قراءة قانونية
في
سورة يوسف
الدكتور
محمد محروس المدرس الأعظمي
رئيس منتدى الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - لسنوات عديدةٍ [ سابقاً ] ، ومدير المدارس الدينيَّة في الأوقاف [ سابقاً ]
ومدير الدراسات الإسلاميَّة فيها [ سابقاً ] ، والمشاور القانوني في وزارة الأوقاف [ سابقاً ]
والمدرس في كليَّة الإمام الأعظم الملغاة [ سابقاً ] ، والمحاضر في كليَّات :
القانون .. والشرطة .. والتراث الجامعة [ سابقاً ]
ومدرس المدرسة الوفائيَّة الدينيَّة [حاليَّاً ]
1420 هـ 1999 م
الإهداء
إلى مشايخي الكرام ، والعلماء الأعلام ، الذين تشرفت بالتلّقي والأخذ عنهم، في : العراق ، ومصر ، والحجاز ، والهند، والشام .
وإلى ... مؤسس المجد العلمي لأجدادنا آل العلقبند العلاَّمة الشيخ مصطفى العلقبند الاعظمي الطائي
مفتي الحنفية ببغداد المحمية
و لأولاده ، وأحفاده ، من العلماء الأمجاد الأعلام،
الذين تنوّر بهم الزمان في بغداد دار السلام .
إليهم جميعا ... أُهدي كتابي هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقدِّمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد ~~
فالقرآن العظيم بحرٌ زخّار طميم ، وفيه علمٌ مخزونٌ نفعهُ عظيم ، والأمر لا يحتاج إلى مزيد كلام ، فهو مما استفاض واشتهر وفشا وانتشر، بين الأنام ، ولا يحتمل وجهاً آخر، لكل من تَفَكَّر ونظر .
نعم ... تتفاوت الأفهام ، بقدر الإنعام ، وما يظهر لكلِّ فهمٍ من بين ثنايا الكلام ، أو ذلك الترتيب والإنتظام ، فَيْفهمُ منه هذا غير الذي ذاك يَفهم .
ولأجل هذا تعدَّدت التفاسير ، واختلفت المشارب والمذاهب في فهم حتى آي الأحكام ، على ما فيها من إحكام . كما تعدَّدت المذاهب ، بحسب ما منَّ الله مِنَ المواهب .(1/1)
وقد اتفق لي أن استشهدت في مجلس درسي ببعض الآي من سورة يوسف ، فرأيتني مسُوقاً الى قراءة ما قبلها وما بعدها ، فوجدتني وكأنني أقرأُها أولًّ مرة ، ثم ارتسمت في ذهني أمورٌ تكامل بعد حين نسيجُها ، وتواءم تدبيجُها ، حتى غَدَت موضوعاً ، وجدت نفسي بعده أقوم بشرحه للطلبة في هذه الكلية أو تلك ، وفي صباحيّ الدراسة ومسائيِّها .
ولشدة ما أُعجبت به حاضرت به في المجالس ، فوصفه لي بعض من سمعه بأنَّه من النفائس ، وما ذلك إلاّ فضلُ الله يختص برحمته من يشاء ...
{ وفوق كل ذي علم عليم } .
ولعلّني بهذا - وأمثالُهُ كثير - فقهتُ سبب حرص العلماء على التدريس ، والتمسك به من كل جهبذٍ في العلم رئيس .
لقد فتح لي هذا الموضوع أبواباً من الخير عميمةً ، إذ كان سبباً للشروع في استعراض كلِّ القرآن العظيم ، لينتظم ذلك موضوعاً كبيراً ، لعلِّي أُعِدُّه مشروع العُمُر، إن شاء الله .
لقد كان ذهني يذهب إلى غيره ، ليجعله هذا الجّعْل ، وأين جعلُ الله من جعل خلقِهِ..الذي هو قولٌ من القول ، وكلام ربِّنا ، لا ريب ، أجَّل .
أقول لقد فتح الله عليَّ أن أكتب في موضوعٍ على هذا الغرار ، ولكنَّهُ يُظهِرُ كلَّ ما في القرآن أيَّما إظهار ، فوفق الله للكتابة في :
[ تأصيلُ القواعد القانونيّةِ في الآيات القرآنيّةِ]
وقد عملتُ اُنموذجاً انتظم : الفاتحة ، والبقرة .
وطلعت به على الناس ، لأرى ردَّ الفعل والإحساس ، فجاءت ردود الأفعال متفاوتة :
فمن : مستحسنٍ غالٍ .
إلى : منكر ٍبلا توقيرٍ ولا إجلال !! .
إلى : من ادعى أنّ هذا اجتهاد ، وهو عند [ العامة] مغلوق !! .
إلى : من قال هو جرأةٌ لاقتحام بحثٍ لم يقتحمُهُ السابقون ... الخ .
أجبتُ هؤلاء وأوُلئك ، بما فتح الله عليَّ في حينه للإجابة على كلِّ تلك المسالك ، بعيداً عن الهوى والمهالك ، فقلت :
أمّا : الإطراء فإنّي لاشكّ أُقدِّرُه ، وهو صادرٌ عن عين الرضا ، وهي كما قيل.. :
وعين الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلة(1/2)
كما أنّ عين السُخط تُبدي المَساَوِيا
وإنِّي لأدعو الله أن أكون كما يراني أحبابي ، وأنا - لاشكّ - دون ذلك .
********
أمّا : دعوى غلق الإجتهاد ، فالغريب فيه أنَّ المتحدثين به هم غيرُ المنبوزين به !! ، هذا من جهةِ ..
ومن جهةٍ أخرى .. فمَن القائل بمثل ذلك ؟ ، وأنا متأكدٌ أنَّ كلَّ المرددين لهذه المقولةِ لا يعرفون عن أصلها شيء !! .
وهب أنَّه قول قائلٍ معلوم ، وهو كذلك ، فما وجه الإلزام في قول واحد ، لكلِّ من يأتي بعده ؟؟ ! .
ثمّ هو قولٌ بُنِيَ على واقعٍ كان قائماً في ذلك الحين ، فهل يبقى الرأي إلى أبد الآبدين !! ، وهل يُلزم به كلُّ المسلمين ؟؟! .
إنَّ من المعلوم أنَّ أحكام الله القطعيَّةِ هي التي لا تقبل التبدُّل ، لا أقوال الفقهاء ولا أقوال الأصوليين !! .
بل إنّ كثيراً من الأحكام القطعيَّةِ بحثوا فيها عن : مناط الحكم ، وجعلوا الحكم يدورُ مع [ مناطِه ِ] وعلَّتهِ ...
أ رأيت : تضمينَ [ الصحابةِ الكرام ] للصنّاع ، وهم أُجراءٌ مشتركون ويدُهُم على ما يَستَصْنِعُه عندهم أصحاب الأموال ، هي يدُ أمانةٍ ، لا يضمنون عند تلفها ، إلاّ بالتَّعدي أو التقصير ، وصاحب المال هو المكلّفَ بعبء الإثباتِ لكلا الأمرين ، أو أحدهما ، لكي يستحق التعويض ؟؟ ! .
لقد جعل [ الصحابةُ الكرام ] يَدَ الصانع تُجاه المستصنع يَدَ ضمان ، والصانع هو الذي يُثبتُ عدم التعدي أو التقصير منه في عمله ، وفي حفظه للمال . وجعلوا التعدي أو التقصير أمرين مفترضين في الصانع ، عند حصول التلف وغيره ، وذلك رِعايةً لحق المستصنِعِ .
أ رأيت : كيف أنَّ الإمام أبا حنيفة [ رضي الله عنه] ، أجاز دفع الزكوات بالقيمة ، والنصوص قد وردت بإخراج [ البعض ] من الأموال المُزكاة ، لتُدفع للفقير؟؟ ! .
أي : يجب أن يكون الإخراج من جنسها لا من قيمتها ، أمَّا هو فقد قال بدفع القيمة ! .(1/3)
أ رأيت : كيفَ أجازوا إمامة المُتغَلِب ، لأجل تنفيذ الأحكام ، ولأجل الإنتظام ، ولأجل صحة كثيرٍ من العبادات ، مع أنَّ النصوص وردت بغير هذا ؟؟ ! .
أ رأيت : ما فعلهُ عمر بنُ الخطاب [ رضي الله عنه] ، حين جعل الأراضي المفتوحة عَنْوَةً مِلكاً للكافةِ تمثلُهُم فيه الدولة ، رغم صراحة النص بتخميسِها ، وإعطاء الباقي للفاتحين ؟؟ ! .
ولقد وافقه الصحابة رضوان الله عليهم ، فكان من أكثر الإجماعات نفعاً ، وأكثرها استمراريةً في النفع ، فما زالت الأراضي الأميريّة في كلِّ العالم الإسلامي تؤدي منافعَ لا تُحصى للناس ، وهي من ثمرات ذلك الإجتهاد الفريد ، الذي ما زال البعض - ويا للأسف - ينبزُ به [ عمر ] بمخالفته للنص !!.
وإني لأعجب ممن يرى أنّ الاجتهاد حتماً لازماً ، ثم يكون
[ أخبارياً ] ! .. إنّها [ شنشنةٌ أعرِفُها من أَخْزَم ] !! .
إنّ اصطلاح : [ الأراضي الأميريّةِ ] فيه دلالةٌ على أصلها ، فهي الأراضي الموضوعة بتصرف [ أمير المؤمنين ] ، وهو لقب الخليفة العادل عمر بن الخطاب ، بل هو أول مَنْ لُقِّبَ به ، وإذا اُطلِقَ مِن غير تحديد ، يُفتَرَضُ أن يَنْصَرِف إليه دون غيره .
ولو استرسلت في قولي : أرأيت .. أرأيت .. لخرجنا عن مقصودنا ، ولكنَّ مُحصِّلةَ الأمر أنَّ [العامّةَ] ! هم أجرأ على الإجتهاد من غيرهم ، وتُراثُهُم الذي ملأ الدنيا لأكبر دليل على ما نقول .
ثمَّ .. ألا ترى معي تلك النشاطات العلمية في شتى بقاع الأرض ، التي لم ُتقتَصَر على العالم الإسلامي وحده ، بل انتظمت هذه النشاطات :
الندوات ، والحلقات الدراسيَّة ، والرسائل الجامعيّة ، والمجامع الفقهيّة ، والهيئات الاستشارية للمؤسسات الاقتصادية الإسلاميّة ، وما تُصدرُهُ من البحوث التأصيليَّةِ لمستجدات المسائل الإقتصاديّة ، فضلاً عن المؤتمرات ، والنشريات في الدوريات المتخصصة ، بل والمجلات الجماهيرية .. الخ .(1/4)
ويحقُ لي أن أسأل : ألا ينبع بعضُ هذا ، ولا أقول كلُّه ، من اجتهادات لاحَقَتْ ، وما تزال تُلاحق الوقائع الجديدة بالحلول ؟؟ .
أمْ : أنّ فعل الواحد المنعزل عن الكون برمَّته ، وتنقُصُهُ أبسط أنواع المعلومات ، هو الأجدر بالإتِّباع ؟؟ .
أ يكفي لكي يُسمّى قول القائل اجتهاداً أن يقول : ذلك [ هرامٌ ] .. والله أعلم ؟ ! .
أم : أن يكون مجتهداً بمجرد أن يُضفي على نفسهِ ذلك ؟؟ ! .
أم : يكون مجتهداً بكثرة الإستشكالات ، والتوقفات ؟؟ ! .
ألا يعمل بقية فقهاء المسلمين عمل أولئك المُدَّعى لهم ما ليس فيهم ، ولا عندهم ؟؟ ! .
إنّ أعلى عمل المدّعين للاجتهاد هو : اجتهاد [ الفُتيا ] فقط دون غيره ! ، وهو أبسط أنواع الإجتهاد ، وهو المُسَمَّى عند القانونيين بـ [ تكييف الواقعة ] ، وهذا أمرٌ يقوم به :
المكلف العادي .. كتحديده مسافة السفر المترتبة عليها الأحكام .
والمفتي .. وهو المُخبِرُ عن الحُكم مِنْ غير إلزام .
والقاضي .. وهو المُخبِر عن الحُكمِ مع الإلزام .
والموظف .. عند تطبيق النُصوص القانونيَّة .
والمحامي .. عند تكييف ما يَعرِضُهُ عليه مُوَكِّلوه مِن الدعاوى . فهل يّفتَقِدُ هؤلاء الذين تواضعوا ولم يُطلقوا على أنفسهم اسم [ المجتهدين ] , هل يفتقدون ملكة هذا النوع من الاجتهاد ، في الأقل ؟! .
وإنِّي لأجزم أنَّ الكثير من المردِّدين لهذه المقولة غير المقبولة ، بل وغير المعقولة ، قد اطّلعوا ، من غير شكٍ ، على البحوثٍ العلميَّة لمواضيعَ أفتى بها الفريقان : المنبوزون بغلق الاجتهاد ، والمدَّعون لممارسته ، وكيف أنّ عمل المتواضعين كان أبلغ من عمل المدّعين !! .
إنَّ لله في خلقه شؤون ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون ، بل تجد الناس لغير الثُقاة يُصدِّقون !!.
أ فحسب أمثال هؤلاء أنَّ الاسم يُغيِّرُ مِن حقيقةِ المُسمى ؟ ! .(1/5)
وإنِّي لأنصحُ كلَّ مسلمٍ بلغ مرحلة [ التخريج ] في مذهبه الفقهي ، ومنحاه الاستنباطي ، أن يّطلق على نفسه هذا اللقب ، فهو أجدر به وأولى . وغيرُ خافٍ أنّ هذه المرتبة أعلى مِن سابقتها :
[ ومَنْ حازَ الأعلى فقد حازَ الأدنى ] .
وهذا أمرٌ :
[ لا يَنْتَطِحُ فيه عنزان ] !
وليعلم المتواضعون أنَّ تواضعَهُم ، هو الذي جرَّهم لمثلِ هذا ، ونسوا : أنَّ التبختر مكروهٌ ، إلاَّ ما كان بين الصفين !! . وأعود إلى الفريق الثالث ممن سمع المحاضرة ، المدَّعين بأن هذا أمرٌ لم يقل به أحدٌ من قبل ... فأقول لهم :
إنّكم - والله - لقد تناقضتم مع أنفسِكم . فإن كررنا ، وأعدنا ما قالهُ الأقدمون فقط ... قلتم : ليس في البحث الإسلامي جديد !! . وإن كان العكس استنكرتم : كلَّ تحديثٍ للقديم ..
أو : الإتيان بالجديد المحض ، متذرعين بأنَّ الشأن الديني لا يحتمل إعادة نظر ، وهو في مُلاحقةِ الجديد أعجز ، بل وأبعد عن الواقع وتطوراته !! .. { ... فبأي حديث بعده يُؤمنون }(1)؟؟ .
أم هو ولع الاعتراض ، بل قل داء الانتقاص من الدين المتين!. { .. سبحانك هذا بُهتانٌ عظيم }(2)
ولعلي لست بحاجةٍ إلى إطلاق العبارات الوعظيِّة ، أو الخطابية لكي أقول : ديننا كذا ..وكيت .
بل الذي يتوجّب على مثله هو متابعة الأحكام : ببصيرةٍ ، وفكرٍ مستنير ، وروحٍ علميّةٍ بحثِيَّة ، وبحثٍ عن الحقيقةِ دون تحكيم العواطف ، أو القناعات المُسْبقةِ . وحينئذٍ .. لن تُحجبَ الشمس في رائعة النهار.
والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل .. والحمد لله ربِّ العالمين ~~
الدكتور
محمَّد محروس المُدَرِس
الأعظمي
الأعظميَّة - محلة - 314 / زقاق - 88 / دار-41 .
هاتف البيت – 4225253 و4228669
هاتف المدرسة الوفائيَّة – 8879723 .
الآيات ذات الأحكام
القانونيّة في السورة
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) الأعراف / 185 .
(2) النور / 16 .(1/6)
} وقال يا بَنِيّ لا تدخلوا من بابٍ واحدٍ وادخلوا من أبوابٍ متفرقةٍ وما أُغني عنكم من الله من شيء إنْ الحكمُ إلا لله عليهِ توكلتُ وعليهِ فليَتَوَكَّل المتوكلون * ولمّا دخلوا من حيثُ أمرهُمْ أبوهم ما كان يُغْني عَنْهُم من الله من شيء إلاَّ حاجةً في نفسِ يعقوبَ قَضاهَا و إنّهُ لذو علمٍ لِّما علمناهُ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون * فلمَّا دخلوا على يُوسُفَ آوى إليهِ أخاهُ قال إنِّي أنا أخوك فلا تبتئِس بما كانوا يَعْمَلون * فلَّما جَهَّزَهُم بِجَهازِهم جَعَلَ السِقايَةَ في رَحلِ أخيه ثُمَّ أذّن مُؤذِّنٌ أيَّتُها العيرُ إنَّكُم لسارقون * قالوا وأقبَلُوا عَلَيْهِم ماذا تَفْقِدون * قالوا نَفْقِدُ صُواعَ الملِك ولمن جاء به حِمْلُ بعيرٍ وأنا به زعيم * قالوا تالله ما جِئْنا لنُفْسِدَ في الأرض وما كنَّا سارقين * قالوا فما جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُم كاذبين * قالوا جَزاؤهُ منْ وُجِدَ في رَحْلِهِ فهو جَزاؤهُ كذلك نَجْزي الظَّالمينْ * فبدأ بأوعِيَتِهِم قبلَ وِعاء أخيه ثمَّ استَخْرَجَها من وِعاء أخِيه كذلك كِدْنا ليُوسُفَ ما كان لِيَأخُذَ أخاهُ في دين المَلِك ألاَّ أن يَشاء الله نرفعُ دَرَجاتٍ من نَّشاءُ وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم * قالوا إنْ يَسْرِق فقد سَرَقَ أخٌ لَّهُ من قبلُ فأسَرَّها يُوسفُ في نَفْسِهِ ولمْ يُبْدِها لهُمْ قالَ أنتُم شرٌّ مكاناً والله أعلمُ بما تَصِفُونَ * قالوُا يا أيُّها العزيزُ إنَّ له أباً شيخاً كبيراً فَخُذْ أحَدَنَا مَكانَهُ إنَّ نَراكَ من المُحسنين * قالَ معاذَ اللهَّ أنْ نأخُذَ إلاَّ من وَجَدْنا مَتاعَنا عندهُ إنَّا إذاً لَظالمونْ * { . يوسف / 67 إلى 76 .
********
ويقول تعالى :(1/7)
} ولقد همَّتْ بِهِ وهمَّ بها لوْلا أنْ رأى بُرهانَ ربِّهِ كذلك لنَصرِفَ عنْهُ السوُءَ والفَحشاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَاِدنَا المُخْلَصِيِنْ * واسْتَبَقا البابَ وقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وألْفَيَا سيَّدَهاَ لدى البابْ قالتْ ما جَزاءُ مَنْ أرادَ بأهْلِكَ سُوُءاً إلاَّ أن يُسْجنَ أو عَذَابٌ أليم * قالَ هيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وشَهِدَ شاهدٌ مِنْ أهلِها إنْ كان قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الكاذبِين * وإنْ كان قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهُوَ مِنَ الصَادِقِين * فلَمَا رأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قال إنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عظِيم * { يوسف / 24 إلى 27 .
********
ونستطيع هنا أن نتكلم - بفضلِ الله - عن جملةٍ من مسائل القانون والشرع ، في هذه الآيات ، وكالآتي :
جعليَّة النتائج
وموجَبَات العقود
الجعل هو : أن تترتب نتائج الأفعال عليها بإلزامٍ من الله جلّ وعلا ، سواءٌ أقصد المكلف ذلك أم لم يقصد .
فقوله تعالى على لسان سيِّدنا يعقوب - عليه السلام - ، لأولاده :
{ وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاَّ لله ... }
أي : أنَّ ما أرشدتكم إليه من احتياطات الدخول من أبوابٍ متفرقةٍ ، ما هو إلاَّ مباشرة للسبب المقدور ، أمَّا نتيجته فلا أضمنها لكم ، لأن ليس الحكم إلاَّ لله تعالى ، يُرتب النتائج إن شاء ، وليس أنا أو غيري هو الذي يضمن حصولها..
{ إنْ الحكم إلاَّ لله .. } .
وبهذه [ الإشارة من النص ] ، تدليل على جعلية موجَبَات العقود ، ونتائج الأفعال عموماً .
فأمَّا إشارة النص فهي : ألاَّ يكون النص مُساقاً أصلاً لما استُفيد منه ، وإنَّما الإستفادة للحكم تكون عرضيَّة ،وما سيق له قد حكماً ظاهراً ، أو نصَّا ً، وهما واضحان ، على ما عُلم في علم الأصول ، والمراد منه واضح .(1/8)
فمثلاً : إنَّ النص على أيِّ عقوبة من العقوبات الحدِّيَّة ، فيه إشارةٌ إلى أمور جمَّةٍ ، ولو لم يُنصُّ عليها ، منها :
ضرورة : اتخاذ القضاة لكي تُثبت بحضرتهم الوقائع التي تُنسب لأي إنسان.
وضرورة : اتخاذ السجلات في المحاكم لتثبيت القرارات .
وضرورة : اتخاذ القاضي لموضعٍ معلوم ، يأتيه فيه الخصوم .
وضرورة : اتخاذ حاجب له ، حتى لا يتدافع الناس على بابه ، أو إشغاله وقت نظره في الخصومات .
وضرورة : تخصيص مصروفاتٍ نثريَّةٍ تحتاجها المحكمة آنيَّاً .
وضرورة : وضع بعض الشُرط على بابه ، أو بإمرته ، لأجل حمايته من الاعتداء وسوء الأدب ، وجلب من يتحتَّم جلْبُه إلى مجلس القضاء ... وضرورة ... وضرورة ... إلخ .
فبمجرد ورود الحكم بإيقاع عقوبة ما ، فإنَّ المجتهد يستطيع أن يحكم بكلِّ ما ذكرنا باجتهاده ، ولو لم يرد ذكر ذلك كلِّه في النص ، وهذا فضلاً عن الحكم الذي سيق النص لأجله أصلاً ، كعقوبة قطع اليد مثلاً ، أو رجم الزاني .
********
وتأسيساً على ما ذُكر ، فإنَّ هذه الجعليَّة التي نحن بصددها ، وإن لم ينص عليها الشارع الحكيم ، إلاَّ أنها تستفاد من إشارة النص ، على المنوال المتقدم .
وكمثال لهذه الجعليَّة التي استفدناها من إشارة النص :
[ التوكُّل ] ... فالتوكُّل فيه أمرٌ من الأمور ذات النتائج الجعليَّة ... فنرى أنّ [ يعقوب ] ، عليه وعلى نبينا السلام ، قد أخّر التوكُّل إلى ما بعد اتخاذ الأسباب ، فبدونها يكون تواكلاً لا توكُّلاً .. في قوله :
{ يا بنيَّ لا تدخلوا من باب واحدٍ وادخلوا من أبوابٍ متفرقة ... }
ثم أشار لهم إلى [ جعليَّة ] النتائج ولو مع اتخاذ الأسباب بقوله :
{ ... وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاَّ لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون }
********(1/9)
وفي شريعتنا لذلك شواهد ، فهو أمر مقبول فيها .. فذلك الأعرابي الذي قدم على رسول الله ، صلى الله عليه وسلَّم ، قد أرسل [ أي : أطلق ] ناقته، ثم دخل على رسول الله عليه السلام ، وحين سأله عنها الرسول عليه السلام .. قال الأعرابي :
أرسلتها وتوكلت على الله .!!
فقال له - عليه السلام - : { إعْقِلْها وتوكّل } .
وقد تأيّد أنّ للمرء أن يأتي بالسبب المقدور، دون أن يُلام على عدم حصول النتائج ، وذلك في الآية التالية التي تقول :
{ ولمَّا دخلوا من حيثُ أمرهم أبوهم ما كان يُغني عنهم من الله من شيء إلاّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها ... } يوسف/68.
فالسبب هنا إراديٌّ ، وداخل في مقدور الإنسان ، وقد يكون في بعض الأحيان حُكماً تكليفيّاً ، حين يوُصَفُ :
بالوجوب ، أو الندب ، أو الكراهة ، أو التحريم .
لكنْ كلُّ هذا لا يخرجُ نتيجتهُ عن كونِهاُ جعليَّةٌ ، تترتب عليها نتائجها بأمر الشارع الحكيم ، رضيَ المكلفُ أم لم يَرْضَ ، مادام قد باشر السبب . وفي هذه الحالات قد يُؤاخذُ المرء على السبب ، وعلى نتيجته ، وإن كانت الأخيرة جعليَّةً ، فإنَّ المُسَبَّب يُنزل منزلة السَبَبْ ، ولما كان السبب داخلاً في مقدوره ، فإنَّه يُحاسب حينئذٍ على نتائجه من هذه الجهة ، وإن كانت تلك النتائج جعليَّةً لا دخل لإرادة المكلف في حصولها .
********
فالقاتل لا يستطيع الاحتجاج بأن إزهاق الروح هو أمر يختص به الله ، وبالتالي ليست عليه أيَّة مؤاخذة قانونيَّة !! ، فهذه حُجة لا تُجدي نفعاً ، إذ أنَّه قد باشر السبب المؤدي إلى إزهاق الروح ، الذي لا يقدر عليه أحدٌ إلاَّ الله وحده ، لأن السبب المؤدي للموت إراديٌّ فيُحاسب على النتيجة ، وإن كان لا يُوصف بأنَّه أوجدها بحال من الأحوال . فافقه هذا ففيه تقرير دقيق .
********(1/10)
نعم.. قد يُنْزِلُ الله السبب بعباده ، لأيِّ أمرٍ كان ، فيكون غير إراديٍّ ، وذلك لا يُغيِّرُ من النتيجة شيئاً ، غاية ما فيه أنّ المرء لا يُؤاخذ على السبب غير الإرادي ، ولا على نتائجه ، لأنه لم يُباشر أيَّاً منهما . أمَّا من ناحية جعليَّةِ النتائج فالأمر سِيَّان .
وحين عاود أبناء النبي يعقوب - عليه السلام - ، الرجوع إلى مصرَ مستصحبين معهم أخاهم [ بنيامين ] ، خاف يعقوب على أولاده أن يُصيبهم مثل ما أصاب أخاهم يوسف ، وخاصةً أخا [ يُوُسُف ] الذي ذكرناه ، حتى لا تُضاف إلى فاجعته فاجعةٌ أخرى ، وخاصةً بأعزِّ ولديه عنده .
فلأجل ذلك فقد أوصاهم أن يتفرقوا في الدخول إلى المدينة على أبوابها ، فإِنَّ هيأتَهم معروفة ، ولسانَهم كذلك ، فيستبين الناظر إليهم أنَّهم أخوةٌ ، ومن أوَّل وهلة .
ولما كانت الذُكُورة مرغوبةً مطلوبةً ، فكثرة عدد الأخوة الذكور مدعاةٌ للحسد لا محالة !! ، فعلمّهم طريقةً لإبعاد الحسد عن أنفسهم ، وذلك بالتفرق على الأبواب ، حتى لا تُرى في أعين الناظرين كًثْرتُهُم ، فيحسدهم الحاسدون .
من جهةٍ أخرى ، هم أغراب ، بدلالة المَلْبَس واللسان ، فقد يكون ذلك مدعاةً للريِبةِ منهم ، والتخوُّفِ من نواياهم ، كإحداث :
هرجٍ ، أو انتهاب للمخزونات ، أو أيَّ شيٍء تحذر منه الدول ! .
من أجل هذا وذاك ، أو أي أمرٍ آخر ، قد علِمَه سيِّدنا [ يعقوب ] ولم نعلمْهُ ، إذ النص لا يُشير إلى كلِّ هذا ، والكل احتماليٌّ ، ولا يُستبعدُ غيرُه ، مادام الأمر اجتهاديَّاً ... من أجل كلِّ ذلك أمرهم بالذي أمرهم به .. ومن المعلوم أنَّ الغيب بكلِّ أنواعه :
الأُخروي ، أو التأريخيِّ ، أو المستقبلي .
لا نقول فيه بالظنِّ ، إذ أنَّ :{ ... الظنَّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً }(1).
وجعل الله ذلك الظن مذموماً ، عند فقد العلم اليقيني ، حيثُ قال تعالى في الآية المتقدِّمة ذاتها :
{
__________
(1) النجم / 28 .(1/11)
وما لهم به من علمٍ إنْ يتَّبِعونَّ إلاَّ الظنَّ وإنَّ الظنَّ لا يُغني ..}
وقرن الله الظنَّ المذموم ، وهو الذي يكون في الغيبيّاَت ، بالهوى..فقال :
{ إنْ يتَّبِعون إلاَّ الظنَّ وما تهوى الأنفس..}(1).
وجعله تعالى مقروناً [ بالخَرْصِ ] تارةً اُخرى ، يقول تعالى :
{ إنْ يتَّبعون إلاَّ الظنَّ وإنْ هم إلاَّ يخرِصُوُن.. }(2).
******
على أنّ [ يعقوب] - عليه السلام - استحق ثناء الباري عزّ وجلّ ، إذ أحسن الإتيان بالسبب المقدور على وجه يدعو الى القول ، أنَّه أجاد وأحسن استعمال ما تعلمَّ من ضرر الحسد ، وما يلزم لدفعه ، حتى قال تعالى بعد ما تقدم :
{ ... وإنَّه لذو علمٍ لِمَا علّمناه ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون } .
فهو ذو علم ... أي : يُحسنُ استعمال ما تعلّم .
أي : هو ذو [ مَلَكَةٍ ] في حسن استعمال المعلوم .
فلم يكن المراد حصول العلم عنده لا غير ، إذ هذا من ملزوم قوله تعالى :
[ علّمناه ] ، فمن تعلَّم كان ذا علم لا محالة ، فالتكرير ، مع تسليمنا بإباء كلام الله الأعزّ للحشو والتكرار غير البليغ ، يجعل العلم في الآية حينئذ مراداً به أحد معانيه وهو :
[ المَلَكَة ] ، وهو ليس التعليم المراد في قوله تعالى [ علّمناه ] .. فلاحظ هذا جيّداً ، ولا تغفل عنه ، وفقنا الله وإيّاك للصواب .
والمَلَكَةُ هي : حُسْنُ استعمال المعلوم ، حسناً كان المعلوم أم سيِّئا .
ويؤيد هذا الفهم ، تأكيد القرآن الكريم [ عدم علم ] أكثر الناس !! ، وإلاَّ كيف يستقيم هذا مع كثرة مَنْ يعلم ممن نرى ونسمع ؟! ، فلا يصُحُّ حينئذٍ الإطلاق إلاَّ إذا كان المعنى كون أكثر العالِمين لا يُحسنون استعمال ما تعلّموا ، ولهذا نَدَر المبَرَّزون في كلا المجموعتين : المتعلّمين و العالِمِين .
وما كثرة حملة الشهادات في زماننا إلاَّ مصداقاً لِما نقول ! .
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يقول :
{
__________
(1) النجم / 23 .
(2) الأنعام / 116 .(1/12)
... فربَّ حاملُ فقهٍ غيرُ فقيه ، وربَّ حاملُ فقهٍ الى من هو أفقه منه}(1).
ولو تتَّبعنا هذا لطال بنا المقام بلا طائل ، وقد اتَّضح المقصود .
********
على أنَّ كلمة [ الظن ] قد تأتي بمعنى اليقين ، فلا يلتبسَنَّ عليك الأمر.. يقول تعالى : { وظنّوا ألا َّملجأ من الله إلاَّ إليه }(2).
ويقول تعالى :
{ وجاءهم الموجُ من كلِّ مكانٍ وظنُّوا أنَّهم أُحيط بهم }(3).
ويقول تعالى: { ورأى المجرمون النار فظنَّوا أنَّهم مواقعوها }(4).
في كلِّ تلك الآيات وردت كلمة [ الظن ] بمعنى اليقين ، وذلك بدلالة الحال .
ومع كلِّ ما ذكرنا ، علينا أن نعلم ، أنَّ [ الظنَّ ] في العمليَّات ، أي ما يُسمى [ فقهاً ] ، الأخذ بهِ جائزٌ ..
أ رأيت كيف أنَّ [ يعقوب ] نفسُهُ ، أمر أولاده بالتفرق على الأبواب ، للأسباب التي ذكرناها ، وبنى على ظنِّه حُكماً ؟.
أ رأيت أنَّ أولاده حين فُوجئوا بإخراج [ الصُواع ] من رحل أحدِّهم ، أرادوا دفع مُساءلة الكذب عنهم ، فقالوا :
{ وما شهِدنا إلاَّ بما علمنا وما كنَّا للغيب حافظين } .
أي : بنينا شهادتنا على غالب ظنِّنا ، وهذا يُنَزَّل منزلة اليقين ، ولم نقل باليقين المطلق ، لأنَّ ذلك لم نحفظْهُ ، فغاب عنَّا ! .
ولمَّا كانت الشهادة مما يُبنى على اليقين ، وهي المشاهدة ، فهم لم يشهدوا أية سرقةٍ من أحدهم ، ولذلك نفوا حدوثها .
ولو لم يعلموا أنَّ هذه حُجَّةً قد تنفعهُم ، لما أوردوها ، بل ويدلُّ ذلك على أنّ المصريين كانوا يعملون بها ، ويتعاطونها .
********
ومن الناحية القانونيَّة ، فإنَّ غالب أحكام القضاة تقوم على غالب الظن ، ولولا هذا لما استطاع قاضٍ أن يحسم دعوى ، أو يُصدر قراراً في شكوى .
__________
(1) راجع الترمذي / الحديث 2582 ، وبألفاظٍ متقاربة : راجع ابن ماجة .. وغيره .
(2) التوبة / 117 .
(3) يونس / 32 .
(4) الكهف / 53 .(1/13)
ولو رجعنا إلى قانون أصول المحاكمات الجزائيَّة ، لوجدناه قد أعطى للقاضي سلطةً واسعةً في تقدير الأدلة ، ومدى إمكان الإستناد إليها في إصدار الحكم ، وما بُني ذلك إلاَّ على فكرة :
[ تنزيل الظن الراجح منزلة اليقين ] .
********
ونسوق إليك بعض النصوص من قانون أصول المحاكمات الجزائيَّة العراقي المؤيِّدة لما تقدَّم :
1. [ المادة / 213 ـ
أ ـ تحكم المحكمة في الدعوى بناءً على اقتناعها الذي تكوَّن لديها من الأدلة المقدَّمة في أي دورٍ من أدوار التحقيق أو المحاكمة ، وهي :
الإقرار ، وشهادة الشهود ، ومحاضر التحقيق ، والمحاضر ، والكشوف الرسميَّة الأخرى ، وتقارير الخبراء والفنيين ، والقرائن ، والأدلة الأخرى المقررة قانوناً ] .
2.[ المادة / 215 ـ
للمحكمة سلطة مطلقة في تقدير الشهادة .... ] .
3.[ المادة / 217 ـ
أ ـ للمحكمة سلطة مطلقة في تقدير إقرار المتهم ، والأخذ به ... ] .
مما تقدَّم ... يظهر لنا أن القانون يستند إلى غالب الظن الذي يتكوَّن عند المحكمة ، وهو في حقيقته القناعة التي بنت عليها المحكمة الحكم .
وقد تتكوّن هذه القناعة بقرينة ، والأخذ بالقرائن جائزٌ في القضايا الجزائيَّة .
*******
إنّ الأخذ بالقرينة كان معروفاً لدى المصريين في زمن سيِّدنا [ يوسف ] ، وقد قصَّه القرآن علينا ، في الآيات : 24 إلى 27 ، من السورة ، وسنعود لهذا لاحقاً .
********
على أن [ الظنِّ ] في العلميِّات [ اليقينيات ] ، ومنه [ الإعتقاديَّات ] لا يؤخذ به ، إذ لابُدَّ من اليقين الذي له طُرُقُهُ ، والتي منها :
الحسُّ ، والتجربة ، والنقل المتواتِر ، والبرهان العقلي في غير المحسوسات كالإيمان بالله جلَّ وعلا .
وهذا الذي جرَّنا البحث إليه ، هو من أهم مميزات المنهجيَّة الإسلاميَّة في الطرق البحثيّة ، ولها في هذا المجال منهجٌ متقنٌ ، ندعو الله أنْ يُوفِقنا للكتابة فيه تفصيلاً .
********
نعود إلى ما جريات الأحداث ، فنقول :(1/14)
بالرغم من اتخاذ الأسباب التي ألمعنا إليها من سيّدنا [ يعقوب ] ، فإِنّ المُسَبّبات أو النتائج تبقى خارجةً عن مقدوره ، إذ هي جعلية صرفةٌ ، لا دخل لإِرادة المكلّف بها ، فإنّ :
[ على المرء أن يسعى وليس عليه تحصيلُ النتائج ]
ويقول الشاعر :
على المرء أن يسعى لتحصيل مقصدٍ
وليس عليه أن يكون موفقا
فلأجل ذلك قال لهم :
{ وما أغني عنكم من الله من شيء إنْ الحكمُ إلاّ لله..} .
ونعود إلى جعليَّة آثار العقود ، وهي [ الموجَبْ ] :
وموجَبُ العقد هو : ما يترتب على العقد من أحكامٍ إلزاماً ، وذلك بحسب كلِّ عقد .
والموجَب ْ : هو حكم العقد ، على رأي الفقهاء في معنى الحكم .. أي : الأثر المترتب على العقد .
وأمثلة جعليَّة آثار العقود [ أي : موجَبَاتِها ] له من أحكام القانون أمثلة كثيرة ، ونستطيع أن نورد تلك الأمثلة في فرعين من فروع القانون ، وهما : الأنكحة ، وأحكام المعاملات .
ونتكلم عنهما بمبحثين مستقلين :
المبحث الأول
في
أمثلة من أحكام الأنكحة
فمن تزوج امرأةً فإِنّه لا يستطيع :
نفي استحقاقها للمهر، مسمىً كان أم مثلياً ، إذ استحقاقُها له هو من موجَبَات العقد فلا يصح نفيُه .
وكذا لا يستطيع أحدهما – ولا كلاهما – نفي استمتاع كلاهما بالآخر ، لأنه من موجَبَات عقد النكاح .
وكذا استحقاق الزوجة للنفقة بمجرد انعقاد العقد ، لأنها من موجَبَات العقد .
وكذا لا يصح سلب الزوج لحقِّ الطلاق ، حتى ولو فوَّض ذلك للزوجة ، لأنه حقٌّ ثبت بحكم العقد وبجعلٍ من الشارع ، فمن وكلَّ غيره بحقٍ له يبقى ما وكلَّ به غيره ، مملوكاً له أيضاً .
وكذا حقها في مخالعة زوجها على مالٍ ، لإفتداء نفسها .
وكذا حقِّهما في طلب التفريق القضائي ، إذا توفرت أسبابه .
********
ونورد النصوص القانونيَّة المؤيِّدة لما ذكرنا ، بنفس التسلسل الذي أوردناه الأمثلة المتقدمة .(1/15)
فلو رجعنا إلى قانون الأحوال الشخصيَّة رقم [ 188 ] لسنة 1959 المعدَّل ، لوجدنا النصوص المؤيِّدة لكل ما ذكرنا .
فبالنسبة لكل الآثار التي ذكرناها مجتمعةً ، نجد :
[ المادة / 3 ـ
2. إذا تحقق انعقاد الزوجيَّة ، لزم الطرفين أحكامها المترتِّبة عليه حين انعقاده ] .
فهذا حكم عام في كلِّ الآثار الإلزاميَّة للعقود [ أي: الموجَبَات ] ، وفي عقد النكاح خاصَّة .
وهذا الحكم يشمل : حلِّ استمتاع أحد الزوجين بالآخر ، فإنَّه من موجَبَاتِه الأولى ، وبدونه لا يتحقق الإنسال ، ولا التكاثر ، وهما الهدف الأصلى لهذا العقد ، وما جُعل الميل من أحد نوعي الجنس البشري للآخر إلاَّ لتحقيق ذلك ليس إلاَّ .
********
أمَّا بالنسبة للمهر ، فنجد :
1. [ المادة / 19 ـ
1. تستحق الزوجة الهر المسمى ، فإن لم يُسمَ أو نُفي أصلاً ، فلها مهر المثل ] .
2. [ المادة / 22 ـ
إذا وقعت الفرقة بعد الدخول في عقدٍ غير صحيح ، فإن كان المهر مسمىً فيلزم أقل المهرين ، من المسمى والمثلي . وإن لم يُسمَ فيلزم مهر المثل ] .
أي : أنَّ استحقاق المهر أمر جعليٌّ من الشارع ، تستحقه المرأة ولو في العقد غير الصحيح ، مادامت قد حصلت للعقد آثارٌ كالدخول ، وما بني ذلك إلاَّ على جعليَّة نتائج العقود .
********
أمَّا بالنسبة لاستحقاق الزوجة للنفقة ، فنجد :
1. [ المادة / 23 ـ
ف 1 : تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمةً في بيت أهلها ، إلاَّ إذا طالبها الزوج بالإنتقال إلى بيته فامتنعت بغير حق .
ف 3 : تشمل النفقة الطعام ، والكسوة ، والسكن ، ولوازمها ، وأجرة التطبيب بالقدر المعروف ، وخدم الزوجة التي بكون لأمثالها معين].
2. [ المادة / 58 ـ
نفقة كلِّ إنسانٍ في ماله إلاَّ الزوجة فنفقتها على زوجها ] .
********
أما بالنسبة لحقِّ الطلاق ، وكونه حقاً للزوج ، وإن فوَّضه للزوجة ، أو وكَّلها به ، لأنه من موجبات العقد ، فنجد النص الآتي :
[(1/16)
المادة /34 ـ
1. الطلاق رفع قيد الزواج بإيقاعٍ من الزوج ، أو من الزوجة إن وُكِّلت به ، أو فُوِّضت ، أو من القاضي .... ] .
********
أما بالنسبة للتفريق الإختياري [ الخلع ] ، فورد حكمه كالآتي :
[ المادة / 46 ـ
1. الخلع إزالة قيد الزواج بلفظ الخلع ، أو ما في معناه ، وينعقد بإيجابٍ وقبول أمام القاضي...] .
*******
أمَّا بالنسبة لحق التفريق القضائي ، فنجد :
المواد من : 40 إلى 45 من القانون ، نورد منها بقدر الكفاية :
[ المادة / 40 ـ
لكلٍّ من الزوجين طلب التفريق ن عند توافر أحد الأسباب الآتية : .... ] .
فيُظهر النص لنا أنَّ طلب التفريق حقٌّ ، حين أورد المشرع في صياغته [ لام التخيير ] .
********
ومن الجعليَّات في أحكام النكاح ، ترتب العدَّة على الفرقة : اختياريَّة ، أم جبريَّة . وذلك بعد الدخول ، أو الخلوة الصحيحة .
ففي قانون الأحوال الشخصيَّة ، نجد الحكم الآتي :
[ المادة /47 ـ
تجب العدَّة على الزوجة ، في الحالتين الآتيتين :
1. إذا وقعت الفرقة بينها وبين زوجها : بعد الدخول ، سواء كانت عن طلاق رجعي ، أو بائن بينونة صُغرى أو كُبرى، أو تفريق قضائي ، أو متاركة ، أو فسخٍ ، أو خيار بلوغ.
2. إذا تُوُفي عنها زوجها ، ولو قبل الدخول بها ] .
********
وهناك آثارٌ أخرى تترتب على بعض النتائج التي تترتب على عقد النكاح ، لا نرانا بحاجة لتتبعها ، ما دام الأمر قد أصبح على منتهى الوضوح ، على ما أظن .فالذي أوردناه بالنسبة لأحكام النكاح فيه كفاية ، لننتقل إلى الجانب المدني .
********
المبحث الثاني
في
أمثلة أحكام المعاملات
إنَّ الجعليَّة لآثار العقود المدنيَّة ، أو أحكام المعاملات كثيرةٌ ، لعلنا نأتي بنماذج منها ، بقدر ما يُوضِّح الفكرة ، وبما يتَّسعه المقام :
فالعقود المدنيَّة كثيرةٌ ، منها ما سُميَّت في القانون ، وتسمى
[(1/17)
العقود المسماة ] ، وهذا لا يمنع أن يبتكر الناس من العقود ما تتطلبه معاملاتهم ، وعلاقاتهم التعامليَّة ، وهذا لا يدخل في نطاق موضوعنا ، ولكن لنشير أننا رجعنا إلى العقود المسماة عند ضرب الأمثلة ، غير غائبٍ عن بالنا كثرة ما نجده في الحياة العمليَّة من أنواع العقود .
********
فبالنسبة لعقد البيع ، هو أهم العقود المسماة ، وهو أكثر العقود شيوعاً ، واستعمالاً... فلو أنَّ متعاقدين باع أحدُهُما واشترى الآخر :
فلا يُقبلُ من البائع نفيَ استحقاق المشتري للمبيع ، بحجَّةِ أنَّ الاستحقاق لم يرد ذكرُهُ في العقد !! .
ولا يُقبل من المشتري نفيَ استحقاق البائع للثمن بذات الحُجّة .
وصورتُه : أنَّ البائع إذا قال للمشتري مثلاً.. بعتك هذه الدار ، فلا يستطيع رفض تسليمها للمشتري ، بعد تمام العقد طبعاً ، بحجة أنَّهما لم يذْكرا في العقد .. وجوب تسليم المبيع !! .
ففي القانون المدني العراقي نجد من النصوص ما يأتي :
1.[ المادة / 143 ـ
عقد المعاوضة الوارد على الأعيان يقتضى ثبوت الملك لكل واحد من العاقدين في بدل ملكه ، والتزام كلٌّ منهما بتسليم ملكه المعقود عليه للآخر ] .
2.[المادة / 145 ـ
أيَّاً كان المحل الذي يرد عليه العقد ، فإنَّ المتعاقد يُجبر على تنفيذ التزامه ] .
3.[ المادة / 521 ـ
إذا كان المبيع عيناً معيَّنةً بالذات ، أو كان قد بيع جزافاً ، نقل البيع من تلقاء نفسه ملكيَّة المبيع ... ] .
وفي الأحكام المتقدمة إشارة واضحةٌ إلى الجعليَّة التي نحن بصددها ، إذ جعل القانون ملكيَّة المبيع منتقلةً من تلقاء نفسها ، بمجرد انعقاد العقد ، وإجبار المتعاقد على تنفيذ إلتزامه ، وثبوت الملك لكلا طرفي العقد التبادلي ....إلخ .
وهل الجعليَّةُ إلاَّ هذا ؟؟ .
أمَّا:
[ المادة /246 ـ
1. يُجبر المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً ، متى كان ذلك ممكناً ] . و :
[ المادة / 534 ـ(1/18)
3. وإذا سدِّدت الأقساط جميعاً انتقلت ملكية المبيع إلى المشتري من وقت البيع ، إلاَّ إذا وُجد اتفاق على غير ذلك ] . و :
[ المادة / 549 ـ
ف 1. يضمن البائع عدم التعرُّض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كلِّه أو بعضه ،سواء أكان التعرض من فعله ، أو من فعل أجنبيٍّ يدَّعي أنَّ له حقّاً على المبيع وقت البيع يُحتج به على المشتري . ويثبت ضمان التعرض ولو لم يُنص عليه في العقد ] .
*******
ففي كلِّ الأحكام المتقدِّمة ، بيانٌ للجعليَّة في آثار العقود .
فضمان عدم التعرض ، هو من موجَبَات العقد لا محالة ، ولذلك كانت االصياغة قد وردت بصيغة المبني للمجهول ، فهو غير منسوب لأحد الطرفين ، ولا لكليهما ، فهو مترتب على العقد حتماً بحكم القانون .
وأما ما ورد في :
[ المادة / 571 ـ
1. يلتزم المشتري بدفع الثمن المتفق عليه وفق الشروط التي يُقررها العقد ، وهو الذي يتحمل نفقات الوفاء .
2.وللبائع أن يتصرف في ثمن المبيع قبل القبض ] .
فهذا حكمٌ مبنيٌّ على كون الثمن قد أصبح ملكاً للبائع بمجرد صدور العقد عن المتعاقدين على وجهه المشروع .
ومن المعلوم أنَّ هذه العقود هي من العقود التبادليّة .
أي : أنَّ ما يثبت لأحد المتعاقدين يثبت للآخر ، وما يثبت على أحد المتعاقدين يثبت على الآخر ما يقابله . والثبوت ليس له طريق هنا إلاَّ العقد ، وهذا الثبوت للأثر العقدي يكون بحكم القانون ، أي : بجعل منه ، أو من الشرع ، ومرَّ بنا قبلاً أنَّ ما يُثبته العقد لأحد طرفي العلاقة التبادليَّة، يُثبته للآخر .
********
ولعلنا نستطيع أن نعتبر الحكم القانوني الآتي من جملة جعليَّة موجَبَات العقود ، وهو ما ورد في القانون المدني ، في :
[ المادة / 586 ـ
1. يلتزم المشتري بأن يتسلَّم المبيع في الزمان والمكان المحدَّدين في العقد ما دام المبيع قد عُرض عليه وفقاً للشروط المتفق عليها .(1/19)
2. فإذا لم يُحدد الاتفاق أو العرف زماناً أو مكاناً لتسليم المبيع ، وجب على المشتري أن يتسلَّمه في المكان الذي يجب أن يُسلِّمه فيه البائع ، وأن ينقله دون إبطاء ، إلاَّ ما يقتضيه النقل من زمن ] .
فلولا تلك الجعليَّة التي نحن بصددها ، لما كان لإيجاب المشرِّع موقعٌ ما، دامت هذه العقود في الأصل رضائيَّة بحتة ، وليست مما يُعدُّ من عقود الإذعان .
إذ أنَّ كلّ ذلك من موجَبَات العقد ، فهي نتائج تترتب [ بجعل] الشارع ولا يصح نفيُها ، وإلاّ لم يَعُدْ البيعُ بيعاً ، ولا الشراء شراءً !! .
ولقد فصَّل الدكتور محمد زكي عبد البر [ العقود الناقلة للملكيَّة ] ، ما يتعلق بهذه المسألة تفصيلاً مفيداً وواضحاً ، ولما لم نكن في معرض شرح هذا الموضوع ، أو الدخول في تفصيلاته ، بقدْر ما نحن في صدد الاستشهاد ، فما أوردناه يكفينا(1).
على أنَّ الاستشهاد بأحكام الفقه الحنفي دون غيره ، لا ينبع إلاَّ كون هذا الفقه هو المؤثر الأقوى في أحكام القانون المدني العراقي ، يحكم التسلسل التاريخي لهذا الموضوع ، وهو سيادة هذا المذهب في التطبيق في العراق منذ الفتح العثماني ، وإلى أن شُرِّع القانون المدني سنة 1951 .
ومن ذلك على سبيل المثال أيضاً ، ما نص على القانون بالنسبة لعقد الإيجار ، وهو العقد الثاني الأهم ، من العقود المسماة ، بعد عقد البيع ، وذلك في :
[ المادة / 144 ـ
عقد المعاوضة الوارد على منافع الأعيان يستوجب التزام التصرف في العين بتسليمها للمنتفع ، والتزام المنتفع بتسليم بدل المنفعة ] . و :
[ المادة / 744 ـ
إذا سلَّم المؤجر الدار ولم يسلِّم حُجرَةً منها كان المستأجر مخيَّراً بين إجبار المؤجر على تسليمها ، وبين فسخ العقد ، أو الاستمرار عليه ، وفي هذه الحالة الأخيرة تسقط من الأجرة حصَّة الحجرة..] .
__________
(1) أحكام المعاملات في المذهب الحنفي / محمد زكي عبد البر – 250 وما بعدها .(1/20)
لأن من مُوجَبَات عقد الإيجار تسليم المأجور الذي تمَّ الإتفاق على استئجاره كلَّهِ . فكما أنَّ المؤجر لا يقبل أن تُنتقص الأُجرة ، فإنَّه لا يجوز له أن ينتقص من منفعة المأجور ، أو تسليمه ناقصاً .
********
والقول بامتداد هذا الحُكمِ إلى كلَّ التصرفات القوليَّةِ ، هو عين الصحة والصواب .
والتصرفاتُ القوليَّةُ هي : الأقوال التي يُرَتِّبُ عليها الشارع الحكيم أثراً شرعيّاً ، سواءٌ أكانت صادرة من جانب واحد :
كالوقف ، والوصيَّة ، والإبراء ، والتنازل ، والطلاق ، والرجعة والجعل على عمل من شخص يُريد حصول ذلك العمل ... الخ .
أو كانت صادرةً من جانبين :
كالعقود ، وهي كثيرةٌ جداً .. مثل : البيع ، والصلح ، والمزارعة ، والإجارة ، والإستصناع ، والسَلَم ، والتوريد ، والمقاولة ،..الخ .
والتصرف عموماً : كلُّ قولٍ ، أو فعلٍ له أثر شرعي(1).
بل يمكن القول هنا ، أنَّ هذه المُوجَبَات لا تنتفي بنفي المتعاقدين نفسيهما ، فإذا تشارطا على نفي حصول أحدها ، فذلك شرطٌ لا يجب الوفاء به ، إذ الشروط التي تُعتبر هي أنواعٌ ثلاثة :
1. فشرطٌ هو في حقيقته عين مقتضى العقد ، أي موجَبَه ، : فهذا واجب الاعتبار ، بل قلنا قبل قليل ، لو نفاه المتعاقدان لا ينتفي .
2. وشرطٌ مؤكِّدٌ لمقتضى العقد : كأخذ الرهن توثيقاً للدين ، أو اشتراط كتابته في سجلات الحكومة، سواءٌ فيما وجب فيه التسجيل بأمرٍ من الدولة ، أو كان جائزاً ، فيُوُجبانه على نفسيهما ، فهذا واجب الاعتبار أيضاً .
3. وشرطٌ جرى به التعارف الصحيح : وهذا يجب الوفاء به أيضاً .
فلو اشترطا أن تكون نفقات الوزن على البائع مثلاً ، والعُرف جرى بهذا ، فهذا الشرط يؤخذ به ، كما ورد في الأحكام القانونيَّة الآتية :
[ المادة / 163 ـ
1. المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً ، والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص .
2. والمعروف بين التجار كالمشروط بينهم ] .
[ المادة / 164 ـ
__________
(1) معجم لغة الفقهاء – 132 .(1/21)
1. العادة محكَّمة عامَّةً أو خاصَّة .
2. واستعمال الناس حجَّة يجب العمل بها ] .
[ المادة / 165 ـ
إنَّما تُعتبر العادة إذا اطَّردت أو غلبت ، والعبرة للغالب الشائع لا النادر ] .
×××××××
إنَّ الأحكام التي ذكرناها فيما يخص العرف ، مصدرها هو الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء ، فهي قد وردت في مجلة الأحكام العدليَّة – المأخوذة حصراً من الفقه الحنفي- وبالمواد : 36 و 37 و 40 و 41 و 42 و 43 و 44 و 45.. ونصوصها كالآتي :
[ المادة / 36 ـ العادة مُحكَّمة ] . و :
[ المادة / 37 ـ استعمال الناس حجَّةٌ يجب العمل بها ] . و
[ المادة /40 ـ الحقيقة تترك بدلالة العادة ، يعني لو وكَّلت إنساناً بشراء طعامِ وليمة ، لا يشتري إلاَّ الطعام المعتاد في مثلها ، لا كلُّ ما يُؤكل ] . و :
[ المادة / 41 ـ إنَّما تُعتبر العادة إذا اطَّردت ، أو غلبت ] . و :
[ المادة / 42 ـ العبرة للغالب الشائع لا النادر ] . و :
[ المادة / 43 ـ المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً ] . و :
[ المادة / 44 ـ المعروف بين التجار كالمشروط بينهم ] . و :
[ المادة / 45 ـ التعيين بالعرف كالتعيين بالنص ] .
********
أمَّا ما كان خارجاً عن الأنواع الثلاثة من الشروط فهو غير لازم ، بل قد يؤثر في العقود بتأثيراتٍ قد تؤدي إلى الإبطال ، أو الفساد بحسب الأحوال .
فمن باع داراً واشترط السكنى فيها مدةً معيَّنةً ، كان هذا الشرط غير واجب الاعتبار ، وجاز للمشتري إخراجُه ، أو مطالبته بأجر المثل للمدة التي يبقى فيها في المأجور .
ومن باع شيئاً واشترط على المشتري ألاَّ يبيعه ، بطل الشرط .
ومن باع داراً واشترط على المشتري ألاَّ يُسْكن معه فيها فلاناً من الناس ، أو لا يُؤاجرها إليه ، كانت هذه الشروط غير واجبة الاعتبار ، ونتعامل معها وكأنَّها لا وجود لها .
إذ الشروط المشار إليها كلُّها ، ليست واحدةً من الأنواع الثلاثة آنفة الذكر(1/22)
والذي تقدَّم من تقسيم الشروط المصاحبة للعقد ، إلى الأقسام المتقدِّمة ، نصَّ عليه القانون المدني العراقي في :
[ المادة / 131 ـ
1. يجوز أن يقترن العقد بشرطٍ : يُؤكد مقتضاه ، أو يُلائمه ، أو يكون جارياً به العرف والعادة .
2. كما يجوز أن يقترن بشرطٍ فيه نفعٌ لأحد العاقدين ، أو للغير ، إذا لم يكن ممنوعاً قانوناً ، أو مخالفاً للنظام العام ، أو للآداب ، وإلاَّ لغا الشرط وصحَّ العقد ، ما لم يكن الشرط هو الدافع إلى التعاقد ، فيبطل العقد أيضاً ] .
********
وهذه التقسيمات للشروط المصاحبة للعقود ، مأخوذة من الشريعة الإسلاميَّة ، ومن الفقه الحنفي تحديداً . وقد ذكرها قدري باشا في [ مرشد الحيران في أحوال الإنسان] في المواد الآتية :
[ المادة / 321 ـ
الشرط الذي يقتضيه العقد ، أو يُلائمه ويؤكد موجَبَه ، جائز معتبر، فيصح اقتران العقد به . وكذلك يعتبر الشرط المُتعارَف الذي جرت به عادة أهل البلد ، وتقرر في المعاملات بين التجار وأرباب الصنائع ] . و :
[ المادة / 322 ـ
الشرط الذي لا يكون من مقتضيات العقد ولوازمه ، ولا مما يؤكد موجَبَهُ ، ولا جرى به العرف ، وكان فيه نفعٌ لأحد العاقدين ، أو لآدميٍّ غيرهما ، فهو فاسدٌ .
والشرط الذي لا نفع فيه لأحد العاقدين ، ولا لآدميٍّ غيرهما ، فهو لغوٌ غير معتبر ، والعقد الذي يكون مقروناً به صحيح ] .
********
ومما لا شك فيه أنَّ الكلام يدور في الشروط العقديَّة ، أي : التي تقترن بها العقود ، وهي نوعان :
1. الشرط الوارد بواحدة من أدوات التعليق ، وهذا يُسمى الشرط اللغوي، وهذا قد يُعلق عليه انعقاد العقد برمته ، وتعريفه هو الذي ورد في مرشد الحيران في :
[ المادة / 315 ـ
الشرط : هو التزامٌ في أمر مستقبل ، بصيغة مخصوصة .
والتعليق هو : ترتيب أمر مستقبل على حصول أمر مستقبل ، مع اقترانه بأداة من أدوات الشرط ] . وفي :
[ المادة / 317 ـ(1/23)
العقد المعلق هو : ما كان معلَّقاً بشرط غير كائن ، أو بحادثة مستقبلة .
والمعلق يتأخر انعقاده سبباً إلى وجود الشرط ، فعند وجوده ينعقد سبباً مفضياً إلى حكمه ] . و في :
[ المادة / 318 ـ
يشترط لصحة التعليق أن يكون مدلول فعل الشرط معدوماً على خطر الوجود ، لا محققاً ، ولا مستحيلاً ] .
2.الشروط المضافة من أحد العاقدين ، أو كلاهما ، وتكون بغير صيغة التعليق ، بل تكون مصاحبةً للعقد ، ومقترنةً به .
وهذه التي تكلمنا عنها ، وأشرنا إلى حكمها ، وهي التي تعنينا.
*********
شرائعُ مَنْ قَبْلَنا
مما لا شك فيه أنَّ الاستدلال بالآية لِمَا أردنا الاستدلال له ، متوَقِّفٌ على الأخذ :
[ بشرائع منْ قَبْلنا ، إذا ذكرت في قرآننا ، من غير تصريح باعتداد أو إلغاء] . وهذا ما سنعود إليه بعد حين .
ويقول القرآن الكريم :
{ ولمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنّي أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون }(1).
فهذا مجرد تطمين لأخيه حتى لا تذهب به الظنون كلّ مذهب بالنسبة لما هو آتٍ من الأحداث ، ليتحول بعدئذ القرآن العظيم في روايته لأحداث قصة [ يوسف ] عليه وعلى نبينا السلام ، إلى منعطف خطير، وهو الاحتيال، للوصول الى المطلوب ، وسنعود الى موضوع [ الحيلة الشرعيَّة ] لاحقاً .
وعلى هذا اختلفوا في [ شرع من قبلنا ] إذا ذُكر في قرآننا ، فالمذكور منه ، على ثلاثة أنحاءٍ :
فنحوٌ : ذُكر في قرآننا ودلّ الدليل على إلغائه .. كاسترقاق المسروق منه للسارق، في[ شريعة يعقوب ]، كما سيأتي ، وأمثلته في الكتاب الكريم كثيرةٌ، لسنا في معرِضِ إحصائها .
ونحوٌ : ذُكر في قرآننا ودلّ الدليل على اعتباره ، كالمماثلة في العقاب [ القصاص ] ، كما في... قوله تعالى :
{
__________
(1) يوسف / 69 .(1/24)
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنَّما قتلَ الناسَ جميعاً ومَنْ أحياها فكأنَّما أحيا الناسَ جميعا..}(1).
وحاصله أن القتل لا يكون إلاَّ بالمماثلة ، أي إذا قتلها مقابل نفسٍ ، بشرط أن يكون ذلك عن طريق السلطة العامَّة ، فهو جائز .
وهذا مُؤيَّد.. بقوله تعالى :
{ يا أيّها الذين آمنوا كُتِب عليكم القِصاص في القتلى الحرُّ بالحرِّ والعبدُ بالعبدِ والأنثى بالأنثى ... ، ولكم في القِصاص حَياةٌ يا أولي الألباب لعلكم تتقون }(2).
وهذا هو حُكمُ شريعتنا أيضاً .
********
ونحوٌ: ذُكِر في قرآننا وسكت الشارع الحكيم عنه ، ومن ذلك [الحيل] ، أو [المخارج الشرعيَّة] ... التي نحن بصددها :
فالذين قالوا:
[ شرع من قبلنا، إذا ذُكر في قرآننا، شرعٌ لنا ما لم يُنسخ ]
أخذوا بها .. في حين الذين قالوا :
[ شرع من قبلنا،إذا ذُكر في قرآننا،ليس شرعاً لنا إلاّ إذا ورد الدليل على اعتباره ] .. لم يأخذوا به .
وفي نطاق القانون ، نستطيع أن نمثِّل لمسألة الشرع السابق واللاحق ، بموضوع : [ تنازع القوانين عند التطبيق ] ، وفي مسألة [ التنازع من حيث الزمان ] تحديداً من أنواع ذلك التنازع .
ولقد حدَّد القانون المدني بموادِّه من : 10 إلى 13 تلك الأحكام ، ونعرِّج على ذكرها لمزيد الفائدة ، وهي :
[ المادة / 10 ـ
لا يُعمل بالقانون إلاَّ من وقت صيرورته نافذاً ، فلا يسري على ما سبق ، إلاَّ إذا وُجد نصٌ في القانون الجديد يقضي بغير ذلك ، أو كان القانون الجديد متعلقاً بالنظام العام والآداب ] .
[ المادة / 11 ـ
1. النصوص الجديدة المتعلقة بالأهليَّة تسري على جميع الأشخاص الذين تُطبَّق عليهم الشروط المقررة في هذه النصوص .
2. فإذا عاد شخصٌ توافرت فيه الأهليَّة بحسب نصوصٍ قديمة ، فإنَّ ذلك لا يُؤثر في تصرفاته السابقة ] .
[ المادة / 12 ـ
__________
(1) المائدة / 32 .
(2) البقرة / 178 إلى 179 .(1/25)
1. النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم تسري من وقت العمل بها على كلِّ تقادمٍ لم يكتمل ، ولكن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة ببدء التقادم ، ووقفه ، وانقطاعه ، وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة .
2. إذا قرر النص الجديد مدةً للتقادم أقصر مما قرره النص القديم ، سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك ، لكن إذا كان الباقي من المدة التي نصَّ عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها القانون الجديد ، فإنَّ التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي ] .
[ المادة / 13 ـ
تسري في شأن الأدلة التي تُعدُّ مقدَّماً ، النصوصُ المعمول بها في الوقت الذي يُعدُّ فيه الدليل ، أو في الوقت الذي يُستطاع ، أو ينبغي إعدادُه ] .
×××××××
وفي قانون العقوبات عُولجت المسألة بشكل آخر ، إذ بُحث هذا الموضوع فيه تحت عنوان : [ نطاق تطبيق قانون العقوبات ] وتحت عنوان : [ تطبيق القانون من حيث الزمان ] ، وذلك في المواد من : 2 إلى 5 ، ونورد من تلك النصوص ما ينفعنا فيما نحن بصدده .
[ المادة / 2 ـ
1. يسري على الجرائم القانون النافذ وقت ارتكابها ، ويُرجع في تحديد وقت ارتكاب الجريمة إلى الوقت الذي تمَّت فيه أفعال تنفيذها ، دون النظر إلى وقت تحقق نتيجتها .
2. على أنَّه إذا صدر قانون ٌ أو أكثر بعد ارتكاب الجريمة ، وقبل أن يُصبح الحكم الصادر فيها نهائياً ، فيُطبق القانون الأصلح للمتهم .
3. وإذا صدر بعد صيرورة الحكم نهائياً قانونٌ يجعل الفعل ، أو الامتناع الذي حُكم على المتهم من أجله ، غير مُعاقَبٍ عليه ، يوقف تنفيذ العقوبة ، وتنتهي آثاره الجزائيَّة .
و لا يمسُّ هذا بأي حالٍ ما سبق تنفيذه من العقوبات ، ما لم ينص القانون الجديد على خلاف ذلك ، وعلى المحكمة التي أصدرت الحكم ابتداءً أن تُقرر وقف تنفيذ الحكم بناءً على طلب من المحكوم عليه ، أو الإدِّعاء العام .(1/26)
4. أمَّا إذا جاء القانون الجديد مخفِّفأً للعقوبة فحسب ، جاز للمحكمة التي أصدرت الحكم ابتداءً إعادة النظر في العقوبة المحكوم بها على ضوء أحكام القانون الجديد ، وذلك بناءً على طلب المحكوم عليه ، أو الإدِّعاء العام ] .
[ المادة / 3 ـ
إذا صدر قانون بتجريمِ فعلٍ ، أو بتشديد العقوبة المقررة له ، وكان ذلك في فترةٍ محدَّدةٍ ، فإنَّ انتهاء لا يحول دون تنفيذ العقوبة المحكوم بها ، ولا يمنع من اقامة الدعوى على ما وقع من جرائم في خلالها ] .
المادة / 4 ـ
يسري القانون الجديد على ما وقع قبل نفاذه من الجرائم المستمرة ، أو المتتابعة ، أو جرائم العادة التي يُثابر على ارتكابها في ظله ، وإذا عدَّل القانون الجديد الأحكام الخاصَّة بالعود ، أو تعدد الجرائم ، فإنَّه يسري على كلِّ جريمةٍ يصبح بها المتهم في حالة عودٍ ، أو تعددٍ ، ولو بالنسبة لجرائم وقعت قبل نفاذه ] .
[ المادة / 5 ـ
لا يُفرض تدبير احترازي إلاَّ في الأحوال ، وبالشروط المنصوص عليها في القانون .
وتسري على التدابير الاحترازيَّة الأحكام المتعلقة بالعقوبات من حيث عدم رجعيتها ، وسريان القانون الأصلح للمتهم ] .
********
ولا أريد هنا أن أُجري مقارنةً بين تنازع القوانين الزماني ، وبين العمل بشرع مَن قبلنا ، فذلك قد يُخرجنا عن مقصودنا ، وأكتفي بعرض الفكرتين ، ويكفيني أنني نبهت إلى التقارب ، أو التشابه بينهما ، ولعل لنا عودة إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك ، إن شاء الله تعالى .
والذي نستطيع إلإشارة إليه هنا ، هو أنَّنا نجد في النصوص السابقة ، ومن واقع التطبيق القانوني ، أنَّ الأخذ بالقانون السابق يكون في حالات ، قد نستطيع حصرها ، وكالآتي :
1. يؤخذ بالقانون السابق إذا كان أصلح للمتَّهم .
2. ويؤخذ بالقانون السابق ، إذا أحال القانون اللاحق عليه .(1/27)
3. ويؤخذ بالقانون السابق ، إذا كانت الواقعة قد تمَّت في ظلِّ ذلك القانون ، وتأخر حسمها قضائياً إلى ما بعد صدور القانون الجديد.
4. وقد يكون الأمر أبعد من ذلك ، إذ يبقى سريان الأحكام القانونيَّة السابقة والتي شرِّعت في ظل نظام قانوني سابق انتهى الأخذ به في هذا القطر أو ذاك .
بل والأبعد من ذلك ، يُؤخذ بالتشريعات التي شُرِّعت في ظل نظامٍ سياسي زال من الوجود ، أو دولةٍ زالت زوالاً نهائياً ، أو انحسر ظلها وسلطانها عن هذا البلد أو ذاك .
فما شُرِّع في ظل الحكم العثماني للعراق ، بقي سائداً إلى ما بعد الإحتلال الإنكليزي للعراق ، بل بقي إلى ما بعد تأسيس الحكم المحلي من أهل البلاد .
وما شُرِّع في فترة الحكم الإنكليزي المباشر للعراق ، بقي سائداً لعقودٍ من السنين طويلة بعد انحسار الحكم المباشر للعراق ، مثل القانون العقابي المسمى [ بقانون العقوبات البغدادي ] ، الذي وضعته سلطة الإحتلال أولاً لمدينة بغداد ، فسمي بالبغدادي ، ثم عُمِّم إلى بقية أجزاء القطر العراقي .
وما كلُّ ما تقدم إلاَّ نوعُ تطبيقٍ لفكرة الأخذ بـ [ شرع من قبلنا ] ، فلاحظه ، وانتبه إليه ، فلا أظنُّ هناك من نبَّه إلى هذا ن بالنسبة للتطبيق القانوني ، ومقارنته بما ورد في الشريعة الغرَّاء .. والحمد لله ربِّ العالمين .
×××××××
وننتقل بعد هذا إلى بيان الحيل ، وأنواعها ، وشروطها ، وذلك في مبحثٍ مستقل ، وهو الآتي ، إن شاء الله تعالى .. وبتوفيقه .
الحيل الشرعيَّةِ
ومشروعيتها
المبحث الأول
الحيل التي اتَّبعها [ يوسف ] مع اخوته !
إن ّ[ احتيال ] سيّدنا يوسف لأجل أخذ أخيه عنده ، دون أمرٍ سلطوي ، أو إشعارٍ لهم بحقيقةِ شخصه .
و [ احتياله ] لإبعاد الشكِّ عن تدبيراته من أجل أخذ أخيه .
و [ احتياله ] لهم حتى يقبلوا بشريعة أبيهم لكي يُبقي أخاه عنده.(1/28)
كلُّ ما تقدَّم ، أمرٌ يستحق التوقف والتأمل الفقهي ، لأجل الوصول الى حُكمٍ في مسألةٍ هي من أخطر المسائل حسَّاسيَّةً ، ألا وهي مسألة ما أطلق عليه ، أو قل ما اصطُلِح عليه:[ بالحيل الشرعيَّة].
إنّ الاصطلاح لا مناقشة فيه ..إذ: [ لا مشَّاحة في الاصطلاح ] ،
فالعبرة بحقيقة الأشياء لا بأسمائها ، فاختلاف الأسماء لا يُغيِّرُ مِن حقيقة المسميَّات ، وإن كان الأفضل تجنُّب الألفاظ المثيرة للإبهام والإيهام .
إنَّ لفظ [ الاستحسان ] أثار ما أثار بسبب الفهم المتعجل لمعناه ، ولو رجعنا إلى مقصود أصحابه منه لَما قيل الذي قيل فيه وفي المتَّخذين له دليلا، وما زال ذلك غُصَّةً في حلوق الطرفين : القائلين به ، والمنكرين له .
فلو اختار أصحابُهُ غيْرَ هذا الإسم لَمَا توَلَّد الالتباس ، ولو تأنى مُنْكِرُه لما لِيِمَ على حُكمهِ ، والله سبحانه وتعالى يقول : [ ... فتبينوا ... ] .
بعد هذا ينبغي أن نُشَخِّص [ الحيلة ] التي استعملها سيِّدُنا [ يُوسف ]عليه السلام ، حتى نستطيع الحكم عليها بمقبوليَّةٍ أو رفضٍ ، لكي يكون الكلام بعدئذٍ في مدى إمكان الأخذ بها في شريعتنا ، رغم أنَّها وردت في قرآننا العظيم ، على أنّها مِن تطبيقات الشرائع السابقة لشريعة نبيِّنا عليه أفضل الصلاة والتسليم .
********
لقد احتال لهم أول مرَّة :
{ فلمّا جهّزهم بِجَهازِهِم جَعَلَ السقاية في رحْل أخيه ثمَّ أذنّ مؤذّن أيتها العيرُ إنّكم لسارقون }(1)فقد فعل هذا تمهيداً لاتِّهامهم بالسرقة.
ثم احتال لهم ثانيةً حين سألهم :
{ .. فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ..}
فلما أراد أن يستبقي عنده أخاه ، ولم يكن له من سبيلٍ في قانون [ فرعون ] ، سألهم عن شريعة أبيهم [ يعقوب] في مثل هذه الحالات ، فأخبروه باسترقاق المسروق منه للسارق ، إن ثبتت السرقة .
فاحتال لهم ثالثة :
{
__________
(1) يوسف / 70 .(1/29)
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم } .
فإبعاداً للظن والتُهمة ، بدأ بالتفتيش في غير رحل أخيه ، أو وِعاء السارق المجازي ، وهو أخاه . وهذا نوع [ احتيال ] .
********
إنّ هذا الاحتيال امتدحه الله - عز وجل - بكونه هو فعل الذين رفع الله - جل جلاله - درجتهم بالعلم :
{..نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم } .
فكان ( الكيد ) - أي التدبير - من الله - جل جلاله - ، هو الذي ألهم سيِّدنا يوسف ما فعل ، ولولا فعل سيِّدنا يوسف لما أخذ أخاه ، فهو ممن رفع الله درجته بهذا العلم !! .
********
إنَّ في هذه الآية من الأمور القانونية والفقهيَّة ، أمور منها :
1. [ احتيال ] سيّدنا [ يوسف ] ، بجعل السقاية في رحل أخيه ، تمهيداً لاتّهامه بالسرقة ، ومن ثم تنفيذ بقية ما رسمه في ذهنه !!.
2. [ احتياله ] بانتزاع رضاهم بتحكيم شريعة أبيهم [ يعقوب ] !.
3. [ احتياله ] بإبعاد الظنِّ منهم في كون الأمر مدبَّرٌ ، فيبدأ تفتيشه برحالهم .
فهل : [ الاحتيال ] جائز للأنبياء فقط ؟ أم هو جائز لنا ؟.
وهل : جوازُهُ أصلاً وابتداءً ؟ ، أم عن طريق الرجوع إلى شَرْعِ مَنْ قَبْلَنا ؟.. هذا هو موضوع المبحث الآتي ..
المبحث الثاني
معنى الاحتيال .. وشروط الأخذ بها ..
والأدلة الشرعية لجوازها
نقول : الاحتيال هنا بمعنى التدبير ، وهو المسمى [ بالمُخْرِج ] الشرعي. وجمعه : مخارج ، ومفرده على صيغة اسم الفاعل .
ولقد سميَّت المخارج كذلك ، لأنَّها :
تُخرج من الضيق الذي فيه المكلَّف ، إلى السعة التي يبتغيها .
أمَّا الحيلة : فجمعها [ الحِيَل ] .
وهي : الحذق في التدبير، وتقليب الفكر للوصول إلى المقصود .
وفي الشرع ، لم يتعرض العلماء لوضع تعريفٍ اصطلاحي لها ، ولذلك فقد عرفناها بأنَّها هي :(1/30)
الطريق لوصول المكلف إلى مُبتغاه ، من غير وقوعٍ في الحرام أو شبهته ، ومن غير إبطالٍ لواجبٍ ، أو خروجٍ على المقاصد العامَّة للشريعة ، أو الأصول العامَّةِ المعتبرة(1).
يقول شمس الأئمة السرخْسي في المبسوط :
[ .. فإنّ الحيل في الأحكام المُخرجةُ عن الآثام جائز عند جمهور العلماء رحمهم الله ، وإنما كَرِه ذلك بعض المُتقشِّفة لجهلهم ، وقلَّة تأملهم في الكتاب والسنة ] .
نقلاً من : [ ملحق كتاب الحيل لمحمد بن الحسن ، طبعة ليبسك 1930 ، وأعادته بالأوفست مكتبة المثنى ببغداد ] .
×××××××
وجوازه ممّا ورد ذكره في هذه الآية ، وفي مواضِعَ قبْلَها ، ممّا يدل على جوازه في شرائع مَنْ قبلنا ، وقد أوضحناها قبلاً بالتفصيل.
ويؤيده ما ورد في قصة سيدنا [ أيوب ]عليه وعلى نبيّنا السلام،حيث حلف في أشد حالات مرضه وشدته :
إن أحياه الله لَيَضْرِبَنَّ امرأته مائة جلدة !! .
وذلك لأمر ما عدّة كبيراً ، ويستدعي منه الذي نذره ، مِنْ وجهة نظره !! ، رغم أنَّها الوحيدة التي بقيت معه في محنته !!.
فلمّا أنجاه الله ، وقع في محنةٍ بين أمرين :
الأول : البِّر بيمينه ، وهو نبيٌّ لا يُخالف ، خصوصا بعد أن منَّ الله عليه بالشفاء ، وزيادة المال والولد .
يقول تعالى : { وأيّوب إذ نادى ربَّهُ أنِّي مسَّنيَ الضُرُّ وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرٍّ وآتيناهُ أهله ومثلهم معهم رحمةً مِن عِندِنا وذكرى للعابدين }(2).
الثاني : الوفاء لزوجه التي صاحبته في محنته ، بعد تخلى الجميع .. فأخرَجَهُ الله من ذلك [ بحيلة ] علمَّها إياهُ ، أو قل هو :
[ مُخْرِجًٌ شرعيٌّ ] .. يقول تعالى :
{
__________
(1) راجع : رسالتنا للدكتوراه [ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] – 2 / 789 .
(2) الأنبياء / 83 إلى 84 .(1/31)
واذكُر عَبْدَنا أيُوبَ إذ نادى ربَّه أنِّي مسَّنيَ الشيطانُ بنُصْبٍ وعذاب * أُركُض بِرجْلِكَ هذا مغتسَلٌ باردٌ وشرابْ * ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منَّا وذكرى لأولي الألباب * وخذ بيدك ضِغْثاً فاضرب به ولا تحنَث إنَّا وجدناهُ صابراً نِعْمَ العبدُ إنَّه أوَّاب}(1).
أي : خُذ عُرجوناً قديماً ذا مائة شِمراخ ، فاضرب زوجتك بخفةٍ،ضربةً واحدةً تعوّض عن المائة ، فلا تُعدّ حينئذٍ حانثاً ، بل بارّاً بقسمك، ولا تعُد متنكِّراً لمن فاض جميلُها عليك في وقت محنتِك !!.
********
والحيل الشرعيَّة .. قد فصّلنا القول فيها برسالتنا للدكتوراه : [ مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] وقد اشترطنا للأخذ بها شروطاً، وهي :
1. أن تُخرج من الضيق الى السعة .
2. ألاّ تُؤدى الى ضياع حقّ من حقوق الله ، أو العباد .
3. ألا تُعارض أمراً قامت الحُجة على اعتباره في شريعتنا ، أو قاعدةٍ من القواعد المعروفة في الشريعة ، أو أصلاً من الأصول .
فمن ضياع الحقوق : أنْ يعلِّم بعض الماجنين من المفتين ، من وجبت عليهم الزكاة ، وبقي بينهم وبين شرط [ حولان الحول ] أيام ، يعلّمون أولئك بالتصدّق بجزء يسير يَثْلِم النصاب ، مقابل سقوط الكثير .
فمن ملك عشرين مثقالاً من الذهب ، فعليه نصف مثقال ، فلو تصدّق [ بحبةٍ ] ، فإنّ النصاب سوف يقلُّ عن حدِّه الأدنىِّ ، وبالتالي فلا زكاة .. والفرق بين الحبة ونصف المثقال كثير!! .
وما قامت الحجة على مراعاته في شريعتنا : حرمة الربا ، فقيام بعض الماجنين بتعليم المُقرضِين تأجيرَ أنفسِهِم لحِفظ شيء يسير القيمة يعود للمُقتَرِض ، لقاء أجرٍ باهضٍ ، فهذا في حقيقته ربا ، وهو أمرٌ غير مقبول قطعاً .
__________
(1) ص~ / 44 .(1/32)
أو : تعليمهم أن يبيع المقترض سلعةً نقداً ، ثم يشتريها بثمن أعلى مُنَسَّئاً ، فتعود له سلعتُهُ و يكونُ مديناً بالفرق بين الصفقتين ، وهو في حقيقته ربا الاقتراض ، المعروف بربا النسيئة .
فكل هذا و ذاك هو من: [ العلم الذي يُعلَم ولا يُعَلَّم ] .
وهو احتيال مرفوض ، ويكون اُلمفتي من هذا القبيل ، مستحقاً للحَجْر.. أي : [ المنع ] ، باعتباره واحداً من ثلاثة جوّز الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، الحجر عليهم ، استثناءً من مبدئه في عدم الحجر بعد سن الخامسة والعشرين ، وهم :
أ. [ المفتى الماجن ] الذي : يعلِّم الناس الحيل .
ب.[ والمتطبب الجاهل ] الذي : يؤذي الناس بجهله .
ج.[ والمُكاري المفلس ] الذي: لا يستطيع الإيفاء بالتزاماته ، ويكتفي بأخذ المال مع عدم القدرة على الوفاء .
فالأخذ [ بالحيل ] أو المخارج ، بشروطها ، كان استدلالاً بفعل سيِّدينا : [ يوسف ، وأيوب ] عليهما السلام .
وكلّ هذا من شرع من قبلنا الذي سكت عنه قرآننا ، فأخذنا به لعدم مخالفته قاعدةً شرعيةً ، أو نصاً من النصوص ، أو أمراً معلوماً من الدين بالضرورة .
********
ولهذا فقد استدلّ الأحناف لجواز[ الحيل ] ، بما يأتي :
أ. من القرآن الكريم :
1. ما ورد عن سيِّدنا أيوب ، وقد تقدم .
2. ما ورد عن سيِّدنا يوسف ، مما نحن بصدده .
3. ما ورد على لسان سيِّدنا موسى ، حين قطع وعداً للرجل الصالح ، حيثُ قال :
{ قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا }(1).
فقد احتال سيِّدنا موسى لنفسه ، خشية عدم قدرته على الصبر، فأتى بالاستثناء ، وهو قول : [ إن شاء الله ] .
ولم يُعاتَبْ على ذلك ، لأنه استعمل مُخْرِجاً صحيحا .. فلا يُعدُّ حانثا إن لم يَسْتطع الصبر !! .
ب . ومن السنة النبوية الشريفة :
1. روي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، قال يوم الأحزاب لعروة بن مسعود في شأن بني قريظة :
{ فلعلَّنا أمرناهم بذلك } .
__________
(1) الكهف / 56 .(1/33)
فلما قال له عمر رضي الله عنه في ذلك ، قال عليه السلام:
{ الحرب خدعة }(1).
وكان ذلك منه - عليه السلام - اكتساب حيلة ، ومُخرج من الإثم ، بتقييد الكلام [ بلعلَّ ] .
2. أتى رجلٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبره أنَّه حلف بطلاَّق امرأته ثلاثاً أنْ لا يُكلِّم أخاه ، فقال له رسول الله عليه السلام :
{ طلِّقها واحدةً فإذا انقضت عدَّتها فكلِّم أخاك ، ثم تزوجها }
وهذا تعليمٌ للحيلة صادر عن رسول الله عليه السلام !! .
********
قال السَرَخْسي : [.. والآثار فيه كثيرة ](2).
ثم أورد السرخسي جملةً من الأمور المشَّرعة في شريعتنا ، وحقيقتها حيلٌ توفرت فيها الشروط التي أوردناها ، فيقول :
[ ومن تأملَّ أحكامَ الشرعِ ، وجد المعاملات كُلَّها بهذه الصفة ...
فإنَّ من أحبَّ امرأةً ، إذا سأل فقال : كيف لي أنْ أصِل إليها ؟.
يقال له : تزوجها .
وإذا هوى جاريةً ، فقال : ما الحيلة لي في أن أصل إليها ؟.
يقال له : اشْتَرِها .
وإذا كره صحبة امرأةٍ ، فقال : ما الحيلة لي في التخلص منها ؟ .
قيل له : طلِّقها .
وبعد ما طلقها إذا ندم ، وسأل الحيلة في ذلك ؟ .
قيل له : راجعها .
وبعد ما طلَّقها ثلاثاً ، إذا تابت من سوء خُلُقِها ، وطلبا حيلةً .
قيل لهما: الحيلة في ذلك ، أن تتزوج بزوجٍ آخر ، ويدخل بها ] . ثم قال : [ فمن كره الحيل في الأحكام ، فإنَّما يكره في الحقيقة أحكام الشرع ، وإنَّما يوقع في مثل هذا الاشتباه ، من قلَّة التأمل .
فالحاصل أنَّ ما يتخلص به الرجل من الحرام ، أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل ، فهو حسن . وإنَما يكره من ذلك :
أن : يحتال في حقٍّ لرجل حتَّى يُبطله .
أو : في باطل حتَّى يُموِّهه .
أو : في حقٍّ حتى يُدخل فيه شُبْهةً.
__________
(1) راجع : البخاري ( الجهاد والسير ) – الحديثين / 2804 و 2805 ، مسلم ( الجهاد ) – الحديثين / 3273 و 3274 ، أبو داود ( الجهاد ) – الحديث 2266 .
(2) المصدر السابق .(1/34)
فما كان على هذا السبيل فهو مكروهٌ. وما كان على السبيل الذي قلنا أولاً ، فلا بأس به. لأن الله تعالى قال :
{ وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }
ففي النوع الأوَّل معنى التعاون على البر والتقوى .
وفي النوع الثاني معنى التعاون على الإثم والعدوان ] .
ثمَّ أورد أدلةً أخرى ، تجدها مبسوطةً في المبسوط ، ولو استوفيناها لخرجنا عن المقصود .
********
لقد أكثر الأحناف من استعمال [ الحيل ] ، حتى ظنَّ الظانُّون أنهم في أحكام الدين متساهلون !! ، وليس الأمر كما يُخيل للبعض ، بل هو استعمالٌ للمخارج توسعةً على المكلفين ، على النحو الذي بينَّاه ، وليس من السهل أن يتضح الأمر لكل أحدٍ ، خصوصاً بعد شيوع استعمال لفظة [ الحيلة ] في غير الممدوح من الأمور .
ومن شدة اهتمامهم بهذا الفن من فنون الفقه ، وهي متنوعةٌ ، فقد أفرده بالتأليف الإمام : محمد بن الحسن الشيباني ، تلميذ الإمام أبي حنيفة ، والذي حفظ أصول مذهبه وفروعه ، بكثرة مدوَّناته المتداولة ، وسمَّى كتابه ذاك [ المخارج في الحيل ](1).
********
ولعلَّ من أبرز ما ورد فيه من [ حيل ] ، هو ما كان معمولاً به في العراق إلى وقتٍ قريب ، وذلك فيما يخص إجارة البساتين الزراعيَّة ، وحسب التفصيل الآتي :
ورد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نهى عن بيع الثمار قبل بُدُوِ صلاحها(2).
ومبنى هذا الحكم هو : دفع الغرر ، ومنع لحوق الضرر بأيٍّ من العاقدين ، فالأشجار معرَّضةٌ لعدم الحمل أصلاً ، وهي معرضة لتساقط أزهارها بعد الحمل ، وقبل انعقاد الثمر .
__________
(1) أشرنا إلى طبعته .. وإلى مصوَّرته آنفاً .
(2) راجع : البخاري ( البيوع ) / 2040 ، 2046 و ( الزكاة ) / 139 و ( المساقاة ) / 2207 ، ومسلم ( البيوع ) / 2856 ، وأحمد ( مسند المُكثرين ) / 8656 .(1/35)
فلو حصل أحد الأمرين بعد التعاقد ، لأصيب المستأجر ببالغ الأضرار ، إذ سيدفع أموالاً من غير مقابل ، وهذا لا يُقبل في العقود التبادليَّة التي ترتب التزاماتٍ متقابلة على طرفي العقد .
من جهة أخرى ، فإنَّ رسول الله قد نهى ، عن بيع الإنسان ما ليس عنده .
وهذا يشمل أحوالاً عدَّة ، منها :
أ. بيع ما لا يملكه الإنسان .
ب. وبيع ما لم يتحقق وجودُه ، كالثمار قبل بُدُو صلاحها .
ج. وبيع ما لم يَحُزْه الإنسان ، وإن كانت له نوع شركةٍ فيه ، كالمباحات قبل الإحراز .. وهكذا .
ولا ننسى أنَّ الشارع الحكيم استثنى أموراً منها : السلم ، والإستصناع ، وما في معناهما ، مما هو معروفٌ في مظانِّه ، ولا ضرورة للإستطراد فيه(1).
والذي يؤيد ما تقدم أنَّ المرحوم [ قدري باشا ] في : مرشد الحيران ، أشار إلى ذلك ، في :
[ المادة / 383 ـ
بيع المعدوم باطلٌ ، فلا يجوز بيع الثمر قبل ظهوره ن ولا بيع الزرع قبل نباته ، ولا بيع الحمل ] . و :
[ المادة / 384 ـ
الثمار التي ظهرت وانعقدت ،يجوز بيعها وهي على شجرها ، سواءٌ كانت صالحةً للأكل أم لا ] .
وهذا الذي تقدَّم ، هو أحد أفراد قاعدة عامَّةٍ في هذا المضمار ، أشار إليها في [ المرشد ] ، وذلك في :
[ المادة / 383 ـ
يجوز بيع كلُّ ما كان مالاً موجوداً ، متقوَّماً ، مملوكاً في نفسه ، مقدور التسليم ] .
فالثمر قبل ظهوره ،غير موجود فلا يصح بيعه ، وهو غير ممكن التسليم .
وقبل بدوِّ صلاحه قد لا يُعدُّ مالاً ، إلاَّ إذا كان مطلوباً مقصوداً على تلك الحالة ، فحيننئذٍ يخرج عن وصف : الثمريَّة ، ليُعدَّ مالاً بذاته ، فلاحظ هذا ففيه ملجظٌ دقيق .
ثم يقرر المرشد الحكم الآتي في :
[ المادة / 385 ـ
__________
(1) راجع : النَسائي ( البيوع ) / 4534 ، و الترمذي ( البيوع ) / من 1153 إلى 1156 ، وأبو داود ( البيوع ) / 1873 .(1/36)
ما تتلاحق أفراده وتبرز شيئاً فشيئاً ، كالفواكه ، والخضر، والأزهار ، إذا كان قد ظهر أكثره ، يجوز بيعه مع ما سيبرز دفعةً واحدةً ] .
********
فإذا علمنا أنَّ التكييف الفقهي للإجارة عموماً هو أنَّها : بيعٌ للمنافع ، فغالب أحكامها مُحال فيه على أحكام البيع ، إلاَّ ما شذَّ ، فهي : إذن [ بيعٌ ] .
وكذلك بالنسبة لإجارة البساتين ، ما هي إلاَّ بيعٌ للثمر ، وإن أُطلق على العقد لفظ [ الإجارة ] .
إذ الإجارة ، كما هو معلومٌ ، بيعٌ للمنفعة ، مع عدم استهلاك العين المؤجرة ، في حين في [ إجارة البساتين ] تُسْتهلك فيها الثمار ، ولا ريب فإنَّها هي المقصودة أصلاً من تلك الإجارة ، فكانت بيعاً من هذه الجهة أيضاً .
وكلنا يعلم أنَّ :
[ العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ](1).
وعليه ... فدخولها في نطاق النهي الذي ورد عن رسول الله عليه السلام ، في عدم جواز بيع ما ليس عند الإنسان ، مضافاً عن النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِ صلاحها ، لم يَعُدْ خافياً .
********
ولما كانت إجارة البساتين فيها أمران :
الأول : أنَّها تُعقد ، في الأعم الأغلب ، لمدة سنتين فما فوق ، تلافياً لما يُصيب المستأجر من ضرر ، إذا لم يكن ناتج أحد السنوات مجزياً .
فإذا كانت ثمار سنةٍ قد بدا صلاحُها ، فثمار الأخرى لم يبْدُ أصلاً ، فدخلت معاملتهما تحت النهي الوارد عن الشارع الحكيم ، الذي أشرنا إليه قبلاً .
الثاني : أنَّها تضم من الأشجار ما يتنوع حاصله إلى : صيفيٍّ ، وشتويٍّ .
فإن تعاقدا في أيٍّ من الموسمين ، ولو مع بدو صلاح ثماره ، فإنَّ ثمار الموسم الآخر لم تكن قد بدت بعدُ .
وفي هذه الحالة ستدخل معاملتهما تحت النهيين الواردين عن الشارع الحكيم ، والذي سبقت الإشارة إليهما .
__________
(1) راجع : المادة 3 من مجلة الأحكام العدليَّة ، والمادة 155 من القانون المدني العراقي .(1/37)
فللسببين المتقدمين ، كانت إجارة البساتين ، وخاصَّةً في العراق ، ومنذ القديم ، فيها محذورٌ شرعيٍّ لا بُدَ من تلافيه ، وذلك بتصحيح المعاملة وفق الشرع ، إذ في منع الناس من التعامل بها حرجٌ عظيم ، والحرج في الشرع مدفوعٌ ، كما أنَّ هذه الشريعة لم تأتِ إلاَّ لتحقيق مصالح العباد ... . فلهذا اقتضت الضرورة إيجاد مُخْرِجٍ شرعيٍّ مقبول ، يُحقق مصالح العباد ، ولا يقع لا في الحرام ، ولا في شُبْهته ، فكانت الحلول الذي رواها : الإمام محمَّدْ بن الحسن الشيباني ، في كتابه المتقدم الذكر ، عن إمامه : الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ولغيرها من المسائل الجمَّة والمهمَّة .
********
ولعل من المفيد أن ننقل نص كلامه في كتابه آنف الذكر ، عن هذه المسالة التي أسهبنا في تبيانها ، قال :
[ ... قلت : أ رأيت إجارة النخيل والشجر ، هل تجوز ؟ .
قال : لا .
قلت : فكيف الحيلة في ذلك ؟ .
قال : يستأجر المستأجر الأرض بأجر مسمىً ويزيده فيها ، ويدفع إليه النخيل معاملةً ، ويشرط ربُّ الأرض ممَّا يخرج جزءاً من ألف جزء ، ويجوز ذلك ..](1).
والحوار المتقدم هو بين الإمام محمَّد بن الحسن ، وبين إمام مذهبه الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنهما .
أمَّا [ المعاملة ] فهي : المساقاة ، الواردة أحكامها في :
المواد من : 824 إلى 833 من القانون المدني العراقي .
********
ولعل من المفيد أيضاً أن أورد نص عقد إجارة بستان ، تمَّ على وفق المُخْرِج المذكور ، وهو مما كان يجري به التعامل في العراق ، وإلى عهدٍ قريب .
[ صورة العقد ]
__________
(1) المخارج في الحيل / 19 .(1/38)
سبب تحرير هذه الوثيقة الشرعيَّة ، وموجِب تسطير هذه النميقة المرعيَّة .. هو أنَّه عثمان بن عمر بن بكر ، قد أقرَّ إصالةً عن نفسه على ما يخصَّه من السهام في البستان الآتي ذكرها ، .... ، وقد أقرَّ عبد الغني أفندي بن محمَّد أفندي علقبند زاده ، بالإصالة عن نفسه ، وبالوصاية من طرف حاكم الشرع الشريف على الصغيرة المسمات [!] أسمه بنت بكر أفندي ، وبالوكالة عن موكِّلاته حبيبة وطيبة بنتي عبد اللطيف ونايله بنت ملا أسعد وفاطمة وآمنة بنتي ملا بكر علقبند زاده ، ..... ، على دفع ما يخصُّهم من الأشجار والنخيل بطريق المساقات [!] ، من البستان المسمات [!] ببستان موسى البزاز ، التي يرجع إليهم منها .... ، وقد حضر معهم السيد شمسي بن السيد مراد الوكيل المطلق عن موكِّلته عتُّوكه بنت رحومي بحسب توليتها على الوقف الذي هو خمس حصص من أصل تسعة حصص من جميع البستان المزبورة ، على دفع النخيل والشجر ، وقبض بدل الإجارة الثابتة وكالة عنها بشهادة المعرِّفين لها بذاتها معرفةً شرعيَّة وهما : سلمان وخطاب ولدي الخضيري ، فأقروا واعترفوا صدقاً حقاً بالأصالة والوكالة والوصاية ، بأنهم قد دفعوا صفقةً واحدةً : نخيل ، وكروم ، وأشجار ، البستان الواقعة بقرب حضرت[!] الإمام الأعظم ، المحدودة ...... ، دفعاً صحيحاً من تأريخ هذه الورقة إلى مدة ثلاث سنوات أيلوليَّة من رافعها اسماعيل بن مصطفى ، على أن يقوم المرقوم بسقي هذه الأشجار ، وتكريبها ، وتلقيحها ، وحفر سواقي مساقيها ، بنفسه وبأُجرائه . على أن يكون له من ثمرتها تسعةٌ وتسعون جزءاً من أصل ماية جزء ، في مقابلة عمله في السقي وغيره ، وجزءٌ واحد للدافعين المزبورين ، وقد فوَّضوا المدفوع إليه على صرفه فيما يجب عليهم ، وحصل الإيجاب والقبول من الطرفين .(1/39)
ثم بعد تمام عقد المساقات [!] قد آجروا صفقةً واحدةً .... جميع الأرض البيضاء المتخللة بين النخيل والأشجار ، الكائنة في البستان المزبورة ، وذلك من غير تعلُّق عقد الإجارة بعقد المساقات [!] من الحاج اسماعيل بن مصطفى ، والمرقوم قد قبل الإجارة من تأريخها إلى ثلاث سنوات أيلوليَّة بمبلغ ..... ، فعلى ما ذكر وقع الرضآء من الطرفين بمحضرٍ من الشهود ، وحُرر ذلك في اليوم العاشر من شهر رمضان من شهور سنة الحادي [!] والستين بعد المائتين والألف ، أيلول .. 10 ن 1261 .
المقر بما فيه المقر بما فيه المقر بما
عثمان بن عمر عبد الغني أفندي بن السيِّد شمسي بن مراد
بكر أصالة بن محمد أصالة الوكيل عن المتوليَّة
م م ووصاية ووكالة عتُّوكة بنت رحومي
م عن موكِّلاته على الوقف من
م م م البستان المزبورة
م م م
م م
وأرى من المفيد أن أُورد مثالاً آخر بسيطاً لأحد المخارج في مسألة أُخرى ، لنرى جلالة هذا العلم وواضعه .
قال محمد بن الحسن : [ باب الحيل في إجارة الدور ]
[ قلت : أ رأيت رجلاً استأجر من رجلٍ داراً سنين معلومة ، فخاف أن يَعْذِر له صاحب الدار .
قال : فليُسمِّ لكل سنةٍ من أول هذه السنين أجراً قليلاً ، ويجعل للسنة الآخرة أجراً كثيرا ، فيكون ذلك ثقةً للمستأجر .
قلت : أ رأيت إن كان ربُّ الدار هو الذي يخاف عَذْر المستأجر ، وخاف أن يسكُن بعض السنين ويُعطِّل الدار بعد ذلك .
قال : فليؤاجرها إياه سنين مسماَّة ، ويجعل عِظم أجر هذه السنين ، السنة الأولى ، ويجعل ما بقي من الأجر لما بقي بعد ذلك من السنين ] .
********
وفي المجامع الفقهية ورد عندهم القاعدة الآتية :
[(1/40)
حمل أفعال الناس على الصحة ، أولى من حملها على الفساد ]. وما هذا إلاَّ نوع [ احتيال ] لعدم هدر تصرفاتهم ، أو عدم الاعتداد بأفعالهم ، ومحاولة تحويلها إلى تصرفاتٍ أخرى ينطبق عليها وصفٌ فقهيٌّ مقبول ، وإضافة لِما في هذا الحكم من جانبٍ دعوي ، بعدم إحداث شرخٍ بين الناس وشريعتهم ، فنحن يهمنا الجانب الذي نحن بصدده ، وهو الجانب القانوني ، وهو الإحتيال لأجل تصحيح معاملةٍ ما ، ولِما ألمعنا إليه موضع آخر غير هذا .
وستأتينا بعض القواعد الفقهيَّة الكليَّة ، مما يصبُّ بالمصب الذي نبغي ، لكننا نرجيء الكلام فيها إلى كلامنا عن الحيل في القانون ، فهي مما أخذه القانون العراقي ، واعتُبرت جزءاً منه ، وسنشير إلى مصدر تلك القواعد من الفقه الإسلامي .
********
وبعد .. فإنّ هذا العلم :
علمٌ جليلٌ جميل ، وهو علمٌ أنيق دقيق ، ورشيق رقيق ، وهو علم براعةٍ وشجاعة ، وهو علم إحاطةٍ بالمسائل ، ومعرفةٍ بالدلائل ، وتتبع لمقاصد التشريع ، وممارسةٍ لفنون التفريع ، فهو لا يستقيم لكل أحدٍ بالنظر السريع ، بل يحتاج إلى إمعان النظر وإنعامه ، وهو من عطاء الله وإنعامه .
وحريٌّ أن يُدرس هذا العلم في كلياَّت الحقوق ويُدرَّس ، فيسعد فيه كلُّ ذي فهم ويأنس ، فهو مشحذةٌ للذهن ، مجلبةٌ للخير لكل فطِن . فهو مما يحتاجه القضاة بخاصَّة ، ثم الذين يُعطون الفُتيا في القانون بعامَّة ، وعل الأخص أعضاء مجلس شورى الدولة ، إذ به يستطيعون تطبيق كثيرٍ من القواعد القانونيّة ، وهذا ما سنتكلم عنه في مباحثنا الآتية .
المبحث الثالث
محاولة العثور على هذا الفن من الفنون
في ثنايا أحكام القانون
لو تتبعنا أحكام القانون العراقي ، لما وجدنا عنواناً فيه للمخارج، أو [ الحيل ] ، كما لا نجد لهذا العلم ذكراً لدى القانونيين ، بقدر علمي واطِّلاعي ، ولكن أيُعدُّ هذا دليلاً على عدم الوجود أصلاً ؟؟ .
الجواب : كلا ، فإنَّ الحكم بعدم الوجود ينبغي أن يقوم على :
[(1/41)
العلم بعدم الوجود ، لا عدم العلم بالوجود ] . و:
[ من علِم حجةٌ على من لم يعلم ] . و:
[ المُثبت مقدَّمٌ على النافي ] .
وتلك التي أوردناها هي بعض قواعد علم : [ أصول الفقه ] الإسلامي ، وهي قواعد بحثيَّةٌ ذات أُسس رصينة في منهجيَّة البحث العلمي لدى المسلمين ، قد لا نجدها عند غيرهم .
فليس من المنهجيَّة بمكان أن يحكم إنسانٌ على عدم وجود شيء لمجرد أنَّه لا يعرفه ، أو لا يراه !! ، بل الواجب في حقِّه أن يبذل الوسع في استقراء الحالة التي هو بصددها ، حتى يستطيع الحكم بعدم الوجود .
ولا يغيب عن أذهاننا أنَّ عدم ذكر الشيء باسمه ، يعني عدم وجوده ، فلا تلازم بين الأمرين ، بل قد يُبحث باسم آخر ، أو تحت عنوان لا يرد على الذهن أن يُبحث ذلك الأمر فيه ، فمن المعلوم أنَّ : اختلاف الأسماء لا يُغيِّر من حقيقة المسميات ، فالعبرة بحقائق الأشياء وذواتها ، لا بمجرد ما يُطلق عليها .
وإننا سنجد أنَّ القانون نفسه يتعامل بما ذكرنا ، وهو يتفق تمام الاتِّفاق مع خطوات عملنا في هذا المجال ، فالقانون لا يُعنى بمجرد الأسماء لمعاملة الشيء وفق ما سُمي ، بل يبحث في كُنهه وذاته ، وسنرى هذا لاحقاً .
********
ولغرض لمِّ شتات هذه المسألة في القانون ، ساُورد ما يؤيدها ، من وجهة نظري ، ثم ندلف إلى النتائج ، وكالآتي :
1. نظرية تحوُّل العقد : يدَّعي البعض أنَّ القانون العراقي لم يعرف هذه النظرية ، وهي من مبتكرات الفقه [ الجرماني ] ، وقد سمعت هذا ممن كتب في نظريَّة تحوُّل العقد ، وهو الدكتور صاحب الفتلاوي ، وذلك في ندوة القانون المدني في كليَّة القانون / جامعة بغداد ، المعقودة ما بين : / / إلى : / / .
وتحوُّل العقد ما هو إلاَّ نوعٌ من الإحتيال لجعل العقد المعيب ، أو الذي لم تُصرح به عبارة المتعاقدين : صحيحاً ، منتجاً لآثاره ، ما دام بالإمكان حمل إرادتيهما على أمرٍ جامع .
فهل مثل ذلك لا وجود له في القانون العراقي ؟ .(1/42)
لقد أجبت ذلك الكاتب في حينه ، بحيث جعله جوابي يتراجع عن رأيه ، وذلك حين جئت بأمثلةٍ من القانون العراقي تدلل على وجود هذه النظريَّة فيه .
والأبعد من ذلك أنَّ هذه النظريَّة موجودةٌ في الشريعة الإسلاميَّة ، وانتقل بعض ذلك إلى القانون العراقي بحكم تأثُره بمجلة الأحكام العدليَّة ، وهي – كما نعلم - بمثابة القانون المدني ، وضعتها الدولة العثمانيَّة في التطبيق في الممالك التي كانت تحت حكمها ، وبقيت مطبقةً في العراق إلى سنة 1952 ، حين حلَّ محلُّها القانون المدني العراقي .
فهذه النظريّة ما هي إلاَّ [ احتيالٌ ] لأجل جعل تصرف العاقدين صحيحاً ، إذا جاءا به معيباً ، أو ناقصاً .
ونورد أمثلةً من القانون المدني العراقي لما ذكرناه ، وكالآتي :
أولاً. أحكام بعض العقود والتصرفات القوليَّّة :
أ. [ المادة / 81 ـ
1. لا يُنسب إلى ساكت قولٌ، ولكنَّ السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يُعتبر قبولاً .
2. ويُعتبر السكوت قبولاً بوجهٍ خاص ، إذا كان هناك كلامٌ سابق بين المتعاقدين ، واتصل الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا تمحَّض الإيجاب لمنفعة مَنْ وُجه إليه ، وكذلك يكون سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لِما ورد في قائمة الثمن من شروط ] .
ب. [ المادة / 140ـ
إذا كان العقد باطلاً وتوافرت فيه أركان عقدٍ آخر ، فإنَّ العقد يكون صحيحاً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه ، إذا تبين أنَّ المتعاقدين كانت نيتهما تنصرف إلى إبرام هذا العقد ] .
ج. [ المادة / 971 ـ
إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود ، أو أيَّ شيء آخر ممَّا يهلك بالاستعمال ، وكان الوديع مأذوناً له في استعماله ، اعتُبر العقد قرضاً ، ما لم يقضِ العرف بغير ذلك ] .
د. [ المادة / 1333 ـ بيع الوفاء يُعتبر رهناً حيازياً ] .(1/43)
ونلاحظ أنَّ المثالين [ 1 و 4 ] مأخوذان من الفقه الإسلامي ، منقولان عن مجلة الأحكام العدليَّة ، في موادها : 67 و 118 و119 ، وأدناه نصوصها :
[ المادة / 67 ـ
لا يُنسب إلى ساكتٍ قولٌ ، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان ] .
[ المادة / 118 ـ
بيع الوفاء هو البيع بشرط أنَّ البائع متى ردَّ الثمن يرد المشتري إليه المبيع، وهو في حكم البيع الجائز بالنظر إلى انتفاع المشتري به ، وفي حكم البيع الفاسد بالنظر إلى كون كل من الفريقين مقتدراً على الفسخ ، وفي حكم الرهن بالنظر إلى المشتري لا يقدر على بيعه للغير ] .
[ المادة / 119 ـ
بيع الإستغلال هو: بيعُ وفاءٍ على أن يستأجره البائع ] .
ولنا في بيع الوفاء رأيٌ بينَّاه في كتابنا : [ مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] ، وذهبنا إلى بطلانه للأسباب التي بسطناها هناك ، فإن شئت فراجعها(1).
ثانياً . من بعض القواعد الفقهيَّة الكليَّة :
أ. ما ورد في المثال الأول من أمثلة الأحكام والتصرفات ، المتقدم ذكرها ، فإنّهَ [ لا يُنسب إلى ساكت قولٌ ، ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ] ، وهذه قاعدةٌ فقهيَّة كليَّة ، وقد أوردتها مجلة الأحكام ضمن تلك القواعد .
ب. [ المادة /155 ف 1 مدني ـ
العبرة في العقود للمقاصد والمعاني ، لا للألفاظ والمباني ] .
ج. [ المادة / 158 مدني ـ
إعمال الكلام أولى من إهماله ، لكن إذا تعذر إعمال الكلام يُهمل ] .
إنَّ تلك القواعد ماخوذة من الفقه الإسلامي ، ومن مجلة الأحكام العدليَّة تحديداً ، من المواد : 3 و 60 و 61 و 62 ، ونصوصها الآتي :
[ المادة / 3 ـ
العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ، ولذا يجري حكم الرهن في البيع بالوفاء ] .
[ المادة / 60 ـ إعمال الكلام أولى من إهماله ] .
[ المادة /61 ـ إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز ] .
[ المادة / 62 ـ إذا تعذر إعمال الكلام يُهمل ] .
********
__________
(1) الرجع السابق .(1/44)
ويتضح لنا مما سبق أنَّ [ الإحتيال ] أقرَّه القانون العراقي ، لكن من غير تسميته بهذا الإسم .
فإنّنا حين نحتال لمعرفة [ نيَّة ] الساكت ، ونحاول معرفة قصده عند التعاقد، فما ذلك إلاَّ لكي نجعل عقديهما صحيحاً ، منتجاً لآثاره قدر الإمكان ، حتى لايُهدر كلامهما ، وهما من العقلاء البالغين المالكين لأهلية الأداء التي تخوِّلهما مباشرة التصرفات القوليَّة .
والعقد الذي أطلقا عليه اسماً لا يُقرِّه المشرع القانوني ، فلا نهدر إرادتهما لهذا السبب لوحده ، بل نجعله عقداً آخر ، إذا توفرت أركان وشروط ذلك العقد الآخر .
والعكس صحيحٌ أيضاً ، فإذا أرادا أن يحتالا حيلةً لا يُقرها القانون ، حين تتجه إرادتهما إلى عقدٍ آخر هو غير المسمى في عقديهما ، فإننا نحتال لهما بأن نحمل هذا العقد المسمى بغير اسمه ، على مسماه الحقيقي ، وإن أطلقا عليه إسماً آخر ، إذ قد يكون في العقد الصوري المعلن توخي فائدةٍ ممنوعةٍ ، أو التهرب من واجب قانوني فيه مصلحةٌ للكافَّة ، أو بهدف الإضرار بالغير ، كتسمية البيع : تبرعاً مقابل عملٍ ، أو تبرعٍ مقابل !! . وكلُّ ذلك قد يكون لأجل : إسقاط حقِّ الشفعة مثلاً ، و التهرب من رسوم التسجيل العقاري ، أو أيِّ قصد آخر يعرفانه ولا نعرفه !.
من أجل هذا وغيره قيل : العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ... وهكذا .
من أجل هذا نرى اتفاق القانون مع الشريعة ، بل اقتبس منها هذه الفكرة ، وإن كانت بتسمية أخرى .
على أنَّ ما أوردناه هنا يَصلُح أن يُقال في الحيل في نطاق الشرع الإسلامي ، ما دام اتَّحد الأصل ، واتفق الأساس.. فليكن ذلك في البال دوماً .
********
بعد هذا ننتقل إلى جانب آخر من الجوانب التي يُمكن الإستفادة منها من الآيات المعلومات من سورة يُوسُف . وهذا الجانب هو : المراحل التحقيقيَّة التي يجب أن تتُبَّع عند حدوث أيَّة حادثة جُرميَّة.
مراحل التحقيق
في
الوقائع الجنائيَّة(1/45)
إنَّ الإنسان لا يؤاخذ بمجرد ادعاء السلطة العامَّة عليه بادِّعاء ما ، أو إخبار مخبرٍ بأيّ صفةٍ كان ، بل لابد من إثبات التهمة ، وفق مراحل دقيقة ، وهذا ما فعله [ يوسف ] عليه السلام ، وهو عين ما يجري الآن .
وهذا ما سنتبينه عند استعراض ما قام سيِّدنا [ يُوسف ] ، مقارناً بالإجراءات المتَّبعة في القوانين المعاصرة :
1. إنَّ أول مراحل التحقيق مع [ المظنون ] هو توجيه الاتهام ..
{ ... ثم أذّن مؤذِّن أيتُّها العيرُ إنَّكم لسارقون }(1).
2. أن يكون الاتهام علنيّاً .. { ... ثم أذّن مؤذن أيتها ... } .
3. ثم تأتي بقية المراحل التحقيقية الأُخرى ، في قوله تعالى :
{ قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون }(2).
فالمتهم له حق الاستيضاح عن التهمة الموجهة إليه ، فإذا قيل له : أنت قاتل ، فلا بد أن يسألهم : من قتلت ؟ ومتى ؟ ... الخ .
فقد يكون :
أ . تمّ ذلك بسبب شرعي يبيح له ذلك .
ب. أو هناك مانع من موانع المسؤولية .
ج . أو سبب من أسباب سقوط العقوبة .
د . أو يكون له قول في دفع التهمة أصلا .
على أن استيضاحهم كان في حالة إقبالهم على من ألقى الاتهام ، وفيه [ إشارة ] إلى خوفهم منهم ، ومزيد احترامهم لهم ، خاصةً بعد تجهيزهم بما طلبوا ، وهم مازالوا في أرضهم ، والمثل يقول : [ دارهم ما دمت في دارهم] و :
[ ارضهم ما دمت في أرضهم ] .
×××××××
4 ـ ثم تأتي المرحلة الرابعة من مراحل التحقيق ، وهي توضيح الاتهام ومزيد التفصيل ، يقول تعالى :
{ قالوا نفقد صُواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم }
وأوضح لهم الذي يطلبونه .. وهو ( صُواع ) الملك ، فأصبح المتهمون على بينةٍ من المطلوب ..
فهذه مرحلة أخرى من مراحل التحقيق .
5 ـ تأتي المرحلة الخامسة من مراحل التحقيق ، ليقوم المتهم بنفي التهمة أو الإقرار بها .
فأمَّا الإقرار: فهو [ سيد الأدلة ] ، و[ رحم الله من أراح واستراح].
__________
(1) يوسف / 70 .
(2) يوسف / 71 .(1/46)
لكن هؤلاء لم يعلموا بما دُبِّر بين الأخوين ، ومعلومٌ أنَّه سبق لأولئك الأخوة التدبير السيء ، وهذا تدبير حسن : { قالوا تالله لقد علمتم ما جِئْنا لنفسد في الأرض وما لنا سارقين} .
فبعد نفي التهمة ، لابد لمن وَجَهَ الاتهام أن يُثبته ، لأن :
[ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ] . و :
[ ليس على المنكر إثبات ] .
وهذا ما سيقوم به هؤلاء مع أخوة يوسف ، لكن لمَّا لم يكن لسيِّدنا يوسف ، ولا لرجاله [ بيِّنةٌ شخصية ] ، أي : شهادة لإثبات الفعل الجرمي ، فقد لجأوا إلى : [ التحرِّي ] و [ التفتيش ] .
وهما من أساليب الإثبات والتحقيق إلى يومنا هذا .
يقول تعالى :
{ فبدأ بأوعيتهم قبل وِعاء أخيه ثم استخرجها من وِعاء أخيه..}
********
ولا يفوتنا هنا أنْ ننوُه أنَّ الأخذ بالقرائن في القضايا الجزائية أمر لا غبار عليه ، ويراعيه المحقق والقاضي على حد سواء ، فهو وأن لم يكن دليلا قاطعا ، لكنه يُوجد قناعةً لديهما ، تعتبر كافية عند انعدام الأدلة ، أو عدم كفايتها ، لكي تكون مستنداً للحكم ، والوصول إلى القرار المناسب .
وهذه القرائن أشارت إليها الآيات : من 24 الى 27 من سورة يوسف المتقدم ذكرها ، وقد وصل أصحاب الشأن إلى قرار لتبرئة [ يوسف ] بناءً على تلك القرائن .
يقول تعالى : { .. وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقت وهو من الكاذبين * }
واعتبروا تمزيق القميص من القُبل قرينة على شروع يوسف في الفعل المحظور ، واعتبروا تمزيقه من الدبر قرينة على طلبها هي لإيقاع العل المحظور .
وفي القانون نجد هذه الإجراءات عينِها :
1. ففي قانون أصول المحاكمات الجزائيَّة العراقي رقم [ 23 ] لسنة [ 1971 ] ، وردت تلك الإجراءات بعينها :
1. [ المادة / 49 ـ
أ. على أي مسؤول في مركز شرطة عند وصول إخبارٍ إليه بارتكاب جناية أو جنحة ... ] .
2.[ المادة / 58 ـ(1/47)
يُشرعُ في التحقيق بتدوين إفادة المشتكي أو المخبر، ثم شهادة المجني عليه ، وشهود الإثبات الآخرين ... ] .
3.[ المادة / 78 ـ لا يجوز التفتيش إلاًّ بحثاً عن الأشياء التي أُجري التفتيش من أجلها ... ] .
وقد أورد القانون أحكام التفتيش ، في المواد التي سبقت وتَلَت المادة المذكورة ، وذلك بعد كلامها عن الشهادة أولاً .
5.[ المادة / 123 ـ
على قاضي التحقيق أو المحقق أن يستجوب المتَّهم..]
6.[ المادة / 124 ـ
[ للمتَّهم الحق في أن يُبدي أقواله في أيِّ وقتٍ ... ] .
7. [ المادة / 181 في الفقرتين ج و د ـ
ج. إذا تراءى للمحكمة بعد اتخاذها الإجراءات المذكورة أنَّ الأدلة تدعو الى الظن بأنَّ المتهم ارتكب جريمة من اختصاصها النظر فيها فتوجِّه إليه التهمة ... التي تراها منطبقة عليها ، ثم تقرؤها عليه ، وتسأله إن كان يعترف بها أو يُنكرها ] .
د.إذا اعترف المتَّهم بالتهمة الموجَّهة إليه واقتنعت المحكمة بصحة اعترافه ، وبأنَّه يُقدِّر نتائجه ، فتستمع إلى دفاعه ، وتصدر حكمها في الدعوى بلا حاجة إلى دلائل أخرى ... .] .
وهناك إجراءات أخرى في القانون ولم تشر لها الآيات ، ولا يعني أنَّها لم تكن معروفة ، لكننا لا نتطرق إليها لعدم تطرق النصوص ..
أحكام قانونية
أخرى
ومن خلال متابعة الآيات التي تتضمن أحكاماً قانونيََّة من سورة [ يُوسف ] ، سنجد حكمين قانونين ، لموضوعين مهمين في القانون ، نبحثهما في مبحثين مستقلين ، وكالآتي :
المبحث الأول
[ الجُعل ] .. أو الالتزام بالإرادة المنفردة !
ولأجل بيان أهمية ما يطلبون جعلوا : [ جُعْلاً ] لمن يأتي بالصُواع ، وهذا يقابل [ الوعد بجائزة ] .
أو : [ الالتزام بالإرادة المنفردة ] في الفقه القانوني .
فمن أجازه من الفقهاء استدل بهذا ، وبدلائل أخرى.. فمن أجازه : المالكيَّة ، والشافعيَّة ، والحنابلة ، وبعض الزيديَّة ، والإماميَّة .
وقالت الحنفيَّة : بفساد العقد .(1/48)
ولا يخفى على المتتبع ، أنَّ : [ الفساد ] عند الحنفيَّةِ في المعاملات يختلف عن البطلان ، فهو بين الصحة والبطلان ، وله أحكامه الخاصَّة عندهم . وإن تساوى حكمه في العبادات عندهم .
وذهب الظاهريَّة إلى : إنَّه لا يُقضى بها ، وإن استُحِبَّ الوفاء .
×××××××
والجَعالةُ ـ بالفتح والضم ـ في اللغة هي :
ما يُجعل على العمل من أجرٍ ، أو رشوة .
وفي الشرع هي : التزام عوضِ معلوم ، على عمل معيَّن(1).
ويكون الالتزام بمال معلوم ، نظير عملٍ معيَّنٍ معلوم .. وإن
لا بسته جهالة ، وقد يكون الإيجاب موَّجهاً لشخصٍ معلوم ، أو لشخصٍ غير معلوم .
وصورتها :
أن يقول شخصٌ لآخر : إن فعلت كذا فلك كذا .
وقد تكون لغير معين ، فيقول : مَنْ فعل كذا فله كذا .
وتستعمل أيضاّ :
لتنشيط المجالات التي يُراد لها الازدهار والانتشار ، كالإعلان عن إعطاء الأوائل في امتحانات اختصاصات معيَّنة ، جوائزّ ومكافئاتٍ من أجل أن يتوجه الطلاب الى ذلك الاختصاص ، أو التبريز فيه.
وما زال هذا أُسلوباً شائعاً لحضِّ الناس للقبض على المجرمين الهاربين .
أو: الإخبار عن الأموال المهرَّبة .
أو: لأجل الإخبار عن فاعلٍ لأمرٍ محظورٍ ، ولكن لم يُعرف بعدُ شخصُهُ .
وهذا عين ما استعملها [ يوسُفُ ] فيه ! .
وما ذكرناه يأخذ به دليلاً الذين يُجيزون الأخذ : بشرع مَنْ قبلنا إذا ذُكر في قُرآننا ، ولم يشهد عليه نصٌ بالإلغاء .
********
وفي القانون المدني العراقي ، فقد ورد كلُّ ما تقدَّم فيه ، ففي :
[ المادة / 185 ـ
1. من وعد بجُعلٍ يعُطيهٍ لمن يقوم بعملٍ معيَّن ، أُلزم بإعطاء الجُعل لمن قام بهذا العمل ، حتَّى لو قام به دون نظرٍ إلى وعدٍ .
2. وإذا لم يُحدد الواعد أجلاً للقيام بالعمل ، جاز له الرجوع في وعده ، على ألاَّ يؤثر ذلك في حقِّ من قام بالعمل قبل الرجوع في الوعد .
__________
(1) القاموس الفقهي / 63 .(1/49)
3. وترفع دعوى المطالبة بالجُعل ، إذا لم تُرفع خلال ستة أشهرٍ من تأريخ إعلان العدول ] .
********
وفي القانون المدني الأردني وردت نفس الأحكام في :
1. [ المادة / 254 ـ
1.الوعد هو : ما يفرضُه الشخص على نفسه لغيره ، بالإضافة إلى المستقبل ، لا على سبيل الالتزام في المال ، وقد يقع على عقدٍ أو عملٍ .
2. ويَلزم الوعدُ صاحبه ، ما لم يمُت، أو يفلس ] .
2. [ المادة / 255 ـ
1. من وجَّه للجمهور وعدأ بجائزةٍ يعطيها عن عمل معيَّن ، وعيَّن له أجلاً ، التزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ، ولو قام به دون نظرٍ الى الوعد بالجائزة .
2. وإذا لم يُعيِّن الواعد أجلاً للقيام بالعمل، جاز له الرجوع في وعده بإعلانٍ للكافَّة ، على ألاَّ يؤثِّر ذلك في حقِّ من أتمَّ العمل قبل الرجوع في الوعد ، ولا تسمع دعوى المطالبة بالجائزة ، إذا لم ترفع خلال ثلاثة أشهرٍ من تاريخ عدول الواعد ] .
********
وهكذا نرى التطابق في أحكام هذه المسألة تطابقاً تاماً ، بين الفقه القانوني الموروث ، والفقه القانوني المعاصر ! .
ولا يفوتنا أن نذكر أنَّ [ الجعالة ] ، أو [ الوعد بجائزة ] هي من أبرز صور الإلتزام بالإرادة المنفردة ، باعتبارها المصدر الثاني من مصادر الإلتزام في القانون ، وما ورد حول ذلك في القانون المدني العراقي ، هو ما ورد في الفصل الثاني ، من الباب الأول الخاص بمصادر الإلتزام ، حيث ورد فيه الآتي :
[ المادة / 184 ـ
لا تلزم الإرادة المنفردة صاحبها إلاَّ في الأحوال التي ينصَّ فيها القانون على ذلك .
ويسري عليها ما يسري على العقد من الأحكام ، إلاَّ ما تعلَّق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء الإلتزام ] .
×××××××
المبحث الثاني
الكفالة(1/50)
ويرد القول عينُه على التأكيد الثاني ، لبيان اهتمامهم بما يطلبون ، وهو تعهد هؤلاء المفتشين والمحققين [ بتكفُّل ] دفع حملِ بعير من الحبوب التي جاءوا من بلادهم لأجلها ، والمُخصص جائزةً لمن يُخبر عن المطلوب ، بقول المسؤول فيهم : { .. وأنا به زعيم } .
والزعيم هو : الكفيل .
********
والكفالة في اللغة هي : الضمان .
وتأتي في اللغة بمعنى : الضم .
وكفل المال ، وكفل عنه المال : ضمنه عنه .
وتكفَّل بالشيء : ألزمه نفسه ، وتحمَّل به .
والكافل : الضامن .
والكفيل هو : الحميل ، كما ورد في الأثر(1).
والكفالة في الشرع هي : ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول [ الأصيل ] في الوفاء مطلقاً ، سواء كانت : بنفسٍ ، أو بدين ، أو بعين(2).
والوعد بجائزة ، وكذا الكفالة ، كلاهما جائزٌ في شريعتنا ، وفي شرائع من قبلنا .
وبالنسبة للكفالة فالنصوص الشرعيَّة على جوازها ظاهرةٌ متوافرةٌ ، منها :
1. ما ورد في هذه السورة من القرآن العظيم ، وهو مِن شرائع من قبلنا ذكرها الله في قرآننا ، ولم يدُُل دليلٌ على إلغائها ، فالذي يأخذ بدليل : شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا إذا ورد في قرآننا ما لم يُنسخ ، كان ذلك دليلاً له .
وقد سبق بيان هذا قبل قليل .
2. ما ورد في السنَّة المطهَّرة ، منها :
قوله عليه الصلاة والسلام : { الزعيمُ غارمٌ }(3).
أمَّا بالنسبة للأحكام التي وردت في القانون المدني العراقي عن الكفالة ، فكانت كالآتي َ :
1.[ المادة / 1008 ـ
__________
(1) النسائي ( الجهاد ) / 3082 .
(2) القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً – سعدي أبو جيب / 321 إلى 322 .
(3) راجع : النسائي ( الجهاد ) / 3082 ، والترمذي ( البيوع ) / 1186 ، وابن ماجة ( الأحكام ) / 2396 ، وأحمد / مسند الأنصار ـ 31263 و 31469 .
وقد تتفاوت بعض الروايات عن بعضٍ ، ولكن العبارة المذكورة ترد في الكلِّ ، وفي بعض الروايات ، وردت كالآتي : العارية مؤداة ، والزعيم غارم ، والدين مقضيٌّ .(1/51)
الكفالة : ضم ذمَّة إلى ذمَّةٍ في المطالبة بتنفيذ الالتزام ] .
2.[ المادة / 1009 ـ
1.تنعقد الكفالة بإيجابٍ وقبولٍ من الكفيل ، والمكفول له .
2.ويجوز أن تكون الكفالة : مُنَّجَّزةً ، أو معلَّقة على شرط ، أو مضافةً إلى زمن مستقبل ] .
3.[ المادة / 1012 ـ
يشترط في الكفالة بالمال:أن يكون المكفول به مضموناً بنفسه على الأصيل ] .
********
ومما ورد في القانون المدني الأردني عن الكفالة ، كان في المواد :
من 950 إلى 992 ، ونورد منها ما يعنينا :.
1.[ المادة / 950 ـ
الكفالة ضمُّ ذمَّةٍ إلى ذمَّةٍ في المطالبة بتنفيذ الإلتزام ]
2.[ المادة / 951 ـ
يكفي في انعقاد الكفالة ونفاذها إيجاب الكفيل، ما لم يردَّها المكفول ] .
3.[ المادة / 952 ـ
يشترط في انعقاد الكفالة،أن يكون الكفيل أهلاً للتبرع ].
4.[ المادة / 953 ـ
يصح أن تكون الكفالة منجَّزة ، أو مقيَّدة بشرطٍ صحيح ، أو معلَّقةٍ على شرط ملائم ، أو مضافةً إلى زمن مستقبل، أو مؤقَّتة ] .
5.[ المادة / 954 ـ
يشترط لصحة الكفالة أن يكون المكفول به: مضموناً على الأصيل ، ديناً ، أو عينا ً، أو نفساً معلومةً ، وأن يكون مقدور التسليم من الكفيل ] .
********
ومما تقدم يظهر جليَّاً التشابه بين الحكم القانوني المعاصر ، والحكم القانوني الضارب في القدم ، ولربما لولا القرآن العظيم ، لم يكن ليتيسر لنا معرفة كون الأقدمين لهم مثل هذا الفكر القانوني المتطوِّر !! .
أحكام في القانون
الدولي الخاص
يكرر سيدنا يوسف ، عليه السلام ، الإحتيال ثانية :
فحيث أنَّ عقوبة السارق في قانون [ فرعون ] لا نعلمها ، وهي قطعاً لا تخوِّله إبقاء أخيه عنده ، وإلا لبدء بالإثبات متصلاً ببحثه عن الصُواع ، كما مرَّ بنا في إجراءات التحقيق ،لأن الذي يبتغيه ممكن بسهولة ، فما داموا هم فوق أرض [ فرعون ] ، فما يحصل عليها من أحداث ، يُطبَّق عليها قانونه .(1/52)
لكنّهم سألوا إخوة يُوُسُف :{ فما جزاؤه إن كنتم كاذبين }(1).
يريدون جزاءه في شريعة يعقوب ، فأظهروا لهم عدالةً انتحلوها ، ذلك بأنهم سيطبقون عليهم شريعتهم لا شريعة فرعون !! ، [ احتيالا ] منهم لأخذ [ بنيامين ] ، وهذا هو اسم أخي النبي يوسف .
********
وهنا مسألة قانونية أخرى ، وهي :
هل الأخذ يكون بقانون إقليم الدولة الذي حصل عليه الفعل الجرمي؟ أم بالقانون الشخصي للمتهميّن إذا كانوا من الأجانب ؟ .
وهذا ما يُسمَّى [ بتنازع القوانين من حيث المكان ] ، وله وجهان :
الأول: التنازع الدولي من حيثُ الاختصاص القضائي.
الثاني: التنازع الدولي من حيثُ الاختصاص التشريعي.
فالأول : يتعلق ببيان المحاكم المختصَّة، بالنظر في القضايا التي تخصُّ المواطنين والأجانب ، والحالات التي تُعتبر فيها المحاكم الوطنيَّة هي المعنيَّة بالنظر فيها ، ولو كان حدوثها خارج البلد .
والثاني : يتعلق ببيان القانون الواجب التنفيذ ، في حالة النظر في قضيَّةٍ لها علاقةٌ بأجنبيٍّ ، أو وقعت في بلدٍ أجنبيٍّ ، ولكن تمَّ النظر فيها في محكمة وطنيَّة .
********
هناك نظريتان [ ولها تفصيلات ] خلاصتهما :
1. إنَّ الأغلب أخذ [ بإقليمية القوانين ] ، أي تطبيق قانون الإقليم الذي وقعت فيه الجريمة ، وإن كان الفاعلون من الأجانب .
2. والبعض يأخذ [ بشخصية القوانين] ... وخاصة في الدول التي للغير فيها امتيازات مفروضة ، أو ما كانت فيها امتيازات لأعضاء الهيئات الدبلوماسية والقنصلية .
فيطبق عليهم قانون بلدهم الذي يلاحقهم أينما ذهبوا. فإنَّ الناس تسعى دوماً الى أن تبقى تحت حكم قانونها الشخصي.
3. الجمع بينهما ، بتفصيلٍ سنأتي إليه .
إنَّ سيَّدنا يُوسُف أدخل إخوتَه في الفخ ، فارتضوا قانونهم الذي يُطبِّقونه في بلادهم ، ألا وهو شريعة [ يعقوب ] .. حتى أنّهم:
{ قالوا من وُجِد في رحله فهو جزاؤه كذلك نَجزي الظالمين }
__________
(1) يوسف / 74 .(1/53)
فَأَخَذَ إقرارهم على رؤوس الأشْهاد، في أنَّ (العبودِيَّة) هي جزاء السارق في شريعتهم ، وأنَّهم راضون بما تفرضه شريعَتُهم ، بل أنَّ [ يوسف ] وأتباعه يُعدُوُن متفضلين، إذ سحبوا شريعة يعقوب ، وهي : [ قانونهم الشخصي ] ، إلى إقليم دولة [ فرعون ] !!.
لكن ... لا تغتر أيُّها الإنسان ، ولا تذهبَنَّ بك الظنون كلَّ مذهب ، وتنسى نفسك، وتعشو عيناك في [ بحار أنوار ] تدبيرات يوسف ، فاعلم أنَّ : {.. فوق كل ذي علم عليم } .
********
ولو رجعنا إلى التطبيقات القانونيَّة ، فنستطيع أن نأخذ مثالين تطبيقيين ، من القوانين السائدة في بعض الدول العربيَّة ، وهما :
القانون العراقي و القانون الأردُني
********
المبحث الأول
في
التطبيقات في القانون العراقي
والأحكام المتعلِّقة بهذا الموضوع ، لها جانبان :
1. الجانب المدني : ونجد أحكامه في القوانين المدنية .
2.الجانب الجزائي : ونجد أحكامه في القوانين العقابيَّة.
وسنتكلم عن كلٍّ من الجانبين بفرعٍ مستقل :
الفرع الأول
الجانب المدني
لا شكَّ أنَّ القانون المدني يُعتبرُ هو: [ القانون الأمُّ ] بالنسبة للقوانين الأخرى ، ويُعتبر متمِّماً لها ، فما لم تنص عليه القوانين المتخصِّصة ، فإنَّ أحكام القانون المدني تُعتبرُ امتداداً طبيعيَّاً لها .
و لا شكَّ أنَّ الرجوع يكون إلى الأحكام الواردة في القوانين المتخصِّصة أولاً ، فإن لم نجد رجعنا إليها .
وهذا يُذكِّرُنا بأولويات الأدلة في الشريعة الإسلاميِّة الغرَّاء ، مع الفارق في مصدر كلٍّ منهما ، وإلاَّّ فالفكرة واحدة .
لقد عالج القانون المدني العراقي موضوع [ تنازع القوانين عند التطبيق ] ، من جهتين :
أ. التنازع من حيثُ الزمان .
ب.التنازع من حيث المكان .
أمَّا التنازع من حيثُ الزمان فلا يعنينا في موضوعنا، فنترك الكلام فيه .
********
أمَّا التنازع من حيثُ المكان ، فهو الذي به نُعنى ، لعلاقته ببحثنا ، وهو على نوعين :(1/54)
النوع الأول : التنازع الدولي من حيثُ الاختصاص القضائي .
وهو يُبَيِّن المحاكم المختصَّة بالنظر في القضايا التي يكون أحد طرفيها من الأجانب ، أو القضايا التي لها علاقة بعراقيين ، وقد تكفَّلت بمعالجة ذلك المواد من : [ 14 ] إلى [ 16 ] ، ونأتيك بنصوصها :
[ المادة / 14 ـ
يُقاضى العراقي أمام محاكم العراق عمَّا ترتبَّ في ذمته من حقوق ، حتَّى ما نشأ منها في الخارج ] .
[ المادة / 15 ـ
يُقاضى الأجنبي أمام محاكم العراق،في الأحوال التالية :
أ : إذا وُجِدَ في العراق .
ب: إذا كانت المقاضاة في حقٍّ متعلِّقٍ بعقار موجود في العراق ،أو بمنقولٍ موجودٍ فيه وقت رفع الدعوى .
ج: إذا كان موضوع التقاضي عقداً تمَّ إبرامه في العراق ، أو كان واجب التنفيذ فيه ، ، أو كان التقاضي عن حادثةٍ وقعت في العراق ] .
[ المادة / 16 ـ
لا تكون الأحكام الصادرة من محاكم أجنبيَّة قابلة للتنفيذ في العراق ، إلاَّ إذا اعتبرت كذلك ، وفقاً للقواعد التي قررها القانون الصادر في هذا الشأن ]
********
النوع الثاني : التنازع من حيثُ الاختصاص التشريعي ، وهو يُبيِّن القوانين الواجبة التطبيق ، إذا كانت تتعلق بتصرفات قانونيَّة قام بها العراقي خارج العراق ، أو الأجنبي أثناء إقامته في العراق ، أو قام بها في الخارج والتجأ إلى المحاكم العراقيَّة .
لقد تكفَّلت المواد من : 17 إلى 33 ببيان ذلك ، وها نحن نأتيك بالمتعلِّق بموضوعنا فقط :
[ المادة / 17 ـ
أ. القانون العراقي هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يُطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضيَّةٍ تتنازع فيها القوانين، لمعرفة القانون الواجب التطبيق .
ب. ومع ذلك فإنَّ القانون الذي يُحدد ما إذا كان الشيء،عقاراً أو منقولاً ، هو قانون الدولة التي يُوُجد فيها هذا الشيء ] .
[ المادة / 25 ـ(1/55)
1. يسري على الإلتزامات التعاقديَّة قانون الدولة التي يوُجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطناً ، فإذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تمًّ فيها التعاقد ، هذا ما لم يتفق المتعاقدان ، أو يتبين من الظروف أنَّ قانوناً آخر يُراد تطبيقه .
2ه قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أُبرمت بشأنه ]
[ المادة / 26 ـ
تخضع العقود في شكلها القانوني لقانون الدولة التي تمَّت فيها ] .
[ المادة / 27 ـ
1.الالتزامات غير التعاقدية يسري عليها قانون الدولة التي حدثت فيها الواقعة المنشئة للالتزام .
2.على أنه لا تسري أحكام الفقرة السابقة فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة من العمل غير المشروع على الوقائع التي تحدث في الخارج و تكون مشروعة في العراق و أن عدت غير مشروعة في البلد التي وقعت فيه ] .
[ المادة / 28 ـ
قواعد الاختصاص و جميع الإجراءات يسري عليها قانون الدولة التي تقام فيها الدعوى أو تباشر فيها الإجراءات ] .
[ المادة / 29 ـ
لا تطبق أحكام المواد السابقة إذا وجد نص على خلافها في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في العراق ] .
[ المادة / 30 ـ
يتبع فيما لم يرد بشأنه نص في المواد السابقة من أحوال تنازع القوانين مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعاً ] .
[ المادة / 31 ـ
1. إذا تقرر أن قانونا أجنبيا هو الواجب التطبيق فإنما يطبق منه أحكامه الموضوعية دون التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص .
وإذا كان هذا القانون الأجنبي هو قانون دولة تتعدد فيها الشرائع فان قانون هذه الدولة هو الذي يقرر أية شريعة من هذه يجب تطبيقها ] .
[ المادة / 32 ـ
لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي قررته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب في العراق ] .
[ المادة / 33 ـ
1. تعين المحكمة القانون الذي يجب تطبيقه في حالة الأشخاص الذين لا تعرف لهم جنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد .(1/56)
على أن الأشخاص الذين تثبت لهم في وقت واحد بالنسبة الى الجنسية العراقية ، وبالنسبة الى دولة أجنبيَّة ، أو عدة دول أجنبية جنسية تلك الدول فالقانون العراقي هو الذي يجب تطبيقه ] .
*******
الفرع الثاني
الجانب الجزائي
تحدّث قانون العقوبات العراقي [المعدَّل] ،عن :
نطاق تطبيق قانون العقوبات ، وقسَّمه إلى قسمين :
تطبيق القانون من حيثُ الزمان .
تطبيق القانون من حيثُ المكان .
والأول لا علاقة له ببحثنا ، ولذلك سنُعرِضُ عنه صفحاً .
والثاني هو مطلوبنا ، وسننقل منه ما يتعلق بالموضوع .
لقد قسَّم قانون العقوبات ، التطبيق القانوني من حيث المكان إلى:
الاختصاص الإقليمي : وعالجته المواد من: 6 إلى 8 .
الاختصاص العيني : وعالجته المواد : 9 .
الاختصاص الشخصي: وعالجته المواد من: 10 إلى12 .
الاختصاص الشامل : وعالجته المواد من: 13 إلى 15 .
وسننقل لك أيُّها القاريء الكريم ما يتعلق بموضوعنا ، دون غيره.
[ المادة / 6 ـ
تسري أحكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق .
وتُعتبر الجريمة مرتكبة في العراق ، إذا وقع فيه فعلٌ من الأفعال المكوِّنة لها ، أو إذا تحققت فيه نتيجتها، أو كان يُراد أن تتحقق فيه.
وفي جميع الأحوال يسري القانون على كلِّ من ساهم في جريمة وقعت كلُّها أو بعضُها في العراق ، ولو كانت مساهمته في الخارج ، سواءً أكان فاعلاً أم شريكاً .
[ المادة / 7 ـ
يشمل الاختصاص الإقليمي للعراق ، أراضي الجمهوريَّة العراقيَّة وكلُّ مكانٍ يخضع لسيادتها ، بما في ذلك المياه الإقليمية ، والفضاء الجوي الذي يعلوها ، وكذلك الأرض الأجنبيَّة التي يحتلها الجيش العراقي، بالنسبة إلى الجرائم التي تمُسُّ سلامة الجيش ، أو مصالحه .
وتخضع السفن والطائرات العراقيَّة ، لاختصاص الجمهوريَّة العراقيَّة الإقليمي أينما وُجدت ] .
[ المادة / 8 ـ(1/57)
لا يسري هذا القانون على الجرائم التي تُرتكب على متن سفينةٍ أجنبيَّة في ميناء عراقي ، أو في المياه الإقليمية ، إلا إذا مسَّت الجريمة أمن الإقليم ، أو كان الجاني أو المجني عليه عراقيَّاً،
أو طلبت المعونة من السلطات العراقيَّة .
وكذلك لا يسري هذا القانون على الجرائم التي تُرتكب في طائرةٍ أجنبيَّة في إقليم العراق الجوي ،إلا إذا حطَّت في العراق بعد ارتكاب الجريمة ، أو مسَّت أمنه ، أو كان الجاني أو المجني عليه عراقيَّاً ، أو طلبت المعونة من السلطات العراقيَّة ] .
[ المادة / 9 ـ
يسري هذا القانون على كلِّ من ارتكب خارج العراق:
1.جريمة ماسَّة بأمن الدولة الخارجي ، أ, الداخلي ، أو ، ضد نظامها الجمهوري ، أو سنداتها الماليَّة ..، أو طوابعها، أو جريمة تزوير في أوراقها الرسميَّة .
2.جريمة تزوير ، أو تقليد عملة ورقيَّة ... ... .] .
[ المادة /10 ـ
كلُّ عراقي ارتكب وهو في الخارج فعلاً ... في جريمة تُعدُّ جناية أو جنحة بمقتضى هذا القانون ، يُعاقب طبقاً لأحكامه ... .] .
[ المادة / 11 ـ
لا يسري هذا القانون على الجرائم التي تقع في العراق من الأشخاص المتمتعين بحصانة مقررة بمقتضى الاتفاقيات الدوليِّة ، أو القانون الدولي ، أو القانون الداخلي ] .
[ المادة / 12 ـ
1. يسري هذا القانون على كلِّ من ارتكب في الخارج من موظفي الجمهوريَّة ، أو المكلفين بخدمة عامَّة لها أثناء تأدية الواجب الرسمي ... .
2. ويسري كذلك على من ارتكب في الخارج من موظفي السلك الدبلوماسي العراقي ... ما تمتعوا بالحصانة التي يخوَّلهم إيَّاها القانون الدولي العام ] .
المبحث الثاني
في القانون الأردني
نجد المواد من : 11 إلى 29 من القانون المدني الأردني قد تكفَّلت ببيان التنازع القضائي ، والتنازع التشريعي ، وننقل منه ما له مساس بموضوعنا :
[ المادة /11 ـ(1/58)
القانون الأردني هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد نوع هذه العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها ] .
[ المادة / 26 ـ
تعين المحكمة القانون الذي يجب تطبيقه في حالة مجهولية الجنسية أو الذين تثبت لهم جنسيات متعددة في وقت واحد على آن الأشخاص الذين تثبت لهم في وقت واحد الجنسية الأردنية وجنسية دولة أجنبية أخرى فان القانون الأردني هو الذي يجب تطبيقه ] .
أمورٌ إنسانيَّة متكررة يمارسها الناس
عند وقوعهم تحت طائلة
القانون
ثم نشاهد حالة لدى الناس متكررة مدى الدهور، تتمثل في:
1. إنَّ الذي تكون الأمور في غير صالحه، نراه يوزِّع الاتهامات ، ويهذي ويهذر، بكلام لا يقدِّم ولا يؤخِّر، بل قد يسيء الى القائل لا غير ،ظاناً أنًَّ ذلك يدفع عنه المساءلة ، أو يُظهِره بمظهر الإنسان الطيِّب ، حتّى لا ينال اللوم من الناس ، زيادة على العقوبة ...
{ قالوا إن يسرِق فقد سرق أخٌ له من قبل فأسرَّها يوسفُ في نفسِهِ ولم يُبْدِها لهم قال أنتم شرٌ مكاناً والله أعلم بما تصفون}(1)
فأرادوا أن يقولوا أنَّهم صالحون ، وأنَّ هذا السارق هو أخوهم من أبيهم ، وهذا وأخوه [ يقصدون يُوُسُف ] هم على هذه الشاكلة !!.
لكن هل يُغني مثلُ هذا ، في مثل هذا الموقف ؟؟ .
جوابه هو عين ما نراه في حياتنا العمليَّة ، حين يتكلم المحكومون وأقاربُهم بما لا يُجدي ، فقد : [ سبق السيف العذل ] .
2. فلما ذهبت السكرةُ ، وجاءت الفكرةُ ، عاودتهم حالةٌ من حالات بني البشر الأخرى ، وهي :
الرجاء ، والاسترحام ، وتقديم المعاذير ، والمقترحات..
{ قالوا يا أيَّها العزيزُ إنَّ له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدَنا مكانَه إنّا نَراك من المُحسنين }(2).
مبدأ قانونيٌّ أخير
[ شخصيَّة العقوبة ]
__________
(1) يوسف / 77 .
(2) يوسف / 78 .(1/59)
هناك مبدأ قانوني في شرائع من قبلنا ، ومُقرٌّ في شريعتنا ، ومازال معمولاً به في الأنظمة العقابية.. وهو:[ شخصية العقوبة ]
أي: لا يتعدى أثر العقوبة إلى غير الجاني ... { قال معاذ الله أن نأخذ إلاّ من وجدنا متاعا عنده إنّا إذا لظالمون }(1).
وهذا أصل من أصول الشريعة الغرَّاء ، ورد في شريعتنا متفِقاً مع ما ورد على لسان سيدنا [ يوسف ] .. يقول تعالى :
{..ولا تكسب كلّ نفسٍ إلاّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}(2).
ويقول تعالى :
{ وكل إنسان ألزمناه اليوم طائره في عنقيه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاهُ منشورا ، إقرأ كتابك بنفسك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا }(3).
وصدق مثل عوّام بغداد : [ كل لشَّه معلِّكَه من كراعها ] .
فهذا أحسن تعبير عن [ شخصيَّة العقوبة ] !!
********
أما الجانب القانوني في هذه المسألة ، فقد عالجه قانونان :
أ. قانون العقوبات ، ونصوصه التي تخصُّ الموضوع ، هي :
1.[ المادة / 47 ـ يعدُّ فاعلاً للجريمة :
1.من ارتكبها وحده ، أو مع غيره .
2.من ساهم في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أفعال ، فقام عمداً أثناء ارتكابها بعملٍ من الأعمال المكوِّنة لها ... ] .
ويُفهم أنّ غير الفاعل ، أو الشريك لا يُسأل عن أيِّ فعلل جرمي ، لا على سبيل : التطوُّع ، أو المساعدة ولو كانت لسبب إنساني ، ولا حتَّى لسبب قانوني .. .
2. [ المادة / 155 ـ
أ. لا تجوز محاكمة غير المتَّهم الذي أُحيل على المحاكمة ] .
********
ب. في قانون أصول المحاكمات الجزائيَّة .. فمما ورد فيها :
[ المادة / 181 ـ
إذا اعترف المتهم بالتهمة الموجَّهة إليه ... ورأت المحكمة أنَّ اعترافه مشوب ، أو أنَّه لا يقدِّر نتائجه ... ] .
__________
(1) يوسف / 79 .
(2) المائدة / 164 .
(3) الإسراء / 14 .(1/60)
فالمحكمة تُقدِّر كون الإقرار صحيح ، أم كان مشوباً بأيَّة شائبة ، حتى ولو كانت تحمُُّل العقوبة عن: مريضٍ ، أو بِراً بقريبٍ عزيز، وما شاكل ذلك وغير خافٍ أننا لسنا في موضع الاستقصاء ، بل يكفينا التمثيل لكل قاعدة من القواعد ، لندلِّل على التوافق ، أو قل أنَّ ما ورد في السورة هو مما يجري التعامل به قانوناً .. الآن ! .
هذا القرآن
إنَّ هذا القرآن العظيم لا تنتهي عجائبه ، والمعنى الوارد في الكلام المنسوب الى سيدنا علي - رضي الله عنه - صحيح ، ففي النهج قوله :
[ وكتاب الله بين أظهركم ناطقٌ لا يعيى لسانه ، وبيت لا تنهدم أركانه ، وغزٌ لا تُهزم أعوانه ](1).
وينسب إليه - كرّم الله وجهه - :
[
__________
(1) نهج البلاغة – 2 / 16 .(1/61)
... ثمّ أنزل الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو تَوَقُدُهُ ، وبحراً لا يُدركُ قعرُهُ ، ومنهاجاً لا يُضِل نهجُهُ ، وشُعاعاً لا يُظْلِم ضوؤُهُ ، وفرقاناً لايَخمدُ برهانُهُ ، وتبياناً لا تُهدمُ أركانُهُ ، وشفاءً لا تُخشى أسقامه، وعزاً لا تُهزم أنصارُهُ ، وحقاً لا تُخذَلُ أعوانُهُ . فهو معدِنُ الإيمان وبُحبوحتُهُ ، وينابيع العلم وبُحُوُرُهُ ، ورياض العدل وغُدرانُهُ ، وأثافيِّ الإسلام وبُنيانُهُ ، وأودية الحقِّ وغيطانُهُ ، وبحرٌ لا يَنْزِفُهُ المستنزِفون ،وعُيونٌ لا يُنضِبُها الماتحون ،ومناهل لا يُغيضُها الواردون ، ومنازلُ لا يَضِلُّ نهجَها المسفِرون ،وأعلامٌ لا يعمى عنها السائرون ، وآكامٌ لا يَجوزُ عنها القاصدون ، جعله الله رِيَّاً لعطش العُلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ، ومحَاجَّ لطرق الصُلحاء ، ودواءٌ ليس بعده داءٌ ،ونوراً ليس له ظُلمةٌ ، وحبلاً وثيقاً عُروتُهُ ، ومعقِلاً منيعاً ذِروَتُهُ ، وعزاً لمن تَوَلاهُ ،وسِلماً لمن دَخَلَهُ ، وهدىً لمن ائتمَّ به ، وعُذراً لمن انتحلهُ، وبُرهاناً لمن تكلم به ، وشاهداً لمن خاصَمَ بهِ ، وفَلَجاً لمن حاجًّ به، وحاملاً لمن حمَلَهُ ، ومطيَّةً لمن أعملهُ ، وآية لمن توًسَّم ، وجُنَّةً لمن استلأم،وعلماً لمن وعى،وحكماً لمن قضى ](1)
ومهما قيل في النهج وصحة نسبته إلى الإمام ، فما وُجد فيه بما نحن بصدده ، لا غبار عليه ، ويبقى على المتزيِّد إثم الوضع ، والبعد عن الأمانة العلميَّة ، والله وليُّ الصالحين ..
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين ~~
الدكتور
محمَّد محروس المدرِّس الأعظمي
انتهى تنضيده بفضل الله ليلة الثامن من جمادى الثانية من سنة 1420 هـ الموافق ليلة الثامن عشر من أيلول سنة 1999 م .
وانتهت المراجعة النهائيَّة ليلة الجمعة 14 / 2 / 1421 من الهجرة النبوية .. الموافق 18 / 5 / 2000 م .
الفهرس
__________
(1) النهج – 2 / 177 إلى 178 .(1/62)
الصفحة الموضوع
2 الإهداء
3 المقدِّمة
13 الآيات ذات الأحكام في السورة
17 جعليَّة النتائج وموجَبَات العقود
30 المبحث الأول / أمثلة من الأنكحة
35 المبحث الثاني / أمثلة من المعاملات
47 شرائع من قبلنا
56 الحيل الشرعيَّة
57 المبحث الأول / الحيل التي اتَّبعها يوسف - عليه السلام -
60 المبحث الثاني / معنى الاحتيال وشروطه
79 المبحث الثالث / محاولة العثور على الحيل في القانون
87 مراحل التحقيق في الوقائع الجنائيَّة
93 أحكام قانونية أخرى
94 المبحث الأول / الجُعل والالتزام بالإرادة المنفردة
98 المبحث الثاني / الكفالة
102 أحكام في القانون الدولي الخاص
106 المبحث الأول / التطبيقات في القانون العراقي
106 الفرع الأول / الجانب المدني
111 الفرع الثاني / الجانب الجزائي
114 المبحث الثاني / في القانون الأردني
115 أمور إنسانية متكررة
117 مبدأ قانوني أخير [ شخصيَّة العقوبة ]
120 هذا القرآن
[ كتب وبحوث للمؤلف ]
1. مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية / طبعته وزارة الأوقاف العراقية – 1978 .
2. الشخصية الإسلامية وموقعها بين النظم والعقائد / الطبعة الأولى - دار البشير / عمان ، والطبعة الثانية - دار [ الراشدون ] - الموصل .
3. رفع أكف الضَّراعة لجمع كلمة أهل السنة والجماعة / طبع في بغداد 1977 .
4. الزكاة ومصرف [ في سبيل الله ] والدعوة الإسلامية ، وتأسيس البنوك الإسلامية / مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي ـ طبع / بغداد 1997 .
5. المرة والتكرار في نصوص الأوامر الشرعية / مستل من مجلة المجمع العلمي العراقي لسنة 1997.
6. نثار العقول في علم الأصول / مطبوع على الآلة مع التصوير.
7. كشف اللثام وبلغ المرام في قوله تعالى : [ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ] / مطبوع – بغداد 1999 م .
8. العقل والنفس والروح / مخطوط .
9. مكانة الحرب العربي في الإسلام / مخطوط .(1/63)
10. البهرة من الفرق الإسماعيلية / مخطوط.
11. الخوارق في الشريعة الإسلامية [ بحث في الباراسايكولوجيا الإسلامية ] / مخطوط .
12. الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية / مخطوط [ مقدّم لمؤتمر الدعوة في لكنهؤ ] .
13. بيع الحقوق والمنافع / مخطوط [ مقدَّم للمجمع الفقهي الهندي ] .
14. قراءة قانونية في سورة يوسف / مطبوع [ هذا الكتاب ] .
15. توازن التبعات في الشريعة الإسلامية / مخطوط .
16. الإيضاح والبيان الظهوري على التسهيل الضروري لمسائل القدوري / طبع في بغداد عام 1999 .
17. شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذه القاضي أبي يوسف ، في [ آداب العالم والمتعلم ] / مخطوط .
18. التصوف في الإسلام / مخطوط .
19. بين الإسلام وأمثلة العوام في دار السلام / مخطوط .
20. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / مخطوط .
21. مصطلحات رمضانية / طبع في بغداد – 1999 م .
22. أسماء القران في القران / مخطوط [ أحاديث من الراديو ].
23. كليات القرآن الكريم / مخطوط .
24. المسؤوليات الإدارية في الأسرة المسلمة / مطبوع – 2000 م .
25. التحصين ضد الجريمة في الشريعة الإسلامية / مقدم الي الندوة المشتركة بين وزارة الداخلية ومنتدى الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - / تحت الطبع .
26. مبادءات ومتابعات / مجموعة مقالات صحفية في شتى العلوم .
27. نقد قانون الأحوال الشخصية العراقي / مخطوط .
28. العامي الفصيح / مخطوط .
29. عظمة التشريع الإسلامي / مخطوط .
30. الشركات في الفقه الحنفي / مخطوط .
31. ظهور الفضل والمنَّة في بعض مسائل الأجنَّة [ نقل الدم ، نقل الأعضاء ، التكرير -الاستنساخ - ، الإجهاض ] / مخطوط .
32. أفضليَّة المرأة في التشريع الإسلامي / مخطوط .
33. المنهجيَّة البحثيَّة الإسلامية / مخطوط .
34. الأعظميَّة .. وآل العلقبند / مخطوط .
35. مقالات ومقدمات كتب ومحاضرات وتعقيبات في مواضع شتى .
المؤلف في سطور(1/64)
- هو .. محمد محروس بن عبد اللطيف بن مصطفى بن الشيخ عبد الغني مدرس الحضرتين والوفائيَّة بن الشيخ محمد المدرس فيما ذكر بن الشيخ مصطفى نائب الشرع ببغداد والمدرس فيما ذكر بن الشيخ أحمد نائب الشرع والمدرس فيما ذكر بن الوليِّ الكامل والعلاَّمة الكبير الشيخ مصطفى العلقبند الكبير مفتي الحنفيَّة ببغداد المحميَّة ومؤسس الطريقة العلقبندية العليَّة الطائي الأعظمي الحنفي، المعروفة عائلته بآل المدرس لتدريسهم في الحضرتين : الأعظمية الحنفيَّة .. و القادرية الكيلانيَّة ، وفي المدرسة الوفائية الدينيَّة .
- ولد في الأعظمية 1360 هـ الموافق 1941 م ، درس على علماء بغداد الشيوخ الأجلاء : محمد القزلجي ، عبد القادر الخطيب ، نجم الدين الواعظ ، أمجد الزهاوي ، محمد فؤاد الآلوسي .. [ و أختص به في المدرسة المرجانية إلى حين وفاته فيها ساجداً بين العشائين سنة 1963]، والدكتور عبد الكريم زيدان ، وأخيراً على العلامة عبد الكريم محمد المدرس [ متع المسلمين بحياته ] .
- تلقى على علماء مصر الأجلاء الشيوخ الأفاضل : محمد أبو زهرة ، محمد سلام مدكور ، محمد الزفزاف ، أحمد هريدي - مفتي الجمهورية - ، محمد أحمد فرج السنهوري ، زكريا البّري ، زكريا البرديسي ، علي الخفيف ، واختص أخيراً بالشيخ عبد الغني عبد الخالق المشرف على رسالته للدكتوراه وعنوانها :
[ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] .
- حاز بكالوريوس الحقوق من بغداد سنة 2691 م .
- وحاز دبلوم الشريعة من حقوق القاهرة سنة 1967 ، و ماجستير الفقه المقارن من كلية الشريعة و القانون بالأزهر سنة 1968، والدكتوراه بذات الاختصاص ، سنة 1977 .
- عمل محامياً ، و مدير ناحية ، و مديراً للمدارس الدينية العراقيَّة في الأوقاف ، ومشاوراً قانونياً لها ، ومديراً للدراسات الإسلامية فيها ، ورأس أول بعثة عراقية عليا إلى الحج سنة 1975.(1/65)
- ثم درّس في كليّات : الإمام الأعظم ، والقانون ، والشرطة ، والتراث الجامعة ، وفي القسم العالي في ندوة العلماء في لكنهؤ / الهند .
- عضو دائم في المجمع الفقهي في الهند .
- رأس منتدى الإمام أبي حنيفة في مدينة الأعظميَّة .. لسنوات عديدة .
- شارك في مؤتمرات علميّة وفقهيّة في : العراق .. والهند .. والحجاز .. وبلاد الشام .(1/66)