التقادم في مسألة وضع اليد
الكاتب ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
المصدر ... مجلة البحوث الإسلامية -العدد29
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد...
بناء على الخطاب رقم 1994/2 وتاريخ 10/10/1398هـ الموجه من سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى سماحة رئيس الدورة الثالثة عشرة وأعضاء المجلس بخصوص اقتراح دراسة التقادم في مسألة وضع اليد. وبناء على موافقة المجلس في الدورة الثالثة عشرة على إدراج هذا الموضوع ضمن المسائل التي تبحث في الدورة الرابعة عشرة وأن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تكتب بحثاً في ذلك.
فقد جمعت ما يسر الله في ذلك تحت العناصر الآتية:
1- الأسباب الشرعية لنقل المالكية مع الأدلة إجمالاً.
2- أدلة تحريم الاعتداء على أموال الناس.
3- تعريف الحيازة.
4- موضوع البحث.
5- ذكر آراء الفقهاء في إثبات الملكية بالتقادم وشروط ذلك مع الأدلة والتعليل والمناقشة.
وفيما يلي الكلام عليها بالقدر الذي تيسر وسنختم البحث بملخص مختصر تقريباً للموضوع.
أولاً: الأسباب الشرعية لنقل الملكية مع الأدلة إجمالاً.
من قواعد الشريعة أن نقل الملكية من المالك الشرعي لا يعتبر إلا إذا كان بسبب من الأسباب الشرعية كالبيع والهبة والوصية والميراث والشفعة والحيازة عند من يقول بذلك على ما سيأتي تفصيله وفيما يلي بيان هذه الأسباب باختصار مع الأدلة.
أ – البيع ومن أدلته قوله تعالى: "وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعََ" .
ب – الهبة بلا شرط فإن كانت بشرط عوض فهي بيع وتدخل في عموم السباب الأول ودليل الهبة قوله r "العائد في هبته كالعائد في قيئه". في لفظ: "فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه يقيء ثم يعود فيه". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.(1/1)
ج – الوصية ومن أدلتها قوله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنَ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ" البقرة 180 ثم أخرج الوارث بقوله r إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث.
د – الميراث: ومن أدلته قوله r "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر".
هـ – الشفعة ومن أدلتها حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال جعل وفي لفظ قضى النبي r بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة له. أخرجه البخاري وغيره.
و – الحيازة والتقادم عند من يقول بذلك ومما استدل به لذلك ما روي من قول النبي r "من حاز شيئا عشر سنين فهو له" وفي رواية أخرى "من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين فهو أحق به" وفي رواية ثالثة "من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين فهو أحق به منه" وقد ذكر الفقهاء أسباباً أخرى تركنا ذكرها اختصاراً لأن البحث لا يتوقف على ذكرها.
ثانياً: أدلة تحريم الاعتداء على أموال الناس:
سبق في الأمر الأول ذكر جملة من الأسباب الشرعية لنقل الملكية من المالك الشرعي ونقل الملك بدون سبب شرعي لا يجوز لأنه من الاعتداء على أموال الناس وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الاعتداء على أموال الناس بغير حق وفيما يلي ذكر بعض الأدلة.
أ – من أدلة الكتاب قوله تعالى "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّن أَموَالِ النَّاسِ بِالإِثمِ وَأَنتُم تَعْلَمُونَ" سورة البقرة الآية 188.(1/2)
وجه الدلالة أن الآية اشتملت على النهي عن أكل الأموال بالباطل والنهي يقتضي التحريم فيكون أكلها محرماً. قال القرطبي والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه وحرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك – إلى أن قال – وأضيفت الأموال إلى ضمير المنهي لما كان كل واحد منهما منهياً ومنهياً عنه كما قال ((تقتلون أنفسكم)) وقال أيضاً ((من أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل)) .
ب – من أدلة السنة قوله r في خطبة الوداع "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" الخ الخطبة.
وقد أخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما. وهذا النص واضح في تحريم أموال الناس بعضهم على بعض.
ج – أما الإجماع فقد ذكره القرطبي في أثناء الكلام على الآية السابقة.
ثالثاً: تعريف الحيازة:
للحيازة معنيان لغوي واصطلاحي وفيما يلي بيان كل منهما.
أ – معنى الحيازة لغة:
أ – قال أحمد بن فارس بن زكريا ((حوز)) الحاء والواو والزاي أصل واحد وهو الجمع والتجمع يقال لكل مجمع وناحية حوز وحوزة، وحي فلان الحوزة أي المجمع والناحية.
........ وكل من ضم شيئاً إلى نفسه فقد حازه حوزاً انتهى المقصود .
2 – وقال الفيروز آبادي ((الحوز)) الجمع وضم الشيء بالحيازة والاحتياز انتهى .
3 – وقال ابن منظور وقال سيبويه: هو تفعيل من حزت الشيء والحوز من الأرض أن يتخذها الرجل ويبين حدودها فيستحقها ولا يكون لأحد فيها حق معه فذلك الحوز.... والحوز الجمع وكل من ضم شيئاً إلى نفسه من مال وغير ذلك فقد حازه حوزا وحيازة وحازه وإليه واحتازه إليه – إلى أن قال ابن منظور – حازه ليحوزه إذا قبضه وملكه واستبد به – إلى أن قال – وحزت الأرض إذا أعلمتها وأحييت حدودها انتهى المقصود .(1/3)
ب – معنى الحيازة اصطلاحاً يقول الدردير: هي وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف يكون بواحد من أمور مسكن وإسكان وزرع وغرس أو بيع وهدم وبناء وقطع شجر وعتق وكتابة ووطء في رقيق وجاء هذا المعنى في النقول عن المذاهب الأخرى على ما يأتي تفصيله.
رابعاً: موضوع البحث:
شيء معين طالت مدته بيد إنسان وليس لديه إثبات لملكيته سوى طول المدة وادعى إنسان آخر ملكيته ولديه ما يثبت أنه كان ملكاً له بوسيلة من وسائل الملك الشرعية فهل يحكم به لمن طالت مدة وجوده عنده وهو يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم مع عدم وجود مانع شرعي يمنع من بيده البينة من القيام على من بيده الملك ومطالبته به.
خامساً: ذكر آراء الفقهاء في إثبات الملكية بالتقادم وشروط ذلك مع الأدلة والتعليل والمناقشة.
تمهيد: هذا العنصر هو أهم عناصر الموضوع وبتتبع اللجنة لما ذكره علماء الفقه الإسلامي وجدت أنهم خدموه خدمة واسعة ودقيقة اشتملت على تفصيل ما يوضحه من الأقوال ومداركها ومناقشة هذه المدارك مع ذكر الشروط المشترطة وقد ذكرت اللجنة جملة من النقول في ذلك عن المذاهب الأربعة بدون تصرف فيها ليطلع أعضاء المجلس على كلام العلماء وسيكون ترتيب ذكر النقول على حسب الترتيب الزمني للمذاهب الأربعة فنذكر لنقول عن المذهب الحنفي ثم المالكي ثم الشافعي ثم الحنبلي ونذكر أمام كل مذهب تمهيداً يعطي صورة مختصرة له.
– النقول عن المذهب الحنفي.(1/4)
تمهيد: الحنفية يبنون القول بإثبات الملكية بالتقادم على الاجتهاد ومدته ست وثلاثون سنة وعلى الأمر السلطاني فيحدد المدة التي لا تسمع الدعوى بعدها وهذه المدة لا يمكن ضبطها نظراً لاختلاف السلاطين واختلاف اجتهاد السلطان نفسه فقد تكون المدة خمس عشرة سنة وقد تكون عشر سنوات وقد تكون أقل من ذلك على ما يأتي تفصيله في النقول وقد وقع اختيار اللجنة على ثلاثة نقول من الدر المختار وشرحه ومن مجلة الأحكام العدلية وشرحها والثالث من مرشد الحيران وشرحه وقد ذكرناها على هذا الترتيب.
جاء في الدر المختار ورد المحتار: –
((1/5)
قوله بعد خمسة عشر سنة) المناسب خمس عشرة بتذكير الأول وتأنيث الثاني لكون المعدود مؤنثاً وهو سنة وأجاب ط بأنه على تأويل السنة بالعام أو الحول (قوله فلا تسمع الآن بعدها) أي لنهي السلطان عن سماعها بعدها فقد قال السيد الحموي في حاشية الأشباه أخبرني أستاذي شيخ الإسلام يحي أفندي الشهير بالنقاري أن السلاطين الآن يأمرون قضاتهم في جميع ولاياتهم ألا يسمعوا دعوى بعد مضي خمس عشرة سنة سوى الوقف والإرث اهـ.(1/6)
ونقل في الحامدية فتاوى من المذاهب الأربعة بعدم سماعها بعد النهي المذكور لكن هل يبقى النهي بعد موت السلطان الذي نهى بحيث لا يحتاج من بعده إلى نهي جديد أفتى في الخيرية بأنه لابد من تجديد النهي ولا يستمر النهي بعده وبأنه إذا اختلف الخصمان في أنه منهي أو غير منهي فالقول للقاضي ما لم يثبت المحكوم عليه النهي وأطال في ذلك وأطاب فراجعه وأما ما ذكره السيد الحموي أيضاً من أنه قد علم من عادتهم يعني سلاطين آل عثمان نصرهم الرحمن من أنه إذا تولى سلطان عرض عليه قانون من قبله وأخذ أمره باتباعه فلا يفيد هنا لأن معناه أن يلتزم قانون أسلافه بأن يأمر بما أمر به وينهى عما نهوا عنه ولا يلزم منه أنه إذا ولى قاضياً ولم ينهه عن سماع هذه الدعوى أن يصير قاضيه منهياً بمجرد ذلك وإنما يلزم منه أنه إذا ولاه ينهاه صريحاً ليكون عاملاً بما التزمه من القانون كما اشتهر أنه حين يوليه الآن يأمره في منشوره بالحكم بأصح أقوال المذهب كعادة من قبله وتمام الكلام على ذلك في كتابنا تنقيح الحامدية فراجعه وأطلنا الكلام عليه أيضاً في كتابنا تنبيه الولاة والحكام (قوله إلا في الوقف والإرث ووجود عذر شرعي) استثناء الإرث موافق لما مر عن الحموي ولما في الحامدية عن فتاوى أحمد أفندي المهمنداري مفتي دمشق أنه كتب على ثلاثة أسئلة أنه تسمع دعوى الإرث ولا يمنعها طول المدة ويخالفه ما في الخيرية حيث ذكر أن المستثنى ثلاثة: مال اليتيم والوقف والغائب ومقتضاه أن الإرث غير مستثنى فلا تسمع دعواه بعد هذه المدة وقد نقل في الحامدية عن المهمنداري أيضاً أنه كتب على سؤال آخر فيمن تركت دعواها الإرث بعد بلوغها خمس عشرة سنة بلا عذر أن الدعوى لا تسمع إلا بأمر سلطاني ونقل أيضاً مثله فتوى تركية عن المولى أبي السعود وتعريبها إذا تركت دعوى الإرث بلا عذر شرعي خمس عشرة سنة فهل لا تسمع الجواب لا تسمع إلا إذا اعترف الخصم بالحق ونقل مثله شيخ مشايخنا التركماني(1/7)
عن فتاوى علي أفندي مفتي الروم ونقله مثله أيضاً شيخ مشايخنا السائحاني عن فتاوى عبدالله أفندي مفتي الروم وهذا الذي رأينا عليه عمل من قبلنا فالظاهر أنه ورد نهي جديد بعدم سماع دعوى الإرث والله سبحانه أعلم.
(تنبيهات) الأول قد استفيد من كلام الشارح أن عدم سماع الدعوى بعد هذه المدة إنما هو للنهي عنه من السلطان فيكون القاضي معزولاً عن سماعها لما علمت من أن القضاء يتخصص فلذا قال إلا بأمر أي فإذا أمر سماعها لما علمت من أن القضاء يتخصص فلذا قال إلا بأمر أي فإذا أمر بسماعها بعد هذه المدة تسمع وسبب النهي قطع الحيل والتزوير فلا ينافي ما في الأشباه أيضاً ويجب عليه سماعها اهـ. أي يجب على السلطان الذي نهى قضاته عن سماع الدعوى بعد هذه المدة ان يسمعها بنفسه أو يأمر بسماعها كيلا يضيع حق المدعي والظاهر أن هذا حيث لم يظهر من المدعي أمارة التزوير وفي بعض نسخ الأشباه ويجب عليه عدم سماعها وعليه فالضمير يعود للقاضي المنهي حيث كان للقاضي لا ينافي سماعها من المحكم بل قال المصنف في معين المفتي أن القاضي لا يسمعها من حيث كونه قاضياً فلو حكمه الخصمان في تلك القضية التي مضى عليها المدة المذكورة فله أن يسمعها. الثالث عدم سماع القاضي لها إنما هو عند إنكار الخصم فلو اعترف تسمع كما علم مما قدمناه من فتوى المولى أبي السعود أفندي إذ لا تزوير مع الإقرار.(1/8)
الرابع عدم سماعها حيث تحقق تركها هذه المدة فلو ادعى في أثنائها لا يمنع بل تسمع دعواه ثانياً ما لم يكن بين الدعوى الأولى والثانية هذه المدة ورأيت بخط شيخ مشايخنا التركماني في مجموعته أن شرطها أي شرط الدعوى مجلس القاضي فلا تصح الدعوى في مجلس غيره كالشهادة تنوير وبحر ودرر قال واستفيد منه جواب حادثة الفتوى وهي أن زيداً ترك دعواه على عمرو مدة خمس عشرة سنة ولم يدع عند القاضي بل طالبه بحقه مراراً في غير مجلس القاضي فمقتضى ما مر لا تسمع لعدم شرط الدعوى فليكن على ذكر منك فإنه تكرر السؤال عنها وصريح فتوى شيخ الإسلام علي أفندي أنه إذا ادعى عند القاضي مراراً ولم يفصل القاضي الدعوى ومضت المدة المزبورة تسمع لأنه مصدق عليه أنه لم يتركها عند القاضي اهـ.(1/9)
ما في المجموعة وبه أفتى في الحامدية ثم لا يخفى أن ترك الدعوى إنما يتحقق بعد ثبوت حق طلبها فلو مات زوج المرأة أو طلقها بعد عشرين سنة مثلاً من وقت النكاح فلها مؤخر المهر لأن حق طلبه إنما ثبت لها بعد الموت أو الطلاق لا من وقت النكاح ومثله ما يأتي فيما لو أخر الدعوى هذه المدة لإعسار المديون ثم ثبت يساره بعد هاوية يعلم جواب حادثة الفتوى سئلت عنها حين كتابتي لهذا المحل في رجل له دكان وقف مشتمل على منجور وغيره وضعه من ماله في الدكان بإذن ناظر الوقف نحو أربعين سنة تصرف فيه هو وورثته من بعده في هذه المدة ثم أنكره الناظر الآن وأنكر وضعه بالإذن وأراد الورثة إثباته وإثبات الإذن بوضعه والذي ظهر لي في الجواب سماع البينة في ذلك لأنه حيث كان في يدهم ويد مورثهم هذه المدة بدون معارف لم يكن ذلك تركاً للدعوى ونظير ذلك ما لو ادعى زبد على عمرو بدار في يده فقال له عمرو كنت اشتريتها منك من عشرين سنة وهي في ملكي إلى الآن وكذبه زيد في الشراء فتسمع بينة عمر وعلى الشراء المذكور بعد هذه المدة لأن الدعوى توجهت عليه الآن وقبلها كان واضع اليد بلا معارض فلم يكن مطالباً بإثبات ملكيتها فلم يكن تاركاً للدعوى ومثله فيما يظهر أن مستأجر دار الوقف يعمرها بإذن الناظر وينفق عليها مبلغاً من الدراهم يصير ديناً له على الوقف ويسمى في زماننا مرصداً ولا يطالب به ما دام في الدار فإذا خرج منها فله الدعوى على الناظر بمرصده المذكور وإن طالت مدته حيث جرت العادة بأنه لا يطالب به قبل خروجه ولا سيما إذا كان في كل سنة يقتطع بعضه من أجرة الدار فليتأمل. الخامس استثناء الشارح العذر الشرعي أعم مما في الخيرية من الاقتصار على استثناء الوقف ومال اليتيم والغائب لأن العذر يشمل ما لو كان المدعي عليه حاكماً ظالماً كما يأتي وما لو كان ثابت الإعسار في هذه المدة ثم أيسر بعدها فتسمع كما ذكره في الحامدية.(1/10)
السادس استثناء مال اليتيم مقيد بما إذا لم يتركها بعد بلوغه هذه المدة وبما إذا لم يكن له ولي كما يأتي وفي الحامدية لو كان أحد الورثة قاصراً والباقي بالغين تسمع الدعوى بالنظر إلى القاصر بقدر ما يخصه دون البالغين. السابع استثنوا الغائب والوقف ولم يبينوا له مدة فتسمع من الغائب ولو بعد خمسين سنة ويؤيد قوله في الخيرية من المقرر أن الترك لا يتأتى من الغائب له أو عليه لعدم تأتي الجواب منه بالغيبة والعلى خشية التزوير ولا يتأتى بالغيبة الدعوى عليه فلا فرق فيه بين غيبة المدعي والمدعى عليه اهـ. وكذا الظاهر في باقي الأعذار أنه لا مدة لها لأن بقاء العذر وإن طالت مدته يؤكد عدم التزوير بخلاف الوقف فإنه لو طالت مدة دعواه بلا عذر ثلاثاً وثلاثين سنة لا تسمع كما أفتى به في الحامدية أخذا مما ذكره في البحر في كتاب الدعوى عن ابن الغرس عن المبسوط إذا ترك الدعوى ثلاثاً وثلاثين سنة ولم يكن مانع من الدعوى ثم ادعى لا تسمع دعواه لأن ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهراً اهـ. وفي جامع الفتوى عن فتاوى العتابي قال المتأخرون من أهل الفتوى لا تسمع الدعوى بعد ست وثلاثين سنة إلا أن يكون المدعي غائباً أو صبياً أو مجنوناً وليس لهما ولي أو المدعى عليه أميراً جائراً اهـ. ونقل ط عن الخلاصة لا تسمع بعد ثلاثين سنة اهـ. ثم لا يخفى أن هذا ليس مبنياً على المنع السلطاني بل هو منع من الفقهاء فلا تسمع الدعوى بعده وإن أمر السلطان بسماعها.(1/11)
الثامن سماع الدعوى قبل مضي المدة المحدودة مقيد بما إذا لم يمنع منه مانع آخر يدل على عدم الحق ظاهراً لما سيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب من أنه لو باع عقاراً أو غيره وامرأته أو أحد أقاربه حاضر يعلم به ثم ادعى ابنه مثلاً أنه ملكه لا تسمع دعواه وجعل سكوته كالإفصاح قطعاً للتزوير والحيل بخلاف الأجنبي فإن سكوته ولو جارا لا يكون رضا إلا إذا سكت الجر وقت البيع والتسليم وتصرف المشتري فيه زرعاً وبناء فلا تسمع دعواه على ما عليه الفتوى قطعاً للأطماع الفاسدة اهـ. وأطال في تحقيقه في الخيرية من كتاب الدعوى فقد جعلوا مجرد سكوت القريب أو الزوجة عند البيع مانعاً من دعواه بلا تقييد باطلاعه على تصرف المشتري كما أطلقه في الكنز والملتقى وأما دعوى الأجنبي ولو جارا فلابد في منعها من السكوت بعد الاطلاع على تصرف المشتري ولم يقيدوه بمدة وقد أجاب المصنف في فتاواه فيمن له بيت يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنين ويتصرف فيه هدماً وعمارة مع اطلاع جاره على ذلك بأنه لا تسمع دعوى الجار عليه البيت أو بعضه على ما عليه الفتوى وسيأتي تمام الكلام على ذلك آخر الكتاب في مسائل شتى قبيل الفرائض إن شاء الله تعالى فانظره هناك فإنه مهم... حاشية ابن عابدين/مجلد 4/377 – 379.
ب – ما جاء في مجلة الأحكام العدلية وشرطها:
1 – أنواع مرور الزمن:
إن مرور الزمن على نوعين.
النوع الأول – مرور الزمن الذي حكمه اجتهادي ومدته ست وثلاثون سنة، ولذلك الدعوى التي تترك ستاً وثلاثين سنة بلا عذر لا تسمع مطلقاً حيث إن ترك الدعوى تلك المدة مع الاقتدار عليها وفقدان العذر يدل على عدم الحق. إن اعتبار نهاية مدة مرور الزمن ستاً وثلاثين سنة بني على المادة ((الـ661)) ((علي أفندي ورد المحتار بزيادة)).(1/12)
النوع الثاني – مرور الزمن المعين من قبل السلطان. أن عدم استماع الدعوى في مرور الزمن الذي هو من هذا النوع مبني على المادة ((الـ1 – 18)) من المجلة فذلك إذا تحقق في دعوى مرور الزمن من هذا النوع وأمر من قبل السلطان باستماع تلك الدعوى فتسمع.
وللسلطان أن يمنع قاضياً من استماع الدعوى التي فيها مرور زمن من هذا النوع وأن يأذن قاضٍ آخر بسماع مثل هذه الدعوى ولذلك فالفتاوى التي أفتى بها مشايخ الإسلام بعدم استماع الدعوى في مثل هذا النوع من مرور الزمن قد ذكر فيها بأنها لا تسمع بلا أمر ((علي أفندي)).
إن هذا النهي هو في حق القاضي وليس في حق الحكم فلذلك إذا فصل الحكم دعوى مر عليها خمس عشرة سنة فصحيح وينفذ حكمه (الحموي) حتى لو أن شخصين عينا القاضي حكماً بفصل دعوى. فللحكم المذكور أن يفصل تلك الدعوى ولو مر عليها خمس عشرة سنة (رد المحتار).
إن مرور الزمن لا يثبت حقا: يعني أن العقود كالبيع والإجارة مع كونها مثبته وموجودة لكل واحد من العاقدين منفعة ومضرة إلا أن مرور الزمن لا يثبت حقاً للطرف الذي يريد الاستفادة منه. فلذلك إذا رد القاضي دعوى دائن بسبب وقوع مرور الزمن فيها يبقى المدعي عليه مدينا للمدعي ويكون قد هضم حق المدعي.
2 – الدعاوى الممنوع استماعها:
1- الدعاوى الواقع فيها مرور الزمن وهي المبينة في هذا الباب.
2- دعوى المواضعة والاسم المستعار في الأموال الغير منقولة.
3- قد منع بتاريخ 27 جمادى الأخرة سنة 1320 وفي 17 أيلول سنة 1318 دعاوى بيع وشراء العقار ما لم يكن البيع والشراء وقعاً بمعاملة رسمية أي في دوائر التمليك (دفتر خاقاني).
4- قد منع سماع دعوى الرهن والشرك والوفاء والاستغلال غير المندرجة في السند بتاريخ 28 رجب سنة 91 و28 أغسطس سنة 90.
5- قد منع بتاريخ 18 صفر سنة 306 و12 تشرين الأول سنة 304 سماع دعوى فراغ الأراضي الأميرية بشرط الإعاشة الغير المندرج بسند الطابو.(1/13)
6- قد منع استماع دعوى فراغ المستغلات الموقوفة مجاناً بشرط الإعاشة الغير مندرج في سند التصرف.
7- قد منع في 26 سفر سنة 78 سماع دعوى الفراغ وفاء الذي لم يندرج في سند الطابو.
8- لا تسمع دعوى الخليط والشريك بحق الرجحان بعد خمس سنوات حسب قانون الأراضي؟.
9- إذا تفرع متصرف الأرض بالأراضي الأميرية التي عليها أبنية أو أشجار لآخر فلا تسمع دعوى صاحب الأبنية والأشجار بحق الرجحان بتلك الأراضي بعد مرور عشر سنوات على الفراغ.
10- إذا تفرغ أحد بالأرض التي بتصرفه بموجب سند طابو الواقعة في حدود القرية لآخر من أهالي قرية أخرى فلمن كان له احتياج للأرض من أهالي تلك القرية أن يدعي تلك الأرض إلى سنة ببدل المثل ولا تسمع دعواه بعد مرور سنة حسب قانون الأراضي.
11- إن الأراضي الأميرية التي تصبح مملوكة كعدم وجود أصحاب انتقال لها لا تسمع فيها دعوى حق الطابو الذي يثبت لصاحب الأبنية والأشجار في تلك الأرض بعد مرور عشر سنوات.
12- كذلك لا تسمع دعوى حق الطابو بالأراضي المذكورة من الخليط والشريك بعد مرور خمس سنوات.
13- كذلك لا تسمع دعوى حق الطابو في الأراضي المذكور من الأشخاص المحتاجين للأراضي بعد مرور سنة.
14- لا تسمع دعوى الربح الملزم زيادة عن تسعة في المائة سنوياً.
15- إذا وجد بين ورثة المتوفى شخص لم يبلغ خمس عشرة سنة فلا تسمع دعواه البلوغ وقد منع حكام الشرع من استماع دعواه.
3 – السنة التي تعتبر في مرور الزمن:
تعتبر في مرور الزمن السنة العربية أي القمرية وليست السنة الشمسية فلذلك يجب حساب مدة مرور الزمن بالسنة القمرية، مثلاً إذا كان السند المحتوي الدين مؤرخاً بتاريخ السنة الشمسية ولم يؤرخ بالسنة القمرية فيحسب مرور ذلك بالسنة القمرية.
مبدأ ومنتهى مرور الزمن:
إن مبدأ مرور الزمن يبتدئ من ثبوت الحق ومنتهاه إقامة الدعوى في حضور القاضي فلذلك يجب حساب مبدئه ومنتهاه على الوجه المشروح.(1/14)
إذا أثبت من ادعى مرور الزمن مدعاه بالبينة فبها، أما إذا لم يثبت فهل له تحليف خصمه اليمين؟ أي إذا قال المدعى عليه: إنني متصرف في هذا العقار ست عشرة سنة بلا نزاع وأنت سكت وأنكر المدعي تصرف المدعى عليه هذه المدة ولم يثبت المدعى عليه بالبينة تصرفه هذا فهل للمدعى عليه أن يحلف خصمه اليمين على عدم العلم بتصرفه ست عشرة سنة؟ لم أر صراحة في هذه المسألة إلا أن الفقهاء، قد بينوا تحت قاعدة عمومية المسائل التي يجب فيها اليمين وهي:
4 – كل موضع يلزم فيه الخصم إذا أقر يستحلف إذا أنكر. ويستثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل ومرور الزمن ليس منها (صرة الفتاوى في الدعوى) فعلى ذلك يلزم اليمين في هذه المسألة حسب هذه القاعدة أن بينة مرور الزمن مرجحة.
ترجح بينة مرور الزمن على بينة أن المدة التي مرت أقل من مدة مرور الزمن سواء كان المدعى به ملكاً أو وقفاً أو أرضاً أميرية. مثلاً إذا ادعى ذو اليد بأن الملك العقار المدعى به هو في تصرفه بلا نزاع زيادة عن خمس عشرة سنة وأن دعوى المدعى غير مسموعة وادعى المدعي الخارج بأن مدة تصرف المدعي عليه هي عشر سنوات وأن دعواه مسموعة وأقام البينة على ذلك فترجح بينة ذي اليد (الطريقة الواضحة)
إذا أقام زيد على عمرو دعوى فادعى عمرو أنه مر خمس عشرة سنة وادعى زيد بأنه لم تمر خمس عشرة سنة وأقام البينة على ذلك فأيهما كان مشهوراً ومعروفاً يعمل بها. أما إذا أثبت زيد أنه قدم الدعوى قبل مرور خمس عشرة فيعمل بها (أبو السعود).
وإن صدور الحكم بالمدعي به لا يمنع وقوع مرور الزمن فلذلك لو استحصل أحد حكماً بمطلوبه ولم يطلبه مدة خمس عشرة سنة ولم يضع أعلام الحكم لأجل تنفيذه في الإجراء يحصل مرور الزمن في حالة تصرف المدعي عليه بلا نزاع أما إذا كان معروفاً ومشهوراً أن تصرف المدعي عليه في ذلك العقار بالوكالة عن المدعي فلا يتحقق مرور الزمن.(1/15)
مثلاً إذا ادعى المدعي قائلاً إن العقار الفلاني الذي في يدك هو ملكي وبعد أن أنكر المدعى عليه ادعى أنه متصرف في العقار المذكور منذ خمس عشرة سنة بلا نزاع فأجابه المدعي: نعم إنك متصرف منذ خمس عشرة سنة ولكن إن تصرفك هذا بالوكالة عني وكان مشهوراً ومعروفاً أن تصرفه بالوكالة عن المدعي فيسقط ادعاء المدعى عليه بمرور الزمن لأن التصرف كما يكون أصالة يكون نيابة كالوكالة (البحر وأبو السعود).
المادة (1660) – (لا تسمع الدعاوى الغير العائدة لأصل الوقف أو للعموم كالدين والوديعة والعقار الملك والميراث والمقاطعة في العقارات الموقوفة أو التصرف بالإجارتين والتولية (المشروطة والغلة بعد تركها خمس عشرة سنة).
لا تسمع الدعاوي الغير العائدة لأصل الوقف أو للعموم كالدين ولو كان دية والوديعة والعارية والعقار الملك والملك الذي لم يكن عقاراً كالحيوان والأمتعة الأخرى والميراث والقصاص والمقاطعة في العقارات الموقوفة ودعوى التصرف بالمقاطعة ودعوى التصرف بالإجارتين والتولية المشروطة والغلة بعد أن تركت خمس عشرة سنة.
أما مدة مرور الزمن في الدعاوى الأخرى كالطلاق والنكاح والوصية فالتفصيلات عنها مفقودة.
ولكن يمكن أن يقال أن الخصوصات التي لم يمنع استماع الدعاوى فيها بمرور الزمن يجب استماعها ما لم يقع مرور الزمن اجتهادي.
مدد مرور الزمان، إن مددد مرور الزمن في الدعاوى الحقوقية في هذا الحال على خمسة أقسام:
القسم الأول: مرور زمن الست والثلاثين سنة، وهذا يكون في دعوى أصل الوقف وفي دعوى صاحب الأرض برقبة الأرض. انظر المادة (الـ1661) وشرح المادة (الـ1662).
القسم الثالث: مرور زمن العشر سنوات، وهذا مذكور في المادة (الـ1662).
القسم الرابع: مرور زمن السنتين، فحسب ذيل قانون الأراضي لا تسمع دعوى التصرف في الأراضي الخالية والمحلولة التي فوضت من طرف الحكومة للمهاجرين والتي زرعت منهم أو أنشئت عليها أبنية بعد مرور سنتين بلا عذر.(1/16)
القسم الخامس: مرور زمن شهر. انظر المادة (الـ134).
ولنبحث الآن في تفصيل مدد مرور الزمن في الأمور البينة آنفاً.
الدين – مثلاً لو ادعى أحد على الآخر قائلاً: أطلب منك أن تؤدي لي كذا مبلغاً الذي أخذ أو ثمن المبيع الذي بعته لك فلا تسمع دعواه.
ويفهم من ذكر الدين مطلقاً أنه يشمل جميع الديون سواء كان عائداً للآحاد أي ديون الناس مع بعضهم البعض أو كان بيت المال من الآحاد أو ديون الآحاد من بيت المال خمس عشرة سنة على هذه الديون يحصل فيه مرور الزمن، فلذلك قد صدرت إرادة سنية بتاريخ سنة 1300 وتشرين الثاني سنة 1898م بعد سماع دعوى دين بيت المال بعد مرور خمس عشرة سنة.
الوديعة – إذا ادعى أحد على آخر قائلاً: إنني أطلب منك الوديعة التي أودعتها لك قبل خمس عشرة سنة وأنكر المدعى عليه فلا تسمع الدعوى.
العارية: إذا توفيت امرأة وادعت أمها على زوجها قائلة: إنني أعرت ابنتي المتوفاة كذا وكذا وأنكر الزوج فلا تسمع دعواها.
الميراث: إذا ادعى أحد الورثة على آخر قائلاً: إنه قد بقي عندك كذا أشياء من مال مورثنا المتوفى قبل خمس عشرة سنة فأطلب حصتي من تلك الأشياء وأنكر المدعى عليه ذلك فلا تسمع دعواه.
العقار الملك: إذا ادعى أحد بأن العقار كالدار والكرم الذي في تصرف شخص آخر مدة خمس عشرة سنة لا نزاع بأنه ملكه أو أن له حصة فيه فلا تسمع دعواه.
كذلك إذا تصرف اثنان بكرم مدة خمس عشرة سنة بالاشتراك ولم يدعيا على بعضهما البعض في تلك المدة ثم ادعى أحدهما أن ذلك الكرم ملكه مستقلاً فلا تسمع دعواه.(1/17)
المقاطعة في العقارات الموقوفة – المقاطعة وهي العقار الذي يكون عرصته وقفاً وتكون الأبنية والأشجار والكروم التي عليها العرصة ملكاً ويدفع من المتصرف فيها إجارة مقطوعة سنوياً لجانب الوقف وتسمى هذه أيضاً إجارة الأرض ويجوز وقف هذا الملك أيضاً، يعني إذا وقف أحد بإذن المتولي الذي أحدثه على العرصة الموقوفة أو الشجر الذي غرسه عليها لنفسه فيصح الوقف سواء كان موقوفاً في الجهة الموقوفة عليه العرصة الموقوفة أو وقف على جهة أخرى، لأنه وإن كانت جهة القرب مختلفة إلا أنهم يجمعان في أصل القرب واختلاف الجهة لا أوجب اختلاف الحكم (علي أفندي).
ويمكن تصوير دعوى التصرف في العقارات الموقوفة بمقاطعة على أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون المدعي به ملكاً مثلاً لو ادعى أحد قائلاً. إن داري المملوكة المنشأة على عرصة الوقف الفلاني والمربوطة بكذا مبلغاً مقاطعة للوقف يتصرف بها هذا المدعي عليه منذ خمس عشرة سنة وحيث إنها ملكي فأطلب تسليمها فإذا أنكر المدعى عليه دعوى المدعي هذه فلا تسمع دعواه وتكون هذه الدعوة دعوى العقار الملك.
الوجه الثاني – يكون المدعي به وقفاً وهذا إما أن يكون بإجارة واحدة فلا يتصور فيه إقامة دعوى التصرف والدعوى التي تقام من متولي الوقف تكون عائدة إلى أصل الوقف ويكون مرور زمن فيها ستاً وثلاثين سنة.
وإما أن تكون بإجارتين وهذه تدخل تحت فقرة (أو التصرف بالإجارتين).(1/18)
الوجه الثالث – يكون صورة الدعوى على الوجه الآتي يربط كلمة التصرف بكلمة المقاطعة وهو ان ادعى زيد على عمرو قائلاً: إن عرصه هذا الوقف هي تحت التصرف بالمقاطعة بكذا درهماً. فإذا لم يمر خمس عشرة سنة فتسمع الدعوى وإلا فلا. أما إذا ادعى أحد قائلاً: إن العرصة التي أخذتها من المتولي زيد هي للوقف الفلاني الذي أنا متولى عليه وهي بتصرفك بمقاطعة وادعى أن العرصة ملكه وأنكر المقاطعة فيما أن هذه الدعوى في هذه الصورة تتعلق برقبة الوقف فتسمع الدعوى فيها إلى ست وثلاثين سنة.
الوجه الرابع – إذا لم تربط كلمة تصرف بكلمة مقاطعة فتكون صورة الدعوى على هذا الوجه:
أن العرصة الفلانية التي أخذتها من المتولي زيد التي هي من متسغلات الوقف الذي تحت توليتي هي تحت تصرفك وبما أنه يطلب للوقف منك كذا مبلغاً بدل مقاطعة فأطلب منك أداء ذلك. وحقيقة هذه الدعوى دعوى دين وتدخل في الدين فلذلك يجب أن يكون مقصوداً من عبارة (دعوى التصرف في العقارات الموقوفة بالمقاطعة) الوجه الثالث.
دعوى التصرف بالإجارتين في العقارات الموقوفة – تكون هذه الدعوى على وجهين:
الوجه الأول: تكون بين المتصرفين، مثلاً إذا تصرف أحد بالإجارتين في عقار وقف في مواجهة آخر خمس عشر سنة وسكت بلا عذر هذه المدة ثم ادعى بعد ذلك أن العقار المذكور في تصرفه بالإجارتين قبل المدة المذكورة فلا تسمع دعواه وكما أنه لا تسمع دعواه التصرف مرور خمس عشرة سنة لا تسمع دعواه الفراغ وفاء (جامع الإجارتين).
كذلك إذا تصرف اثنان بالاشتراك في عقار وقف بالإجارتين مدة خمس عشرة سنة ولم يدع في هذه المدة أحدهما على الآخر وقام أحدهما وادعى على الآخر أن ذلك العقار كان في تصرفه بالإجارتين قبل السنين المذكورة مستقلاً فلا تسمع دعواه.(1/19)
الوجه الثاني: تكون بين المتصرف والمتولي، مثلاً إذا تصرف أحد في عقار وقف بطريق الإجارتين مدة خمس عشرة سنة في مواجهة متولي ذلك الوقف وسكت المتولي تلك المدة بلا عذر فإذا ادعى المتولي بعد ذلك قائلاً للمدعي عليه أن العقار المذكور لم يؤجر لك وإنك ضبطت ذلك العقار فضولاً فلا تسمع دعواه.
دعوى التولية المشروطة – إذا تصرف أحد بوقف بصفته متولياً بالمشروطة مدة خمس عشرة سنة ثم ظهر شخص آخر وادعى بأن المتولي لذلك الوقف بالمشروطة هو نفسه لا تسمع دعواه.
والمتولي هو الشخص الذي عين بإدارة ورؤية أمور ومصالح الوقف حسب شروط الوقفية وهو على قسمين:
القسم الأول: المتولي الذي تكون توليته من اقتضاء شروط الوقفية ويقال له متول بالمشروطة.
القسم الثاني: المتولي الذي لم يشرط من طرف الواقف شرط أن يكون متولياً بل هو متول ينصب القاضي له متولياً.
دعاوى الغلة: ومعنى غلة الوقف هي فائدة ومحصول الوقف كربح النقود الموقوفة وبدل إيجار العقار الموقوف ومحصول المزرعة الموقوفة وثمر الروضة الموقوفة فعليه إذا تصرف عمرو بعد وفاة ولده بكر من أولاد أولاد الواقف في المزرعة الموقوفة المشروطة غلتها على أولاد الواقف وأولاد أولاده في مواجهة بشر أربعين سنة مستقلاً وسكت بشر هذه المدة بلا عذر وبعد ذلك ادعى بشر على بكر قائلاً في دعواه: إنني من أولاد الواقف وإن لي حق المشاركة في غلة المزرعة معك فلا تسمع دعواه (علي أفندي).
فإذا استمع القاضي الدعوى التي وقع فيها مرور زمن على هذا الوجه وحكم فيها فلا ينفذ حكمه لأن الحكم والقضاء المخالف لأمر إمام المسلمين المشروع مردود (جامع الإجارتين).
المادة (1661) (تسمع دعوى المتولي والمرازقة في حق أصل الوقف إلى ست وثلاثين سنة ولا تسمع بعد مرور ست وثلاثين سنة: مثلاً إذا تصرف أحد في عقار على وجه الملكية ستاً وثلاثين سنة ثم ادعى متولي وقف قائلاً: إن ذلك العقار هو من مستغلات وقفي فلا تسمع دعواه).(1/20)
تسمع دعوى المتولي والمرازقة في حق أصل الوقف إلى ست وثلاثين سنة وكل شيء يتعلق به صحة الوقف هو من أصل الوقف وكل شيء لا يتوقف عليه صحة الوقف هو من شروط الوقف (جامع الإجارتين).
والمتولي كما بينا آنفاً إما أن يكون بالمشروطة أو بنصب القاضي والدعوى صحيحة من أيهما كان.
والمرازقة – هم الذين يأخذون معاشاً وراتباً من غلة الوقف ويسمى هؤلاء أهل الوظائف أيضاً كإمام الجامع وخدمته.
يفهم من ظاهر المجلة بأن المرازقة هم خصم في دعوى الوقف إلا أن هذه المسألة مختلف فيها بين الفقهاء وبيان ذلك أن حق الدعوى في الأوقاف هو للمتولي عند بعض الفقهاء ولا يكون المرازقة مدعين عليهم في الوقف والقول المفتي به في ذلك الحين هو هذا القول مثلاً: إذا إدعى أحد على العقار الذي في يد آخر قائلاً: إن سكن هذا العقار وغلته هي وقف مشروطة لي وادعى ذو اليد بأن العقار المذكور ملكه فإذا كان ذلك المدعي هو متولي الوقف فتعتبر خصومته ودعواه وإذا كان غير ذلك فلا تعتبر على القول المختار (جامع الإجارتين والنتيجة والبحر في الدعوى والإسعاف ورد المحتار وأوائل الشهاد في الوقف).
أما إذا أولت هذه الفقرة (بأنه تسمع دعوى المرتزقة برأي القاضي فتكون موافقة للرأي المختار) مثلاً إذا كان المتولي غائباً أو لم يدع كما أنه لم يوكل الموقوف عليه فتسمع دعوى الموقوف عليه بإذن القاضي.
وعند بعض الفقهاء إن الموقوف عليه أن يكون مدعياً في الأوقاف كما للمتولي حق بذلك فلذلك إذا كان الوقف على معين فدعوى الموقوف عليه المعين صحيحة (الحموى).
ويرى أن المجلة قد اختارت هذا القول.
وأصل دعوى الوقف سواء كان عقاراً، وقد ذكر في المجلة، أو كان منقولاً كالنقود والدعاية التي تتعلق بأصل النقود الموقوفة تسمع إلى ست وثلاثين سنة.(1/21)
مثلاً إذا أتلف أحد كذا ديناراً من النقود الموقوفة التي تحت توليته بصرفها على نفسه ثم عين متول آخر على ذلك الوقف ولم يدع ذلك المتولي تلك النقود وبعد مرور خمس عشرة سنة نصب على الوقف متول آخر وادعى على للمتولي الأول بتلك النقود فليس للمتولي الأول أن يقول المتولي لا تسمع دعواك حيث قد مر خمس عشرة سنة (علي أفندي).
أما الدعوى المتعلقة بربح النقود الموقوفة فتسمع إلى خمس عشرة سنة فقط ولا تسمع دعوى المتولي والمرتزقة في حق أصل الوقف بعد مرور ست وثلاثين سنة، ومرور الزمن في ذلك هو مرور الزمن الذي هو حكم اجتهادي.
والدعوى في حق أصل الوقف تكون على صورتين:
الصورة الأولى – تكون بين الملكية والوقفية مثلاً إذا تصرف أحد في عقار ستاً وثلاثين سنة على وجه الملكية ثم ادعى متولي وقف قائلاً: إنه من متسغلات وقفي فلا تسمع دعواه.
أما إذا كانت المدة التي مرت أقل من ست وثلاثين سنة فتسمع الدعوى فعليه لو ضبط أحد بضعة حوانيت وتصرف فيها على وجه الملكية مدة خمس وعشرين سنة ثم ادعى متولي وقف أن تلك الحوانيت هي وقف فلان فتسمع دعواه (علي أفندي).
الصورة الثانية: تكون بين وقفين، مثلاً لو أجر متولي وقف عقاراً على أنه من مستغلات الوقف الذي تحت توليته مدة ست وثلاثين سنة في مواجهة متولي وقف آخر وسكت متولي الوقف الثاني في هذه المدة بلا عذر ثم ادعى على متولي الوقف الأول أن العقار المذكور من مستغلات وقفه فلا تسمع دعواه.
المادة (1662) – (إن كانت دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في عقار الملك فلا تسمع بعد مرور خمس عشرة سنة وإن كانت في عقار الوقف فللمتولي أن يدعيها إلى ست وثلاثين سنة وكما لا تسمع دعاوي الأرض الأميرية بعد مرور عشر سنوات كذلك لا تسمع دعاوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في الأراضي الأميرية بعد أن تركت عشر سنوات).
إن كانت دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في عقار الملك فلا تسمع بعد مرور خمس عشرة سنة.(1/22)
ويستعمل الطريق الخاص والمسيل في معنيين.
أولهما، بمعنى رقبة الطريق ورقبة المسيل، وقد مر في شرح المادة (الـ1213 والـ1143) تعريف الطريق الخاص كما أنه قد ذكر في المادة (الـ1220) بأنه كالملك المشترك لمن لهم فيه حق المرور.
قد ذكر في (الـ144) أن المسيل هو محل جريان الماء والسيل (الهندية في باب البيع الفاسد في قوله وبيع الطريق وهبته).
وعلى هذا المعنى إذا كان الطريق والمسيل لعقار الملك فمدة مرور الزمن فيها خمس عشرة سنة، إذا كانا لعقار وقف فمدة مرور الزمن فيها ست وثلاثون سنة وقد ذكر ذلك في مادتي (الـ1660 والـ1661) فإذا كان يقصد في هذه المادة هذا المعنى فيكون تكراراً كما إن عبارة (في العقار الملك) مانعة من ارادة هذا المعنى لأنه لا يصح أن يكون الشيء ظرفاً لنفسه.
ثانياً – معنى حق المرور، حق المسيل وهذا المعنى مناسب لتعبير حق الشرب وإذا قصد هذا المعنى فلا يكون الكلام تأكيداً بل يكون تأسيساً والتأسيس أولى من التأكيد.
مثال للمعنى الثاني، إذا ادعى أحد بأن له حق مرور في العرصة التي في تصرف آخر مستقلاً مدة خمس عشرة سنة إنه كان يمر منها قبل خمس عشرة سنة فلا تسمع دعواه. وإذا كانت في العقارات الموقوفة فللمتولي أن يدعي ذلك لست وثلاثين سنة. مثلاً لو كان لحانوت وقف حق مسيل في عرصة موقوفة لجهة أخرى فلمتولي الوقف الأول أن يدعي على متولي الوقف الثاني إلى ست وثلاثين سنة وفي ذلك ثلاث صور.
الصورة الأولى: أن يكون حق الطريق واقعاً في العقارات الموقوفة وأن يكون العقار الذي يرجع إليه حق الطريق وقفاً كما في المثال المذكور آنفاً.
الصورة الثانية: أن يكون حق الطريق واقعاً في عقارات موقوفة ويكون العقار الذي يرجع إليه حق الطريق ملكاً كادعاء أحد على متولي عرصة بقوله إن لداري الملك حق طريق في العرصة التي أنت متول عليها ومدة مرور الزمن في هذه الدعوى على الظاهر هي خمس عشرة سنة تبعاً للعقار الملك التي هي عائدة إليه.(1/23)
الصورة الثالثة: أن يكون حق الطريق واقعاً في العقارات المملوكة ويكون العقار الذي يرجع إليه حق الطريق وقفاً كادعاء متولي وقف عقاراً على آخر بقوله إن للعقار الذي تحت توليتي حق مرور في العرصة التي هي ملكك ومدة مرور الزمن في هذه الدعوى على الظاهر ست وثلاثون سنة تبعاً للعقار الموقف التي هي عائدة إليه.
وكما أنه لا تسمع دعوى التصرف في الأراضي الأميرية بعد مرور عشر سنوات قمرية كذلك لا تسمع دعاوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في الأراضي الأميرية بعد أن تركت عشر سنوات.
يوجد في هذه الفقرة أربع مسائل ويفصل كل منها على الوجه الآتي.
المسألة الأولى: دعاوي الأراضي الأميرية. والمقصد منها دعاوى التصرف في الأراضي الأميرية سواء كانت الأميرية أميرية صرفة أو أميرية موقوفة. مثلاً إذا تصرف أحد في مزرعة في الأراضي الأميرية عشر سنوات في مواجهة آخر وسكت ذلك الآخر تلك المدة بلا عذر فأقام الدعوى قائلاً: إن تلك المزرعة هي بتصرفي بموجب سند طابو قبل السنين المذكورة وأنكر المدعى عليه فلا تسمع دعواه.
وقد جاء في جامع الفصولين رجل تصرف في الأراضي الأميرية عشر سنين يثبت له حق القرار ولا تؤخذ من يده.
تكون دعوى التصرف في الأراضي الأميرية على صورتين:
الصورة الأولى: تكون بإقامة الدعوى من شخص على آخر وهو كما في المثال المتقدم الذكر.(1/24)
الصورة الثانية: تكون بإقامة صاحب الأرض على شخص. مثلاً إذا ادعى صاحب الأرض الأراضي التي بتصرف أحد بموجب طابو محلولة من عهدة فلان أو أنها من الأراضي الأميرية الخالية وطلب ضبطها لبيت المال مبيناً أن تصرف المدعى عليه بها تصرف فضولي فأنكر المدعى عليه التصرف الفضولي وادعى تصرفه بها على كونها أراضي أميرية منذ عشر سنوات وأثبت مدعاه فلا تسمع دعوى صاحب الأرض أما إذا كانت المدة التي مرت أقل من عشر سنوات فتسمع الدعوى مثلاً لو ترك أحد دعواه على آخر المتعلقة بأرض مسجلة بالطابو تسع سنوات وأحد عشر شهراً فلا يمنع هذا الإهمال استماع دعواه كما أنه لو تركها تسع سنوات وأحد عشر شهراً وخمسة وعشرين يوماً بلا عذر ولم تتم السنوات العشر تسمع دعواه.
كذلك لو تصرف أحد مع آخر في مرزعة من الأراضي الأميرية بالاشتراك السنوي عشر سنوات وسكت ذلك الشخص هذه المدة بلا عذر وادعى بعد مرور السنوات العشر بأن جميع المزرعة هي بتصرفه بموجب طابو فلا تسمع دعواه.
وقد صدرت إرادة سلطانية بتاريخ 22 المحرم سنة 1300هـ و22 تشرين الثاني 1298 بسماع دعوى مأمور الأرض المتعلقة برقبة الأرض الأميرية إلى ست وثلاثين سنة.
مثلاً إذا تصرف أحد في أرض على كونها ملكه فتسمع دعوى مأمور الأراضي بأنها أراضٍ أميرية إلى ست وثلاثين سنة.
كذلك إذا ادعى صاحب الأرض بأن الأرض من الأراضي الأميرية وادعى المتولي ذي اليد بأنها وقف فتسمع دعوى صاحب الأرض إذا لم يمر ست وثلاثون سنة. أما إذا مر ست وثلاثون سنة فلا تسمع دعواه.
المسألة الثانية: دعاوى الطريق الخاص في الأراضي الأميرية. إذا ادعى أحد قائلاً: إن لمزرعتي التي تحت تصرفي بموجب طابو طريقاً خاصاً في المزرعة التي تحت تصرفك بموجب طابو فلا تسمع الدعوى فيها إذا مر عشر سنوات.(1/25)
المسألة الثالثة: دعاوى المسيل في الأراضي الأميرية. إذا ادعى أحد قائلاً: إن لهذه المزرعة التي تحت تصرفي بموجب طابو حق مسيل في المزرعة التي تحت تصرفك بموجب طابو فلا تسمع الدعوى فيها إذا مرت عشر سنوات.
إن الصور الثلاث التي ذكرت في شرح الفقرة الثانية من المادة الآنفة تلاحظ في هاتين المسألتين.
المسألة الرابعة: دعاوى حق الشرب في الأراضي الأميرية. إذا ادعى أحد قائلاً إن لهذه المزرعة التي تحت تصرفي بموجب طابو حق شرب في النهر الموجود في المزرعة التي تحت تصرفك بموجب طابو فلا تسمع الدعوة فيها إذا مرت عشر سنوات وإلا فتسمع.
المادة (1663) – (والمعتبر في هذا الباب أي في مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر فقط وأما مرور الزمن الحاصل بأحد الأعذار الشرعية ككون المدعي صغيراً أو مجنوناً أو معتوهاً سواء كان له وصي أو لم يكن له أو كونه في ديار أخرى مدة السفر أو كان خصمه من المتغلبة فلا اعتبار له، فلذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن من تاريخ زوال واندفاع العذر. مثلاً لا يعتبر الزمن الذي مر حال جنون أو عته أو صغر المدعي بل يعتبر مرور الزمن من تاريخ وصوله حد البلوغ. كذلك إذا كان لأحد مع أحد المتغلبة دعوى ولم يمكنه الادعاء لامتداد زمن تغلب خصمه وحصل مرور زمن لا يكون مانعاً لاستماع الدعوى وإنما يعتبر مرور الزمن من تاريخ زوال التغلب).
والمعتبر في هذا الباب أي في مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر. أما الزمن الذي مر بعذر شرعي ككون المدعي أي صاحب الحق صغيراً أو مجنوناً أو معتوهاً سواء كان له وصي أو لم يكن أو كان المدعي أو المدعى عليه في ديار أخرى مدة السفر أو كان خصمه أي المدعى علي من المتغلبة فلا يعتبر، فلذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن من تاريخ زوال واندفاع العذر (علي أفندي).(1/26)
فعلى هذه الصورة لو كان لزيد حق ثابت في ذمة عمرو فتغيب عمرو بعد ثبوت ذلك الحق أربع عشرة سنة ثم حضر فمبدأ مرور الزمن يعتبر من تاريخ حضور عمرو فلو أقام زيد الدعوى بعد التاريخ المذكور بثلاث عشرة سنة تسمع دعواه.
والمدة التي تمر بأعذار كهذه لو بلغت أربعين أو خمسين سنة فتسمع الدعوى. لأن من المقرر أن الترك لا يتأتي من الغائب له أو عليه لعدم تأتي الجواب منه بالغيبة والعلة خشية التزوير ولا لتالي بالغيبة الدعوى عليه (رد المحتار).
الأعذار الثلاثة، يطلق على الأعذار المبينة في هذه المادة الأعذار الثلاثة.
الأول: القاصرية وهو عبارة عن كون صاحب الحق صغيراً أو مجنوناً أو معتوهاً فالمدة التي تمر أثناء القاصرية لا تدخل في حساب مرور الزمن سواء بلغت حد مرور الزمن أو لم تبلغ.
مثلاً لو دامت القاصرية خمس سنوات وزالت في ابتداء السنة السادسة فيبتدئ مرور الزمن اعتباراً من السنة السادسة كما أنه لو دامت القاصرية خمس عشرة سنة وزالت في ابتداء السنة السادسة عشرة فيحسب مرور الزمن من ابتداء السنة السادسة عشرة. أما إذا بدأ مرور الزمن حينما لم تكن القاصرية موجودة وقبل إكتمال مرور الزمن حصلت القاصرية من مدة مرور الزمن؟ يعني مثلاً لو باع زيد وهو أهل للتصرف مالاً لعمرو بعشرين ديناراً وبعد خمس سنوات طرأ على عمرو قاصرية دامت عشر سنوات ثم زالت ثم ادعى بعد زوال القاصرية بثماني سنوات فإذا نزلت من المدة مدة القاصرية فيكون مجموع المدة ثلاث عشرة سنة ويجب سماع الدعوى وفي حالة عدم تنزيلها تكون المدة ثلاثاً وعشرين سنة ويجب عدم سماع الدعوى؟
إن هذه المسألة محتاجة للحل ومن الموافق استماع الدعوى لحين وجود مسألتها الصريحة.
الثاني: الغيبة، وهي أعم من غيبة المدعي عليه فالمدة التي تمر في حالة الغيبة سواء بلغت حد مرور الزمن أو لم تبلغ فلا تأثير لها في مرور الزمن إذا كان ثبوت الحق المدعى به في حالة الغياب.(1/27)
مثال على كونه بالغاً مدة مرور الزمن – إذا كان لأحد في ذمة آخر حق وهو مقيم في ديار بعيدة مدة السفر وتحقق في ذمة الغائب بطريق البيع أو الإجارة أو الإقراض بطريق المكاتبة أو المراسلة أو بإتلاف المال ولم يتمكن من الادعاء بمطلوبه ثم بعد مرور خمس عشرة سنة حضر ذلك الشخص ثم بعد مرور أربع عشرة سنة من حضوره أقام صاحب الحق عليه الدعوى فتسمع دعواه.
مثال على عدم بلوغ مدة مرور الزمن – إذا ثبت لأحد في ذمة آخر حق وهو مقيم في ديار أخرى بعيدة مدة السفر ودامت غيبة المدين مدة خمس سنوات إلا أنه حضر في ابتداء السنة السادسة فبما أنه يبتدئ مرور الزمن من السنة السادسة فللمدعي أن يقيم الدعوى بعد تسع عشرة سنة اعتباراً من مبدأ ثبوت الحق.
يوجد بعض مسائل تحتاج للحل في عذر الغيبة: 1 – إذا بدأ مرور الزمن في عدم وجود الغيبة وقبل أن يتم مرور الزمن تخللته الغيبة ثم زالت الغيبة بعد مدة فهل يجب تنزيل مدة الغيبة من مرور الزمن أو لا يجب؟ فالظاهر أنه يجب تنزيلها، يعني لو أقرض زيد لعمرو عشرة دنانير وسلمها إياه ثم أقام الاثنان في بلدة واحدة خمس سنوات ثم غاب عمرو وسافر إلى ديار بعيدة مدة السفر مدة عشر سنوات ثم حضر فادعى المدعي بعد حضوره بأربع سنوات فإذا نزلت مدة الغيبة يكون مر تسع سنوات فقط وإذا لم تنزل يكون قد مر تسع عشرة سنة والظاهر أن يجب تنزيل مدة الغيبة.
2 – إذا كان للمدعى عليه الغائب وكيل بالخصومة أو نائب له، يعني لو وكل المدعى عليه قبل غيبته وكيلاً في الخصومة في الدعاوى التي تقام له أو عليه وكانت هذه الجهة معلومة للمدعي إلا أن المدعي لم يقم الدعوى لغيبة المدعى عليه فهل يقع مرور الزمن؟
بما أنه في حالة غيبة المدعى عليه لا يمكن فصل بعض الدعاوى كأن لا يوجد لدى المدعي شهود ويتوجه اليمين فيها على المدعى عليه فالظاهر بأنه لا يحصل مرور الزمن في هذه المسألة.(1/28)
3 – إذا كان للمدعي مطلوب في تركة وكان بعض الورثة غائباً وبعضهم حاضراً فلم يقم المدعي الدعوى على الحاضرين ورجع الغائب بعد مرور خمس عشرة سنة فأقام المدعي الدعوى عليه فهل يقع مرور الزمن؟ فالظاهر أنه لا يقع مرور زمن في حصة هذا الغائب.
الثالث: التغلب، وهو أن يكون المدعى عليه من المتغلبة فالمدة التي تمر في حالة التغلب سواء بلغت حد مرور الزمن أو لم تبلغ فلا تأثير لها على مرور الزمن ما دام ثبوت الحق كان في زمن التغلب.
مثال على بلوغ مدة مرور الزمن – إذا غصب أحد في حالة غلبة أغنام شخص آخر وامتد تغلبه خمس عشرة سنة وزال في السنة السادسة عشرة وادعى المدعي بعد مرور ثماني سنوات من تاريخ زوال التغلب فتسمع دعواه.
مثال على عدم بلوغ مدة مرور الزمن، لو غصب أحد في حالة تغلبه مزرعة آخر وامتد تغلبه خمس سنوات وزال تغلبه في السنة السادسة وادعى بعد ثماني سنوات من زوال التغلب فتسمع دعواه.
أما إذا ابتدأ مرور الزمن قبل وجود التغلب وتخلل ذلك التغلب قبل انقضاء مدة مرور الزمن ثم زاد التغلب بعد مدة فهل يجب تنزيل مدة التغلب؟.. يعني مثلاً لو غصب أحد قبل أن يكون متغلباً عشرة دنانير من آخر ثم بعد مرور ثماني سنوات أصبح متغلباً ودام تغلبه سبع سنوات ثم زال تغلبه فأقام المدعي بعد سنتين من زوال التغلب فإذا تنزلت مدة التغلب تكون الدعوى مسموعة وإذا لم تنزل فتكون غير مسموعة والظاهر أنه يجب تنزيلها.
قيل في المجلة (ككون المدعي صغيراً إلخ) لأنه يوجد عذر رابع حيث إذا منع الزوج زوجته صاحبة الحق من إقامة الدعوى منعاً أكيداً ولم تدع من أجل ذلك فهذا العذر معدود عذراً شرعياً ولها إقامة الدعوى بعد زوال المنع ولا تعتبر المدة التي مرت أثناء المنع، إلا أنه يجب أن يثبت منع الزوج لها (علي أفندي).(1/29)
مثال على القاصرية: مثلاً لا يعتبر الزمن الذي مر حال جنون أو عته أو صغر أحد وإنما يعتبر من تاريخ وصوله إلى حد البلوغ أو تاريخ زوال الجنون أو العته ففي هذه الصورة لو بلغ الصغير ومر تسع سنوات فلا يمنع ذلك من سماع دعواه.
كذلك لو ترك المجنون أو المعتوه الدعوى تسع سنوات ونصفاً فلا يمنع ذلك من استماع دعواه، مثال لمدة السفر البعيدة – لو سافر أحد إلى ديار بعيدة مدة السفر ولم يدع دائنه بالعشرة الدنانير المطلوبة له من ذمة الغائب ثم عاد الغائب بعد أربع عشرة وبعد عودته بثماني سنوات أقام صاحب الدين عليه الدعوى فليس للمدعى عليه أن يقول إن الدعوى غير مسموعة لمرور الزمن.
مثال التغلب – كذلك إذا كان لرجل مع أحد المتغلبة دعوى ولم يمكنه الادعاء لامتداد زمان تغلب خصمه ووجد مرور الزمن بترك الدعوى الأرض الأميرية خمس عشرة سنة فلا يكون ذلك مانعاً لاستماع الدعوى وإنما يعتبر مرور الزمن من تاريخ زوال التغلب.
أما عدم العلم فليس من الأعذار الشرعية (فتاوى أبي السعود).
مثلاً لو ضبط أحد مزرعة من الأراضي الأميرية وتصرف بها مدة عشر سنوات في مواجهة آخر وسكت الآخر تلك المدة ثم ادعى بقوله إن المزرعة هي في تصرف والدي المتوفى بموجب طابو قبل السنين المذكورة وبوفاته قد انتقلت المزرعة المذكورة حصراً لي ولكن كنت أجهل أن تلك المزرعة هي في تصرف والدي فلذلك لم أقم الدعوى قبلاً والآن علمت ذلك فأدعى فلا تسمع دعواه.
والحكم على هذا المنوال في التصرف بالإجارتين. مثلاً لو تصرف أحد في دكان وقف بالإجارتين مدة عشرين سنة في مواجهة آخر وسكت المذكور تلك المدة بلا عذر ثم ادعى أن الدكان المذكورة هي لوالده المتوفى بكر وقد انتقلت إليه بالانتقال العادي وأنه سمع ذلك من بعض الناس إلا أنه كان يجهل أن الحال كما ذكر فلم يتقدم للدعوى وأنه يتقدم إليها الآن فلا تسمع دعواه (جامع الإجارتين).(1/30)
ترجح بينة مرور الزمن الحاصل بعذر: مثلاً لو ادعى طرف بأن مرور زمن حصل بعذر وأقام البينة على ذلك وادعى الطرف الآخر بأنه وقع بغير عذر فترجح بينة كونه واقعاً بعذر.
المادة (1664) – (مدة السفر هي ثلاثة أيام أي مسافة ثماني عشرة ساعة بالسير المعتدل).
مدة السفر بعيدة هي ثلاثة أيام بالسير المعتدل أي راجلاً أو راكباً حيواناً سيراً متوسطاً مع الاستراحة المعتادة وهو في الأيام القصيرة ثلاثة أيام أي مسافة ثماني عشرة ساعة. فلذلك إذا وصل إلى بلدة يسير البريد في يومين مع كونه يصل إليها بالسير المعتاد بثلاثة أيام فتعتبر أيضاً مسافة سفر.
كذلك إذا وصل إلى بلدة بالقطار بيوم واحد أو بأقل من يوم وكانت مسافتها بالسير المعتدل ثلاثة أيام فتعد البلدة المذكورة بعيدة مدة السفر (الفتاوى الجديدة).
إذا ذهب المدعى عليه إلى بلدة من البلاد الأجنبية وكانت بالنسبة إلى البلدة التي يوجد فيها المدعي غير بعيدة مدة السفر فحيث أنه لا يمكن للمدعي أن يذهب إلى البلدة التي يقيم فيها المدعى عليه لاستحصال حقه حسب الأحكام المشروعة فهل يعد ذلك عذراًً في مرور الزمن؟ فالظاهر أنه يعد عذراً.
المادة (1665) – (إذا اجتمع ساكناً بلدتين بينهما مسافة سفر مرة واحدة في بلدة في كل بضع سنوات ولم يدع أحدهما على الآخر شيئاً مع أن محاكمتها كانت ممكنة وبعدها وجد مرور الزمن بهذا الوجه لا تسمع دعوى أحدهما على الآخر بتاريخ أقدم من المدة المذكورة).(1/31)
ساكناً بلدتين بينهما مسافة سفر اجتمعا في بلدة وبتعبير آخر أن المدعي قد علم بعودة خصمه ولم يدع أحدهما على الآخر وكانت محاكمتها ممكنة فبعد ما وجد مرور الزمن المعتبر في نوع المدعى به لا تسمع دعوى أحداهما على الآخر بتاريخ أقدم من المدة المذكورة. وبهذه الصورة لو تغيب عمرو بعد أن ثبت في ذمته حق لزيد مدة عشر سنوات في السنة الحادية عشرة اجتمع بزيد مرة واحدة وفي الثانية عشرة مرة أخرى وفي الثالثة عشرة مرة ثالثة فإذا مر خمس عشرة سنة على مبدأ ثبوت الحق فلا تسمع دعوى زيد. فعليه إذا أنكر المدعى عليه المدعى به وادعى أنه قد اجتمع بالمدعي بضعة مرات في ظرف الخمس عشرة سنة وأنه كان ممكناً جريان المحاكمة بينهما وأقر المدعي بذلك أو أنكر وأثبت المدعى عليه ذلك فلا تسمع دعواه.
وقد ذكر في فتاوى علي أفندي في هذا المقام عبارة (مرة في كل سنتين أو ثلاث سنوات) ويفهم من ظاهر هذه العبارة بأنه يجب التكرر في الاجتماع ولا يكفي اجتماع واحد وفي هذا الحال يجب حل أسئلة ثلاثة.
1- كم مرة يجب أن يتكرر هذا الاجتماع، بما أنه يكون الاجتماع الثاني تكرر فهل يكفي ذلك أو يجب تكرره ثلاث أو أربع مرات؟
2- ما هو السبب في اختلاف الحكم بين الاجتماع الواحد وبين الاجتماعين أو الأكثر؟(1/32)
3- إذا غاب أحد الطرفين في محل سفر بعيد تسع سنوات واجتمع الطرفان في السنة العاشرة وبعد ذلك غاب أحدهما في ديار بعيدة مدة السفر مدة أربع سنوات ثم اجتمعا فبموجب المادة (الـ1663) يكون مرور التسع سنوات الأولى بعذر ومرور الزمن يبتدئ من بعدها ويجب استماع الدعوى في الاجتماع الثالث وفي هذا الحال تكون هذه المادة منافية لأحكام المادة (الـ1663)؟ وإذا أجيب على ذلك بأن المقصود من مرور الزمن في المادة (الـ1663) هو حد مرور زمن العشر سنوات أو الخمس عشرة سنة أو الست والثلاثين سنة التي تمت أما في هذه المسألة فالتسع سنوات الأولى لم تصل إلى حد مرور الزمن ولا يكون صحيحاً والحقيقة أن حكم هذه المادة مناف لحكم المادة (الـ1663) لأن مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى حسب المادة (الـ1663) هو مرور الزمن الواقع بلا عذر.
مثلاً. إذا تغيب عمرو بعد أن ثبت في ذمته حق لزيد مدة عشر سنوات واجتمع بزيد في السنة الحادية عشرة مرة وفي السنة الثانية عشرة مرة أخرى وفي السنة الثالثة عشرة مرة ثالثة ومر خمس عشرة سنة إعتباراً من مبدأ ثبوت الحق فحسب هذه المادة لا تسمع الدعوى والحال أنها تسمع بحسب المادة (الـ1663)، لأن المانع من سماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر. وعلى ذلك فالعشر سنوات الأولى في المسألة الآنفة قد مرت بعذر.
ويرد إلى الخاطر أن يجاب على هذا السؤال الجواب الآتي وهو. إذا تكرر الاجتماع أثناء الغيبة فالغيبة الأولى لا تعد عذراً فلا تنزل من المدة. لأنه لو جرى تنزيل مدة الغيبة الأولى يجب تنزيل الغيبة الثانية والثالثة والرابعة وما بعد ذلك وفي هذا الحال لا يتحقق في هذه الدعاوى مرور الزمن مطلقاً (وهو أنه لا يتحقق إذا لا ضرورة لتحققه).
أما إذا لم يتكرر الاجتماع وكان الاجتماع واحداً فيجب تنزيل مدة الغيبة الأولى لأنه في هذه الصورة لا يوجد المحذور الذي بين.(1/33)
المادة (1666) – (إذا ادعى أحد على آخر خصوصاً في حضور القاضي في كل بضعة سنوات مرة ولم تفصل دعواه ومر على هذا الوجه خمس عشرة سنة فلا يكون مانعاً من استماع الدعوى وأما الادعاء والمطالبة التي لم تكن في حضور القاضي فلا تدفع مرور الزمن بناء عليه إذا ادعى أحد خصوصاً في غير مجلس القاضي وطلب به وعلى هذا الوجه مرور الزمن فلا تسمع دعواه).
وإذا ادعى أحد على آخر خصوصاً في حضور القاضي وفي مواجهة الخصم الشرعي في كل بضع سنوات مرة ولم تفصل دعواه. وبقيت معطلة في المحاكم وحصل أثناء ذلك مرور الزمن المعين لذلك المدعي به كمرور خمس عشرة سنة في دعوى الدين فلا يمنع ذلك استماع الدعوى.
إلا أنه إذا بلغت المدة بين الدعويين إلى حد خمس عشرة سنة فيمنع ذلك استماع الدعوى. مثلاً إذا مرت بين دعوى الدين مدة خمس عشرة سنة وبين دعوى الأراضي الأميرية عشر سنوات فيمنع ذلك سماع الدعوى. أما الإدعاء والمطالبة التي لم تكن في حضور القاضي واللذان حصلا في مجالس الإدارة أو غرف التجارة أو نقابة الصناع أو غيرها مما لم يكن لها صلاحية الفصل والحكم في الدعوى فلا يدفع ذلك مرور الزمن، فعليه لو ادعى أحد بخصوص في غير حضور القاضي وحصل مرور الزمن المعين لنوع تلك الدعوى فلا تسمع دعوى المدعي.
أن تقديم الاستدعاء والمعروض للقاضي، ولو اقترن بإرسال ورقة جلب لا يقطع مرور الزمن حسب الأحكام الفقهية.
وبتعبير آخر أن الاستدعاء الذي يقدمه المدعي للمحكمة يطلب الحكم له على خصمه بحقه وطلب جلب خصمه للمحكمة لا يقوم مقام الدعوى ولا يكفي لقطع مرور الزمن.(1/34)
مثلاً لو قدم المدعي قبل انتهاء مدة الخمس عشرة سنة بثمانية أيام استدعاء على هذا الوجه ودعا خصمه للمحاكمة وعند انتهاء مدة الثمانية أيام ترافعا أمام القاضي فإذا كانت مدة الخمس عشرة سنة قد تمت يوم المرافعة في حضور القاضي فلا تسمع الدعوى ولو كانت مدة مرور الزمن لم تتم حين تقديم الاستدعاء أو وقت تبليغ جلب المحكمة لأنه كما هو مصرح في متن هذه المادة أن الذي يدفع الزمن هو الدعوى، والدعوى حسب مادتي (1613 و1618) تقال للطلب الذي يقع في حضور القاضي وفي مواجهة الخصم وعليه فالطلب الذي لا يكون في مواجهة الخصم غير معدود من الدعوى.
المادة (1667) – (يعتبر مرور الزمن من تاريخ وجود صلاحية الادعاء في المدعي، فمرور الزمن في دعوى الدين المؤجل إنما يعتبر من حلول الأجل. لأنه ليس للمدعي صلاحية دعوى ذلك الدين ومطالبته قبل حلول الأجل. مثلاً لو ادعى أحد على آخر بقوله: لي عليك كذا دراهم من ثمن الشيء الفلاني الذي بعتك إياه قبل خمس عشرة سنة مؤجلاً لثلاث سنين تسمع دعواه كذلك لا يعتبر مرور الزمن في دعوى البطن الثاني في الوقف المشروط للأولاد بطناً بعد بطن إلا من تاريخ انقراض البطن الأول. لأنه ليس للبطن الثاني صلاحية الدعوى ما دام البطن الأول موجوداً. وكذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن في دعوى المهر المؤجل من وقت الطلاق ومن تاريخ موت أحد الزوجين لأن المهر المؤجل لا يكون معجلاً إلا بالطلاق أو الوفاة).
يعتبر مرور الزمن من تاريخ وجود صلاحية الإدعاء في المدعي وصلاحية أخذه، فمرور الزمن في دعوى الدين المؤجل إنما يعتبر من حلول الأجل لأنه ليس للمدعي صلاحية دعوى وأخذ ذلك الدين أو المطالبة به قبل حلول الأجل حتى إنه لا يحبس المدين من أجل الدين المؤجل (رد المحتار).(1/35)
إلا أنه يجوز إثبات الدين المؤجل قبل حلول الأجل وبما أن الإثبات وإقامة البينة مشروط بسبق الدعوى بحكم المادة (الـ1696) فعلى هذه الصورة يجوز الادعاء بالدين المؤجل قبل حلول الأجل.
مثلاً يصح لأحد أن يثبت مطلوبه من ذمة آخر المؤجل لخمسة أشهر مثلاً إلا أنه يؤخر الأخذ والاستيفاء لحلول الأجل (الأنقروى).
كذلك تقبل دعوى الزوجة بإثبات مهرها المؤجل على زوجها (الهندية).
أما إذا لم يثبت المدعي الدين المؤجل بالبينة فلا يحلف المدعى عليه قبل حلول الأجل على أظهر القولين حيث لم يكن للمدعي حق بالمطالبة والأخذ فلا يترتب على المدعى عليه اليمين في حالة إنكاره.
مثلاً لو ادعى أحد على آخر بقوله: لي عليك كذا دراهم من ثمن الشيء الفلاني الذي بعتك إياه أو أجرته لك قبل خمس عشرة سنة مؤجلاً لثلاث سنين تسمع دعواه. لأنه لم يمر سوى اثني عشرة سنة من حلول الأجل والحالة أن دعوى الدين تسمع إلى خمس عشرة سنة. انظر المادة (الـ1660).(1/36)
كذلك لا يعتبر مرور الزمن في دعوى البطن الثاني بالوقف المشروطة توليته وغلته للأولاد بطناً بعد بطن. مثلاً لو شرط الواقف قائلاً: قد شرطت تولية وغلة وقفي لأولادي وأولاد أولادي بطناً بعد بطن فلا تسمع دعوى البطن الثاني إلا من تاريخ انقراض البطن الأول فعلى هذه الصورة لو باع أحد أولاد الواقف من البطن الأول عقار الوقف لآخر سلمه إياه وتصرف المشتري في ذلك العقار خمساً وثلاثين سنة وانقرض البطن الاول بالكلية ونصب أحد الأولاد من البطن الثاني متولياً وبعد مرور سنة ادعى العقار المذكور من المشتري على كونه وقفاً فتسمع دعواه حيث لم يمر على انقراض البطن الأول إلا سنة واحدة والمدة التي مرت قبل ذلك لا تحسب في مرور الزمن حيث إنه ليس للبطن الثاني صلاحية الدعوى ما دام البطن الأول موجوداً لأن أمثال هذا الوقف إذا كان البطن الأول موجوداً لا يعطى حصة لأولاد البطن الثاني ولا يكون لهم تولية كما أنه إذا كان البطن الثاني موجوداً فلا يعطى لأولاد البطن الثالث حصة ولا يكون لهم تولية على الوقف.
كذلك لو ضبط أجنبي تولية الوقف المشروطة لأولاد الواقف وأولاد أولاده بطناً من بطن في مواجهة أولاد الواقف من البطن الأول مدة أربع عشرة سنة وانقرض البطن الأول فادعى أحد أولاد الواقف من البطن الثاني التولية المذكورة من ذلك الأجنبي فليس للأجنبي أن يدفع دعواه بقوله إن دعوى المدعي غير مسموعة لمرور خمس عشرة سنة.
سؤال: لو تصرف المشتري في مواجهة أولاد الواقف من البطن الأول خمساً وثلاثين سنة وتصرف سنة في مواجهة أولاد البطن الثاني فتبلغ مدة تصرفه ستاً وثلاثين سنة وبما أنه حسب المادة (الـ1620) لو ترك الدعوى الوارث مدة والموروث مدة وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فيجب عدم استماع الدعوى؟(1/37)
الجواب: إن توجيه التولية للبطن الثاني لم يكن بطريق الإرث بل هو بمقتضى شرط الواقف فإذا انتقلت التولية إلى البطن الثاني قبل تمام مدة مرور الزمن في مواجهة البطن الأول فللبطن الثاني حق الدعوى إلى انتهاء مدة مرور الزمن اعتباراً من تاريخ انتقال التولية له مع أن المدة التي تمر في زمن البطن الأول والبطن الثاني لا تضم إلى بعضها البعض إلا أنه إذا بلغت المدة في زمن البطن الأول حد مرور الزمن انتقلت التولية إلى البطن الثاني فهل للبطن الثاني حق الدعوى؟ فنظراً إلى المثال الثاني وإلي دليله يجب أن يكون له حق الدعوى إلا أن دليل الفقهاء لا يثبت المسألة بالكلية فيجب العثور على صراحة المسألة والمناسب أن تستمع الدعوى لحين العثور على صراحتها.
مثلاً لو تصرف أحد في عقار على وجه الملكية ستاً وثلاثين سنة في مواجهة البطن الأول فانقرض البطن الأول فتصرف أيضاً بالعقار المذكور ستاً وثلاثين سنة في مواجهة البطن الثاني ثم انقرض البطن الثاني فراجع البطن الثالث المحكمة وادعى عليه بأن تولية وغلة ذلك العقار مشروطة لأولاد الواقف بطناً بعد بطن وأنه وإن تصرف في العقار المذكور مدة اثنتين وسبعين سنة في مواجهة أولاد البطن الأول والبطن الثاني إلا أنهما انقرضا وأصبحت تولية وغلة العقار المذكور عائدة له فهل تسمع دعواه؟ فإذا استمعت دعواه فلا يمكن أن يتحقق مرور زمن في نوع هذه الأوقاف.
وإن يكن بموجب المادة (الـ1675) لا يجري مرور الزمن في بعض الدعاوى إلا أن دعاوى التولية ليس من قبيل الدعاوى (وقد ورد في البهجة في هامش كتاب الشهادة أنه إذا استمع زيد القاضي دعوة التولية المشروطة التي تركت أربعين سنة بلا عذر وحرر حجة بذلك فلا ينفذ حكمه ولا تعتبر حجته) وإن يكن أنه يفهم أن هذه الفتوى أنه إذا مر أربعون سنة على البطن الأول فلا تسمع دعوى البطن الأول إلا أن هذه الفتوى لا تدل صراحة على عدم جواز استماع دعوى البطن الثاني.(1/38)
وكذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن في دعوى المهر المؤجل من وقت الطلاق أو من تاريخ موت أحد الزوجين لأن المهر المؤجل لا يكون معجلاً إلا بالطلاق أو الوفاة وقد بين بأنه يجوز إثبات المهر المؤجل قبل حلول الأجل.
كذلك لو ادعى أحد الأراضي التي تحت يد آخر بقوله: إن هذه الأراضي هي بتصرفي فأجابه المدعى عليه بقوله إنك تفرغت لي بهذه الأراضي قبل عشر سنوات بإذن صاحب الأرض فإذا أثبت الفراغ له على هذا الوجه فيمنع المدعي من معارضته ولا يقال بأنه حيث لم يثبت التفرغ له على هذا الوجه فيمنع المدعي من معارضته ولا يقال بأنه حيث لم يثبت التفرغ بإذن صاحب الأرض منذ سنوات أنه وقع مرور زمن لأنه لم يكن يوجد معارض له أثناء تصرفه بلا نزاع فهو غير مطالب بإثبات الحق فلا يكون قد ترك الدعوى.
المادة (1668) – (لا يعتبر مرور الزمن في دعوى الطلب من المفلس إلا من تاريخ زوال الإفلاس. مثلاً لو ادعى أحد على من تمادى إفلاسه خمس عشرة سنة وتحقق يساره بعد ذلك بقوله بأنه قبل خمس عشرة سنة كان لي في ذمتك كذا دراهم من الجهة الفلانية ولم أستطع الادعاء عليك لكونك كنت مفلساً مع ذلك التاريخ ولاقتدارك الآن على أداء الدين أدعي عليك به تسمع دعواه).
لا يعتبر مرور الزمن في دعوى الطلب من المفلس إلا من تاريخ زوال الإفلاس لأنه لا يمكن استحصال المطلوب من الشخص المفلس كما أنه لا يحبس المدين الثابت إفلاسه.
مثلاً لو ادعى أحد على من تمادى إفلاسه خمس عشرة سنة تحقق يساره بعد ذلك بقوله: إنه قبل خمس عشرة سنة كان لي عليك من الجهة الفلانية كذا دراهم طلبي منك ولم أستطع الادعاء عليك حيث كنت مفلساً من ذلك التاريخ وحيث أصبحت الآن قادراً على أداء الدين فأدعي عليك به تسمع دعواه.(1/39)
أما إذا ثبت في ذمة أحد دين في حال يساره ثم أفلس بعد ثماني سنوات ودام إفلاسه ست سنوات وبعدها أصبح في حالة يسار وبعد مرور سنة ادعى الدائن عليه فهل تسمع الدعوى بتنزيل مدة الإفلاس كالمدة التي تمر أثناء الصغر؟
المادة (1669) – (إذا ترك أحد الدعوى بلا عذر على الوجه الآنف ووجد مرور الزمن فكما لا تسمع الدعوى في حياته لا تسمع من ورثته بعد مماته أيضاً).
أي إذا ادعى الورثة أن المال المدعي به هو موروث عن المورث. لأن الوارث يقوم مقام المورث بماله أو عليه وحيث أنه ليس للمورث حق الدعوى فليس للوارث أيضاً حق فيها.
مثلاً لو ادعى أحد على الآخر قائلاً: إن لمورثي الذي توفي في هذه المدة كذا دراهم قد أقرضها لك قبل خمس عشرة سنة فأطلبها منك فلا تسمع دعواه.
والحكم في المسقفات الموقوفة والأراضي الأميرية على هذا الوجه. مثلاً لو ترك أحد دعواه المتعلقة بالأراضي الأميرية أو بالمسقفات الموقوفة بلا عذر على الوجه السالف الذكر ووجد مرور زمن فلا تسمع تلك الدعوى منه في حياته وكذلك لا تسمع من أصحاب حق الإنتقال بعد وفاته.
مثلاً لو ادعى أحد قائلاً: إنك قد تصرفت بالأراضي الأميرية عشر سنوات بلا نزاع التي هي في تصرف مورثي بموجب طابو قبل تلك المدة وبوفاة والدي قد انتقلت تلك الأراضي لي فلا تسمع دعواه.
المادة (1670) – (إذا ترك المورث الدعوى مدة وتركها الوارث أيضاً مدة وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا تسمع).
تضم مدة ترك الموروث والوارث والمنتقل منه والمنتقل إليه إلى بعضها فلذلك إذا ترك المورث الدعوى مدة وتركها الوارث أيضاً مدة وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا تسمع دعوى الوارث. مثلاً لو ترك أحد الدعوى بمطلوبه الذي في ذمة آخر مدة ثماني سنوات وترك بعد وفاته وارثه دعوى سبع سنوات فلا تسمع الدعوى بعد ذلك.(1/40)
كذلك لو ترك أحد مطلوبه الذي في ذمة آخر خمس سنوات ثم توفي وترك وارثه بالحصر ابنه الدعوى خمس سنوات أخرى ثم توفي وترك وارثه بالحصر بنته الدعوى خمس سنوات أيضاً ثم ادعت بعد ذلك فلا تسمع دعواها كذلك لو ضبط أحد روضة مدة عشر سنوات على وجه الملكية في مواجهة زيد وسكت زيد هذه المدة بلا عذر ثم توفي زيد وترك بنتاً فتصرف المذكور أيضاً في الروضة تسع سنوات في مواجهة البنت وسكتت تلك المدة بلا عذر فادعت البنت بأن الروضة المذكورة هي ملك لوالدها زيد وقد باعها لك وفاء فلا تسمع دعواها (علي أفندي).
كذلك إذا تصرف أحد مدة في عقار وقف بالإجارتين ثم توفي وتصرف فيه ورثته الذين هم من أصحاب الانتقال بالإجارتين وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا تسمع دعوى المدعي الذي سكت في تلك المدة بلا عذر والأراضي الأميرية تقاس عليها.
المادة (1671) – (البائع والمشتري والواهب والموهوب له كالمورث والوارث، مثلاً إذا تصرف أحد في عرصة مدة خمس عشرة سنة وسكت صاحب الدار المتصلة بتلك العرصة تلك المدة ثم باع الدار لآخر فإذا ادعى المشتري أن تلك العرصة هي طريق خاص للدار التي اشتراها فلا تسمع دعواه. كذلك إذا البائع مدة وسكت المشتري مدة وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا تسمع دعوى المشتري).
البائع والمشتري والواهب والموهوب له كالمورث وبتعبير آخر تجري في حقهم أحكام مادتي (1669 و1670) السالفتي الذكر.
كذلك الفارغ والمفروغ له كالمنتقل منه والمنتقل إليه.
مثال للبائع والمشتري.
مثلاً إذا تصرف أحد في عرصة ملك خمس عشرة سنة وسكت صاحب الدار المتصلة بتلك العرصة تلك المدة بلا عذر ثم باعها من آخر فإذا ادعى المشتري بأن تلك العرصة هي طريق خاص للدار التي اشتراها فلا تسمع دعواه كما لا تسمع في المادة (الـ1669).
كذلك إذا سكت البائع مدة وسكت المشتري مدة وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا تسمع دعوى المشتري كما لا تسمع في المادة (الـ1670).(1/41)
مثال للفارغ والمفروغ له في الأراضي الأميرية.
مثلاً إذا تصرف أحد في مزرعة عشر سنوات وسكت صاحب المزرعة المتصلة بالمزرعة المذكورة تلك المدة بلا عذر ثم تفرغ بمزرعته لآخر فإذا ادعى المتفرغ له أن تلك المزرعة هي طريق خاص للمزرعة التي تفرغت إليه فلا تسمع دعواه.
مثال للفارغ والمفروغ له في المسقفات الموقوفة.
مثلاً. لو تصرف أحد بالإجارتين مستقلاً في دار وقف في مواجهة بنته هند خمس عشرة سنة وسكتت هذه المدة بلا عذر ثم توفي ذلك الشخص وترك هنداً المذكورة وبنته زينب من زوجة أخرى وأرادت زينب أن تتصرف في تلك الدار بناء على الانتقال العادي مع هند بالسوية فإذا ادعت هند بأن نصف الدار المذكورة قبل السنين المذكورة هي في تصرف والدتها خديجة بالإجارتين فانتقل النصف لها وإنه لذلك لها ثلاثة أرباع الدار فلا تسمع دعواها (جامع الإجارتين).
إذا ضم مدة تصرف الوارث والموروث والبائع والمشتري والواهب والموهوب له والفارغ والمفروغ له إلى بعضهما وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا يجوز إقامة الدعوى عليهم من آخر، مثلاً إذا تصرف المورث في عقار ملك مدة ثماني سنوات وتصرف الوارث مدة ثماني سنوات أخرى بلا نزاع فإذا ادعى من سكت هذه المدة بلا عذر أن ذلك العقار هو ملكه فلا تسمع دعواه.
كذلك إذا تصرف البائع في عقار مدة تسع سنوات بلا نزاع ثم باعه لآخر وسمله وتصرف المشتري ست سنوات بلا نزاع فإذا ظهر أحد وادعى على المشتري أن ذلك العقار ملكه فلا تسمع دعواه.
ويقاس الواهب والموهوب له على ذلك.
كذلك إذا تصرف أحد مدة ثماني سنوات بلا نزاع في عقار موقوف ثم أفرغه لآخر وتصرف المتفرغ له في ذلك مدة ثماني سنوات بلا نزاع فإذا ادعى من سكت بلا عذر في هاتين المدتين على المتفرغ له بأن ذلك العقار تحت تصرفه بالإجارتين فلا تسمع دعواه.(1/42)
كذلك إذا تصرف أحد في مزرعة من الأراضي الأميرية ثماني سنوات بلا نزاع ثم توفي فتصرف من أصحاب الانتقال ولده في تلك المزرعة مدة سنتين بلا نزاع ثم ظهر شخص سكت في تينك المدتين بلا عذر وادعى على الولد قائلاً: إن المزرعة في تصرفة فلا تسمع دعواه.
كذلك إذا تصرف أحد بلا نزاع في أرض أميرية سبع سنين ثم تفرغ بها لآخر بإذن صاحب الأرض وتصرف المتفرغ له بها ثلاث سنوات ثم ظهر شخص وادعى على المتفرغ له بأن تلك المزرعة هي في تصرفه قبل تلك السنين فلا تسمع دعواه.
المادة (1672) – (لو وجد مرور الزمن في حق بعض الورثة في دعوى مال الميت الذي هو عند آخر ولم يوجد في حق بعض الورثة لعذر كالصغر وادعى به وأثبته يحكم بحصته في المدعى به ولا يسري هذا الحكم إلى سائر الورثة).
يقبل مرور الزمن التجزئة فلذلك لو وجد مرور الزمن في حق بعض الورثة في دعوى مال الميت الذي هو عند آخر ولم يوجد في حق بعض الورثة لعذر كالصغر والجنون والعته والغيبة مدة السفر وادعى به وأثبته يحكم بحصته في المدعى به ولا يسرى هذا الحكم إلى سائر الورثة.
مثلاً لو كان لأحد في ذمة آخر عشرة دنانير ثم توفي وترك ولدين أحدهما بالغ الآخر صغير في السنة الأولى من عمره ولم يدع ولده البالغ مدة ست عشرة سنة وعندما بلغ الولد الصغير أي بعد تاريخ وفاة والده بست عشرة سنة ادعى بحصته فللولد المذكور أن يأخذ حصته الخمسة دنانير وليس للولد الآخر أن يدعى بمشاركته فيما أخذه توفيقاً للمادة (الـ110).
إذا كان المدعى به ديناً ولم يكن عيناً فالحكم على هذا المنوال أيضاً. فلذلك لو كان لرجلين بالغين مائة دينار في ذمة آخر ولم يمر الزمن في حق أحدهما بسبب وجوده في ديار بعيدة مدة السفر فادعى بمطلوبه وأثبته يحكم له بحصته في المدعى به ولا يسرى هذا الحكم على حصة الشريك الآخر.(1/43)
المادة (1673) – (وليس لمن كان مقراً بكونه مستأجراً في عقارات يملكه لمرور زمن أزيد من خمس عشرة سنة وأما إذا كان منكراً وادعى المالك بأنه ملكي وكنت أجرتك إياه قبل سنين ومازلت أقبض أجرته فتسمع دعواه إن كان إيجاره معروفاً بين الناس وإلا فلا).
ليس من كان مقراً بكونه مستأجراً أو مستعيراً أو مستودعاً أو مرتهناً أو غاصباً أو مزارعاً أو مساقياً في عقار أن يملكه لمرور زمن أزيد من خمس عشرة سنة لأنه لا يسقط الحق بتقادم الزمان حسب المادة (الـ1674) كما أن مرور الزمن ووضع اليد على مال مدة طويلة ليست معدودة من أسباب الملك كما أن الاستئجار هو مانع لدعوى التملك كما جاء في المادة (الـ1583).
وأما إذا كان ذلك الشخص منكراً كونه مستأجراً ذلك العقار وادعى المالك بأنه ملكي وكنت أجرتك إياه قبل سنين ومازلت أقبض أجرته ينظر فإذا كان إيجاره معروفاً بين الناس فتسمع دعواه وإذا كان غير معروف فلا تسمع والمعروف بضم العين من العرف. والعرف هو ضد النكر.
ومعنى معروف حسب هذه الإيضاحات أي إذا كان معلوماً ولا يفيد هذا التعبير لزوم إثبات الإيجار بالتواتر والشهرة وعدم جواز إثباته ودفع مرور الزمن بالبينة العادية ومع ذلك لو اعتبر معنى معروف يعني مشهور هنا فالمشهور على قسمين، أحدهما أن يكون مشهوراً بالشهرة الحقيقية ويدعى ذلك بالتواتر، والآخر أن يكون مشهوراً شهرة حكمية والشهرة الحكمية تحصل بإخبار شهود بنصاب الشهادة على طريق الشهادة والاشتهار يطلق على العلم الذي يكون بالتواتر والشهرة أو بإخبار مخبرين عدلين أو بمخبر عدل (التهتاني).
وهل أن هذا الحكم الذي يجري في حال معروفية الإيجار بين الناس يجري أيضاً في الإعارة والإيداع أو الرهن المعروف بين الناس؟ فالظاهر أنه يجري. انظر مادة (1583).(1/44)
والحكم على هذا المنوال أيضاً في المسقفات والمستغلات الموقوفة وفي الأراضي الأميرية فلذلك إذا تصرف أحد في عقار أكثر من ست وثلاثين سنة وادعى بعد ذلك متواي وقف قائلاً: إن هذا العقار هو من مستغلات الوقف الذي هو تحت توليتي وقد أجرتك إياه في المدة المذكورة وأنكر ذلك الشخص دعوى المتولي مدعياً ملكية ذلك العقار فينظر: فإذا كان معروفاً بين الناس أن العقار المذكور كان يؤجر من طرف الوقف لذلك الشخص فتسمع دعوى المتولي وإلا فلا.
كذلك إذا تصرف أحد في مزرعة من الأراضي الأميرية أكثر من عشر سنوات ثم ادعى شخص آخر قائلاً إن تلك الأرض هي في تصرفي بموجب طابو وقد أجرتها لك المدة المذكورة وأنكر ذلك الشخص دعوى المدعي ينظر فإذا كان معروفاً بين الناس أن تلك الأرض قد أجرت لذلك الشخص فتسمع دعواه وإلا فلا.
المادة (1674) – لا يسقط الحق بتقادم الزمن بناء عليه إذا أقر واعترف المدعى عليه صراحة في حضور القاضي بأن للمدعي عنده حقاً في الحال في دعوى وجد فيها مرور الزمن بالوجه الذي ادعاه المدعي فلا يعتبر مرور الزمن ويحكم بموجب إقرار المدعى عليه وأما إذا لم يقر المدعى عليه في حضور القاضي وادعى المدعي بكونه أقر في محل آخر فكما لا تسمع دعواه الأصلية كذلك لا تسمع دعوى الإقرار. ولكن الإقرار الذي ادعى أنه كان قد ربط بسند حاو لخط المدعي عليه المعروف سابقاً أو ختمه ولم يوجد مرور الزمن من تاريخ السند إلى وقت الدعوى تسمع دعوى الإقرار على هذه الصورة).
لا يسقط الحق بتقادم الزمن ولو تقادم الزمن أحقاباً كثيرة وإن عدم استماع الدعوى بمرور الزمن المبين آنفاً مبني على الأمر السلطاني بسبب امتناع الحكم عن سماع الدعوى خوف وقوع التزوير ولقطع الحيل والتزوير والأطماع الفاسدة الفاشية بين الناس انظر شرح عنوان الباب الثاني.(1/45)
فلذلك لو أقام أحد الدعوى بمطلوبه الذي هو على آخر بعد مرور خمس عشرة سنة ورد القاضي الدعوى بسبب مرور الزمن فيبقى المدين مديناً ديانة ولا يخلص من حق غرمائه ما لم يؤد دينه أو يرض مدينه.
فلذلك إذا أقر واعترف المدعى عليه صراحة في حضور القاضي بأن للمدعي عنده حقاً في الحال في دعوى وجد فيها مرور الزمن بالوجه الذي ادعاه المدعي فلا يعتبر مرور الزمن ويحكم بموجب إقرار المدعى عليه.
والإقرار إما أن يكون شفاهياً وقد بين وإما أن يكون بالإقرار بأن إمضاء أو ختم السند المبرز هو إمضاؤه وختمه ويقال لهذا الإقرار بالكتابة.
مثلاً إذا ادعى أحد ديناً من آخر مر عليه خمس عشرة سنة استناداً إلى سند معنون ومرسوم فأقر المدعي عليه الإمضاء والختم الذي في السند وادعى وجود مرور الزمن في الدعوى فليزمه كما بين في المادة (الـ1610) أن يؤدي المبلغ الذي يحتويه السند (الخالية في كتاب الدعوى).
وبما أنه لا يسقط الحق بمرور الزمن فلا يكفي أن يكون جواب المدعى عليه على دعوى المدعي بقوله: إن في الدعوى مرور زمن. أما لو أجاب المدعى عليه على دعوى الدين بأنني لست مديناً وفي دعوى العين: أن هذه العين لي وأضاف إلى ذلك الادعاء بمرور الزمن فيصح دفعه.(1/46)
إن ذكر عبارة في الحال الواردة في هذه الفقرة هي لكونها وردت في فتاوى مشائخ الإسلام ولا يقصد بها الاحتراز من الإقرار للمدعي حقاً عنده في الماضي فلذلك لو ادعى المدعى عليه بأن المال المدعي به كان قبل ثلاثين سنة للمدعي ولمورثه وأنه اشتراه منه فيكون قد أقر بحق المدعي فلذلك إذا لم يثبت المدعى عليه الشراء وحلف المدعي اليمين عند تكليفه للحلف يسلم المدعى به للمدعي لأن من أقر بشيء لغيره أخذ بإقراره ولو كان في يده أحقاباً كثيرة لا تعد وهذا مما لا يتوقف فيه (الخيرية في الدعوى) والحكم في الدين وهو على هذا المنوال فلو ادعى المدعي على المدعى عليه قائلاً: إن لي العشرين ديناراً التي أقرضتها لك قبل خمس عشرة سنة فإذا ادعى المدعى عليه أنه اقترض منه هذا المبلغ قبل خمس عشرة سنة إلا أنه قد أدى ذلك للمدعى فعليه إثبات ذلك فإذا عجز عن الإثبات وحلف المدعي على عدم إستيفائه الدين فله أخذ ذلك المبلغ من المدعى عليه.
والمسقفات الموقوفة والأراضي الأميرية والموقوفة هي كالأملاك فلذلك لو ادعى أحد على عقار وقف بالإجارتين أو أرض أميرية جارية في تصرف آخر بلا نزاع مدة خمس عشرة سنة بأن العقار المذكور هو تحت تصرفه من الوقف المذكور أو أن الأرض تحت تصرفه وأجاب المدعى عليه بأن العقار المذكور أو الأرض المذكورة كانت تحت تصرفك إلا أنك قد تفرغت بها لي قبل خمس عشرة سنة بإذن المتولي أو بإذن صاحب الأرض وأنني متصرف بذلك العقار أو تلك الأرض من ذلك الوقت فإذا أثبت المدعى عليه حصول الفراغ له أو نكل المدعي عن حلف اليمين تندفع دعوى المدعي أما إذا لم يثبت المدعى عليه الفراغ وحلف المدعي اليمين فيحكم على المدعى عليه بالرد.
أن هذه المسألة قد كتبها أمين الفتوى الأسبق (عمر حلمي أفندي) في كتاب الأوقاف بغير هذا الوجه إلا أنه لما كان ما كتبه بهذه المسألة مخالفاً للشرع فهو غير معتبر.(1/47)
وأما إذا لم يقر المدعى عليه في حضور القاضي وادعى بكونه أقر في محل آخر وأنه لا يوجد مرور زمن اعتباراً من تاريخ الإقرار فكما لا تسمع دعواه الأصلية كذلك لا تسمع دعوى الإقرار حيث إنه يوجد في هذه الصورة شبهة تزوير وتصنيع.
ولكن الإقرار الذي ادعى به كان قد ربط بسند حاو لخط وختم المدعى عليه بالمعروف سابقاً بين التجار وأهل البلدة ولم يوجد مرور الزمن من تاريخ السند إلى وقت الدعوى ففي تلك الصورة تسمع دعوى الإقرار لأنه يثبت الإقرار في هذا الحال بريئاً من شبهة التزوير والتصنيع.
والإيضاحات عن كلمة وختمه قد مر ذكرها في المادة (الـ1609).
المادة (1675) – (لا اعتبار لمرور الزمن في دعاوى المحال التي يعود نفعها للعموم كالطريق العام والنهر والمرعى. مثلاً لو ضبط أحد المرعى المخصوص بقرية وتصرف فيه خمسين سنة بلا نزاع ثم ادعاه أهل القرية تسمع دعواهم).
لأنه يوجد بين العامة قاصرون كالصغار والمجانين والمعتوهين ويوجد غائبون وحيث لا يمكن إفراز حق هؤلاء من غيرهم فلذلك لا يجري في المحال التي يعود نفعها للعموم مرور الزمن: مثلاً أن لأهالي بغداد حقاً في الطريق العام الكائنة في دمشق.
فلذلك لو ضبط أحد المرعى المخصوص بقرية وتصرف فيه خمسين سنة بلا نزاع ثم ادعاه أهل القرية تسمع دعواهم.
أما إذا لم يكن المرعى عائداً للعموم أي عائداً لأهالي قرية أو قصبة أو عائداً لأهالي قرى أو قصبات متعددة بل كان عائداً لشخص مخصوص فإذا كان ملكاً فلا تسمع الدعوى فيه بعد خمس عشرة سنة وإذا كان من الأراضي الأميرية فلا تسمع الدعوى فيه بعد خمس عشرة سنة وإذا كان من كان ملكاً فلا تسمع الدعوى فيه بعد خمس عشرة سنة وإذا كان من الأراضي الأميرية فلا تسمع الدعوى فيه بعد مرور عشر سنوات.
كذلك لو أخذ أحد مقداراً من الطريق العام والحقه بداره فإذا ادعى أحد العامة بعد مرور خمسين سنة وأثبت دعواه فله تفريغ الطريق.(1/48)
والمقصود من النهر في المجلة هو النهر العائد لأهالي قرية أو قرى متعددة أما النهر المملوك لشخص فمرور الزمن فيه قد مر ذكره في المادة (الـ1661).
تاريخ الإرادة السنية 9 جمادى الآخرة سنة 1293.
(تم بألطافه تعالى كتاب الدعوى ويليه كتاب البينات والتحليف)
ويرجع إلى كتاب قانون العدل والإنصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف/224 وما بعدها وكتاب إتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف/333 وما بعدها. وكتاب المعاملات في الشريعة الإسلامية 1/107. ومابعدها.
التقادم في مسألة وضع اليد
الجزء الثاني
الكاتب ... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
المصدر ... مجلة البحوث الإسلامية -العدد30
جـ - وجاء في مرشد الحيران وشرحه – باب في وضع اليد وعدم سماع الدعوى بمرور الزمن الأصل في هذا المبحث أن الولاية تتخصص بالزمان والمكان والخصومة وتقبل التقييد والتعليق بالشرط كقول الإمام لمن يريد توليته: إذا وصلت إلى بلد كذا فأنت قاضيه وتقبل الإضافة إلى زمن معلوم كقوله: جعلتك قاضياً على جهة كذا من أول سنة سبع وعشرين وثلثمائة بعد الألف، لأن السلطة مستمدة منه فلا يتجاوز المستمد قدر ما أمد به ولي الأمر واستدل على أن الولاية تقبل التعليق بقوله عليه الصلاة والسلام حين بعث البعثة إلى مؤته (قرية من قرى البلقاء في حدود الشام من جهة بلاد العرب شمال معان) وأمر عليهم زيد بن حارثة: "إن قتل زيد بن حارثة فجعفر أميركم وإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة" وقد ورد نهي سلطاني للقضاة بعدم سماع الدعوى في غير الإرث، والوقف بعد مضي خمس عشرة سنة والمدعى عليه واضع يده على ما يدعيه المدعي وهو حاضر ولم يكن عنده عذر شرعي يمنعه من الخصومة لأن تركه تلك المدة أمارة على كونه غير محق وأن الشيء المتنازع فيه ملك لواضع اليد إذ العرف والعادة يقتضيان أن الشخص لا يسكت عن ملكه هذا الزمن الطويل.(1/49)
ولكن مضي المدة لا يكسب واضع اليد الملك فيما وضع يده عليه لقوله عليه الصلاة والسلام "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" ولذلك لو أقر به للمدعى عليه تسمع الدعوى ولو تمسك بالمدة الطويلة ولا يلتفت إليه. وينبغي لولي الأمر أن ينظر في مثل هذه القضايا بنفسه أو يعين من يختاره للفصل فيها كي لا تضيع الحقوق، نعم لو كان بعض المدعين مشهوراً بالحيل والتزوير لا يلتفت إلى قضيته أصلاً لأن شهرته بالتزوير تدل على أنه مبطل في دعواه وإنما الواجب عليه النظر في قضايا من لم يشتهروا بالتزوير والاحتيال لاغتيال حقوق الناس بالباطل. وينبني على ذلك أنه إذا كان شخص واضعاً يده على عين من الأعيان عقاراً كانت أو منقولاً والحال أنه يتصرف فيها تصرف الملاك بدون منازع ولا معارض مدة خمس عشرة سنة فلا تسمع عليه دعوى الملك بغير الإرث والوقف من أحد ليس عنده عذر شرعي كسفر أو مرض أو جنون أو صغر كما سيبين قريباً، ومحل ذلك ما إذا أنكر المدعى عليه فإن أقر للمدعي وجب على القاضي سماعها ولذلك ينبغي للقاضي أن لا يرفض القضية من أول الأمر بل ينبغي له أن يوجه إلى المدعى عليه بعض أسئلة لجواز أن يقر وإذ ذاك يبتدئ في سماعها ليفصل فيها. انظر مادة (151)[1].(1/50)
فمما تقدم علمت أن النهي السلطاني خاص بغير الإرث والوقف فلا يسري حكم النهي إليهما بل تسمع فيهما الدعوى ولو بعد مضي خمس عشرة سنة ولكن نص الفقهاء على أن الخصم لو ترك الخصومة مدة ثلاث وثلاثين سنة في الإرث والوقف وهو يشاهد واضع اليد يتصرف في العين التي تحت يده تصرف الملاك بدون منازع ولا معارض ولم يكن له من عذر شرعي يمنعه من الخصومة فلا تسمع دعواه بعد ذلك لأن ترك الخصومة هذا الزمن الطويل يدل على أنه غير مالك لما يدعيه وهذا الحكم ليس مبنياً على نهي سلطاني بل على اجتهاد الفقهاء ولذا لا تسمع الدعوى بعدها ولو أمر ولي الأمر بسماعها. وصرح بعضهم بأن المدة في الإرث والوقف ثلاثون سنة، وصرح آخرون بأنها ست وثلاثون سنة وقال بعضهم المستثنى من النهي السلطاني إنما هو الوقف ومال اليتيم والغائب في الإرث والمشهور الأول. انظر مادة (152)[2].
وليست المدة المانعة من سماع الدعوى قاصرة على الزمن الذي وضع يده المدعى عليه فيه بل لواضع اليد المدعى عليه أن يضم إلى مدة وضع يده وضع من تلقى الملك عنه مطلقاً سواء كان ذلك التلقي بطريقة الشراء أو الهبة أو الوصية أو الإرث أو غير ذلك كالأخذ بالشفعة فإذا ضمت المدتان إلى بعضهما وصار المجموع مساوياً للمدة المانعة من سماع الدعوى فلا تسمع على واضع اليد دعوى الملك المطلق ولا دعوى الإرث والوقف لأن علة منع سماعها الترك وقد حصل في مجموع المدتين. انظر مادة (153)[3].(1/51)
ومحل منع سماع الدعوى بعد مضي المدة إذا لم يكن وضع اليد بطريق الإجارة أو الإعارة فإن كان واضع اليد مستأجراً أو مستعيراً أو معترفاً بالإجارة أو الإعارة فليس له أن يتمسك بمضي المدة وهو واضع اليد لاعترافه بأنه ليس بمالك وأن الملك للمؤجر أو للمعير. فلو أنكر الإجارة أو الإعارة في جميع مدة وضع يده ومضت المدة المقررة لمنع سماع الدعوى والمدعي حاضر ولم يخاصم مع تمكنه من المخاصمة ووجود الداعي لها وهو انكاره الإجارة أو الإعارة فلا تسمع دعواه بعد ذلك لأن سكوته المدة الطويلة يدل على أنه غير محق في دعواه كما تقدم، أنظر مادة (155)[4].
وهذا إذا ترك مدعي الملك أو الإرث أو الوقف الدعوى في المدة الطويلة وهي خمس عشرة سنة في الملك المطلق وثلاث وثلاثون في الإرث والوقف ) بدون عذر شرعي فإن كان عنده عذر من الأعذار الشرعية يمنعه من الدعوى كأن كان مريضاً أو مسافراً أو قاصراً أو مجنوناً وليس لهما ولي أو وصي جاز سماع الدعوى ولا عبرة بوضع اليد في تلك المدة لأن العلة ترك الخصومة مع التمكن وهو لم يتمكن لوجود العذر. ومن المقرر أن المعلول يدور مع علته وجوداً أو عدماً.
ولهذا لو حضر المسافر وبلغ الصبي وعقل المجنون وترك كل منهم الدعوى بعد زوال العذر مدة خمس عشرة سنة في الملك المطلق ومدة ثلاث وثلاثين في الإرث والوقف لا تسمع منهم الدعوى انظر مادتي (156- 157)[5].(1/52)
ولو خاصم المدعي واضع اليد عند القاضي في مجلس القضاء قبل مضي المدة المانعة من سماع الدعوى ولم يفصل القاضي في الخصومة وأهملت الدعوى حتى مضى على وضع اليد المدة الكافية للمنع من سماع الدعوى جاز للقاضي سماعها ولكن محل ذلك مالم يمض بين الدعوى الأولى والثانية المدة المقررة لعدم سماع الدعوى فإن مضت المدة بعد الدعوى الأولى ولم يكن عنده عذر يمنعه من الدعوى فلا يجوز للقاضي سماعها. هذا إذا كانت المخاصمة أمام القاضي كما تقدم فإن طلب المدعي العين من واضع اليد عليها في غير مجلس القضاء فلا تعتبر تلك المطالبة ولو حصلت وحينئذ لا تكون تلك المطالبة قاطعة للمدة بل لواضع اليد أن يضم المدة التي بعد المطالبة إلى التي قبلها فإن بلغت المدتان المدة المحدودة ثم ادعى أحد على واضع اليد بعد ذلك فلا تسمع منه الدعوى انظر مادتي (158- 159)[6] وليس عدم سماع الدعوى قاصراً على مضي المدة الطويلة المتقدم بيانها بل يمنع المدعي من سماع دعواه إذا وجد منه ما يدل على اعترافه بالملك لواضع اليد ولو لم يمض على ذلك المدة الطويلة لأنه بدعواه الملك بعد اعترافه يعد ساعياً في نقض ما تم من جهته وكل من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه وينبني على ذلك ما يأتي:
الأول – أنه إذا ساوم شخص آخر في العين التي تحت يده بطريق البيع أو الإجارة ليبيعها له أو يؤجرها له أو طلب منه أن يعيرها إياه ثم ادعى بعد ذلك أن العين ملكه فلا تسمع دعواه بعد المساومة أو طلب الإيداع أو الإجارة أو الإعارة لاعترافه ضمناً بالملك للمدعى عليه فلا تقبل دعواه انظر مادة (154)[7].(1/53)
الثاني – إذا باع أحد لآخر عيناً من الأعيان سواء كانت عقاراً أو منقولاً أمام شخص فاستلم المشتري المبيع بحضرته وتصرف فيه تصرف الملاك وهو حاضر كأن بنى في العقار أو غرس فيه أشجاراً أو زرعه أو كان المبيع من الأقمشة فجعله ثوباً ثم أراد بعد ذلك مخاصمة المشتري فلا تسمع دعواه لأن حضوره وقت البيع ومشاهدته للتصرف ولم ينكر على المشتري ولم يخاصمه في ذلك الوقت بدون عذر يعد اعترافاً منه بالمالك ولو مات ذلك الشخص وأراد وارثه أن يدعي فليس له ذلك لاعتراف مورثه بالملك للمشتري ضمناً. انظر مادة (160)[8].
الثالث – أنه إذا باع شخص عقاراً أو حيواناً أو ثوباً لآخر وكان أحد أقاربه يعلم ذلك كولده أو أبيه أو أخيه أو زوجته ثم ادعى أنه ملكه فلا تسمع دعواه بعد ذلك إذا لم يكن عنده عذر يمنعه من إقامة الدعوى وقت البيع لأن سكوته وقت البيع يعد اعترافاً منه بالملك للبائع وأنه ليس له حق فدعواه بعد ذلك تعد سعياً في نقض ما تم من جهته وكل من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه كما سبق. ولا يشترط في عدم سماع دعوى القريب مشاهدته لتصرف المشتري كما تقدم في الأجنبي على الصحيح بل مجرد اطلاعه على بيع قريبه بدون مخاصمة يمنعه من سماع الدعوى. انظر مادة (161)[9].
فائدة
قال الإمام مالك من حاز عقار غيره عشر سنين منع الغير من سماع الدعوى وهذا إذا كان أجنبياً فإن كان قريباً سواء كان شريكاً في العقار أو غير شريك فلا تعتبر الحيازة إلا إذا طال تصرف الحائز بالهدم والبناء ونحوهما مدة طويلة نحو ستين سنة وتختلف الحيازة في المنقول باختلاف حالته ففي دابة الركوب وفي نحو أثاث المنزل ثلاث سنين وفي نحو ثوب سنة.(1/54)
وأما الديون الثابتة في الذمة فقيل تسقط بمضي عشرين سنة بدون عذر وقيل لا تسقط إلا بمضي ثلاثين سنة واختار ابن رشد أنها متى كانت ثابتة لا تسقط وإن طال الزمان وكان ربه حاضراً ساكتاً قادراً على الطلب لخبر ((لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم)) وفوض بعضهم الأمر لاجتهاد القاضي لينظر في حال الزمن وحال الناس وهو ظاهر. اهـ. من الشرح الكبير جزء 4 صحيفة 217- 218[10].
2 – النقول عن المذهب المالكي:
تمهيد:
بنى الإمام مالك القول بإثبات الحكم بالتقادم على اجتهاد الحاكم ولم يحدد له مدة معينة وذكر بعضهم عنه تحديده بعشر سنوات ومن المالكية من بنى قوله في ذلك على حديثين أحدهما: لا يبطل حق امرئ وإن قدم. والثاني: من حاز شيئاً عشر سنين فهو له.
ولقد اعتنى المالكية في تفصيل الكلام على هذه النقطة في مدونة الإمام مالك رحمه الله وفي تبصرة الحكام لابن فرحون ومختصر خليل وشرحه للحطاب وغيرها وقد رأت اللجنة الإقتصار على النقول الثلاثة المشار إليها فقط وتركت البقية اختصاراً.
وفيما يلي ذكر هذه النقول:
أ – شهادة السماع في الدور المتقادم حيازتها:(1/55)
قلت: [11]أرأيت إن كانت الدار في يدي رجل قد أنسئ له في العمر أقام فيها خمسين سنة أو ستين سنة ثم قدم رجل فادعاها وأثبت الأصل فقال الذي الدار في يده اشتريتها من قوم قد انقرضوا وانقرضت البينه وجاء بقوم يشهدون على السماع أنه اشتراها (قال) سمعت مالكاً يقول إذا جاء بقوم يشهدون على السماع أنه اشترى ولم يقل لي مالك من صاحبها الذي ادعاها كان أو من غيره وقد أخبرتك بالذي سمعت منه وليس وجه السماع الذي يجوز على المدعي والذي حملنا عن مالك إلا أن يشهدوا على سماع شراء من أهل هذا المدعي الذي يدعي الدار بسببهم أو يكون في ذلك قطع لدعوى هذا المدعي بمنزلة السماع في الأحباس فيما فسر لنا مالك (قال) ومعنى قول مالك حتى يشهدوا على سماع يكون فيه قطعاً لدعوى هذا المدعي إنما هو أن يشهدوا أنا سمعنا أن هذا الذي الدار في يديه أو أباه أو جده اشترى هذه الدار من هذا المدعي أو من أبيه أو من جده أو من رجل يدعي هذا المدعي أنه ورث هذه الدار من قبله (قال) نعم أو اشترى ممن اشترى من جد هذا المدعي وقد بينا لك ذلك من قول مالك (قال) وقال مالك هاهنا دور تعرف لمن أولها بالمدينة قد تداولها قوم بعد قوم في الاشتراء وهي اليوم لغير أهلها فإذا كان على مثل هذا فالسماع جائز على ما وصفت لك وإن لم تكن شهادة قاطعة (قال) ابن القاسم وكان مالك يرى الشهادة على السماع أمراً قوياً (قلت) أرأيت إن أتى الذي الدار في يده ببينة يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار اشترى هذه الدار أو اشتراها جده أو اشتراها والده إلا أنهم قالوا سمعنا أنه اشتراها ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو (قال) لم اسمع من مالك فيه شيئاً ولا أرى ذلك يجوز حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أب هذا المدعي أو جده.
ب – في الشهادة على السماع في الدار القريبة حيازتها:(1/56)
قلت: [12]أرأيت إن أتى رجلٌ فادعى داراً في يدي رجل وثبت ذلك فقال الذي في يديه الدار أنا آتي بقوم يشهدون على السماع أن أبي اشتراها من خمس سنين أو ما أشبه ذلك أتقبل البينة في تقارب مثل هذا على السماع (قال) لا أرى أن ينفع السماع في مثل هذا ولا تنفعه شهادة السماع إلا أن يقيم بينة تقطع على الشراء وإنما تكون شهادة السماع جائزة فيما كثر من السنين وتطاول من الزمن ولقد قال مالك في الرجل يقر لقوم أن أباهم كان أسلفه مالاً وأنه قد قضاه والدهم (قال) مالك وكان الذي من ذلك أمراً حديثاً من الزمان والسنين لم يتطاول ذلك لم ينفعه قوله قد قضيت إلا ببينة قاطعة على القضاء وإن كان قد تطاول زمان ذلك احلف المقر وكان القول قوله فهذا يدلك أيضاً على تطاول الزمان في شهادة السماع أنها جائزة وما قرب الزمان أنها ليست على الغائب لأنه غائب لم يجز عليه شيء دونه فتكون الحيازة دونه إلا أن مالكاً قال في الذي يقر بالدين فيما بلغني عنه ولم أسمعه منه لو كان إقراره ذلك على وجه الشكر مثل ما يقول الرجل للرجل جزى الله فلاناً خيراً قد جئته مرة فاسلفني وقضيته فالله يجزيه خيراً على نشر الجميل والشكر له لم أر أن يلزمه في هذا شيء مما أقر به قرب زمان ذلك أو بعد.
جـ - في الشهادة على الحيازة:
((1/57)
قلت): [13]أرأيت أن شهدوا على دار أنها في يد رجل منذ عشر سنين يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني وأقام آخر البينة أن الدار داره أيجعل مالك الذي أقام البينة على الحيازة وهي في يديه بمنزلة الذي يقيم البينة وهي في يديه أنها له فيكون أولى بها في قول مالك ويجعل مالك الحيازة وإذا شهدوا له بها بمنزلة الملك (قال) قال مالك إذا كان حاضراً يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له وإن كان غائباً سئل الذي الدار في يديه فإن أتى ببينة أو سماع قد سمعوا أن أباه أو جده قد اشترى هذه الدار إذا كان أمراً قد تقادم فأراها له دون الذي أقام البينة أنها له (قال) مالك: لأن هاهنا دوراً قد عرفت لمن أولها قد بيعت وتداولتها المواريث وحيزت منذ زمان فلو سئل أهلها البينة على أصل الشراء لم يجدوا إلا السماع فذا كان مثل ما وصفت لك في تطاول الزمان فأتى بالسماع مع الحيازة فأراها له كذلك قال مالك وإن لم يأت بالسماع ولا بالشهادة وكان الذي يطلب الدار غائباً فقدم فأقام البينة أنها له رأيتها له (قال) مالك وإن كان حاضراً إذ حازها المشتري دونه فلا شيء للذي يدعيها (قلت) هل كان مالك يوقت في الحيازة عشر سنين (قال): ما سمعت مالكاً يحد فيه عشر سنين ولا غير ذلك ولكن على قدر ما يرى أن هذا قد حازها دون الآخر فيما يكري ويهدم ويبني ويسكن (قلت) أرأيت الدواب والثياب والعروض كلها والحيوان كله هل كان مالك يرى أنها إذا حازها رجل بمحضر من رجل فادعاها الذي حيزت عليه أنه لا حق له فيها لأن هذا قد حازها دونه وهل كان يقول في هذه الأشياء مثل ما يقول في الدور والحيازة (قال لم أسمع من مالك في هذا شيئاً إلا أن ذلك عندي مثل ما قال مالك في الدور إذا كانت الثياب تلبس وتمتهن والدواب تكرى وتركب (ابن وهب) عن عبدالجبار[14] بن عمر عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن سعيد بن المسيب يرفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "من حاز شيئاً عشر سنين فهو(1/58)
له" قال عبدالجبار وحدثني عبدالعزيز بن المطلب عن زيد بن أسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله (قال) عبدالجبار عن ربيعة أنه قال: إذا كان الرجل حاضراً وماله في يد غيره فمضت له عشر سنين وهو على ذلك كان المال الذي هو في يديه بحيازته إياه عشر سنين إلا أن يأتي الآخر ببينة على أنه أكرى أو أسكن أو أعار عارية أو صنع شيئاً من هذا وإلا فلا شيء له (قال) ربيعة: ولا حيازة على غائب.
د – ما جاء في الشهادات في المواريث
((1/59)
قلت):[15] أرأيت إن مات عندنا ميت فجاء رجل فأقام البينة أنه ابن الميت ولم يشهد الشهود أنهم لا يعلمون له وارثاً غيره أتجيز شهادتهم وتعطي هذا الميراث أم لا تعطيه من الميراث شيئاً وهل تحفظ قول مالك في هذا (قال) وجه الشهادة عند مالك في هذا أن يقولوا إنه ابنه لا يعلمون له وارثاً غيره فأرى أن تبطل الشهادة في ذلك ويسأل وينظر (قلت) أرأيت إن أقمت البينة أن هذه الدار دار أبي وجدي ولم يشهدوا أنه مات وتركها ميراثاً لي أيقضي لي بها السلطان في قول مالك أم لا (قال) لا حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثاً لا يعلمون أنه أحدث فيها شيئاً ولا خرجت عن يده وجل الدور تعرف لمن كان أولها ثم تداولها أقوام بعد ذلك فهم إن شهدوا يشهدون ولا علم لهم بما كان فيها ولا تجوز شهادتهم حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثاً لا يعلمون له وارثاً غيره إذا شهدوا أن هذا وارث جده أو وارث أبيه (قلت) أرأيت إن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين (قال) لا يعطي هذا إلا حظه (قلت) فحظوظ إخوته أتؤخذ من يد هذا الذي هي في يديه فيضعها السلطان على يدي عدل (قال) أرى أن لا يعطى لهذا منها إلا بمقدار حظه وما استحق من ذلك ويترك السلطان ما سوى ذلك في يدي المدعى عليه حتى يأتي من يستحقه ولا يخرجه من يديه (قال) سحنون: وقد كان يقول غير هذا وروى أشهب عن مالك أنه قال: ينتزع من يد المطلوب ويوقف (قلت): أرأيت لو أن قوماً شهدوا على أن هذه الدار دار جدي وأن هذا المولى مولى جدي ولم يحددوا المواريث لم يشهدوا أن جدي مات فورثه أبي وأن أبي مات فورثته أنا (قال): سأل مالكاً بعض أصحابنا وسمعته يسأل عن الرجل يقيم البينة أن هذه الدار دار جده ويكون فيها رجل قد حازها منذ سنين ذوات عدد (قال): قال مالك: أما إن كان الرجل المدعي حاضراً فلا أرى له فيها حقاً لأجل حيازته إياها إذا كان قد حازها سنين ذوات عدد وأما إذا كان المدعي غائباً وثبتت المواريث حتى صارت له(1/60)
فإني أرى أن يسأل الذي هي في يديه من أين صارت له فإن أتى ببينة على شراء أو سماع على الإشتراء وإن لم يكن أحد يشهد على معاينة الشراء ولا من يشهد على البتات إلا على السماع فأرى الشهادة جائزة للذي هي في يديه بالسماع بالإشتراء وإن لم يكن في أصل الشهادة شهادة تقطع على البيع (قال) مالك: لأن هاهنا دوراً يعرف لمن أولها قد بيعت ولا يوجد من يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع ثم قال لنا: تلك منها هذه الدار التي أنا فيها قد باعها أهلها وليس أحد يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع فإذا أتى الذي في يديه الدار بأصل الشراء أو بقوم يشهدون على سماع الاشتراء فذلك قلت فإن لم يأت الذي في يديه الدار بشيء من هذا لا بقوم يشهدون على السماع ولا بقوم يشهدون على الشراء أتجعلها للذي أقام البينة أنها لجده على ما ثبت في قول مالك (قال) قال مالك: نعم تكون للذي أقام بالبينة أنها لجده إذا كان غائباً (قلت) وشهادة السماع هاهنا إنما هو أن يشهدوا أنهم سمعوا أن هذا اشترى هذه الدار من جد هذا المدعي (قال): إذا تقادم ذلك جازت شهادتهم على السماع وإن كان المشتري حياً لأن المشتري يشتري ويتقادم ذلك حتى يكون لشرائه هذا أربعون سنة أو خمسون سنة أو ستون سنة أو نحو ذلك ولم أوقف مالكاً على أنه هو اشتراه بعينه إلا أن الذي ذكر لي مالك إنما هو في الشراء الذي يتقادم (قال): وأما في الولاء فإن مالكاً قال: أقضي بالسماع إذا شهدت الشهود على السماع أنه مولاه بالمال ولا أقضي له بالولاء (قلت) أرأيت إن أقام البينة أن الدار دار أبيه وقالت البينة لا نعرف كم الورثة أيقضي له بشيء من الدار في قول مالك وكيف إن قال الابن إنما أنا وأخي ليس معنا وارث غيرنا أو قال أنا وحدي الوارث ليس معي وارث غيري أيصدق في قول مالك (قال) لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا ولا أرى أن يقضي له السلطان بشيء حتى يقيم البينة على هذه الورثة (قلت) أرأيت إن أقمت البينة على دار أنها(1/61)
دار جدي ولم يشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثاً لأبي وأن أبي مات وتركها ميراثاً لورثته ولم يحددوا المواريث بحال ما وصفت لك (قال) سألنا مالكاً عنها (فقال) ينظر في ذلك فإن كان المدعي حاضراً بالبلدة التي الدار فيها وقد حيزت دونه السنين يراهم يسكنون ويحوزون بما تحاز به الدور فلا حق له فيها وإن كان لم يكن بالبلد التي الدار بها وإنما قدم من بلاد أخرى فأقام البينة على أنها دار أبيه أو دار جده وثبتت المواريث سئل من الذي الدار في يديه فإن أتى ببينة على أصل الشراء أو الوجه الذي صارت به إليه أو سماع من جيرانه أو من غير جيرانه أن جده أو والده كان اشترى هذه الدار أو هو بنفسه إذا طال الزمان فقالوا سمعنا أنه اشتراها وهاهنا دور تعرف لمن أولها وقد تقادم الزمان وليس على أصل الشراء بينة وإنما هو سماع من الناس أن فلاناً اشترى هذه الدار وإن لم تثبت يعني المواريث لم يسأل الذي الدار في يديه عن شيء (قلت): أرأيت إن أتى الذي في يديه الدار ببينة يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار أنه اشترى هذه الدار أو اشتراها جده أو اشتراها والده إلا أنهم قالوا سمعنا أنه اشتراها ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو (قال): لم أسمع من مالك فيه شيئاً ولا أرى ذلك حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أبي هذا المدعي أو جده.
هـ - قال ابن فرحون: (فصل في حيازة الأجنبي الحيوان والعروض)[16](1/62)
قال ابن حبيب قال لي مطرف وأصبغ ما حازه الأجنبي على الأجنبي من العبيد والإماء والدواب والحيوان كله والعروض كلها فأقام ذلك في يديه يختدم الرقيق ويركب الدواب ويجلب الماشية ويمتهن العروض فذلك كله كالحائز والحيازة في ذلك أقل من عشر سنين قطع لحجة مدعيه ومثبت أصله بعد أن يحلف بالله أنه له دون مدعيه ومثبت أصله قالا والحيوان والعروض أقصر مدة وأقوى في الحيازة من الدور والأرضين التي إنما تحاز بالعمارة والسكنى قال أصبغ: ونرى في الثياب السنة والسنتين حيازة إذا كانت تحاز على وجه الملك واللبس ونرى حيازة الدابة السنتين والثلاث حيازة إذا ملكها وركبها واغتلها وأعملها على وجه الملك بعلم صاحبها ونرى الأمة شبه ذلك والعبد والعروض فوق ذلك شيئاً إذا حاز ذلك بالملك وأسبابه ولا يلتفت في مثل هذا وأشباهه إلى عشر سنين فيما بين الأجنبيين يعني لا يبلغ في شيء من ذلك بين الأجانب إلى عشر سنين كما يصنع في الأصول قاله ابن رشد قال ابن حبيب قال لي مطرف وأصبغ وما أحدث الحائز فيه بيعاً أو عتقاً أو تدبيراً أو كتابة أو صدقة أو صداقاً أو وطأً في الإماء بحضرة مدعيه وبعلمه وإن لم يطل زمان ذلك قبل الوطء فذلك يوجبه لحائزه ويوهن حجة مدعيه قبل حدثان ذلك و بعد حدثانه إذ ترك التغيير والإنكار والتكلم عند علمه بهذا الإحداث ولا يلتفت في هذا إلى عشر سنين وإلى ما دونها (تنبيه) وذكر ابن رشد في البيان في باب الاستحقاق أنه لا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض وإنما يفترق في حيازة الأجنبي على الأجنبي كما تقدم في حيازة الأجنبي على الأجنبي الحيوان والعروض فلو حاز الورثة بعضهم على بعض الإماء بالوطء والهبة وما أشبه ذلك فلا يقطع حق الورثة في ذلك طول الزمان إلا أن يطول جداً ولم نر الأربعين يطول جداً بين الورثة خاصة على ما يأتي في حيازة بعضهم على بعض ذكره في سماع ابن القاسم وبعضه في سماع يحيى(1/63)
فانظره.
و – (فصل في سؤال الحائز الأجنبي على الأجنبي من أين صار إليه الملك[17].
قال ابن رشد يختلف الجواب في ذلك حسب اختلاف الوجوه فوجه لا يسأل الحائز عما في يديه من أين صار إليه وتبطل دعوى المدعي فيه بكل حال فلا يوجب يميناً على الحائز المدعي فيه إلا أن يدعي عليه أنه أعاره إياه فتجب عليه اليمين على ذلك وهذا الوجه هو إذا لم يثبت الأصل للمدعي وأقربه الحائز الذي حاز في وجهه العشرة أعوام ونحوها ولو ادعى عليه ما في يديه أنه ماله وملكه قبل أن تنقضي مدة الحيازة عليه في وجهيه لوجبت عليه اليمين ووجه يسأل الحائز عما في يديه من أين صار إليه يصدق في ذلك مع يمينه ويكلف البينة على ذلك وهو إذا ثبت الأصل للمدعي أو أقر له به الحائز قبل أن تنقضي مدة الحيازة عليه فيجب أن يسأل من أين صار إليه ويكلف البينة على ذلك ووجه يختلف فيه فقيل: إنه لا يلزم المطلوب أكثر من أن يوقف على الإقرار أو الإنكار وقيل أنه يوقف ويسأل من أين صار إليه وهو إذا ثبتت المواريث ولم يثبت أنها لأبيه أو جده (مسألة) واختلف إذا كان الحائز وارثاً فقيل إنه بمنزلة وارثه الذي ورث ذلك عنه في مدة الحيازة وفي أنه لا ينتفع بها دون أن يدعي الوجه الذي تصير به إلى مورثه وقيل يكون الوارث في الحيازة أقصر وليس عليه أن يسأل عن شيء لأنه يقول ورثت ذلك ولا أدري بم تصير ذلك إلى الذي ورثت عنه وهو ظاهر قول ابن القاسم وقول ابن الماجشون وهو عندي بين في أنه ليس عليه أن يسأل عن شيء وأما المدة فينبغي أن يستوي فيها الوارث والموروث (فرع) وتضاف مدة حيازة الوارث إلى مدة حيازة الموروث مثل أن يكون الوارث قد حاز خمسة أعوام فيكون ذلك حيازة على الحاضر.
ز – قال ابن فرحون: (فصل في صفة الحيازات ومراتبها)[18].(1/64)
وهي على ستة أقسام لأنها على مراتب ست: الأولى: وهي أضعفها حيازة الأب على ابنه والإبن على أبيه. الثانية: حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو بغير الميراث بعضهم على بعض وهذه المرتبة تلي التي قبلها. الثالثة: وهي تلي التي قبلها حيازة القرابة بعضهم على بعض فيما لا شركة فيه بينهم. الرابعة: حيازة الموالي والأختان. الخامسة: حيازة الأجنبيين الأشراك بعضهم على بعض. السادسة: حيازة الأجنبيين بعضهم على بعض فيما لا شركة بينهم فيه وهي أقواها والحيازة تكون بثلاثة أشياء أضعفها السكنى والإزدراع ويليها الهدم والبنيان والغرس والاستغلال ويليها التفويت بالبيع والصدقة والهبة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا في ماله والاستخدام في الرقيق والركوب في الدواب كالسكنى والغرس في الدور والأرضين ونتكلم في الأقسام الستة (فأما القسم الأول): وهو حيازة الأب على ابنه والإبن على أبيه فلا اختلاف في أنها لا تكون بالسكنى والإزدراع قال ابن راشد: ولا باستخدام العبد فلو بقي العبد بيد الابن زماناً طويلاً فلما مات الأب قال هو لي بوجه كذا من أبي فقال ابن القاسم لا ينتفع بطول الحيازة حتى يأتي ببينة على ما ادعاه والاتفاق على أنها تكون بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والوطء واختلف هل يحوز كل واحد منهما على صاحبه بالهدم والبنيان والغرس أم لا على قولين المشهور أنه لا يحوز عليه بذلك إن ادعاه ملكاً لنفسه قام عليه في حياته أو بعد وفاته وقال ابن رشد: يريد والله سبحانه وتعالى أعلم إلا أن يطول الأمر جداً إلى ما يهلك فيه البينات وينقطع العلم والقول الثاني أنه يحوز عليه بذلك إن قام عليه في حياته أو على سائر ورثته بعد وفاته إذا ادعاه ملكاً لنفسه ومثل الأب والإبن الجد وابن الابن. ((1/65)
وأما القسم الثاني): وهو حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو بغير الميراث فلا اختلاف أيضاً في أنها لا تكون بالسكنى والازدراع وإن طالت السنون قال مطرف إلا أن يكون مثل الخمسين سنة ونحوها وإن كان بعضهم يقبل الثمار فهو كالسكنى وأبناؤهم وأبناء أبنائهم بمنزلتهم لا حق لهم فيما عمر الأب والجد إلا أن يطول الزمان جداً ولا ينفعه أن يقول ورثت عن أبي وأبي عن جدي لا أدري كيف كان هذا الحق في أيديهم إلا أن يأتي ببينة على شراء الأصل أو عطيته وكذلك الصهر والمولى على اختلاف قول ابن القاسم فيهم ولا خلاف في أنها تكون حيازة بالتفويت من البيع والهبة والصدقة والعتق والكتابة والوطء وإن لم تطل المدة واختلف قول ابن القاسم في حيازة بعضهم على بعض بالهدم والبنيان فقال مرة أن العشر سنين حيازة وقال مرة أنها لا تكون حيازة إلا أن يطول الأمر كحيازة الابن على أبيه أزيد من أربعين سنة وما حازه بالكراء كالرجل يكري ذلك لنفسه ويقبضه بحضرة إخوته وعلمهم فهم في ذلك كالأجانب. (وأما القسم الثالث): وهو حيازة القرابة بعضهم على بعض فيما لا شركة بينهم فيه فمرة جعلهم ابن القاسم كالقرابة الأشراك ورجع عن قوله بأن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان إلا أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير ومرة رآهم بخلاف الأشراك فجعل الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان حيازة فيهما جميعاً. والثاني: أنها ليست بحيازة فيهما إلا مع طول المدة.(1/66)
والثالث: الفرق بينهما فتكون حيازة في غير الشركاء (وأما القسم الرابع) وهو حيازة الموالي والأختان والأصهار فيما لا شركة بينهم فيه فمرة جعلهم ابن القاسم كالأجنبيين العشرة الأعوام بينهم حيازة وإن لم يكن هدم ولا بناء ومرة جعلهم كالقرابة الذين لا شركة بينهم فيتحصل فيهم ثلاثة أقوال: أحدها أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام وإن لم يكن هدم ولا بناء والثاني أنها لا تكون بينهم في العشرة الأعوام إلا مع الهدم والبناء والثالث أنها لا تكون بينهم بالهدم والبناء إلا أن يطول الزمان جداً قاله ابن القاسم وإليه رجع وقال أصبغ هم كالأجانب إلا من كان منهم مخالطاً جداً أو وكيلاً قال ابن راشد: ينبغي أن يكون الخلاف في حال فمن علم منه المسامحة أو أشكل أمره فهو على حقه وإن طالت السنون ومن علم منه المشاحة فيكون كالأجنبي وما قاله ابن راشد ذكره ابن العطار فقال وقد قيل أيضاً في الأقارب إن ذلك يكون في البلدان التي يعرف من أهلها أنهم يوسعون فيها لأقاربهم وأصهارهم ومواليهم وإن كانوا بموضع لا يعرف هذا فيه انقطعت الحجة باعتبار دون هذه المدة وكانوا كالأجنبيين وذكره ابن رشد في الاستحقاق أوضح من هذا وقال إنما الاختلاف المذكور إذا جهل حالهم على ماذا يحمل أمرهم فمرة حملهم محل القرابة ومرة حملهم محل الأجنبيين وهذا خلاف ما قاله ابن راشد وهم في البيع وما ذكره معه كالأجانب (وأما القسم الخامس): وهو حيازة الأجنبيين الأشراك فلا حيازة بينهم في العشرة الأعوام إذا لم يكن هدم ولا بناء وتكون مع الهدم والبناء ولا يدخل اختلاف قول ابن القاسم في ذلك وقيل أنه يدخل في ذلك. ((1/67)
وأما القسم السادس): وهو حيازة الأجانب بعضهم على بعض فيما لا شركة بينهم فيه فقد تقدم فيه الكلام والمشهور أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان ولابن القاسم أنها لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبنيان (تنبيه) ذكرهم الهدم والبنيان ظاهر سواء كان بناء ترميم وإصلاح أو بناء توسع وكذا الهدم سواء كان هدم ما يخشى سقوطه أو هدم مالا يخشى سقوطه ليوسع ويبني مسكناً أو مساكن وليس كذلك والذي ينفع في الحيازة هو الهدم والبناء والتوسع وإزالة مالا يخشى سقوطه لأن عرف الناس وعادتهم أنهم يأذنون للسكان في الرم وإصلاح ما وهى من الكراء ولا يأذنون في زيادة مسكن. (من اللخمى).
ح – وقال ابن فرحون: (فصل في صفة الشهادة على الحيازة).(1/68)
وفي فقه وثائق ابن العطار وإذا قام رجل في دار وأملاك يدعيها لنفسه أو لمورثه وأثبت الملك لها وكانت في يد معترض لها فإن توافق الطالب والمطلوب على حدودها وجب الإعذار إلى المعترض في الشهود والقضاء عليه. وإن عجز والتسجيل دون حيازة الشهود لها وإن سأل الطالب من القاضي الإنزال فيها أو وقع تخالف في بعض حدودها حازها الشهود المقبولون ولا يكلف القاضي شهود الحيازة أن يحوزوا ما شهدوا به من الرباع ولو كان الموضع قريباً ولكن يأمر الشهود له بالرغبة إليهما في ذلك (من معين الحكام) وإذا توجه شهود الحيازة ليحوزوا الملك بعث القاضي معهم شاهدي عدل يحضران حيازة الشهود وفي (الطرر) وإنما احتيج إلى موجهي القاضي في الحيازة مخافة أن يموت شهود الحق ويعزل القاضي أو يموت فيشهد المواجهان على الحيازة فيتم القول بهما ولا تعمل الحيازة شيئاً حتى يقول الشاهدان بحضرة الحائز هذا الذي شهدنا فيه عند فلان قاضي الجماعة وأن وقفا على العقار وعيناه ولم يقولا هذا كان جهلاً منهما ومن الحاضرين لحيازتهما ولم تعمل الحيازة والشهادة شيئاً حتى يوقفا على هذا ويقولا به وتتبين به الشهادة وقال في موضع آخر ولا يحضر حيازة الشهيدين في الملك الذي شهدا فيه إلا شاهدان يعرفان عين ذلك الملك وحدوده أو يكون الملك المشهود به له حدود مشهورة لا تخفى معرفتها مثل أن يكون في القبلة منه أو ناحية غيرها فرن أو حمام أو درب أو حوانيت أو رحبة شرع بابه إليها وما أشبه ذلك من الأعلام المثبتة التي يعلم الشاهدان الحيازة بالنظر فيها أنها الحدود التي قال الشاهدان في الملك عند القاضي إنه المحدود به لأن شهادة الحاضرين للحيازة لا تتم حتى يقولا إن شهيدي الملك حازا بمحضرهما هذا الملك وعينا هذه الحدود فإذا لم يعرفا الملك ولا عينا الحدود لم ينفع بمحضرهما للحيازة لأنه إذا قال الشهيدان في الملك هذا الملك الذي شهدنا فيه عند القاضي والحاضران للحيازة لا يعرفانه فهو(1/69)
كشهادتهما أولاً عند القاضي وتكون شهادة الحاضرين زوراً لأنهما يشهدان أن الشهيدين في أصل الملك حاز الدار والملك الذي شهدا فيه عند القاضي وهما لا يعرفان إن كان ذلك هو الملك أم لا ولو قالا إن الشهيدين في الملك عينا بحضرتهما داراً قالا إنها التي شهدنا فيها عند القاضي لم تعمل شهادتهما في الحيازة شيئاً حتى يقطعا أنهما حازا بحضرتهما الشيء الذي شهدا فيه عند القاضي لمعرفتهما لعين الشيء المحوز وإن كانا لا يعرفان ملك المشهود له فهما على صحة حدوده وباشتهار أعلامه قال وهذا من دقيق الفقه وقل من يعرفه (مسألة) وفي الطرر الموجه من قبل القاضي للحيازة بمنزلة الموجه من قبله للأعذار يجزئ فيه واحد عدل (تنبيه) الغائب وإن كانت غيبته قريبة فهو محمول على عدم العلم حتى يثبت عليه العلم والحاضر محمول على العلم حتى يتبين أنه لم يعلم قاله ابن راشد.
ط – وقال ابن فرحون: (مسألة في الحيازة على الغائب)[19].(1/70)
وفي مختصر الواضحة قال ابن حبيب وأخبرني حسين عن ابن القاسم وابن وهب وابن نافع وأصبغ ومطرف في الغائب يحاز عليه من ماله فلم يقدم ولم يوكل حتى طال زمان ذلك فهو كالحاضر إلا أن يكون له عذر مثل أن يكون في يد عدو أو من وراء بحر أو يكون ضعيفاً أو مختلاً أو امرأة محجوبة أو غير محجوبة وما أشبه ذلك من العذر فيكون على حقه أبداً وأن أشهد في غيبته على عذره وأنه غير تارك لحقه إلا لما يذكره من عذره كان ذلك أوثق له عندنا وقد يكون للغائب وإن قربت غيبته معاذير يعذر بها إذا ظهرت قال ابن حبيب ثم رجع ابن القاسم فقال: أرى الغائب على مسيرة الثلاثة الأيام والأربعة معذوراً في غيبته وإن علم بما حيز عليه وإن لم يكن ضعيفاً في بدنه ولا مختلاً في عقله وأراه على حقه أبداً ما زال غائباً لأنه قد يكون للغائب معاذير لا تعرف وقوله الأول عندي أحسن وهو الذي اجتمع عليه كبار أصحاب مالك وفي العتبية رواية عن ابن القاسم أن الثمانية أيام في حكم القريب (فرع) وفي الطرر لابن عات ومغيب المرأة على مسيرة اليوم لا يقطع حجتها لقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا معها ذو محرم منها قاله بعض الشيوخ المتأخرين (فرع) وإن كان غير عالم فهو على حقه إذا قدم ولا حيازة عليه وإن طالت الحيازة فيه كانت الغيبة قريبة أو بعيدة (تنبيه) وهو محمول على غير العلم حتى يقيم الحائز بينة أنه كان عالماً في غيبته بحيازته لماله (فرع) وقال مطرف وأصبغ ونرى السبعة الأيام والثمانية وما أشبه ذلك طولاً من الغيبة وعذراً في ترك القدوم والطلب والتوكيل.(1/71)
وإن كان عالماً إلا أنا نستحب له أن يشهد في غيبته إذا علم بحيازة ماله عنه وإن ترك الإشهاد لم يوهن ذلك حجته إلا أن يطول الزمان جداً مثل السبعين سنة أو الثمانين وما قاربها ويكون مع ذلك سماع مستفيض بأنها ملك للذين هي بأيديهم تداولوها هم ومن كان قبلهم بما يحاز به الملك فيكون ذلك كالحيازة على الحاضر وإن كانت الغيبة بعيدة قال ابن حبيب وبقولهما أقول.
ي – وقال ابن فرحون:[20] (فصل في حيازة الأجنبي على الأجنبي الحاضر الرباع والعقار ).(1/72)
وفي مختصر الواضحة قال أصبغ ما حازه الأجنبي على الأجنبي بحضرته وعلمه أي الحيازات كانت من سكنى فقط أو ازدراع أو هدم أو بنيان صغر شأنه أو عظم أو غير ذلك من وجوه الحيازات كلها فذلك يوجبه لحائزه ويقطع حجة صاحبه وهي كالشهادة على الملك كما يكون الرهن شاهداً لصاحبه بحيازته إياه وكما يكون الستر شاهداً للمرأة بإرخائه عليها وكذلك أجمع أهل العلم عليه إذا كان على هذا التفسير الذي فسرنا ورأو العشر سنين وما قاربها يعني كالثمان والتسع حيازة فيما بين المتداعيين قال ابن القاسم وكان مالك لا يوقت الحيازة لا عشر سنين ولا غيرها وكان يرى ذلك على قدر ما ينزل من الأمر ورأى فيه الإمام رأيه وتابعه ابن الماجشون على ذلك وإن ذلك قد يكون بعضه أقوى من بعض مثل أن يكون الطالب مجاوراً لحائزه مقيماً معه ببلده عالماً بإحداثه في ذلك وبما هدم وبنى لا ينكر ولا يدفع فإن هذه حالة إقرار لا شيء له معها فيما ادعى من ذلك وأثبت أصله وإن لم يكن على ما وصفنا وكان غائباً عنه أو كان المطلوب مدعياً لشراء لم يثبته وما أشبه هذا فذلك للطالب الذي له البينة على أنه له أو لأبيه أو لمن أخذ ذلك عنه إذا حلف أنه لم يخرج منه ولم يزل من يده أو من أخذ عنه بما يخرج به بالمال ومن يدريه يحلف على نفسه بالبت وفيما سواه بعلمه وذهب ابن القاسم وابن وهب وابن عبدالحكم وأصبغ إلى توقيت ذلك بعشر سنين وما قارب العشر وهذا في العقار والرباع والأرضين وسيأتي الكلام على الحيوان والعروض إن شاء الله تعالى والدليل على ما ذهب إليه ابن القاسم قوله - صلى الله عليه وسلم - "من حاز على خصمه شيئاً عشر سنين فهو أحق به" واستدل أئمتنا رحمهم الله تعالى بالعرف والعادة ويشترط في الحيازة أن يكون المحوز عليه غير خائف من الحائز ولا بينه وبينه قرابة ولا مصاهرة ولا مصادقة ولا شركة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى (تنبيه) وفي الطرر على التهذيب لأبي الحسن الطنجي عن أبي الحسن(1/73)
الصغير قال عند قوله في التهذيب ومن أقامت بيده دار سنين ذوات عدد يحوزها ويمنعها ويكريها ويهدم ويبني فأقام رجل بينة أن الدار داره وأنها لأبيه أو جده وثبتت المواريث فإن كان المدعي حاضراً يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له وذلك يقطع دعواه قوله حاضراً يراه لابد هنا من العلم بشيئين وهما العلم بأنه ملكه والعلم بأنه يتصرف فيه ولا يفيد العلم بأحدهما دون الآخر لأنه إذا علم بالتصرف قد يقول ما علمت أنه ملكي كما يقول الرجل الآن قد وجدت الوثيقة عند فلان فيقبل قوله ويحلف والعلم بهذين الوصفين قاله في الوثائق المجموعة وابن أبي جمراء (مسألة) وفي فقه وثائق ابن العطار ولا يقطع قيام البكر غير العانس ولا قيام الصغير ولا قيام المولى عليه في رقاب الأملاك ولا في أحداث الاعتمار بحضرتهم إلا أن يبلغ الصغير ويملك نفسه من الولي عليه وتعنس الجارية ويحاز عليهم عشرة أعوام من بعد ذلك وهم عالمون بحقوقهم لا يعترضون من غير عذر فينقطع حينئذ قيامهم ومالم يعوقوا بحقوقهم لم ينقطع قيامهم.
ك – وجاء في مختصر خليل وشرحه للحطاب: (وان حاز أجنبي[21] غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع ولا بينة إلا بإسكان ونحوه)(1/74)
ش: ختم رحمه الله كتاب الشهادات بالكلام على الحيازة لأنها كالشاهد على الملك قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق الحيازة لا تنقل الملك عن المحوز عنه إلى الحائز باتفاق ولكنها تدل على الملك كإرخاء الستور ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه ذلك فيكون القول معها قول الحائز مع يمينه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من حاز شيئاً عشر سنين فهو له." لأن المعنى عند أهل العلم في قوله - صلى الله عليه وسلم - : وهو له أي أن الحكم يوجبه له بدعواه فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة وهي عشرة أعوام دون هدم ولا بنيان أو مع الهدم والبنيان على ما نذكره من الخلاف في ذلك بعد هذا وادعاه ملكاً لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه انتهى. وسواء ادعى صيرورة ذلك من غير المدعي أو ادعى أنه صار إليه من المدعي أما في البيع فلا أعلم فيه خلافاً وأما إن أقر أنه ملك المدعي وصار إليه بصدقة أو هبة ففيه خلاف ذكره في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق وقول ابن رشد فيكون القول قول الحائز مع يمينه هو أحد القولين قال في الشامل وفي يمين الحائز حينئذ قولان، والقول بنفي اليمين عزاه في التوضيح لظاهر نقل ابن يونس وغيره، والقول باليمين عزاه لصريح كلام ابن رشد فهو أقوى وهو الظاهر والله أعلم.(1/75)
ثم قال ابن رشد والحيازة تنقسم إلى ستة أقسام أضعفها حيازة الأب عن ابنه ويليها حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو بغيره ويليها حيازة القرابة فيما لا شرك بينهم فيه والموالي والأختان الشركاء بمنزلتهم ويليها حيازة الموالي والأختان فيما لا شرك بينهم فيه ويليها حيازة الأجنبيين الشركاء وتليها حيازة الأجانب فيما لا شرك بينهم فيه وهي أقواها والحيازة تكون بثلاثة أشياء أضعفها السكنى والازدراع ويليها الهدم والبنيان والغرس والاستغلال ويليها التفويت بالبيع والهبة والصدقة والنحلة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا في ماله والاستخدام في الرقيق والركوب في الدابة كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما يزرع والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور والغرس في الأرضين انتهى..(1/76)
فبدأ المصنف بالكلام على القسم السادس وهي حيازة الأجنبي غير الشريك فقال وإن حاز أجنبي غير شريك واحترز بقوله أجنبي من القريب فإنه سيأتي حكمه وبقوله غير شريك من الأجنبي الشريك فإنه سيأتي أيضاً حكمه ومفعول قوله حاز محذوف أي حاز عقاراً من دار أو أرض وأما غير العقار فلا يفتقر في الحيازة إلى عشرة أعوام كما سيأتي بيانه وقوله وتصرف بمعنى أنه يشترط في الحيازة أن يكون الحائز يتصرف في العقار المحوز وأطلق التصرف لينبه على أن حيازة الأجنبي غير الشريك يكفي فيها مطلق التصرف ولو كان ذلك السكنى والازدراع الذي هو أضعف أنواع الحيازة وهذا هو المشهور وقال في الرسم المذكور المشهور في المذهب أن الحيازة بينهم يعني بين الأجانب غير الشركاء تكون في العشرة الأعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان وعن ابن القاسم أنها لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبنيان ولا خلاف أنها تكون حيازة مع الهدم والبنيان انتهى. وقوله ثم ادعى حاضر يعني أنه يشترط في كون الحيازة مانعة من سماع دعوى المدعي أن يكون المدعي حاضراً واحترز بذلك مما لو كان المدعي غائباً فإن له القيام وإن طالت المدة إذا كانت غيبته بعيدة كالسبعة الأيام قال في التوضيح وإن كانت الغيبة قريبة كأربعة أيام وثبت عذره عن القدوم والتوكيل من عجز ونحوه فلا حجة عليه وإن أشكل أمره فظاهر المذهب أنه على قولين قال ابن القاسم لا يسقط حقه لأنه قد يضعف عند القدوم قيل له فإن لم يتبين عجزه عن ذلك قال قد يكون معذوراً من لا يتبين عذره وذكر ابن حبيب أنه يسقط حقه إلا أن يتبين عذره انتهى.(1/77)
وانظر رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق وقوله ساكت يعني أنه يشترط أيضاً في الحيازة أن يكون المدعي ساكتاً في مدة الحيازة واحترز بذلك مما لو تكلم قبل مضي مدة الحيازة فإن حقه لا يبطل وقوله بلا مانع يعني أن سكوت المدعي في المدة المذكورة إنما يبطل حقه إذا لم يكن له مانع يمنعه من الكلام فلو كان هناك مانع يمنعه من الكلام فإن حقه لا يبطل وفسر ابن الحاجب المانع بالخوف والقرابة والصهر وقد احترز المصنف من القرابة والصهر بقوله أولاً أجنبي فيكون المراد بالمانع في كلامه الخوف أي خوف المدعي من الذي في يده العقار لكونه ذا سلطان أو مستنداً لذي سلطان فإن كان سكوته لذلك لم يطلب حقه قال الجزولي وكذلك إذا كان للحائز على المدعي دين ويخاف إن نازعه أن يطلبه ولا يجد من أين يعطيه انتهى. فتأمله ويدخل في المانع ما إذا كان المدعي صغيراً أو سفيهاً فإن سكوته لا يقطع دعواه قال ابن فرحون في تبصرته في الباب السادس والستين قال: قال ابن العطار: ولا يقطع قيام البكر غير المعنسة ولا قيام الصغير ولا قيام المولى عليه الاعتمار المذكور بحضرته إلا أن يبلغ الصغير ويملك نفسه المولى عليه وتعنس الجارية وتحاز عنهم عشرة أعوام من بعد ذلك وهم عالمون بحقوقهم لا يعترضون من غير عذر انتهى.(1/78)
ويدخل في المانع أيضاً ما إذا لم يعلم المدعي بالحيازة أو لم يعلم بأن العقار المحوز ملكه قال في الرسالة: ومن حاز داراً على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم قال الشيخ أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب الشهادات لما تكلم على الحيازة في الرسالة وصاحبها حاضر عالم. الشيخ: أي عالم بالمعلومين بتصرف الحائز وبأنها ملكه قال في الوثائق المجموعة حاضر عالم بأنها ملكه وإذا كان وارثاً ويدعي أنه لم يعلم فيحلف ويقضى له انتهى. ونقله ابن فرحون في تبصرته عن الطخيخي عن أبي الحسن الصغير بلفظ لابد هنا من العلم بشيئين وهما العلم بأنه ملكه والعلم بأنه يتصرف فيه ولا يفيد العلم بأحدهما دون الآخر لأنه إذا علم بالتصرف قد يقول ما علمت أنه ملكي كما يقول الرجل الآن وجدت الوثيقة عند فلان فيقبل قوله ويحلف والعلم بهذين الوصفين قاله في الوثائق المجموعة وابن أبي زيد انتهى. (فرع) قال ابن ناجي في شرح الرسالة قال ابن العربي وانظر إذا قال علمت الملك ولم أجد ما أقوم به ووجدته الآن هل يعذر أم لا (قلت) اختار شيخنا أبو مهدي أنه يقبل وذلك عذر سواء كانت البينة التي وجد بينة استرعاء أم لا والصواب عندي أنه لا يقبل منه لأنه كالمقر والمعترف بأنه لا حق له فيه مدع رفعه انتهى. زاد في شرح المدونة ثم وقعت بالقيروان بعد عشرة أعوام فكتب فيها لشيخنا أبي مهدي فافتى بما صوبت انتهى.(1/79)
قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة لا يدعي شيئاً هذا إذا لم يمنعه مانع من القيام وأما إن خاف سطوة الحائز وأثبت ذلك فهو على قيامه وإن ادعى مغيب البينة وقال ما سكت إلا لانتظار بينتي فلا يقبل قوله والدعوة التي تنفعه إذا كان يخاصمه عند القاضي وأما غير ذلك فلا ينفعه انتهى ونحوه للجزولي ونصه وأما إذا قال علمت أنها ملكي ولكن منعني من القيام عدم البينة والآن وجدت البينة فإنه لا ينفعه ذلك ويقضى بها للحائز بعد يمينه إذ لابد من يمين القضاء ثم قال بعد ذلك وأما إن قال علمت بأنها ملكي ولم أعلم بالحيازة فإنه لا يقبل قوله لأن العرف يكذبه وكذلك إن قال منعني من القيام عدم البينة والآن وجدتها فإنه لا ينفعه ولا قيام له انتهى. وفي أول مسألة من سماع أشهب من كتاب الاستحقاق ما يدل على أنه إذا ادعى عدم العلم بالحيازة ينفعه ذلك ويحلف وأنه محمول على عدم العلم وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة وصاحبها حاضر عالم ظاهر كلام الشيخ أن الحاضر محمول على عدم العلم بالملكية حتى يثبت وعزاه بعض من لقيناه لابن سهل وهو ظاهر التهذيب وقيل أنه محمول على العلم حتى يتبين خلافه وهو قول ابن رشد وقيل بالأول إن كان وارثاً وبالثاني إن لم يكن قاله في الوثائق المجموعة وبه القضاء عندنا هكذا كان يتقدم لنا أنها ثلاثة أقوال والحق أن الذي في الوثائق المجموعة إنما هو التنبيه على فرع متفق عليه وهو إذا ادعى الوارث الجهل بملكية موروثه فإنه يقبل قوله مع يمينه ثم قال بعده قال ابن العربي وانظر إذا قال علمت المالك إلى آخر الفرع المتقدم ويشير بالفرع المتفق عليه إلى ما نقله أبو الحسن وابن فرحون عن الوثائق المجموعة في كلامهما المتقدم وقوله عشر سنين يعني أن مدة الحيازة التي تبطل دعوى المدعي عشر سنين وهذا التحديد يذكره في المدونة عن ربيعة ونصه ولم يحدد مالك في الحيازة في الريع عشر سنين.(1/80)
ولا غير ذلك وقال ربيعة حوز عشر سنين يقطع دعوى الحاضر إلا أن يقيم بينة أنه إنما أكرى أو أسكن أو أخدم أو أعار ونحوه ولا حيازة على غائب وذكر ابن المسيب وزيد بن أسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حاز شيئاً عشر سنين فهو له." انتهى. قال في التوضيح وبهذا أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبدالحكم وأصبغ ودليله ما رواه أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم وذكر الحديث ثم قال ولابن القاسم في الموازية السبع والثمان وما قارب العشرة مثل العشرة انتهى.(1/81)
فتحصل في مدة الحيازة ثلاثة أقوال: الأول: قول مالك في المدونة أنها لا تحدد بسنين مقدرة بل باجتهاد الإمام وهكذا نقل ابن يونس فقال: ولم يحد مالك في الرباع عشر سنين ولا غير ذلك ولكن على قدر ما يرى أن بهذا قد حازها دون الآخر فيما يهدم ويبنى ويسكن ويكري أ.هـ وهكذا نقله ابن شاس وابن عرفة وسيأتي لفظه. والقول الثاني: أن مدة الحيازة عشر سنين وهو القول الذي مشى عليه المصنف في كتاب الشهادات وعليه اقتصر في الرسالة قال في النوادر وبه أخذ ابن القاسم وابن وهب وابن عبدالحكم وأصبغ وهكذا عزاه ابن يونس وابن شاس وتقدم نحوه عن التوضيح ونقله ابن عرفة عن النوادر وقال ابن يونس قال ابن سحنون لما أمر الله نبيه بالقتال بعد عشر سنين كانت أبلغ شيء في الإعذار واعتمد أهل المذهب على الحديث المتقدم وعلى أن كل دعوى يكذبها العرف فإنها غير مقبولة ولا شك أن بقاء ملك الإنسان بيد الغير يتصرف فيه عشر سنين دليل على انتقاله عنه والله أعلم. والقول الثالث أن مدة الحيازة سبع سنين فأكثر وهو قول ابن القاسم الثاني وقد ذكر ابن عرفة هذه الثلاثة الأقوال فقال وفي تحديد مدة الحيازة بعشر أو سبع. ثالثها لا تحديد بعدة بل باجتهاد الإمام وقال في المسائل الملقوطة. (مسألة) في قناة تجري منذ سنة في أرض رجل والذي تجري عليه ساكت لا تكون السنة حيازة للتغافل عن مثلها وسكوت أربع سنين طول وحوز من كتاب الشهادات لابن يونس انتهى. فتأمله مع ما تقدم وهل يكون قولاً رابعاً أولاً والله أعلم. وقوله لم تسمع ولا بينة هو جواب الشرط يعني أن الحيازة إذا وقعت على الوجه المذكور فهي مانعة من سماع دعوى المدعي والظاهر أن المراد بعدم سماعها عدم العمل بها وبمقتضاها من أنه لا يتوجه على المدعى عليه يمين إذا أنكر.(1/82)
أنه لا تسمع ابتداءً ولا يسأل المدعى عليه عن جوابها فإن ذلك غير ظاهر لاحتمال أن يقر المدعي ويعتقد أن مجرد حوزه يوجب له الملك وقد تقدم أن الحوز وحده لا ينقل الملك وإنما هو دليل على انتقال الملك وقال - صلى الله عليه وسلم - : "لا يبطل حق امريء مسلم وإن قدم". قال ابن رشد في آخر الكلام على المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق وأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها وهذا أصل في الحكم بالحيازة انتهى.(1/83)
وسيأتي كلامه برمته في التنبيه الخامس في قول المصنف وإنما تفترق الدار من غيرها وقوله ولا بينة يعني أن الحيازة المذكورة مانعة من سماع دعوى المدعي ومن سماع بينته أيضاً فإن قيل قوله لم تسمع دعواه يغني عن قوله ولا بينته لأنه إذا لم تسمع الدعوى لم تسمع البينة فالجواب والله أعلم إنما قال ولا بينته خشية أن يتوهم أن الدعوى المجردة عن البينة هي التي لا تسمع وأما إذا قامت بها البينة فتسمع كما تقول في دعوى العبد على سيده العتق والمرأة على زوجها الطلاق فإن دعواهما لا تسمع إذا كانت مجردة عن البينة أعني أنه لا يتوجه على السيد ولا على الزوج بسببهما يمين فإن أقاما البينة على دعواهما سمعت وأيضاً فإنما قال ولا بينة ليفرع عليه قوله إلا بإسكان ونحوه والمعنى أنه لا تسمع بينة المدعي إلا أن تشهد البينة للمدعي بأنه أسكن الحائز أو أعمره أو ساقاه أو زارعه أو ما أشبه ذلك فإنه إذا أقام البينة على ذلك حلف المدعي على رد دعوى الحائز وقضى له هذا إن ادعى الحائز أن المالك باعه أو نحو ذلك وأما من لم يدع نقل الملك وإنما تمسك بمجرد الحيازة فلا يحتاج إلى يمين قاله في التوضيح وغيره (تنبيهات): الأول: الهدم والبناء مقيدان بما إذا لم يهدم ما يخشى سقوطه فإن ذلك لا ينقل الملك وكذا الإصلاح اليسير قاله في التوضيح: (الثاني): الحيازة على النساء عاملة إن كن في البلد ذكره ابن بطال في المقنع (الثالث): تقدم أنه لا حيازة على الغائب قال ابن بطال إلا أنه يستحب له إذا علم أن يشهد أنه على حقه وقاله الرجراجي. الرابع: قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وأما المدة. فينبغي أن يستوي فيها الوارث والموروث لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من حاز شيئاً عشر سنين فهو له" وتضاف مدة حيازة الوارث إلى مدة حيازة الموروث مثل أن يكون الوارث قد حاز خمسة أعوام ما كان مورثه قد حازه خمسة أعوام فيكون ذلك حيازة عن الحاضر. ((1/84)
انتهى) الخامس: اختلف هل يطالب الحائز ببيان سبب ملكه. قال في التوضيح قال ابن أبي زمنين: لا يطالب وقال غيره: يطالب وقيل: إن لم يثبت أصل الملك المدعي فلا يسأل الحائز عن بيان أصل ملكه وإن ثبت الأصل للمدعي ببينة أو باقرار الحائز سئل عن سبب ذلك وقال ابن عتاب وابن القطان، لا يطالب إلا أن يكون معروفاً بالغصب والاستطالة والقدرة على ذلك انتهى باختصار وظاهر كلام ابن رشد في رسم سلف الحائز يطالب ببيان سبب ملكه لأنه حينئذ قال إذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيه الحيازة عاملة وادعاه ملكاً لنفسه بابتياع أو صدقة أو هبة وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه واختلف إذا كان هذا الحائز وارثاً فقيل إنه بمنزلة الذي ورث ذلك عنه في أنه لا ينتفع بها دون أن يدعي الوجه الذي يصير به ذلك إلى مورثه وهو قول مطرف وأصبغ وقيل ليس عليه أن يسأل عن شيء لأنه يقول ورثنا. ذلك ولا أدري بماذا صار ذلك إليه وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم أن خرجت من سماع عيسى من هذا الكتاب وقول ابن الماجشون وقوله عندي بين فإنه ليس عليه أن يسأل عن شيء انتهى. وأفتى في نوازله بأن الحائز لا يطالب بشيء حتى يثبت القائم عليه الملك وسيأتي كلامه في التنبيه السادس وجزم في شرح آخر مسألة من نوازل عيسى بأنه إذا ثبت أصل الملك لغيره فلابد من بيان سبب ملكه قال بأن يقول اشتريته منه أو وهب لي أو تصدق به علي أو يقول ورثته عن أبي أو عن فلان ولا أدري بأي وجه يصير إلى الذي ورثته منه وقال أما مجرد دعوى الملك دون أن يدعي شيئاً من هذا فلا ينتفع به مع الحيازة إذا ثبت أصل الملك لغيره انتهى. ((1/85)
فرع) قال ابن سهل في مسائل الأقضية من ادُّعيَ عليه بأملاك فقال عندي وثائق غائبة ثم طولب عند حاكم آخر فأنكر تلك المقالة فقال ابن العطار ليس عليه إحضار الوثائق انتهى انظر تمامها فيه (الثالث لا تسقط الحيازة ولو طالت الدعوى في الحبس بذلك أفتى ابن رشد في نوازله في جواب المسألة الخامسة من مسائل الوقف وهي مسألة تتضمن السؤال عن جماعة واضعين أيديهم على أملاكهم ومورثهم ومورث مورثهم نحواً من سبعين عاماً يتصرفون فيها بالبناء والغرس والتعويض والقسمة وكثيراً من وجوه التفويت فادعى عليهم بوقفيتها شخص حاضر عالم بالتفويت المذكور والتصرف هو ومورثه من قبله ونصه ولا يجب القضاء بالحبس إلا بعد أن يثبت التحبيس وملك المحبس لِمَ حبسه يوم التحبيس وبعد أن تتعين الأملاك المحبسة بالحيازة لها على ما تصح فيه الحيازة فإذا ثبت ذلك كله على وجهه واعذر إلى المقوم عليهم فلم يكن لهم حجة إلا من ترك القائم وأبيه قبله عليهم وطول سكوتهما عن طلب حقهما مع علمهما بتفويت الأملاك فالقضاء بالحبس واجب والحكم به لازم انتهى.(1/86)
وأفتى بذلك أيضاً في المسألة السادسة من مسائل الدعوى والخصومات في مسألة ابن زهر وهي مسألة تتضمن أن رجلاً في ملكه ضيعة ورثها عن سلفه منذ سبعين عاماً هو وأبوه، وهم يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه فقام عليه رجل وادعى أن الضيعة رهن بيده وبذلك ملكها سلفه قبله واستدعى عقد السماع بالرهن فأثبت الذي بيده الضيعة أن جده ابتاعها من جد القائم عليه فيها فأفتى أن شهادة الشراء أعمل ثم قام ذلك الرجل المشتري المدعي الرهنية بعينه وادعى أنها حبس عليه وأثبت عقد التحبيس بالشهادة على خطوط شهدائه فهل ترى قيامه أولاً بالرهن يبطل قيامه بالحبس أم لا؟ فأجاب: كان من وجه الحكم أن لا يكلف الذي بيده الضيعة من أين صارت إليه حتى يثبت القائم ملك الراهن لها ورهنه إياها وموته وأنه وارثه أو وارث وارثه وكذلك الحكم في قيامه بالحبس سواء في مذهب مالك وجميع أصحابه غير أن قول المقوم عليه أن جده ابتاعها من جد القائم عليه اقرار منه له بملكها فإن كان هو المحبس وأثبت حفيده عقد التحبيس وأنه من عقبه لا عقب له غيره بالسماع إن عجز عن البينة القاطعة وأعذر إلى المقوم عليه فيما ثبت من ذلك فلم يكن عنده فيه مدفع فالواجب أن يسأل المقوم عليه فإن أقر أنها هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس لم يجب على القائم فيها حيازة لاتفاقهما عليه وانظر إلى تاريخ كتاب صاحب التحبيس وتاريخ السماع بشراء جد المقوم عليه من جد القائم فإن وجد تاريخ الحبس أقدم قُضِيَ به وبطل الشراء ووجب الرجوع بالثمن وإن وجد تاريخ السماع بالشراء أقدم أو لم يعلم أيهما أقدم قبل صاحبه قُضِيَ بالشراء وبطل التحبيس وهكذا الرواية في ذلك ثم قال في جواب ثان على المسألة بعينها أثر الجواب الأول – ما تضمنه عقد التحبيس الثابت لا يوجب أن يسأل من بيده شيء من ذلك من أين صار له ولا يعقل عليه ولا يكلف اثباتاً ولا عقلاً إلا من بعد أن يثبت القائم بالتحبيس ملك المحبس لما حبسه ويحوز ما أثبت(1/87)
تحبيسه حيازة صحيحة على الوجه الذي ذكرناه وهذا أصل لا اختلاف فيه أعني أن من بيده ملك لا يدعيه يكلف اثبات من أين صار له حتى يثبت المدعي ما ادعاه ويحوزه ولا يلزم المقوم عليه إذا أفضى ببقاء الملك بيده وحكم بقطع الاعتراض عنه بشيء من ثمن ما ادعى شراءه إذا مضى من طول المدة ما صدق فيه المبتاع على أداء ثمن ما ابتاعه في قول مالك وجميع أصحابه ولو لم يمض لم يحكم للمدعي أيضاً بالثمن حتى يرجع عما ادعاه من التحبيس إلى تصديق دعوى المشتري على اختلاف أصحابنا المتقدمين أي واستفيد من هذه المسألة فوائد: منها: أنه مشى على أنه لا يسأل واضع اليد عن شيء حتى يثبت القائم الملك ومنها حكم شهادة السماع في الرهن. ومنها: القضاء بالتاريخ السابق. ومنها: إذا جهل السابق من تاريخ الشراء أو الحبس قضي بتاريخ الشراء وبطل الحبس وأفتى غيره أنه إذا جهل التاريخ قدم الحبس والله أعلم.(1/88)
ص (وفي الشريك القريب معهما قولان) ش يعني أنه اختلف في الشريك القريب إذا حاز العقار بالبناء والهدم هل تكون مدة الحيازة في حقه عشر سنين كالأجنبي أو لا يكفي في ذلك عشر سنين ولم يبين المصنف قدر مدة الحيازة على القول الثاني والقولان لابن القاسم ذكرهما في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق فكان أولاً يقول إن العشر سنين حيازة ثم رجع إلى أن ذلك لا يكون حيازة إلا أن يطول الأمر أزيد من أربعين سنة (تنبيهات) الأول: ظاهر كلام المصنف وغيره أن القولين متساويان وقد علمت أن القول الذي رجع إليه ابن القاسم أن ذلك لا يكون حيازة ولا شك أن العمل على القول المرجوع إليه فتأمله (الثاني): علم من قول المصنف معهما أنه لا تحصل الحيازة بين القرابة الشركاء إذا لم يكن هدم ولا بنيان وهو كذلك كما سيأتي في كلام ابن رشد في شرح قول المصنف وإنما تفترق الدار من غيرها ويأتي أيضاً هناك بيان حكم الحيازة بين القرابة الشركاء في غير العقار والله أعلم (الثالث): لم يذكر المصنف حكم القريب الذي ليس بشريك وذكر ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم أن قول ابن القاسم اختلف في ذلك فجعله مرة كالقريب الشريك فيكون قد رجع عن قوله أن الحيازة لا تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان إلى أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير وهو نص قوله في سماع يحيى المذكور ومرة رآهم بخلاف ذلك فلم يرجع عن قوله أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان وهو دليل قوله في السماع المذكور انتهى. ((1/89)
قلت) فعلم من كلام ابن رشد هذا أن القول بأن حكم القريب الذي ليس بشريك كحكم القريب الشريك هو الراجح لقوله إنه نص قول ابن القاسم وأن الثاني إنما هو مفهوم من كلام ابن القاسم فتأمله وتحصل من هذا أن الحيازة بين القرابة سواء كانوا شركاء أو غير شركاء لا تكون بالسكنى والازدراع وإنما تكون بالهدم والبناء في الأمد الطويل الذي يزيد على أربعين سنة على الأرجح من القولين والله أعلم (الرابع) محصل كلام ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وأن الحيازة لا تكون بين أب وابنه بالسكنى والازدراع والاستخدام والركوب اتفاقاً وكذلك الأقارب الشركاء بميراث وغيره على الأظهر وكذا الشركاء الأجانب الذين الشركة بينهم فتكفي الحيازة عشرة أعوام وإن لم يكن هدم ولا بنيان على الشهود وإن حصل هدم وبناء وغرس فتكفي العشرة الأعوام في الشريك الأجنبي وفي الشريك القريب مع ذلك قولان وفي كون ذلك القريب غير الشريك والمولى والصهر الشريكان ثالثها في الصهر والمولى دون القريب وفي كون السكنى والازدراع في العشرة حيازة لمولى وصهر غير شريكين أو إن هدم وبنى أو إن طال جداً أقوال والله أعلم.(1/90)
ص (لا بين أب وابنه إلا بكهبة) ش قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق وتحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة والصدقة والعتق والتدبير والكتابة والولاء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع في حصته وكان له الثمن وإن سكت بعد العام ونحوه حتى استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ منه وإن سكت العام ونحوه لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء واستحقه الحائز، وإن حضر مجلس الهبة والصدقة والتدبير والعتق فسكت حتى انقضى المجلس لم يكن له شيء وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذ كان له حقه وإن سكت العام ونحوه فلا شيء له ويختلف في الكتابه هل تحمل على البيع أو على العتق قولان انتهى.(1/91)
مختصراً ص (وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض) ش يعني أنه إنما يفترق بين الدور وغيرها في مدة الحيازة إذا كانت الحيازة بين الأجانب وأما في حيازة القرابة بعضهم على بعض فلا يفرق بين الدور وغيرها قال ابن رشد في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الإستحقاق إن الأقارب والشركاء بالميراث أو بغير الميراث لا خلاف أن الحيازة بينهم لا تكون بالسكنى والازدراع ولا خلاف أنها تكون بالتفويت بالبيع والصدقة والهبة والعتق والكتابة والتدبير والوطء وإن لم تطل المدة والاستخدام في الرقيق والركوب في الدواب كالسكنى فيما يسكن والازدراع فيما يزرع قال والاستغلال في ذلك كالهدم والبنيان في الدور وكالغرس في الأرضين ثم قال ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الأصول والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب فقد قال أصبغ أن السنة والسنتين في الثياب حيازة وإذا كانت تلبس وتمتهن وإن السنتين والثلاثة حيازة في الدواب إذا كانت تركب وفي الإماء إذا كن يستخدمن وفي العبيد والعروض فوق ذلك ولا يبلغ في شيء من ذلك كله بين الأجنبيين إلى العشرة الأعوام كما يصنع في الأصول انتهى. ((1/92)
تنبيهات) الأول: علم من كلام ابن رشد أن اللباس في الثياب كالسكنى في الدور وأنه لا تحصل حيازة بين الأقارب ولو طالت المدة وأن الاستقلال في الرقيق والدواب والثياب بمعنى قبض أجرة العبيد والدواب والثياب كالهدم والبنيان في العقار فلا تحصل الحيازة بين الأقارب في الرقيق والثياب والعروض إلا بالاستغلال ويختلف في مدتها على القولين السابقين اللذين أشار إليهما المصنف بقوله وفي الشريك القريب معهما قولان أو بالأمور المفوتة كالبيع والهبة والصدقة والعتق والوطء ويعلم هذا من كلام المصنف لأنه لما جعل ذلك مفوتاً بين الأب وابنه علم أنه مفوت في حق غيرهما من باب أحرى والله أعلم. (الثاني): فهم من قول المصنف في الأجنبي أن القريب لا تفترق الدار من غيرها في حقه سواء كان شريكاً أو غير شريك ففيه إشارة إلى ترجيح القول بتساويهما كما تقدم ذلك. (الثالث): تقدم في كلام ابن رشد الثياب يكفي في حيازتها السنة والسنتان ولم يتعرض لها المصنف بل قد يفهم من كلامه دخولها في العروض فتنبه لذلك (الرابع): التفصيل الذي ذكرناه عن ابن رشد لا يؤخذ من كلام المصنف ولم ينقله في التوضيح وهو أتم فائدة فتأمله والله أعلم. ((1/93)
الخامس): في المدة التي يسقط بها طلب الدين قال: في المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة المنسوب لولد ابن فرحون الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة لا قول له ويصدق الغريم في دعوى الدفع ولا يكلف الغريم ببينة لا مكان موتهم أو نسيانهم للشهادة انتهى من منتخب الحكام لابن أبي زمنين وفي كتاب محمد بن ياسين في مدعي دين سلف بعد عشرين سنة أن المدعى عليه مصدق في القضاء إذ الغالب أن لا يؤخر السلف مثل هذه المدة كالبيوعات انتهى كلام المسائل الملقوطة، وقال والده ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين في القضاء في شهادة الوثيقة والرهن على استيفاء الحق (فرع) وفي مختصر الواضحة في آخر باب الحيازة قال عبدالملك وقال لي مطرف وأصبغ إذا ادعى رجل على رجل حقاً قديماً وقام عليه بذكر حقه وذلك القيام بعد العشرين سنة أخذ به وعلى الآخر البراءة منه وفي مفيد الحكام أن ذكر الحق المشهود فيه لا يبطل إلا بطول الزمان كالثلاثين سنة والأربعين وكذلك الدين وإن كانت معروفة في الأصل إذا طال زمانها هكذا ومن هي له وعليه حضور فلا يقوم عليه بدينه إلا بعد هذا بطول الزمان فيقول قد قضيتك وباد شهودي بذلك فلا شيء على المدين غير اليمين قال وكذلك الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصي فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شيء عليه وإلا فعليه البينة بالدفع انتهى، وقال البرزلي في أثناء مسائل البيوع رأيت جواباً وأظنه للمازري في الديون فقال إذا طال الزمان على الطالب وبيده وثائق وأحكام وهو حاضر مع المطلوب ولا عذر له يمنعه من الطلب من ظلم ونحوه وسكت عن الطلب فاختلف المذهب في حد السكوت القاطع لطلب الديون الثابتة في الوثائق والأحكام هل حد ذلك عشرون سنة وهو قول مطرف أو ثلاثون سنة وهو قول مالك واتفقا جميعاً على أن ذلك دلالة قاطعة لطلب الطالب وقوله عليه الصلاة والسلام لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم معلل بوجود الأسباب(1/94)
المانعة من الطلب بالغيبة البعيدة وعدم القدرة على الطلب مع الحضور حتى إذا ارتفعت هذه الأسباب من الطلب كان طول المدة مع السكوت والحضور دلالة يقوي بها سبب المطلوب بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - من حاز شيئاً على خصمه عشر سنين فهو أحق به فأطلق عليه الصلاة والسلام ذكر الحيازة فهو عام في كل ما يحاز من ريع ومال معين وغيره ومن اجتهد فحد في الرياع العشر سنين وحد في الدين العشرين والثلاثين رأى أن ذلك راجع إلى حال الطالب مع المطلوب فمن غلب على حاله كثرة المشاحنة وأنه لا يمكن أن يسكت عن خصمه عشر سنين جعلها حداً قاطعاً ومن جعلها عشرين سنة أو ثلاثين أي أنها أقصى ما يمكن السكوت في بيع المتحمل فجعلها حداً قاطعاً لاعذار الطالبين لأن الغالب من الحال أنه قضاء وقد قضى بتغليب الأحوال عمر بن الخطاب وقاله مالك فيمن له شيء وترك غيره يتصرف فيه ويفعل فيه ما يفعل المالك الدهر الطويل فإن ذلك مما يسقط الملك ويمنع الطالب من الطلب قاله مالك وابن وهب وابن عبدالحكم وأصبغ وإذا كان طول المدة مع حضور الطالب وسكوته مانعاً له من الطلب فالطلب ممنوع في سائر المطالب دون وثائق وأحكام وأرباع بدليل أن السكوت في ذلك يعد كالإقرار المنطوق به من الطالب للمطلوب بأنه لا حق له عليه ولا تباعة ولا طلب (قلت) هذا الجواب يقتضي أن ما بعد الثلاثين مجمع عليه وإذا أجراه على مسائل الحيازة ففيها قريب القرابة والبعيد والمتوسط والمقاطع لقريب والمواصل له فيجرى عليها وفي بعضها ما يبلغ الخمسين وأكثر مع أني أحفظ لابن رشد في شرحه أنه إذا تقرر الدين وثبت لا يبطل وإن طال لعموم الحديث المتقدم واختاره التونسي إذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة وهي في يد الطالب والطلب بسببها لأن بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه إذ العادة إذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف إذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب وإلا ففيها قولان حكاهما ابن رشد وخرجهما(1/95)
على القولين في الرهن إذا وجد بيد الراهن هل هو إبراء له أم لا لجواز وقوعه وسقوطه أو التسور عليه ونحو ذلك وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله وأما إذا ثبت أصله بكراء أو إعارة أو اعمار أو غير ذلك فلا يزال الحكم كذلك وإن طال الزمن والدين إن ثبت أصله أيضاً وإن كان في هذا الأصل خلاف في كتاب الولاء من المدونة لكن مذهب ابن القاسم ما ذكره خلافاً لقول الغير وعليه جرى عمل القضاة في هذا الزمان بتونس ما لم تقترن قرائن تدل على دفع الدين مع طول الزمان فيعمل عليها في البراءة والله أعلم انتهى ويشير والله أعلم بقوله وقياسه على باب الحيازة فيه نظر لما أصل ابن رشد أن ترجيح الحيازة إنما هو فيما جهل أصله إلى ما قاله في شرح المسألة الرابعة من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق ولتذكر المسألة وكلامه عليها ونصها مسألة قال يحيى وسألت ابن القاسم عن رجل أصدق امرأة عن ابنه منزلاً فلما دخل ابنه بالمرأة أخذت المنزل إلا حقولاً يسيرة تركتها في يد حميها فلم تزل في يده حتى مات بعد طول زمان ثم أرادت المرأة أخذها فمنعها ورثة الحمو وقالوا قد عاينتها زمان من دهرك وهي في يده ولا تشهدي عليه بعارية ولا كراء، ولا ندري لعلّك أرضاكِ من حقك، أترى للمرأة في ذلك حقاً قال نعم لها أن تأخذ تلك الحقول التي هي مما كان أصدقها الحمو عن ابنه ولا يضرها طول ما تركت ذلك في يد الحمو لأنها ليست بالصدقة فتلزم حيازتها وإنما الصداق ثمن من الأثمان وكذلك لو تركت كل ما أصدقها في يد الحمو لم يضرها ذلك قال ابن رشد هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف لأن حقها تركته في يد حموها فلا يضرها ذلك طال الزمان أو قصر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق بين القرابة والأجنبيين والأصهار فيها إذ قد عرف وجه كون الأحقال(1/96)
بيد الحمو فهي على ذلك محمولة حتى يعرف مصيرها إليه بوجه صحيح لأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها وهذا أصل الحكم بالحيازة... وبالله التوفيق.
3 – النقول عن المذهب الشافعي
يقرر المذهب الشافعي كغيره من المذاهب الأخرى أن اليد دليل الملك من حيث الجملة ما لم يعارضها ما هو أقوى منها وليس فيما أوردناه من النقول ما يدل على تحديد مدة معينة ويكون مضيها مثبتاً الملكية لصاحب اليد كما هو مقرر في كتب الحنفية والمالكية وفيما يلي نقول عن الإمام الشافعي وبعض أتباعه.
أ – جاء في الأم:[22] (قال الشافعي) رحمه الله تعالى إذا كان الشيء في يد اثنين عبداً كان أو داراً أو غيره فادعى كل واحد منهما كله فهو في الظاهر بينهما نصفان ويكلف كل واحد منهما البينة على ما في يد صاحبه فإن لم يجد واحد منهما بينة أحلفنا كل واحد منهما على دعوى صاحبه فأيهما حلف بريء وأيهما نكل رددنا اليمين على المدعي فإن حلف أخذ وإن نكل لم يأخذ شيئاً ودعواه النصف الذي في يد صاحبه كدعواه الكل ليس في يديه منه شيء لأن ما في يد غيره خارج من يديه)).
ب – وجاء فيها أيضاً [23]: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يد رجلين فأقام أحدهما البينة أنها كلها له منذ سنة والآخر البينة أن له كلها منذ سنتين فيه بينهما نصفان أقبل بينة كل واحد منهما على ما في يده وأطرحها عما في يد غيره إذا شهد شهود له بخلافها (قال أبو يعقوب) يقضى بها لأقدمهما ملكاً لها (قال الربيع) هي بينهما نصفان.(1/97)
جـ - وجاء فيها: [24](قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان العبد في يدي رجل فادعاه آخر وأقام البينة أنه كان في يديه أمس فإنه لا يقبل منه البينة على هذا لأنه قد يكون في يديه ما ليس له ولو أقام البينة أن هذا العبد أخذ هذا منه أو انتزع منه العبد أو اغتصبه منه أو غلبه على العبد وأخذه منه أو شهدوا أنه أرسله في حاجته فاعترضه هذا من الطريق فذهب به أو شهدوا أنه أبق من هذا فأخذه هذا فإن هذه الشهادة جائزة ويقضى له بالعبد فإن لم تكن له بينة فعلى الذي في يديه العبد اليمين فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف أخذ ما ادعى وإن انكل سقط دعواه وإنما حلفه على ما ادعى صاحبه (قال أبو يعقوب) رحمه الله تعالى: تقبل بينته ويترك في يديه كما كان.
د – وجاء فيها أيضاً [25]: (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدابة في يدي رجل فأقام البينة أنها له فأقام رجل أجنبي بينة أنها له فهي للذي هي في يديه. وسواء أقام الذي هي في يديه بينة على أنها له بميراث أو شراء أو غير ذلك من الملك أو لم يقمها. وسواء أقام الأجنبي البينة على ملك أقدم من ملك هذا أو أحدث أو معه أم لم يقمها. إنما انظر إلى الشهود حين يشهدون فأجعلها للذي هو أحق في تلك الحال.
هـ - وجاء فيها أيضاً[26]: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبدالله: أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يديه وهذا قول كل من حفظت عنه ممن لقيت في النتاج وفيما لا يكون إلا مرة وخالفنا بعض المشرقيين فيما سوى النتاج وفيما يكون مرتين.(1/98)
و – وجاء فيها أيضاً[27]: (قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا تداعى الرجلان الشيء وهو في يد أحدها دون الآخر فأقاما معاً بينة فالبينة بينة الذي هو في يديه، إذا كانت البينة مما يقضى بمثله مثل شاهد وامرأتين أو شاهدين فأقام الآخر عشرة أو أكثر فسواء.. )).
ز – وجاء فيها أيضاً تحت عنوان[28]: (( باب الدعويين أحداهما في وقت قبل صاحبه )) قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان العبد في يد رجل فأقام الرجل البينة أنه له منذ سنتين وأقام الذي هو في يديه البينة أنه له منذ سنة فهو للذي هو في يديه والوقت الأول والوقت الآخر سواء وكذلك لو كان في أيديهما فأقاما جميعاً البينة على الملك إنما أنظر إلى الحال التي يتنازعان فيها.. )).
حـ - جاء في مختصر المزني[29]: (قال الشافعي) رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكه عن ابن عباس: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال "البينة على المدعي" (قال الشافعي): أحسبه قال: ولا اثبته قال واليمين على المدعى عليه. قال: وإذا ادعى الرجل الشيء في يدي الرجل فالظاهر أنه لمن هو في يديه مع يمينه ؛ لأنه أقوى سبباً. فإن استوى سببهما فهما فيه سواء، فإن أقام الذي ليس في يديه البينة قال لصاحب اليد: البينة التي لا تجر إلى أنفسها بشهادتها أقوى من كينونة الشيء في يديك وقد يكون في يديك مالا تملكه فهو له لفضل قوة سببه على سببك. فإن أقام الآخر بينة قيل قد استويتما في الدعوى والبينة والذي الشيء في يديه أقوى سبباً فهو له لفضل قوة سببه. وهذا معتدل على أصل القياس والسنة على ما قلنا في رجلين تداعيا دابة وأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يديه )).(1/99)
ط – يقول الشيرازي[30] (( وإن تداعيا عيناً ولأحدهما بينة وهي في يدهما أو في يد أحدهما أو في يد غيرهما حكم لمن له البينة لقوله - صلى الله عليه وسلم - شاهداك أو يمينه، فبدأ الحكم بالشهادة ولأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك لا تهمة فيها واليد تحتمل الملك وغيره والذي يقويها هو اليمين وهو متهم فيها فقدمت البينة عليها وإن كان لكل واحد فيهما بينة نظرت فإن كانت العين في يد أحدهما قضى لمن له اليد من غير يمين. ومن أصحابنا من قال لا يقضى لصاحب اليد من غير يمين ؛ لأن بينته تعارضها بينة المدعي فتسقطها، ويبقى له اليد، ولا يقضى بها من غير يمين. والمنصوص أنه يقضى له من غير يمين لأن معه بينة معها ترجيح وهو اليد. ومع الآخر بينة لا ترجيح معها. والحجتان إذا تعارضتا ومع أحدهما ترجيح قضي بالتي معها الترجيح كالخبرين إذا تعارضا دُفع أحدهما قياس. وإن كانت العين في يد أحدهما فأقام الآخر بينة فقضي له وسلمت العين إليه ثم أقام صاحب اليد بينة أنها له نقض الحكم وردت العين إليه لأنا حكمنا للآخر ظناً منا أنه لا بينة له، فإذا أتى بالبينة بان لنا أنه كانت له يد وبينة فقدمت على بينة الآخر )).
ي – ويقول الشيرازي في المهذب[31] (( وإن كان في يد رجل دار فادعاها رجل وأقام البينة أنها له أجرها ممن هي في يده، وأقام الذي في يده الدار بينته أنها له قدمت بينة الخارج الذي لا يد له. لأن الدار المستأجرة في ملك المؤجر وبيده وليس للمستأجر إلا الانتفاع، فتصير كما لو كانت في يده داراً، وادعى رجل أنها له غصبه عليها الذي هي في يده وأقام البينة فإنه يحكم بها للمغصوب منه )).(1/100)
كـ - جاء في نهاية المحتاج للرملي[32] (ولو كانت) العين (بيده) تصرفاً أو إمساكاً (فأقام غيره بها) أي بملكها، من غير زيادة (بينة) وأقام (هو) بها (بينة) بينت سبب ملكه أم لا أو قالت: كل اشتراها أو غصبها من الآخر، (قدم) من غير يمين (صاحب اليد) ويسمى الداخل لأنه - صلى الله عليه وسلم - قضى بذلك كما رواه أبو داود وغيره ولترجيح بينته وإن كانت شاهداً ويميناً على الأخرى وإن كانت شاهدين ومن ثم لو شهدت بينة المدعي بأنه اشتراه منه، أو من بائعه مثلاً أو أن أحدهما غصبها قدم لبطلان اليد حينئذ... )).
ل – ويقول الرملي في نهاية المحتاج:
"أما إذا كان لأحدهما يد وشاهدان وللآخر شاهد ويمين فتقدم اليد والشاهدان (و) المذهب (أنه لو كان لصاحب متأخرة التاريخ يد قدمت) لأنهما متساويان في اثبات الملك في الحال، فيتساقطان فيه، وتبقى اليد فيه مقابلة الملك السابق وهي أقوى من الشهادة على الملك السابق بدليل أنها لا تزال بها وقيل العكس يتساويان لأن لكل جهة ترجيح".
م – جاء في شرح منهج الطلاب لزكريا الأنصاري[33]. تحت عنوان ((فصل في تعارض البينتين)):(1/101)
"لو (ادعى كل منهما) أي من الاثنين (شيئاً وأقام بينة به وهو بيد ثالث سقطتا) لتناقض موجبهما لتناقض موجبهما فيحلف لكل منهما يميناً.. (أو بيدهما أولاً بيد أحد فهو لهما) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر ((أو بيد أحدهما)) ويسمى الداخل (رجحت بينته) وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهداً ويميناً وبينة الخارج شاهدين أو لم تبين سبب الملك من شراء أو غيره ترجيحاً لبينته بيده. هذا (وإن أقامها بعد بينة الخارج) ولو قبل تعديلها بخلاف مالو أقامها قبلها لأنها إنما تسمع بعدها لأن الأصل في جانبه اليمين فلا تعدل عنها ما دامت كافية (ولو أزيلت يده ببينة وأسندت بينته) الملك (إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبتها) مثلاً فإنها ترجح لأن يده إنما أزيلت لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء بخلاف ما إذا لم تسند بينته إلى ذلك أو لم يعتذر بما ذكر فلا ترجح لأنه الآن مدع خارج واشتراط الاعتذار ذكره الأصل كالروضة".
وأصلها قال البلقيني:
"وعندي أنه ليس بشرط والعذر إنما يطلب إذا ظهر من صاحبه ما يخالفه كمسألة الرابحة... ويجاب بأنه إنما شرط هنا وإن لم يظهر من صاحبه ما يخالفه لتقدم الحكم بالملك لغيره فاحتيط بذلك ليسهل نقض الحكم بخلاف ما مر".
ن – وجاء في حاشية الباجوري[34] على شرح ابن قاسم الغزي تعليقاً على قول ابن قاسم (وإذا تداعيا) أي اثنان شيئاً في يد أحدهما فالقول قول صاحب اليد بيمينه) أن الذي في يده له.
قال الباجوري:(1/102)
"... قوله شيئاً أي عيناً وقوله في يد أحدهما أي ولا بينة لواحد منهما فإن كان لكل منهما بينة رجحت بينة صاحب ليد ويسمى الداخل على بينة الآخر ويسمى الخارج بشرط أن يقيم الداخل بينته بعد بينة الخارج ولو قبل تعديلها لأن الأصل في جانب الداخل اليمين مالم يقم الخارج بينته فلا يعدل عنها ما دامت كافية فلو أقامها قبلها لم تسمع فيعيدها بعدها وترجح بينة الداخل ولو كانت شاهداً ويميناً وكانت بينة الخارج شاهدين، وإن تأخر تاريخها أو لم تبين سبب الملك من شراء أو غيره ترجيحاً لبينة بيده نعم لو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك ولم تدفعه لي أو غصبته مني واكتريته أو استعرته فقال الداخل بل هو ملكي وأقاما بينتين بما قالاه رجحت بينة الخارج لزيادة علمها بما ذكر ولو أزيلت يد الداخل ببينة أقامها الخارج ثم أقام الداخل بينته وأسندت ملكه إلى ما قبل إزالة يده رجحت بينته وإن لم يعتذر بغيبتها مثلاً على المعتمد خلافاً للبلقيني وتبعه شيخ الإسلام في شرح منهجه فينقض القضاء السابق لأن يده إنما أزيلت بعدم الحجة، وقد ظهرت بخلاف ما إذا لم تسند ملكه إلى ذلك فلا ترجح لأنه الآن مدع خارج وعلم مما تقرر من أن بينة الداخل ترجح إذا أزيلت يده ببينة وأسندت بينة ملكه ما قبل إزالة يده أن دعواه تسمع ولو بغير ذكر انتقال بخلاف ما لو أزيلت يده بإقرار حقيقة أو حكماً وهو اليمين المردودة فلا تسمع دعواه ثانياً بغير ذكر انتقال لأنه مؤاخذ بإقراره...".
س – قال العز بن عبدالسلام (فائدة)[35] اليد عبارة عن القرب والاتصال، وللقرب والاتصال مراتب بعضها أقوى من بعض في الدلالة.
أعلاها: ما اشتد اتصاله بالإنسان كثيابه التي هو لابسها وعمامته ومنطقته وخاتمه وسراويله ونعله الذي في رجله ودراهمه التي في كمه أو جيبه أو يده، فهذا الاتصال أقوى الأيدي لاحتوائه عليها ودنوه منها.(1/103)
المرتبة الثانية: البساط الذي هو جالس عليه أو البغل الذي هو راكب عليه فهذا في المرتبة الثانية.
المرتبة الثالثة: الدابة التي هو سائقها أو قائدها فإن يده في ذلك أضعف من يد راكبها.
المرتبة الرابعة: الدار التي هو ساكنها ودلالتها دون دلالة الراكب والسائق والقائد لأنه غير مسئول على جميعها ويقدم أقوى اليدين على أضعفهما فلو كان اثنان في دار فتنازعا في الدار وفي ما هما لابسانه جعلت الدار بينهما بأيمانهما لاستوائهما في الاتصال وجعل القول قول كل واحد منهما في ما هو لباسه المختص به لقوة القرب والاتصال ولو اختلف الراكبان في مركوبهما حلفا وجعل بينهما لاستوائهما ولو اختلف الراكب مع القائد أو السائق قدم الراكب عليهما بيمينه.)).
ع – وجاء في الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي[36]: سئل رحمه الله عن امرأة بيدها مستند شرعي مضمونه أن فلانة الفلانية اشترت من أختها فلانة الفلانية بيتاً بيعاً مطلقاً بثمن كذا وكذا وقبضت البائعة الثمن باعترافها وحكم حاكم شافعي بالتبايع المذكور.(1/104)
ومؤرخ التبايع والحكم بعام سنة عشرين وتسعمائة (920) والشاهد لم يكتب في المستند معرفته للبائعة ولا عرفه بها أحد. والحالة أن البائعة منكرة للبيع المذكور وأنها لم تقبض الثمن المذكور وأنها لم تكن أختاً لها كما كتب في المستند. ثم إن البائعة جاءت عند حاكم شرعي مخالف للحاكم المثبت وادعت على المشترية المذكورة أنها واضعة يدها على بيتها بمقتضى أنهما جعلته تحت يدها في مبلغ اثني عشر اشرفياً هو ومستندات شرعية تشهد لها بذلك فأجابت بأنها صار إليها ذلك بالشراء الشرعي منها كما ذكر أعلاه وأنني تقابلت وإياك التبايع الصادر منك كما ذكر. فهل تسمع دعواها الآن بأنها لم تبع ولم تقبل الثمن ؟ وهل حكم الحاكم الشافعي يمنعها من الدعوى بذلك ؟ وهل طول المدة مع تصرفها في البيت بالهدم والبناء مسقط للطلب أيضاً أم لا ؟ وهل للحاكم المدعى لديه إلزام المشترية بحضور البينة ثانياً لتشهد في وجه البائعة بالمعرفة والبيع وبقبض الثمن أم لا ؟
فأجاب – نفع الله تعالى بعلومه قوله: لا تسمع دعواها الآن بأنها لم تبع حيث ثبت عند الحاكم وليس للحاكم المدعى لديه إلزام المشترية بحضور البينة ثانياً لتشهد في وجه البائعة بالمعرفة لأن من لازم حكم الحاكم بصحة البيع استيفاء مسوغاته الشرعية ومنها أن الشهادة لا تكون إلا على عينها أو باسمها ونسبها ولا نظر لطول المدة المذكورة ولا لقصرها وأما دعواها أنها لم تقبض الثمن فإن كانت الشهادة عليها بطريق المعاينة لم تسمع دعواها وإن كانت بطريق الشهادة على اقرارها سمعت دعواها أنها لم تقر إلا على رسم القيالة فتحلف المشترية أنها أقبضتها الثمن فإن نكلت حلفت البائعة أنها لم تقبض واستحق الثمن... والله أعلم.
4 – النقول من مذهب الحنابلة:(1/105)
تمهيد: يقرر المذهب الحنبلي القول في الحكم بمرور الزمان من حيث الجملة بناء على قاعدة سد الذرائع وأنه إذا تعارض أصل وظاهر قدم الظاهر ولم يذكر الحنابلة من تحديد المدة كما ذكره الأحناف بل يردون ذلك إلى اجتهاد القاضي وقد وردنا بعض النقول عن ابن قدامه وصاحب مطالب أولي النهى وشيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم وجملة من فتاوى أئمة الدعوة.
قال ابن قدامة[37]: فإن كان في يد رجل دار أو عقار يتصرف فيها تصرف الملاك بالسكنى والإعارة والإجارة والعمارة والهدم والبناء من غير منازع، فقال أبو عبدالله بن حامد: يجوز أن يشهد له بملكها. وهو قول أبي حنيفة والأصطخري من أصحاب الشافعي. قال القاضي: ويحتمل أن لا يشهد إلا بما شاهده من الملك واليد والتصرف، لأن اليد ليست منحصرة في الملك قد تكون بإجارة أو إعارة أو غصب. وهذا قول بعض أصحاب الشافعي.
ووجه الأول أن اليد دليل الملك، واستمرارها من غير منازع يقويها، فجرت مجرى الاستفاضة فجاز أن يشهد بها كما لو شاهد سبب اليد من بيع أو إرث أو هبة واحتمال كونها عن غصب أو إجارة يعارضه استمرار اليد من غير منازع فلا يبقى مانعاً كما لو شاهد سبب اليد، فإن احتمال كون البائع غير مالك والوارث والواهب لا يمنع الشهادة كذا هاهنا.
فإن قيل: فإذا بقي الاحتمال لم يحصل العلم ولا تجوز الشهادة إلا بما يعلم.
قلنا: الظن يسمى علماً. قال الله تعالى "فإن علمتموهن مؤمنات"[38] ولا سبيل إلى العلم اليقين هاهنا فجازت بالظن.
وجاء في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى[39] (ومن رأى شيئاً بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة كتصرف مالك من نقض وبناء وإجارة وإعارة فله الشهادة بالملك) لأن تصرفه فيه على هذا الوجه بلا منازع دليل صحة الملك (كمعاينة السبب) أي سبب الملك (من بيع وإرث) ولا نظر لاحتمال كون البائع والمورث ليس مالكاً (وإلا) يره يتصرف كما ذكر فإنه يشهد (باليد والتصرف) لأن ذلك لا يدل على الملك غالباً.(1/106)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية[40]: ومن ادعى على خصمه أن بيده عقاراً استغله مدة معينة وعينه وأنه استحقه فأنكر المدعى عليه، وأقام المدعى عليه بينة باستيلائه لا باستحقاقه، لزم الحاكم إثباته والشهادة به كما يلزم البينة أن تشهد به، لأنه كفرع مع أصل، وما لزم أصل الشهادة به لزم فرعه حيث يقبل، ولو لم تلزم اعانة مدع بإثبات وشهادة ونحو ذلك إلا بعد ثبوت استحقاقه لزم الدور بخلاف الحكم وهو الأمر بإعطائه ما ادعاه إن أقام بينة بأنه هو المستحق أمر بإعطائه ما ادعاه وإلا فهو كمال مجهول يصرف في المصالح.
ومن بيده عقار فادعى رجل بثبوته عند الحاكم أنه كان لجده إلى موته، ثم إلى ورثته ولم يثبت أنه مخلف عن مورثه، لا ينزع منه بذلك، لأن أصلين تعارضا وأسباب انتقاله أكثر من الإرث ولم تجر العادة بسكوتهم المدة الطويلة ولو فتح هذا الباب لانتزع كثير من عقار الناس بهذا الطريق قال ابن القيم: فصل: الطريق الثالث[41].
أن يحكم باليد مع يمين صاحبها، كما إذا ادعى عليه عيناً في يده، فأنكر فسأل إحلافه فإنه يحلف وتترك في يده لترجح جانب صاحب اليد. ولهذا شرعت اليمين في جهته فإن اليمين تنتزع في جنبة أقوى المتداعيتين، هذا إذا لم تكذب اليد القرائن الظاهرة، فإن كذبتها لم يلتفت إليها، وعلم أنها يد مبطلة.
وذلك كما لو رأى إنساناً يعدو وبيده عمامة، وعلى رأسه عمامة، وآخر خلفه حاسر الرأس، ممن ليس شأنه أن يمشي حاسر الرأس، فإنا نقطع أن العمامة التي بيده للآخر، ولا يلتفت إلى تلك اليد.
ويجب العمل قطعاً بهذه القرائن. فإن العلم المستفاد منها أقوى بكثير من الظن المستفاد من مجرد اليد، بل اليد هنا لا تفيد ظناً البتة. فكيف تقدم على ما هو مقطوع به، أو كالمقطوع به ؟
وكذلك إذا رأينا رجلاً يقود فرساً مسرجاً ولجامه وآلة ركوبه، وليست من مراكبه في العادة، ووراءه أمير ماش، أو من ليس من عادته المشي، فإنا نقطع أن يده مبطلة.(1/107)
وكذلك المتهم بالسرقة إذا شوهدت العملة معه وليس من أهلها كما إذا رؤى معه القماش والجواهر ونحوها مما ليس من شأنه وادعى أنها ملكه وفي يده، لم يلتفت إلى ملك اليد.
وكذلك كل يد تدل القرائن الظاهرة التي توجب القطع أو تكاد: أنها يد مبطلة لا حكم لها، ولا يقضى بها.
فإذا قضينا باليد، فإنما نقضي بها إذ لم يعارضها ما هو أقوى منها.
وإذا كانت اليد ترفع بالنكول، وبالشاهد الواحد مع اليمين، وباليمين المردودة. فلا ترفع بما هو أقوى من ذلك بكثير بطريق الأولى. فهذا مما لا يرتاب فيه: أنه من أحكام العدل الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ووضعه بين عباده.
فالأيدي ثلاثة: يد يعلم أنها مبطلة ظالمة فلا يلتفت إليها.
الثانية يد يعلم أنها محقة عادلة، فلا تسمع الدعوى عليها. كمن يشاهد في يده دار يتصرف فيها بأنواع التصرف من عمارة وخراب وإجارة وإعارة مدة طويلة من غير منازع ولا مطالب، مع عدم سطوته وشوكته. فجاء من ادعى أنه غصبها منه، واستولى عليها بغير حق – وهو يشاهد في هذه المدة الطويلة ويمكنه طلب خلاصها منه. ولا يفعل ذلك – فهذا مما يعلم فيه كذب المدعي، وأن يد المدعى عليه محقة.
هذا مذهب مالك وأصحابه وأهل المدينة. وهو الصواب.(1/108)
قالوا إذا رأينا رجلاً حائزاً لدار متصرفاً فيها مدة سنين طويلة: بالهدم والبناء والإجارة والعمارة وهو ينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقاً ولا مانع يمنعه من مطالبته: من خوف سلطان، أو نحوه من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، وليس بينه وبين المتصرف في الدار قرابة، ولا شركة في ميراث وما أشبه ذلك، مما يتسامح به القرابات والصهر بينهم في إضافة أحدهم أموال الشركة إلى نفسه، بل كان عرياً عن ذلك أجمع، ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه، ويريد أن يقيم بينة على ذلك – فدعواه غير مسموعة أصلاً، فضلاً عن بينته، وتبقى الدار في يد حائزها لأن كل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.
قال تعالى: "وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"[42] وأرحبت الشريعة الرجوع إلى العرف عند الاختلاف في الدعاوى كالنقد وغيره. وكذلك في هذا الموضع. وليس ذلك خلاف العادات فإن الناس لا يسكتون على ما يجري هذا المجرى من غير عذر.
قالوا: وإذا اعتبرنا طول المدة، فقد حدها ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم واصبغ بعشر سنين. وربما احتج بحديث يذكر عن سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حاز شيئاً عشر سنين فهو له" وهذا لا يثبت.
وأما مالك رحمه الله: فلم يوقت في ذلك حداً، ورأى ذلك على قدر ما يرى ويجتهد فيه الإمام.
الثالثة: يد محتمل أن تكون محقة. وأن تكون مبطلة. فهذه هي التي تسمع الدعوى عليها ويحكم بها عند عدم ما هو أقوى منها. فالشارع لا يغير يداً شهد العرف والحس بكونها مبطلة. ولا يهدر يداً شهد العرف بكونها محقة.(1/109)
واليد المحتملة: يحكم فيها بأقرب الأشياء إلى الصواب. وهو الأقوى فالأقوى. والله أعلم. فالشارع لا يعين مبطلاً، ولا يعين على إبطال الحق، ويحكم في المتشابهات بأقرب الطرق إلى الصواب وأقواها.
باب الدعاوى والبينات
قال الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد رحمهما الله جرى بين رجلين خصومة في عقد بيع نخل متقدم ودخل عليه عقد ثان وقام بعض الناس على بعض يتنازعون في عقود ماضية في أموال قد استولى عليها أهلها وحضروا عند آل الشيخ واتفق رأيهم أن ما أفتى به الشيخ رحمه الله وغيره من قضاة المسلمين واستغله الذي هو في يده مدة والمدعي موجود ولا أنكر وادعى فلا له طريق إلا إن تبين مقالة فيها نص صريح أو إجماع أهل العلم أو اتفق عليه قضاة المسلمين الموجودين وإلا ما يثبت له دعوى بفتيا الواحد في مثل هذه المقالة التي يقضي فيها قاض من قضاة المسلمين فلا يتعرضها الآخر إلا باجماع القضاة أن هذه الفتيا مخالفة للشرع فإن نقضها واحد ما صح نقضه فإن تقوَّى أمير أو مأمور على مسلم وأكل ماله بظلم أو بيع فاسد فيأتي وأقوم له إن شاء الله تعالى.
ويذكر لنا بعض الناس الذين حضروا الشيخ رحمه الله أنه إذا عرض عليه حفيظة بخط مطوع من مطاوعة الجاهلية[43] أمضاها ولا ينكثها فإذا استدام ملك واحد في يد الآخر واستغله ثلاث سنين أو أربع سنين وصاحب الدعوى حاضر ولا ادعى في هذه المدة سد عليه الباب.(1/110)
سئل الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد عن أخوين بينهما شركة في أرض تصرف أحدهما في الأرض بزرع وبناء وادعى أنه اشتراها من أخيه ولكن الشهود ماتوا فأجاب: الذي نفهم أن هذا على الأصل يلزم مدعي الشراء بينة فإن لم يجد بينة حلف المنكر أنه لم يبعها عليه وأنها في ملكه إلى الآن فإذا حلف فهو على نصيبه من الأرض وأما كونها في يد أحدهما ويتصرف فيها من قدر ثمان سنين فمثل هذا ما يصير بينة ولا يحكم باليد في مثل هذه الصورة لكونه يدَّعي أنه اشتراها والآخر منكر ولم يدع أنها ملكه لا حق للآخر فيها بل هو مقر بملك أخيه فيها لكنه يدعي بالشراء وهذا الذي تقرر عندنا وعند الأخ حمد ابن ناصر.
سئل الشيخ عبدالرحمن بن حسن عن مواريث كانت في الأصل فصارت اليوم في يد غير أهلها يتصرفون فيها تصرف الملاك فأجاب: الذي استقر عليه فتوى شيخنا شيخ الإسلام إمام الدعوة الاسلامية أن العقار ونحوه إذا كان في يد إنسان يتصرف فيه تصرف الملاك من نحو ثلاث سنين فأكثر ليس فيه منازع في تلك المدة أن القول قوله أنه ملكه إلا أن تقوم بينة عادلة تشهد بسبب وضع اليد أنه مستعير أو مستأجر ونحو ذلك، وأما الأصل فلا يلتفت إليه مع هذا الظاهر فقدم شيخنا رحمه الله الظاهر هنا على الأصل لقوته وعدم المعارض.(1/111)
وسئل أيضاً الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ رحمهم الله عن بستان ادعاه اثنان أصله لجدهما من قبل الأم وليس مع أحدهما بينة بانتقال ملك مورثه عنهما فأجاب: قد أفاد ابن القيم رحمه الله تعالى في الطرق ما يؤخذ منه حكم هذه القضية فقال: وأما المرتبة الثالثة فمثالها أن يكون رجل حائزاً لدار يتصرف فيها السنين الطويلة بالبناء والهدم والإجارة والعمارة وينسبها إلى نفسه وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها هذه المدة وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقاً ولا مانع من مطالبته من خوف سلطان أو ما أشبه ذلك وليس بينه وبين المتصرف في الدار قرابة أو شركة في ميراث ونحوه ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه، ويزعم أنها له، ويريد أن يقيم بينة بذلك فدعواه غير مسموعة أصلاً انتهى. فمفاد هذا الكلام أنه إذا كان بين المتنازعين قرابة أو شركة في ميراث ونحو ذلك أن الدعوى تسمع ولا يثبت حكم اليد لمن هي في يده لأجل القرابة وغيبة الشريك فتقسم على الميراث الذي هو في الأصل والله أعلم.
سئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ إذا ادعى رجل أن أباه اشترى هذا الملك وأحضر وثيقة وكان بيد آخر وورثه عن أبيه والوثيقة من مدة خمس سنين فأجاب: اعلم أن العلماء قرروا أنه إذا تعارض الأصل والظاهر قدم الظاهر ولم يعمل بالأصل، وهذا فيما إذا كان العقار بيد إنسان قدر خمس سنين يتصرف فيه تصرف المالك ولم يدعه صاحب الأصل في هذه المدة ولم يكن بينهما شركة ولا قرابة بينهما، فالذي أرى في هذه المسألة إذا كان الملك بيد أب من هو في يده أو ولده مع وجود أبي المدعي يتصرف فيه ولم يدعه الأب فدعوى ابنه اليوم ساقطة، وإن كان أبو المدعى مات من حين الشراء المذكور في الوثيقة وأحضر ابنه بينة أنه لم يعلم بالوثيقة ولم يجدها إلا في هذا الزمان عمل بها وإلا لم تقبل دعواه عدم وجودها إلا ببينةٍ مرضية.(1/112)
سئل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين إذا ادعى إنسان عقاراً فقال المدعى عليه ورثته من أبي ولم أعلم لك فيه حقاً هل تقبل يمينه ؟ وإذا ادعى انسان شيئاً أنه يملكه الآن وشهدت البينة أنه كان له أمس أو لأبيه قبل موته إلى أن مات هل تسمع أولا؟ فأجاب: لا يخلوا إما أن يدعي على من هو بيده أنه غصبه إياه ونحو ذلك فإذا لم يكن للمدعي بينة فعلى المدعى عليه اليمين على حسب جوابه، فإن قال المدعي غصبتني حلف أني ما غصبتك هذا وإن قال المدعي أودعتك هذا حلف أنك ما أودعتني إياه ونحو ذلك فإذا حلف بأنك ما تستحق علي شيئاً أو أنك لا تستحق شيئاً فيما ادعيته صار جواباً صحيحاً ولا يكلف سواه، والحال الثاني أن يدعي على من هو في يده بأن أباك غصبني هذا أو أنه وديعة عنده ونحو ذلك فيمين المدعى عليه على نفي العلم فيحلف في دعوى الغصب بأني ما علمت أن أبي غصب هذا منك وفي دعوى الوديعة ما علمت أنك أودعته إياه ونحو ذلك وفي سنن أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للحضرمي "ألك بينة" قال لا ولكن أحلفه والله يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين ولم ينكر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأنه لا تمكنه الإحاطة بفعل غيره بخلاف فعل نفسه فوجب أن لا يكلف اليمين على البت. وأما إذا ادعى أن هذه اليمين له الآن وشهدت البينة بأنها كانت له أمس وأنها كانت في يده أمس لم تسمع بينته لعدم تطابق البينة والدعوى قال في الانصاف في أصح الوجهين حتى يتبين سبب يد الثاني نحو غصبه بخلاف ما لو شهدت أنها ملكه اشتراه من رب اليد فإنها تقبل أ.هـ.(1/113)
وأما إذا شهدت البينة أن هذه العين لهذا المدعي بهذه الصيغة كفى ذلك وسلمت إلى المدعي ولو لم تقل وهي في ملكه الآن وأما إذا ادعى أن هذه العين كانت ملكاً لأبيه أو أمه أو أخيه ومات وهي في ملكه فصارت لي بالميراث فإن شهدت البينة بأن هذه العين كانت ملكاً لأبيه ومات وهي في ملكه سمعت البينة بذلك وإن قالت البينة كانت ملكاً لأبيه ونحوه ولم تشهد بأنها خلفه تركة لم تسمع هذه البينة. وفي الفروع والانصاف عن الشيخ تقي الدين أنه قال فيمن بيده عقار فادعى آخر بثبوت عند الحاكم أنه كان لجده إلى موته ثم لورثته ولم يثبت أنه مخلف عن موروثه لا ينتزع منه بذلك لأن أصلين تعارضا وأسباب انتقاله أكثر من الإرث ولم تجر العادة بسكوتهم المدة الطويلة ولو فتح هذا الباب لانتزع كثير من عقار الناس بهذا الطريق[44].
مما تقدم يتبين ما يأتي:
أولاً: من الأسباب الشرعية لنقل الملكية البيع والهبة والوصية والميراث والشفعة والحيازة والتقادم عند من يقول بذلك / انظر الإعداد ص2.
ثانياً: دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الاعتداء على أموال الناس بغير حق انظر الإعداد ص3.
ثالثاً: معنى الحيازة في اللغة الجمع والتجمع وجميع فروع هذه المادة ترجع إلى هذا الأصل وكل من ضم شيئاً إلى نفسه فقد حازه حوزاً. والحيازة اصطلاحاً وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه والتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم/ انظر الإعداد/ ص4.
رابعاً: محل البحث هو الشيء الذي طالت مدته بيد انسان وليس لديه ما يثبت ملكيته سوى طول المدة فأقام شخص آخر الدعوى عليه وادعى أنه ملكه وأحضر البينة على ذلك وليس لديه في السابق ما يمنعه من إقامة الدعوى.
خامساً: ذكر أقوال الفقهاء في إثبات الملكية بالتقادم وبيان المدد وشروط ذلك مع الأدلة ؟ المعتمد في هذا الباب في جميع تفاصيله من جهة اختلاف مقدار المدة على الاجتهاد السلطاني واجتهاد القضاة.(1/114)
أ – يرى الإمام مالك رحمه الله تعالى ومن وافقه من أهل العلم عدم تحديد المدة بمقدار معين يكون قاعدة يطبق عليها تصرف القضاة فلا يتجاوزونها ولا ينقصون عنها شيئاً وهذا مبني على أن لكل مسألة ظروفها وملابساتها فيجتهد القاضي الذي ينظر في المسألة والإعتماد على اجتهاد القاضي له أصل في الشرع.
ب – يرى الحنفية ومن يوافقهم من المالكية وغيرهم تحديد المدة ومن هنا يتشعب الخلاف في مقدار هذه المدة.
1 – التقادم الذي مدته ست وثلاثون سنة وهذا عند الحنفية ومن يوافقهم وهو في:
1- دعوى المتولى والمرازقة في الأصل والوقف وعلته. 2- دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في العقارات الموقوفة. 3- الدعاوى المتعلقة بأصل النقود الموقوفة. 4- العقار الراجع من الطريق إذا كان موقوفاً. 5- العقار الذي يرجع من طريق العقارات المملوكة. 6- دعاوى رقبة الأراضي الأميرية التي يقيمها مأمور الأراضي.
والقول بهذه المدة كما ذكر مبني على الاجتهاد.
2 – التقادم الذي مدته خمس عشرة سنة وهذا يقول به الحنفية ومن يوافقهم وهو مبني على الأمر السلطاني فإذا أمر السلطان أن الدعوى لا تنظر بعد مضي هذه المدة وجب على القضاة الامتناع عن النظر فيها فيكون القاضي معزولاً عن سماعها ويذكر ابن عابدين أن سبب النهي قطع الحيل والتزوير مع العلم أن هذا يمنع النظر ولا يسقط الحق ويحددون المسائل التي تدخل تحت هذه المدة في: 1- دعاوى الدين، الوديعة العارية، العقار الملك، الميراث القصاص دعوى التولية والغلة في العقارات الموقوفة والمقاطعة والمشروطة التصرف فيها بالإجارتين.
2- الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في العقار الملك/ انظر الإعداد/ 6، 11، 12، 34.(1/115)
جـ - التقادم الذي مدته عشر سنوات وهذا عند من قال به من الحنفية ومن يوافقهم ويحددون مالا تقبل فيه الدعوى بعد هذه المدة في دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب التي هي الأرض الأميرية وهذا أيضاً يبنونه على الأمر السلطاني فإذا أمر أنها لا تسمع الدعوى بعد هذه المدة وجب طاعته ولو أمر بسماعها بعد مضيها سمعت.
د – مضى في الإعداد تحديد مدة التقادم عدد غير ذلك كما هو مبين في الإعداد تركنا ذكرها اختصاراً.
هـ - هناك تفاصيل في الإعداد تركنا ذكرها اختصاراً ويمكن الرجوع إليها لأن المقصود بالقصد الأول هو أصل الموضوع.
و – الشروط التي يشترطها العلماء للقول بالتقادم والحكم بمقتضاه هي:
1- البلوغ. 2- العقل. 3- العلم بملكيته وبوضع اليد عليه. 4- الحضور. 5- أن لا يكون ممنوعاً من إقامة الدعوى خوفاً من ذي سلطان إذا كان الحائز هو السلطان والحائز شخصاً له علاقة بالسلطان.
ز – المعتبر في مرور الزمان المانع لاستماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر فقط وأما مرور الزمن الواقع بعذر شرعي من صغر وجنون وعته أو غيبة المدعي والمدعى عليه من المتقلبة فهذه المدة غير معتبرة لكن إذا زال العذر بدأت المدة.
حـ - لا اعتبار لمرور الزمن في دعاوى المحالِّ التي يعود نفعها للعموم كالطريق العام والنهر والمرعى لأنه يوجد بين العامة قاصرون كالصغار والمجانين والمعتوهين ويوجد أيضاً غائبون وحيث لا يمكن إفراز حق هؤلاء من غيرهم فلذلك لا يجرى في المحالِّ التي يعود نفعها للعموم.
هذا ما تيسر ذكره وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
قرار رقم 68 وتاريخ 21/10/1399هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه... وبعد:(1/116)
ففي الدورة الرابعة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في مدينة الطائف في المدة من العاشر من شهر شوال سنة 1399هـ. إلى الحادي والعشرين منه نظر المجلس في موضوع ((التقادم في مسألة وضع اليد)). واطلع على البحث المعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الموضوع بناء على ما تقرر في الدورة الثالثة عشرة... واستعرض أقوال أهل العلم في مختلف المذاهب، وكان من أوضحها ما ذكره العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه (الطرق الحكمية) حين قال: فصل: الطريق الثالث أن يحكم باليد مع يمين صاحبها كما إذا ادعى عليه عيناً في يده فأنكر فسأل إحلافه فإنه يحلف وتترك في يده لترجح جانب صاحب اليد ولهذا شرعت اليمين في جهته فإن اليمين تشرع في جنبة أقوى المتداعيين هذا إذا لم تكذب اليد القرائن الظاهرة فإن كذبتها لم يلتفت إليها وعلم أنها يد مبطلة وذلك كما لو رأى إنساناً يعدُو وبيده عمامة وعلى رأسه عمامة وآخر خلفه حاسر الرأس ممن ليس شأنه أن يمشي حاسر الرأس فإننا نقطع أن العمامة التي بيده للآخر ولا يلتفت إلى تلك اليد ويجب العمل قطعاً بهذه القرائن فإن العلم المستفاد منها أقوى بكثير من الظن المستفاد من مجرد اليد بل اليد هنا لا تفيد ظناً ألبته فكيف تقدم على ما هو مقطوع به أو كالمقطوع به وكذلك إذا رأينا رجلاً يقود فرساً مسرجاً ولجامه وآلة ركوبه وليست من مراكبه في العادة ووراءه أمير ماش أو من ليس من عادته المشي فإننا نقطع أن يده مبطلة وكذلك المتهم بالسرقة إذا شوهدت العملة معه وليس من أهلها. كما إذا رؤي معه القماش والجواهر ونحوها مما ليس من شأنه وادعى أنها ملكه وفي يده لم يلتفت إلى ملك اليد.(1/117)
وكذلك كل يد تدل القرائن الظاهرة التي توجب القطع أو تكاد أنها يد مبطلة لا حكم لها، ولا يقضى بها. فإذا قضينا باليد فإنما نقضي بها إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها وإذا كانت اليد ترفع بالنكول وبالشاهد الواحد مع اليمين وباليمين المردودة فلأن ترفع بما هو أقوى من ذلك بكثير بطريق الأولى.
فهذا مما لا يرتاب فيه أنه من أحكام العدل الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ووضعهم بين عباده فالأيدي ثلاث. يعد يعلم أنها مبطلة ظالمة فلا يلتفت إليها. الثانية: يد يعلم أنها محقة عادلة فلا تسمع الدعوى عليها كمن يشاهد في يده دار يتصرف فيها بأنواع التصرف من عمارة وخراب وإجارة وإعارة مدة طويلة من غير منازع ولا مطالب مع عدم سطوته وشوكته فجاء من ادعى أنه غصبها منه واستولى عليها بغير حق وهو يشاهد في هذه المدة الطويلة ويمكنه طلب خلاصها منه ولا يفعل ذلك فهذا مما يعلم فيه كذب المدعي وأن يد المدعى عليه محقة.
هذا مذهب مالك وأصحابه وأهل المدينة وهو الصواب. قالوا إذا رأينا رجلاً حائزاً لدار متصرفاً فيها مدة سنين طويلة بالهدم والبناء والإجارة والعمارة وهو ينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة وهو مع ذلك لا يعارضه فيها ولا يذكر أن له فيها حقاً ولا مانع يمنعه من مطالبته من خوف سلطان أو نحوه من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق وليس بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في ميراث وما أشبه ذلك مما يتسامح به القرابات والصهر بينهم في إضافة أحدهم أموال الشركة إلى نفسه بل كان عرياً عن ذلك أجمع ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه ويريد أن يقيم بينة على ذلك فدعواه غير مسموعة أصلاً فضلاً عن بينته وتبقى الدار في يد حائزها لأن كل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.(1/118)
قال تعالى "وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"[45] وأوجبت الشريعة الرجوع إلى العرف عند الاختلاف في الدعاوى كالنقد وغيره وكذلك في هذا الموضوع وليس ذلك خلاف العادات فإن الناس لا يسكتون على ما يجري هذا المجرى من غير عذر.
قالوا وإذا اعتبرنا طول المدة فقد حددها ابن القاسم وابن وهب وابن عبدالحكم. وأصبغ بعشر سنين، وربما احتج لهم بحديث يذكر عن سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حاز شيئاً عشر سنين فهو له" وهذا لا يثبت.
وأما مالك رحمه الله فلم يوقت في ذلك حداً ورأى ذلك على قدر ما يرى ويجتهد فيه الإمام. الثالثة: يد محتمل أن تكون محقة وأن تكون مبطلة فهذه هي التي تسمع الدعوى عليها ويحكم بها عند عدم ما هو أقوى منها فالشارع لا يغير يداً شهر العرف والحس بكونها مبطلة، ولا يهدر يداً شهد العرف بكونها محقة.
واليد المحتملة: يحكم فيها بأقرب الأشياء إلى الصواب، وهو الأقوى فالأقوى، والله أعلم.
فالشارع لا يعين مبطلاً، ولا يعين على إبطال الحق ويحكم في المتشابهات بأقرب الطرق إلى الصواب وأقواها. وما ذكره ابن القيم – رحمه الله تعالى – هو قول كثيرين من أهل العلم رحمهم الله.
وحيث إن المجلس لا يعلم نصاً شرعياً خاصاً في تحديد مدة تملك الشيء المعين الذي بيد إنسان وليس لديه إثبات الملكية سوى طول المدة، وادعى إنسان آخر ملكيته ولديه ما يثبت أنه كان ملكاً له بوسيلة من وسائل الملك الشرعية.
ونظراً لأن هذه المسألة من المسائل التي تبنى على العرف، وعلى قاعدة سد الذرائع، وأن الحكم في كل صورة من صورها يختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. فإن المجلس يرى عدم تحديد مدة معينة تكون أساساً يبني عليها القضاة أحكامهم بل يترك الحكم لاجتهادهم فإذا عرضت صورة من الصور لواحد منهم اجتهد فيها على حسب اختلاف ظروفها وملابساتها وبناها على القاعدة الشرعية التي يمكن أن تنطبق عليها.(1/119)
هذا وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
---
[1] المادة 151 – من كان واضعاً يده على عقار أو غيره ومتصرفاً فيه تصرف الملاك بلا منازع ولا معارض مدة 15 سنة فلا تسمع عليه دعوى الملك بغير الإرث من أحد ليس بذي عذر شرعي إن كان منكراً .
[2] المادة 152 – من كان واضعاً يده على عقار متصرفاً فيه تصرف الملاك بلا منازع لمدة ثلاث وثلاثين سنة فلا تسمع عليه بعدها دعوى الإرث ولا دعوى أصل الوقف إلا لعذر شرعي .
[3] المادة 153 – لواضع اليد على العقار أن يضم إلى مدة وضع يده مدة وضع يد من انتقل منه العقار إليه سواء كان انتقاله بشراء أو هبة أو وصية أو إرث أو غير ذلك فإن جمعت المدتان وبلغت المدة المحددة لمنع سماع الدعوى فلا تسمع على واضع اليد دعوى الملك المطلق ولا دعوى الإرث ولا الوقف .
[4] المادة 155 – من كان واضعاً يده على عقار بطريقة الإجارة أو الإعارة وهو مقر بالإجارة أو العارية فليس له أن يتمسك بمرور خمس عشرة سنة على وضع يده في منع سماع دعوى المؤجر أو المعير عليه فإن كان منكراً للإجارة أو العارية جميع تلك المدة والمدعي حاضر وهو تارك للدعوى عليه مع التمكن منها ووجود المقتضى لها فلا تسمع دعواه بعد ذلك .
[5] المادة 156 – إنما لا تسمع دعوى الملك أو الإرث أو الوقف على واضع اليد إذا تحقق ترك الدعوى بلا عذر شرعي في المدة المحدودة .
المادة 157 – إذا تركت الدعوى لعذر من الأعذار الشرعية في المدة المحدودة كأن كان المدعي غائباً أو قاصراً أو مجنوناً ولا ولي لهما ولا وصي فلا مانع من سماع دعوى الملك أو الإرث أو الوقف مالم يحضر الغائب ويبلغ الصبي ويفيق المجنون ويترك الدعوى بعد حضوره أو بلوغه أو إفاقته مدة تساوي المدة .
[(1/120)
6] المادة 158 – وإذا ادعى في أثناء المدة في مجلس القضاء على واضع اليد ولم تفصل الدعوى فلا مانع من سماعها ثانياً ولو مضت المدة المحدودة مالم يمض بين الدعوى الأولى والثانية المدة المحدودة .
المادة 159 – المطالبة في أثناء المدة المحدودة في غير مجلس القضاء لا تعتبر ولو تكررت مراراً .
[7] المادة 154 – الاستيام والاستيداع والإستئجار والإستعارة والإستيهاب تعتبر إقراراً بعدم الملك المباشر ذلك فلا تسمع دعواه لنفسه على واضع اليد ولو لم يمض على وضع اليد المدة المحدودة لمنع سماع الدعوى .
[8] المادة 160 – من كان واضعاً يده على عقار اشتراه فلا تسمع دعوى الملك عليه ممن كان معه في البلد وهو يعلم البيع ورآه وهو يتصرف فيه بناء وزرعاً وغير ذلك وسكت عن دعواه ولو لم تمض على وضع اليد خمس عشرة سنة ووارث من كان حاضراً يعلم البيع ويرى المتصرف كمورثه في عدم سماع الدعوى معه .
[9] المادة 161 – لا تسمع دعوى الملك على واضع اليد من ولد البائع له ولا من أقاربه أو زوجته الذين كانوا حاضرين وقت بيع العقار له وعالمين به وسكتوا عن دعواه ولو لم يمض على بيعه خمس عشرة سنة .
[10] مرشد الحيران وشرحه ، ص(114) وما بعدها .
[11] المدونة الكبرى الجزء الرابع ص(89) .
[12] المدونة الكبرى الجزء الرابع ص(90) .
[13] المدونة الكبرى الجزء الرابع ص(99) .
[14] قال في لسان الميزان عن العقيلي في عبدالجبار المذكور في حديثه وهم كثير ومشاه غيره وقال مسلمة بن القاسم ضعيف . انتهى ملخصاً .
[15] تبصرة الحكام ، ج2 ، ص(86) .
[16] تبصرة الحكام ج2 ص86 .
[17] تبصرة الحكام ، ج2 ، ص(87) .
[18] تبصرة الحكام ، جـ2 ، ص(90) .
[19] تبصرة الحكام ، جـ2 ، ص(84) .
[20] تبصرة الحكام ، جـ2 ، ص(85) .
[21] مواهب الجليل شرح مختصر خليل ، الجزء السادس ، ص(221) وما بعدها .
[22] الأم 6/227 .
[23] الأم 6/232 .
[24] الأم 6/230 .
[25] انظر الأم 6/235 – 236 .
[(1/121)
26] الأم 6/237 .
[27] الأم 6/238 .
[28] الأم 6/235 .
[29] انظر الأم 8/314 من مختصر المزني .
[30] انظر المهذب 2/311 .
[31] المهذب 2/313 .
[32] نهاية المحتاج 8/340 .
[33] انظر فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب لزكريا الأنصاري 2/232 .
[34] انظر حاشية الباجوري 3/584 .
[35] قواعد الأحكام في مصالح الأنام /141 .
[36] الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ج4 ص374 وما بعدها .
[37] المغني لابن قدامة جـ9 ص162 .
[38] سورة الممتحنة الآية (10) .
[39] انظر مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للشيخ مصطفى السيوطي الرجيباني 6/599 .
[40] الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية .
[41] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص(113) ويرجع إلى (ص88) .
[42] سورة الأعراف ، الآية (199) .
[43] أي ما قبل ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله سموا بذلك لما كانوا عليه من أعمال الجاهلية.
[44] الدرر السنية /6/512 وما بعدها .
[45] سورة الأعراف ، الآية (199) .(1/122)