الجزية
في ظل الدول الإسلامية اليوم
د. حمزة عبد الكريم حماد
Hamza041@yahoo.com
المقدمة:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن بهديه اقتفى، وبعد:
إن الفقه الإسلامي بمنظوماته المتعددة عاش فترة ازدهار، لكن اعترته فترات جمود قللت من سرعته على مواجهة مستجدات الحياة، وفي العصر الحديث يعيش هذا الفقه عصر قوة وازدهار من جديد، برزت بقيام الفقهاء المعاصرين بعرض الفقه بأسلوب عصري، وبالأحرى برزت في العبور الحضاري لهذا الفقه، ومن جملة هذا الفقه موضوع أهل الذمة، وبالتحديد قضية الجزية.
لذا جاء هذا البحث ليسلط الضوء على موضوع الجزية في الدولة الإسلامية الحديثة، عارضاً أبرز آراء المعاصرين فيها، خاتماً هذا البحث بجملة من النتائج والتوصيات.
الملخص:
هدفت هذه الدراسة إلى استقراء وتحليل آراء الفقهاء المعاصرين حول السؤال الرئيس الآتي: ما موقف الفقهاء المعاصرين من قضية فرض الجزية على غير المسلمين المواطنيين في الدول الإسلامية الحديثة؟ وتوصلت الدراسة إلى عدم فرضها عليهم؛ وذلك لاعتبارات متعددة تم بيانها في مواضعها. وتوصي الدراسة بإجراء المزيد من الأبحاث الممثلة للعبور الحضاري للفقه الإسلامي.
Abstract(1/1)
The aim of this study is to make an induction and analysis about the opinion of modern jurists ? about this question: what are the opinions of modern jurists about asking the tribute (AL.JEZIA) from the people who are not Muslim who live in Islamic countries . The result of this study shows that all of modern jurists say that should not be required to pay the tribute from non Muslim who live in Islamic countries. Because of many reasons that had been discussed. The study recommended that must be connected between the old and the modern phrases and clauses in Islamic jurisprudence it would be easier for studying by scholars.
سؤال الدراسة:
حاولت هذه الدراسة الإجابة عن السؤال الرئيس الآتي:
ما هو موقف المعاصرين من فرض الجزية على المواطنيين من غير المسلمين في ظل الدول الإسلامية الحديثة؟
منهجية الدراسة:
اتبعت هذه الدراسة المنهج الاستقرائي التحليلي، حيث قامت بجمع آراء بعض المعاصرين في هذه القضية، ودراستها وتحليلها.
المطلب الأول:
مفهوم الجزية ، وأدلة مشروعيتها
المسألة الأولى: مفهوم الجزية
أولاً: الجزية لغة:
لفظ فارسي معرب، وأصلها في الفارسية:"كَزِيَتْ" أو "كَزِيَدْ"(1)
__________
(1) راجع:- حسنين، عبد المنعم محمد، قاموس الفارسية(فارسي/عربي)، دار الكتاب اللبناني،بيروت، ط1، 1402هـ،1982م، ص 570
شتا، إبراهيم الدسوقي، المعجم الفارسي الكبير، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1992م، ج3/ص 2433
علوب، عبد الوهاب، الواعد(معجم فارسي-عربي)، مكتبة لبنان،لبنان، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة، ط1،1996م، ص 343(1/2)
، وفي العربية تطلق على معنيين: خراج الأرض، وما يؤخذ من الذمي، وجمعها: جِزىً (1).
ثانياً: الجزية في القرآن الكريم :
عرفها الراغب الأصفهاني في مفرداته بأنها:"ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها عن حقن دمهم، قال الله تعالى: { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (2)"أ.ن. (3)
ثالثاً: الجزية في السنة النبوية :
__________
(1) -الفيروز آبادي،مجد الدين، محمد بن يعقوب،(ت. 817هـ)، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت،ط6، 1419هـ،1998م، ص 1270
- الفيومي، أحمد بن محمد (ت.770هـ)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، دار القلم، بيروت، د.ت.، 1/138 مادة: جزى
(2) سورة التوبة / من آية 29
(3) الراغب الأصفهاني، أبو القاسم، الحسين بن محمد،(ت. 425هـ)، مفردات ألفاظ القران، تحقيق: صفوان داوودي، دار القلم-دمشق، الدار الشامية-بيروت، ط1، 1412هـ،1992م، ص 195(1/3)
من خلال النظر في المؤلفات التي تُعنى بالمفردات والتراكيب الواردة في السنة النبوية وجد الباحث أن ابن الأثير عرفها بـ" هي عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة، وهي فعلة، من الجزاء؛ كأنها جزت عن قتله"أ.ن. (1) وقال عنها ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري:"الجزية من جزأت الشيء إذا قسمته، ثم سهلت الهمزة، وقيل : من الجزاء، أي لأنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام، أو من الإجزاء؛ لأنها تكفي من توضع عليه في عصمة دمه" (2)
رابعاً: الجزية عند الفقهاء:
تنوعت تعريفات الفقهاء للجزية بناء على تكييف طبيعة الجزية عندهم، فنجد أن الإمام النووي عرفها بأنها:"مشتقة من الجزاء،كأنها جزاء إسكاننا إياه-أي: الذمي- في دارنا وعصمتنا دمه، وماله، وعياله"(3)، ومن جانب آخر عرفها ابن عابدين بقوله:" الجزية جزت عن القتل، أو لأنها وجبت عقوبة على الكفر، وسميت جزية، وهي والجزاء واحد، فهي الجزاء؛ لأنها جزت عن القتل"(4)
__________
(1) ابن الأثير، أبو السعادات، المبارك بن محمد،(ت. 606هـ)، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة بيروت، ط1، 1422هـ، 2001م، 1/265
(2) ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي،(ت. 852هـ)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري،قرأ أصله تصحيحا وتحقيقا: الشيخ عبد العزيز بن باز، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، إخراج: محب الدين الخطيب، دار المعرفة-بيروت،كتاب(58) الجزية و الموادعة،باب(1) الجزية و الموادعة مع أهل الذمة والحرب، ج6/ص259.
(3) النووي، محيي الدين، يحيى بن شرف،(ت. 676هـ)، تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت،د.ت. ، ج3/ص51.
(4) ابن عابدين، محمد أمين بن عمر،(ت. 1252هـ)، رد المحتار على الدر المختار(حاشية ابن عابدين)، دار عالم الكتب، الرياض، طبعة خاصة، 1423هـ/2003م، ج6/ص316-317.
وللمزيد من تعريفات المعاصرين للجزية للتلطف بالرجوع إلى:
الجمعة، علي بن محمد، معجم المصطلحات الاقتصادية والإسلامية، مكتبة العبيكان-الرياض، ط1، 1421هـ، 2000م، ص 204 وما بعدها.
الشرباصي، أحمد، المعجم الاقتصادي الإسلامي، دار الجيل،ط: بدون، 1401هـ، 1981م، ص 95 وما بعدها.
قلعة جي، وقنيبي، محمد رواس، و حامد، معجم لغة الفقهاء، دار النفائس – بيروت، ط1، 1405هـ، 1985م، ص 164(1/4)
المسألة الثانية:
مشروعية الجزية:
ثبتت مشروعية الجزية بالكتاب والسنة والإجماع:
أما من الكتاب فقوله تبارك وتعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (1).
وجه الاستدلال بالآية: تنص الآية صراحة على وجوب القتال حتى يتم إعطاء الجزية ، فإذا دفعت الجزية ؛ رفع القتال(2).
أما من السنة النبوية الشريفة، فقد ثبت جواز أخذها من أهل الكتاب بالسنة القولية بجملة أحاديث منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين، ثم قال:" اغزوا باسم الله في سبيل الله... فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك؛ فاقبل منهم وكف عنهم"(3). ومن السنة الفعلية فقد أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر(4).
__________
(1) سورة التوبة/ آية 29
(2) انظر:
القرطبي، أبو عبد الله، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1425هـ-2004م، ج1/ ص 1424.
الجصاص، أبو بكر، أحمد بن علي،(ت. 370هـ)، أحكام القرآن، تحقيق: محمد قمحاوي، دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط: بدون، 1405هـ، 1985م، ج4/ ص 294
(3) مسلم، أبو الحسين، مسلم بن الحجاج،(ت. 261هـ)، صحيح مسلم، رقم كتبه وأبوابه: محمد تميم، و هيثم تميم، دار الأرقم-بيروت، 1419هـ، 1999م، كتاب الجهاد والسير، باب: تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيتهم إياهم بآداب الغزو وغيرها، ص 854-855 حديث رقم: 4542/3
(4) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الجزية و الموادعة، باب: الجزية و الموادعة، ص 580 ، حديث رقم: 3157(1/5)
الإجماع، فقد أجمع الفقهاء على جواز أخذها من أهل الكتاب(1).
المطلب الثاني:
آراء المعاصرين
يعرض الباحث في ثنايا هذا المطلب موقف و آراء المعاصرين حول وجوب أخذ الجزية من غير المسلمين المواطنيين في الدول الإسلامية اليوم، وما هي تعليلاتهم وتبريراتهم لذلك؟
المسألة الأولى : رأي الدكتور مصطفى السباعي:
__________
(1) - ابن رشد الحفيد، أبو الوليد، محمد بن أحمد،(ت. 620هـ)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، اعتنى به: هيثم طعيمي، المكتبة العصرية – بيروت، ط 1، 1423هـ ، 2002م، ج1 / ص 417
ابن هبيرة، أبو المظفر، يحيى بن محمد، (ت. 560هـ)، الإفصاح عن معاني الصحاح، تحقيق: محمد حسن
الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1417هـ، 1996م، ج 2 / ص 239
ابن قدامة، أبو محمد، عبد الله بن أحمد،(ت. 620هـ)، المغني، اعتنى به وخرج أحاديثه: رائد أبو علفة، بيت الأفكار الدولية، الأردن ، و السعودية، ط: بدون، 2004م، ج2 / ص 2340
ابن مفلح الحنبلي، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد، المبدع شرح المقنع، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 ، 1418هـ ، 1997م، ج3 / ص 364(1/6)
يرى الدكتور مصطفى السباعي سقوط الجزية عن غير المسلم المقيم في الدولة الإسلامية. ويستند الدكتور بكون الجزية لا تفرض إلا على من قاتل، فيقول: "وكانت الجزية قبل الإسلام تفرض على من لم يكن من الفاتحين عرقاً أو بلداً أو ديناً، سواء حارب أم لم يحارب، أما في الإسلام فلا تفرض إلا على المحاربين من أعداء الأمة، أما المواطنون من غير المسلمين ممن لم يحاربوا الدولة فلا تفرض عليهم الجزية، ولو رجعنا إلى آية الجزية في القرآن لوجدناها تقول: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون } (1) فهي تجعل الجزية غاية لقتال أهل الكتاب حين نتغلب عليهم، وليس كل أهل الكتاب يجب علينا أن نقاتلهم، بل إنما نقاتل من يقاتلنا ويشهر علينا السلاح ويعرّض كيان الدولة للخطر، وهذا هو صريح الآية الكريمة: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (2) فالأمر بالقتال في آية الجزية ليس إلا لمن قاتلنا، فقتال من لم يقاتلنا عدوان لا يحبه الله تبارك وتعالى، ويؤيد هذا قوله تعالى: { إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَبروهم } (3)فلا شك في أن الذين يعيشون في الدولة مع المسلمين مع أهل الكتاب ويشاركونهم في الإخلاص والولاء لها، ليسوا ممن يجوز قتالهم فلا تفرض عليهم الجزية التي هي ثمرة القتال بعد النصر."(4)
__________
(1) سورة التوبة / آية 29
(2) سورة البقرة / من آية 19
(3) سورة الممتحنة/ من آية 8
(4) السباعي، مصطفى، نظام السلم والحرب في الإسلام، دار الوراق، الرياض، ط2، 1998م-1419هـ، ص 57-59.(1/7)
وبالنسبة لاستمرار أخذ الجزية بعد عصور من الفتح الإسلامي، يقول الدكتور السباعي: "أما استمرار أخذ الجزية بعد عصور من الفتح الإسلامي وبعد أن أصبح أهل الكتاب رعايا مخلصين للدولة كالمسلمين، فذلك لا يسأل عنه الإسلام وإنما يسأل عنه الحاكمون والأمراء من المسلمين، ونحن إنما نتكلم عن نظام الجزية في الإسلام لا عن تاريخ الجزية في الدولة الإسلامية.(1)
ويرى الباحث أن توجيه الدكتور السباعي لآية الجزية يستند إلى تفسيرها عند أئمة التفسير، ومنهم الإمام القرطبي إذ يقول في تفسيره لهذه الآية:"أمر الله تعالى بمقاتلة جميع الكفار… وخص أهل الكتاب بالذكر إكراماً لكتابهم،.. ثم جعل للقتال غاية وهي: إعطاء الجزية بدلاً من القتل… والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين؛ لأنه تعالى قال:"قاتلوا الذين" إلى قوله:"حتى يعطوا الجزية" فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل"(2)
المسألة الثانية:
رأي الدكتور عبد الكريم زيدان:
يذهب الدكتور عبد الكريم زيدان إلى عدم أخذ الجزية من الذميين الذين يعيشون في الدول الإسلامية. (3)
ويعتمد الدكتور في رأيه السابق على علة وضع الجزية على الذميين وهي –في نظره- بدل الدفاع والحماية، وفي العصر الحديث يشترك الذميون مع المسلمين في واجب الدفاع عن دار الإسلام، وبناءً على مساهمتهم في الدفاع فإن الجزية تسقط بعد وجوبها، أو تمنع وجوبها أصلاً.
ويحدد الدكتور معالم مسألة الاشتراك في الدفاع عن دار الإسلام بعدم اشتراط الدفاع الفعلي، إنما يكفى التهيؤ والاستعداد لهذا الدفاع والقتال ضد العدو.(4)
__________
(1) …السباعي، نظام السلم، ص 59.
(2) … القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج1/ ص 1424.
(3) …زيدان، عبد الكريم، أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، مكتبة القدس، بغداد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: بدون، 1982م-1420هـ، ص 157.
(4) …المرجع السابق، ص 157.(1/8)
ويستند الدكتور في كون الجزية تسقط إذا ساهم الذميون في الدفاع عن دار الإسلام بمجموعة من الأحداث التاريخية التي تدل صراحة على سقوط الجزية عن الذميين إذا ساهموا في الدفاع عن دار الإسلام، ومن هذه الأحداث:
أولاً: كتاب عتبة بن فرقد(1) إلى أهالي أذربيجان، فقد جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عتبة بن فرقد -عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين- أهل أذربيجان سهلها وجبلها وحواشيها وأهل مللها كلهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وشرائعهم ؛ على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم.. ومن حشر منهم في سنة وضع عند جزاء تلك السنة".(2)
ثانياً: ما رواه الطبري عن ملك "الباب"(3)
__________
(1) …عتبة بن فرقد بن يربوع السلمي من بني مازن، أبو عبدالله، صحابي، شهد خيبر، وولاه عمر بن الخطاب في الفتوح.
انظر ترجمته في:
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي،(ت. 852هـ) الإصابة في تمييز الصحابة، اعتنى به: حسان عبد المنان، بيت الأفكار الدولية،الرياض، 2004م،ط: بدون، ص 883، ترجمة رقم: 6028
- ابن الأثير الجزري، أبو الحسن، علي بن محمد،(ت. 630هـ)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة- بيروت، و دار المؤيد- الرياض، ط 1، 1418هـ، 1997م، ج3/ص202، ترجمة رقم: 3557
(2) الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، اعتنى به: أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، عمان، والرياض، (د.ت)، ص 690، أحداث السنة (22)، فتح أذربيجان.
(3) الباب: ويقال له: باب الأبواب، مدينة قرب أذربيجان كما ذكر الحموي في معجم البلدان، وهي اليوم تقع في جمهورية داغستان الواقعة إلى الشمال من جمهورية أذربيجان، وتقع – أي مدينة الباب- على ساحل بحر قزوين أو بحر الخزر ، وتسمى كذلك بـ "دربند".
انظر:
الحموي، أبو عبد الله، ياقوت بن عبد الله، (ت. 626هـ)، معجم البلدان، دار إحياء التراث، بيروت، 1399هـ، 1979م، ج1/ص 303.
الشامي، يحيى، موسوعة المدن العربية والإسلامية، دار الفكر العربي- بيروت، ط1، 1993م، ص 423-424(1/9)
واسمه شهر براز، أنه طلب من سراقة بن عمرو(1) ، أمير تلك المناطق، أن يضع عنه وعمن معه الجزية على أن يقوموا بما يريده منهم ضد عدوهم، فقبل سراقة وقال له: "قد قبلنا ذلك ممن كان معك على هذا ما دام عليه، ولابد من الجزاء ممن يقيم ولا ينهض". فقبل ذلك وصار سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين وفيمن لم يكن عنده الجزاء إلا أن يستنفروا فتوضع عنهم جزاء تلك السنة، وكتب سراقة إلى عمر بن الخطاب بذلك فأجازه وحسنه.(2)
ثالثاً: وفي كتاب سويد بن مقرن(3) -قائد جيش المسلمين في بلاد فارس في زمن عمر بن الخطاب- إلى ملك جُرجان(4): "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من سويد بن مقرن لرزبان صول بن رزوبان وأهل دهستان وسائر أهل جرجان أن لكم الذمة وعلينا المنعة ... ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضاً عن جزائه".(5)
__________
(1) سراقة بن عمر، لقبه ذو النور، صحابي، كان أحد الأمراء بالفتوح، وهو الذي صالح أهل أرمينية، ومات هناك.
انظر ترجمته في:
- ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ص 476-477 ، ترجمة رقم 3253.
- ابن الأثير، أسد الغابة، ج2/ص 280 ، ترجمة رقم : 1953
(2) …الطبري، تاريخ الأمم، ص 690، أحداث السنة (22)، فتح الباب.
(3) …سويد بن مقرن بن عائذ القرني، وهو أخو النعمان بن مقرن، يكنى بـ أبي عائذ، وقيل أنه نزل الكوفة.
انظر ترجمته في:
- ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ص 562، ترجمة رقم: 3927
- ابن الأثير الجزري، أسد الغابة ، ج 2/ص406 ، ترجمة رقم: 2361
(4) …جرجان:مدينة إيرانية تقع بين شهرود و بندر شاه ، وكانت تعرف باسم : أستراباذ، وتبعد عن طهران حوالي 300 كم شرقا.
انظر: الشامي، موسوعة المدن العربية، ص262 وما بعدها.
(5) …الطبري، تاريخ الأمم، ص 689، أحداث السنة (22) فتح جرجان.(1/10)
رابعاً: إن الجراجمة(1) نقضوا العهد فوجه أبو عبيدة بن الجراح إلى انطاكية من فتحها ثانية، وولى عليها بعد فتحها حبيب بن مسلمة الفهري(2) ، فغزا الجُرجُومة(3) فلم يقاتله أهلها، ولكنهم طلبوا الأمان والصلح فصالحوه على أن يكونوا أعواناً للمسلمين وعيوناً ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية… ودخل من كان في مدينتهم في هذا الصلح.(4)
توجيه الدكتور للأحداث السابقة:
يوجه الدكتور زيدان الأحداث التاريخية السابقة عدة توجيهات، من أبرزها:
من خلال عرض الأحداث التاريخية السابقة في عصر الصحابة الكرام نرى أنها تدل صراحةً على سقوط الجزية عمن يحارب مع المسلمين ويشارك في الدفاع عن دار الإسلام.
ثم إن هذا الأمر صار سائغاً مألوفاً "وسنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين".
لم ينقل خلاف فيما سبق، بل إن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قد حسن هذا الإجراء عندما أخبره به سراقة، مما يدل على أن هذا الحكم كان مجمعاً عليه زمن الصحابة. (5)
__________
(1) …الجُراجمة: أهل مدينة الجُرجوُمة. انظر هامش رقم: 32
(2) …حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري، أبو عبد الرحمن، صحابي، يقال له: حبيب الروم؛ لكثرة جهاده فيهم .
انظر ترجمته في:
- ابن حجر العسقلاني، الإصابة ، ص 251، ترجمة رقم: 1735
- ابن الأثير الجزري، أسد الغابة ، ج 1/ص 424 ، ترجمة رقم: 1065
(3) …الجُرجوُمة: -بضم الجميين- مدينة قرب انطاكية، ويقال لأهلها : الجُراجمة، و انطاكية اليوم إحدى من سوريا.
انظر:- الحموي، معجم البلدان، ج2/ ص 123.
- الشامي، موسوعة المدن العربية، ص 308 وما بعدها.
(4) …البلاذري، أبو العباس، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان، حققه وشرحه: عبد الله الطباع، وعمر الطباع، دار النشر للجامعيين، 1957م-1377هـ، ص 217.
(5) …زيدان، أحكام الذميين، ص 157.(1/11)
وتابعه على هذا الرأي الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي حيث يقول: "لكن الإسلام فرض على هؤلاء المواطنيين من غير المسلمين أن يسهموا في نفقات الدفاع، والحماية للوطن عن طريق ما عرف في المصطلح الإسلامي، فالجزية هي في الحقيقة بدل مالي عن الخدمة العسكرية المفروضة على المسلمين" ثم يتابع فضيلته بكون الجزية تسقط باشتراك أهل الذمة مع المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام"(1) وقد وجد الباحث أن الدكتور القرضاوي سار سير الدكتور زيدان في هذه المسألة؛ نظراً لأنه اعتمد على كتاب الدكتور زيدان السابق (أحكام الذميين) في هذا الرأي.
وتابعه على هذا الرأي الأستاذ الدكتور وهبه الزحيلي حيث قال: "إن الذميين القاطنيين اليوم في بلاد الإسلام والذين يلتزمون بالخدمة العسكرية، ويشتركون في الحرب ضد الأعداء، أو يكونون عرضة لذلك؛ لا تجب عليهم الجزية"(2)
__________
(1) …القرضاوي، يوسف، غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 4، 1405هـ، 1985م، ص33 ، و ص 35.
(2) …الزحيلي، وهبه، آثار الحرب في الفقه الإسلامي- دراسة مقارنة، دار الفكر- دمشق، ط3، 1401هـ/ 1981م، ص699، وقد نسب الدكتور الزحيلي هذا الرأي إلى الهادوية والحنفية، وكان مرجعه في ذلك كتاب سبل السلام للإمام الصنعاني، وقد تحقق الباحث من كتاب سبل السلام فوجد في الجزء والصفحة التي نسب إليها الدكتور الزحيلي أن الإمام الصنعاني كان يتحدث عن حكم الاستعانة بالمشركين ولم يكن يتحدث عن سقوط الجزية.
انظر:- الزحيلي، آثار الحرب، ص699.
- الصنعاني، محمد بن إسماعيل،(ت. 1182هـ)، سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، دار الفكر-بيروت، ت.د.، ج4/ ص 49 كتاب الجهاد، شرح حديث رقم(15) "ارجع فلن أستعين بمشرك".(1/12)
وتابعه على هذا الرأي الأستاذ الدكتور علي الصوا، إذ يقول بعد أن ساق رأي الدكتور زيدان:"وليس هذا بعيد عن الصواب؛ لأن أهل الذمة اليوم يلزمون بواجب الدفاع عن بلاد الإسلام بحكم القوانين المسنونة فيها، كما يلزمون بالضرائب المالية المختلفة، والله أعلم بالصواب".(1)
وتابعه كذلك الدكتور عبد العزيز كامل، إذ يقول:"وتحل المشاركة في الدفاع محل الجزية وهي بدل المنعة. (2)
وتابعه كذلك الدكتور فهمي هويدي، إذ يقول:"… موضوع الجزية بحد ذاته لم يعد وارداً في المجتمع الإسلامي الحديث، على اعتبار أن العلة الأساسية التي بني عليها الحكم الشرعي لم يعد لها وجوده، باشتراك الجميع في الدفاع والمنعة"(3)
وتابعه كذلك الدكتور إدوارد غالي الدهبي إذ يقول في كتابه معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي:"إن الرأي المتفق عليه بين الفقهاء هو أن الجزية تسقط عن الذمي إذا ما حارب في صفوف المسلمين. ولما كان الواقع الراهن هو أن جميع أبناء الوطن-من مسلمين وغير مسلمين- يشتركون صفا واحدا في الدفاع عن ترابه، فإن موضوع الجزية لم يعد واردا في المجتمع الإسلامي الحديث، على اعتبار أن العلة الأساسية التي بني عليها الحكم الشرعي لم يعد لها وجود".(4)
__________
(1) …الصوا، علي، موقف الإسلام من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، بحث ضمن كتاب: معاملة غير المسلمين في الإسلام، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، عمان- الأردن، 1989م، ج1، ص 189
(2) …كامل، عبد العزيز، حقوق الإنسان في الإسلام، بحث ضمن كتاب: معاملة غير المسلمين في الإسلام، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، عمان- الأردن، 1989م، ج1، ص 94-95.
(3) هويدي، فهمي، مواطنون لا ذميون، دار الشروق، القاهرة، بيروت، ط3، 1420هـ، 1999م ، ص 144.
(4) الدهبي، إدوارد غالي، معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، مكتبة غريب،مصر، ط1، 1993م، ص129-130.(1/13)
وذهب كذلك إلى هذا الرأي د. طالب أبو صوفي إذ يقول:"في حالة انخراط أبناء أهل الكتاب طواعية في الدفاع عن دار الإسلام تسقط عنهم الجزية"(1)
و وقف الباحث كذلك على رأي الدكتور عبد المنعم أحمد بركة من خلال أطروحة لنيل درجة الدكتوراه والتي عنونت بـ "الإسلام ومشكلة المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في عصور التاريخ الإسلامي وفي العصر الحديث" توصل الدكتور إلى كون الجزية تسقط على غير المسلمين المقيمين في الدولة الإسلامية في العصر الحاضر، بأمرين أو بأحدهما:
إن الدول الإسلامية تعرضت ومنذ القرن الثامن عشر إلى احتلال ديارها من دول غير إسلامية، وعجز المسلمون عن حماية أنفسهم فضلاً عن حماية غيرهم. وهذا أمر مسقط للجزية وهذا ما سار عليه القادة من الصحابة خالد بن الوليد وأبو عبيدة عامر بن الجراح، إذ ساروا على إسقاط الجزية ورد ما حصلوه منها في الحالات التي تعجز فيها الدولة الإسلامية عن حماية رعاياها من غير المسلمين.
إن واقع الدول الإسلامية في العصر الحاضر الذي ساهم فيه غير المسلم في الدفاع عن إقليم الدولة، والمساهمة، في هذا الواجب تسقط الجزية بعد وجوبها، أو تمنع وجوبها أصلاً(2).
وسار قريباً منهم كذلك الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي: حيث يرى أن المسيحيين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية اليوم لا يدفعون الجزية أولاً، ولا يصح مطالبتهم بها ثانياً.
__________
(1) أبو صوفي، طالب، الحوار الإسلامي المسيحي ضرورة لتخفيف حدة الصراع، مقال منشور في جريدة البيان، الجمعة 19 بتاريخ: شوال/1419هـ، 5/فبراير/1999م، منشور في موقع: www.albayan.co.ae/albayan/1999/02/05/mnw/3.htm.
(2) بركة، عبد المنعم أحمد، الإسلام ومشكلة المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في عصور التاريخ الإسلامي وفي العصر الحديث، رسالة دكتوراه، جامعة الإسكندرية، كلية الحقوق، 1987، بإشراف: أ. د. عبد الحميد متولي، ص 283- 284.(1/14)
يدعم الدكتور الشرقاوي رأيه السابق بـ:
إن هؤلاء المسيحيين أصبحوا مواطنين لهم حقوق إخوانهم المسلمين، وعليهم ما على المسلمين من واجبات الدفاع عن الوطن وحمايته.
2-إن الجزية كانت تدفع عندما فتح الإسلام تلك البلدان لأسباب تنظيمية أو سياسية، بحيث لا يسمح للمسيحيين بالانضمام إلى الجيش للدفاع والحماية والفتح.
3-إن هذا الأمر –عدم اشتراكهم في الجيش- بقي إلى أن أصبحت الدولة الإسلامية راسخة، وبعد ذلك سمح لهم بالانضمام إلى الجيش والدفاع عن الوطن، وبناءً عليه فإن سبب دفع الجزية قد زال عنهم بسبب:
أ . استقرار الإسلام.
ب. غلبة الفتح.
ج. كثرة الداخلين في الدين.
د. عدم الخوف من التآمر أو الخيانة. (1)
رأي الباحث:
__________
(1) الشرقاوي، محمد عبد الله، الإسلام وحرية التدين والاعتقاد، منشور في موقع إسلام أون لاين- حوارات حية، بتاريخ 9/1/2001م.
http://www.islamonline.net/livedialouge/arabic/Browse.asp?hGuestID=QBpBp0
استفدت منه بتاريخ 6/8/2005م.(1/15)
أولاً: يضاف إلى ما ذكر سابقا من أحداث ووقائع تدعهم هذا الرأي ما ورد عن وكيع عن سفيان عن جابر قوله: سألت الشعبي عن المسلمين يغزون بأهل الكتاب؟ فقال الشعبي: أدركت الأئمة الفقيه منهم وغير الفقيه يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم، ويضعون عنهم جزيتهم فذلك لهم نفل حسن.أ.ن. (1) والإمام عامر الشعبي كما ورد في كتب التراجم ولد سنة (20هـ) وتوفي على أبعد تقدير سنة (109هـ)، وقد روى عن جمهرة من الصحابة، ومنهم: علي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وغيره رضوان الله عليهم أجمعين، وروى كذلك عن جمهرة من التابعين، منهم: شريح القاضي، ومسروق(2)
__________
(1) هذا الأثر أورده ابن حزم في المحلى، وقد تتبع الباحث تعليقات المحققيين لهذا الأثر في طبعتين للمحلى : الأولى قام بتحقيقها مكتب التحقيق بدار إحياء التراث العربي- بيروت، والثانية بتحقيق د. عبد الغفار البنداري- دار الكتب العلمية-بيروت، ولم يجد فيهما شيئاً. فتأمل. ولكن بعد البحث وقف الباحث على نص قريب منه وهو: ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه فقال:"حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن جابر، قال سألت عامرا عن المسلمين يغزون بأهل الذمة فيقسمون لهم، ويضعون عنهم جزيتهم، فذلك نفل حس، ثم روى الإمام ابن شيبة حديثا آخر ونصه: حدثنا وكيع، قال: حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: "أدركت الأئمة- ثم ذكر نحوه" =
= - ابن حزم، أبو محمد، علي بن أحمد،(ت. 456هـ) المحلى، مصححة بتصحيح: مكتب تحقيق التراث بدار إحياء التراث العربي-بيروت، ط1، 1418هـ، 1997م، ج7/ص246، مسألة رقم: 953.
-ابن أبي شيبة، أبو بكر، عبد الله بن محمد(ت. 235هـ)، مصنف ابن أبي شيبة، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان، 1406هـ،1986،ج 12/ ص 396 ، رقم: 15014 ورقم : 15015
(2) انظر:
الذهبي، محمد بن أحمد،(ت. 748هـ)، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، قام بتوثيقه: صدقي العطار، دار الفكر – بيروت، ط1، 1418هـ، 1997م، ج2/ص52 ترجمة رقم: 2554
ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي،(ت. 852هـ)، تقريب التهذيب، تحقيق: خليل شيحا، و عمر السلامي، و علي بن مسعود، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1417هـ، 1996م، ج3/ ص 44-46، ترجمة رقم: 3588(1/16)
.
ثانياً: إن الدكتور زيدان ومن تابعه من العلماء الأفاضل ينحون منحى مذهب الإباضية القائل بترك الجزية في حالة إعانة أهل الذمة المسلمين على عدوهم(1).
ثالثاً: إن ما ذكره الدكتور فهمي هويدي بكون العلة الأساسية التي بني عليها الحكم الشرعي لم يعد لها وجوده، وذلك باشتراك الجميع في الدفاع والمنعة، فهذه المسألة بحاجة إلى نظر لكون أن علة فرض الجزية مسألة اختلفت آراء الفقهاء حولها فهي-أي: العلة- عند الإمام ابن عابدين هي بدل القتل، أو بدل عقوبة على الكفر(2) وعند الإمام ابن رشد بدل تأمينهم وحقن دمائهم مع إقرارهم على الكفر(3) ،وعند الإمام النووي بدل سكنى دار الإسلام وعصمتنا دمه، وماله، وعياله(4)، وهي كذلك عند الإمام ابن قيم الجوزية عقوبة بدل محاربتهم لنا(5)
__________
(1) الثميني، ضياء الدين عبد العزيز،(ت.1223هـ )، النيل وشفاء العليل، مكتبة الإرشاد، جدة، 1405هـ، 1985م، ج17/572
(2) ابن عابدين، رد المحتار، ج6/ص316-317.
(3) ابن رشد القرطبي، أبو الوليد، محمد بن أحمد،(ت. 520هـ)، المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضه رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات، خرج آياته وأحاديثه: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية-بيروت،1423هـ، 2002م، ج1/ص 186
(4) النووي، تهذيب الأسماء، ج3/ص51.
(5) ابن قيم الجوزية،شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر،(ت. 751هـ) ، أحكام أهل الذمة، حققه:د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين-بيروت،ط2، 1401هـ-1981م، ج1/ص17(1/17)
رابعاً: أما ما نص عليه د. الدهبي بأن:" الرأي المتفق عليه بين الفقهاء هو أن الجزية تسقط عن الذمي إذا ما حارب في صفوف المسلمين" فالباحث يرى أن هذا الكلام من حضرته بحاجة إلى وقفة حيث وجد الباحث ما نص عليه الشلبي في حاشيته على شرح كنز الدقائق : " ألا ترى أن الإمام لو استعان بأهل الذمة سنة , فقاتلوا معه؛ لا تسقط عنهم جزية تلك السنة "(1) وبناء على ذلك فإن سقوط الجزية حال اشتراك غير المسلم في القتال ليس رأياً متفق عليه بين الفقهاء، بل صرح بسقوطها الإباضية كما مر سابقاً.
المسألة الثالثة:
رأي الدكتور محمد سليم العوا:
يرى الدكتور سقوط الجزية عن أهل الذمة في العصر الحديث.
ويستند الدكتور العوا على ثلاثة أمور:
الأول: إن الجزية لم تكن ملازمة لعقد الذمة، بل أسقطها الصحابة ومن بعدهم عمن قبل من غير أهل الإسلام مشاركة المسلمين في الدفاع عن الوطن؛ لأنها بدل عن الجهاد. ثم يضيف الدكتور: وغير المسلمين من المواطنين في الدول الإسلامية يؤدون واجب الجندية ويسهمون بدمائهم في حماية الأوطان، فهم لا تجب عليهم جزية أصلاً.
وقد ناقش الباحث هذا الرأي سابقاً.
الثاني: إن هذا العقد (عقد الذمة) انتهى بذهاب الدولة التي أبرمته، فالدولة الإسلامية القائمة اليوم، في أي قطر، ليست خلفاً للدولة الإسلامية الأولى التي أبرمت عقد الذمة، فالدولة الإسلامية الأولى قد زالت من الوجود بالاستعمار الذي ذهب سلطانها، وملك ديارها وبدل شرائعها القانونية.
__________
(1) الشلبي، شهاب الدين أحمد، حاشيته على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة-بيروت، ط2، ج3/ص278(1/18)
الثالث: إن الدول القومية اليوم تقدم السيادة على نحو جديد من العقد الاجتماعي الذي لم يعرض له الفقهاء والأقدمون، فالسيادة التي عرفها الفقه القديم قامت على انتصار منتصر وانهزام منهزم، أما سيادة دولنا اليوم فقائمة على مشاركة حقيقية يتساوى طرفاها في صناعة الدولة القائمة، وفي الحقوق والواجبات.(1)
المسألة الخامسة:
* رأي الدكتور محمد مصطفى الزحيلي:
يرى الدكتور الزحيلي أن عقد الذمة لم يعد موجود بصورته القديمة، فقد اختلفت الأسس والأنظمة التي تنظم علاقات الدول مع بعضها، وعلاقات الدول مع المواطنين القاطنين في أرضها بمختلف فئاتهم، أما عن التطبيق في الوقت الحالي فيفرق الدكتور الزحيلي بين حالتين:
الأولى: في تطبيق القانون الدولي وإنهاء القتال مع الدول الأخرى أثناء الحرب وبعد انتهائها، ففي هذه الحالة لم يبقى مجال لتطبيق عقد الذمة ودفع الجزية، لعدم تعارف الدول عليه في الوقت الحاضر، وزوال استعماله في التعامل الدولي.
__________
(1) العوا ، محمد سليم، نظام أهل الذمة: رؤية إسلامية معاصرة، منشور في موقع إسلام أون لاين.
http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2005/07/article01a.shtml
استفدت منه بتاريخ 21/7/2005م.
*وانظر رأي الدكتور العوا تفصيلا في كتابه: في النظام السياسي للدولة الإسلامية، دار الشروق-القاهرة، ط1، 1410هـ/ 1989م، ص255 وما بعدها، فقرة رقم: 122.(1/19)
الثانية: في تطبيق عقد الذمة ودفع الجزية في الأنظمة والقوانين الداخلية على المواطنين القاطنين في أرض الدولة، وهنا لا يجد الدكتور الزحيلي غضاضة من تطبيقه، ويضيف الدكتور مع الاختلاف في الألفاظ والمصطلحات، لأن عقد الذمة تنظيم داخلي لفئة من المواطنين، ويتضمن دفع ضريبة معينة على فئة من الناس، ويقابلها التزامات أخرى على بقية الفئات…… ويمكن أن يكلف المسلم بدفع الزكاة، ويكلف غير المسلم بضريبة مناسبة، للمساهمة في نفقات الدولة. (1)
رأي الباحث:
بدايةً: في النقطة الأولى التي عرضها الدكتور الزحيلي لا بد من عرض قضية موغلة في الأهمية ألا وهي: إذا تعارفت الدول اليوم على أمر ما ، فما موقف الفقه الإسلامي من هذا الرأي العام الذي تم التعارف عليه دولياً ؟ أقول: قام الباحث بإجراء دراسة استقرائية-عسى أن تنشر قريبا- حول أثر الرأي العام في تغيير الأحكام ومن جملة نتائج بحثه:
إن الرأي العام يكون مخصصاً لبعض الأحكام خاصة تلك التي يتوقع إن قام بها الإمام حصول مفسدة كبيرة.
تصرفات الإمام في الاختيار تحتكم إلى شرط مهم وهو ألا يكون الفعل الجديد محرماً.
يبرز دور الرأي العام في كونه مخصصاً لبعض الأحكام الدائرة ضمن نطاق المباحات.
وعليه يتفق الباحث مع الدكتور الزحيلي في الشق الأول.
ثانياً: في النقطة الثانية للدكتور الزحيلي:
__________
(1) الزحيلي، محمد مصطفى، الإسلام والذمة، بحث ضمن كتاب: معاملة غير المسلمين في الإسلام، المجتمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، عمان- الأردن، 1989م، ج1، ص126-127(1/20)
بحث الدكتور الزحيلي الواقع التطبيقي للجزية وقد سار في رأيه هذا مع الدكتور محمد شوقي الفنجري في كتابه المذهب الاقتصادي في الإسلام حيث يقول فيه:"إذا كان يلاحظ زيادة الجزية عن الزكاة ؛ ذلك لأن أهل الذمة معفون عن واجب الدفاع والقتال عن المسلمين، بحيث كانت تسقط عنهم الجزية إذا عجز المسلمون عن الدفاع عن المواطنيين الذميين وتأمينهم، ولكن الوضع الآن تغير وصار الذميون في أغلب الدول الإسلامية يخدمون كالمسلمين بالقوات المسلحة، فإنه بالتالي تخفض سعر هذه الضريبة لتكون بذات سعر الزكاة، ومؤدى ذلك إمكان تطبيق الزكاة كنظام ضريبي موحد على المسلم على المسلم وغير المسلم، وغن ظل المسلم دون الذمي مخاطباً بالزكاة كالتزام تعبدي لا كالتزام مالي"(1) أ.ن. و يقوم في ذهن الباحث هنا تساؤل مفاده: إن بعض الدول الإسلامية لا تكلف مواطنيها بدفع الزكاة، ففي هذه الحالة هل نكلف غير المسلم بدفع الجزية باسمها أو بأي اسم آخر؟
المسألة السادسة:
رأي الدكتور زكريا بيومي:
يرى الدكتور زكريا بيومي عدم فرض الجزية على غير المسلمين المقيمين في الدولة الإسلامية.
ويبرر موقفه بكون الظروف الحالية التي قد لا تسمح للدولة الإسلامية بفرض الجزية على المقيمين فيها من غير المسلمين نظراً لما أحاط بالجزية من مفهوم غير صحيح وهو الإذلال.
ويختم الدكتور كلامه بكون القول بالجزية منافي لمبادئ حقوق الإنسان وقد يؤدي إلى تعمد الدول الأجنبية إلى معاملة المسلمين المقيمين فيها بالمثل إذا فرضت الدولة الإسلامية على رعاياها المقيمين فيها الجزية.(2)
__________
(1) الفنجري، محمد شوقي، المذهب الاقتصادي في الإسلام، سلسلة الاقتصاد الإسلامي رقم : 5 ، شركة مكتبات عكاظ، جدة، الرياض، ط1، 1401هـ، 1981م، ص 176
(2) بيومي، زكريا محمد، المالية العامة الإسلامية: دراسة مقارنة بين مبادئ المالية العامة في الدولة الإسلامية والدولة الحديثة، دار النهضة العربية، 1979م، ص 513.(1/21)
رأي الباحث: يعود الباحث هنا لما سبق بيانه حول : مدى تأثير الرأي العام في الأحكام الشرعية.
المسألة السابعة:
رأي الأستاذ الدكتور محمد حميد الله:
يرى أ.د. حميد الله سقوط الجزية عن غير المسلمين المقيمين في الدول الإسلامية، متوافقا بذلك مع رأي لجنة التعليمات الإسلامية في حكومة الباكستان عندما وضعت الدستور سنة 1368هـ/1949م التي لاحظت أمر المسلمين الساكنين في دول نصرانية ويهودية وغيرها من دول العالم، وخشيت إن فرض المسلمون الجزية على أهل الملل الأخرى أن تعمد تلك الدول إلى إجراءات انتقامية تعسفية في مقابل الجزية على سكان بلادها من المسلمين، وقال أ.د. حميد الله بعد أن ذكر قرار اللجنة:"ولا نظن تلك اللجنة أخطأت روح الإسلام السمح في تخليها عن الجزية، بل أدركت-في اعتقادنا- ما تؤثره مرانة الإسلام من علاج واقعي منطقي لبعض الحالات في بعض البيئات والظروف"(1) أ.ن.
النتائج والتوصيات
في ختام هذه الدراسة المتواضعة، توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج والتوصيات، وهي:
يميل أكثر الباحثين المعاصرين إلى عدم فرض الجزية على غير المسلمين، وكانت أدلتهم دائرة حول عدة محاور، هي:
عدم فرض الجزية لاعتبار الخدمة العسكرية، والدفاع عن الدولة، وهذا رأي أغلب المعاصرين.
عدم فرض الجزية لاعتبار المساس بحقوق الإنسان.
عدم فرض الجزية لاعتبار العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول.
توصي الدارسة بمزيد من البحث ضمن موضوع إمكانية فرض الضرائب على مواطني الدولة غير المسلمين، لكي تتم المساواة بينهم وبين المسلمين الذين يدفعون الزكاة، وذلك في ظل النظام الدولي المعاصر.
قائمة الهوامش:
__________
(1) حميد الله،محمد، مقدمة في علم السير أو حقوق الدول في الإسلام، ص 92 من المقدمة (مطبوعة في القسم الأول من كتاب أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية بتحقيق:د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين-بيروت،ط2، 1401هـ-1981م)(1/22)