإمام المسلم وتمكينه... والخروج على الإمام إذا كفر وبدل الشرع [واجب] والمسلمون آثمون إن لم يعملوا على خلعه، مهما كان الثمن، لأن فتنة علو الكافر وسيطرته لا تعلوها فتنة. وهذه هي الفتنة المأمور بالقتال لإزالتها {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39] فالحاكم الكافر المستبدل يُقاتل، ومن دافع عنه يقاتل، والطائفة التي تحوطه وتحمي شرعه ونظامه تُقاتل». (1)
وجاء في نفس المصدر أنّ: «القوانين الوضعية كفر بواح لا خفاء فيه، سواءً كانت تخالف شرع الله تعالى مخالفة تامة، أو كانت تقيم الشرع في أمور وترده في أخرى، ويحكم على النظام بالكفر إذا تبنى غير الإسلام في كل مجالاته أو جعل مع الإسلام شرع آخر، فيقيم الإسلام في مواطن والشرع الوضعي في مواطن». (2)
? الشيخ المجاهد أسامة بن لادن حفظه الله تعالى
__________
(1) القول القاطع فيمن امتنع عن الشرائع صـ 94 إعداد عصام الدين دربالة وعاصم عبد الماجد من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.
(2) المصدر السابق، صـ 110.(1/92)
وثبّته وأمد في عمره ونفع به المسلمين آمين، قال في رسالته التي وجهها إلى ملك السعودية فهد بن عبد العزيز: «إلى ملك نجد والحجاز فهد بن عبد العزيز، السلام على من اتبع الهدى... أولاً: حكمك بغير ما أنزل الله تعالى وتشريعك له، ولقد تواترت نصوص القرآن والسنة وأقوال علماء الأمة على أن كل من سوغ لنفسه أو لغيره إتباع تشريع وضعي أو قانون بشري مخالف لحكم الله تعالى فهو كافرٌ خارجٌ عن الملة.» ثم سرد أقوال العلماء في الياسق وقال: «وهل الياسق هذا إلاّ مثالٌ متقدمٌ للقوانين الوضعية التي تحكمُها أنت ونظام حكمك ومن على شاكلته من الأنظمة اليوم؟ إن تحكيم القوانين الوضعية والتحاكم إليها هو بلا شك عبادة ممن يفعل ذلك لواضع هذه القوانين واستعبادٌ من مشرِّعها لمن يتبعونه ويطيعونه في تشريعاته تلك من دون الله تعالى» إلى أن قال: «ومما هو معروف أن هنالك فرقاً جلياً بين من يرتكب كبائر من قبيل أكل الربا مع اعتقاده بحرمتها، وبين من يُشرع قوانين تُبيح تعاطي هذه الكبائر، فالذي يتعاطى الربا مثلاً وهو مُقرٌ بحرمته مرتكبٌ لكبيرة من الكبائر والعياذ بالله لكن الذي يشرع ويقنن القوانين التي تُبيح الربا فهو كافرٌ مرتدّ ولسنا بحاجة إلى تنبيه الناس إلى أبراج البنوك الربوية التي تُزاحم مآذن الحرمين الشريفين وتعمل بقوانينكم الوضعية...». (1)
? الشيخ أبو منذر الساعدي حفظه الله تعالى
__________
(1) أنظر رسالة مفتوحة إلى (..) فهد بن عبد العزيز، وهي مكونة من عشرة أوراق لخصنا هذه الفتوى من صـ1،3،4 باختصار.(1/93)
ونفعنا بعلمه، ذكر في كتابه "الخطوط العريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة" بليبيا، وفي المبحث الخامس حول الحكام العلمانيون: «نريد أن نبيّن في هذا المبحث أن عقد الإسلام لا يثبت لمن رفض أن يحكم بما أنزل الله تعالى واستبدل به غيره ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وأنه يجب خلعه وقتاله وتنصيب رجلٍ مسلم مكانه، ذلك أن الخضوع للشريعة ظاهراً يتعلق بأحد ركني الإيمان القلبي ألا وهو الانقياد، فأهل السنة والجماعة يشترطون لحصول الإيمان التصديق والانقياد خلافاً للمرجئة الذين يكتفون بالتصديق، وإنّ رفض مبدأ الخضوع للشريعة ورفض الالتزام المجمل بها يدل دلالة قاطعة على انتقاء الانقياد والمحبة القلبية، فإن انضم إلى عدم تحكيم الشريعة والاستهزاء بها أو التصريح بجمودها وعدم ملاءمتها للعصر الحاضر أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة كان ذلك زيادةً في الكفر». (1) ثم قال بعد نقله لكلام العلماء في الحاكميّة: «وفي هذه النقول والأدلة دِلالة واضحة لمن كان له قلب، على كفر الحكام المبدلين لشريعة الإسلام كفراً أكبر مخرجاً من الملة». (2)
? الشيخ أبو محمد عصام المقدسي حفظه الله تعالى
قال الشيخ بعد أن سرد الآيات القرآنية الموجبة الكفر بالطاغوت موجهاً كلامه إلى القضاة الذين يُحاكمونه وإخوانه الموحدين في الأردن:
«
__________
(1) الخطوط العريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة، صـ98.
(2) المصدر السابق، صـ112.(1/94)
فهذا حكم صريح واضح من جبّار السماوات والأرض بأن متّبع التشريعات الوضعية ولو في قضية أو مسألة واحدة أنه مشرك بالله تعالى قد اتخذ غير الله رباً وإن لم يسجد له ويصلي ويركع، وأن الطاعة في التشريع عبادة يجب توحيدها لله عزّ وجلّ ومن صرفها لغير الله تعالى فقد عبد غير الله، وإذا عرفتم هذا وظهر لكم أن من الكفر البواح والشرك الواضح المستبين اتخاذ غير الله مشرعاً سواء كان هذا المشرع عالماً أو حاكما أو نائبا أو شيخ عشيرة، وعلمتم أن الله تعالى قد حكم على الشرك في كتابه فقال: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيدا} [النساء: 48]. ثم علمتم أن المادّة «26» من دستوركم الشركي الوضعية تنصُ على [أن] السلطة التشريعية تُناط بالملك وأعضاء مجلس الأمة، وعرفتم أن كل من قبل بمثل هذا الدين المُحدَث والكفر البواح والمناقض لدين الله تعالى وتوحيده أنه قد اتّخذ هؤلاء المُشرعين أرباباً من دون الله تعالى أشركهم مع الله تعالى في عبادته... ها نحن ندعوكم اليوم إلى أن تتبرّءوا منها اليوم قبل أن تندموا حين لا ينفع الندم، فيومها لن ينفعكم -يا معشر القضاة- استئنافٌ أو محامي أو وكيل أو كفيل إن كانت جريمتكم هذا الشرك العظيم، وهذا الجرم لا يشمله عفوٌ ولا تمييز {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويَغفرُ ما دون ذلك}» حتى قال: «أنتم تحاكموننا باسم مليككم وتحاكموننا إلى قوانينكم الشركية، ونحن لا نحاكمكم إلاّ باسم الله والى شرع الله تعالى». (1)
? الأستاذ هاني السباعي حفظه الله تعالى
__________
(1) أنظر رسالة الشيخ إلى قضاة المحكمة، والتي نشرتها مجلة "المنهاج" الإسلامية في عددها الثاني تحت عنوان "محاكمة محكمة أمن الدولة وقضاتها إلى شرع الله" وقد أخذنا من هذا المقال هذه الفتوى بتصرف، فالتراجع بكاملها فإنها نفيسة جداً.(1/95)
قال في رسالة خاصّة: «إنّ حاكميّة الله نقيض العلمانيّة.. فوجود أحدهما يعني غياب الآخر.. ولن ننخدع بمنهج التلفيق والتعايش.. فالحكم بما أنزل الله دين.. والعلمانيّة دين.. ولا يجتمع دينان في قلب وحياة المسلم.. فحاكميّة الله تعني الحياة بالنسبة للمسلم.. كما أنّ العلمانيّة تعني الحياة بالنسبة لدعاتها ومروّجيها..
إنّ العلمانيّة ليست شعاراً أجوف أو سفسطة جدليّة محضة، بل إنّها حقيقة واقعيّة، ضاربة جذورها في كافّة المناحي الحياتيّة في حياة أمّتنا العربية والإسلاميّة.. ورغم حدثاتها نسبيّاً فقط أزاحت حاكميّة الله عن سُدّة الحكم.. فهناك علمانيّة حاكمة متسلّطة: وهي أظهر أنواع العلمنة، ونراها شاخصة في كلّ الأنظمة العربية والمسمّاة إسلاميّة.. سواء تسربلت بالنظام الجمهوري أو الملكيّ أو الإماراتيّ..
وهناك علمانيّة فكريّة: وهي أخطر أنواع العلمنة، إذ أنّها هي التي تؤصّل وتقعّد للسلطة الحاكمة، ولها منابر كثيرة إعلاميّة وثقافيّة (إذاعة، تلفاز، مجلاّت، صحف، نقابات، معارض، دور سينما، مسارح، مؤلّفات، ومراجع...إلخ).
وللأسف الشديد.. فإنّ العلمانيّة قد أحاطت بحياتنا.. وهي أخطر عقبة تواجه المسلمين كي لا يستردّوا حقّهم المغتصب..
لذا فاجتثاث جذور هذه الشجرة الخبيثة من حياتنا ونفيها في مقبرة اللاعودة.. ضرورة شرعيّة».
? الشيخ الدكتور محمد محمود أبو رحيم حفظه الله تعالى(1/96)
قال في رده على صاحب كتاب "التحذير من فتنة التكفير" وهو علي الحلبي المعروف بولائه لكلّ طاغوت مبدّل للشريعة وعدائه لكلّ من عاداهم: «...أن من اعتقد عدم وجوب الحكم بما أنزل الله مع علمه، كافٍ للدلالة على كفره، ولو لم يستحلّ الحكم بغير ما أنزل الله بل ولو حكم بما أنزل الله، [وأن] من استحل الحكم بغير ما أنزل الله مع علمه كاف للدلالة على كفره ولو اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله ولأن منتهى هذه البدعة، [بدعة مرجئة هذا العصر وهي] "معرفة واعتقاد ثم استحلال= كفر وإلا فلا" [هذا الحكم فيه] إلغاء للتكفير المشروع من سجل المسلمين وإذا لم يكن هذا إرجاءً فماذا يكون؟». (1)
? الشيخ عبدالحكيم حسّان (أبو عمرو) حفظه الله تعالى
قال في الجزء الثالث من كتابه "التبيان في أهمّ مسائل الكفر والإيمان" والذي يعالج موضوع الحاكميّة: «حكم الله تعالى على من شرّع للناس أحكاماً لم يأذن بها الله تعالى -وما أكثرهم- أنّهم كفّار فقد نصّبوا أنفسهم آلهة مع الله تعالى، وأنّ من سوّغ لهم ذلك قد اتّخذهم شركاء مع الله كذلك، وفي هذا بيان لا تأويل له على كفر من نصّب نفسه مشرّعاً للأحكام من دون الله تعالى أو دعا الناس إلى أن يقبلوا تشريعه المخالف للوحي السماوي...
والخروج عن الشرع هو بعدم الالتزام بأحكامه وهو كفر، فكيف بمن شرّع ما يضاد أحكامه والتزم الحكم بها بين الناس، بل وألزم الناس بها وعاقب من خرج عليها؟ لا شكّ أنّه كافر كافر.» (2)
? الشيخ محمود عبدالمجيد( أبو حاتم) حفظه الله تعالى
__________
(1) حقيقة الخلاف بين السلفيّة الشرعيّة وأدعيائها في مسائل الإيمان، صـ87-88، الطبعة الثانية.
(2) التبيان في أهم مسائل الكفر والإيمان، جـ3، صـ538-539.(1/97)
قال إنّ: «هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ليسوا من المسلمين... ومن أعظم السبيل الذي نفته الآية [وهي قوله تعالى {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}] أن يكون هؤلاء الكفّار حكّاماً على المسلمين... إعلم يا أخي أنّ جهاد هؤلاء الحكّام المرتدين فرض عين على كلّ مسلم من أهل هذه البلاد المحكومة بغير شريعة الإسلام، وذلك لأنّ هؤلاء الحكّام عدو كافر حلّ بعقر بلاد المسلمين وهذا من مواضع وجوب الجهاد العيني» . (1)
? الأستاذ أبو عبدالله الصادق أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا
قال حفظه الله تعالى في رسالته الموجهة إلى علماء أهل السنة في بقاع الأرض: «...إنها مزيدٌ من التباس أمر هؤلاء الحكام الخونة الذين ارتدوا عن الإسلام وخانوا الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وباعوا دين المسلمين ومقدّساتهم بأبخس الأثمان، إنها مزيد من تعطيل شرائع الإسلام على أيدي طوائف الردة في بلاد المسلمين وقد اتفقت الأمة على وجوب قتال هؤلاء الطوائف حتى يكون الدين كله لله... لا أدري كيف التبس عليكم أمر هؤلاء الطواغيت الحاكمين لبلاد المسلمين، كيف اشتبه عليكم أمر هؤلاء الخونة المرتدين، كيف اختلط أمرهم عليكم وهم وقود الفتنة وأعداء الحق وأتباع الغي وناشرو الكفر والإلحاد، كيف وهم الذين نحّوا شرع الله تعالى عن الحكم واستبدلوه بقوانين أرضية كفرية مقيتة، كيف وهم دعاة الإباحية والانحلال ومسوغو الفجور والعصيان، كيف وهم أعداء العلماء النابهين والدعاة الصادقين، كيف وهم أعداء المؤمنين الموحدين وأولياء اليهود والنصارى وعبدة البقر والمرتدين وجميع طوائف الملحدين، كيف وهم المستأسدون على أهل الإسلام...». (2)
? الشيخ محمد بن محمد الفزّازي المغربي حفظه الله تعالى
__________
(1) الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعوة والدعاة، صـ15-19 باختصار.
(2) مجلة "الفجر" العدد 26، صـ17-19، بتصرّف.(1/98)
قال في كتابه النفيس "نظرات في السياسة الشرعيّة" تحت عنوان "الكفر قاسم مشتَرك بين جلّ الأحزاب": «إن الكُفر هو الفكر المشترك بين هذه الأحزاب، وهو وقود المعترك فيما بينها، وهي تتنافس فيه وتتسابق به وعليه، منشرحة به صدورها، فرحة بما لديها {كُلُّ حِزْبٍ بما لديهم فرحون} [المؤمنون: 53] منكرة لما عند غيرها {ومن الأحزاب من ينكر بعضَهُ} [الرعد: 36] بل هي منكرة لما عند الله. وها هي ذي صحفها وأبواقها ومنابرها، تلهث حَنَقاً وحقداً ونَزَقاً على شريعة الله تعالى والداعين إليها، وتسمّيهم بالرجعيّين والظلاميّين... لأنّهم في نظرها يحملون فكرة رجعيّة وظلاميّة، ويدعون إلى مجتمع رجعيّ وظلاميّ وهكذا. والغريب أنّهم يحسبون أنفسهم مسلمين. وما هم إلاّ حطب جهنّم، لو كانوا يعلمون، إلا أن يتوبوا {ومنْ يكفُر به من الأحزابِ فالنّار مَوْعِدُه} [هود: 17].
نعم. النار موعده -مهما صلّى وصام وزعم أنّه مسلم- ما دامت الشريعة الإسلامية في نظره ظلاماً، وأهلها ظلاميين، أو رجعية وأهلها رجعيّين. وما دام كما هو يناضل بكلّ ما يملك حتّى لا يحكم الله تعالى، وهو خير الحاكمين، وحتى تظلّ الجاهلية سائدة قائدة... {ألم تَرَ إلى الذين يزعُمُون أنّهم آمنوا بما أُنزِل إليك وما أُنزِلَ من قبلِك يُريدونَ أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويُريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسولِ رأيت المنافقين يصدُّون عنك صُدوداً} [النساء: 60،61].(1/99)
إنّ الملخّص العام للواقع السياسي لدى الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي، أنّ القوم أرادوها جاهلية عوجاً، ومنهجاً لججاً، وبرهنوا دوماً على أنّهم لا يوقنون، وابتغوا حكم الجهل والجاهليّة {أفحُكْمَ الجاهلية يبغون، ومن أحسَن من الله حُكماً لقومٍ يوقنون} [المائدة: 50]...» (1)
وقال أيضاً في موضع آخر: «نعم، تعرف بعض القطاعات عمليات تعريب محتشمة، لا تزال حتّى الآن دون أهمّية تذكر، باستثناء سلك القضاء الذي عرف تعريباً كاملاً في أكثر البلاد الإسلامية، لكن على مستوى اللغة والمصطلحات فقط، لا على مستوى التشريع والمسطرة. وهذا قاسم مشترك لدول المعمور كلّها، بما في ذلك أرض الوحي ومهبط الرسالات. أقصد مسألة التشريع بغير ما أنزل الله، والحكم بتلك التشريعات الكفريّة. ولا يهمّ في هذا الأمر التفاوت في النسبة بين قطر وآخر، إذ من كفر بشريعة واحدة، فقد كفر بالكلّ اتّفاقاً». (2)
? الشيخ محمد عبد الهادي المصري حفظه الله تعالى
__________
(1) نظرات في السياسة الشرعيّة - الشورى المفترى عليها والديمقراطية مع مناقشة الشيخ يوسف القرضاوي حول الشورى والديمقراطيّة، ص18، 30و31.
(2) المصدر السابق صـ18.(1/100)
قال: «إن العلمانية -باختصار- نظامٌ طاغوتي جاهلي كافر، يتنافى ويتعارض تماماً مع شهادة "لا إله إلاّ الله" سواءٌ على مستوى الجماعات أو الأفراد الذين يتبنون هذا المنهج، إن العلمانية تعني -بداهة- الحكم بغير ما أنزل الله تعالى وتحكيم غير شريعة الله تعالى وقبول الحكم والتشريع والطاعة والإتباع من طواغيت أخرى من دون الله تعالى، فهذا معنى قيام الحياة على غير الدين، ومن ثَمَّ فهي -بالبديهة أيضاً- نظامٌ جاهلي لا مكان لمعتقده ولا لنظامه ولا لشرائعه في دائرة الإسلام بل هو كافرٌ بنص القرآن الكريم قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الكافرون}» ثم قال: «إن العلمانية التي ولدت وترعرعت في أحضان الجاهلية لهي كفرٌ بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا التباس». (1)
? الأستاذ الداعية مرشد بن عبد العزيز بن سليمان النجدي
(أبو البراء)
__________
(1) أنظر كتابه "معالمُ الإنطلاقةُ الكبرى عند أهل السنة والجماعة" صـ 210.(1/101)
قال حفظه الله تعالى مبيناً حال حكام آل سعود أنهم: «...قد ولجوا وبكل فخرٍ أبواباً شتى من الكفر والزندقة والمحادة لله بتشريع ما لم يأذن به الله والتحاكم إليه ... فمن المعلوم في الشريعة أن السارق تقطع يده عسكرياً كان أم مدنياً أما في دولة أمير المؤمنين؟؟؟-زعموا- فلا يمشي هذا عندهم، لذلك شرّعوا قوانين خاصة للسرقة بين العسكريين، تستبدل حدّ السرقة بالسجن تماماً كما هو حاصل في الدول الأخرى التي تجاهر وتعلن بتحكيم القوانين... قال تعالى {أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}... فالتحاكم إلى الطاغوت في أي شأن من الشؤون مناقض للإيمان بالله وكتبه لأن الله كذّب إيمان مريد التحاكم [إلى غيره] وسماه زعماً فكيف بالمشرع المقنن نفسه الذي يسن هذه المراسيم والأنظمة؟ أنصدق قوله وقول مشايخه أنه مؤمن بالله محبٌ لكتابه وحكمه أم نصدق فيه حكم ربّ العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟؟ والى أمثلة أخرى من هذه الهيئات الكفرية وقوانينها الوضعية...». (1)
? الشيخ الدكتور صلاح الصاوي حفظه الله تعالى
قال: «إنّ هذا الذي ذكرناه من أنّ تحكيم الشريعة شرط في ثبوت عقد الإسلام، وأنه لا يتحقق الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً إلاّ بالانقياد لشريعة الله والإقرار بجميع ما أنزل الله تصديقاً وانقياداً وأن من ترك شيئاً من ذلك فقد كفر، هو من الحقائق المعلومة بالضرورة من الدين وقد انعقد عليها إجماع المسلمين جيلاً بعد جيل، ولا يزال أهل العلم قديما وحديثاً ينصُّون عليها في عقائدهم، ويبيّنونها في مصنّفاتهم لا يُعرف في ذلك مخالف على مدى هذه القرون المتعاقبة». (2)
__________
(1) أنظر كتابه القيم المسمى "الكواشفُ الجلية في كُفرِ الدولة السعودية" صـ43-44-45-47 باختصار.
(2) "تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين" للصاوي ص31.(1/102)
وقال كذلك في بحث آخر: «فمن امتنع عن التزام الحكم بشرائع الإسلام، وتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله، وشرع للناس من الأحكام ما لم يأذن به الله فإنّه يكون مستجيزاً مخالفة حكم الله، مستحلاًّ للحكم بغير ما أنزل الله، وتكفيره معلوم بالاضطرار من دين الإسلام.
ولا شكّ أنّ من أقدم على نقض أحكام الله وتبديل شرائعه، وأحلّ أهواء البشر محلّها طائعاً مختاراً، وسنّ للأمّة بذلك نظماً ثابتة، وأزلمها بالحكم بها والتحاكم إليها فإنّه مشرك بالله العظيم كافر بربوبيّته وألوهيّته». (1)
? الشيخ علي عبدالله الطنطاوي رحمه الله تعالى
قال في ردّه على أحد القوانين الوضعيّة المتعلّقة بالزواج: «وبادئ ذي بدء نقرّر بأنّ هذا النص يتناقض تماماً مع أحكام الشريعة الإسلاميّة، ذلك أنّ النص أوقف آثار الطلاق على علم الزوجة به، وحدّد هذا العلم بحضورها إيقاعه أمام المأذون أو إعلانها به على يد محضر في حين أنّ الطلاق شرعاً يقع بمجرّد صدور ألفاظه وينتج كافّة آثاره ويترتّب على ذلك أنّه لو طلّق الزوج زوجته في حضورها وليس أمام الموثق وتجنّبها خلال فترة العدّة فإنّها تصبح شرعاً أجنبيّة عنه محرّمة عليه بينما يعتبر القانون علاقة الزوجيّة ما زالت قائمة وبالتالي يُحِلُّ الزوجة لمطلّقها ويضحي المشرّع الوضعيّ قد حرّم ما أحلّه الله وحلّل ما حرّمه الله إذ لو أرادت الزوجة في هذه الحالة أن تتزوّج غير مطلّقها حلّ لها ذلك شرعاً وحرم عليها قانوناً فلو عقدت زواجها على أحد عوقبت والزوج الجديد بعقوبتي التزوير والزنا.
وفضلاً عن أنّ هذا النصّ يحلّ حراماً ويحرّم حلالاً فإنّ مساوئه تمتدّ ثانياً إلى العلاقات الماليّة في الجانب الأُسَري، فلو مات أيٌّ من الزوجين قبل إعلان الزوج زوجته بوثيقة الطلاق فإنّ الآخر يرث فيه قانوناً في الوقت الذي لا يحقّ له الإرث فيه شرعاً.
__________
(1) أنظر كتابه: فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله، صـ68-69.(1/103)
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، وإنّما يتعدّاه ثالثاً إلى النسب، فلو حملت المطلّقة في هذه الفترة سفاحاً نسب الولد إلى المطلّق قانوناً وهو منه براء شرعاً، وأخيراً يفتح القانون لصغار النفوس مدخلاً قويّاً للكيد واللجج في الخصومة إذ يستطيع الزوج أن يترك مطلّقته معلّقة لا هي زوجة ولا مطلّقة قانوناً». (1)
? الدكتور عدنان علي رضا النحوي حفظه الله تعالى
قال: «قال تعالى {ولئن سألتهم من نزّل من السماء ماءً فأحيا به الأرضَ بعد مَوْتِها ليَقولُنَّ الله قُل الحمدُ لله بل أكثَرُهُم لا يعلَمونَ} [العنكبوت: 63]. إنّ اعتراف هؤلاء المشركين بانّ الله هو خالق السموات والأرض وهو الذي نزّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها، وهو الذي سخّر الشمس والقمر، هذا كلّه كافياً في ميزان الإيمان ليكونوا من المسلمين أو المؤمنين. ذلك أنّهما كانوا يؤمنون مع هذا الاعتقاد بشركاء وكانوا لا يؤمنون بجميع أسماء الله الحسنى، فبطل إيمانهم وصاروا من المشركين.
وفي واقع المسلمين اليوم، تظهر بعض نواحي هذا الخلل والاضطراب من بين الصلاة والصيام، حتّى أصبح من الواجب على المسلم أن يراجع نفسه ليرى حقيقة إيمانه. فربّما غلبت بعض العادات والأعراف عند بعض الناس على قواعد الإيمان والتوحيد. وربّما استهان بعضهم بمخالفة أحكام الإسلام ونصوصه اتّباعاً لهواهم، ثمّ سوَّغوا ذلك بضلالات وأعذار لا يخدعون بها إلا أنفسهم، بعد اضطراب تصوّر الألوهيّة والربوبيّة لديهم، واضطراب تصوّر عبوديّتهم لله ربّهم وخالقهم.
__________
(1) الأسرة بين الشرع والقانون، صـ92.(1/104)
لقد اضطرب جوهر التصوّر لعبوديّة الإنسان لربّه وخالقه وغاب المعنى الحقّ للاستسلام والانقياد لله ربّ العالمين. لقد غاب جوهر التصوّر عن العاطفة والشعور والفكر، وعن الممارسة والتطبيق. فقد تجد بعض الناس يسألون السؤال التالي: لماذا خلق الله هذا أو ذاك؟ ولماذا فعل هذا أو ذاك؟ كأنّهم يريدون أن يحاسبوا الله، تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً. وقد تجد المرأة أو الرجل يستهين بأمر الله، ويسلك خلال ما يأمره الله، ويشرّع من عند نفسه شرعاً يضادّ شرع الله، ثمّ تجد بعد ذلك الأتباع يصفّقون لكلّ ناعق. لقد عمّ الاضطراب في تصوّر حقيقة الألوهيّة والربوبيّة وحقيقة عبوديّة الإنسان لله ربّ العالمين، حتّى استكبر الكثيرون وكانوا مجرمين. ولقد كان الجهل سبباً رئيساً لهذا الاضطراب مع عوامل أخرى كثيرة داخلية وخارجيّة، ولكنّها لا تعفي الإنسان من مسؤوليّته يوم القيامة، يوم لا يغني مولىً عن مولى شيئاً». (1)
? الدكتور أحمد العسّال
قال: «وكانت قمّة المأساة في هذا التدهور الذي أصاب الأمّة أن أحيط بالشريعة في عرينها، وحيل بينها وبين أتباعها وذلك من طريقين:
الأوّل: الجمود وتوقّف الاجتهاد وذلك حينما عمد الأتراك بعد تأسيس الدولة العثمانيّة إلى جمع شروح المذهب الحنفي وتعليقات أشهر علمائه وتعديلها بشكل نهائي لا يتغيّر ولا يتبدّل، وصنّفت في كتابين هما: "كتاب اللآلئ" و"مجمع البحار"، وكان هذا الإجراء من أخطر الإجراءات التي كرّست ركود الفقه وعدم قدرته على استيعاب الظروف المتغيّرة والطارئة والتي تحتاج اجتهاداً مستمرّاً وتجديداً دائماً لإمداد نهر الحياة المتدفّق برحيق الشريعة وخيرها.
__________
(1) أضواء على طريق النجاة، صـ 50.(1/105)
الثاني: ونتيجة لمناخ التضعضع والضعف وتحت ضغط القوى الغربية الاستعماريّة، فقد غُلبت الدولة على أمرها، وأفسحت المجال لدخول القوانين الوضعيّة كي تعمل على إدارة التغيير الاجتماعي في الاتّجاه التغريبي.. وكان هذا قمّة العجز والهوان، فكان أن صدر قانون الجزاء المبنيّ على القانون الفرنسي في سنة 1840م، وفي سنة 1850م صدر قانون التجارة، وفي سنة 1861م أُنشِئت محاكم تجاريّة لتنفيذ أحكام هذا القانون، وامتدّ السيل وأُخذت معظم البلاد العربية الخاضعة للحكم العثماني بهذه القوانين الأوروبيّة، وبذلك وصل الضغط السياسي الغربي على الدولة العثمانيّة غايته، فها هو يدير دفّة التغيير من خلال المؤسّسات المؤثّرة في بنيان المجتمع، وظلّت عمليّة محاصرة الشريعة دائبة ومستمرّة في اتّجاه تقليمها بقيّة القرن التاسع عشر والربع الأوّل من القرن العشرين إلى أن ظفر الغرب بإكمال غزوته على يد مصطفى كمال أتاتورك بإقدامه على جريمته الشنعاء بإعلان علمانيّة تركيا بالحديد والنّار، وقطعها عن الإسلام والمسلمين على نحو ما هو معروف ومشهور، وما زال الشعب التركيّ المسلم يرزخ تحت وطأة هذه الجريمة النكراء، ويقدّم التضحيات تلو التضحيات، ولا يترك له أبسط مبادئ حقوق الإنسان في ممارسة آداب عقيدته وشريعته ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
وبذلك أصبح التيّار العلمانيّ في كثير من بلاد العالم الإسلامي يقبض على قمّة السلطة، ويوجّه دفّتها ويحاول بدهاء وخبث عجيبين الحيلولة دون عودة الأمّة الإسلاميّة إلى حياض الشريعة الفيّاضة والتمتّع بعدلها الوارف، وما المحاولات المستمرّة في اتّجاه تقليص المحاكم الشرعيّة وقانون الأسرة عنّا ببعيد.(1/106)
لقد أفرز هذا التوجّه العلماني أن صارت كلّيات الحقوق والمتخرّجون فيها هم سدنة القوانين وأهل التشريع والرأي، واستبحرت أبحاثهم وازدهرت جمعيّات القوانين الوضعيّة بينهم، واتّصلت حبالهم بمراكز التوجيه والرأي في أمّهات البلاد التي أخذت عنها القوانين الوضعيّة مثل فرنسا وإنجلترا، وصاروا غدّائين روّاحين على هذه البلاد يستقون من نبعها ويحاكون مؤسّساتها ويحتكمون إلى مجموعات القوانين التي تصدر من حين لآخر عندهم». (1)
? الأستاذ إبراهيم العسعس حفظه الله تعالى
قال: «إنّ الانتساب لهذا الدين لا يتحقّق إلاّ بالكفر بالطاغوت، وإنّ رأس الطواغيت من يحكم بغير ما أنزل الله... [إنّ هذه المسألة] أعظم شرك في هذا العصر... انّ توحيد الإلاهيّة هو أصل عقيدة الإسلام، وانّ الدعوة إليه هي الواجب الأوّل والأهمّ، وبه تُعالَج انحرافات الخلق. وكما عارض به ابنُ تيميّة وابن عبدالوهّاب شرك القبور، علينا أن نرفض به شرك القصور... إنّ بدعة هذا العصر الكبرى هي الحكم بغير ما أنزل الله، وإنّ الشرك الأكبر في هذا العصر هو شرك الحاكميّة. إنّ مقياس العقيدة النقيّة، و"السلفيّة" الصحيحة، توحيد الإلاهيّة، وتوحيد الإلاهيّة هو توحيد الطاعة والاتّباع والخضوع... بهذا التوحيد نَمتَحن، وبه نوالي وبه نعادي. وإنّ الحكم بشريعة ربّ الأنام، هو الذي ينبغي أن يكون شعاراً لأهل السنّة، وفارقاً لهم عن أهلِ البدع الذين يهوّنون من شأنِ هذه القضيّة الخطيرة!». (2)
? الشيخ محمّد مصطفى المقرئ (أبو إيثار) حفظه الله تعالى
__________
(1) سلسلة نحو جيل مسلم، كتاب: دور الجامعات الإسلاميّة في تطبيق الشريعة في المجتمعات المسلمة، صـ14-19 باختصار.
(2) السلف والسلفيّون، طبعة ثانية من صفحة 57 إلى 62 بتصرّف.(1/107)
قال: «...فمقتضى شهادة التوحيد: أن يُسلم المسلم بالحاكميّة لله وحده وبمرجعيّة شريعته دون غيرها أيّاً كانت... والذي نحن فيه ها هنا: حاكم تارك لحكم الله داخل في غيره، يبتغي الحكم عند أرباب الجاهلية وقد انعقدت إراداته، وتواطأت سلطته، تصريحاً وتنفيذاً على التحاكم إلى طواغيت الحكم، وليس وراء ترك حكم الله سوى التحاكم إلى الطاغوت، وابتغاء حكم الجاهليّة كما قال تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يُوقِنُونَ} [سورة المائدة: 50]... هذا التارك: نابذٌ للحق فاعل للباطل، خارج من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله داخل في تأليه الطاغوت... فإن هو بدّل ولو في حكم واحد، مع كون الأصل عنده حكم الله فقد كفر وأشرك. وكفره وشركه هو من جهة تشريعه من دون الله، ومنح نفسه خصيصة هي من أخصّ (1) خصائص الإلاهيّة، ولأنّه -بتبديله هذا- دلّل على عدم رضاه بحكم الله، وأنّه لا يسلم بصحّته وأحقّيته. وكذا إن استحلّ ترك حكم الله ولو في واقعة، أو جحد حكم الله ولو في مسألة...
__________
(1) «إنّ ألوهيّة الربّ علىعبيده لُبُّها وجوهرها هو حبّ العبد وخوفه منه، فهما أخصّ خصائص التألُّه، فلا قيام للعبوديّة إلاّ بهذين الأمرين، ثمّ ما كان من مقتضيات هذا التعبّد من الطاعة والانقياد والالتزام بالشرائع إنّما قيامها بالعبد لوجود حبّ الله تعالى والخوف منه، فإذا أراد سيّد رحمه الله أن لا عبادة إلاّ بالتزام الأمر فقد أصاب، وإن أراد أنَّ إلتزام الأمر هو أصل التعبُّد ومُنْشِؤُه فلم يصب، إذ أصل العبادة هو الحبّ والخوف وبهما ينشأ التزام الأمر وامتثاله وعدم قلب الأمر بوضع النتيجة مكان الأصل له أهمّيته في تربية المسلم على طريقة تربية الصحابة - رضي الله عنهم - . هذا والله أعلم.» أفاده الشيخ أبي قتادة الفلسطيني حفظه الله تعالى وأمدّ في عمره في أشرطة دورة التوحيد وهي شرح العقيدة الطحاويّة.(1/108)
» وفي ردّه على مرجئة العصر الذين يردّون كفر الحكّام ببعض الشبه يقول الشيخ: «أولم يكفهم تنحية هؤلاءّ الحكّام لشريعة الله وإحلالهم قوانين الضلال محلّها، وهذه الحرب المعلنة والخفيّة -على الشريعة ودعاتها- التي لا تتوقّف رحاها، أليس ذلك أشنع من الجحد المحض الذي هو مجرّد اعتقاد قلبي لا يتبعه عمل ولا غيره؟؟ وكذلك استحلال الحكم بغير ما أنزل الله: كما أنّه يكون صريحاً، كذلك يكون ضمنيّاً، إذ يعتبرون شرائع أخرى غير الشريعة الإسلامية من المصادر الشرعية التي يستقون منها قوانينهم. فأقلّ ما يقال: إنّهم أباحوا الأخذ عن مصادر أخرى وأحلّوا التشريع والحكم لغير الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقد يكون استحلالهم للحكم بغير ما أنزل الله بغير لفظ الحلّ أو الإباحة ولكن يرون أنّ هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنّة... وإذا تبّين لك هذا، فإنّ الحاكم المستبدل كافر كفراً أكبر مخرجاً له من الملّة غير مأسيّ عليه ولا كرامة، وذلك لوجوه من التكفير على قواعد أهل السنّة ذكرتها في مواضع من كتبي، واقتصرت هنا على خمسة منها فقط وإنّي مذكّرك بها مجموعةً ها هنا:
- الوجه الأوّل: أنّ التشريع هو من أخصّ (1) خصائص الإلاهيّة، فمن منح نفسه أو غيره هذا الحقّ فقد جعل نفسه أو ذلك الغير ندّاً لله ربّ العالمين.
- الوجه الثاني: تحليل ما حرّم الله وتحريم ما أحلّ، وهذا وجه في التكفير لا ينكره إلا جاهل أو مكابر.
- الوجه الثالث: أنّ المبدّل شاكّ في أفضليّة حكم الله، مستحسن حكم غيره مقدّم لآرائه أو لآراء ذلك الغير بين يدي الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، مستقبل تشريع المخلوقين، مستدبر تشريع أحسن الخالقين.
- الوجه الرابع: أنّ الشرك في التشريع مناقض للتوحيد كلّه، لأنّه يقتضي جحد ربوبيّة الله، ومنازعته سبحانه في ألوهيّته، ومضاهاة بعض خلقه به في أسمائه وصفاته.
__________
(1) نبّهنا على هذه العبارة في الهامش السابق.(1/109)
- الوجه الخامس: أنّه لا يسع المخلوق -وإن ملكاً مقرّباً، أو نبيّاً مرسلاً- أن يخالف وحي الله... وبهذا البيان يتمّ المراد، والحمد لله ربّ العالمين.»
إختصرتُ هذه الفتوى من رسالة خاصّة بعنوان: «الحكم بغير ما أنزل الله بين الترك والتبديل».
? الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة (أبو بصير) حفظه الله تعالى(1/110)
قال في ردّه على أهل الإرجاء الذين يزعمون أن طاعة هؤلاء الطغاة واجبة لأنهم ولاة أمور المسلمين أن : «ولاة الأمور الذين تجب طاعتهم في المعروف هم الولاة الذين يحكمون الأمة بالكتاب والسنة ويوالون المؤمنين ويعادون الكافرين، ويجاهدون في سبيل الله تعالى، أما هؤلاء الطواغيت الذين تصفونهم بأنهم ولاة المسلمين فقد استبدلوا شرع الله بشرائع الكفر وتحاكموا إليها وحكموا بها وفرضوها على شعوبهم بعد أن زيّنوها في أعينهم ووالوا الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وعادوا المؤمنين والدعاة إلى الله منهم خاصة، وعطلوا الجهاد في سبيل الله ووصفوه بالإرهاب والعنف تنفيراً للناس عنه، وهم إضافة إلى ذلك قد حسّنوا الفواحش والمنكرات في أعين الناس وزينوها وسنّوا لها القوانين التي تحميها وشجعوا النساء -أداتهم في إغواء العباد- على التّبرُج والتمرد على أحكام الدين، وفرقوا الأمة بل القطر الواحد إلى ولاءات وأحزاب علمانية كافرة متناحرة متنافرة لها كامل الحرية في الحركة والعمل بين العباد وفي البلاد باسم الدّيمقراطية كما زعموا، ويجوز لهذه الأحزاب الكافرة ما لا يجوز للدعاة إلى الله تعالى، ولو أردنا أن نستقصي مخازيهم وكفرهم لوجدناهم مُتلبّسين بجميع نواقض الإيمان التي تُخرج صاحبها من الملة، فكيف يحسن بكم أن تصفوا حكاماً هذه أقلُّ صفاتهم بأنهم ولاة تجب طاعتهم، والله تعالى يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}... ثمّ قضيتنا ليست قضية حكّام يظهر منهم بعض الفجور والفسوق، وإنما حكامٌ ظهر منهم الكفر البواح الذي لا ينبغي أن يختلف عليه اثنان...». (1)
__________
(1) أنظر مجلة "المنهاج" الاسلامية، العدد الثالث صـ 90-91 فليراجع الحوار بأكمله لفائدته.(1/111)
وقال كذلك تحت عنوان "فصل القول فيمن يحكم بغير ما أنزل الله": «نحن إذ نتكلّم -في بحثنا هذا- عن طغيان الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، وعن حكم الشرع فيه... نريد ذاك الحاكم الذي استحلّ -بلسان الحال والعمل وهو أقوى من لسان المقال- الحكمَ بغير ما أنزل الله...
وفيه نقول: قد اجتمعت أدلّة الكتاب والسنّة، وجميع أقوال علماء الأمّة المعتبرين -بما لا يدع مجالاً للشكّ والتوقّف أو التردّد- على كفره كفراً بواحاً ظاهراً، لا يتوقّف في تكفيره إلاّ كلّ مرجف مغفّل، أو جاهل أعمى البصر والبصيرة». (1)
? الشيخ محمد بوالنيت (المغربي) حفظه الله تعالى
قال: «إنّ مجرّد تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، أو تسويغ التحاكم إلى غير شرع الله تعالى أو عدم الالتزام بالتحاكم إلى شرع الله تعالى، أو تبديله بغيره كفر، لأنّ التبديل استحلالٌ بنفسه، فاحفظ هذا تنجُ من شبه الإرجاء والمرجئة». (2)
? الدكتور محمّد المسعري حفظه الله تعالى
قال: «ولاية الفاسق ساقطة شرعاً، فلا تجوز توليته ابتداءً، وإذا طرأ عليه الفسق بعد ذلك وجب عزله بالطريقة الشرعيّة المعتبرة... ومن المعلوم أنّ جميع رؤساء الدول في العالم الإسلامي اليوم -في العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري- فسقةٌ مجرمون، يعصون الله ولا يطيعونه، لكونهم يحكمون بأحكام الكفر، ولا يطبّقون أحكام الإسلام، فهؤلاء الرؤساء كلّهم لا طاعة لهم قطعاً». (3)
? الأستاذ يوسف العظم
__________
(1) الطاغوت للشيخ أبي بصير، صـ82-83.
(2) عقيدة السلفيين في ميزان أهل السنّة والجماعة، هامش صفحة 102.
(3) طاعة أولي الأمر: حدودها وقيودها، صـ52، الطبعة الأولى.(1/112)
قال معلقاً على كلام الحافظ ابن كثير الذي مرّ معنا: «ألا يصوّر هذا واقع ديار الإسلام اليوم، فكم من ياسق فيها وكم من جنكيز خان فيها حيث وضع كل قائد شرعة واتخذ كل بلد ميثاقاً يحتكم إليه بدل القرآن... أليس هذا هو الضلال بعينه الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى». (1)
? الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله تعالى
قال بعد أن بيّن مدح الأحباش للحكام الكفرة: «ما أسعد العلمانيين بهذا الكلام وكم يحتاجون إلى مثل هذه الفتاوى التي لا تفيد إلاّ تعزيز حكم العلمانية بدل القرآن وتُمكّنهم من رقاب المسلمين، نعم لقد بدأ يظهر السبب الذي أنشئت هذه الطائفة من أجله... ولو سلمنا أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر وإنما يفسق ما دام يعتقد أن القرآن أفضل منه، فإننا نطالب الأحباش على الأقل أن يصرحوا بفسق المتحاكمين بغير ما أنزل الله تعالى... فإن لم يُصدروا بياناً بفسقهم (2) بل أثنوا عليهم: كان الحكم فيهم أنهم طائفة منافقة توالي أعداء المسلمين قال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} والمرء يُحشر يوم القيامة مع من أحب». (3)
وقال كذلك: «والإيمان بالله يستلزم طاعته والعمل بوحيه، وهو مستلزم بالتالي الكفر بما سواه من أحكام الطاغوت، فإنّه لا يجتمع إيمان بما أنزل الله وإيمان بما أحدث الطاغوت في وقت واحد. فإنّ من أقرّ بالشهادتين فهو مأمور بأن يكفر بما يُعبد من دون الله كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من قال لا إله إلاّ الله وكفر بما يعبد من دون الله حرُم ماله ودمه". (4)
__________
(1) القول القاطع فيمن امتنع عن الشرائع، صـ 95، إعداد عصام الدين دربالة وعاصم عبد الماجد من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.
(2) والواجب أن يصرحوا بكفرهم.
(3) أنظر كتابه "الحبشي شذوذه وأخطاؤه" صـ 69-70-71 بتصرف.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان.(1/113)
وما من شكّ في أنّ تحكيم غير دين الله عبادة لغير الله، إذ الطاعة من أنواع العبادة. ولذلك اعتُبِرت طاعة الأحبار والرهابن في معصية الله عبادة لهم.» (1)
? الشيخ أحمد أبو لبن
قال عندما سئل عن حكم الشريعة في أحد حكام المسلمين، وهل يجوز قتله إذا كان كافراً، فقال: «ليس فقط يجوز قتله بل قتله واجب شرعي فيجب على أي جماعة مسلمة أن تقتله رِدةّ عن دينه وليس هو فقط بل وسائر إخوانه من الحكام المرتدين الذين شرعوا للناس ديناً وأذلوا العباد وخربوا البلاد». (2)
? الأستاذ عمر عبد الحكيم (أبو مصعب السوري) حفظه الله تعالى
قال: «إن حكام المسلمين القائمين في بلادنا اليوم عطلوا أحكام الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كلاً أو جزءاً واتخذوا لأنفسهم ولقومهم أحكاماً استوردوها من شرق أو غرب أو من أهواء أنفسهم فابتدعوا بذلك "ياسقاً عصرياً" هو شرٌ من ياسق جنكيز خان، ليحكموا به في الدماء والأموال والأعراض والشؤون الأخرى، وبذلك فقد ارتدّوا وخرجوا من ملّتنا ملة الإسلام، فهم كما قال الله تعالى عنهم، كافرون ظالمون فاسقون، وهذه أكبر جرائمهم وليس بعد الكفر ذنب... وهم بتشريدهم الدعاة وملاحقتهم وكمّ أفواههم وقتلهم، أقاموا الحجة على أنفسهم فقد بُلِّغوا وأُنذروا وما زادهم هذا إلاّ عُتواً ونفوراً واستكباراً...». (3)
? الشهيد -نحسبه كذلك- أبو أُسيّد (السوري) رحمه الله تعالى
__________
(1) موسوعة أهل السنة في نقد أصول فرقة الأحباش ومن وافقهم في أصولهم، جـ2، صـ 1275.
(2) أفاد هذا في "الندوة الإسلامية حول غزة-أريحا" في الدانمارك عام 1993.
(3) أنظر كتابه القيم المسمى "التجربة الجهادية في سوريا" جـ2 صـ 108-109.(1/114)
قال: «...فمن أعطى لنفسه الحق في إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك وكفر بالله أساساً واتّخذ إلهه هواه حتى ولو ادعى الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لأنه يكون قد أعطى لنفسه حقاً لا يجوز إلاّ لله تعالى وهو الحكم على العباد، ففرعون حين قال لقومه: {ما علمت لكم من إله غيري} لم يرد من ذلك إثبات أنه هو الذي خلق الكون أو أنه يستطيع أن يتصرف بالشمس والقمر والريح أو فيضان النيل ولم تكن عبادة الناس له لهذا المعنى وإنما قصد أنه المطاع الوحيد فيهم بما له من سلطان»، إلى أن قال: «ولكنهم أطاعوه فيما شرع فمن وضع نفسه من الأمة موضع فرعون هذا [أي موضع المشرع] فقد نَصّب نفسه إلهاً عليهم، ومن أطاعه عن رضاً فقد عبده من دون الله تعالى». (1)
? الشيخ عبدالملك البرّاك حفظه الله
قال إنّ «الحكم بالقوانين تشريع ما لم يأذن به الله، ولا يختلف اثنان في كون هذا شركاً... ولا شكّ أن الدساتير والقوانين البشرية نوع من أنواع الطواغيت الكثيرة، وكذلك الحاكمون بغير ما أنزل الله طواغيت، لأنّهم يتحاكمون إلى من شرّع هذه الدساتير، فيتّبعون هذا التشريع بتحكيمه بين الناس وإلزامهم به، ومعروف أنّ التحاكم عبادة، فمن تحاكم إلى الطاغوت فقد عبده، ومن عبد الطاغوت فقد أشرك بالله...
__________
(1) أنظر كتابه "الحكم وتكفير المشرك"، نقلاً عن "التجربة الجهادية في سوريا" جـ2، باب الحكم على حكام اليوم.(1/115)
وأمّا بالنسبة للأدلة المكفّرة لهؤلاء الحكّام الذين لا يحكمون بشرع الله من واقع حالهم فهي أكثر من أن تُحصى، وذلك لاشتمال تلك الدساتير والقوانين البشرية على استحلال المحرّمات، كإباحة الزنا إذا تمّ بتراضي الطرفين، وإباحة الربا والخمر والميسر بالإذن والسماح بها، وإنشاء المباني لها، وسنّ القوانين والتشريعات الخاصة بها.. وهذا كلّه دليل استحلال...». (1)
? الشيخ محمد جمال عمران القرشي حفظه الله تعالى
__________
(1) ردود على أباطيل وشبهات حول الجهاد (الرد على كتاب الدكتور البوطي "الجهاد في الإسلام")، صـ242-248 باختصار.(1/116)
قال في بيان الحكم بغير ما أنزل الله ضمن "سلسلة في التوحيد الخالص": «نُصحاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبياناً لأمورٍ دندن حولها بعض كبار مشايخنا... مسألة الحكم بغير ما أنزل الله سبحانه تحتاج منّا إلى تحديد مفاهيم واضحة في الكتاب والسنة، وأول هذه المسائل: إيماننا أن الإيمان قولٌ وعملٌ وأنه يزيد وينقص وأن له شروطاً وأركاناً ونواقض، وأن الكفر قولٌ وعمل، وأن الكفر الأكبر قوليّ وعملي، والكفر الأصغر قوليّ وعمليّ خلافاً لمن ظنّ غير هذا، وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة... المسألة الثانية: أن الأصل في الحكم بغير ما أنزل الله الكفر، لأنه حكم جاهلية وطاغوت. المسألة الثالثة: أن الحاكم بغير ما أنزل الله ينظر فيه فإن كان الأصل عند الحاكم الحكم بما أنزل الله (1) وشذ في بعض المسائل (2) عند ذلك يمكننا التساؤل: هل استحلّ ذلك أم لا؟ وهل هو كفرٌ أصغر أم أكبر. المسألة الرابعة: أن الحاكم بغير ما أنزل الله إذا كان يُشرّع ذلك ويُقننه فهو كافرٌ مرتدٌ وإن كان ذلك التقنين ليس غالباً على حكمه، بل أقول لو استحلّ قانوناً يُبيحُ الربا ونَصّبَ بنوكاً وحمى تلك البنوك ونفذ ما أملته عليه من قوانين ربوية كان كافراً بذلك مرتداً عن دين الإسلام وإن حكم بعد ذلك بالإسلام (3)
__________
(1) هذا الحكم لا يُطبق على حكام زماننا لأنهم بأجملهم لهم دساتير وشرائع مقننة ولكن الشيخ حفظه الله تعالى يضع هنا الضوابط فقط والدليل في تكملة كلامه.
(2) كما كان حال حكام بني أمية والعباسيين أنهم في الأصل يحكمون بما أنزل الله تعالى ولكنهم حكموا في بعض المسائل مخالفين حكم الله تعالى هوىً أو متأوّلين لهذا الحكم، لذلك فرق علمائنا الأجلاء في الحكم بينهم وبين حكام اليوم المبدلين لشرع الله تعالى ابتداءً فليُتنبّهُ إلى ذلك.
(3) كما يزعم البعض من أنّ الحكم في السعودية حكمٌ إسلامي {كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً} [الكهف: 5]..(1/117)
وصلّى وصام وزعم أنه مسلم». (1)
? الشيخ أبو الوليد الأنصاري حفظه الله تعالى
قال في مقال له بعنوان "في بيان أنّ الحكم بالشرائع الوضعيّة من الكفر الوارد في حديث عبادة": «ولا زالت أمصار المسلمين تحت وطأة هذه الأغلال، وقد ألفها أبناء المسلمين أو كادوا، حتّى هان شأنها في نفوسهم، واستقلّوا عظيمَ خطرها، واحتقروا أمرَ المتكلّم فيها...! حتّى لكأنّه يهذي بباطلٍ من القول...!! إلاّ بقيّةً من ذوي الصلاح والديانة ينهون عن السوء والفساد في الأرض... وممّا زاد الطين بلّة، والخرق اتّساعاً ما يلقيه المنتسبون للعلم -كثيرٌ منهم- من الشبهات التي يحتجّون بها على أنّ تحكيم هذه الشرائع المختلفة المصنوعة ليس كفراً ناقلاً عن الدين، وأنّ فاعل ذلك مسلمٌ وإن بلغ من ذلك ما بلغ، وكأنّهم بذلك يتلمَّسون المعذرة لذوي السلطان في الحكم بخلاف شريعة الله عزّ وجلّ. وإنّه لممَّا يُتَعَجَّبُ منه أنَّك لا ترى باباً من أبواب التوحيد، ولا مسألة من مسائله، أُثيرَت حوله الشبهات والشكوك والأوهام كما أُثيرت حول هذا الباب مع دلالة الكتاب والسنّة على أنّه حقّ خالصٌ لله وحده لا يشرك معه فيه غيره، وأنَّ كلّ شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه فالواجب ردّه إلى الكتاب والسنّة {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} (2) ، أي صغيراً كان ذلك الشيء أو كبيراً. والله المستعان». (3)
__________
(1) أنظر مجلة "نداء الإسلام" عدد 12 صـ 20.
(2) الشورى: 10.
(3) نداء الإسلام، العدد 27، صـ17.(1/118)
وقال كذلك: «...وإليك ثانية أدهى وأمرّ بل هي لعمر الله من إحدى الكبر وهي -وما أدراك ما هي- ما قام به أئمة الكفر وأساطين الردة في زماننا من عقد سلام دائم مع اليهود وهذه مسألة أحسب أن الله تعالى لو أنطق بها البهائم العجماوات لنطقت بأنها من أشد البهتان وأعظم الكفران بشريعة الواحد الديان وأن الواجب على هذه الأمة قتال كل صائل على دين الله وشريعته أو على بلاد أهل الإسلام ودماء المسلمين وأعراضهم...». (1) وقال في موضع آخر «أن [في] الشرك والكفر بالله تعالى ومحاربة دينه ومحادة أوليائه مفاسد لا تعدلها مفسدة على الإطلاق ولو كانت إزهاق النفوس وتلف الأبدان، ولذا قال العلامة الشيخ سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله تعالى في الدرر السنية 10/510 قال: "فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن يُنصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بعث بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - "». وقال كذلك: «وفي الجملة فهذا الدين العظيم وهذه الشريعة القويمة قائمان على تحقيق مصالح الدنيا والأخرة ودفع مفاسدهما...». (2)
? الشيخ بشر بن فهد البشر حفظه الله تعالى
__________
(1) مجلة "المنهاج" العدد الأول صـ 47.
(2) المصدر السابق، العدد الثاني صـ 75.(1/119)
قال وهو يعدّد نواقض الإسلام العشرة التي هي أخطر النواقض وأكثرها وقوعاً: «الناقض الرابع: أن من اعتقد أن هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسنُ من حكمه، كالذي يفضّل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر... هذه المسألة -الحكم بغير ما أنزل الله تعالى- مما عمت به البلوى في بلدان المسلمين، ولذلك ينبغي على طلبة العلم وأهل العلم أن ينشروا الأحكام بين الناس في هذه المسألة، ليعرف الناس حكم هؤلاء الشياطين الذين تسلطوا على رقاب المسلمين، فحكموا فيهم بالقانون الفرنسي أو القانون السويسري أو غيرهما، ويُعلم أن هذا من المُحادة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأنه من الكفر بالله عزّ وجلّ، فالحكم بغير ما أنزل الله تعالى ينقسم إلى قسمين: قسمٌ كفرٌ أكبر مخرجٌ من الملة، وقسمٌ هو معصية، فأما الذي هو معصية كمن حكم في مسألة معينة بخلاف حكم الله تعالى لهوىً أو لرشوة أو ما شابه ذلك، فهذا قد ارتكب أمراً عظيماً ولكنه لا يصل إلى حد الكفر المخرج من الملة... أما الكفر الأكبر المخرج من الملة فهو أقسام: منها ما هو اعتقاد ومنها ما هو عمل، أما كفر الاعتقاد فهناك الكثير من الأمثلة عليه منها: من اعتقد أن القوانين أفضل من الشريعة، أو اعتقد أن القوانين تساوي الشريعة، أو اعتقد جواز العمل بالقوانين ولو كان يرى أن الشريعة أفضل» ثم قال الشيخ بشر حفظه الله تعالى: «وهناك عمل [أي كفرٌ عملي] والعمل يدل على ما في القلب».(1/120)
لا كما يزعم مرجئة العصر اليوم، من أنّ العمل ليس له تعلق بالقلب أبداً، وهم -لذلك- لا يعتبرون الكفر العملي كفراً أكبراً أبداً، فمتى كان الكفر ناجماً عن العمل فهو عندهم كفر أصغر لا يخرج صاحبه من الملة. ونحن نقول لمن يدافع عنهم: استفتوا هؤلاء المشياخ في رجل داس على المصحف برجله دون إكراهٍ له من أحد، وفعل ذلك بكامل عقله وبكامل إرادته، فما هو حكمه عندكم؟؟؟ إن قالوا فعله هذا لا يخرجه من الملة حتى يقول بلسانه أنا أُبغِض هذا الكتاب، فهم كفارٌ مثله ليس لنا معهم نقاش في ذلك، وإن قالوا يَكفُر بفعله هذا وكفره هذا يخرجه من الملة، قلنا لهم: كيف حكمتم عليه بالكفر وهو قد عمل عملاً مكفراً ولم يستحلّ ذلك بقلبه، والدليل أنه ما زال يتظاهر بإسلامه ويفعل بعض الشعائر الدينية من صومٍ ونحوه؟!
فإذا ما أخذت منهم الجواب علمت بأنهم يقولون بما لا يعلمون ويهرفون بما لا يعرفون، أو علمت أنهم من غلاة المرجئة وليس فيهم إرجاءٌ فحسب، كما بين ذلك مراراً الشيخ أبو قتادة الفلسطيني حفظه الله تعالى وغيره من إخوانه الموحّدين، وعلمت بعد ذلك بأننا نحن إن شاء الله تعالى أهل التوحيد الخالص ولسنا بخوارج كما يزعمون.(1/121)
ثم قال الشيخ بشر حفظه الله تعالى: «والعمل يدل على ما في القلب، وكل إناءٍ بما فيه ينضح، فمن وضع دستوراً للمسلمين كما قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في رسالته تحكيم القوانين فيما معناه: أن من أعظم الكفر ومن أعظم المحادة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولمناقضة شهادة أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، اتخاذ قوانين تكون مضاهيةً لشرع الله تعالى، ويكون لها مصادر، ويكون لها كتب ومراجع كما يرجع أهل العلم لكتب العلماء والكتاب والسنة، فاتّخاذ دستور يرجع الناس إليه ويُلزَمون بالتحاكم إليه وبالحكم به، هذا كفرٌ ما بعده كفر، وشركٌ ما بعده شرك، وهو شرك في الطاعة وشرك في التشريع، فإلزام المسلمين -ولو حتى بجُزئية- بما يخالف حكم الله عزّ وجلّ ليتحاكوا إلى هذا الشيء وليكون قانوناً عاماً لهم...كان هذا المُلزم كافراً بالله عزّ وجلّ لأنه نَصب نفسه مشرعاً مع الله سبحانه وتعالى، ومع أنه جزئية إلاّ أنها لما اتصفت بالإلزام واتصفت بالعموم خرجت عن حدّ كونها معصيةً إلى كونها كفراً، إذاً لا فرق بالإلزام والتشريع بين أن يكون الدستورُ كله مخالفاً للشريعة أو أن يكون بعضه مخالفاً وبعضه موافقاً... {أفَتُؤْمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاءُ من يفعلُ ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامةِ يُردونَ إلى أشدِّ العذاب وما الله بغافلٍ عمّا تعملون} [البقرة: 85].(1/122)
إذاً تبين لنا الفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله الذي هو معصية والحكم بغير ما أنزل الله الذي هو كفر، والنوع الذي هو معصية هو الذي ورد عن بعض العلماء من السلف أنه كفرٌ دون كفر، لأنه لم يكن أحدٌ من علماء السلف يتصور يوم من الأيام أن تُوضع قوانين يُلزم بها المسلمون ويُنحى الكتاب والسنة جانباً، وقد تحدث الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عن جنكيز خان وعن ياسقه فقال: من فعل ذلك ومن تحاكم إليه فهو كافرٌ بإجماع المسلمين ويقاتلوا حتى يرجعوا إلى حكم الكتاب والسنة، فما بالكم بمن لا يأخذ من اليهودية والنصرانية [تشبيهاً بالياسق المأخوذ من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ومن بعض أفكار جنكيز خان] بل يأخذ من الملاحدة ومن المتحلّلين من الأديان، من العَلمانيين وأمثالهم». (1)
? الشيخ عبدالعزيز مصطفى كامل حفظه الله تعالى
قال: «إنّ هذا التكريس والإلزام بحكم الطواغيت تنصّ عليه دساتير الدول التي تحكم بالقوانين الوضعيّة، فيما يمكن أن يُعتَبَر تفويضاً حقيقيّاً ومباشراً بالحاكميّة إلى البشر، فيُقال: "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة" (2) ، ويُقال: "لا أحد فوق القانون"، ويُقال: "كلّ شيء لحماية «الشرعيّة»"..!
ومن الطقوس العجيبة في الديانة الوضعيّة؛ أنّ الدولة التي تحكم بقوانينها يقسم حكّامها (بالله العظيم) على احترام القوانين التي هي كُفرٌ بالله العظيم.. وهذا فيما يسمّونه بـ(اليمين الدستوريّة)، فيقسم الحاكم أمام هيئة (تشريعيّة) فيقول: "أحلف بالله العظيم أنّي أحترم الدستور وقوانين الأمّة..." (3) . وذلك في الوقت الذي يعلمون فيه علم اليقين أنّ هذا الدستور مناقض ومناهض لشرع الله أصولاً وفروعاً...
__________
(1) شريط نواقض الإسلام الوجه الأول.
(2) هذا النصّ موجود في الدستور المصري العام تحت الباب الرابع. أنظر القاموس السياسي ص: 825.
(3) القاموس السياسي صـ1776.(1/123)
وبهذا يتّضح أنّ الحاكمين والمتحاكمين إلى الشرائع الوضعيّة هم من حيث يدرون أو لا يدرون، يعتنقون ديناً بشريّاً موضوعاً ويبشّرون به بل يلزمون به». (1)
? الشيخ عبدالله الدميجي حفظه الله تعالى
قال تحت عنوان "حكم سياسة الدنيا بغير الدين": «والآن بعد أن عرفنا شمول الشريعة لجميع جوانب الحياة بقي علينا أن نعرف حكم من لم يسس الدنيا بهذا الدين، أو بعبارة أخرى من لم يُحَكِّم دين الله في شؤون هذه الحياة، واستبدَلَه بالقوانين الوضعيّة التي وضعها البشر، ولن نجد كبير عناء في البحث عن هذا الحكم فقد بيّنه الله عزّ وجلّ في العديد من الآيات الصريحة.
فمنها قوله عزّ وجلّ: {ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أُنزِل إليك وما أُنزِلَ من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً} [النساء: 60]، والذي يظهر من أوّل وهلة من التعبير بقوله {يزعمون} التكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فيكون الله قد نفى عنهم الإيمان بسبب التحاكم إلى غير شرع الله، وذلك لأنّه لا يجتمع التحاكم إلى غير شرع الله مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، ولا يكون هناك إيمانٌ حقّاً إلاّ بعد الكفر بالطاغوت كما قال عزّ وجلّ: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} [البقرة: 256]، وهذا هو معنى: "لا إله إلا الله"». (2)
? محمّد بن حامد الحسيني (أبو عمّار)
__________
(1) كتاب "الحكم والتحاكم" جـ1 صـ289 بتصرّف.
(2) الإمامة العظمى عند أهل السنّة والجماعة، صـ101.(1/124)
قال: «نقف هنا وقفة مع الانسلال الذي غلب على حكّام البلاد الإسلاميّة وفشا فيهم...أوّل الإسلام النطق بالشهادتين، ثمّ قَبول كلّ ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والرضا به والتسليم له، ويظلّ المرء مسلماً ما دام محافظاً على ذلك، ثمّ إذا أظهر بعد ذلك رفضه لشيء جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأبى أن يتّبعه فيه مع علمه بأنّ هذا الشيء ممّا جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعا إليه صار كافراً مرتدّاً، وسواء في ذلك الرفض بالقول الصريح، أو بالعمل الدالّ على ذلك، وهذا هو الواقع من غالب حكّام بلاد المسلمين، إذ أنّهم أَبَوا أن يحكموا بكتاب الله وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ، ثمّ هم مع ذلك أضافوا إلى هذا الكفر كفراً آخر وهو أنّهم وضعوا شريعة من عند أنفسهم جعلوها بدلاً من شريعة الله، واحتكموا إليها وحاكموا الناس إليها، فاتّخذوا بذلك من أنفسهم أو ممّن وضع لهم هذه الشرائع الوضعيّة أرباباً من دون الله، فجمعوا كفرين: أحدهما رفض حكم الله وشريعته، والثاني اتّخاذ أرباب من دون الله، وهذا هو الواقع المُشاهد الذي لا يستطيع أن يجحده أحد أنّهم تركوا شريعة الله وأَبَوا أن يحتكموا إليها، وأنّهم اتّخذوا شرائع وضعها الناس، وجعلوها الشريعة الحاكمة بين المسلمين». (1)
? الشيخ أحمد عبدالسلام شاهين حفظه الله تعالى
__________
(1) أنظر كتابه: الطريق إلى الخلافة، صـ40-41.(1/125)
بعد أن عرّف الديمقراطيّة التي تتبجّح بها الأنظمة الوضعيّة قال: «وبعد استعراض أهمّ الأسس التي تقوم عليها الديمقراطيّة وهذه المواد في الدستور المصري، لا يبقى هناك شكّ في كفر هذه القوانين ومخالفتها للشرع... فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: {إنِ الحكمُ إلاَّ لله} وهم يقولون في المادّة 64: "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة". وفي المادّة 3: "السيادة للشعب وحده" لا شريك له... وهؤلاء تركوا الحكم بما أنزل الله وشرعوا أحكاماً من عند أنفسهم يلزمون بها الناس ويحملونهم على الكفر، والله عزّ وجلّ يقول: {أم لهم شُرَكاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21]، وهم يجعلون لله عدّة شركاء لهم حقّ التشريع من دونه، فرئيس الجمهوريّة له حقّ التشريع من دون الله كما جاء في المادّة 112، ومجلس الشعب له حقّ التشريع من دون الله كما جاء في المادّة 86، والشعب أيضاً له حقّ التشريع، فهو تُعرَض عليه الأمور العامّة ليقرّها أو يرفضها، وهذا يدلّ على أنّ كل هؤلاء آلهة من دون الله ولهم حقّ التشريع كما جاء في مواد الدستور... فهم يعلنون ولا يستحون أنّهم يشرّعون من دون الله وأنّ سيادة القانون أساس الحكم وأنّ مجلس الشعب له حقّ التشريع ولرئيس الجمهوريّة حقّ إصدار القوانين. فكيف نتورّع في تكفير أمثال هذه الأنظمة وقد أعلنوا بهذا الكفر وجعلوه قانوناً يلزمون به الناس، ويحاكمون ويقتلون من يخرج عليه أو يعارضه، فأيّ ردّة أعظم من هذه الردّة؟». (1)
? الشيخ عبدالكريم الشاذلي (أبو عبيدة) حفظه الله تعالى
قال: «الحيدة عن الحكم بشرع الله إلى الحكم بالقانون الوضعي لم يحدث إلاّ في طائفة التتار في أواخر القرن السابع الهجري الذين تحاكموا بالياسق.
__________
(1) فتح الرحمن في الردّ على بيان الإخوان، صـ140-142.(1/126)
والحقيقة أنّ التتار لم يفرضوا على المسلمين الحكم بالياسق بل تحاكموا به فيما بينهم، كما قال ابن كثير: "فصارت في بنيه شرعاً متّبعاً يقدّمونها على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - " (1) ، ومثله ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميّة: "ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله". (2)
وقد ظلّ حكم الله -في زمنهم- سارياً في كلّ البلاد التي استولوا عليها (العراق، الشام وخراسان)، أمّا اليوم فإنّ القوانين الوضعيّة الكفريّة تفرض على المسلمين فرضاً!! فلا وجه للمماثلة ولا للقياس». (3)
? أبو قتيبة الشامي حفظه الله تعالى
قال إنّ «حكّام بلاد الإسلام في هذا العصر كلّهم طواغيت مرتدّون كافرون خرجوا من الإسلام من جميع أبوابه، استبدلوا شرع الله سبحانه وتعالى بقوانين وضعيّة أملاها عليهم شياطينهم وأسيادهم من اليهود والنصارى، حاربوا أولياء الله ووالوا أعداء الله، أذلّوا العباد ونهبوا الثروات ودنّسوا الحرمات، ولم يبقَ أمام المسلمين الموحّدين سوى الحديد والنار، سوى الجهاد في سبيل الله لإعادة الخلافة على منهاج النبوّة... وقد أفاض سلفنا الصالح ومشايخنا المجاهدون في بيان الأدلّة الشرعيّة على كفر هؤلاء الحكّام، فلم يدعوا لصاحب لبٍّ أيّ شكّ في كفر هؤلاء الطواغيت المرتدّين، ولا يشكّ في كفرهم إلاّ صاحب هوى أو من أعمى قلبه عن نور الحقّ...
وأخيراً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشحذ الهمم ويقوّي العزائم على قتال الطواغيت، وأن يمكّن أيدي المجاهدين من رقابهم، عندئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ولله الأمر من قبل ومن بعد ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون». (4)
? الشيخ محمّد بدري حفظه الله تعالى
__________
(1) تفسير ابن كثير، جـ2 صـ67.
(2) مجموع الفتاوى، جـ28 صـ505.
(3) أنظر كتابه: الردّ المأمون، صـ8-9.
(4) أنظر رسالته: تحريض المجاهدين على قتال الطواغيت المرتدّين، صـ3-5.(1/127)
قال تحت عنوان "ونحن نرفض العلمانيّة لأنّها..": «كفر بواح: العلمانيّة -كما أوضحنا- هي قيام الحياة على غير الدين، أو فصل الدين عن الدولة، وهذا يعني -بداهة- الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعته سبحانه، وقبول الحكم والتشريع من غير الله..، ولذلك فالعلمانيّة (هجر لأحكام الله عامّة بلا استثناء وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنّة نبيّه، وتعطيل لكلّ ما في الشريعة، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزَّلة،.. وادّعاء المحتجّين لذلك بأنّ أحكام الشريعة إنّما نزلت لزمانٍ ولعللٍ وأسباب انقضت فسقطت الأحكام كلّها بانقضائها... إنّ الأمر في هذه القوانين الوضعيّة واضح وضوح الشمس، وهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة). (1)
وليس هذا رأياً لنا نبديه، أو رأياً لعالم أو مفسّر أو مجتهد من الفقهاء ننقل عنه، إنّما هو النصّ الذي لا مجال فيه للتأويل، والحكم المعلوم من الدين بالضرورة.. قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. فالعلمانية التي تحكم بغير ما أنزل الله ليست معصية، بل هي كفر بواح.. وقبول الكفر والرضا به كفر... ولذلك فلا بدّ لنا من رفض العلمانية لنبقى في دين الله، ونحقّق لأنفسنا صفة الإسلام». (2)
? الشيخ أبو الفضل عمر الحدوشي حفظه الله تعالى
__________
(1) عمدة التفسير، أحمد شاكر، جـ4 صـ157 و172.
(2) لماذا نرفض العلمانيّة، صـ105-115 بتصرّف.(1/128)
قال: «...فالرضا عن الشرك والدخول فيه والذود عنه شرك أكبر مخرجٌ من الملّة الإسلامية، فدعوة الأنبياء والرسل ومنهج السلف ليتبرَّأ ممّن دخل هذه المجالس أو دافع عنها كبراءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام، لذا نقول: لا يصحّ توحيد المرء حتّى يُفرد الله وحده بالحاكميّة العليا والسيادة المطلقة، وأيضاً نقول: لا يصحّ توحيد المرء حتّى تكون آياته وحدها هي الحكم الأعلى والحجّة القاطعة والمرجع النهائي عند التنازع، لا يصحّ لكم توحيد حتّى يكون الأمر والنهي والتحليل والتحريم لله لا للبرلمان، بل للكتاب والسنّة لا لما تسمّونه بـ«إرادة الأمّة»، لا يصحّ لكم توحيد حتّى تعلو سيادة الشريعة الإسلامية على ما عداها من الأنظمة والشرائع الوضعيّة الإلحاديّة، وهذا هو الإشراك بعينه في حكم الله. قال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}». (1)
? الشيخ عبدالحميد بن عمر سرحان حفظه الله تعالى
قال: «والنصوص كثيرة جدّاً في كتاب الله عزّ وجلّ، تدلّ دلالة واضحة أنّ الحاكم الذي ترك حكم الله، واستبدل به حكماً آخر، ورضي له شركاء، يقنّنون له قوانين ما أنزل الله بها من سلطان: مشرك كافر خارج عن ملّة الإسلام. يقول تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] فهؤلاء الذين شرعوا طواغيتُ شركاء بغير حقّ، والذين اتّبعوا ما شرعوه مشركون، وذلك لأنّ التشريع حقّ خالص لله سبحانه وتعالى، لا ينبغي أن يُشاركه أو يُنازعه فيه أحد، فقد جعل نفسه إلهاً، يجب على كلّ أن يكفر به، بل لا يتحقّق إسلامه ابتداءً إلاّ بالكفر به، يقول تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} [البقرة: 256].» (2)
__________
(1) القول السديد في معالم التوحيد، الطبعة الثانية 1417-1998، ص33.
(2) كتاب "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، تأليف: عبدالحميد بن عمر بن سرحان، صـ 31.(1/129)
وقال أيضاً: «والآيات في ذلك كثيرة جدّاً، تُبيّن أنّ اتّخاذ أولياء من دون الله كفر وشرك بالله العظيم، ومن هذه الأولياء التي تتّخذ من دون الله: القوانين الوضعيّة، التي وضعها أهل الكفر والشرك، فالذين يأمرون باتّباعها، ويستفتون الشعب في تقريرها، لا شكّ في كفرهم وكفر من يُطيعهم في ذلك». (1)
? الشيخ ضياء الدين القدسي حفظه الله تعالى
قال: «... من جمع ووضع الشرع المخالف لشرع الله قانوناً لقومه ويعترف أنّه من عند نفسه، أو من عند غيره فهذا الحاكم هو قضيّتنا اليوم، وهو كافر خارج عن ملّة المسلمين عند جميع فرق وطوائف وعلماء المسلمين». (2)
? الشيخ سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان حفظه الله تعالى
قال: «إنّ كفر الحاكم بغير ما أنزل الله أخفّ من كفر من كفر بالله وملائكته.. ولا يعني هذا أنّ الحاكم مسلم وأنّ كفره كفر أصغر، كلاّ بل هو خارج عن الدين لتنحيته الشرع، وقد نقل ابن كثير الإجماع على هذا، فانظر البداية والنهاية 13/119». (3)
? الشيخ سيّد الغبّاشي
__________
(1) المرجع السابق، صـ 38.
(2) الحكم لله، للشيخ ضياء الدين القدسي، صـ 82-83.
(3) التبيان شرح نواقض الإسلام للإمام محمّد بن عبدالوهاب رحمه الله، تأليف سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان، هامش صـ 38.(1/130)
قال: «... فإنّ من نحّى شرع الله عزّ وجلّ ووضع للناس شرعاً من عنده جعله السلطان الأعلى -كما سيتّضح لك بإذن الله- وحارب من يسعى لإقامة شرع الله لا شكّ في كفر هذا، وكفر من رضي به وتابعه وأطاعه في الأمر أو بعضه، "فإنّ من استجاز شِرْعَةً خلاف شرعة الله عزّ وجلّ فهو كافر بالإجماع" كما قال ابن حزم وابن تيميّة، يقول الشنقيطي: "الإشراك بالله في حكمه كالإشراك في الله في عبادته". سواء أكان متقلّد هذه المكانة -التشريع الذي لا ينبغي إلاّ لله تعالى- حاكماً أو هيئة تأسيسيّة، أو مجلساً للتشريع». (1)
? الشيخ محمّد أبو الفتح البانوني حفظه الله تعالى
قال: «ومن هنا يظهر لنا أنّ استبدال كثير من المسلمين اليوم بأحكام الله أحكاماً وضعيّة وضعها لهم رؤساؤهم، واستمدّوها من عقولهم وأهوائهم، وتقديمها وتفضيلها على أحكام الله عزّ وجلّ خروج أمثال هؤلاء عن حظيرة الإيمان بقوله: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً}. وعجيب أن يقلّد المسلمون غيرهم بتحكيم شريعة الله، مع إيمانهم بربوبيّة الله وحاكميّته، استجابة لدعاة الهوى والضلال، ليردّوهم بذلك عن دينهم، ظانّين أنّهم لم يخرجوا بذلك عن حظيرة الإيمان! ألا فليتنبّه المسلمون لهذا وليعودوا إلى ربّهم تائبين خاضعين، ليسلم لهم وصف الإيمان وتعود لهم عزّتهم وسيادتهم: {أفحكمَ الجاهليّة يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة: 50]». (2)
? الشيخ أبو إسراء الأسيوطي حفظه الله تعالى
__________
(1) القول السديد في بيان أنّ دخول المجلس منافٍ للتوحيد، وهي اختصار لرسالة "إبلاغ الحقّ إلى الخلق" للشيخ سيّد الغباشي، اختصره وعلّق عليه الشيخ أبو محمّد المقدسي، صـ10.
(2) الحكم التكليفي في الشريعة الإسلاميّة، تأليف محمّد أبو الفتح البانوني، صـ23.(1/131)
قال: «نقول: سنفترض أنه يمكن تطبيق قول ابن عباس على الحاكم الذي يُشرع من دون الله؟ فإن أيّ مُنصف لا بد أن يصنّف حكامنا هذه الأيام في عداد من وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة، وذلك لأن قرائن أحوالهم لا تدل أبداً على أنهم ممن غلبت عليهم شهوة أو هوى فحكموا بغير ما أنزل الله مع اعتقادهم بوجوب الحكم بما أنزل الله واعترافهم بأنهم عاصون مستحقون للوعيد... بل إنني أقول أن أحسن هؤلاء الحكام حالاً من يقول بالديمقراطية، أي يقول أنا مع الشعب فإن اختار الشريعة الإسلامية فلن أمانع في ذلك ومع ذلك فهذا الذي هو أحسنهم حالاً كافرٌ خارجٌ من الملة». (1)
? الشيخ عبد الكريم السعدي (أبو محجن) أمير عصبة الأنصار
في لبنان حفظه الله تعالى
جاء على لسان بعض إخوانه أنه: «يؤمن بأن هذه الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين اليوم كلها كافرة لأنها لا تحكم بشريعة الرحمن، واستبدلت حكم الشريعة بأحكام وضعية قائمة على تحليل ما حرم الله تعالى وتحريم ما أحل وهذا كفر، وكل هذه الأنظمة قائمة على الفكر الديمقراطي العلماني، وهو حكم الشعب بالشعب وهذا صريح الكفر». (2)
? الأستاذ أحمد الخلايلة (أبو مصعب) حفظه الله تعالى
__________
(1) وقفاتٌ مع الشيخ الألباني حول شريط "من منهج الخوارج" صـ 15، من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.
(2) معنى هذا القول مأخوذٌ من جريدة التلغراف الصادرة في سدني بتاريخ 16/4/97.(1/132)
قال: «أيها القاضي بغير ما أنزل الله تعالى: إذا عرفت هذا (1) وظهر لك أنّ الكفر البواح والشّرك الصّراح اتخاذ غير الله تعالى مشرّعاً سواء كان هذا المشرّع عالماً أو حاكماً أو نائباً أو شيخ عشيرة، وعلمتم أن الله تعالى قد حكم على الشرك في كتابه فقال: {إنّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمن يشاءُ} [آل عمران: 48]، ثمّ علمتم أنّ المادّة «26» من دستوركم الوضعي تنصّ على أن: السلطة التشريعية تناط بالملك وأعضاء مجلس الأمة. وتمارس السلطة التشريعية وغيرها صلاحياتها ومهامها وفقا لمواد الدستور. عرفتم أن كل من قبل بمثل هذا الدين المُحدث والكفر البواح المناقض لدين الله تعالى وتوحيده أنه قد اتخذ هؤلاء المشرعين أرباباً من دون الله تعالى يشركهم مع الله في عبادته». (2)
? الأستاذ محمد طه الطّرابلسيّ حفظه الله تعالى
جاء في مقالة له تحت عنوان "الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي": «...وهذا فهد آل سعود لعنه الله يتآمر أيضاً كأجداده على نهب النفط ليقوّي به دول الصلّيب على حساب أمة الإسلام، ويستدعي جيوشهم لتدنيس أرض الله المقدسة، وتمارس الدولة السعودية بقوانينها الكافرة الإساءة للمسلمين القادمين من مناطق متفرقة من العالم الإسلامي العاملين عندها والذين تسميهم بالأجانب وذلك من أجل قطع روابط الأخوة الإسلامية وخاصة مع أرض مقدسة هي منبع ديننا الحنيف وذلك بوضعها العراقيل العديدة أمام تأشيرات الدّخول في حين يسهل الأمر للأجانب خاصة الأمريكان والإنجليز، ويساهم علماء السّوء كهنة الدولة في سياسة التّضليل والتزييف الإعلامي لهؤلاء الحكام المرتدين، وتقام خطب الجمعة للدعاء والمديح لهم لعنهم الله وأرانا فيهم يوماً يدفعون فيه ثمن خيانتهم لرسالة الإسلام..». (3)
__________
(1) كان الأستاذ قد شرح له معنى التوحيد.
(2) أنظر مجلة "المنهاج"، العدد الأول صـ 55.
(3) مجلة "المنهاج"، العدد الثالث صـ95.(1/133)
? الأستاذ أبو عزّام الشنقيطي حفظه الله تعالى
قال: «بل تعدّى الأمر ذلك كلّه فتعدّى على حرمة الله وشريعته واستبدلت أحكام الإسلام بقوانين وضعيّة فُرضت على الناس بقوّة الحديد والنار، فصار من يكفر بها يُلاقي ألوان النكال والعذاب وتُكال له أنواع التهم والأراجيف، فاستحكمت غربة الإسلام وأقفر طريق الحقّ إلاّ من ثلّة قليلة تنهشها الذئاب هنا وهناك». وتابع أنّه لا بدّ من كشف «حقيقة هؤلاء الطواغيت الذين استولوا على أرض الإسلامي ودنّسوها بكفرهم وحكمهم بغير ما أنزل الله وإفاسدهم في الأرض وإهلاكهم للحرث والنسل فإنّ عامّة المسلمين إلاّ من رحم الله لبست عليهم وسائل الإعلام أمر دينهم ولمعت في نفوسهم شخصيّة ذلك الطاغوت وصوّرت أهل الحقّ على أنّهم حفنة من اللصوص عملاء للخارج لا يريدون إلاّ نيل الكرسي والسلطات وهذا لعمر الله دين جميع الطواغيت، ألم يقل فرعون لموسى وهارون {وتكون لكما الكبرياء في الأرض}؟؟ فلتحرصوا على فضح هؤلاء الطواغيت وكشف أسرارهم وكفرهم ولترفعوا أصواتكم للناس بذلك ليميز الله الخبيث من الطيّب». (1)
ذكر أسماء العلماء
الذين لم نورد نصّ أقوالهم
لخشية الإطالة نرفق هنا بعض أسماء مشايخ ودعاة من أهل السنّة الذين قالوا بمثل مقالة إخوانهم المشايخ التي نقلناها في الصفحات السابقة. منهم:
( الشيخ محمّد صالح المنجّد، بيّن ذلك في كتابه "محرمات استهان بها الناس يجب الحذر منها".
( الشيخ أبو عبد الله أحمد، الأمير الأول للجماعة الإسلامية المسلحة (2) في الجزائر رحمه الله تعالى، وقد بيّن ذلك في بعض بياناته.
( الشيخ عبد الله النوري رحمه الله تعالى، بيّن ذلك في ملحق "سألوني" الجزء الأول.
( الشيخ أنور شعبان، بيّن ذلك في رسالة الشيخ مروان حديد رحمه الله تعالى التي قام بنشرها.
( الشيخ أحمد المحلاوي، بيّن ذلك في بعض خطب الجمعة.
(
__________
(1) مجلّة الفجر، عدد 48، صـ36،38.
(2) التي دخلها فكر الخوارج بعد اغتياله.(1/134)
الشيخ فاتح كريكار، أحد قيادي الحركة الإسلامية في كردستان شمال العراق بين ذلك في بعض لقاءاته.
( الشيخ الدكتور علاء الدين خَروفة، بين ذلك في كتابه "محاكمة آراء الدواليبي مستشار خادم الحرمين"
( الأستاذ أحمد أمين عبد الغفار، بين ذلك في كتابه "الجاهلية قديماً وحديثاً"
( الشيخ جُهيمان رحمه الله تعالى بيّن ذلك في بعض أشرطته.
( الشيخ طه محمّد، بيّن ذلك في كتيّب له بعنوان "إن الحكم إلاّ لله - خطوات على الطريق"
( الأستاذ عمر راشد الناطق الرسمي للجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، بيّن ذلك في كلامه حول المبادرة من الجماعة الإسلامية بمصر. (1)
( الأستاذ محمّد كاظم حبيب، بيّن ذلك في كتابه "الردّة بين الأمس واليوم".
( الأستاذ عبدالله محمّد، بيّن ذلك في مقالة بعنوان "الإعلام العلماني ودوره في حرب الصحوة الإسلاميّة". (2)
( الشيخ محمّد علي الهندي، بيّن ذلك في كتابه: "أيّها المحلّفون السلطان لله الواحد الديّان لا للإنسان".
( الأستاذ سامي عطا حسن، بيّن ذلك في كتابه: "فصل المقال فيما بين العلمانيّة والماسونيّة من الاتّصال".
( الشيخ الدكتور السيّد محمّد نوح، بيّن ذلك في كتابه (حاجة البشرية اليوم إلى الحكم بما أنزل الله كتاباً وسنّة).
( الشيخ عبدالغني الرحّال، بيّن ذلك في كتابه (الإسلاميّون وسراب الديمقراطيّة - دراسة أصوليّة لمشاركة الإسلاميين في المجالس النيابيّة).
( الأستاذ أبو إنصاف، بيّن ذلك في مقاله (منهجيّة التغيير الإسلامي). (3)
( الأستاذ يوسف منصور، بيّن ذلك في مقاله (العمل الجماعي). (4)
( الشيخ سعيد الحمادي، بيّن ذلك في مقاله (أحكام الجهاد بين النسء والنسخ). (5)
( والأستاذ محمد عبد السلام خليل، بين ذلك من خلال شعره الرائع الذي نشر في مجلة المنهاج الإسلامية العدد الأول.
(
__________
(1) المصدر السابق.
(2) مجلّة الفجر، عدد 48.
(3) مجلّة الفجر، عدد 47.
(4) المرجع السابق.
(5) مجلّة صوت الحقّ، العدد 81.(1/135)
الأساتذة: عبدالله الوظّاف، أحمد سلامة، فيصل عبدالعزيز وتوحيد عبدالحكيم، وبيان ذلك في كتاب الإيمان، فصل: أسباب الردّة.
( الأستاذ أبو حمزة المصري، بيّن ذلك في بعض رسائله ودروسه.
وقد بيّن ذلك ثلة من العلماء الأفاضل في الجزيرة العربيّة المسماة "السعودية" في رسالة "المناشدة" التي أرسلوها إلى الشيخ ابن باز بعد صدور فتواه بجواز الصلح مع اليهود، فقد جاء في الفقرة الثالثة من البيان أن هؤلاء الحكام (حكمهم قائمٌ على عقائد ومبادئ مغايرة للإسلام)، ووقّع الورقة قرابة ثلاثون عالماً، نقتصر على ذكر من لم نورد له فتوى في الصفحات السابقة منهم: ( الشيخ عبدالله بن خنين. ( الشيخ عبدالله بن قعود. ( الشيخ صالح الونيان. ( الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي. ( الشيخ إبراهيم الدبيان. ( الشيخ صالح السلطان. ( الشيخ عبدالله الجلالي. ( الشيخ عبد المحسن العبيكان. ( الشيخ محمد المنصور.
( الشيخ الدكتور سعيد آل زعير. ( الشيخ سعد الحميد. ( الشيخ الدكتور عبدالله بن حمود التويجري. ( الشيخ ناصر العقل. ( الشيخ عبدالله الطريقي.
( الشيخ عبدالله الخضيري. ( الشيخ عبدالوهاب الطريري. ( الشيخ عائض القرني. ( الشيخ سعيد الغامدي. ( الشيخ علي الدخيل الله. ( الشيخ الدكتور عبد الرحمن البراك.
وجاء في البيان: الذي دُونَ نصيحة للأمة وتحذيرها (من مناصرة الكافرين من العلمانيين واشتراكيين وبعثيين لأن الكفر ملة واحدة ولو اختلفت ألوانه وأسماءه وأنه لا يتم القضاء على هؤلاء إلاّ برفع راية الإسلام صريحة والبراء من كل ما يخالفها) ومن المشايخ الذين وقعوا هذا البيان -زيادة على الذين ذكرنا أقوالهم وأسماءهم من قبل منهم-: ( الشيخ محمد بن أحمد الفراج.
((1/136)
الشيخ على الخضير. ( الشيخ الدكتور سليمان بن ثنيان. ( الشيخ سليمان الرشودي. ( الشيخ دبيان بن محمد الدبيان. ( الشيخ الدكتور محمد بن صالح المديفر. ( الشيخ الدكتور ناصر العمر. ( الشيخ عبدالله بن إبراهيم الريس.
( الشيخ محمد بن حمود الفوزان. ( الشيخ عبدالله بن سليمان المسعري.
( الشيخ حمد الصليفيح. ( الشيخ يحيى بن عبد العزيز اليحيى. ( الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري. ( الشيخ محمد بن عبد الرحمن الدبيخي. ( الشيخ الدكتور محمد اللاحم. حفظهم الله جميعاً ومدّ في عمرهم ونفع المسلمين بعلمهم.
وقد وقع بعض هؤلاء المشايخ الرسالة المسماة "لماذا خافوا من اللجنة الشرعية؟ مع دراسة عن واقع القضاء في السعودية"، والتي جمعها الأستاذ سليمان النهدي حفظه الله تعالى، وقد صرّح بكفر حكام آل سعود فيها. وقد وقّع عليها، بالإضافة إلى من سبق ذكرهم: ( الشيخ الدكتور عبدالله الحامد.
( الدكتور محمد المسعري جزى الله الجميع خير الجزاء.
وبمثل هذا تُفتي معظم الحركات الإسلامية على اختلاف مواقع انتشارها وعملها، باستثناء البعض منها من الذين يؤمنون بطريق البرلمانات ويُجوِّزون الدخول فيها.
القسم الثالث:
فتاوى وأقوال نظريّة لا عمليّة!
(من بعض العلماء الذين كفّروا من لم يحكم بما
أنزل الله ولكنهم توقفوا في حق حكام بلادهم الكفرة)
وتحت هذا العنوان نرفق فتاوى بعض المشايخ الذين أقروا بكفر من لم يحكم بما أنزل الله تعالى، حتى أنّ منهم من عمّم ذلك على جميع الحكام، ولكنّه استثنى أمراء بلده وربّما استثنى معهم بعض جيرانهم.
((1/137)
وعلى رأس هؤلاء المفتين، مفتي السعوديّة الشيخ عبد العزيز بن باز قال: «ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أو تماثلها وتشابهها أو تَرَكَهَا وأحلّ محلّها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية وإن كان معتقداً أن أحكام الله خيرٌ وأكمل وأعدل». (1)
نقول: كلام الشيخ ابن باز هذا هو عين الصواب، ولكنه -وللأسف- لم يحكم على ملك بلاده بهذا الحكم. بل، والأنكى من هذا، أنه زعم أنّه أميرٌ للمسلمين! ليس هذا فقط، بل قد صرح في أكثر من مناسبة بأنّ حكام البلاد الإسلامية، الذين كفّرهم هو من قبل، زعم أنهم هم ولاة أمور المسلمين، وأن الذين يخرجون عليهم (يقصد إخواننا المجاهدين من أهل السنة والجماعة) هم بغاة وخوارج يجب تأديبهم وردعهم حتى يعودوا إلى رشدهم، والرشد عنده هو الرضى والسكوت عن هؤلاء الكفرة المرتدين.
( فتوى الشيخ محمد بن عثيمين، قال: «من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به أو احتقاراً له أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافرٌ كفراً مخرجاً من الملة، ومن هؤلاء من يصنعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية، لتكون منهاجاً يسير عليه الناس، فإنهم لم يصنعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة إلاّ وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلاّ وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه». (2)
(
__________
(1) أنظر خاتمة رسالته المسماة "وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه".
(2) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 2/143، عن كتاب وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج) للشيخ أبي إسراء الأسيوطي صـ 13.(1/138)
فتوى الشيخ أبو بكر الجزائري، قال إنّ: «من مظاهر الشرك في الربوبيّة: الخنوع للحكّام غير المسلمين، والخضوع التامّ لهم، وطاعتهم بدون إكراه منهم لهم، حيث حكموهم بالباطل، وساسوهم بقانون الكفر والكافرين فأحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال..». (1)
( فتوى الشيخ صالح الفوزان، قال: «فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} وقال: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}...». وقال أيضاً بعد نقله كلام ابن كثير حول الياسق: «ومثل القانون الذي ذكره عن التتار وحكم بكفر من جعله بديلاً عن الشريعة الإسلامية مثله القوانين الوضعيّة التي جُعلت اليوم في كثير من الدول هي مصادر الأحكام ولُغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلاّ فيما يسمّونه بالأحوال الشخصيّة...». (2)
( الدكتور يوسف القرضاوي قال: «...بل إن العلماني الذي يرفض مبدأ تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلاّ اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين، يجب أن يستتاب، وتُزاح عنه الشبهة وتقام عليه الحجة، وإلا حَكم القضاءُ عليه بالردّة وجُرّد من انتمائه إلى الإسلام أو سُحبت منه الجنسية الإسلامية، وفُرِّق بينه وبين زوجه وولده، وجَرت عليه أحكام المرتدّين المارقين في الحياة وبعد الوفاة». (3)
__________
(1) أنظر كتابه القيّم "منهاج المسلم". وللأسف حاد الشيخ عن الحق الذي كتبه ونشره وعلّمه، وغدا لا يخفي ولاءه وطاعته العمياء لحكّام آل سعود، حتّى أنّه أعلن خلال حرب الخليج الثانية أنّه إن لم يبقَ من آل سعود إلاّ امرأة لبايعها! ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
(2) نقلاً عن كتاب وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج) للشيخ أبي إسراء الأسيوطي صـ 48.
(3) أنظر كتابه "الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه" صـ 73-74.(1/139)
وقال كذلك في كتابه "العبادة": «فمن ادّعى من الخلق أنّ له أنْ يُشرِّع ما شاء، أمراً ونهياً، وتحليلاً وتحريماً، بدون إذنٍ من الله، فقد تجاوز حدّه وعدا طوره، وجعل نفسه ربّاً أو إلهاً من حيث يدري أو لا يدري. ومن أقرّ له بهذا الحقّ، وانقاد لتشريعه ونظامه، وخضع لمذهبه وقانونه، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، فقد اتّخذه ربّاً، وعبده مع الله أو من دون الله، ودخل في زمرة المشركين من حيث يشعر أو لا يشعر». (1)
( وبمثل هذا قال الدكتور محمد عبد القادر هنادي في كتابه "نحو دعوة إسلامية رشيدة".
ولكنهم -وللأسف- ذهبوا يُؤولون لهؤلاء الحكام حتى لا يُنزِلوا حكام بلادهم منزلة الحكّام الكافرين الذين صرحوا هم بكفرهم.
فهم بتأويلهم هذا قد أضلوا خلقاً كثيراً لتصدرهم للفتوى،وإن كنا نعلم أن كثيراً من طلاب العلم قد تنبهوا لذلك ورجعوا عن مثل هذا التأويل الذي ما أنزل الله تعالى به من سلطان فاللهم هداك هداك.
وأما الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ عبدالمجيد الزنداني فقد صرحوا بكفر هؤلاء الحكام الذين لم يحكموا بما أنزل الله تعالى من أمثال الذين يدينون بالمذهب العلماني والماركسي والليبرالي وغير ذلك من المذاهب الكافرة، ولكنهم توقفوا في الحكم على بعض حكام دول الخليج أمثال فهد وجابر، قالوا: نحن نقرّ بأن هناك الكثير من أفعال هؤلاء الحكام مخالفٌ للشريعة ولكنهم مع ذلك لم يزالوا يصرحوا عن أنفسهم بأنهم مسلمون ولا يدينون لأي مذهبٍ من هذه المذاهب الكافرة بل يعلنون أن الإسلام دينهم. (2)
الباب الثالث
الرد على شبهات أهل الإرجاء
مع بيان وجوب الخروج على
الحكّام المبدلين للشريعة
__________
(1) العبادة، صـ55.
(2) أنظر كتابات الشيخ عبدالرحمن التي تكلم فيها عن مثل هذه الأمور، مثل كتاب "فصول عن السياسة الشرعية". أما الشيخ مقبل فانظر كتابه "المخرج من الفتنة". نسأل الله لنا ولهم ولجميع المسلمين الهداية.(1/140)
الشبهة الأولى: كفرٌ دون كفر
الشبهة الأولى هي التفسير الخاطئ لقول ابن عبّاس - رضي الله عنه - ، حيث قال أن الكفر الوارد بالآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} هو "كفرٌ دون كفر".
يقول الدكتور صلاح الصاوي حفظه الله تعالى في معرض رده على هذه الشبهة أنه: «دَرَجَ المبطلون في هذا العصر على أن يشغبوا [وهو تهييج الشر] على ما سبق تقريره مما دلَّ عليه الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع الأمة من كفر من بدّل شرائع الله تعالى، أو ردَّ أحكام الله تعالى، بالقول بأن هذا الأمر من جنس الذنوب والمعاصي التي لا تخرج من الملة؟ وحجتهم في ذلك أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب إلاّ إذا استحلّه، وأن كثيراً [والصواب هو بعضٌ] من أهل العلم ذكر في تفسير قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] قول ابن عباس وطاووس ومجاهد وغيرهم أن هذا كفرٌ دون كفر، وأنه ليس كمن كفر بالله تعالى وملائكته، ويقولون إن التَّكفير بذلك هو منهج الخوارج الذين كانوا يكفرون مخالفيهم من أهل القبلة معتمدين على مثل هذه النصوص وعلى مثل قوله تعالى: {إن الحكم إلاّ لله} [يوسف: 40]. والعجيب أن هذه الشبه دخلت إلى أروقة المحاكم الوضعية التي انتصبت لمحاكمة التيار الإسلامي، فتجد ممثّلي الادعاء العام يبدءون ويعيدون في تكرار هذه المقولة متهمين أبناء الحركة الإسلامية بأنهم يرددون مقولات الخوارج؟ وأن مجتمعاتنا المعاصرة لم تنكر لله حكماً ولم تردّ له أمراً فلا يصدق عليها وصف الكفر الوارد في الآية، بل ولا يلحقها إثمٌ كذلك، نظراً للظروف الدقيقة التي تمرّ بها الأمة الإسلامية في واقعنا المعاصر». (1)
__________
(1) تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين صـ41.(1/141)
هذه هي جملة أقوالهم، وقد قام بالردّ على هذه الشبهة جمعٌ من العلماء الأفاضل، ولكن خشية الإطالة أقتصر على ردّ الشيخ أحمد شاكر وأخوه محمود شاكر رحمهما الله تعالى، قال الشيخ العلامة أحمد شاكر في "عمدة التفسير" تعليقاً على أثر ابن عباس المشار إليه أن: «هذه الآثار عن ابن عباس وغيره مما يلعب بها المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجراء على الدين يجعلونها عذراً أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضُربت على بلاد الإسلام، وهناك أثرٌ عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه فيما كان يصنع بعض الأمراء من الجور فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة عمداً إلى الهوى أو جهلاً بالحكم، والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر، فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء ليكون ذلك عُذراً لهم فيما يرون من الخروج عليهم بالسيف، وهذان الأثران رواهما الطبري [تحت رقم] «12025» و«12026» وكتب عليهما أخي محمود محمد شاكر تعليقاً نفيساً جداً قوياً صريحاً...» ثم قال: «فكتب أخي محمود محمد شاكر بمناسبة هذين الأثرين ما نصّه: «اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة، وبعد فإن أهل الريب والفتن ممن تصدّروا الكلام في زماننا هذا قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله، وفي القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام، فلمّا وقف على هذين الأثرين، اتخذهما رأياً يرى صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي عنها والعامل عليها...(1/142)
ومن البيّن أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يُلزموه الحجة في الأمراء لأنهم في معسكر السلطان، ولأنهم ربما عصوا وارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه، ولذلك قال لهم في الخبر الأول «12025» فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً، وقال لهم في الخبر الثاني «12026» «انهم يَعملون بما يَعلمون أنه ذنب» وإذن فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء في الأموال أو الدماء والأعراض بقانونٍ مخالف لشريعة الله، ولا في إصدار قانونٍ ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهذا الفعل إعراضٌ عن حكم الله ورغبة عن دينه، وإيثارٌ لأحكام أهل الكفر على حكمه سبحانه وتعالى، وهذا كفرٌ لا يشكُّ فيه أحدٌ من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه، والذي نحن فيه اليوم هو هجرٌ لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غير حكمه في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وادّعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما أنزلت لزمان غير زماننا ولعلل وأسباب انقضت فسقطت الأحكام كلها بانقضائها، فأين هذا مما بيّنا في حديث أبي مجلز والنفر من الإباضية من بني عمر بن سدوس؟ ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر ابن مجلز أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة فإنه لم يكن يحدث في تاريخ الإسلام أن سنّ حاكمٌ حكماً وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها، وهذه واحدة، والأخرى أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها فإنه إمّا يكون حكم بها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة، وإما أن يكون حكم بها هوىً ومعصية، فهذا ذنبٌ تناله التوبة، وتلحقه المغفرة، وإما أن يكون حكم بها متأولاً حكماً خالف به سائر(1/143)
العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأوّلٍ يستمد تأويله من الإقرار ببعض الكتاب وسنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأما أن يكون في زمان أبي مجلز أو قبله أو بعده، حاكمٌ حكمَ في أمرٍ جاحداً بحكمٍ من أحكام الشريعة، أو مؤثراً لأهل الكفر على أحكام أهل الإسلام، فذلك لم يكن قط، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضية إليه، فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها وصرفها إلى غير معناها، رغبةً في نُصرةِ سلطان أو احتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحُكْمُه في الشريعة كالجاحد لحكم من أحكام الله أن يستتاب فإن أصر وكابرَ وجحد حكم الله ورضيّ بتبديل الأحكام، فحكم الكافرِ المصر على كفره معروفٌ لأهل هذا الدين"». (1)
قال أبو إسراء الأسيوطي في التعقيب على هذا الكلام «فهذا الكلام من الشيخ أحمد شاكر وإقراره لكلام أخيه واضحٌ وضوح الشمس في التفرقة بين الحال التي قصدها ابن عباس وأبو مجلز والحال التي نحن فيها الآن وأن كلامهما وارد في أمراء الجور الذين يحكمون في قضية أو قضايا بغير ما أنزل الله مع كون الشريعة التي يحتكمون إليها هي شريعة الإسلام، وليس وارداً في من سن للناس قانوناً مخالفاً لشرع الله وألزمهم بالتحاكم إليه». (2)
__________
(1) أنظر "عمدة التفسير" 4/156-158 و"تفسير الطبري" 1/348 طبع دار المعارف .
(2) وقفاتٌ مع الشيخ الألباني حول شريط من منهج الخوارج، صـ 14، من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.(1/144)
وقال الشيخ الدكتور صلاح الصاوي في التعقيب على كلام الشيخ محمود شاكر «...إنّ الذي يواجهه العمل الإسلامي في واقعنا المعاصر ليس خللاً عارضاً أو انحرافاً جزئياً في قضية من القضايا حاد فيها القاضي عن الحق لهوىً أو رشوة كما هو حال الانحرافات في ظل المجتمعات الإسلامية، ولكنه خَللٌ في أصل قاعدة التحاكم في الدين الذي يجب أن تُردّ إليه الأمور عند النزاع في القانون الواجب الإتباع في حياة الأمة، هل هو الكتاب والسنة أم القوانين الوضعية التي تصدر عن البرلمان والسلطة التشريعية؟ إنه يتعلق بالإجابة على هذا السؤال: لمن الحكم في دار الإسلام؟ لشريعة الله أم لقوانين أوروبا؟ هل تقوم الدولة على تحكيم الشريعة الإسلامية؟ أم على تحكيم القوانين الوضعية؟». (1)
الشبهة الثانية:
لا يُكفّر أحد بذنب إلا إذا استحلّه
__________
(1) أنظر كتابه "تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين" صـ 45.(1/145)
الشبهة الثانية: هي قولهم "لا يُكفَّر أحدٌ بذنبٍ إلاّ إذا استحله". وقد رد على هذه الشبهة علماء أهل السنة قديماً وحديثاً، منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام ابن أبي العز الحنفي، قال رحمه الله تعالى أنه قد: «امتنع كثيرٌ من الأئمة عن إطلاق القول: بأنّا لا نكفر أحداً بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب كما تفعله الخوارج، وفرق بين النفي العام ونفي العموم، والواجب إنما هو نفي العموم مناقضةً لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب». (1) قال الشيخ أبو قتادة الفلسطيني حفظه الله تعالى معقباً على هذا القول: «وهذا بيّن واضح، فإنّ مجرد الاستحلال هو كفر وردة، لأن فيه الرد على الله تعالى، فالاستحلال بذاته مُكفِّرٌ ومخرجٌ من الملة، وهو أحد أنواع الكفر، ولكن الكفر أنواعٌ أخرى معروفةٌ لطلبة العلم، منها الاستهزاء، والجحود، والإعراض، والعناد، والإباء، والكفر يكون باللسان ويكون بالقلب ويكون بالعمل كما هو قول السلف وعامة الفقهاء... ومن الأمثلة الواضحة في ذلك ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإن أهل السنة يكفرونه سواءٌ استحل أو لم يستحله، سواءٌ كان مصدقاً لنبوته أم مكذباً لها، إذ مجرد السب هو كفرٌ أكبر مخرجٌ من الملة... هذا وقد تبيّن أن تبديل الشريعة وسن القوانين والتشريعات المخالفة المعاندة لحكم الله تعالى إما بوصفها أو بأصلها، كإباحة الخمر والزنا وتحريم الجهاد وتعدد الزوجات هذه بأصلها، أو بوصف بعض الحدود وذلك بتقليل العقوبات أو بزيادتها، فهذا كفرٌ أكبر سواء استحلّ هذا الفعل أو لم يستحله، بل إنّ ما فعله هو عين تحليل الحرام المجمع عليه [أي المجمع على كفر فاعله] وهو تبديلٌ لدين الله تعالى، وقد قال ابن تيمية أن التبديل كفرٌ وردةٌ باتفاق والحمد لله رب العالمين». (2)
الشبهة الثالثة: لماذا لم يُكفَّر المأمون؟
__________
(1) شرح الطحاوية 2/432.
(2) من رسالة خاصّة له بعنوان "متى يشترط الاستحلال للتكفير".(1/146)
الشبهة الثالثة: وهي "لماذا لم يكفر الإمام أحمد رحمه الله تعالى المأمون الذي يقول بخلق القرآن"؟ توجّهت بهذا السؤال إلى الشيخ عمر بن محمود أبو عمر «أبي قَتادة الفلسطيني» حفظه الله تعالى، فأجاب مشكوراً بما يلي:
«مِنْ شُبَه بعضهم في عدم تكفير الحكام المبدلين لشريعة الرحمن ووجوب الخروج عليهم وعدم جواز عقد البيعة لهم قولهم: أن الأئمة وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل لم يكفّروا المأمون مع قوله بخلق القرآن ونفي صفات الباري ولم يخرجوا عليه. نقول وبالله التوفيق: إن هذه الشبهة لا تنطلي إلاّ على الجهلة وغمار الناس، وقائلها إما أنه جاهل أو أنه متلعب بدين الله تعالى، أمّا من كان عارفاً بحالنا، عالماً بأي شيء كفر حكام اليوم، وهو عالمٌ كذلك بمذهب أئمة السلف مع المتأولين علم أنه لا يجوز المقارنة بحالٍ من الأحوال، إذ هناك فرقٌ كبيرٌ بين من أعرض عن الشريعة ونبذها عن قصد ونية، وبين المتأول الذي قصد الحق وأخطأه، فالمأمون ثم المعتصم لقولهم بخلق القرآن، ومن كان على طريقتهم من الجهمية وهم الذين ينفون صفات الله تعالى هؤلاء متأولون، وللمتأولين في ديننا وفي مذهب أهل السنة قول وحكم هو كالإجماع عند الأوائل وإن حصل فيه الخلاف عند المتأخرين.(1/147)
التأويل: هو اعتقاد غير الدليل دليلاً، وصورته: أن يقول المرء قولاً أو يعتقد أمراً أو يفعل فعلاً وهو يظن أن هذا القول وهذا الفعل وهذا الاعتقاد هو الحق الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو في حقيقة الأمر وفي نفس الأمر ليس كذلك، فهو رجل يريد الحق ولا يُدركه، وهذا حال أهل البدع في أمّتنا فإِنهم يريدون الحق ولكنهم أخطأوه، والبدع قد تكون في العلْميات «كالبدع الاعتقادية» وقد تكون في العملِيات، وهؤلاء مع قولهم وفعلهم واعتقادهم المخالف للشريعة إلاّ أن قصدهم يعذرهم في نفس الأمر، ولهذا نهى الأئمة عن تكفير المتأوّلين، وقد كتب ابن حزم كتاباً في هذا ذكره في كتابه "إحكام الأحكام"، وهذا مذهب أهل السنة خلافاً للخوارج والمعتزلة فإنهم يُكفّرون المخالفين، أما أهل السنة فمع اعتقادهم أن بعض أقوال المخالفين هي كفرٌ بعينها ولكن يمتنعون عن تكفير كل قائل لها، إذ هناك فرق بين التكفير بالنوع وبين تكفير العين، وهذا يعرفه صغار طلبة العلم. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده، ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفرُ لهُ خطاياه كائناً من كان، سواءً كان في المسائل النظرية، أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماهير أئمة الإسلام" إلى أن قال: "كان الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يُكفرّ الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظاهرةٌ بينة... لكن ما كان يُكفّرُ أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يُعاقب مخالفه أعظمُ من الذي يدعو فقط...(1/148)
ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية، ويدعون الناس إلى ذلك ويُعاقبونهم، ويُكفرون من لم يُجبهم، ومع هذا فالإمام أحمد -رحمه الله تعالى- ترحمّ عليهم، واستغفرَ لهم، لعلمه بأنهم لم يُبَيَّنُ لهم أنهم مكذبون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولّوا فأخطئوا، وقلّدوا من قال لهم ذلك...". (1)
فهذا هو شأن الأئمة مع المتأولين، فقصد المتأولين إصابة الحق، وعدم قصدهم تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم جحدهم ما جاء به، مانع من موانع تكفير المُعيّن منهم مع قولهم بأقوالٍ مُكفّرة.
أما حكام زماننا فقد تبيّن لكل ذي بصيرة ونظر أنهم قصدوا مخالفة الشريعة، بل أعلنوا في دساتيرهم وقوانينهم: أن السيادة للشعب، والسيادة هي سلطةٌ عليا مطلقة لها الحق في تقييم الأشياء والأفعال، وهذا يعدل في ديننا اسم الرب: السيد والصمد والحكم، وهو عين الكفر، وعين مضاهاة حكم الله، وعين الإعراض والإباء، فكيف ساوى هؤلاء العُميان والجهلة بين رجلٌ أعلن أن الله هو صاحبُ الأمر والنهي، ولكنه أخطأ في فهم الأمر والنهي، وبين رجل رفض أن يكون الأمرُ والنهي لله تعالى، بل جعله لنفسه؟ فهل هذا كهذا يا عباد الله؟ نعوذ بالله من الخذلان.
ولذلك مما أجمع عليه علماؤنا أن التشريع كفر كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الاعتصام الجزء الأول صـ 61 قال: "وأجمعوا كذلك أن تبديل الدين شركٌ وكفر" وقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء". (2)
__________
(1) أنظر "نواقض الإيمان القولية والعملية" للشيخ الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف صـ52-53.
(2) مجموع الفتاوى 3/267.(1/149)
فهل ما فعله هؤلاء الحكام أنهم أرادوا تطبيق حكم الله تعالى فأخطئوا في تطبيقه، أم أنهم ابتداءً قصدوا نبذ القرآن والسنة والأخذ بقول الإفرنج في التحليل والتحريم؟
إن من زعم أن هؤلاء الحكام المبدلين قد أرادوا الخير وتطبيق الشريعة ولكنهم أخطئوا الطريق فهو كاذبٌ عليهم أولاً ثمّ هو يكذبُ على نفسه، والواقع بكل ما فيه يرد عليه ويُكذبُه، إذ مخالفة هؤلاء الحكام للشريعة لا بسبب خطأ في فهمها ولكن بقصد مخالفتها ومضاهاتها ومضادتها، وهذا واضحٌ بيّن، بل هم يُصرحون أن الشريعة لا دخل لها في سياساتهم ولا في قوانينهم وإنما الدين هو بين العبد وربه فقط فيما يَزعُمون. فليتق هؤلاء ربهم ولا يُزوروا على الناس دينهم».
انتهى كلام الشيخ حفظه الله تعالى، ونسأله تعالى أن ينفع به وبعلمه الإسلام والمسلمين وأن يجزيه عنا خيرَ الجزاء. وقد كتب الشيخ هذا الجواب بتاريخ 14 محرم 1418هـ، الموافق 21/5/1997مـ.
الشبهة الرابعة: عمل يوسف عند ملك مصر (1)
«إعلم أنّ هذه الشبهة تعلّق بها أهل الأهواء العارون من الأدلة...
فقالوا: ألم يتولّ يوسف عليه السلام منصب الوزارة عند ملك كافر لا يحكم بما أنزل الله تعالى؟ إذن يجوز المشاركة بالحكومات الكافرة بل والولوج في البرلمانات ومجالس الأمة ونحوها..
فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أولاً: إنَّ الاحتجاج بهذه الشبهة على الولوغ في البرلمانات التشريعية وتسويغها باطل وفاسد، لأن هذه البرلمانات الشركية قائمة على دين غير دين الله تعالى ألا وهو دين الديمقراطية الذي تكون ألوهية التشريع والتحليل والتحريم فيه للشعب لا لله وحده..
__________
(1) أجاب عليها فضيلة الشيخ أبو محمّد المقدسي حفظه الله تعالى في كتابه: "الديمقراطيّة دين، {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه}"، صـ12-17.(1/150)
وقد قال تعالى: {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85]. فهل يجرؤ زاعمٌ أن يزعم بأنَّ يوسف عليه السلام اتبع ديناً غير دين الإسلام أو ملّة غير ملّة آبائه الموحِّدين.. أو أقسم على احترامها..؟؟ أو شرَّع وِفقاً لها..؟؟ كما هو حال المفتونين بتلك البرلمانات..؟؟.
كيف وهو يعلنها بملء فيه في وقت الاستضعاف فيقول: {إني تركتُ ملّة قومٍ لا يُؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعتُ ملّة ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء} [يوسف: 37-38].
ويقول: {يا صاحبيَ السّجن ءأربابٌ مُّتفرقون خيرٌ أمِ الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سمَّيتموها أنتم وءاباؤُكم ما أنزل الله بها من سلطان إنِ الحكمُ إلالله أمر ألاَّ تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: 39-40].
أفيُعلنها ويصدع بها ويدعو إليها وهو مستضعف.. ثم يُخفيها أو ينقضها بعد التمكين..؟؟!!.
أجيبونا يا أصحاب الاستصلاحات..!!
ثم ألا تعلمون يا دهاقين السياسة أن الوزارة سلطة تنفيذية والبرلمان سلطة تشريعية.. وبين هذه وهذه فروق وفروق، فالقياس هاهنا لا يصح عند القائلين به... ومنه تعلم أن الاستدلال بقصة يوسف عليه السلام على تسويغ البرلمانات لا يصح أبداً، ولا مانع أن نُواصل إبطال استدلالهم بها على الوزارة لاشتراك المنصبين في زماننا بالكفر..
ثانياً: إنَّ مُقايسة تولي كثير من المفتونين للوزارة في ظلِّ هذه الدول الطاغوتية التي تشرع مع الله وتحارب أولياء الله وتوالي أعداءه على فِعل يوسف عليه السلام قياس فاسد وباطل من وجوه:(1/151)
1- أنَّ متولي الوزارة في ظلِّ هذه الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله تعالى لابد وأن يحترم دستورهم الوضعي ويدين بالولاء والإخلاص للطاغوت الذي أمره الله أول ما أمره أن يكفر به {يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمِروا أن يكفروا به} [النساء: 60]. بل لابد عندهم من القسم على هذا الكفر قبل تولي المنصب مباشرة تماماً كما هو الحال بالنسبة لعضو البرلمان. ومن يزعم أن يوسف الصدِّيق الكريم ابن الكريم ابن الكريم كان كذلك مع أن الله زكاه وقال عنه: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [يوسف: 24]. فهو من أكفر الخلق وأنتنهم، قد برئ من الملّة ومرق من الدين، بل هو شرٌّ من إبليس اللعين الذي استثنى حين أقسم فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [ص: 82-83].
ويوسف عليه السلام يقيناً وبنص كلام الله تعالى من عباد الله المخلصين بل من ساداتهم..
2- إنَّ متولي الوزارة في ظلِّ هذه الحكومات -أقسم اليمين الدستورية أم لم يقسم- لابد له أن يدين بالقانون الكفري الوضعي وأن لا يخرج عنه أو يخالفه، فما هو إلا عبدٌ مخلصٌ له وخادمٌ مطيعٌ لمن وضعوه في الحقِّ والباطل والفسق والظلم والكفر..
فهل كان يوسف الصدِّيق كذلك، حتى يصلح الاحتجاج بفعله لتسويغ مناصب القوم الكفرية..؟؟ إنَّ مَن يرمي نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله بشيءٍ من هذا لا نشكُ في كفره وزندقته ومروقه من الإسلام.. لأن الله تعالى يقول: {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36]. فهذا أصل الأصول وأعظم مصلحة في الوجود عند يوسف عليه السلام وسائر رسل الله..(1/152)
فهل يعقل أن يدعو النَّاس إليه في السراء والضراء وفي الاستضعاف والتمكين ثم هو يناقضه فيكون من المشركين؟؟ كيف والله قد وصفه بأنه من عباد الله المخلصين؟؟ ولقد ذكر بعض أهل التفسير أنَّ قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك...} [يوسف: 76]. دليل على أنَّ يوسف عليه السلام لم يكن مُطبقاً لنظام الملك وقانونه ولا مُنقاداً له ولا مُلزماً بالأخذ به..
فهل يوجد في وزارات الطواغيت أو برلماناتهم اليوم مثل هذا؟؟ أي أن يكون حال الوزير فيها كما يقال «دولة داخل دولة»..؟؟ فإن لم يوجد فلا وجه للقياس ها هنا..
3- إنَّ يوسف عليه السلام تولى تلك الوزارة بتمكين من الله عز وجل، قال تعالى: {وكذلك مكّنّا ليوسف في الأرض} [يوسف: 56]. فهو إذاً تمكين من الله، فليس للملك ولا لغيره أن يضره أو يعزله من منصبه ذاك، حتى وإن خالف أمر الملك أو حكمه وقضاءه...
فهل لهؤلاء الأرذال المتولين عند الطواغيت اليوم نصيبٌ من هذا في مناصبهم المهترئة التي هي في الحقيقة لعبة بيد الطاغوت، حتى يصح مقايستها على ولاية يوسف عليه السلام تلك وتمكينه ذاك؟.
4- إنَّ يوسف عليه السلام تولى الوزارة «بحصانة» حقيقية كاملة من الملك، قال سبحانه وتعالى: {فلما كلَّمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} [يوسف: 54]. فأطلقت له حرية التصرف كاملة غير منقوصة في وزارته {وكذلك مكّنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء} [يوسف: 56]. فلا معترض عليه ولا محاسب له ولا رقيب على تصرفاته مهما كانت.. فهل مثل هذا موجود في وزارات الطواغيت اليوم أم أنها حصانات كاذبة زائفة... تُزال وتسحب سريعاً إذا لعب الوزير بذيله، أو ظهر عليه شيء من المخالفة أو الخروج عن خط الأمير أو دين الملك؟؟ فما الوزير عندهم إلا خادماً لسياسات الأمير أو الملك يأتمر بأمره وينتهي عن نهيه، وليس له الحق بأن يُخالف أمراً من أوامر الملك أو الدستور الوضعي ولو كان مضاداً لأمر الله تعالى ودينه...(1/153)
ومن زعم أن شيئاً من هذا يشبه حال يوسف عليه السلام في ولايته فقد أعظم الفرية وكفر بالله وكذّب تزكيته سبحانه ليوسف عليه السلام...
فإن علم أن حاله عليه السلام ووضعه ذاك غير موجود اليوم في وزارات الطواغيت... فلا مجال للقياس ها هنا، إذاً فليترك البطالون عنهم الهذر والهذيان في هذا الباب..
ثالثاً: من الردود المبطلة لهذه الشبهة، ما ذكر بعض أهل التفسير من أن الملك قد أسلم، وهو مروي عن مجاهد تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا القول يدفع الاستشهاد بهذه القصة من أصله...
ونحن ندين الله ونعتقد بأن اتباع عموم أو ظاهر آية في كتاب الله تعالى أولى من كلام وتفسيرات وشقشقات واستنباطات الخلق كلّهم العارية من الأدلة والبراهين... فمما يدل على هذا القول؛ قوله تبارك وتعالى عن يوسف عليه السلام: {وكذلك مكّنّا ليوسف في الأرض} [يوسف: 21].
وهذا مجمل قد بيّنه الله تعالى في موضع أخر من كتابه فوصف حال من يُمَكِّنَ لهم في الأرض من المؤمنين بقوله: {الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحجّ: 41].
ولاشك أن يوسف عليه السلام من هؤلاء بل من ساداتهم، الذين إن مكنهم الله أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.. ولاشك ولا ريب عند من عرف دين الإسلام أن أعظم معروف فيه هو التوحيد الذي كان أصل الأصول في دعوة يوسف وآبائه عليهم السلام... وأعظم منكر هو الشرك الذي كان يحذر منه يوسف ويمقت ويبغض ويُعادي أربابه.. وفي دلالة واضحة وقاطعة على أن يوسف بعد أن مَكَّنَ الله له كان صادعاً بملة آبائه يعقوب واسحاق وإبراهيم، آمراً بها ناهياً محارباً لكلِّ ما خالفها وناقضها... فلا هو حكم بغير ما أنزل الله، ولا هو أعان على الحكم بغير ما أنزل الله، ولا أعان الأرباب المشرِّعين والطواغيت المعبودين من دون الله ولا ظاهرهم أو تولاهم كما يفعل المفتونون في مناصبهم اليوم..(1/154)
فضلاً أن يُشاركهم في تشريعاتهم كما يفعل اليوم المفتونون في البرلمانات بل يُقال جزماً إنه قد أنكر حالهم وغيَّر مُنكرهم وحكم بالتوحيد ودعا إليه ونابذ وأبعد من خالفه وناقضه كائناً من كان... وذلك بنص كلام الله تعالى... ولا يصف الصدِّيقَ الكريم ابن الأكرمين بغير هذا إلا كافرٌ خبيثٌ قد برىء من ملّته الطاهرة الزكية...
ومما يدل على هذا أيضاً دلالة واضحة ويؤكده.. بيان وتفسير مجمل قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} [يوسف:54]. فما تُرى الكلام الذي كلّم يوسف الملك به هنا، حتى أعجِب به ومكّنه وأمنه؟؟. أتُراه انشغل بذكر قصة امرأة العزيز وقد انتهت وظهر الحق فيها... أم تُراه كلَّمه عن الوحدة الوطنية!! والمشكلة الاقتصادية!! و..و... أم ماذا؟؟؟.
ليس لأحد أن يرجم بالغيب ويقول ها هنا بغير برهان، فإنْ فعلَ فهو من الكاذبين.. لكن المبيِّن المفسر لقوله تعالى: {فلما كلَّمه} واضحٌ صريحٌ في قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كلِّ أمةٍ رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].
وقوله تعالى: {ولقد أُوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركتَ ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر: 65].
وقوله تعالى في وصف أهم المهمات في دعوة يوسف عليه الصلاة السلام: {إني تركتُ ملَّة قومٍ لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون. واتبعت ملّة ءاباءي إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء..} [يوسف:37-38].
وقوله تعالى عنه: {...ءأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيِّم ولكن أكثر النّاس لا يعلمون} [يوسف:39-40].(1/155)
لاشك أنَّ هذا أعظم كلام عند يوسف عليه السلام فهو الدين القيِّم عنده وأصلُ أصولِ دعوته وملَّته وملَّة آبائه.. فإذا أمر بمعروف فهذا أعظم معروف يعرفه... وإن نهى عن منكر فليس بمنكر عنده أنكر مما يُناقض هذا الأصل ويُعارضه.. فإذا تقرر هذا.. وكان جوابُ الملك له: {إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين} [يوسف:54]. فهو دليلٌ واضحٌ على أنَّ الملك قد تابعه ووافقه عليه وأنه قد ترك ملَّة الكفر واتبع ملَّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام...
أو قُل إنْ شئتَ: على أقلِّ الأحوال أقرّه على توحيده وملَّة آبائه، وأطلق له حرية الكلام والدعوة إليها وتسفيه ما خالفها ولم يعترض عليه في شيءٍ من ذلك ولا كلفه بما يُناقضه أو يخالفه... وحسبك بهذا فرقاً عظيماً بين حاله عليه السلام هذه.. وبين حال المفتونين من أنصار الطواغيت وأعوانهم في وزارات اليوم أو المشاركين لهم بالتشريع في برلماناتهم..
رابعاً: إذا عرفت ما سبق كلَّه وتحقق لديك يقيناً بأنَّ تولي يوسف عليه السلام للوزارة لم يكن مخالفاً للتوحيد ولا مُناقضاً لملَّة إبراهيم كما هو حال توليها في هذا الزمان..(1/156)
فعلى فرضِ أن الملك بقي على كفره.. فتكون مسألةُ تولي يوسف هذه الولاية مسألةً من مسائل الفروع لا إشكال فيها في أصل الدين لما تقرر من قبل بأن يوسف لم يقع منه كفرٌ أو شركٌ أو تولي للكفار أو تشريعٌ مع الله بل كان آمراً بالتوحيد ناهياً عن ذلك كلِّه.. وقد قال الله تعالى في باب فروعُ الأحكام: {لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً} [المائدة: 48]. فشرائعُ الأنبياء قد تتنوع في فروع الأحكام لكنِّها في باب التوحيد واحدة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «نحن معاشرَ الأنبياء إخوةٌ لعلات ديننا واحد» [رواه البخاري]. يعني: إخوةٌ من أمهات مختلفة والأب واحد.. إشارةٌ إلى الإتفاق في أصل التوحيد والتنوع في فروع الشريعة وأحكامها... فقد يكون الشيءُ في باب الأحكام في شريعة من قبلنا حراماً ثم يحل لنا كالغنائم، وقد يحصل العكس، أو شديداً على من قبلنا فيخفف عنا وهكذا.. ولذا فليس كلُّ شرعٍ في شرع من قبلنا شرعٌ لنا.. خصوصاً إذا عارضه من شرعنا دليل..
وقد صح الدليل في شرعنا على معارضة هذا الذي كان مشروعاً ليوسف عليه السلام، وتحريمه علينا.. فروى ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبراني أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتين عليكم أُمراء سفهاء يقربون شرار النّاس، ويُؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفًا، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولاخازناً».(1/157)
والراجحُ أنَّ هؤلاء الأمراء ليسوا كفاراً بل فُجاراً سفهاء، لأن المحذِّر عادةً إذا حذر فإنما يذكر أعظم المفاسد والمساوئ، فلو كانوا كفاراً لبينه - صلى الله عليه وسلم - ، لكن أعظمَ جرائمهم التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا؛ هي تقريب شِرار النّاس وتأخيُر الصلاة عن مواقيتها.. ومع هذا فقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ها هنا نهياً صريحاً عن أن يكون المرءُ لهم خازناً.. فإذا كان توالي وظيفة الخازن عند أُمراء الجور منهياً عنه في شرعنا ومحرماً.. فكيف بتولي وزارة الخزانة عند ملوك الكفر وأُمراء الشرك؟. {قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم} [يوسف: 55]. فهذا دليلٌ صحيحٌ وبرهانٌ صريحٌ على أنَّ هذا كان من شرع من قبلنا ، وأنه منسوخٌ في شرعنا... والله تعالى أعلم..
وفي هذا الكفاية لمن أراد الهداية.. لكن من يُقدِّم استحسانه واستصلاحه وأقاويل الرجال على الأدلة والبراهين، فلو انتطحت الجبال بين يديه لما ظفر بالهدى.. {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً..} [المائدة: 41].(1/158)
وأخيراً وقبل أن أختم الكلام على هذه الشبهة أُنبِّه إلى أنَّ بعض المفتونين الذين يسوِّغون الشرك والكفر باستحسانهم واستصلاحهم الولوغَ في الوزارات الكفرية والبرلمانات الشركية يخلطون في حججهم وشبههم كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حول تولي يوسف عليه السلام الوزارة... وهذا في الحقيقة مِن لَبس الحق بالباطل ومن الافتراء على شيخ الإسلام وتقويله ما لم يقله.. إذ هو رحمه الله تعالى لم يحتج بالقصة لتسويغ المشاركة في التشريع والكفر أو الحكم بغير ما أنزل الله... معاذ الله فإننا نُنزه شيخ الإسلام ودينَه بل نُنزه عقله عن مثل هذا القول الشنيع الذي لم يجرؤ على القول به إلا هؤلاء الأرذال في هذه الأزمنة المتأخرة، نقول هذا.. حتى ولو لم نقرأ كلامه في هذا الباب، لأن مثل هذا الكلام لا يقوله عاقل، فضلاً عن أن يصدر من عالم رباني كشيخ الإسلام رحمه الله تعالى-... فكيف وكلامُه في هذا الباب واضحٌ وجليٌّ.. حيث كان كلُّه مُنصباً على قاعدة درء أعظم المفسدتين وتحصيلِ أعلى المصلحتين عند التعارض.. وقد علمتَ أنَّ أعظم المصالح في الوجود هي مصلحةُ التوحيد وأنَّ أعظم المفاسد هي مفسدة الشرك والتنديد.. وقد ذَكر أنَّ يوسف عليه السلام كان قائماً بما قدر عليه من العدل والإحسان، كما في الحسبة (1) حيث يقول في وصف ولايته: «وفَعلَ من العدل والخير ما قدر عليه ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان».
ويقول: «لكنْ فَعلَ الممكنَ من العدل والإحسان». (2)
ولم يذكر مُطلقاً أنَّ يوسف عليه السلام شرّع مع الله تعالى أو شارك بالحكم بغير ما أنزل الله أو اتبع الديمقراطية أو غيرها من الأديان المناقضة لدين الله، كما هو حالُ هؤلاء المفتونين الذين يخلطون كلامه رحمه الله تعالى بحججهم الساقطة وشبهاتهم المتهافتة ليضلوا الطَغام، وليلبسوا الحق بالباطل والنور بالظلام...
__________
(1) مجموع الفتاوى، جـ28 صـ68.
(2) مجموع الفتاوى، جـ20 صـ56.(1/159)
ثم نحن يا أخا التوحيد... قائدنا ودليلنا الذي نرجع إليه عند التنازع هو الوحي لا غير كلام الله وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وكلُّ أحدٍ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيؤخذ من قوله ويرد -فلو أنَّ مثل ما يزعمون صدر عن شيخ الإسلام وحاشاه- لمَا قبلناه منه ولا ممن هو أعظمُ منه من العلماء، حتى يأتينا عليه بالبرهان من الوحي... {قل إنما أُنذِركم بالوحي} [الأنبياء: 45]، {قلْ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111].
فتنبه لذلك وعَض على توحيدك بالنواجذ، ولا تغتر أو تكترث بتلبيسات وإرجافات أنصار الشرك وخصوم التوحيد... أو تتضرّر بمخالفتهم وكن من أهلِ الطائفة القائمة بدين الله الذين وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا يضرّهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتيَ أمرُ الله وهم كذلك». [فتح الباري، جـ13 صـ95]».
الشبهة الخامسة: أنَّ النجاشي لم
يحكم بما أنزل الله ومع ذلك كان مسلماً (1)
«واحتج أهلُ الأهواء أيضاً بقصة النجاشي للترقيع لطواغيتهم المشرِّعين سواءَ كانوا حكاماً أو نوّاباً في البرلمان أو غيرهم...
فقالوا: إنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله تعالى بعد أن أسلم وبقي على ذلك إلى أن مات ومع هذا فقد سماه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عبداً صالحاً وصلى عليه وأمر أصحابه بالصلاة عليه .
فنقول وبالله تعالى التوفيق:-
__________
(1) أجاب عليها فضيلة الشيخ أبو محمّد المقدسي في كتابه: "الديمقراطيّة دين..."، صـ18-20.(1/160)
أولاً: يلزم المحتج بهذه الشبهة المتهافتة قبل كلِّ شيءٍ أن يثبت لنا بنصٍ صحيحٍ صريحٍ قطعي الدلالة أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله بعد إسلامه.. فقد تتبعتُ أقاويلهم من أولها إلى أخرها.. فما وجدتُ في جعبتهم إلا استنباطات ومزاعم جوفاء لا يدعمُها دليلٌ صحيحٌ ولا برهانٌ صادقٌ، وقد قال تعالى: {قل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111]. فإذا لم يأتوا بالبرهان على ذلك فليسوا من الصادقين بل هم من الكاذبين..
ثانياً: إنَّ مِن المسَلَّم به بيننا وبين خصومنا أنَّ النجاشي قد مات قبل اكتمال التشريع.. فهو مات قطعاً قبل نزول قوله تعالى: {اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام ديناً...} [المائدة: 3]. إذ نزلت هذه الآية في حَجة الوداع، والنجاشي مات قبل الفتح بكثير كما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- وغيره.. (1)
__________
(1) أنظر البداية والنهاية جـ3 صـ277.(1/161)
فالحكمُ بما أنزل الله تعالى في حقه آنذاك؛ أن يحكم ويتبع ويعمل بما بلغه من الدين، لأن النذارة في مثل هذه الأبواب لابد فيها من بلوغ القرآن قال تعالى: {وأُوحِيَ إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به ومن بلغ..} [الأنعام: 19]. ولم تكن وسائل النقل والاتصال في ذلك الزمان كحالها في هذا الزمان إذ كانت بعض الشرائع لا تصل للمرء إلا بعد سنين وربما لا يعلم بها إلا إذا شدَّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرحال... فالدينُ ما زال حديثاً والقرآنُ لا زال يتنزل والتشريعُ لم يكتمل... ويدل على ذلك دلالةً واضحة.. ما رواه البخاريُّ وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كنا نُسلِّم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إنَّ في الصلاة شغلاً».. فإذا كان الصحابة الذين كانوا عند النجاشي بالحبشة مع العلم أنهم كانوا يعرفون العربية ويتتبعون أخبار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغهم نسخ الكلام والسلام في الصلاة مع أنَّ الصلاة أمرها ظاهر لأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلي بالنّاس خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة... فكيف بسائر العبادات والتشريعات والحدود التي لا تتكرر كتكرر الصلاة؟؟.
فهل يستطيع أحدٌ من هؤلاء الذين يدينون بشرك الديمقراطية اليوم أن يزعم أنه لم يبلغه القرآن والإسلام أو الدين حتى يَقيس باطله بحال النجاشي قبل اكتمال التشريع...؟؟؟
ثالثاً: إذا تقرر هذا فيجب أن يُعلم أنَّ النجاشي قد حكم بما بلغه مما أنزل الله تعالى، ومَنْ زعم خلافَ هذا، فلا سبيل إلى تصديقه وقبول قوله إلا ببرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111].. وكلُّ ما يذكره المستدلون بقصته يدلُ على أنَّه كان حاكماً بما بلغه مما أنزله الله تعالى آنذاك...(1/162)
1- فمما كان يجبُ عليه آنذاك من اتباع ما أنزل الله: «تحقيق التوحيد والإيمان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله»... وقد فعل. انظر ذلك فيما يستدل به القوم.. رسالته التي بعثها إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - .. ذكرها عمر سليمان الأشقر في كُتيّبه: «حكم المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية». (1)
2- وكذا بيعتَه للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - والهجرة، ففي الرسالة المشار إليها آنفاً يذكر النجاشي: «أنه قد بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبايع ابنٌ له جعفر وأصحابه وأسلم على يديه لله ربِّ العالمين، وفيها أنه بعثَ إليه بابنه أريحا بن الأصحم ابن أبجر، وقوله: إنْ شئتَ أن آتيك فعلتُ يا رسول الله فإنني أشهدُ أنَّ ما تقولُ حق». فلعلَّه مات بعد ذلك مباشرة، أو لعلَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُرِدْ منه ذلك آنذاك... كلُّ هذه أمور غير ظاهرة ولا بينة في القصة فلا يحل الجزم بشيء منها والاستدلال به، فضلاً عن أن يُناطح به التوحيد وأصولُ الدين!!!.
3- وكذا نصرةُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ودينه وأتباعه، فقد نصر النجاشي المهاجرين إليه وآواهم وحقّق لهم الأمن والحماية، ولم يخذلهم أو يُسلمهم لقريش، ولا ترك نصارى الحبشة يتعرضون لهم بسوء رغم أنهم كانوا قد أظهروا معتقدهم الحق في عيسى عليه السلام... بل ورد في الرسالة الأخرى التي بعثها إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (وقد أوردها عمر الأشقر في كتابه المذكور صفحة 73) أنه بعث بابنه ومعه ستين رجلاً من أهل الحبشة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وكلُّ ذلك نصرةٌ له واتباعٌ وتأييد..
__________
(1) الصفحة 71 من كتابه المذكور، وهي في زاد المعاد جـ3 صـ60.(1/163)
ومع هذا فقد تهوّر عمر الأشقر فجزم في كتابه المذكور (ص73) أنَّ النجاشي لم يحكم بشريعة الله وهذا كما عرفتَ كذبٌ وافتراءٌ على ذلك الموحِّد.. بل الحق أن يُقال إنه حكم بما بلغه مما أنزل الله آنذاك، ومن زعم خلافه فلا يُصدق إلا ببرهانٍ صحيحٍ قطعيّ الدلالة، وإلا كان من الكاذبين {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}. وهو لم يأتِ على دعواه هذه بدليلٍ صحيحٍ صريح، لكن تتبّع واحتطب من كتب التاريخ بليلٍ أموراً ظنها أدلة.. والتواريخ معروفٌ حالها...
يقول القحطاني الأندلسي -رحمه الله تعالى- في نونيته:-
لا تقبلن من التوارخ كلما ... جمع الرواة وخط كلَّ بنانِ
اروِ الحديث المنتقى عن أهله ... سيما ذوي الأحلام والأسنانِ
فيقال له ولمن تابَعَه: «أثبتوا العرش ثم انقشوا»..
رابعاً: إنَّ الصورة في قصة النجاشي لحاكم كان كافراً ثم أسلم حديثاً وهو في منصبه، فأظهر صدق إسلامه بالاستسلام الكامل لأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنْ يُرسل إليه ابنه وبرجال من قومه ويبعثُ معهم إليه يستأذنه بالهجرة إليه ويظهرُ نصرتَه ونصرةَ دينه وأتباعه، بل ويظهرُ البراءة مما يُناقضه من معتقده ومعتقد قومه وآبائه... ويُحاول أن يطلب الحق ويتعلم الدين وأن يُسدد ويُقارب إلى أن يلقى الله على هذه الحال وذلك قبل اكتمال التشريع وبلوغه إليه كاملاً... هذه هي الصورة الحقيقية الواردة في الأحاديث والآثار الصحيحة الثابتة في شأنه.. ونحن نتحدى مخالفينا في أن يثبتوا غيرها.. لكن بدليل صريحٍ صحيحٍ أما التواريخ فلا تُسمن ولا تُغني من جوع وحدها دون إسناد...(1/164)
أما الصورة المستدلّ لها والمقيسة عليه فهي صورةٌ خبيثةٌ مختلفةٌ كلَّ الاختلاف، إذ هي صورةُ فِئامٍ من النَّاس ينتسبون إلى الإسلام دون أن يتبرؤوا مما يُناقضه، بل ينتسبون إليه وإلى ما يُناقضه في الوقت نفسه ويفتخرون بذلك، فما تبرؤوا من دين الديمقراطية كما برِئ النجاشي من دين النصرانية، كلا.. بل ما فتِئُوا يمدحونها ويُثنون عليها ويسوّغونها للنَّاس ويدعونهم إلى الدخول في دينها الفاسد.. ويجعلون من أنفسهم أرباباً وآلهةً يُشرِّعون للنَّاس من الدين ما لم يأذن به الله.. بل ويُشاركون معهم في هذا التشريع الكفري الذي يتمُ وِفقاً لبنود الدستور الوضعي من يتواطأ معهم على دينهم الكفري من نواب أو وزراء أو غيرهم من الشعوب... ويُصِرُّون على هذا الشرك ويتشبتون به بل ويذمون من حاربه أو عارضه أو طعن فيه وسعى لهدمه... وهذا كلُّه بعد اكتمال الدين، وبلوغهم القرآن بل والسنَّة والآثار..
فبالله عليك يا مُنصف كائناً من كُنتَ، أيصحُ أنْ تُقاس هذه الصورةُ الخبيثةُ المنتنةُ المظلمةُ مع ما جمعَتْهُ من الفوارق المتشعّبة.. بصورةِ رجلٍ حديث عهد بالإسلام يطلب الحق ويتحرى نُصرته قبل اكتمال التشريع وبُلوغه إليه كاملاً.. شتان شتان بين الصورتين والحالين...
والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا حتى تشيبَ مفارقُ الغربانِ
نعم قد يجتمعان ويستويان لكن ليس في ميزان الحق.. بل في ميزان المطففين ممن طمس الله على أبصارهم فدانوا بدين الديمقراطية المناقضِ للتوحيد والإسلام.
{ويلٌ للمطففين. الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون. ألا يظن أُولئك أنهم مبعوثون. ليومٍ عظيم} [المطفّفين: 1-5]».
الشبهة السادسة:
أنظمة اليوم لا تكفر لأنّها لم تقم
بالتشريع وإنّما ورثت قوانينها عمّن سبقها (1)
«
__________
(1) أجاب عليها الدكتور صلاح الصاوي في كتابه: «فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله» صـ90-91.(1/165)
قد يرد على بعض الناس القول بأنّ هذه النظم لم تبتدئ ردّ الأحكام وتبديل شرائع الإسلام، وإنّما توارثت ذلك عن نظم سابقة، وهي تسعى جاهدة إلى التغيير.
ولا شكّ أنّ هذه الشبهة تعدّ من أبرز الشبهات التي يعتمد عليها فريق كبير من الناس، سواء منهم من يتعمّدون التلبيس والكذب وهم يعلمون، أو من فتنوا بهم وهم يحسبون أنّهم يعلمون.
والجواب على ذلك في مسألتين:
- المسألة الأولى: أنّه قد علم بالضرورة من دين الإسلام، بل من دين الرسل جميعاً، أنّه لا فرق في الحكم العام بين من يكفر بالحقّ ابتداءً، وبين من يتوارث ذلك عن غيره مع الرضا والمتابعة.
فلا فرق بين ابتداء تحريف التوراة والإنجيل، وبين من توارث ذلك من اليهود والنصارى من بعد، ما داموا مقرّين ومتابعين.
ولا فرق بين من ابتدع عبادة الأصنام، وبين من تعبّد لها بعد ذلك تقليداً ومتابعةً.
ولا فرق بين عمرو بن لحي الخزاعي -وهو أوّل من غيّر دين إبراهيم فأدخل الأصنام إلى الحجاز ودعا إلى عبادتها من دون الله وشرع من الدين ما لم يأذن به الله- وبين من تابعه على ذلك من العرب من بعد.
ولقد خاطب القرآن الكريم أهل الكتاب بما ارتكبه آباؤهم من قبل، وما ذلك إلاّ لإقرارهم له ورضاهم به، فقال تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أُنزِل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقاً لما معهم قل فلمَ تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 91].
يقول لهم: إن كنتم صادقين في دعوى الإيمان بما أُنزِلَ عليكم، فلِمَ قتلتُم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التوراة التي بين أيديكم وقد أُمِرتم باتّباعهم وتصديقهم، وهذا خطاب لليهود الذين كانوا في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، ومعلوم أنّ أحداً من هؤلاء لم يرتكب شيئاً من ذلك، وإنّما هو أمرٌ جناه آباؤهم من قبل، فخوطبوا به لرضاهم به وإقرارهم له. ومثل ذلك كثير في القرآن.(1/166)
- المسألة الثانية: إنّ القول بأنّ هذه النظم تسعى جاهدة إلى التغيير، وأنّ ذلك ينفي شبهة الرضا والمتابعة، أمرٌ يحتاج إلى تفصيل.
ذلك أنّه لا منازعة في صحّة المبدأ في ذاته، فمن جاء على ميراث سابق من الكفر، ولكن أعلن انخلاعه عنه، وكفره به، وبراءته منه، ثمّ توجّه بكلّ جهده نحو تغييره وإزالته، فلا شكّ أنّه لا ينسحب عليه حكم من سبقه، ولا يسأل عن جريمة جناها غيره، بل يسلك -إن صدق- في عداد المجاهدين.
أمّا إذا كان يروغ ويدور، فيزعم الإيمان، ويدّعي التوجّه إلى التغيير، ويقدّم بين يدي ذلك أعمالاً هزيلة مدخولة، ثمّ تتّجه خطاه بعد ذلك نحو الباطل الذي توارثه تدعيماً له وتثبيتاً لأركانه، ومدافعة عنه، ومجادلة دونه، بل ويوالي ويعادي على ذلك، فمن رضي بشرعه ومنهاجه قرّبه وولاّه، ومن ظنّ به سوى ذلك أبعده وعاداه، بل يخنق كلّ صوت يدعو إلى الحقّ، وكلّ دعوة تعمل على إقامة الدين والتزام شرائعه، فلا يجوز حينئذٍ أن يعول على قولٍ تبيّن زوره، ولا على دعوى تبيّن بطلانها، ولا على زعم تحقّق كذبه، بل الأقرب أن يلحق هؤلاء بالزنادقة الذين لا تُقبَل لهم توبة في رأي فريق كبير من العلماء!!»
شبهات أخرى (1)
شبهة أنّ هؤلاء الحكّام لا يكفرون إلاّ إذا
جحدوا حكم الله أو إذا استحلّوا الحكم بغيره
«والردّ عليها من ثلاثة أوجه:
- إنّ الجحد والاستحلال مناطات مكفّرة، ولكنّها ليست هي مناطات التكفير الواردة في الآيات الدالّة على كفر الحكّام كمناط ترك حكم الله والحكم بغيره في قوله تعالى {ومن لم يحكم} الآية، وكمناط اتّباع التشريع المخالف في قوله تعالى {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً} وقوله {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}.
__________
(1) جميعها منقول عن كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف" بتصرّف، للشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز، جـ2، ص911-913.(1/167)
- إن الذنوب المكفّرة بذاتها كالحكم بغير ما أنزل الله لا يُشترط للتكفير بها جحد أو استحلال، بل من اشترط هذا فقد قال بقول غلاة المرجئة الذين أكفرهم السلف...
- كما أنّ الاستحلال المكفّر متوفّر في الحكم بالقوانين الوضعيّة». (1)
$ $ $
شبهة أنّ القوانين المعمول بها
فيها بعض أحكام الشريعة الإسلاميّة
«وهذا لا يدرأ عنهم الكفر، وذلك لأنّ الوعيد الوارد في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ترتّب على تبديل حكم واحد من أحكام الله وهو رجم الزاني المحصن، ولا يلزم تبديل جميع أحكام الدين ليلحقهم هذا الوعيد كما سبق في ردّ أبي حيّان الأندلسي وابن القيّم على عبدالعزيز الكناني، وهو ما ذكرته في آخر المسألة السادسة (2) . فإذا كان الله تعالى قد حكم بالكفر على من بدّل حكماً واحداً من أحكامه، فكيف بمن أسقط الحدود الشرعيّة جملة وأباح المحرّمات القطعيّة؟ وإذا كانت صورة سبب النزول قطعيّة الدخول في النصّ -كما في المقدّمة السابعة- فقد تبيّن لك أنّ صورة الواقع أشدّ من صورة السبب وأولى بحكم النصّ.
ويضاف إلى هذا ما ورد بفتوى ابن كثير في تكفير التتار مع أنّ قانونهم الوضعيّ (الياسق) كان مشتملاً على بعض أحكام الشريعة الإسلاميّة، فالصورة هي الصورة، والحكم هو الحكم. وقال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون} [يوسف: 106]».
$ $ $
شبهة أنّ فتاوى العلماء في التتار
لا يجوز تطبيقها على الحكّام المعاصرين
«والردّ من ثلاثة أوجه:
1- أنّ الحجّة في تكفير هؤلاء الحكّام هي النصوص الشرعيّة...
2- أنّ حال الحكّام المعاصرين أشدّ من حال التتار من جهة تحقّق مناط التكفير فيهم...
__________
(1) راجع المقدّمة السابعة عشر من المرجع السابق لبيان تفصيل ذلك.
(2) من كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف".(1/168)
3- وبالتالي يجوز تقليد فتاوى العلماء بشأنهم لما ذكرته من قبل من جواز تقليد الميّت، فكيف ونحن لسنا بحاجة إلى تقليدهم مع وجود الأدلّة من النصّ والإجماع؟ وكيف وفتاواهم ليست مجرّد رأي وإنّما نقلوا فيها الإجماع على ما قالوا؟ فالعمل بفتاويهم عمل بالإجماع وليس تقليداً محضاً مجرّداً من الدليل».
$ $ $
شبهة أنّ دساتير هؤلاء الحكّام تنصّ على أنّ
الشريعة الإسلاميّة هي المصدر الرئيسي للتشريع
«والردّ من ثلاثة أوجه:
1- وهو أنّ الدستور نصّ على أنّ الشريعة المصدر الرئيسي لا الوحيد، بما يعني أنّ هناك مصادر أخرى للتشريع، أيّ أنّ هناك أرباباً أخرى في التشريع مع الله، وقد سبق بيان أنّ هذا النصّ الدستوري قد أفصح عن كفرهم غاية الإفصاح، فإنّه نصّ صراحة على اتّخاذ أرباب مع الله. قال تعالى {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله -إلى قوله- سبحانه عمّا يشركون} [التوبة: 31]، وقد كانت هذه الربوبيّة في التشريع المخالف فبيّن الله أنّ متابعتهم في هذا شرك بالله.
2- أنّ الدستور لم ينصّ على أنّ أحكام الشريعة المصدر الرئيسي، وإنّما نصّ على أنّ مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي، وبينهما فرق: أمّا الأحكام فمعروفة وهي الأحكام التفصيليّة في كلّ مسألة، وأمّا المبادئ فهي القواعد العامّة كتحقيق العدل وأنّ الأصل براءة الذمّة ونحو ذلك ممّا يدّعي سدنة القوانين الوضعيّة أنّها تحقّق هذه المبادئ. وبهذا تعلم أنّ هذا النصّ الدستوري لا يترتّب عليه أيّ إلزام للحكومات بالحكم بأحكام الشريعة.
3- أنّه لو افترضنا أنّ هذا النصّ الكفري يترتّب عليه التزام الحكم بالشريعة، فإنّ هناك نصّاً دستوريّاً آخر يناقضه تماماً، ويعبّر عن الواقع القائم، وهو النصّ على أنّ (الحكم في المحاكم بالقانون).(1/169)
والحاصل: أنّ من ظنّ أنّ هذا النصّ الدستوري (مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع) يدرأ الكفر عن هؤلاء الحكّام فقد أخطأ، بل إنّ هذا النصّ ممّا يدينهم ويدمغهم بالكفر لأنّه نصّ ضمنيّاً على اتّخاذ مصادر للتشريع غير شريعة الله».
$ $ $
شبهة أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حكم بغير شريعة
الإسلام -بالتوراة- فيجوز ذلك لأمّته من بعده
«وهذه من الشبهات التي يكفر قائلها، لما فيها من غمز النبيّ - صلى الله عليه وسلم - . وقد قال ابن حزم رحمه الله إنّ من قال إنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حكم بين اليهوديين اللذين زنيا بحكم التوراة المنسوخة فهو مرتدّ. (1)
وسبب الردّة هنا: هو مخالفة هذا القول للنصوص الدالّة على أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم إلاّ بشريعة الإسلام، وأنّ القرآن ناسخ لما قبله من الشرائع كقوله تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 48]. وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلاّ اتّباعي» [الحديث رواه أحمد والدارميّ]، فكيف يتّبع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كتاب موسى مع هذا؟ ومصداق هذا الحديث من كتاب الله قوله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمنُنّ به ولتنصرنّه قال أَأقرَرْتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} [آل عمران: 81]. فجميع النبيين أقرّوا أنّه إذا بعث محمّد - صلى الله عليه وسلم - في حياتهم ليتّبعونه، فكيف يتّبع محمّد شريعة موسى عليهما الصلاة والسلام؟
__________
(1) أنظر الإحكام في أصول الأحكام، جـ2 صـ104.(1/170)
وسبب هذه الشبهة ما ورد في إحدى روايات حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا، وفيها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «فإنّي أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرُجِمَا» [الحديث رواه أحمد وأبو داود]، والردّ على هذا من وجهتين:
الأولى: أنّ هذه الرواية ليست ممّا يُحتجّ بها، فقد ذكر ابن حجر أنّ في سندها رجل مبهم. (1)
الثانية: أنّها إذا صحّت هذه الرواية فإنّه ينبغي فهمها على أساس ما ذكرنا من أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم إلاّ بالإسلام، وينبغي في ردّ المتشابه إلى هذا المحكم، فيكون معنى قوله «فإنّي أحكم بما في التوراة» أي بمثل ما ورد فيها في حكم هذه المسألة، ولا يكون هذا متابعة منه للتوراة بل تصويباً لما ورد فيها في ذلك، وأنّ هذا ممّا أنزله الله فيها ليس ممّا بدّلوه».
وجوب الخروج على هذه الحكومات الكافرة (2)
ثبت في صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: «دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان». (3)
__________
(1) فتح الباري جـ12 صـ170-171.
(2) نقلاً عن كتاب: فتح الرحمن في الردّ على بيان الإخوان، للشيخ أحمد عبدالسلام شاهين.
(3) اللفظ للبخاري، حديث رقم: 7055،7056.(1/171)
وقال الإمام النووي: «قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل -إلى قوله- فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه». (1)
وقال الحافظ ابن حجر: في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - "عندكم من الله فيه برهان": أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم. انتهى
وقال غيره: المراد بالإثم هنا المعصية والكفر، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر .
إلى قوله: «ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداءً، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه». (2)
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي ج12/229.
(2) فتح الباري ج13/10، ط: دار الريان للتراث.(1/172)
وقال الحافظ أيضا: «قال ابن بطال: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها». (1)
يتبين لك مما ذكرناه من كلام العلماء أنهم اختلفوا في الخروج على الحاكم الفاسق أو المبتدع وبعضهم قيده بالقدرة، فقال القاضي عياض: ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب.
أما الحاكم الكافر فلم يجوزوا الخروج عليه فقط بل أوجبوا الخروج عليه فقال الحافظ ابن حجر: والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه، وقال ابن بطال: إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها، وقال القاضي عياض: فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر.
? وجوب الإعداد عند العجز
ولكن رغم وضوح الأدلة في كفر هذه الحكومات ووجوب الخروج عليها فإنه قد يقول قائل فإننا لا نستطيع الخروج عليهم ولا طاقة لنا بهم، وقد قال تعالى {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]، ونقول إن هذا صحيح من وجه فإن الله تعالى لا يكلف العبد ما لا يستطيع، ولكن عدم القدرة لا يسقط الإعداد لتحصيل القدرة، فالذي يجب على المسلمين هو أن يعدوا العدة حتى يستطيعوا الخروج على الحاكم الكافر وخلعه والأدلة على ذلك هي:
قوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [الأنفال: 60].
__________
(1) فتح الباري ج13/9.(1/173)
قال الإمام القرطبي: أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء. (1) ، والأمر يحمل على الوجوب ما لم تصرفه قرينة كما قال علماء الأصول.
وقوله تعالى {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} [التوبة: 46].
قال الإمام الجصاص في تفسيرهذه الآية: العدة ما يعده الإنسان ويهيئه لما يفعله في المستقبل وهو نظير الأهبة وهذا يدل على وجوب الاستعداد للجهاد قبل وقت وقوعه وهو كقوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}. (2)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجب الاستعداد للجهاد، بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (3)
وقال الإمام النووي في تعقيبه على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من علم الرمى ثم تركه فليس منا -أوقد عصى-»: هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه، وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر». (4)
فإذا كان هذا الزجر والوعيد في حق من تعلم الرماية ثم لم يواظب على التدريب حتى لا ينساها، فكيف بمن لم يتعلمها ابتداءً؟
لقد تبين لك مما سبق وجوب الإعداد للجهاد وأن ترك الإعداد من صفات المنافقين، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - المقصود بالقوة التي يجب إعدادها في الحديث الذي رواه مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي. (5)
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج8/35، ط: مكتبة الغزالي.
(2) أحكام القرآن ج3/119،120.
(3) مجموع الفتاوى ج28/259.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي، ج13/69، والحديث رواه مسلم، ك: الإمارة، ب: فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه.
(5) رواه مسلم، ك: الإمارة، ب: فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه.(1/174)
ولكني أريد التنبيه هنا على عدة أمور:
الأول: أنه لا ينبغي إغفال الإعداد الإيماني بتربية المجاهدين على طاعة الله عز وجل وغرس معاني الإخلاص والإيثار والصبر والبذل والتضحية والتوكل واليقين وغير ذلك في نفوسهم.
فإن الإخلاص والطاعة من أسباب النصر، فقد روى النسائي من حديث سعد حين ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم. (1)
ولأن المعاصي من أسباب الهزيمة فقد كان النصر حليف المسلمين في أول غزوة أحد، فلما خالف الرماة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزلوا من أماكنهم كانت الهزيمة.
الثاني: أننا لا نعني بوجوب إعداد العدة للجهاد إغفال الجوانب الأخرى من طلب العلم ونشره وبيان الحق للناس، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك.
الثالث: أنه لا ينبغي علينا في مرحلة العجز أن نداهن هؤلاء الطواغيت ونثني عليهم كما يفعل بعض قادة الإخوان، بل ينبغي علينا الكفر بهؤلاء الطواغيت والبراءة منهم، فإن ذلك من لوازم التوحيد كما قال تعالى {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: إن أصل الأصول لا استقامة له ولا ثبات له إلا بمقاطعة أعداء الله وحربهم وجهادهم والبراءة منهم والتقرب إلى الله بمقتهم وعيبهم. (2)
__________
(1) رواه النسائي، ك: الجهاد، ب: الاستنصار بالضعيف، وصححه عبد القادر وشعيب الأرنؤوط في التعليق على زاد المعاد ج3/101.
(2) الرسائل المفيدة، ص60، ط: مطابع مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر.(1/175)
الرابع: ينبغي على المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن يتعلموا مسائل الحاكمية وينشروا بين الناس الكفر بالطاغوت، وأنه ينبغي الخروج على الحكام المرتدين، وعزلهم عند القدرة، والإعداد لذلك عند العجز، فإن نشر ذلك فيه إغاظة لأعداء الله، واستقطاب أنصار وأعوان، كما أن فيه إيقاظا للأمة من غفلتها وبياناً لسبب انتكاسها وتخلفها.
الخامس: أنه لا ينبغي أن يُفهم من كلامنا على وجوب الخروج على الحاكم الكافر أننا نقصد القيام بأي أعمال غير منضبطة قد يترتب عليها مفاسد أعظم من المصالح، ولكننا نعني الإعداد الجيد والتخطيط المحكم على
جميع المستويات، مع الصدق والإخلاص، وعدم تعلق القلب بهذه الأسباب، واليقين بأن النصر من عند الله تعالى، قال تعالى {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} [آل عمران: 126]، وعدم التعجل والتسرع فإن الأمر يحتاج إلى إعداد طويل، فإذا استكمل المسلمون القدرة التي حددها أهل الخبرة والتجربة وغلب على ظنهم النجاح خرجوا على الحاكم الكافر.
كلمة أخيرة
وفي الختام نطلب منك أخي المسلم أن تقرأ هذه الرسالة قراءة متأنّية، لكي يستقرّ في قلبك وعقلك حكم الله تعالى في هؤلاء الحكام، وهو أنهم حكامٌ كفرة، قد ارتدوا عن دين الإسلام جملةً وتفصيلا، لأنّ حكمهم بالقوانين الوضعيّة ينطوي على أربعة مناطات مكفّرة، كلّ منها مكفّر بذاته، وهذه المناطات المكفّرة هي:
1- ترك الحكم بما أنزل الله تعالى.
2- إختراع شرع مخالف لشرع الله تعالى.
3- الحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
4- الطاعة لغير الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .(1/176)
إذا علمت هذا، فاعلم كذلك أن حكم الله تعالى في هؤلاء هو وجوب خلعهم، ومناصبة العداء لهم، ولطوائفهم الكافرة، فوطن نفسك أخي المسلم وسائر إخوانك لمناصرة اخوانك المجاهدين، الذين قاتلوا ولا زالوا يقاتلون هؤلاء الحكام الكفرة، ولن يتوقفوا (بإذن الله تعالى) عن مقاتلتهم، حتى ينالوا احدى الحسنيين، إما النصرُ الذي هو وعد الله تعالى لهذه الأمة، وإما استشهادهم عن آخرهم (وهذه كذلك أمنية المسلم)، وهؤلاء هم الطائفة المنصورة من أهل السنة والجماعة، الذين لا يخافون في الله تعالى لومة لائم، لا يخافون لا من طواغيت الحكم، ولا من طوائفهم الكافرة، ولا من أذنابهم العَلمانيين الذين ارتدوا عن هذا الدين... لا يخافون بطشهم، ولا يخافون سجونهم، ولا يداهنونهم كما هو حال علماء التصفية (زعموا) والتربية (المدعاة)، الذين يُخدّرون الأمة بمثل هذه الشعارات سواءٌ عن قصد أو عن غير قصد. نعم، إن التصفية والتربية شيءٌ واجب ولكن ليست هي الدين كما يُتَصَوَّر للبعض، فهؤلاء الذين يترأسون مثل هذه المدارس قد زعموا أن بتعليم الناس كيفية تقصير الثوب وتوفير اللحى (وهما من السنة ولا شك) أن بتعليم الناس مثل هذه الأمور تقام الدولة الإسلامية (زعموا) دون إراقة الدماء؟!؟ كما هو حاصل الآن من جراء عمل الخوارج (ويقصدون بالخوارج المجاهدون الذين يجودون بأرواحهم دفاعاً عن هذا الدين، وهم الذين رفعوا رأس هذه الأمة وأثبتوا أنّها لا تزال بخير ما دام الجهاد سبيلها، فاللهم اجعلنا منهم) الذين حطموا مقدرات الأمة بسبب خروجهم على حكامهم المسلمين!؟! زعموا!! ووالله ما افترينا عليهم فهذا هو لسان حالهم ومقالهم. فيا أخا الإسلام، إربأ بنفسك أن تكون من الصنف الثاني وَالحق بالصنف الأول الذين قد تحققت فيهم الصفات التي أخبر بها الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - ألا وهي صفات الطائفة المنصورة من أهل السنة والجماعة. «(1/177)
وهم المقاتلون» نعم المقاتلون في سبيل الله تعالى قال - صلى الله عليه وسلم - " لا تزال طائفة من أمتي «يقاتلون» على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى «يقاتل» آخرهم المسيحَ الدجال ". (1) وهذه الصفات لم تتحقق إلاّ بهؤلاء الرجال الذين يحملون مصحفهم بيدهم اليمنى والبندقية باليد الأخرى. نعم هذه هي صفاتهم نسأل الله تعالى أن يُلحقنا بهم وأن لا نكون من الذين يقولون ولا يفعلون!
فيا أخا الإسلام سارع إلى التمسك بمنهج الطائفة المنصورة من أهل السنة والجماعة، وناصره وآزر أهله الذين يدعون الناس إلى عبادة الله تعالى وحده، وإياك إياك أن تتردد عن اللحوق بهم، إذ في مفارقتهم الذل والخسران في الدنيا والآخرة.
هذا ما أحببت أن أذكّر به نفسي وإخواني، فإن وُفقت فالمنة لله تعالى وحده، وإن قصرت وأخطأت فمني ومن الشيطان، والله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - منه براء.
وسبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
تمت كتابة هذه الرسالة بعون الله تعالى
صباح يوم الجمعة في 28 شوّال 1420 هـ
الموافق لـ 4 شباط «فبراير» 2000 مـ
سدني - أستراليا
وكتب أبو صهيب عبد العزيز بن صهيبٍ المالكيّ
فهرس المصادر والمراجع
· الأدلة النقلية والعقلية على حرمة دخول البرلمانات التشريعية، للشيخ أبو طلال القاسمي.
· الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه، للشهيد -نحسبه كذلك- عبدالقادر عَودة، الطبعة الخامسة، الاتحاد الإسلامي.
· الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، للدكتور يوسف القرضاوي، الطبعة الأولى، دار الصحوة - القاهرة.
__________
(1) صحيح رواه أبو داود وهو موجود في الصحيحين بألفاظ مختلفة.(1/178)
· الإمامة العظمى عند أهل السنّة والجماعة، للشيخ عبدالله بن عمر الدميجي، الطبعة الثانية 1409هـ، دار طيبة - الرياض.
· إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر، للشيخ أبي محمد عصام المقدسي.
· الإيمان، أركانه، حقيقته، نواقضه، للدكتور محمد نعيم ياسين، دار التوزيع والنشر الإسلامية- القاهرة.
· البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير، الطبعة الأولى، مكتبة المعارف - بيروت.
· بيان بعنوان "اخسأ فلن تعدوا قدرك وإن جندنا لهم الغالبون"، للجماعة الإسلامية بمصر.
· بيان بعنوان أصداء وآراء، للشيخ رفاعى أحمد طه، أحد قيادييّ الجماعة الإسلامية بمصر.
· التبيان في أهمّ مسائل الكفر والإيمان، لأبي عمرو عبدالحكيم حسّان.
· التجربة الجهادية في سوريا، للأستاذ عمر عبد الحكيم المعروف بـ "أبي مصعب السوري"، طبعة باكستان.
· تحريض المجاهدين على قتال الطواغيت المرتدّين، إعداد أبو قتيبة الشامي، دار المعالم للنشر والتوزيع.
· تحقيق التوحيد، لأبي حاتم محمود عبدالمجيد.
· تحكيم الشريعة وصلته بأصل الدين، للدكتور صلاح الصاوي، الطبعة الثانية، دار الإعلام الدولي - القاهرة.
· تحكيم القوانين، للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ويليه، وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه، للشيخ عبد العزيز بن باز، الطبعة الأولى، دار المسلم للنشر والتوزيع - الرياض.
· تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، الطبعة الأولى، دار المعرفة - بيروت.
· الجامع في طلب العلم الشريف، للشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز، الطبعة الثانية 1415هـ.
· جريدة التلغراف الصادرة في سدني بتاريخ 16/ 4/ 1997 مـ.
· الحاكمية، إصدار الاتحاد الإسلامي بالنمسا (مسجد الصحابة).
· الحبشي شذوذه وأخطاؤه، للشيخ عبد الرحمن دمشقية، الطبعة الثالثة.
· حقيقة الخلاف بين السلفيّة الشرعية وأدعيائها في مسائل الإيمان، للشيخ الدكتور محمّد أبو رحيم، الطبعة الثانية 1419هـ.(1/179)
· الحكم بغير ما أنزل الله بين الترك والتبديل، للشيخ محمّد مصطفى المقرئ «أبو إيثار»، رسالة خاصّة.
· الحكم والتحاكم في خطاب الوحي، للشيخ عبدالعزيز مصطفى كامل، الطبعة الأولى 1415هـ، دار طيبة للنشر والتوزيع.
· الحوار مع الطواغيت مقبرة الدعوة والدعاة، لأبي حاتم محمود عبدالمجيد.
· الخطوط العريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة (ليبيا)، للشيخ أبو المنذر الساعدي.
· ردود على أباطيل وشبهات حول الجهاد - دراسة علمية شاملة لكثير من مسائل الجهاد من خلال الرد على كتاب الدكتور البوطي "الجهاد في الإسلام"، للشيخ عبدالملك البرّاك.
· الردّ المأمون، للشيخ أبو عبيدة عبدالكريم الشاذلي (المغربي)، الطبعة الثانية، طبعة مطبوعات الأقف، الدار البيضاء.
· الرسائل السلفية، للإمام الشوكاني، الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي - بيروت.
· رسالة «النصيحة للأمة» لعدد من علماء السعودية، التي تحث على مناصرة أهل السنة في اليمن المباركة.
· رسالة المناشدة، لعدد من علماء السعودية، التي بُعثت نصيحة للشيخ ابن باز.
· رسالة مفتوحة إلى فهد بن عبد العزيز، للشيخ أسامة بن لادن، بتاريخ 5/3/1416هـ 3/8/1995مـ.
· سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك، للشيخ حمد بن عتيق، الطبعة السادسة - الرياض.
· سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ الألباني، طبعة المكتب الإسلامي و مكتبة المعارف - الرياض.
· السلف والسلفيّون: رؤية من الداخل، للأستاذ إبراهيم العسعس، دار البيارق.
· شرح العقيدة الطحاوية، للإمام ابن أبي العز الحنفي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - بيروت.
· شريط بعنوان حكم الدخول في البرلمانات التشريعية، لعدد من العلماء.
· شريط بعنوان فصل الدين عن الدولة، للشيخ عبد الرحيم الطحّان.
· شريط مرئيّ بعنوان كيفية إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، للشيخ وجدي غنيم.
· شريط نواقض الإسلام، للشيخ بشر بن فهد البشر.(1/180)
· شفاء صدور المؤمنين «وهي رسالة عن بعض معاني الجهاد في عملية إسلام آباد»، للدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد بمصر، نشرة رقم «11» من إصدارات المجاهدين بمصر، الطبعة الأولى 1996 مـ.
· الشورى المفترى عليها والديمقراطيّة، للشيخ محمّد بن محمّد الفزازي، الطبعة الأولى 1417هـ.
· طاعة أولي الأمر حدودها وقيودها، للدكتور محمد بن عبدالله المسعري.
· الطاغوت، للشيخ عبدالمنعم مصطفى حليمة «أبو بصير»، الطبعة الأولى 1417هـ، دار البيارق.
· الطريق إلى الخلافة، لأبي عمّار محمّد بن حامد الحسيني، دار طيبة للنشر والتوزيع - الرياض.
· عقيدة السلفيين في ميزان أهل السنّة والجماعة، للشيخ محمد بوالنيت (المغربي).
· العلمانيّة، للشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي، الطبعة الشرعيّة الأولى، 1418هـ، مكتب الطيّب - القاهرة.
· العَلمانية وثمارها الخبيثة، للشيخ محمد شاكر الشريف، الطبعة الأولى، دار الوطن للنشر - الرياض.
· غاية البيان والتدقيق في إقامة الحجة على قاضي التحقيق، للشيخ علي بن حاج، الطبعة الأولى - الجزائر.
· فاعلم أنّه لا إله إلا الله، للشيخ الدكتور صلاح الصاوي.
· فتح الرحمن في الردّ على بيان الإخوان، للشيخ أحمد عبدالسلام شاهين.
· فتح القدير، للإمام الشوكاني، الطبعة الأولى، دار الفكر - بيروت.
· فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، الطبعة الأولى، دار الحديث - القاهرة.
· فتوى خطيرة عظيمة الشأن في حكم الخطباء والمشايخ الذين دخلوا في نصرة وتأييد المبدلين لشريعة الرحمن، للشيخ أبي قتادة الفلسطيني، الطبعة الأولى، طبع مركز النور للإعلام الإسلامي - الدانمارك.
· الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبدالكريم زيدان، الطبعة الرابعة، الاتحاد الإسلامي.
· فصول عن السياسة الشرعية، للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، دار التقوى.(1/181)
· في ظلال القرآن، للأستاذ سيد قطب، الطبعة الخامسة عشرة، دار الشروق - بيروت.
· القول القاطع فيمن امتنع عن الشرائع، إعداد عصام الدين دربالة و عاصم عبد الماجد، من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.
· كلمة حق (وأصلها مرافعة في قضية الجهاد أمام المحكمة العسكرية بمصر)، للشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، طبع دار الاعتصام - مصر، إعداد الجماعة الإسلامية بمصر.
· الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، للأستاذ مرشد بن سليمان النجدي، الطبعة الأولى.
· كيف قتلنا السادات، يحوي هذا الكتاب مقابلة مع أحد قيادي الجماعة الإسلامية بمصر المجاهد عبود الزمر، لكاتب مصري علماني.
· لماذا خافوا من اللجنة الشرعية؟ مع دراسة عن واقع القضاء في السعودية، لسليمان النهدي، الطبعة الأولى.
· لماذا نرفض العلمانيّة، إعداد محمد محمد بدري.
· متى يُشتَرَط الاستحلال للتكفير، للشيخ أبي قتادة الفلسطيني (رسالة خاصة).
· مجلة "الفجر" عدد «17» و«21» و«22» و «26» و«47» و«48»، إصدار مركز الإعلام الإسلامي - الدانمرك.
· مجلة "المنهاج" عدد «1» و «2» و «3»، طبع لندن.
· مجلة "نداء الإسلام" عدد «12» و«27»، إصدار شباب الحركة الإسلامية، سدني-أستراليا.
· مجلّة معالم الجهاد، العدد الأوّل، من إصدارات جماعة الجهاد بمصر.
· مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
· معالم الانطلاقة الكبرى عند أهل السنة والجماعة، للشيخ محمد عبد الهادي المصري، دار الوطن - الرياض.
· معرفة حكم الله تعالى في حكام بلادنا، للشيخ أبي قتادة الفلسطيني، (رسالة خاصة).
· معلومات مهمة في الدين لا يعلمها كثير من المسلمين، محمد جميل زينو.
· مفهوم الحاكمية في فكر الشهيد [عبدالله] عزام، إعداد أبي عبادة الأنصاري، الطبعة الأولى - بيشاور.
· المقالات السنّية في كشف ضلالات الفرقة الحبشية، للمؤلف، الطبعة الأولى، دار المهجر - سدني.(1/182)
· من شبه الذين لم يكفروا الحكام المبدلين لشريعة الرحمن، للشيخ أبي قتادة الفلسطيني (رسالة خاصة).
· ميثاق العمل الإسلامي للجماعة الإسلامية بمصر، بإشراف الشيخ الدكتور عمر عبد الرحمن، من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.
· نحوَ دعوة إسلامية رشيدة، د. محمد عبدالقادر هنادي، الطبعة الأولى، طبعة مكتبة العبيكان - السعودية.
· نواقض الإيمان القولية والعملية، للدكتور عبدالعزيز العبداللطيف، الطبعة الثانية، دار الوطن -الرياض.
· هموم المسلم اليومية، فتاوى، للشيخ عبد الحميد كشك، دار المختار الإسلامي - القاهرة.
· وقفات مع الشيخ اللألباني حول شريط "من منهج الخوارج"، للشيخ أبي إسراء الأسيوطي، الطبعة الأولى، من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.
· الولاء والبراء في الإسلام، للدكتور محمد القحطاني، الطبعة الخامسة، دار طيبة - الرياض.
فهرس
إهداء ...
مقدّمة ... 7
تمهيد ...
الباب الأول بيان ردة الحكام المستبدلين للشريعة من أدلّة كتاب الله تعالى ...
القسم الأوّل: تفسير بعض الآيات القرآنية المتعلّقة بالحكم والتحاكم ...
القسم الثاني: وجوب الكفر بالطاغوت ...
معنى الطاغوت لغةً ...
معنى الطاغوت شرعاً ...
معنى الكفر بالطاغوت ...
الباب الثاني أقوال وفتاوى مشايخ ودعاة أهل السنة في حكّام الردّة ...
القسم الأوّل أقوال وفتاوى العلماء القدامى ...
الإمام مجاهد رحمه الله تعالى ...
الإمام الحسن البصريّ رحمه الله تعالى ...
الإمام البقاعي رحمه الله تعالى ...
الإمام ابن جريج رحمه الله تعالى ...
الإمام السُدي رحمه الله تعالى ...
الإمام ابن زيد رحمه الله تعالى ...
الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ...
الإمام عبد العزيز الكناني رحمه الله تعالى ...
الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى ...
الإمام أبو حيّان الأندلسي ...
الإمام الرازي رحمه الله تعالى ...
إسماعيل القاضي رحمه الله تعالى ...
الإمام الجصاص رحمه الله تعالى ...
الإمام أبو يعلى رحمه الله تعالى ...
الإمام الداودي رحمه الله تعالى ...(1/183)
الإمام عبد الله الرعيني رحمه الله تعالى ...
الإمام أبو محمد الكبراني رحمه الله تعالى ...
الإمام الجويني رحمه الله تعالى ...
الشيخ أبو بكر الطرطوشي ...
الإمام القرطبي رحمه الله تعالى ...
الإمام البيضاوي رحمه الله تعالى ...
الإمام البغوي رحمه الله تعالى ...
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ...
الإمام ابن القيّم الجوزيّة رحمه الله تعالى ...
الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى ...
الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى ...
الإمام أبو السعود رحمه الله تعالى ...
الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ...
الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ...
الشيخ صديق حسن خان رحمه الله تعالى ...
الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى ...
الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى ...
الشيخ أحمد بن ناصر بن غنيم ...
القسم الثاني أقوال وفتاوى العلماء والدعاة المعاصرين ...
الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى ...
الشيخ سليمان بن عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى ...
الشيخ حَمَد بن علي بن عتيق النجدي رحمه الله تعالى ...
شيخ الإسلام في الدولة العثمانية مصطفى صبري رحمه الله تعالى ...
الإمام محمود الألوسي رحمه الله تعالى ...
الشيخ محمد الكتاني رحمه الله تعالى ...
الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى ...
الشيخ إسماعيل الأزهري رحمه الله تعالى ...
الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى ...
الشيخ محمود شاكر رحمه الله تعالى ...
فتوى الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى ...
الدكتور صلاح الدين دبوس ...
شيخ جامع الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى ...
الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي ...
الإمام العلامة مفتي الديار السعودية سابقاً ورئيس المحاكم الشرعية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى ...
الشيخ الإمام محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى ...
الشيخ عبدالله بن قعود حفظه الله تعالى ...
الشيخ الإمام أبو الأعلى المودودي رحمه الله تعالى ...(1/184)
الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى ...
الأستاذ الشهيد -نحسبه كذلك- عبد القادر عودة رحمه الله تعالى ...
الأستاذ الشهيد -نحسبه كذلك- سيد قطب رحمه الله تعالى ...
الشيخ الأستاذ محمد قطب حفظه الله تعالى ...
الشيخ المجاهد الدكتور عمر عبد الرحمن حفظه الله تعالى وفك أسره ...
من سجون الطواغيت في أمريكا ...
الشيخ المجاهد الذي جدد في هذه الأمة روح الجهاد فضيلة الشيخ الدكتور الشهيد -نحسبه كذلك- عبد الله عزام رحمه الله تعالى ...
الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى ...
الشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله تعالى ...
الشيخ حمود التويجري رحمه الله تعالى ...
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله تعالى ...
الشيخ سعيد حوى رحمه الله ...
الشيخ منّاع خليل القطّان رحمه الله تعالى ...
الشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان ...
الشيخ عبد الله القرني حفظه الله تعالى ...
الشيخ عمر الأشقر حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز حفظه الله تعالى ...
الشيخ الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف حفظه الله تعالى ...
الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبدالمجيد الشاذلي حفظه الله تعالى ...
الشيخ الدكتور سفر الحوالي حفظه الله تعالى ...
الشيخ سلمان العودة حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبد الرحيم الطحان حفظه الله تعالى ...
الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل حفظه الله تعالى ...
الأستاذ الدكتور علي جريشة ...
الدكتور عبد الله فهد النفيسي ...
الدكتور محمد نعيم ياسين ...
الشيخ عمر بن محمود أبو عمر (أبو قَتادة الفلسطيني) حفظه الله تعالى ...
الشيخ محمد شاكر الشريف ...
الشهيد -نحسبه كذلك- محمد عبد السلام فرج رحمه الله تعالى ...
الشيخ أبو عبد الفتاح علي بن حاج حفظه الله تعالى ...
الشيخ سعيد شعبان رحمه الله ...
الشيخ وجدي غنيم حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق حفظه الله تعالى ...
الدكتور أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد بمصر ...
المجاهد عبود الزمر حفظه الله تعالى ...(1/185)
الدكتور ناجح إبراهيم حفظه الله تعالى وفكّ أسره من سجون طاغوت مصر ...
الشيخ طلعت فؤاد قاسم المعروف بـ(أبي طلال القاسمي) ...
عصام الدين دربالة وعاصم عبد الماجد ...
الشيخ المجاهد أسامة بن لادن حفظه الله تعالى ...
الشيخ أبو منذر الساعدي حفظه الله تعالى ...
الشيخ أبو محمد عصام المقدسي حفظه الله تعالى ...
الأستاذ هاني السباعي ...
الشيخ الدكتور محمد محمود أبو رحيم حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبدالحكيم حسّان (أبو عمرو) حفظه الله تعالى ...
الشيخ محمود عبدالمجيد( أبو حاتم) حفظه الله تعالى ...
المجاهد أبو عبدالله الصادق أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا ...
الشيخ محمد بن محمد الفزّازي المغربي حفظه الله تعالى ...
الشيخ محمد عبد الهادي المصري حفظه الله تعالى ...
الأستاذ الداعية مرشد بن عبد العزيز بن سليمان النجدي (أبو البراء) ...
الشيخ الدكتور صلاح الصاوي حفظه الله تعالى ...
الشيخ علي عبدالله الطنطاوي رحمه الله تعالى ...
الدكتور عدنان علي رضا النحوي حفظه الله تعالى ...
الدكتور أحمد العسّال ...
الأستاذ إبراهيم العسعس حفظه الله تعالى ...
الشيخ محمّد مصطفى المقرئ (أبو إيثار) حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبد المنعم مصطفى حليمة (أبو بصير) حفظه الله تعالى ...
الشيخ محمد بوالنيت (المغربي) حفظه الله تعالى ...
الدكتور محمّد المسعري حفظه الله تعالى ...
الأستاذ يوسف العظم ...
الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله تعالى ...
الشيخ أحمد أبو لبن حفظه الله تعالى ...
الأستاذ عمر عبد الحكيم (أبو مصعب السوري) حفظه الله تعالى ...
الشهيد -نحسبه كذلك- أبو أُسيّد (السوري) رحمه الله تعالى ...
الشيخ عبدالملك البرّاك حفظه الله ...
الشيخ عبد الله بن حَميد رحمه الله تعالى ...
الشيخ محمد جمال عمران القرشي حفظه الله تعالى ...
الشيخ أبو الوليد الأنصاري حفظه الله تعالى ...
الشيخ بشر بن فهد البشر حفظه الله تعالى ...
الشيخ عبدالعزيز مصطفى كامل ...
الشيخ عبدالله الدميجي ...
محمّد بن حامد الحسيني (أبو عمّار) ...(1/186)
الشيخ أحمد عبدالسلام شاهين ...
الشيخ عبدالكريم الشاذلي (أبو عبيدة) حفظه الله تعالى ...
الأستاذ أبو منصور البغدادي ...
أبو قتيبة الشامي ...
الشيخ محمّد بدري ...
الشيخ أبو الفضل عمر الحدوشي ...
الشيخ عبدالحميد بن عمر سرحان ...
الشيخ ضياء الدين القدسي ...
الشيخ سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان حفظه الله تعالى ...
الشيخ سيّد الغبّاشي ...
الشيخ محمّد أبو الفتح البانوني ...
أبو إسراء الأسيوطي حفظه الله تعالى ...
عبد الكريم السعدي (أبو محجن) أمير عصبة الأنصار في لبنان ...
أحمد الخلايلة (أبو مصعب) حفظه الله تعالى ...
الأستاذ محمد طه الطّرابلسيّ حفظه الله تعالى ...
أبو عزّام الشنقيطي حفظه الله تعالى ...
ذكر أسماء العلماء الذين لم نورد نصّ أقوالهم ...
فتاوى وأقوال نظريّة لا عمليّة! (من بعض العلماء الذين كفّروا من لم يحكم بما أنزل الله ولكنهم توقفوا في حق حكام بلادهم الكفرة) ...
الباب الثالث الرد على شبهات أهل الإرجاء ...
الشبهة الأولى: كفرٌ دون كفر ...
الشبهة الثانية: لا يُكفّر أحد بذنب إلا إذا استحلّه ...
الشبهة الثالثة: لماذا لم يُكفَّر المأمون؟ ...
الشبهة الرابعة: عمل يوسف عند ملك مصر ...
الشبهة الخامسة: أنَّ النجاشي لم يحكم بما أنزل الله ومع ذلك كان مسلماً ...
الشبهة السادسة: أنظمة اليوم لا تكفر لأنّها لم تقم بالتشريع وإنّما ورثت قوانينها عمّن سبقها ...
شبهات أخرى ...
وجوب الخروج على هذه الحكومات الكافرة ...
وجوب الإعداد عند العجز ...
كلمة أخيرة ...
فهرس المصادر والمراجع ...(1/187)