* 1 * بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين * 2 * اصطفى أما بعد فإن الذين اعتنوا بتدوين المدنية العربية والتراتيب الإدارية لخلفاء المملكة الإسلامية وذكروا ما كان * 3 * لأمراء الإسلام على عهد الدولة الأموية والخلافة العباسية من الرتب والوظائف والعمالات والعمال أهملوا ما كان من * 4 * ذلك على عهد رسول الله [ ] مع أنه عليه السلام حيث كان يشغل منصب النبوة الديني علي قاعدة جمع دينه القويم * 5 * بين سياسة الدين والدنيا جمعا مزج بين السلطتين بحيث كادا أن يدخلا تحت مسمى واحد وهو الدين وكذلك وقع كانت * 6 * الإدارات اللازمة للسياستين على عهده صولجانا دائر والعمالات بأتم أعمالها إلى الترقي والعمل سائر بحيث يجد * 7 * المتتبع أن وظائف حاشية الملك اليوم الخاصة بشخصه من صاحب الوضوء والفراش والنعال والاصطبل والحاجب * 8 * وغير ذلك كانت موجودة عند النبي [ ] ولعل عن ذلك العهد أخذها ملوك الإسلام كما إذا التفت إلى ما يتعلق بالمراتب * 9 * الإدارية من وزارة بأنواعها وكتابة بأنواعها والرسائل والإقطاعات وكتابة العهود والصلح والرسل والترجمان وكتاب * 10 * الجيش والقضاة وصاحب المظالم وفارض النفقات وفارض المواريث وصاحب العسس في المدينة والسجان والعيون * 11 * والجواسيس والمارستان والمدارس والزوايا ونصب الأوصياء والممرضات والجراحين والصيارفة وصاحب بيت * 12 * المال ومتولي خراج الأرض وقاسم الأرض وصانع المنجنيقات والرامي بها وصاحب الدبابات وحافر الخنادق * 13 * والصواغين وأنواع المتاجر والصناعات والحرف تجد أن مدته عليه السلام مع قصرها لم تخل عن أعمال هذه * 14 * الوظائف وإدارة هذه العمالات وتجد أنها كانت مسندة للأكفاء من أصحابه وأعوانه عليه السلام وربما يستغرب السامع * 15 * هذا القدر على البديهة إذا سمعه خصوصا ممن اقتصر علي مطالعة بعض كتب السير للمتأخرين وظن أنها خالية * 16 * عن أمثال هذه الأمور فإنه ربما يحيص حيصة الاستغراب ولكن لا ضير فإن أكثر
____________________
(1/9)
* 1 * الذين يتعاطون السير اليوم غاية ما يقرءون من كتبها الهمزية بشرحها لبنيس فلذلك لا يستغرب أن يشذ عن أبصارهم * 2 * أمثال هذه الوظائف والمراتب والإدارات وربما استبعد ذلك آخرون من حيث أن الكتاب الذين تصدروا أخيرا للبحث * 3 * في المدنية الإسلامية العربية ودونوا فيها المدونات العدة من المسلمين والمسيحيين غاية ما ينسبون من التمدن للإسلام * 4 * يذكرون ما وجد على عهد الدولة العباسية والأموية مثلا مع ما أوجدته بعد ذلك ممالك العجم والديلم والترك والفرس * 5 * والبربر وغيرهم من ملوك الدول الإسلامية بالشرق والغرب بل وربما كانوا يأتون بنسبة المدنية في الإسلام لبني * 6 * العباس ليتسني لهم بعد التصريح بأنهم أخذوا ذلك عن اليونان والفرس لا عن القرآن والنبي [ ] بل وقع لبعض الكتاب * 7 * الشاميين في رسالة له في انتشار الأديان التصريح بأن التمدن الإسلامي قام عن الشريعة الإسلامية ولم يقم معها هـ. * 8 * وهو غلط فادح نتج لصاحبه عن جهله بالسير والحديث أو من عدم تشخصه لحقيقة ينابيع المدنية التي جعل الحكماء * 9 * أساسا لها أما النظر إلى الأبنية لأنها عنوان رقي الجماعات الذين يسكنونها أو إلى المخلفات العلمية والأدبية والفلسفة * 10 * لأنها مجلى حقيقة ما كانوا عليه من المدارك أو الثروة التي كانوا يتنعمون بها لأنها تدل على اقتدارهم في الصناعة * 11 * والزراعة والتجارة وبالأخير إلى شرائعها لأن الشرائع أعظم دليل على ما كان في تلك الأمة من الأخلاق الراقية * 12 * وعدمها ومن المساوات أو التفاوت في المقامات ومن العدل أو الظلم ومن الآداب الحسنة أو الأخلاق السيئة ومن * 13 * عرف نهضة الإسلام وتعاليم النبي عليه السلام وأمعن النظر في تلك النهضة تحقق أن ليس هناك من أساليب التمدن * 14 * ما لم يكن الإسلام في وقت ظهوره أصلا له وينبوعا فمن تأمل ما بثه النبي [ ] من التعاليم وأنواع الإرشاد وما * 15 * حوى القرآن من آداب الاجتماع وسن من طرق التعارف والتمازج وما أودع الله غضون كلماته الجوهرية من أحكام * 16 * الطبيعة وأسرار الوجود وفرائد الكائنات وما ضبط من الحقوق وسن من نظامات الحياة وما تلته به السنة النبوية من * 17 * تهذيب النفوس والأخلاق والإرشاد للأخذ بالأحسن فالأحسن وأحكمته من سنن الارتقاء والإخاء البشري والتمتع * 18 * بضروب الحرية علم أن التمدن الإسلامي في إبان ظهوره قامت معه تلك الأعمال لتأثير تلك التعاليم على قلوب * 19 * سامعيها في ذلك الحين ( نعم ) لا ننكر أن التمدن الإسلامي جرى مجرى النشوء الطبيعي في كل شيء وسار سيرا * 20 * تدريجيا إلى أن وصل إلى أوجه في السمو فمن لم يتأمل ذلك ولم يحط نظرا في الموضوع بما له وعليه
____________________
(1/10)
* 1 * لا بد أن يغيب عن علمه ما بلغته الإدارات والعمالات والصناعة والتجارة في تلك العشر سنوات التي قضاها [ ] في * 2 * المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية وأن الترقي والعمران وصل فيها إلى إحداث ما يعرف من الوظائف اليوم في إدارة * 3 * الكتابة والحساب والقضاء والحرب والصحة ونحو ذلك خصوصا من غاية علمه عن ذلك الدور أن أهله كانوا يمشون * 4 * حفاة وإذا أكلوا مسحوا أيديهم في أقدامهم خصوصا وقد وقعت لبعض الأعلام فلتات إن لم نقل سقطات وهفوات حتى * 5 * إن الولي ابن خلدون قال في مقدمة العبر في مواضع إن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضي أحوال * 6 * السذاجة والبداوة وإنما أحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه كان الرحال ينقلونها في صدورهم وقد عرفوا مأخذها * 7 * من الكتاب والسنة بما نقلوه عن صاحب الشرع وأصحابه والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين * 8 * ولا رجعوا إليه ولا دعتهم إليه حاجة وجرى الأمر على ذلك زمن الصحابة والتابعين هـ. انظر ص 477 من مقدمة * 9 * تاريخه طبعة مصر ونحو هذه العبارات للأمير صديق حسن القنوجي في كتابه الحطة في ذكر الصحاح الستة من غير * 10 * عزو لابن خلدون انظر ص 11 منها ولا كن من واصل ليله بنهاره واطلع وطالع بالدقة وحسن الروية يجد أن * 11 * المدنية وأسباب الرقي الحقيقي التي وصل إليها العصر النبوي الإسلامي في عشر سنوات من حيث العلم والكتابة * 12 * والتربية وقوة الجامعة وعظيم الاتحاد وتنشيط الناشئة وما قدر عليه رجال ذلك العهد الطاهر وما أتوه من الأعمال * 13 * واستولوا عليه من الممالك وما بثوا من حسن الدعوة وبليغ الحكمة ومتمكن الموعظة لم تبلغها أمة من الأمم ولا دولة * 14 * من الدول في مئات من السنين بل جميع ما وجد من ذلك إلى هذا الحين عند سائر الأمم كلها على مباني تلك الأسس * 15 * الضخمة الإسلامية انتشأ فلولا تلك الصروح الهائلة والعقول الكبيرة وما بثوه من العلوم وقاموا به من الأعمال * 16 * المخلدة الذكر لما استطاعت المدنيات المحدثة أن تنهض لما له نهضت وارتقت . أحدق ببصرك وبصيرتك إلى الدور * 17 * الذي أوجد فيه عليه السلام تجد أن الخراب والدمار والظلم كان أنبت في كل جهة من جهات العالم من الشرق إلى * 18 * الغرب فدولة الروم هرمت مع الضعف الذي استولى على ملوكها بمجاوزتهم الحد في الترف والانهماك في اللذات * 19 * والفتن الداخلية والخارجية والأمة الفارسية سقطت قوتها بسبب حروبها الطويلة مع الروم مع الفتن الأهلية والشعوب * 20 * العربية في انحطاط تام وجهل عام . بين هذا الوسط نبعت تلك الشعلة النورية النبوية فأضاءت دفعة من أول
____________________
(1/11)
* 1 * وهلة على العالم فأحدثت فيه حركة ونهضة بعد العهد بمثلها في جهة من الجهات أما في جميع أطراف العالم فلا * 2 * التأمت تلك الشعلة واستفحلت وعرفت كيف تربي رجالا عظاما لنشر مباديها الحقة والقيام بالعالم من وهدة السقوط * 3 * فأولئك الذين كانوا أنفسهم قبل الإسلام لا يعرفون من دنياهم إلا البارحة وتربية الماشية والعيش على أخس بداوة قد * 4 * انقلبوا بعد الإسلام إلى قواد محنكين ودهاة وحكماء سياسيين وعمال أمناء إداريين حتى قال القرافي في الفروق ص * 5 * 167 من الجزء 4 أصحاب رسول الله [ ] كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات * 6 * والحسابيات والسياسيات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا جلس عند ابن عباس في الباء من بسم الله من * 7 * العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرأوا كتابا ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء ومع ذلك كانوا * 8 * على هذه الحالة حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله [ ] معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته هـوقد * 9 * أفرد فضائلهم بالتأليف جماعة من أئمة السلف كأبي محمد خيثمة بن سليمان الطرابلسي وأبي محمد طراد بن محمد * 10 * الزينبي وأبي القاسم حمزة بن يوسف الجرجاني وأحمد بن محمد بن المهندس وأبي الحسن أحمد بن حمزة الموازيني * 11 * . وأفرد فضائل الخلفاء الأربعة فقط أبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن أحمد بن محمد بن زنجوية . وفضائل أبي بكر * 12 * لأبي طاهر محمد بن علي العشاري وفضل أبي بكر وعمر لأسد بن موسى . وفضائل العباس لأبي الحسن محمد بن * 13 * المظفر الحافظ ولأبي محمد حمزة بن يوسف السهمي ولأبي القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي . وفضائل معاوية * 14 * لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم . وفضائل العشرة المحب الطبري وهو مطبوع . ولأبي الحسن مروان بن * 15 * عثمان المكي قصيدة في فضل الصحابة ولأبي علي الحسن بن محمد الخلال الحافظ كتاب كرامات الصحابة وللضياء * 16 * محمد بن عبد الواحد المقدسي مناقب جعفر بن أبي طالب وللموفق بن قدامة المقدسي الاستبصار في أنساب الأنصار * 17 * . وكان العلم الذي تعلموه في مدرسة القرآن والسنة أصبحوا به لا ند لهم في كل رجال العصر بل والأعصر بعد * 18 * الذي كانوا فيه سواء في الحكمة التي ساسوا بها الشعوب أو في القوة التي سادوا بها على الممالك ذلك العلم الصحيح * 19 * الذي لانت له في أسرع وقت القلوب التي كانت بالأمس أقسى من الصخر وأوعر من الوعر فحل الوئام محل * 20 * الخصام والإخاء محل العداوة والإحسان بدل التعدي والظلم فلم تمض تلك المدة اليسيرة على تلك الشعلة النورية حتى * 21 * عمت أرجاء الكرة الأرضية لا جرم
____________________
(1/12)
* 1 * لما كثر المستظلون بذلك اللواء والمستكنون في أمانه أراد عليه السلام أن يضبط أمورهم بنظامات سنها وولايات * 2 * نصبها وعمالات أسسها تلك النظامات التي لا يستقيم ملك لملك ولا أمر لأمة بدونها لذلك أرى من الواجبات الكفائية إن * 3 * لم نقل العينية على المسلمين العلم بهذه الأمور لتكون منوالا تنسج عليه الأمة أو منبها يحرك فيها باعث الجد * 4 * لاسترجاع ما فات والتوثق من حفظ استقلالها وصون حياتها مما هو آت أو ليعلموا على الأقل شرف دين متبوعهم * 5 * الأعظم عليه السلام وليزدادوا فيه حبا وله تعظيما ولما دعاهم إليه تمسكا . قال بعض العلماء : إن أساسات الدين * 6 * الإسلامي اعتقاد الحق وإقامة البرهان على المعتقد وتعميم المعاملات والإخاء وتخويل عموم الأفراد حرية محضة * 7 * محدودة بحدود موافقة للحكمة بحيث تحفظ الحياة الاجتماعية ما دام في الوجود موجود مانعة ذويها من الإفراط * 8 * والتفريط ثم أوجب بينهم حفظ المراتب والدرجات وأوجب رعايتها عليهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات بمقتضى * 9 * الاستحقاق والقابلية ثم ألزمهم رعاية مصالح سواهم وحبب اشتراك غيرهم معهم في نعمة هذه المدنية العظمى وكانت * 10 * الزراعة معتنى بها في زمانه عليه السلام وهو الذي يأمر بها ويحض عليها وكذلك الصناعة فإنه أمر بها وبتعلمها * 11 * وأمر بمبادي التعليم وأمر بأخذ العلوم ولو من ديار الكفار وأدخل بعض الأمور التي وصله خبرها من الأمور * 12 * النافعة التي يستعملها كفار الفرس وغيرهم مثل عمل الخندق واستحسان تنوير المسجد من قبل تميم الداري حين أوقد * 13 * قنديلا ومصباحا أحضره معه من سياحته بعد أن كان يستضاء في المسجد النبوي بالحرق وأمر بنشر العلوم * 14 * والمعارف وتقسيم الوظائف وإيجاب الإخاء وتقدير الرجال وتنظيم القوى الدفاعية والهجومية وأسس وجوب ذلك * 15 * وقرر وجوب حفظ الأبدان والطب والتشريح وأنواع الحكمة الطبيعية وتعميم الآداب ومكارم الأخلاق والتاريخ * 16 * والجغرافية والسياحة والاستكشافات والسعي في الاختراعات والنجوم والحساب والقصص والروايات وآداب * 17 * المحاضرات والمسامرات وقرر مع كل هذا وظائف الأعمال الإدارية وألزم بالاقتصاد الإداري والمالي وكل ما يكون * 18 * في الأمم المتمدنة حتى قرر وجوب الإحصاء . أما التجارة فقد استعملها عليه السلام بذاته هذا ما كان من أمر الداخلية * 19 * - وأما الخارجية فقد دعى بالبلاغ المبين وقرر أصول الحقوق الدولية والحقوق المالية وأوجب أصول الحروب * 20 * والهدنة والمسالمة والمعاهدة والمقاولة والمكاتبة ورعاية الموازنة السياسية والمعاهدات وأصول أهل الحماية وحقوق * 21 * الجوار
____________________
(1/13)
* 1 * ومعاملة رعايا الأجانب وأهل الذمة وتخويل كل فرقة حقا محدودا بالحكمة محوطا بالصواب فيجب على من يريد * 2 * درك الحقيقة من هذا الدين المتين أن يراجع نصوصه المبينة في كل حادث زماني أو مكاني أو علمي أو عملي ويكون * 3 * له من الاقتدار على التطبيق الشرعي صلاحية كافية فإنه يرى الحكمة تنجلي بين يديه مجردة عن كل تردد واحتجاب هـ* 4 * انظر رسالة حجة الكرام في محجة أهل الإسلام - وقال غيره أيضا - : سن [ ] من القوانين والنظامات ما يأمن * 5 * معه كل ذي حق على حقه ويدفع التعدي من الأشرار وذوي الأطماع على أحد من الأمة أو أهل الذمة ومن أحكام * 6 * الزوجية بالطريقة المرضية على أكمل نظام وأبدع أحكام وبين حقوق الزوجين على بعضهما مجتمعين أو مفترقين * 7 * وسن أحكام المعاملات من نحو البيع والشراء والإجارة والشركة والمداينة وقسم التركات على طريقة الحكمة وسن * 8 * بعض العقوبات والقصاصات والتعازير لتحفظ بها الأنفس والأموال والأعراض وسن جميع الآداب من كل باب * 9 * كآداب الأكل والشرب وآداب النوم وآداب الكلام وآداب المجالسة والمحادثة والزيارة وآداب الحضر والسفر وآداب * 10 * الزوجية وآداب ذوي الأرحام مع بعضهم وآداب الجيران وآداب الأصحاب وآداب جميع المسلمين مع بعضهم وآدابهم * 11 * مع أهل ذمتهم إلى غير ذلك من الآداب فبعد أن يبحث في كل ما جاء به النبي [ ] وما سنه من القوانين والنظامات * 12 * التي هي في غاية الأحكام والإتقان والإبداع يجزم بأن إتيانه [ ] بها وهو أمي نشأ بين أمة أمية بدوية جاهلية لم * 13 * يفارق أوطانه إلا أشهرا قلائل لا تصلح مدته لتحصيل أقل القليل من العلوم ولم يجتمع على أحد من أهل المعارف * 14 * في مدة حياته في بلده ولم يشاهد أنه عماني تعلم شيء من الشرائع وقوانين الدول فأنى له بأن يستنبط عقله هذا * 15 * الترتيب الغريب العجيب الذي أحاط بكل حكمة باهرة واحتوى على كل خصلة جميلة فاخرة وتكفل بنظام حال البشر * 16 * وصالح أحوالهم وطهارة نفوسهم وعمار ديارهم وكف أشرارهم وبكل شيء يعود عليهم بالخير ويدفع عنهم الضر لا * 17 * يصحح العقل إمكان التصديق باقتداره [ ] على الإحاطة بجميع ما جاء به فإذا لا بد أن يكون مرسلا من عند الله وهو * 18 * الذي هداه إلى جميع ذلك وأطلعه عليه وفهمه أسراره وأمره بتبليغه هـولله در الحافظ أبي القاسم السهيلي إذ قال في * 19 * الروض بعد ذكر حريفات من السيرة ما نصه : فهذه جملة تشرئب إلى معرفتها أنفس الطالبين
____________________
(1/14)
* 1 * وترتاح بالمذاكرة بها قلوب المتأدبين وكل ما كان من باب المعرفة نبينا [ ] ومتصلا بأخبار سيرته مما يوفق الأسماع * 2 * ويهز بأرواح المحبة الطباع والحمد لله على ما علم من ذلك هـص 93 من الجزء 2 وقد قال الإمام القاضي أبو عبد الله * 3 * محمد بن الأصبغ المعروف بابن المناصف القرطبي الأزدي في الدرر السنية في المعالم السنية في المعلم الرابع من * 4 * السيرة النبوية ( وإن أولى ما تحلى المسلم ** بعد كتاب الله أو يقدم ) ( علم بأيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم* من لدن * 5 * النشا إلى التناهي ) ( وحفظ ما يحق أن لا يجهلا ** من أمره وحاله مفصلا ) ( فلنقتضب من ذاك ما لا * 6 * يسع ** في الحق أن يجهل ذاك الأورع ) ( وما يكون شرف المجالس ** جلا العلا للحافظ المدارس ) * 7 * ( تعلو به الرتبة عن يقين ** في شرف الدنيا وحكم الدين ) وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي * 8 * في مختصره في السير أوله هذا ذكر ما يحق على المرء المسلم حفظه ويجب على ذي الدين معرفته من نسب رسول * 9 * الله [ ] ومولده ومنشئه وشيعته وذكر أحواله في مغازيه ومعرفة أسماء ولده وعمومته وأزواجه فإن للعارف بذلك * 10 * رتبة تعلو على رتبة من جهله كما أن للعلم به حلاوة في الصدر ولم تعمر مجالس الخير بعد كتاب الله بأحسن من * 11 * أخبار رسول الله [ ] هـمنها قال الإمام أبو العباس العزفي السبتي في الدر المنظم بعد نقل كلام ابن فارس مشيرا إلى * 12 * قوله يجب فهذا إمام من أئمة المسلمين قضى بوجوب معرفة مولده على المؤمنين هـوقال أبو عيسى المهدي بن أحمد * 13 * بن علي الفاسي في شرحه الوسط على الدلائل إثر كلام ابن فارس والوجوب في كلامه يحتمل الوجوب الشرعي أو * 14 * العرفي بمعنى ينبغي فمرجعه إلى اعتبار الأولى والأخلق وقد حمله العزفي على الوجوب الشرعي والله أعلم وعليه * 15 * فيحتمل وجوب معرفة جميع ما ذكر أو بعضه وباقيه استطراد وزيادة خير للعارف به رتبة كما قال تعلو علي رتبة * 16 * من جهله والله أعلم هـوالظاهر حمل الوجوب على الشرعي وأنه يتعلق بجميع ما عدد وللقرافي في الذخيرة وأشار * 17 * إليه في شرح الأربعين أن جملة الأحوال المتعلقة بالرسول كلها فضلا عما به يتعين يرجع إلى العقائد لا إلى العمل * 18 * فيجب البحث عن ذلك ليحصل كمال المعتقد ومشخصاته هي معرفة اسمه ونسبه وزمانه ومكانه وصفته عليه
____________________
(1/15)
* 1 * السلام وقال مفخرة الشام ابن القيم الجوزية في زاد المعاد بعد أن بين اضطرار العباد إلى معرفة الرسول وما جاء به * 2 * وتصديقه فيما أخبر وطاعته فوق ما أمر ونصه : وإذا كانت سعادة الدارين معلقة بهدي النبي [ ] فيجب على كل من * 3 * نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين ويدخل به في أعداد * 4 * أتباعه وشيعته وحزبه انظر بقية كلامه ولا شك أن المسلم إذا تتبع السيرة على الوجه الذي توخيناه لم يبق له شك في * 5 * أن نبيه جاء بعمارة الدنيا والعمل للآخرة لانجراب العالم والانقطاع عن العمل حاشا وكلا نعم جاء عليه السلام بعدم * 6 * تعمير القلب بالدنيا تعميرا يغفل به المسلم عن ربه وتوحيده ولكن أمرك أن تجد وتجتهد حتى تملأ منها يدك وتترك * 7 * قلبك لله وما يرضيه منك من وجوه مبرات وحسنات لبني جلدتك خالدات بهذا جاء الدين لا بعكسه ويدلك لذلك أن ثلث * 8 * الشريعة الإسلامية عبادات وأسرار تلك العبادات تتضمن سعادة بدنك وحياة روحك زيادة على إخلاص العمل لوجه * 9 * الله وبقية الثلثين معاملات دنيوية وكيفية الأخذ منها والرد بالقسط انظر إلى أجزاء الزرقاني مثلا على المختصر * 10 * الثمانية فإن أحكام العبادة منها لا يزيد على جزءين وبقية الأجزاء الستة أحكام المعاملات الدنيوية بل قال بعض * 11 * الكاتبين إن في القرآن الكريم من آيات العلوم الكونية ما يزيد على سبعمائة وخمسين آية أما علم الفقه تزيد آياته * 12 * الصريحة عن مائة وخمسين آية هـ وفي حديث خرجه ابن عساكر عن أنس قال الحافظ السيوطي في المناوي : * 13 * صحيح من وجوه ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فإن الدنيا بلاغ * 14 * الآخرة ولا تكونوا كلا على الناس . وقد أخر ابن عساكر عن عمر بن قيس قال : كان عبد الله بن الزبير إذا نظرت * 15 * إليه في أمر دنياه قلت هذا رجل لم يرد الله طرفة عين وإذا نظرت في أمر آخرته قلت هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة * 16 * عين أنظر ترجمة ابن الزبير من تاريخ الخلفاء وفي حديث أنس قال : قال رسول الله [ ] : من رزق الدنيا على * 17 * الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة مات والله عنه راض خرجه ابن عبد البر في * 18 * جامع العلم . وقال ابن عمر : لو كان عندي أحد ذهبا أعلم عدده وأخرج زكاته ما كرهت ذلك وما خشيت يضرني . * 19 * وقال سعيد بن المسيب : لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه ويصل رحمه ويكف به وجهه . وأخرج الديلمي * 20 * عن جابر رفعه : نعم العون على تقوى الله المال .
____________________
(1/16)
* 1 * وقال عمر بن الخطاب : من أراد أن يسأل عن المال فليأتنا فإن الله جعلني خزانا . وقال [ ] لسيدنا سعد كما في * 2 * الصحيح لما أراد أن يتصدق بأكثر ماله : إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس . وقال * 3 * لكعب بن مالك حيث استشاره في الخروج عن ماله كله : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك . وقال قيس بن عاصم * 4 * حين حضرته الوفاة لبنيه : يا بني عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم . وللصحابي الجليل * 5 * سيدنا النمر بن ثواب العكلي في الحث على الكسب ومدح المال والزجر عن القعود عن التكسب وذم الفقر : ( * 6 * خاطر بنفسك كي تصيب رغيبة ** إن القعود مع النساء قبيح ) ( فالمال فيه عزة ومهابة ** والفقر فيه مذلة * 7 * وفضوح ) أنشدهما له الحافظ ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس . وقال الثوري مرة لما عاتبه في تقليب * 8 * الدنانير : لولا هذه لتمندل بنا بنو العباس . وقال أيضا : لأن أخلف عدة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب إلي من * 9 * أحتاج إلى الناس . وجاء عنه أنه قال : المال في هذا الزمان سلاح المؤمن وقال سفيان بن عيينة : من كان له مال * 10 * فليصلحه ذكر هذه الآثار عنهم الحافظ السخاوي في جواب له في الباب . وفيه أيضا عن أبي الدرداء : من فقه * 11 * الرجل استصلاحه معيشته . وأورد الزمخشري في الكشاف عند قوله تعالى ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل * 12 * الله لكم قياما ) شيئا من هذا وكيفما كان الحال فإن ذلك مما يدل ولا إشكال على اهتمام الشريعة الإسلامية بنظام * 13 * حياتك وإرشادك إلى استثمار ينابيع الثروة وأساليب المعيشة الهنيئة ذلك النظام الذي سنه لك الإسلام هو مادة نظام * 14 * العالم المتمدن اليوم إن لم يكن جميعه فمعظمه وأنت أيها المسلم ساه لاه وفي الروض الأنف أن العلاء بن الحضرمي * 15 * لما قدم على المنذر بن ساوى وخاطبه في الإسلام وشرائعه أجابه المنذر بقوله قد نظرت في هذا الأمر الذي في * 16 * يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة * 17 * وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده وإن من أعظام من جاء به أن يعظم رسوله انظر * 18 * ص 359 من الجزء 2 وفيه أيضا أن الجلندي لما قدم عليه عمرو بن العاص قال له انظر في هذا النبي الأمي الذي * 19 * جاء بالدنيا والآخرة لهذا وشبهه عن لنا أن تكون عنايتنا في التدوين بالتراتيب الإدارية والحرف والصنائع والمتاجر * 20 * وأنواع العلوم والمشخصات التي
____________________
(1/17)
* 1 * كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية النبوية حتى يعلم الناس من أبناء ملتنا وعشق التاريخ من غيرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم 2 * العربي قد مدن الشعوب ورقي الأمم بما أسس لهم من مباني العمران وسن من نظامات التقدم وأنه يمر بك كثيرا أن * 3 * النبي [ ] جاء بهذا الرقي والعمران بما أنزل الله عليه من آي ذلك وأساليبه ولكن غفلوا عن ذكر كيفية تمشية ذلك * 4 * النظام في ذلك الزمان وحراس تلك التمشية الذين كانوا يسهلون على الشعب العمل بآداب ذلك وأساليبه ويسهرون على * 5 * تمسك الأفراد بها وقد يقال إنك أسأت الأدب وقرعت أبواب العطب بذكرك في سمرك هذا المصطفى [ ] نظاميا ملكا * 6 * وأصحابه قوادا وولاة ( قلت ) هذا من ضيق العطب ورمي الفطن وإلا فالبشر كلهم بشر ولاكن فيهم الصالح والطالح * 7 * في بشريتهم والكامل والأكمل والنبيه والأنبه والرذيل والأرذل فأصحاب رسول الله [ ] قائدهم لا كالقواد وأميرهم لا * 8 * كالأمراء لمكانهم من القرب من رسول الله [ ] ولسماعهم الوحي الطري والعلم الصحيح كما أن المصطفى [ ] بشر * 9 * لا كالبشر وملك لا كالملوك وقد قال فيلسوف الإسلام الغزالي في الأحياء ومن خصائصه عليه السلام أنه جمع له بين * 10 * النبوة والسلطنة هـوإلى كلامه هذا أشار الحافظ الأسيوطي في أنموذج اللبيب حيث قال وجمع له بين النبوة والسلطنة * 11 * ولم تجمع لنبي قبله عد هذا الغزالي رحمه الله في الأحياء هـولما تكلم الإمام السهيلي في الروض على قول أبي سفيان * 12 * للعباس لما حبسه في محتبس الوادي يوم الفتح لقد اصبح ملك ابن أخيك عظيما ورد عليه العباس بقوله إنها النبوة * 13 * قال فنعم إذا ذكر عن القاضي أبي بكر بن العربي إنما أنكر العباس ذكر ذلك الملك مجردا من النبوة مع أنه كان في * 14 * أول دخوله في الإسلام وإلا فجائز أن يسمى مثله ملكا وإن كان لنبي فقد قال تعالى ( فشددنا ملكه ) وقال * 15 * سليمان عليه السلام ( وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) غير أن الكراهة أظهر في تسمية حال نبينا [ ] * 16 * ملكا لما في الحديث أنه خير بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فأشار إليه أن تواضع فقال بلى نبيا عبدا هـ( قلت ) * 17 * كلام ابن العربي هذا وجدته في الأحكام ص 199 من الجزء الأول ولا شك أن ما نحن فيه ليس مما ينكر ولا ينكره * 18 * أحد وقد قال الشهاب الخفاجي على حديث أبي مسعود البدري أن رجلا قام بين يديه عليه السلام فأرعد من الفرق * 19 * فقال هون عليك فإني لست بملك ما نصه : يعني لست من الملوك الجبابرة حتى تخاف مني لأن جبريل جاءه من * 20 * الله وخيره بين أن يكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا فاختار أن يكون نبيا عبدا ولم يرض بوصفه بالملك وكذا الخلفاء * 21 * الأربعة . وأول من ملك في الإسلام معاوية فلا وجه لقول بعضهم هنا : إن
____________________
(1/18)
* 1 * هذا لا ينافي أنه ظهر ملكه وإن كان ملكه نبوة فإنه لم يرد إلا نفي أنه ملك كسائر الملوك عند المخاطب هـوقال * 2 * الخفاجي أيضا على حديث ابن أبي هالة الذي فيه عليه السلام كان يقول أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها فإنه من * 3 * أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة قيل يريد إن أبلغ سلطانا حاجة جوزي بهذا فكيف * 4 * بمن يبلغه [ ] وإلا فهو أجل من أن يكون ملكا أو سلطانا وقد قال لست بملك . ( قلت ) فيه نظر لأن المراد بالسلطان * 5 * هنا الإمام الأعظم خليفة الله وقد أطلق الفقهاء ذلك عليه كما بيناه وفي حكمه بالسلطنة والفتيا والقضاء المذكور في * 6 * القواعد للسبكي كما سيأتي هـمنه وقال الإمام فخر المالكية أبو العباس القرافي في الفروق في الفرق السادس والثلاثين * 7 * بين قاعدة تصرفه [ ] بالقضاء وبين قاعدة تصرفه بالفتوى وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة : اعلم أن رسول * 8 * الله [ ] هو الإمام الأعظم والقاضي الأحكم والمفتي الأعلم فهو [ ] إمام الأئمة وقاضي القضاة وعالم العلماء فجمع * 9 * المناصب الدينية فوضها الله إليه في رسالته وهو أعظم من كل من تولى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة * 10 * فما من منصب ديني إلا وهو متصف به في أعلا رتبة غير أن غالب تصرفه [ ] بالتبليغ والفتوى إجماعا ومنها ما * 11 * يجمع الناس على أنه بالقضاء ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردده بين رتبتين * 12 * فصاعدا فمنهم من تغلب عليه رتبته ومنهم من تغلب عليه أخرى ثم تصرفاته عليه السلام بهذه الأوصاف تختلف * 13 * آثارها في الشريعة هـكلامه الجليل فقف عليه ص 246 من الجزء الأول وقد عد القاضي عياض في الشفا من أسمائه * 14 * [ ] السلطان قال الشهاب الخفاجي في شرحها : وله معان منها البرهان والملك والنبوة والغلبة ويعم إرادة كل منها * 15 * هنا وسمي [ ] بهذا في كتاب شعيب وبعض الكتب القديمة هـوفي همزية البوصيري في حق الصحابة : ( * 16 * وبأصحابك الذين هم بعدك ** فينا الهداة والأوصياء ) ( أحسنوا بعدم الخلافة في الدين ** وكل لما تولى إزاء * 17 * ) ( أغيناء نزاهة فقراء ** علماء أئمة أمراء ) ( أرخصوا في الدنيا نفوس ملوك ** حاربوها * 18 * أشلاءها أشلاء ) قال الشمس ابن عبد الرحمان في شرحه على قوله أمراء تولوا الإمارة وأمور المسلمين في
____________________
(1/19)
* 1 * حياته وبعد وفاته عليه السلام وأقاموا فيها بحق الله كما يجب وينبغي فهو على أقوام موازين العدل وأحقها هـوقال * 2 * الحافظ في الفتح على حديث الصحيح لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق وآخر آتاه * 3 * الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها . في الحديث الترغيب في ولاية القضاء لمن استجمع شروطه وقوي على أعمال * 4 * الحق ووجد له أعوانا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق لمستحقه وكف يد الظالم والإصلاح بين * 5 * الناس وكل ذلك من القربات ولذلك تولاه الأنبياء ومن بعدهم من الخلفاء الراشدين ومن ثم اتفقوا على أنه من فروض * 6 * الكفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه هـوقال الحافظ أيضا على باب ما يكره من الحرص على الأمارة هو في حق * 7 * من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة وأما من كان أهلا وعدل * 8 * فيها فأجره عظيم كما تظافرت به الأخبار هـ. وفي المواهب كان قيس بن سعد بن عبادة بين يديه [ ] بمنزلة صاحب * 9 * الشرطة قال الزرقاني في شرح المواهب بضم المعجمة والراء وقد تفتح الراء الواحد شرطي أو بمنزلة كبيرهم وهم * 10 * أعوان الولاة سموا بذلك لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند قيل لأنهم نخبة الجند وشرطة كل شيء خياره وقيل لأن لهم * 11 * علامات يعرفون بها وهذا الحديث كله رواه الطبراني وروي القطعة الأخيرة منه البخاري عن أنس قال إن قيس بن * 12 * ساعد كان يكون بين يدي النبي [ ] بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير هـوقال الإمام أبو الحسن السندي المدني في * 13 * حواشيه على مسند أحمد الشرط جمع شرطة وشرطي وهم أعوان السلطان لتتبع أحوال الناس وحفظهم ولإقامة * 14 * الحدود وقيل هم أول الجيش ممن يتقدم بين يدي الأمير لتنفيذ أوامره وقيل هم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على * 15 * غيرهم ويرحم الله الإمام أبا الحسن الخزاعي حيث قال في كتابه الآتي ذكره وذكرت في كل عمالة منها من ولاه * 16 * رسول الله [ ] عليها من الصحابة ليعلم ذلك من يليها الآن فيشكر الله على أن استعمله في عمل شرعي كان يتولاه * 17 * البعض من أصحاب رسول الله [ ] وأقامه مقامه ويجتهد في إقامة الحق فيه مما يوجب الشرع ويقتضيه فيكون قد * 18 * أحيا سنة وأحرز حسنة هـ ) قلت ) وأصله ما ذكره أبو موسى وأبو الربيع الكلاعي في الاكتفاء ثم ابن الأثير في أسد * 19 * الغابة وابن حجر في الإصابة في ترجمة أميمة والدة أبي هريرة رضي الله عنه ويقال إسمها ميمونة عن أبي هريرة * 20 * أن عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله ( يوليه ) فأبى أن يعمل له فقال له أتكره العمل
____________________
(1/20)
* 1 * وقد طلبه من كان خيرا منك قال من ذاك قال يوسف بن يعقوب قال يوسف نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة * 2 * انظر ص 21 من جزء النساء من الإصابة . وفي رحلة الأديب الكاتب أبي محمد الشرقي بن محمد الإسحاقي * 3 * الحجازية على قوله تعالى ( واجعلنا للمتقين إماما ) : قال بعض العلماء يؤخذ من هذه الآية أنه يجوز للإنسان أن * 4 * يطلب المراتب العلية في الدين كالولاية والعلم مثلا والتقدم فيه هـبل قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه العجيب * 5 * المسمى الأكليل على استنباط التنزيل على قول يوسف عليه السلام ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) * 6 * ^ استدل بها على جواز طلب الولاية كالقضاء ونحوه لمن وثق من نفسه القيام بحقوقه وجواز التولية عن الكافر * 7 * والظالم هـوقال ابن عطية في تفسيره وطلب يوسف للعمل لرغبته هو منه عليه السلام لرغبته أن يقع العدل ونحو * 8 * هذا دخول أبي بكر في الخلافة مع نهيه الحثيث من الأنصار عن أن يتأمر على اثنين الحديث فجائز للفاضل أن يعمل * 9 * ويطلب العمل إذا رءا أن لا عوض عنه هـوقد نص الحافظ ابن حجر في عدة مواضع من الإصابة على أن الخلفاء * 10 * الراشدين كانوا لا يؤثرون بالولايات غير الصحابة ورأيت في طبقات ابن سعد لما ترجم للحنظل ابن الحصين * 11 * البارقي الأزدي عنه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قد علمت ورب الكعبة متى تهلك العرب إذا ساس أمرهم من * 12 * لم يصحب الرسول ولم يعالج أمر الجاهلية انظر ص 88 من الجزء السادس وأورد ابن أبي شيبة في مصنفه أنهم * 13 * كانوا في الفتوحات لا يؤمرون غير الصحابة ولما كان لكل شيء مادة فمادة كتابتنا هذه من الوجهة الحديثية الكتب * 14 * الستة التي هي معصم الإسلام وساعده وشروحها خصوصا فتح الباري لسيد الحفاظ ابن حجر وعمدة القاري للبدر * 15 * العيني . والتنقيح للبدر الزركشي . وتوشيح الحافظ السيوطي . واختصاره والمصابيح للبدر الدماميني . وبهجة * 16 * النفوس للعارف ابن أبي جمرة . وإرشاد الساري للشهاب القسطلاني . وحاشيتي ابن غازي . ورفيقه الإمام الجامع * 17 * أبي العباس أحمد زروق دفين مسراته وتشنيف المسامع للعارف الفاسي . وتعليق حفيد أخيه أبي زيد الفاسي . * 18 * وحواشي أبي عبد الله ابن زكري . وتلميذ تلميذه أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة . وشرح أبي زيد المجاجي * 19 * على مختصر ابن أبي جمرة . ونفحة المسك الداري شرح نظم مقدمة فتح الباري لأبي الفيض حمدون ابن الحاج . * 20 * والفجر الساطع على الصحيح الجامع لشيخنا أبي عبد الله محمد الفضيل الإدريسي الزرهوني . وشروح مسلم للنووي * 21 * وعياض والأبي وابن المشاط والسنوسي والسيوطي
____________________
(1/21)
* 1 * وحواشي السيوطي على الكتب الستة خصوصا قوت المغتدي على جامع الترمذي وعون الودود على سنن أبي داوود * 2 * لأبي الحسنات محمد بن عبد الله القنجابي الهندي والتعليق المحمود على سنن أبي داوود للشيخ فخر الحسن الكنكوهي * 3 * الهندي وإنجاح الحاجة على سنن ابن ماجه لشيخ كثير من شيوخنا محدث المدينة المنورة الشيخ عبد العزيز أبي سعيد * 4 * الدهلوي المدني والحطة في ذكر الصحاح الستة للأمير الطيب الذكر السيد صديق حسن خان البوهبالي الهندي والموطأ * 5 * لإمام دار الهجرة وشروحها خصوصا المنتقى للإمام أبي الوليد الباجي والقبس على موطأ مالك بن أنس للإمام أبي * 6 * بكر بن العربي المعافري وحاشية السيوطي وموطأ محمد بن الحسن بحاشيتهما لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي * 7 * الهندي ومسند أحمد بن حنبل وحاشيته لمحدث المدينة أبي الحسن السندي ومسند أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن * 8 * الدارمي ومسند الخليفة عمر بن عبد العزيز تخريج أبي بكر محمد بن محمد الباغندي وهو مطبوع بالهند وإن لم يكن * 9 * طابعه لم يذكر جامعه وهو عجيب والأدب المفرد للبخاري والعلل للإمام أبي محمد عبد الرحمن ابن أبي الحاتم * 10 * الحنظلي ومجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي والجامع الكبير للحافظ الأسيوطي والجامع الصغير وشروحه كفتح * 11 * القدير والتيسير كلاهما للمناوي والعزيزي وحواشيه للشمسين العلقمي والحفني وكنز العمال لابن الهندي ومختصره * 12 * منتخب كنز العمال ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ جمال الدين الزيلعي الحنفي واختصارها للحافظ * 13 * ابن حجر وتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر أيضا ومشكاة المصابيح وشرحها * 14 * للشيخ علي بن سلطان المعروف بالقاري الحنفي المسمى بالمفاتيح على المصابيح ومنتقى الأخبار للشيخ مجد الدين ابن تيمية وشرحه نيل الأوطار للقاضي محمد بن علي الشوكاني الصنعاني وشرح حديث أم زرع * 15 * لفخر المغرب القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله ورضي عنه والمقاصد الحسنة للحافظ السخاوي وعروس * 16 * الأفراح في معنى حديث الأرواح للشمس محمد بن أحمد بن عقيلة المكي وشرح الأربعين النووية للشهاب بن حجر * 17 * الهيثمي والبرهان للشبرخيتي ومشكل الحديث لأبي محمد بن قتيبة وتوجيه النظر لصاحبنا الشيخ ظاهر الجزائري * 18 * الدمشقي والفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي وكتاب أقضية رسول الله [ ] لابن الطلاع القرطبي والدرر اللوامع * 19 * في الكلام على أحاديث جمع الجوامع للحافظ أبي العلاء العراقي الحسيني الفاسي وبلوع السول في أقضية الرسول * 20 * للأمير صديق حسن خان البوهبالي وكشف
____________________
(1/22)
* 1 * الغمة للعارف أبي محمد عبد الوهاب الشعراني المصري الشافعي ونبراس العقول الذكية في شرح الأربعين حديثا * 2 * النبوية للشمس محمد بن مصطفى الكرماني الحنفي والمعتصر من المختصر تلخيص القاضي أبي المحاسن يوسف بن * 3 * موسى الحنفي من اختصار الباجي لمشكل الآثار للطحاوي وشرح مسند أبي حنفية رواية الحصكفي لأبي الحسن علي * 4 * القاري المعروف بابن سلطان المكي والذهب الإبريز على المعجم الوجيز للشيخ أبي المحاسن محمد ابن خليل * 5 * القاوقجي الحنفي الطرابلسي الشامي . ومن كتب السيرة النبوية شمائل الترمذي وشروحها لابن حجر والمناوي وحاشية * 6 * السيوطي وسيرة ابن إسحاق التي هي أول سيرة ألفت في الإسلام وتهذيبها لابن هشام وشرح غريبها لأبي ذر الخشني * 7 * وشرحها لأبي القاسم السهيلي الضرير دفين مراكش وسيرة الحافظ أبي عمر بن عبد البر المسماة بالدرر في المغازي * 8 * والسير وقد نقل عنها الحافظ ابن حجر في مواضع من الإصابة بواسطة فكأنها لم تكن بيده إذ ذاك والاكتفاء لأبي * 9 * الربيع الكلاعي والشفا وشروحها خصوصا علي القاري المعروف بابن سلطان ونسيم الرياض للشهاب الخفاجي * 10 * واختصاره لابن عبد السلام بناني والحريشي والمنهل الأصفا على الشفا أيضا لابن التلمساني والدرر المنظم في مولد * 11 * النبي المعظم للحافظ أبي القاسم العزفي السبتي وهو أكبر مولد رأيناه أو سمعنا به وبهجة المحافل للعاملي وحاشيتها * 12 * لابن الأشخر اليمني وسيرة ابن سيد الناس وحاشيتها نور النبراس للحافظ برهان الدين الحلبي وسيرة الشريف * 13 * الطبري وألفية الحافظ زين الدين العراقي وشرحها للمناوي والشيخ الطيب ابن كيران والمواهب اللدنية للشهاب * 14 * القسطلاني وهو كتاب جامع مسبوك تداولته الأيدي وخدمه الناس ومن الغريب أنا نجد نصفه مأخوذا من فتح الباري * 15 * بعزو وغيره كما نبه على ذلك شارحه الزرقاني ص 19 من الجزء الأول كما قال قبل ذلك إن المصنف اقتبس من * 16 * الشفا في غالب التقاسيم والأبواب حتى إنه اقتفى أثره في صدر الخطبة فقال المنفرد مع ما فيه من النزاع منشدا * 17 * بلسان حال : ( وهل أنا إلا من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية أرشد ) وشرحها للشمس محمد * 18 * بن عبد الباقي الزرقاني وحاشيتها لشيخه النور علي الشبرملسي الشافعي المصري والهدي النبوي لابن القيم والسيرة * 19 * الحلبية لنور الدين علي بن برهان الدين الحلبي المصري والشامية لخاتمة الحفاظ محمد بن يوسف الشامي وهي * 20 * أجمع السير وأوسعها مادة وأكثرها مجلدات وهي عندي بحمد الله وسيرة ابن فارس اللغوي وشرحها للقاضي المحدث * 21 * أبي علي ابن أبي القاسم ابن
____________________
(1/23)
* 1 * باديس القسمطيني المسمى فوائد الدرر وفرائد الفكر في شرح مختصر السير وهو في مجلد ضخم واسع البحث غزير * 2 * المادة والمقالات السنية في مدح خير البرية للعلامة عثمان بن علي وهي سيرة منظومة فيها تسعة عشر ألف بيت من * 3 * أعجب ما ألف في الإسلام وأبدع ما نظم نفاخر بها أنظم الأليادة والدرة السنية في المعالم السنية للقاضي أبي عبد الله * 4 * محمد بن عيسى بن أصبغ الأزدي المعروف بابن المناصف القرطبي وهي نظم عجيب نحو سبعة آلاف بيت من * 5 * الرجز ومنحة واهب الهبات البهية والصلات الفاخرة في مدحة صاحب الآيات السنية والمعجزات الباهرة وهي همزية * 6 * جيدة في نحو خمسة آلاف بيت من البلاغة والغرابة بمكان وفتح المتعال في مدح النعال لأبي العباس المقري * 7 * واختصاره وأنموذ اللبيب في خصائص الحبيب للسيوطي وشرحه للشمس محمد بن عمر الروضي المالكي الأزهري * 8 * وخصائص القطب الخيضري وهو الكتاب الذي صرح الخفاجي في مواضع من شرح الشفا أنه لم يصنف مثله وسمط * 9 * الجوهر الفاخر في مفاخر سيد الأوائل والأواخر لأبي عيسى المهدي بن أحمد الفاسي والمولد الكبير للشهاب الحلواني * 10 * ووفاء الوفاء للسيد السمهودي وخلاصة الوفاء له أيضا وتاريخ المسجد النبوي للسيد جعفر البرزنجي وتحفة المحبين * 11 * والأحباب فيما للمدنيين من الأنساب لأبي زيد عبد الرحمان بن عبد الكريم الأنصاري المدني وهو من الكتب النادرة * 12 * في المدينة المنورة ونجوم المهتدين في دلائل نبوة سيد المرسلين للشيخ أبي المحاسن النبهاني البيروتي الشامي * 13 * والهمزية لشرف الدين البوصيري وشروحها للشمس الجوجري والشهاب ابن حجر الهيثمي والشمس الحفني وأبي * 14 * عبد الله محمد زنيبر السلوي وأبي عبد الله محمد بن أحمد الحضيكي السوسي وأبي محمد عبد القادر السجلماسي * 15 * قاضي مكناس وأبي عبد الله محمد بنيس الفاسي وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمان الصومعي التادلي والشيخ * 16 * سليمان الجمل المصري وأبي العباس الصاوي المصري وغيرهم من شروحها وشرح البردة لأبي العباس الجادري . * 17 * ومن كتب تراجم الصحابة كتاب الطبقات الكبير للإمام ابن سعد طبعت في ثمان مجلدات بأروبا ولعلها أول كتاب * 18 * ألف في طبقات الصحابة في الإسلام وكل من ألف فيهم بعده إنما على أثره نسج ثم الاستيعاب للحافظ أبي عمر بن * 19 * عبد البر واختصاره المسمى أنوار أولي الألباب في اختصار كتاب الاستيعاب وأسد الغابة لابن الأثير والإصابة لسيد * 20 * الحفاظ ابن حجر وهي أوسع المواد لأنها البحر الزاخر الذي يجد به كل باحث قصده في سائر الأبواب من الأوائل * 21 * والأواخر واختصارها لأبي زيد عبد الرحمان
____________________
(1/24)
* 1 * بن محدث فاس والمغرب أبي العلاء العراقي الحسيني والتجريد للحافظ الذهبي ودر السحابة فيمن دخل مصر من * 2 * الصحابة للأسيوطي والرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة لأبي زكرياء يحيى العامري * 3 * صاحب البهجة وظل الغمامة وطوق الحمامة في مناقب من خصة رسول الله [ ] بالكرامة للإمام مفخرة وقته ذي * 4 * الوزارتين أبي عبد الله محمد الغافقي الأندلسي المقول فيه : لم يطلق اسم كاتب بالأندلس على رجل مثله والاستبصار * 5 * في أنساب الأنصار للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي المقدسي وسيرة عمر بن الخطاب للحافظ * 6 * ابن الجوزي وأسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب للحافظ ابن الجزري وذخائر العقبى في مناقب ذوي * 7 * القربى للحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري شيخ الحرم وحافظ الحجاز وجواهر العقدين في فضل الشرفين * 8 * شرف العلم والنسب للإمام مؤرخ المدينة المنورة نور الدين علي السمهودي الشافعي المدني الشامي . ومن كتب * 9 * التاريخ والأدب والأنساب تاريخ الشام لحافظ الإسلام أبي القاسم بن عساكر والعبر لولي الدين ابن خلدون الحضرمي * 10 * ومقدمته وجمهرة الحافظ أبي محمد بن حزم الأندلسي وفهرسة أبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق النديم الشيعي * 11 * وصبح الأعشى في صناعة الإنشا للشهاب أحمد القلقشندي وهو من أعظم ما ألف في التاريخ الإسلامي ومدنيته * 12 * وآداب لغته وطبعه من أبدع حسنات هذا العصر والمعارف لابن قتيبة ووفيات الأعيان للقاضي ابن خلكان وتاريخ * 13 * الخلفاء ولب الألباب في الأنساب وطبقات اللغويين والنحاة وآكام العقيان في الخصيان وحسن المحاضرة في أخبار * 14 * مصر والقاهرة وتدريب الراوي في شرح تقريب النووي ورسالة الزجر في الهجر والمسارعة إلى المصارعة والأجر * 15 * الجزل في الغزل التسعة للحافظ الأسيوطي والدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة وسمط اللآل في بيان ما اشتمل * 16 * عليه كتاب الشفا من الرجال للشيخ قويسم التونسي في أحد عشر مجلدا عندي منه أربع مجلدات وطالعت غيرها وهو * 17 * من الكتب الجامعة النادرة الوجود والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لموفق الدين * 18 * أبي العباس أحمد بن القاسم السعدي الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي الحنفي * 19 * وكتاب أخبار الدول وآثار الأول لأبي العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالقرماني وخطط مصر * 20 * للمقريزي وعلي مبارك باشا وكتاب أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة لصديقنا الكاتب
____________________
(1/25)
* 1 * المعتبر رفيق بك العظم الدمشقي نزيل مصر وشرح بديعية البيان للحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي في طبقات * 2 * الحفاظ المسمى التبيان وطبقات الشافعية الكبرى للقاضي تاج الدين السبكي الشافعي والأنساب لابن السمعاني ونكت * 3 * الهميان في أخبار العميان للصلاح الصفدي ونهاية الإرب في معرفة أنساب العرب لصاحب صبح الأعشى والديباج * 4 * المذهب لابن فرحون وذيليه لأبي العباس السوداني النيل والكفاية وطبقات الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الحضيكي * 5 * السوسي وطبقات الحنفية للعلامة الحافظ بن قطلوبقا الحنفي وروض القرطاس لابن أبي زرع والتعريف بالمصطلح * 6 * الشريف لابن فضل الله العمري وهو مادة القلقشندي في صبحه ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله المذكور أيضا والأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل لمجير الدين الحنبلي وتكملة الحافظ * 7 * ابن الأبار الأندلسي وغيره لصلة ابن بشكوال وروضة النسرين في دولة بني مربن لأبي الوليد إسماعيل بن الأمير * 8 * يوسف المعروف بابن الأحمر ومستودع العلامة لابن الأحمر أيضا وتذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي وتاريخ الإسلام له * 9 * والتعريف بالرجال المذكورين في مختصر ابن الحاجب الفرعي لمحمد بن عبد السلام بن إسحاق الأموي المالكي * 10 * وتاريخ الدولتين الموحدية والحفصية لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم اللؤلؤي الزركشي والأعلاق النفيسة لأبي علي * 11 * أحمد بن عمر بن رسته وذيل بشائر الإيمان في فتوحات آل عثمان لرئيس ديوان الإنشاء في الدولة التونسية الشيخ * 12 * المؤرخ حسين خوجه الحنفي التونسي ونفح الطيب وأزهار الرياض في أخبار عياض كلاهما للمقري وجذوة * 13 * الاقتباس لأبي العباس ابن القاضي ودرة الحجال ولقط الفرائد كلاهما له أيضا والخبر المعرب للشيخ أبي راس * 14 * المعسكري وري الظما فيمن قال الشعر من الأما للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي والتلقيح وتلبيس إبليس له أيضا * 15 * وسلك الدرر في أهل القرن الثاني عشر للشمس محمد خليل المرادي الدمشقي وثمار القلوب في المضاف والمنسوب * 16 * لأبي منصور الثعالبي وهو من أبدع كتبه وإرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد للشمس محمد بن إبراهيم بن ساعد * 17 * الأنصاري الأكفاني ومفتاح السعادة ومصباح السيادة لأحمد بن مصطفى ( طاشكبري زاده ) والأزهار الطيبة النشر * 18 * في بعض مبادي العلوم العشر للقاضي أبي الفتح محمد الطالب ابن الشيخ أبي الفيض حمدون بن الحاج السلمي * 19 * الفاسي والاستقصاء لفخر سلا أبي العباس الناصري السلاوي وخلاصة تاريخ العرب للمؤرخ الفرنسوي الشهير
____________________
(1/26)
* 1 * سيديو والتحفة القادرية لأبي محمد عبد السلام بن الخياط القادري الفاسي والإشراف على من بفاس من مشاهير * 2 * الأشراف للقاضي أبي الفتح ابن الحاج وتحفة الأكابر في مناقب الشيخ عبد القادر لأبي زيد عبد الرحمان بن عبد القادر * 3 * الفاسي والدرر النفيس فيمن بفاس من أبناء محمد ابن نفيس لأبي محمد الوليد بن العربي العراقي الفاسي وسلوة * 4 * الأنفاس فيمن أقبر من العلماء والصالحين بمدينة فاس لابن خالنا أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني الفاسي وكشف * 5 * الظنون للمنلا كاتب حلبي ورحلة الإمام الحافظ أبي القاسم التجيبي ورحلة أبي محمد عبد الله التجاني وماء الموائد * 6 * رحلة الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد أعياش ورحلة الإسحاقي الحجازية ورحلة خاتمة الحفاظ بالمغرب الأقصى * 7 * أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي ورحلة الشيخ أبي راس المعسكري حافظ المغرب الأوسط وفواتح * 8 * الأنس في الرحلة إلى القدس للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي والترجمانة الكبرى اسم رحلة الكاتب أبي القاسم الزياني * 9 * الفاسي وروضة البسام في الرحلة إلى بلاد الشام لمحمد بن عبد الجواد القاياتي المصري ورحلة الحبشة لصادق باشا * 10 * المويد العظم وتلخيص الإبريز للشيخ رفاعة الطهطاوي المصري والرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية * 11 * شيخ الإسلام كافر لحافظ الشام الشمس محمد بن ناصر الدين الدمشقي الشافعي والنجوم الزاهرة في ملوك مصر * 12 * والقاهرة لأبي المحاسن المطبوع بليدن سنة 1851 م وتاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان وانتقاده نبش الهديان من * 13 * تاريخ جرجي زيدان وجوابه وأوائل السيوطي والدر النفيس لجدنا من قبل الأم أحمد بن عبد الحي الحلبي والدرر * 14 * المرصعة في صلحاء درعة لأبي عبد الله محمد المكي بن موسى بن محمد الناصري والأنيس المطرب فيمن لقيته من * 15 * أدباء المغرب لأبي عبد الله محمد ابن الطيب العلمي دفين مصر والرد المتين على منتقص الشيخ محي الدين للشيخ * 16 * عبد الغني النابلسي وتاريخ الدولة الحسنية العلوية لأبي العباس ابن الحاج وتاريخ بيوتات فاس لأبي زيد الفاسي * 17 * ورياض الورد فيما انتمى إلى هذا الجوهر الفرد للقاضي ابن الحاج والجيش العرمرم الخماسي لأبي عبد الله اكنسوس * 18 * السوسي المراكشي والبحر الزاخر في تاريخ العالم وأخبار الأوائل والأواخر لمحمود فهمي المصري وهو في عدة * 19 * مجلدات ورسالة النقود الإسلامية للتقي المقريزي . ومن كتب التفسير والفقه والأصول والتصوف واللغة والسياسة * 20 * والطب والحكمة أحكام القرآن للإمام أبي بكر أحمد بن علي الجصاص الحنفي البغدادي وهو من أول من ألف في * 21 * أحكام القرآن
____________________
(1/27)
* 1 * من أهل القرن الرابع والقاضي أبي بكر بن العربي المعافري المالكي وتفسير ابن عطية والقرطبي والكشاف * 2 * للزمخشري وتفسير ابن عرفة التونسي وتفسير المولى أبي السعود الحنفي والدر المنثور للحافظ السيوطي والإتقان في * 3 * علوم القرآن له أيضا والإكليل في استنباط التنزيل له أيضا وتفسير الشيخ محمد نووي الجاوي المسمى مراح لبيد * 4 * والمحادي للأستاذ المقري أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسي ومن كتب الفقه المالكي المدونة والرسالة لابن أبي * 5 * زيد وشروحها لأبي يحيى التازي وابن ناجي وزروق والأجهوري وجسوس وغيرهم والكافي لأبي عمر بن عبد البر * 6 * والبيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد والقوانين لأبي القاسم ابن جزي وشرح أبي العباس القباب على قواعد عياض * 7 * والمعيار المعرب للحافظ الونشريسي وشرح أبي عبد الله المواق الغرناطي والحطاب المكي على المختصر والزرقاني * 8 * والشبرخيتي عليه أيضا وأبي علي رحال المعداني وحاشية الرهوني والشيخ الأمير المالكي المصري عليه وحاشية * 9 * الأمير المذكور أيضا على شرحه لمجموعه وحاشية الشمس الدسوقي على شرح الدردير على المختصر أيضا وتنبيه * 10 * الغافل للتفجروتي والغاز ابن فرحون وشرح المنظومة التلمسانية في الفرائض للإمام أبي يوسف يعقوب بن موسى * 11 * بن يعقوب بن عبد الله الستاني وهو من أشياخ بعض مشائخ ابن غازي والتبصرة لابن فرحون وشرح أبي عبد الله * 12 * محمد بن الطيب القادري على المرشد المعين وتحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغير المناكر للإمام أبي * 13 * عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم العقباني التلمساني وسراج الملوك لأبي الوليد الطرطوشي والمصباح الوهاج * 14 * المغني عن سراج الداج لأبي عبد الله محمد التهامي بن محمد المدعو شهبون اليالصوتي الشفشاوني وفتح الوهاب * 15 * على هداية الطلاب للشيخ سيدي المختار بن أحمد بن أبي بكر الكنتي وفتاوى شرح بعض شيوخنا العلامة الصالح * 16 * أبي عبد الله محمد بن أحمد عليش المالكي والتيسير في أحكام التسعير للقاضي أبي العباس أحمد بن سعيد المجليدي * 17 * قاضي فاس الجديد وشرح جامع خليل للشيخ التاودي بن سودة الفاسي وشرح الشيخ أبي العباس أحمد الهشتوكي * 18 * السوسي على نظمه في الوزيعة وحاشية فقيه الشام ومفتيه شيخ بعض شيوخنا الشمس محمد بن عابدين الحنفي على * 19 * الدر المختار شرح تنوير الأبصار وهو أجمع كتاب ألفه المتأخرون في الفقه الحنفي والدر المختار شرح تنوير * 20 * الأبصار المذكور وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين بن مسعود الكاساني وهو كتاب عظيم له * 21 * نظير في كتب الحنفية والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية العلامة الأستاذ الكبير الشيخ عبد الغني بن الشيخ * 22 * إسماعيل النابلسي الحنفي
____________________
(1/28)
* 1 * الدمشقي والوسيلة الأحمدية والدريعة السرمدية في شرح الطريقة المحمدية للحاج رحب بن أحمد التركي والبريقة * 2 * المحمودية في شرح الطريقة المحمدية للشيخ أبي سعيد الخادمي الحنفي ونهاية الأحكام فيما للنية من الأحكام لصديقنا * 3 * السيد أحمد الحسيني الشافعي المصري وكشاف القناع عن متن الإقناع للشيخ منصور بن إدريس الحنبلي من كبار كتب * 4 * الفقه الحنبلي وفتاوى الشهاب أحمد بن حجر الهيثمي الفقهية وفتاوى الشهاب أحمد الرملي الشافعي المصري والمواقف * 5 * للعضد وشرحها للسيد وقوت القلوب لأبي طالب المكي والإحيا للغزالي وتخريج أحاديثها للحافظ العراقي وشرحها * 6 * لفخر المتأخرين وعلم المحدثين المسندتن السيد مرتضى الزبيدي دفين مصر ومختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر * 7 * الأول للحافظ أبي شامة عبد الرحمان بن إسماعيل المقدسي الشافعي والقواصم والعواصم للإمام أبي بكر بن العربي * 8 * المعافري دفين فاس والابتهاج في شرح المنهاج للإمام تقي الدين السبكي الأنصاري الشافعي وشرح الحافظ السيوطي * 9 * على نظمه جمع الجوامع المسمى بالكوكب الساطع ونسمات الأسحار على شرح إفاضة الأنوار على متن أصول المنار * 10 * لشيخ بعض شيوخنا مفتي دمشق وتحريرها الشمس محمد بن أحمد بن عابدين الحنفي الدمشقي وفواتح الرحموت * 11 * على مسلم الثبوت للعلامة عبد العلي بن نظام الدين الأنصاري الهندي وشرح جمع الجوامع لأبي العباس أحمد حلولو * 12 * القيرواني المسمى بالضياء اللامع ومتنه وشرحه للجلال المحلي وحاشيته لأبي علي العطار المصري والمدخل لأبي * 13 * عبد الله بن الحاج العبدري والفروق للإمام أبي العباس القرافي وسنن المهتدين للمواق والعلم الشامخ في إيثار الحق * 14 * على الآباء والمشايخ للنظار الشيخ صالح المقبلي اليمني وبدائع السلك في ترتيب الملك للقاضي أبي عبد الله بن * 15 * الأزرق الغرناطي وأدب الدنيا والدين للماوردي والأنالة العلمية في طريقة الفقراء المتجردين من الصوفية للأستاذ * 16 * العالم أبي عثمان سعيد بن أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي والأجوبة المهمة لمن له بأمر دينه همة لعالم * 17 * صحراء أفريقية الشيخ المختار بن أبي بكر الكنتي صاحب الطريقة المشهورة به وكتاب الآداب الشرعية الكبرى * 18 * للإمام أبي محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي وهو من أوسع المؤلفات في آداب الإسلام اشتمل على مجلدين ضخمين * 19 * ومنظومة الإمام محمد بن عبد القوي المرداوي الحنبلي وشرحها غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب لمحدث الشام * 20 * وعالمه في القرن الثاني عشر أبي عبد الله
____________________
(1/29)
* 1 * محمد بن أحمد السفاريني النابلسي الحنبلي وهو أيضا في مجلدين ما أوسع اطلاعه وأندر إتقانه بالنسبة لمعاصريه * 2 * وبلوغ أقصى المرام في شرف العلم وما يتعلق به من الأحكام للعلامة أبي عبد الله محمد بن مسعود الطرنباطي الفاسي * 3 * وسعود المطالع والفواكه الجنوية والقصر المبني على حواشي المغني ثلاثتها للتحرير الشيخ عبد الهادي الأبياري * 4 * المصري والشرح الجلي على بيتي الموصلي للشهاب أحمد البربير البيروتي وهداية الضال من القيل والقال وهو * 5 * شرح ابن عمنا المؤرخ المدرس الأديب أبي محمد المأمون بن عمر الكتاني الحسني على بيتي ابن فارس اللغوي : * 6 * ( إذا كنت في حاجة مرسلا ** رسولا وأنت بها مغرم ) والمواهب الفتحية في علوم اللغة العربية للشيخ حمزة * 7 * فتح الله المصري وكناشة أبي العباس أحمد بن عاشر الحافي السلاوي وشرح خطبة المختصر لأبي العباس الهلالي * 8 * السجلماسي وشرح الحافظ السخاوي على ألفية العراقي الاصطلاح واليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر للشيخ * 9 * عبد الرءوف المناوي المصري ومقدمة تاريخ شهاب الدين المرجاني الغازاني المسمى وفيات الأسلاف وتحية الأخلاف * 10 * وهي مقدمة نفيسة أراد أن يضاهي بها مقدمة ابن خلدون لتاريخه ومقدمة تاريخ الوزير جودت باشا التركي وآكام * 11 * النفائس في آداب الأذكار بلسان فارس لسمينا أبي الحسنات عبد الحي اللكنوي الهندي ومشارق الأنوار للقاضي * 12 * عياض ونهاية ابن الأثير ومجمع بحار الأنوار للشيخ محمد طاهر الفتني وتهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي * 13 * وشرح الشواهد الكبرى لمحمود العيني المصري والمطالع النصرية في الأصول الخطية لأبي الوفاء نصر الهوريني * 14 * المصري وروضة الأعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام لآخر قضاة الأندلس أبي عبد الله محمد بن علي بن * 15 * الأزرق المتوفى على قضاء بيت المقدس وهو كتاب عظيم قال عنه المقري في نفح الطيب لم يؤلف في فنه مثله هـ* 16 * والقاموس وحاشيته للإمام محمد بن الطيب الشركي الفاسي وشرح خطبته المسمى فتح القدوس للإمام أبي العباس * 17 * أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي وشرحه تاج العروس لخاتمة الحفاظ أبي الفيض الزبيدي المصري والمصباح والصحاح ومفاتيح العلوم لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي * 18 * وإتحاف ذوي الاستحقاق ببعض مراد المرادى وزوائد أبي إسحاق اسم حاشية ابن غازي على ألفية ابن مالك والنوافح * 19 * العالية في المدائح السليمانية لأبي الفيض حمدون بن الحاج المرداسي والرد على ابن المظهر
____________________
(1/30)
* 1 * الحلي للحافظ بن تيمية الحنبلي الدمشقي والصارم المسلول على شاتم الرسول له أيضا والطرق الحكمية في السياسة * 2 * الشرعية لابن القيم وكتاب البركة في فضل السعي والحركة لأبي عبد الله محمد ابن عبد الرحمان الحبشي اليمني * 3 * وشرح الشيخ أبي سالم العياشي المسمى إرشاد المتسبب على نظمه لبيوع ابن جماعة التونسي المسمى معونة المكتسب * 4 * وبغية التاجر المحتسب والوافي في المسألة الشرقية ومتعلقاتها لأمين إبراهيم شميل المطبوع سنة 1296 لم أقف منه * 5 * إلا على المجلد الأول وهو في 485 صحيفة وفهرس العلامة المحدث المسند أبي العباس أحمد بن قاسم البوتي التميمي * 6 * ومعجم الحافظ السيد مرتضى الزبيدي الحسيني شارح الأحياء وفهرسة الحافظ أبي بكر بن خير الأموي والفوائد * 7 * الجمة في إسناد علوم الأمة للإمام أبي زيد عبد الرحمان التمنارتي وصلة الخلف بموصول السلف لابن سليمان الرداني * 8 * دفين دمشق الشام وفهرس الشيخ عبد الباقي الحنبلي الدمشقي المسمى رياض أهل الجنة في آثار أهل السنة والمنح * 9 * الباذية في الأسانيد العالية لأبي عبد الله محمد الصغير الفاسي وحصر الشارد في أسانيد محمد عابد لشيخ بعض * 10 * شيوخنا محدث الحجاز الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري المدني وإمداد ذوي الاستعداد إلى معالم الرواية والإسناد * 11 * للشيخ أبي محمد عبد القادر ابن أحمد الكوهن الفاسي وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المدايني وتثقيف اللسان * 12 * وتلقيح الجنان لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي قاضي تونس من الكتب النادرة حتى إن صاحب كشف * 13 * الظنون والبلغة لم يذاكره وتسريح الأبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار للقس هنري لابسنس اليسوعي وكناشة * 14 * المؤرخ النسابة الرحالة أبي عبد الله محمد بن الخياط بن إبراهيم الفاسي وكناشة أبي الفضل عباس بن أبي عبد الله * 15 * محمد بن عبد الرحمان السجلماسي الفاسي والإمتاع بأحكام السماع لكمال الدين أبي الفضل جعفر ابن ثعلب الأدفوي * 16 * الشافعي والنفس اليماني والروح الروحاني في إجازة القضاة الثلاثة بني الشوكاتي لمفتي زيد ومسندها السيد عبد * 17 * الرحمان بن سليمان الأهدل رحمه الله وفتح المنة في التلبس بالسنة للشعراني وطبقاته الكبرى والمنن وتنبيه * 18 * المغترين له وتحديد الأسنة في الدب عن السنة لشيخنا وولي نعمتنا الأستاذ الوالد الشيخ أبي المكارم عبد الكبير بن * 19 * محمد الكتاني الحسني والتوفيق من الرب القريب في عدد شيب وخضاب النبي الحبيب له أيضا ومناهج الأخلاق * 20 * السنية في مباهج الأخلاق السنية للعلامة الشيخ عبد القادر الفاكهي المكي وعين العلم اختصار الأحياء للشمس محمد * 21 * بن عثمان البلخي وشرحه
____________________
(1/31)
* 1 * للمنلا علي القاري المعروف بابن سلطان المكي الحنفي وضياء النهار المجلي لقائح الأبصار لأبي القاسم بن خجو * 2 * الحساني أمير فاس وتشييد المكانة لمن حفظ الأمانة للعلامة العارف أبي المعارف مصطفى بن كمال الدين البكري * 3 * الصديقي الحنفي الدمشقي والوابل الصيب في الكلم الطيب للحافظ ابن القيم الزرعي الدمشقي وبدائع الفرائد له أيضا * 4 * وحجة الكرام في محجة أهل الإسلام والمحاضرات والقانون كلاهما للعلامة النظار أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي * 5 * ومناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية للشيخ رفاعة الطهطاوي المصري وبذل الكرامة لقراء المقامة * 6 * لصاحبنا الشمس محمد بن عبد الرحمان البوسعادي الجزائري ومقدمة أقوم المسالك في معرفة أحوال المالك تأليف * 7 * الوزير خير الدين باشا التونسي والدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة لأبي الحسن علي بن يوسف بن أبي الحسن * 8 * الكومي الفاسي والتاج للإمام أبي عثمان بن بحر الجاحظ في أخلاق الملوك وآدابهم وهو كتاب لا ينبغي أن يختلف في * 9 * نسبته للجاحظ لأن بيدي منه أوراقا بخط قديم في رق غليظ يغلب على ظني أنها كتبت في حياة الجاحظ نفسه أو بعده * 10 * بقريب عنوانها الجزء الثامن من كتاب التاج تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ للفتح بن خاقان مولى أمير * 11 * المؤمنين هـباللفظ . ولو ظفر بهذه الأوراق منه الأستاذ أحمد زكي باشا المصري طابعه لطرب وزال عنه كل شك * 12 * وريب وربما اختلج في ظني أن العنوان المنقول نصه هنا هو مكتوب بخط الفتح بن خاقان نفسه والبيان والتبيين * 13 * ورسالة في مدح التجار وذم عمل السلطان كلاهما للجاحظ أيضا وحسن والصناعة في علم الزراعة وغير ذلك من * 14 * الرسائل والمصنفات . ومن أعظم ما اعتمدته وسايرته كتاب تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول * 15 * الله [ ] من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية وإن كنت لم أقف عليه كاملا ولاكن على ترتيب ما وقفت عليه منه * 16 * اعتمدت وعليه أضعاف اضعاف فصوله وأصوله ونقوله زدت واستدركت مع تمييز الزيادات عليه غالبا برسم * 17 * حرف الزاي قبلها أو قلت كما فعل ابن حجر في الإصابة فيما زاده على الذين دونوا قبله فيما دون فيه وجعلت خطوطا بالمداد الأسود ( شرطات ) على كلامه ليظهر كلامه من زياداتي فكلما رأيت التأشير * 18 * متصلا بالمداد الأسود من فوق فهو كلام الخزاعي وابتداء كلامي من رسم حرف الزاي ثم قلت وإن رسمت الزاي * 19 * وبعدها قلت قبل الترجمة فاعلم أنها وما فيها من استدراكاتي وإن رسمت الزاي وبعدها قلت بعد كتب الترجمة فاعلم * 20 * أن الترجمة للخزاعي
____________________
(1/32)
* 1 * والزيادة والاستدراك كلها من زياداتي . وقد عملت على الكتابة في هذا الموضوع بلسان يناسب روح العصر وقلم * 2 * يرمي إلى ترجيح مهيع الاختصار والاقتصار على الأرجح والأفيد من غير خروج عن الموضوع . وقد كنت فيما * 3 * مضى وانقضى شديد التطلب لهذا الكتاب تخريج الدلالات العظيم الشأن الذي اهتم به مؤلفه بما لم يهتم به أحد قبله ولا * 4 * بعده فيما نعلم وهو تدوين المدنية الإسلامية على عهد تأسيسها الأول جازما أن صاحبه ألهم الخوض في مشروع * 5 * يستلفت الأنظار * ويستوجب مزيد الشكر وأن يبقى له به أعظم تذكار * ومع ذلك أجد أن طول الزمن أخنى على * 6 * مؤلفه ومؤلفه فدفنا معه في زوايا النسيان * وألقى عليهما الإهمال بكلكله في أودية النكران * فبقيت في تشوق * 7 * وتليف للكتاب المذكور أوالي عنه البحث والتفتيش من أقصى وادي نون إلى بلاد العريش حتى نفرت به في مكتبة * 8 * تونس الزاهرة لما رحلت إليها سنة 1339 فأخرجته من مكتبتها بقصد الإنساخ . وممن ساعدني على استعارته بهجة * 9 * تلك الحاضرة الذي هو فيها الشامة النادرة الشيخ محمد طاهر عاشور قاضيها لهذا العهد وقد عجبت أكثر إعجاب لوجود * 10 * ذلك الكنز في تلك الحاضرة الزاهرة التي يتردد إليها كثير من أهل العلم من أهل بلدنا ومن غيرهم ولم يحيه أحد * 11 * باستنساخه وجلبه فضلا عن نشره وطبعه . ولاكن بكل أسف لم يوجد اسم المؤلف على ظهر النسخة التونسية ولا في * 12 * برنامجها . ومع كوني طالما تأبطت به هنا وهناك * وأطلت الحديث عليه باحتباك * ذاكرا من ترجمه وعرف به * * 13 * فلم أجد قط من يصغي إلى شيء من ذلك أو به يهتبل وينتبه * ومع كوني في هيامي به وحيدا * وسمري به * 14 * وسهري فريدا * بقيت مهتما به أي اهتمام * قياما بواجب حق مؤلفه الذي خدم الإسلام * وبموضوعه الذي هو * 15 * حاجتنا اليوم القصوى * ودفع ما به عمت الأمم الإسلامية البلوى * فأقمت عليه بعد وصوله ليدي بفاس أياما وليالي * 16 * أميز أبوابه من فصوله * وأشير على رءوس الكلام وأصوله * وأصحح ما غلط فيه ناسخه الذي وجدته لم يعتبره * 17 * ولا عرف له قيمة ولا فهم أنه يكون مني ومن عشاق الآثار الإسلامية من أكبر الكتب القيمة . وقد كنت طالما * 18 * طالعته وسامرته * وصاحبته معي في أسفاري وفي كل موطن منها أحضرته * أجد أنه لو نسج على منواله * * 19 * واعتني بالزيادة عليه والاستدراك طبق آماله * لكان الموضوع
____________________
(1/33)
* 1 * قابلا للزيادة * عند من يعتني بالإفادة والإجادة خصوصا وقد انتشرت الكتب اليوم في الأرض طولها والعرض وعم * 2 * منها المشرق والمغرب * ما كانت يد الظنة به قبل تغرب * خصوصا حين نهضة الأمم الإسلامية الأخيرة وما جادت * 3 * به المطابع وما سهلته مخترعات العصر من أدوات الانتقال والرحلة بما أصبحت به يسيرة * بعد أن كانت شاقة كثيرة * 4 * . وآمادها وأياها كبيرة * فانتهزت فرصة من فرص الزمان الذي كان بها قبل بخل وظن وجمعت هذه الرسالة التي * 5 * استغرقت فيها أربعة أشهر أو أزيد وطالعت عليها جل مكتبتي التي فيها والحمد لله ما هو أجمع وأفيد فجاءت في الجمع * 6 * أكبر آية والغاية القصوى التي يتطلبها أهل البداية والنهاية أتيت فيها على جميع النافع من كتاب التخريج * وزدت * 7 * عليه ما هو أمتع وأنفع من الزهر الأريج * مقدما قبل نجواي ما سبق وآتيا بمقدمتين الأولى في التعريف بكتاب * 8 * التخريج ومؤلفه وذكر اصطلاحه ومقصده وغايته ومادته لخلو أكثر الدواوين من التعريف به وجهل جملة أهل العصر * 9 * به لولا إفراد استرقوا السمع مني ثم أدلوا بما سمعوا هنالك مظهرين أنهم استغنوا عني في ذلك وإلا فهم بين قن وخادم * 10 * لولا أنا ما ذهبوا ولا جاءوا ولبقوا في خمول أصحاب المآثم على أن من تطور على غير شكله فإنما شهد بخساسة * 11 * أصله ومن لبس حلية غيره مولول بأنه متشبع بما لم يعطه سيان في فرضه أو نفله . الثانية في ذكر برنامج الكتابين * 12 * لتظهر خدمة السابقين واللاحقين للفئتين فأقول والله المستعان : ( اسم مؤلف كتاب التخريج ونسبه وبلده ) * 13 * مؤلفه أبو الحسن علي بن ذي الوزارتين محمد بن أحمد بن موسى بن مسعود بن موسى بن أبي غفرة الخزاعي * 14 * ترجمه ابن القاضي في درة الحجال التي ذيل بها تاريخ ابن خلكان وكتابه الآخر جذوة الاقتباس في ذكر من حل من * 15 * الأعلام بمدينة فاس فأما الدرة فقال فيها علي بن مسعود الخزاعي التلمساني ولم يزد على ذلك في نسبه شيئا وفي * 16 * الجذوة قال علي بن ذي الوزارتين محمد بن مسعود الخزاعي التلمساني المولد الفاسي الوفاة الأندلسي الأدب والسلف * 17 * وقد بحثت عن اسم والده ذي الوزارتين محمد بن مسعود الخزاعي وترجمته في كثير من المصنفات فلم أوفق * 18 * للعثور عليها إلى الآن ثم وجدت تحليته في ترجمة ابنه أبي الحسن من كتاب مستودع العلامة لابن الأحمر فوصفه * 19 * بذي الوزارتين القائد الفقيه الكاتب صاحب الأشغال السلطانية محمد بن الفقيه القاضي موسى بن مسعود الخزاعي قال * 20 * جمع أبوه بين الخطتين السيف والقلم وكان رسوخ قدمه في الفروسية والعلم أثبت من علم وكان من آبائه بالأندلس * 21 * جملة قضاة وأرباب تحصيل العلوم وحلل مرتضاة وعبر البحر منهم للعدوة فاستقر بتلمسان فقلد بها الوزارة والقيادة * 22 * والكتابة إذ نجم منه الإحسان
____________________
(1/34)
* 1 * والخزاعي كما في لب اللباب في تحرير الأنساب للحافظ الأسيوطي نسبة إلى خزاعة قبيلة من الأزد هـوفي القاموس * 2 * خزاعة حي من الأزد سموا بذلك لأنهم تخزعوا من قومهم وأقاموا بمكة هـوفي الصحاح لأن الأزد لما خرجت من مكة * 3 * لتتفرق في البلاد تخلفت عنهم خزاعة وأقامت بها وفي العبر كانت مواطنهم بمكة ومر الظهران وما بينهما هـ. ( * 4 * مولده ومشيخته ) - ولد كما في فهرسة أبي زكرياء السراج سنة عشر وسبعمائة وأخذ كما فيها عن الخطيب الراوية * 5 * المكثر أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني وأجاز له وعن المحدث قاضي الجماعة بالجزيرة أبي البركات * 6 * محمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم البلفيقي ( قلت ) وكأني به كان قليل الرواية أو إنما روى واستجاز في كبره لأن * 7 * وفاته قريبة من وفاة شيخيه المذكورين فأما الخطيب بن مرزوق فقال عنه ابن فرحون في الديباج توفي بعد الثمانين * 8 * وسبعمائة وفي العبر أنه توفي سنة 781 وأما أبو البركات ابن الحاج فتوفي كما في فهرسة أبي عبد الله الحضرمي * 9 * سنة 771 وعجيب أن يكون حافظ لا يذكر من مشيخته إلا من مات قبله بنحو عشر سنوات أو هم من أقرانه في السن * 10 * فإذا علمت مولد الخزاعي ومولد هؤلاء ظهر لك قرب ما بينهم . ( ذكر ما حلي به ) - حلاه تلميذه الإمام الصوفي * 11 * محدث فاس وراويتها أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن محمد السراج الحميري الفاسي المتوفى بفاس سنة 805 في * 12 * فهرسته بالشيخ الجليل الحافظ اللغوي التاريخي المصنف الناظم الناثر ثم قال كان شيخا جليلا فاضلا حافظا لغويا * 13 * شاعرا مجيدا مقدما في التاريخ كثير الصدقة والإيثار لم يكن في زمانه من يضاهيه فيها فذا في طريقته هـووصفه ابن * 14 * الأحمر في كتابه مستودع العلامة بالفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى ثم قال عنه تلقى راية الفخر باليمين وهو * 15 * واسطة عقد المفاخر الثمين من أعلام كتاب العدوتين ومعرفته بالحساب تستغرق العقول إذ أربت عن حد الحصر * 16 * والمنقول وأما اللغة فمسلكه في سبلها أسكت ابن السكيت وبكت فهمه المدرك في حفظها أي تبكيت والعربية هو على * 17 * رياستها العلمية وقد برز في إجادتها الإدراكية العلمية ولم يكن في معرفة الفقه بالمبصر كما نظر عن إنسان عين * 18 * الحديث المبصر وكفه بإرسال المواهب لم تكن جانحة إلى التقصير ولا قيل لطول جودها جدعت أنف الفضائل عن * 19 * بخل يا قصير هـكلام ابن الأحمر واقتصر أبو العباس ابن القاضي في الجذوة على تحليته بالفقيه الكاتب ولم يزد * 20 * عليها وكذلك فعل في الدرة إلا أنه زاد في حقه الأديب . ( ذكر شيء من شعره ) - قال ابن القاضي في الجذوة * 21 * وهو القائل لما كبا بموسى بن أبي عنان المريني فرسه بالشماءين :
____________________
(1/35)
* 1 * ( مولاي لا ذنب للشقراء إن عثرت ** ومن يلمها لعمري فهو ظالمها ) ( وهالها ما اعتراها من مهابتكم * 2 * ** من أجل ذلك لم تثبت قوائمها ) ( ولم تزل عادة الفرسان مذ ركبوا ** تكبوا الجياد ولم تنبو عزائمها ) * 3 * ( وفي النبي رسول الله إسوتنا ** أعلا النبيئين مقدارا وخاتمها ) ( كبا به فرس أبقى بسقطته ** في جنبه * 4 * خدشة تبدو مراسمها ) ( حتى لصلى صلاة جالسا ثبتت ** لنا بها سنة لاحت معالمها ) ( صلى عليه * 5 * الإله دائما أبدا ** أزكى صلاة تحييها نواسمها ) قال في القصة الولي أبو عبد الله محمد بن عباد الرندي الحميري * 6 * : إن الجواد ما كبا * ألا لما فيه نبا * ذاك قبول ما به * إمامنا تقربا وقد خمسها أبو الوليد ابن الأحمر فقال : ( * 7 * قل للذي ما نكبا ** عما أتى وارتكبا ) ( وفي اعتراض أو كبا ** إن الجواد ما كبا ) ( إلا لما به نبا ) * 8 * ** ( لا تجزعن لنا به ** قد خر في منابه ) ( إذ التقى سما به ** ذاك قبول ما به ) ( إمامنا * 9 * تقربا ) ( موسى بسا في ذهنة ** ونبله ودهنه ) ( وقد أودى به ردى ** رهبته في يومه ) وقال * 10 * فيه أبو سرحان مسعود بن محمد بن أبي الطلاق : ( إن الجواد ما كبا إلا لفتح قربا ** فإنه صلى ومن صلى ينال * 11 * الإربا ) ( وإنما صلاته صلاة نصر وجبا ) هـما في الجذوة ثم وجدت القصة عند الإمام الجادري في * 12 * شرح البردة عند قول البوصيري : من لي برد جماح من غوايتها قائلا ما نصه وقد كبت فرس شقراء بالسلطان أمير * 13 * المؤمنين موسى بن أمير المؤمنين أبي عنان المريني إثر صلاة الجمعة فقال في ذلك الكاتب ابن الحسن علي بن * 14 * محمد المسعودي
____________________
(1/36)
* 1 * مولاي لا ذنب لخ وأنشد الأبيات الستة حاذفا البيت الثالث عند ابن القاضي وهو ولم تزل عادة الفرسان لخ . . وعنده * 2 * في البيت الخامس كبا به فرس أبدى بسقطته وعند ابن القاضي ابقى وفي البيت الأخير عند الجادري صلى الإله عليه * 3 * ثم ذكر أبيات بن عباد وابن الطلاق ووجدت فيه مجموعة عندي بخط المؤرخ النسابة الرحالة أبي العباس أحمد بن * 4 * محمد الخياط بن إبراهيم الفاسي صاحب سلسلة الذهب المنقود في ذكر الأعلام من الأسلاف والجدود سياق هذه القصة * 5 * قائلا يحكي أن السلطان موسى المريني أخا أبي عنان لما سقط عن فرسه بالشماعين استحي من الناس كثيرا لما وقع * 6 * به وكان هذا بعد خروجه من صلاة الجمعة بالقرويين خلف الولي الصالح أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عباد * 7 * الرندي المتوفي سنة 792 فأزال عنه الخجل كاتبه أبو السعود فقال : مولاي لا تلم الشقراء إن عثرت لخ فساق * 8 * الأبيات إلا بعض كلمات كالشطر الأول فإنه عند ابن القاضي مولاي لا ذنب للشقراء لخ وبخط ابن إبراهيم مولاي لا * 9 * تلم الشقراء وبخطه أيضا في الشطر الثاني من البيت ثبت وأبدل تنبو بدل تكبو وفي الشطر الأخير من البيت السادس * 10 * لنا بها سنة تحي معالمها وفي الشطر الأخير تحيه بدل تحييها وأثر الأبيات المذكورة أيضا بخط ابن إبراهيم أيضا * 11 * وأزال عنه الخجل الشيخ ابن عباد رضي الله عنه فقال إن الجواد ما كبا فساقها إلا أنه ساقها أبياتا ثلاثا والثالث عنده * 12 * : ( في يومه فليهنه ** أجر ونصر وجبا ) وكذا وجدت القصة على الوجه المذكور والسياق الأخير * 13 * المسطور في كناشة العدل الجماع المقيد أبي محمد عباس بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمان السجلماسي * 14 * الفاسي وكلاهما وصف موسى بأخ أبي عنان وهو غلط فإن موسى ابنه كما تقدم وهو الصواب فانظر كيف نسبا * 15 * أبيات مولاي لا ذنب للشقراء لأبي السعود كاتب السلطان موسى فإما أن يكون الخزاعي كان يلقب بأبي السعود وإما * 16 * أنهما أرادا غيره والله أعلم . ثم وجدت في مستودع العلامة لابن الأحمر لما ترجم للكاتب صاحب القلم الأعلا محمد * 17 * بن الحاجب الكاتب أبي الفضل محمد التميمي صاحب السلطان أبي فارس المريني تخميس أبيات ابن عباد في القصة * 18 * أنظرها فيه . كما وقع في تونس أن أميرها مصطفى باي لما هوى به فرسه إلى الأرض فانسل بسبب ذلك حسامه * 19 * وانجرح قال في القصة الشيخ أحمد زروق الكافي : ( تحمي علو مكانك الأقدار ** وتعز في الأخرى وهذي الدار * 20 * )
____________________
(1/37)
* 1 * إلى أن قال : ( ما خان راكب الجواد ولا ونى ** به عن سبيل القصد منه عثار ) ( لاكن عرته لهيبة * 2 * لك خشية ** لم يستقر بها لديه قرار ) ( فهوى إلى وجه الصعيد بوجهه ** ولواه عما قد نراه خرار ) ** * 3 * ( وأحاله عن حال طبعه عارض ** للرعب منك عراه منه نفار ) أنظر الكشكول في محاسن الغول للأديب * 4 * الكاتب المؤرخ أبي عبد الله محمد السنوسي التونسي صاحب مسامرة الظريف . ووقفت في كتاب المراسلات للأمراء * 5 * والوزراء والسلاطين لأبي علي الحسن بن زيد الأنصاري الذي عندي نسخة منه بخط الشهاب القسطلاني فرغ منها * 6 * سنة 879 على صورة مكاتب التهنئة بالسلامة من السقوط عن الفرس وهي أربعة واحد للسلطان وآخر مثله وكتاب * 7 * آخر من معناه إلى السلطان أو ولده وكتاب من معناه إلى الخليفة فقف عليه . ورأيت في بعض المجاميع لبعض * 8 * وزراء الدولة السعدية ما قاله في يوم السبت من 14 جمادى 2 عام 1037 لما تكسر رمح السلطان مولاي أحمد بن مولاي * 9 * زيدان حين ركب للميز : ( تطاول الرمح على * سيف الأمير وافتخر * تاه بطول قده ) ( وبالقوام المعتبر * 10 * * والسيف من أوصافه * فيه اعوجاج وقصر ) ( قال له السيف اقتصر * أنت قضيب من شجر * وليس * 11 * للرمح سوى ) ( طعن ببعد أن قدر * وهو لا يصحب من * كان مقيما مستقر ) ( والسيف في يوم * 12 * الوغى * للضرب والطعن ابتدر * وصاحب ملازم ) ( في حضر أو في سفر * وفعله قال لنا * ليس العيان * 13 * كالخبر ) ( فثبت الفضل إلى * سيف على رمح ظهر * والرمح خر ساجدا ) ( من أجل ذلك انكسر * 14 * * والله يبقي نصركم * ما لاح نجم أو قمر ) وكتب بطرة القصة الذكورة قصة موسى المريني وما قيل فيها * 15 * كما سبق عن الجادري . ( ذكر الرواة عنه وسندنا المتصل به ) لم أقف على من روى عنه الآن دون أبي زكرياء * 16 * السراج فإنه قال : سمعت من لفظه بعض تأليفه المسمى تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 17 * [ ] من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية
____________________
(1/38)
* 1 * وناولني جميعه وأجازني إجازة عامة هـواتصالنا بجميع ما يصح لأبي زكرياء السراج روايته خصوصا ما تضمنته * 2 * فهرسته المذكورة من طرق : منها روايتنا عن محدث المدينة المنورة العالم اللغوي الأديب المسند المعمر الرحالة أبي * 3 * اليسر فالح بن محمد الظاهري المنوي المدني المتوفى سنة 1328 فيما أجازنيه مكاتبة ثم شفاها بها سنة 1324 عن * 4 * خاتمة المحدثين أبي عبد الله محمد بن علي السنوسي دفين واد الجغابيب عن قاضي مكة عبد الحفيظ بن درويش * 5 * العجيمي المكي ( ح ) وأخبرني أعلا بدرجة مسند الديار الهندية نور الحسنين بن محمد حيدر الأيوبي الأنصاري * 6 * الحيدرآبادي فيما كتب به إلي من حيدرآباد الدكن إجازة عامة عن شيخ والده القاضي عبد الحفيظ المذكور عن خاتمة * 7 * الحفاظ أبي الفيض مرتضى الزبيدي الحسيني ( ح ) ومنها روايتي عن المعمر بن الكنزين المدخرين أبي محمد عبد * 8 * الله بن درويش الركابي السكري ومحمد سعيد الحبال شفاها من كل منهما بدمشق عن مسند الديار الشامية عبد الرحمان * 9 * بن محمد بن عبد الرحمان الكزبري الدمشقي ( ح ) ومساو له عن أبي العباس أحمد بن سالم النهطيهي المصري * 10 * الشافعي عند مسند الديار المصرية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف البهي الطندتاءي ( ح ) وأعلا منه بدرجة * 11 * روايتنا عن العلامة المعمر أحمد بن صالح السويدي البغدادي فيما كتب به إلي من مكة لما حج سنة 1321 قال * 12 * العجيمي والبهي والكزبري والسويدي أخبرنا خاتمة الحفاظ أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي الحسيني المصري * 13 * إجازة خاصة للثلاثة الأولين وإجازة عامة لجد الرابع وذريته قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الطيب الشركي الفاسي * 14 * عن الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي التمكروتي عن أبيه عن أبي عبد الله محمد المصمودي عن * 15 * مفتي فاس أبي زكرياء يحيى السراج عن أبي الحسن علي بن محمد بن هارون الفاسي ( ح ) وأنا عاليا مسند * 16 * الإسكندرية أبو محمد عبد الله بن محمد بن صالح البنا الحنفي الإسكندري شفاها بها سنة 1323 عن أبيه عن مسند * 17 * المدينة السيد زين العابدين جمل اليل المدني ( ح ) وأخبرنا أيضا الشيخ خضر بن عثمان الرضوي الحيدرآبادي * 18 * كتابة من حيدر آباد قال أنبأنا شهاب الدين العمري القندهاري قال أنا رفيع الدين القندهاري كلاهما عن محمد بن * 19 * محمد بن عبد الله المغربي المدني أنا مسند الحجاز عبد الله بن سالم البصري المكي عن أبي مهدي عيسى بن محمد * 20 * الثعالبي المكي عن سعيد بن محمد قدورة الجزائري عن سعيد بن محمد المقري أنا سقين العاصمي السفياني قال هو * 21 * وابن هارون
____________________
(1/39)
* 1 * أنبأنا أبو عبد الله بن غازي عن الشيخ المبارك أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن يحيى النفزي الحميري * 2 * الشهير بالسراج الفاسي عن أبيه أبي القاسم محمد عن جده الحافظ الراوية المكثر الصوفي الأكمل أبي زكرياء السراج * 3 * عن أبي الحسن الخزاعي رحمه الله . - ( بلده ووفاته ومدفنه ) - في الدرة ولقط الفرائد كلاهما لابن القاضي توفي * 4 * سنة 789 وقال تلميذه أبو زكرياء السراج وتوفي بعد صلاة العصر من يوم الأحد الخامس من ذي القعدة سنة 789 * 5 * ودفن من غده يوم الاثنين هـفمدفنه على هذا بفاس وقد سبق قول صاحب الجذوة فيه التلمساني المولد الفاسي الوفاة * 6 * الأندلسي الأب والسلف هـأما في الدرة فلم يزد فيها على وصفه بالتلمساني . فإذا ضممنا وصف الجذوة له بالفاسي * 7 * الوفاة إلى قول السراج ودفن من غد وفاته نقطع بأنه فاسي المدفن والعنوان الذي جعله لكتابه تخريج الدلالات السمعية * 8 * على ما كان في عهد رسول الله [ ] من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية . ينم عن بلده ومسقط رأسه ومحل * 9 * تربيته فإن استعمال جملة الدلالات مع وصفها بالسمعية وجعلها عنوانا لكتاب لا يصدر غالبا إلا ممن قصر نفسه على * 10 * علم الكلام أو زاوله مزاولة طويلة وهذا الشأن كان في التلمسانيين حتى نقل أبو العباس المقري في أزهار الرياض * 11 * عن بعض المتأخرين من كلام له في صناعة التأليف نجد أثر العلوم النظرية بتلمسان هـوحيث جزمنا بأنه فاسي * 12 * المدفن فبكل أسف لا يعرف مضجعه الأبدي على التعيين والظاهر أنه بمطرح الأجلة خارج باب الفتوح بفاس فقد قال * 13 * الإمام المقري في ترجمة الإمام ابن رشيد الفهري من أزهار الرياض لما ذكر أنه دفن خارج باب الفتوح بالروضة * 14 * المباركة المعروفة بمطرح الجلة حيث تدفن العلماء والصلحاء الواردون على فاس من الغرباء هـ( قلت ) والعجب من * 15 * أبي زكرياء السراج تلميذ الخزاعي كيف لم يذكر بلده لا أولا ولا أخيرا ولا مدفنه ولا المحل الذي اجتمع فيه عليه . * 16 * فإذا لا نعجب من إهمال ابن أبي مريم ترجمته في البستان في علماء تلمسان مع أنه تلمساني في الدار ولا إهمال ابن * 17 * خالنا لترجمته في سلوة الأنفاس مع أنه فاسي المدفن ولا إهمال أبي إسحاق ابن فرحون لذكره في الديباج وقد عاش * 18 * ابن فرحون بعده بمدة ولا أبي العباس السوداني لترجمته في نيل الابتهاج وكفاية المحتاج كلاهما ذيله على الديباج * 19 * ولا إهمال البدر القرافي لترجمته في التوشيح اسم ذيله على الديباج أيضا
____________________
(1/40)
* 1 * مع أنه مالكي ولا إهمال أبي العباس ابن عجيبة لذكره في طبقات المالكية بل ولا إهمال الحافظ ابن حجر له حين * 2 * ترجم لمن مات سنة 789 من الأعيان في كتابه أنباء الغمر بحوادث العمر بالأحرى ولا إهمال أبي العباس ابن قنفذ * 3 * القسمطيني لذكره في وفياته مع دخوله في مدته لتلمسان وفاس وذكره لأقرانه ولا إهمال صاحب كشف الظنون في * 4 * أسماء الكتب والفنون ومن ذيله لذكر كتابة من جملة الكتب في حرف التاء ولا إهمال شيخ بعض شيوخنا محدث * 5 * الحجاز الشيخ محمد عابد الأنصاري السندي لذكر كتابه هذا في حرف التاء من حصر الشارد من أسانيد محمد عابد * 6 * ولا إهمال نادرة المغرب أبي عبد الله محمد بن سليمان الرداني في حرف التاء من تبته صلة الخلف بموصول السلف * 7 * مع إطالته لذكر مصنفات المشارقة والمغاربة في هذا الحرف ولا إهمال القاضي المحدث الأثري محمد بن علي * 8 * الشوكاني لذكره في حرف التاء من كتابه اتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر وكذا في حرف الميم حين ذكر أسماء المؤلفين * 9 * تحت عنوان مصنفات كما فعل عصريه وتلميذه صاحب حصر الشارد ولا إهمال الحافظ محمد بن ناصر الدين * 10 * الدمشقي لذكره في منظومته بديعية البيان وشرحها التبيان وهي من أنفس كتب الرجال وأجمعها ولا إهمال الحافظ * 11 * ابن حجر لذكره في ذيله عليه ولا إهمال الحافظ الأسيوطي لذكره في طبقات الحفاظ الذي جمع فيه ما للذهبي وابن * 12 * حجر وابن ناصر وزاد عليهم مع وصف أبي زكرياء السراج للخزاعي كما سبق بالحافظ ولا إغفال أبي العباس * 13 * المقري في أزهار الرياض في أخبار عياض وكذا في نفح الطيب وفي فتح المتعال فإنه لم يجر له ذكرا فيها مع * 14 * اعتنائه باستطراد أخبار التلمسانيين وولوعه بالنقل عنهم والكمال لله وحده . - ( نسخ كتاب التخريج الموجودة في * 15 * المكاتب ومن نقل منه ) - كنت وجدت بخط مجيزنا العلامة قاضي مكناس أبي العباس أحمد بن الطالب بن سودة * 16 * في كناشة له النص على وجود نسخة من كتاب التخريج بخزانة الأحباس بمكناسة الزيتون ولاكن لم نجدها فيها بعد * 17 * البحث المتكرر المتوالي في عدة سنوات . ووجدت اسمه أيضا في برنامج المكتبة المخزنية بفاس الجديد الذي قيد * 18 * أيام الدولة الحفيظية ولا أدري أين هو الآن وأخبرني راحل إلى باريز من قضاة العصر وقد دخل إلى مكتبته أنه رءا * 19 * اسمه في برنامجها والنسخة التي ظفرت بها منه هي النسخة التونسية وهي موجودة بمكتبة جامع الزيتونة تحت عدد
____________________
(1/41)
* 1 * 7572 من تحبيس المشير أحمد باشا بتاريخ 1256 وهي ناقصة مخصوصة من القسم العاشر ومنها استخرجت هذه * 2 * النسخة التي بيدي وقد سبق ذكرها فهذه نسخ خمسة لا أعلم لها في الخزائن التي دخلتها في المشارق والمغارب * 3 * بالحجاز ومصر والشام وتونس والجزائر والمغرب الأقصى أو فيما طالعت برنامجه من الخزائن الأخر سادسة . أما * 4 * النقل عنه فلا أحفظ ولا أستحضر الآن ناقلا عنه أو ذاكرا له من رجال التدوين والجمع من أئمة الحديث ونحوه في * 5 * شيء من الكتب التي وقفت عليها إلا ما علمته أخيرا من أن العالم المتفنن الشيخ رفاعة الطهطاوي المصري لخصه * 6 * وأتى على المفيد منه والمقصود بالذات في كتابه نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز وهذا الكتاب مطبوع في * 7 * المطبعة الحجرية بمصر قديما من ص 305 إلى ص 531 منه ولاكن لم يصل الكتاب المذكور إلى بلادنا ولا رأينا * 8 * من رآه وأول من رأيناه ينقل عنه الكاتب السيد محمد ابن الخوجه الجزائري في مقدمته التي جعلها للقانون الجزائري * 9 * وفي زماننا هذا الذي كثر الكلام فيه حول الخلافة وسلطتها ابتدأ العصريون ينقلون عنه بواسطة الطهطاوي المذكور * 10 * والله أعلم . - ( أول خطبة كتاب التخريج ) - قال أبو الحسن الخزاعي : صدر ديوانه ( الحمد لله الذي * 11 * خلق الخلق من غير افتقار إليهم . وبسط الرزق جودا منه عليهم . وبعث فيهم رسلا منهم أقاموا لهم على وجوده * 12 * ووحدانيته أوضح حجة . وحملهم بالإيمان به وامتثال أوامره ونواهيه على أفسح محجة . وخصنا منهم بأعظمهم * 13 * قدرا . وأرفعهم ذكرا * أولهم في الجلالة * وآخرهم في الرسالة * مسك الختام * ولبنة التمام * سيدنا ومولانا محمد * 14 * نبيه الكريم . الرءوف بالمؤمنين الرحيم . فأدى إلينا [ ] أمانة ما حمل . وبلغ ما عليه أنزل . وأرشد ونصح . وبين * 15 * أوضح لخ . - ( مقصده من تدوينه ) 0 ( قال رحمه الله ) وبعد : فما رأيت كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف * 16 * قدمه وليس لديه من أدوات الطالب إلا مداده وقلمه . يحسبون من دفع في كثير من تلك الأعمال في هذا الأوان * 17 * مبتدعا لا متبعا ومتوغلا في خطة دينية ليس عاملا في عمالة سنية استخرت الله في أن أجمع ما تأدى في علمي من * 18 * تلك العمالات في كتاب يوضح نشرها ويبين للجاهل أمرها فيعرف الجاهل وينصف المتحامل فألفت هذا الكتاب * 19 * وذكرت في كل عمالة منها من ولاه رسول الله [ ]
____________________
(1/42)
* 1 * عليها من الصحابة ونسبه وأخباره ليعلم ذلك الآن فيشكر الله عز وجل على أن يستعمله في عمل شرعي كان يتولاه * 2 * من أصحاب رسول الله [ ] وأقامه مقامه ويجتهد في إقامة الحق فيه مما يوجبه الشرع ويقتضيه فيكون قد أحيا سنة * 3 * وأحرز حسنة وإني لأرجو مما تحملته من التعب في جمع هذا التأليف حتى أتيت بجميع ما تضمنه من الحرف * 4 * والصنائع والعمالات النبوية والتشريف بالنسبة الشرعية والتنزيه عن المظنة السيئة الدعية اقتناء للأجر الجليل عند الله * 5 * تعالى بفضله ورحمته في الأخرى واجتناء الشكر الجميل وبقاء للأجر الطويل من أربابها في الدنيا إن شاء الله تعالى . * 6 * - ( تاريخ اشتغاله بتدوينه وكلمة جامعة في أبي الحسن الخزاعي ) - ( قال رحمه الله ) : وكنت اشتغلت باقتناص * 7 * شوارده من مكامنها . والتقاط فوائده من أماكنها أيام عزلتي عن العمل . وعطلني عن الشغل والفشل . فما زلت أولف * 8 * وأصنف . وأبوب وأرتب . وأصحح وأنقح حتى سطع في رياض الإجادة زهره . ولمع من أفق الإفادة بدره . * 9 * وذلك في أول سنة 786 * 10 * فجمعت على فريدته يد الضنين . ومنعت خريدته من لمح العيون لخ . فصرح بأنه أكمله سنة 786 فعاش رحمه * 11 * الله بعد إكماله نحو ثلاث سنين ( قلت ) ومن وقف مثل موقف أبي الحسن الخزاعي مثلي يتحقق أنه رحمه الله تعب * 12 * تعبا شديدا . وشغل فكره أمدا مديدا . ينم عن ذلك كثرة تراجمه وأبوابه فإن أكثرها يتردد النظر في أي قسم يلحق . * 13 * ولذلك لا يكون إلا أكثر من التردد والرجوع بعد الجزم . كما يقتضيه حال عظيم التأمل قوي العزم . ولا عجب ولا * 14 * غرابة فقد قال العماد الكاتب : ما ألف أحد كتابا إلا قال في غده لو قدمت أو أخرت وهو ما يدل على عجز عموم * 15 * البشر والتفرد بالكمال لواهب القوى والقدر . وقال حماد الراوية : ما أتم ذو الرمة قصيدته التي مطلعها : ( ما * 16 * بال عينيك منها الماء ينسكب ) حتى آخر حياته ( أقول ) ومع ذلك لا يزال كثير من تراجم كتاب الخزاعي * 17 * يحتمل إدخاله في قسم وكان غيره . الآن به أنسب . وللإصابة أقرب . شأن البشر الذي يكثر التردد فيما يأتي وما * 18 * يذر . وربما صحبه فيما عزم عليه كبير خور . ( ولو كان من عند غير الله لوجودا فيه اختلافا كثيرا ) وبذلك * 19 * يتحقق الإنسان أن موضوعا كهذا يتناوله عدة مرجحات وموجبات وأطراف عديدة لا أصعب من التصنيف فيه * 20 * والتدوين وفي مثله قيل : من ألف فقد استهدف . وقيل : من ألف فقد جعل عقله في طبق وعرضه على الناس ( وأنا * 21 * أقول ) التصنيف في الموضوع البعيد الأطراف .
____________________
(1/43)
* 1 * الذي يتناوله الوصف والإشراف . كوة صغيرة يطل منها على مخيلة المصنف وأمد صبره وانتهاء نبله ومقدار * 2 * اختياره واستقلاله الفكري . - ( السلطان الذي قدمه إليه ) - قال : ولما من الله على هذا الصقع المغربي بقدوم * 3 * مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي فارس موسى بن مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان فارس * 4 * بن موالينا الخلفاء الراشدين أسود العرين وملوك بني مرين أيدهم الله ورضي عنهم أهديته لمقامه الكريم أسماه الله جريا * 5 * على العادة في إتحاف الخادم المملوك لمولاه القادم لخ . ( قلت ) وأبو فارس موسى بن أبي عنان المذكور هو * 6 * السلطان الملقب بالمتوكل على الله بن السلطان أبي عنان بويع يوم الخميس ثاني ربيع الأول عام 786 وكانت بيعته * 7 * كما للقاضي ابن السكاك في تأليفه الوسط في آل البيت بفاس الجديد ثم ارتحل إلى مكناس فمات مسموما عام 788 . * 8 * قال ابن خلدون في العبر : في جمادى الأخيرة طرقه المرض فهلك ليوم وليلة لثلاث سنين من خلافته وكان الناس * 9 * يرمون يعيش وزيره بأنه سمه هـمنه ص 352 من الجزء السابع . ووقع في ترجمته من الاستقصا أن موته كان في * 10 * رمضان وأن مدة دولته نحو سنتين وأربعة أشهر . وترجمه أبو الوليد بن الأحمر في روضة النسرين في دولة بني * 11 * مرين وقال بويع يوم الخميس الموفي عشرين لشهر ربيع الأول ومات مسموما يوم الجمعة شهر عام 788 وله إحدى * 12 * وثلاثون سنة قال وكانت دولته سنتين وأربعة أشهر هـوالسلطان موسى المذكور هو الذي لما كبا به فرسه بالشماءين * 13 * بفاس لما قصد الصلاة بجامع القرويين قال في ذلك أبو الحسن الخزاعي وابن عباد وغيرهم كما سبق ' وانظر * 14 * تاريخنا للقرويين ' فقد ذكرت فيه ذلك لأن الحادثة وقعت ببابه والسلطان المذكور هو الذي امتدحه الشاعر المشهور * 15 * أبو عبد الله بن زمرك بموشح ساقه أبو العباس المقري في أزهار الرياض أنظره فيه . - ( خطته في الدولة * 16 * المرينية ) - يؤخذ من تحلية ابن القاضي له أنه كان يكتب لأحد ملوكهم ممن كان معاصرا له . وقد بحثت في * 17 * كتاب وقضاة أبي فارس موسى بن أبي عنان فوجدت أن ابن الأحمر في روضة النسرين تعرض لوزيره وسمى * 18 * مسعود بن رحون بن قاسي . وتعرض لكتابه فسمى محمد بن محمد بن أبي عمر التميمي وأبا القاسم محمد بن سودة * 19 * المري . وتعرض لقاضيه فسمى محمد
____________________
(1/44)
* 1 * المغيلي مقتصرا على ذلك . ثم تتبعت من سمي في هذه الخطط لمن قبل أبي فارس من ملوك بني مرين فوجدت * 2 * اسمه في كتاب المستعين بالله إبراهيم بن أبي الحسن المريني المبايع يوم الجمعة منتصف شعبان عام ستين وسبعمائة * 3 * المقتول يوم الخميس 21 من قعدة عام 762 فلما ترجم في روضة النسرين لكتابه قال : كتابه أبو القاسم بن يوسف بن * 4 * رضوان وعلي بن محمد بن مسعود الخزاعي هـثم وجدت ابن الأحمر ترجمه في أعتاب الكتاب فقال عنه : كاتب * 5 * علامة أمير المسلمين أبي سالم إبراهيم بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن * 6 * أمير المؤمنين يعقوب بن عبد الحق المريني ملك المغرب وكتب في حضرة بني عبد الواد فكان صدرا لتلك المحافل * 7 * والنوادي . ثم استقر كاتب الأشغال في حضرة بني مرين ثم احتوى على الكتابة بذلك العرين واعترف له بالإصابة في * 8 * الخطتين أعلام من هناك من العدوتين هـ. - ( اصطلاح الخزاعي في كتابه التخريج وصنيعه ) - قسم كتابه إلى * 9 * أقسام عشرة وجعل تحت كل قسم عدة أبواب تحت غالب الأبواب عدة فصول وتحت غالب الفصول عدة مسائل . قال * 10 * هو عن كتابه : طالعته وضمنته فوائدي في شرح جملة من الألفاظ اللغوية الواردة فيها وضبطت ما أشكل فيها * 11 * بالمواضع التي نقلت منها جميع ما اشتمل عليه من كتب العلماء رحمهم الله ليقف عليها هنا من تطمح نفسه لذلك * 12 * فأبرأ من عهدة النقل وأسلم من تبعة النقد هـوقد زين له رحمه الله التوسع في المواد اللغوية وذكر النظير حذاء * 13 * النظير كأن كتبها كانت قليلة في زمانه وتعمد كثيرا من الاستطرادات والمتشابهات ومهما وقع له ذكر صحابي إلا * 14 * وبسط ترجمته ونسبه مقلدا صاحب الاستيعاب مستوعبا ما عنده في ذلك الصحابي ثم يفسر غريب ما وقع في ذكر * 15 * نسبه وترجمته على طريق الإسهاب . ومع أن موضوع كتابه العمالات والصناعات التي وجدت في زمانه عليه * 16 * السلام يأتي بذكر ما حدث بعده على عهد الخلفاء الراشدين . ومن أمعن النظر في كتاب التخريج وتأمل في مضامنه * 17 * بجد يتحقق أن كثيرا من التخاريج التي ذكرها إما تستند إلى ضعيف الأخبار أو متكلف الاستنتاج ويظهر بتتبع الكتاب أيضا أن مؤلفه أبا الحسن رحمه الله لم يكن عظيم المزاولة للصناعة الحديثية فلذلك تراه * 18 * يصدر الأحاديث غالبا بلفظ روى وقد يستعمل ذلك ويطلقه حتى في أحاديث الصحيحين مع أن روي إنما تستعمل في * 19 * الأحاديث الضعيفة كما لابن الصلاح والنووي
____________________
(1/45)
* 1 * والعراقي وغيرهم ونبه على ذلك المنذري في أول الترغيب والترهيب . كما لاحظت عليه أنه يعزو الحديث لمسلم * 2 * كثيرا وهو في صحيح البخاري . والقاعدة عندهم أنه لا يقدم أحد على البخاري في العزو ويعزون الحديث للصحيحين * 3 * إذا كان فيهما ولاكن يسوقون لفظه لمسلم لشدة محافظته على الألفاظ النبوية . وإذا تعجلت الطلب للحقيقة فانظر إلى * 4 * أول حديث صدر به الخزاعي مطلقا وذلك أنه لما صرح بأنه قدم كتابه لأمير وقته موسى المريني قال جريا على العادة * 5 * في إتحاف الخادم لمولاه القادم وعملا على ما جاء عن النبي [ ] من الحض على الهدية والأمر بها وأملا فيما أخبر * 6 * به وخبره الحق ووعد ووعده الصدق من إنشاء المحبة بسببها قال [ ] : تهادوا تحابوا وقال [ ] : تهادوا تزدادوا حبا * 7 * ذكره القاضي محمد بن سلامة في كتابه الشهاب فرضاهم أعزهم الله غاية السول ونهاية المأمول لخ وهذا عجيب * 8 * صدوره من مالكي ومحدث فأما مالكي فلان الحديث في الموطأ لإمامه مالك بن أنس باب ما جاء في المهاجرة من جامع * 9 * الموطأ مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال : قال رسول الله [ ] : تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب * 10 * الشحناء . وأما محدث فلان البخاري خرجه في كتاب الأدب المفرد وأبا يعلى والنساءي في الكنى وابن عبد البرقي * 11 * التمهيد بإسناد حسن عن أبي هريرة وغيره بلفظ تهادوا تحابوا تهادوا تذهب الشحناء . وحديث مخرج في كثير من * 12 * السنن والمعاجم كيف يعزوه للقضاعي في الشهاب ويقول ذكره وقد أورده الأسيوطي في الجامع الصغير بلفظ تهادوا * 13 * تحابوا وعزاه لأبي يعلى عن أبي هريرة قال المناوي في شرحه الكبير وظاهر صنيعه أنه لم يره مخرجا لأحد من * 14 * الستة وإلا لما عدل عنه وليس كذلك فقد رواه النساءي في الكنى والبخاري في الأدب قال الزين العراقي والسند جيد * 15 * وقال ابن حجر حسن وقد أورده في جمع الجوامع بألفاظ منها : تهادوا تزدادوا حبا وهاجروا تورثوا لأبنائكم مجدا * 16 * وأقيلوا الكرام عثراتهم وعزاه للطبراني في الكبير والعسكري في الأمثال عن عائشة وأورده أيضا فيه بلفظ : تهادوا * 17 * فإن الهدية تذهب وحر الصدر ( غله وغشه ) وعزاه لأحمد في مسنده والترمذي عن أبي هريرة ( قلت ) أخرجه * 18 * الترمذي في كتابه الولاء والهبة من طريق أبي معشر وقال غريب أبو معشر ضعيف وقال البخاري منكر الحديث ثم * 19 * أورد له هذا الخبر وقال ابن حجر في إسناده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف جدا وأورده
____________________
(1/46)
* 1 * السيوطي أيضا بلفظ تهادوا فإن الهدية تخرج الضغائن من القلوب وعزاه القضاعي أي في مسند الشهاب والخطيب * 2 * عن عائشة وأورده أيضا فيه بلفظ تهادوا فإن الهدية تضاعف الحب وتذهب بغوائل الصدر وعزاه للطبراني في الكبير * 3 * وابن الضريس عن سمرة وفي نسخة أخرى من الجامع عزوه لأبي نعيم في الحلية عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية * 4 * وأورده أيضا فيه بلفظ تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة لأرزاقكم في عجيل الخلف وجسيم الثواب يوم القيامة وعزاه * 5 * للديلمي عن ابن عباس وأورده في الجامع الصغير أيضا بهذا اللفظ وعزاه لمن ذكر وزاد المناوي عزوه للديلمي في * 6 * مسند الفردوس وأورده في الصغير أيضا بلفظ تهادوا تزدادوا حبا لخ واقتصر على عزوه لابن عساكر عن عائشة قال * 7 * المناوي في شرحه الكبير قال ابن حجر في إسناده نظر وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يره مخرجا لأحد من الذين * 8 * وضع لهم الرموز مع أن الطبراني خرجه عن عائشة قال الهيثمي فيه المثنى أبو حاتم لم أجد من ترجمه وبقية رجاله * 9 * ثقات هـ( قلت ) سبق عزو السيوطي له للطبراني في الكبير فاقتصر في الصغير لأجل الاختصار وأورده في الجامع * 10 * الصغير بلفظ تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة ( الحقد في النفس ) ولو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي * 11 * كراع لقبلت وعزاه للبيهقي في الشعب قال المناوي من حديث محمد بن مندة عن بكر بن بكار عن عابد بن شريح * 12 * عن أنس . فتحصل أنه ورد عن جماعة من الصحابة عن أبي هريرة وعائشة وسمرة وأم حكيم الخزاعية وابن * 13 * عباس وأنس مرفوعا وعن عطاء مرسلا أخرجه من طريقهم جماعة مالك وأحمد والبخاري والترمذي والنساءي وأبو * 14 * يعلى والطبراني في الكبير وابن عساكر في الأمثال والقضاعي في مسند الشهاب والخطيب وابن الضريس والديلمي * 15 * في مسند الشهاب والبيهقي في الشعب وغيرهم فغفل الخزاعي عن كل هؤلاء المخرجين واقتصر على قوله ذكره * 16 * القضاعي في الشهاب مع أن الشهاب لا يعزى له وإنما يعزون لمسنده لأن الأول كتاب بلا إسناد ولاكن إكمال الله * 17 * سبحانه . ( الأصول التي استمد منها في كتابه ونقل عنها ) عقد لهذا القدر الخزاعي بابا من الأبواب الأربعة التي * 18 * جعلها في القسم العاشر من كتابه ولاكن بكل أسف لم أقف على هذا القسم في النسخة الوحيدة التي ظفرت بها في * 19 * تونس وهو باب مفيد جدا ولاكن بتتبعنا للكتاب تكرارا ومرارا علمنا أن جل اعتماده في ذكر الحرف
____________________
(1/47)
* 1 * والصنائع والعمالات وأصحابها وتراجمهم وأنسابهم على كتاب الاستيعاب لأبي عمر بن عبد البر بحيث لك أن تقول * 2 * إن نصف الكتاب مأخوذ منه وأكثر من ثلثي ما بوب وترجم مقام منه ومن ذيله لابن فتحون فهما هجيراه وأبوا مثواه * 3 * وباقي ما فيه مفرق . فما فيه من التفسير مأخوذ من أحكام القرآن لابن العربي والكشاف والزمخشري والتحبير * 4 * للقشيري وتفسير الرازي والثعلبي وابن عطية وغريب القرآن ومعانيه وأحكامه واختلاف العلماء في حلاله وحرامه * 5 * للقاضي منذر بن سعيد وما فيه من الحديثيات ومتعلقاتها فالموطأ والصحيحين وسنن أبي داوود والنساءي وجامع * 6 * الترمذي وشمائله وكتاب أخلاق النبي [ ] لابن حيان الأصبهاني ومشكل الصحيحين لابن الجوزي وكشف المشاكل له * 7 * أيضا واقتباس الأنوار للرشاطي في الأنساب ومعلم السنن للخطابي والإكمال لعياض وتفسير المبهمات لابن بشكوال * 8 * ومنتقى الباجي والاكتفاء في شرح الموطأ لأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي وشرح العمدة لابن دقيق العيد وغيرها . * 9 * وما فيه من التاريخ واللغة والأدب والنكت الصوفية فعن ابن هشام والسهيلي وكأني به لم يستوعبه أو لم يكن بيده * 10 * كاملا ونفحة الحدائق والخمائل في الابتداع والاختراع للأوائل وهو كتاب يعتمده كثيرا ولا يسمي مؤلفه ولم أر له * 11 * ذكرا في كشف الظنون ولا ذكره السيوطي في أوائله وغيره ومختصر السير لابن جماعة ومولد العزفي السبتي * 12 * وجمهرة ابن حزم وأبي عبيد القاسم بن سلام وخلاصة الطبري وجوامع السيرة لابن حزم والعمدة لأبي عبد الله * 13 * التلمساني وهو كتاب ينقل عنه كثيرا ولا يزيد في النقل منه على ما ذكر ولم أجد له ذكرا في كشف الظنون ولا غيره * 14 * كالبستان نعم ينقل عنه قليلا ابن باديس في شرح سيرة ابن فارس ومرة ذكر عنه شيئا فقال لا أعتمد على كتاب * 15 * عمدته وإنما ذكرته تنبيها على انفرادها باجتلابها وتمييزه باتقاء جلبابها أنظره وصفوة ابن الجوزي والتلقيح والمدهش * 16 * له أيضا وتاريخ الخطيب وعيون الأخبار لابن قتيبة والمعارف له وللشرع الروي وحلية المحاضرة للحاتمي وكتاب * 17 * أنباء الأنبياء للقضاعي وكتاب الموالي للجاحظ وبهجة النفس لابن هشام وبلغة الظرفاء لأبي السرور الروحي والكامل * 18 * لابن الأثير وطبقات الفقهاء للشيرازي وكتاب إشعار الخلفاء لأبي بكر محمد بن بحر الصولي واليواقيت للمطرزي * 19 * وبهجة المجالس لابن عبد البر وطبقات صاعد ورحلة ابن جبير وكتاب المراتب والأخطار للجاحظ وكتاب العائد * 20 * لأبي الفتح كشاجم وكتاب الخيل لابن الدراج
____________________
(1/48)
* 1 * والأصمعي وصلة ابن عبد الملك وبغية الأديب لأبي الحسن الحراني والاستنصارات لعبد المهيمن الحضرمي * 2 * ومسامرة الأمراء للصالوني والفرائد في الشبيهات للكاتب الأصبحي ورسالة القشيري وصفوة التصوف لمحمد بن * 3 * طاهر المقدسي وكتاب السماع للأصبهاني وكتاب الصحاح والمشارق وغريب أبي عبيد وأفعال ابن القوطية وابن * 4 * طريف وغريب السيرة لابن دراكتني والمحكم وديوان الأدب ومثلث ابن السيد وتفسير الألفاظ الطبية لابن الخشاب * 5 * وصناعة الكتابة لابن النحاس واليواقيت للمطرزي والتسهيل وشرحه لابن هاني والبسيط لابن أبي الربيع وجامع * 6 * القزاز وديوان الأدب وما في من الفقهيات والأحكام فمن التنبيهات والبيان والتحصيل لابن رشد وشرح الرسالة * 7 * للزناتي وكتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام وتهذيب البرادعي والأحكام السلطانية للماوردي والكافي لابن عبد * 8 * البر والجواهر لابن شاس والكفاية والغناء في أحكام الغنا لابن الدراج وكتاب الإثبات للفقيه أبي العباس العزفي * 9 * والتبصرة للتلمساني ومقالة ابن القطان وابن عطية وأبي العباس ابن البنا وأبي بكر بن خلف الأنصاري وغير ذلك . * 10 * المقدمة الثانية في برنامج الكتابين لظهر خدمة السابق واللاحق للفئتين وهذه المقدمة واجبة الذكر لشيئين * 11 * الأول لتسهل المراجعة على المطالع والباحث الثاني ليعلم الفرق بين الجمعين في الزمانين ( فأقول والله المستعان ) * 12 * قسم أبو الحسن الخزاعي كتابه إلى عشرة أجزاء فيها عنده مائة وثمانية وسبعون بابا تشتمل على مائة وستة وخمسين * 13 * خطة من الحرف والعمالات والصناعات عنده أما نحن فقسمناه أيضا على عشرة أقسام أيضا : برناج القسم * 14 * الأول عند الخزاعي في الخلافة والوزارة وما يضاف إلى ذلك وفيه عنده سبعة أبواب :
____________________
(1/49)
* 1 * باب في ذكر خليفة رسول الله [ ] باب في الوزير باب في صاحب السر باب في الأذن وهو الحاجب والبواب * 2 * باب في الخادم باب في صاحب الوساد باب في صاحب النعلين ( ذكرت هذه الأبواب مهذبة محررة عزوا وسياقا * 3 * واختصارا ) ( ومما زدت عليه في هذا القسم خلال أبوابه ) باب في ذكر الفرق بين الخليفة والسلطان والملك من حيث الشرع والاصطلاح باب في ذكر حبس * 4 * بعض الوافدين عن الأذن باب في ذكر من خدم المصطفى من الأحرار باب ذكر من كان يخدمه عليه السلام من * 5 * مواليه ذكورا وإناثا باب ذكر من كان يوقظه عليه السلام إذا نام ويستره إذا اغتسل ذكرمن كان يبيت على باب * 6 * رسول الله [ ] من الرجال ذكر مواليه الذين أعتقهم في مرض موته باب ذكر من كان يخدم المصطفى إذا أراد * 7 * حاجته داخل منزله باب استخدامه عليه السلام في ذلك امرأة باب استخدامه عليه السلام غلاما يهوديا باب ما كان * 8 * عليه السلام لا يكله إلى أحد من خدمه باب ذكر الذين قام بخدمتهم المصطفى بنفسه باب ذكر قيام المهاجرين يفرجون * 9 * عنه عليه السلام عند الازدحام باب سيرته عليه السلام في غمز الظهر باب الرجل يعلم الوفد كيف يحيونه عليه * 10 * السلام
____________________
(1/50)
* 1 * باب مضحكه عليه السلام باب ملاعبته عليه السلام أقاربه باب على أي شيء كانوا يوذنون في العيد النبوي * 2 * برنامج القسم الثاني من كتاب الخزاعي في العمليات الفقهية وأعمال العبادات وما ينضاف إليها من عمليات المسجد * 3 * وعمليات الطهارة وما يقرب منها وفي الإمارة على الحج وما يتصل بها وفيه عنده أبواب : باب في معلم القرآن * 4 * باب في معلم الكتابة باب في التفقه في الدين باب في اتخاذ الدار ينزلها القراء ويستخرج منه اتخاد المدارس باب * 5 * في المفتي باب في العابر للرءيا باب في إمام صلاة الفريضة باب في القيام في صلاة رمضان باب في المؤذن * 6 * باب في الموقت باب في صاحب الخمرة باب في صاحب العنزة باب في المسرج باب في المجمر باب في الذي * 7 * يقم المسجد ويلتقط الخرق والعيدان منه باب في الذي يشتد على الناس في الصلاة جماعة باب في الذي يمنع الناس * 8 * من اللغط والمنازعة في المسجد باب في صاحب الطهور
____________________
(1/51)
* 1 * باب في صاحب السواك باب في صاحب الكرسي باب في الساقي باب في الأمارة على الحج باب في صاحب * 2 * البدن باب في حجابة البيت باب في السقاية ( فذكرت هذه الأبواب كلها مختصرة مهذبة عزوا وسياقا ) . ( * 3 * ومما استدركت عليه في هذا القسم خلال تراجمه من الأبواب ) . باب أمره عليه السلام الناس أن يتعلموا الفقه والقرآن * 4 * من جيرانهم باب من كان يحفظ القرآن على عهده عليه السلام باب من نقل عنه وجوه القرآت من الصحابة باب * 5 * حكم تعليم المرأة عنه عليه السلام باب من كان يتوسط بين الصحابة وبينه عليه السلام باب من كان يصلي بالناس ويخطب مدة مرضه عليه السلام باب اتخاذه عليه السلام عليا * 6 * يعبر عنه بمحضره باب خطبته عليه السلام في حجة الوداع على الدواب باب أمره عليه السلام باستنصات الناس له * 7 * رجلا أطول الناس قامة وأنداهم صوتا باب تكليف الإمام عظيما من أصحابه يحشر له قومه باب إرساله عليه السلام * 8 * عليا يبلغ عنه في غيبته سورة القتال باب في الذي كان يحمل العصا بين يديه عليه السلام إذا قام أو أراد دخول منزله * 9 * باب هل وقدت الشموع في المدينة على عهده عليه السلام باب الرجل يتقدم إلى المصلين يرتب صفوفهم ويضربهم * 10 * على ذلك باب هل توضأ عليه السلام بالماء السخن أو دخل الحمام باب وضوئه عليه السلام بآنية زجاج
____________________
(1/52)
* 1 * باب وضوئه عليه السلام من الطشت باب سقي الماء له عليه السلام من الآبار الطيبة باب طلبه السلام ماء زمزم * 2 * من مكة إلى المدينة باب الروايا تسافر معه عليه السلام ومن كان يذهب يملاها باب ساقيه عليه السلام من اليهود * 3 * باب هل كانوا يهنئون الشارب باب في الانتباذ في الأواني الخضر باب دعاء المصطفى لمن أزال شعرة من مائه * 4 * باب الخادم يخدمه عليه السلام عند الأكل باب أوانيه عليه السلام باب مباشرته عليه السلام لنحر الهدي بيده وإذنه * 5 * لعلي في إكمال الباقي القسم الثالث من كتاب الخزاعي في العمليات الكتابية وما يشبهها وما ينضاف إليها وفيه * 6 * عنده أبواب باب في كتاب الوحي باب في كتاب الرسائل والإقطاع باب في كتاب العهود والصلح باب في * 7 * صاحب المغانم باب في الرسول باب في حامل الكتاب باب في الترجمان الذي يترجم كتب أهل الكتاب ويكتب * 8 * إليهم بخطهم ولسانهم باب في الشاعر باب في الخطيب في غير الصلوات باب في كتب الجيش باب في العرفاء
____________________
(1/53)
* 1 * باب في المنادي وهو الذي يدعو الناس في وقت العرض باب في المحاسب ( فذكرت هذه الأبواب مهذبة * 2 * مختصرة عزوا وسياقا ) . ( واستدركت خلال تراجمه ) : باب من كان يكتب له عليه السلام للبوادي باب من * 3 * كان يكتب له عليه السلام أموره الخصوصية كتابته عليه في الجلد ومقداره من كان يكتب بين الناس في قبائلهم * 4 * ومياههم باب خليفة كل كاتب من كتابه عليه السلام باب ذكر مسائل تتعلق بالختم والخاتم باب تعليم المصطفى * 5 * لكتابه أدب القلم ومحل وضعه باب ندبه عليه السلام كتابه لتتريب الكتابة باب آخر مكتوب نبوي حفظ لنا التاريخ * 6 * عينه من كتبه عليه السلام لأهل الإسلام وتحافظهم عليه باب ذكر أصح مكتوب حفظ التاريخ لنا نصه عنه عليه السلام * 7 * باب ذكر آخر مكتوب حفظ التاريخ لنا عينه عنه عليه السلام لأهل الكفر باب ذكر الكتاب الذي تداولته المجلات * 8 * المصرية والتونسية أخيرا باب ذكر أجمع وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه من كتبه عليه السلام الإحكامية باب هل * 9 * كتب عليه السلام بخطه شيئا باب ذكر ما كان يفتتح به كتبه عليه السلام باب اتخاذه [ ] أما بعد للفصل بين فصول * 10 * الكتاب ورءوس المسائل باب ذكر التزامه عليه السلام فيه أما بعد باب ذكر اصطلاح المكاتب النبوية باب ذكر * 11 * عنوان مكاتبه عليه السلام باب ذكر كيفية مخاطبته عليه السلام للمعاصرين له من الملوك
____________________
(1/54)
* 1 * باب ذكر عنوان المكاتب التي كانت توجه له عليه السلام باب ذكر عمله عليه السلام إذا لم يحضره الختم باب ذكر * 2 * التاريخ في المكاتب وأصل وضعه باب ذكر الشعراء من الصحابة الذين مدحوه عليه السلام باب استشهاده عليه * 3 * السلام بشعر الهالكين باب استشهاده عليه السلام لشعر الكفار باب ذكر إنصاته عليه السلام لشعر فيه النشيب والغزل * 4 * وقبوله له باب تكرمه عليه السلام بأعظم سبي سبي له بسبب أبيات شعرية قدمت له الشعراء من الصحابة * 5 * والصحابيات الذين رثوه عليه السلام بعد موته باب ذكر البيعة التي كان يأخذها عليه السلام على أصحابه وأصلها * 6 * باب تكليفه عليه السلام من يجلس برءيس ليرى جنود الإسلام باب رده عليه السلام في الاستعراض من لم يستأذن * 7 * أبويه باب ذكر الأوصياء باب ذكر النقباء برنامج القسم الرابع من كتاب الخزاعي في ذكر العمالات * 8 * الأحكامية وما ينضاف إليها وفيه عنده أبواب : باب في الأمارة العامة على النواحي باب في القاضي باب في * 9 * صاحب المظالم باب في قاضي المناكح باب في الشاهد وكاتب الشروط باب في فارض المواريث باب في فارض * 10 * النفقات باب في الوكيل يوكله الإمام في غير الأمور المالية باب في البصير بأمور البناء
____________________
(1/55)
* 1 * باب في القسام باب في المحتسب باب في المنادي باب في صاحب العسس بالمدينة باب في الرجل يتولى * 2 * حراسة أبواب المدينة في وقت الهرج باب في الرجل يكون ربئة القوم في زمن الهرج ( وهذه من الأبواب التي لم * 3 * يقف فيها الخزاعي على أصل فاستدركناه عليه ) باب في السجان - سجن الرجال - سجن النساء باب في مقيم * 4 * الحدود ( فذكرت هذه الأبواب مختصرة مهذبة محررة عزوا وسياقا ) وزدت عليه عدة أبواب وهي : باب كيف كان * 5 * يوصي عليه السلام عماله في صفة البريد الذي يوجهونه له باب اشتراطه عليه السلام مثل ذلك في عماله باب كيف * 6 * كان عهده عليه السلام إلى عماله وأمرائه باب ذكر الكلام على من دون النوازل التي نزلت في حياته [ ] وحكم فيها * 7 * باب ذكر تراجم وأصول الأبواب التي قضى فيها عليه السلام وأفتى باب هل كان عليه السلام يشترط السن المديد * 8 * فيمن يوليه القضاء باب أين كان يجلس القاضي للحكم والفصل باب هل كان للقضاة والولاة راتب باب سياق نص * 9 * بعض العقود النبوية باب ذكر شهادة الصبيان وكتابة أسمائهم في السجلات باب الرجل يجعل على الأسارى هل * 10 * كانوا يجرون على المساجين أرزاقا باب الرجل يجعل على قطع الأشجار باب ذكر مقابلته [ ] للمستحق بالتعبيس * 11 * ونحوه باب إقامته عليه السلام الحد بالضرب
____________________
(1/56)
* 1 * باب تأديبه عليه السلام بالهجران باب ذكر قتله عليه السلام بيده من اشتد غضب الله عليه باب تعذيبه عليه السلام * 2 * بالإحراق والهدم باب معاملته عليه السلام المستحق بسمل الأعين والإلقاء في الحرة باب ولاية المظالم باب معرفته * 3 * عليه السلام بأمور الهندسة والبناء برنامج القسم الخامس من كتاب الخزاعي في ذكر العمالات الحربية وما * 4 * يتشعب عنها وما يتصل بها وفيه عنده أبواب : باب في الأمارة في الغزو باب في المستخلف على الحضرة إذا خرج * 5 * الإمام إلى الغزو باب في الذي يستخلفه الإمام على أهله باب في المستنفر باب في حامل اللواء باب في قسم * 6 * الجيش إلى خمسة أقسام وكون الإمام في القلب من تلك الأقسام باب في الرجل يقيمه الإمام يوم لقي العدو بمكانه من * 7 * قلب الجيش ويلبس الإمام لامته ويلبس هو لامة الإمام حياطة على الإمام باب في صاحب المقدمة باب في صاحب * 8 * الميمنة باب في صاحب الميسرة باب في صاحب الساقة باب في المقدم على الرماة باب في المقدم على الرجالة * 9 * باب في الوازع باب في صاحب الخيل
____________________
(1/57)
* 1 * باب في المسرج باب الذي يأخذ الركاب عند الركوب وذكر ما جاء في ضم ثياب الفارس في سرجه عند ركوبه * 2 * باب في الرجل يركب خيل الإمام يسابق عليها باب في صاحب الراحلة باب في صاحب البغلة باب في القائد باب * 3 * في الخادم باب في صاحب السلاح باب في حامل الحربة باب في حامل السيف باب في الصقيل باب في الدليل * 4 * باب في مسهل الطريق باب في صاحب المظلة باب في صاحب الشغل باب في الأمين على الحريم باب في * 5 * الحارس باب في المتجسس باب في الرجل يتخذ في دار الحرب ليكتب بالأخبار إلى الإمام باب في باب في * 6 * صانع السفن باب في المستعمل فيها باب في صانع المنجنيق باب في الرامي بالمنجنيق
____________________
(1/58)
* 1 * باب في صفة الذبابات باب في قاطع الشجر باب في حفر الخندق باب في صاحب المغانم باب في صاحب * 2 * الخمس باب في المبشر بالفتح وفي خروج أهل الحضرة للقاء الإمام يهنونه ( فذكرت هذه الأبواب مختصرة مهذبة * 3 * عزوا وسياقا ) . واستدركت عليها خلالها : باب الرجل يستخلفه الإمام في طريق يظن أن العدو سيعمل فيها مكيدة * 4 * باب تعميم الإمام للصبيان باب رايات الأنصار باب أمير الرماة باب شعار المحاربين باب من كان يسوق به عليه * 5 * السلام باب سائق بدنة عليه السلام باب راعي بدنه عليه السلام باب من كان يقوم بلقاحه عليه السلام باب من * 6 * كانت عنده خيلة عليه السلام باب جماله عليه السلام باب من كان يأخذ بركابه عليه السلام وهو على الناقة باب من * 7 * كان يأخذ بخظام ناقته عليه السلام باب صاحب بدنه عليه السلام باب من كان على هديه عليه السلام باب صاحب * 8 * سلاحه عليه السلام باب أين كان يعلق السيف منه عليه السلام
____________________
(1/59)
* 1 * باب من كان يضرب الأعناق بين يديه باب البناء في المفازات التي يسلكها الإمام إعلاما بوصول قدمه هناك باب * 2 * ذكر من كان يطأطئ له عليه السلام ليركب ناقته باب ذكر فسطاطه عليه السلام باب من كان يضرب له القباب * 3 * باب من أي شيء كانت الخزائن إذ ذاك باب من كان يكتنفه عليه السلام إذا أراد الدخول للحضرة باب ارتياد * 4 * المواضع لنزول الجيش باب من كان يقود أو يسوق بنسائه عليه السلام باب الإمام يخرج للغزو فيترك الحرس بعده * 5 * في العاصمة باب الرجل يلازم الإمام من خلفه في السفر باب الرجل يتقدم أمامه عليه السلام ينشده شعرا يوم الفتح * 6 * باب طلائع الجيش باب الرجل يتخذه الإمام في البعد عينا له على الناس باب النمام باب هبة الإمام جنس حيوان * 7 * من غزاهم باب ذكر من كان يكتب غنائم المصطفى عليه السلام باب الطعام عند القدوم باب قوله عليه السلام إذا * 8 * رجع من سفر باب قوله عليه السلام عند كل قربة أراد دخولها باب تلخيص حالة كفار جزيرة العرب معه باب * 9 * تلخيص معاملته عليه السلام مع كفار زمانه من استعمال الشدة في محلها واللطف والملاينة في إبانها ومداراته عليه * 10 * السلام وما شرعه في ذلك
____________________
(1/60)
* 1 * برنامج القسم السادس من كتاب الخزاعي في العمالات الجبائية وهذا القسم يشتمل على أبواب : باب في * 2 * صاحب الجزية باب في صاحب الأعشار باب الذي يترجم على أهل الذمة وقت نزولهم بلد المسلمين باب في * 3 * متولي خراج الأرضين باب في المساحة باب في العامل على الزكاة باب في كاتب أموال الصدقات باب في * 4 * الخارص باب في صاحب الأوقاف باب في صاحب المواريث باب في المستوفي باب في المشرف ( فذكرت * 5 * هذه الأبواب مهذبة محررة معزوة ) وزدت عليه : باب خروج النبي [ ] بنفسه إلى البادية في إبل الصدقة باب ذكر * 6 * من وكله عليه السلام بحفظ زكاة رمضان باب من جعله عليه السلام على قبض مغانمه باب من كان على خمسه عليه * 7 * السلام برنامج القسم السابع من كتاب الخزاعي في العمالات الاختزانية وما أضيف إليها وفيه أبواب : باب * 8 * في فضل الخازن الأمين باب في خازن النقد وهو صاحب بيت المال باب في الوزان
____________________
(1/61)
* 1 * باب في خازن الطعام باب في الكيال باب في ذكر أسماء الأوزان والأكيال الشرعية المستعملة في عهده عليه السلام * 2 * باب في صاحب السكة ويقال له صاحب دار الضرب باب في اتخاذ الإبل باب في اتخاذ الغنم باب في الوسام * 3 * باب في الحمى يحميه الإمام ( فذكرت كل هذه مختصرة مهذبة معزوة وحررت القول فيما ساقه خصوصا الكلام على * 4 * المسكوكات والنقود والصاع والمد النبوي المريني الموجود في مكتبتنا وهو من أعظم ذخائرها ) برنامج القسم * 5 * الثامن عند الخزاعي في سائر العمليات وفيه عنده أبواب : باب في المنفق باب في الوكيل يوكله الإمام في * 6 * الأمرو المالية باب في الرجل يبعثه الإمام بالمال لينفذه فيما يأمره به من وجوه مصاريف الإمام في غير الحضرة * 7 * باب في إنزال الوفود باب في المارستان باب في الطب باب في الراقي باب في القاطع للعروق باب في الكواء * 8 * باب في المكان يتخذ للفقراء الذين لا يأوون على أهل ولا مال ويستخرج منه اتخاذ الزوايا ( فذكرت هذه الأبواب * 9 * مهذبة محررة معزوة ) واستدركت أثناءها فرائد وأبوابا منها : باب أمر المصطفى الرجل أن يحبس السبايا والأموال * 10 * في الغزو
____________________
(1/62)
* 1 * باب جوائزه عليه السلام للوفود باب تجمله عليه السلام للوفود باب أمر الرجل بذكر اسم الله على الجرح ثم التفل * 2 * فيه باب كون من لا يعرف بالطب لم يكن يباح له أن يعالج الناس باب في أصل ما يعرف الآن في الإدارات * 3 * الصحية بالكرنتينة باب في المنجم باب في القافي باب إقامة الخانات من القرآن برنامج القسم التاسع من كتاب * 4 * الخزاعي في ذكر حرف وصناعات كانت في عهد رسول الله [ ] وذكر من عملها من الصحابة وفيه أبواب دون * 5 * ما مر فيها فيما تقدم من الأقسام في مواضع هي بها عنده أليق وهذه عناوينها : باب في التجارة باب في البزاز * 6 * باب في العطار باب في العراف باب في بائع الرماح باب في بائع الطعام باب في الثمار باب في بائع الدباغ * 7 * باب في الدلال باب في النساج باب في الخياط
____________________
(1/63)
* 1 * باب في النجار باب في ناحت الأقداح باب في الصواغ باب في البناء باب في الحداد باب في الدباغ باب في * 2 * الخراص باب في الصيد في البر باب في الصيد في البحر باب في العامل في الحوائط باب في السقاء الذي يستقي بالأجر باب في * 3 * الحمال على الظهر باب في الحجام باب في الجزار باب في الطباخ باب في الشواء باب في الماشطة باب في * 4 * القابلة باب في الخافطة باب في المرضعة باب في المغني باب في حافر القبور باب في غاسل الموتى ( * 5 * فذكرت ابوابه مهذبة محررة معزوة ) . واستدركت عليها خلالها :
____________________
(1/64)
* 1 * باب ذكر أصل تسمية متعاطي البيع والشراء تاجرا باب سوق البزازين بالمدينة على عهده عليه السلام باب تعيينه عليه السلام * 2 * محل السوق ووقوفه عليه بنفسه باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع الناس بها في الإسلام باب في * 3 * المزارعين والزراعة باب كون الناس كانوا في أول الإسلام لا يتعاطون البيع والشراء إلا بعد علمهم بأحكامه باب * 4 * تشديد عمر للصحابة على تركهم الاشتغال بالتجارة لغيرهم من العامة والأخلاط باب قول عمر إذا رأى غلاما فأعجبه * 5 * باب قول عمر في التكسب والغزو ورأيه في التفاضل بينهما بالنسبة إلى نفسه باب أمر عمر للفقراء وغيرهم بالسعي * 6 * والتكسب باب الجلاب باب ذكر من كان يتجر من الصحابة في بحر الشام باب جلب دقيق الحوار والسمن والعسل * 7 * من الشام إلى المدينة منع إخراج التمر من المدينة في العهد النبوي لأمر طارئ المسافة التي كان يأتي منها الزرع * 8 * ونحوه إلى المدينة باب التجارة في العنبر والزئبق باب حفر معدن الذهب باب تبايع الصبيان باب بيع السكر * 9 * باب بيع العطر باب بيع العقاقير الطبية باب الخراز باب الجلد الطائفي باب المهد للصبيان
____________________
(1/65)
* 1 * باب صنع الأنف من ذهب - إحداث الرحى الهوائية - المصور باب الأصل لوضع الرءساء للحجر الأساسي في * 2 * البناآت القومية والمعاهد الدينية باب ذكر بنائه عليه السلام لمسجده ثلاث مرار منها ما بني بالأنثى والذكر باب تعيين * 3 * الإمام موضع المسجد وتعليمه محل القبلة باب أمر الإمام من ينوب عنه في اتخاذ القبلة مسجدا باب ذكر دوره عليه السلام ومساكن أزواجه باب ذكر خريطة * 4 * مسكن مارية بالعوالي باب أمره عليه السلام في البناآت أن تكون على مقتضى القواعد الصحية وجعله عليه السلام * 5 * للجيران قواعد عليهم أن لا يتعدوها باب هدمه عليه السلام لمسجد الضرار باب ذكر الصباغ باب ذكر السباحة * 6 * باب ذكر بيع الماء باب ذكر بيع اللبن باب ذكر اتخاذ الشحم للاستصباح ودهن السفن ونحوها باب المستدل على * 7 * محل الماء واستخراجه باب صانعة الحريرة باب الخباز باب كيف كانت اقراص خبزه عليه السلام باب ذكر * 8 * اعتناء البدوي بطرف بلاده يهديها له عليه السلام في الحضر والعكس باب منع الصيد في جهة باب كونه عليه * 9 * السلام لم يصد بنفسه ولا اشترى صيدا باب ذكر الغزل باب المضحكة
____________________
(1/66)
* 1 * باب ذكر أسماء المغنيات في المدينة على العهد النبوي هل كانت الدفوف في الزمن النبوي بالجلاجل وهل سمع * 2 * الصحابة العود هل كان لبعض السلف اعتناء بعلم الموسيقى باب ذكر ما كانوا يغنون به باب ذكر رقص الحبشة * 3 * في المسجد النبوي أمامه عليه السلام باب ذكر رقص الحبشة بحرابهم عند قدومه عليه السلام باب ذكر حجل بعض * 4 * كبار الصحابة بين يديه [ ] باب السماع والإنشاد ونحوه باب ذكر المرأة الكبيرة السن تلازم القبر باب ذكر المسابقة * 5 * باب ذكر المصارعة باب ذكر الرماية باب ذكر لعب البنات باب ذكر لعبهم بالتصاوير باب اتخاذ الوحش في * 6 * المسكن باب قوله عليه السلام اقدروا قدر الجارية الحديثة السن باب حبس الطير للعب الصبيان باب نهب اللوز * 7 * والسكر ونثره في العرس باب مرور أحد الصحابة على الحبشة يلعبون في الطريق النساء الممرضات اللاتي كن * 8 * يرافقن المصطفى في الغزو وما كان الصحابيات يظهرن من ضروب الشجاعة وخفة الحركة ومساعدة الغزاة * 9 * التاجرات منهن المرأة تمثل النسوة في المجلس النبوي باب ما كانوا يقولونه عند ذهابهم بالعروسة إلى بيت زوجها * 10 * باب ذكر جعل الوليمة في العرس سبعا
____________________
(1/67)
* 1 * باب ذكر بائع السيوف باب اتفاق القوم على من يمثلهم تمثيلا رسميا في محفل ديني رسمي باب ذكر من كان يبري * 2 * النبل باب أصل سترة المرأة في نعشها وهي ميتة ومن حبذ ذلك ( وبوقوفك على ما اجتهد الخزاعي في جمعه * 3 * وتفصيله في ديوانه من الحرف والصنائع التي كانت في عهده عليه السلام حتى أوصلها إلى نحو الثلاثين ) * 4 * واستدركت عليها نحو هذا العدد أيضا تعلم أن المتأخر ربما يأتي بما لم يأت به المتقدم فهذا شيخ الإسلام أبو عبد الله * 5 * محمد بن إسماعيل البخاري غاية ما ترجم له في كتاب البيوع من صحيحه من الحرف والصنائع نحو العشرة وهي : * 6 * الصواغ والقين والخياط والنساج والنجار وبائع السلاح والعطار والحجام ونحو ذلك وربما كان البخاري اقتصر على * 7 * هذا القدر لأنه الذي بلغه على شرطه ولاكن على كل حال همة المتأخر لا تنكر ويجب أن تذكر فتشكر وإن كان * 8 * للأوائل فتح أبواب فللمتأخرين الجري على المنوال ضعفا وقوة من غير ارتياب ( وربك يخلق ما يشاء ويختار لا * 9 * إله إلا هو ) . القسم العاشر من كتاب الخزاعي وبه كمل التأليف في ذكر أمور متفرقة وفيه أبواب : باب * 10 * في معنى الحرفة والصناعة باب في النهي عن استعمال غير المسلمين من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم باب فيما * 11 * جاء في أرزاق العمال باب في ذكر الكتب التي استخرج منها ما تضمنه كتابه التخريج . وهذا القسم لم أقف عليه ولا * 12 * يوجد في النسخة التونسية . فأما الباب في معنى الحرفة والصناعة فقد قدمنا من ذلك ما نظنه كافيا أول القسم التاسع * 13 * . وأما حكم استعمال الكفار وأرزاق العمال فمحله على طريق البسط كتب الفقه وأما الباب الرابع الذي عقده لذكر * 14 * الكتب التي استخرج منها كتابه فهذا الباب مفيد جدا ولاكن وإن لم أقف عليه من قلم المؤلف فبتتبع الكتاب يستغنى * 15 * عنه . وقد تتبعته فوجدت اعتماده في أكثر الصنائع والحرف والعمالات وولاتها على الاستيعاب وذيله لابن فتحون * 16 * كما سبق . وقد عقدت فيما سبق فصلا ذكرت فيه الكتب التي ينقل عنها في مصنفه وأنت بالخيار إما أن تثبت ذلك * 17 * الفصل
____________________
(1/68)
* 1 * هنا أو تبقيه وتقرءه هناك . ولما كان الكتاب قد بني على عشرة أقسام ( أجزاء ) كما يقول الخزاعي أردت أن لا * 2 * أحرم القراء من قسم عاشر هو من الأهمية بمكان ربما يضارع جل أجزاء المؤلف أو يفوقها أهمية فنقول والله * 3 * المستعان : القسم العاشر في تشخيص الحالة العلمية على عهده عليه السلام تعلما وتعليما والحالة الاجتماعية من حيث * 4 * النبوغ وسعة المدارك والأخلاق والعوائد والأزياء ويتركب هذا القسم من مقصدين المقصد الأول في تشخيص الحالة * 5 * العلمية على عهده عليه الصلاة والسلام تعلما وتعليما وكتابة ونحو ذلك . المقصد الثاني في تشخيص الحالة * 6 * الاجتماعية على عهده عليه السلام وذكر ما حازه أصحابه من السبقيات في أنواع النبوغ وسعة المدارك والكيفيات * 7 * وغير ذلك مما يعرفك أن المدينة المنورة في الزمن الأول كانت مجموعة مهولة بصنوف واختلاف الأعمال والأفكار * 8 * والصفات والأشغال الحياتية والتوسعة العائلية التي لا بد منها في كل بلد مصر واتخذ عاصمة لمدنية عظمى سادت * 9 * على العالم في أقرب وقت . وتحت كل مقصد أبواب . المقصد الأول في تشخيص الحالة العلمية الرائجة في زمنه * 10 * عليه السلام تعلما وتعليما وفيه أبواب : الباب الأول في الإشارة إلى أن أوسع دائرة للمعارف تناولها البشر القرآن * 11 * الكريم الباب الثاني في أن السنة فرع عن القرآن وأن الحديث الصحيح يتطلب لفظه أو بعضه أو معناه منه الباب * 12 * الثالث في مقدار الأحاديث الواردة عنه [ ] الباب الرابع في ذكر من تصدى لجمع جميع السنة الباب الخامس في * 13 * كيفية تلقي الصحابة للعلم وأنه كان حلقا حلقا في المسجد النبوي الباب السادس في وقوفه عليه السلام على حلق العلم * 14 * وإيثاره الجلوس فيها على حلق الذكر الباب السابع فيمن كان يخلف المصطفى عليه السلام بعد قيامه من مجالس * 15 * الذكر والفقه فيجلس فيها الباب الثامن في كيفية تدارس الصحابة القرآن وتفسير المصطفى عليه السلام لهم آيه * 16 * الكريمة الباب التاسع في اعتناء الصحابة بما يبلغهم من العلم بالحفظ والمذاكرة فيه الباب العاشر في أمره عليه * 17 * السلام أصحابه بنقل الحديث بالسند
____________________
(1/69)
* 1 * الباب الحادي عشر في إباحته عليه السلام لأصحابه التحديث بالأخبار الإسراءيلية من عجائب الأمم الماضية الباب * 2 * الثاني عشر في تعريف النبي [ ] أصحابه بمن امتاز بعلم من الفنون أو غلبت عليه فضيلة مخصوصة ليؤخذ كل شيء * 3 * عن أربابه الباب الثالث عشر في إطلاق العلامة في العصر النبوي على أعلم الناس بأنساب العرب والشعر الباب * 4 * الرابع عشر في كيفية اختباره [ ] قوابل أصحابه ليعرفهم فيما بينهم مبلغهم في الذكاء والفهم والعلم الباب الخامس * 5 * عشر في تخصيصه [ ] لأهل العلم أياما معلومة الباب السادس عشر في بيان أن الصحابة كانوا يتحملون العلم تدريجيا * 6 * فيأخذون الآكد والأقرب إلى الفهم ثم الأصعب الباب السابع عشر في حرص الصحابة على التعلم وهم كبار الباب * 7 * الثامن عشر في أمرهم بطلب العلم قبل التزوج الباب التاسع عشر في ذكر أن التاجر منهم كان يتعلم والمتعلم منهم كان * 8 * يتجر الباب الموفي عشرين في بيان أن الصحابة كانوا يعلمون نسائهم وإماءهم وأن المصطفى [ ] كان يجعل للنساء * 9 * يوما على حدة الباب الحادي والعشرون في كيفية اعتناء الصحابة بحفظ وضبط ما كانوا يسمعونه منه [ ] الباب * 10 * الثاني والعشرون في بيان أن الصحابة كانوا إذا سمعوا ما لم يفهموا من العلم استعادوه حتى يفهموه الباب الثالث * 11 * والعشرون في بناء أمرهم على تبليغ الشاهد الغائب رضي الله عنهم الباب الرابع والعشرون في تعاطيهم العلم ليلا * 12 * ونهارا الباب الخامس والعشرون في احتفاظ المصطفى [ ] على قلوب المبتدءين فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين * 13 * الباب السادس والعشرون في الإشارة إلى أن تعليم الكتابة من حقوق الأبناء على الآباء
____________________
(1/70)
* 1 * الباب السابع والعشرون في القلم والدواة في العصر النبوي الباب الثامن والعشرون في وجود الأقلام القصبية في * 2 * عصر الصحابة وكذا الحبر الباب التاسع والعشرون في اختراع اتخاذ الكاغد من القطن في أواخر أيام الصحابة * 3 * بجزيرة العرب الباب الموفي ثلاثين في كتابة الصحابة للحديث وأمر المصطفى [ ] لهم بالتقييد الباب الحادي * 4 * والثلاثون هل كانوا يدونون في صدر الإسلام شيئا أو جمع للصحابة شيء في أبواب العلم أو نسب للصحابة وأتباعهم * 5 * في زمامنهم التدوين والتصنيف الباب الثاني والثلاثون في اعتناء القواد من الصحابة برفع التقارير الجغرافية للخلفاء * 6 * الراشدين عن البلاد التي يدخلونها الباب الثالث والثلاثون في بيان أن ترجمة الكتب القديمة للعلوم العمرانية من طب * 7 * وكيمياء وصناعات ونحوها وقع الاعتناء به أيام الصحابة الباب الرابع والثلاثون في أن أول من تكلم في علوم القوم * 8 * الصحابة رضي الله عن جميعهم الباب الخامس والثلاثون في أن أول من وضع فن النحو في الإسلام الصحابة الباب * 9 * السادس والثلاثون في أن الصحابة تكلموا في علم الكلام قبل أن يتكلم ويدون فيه الأشعري الباب السابع والثلاثون في * 10 * بيان أن عليا كرم الله وجهه هو أول من نطق بالتصحيف أحد أنواع البديع الباب الثامن والثلاثون في إملاء الصحابة * 11 * للحديث على من يكتب عنهم الباب التاسع والثلاثون في وقت بروزه [ ] ليجيب عن أسئلة السائلين وأغلب ما * 12 * كانوا يسألونه عنه الباب الموفي أربعين في مراجعتهم للحديث فيما بينهم إذا فارقهم المصطفى [ ] الباب الحادي * 13 * والأربعون في أنهم كانوا إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرأوا سورة من القرآن الباب الثاني والأربعون في أن العالم منهم * 14 * قد يأمر تلميذه بالتحديث بمحضره الباب الثالث والأربعون في أخذهم القرآن مع التفقه في معانيه تدريجيا الباب * 15 * الرابع والأربعون في أول من أطلق على القرآن المصحف الباب الخامس والأربعون في استفتاء الصحابة في حكم * 16 * نسخ المصاحف الباب السادس والأربعون في اعتناء الصحابة ومن كان في زمنهم بنسخ المصاحف وتلاوتهم القرآن * 17 * فيها
____________________
(1/71)
* 1 * الباب السابع والأربعون في اعتناء الصحابة بمصاحبة المصاحف في أسفارهم الباب الثامن والأربعون هل كانوا * 2 * يحلون المصاحف الباب التاسع والأربعون هل كانوا يقبلون المصاحف الباب الموفي خمسين في بيان أن المصاحف * 3 * كانت لها ولاة يحفظونها في زمن أبي بكر رضي الله عنه الباب الحادي والخمسون في أن الصحابة كانوا يحبون أن لا * 4 * يخرج الرجل من منزله صباحا حتى ينظر في المصحف الباب الثاني والخمسون في أن سيدنا معاوية كان له غلمان * 5 * وكلوا بحفظ دفاتر التاريخ الباب الثالث والخمسون في تعليمهم القرآن في زمنه عليه السلام وتسويغه لهم أخذ الأجرة * 6 * الباب الرابع والخمسون هل كانت المصاحف تباع في عهدهم الباب الخامس والخمسون في اتخاذهم المكاتب لقراءة * 7 * الصبيان الباب السادس والخمسون أين كان الصبيان يصبون الماء الذي يغسلون به ألواحهم الباب السابع والخمسون * 8 * هل هناك ما يدل على السن الذي كانوا يبتدئون فيه تعليم الصبي الباب الثامن والخمسون في بيان من كان منهم يعلم * 9 * القرآن بالمدينة ومن كان يبعثه عليه السلام إلى الجهات لذلك وحفاظ القرآن منهم ومعلم الناس الكتابة من الرجال * 10 * والنساء مؤمنين وكافرين والمفتين في عهده عليه السلام ومعبري الرءيا واتخاذ الدار في ذلك الزمن ينزلها القراء * 11 * كالمدارس اليوم وغير ذلك الباب التاسع والخمسون في تعاطي علم الخط الباب الموفي ستين في حضهم على * 12 * تعاطي الشعر الباب الحادي والستون في تعاطي علم الأنساب الباب الثاني والستون في روجان علم الفرائض في * 13 * العهد النبوي وحض النبي [ ] الناس على تعلمه وتعليمه الباب الثالث والستون في ذكر من كان يحال عليه في * 14 * الأمور الحسابية في زمن الخلفاء الراشدين الباب الرابع والستون في أخذ أهل أروبا بالأرقام العربية عن العرب * 15 * ودخولها إلى بلادهم في زمن علي كرم الله وجهه
____________________
(1/72)
* 1 * الباب الخامس والستون في إيثارهم القرشي على غيره في أخذ العلم الباب السادس والستون في الأمر بتعلم علم * 2 * النجوم الباب السابع والستون في أمرهم بتعلم علم الرماية والسباحة الباب الثامن والستون في أمرهم بتعلم العربية * 3 * وأمر عمر عماله بضرب اللحانة من الكتاب أو تأخيره الباب التاسع والستون في تعاطي الصحابة للحكمة والتنجيم * 4 * والقافة والموسيقى والطب والإدارة والحرب والسياسة والترجمة والإملاء والتجارة والصناعة ونحو ذلك الباب * 5 * الموفي سبعين في كونهم كانوا يتجنبون في التحديث والرواية ما يضر سماعه بالعامة والمبتدءين الباب الحادي * 6 * والسبعون في وصاية رسول الله [ ] بالشباب من طلبة العلم الباب الثاني والسبعون في اهتبال علماء الصحابة * 7 * بالآخذين عنهم والاهتمام بوقايتهم من الأسواء وحنوهم عليهم الباب الثالث والسبعون في الوصف الذي كان يحمله * 8 * المنقطع للعلم في ذلك العهد تعلما وتعليما الباب الرابع والسبعون في تسميته عليه السلام حملة الحديث ونقلته خلفاء له * 9 * عليه السلام الباب الخامس والسبعون في عنوان القرءان وبرنامجه وهو الأصل في وضع المسلمين العناوين * 10 * للمصنفات الباب السادس والسبعون في حضه عليه السلام طلبة العلم على السؤال عما لم يفهموا الباب السابع * 11 * والسبعون في إجابته عليه السلام السائلين على حسب قوابلهم وتنويعه الخطب على حسب الحال والمقام الباب * 12 * الثامن والسبعون في إجابته عليه السلام السائلين على حسب سبقيتهم الباب التاسع والسبعون في روايته [ ] عن * 13 * أصحابه وتحديثه عنهم الباب الموفي ثمانين في أخذ الصحابة بعضهم عن بعض الباب الحادي والثمانون في أن * 14 * جلالة بعضهم عند بعض كانت لا تمنع من المخالفة فيما لم يؤدهم إليه اجتهادهم الباب الثاني والثمانون في أدب * 15 * الصحابة مع من يتعلمون منهم أيضا الباب الثالث والثمانون في رواية الصحابة عن التابعين الباب الرابع والثمانون * 16 * في أخذ كبار الصحابة العلم عن الموالي الباب الخامس والثمانون في أخذ الصحابة من العرب عمن أسلم من اليهود
____________________
(1/73)
* 1 * الباب السادس والثمانون في رجوع الصحابة للحق إذا ظهر لهم واعترافهم به الباب السابع والثمانون في تأديب النبي صلى الله عليه وآله وسلم 2 * [ ] للصحابة في التعليم واقتفائهم أثره في ذلك الباب الثامن والثمانون في مناظرة الصحابة بين يدي النبي [ ] الباب * 3 * التاسع والثمانون في آداب طالب العلم المنصوص عليها لأهل القرون الأولى الباب الموفي تسعين في أن الصحابة * 4 * كانوا يعرفون حق أكابرهم في العلم والسن الباب الحادي والتسعون في إنزال النبي [ ] الناس ساعة التعليم منازلهم من * 5 * تقديم الأكبر علما أو سنا الباب الثاني والتسعون في رحلة الصحابة لبعضهم في طلب العلم أو رغبة في علو السند * 6 * الباب الثالث والتسعون في دعاء الصحابة بعضهم بعضا وغيرهم من الناس إلى حضور الميراث النبوي الباب الرابع * 7 * والتسعون في القاص في زمنه عليه السلام وجلوسه مجلسه الباب الخامس والتسعون في ذكر ما بثه عليه السلام من * 8 * الفرائد الطبية والعلوم الحكمية المتعلقة بالأغذية والأدوية وعلاج الأمراض حتى دونت فيها الدواوين الباب السادس * 9 * والتسعون في توسعه عليه السلام مع أصحابه في ذكر الوقائع التاريخية وأخبار الأمم السالفة واتخاذه لذلك وقتا وهو * 10 * أصل تعاطي الدروس اليوم في شبه ذلك الباب السابع والتسعون في اتخاذ الأنصار ما بين العشاءين لتعلم الرماية * 11 * الباب الثامن والتسعون في اتخاذ معاوية رضي الله عنه وقت السمر لسماع كتب التاريخ وأخبار الأمم والأجيال * 12 * الباب التاسع والتسعون في بناء امرهم على أخذ العلم ممن وجدوه عنده ولو كان كافرا أو صغيرا الباب الموفي مائة * 13 * في تحريض سيدنا علي كرم الله وجهه على العلم وتنبيهه على شرفه بأبلغ تعبير الباب الحادي والمائة في ترتيبهم * 14 * العلوم في الأخذ ومن كانوا يقدمون ويؤخرون من المجتمعين للطلب الباب الثاني والمائة في أن الصحابة كانوا * 15 * يروحون القلوب ساعة فساعة الباب الثالث والمائة في أن الصحابة كانوا يروحون القلوب ساعة فساعة الباب * 16 * الرابع والمائة في حديث خرافة الباب الخامس والمائة في حديث أم زرع
____________________
(1/74)
* 1 * الباب السادس والمائة في المضحكين والمضحكات في الزمن النبوي دون ما سبق في القسم الأول المقصد الثاني فيما * 2 * حازه أصحابه عليه السلام من السبقيات وما تميز به أفرادهم من علو المدارك والكيفيات مما يعرفك أن المدينة المنورة * 3 * كانت في الزمن الأول مجموعة مهولة بصنوف واختلاف الأعمال والأفكار والصفات والأشغال الحياتية التي لا بد منها * 4 * في كل بلد مصر اتخذ عاصمة لمدينة عظمى سادت على العالم في أقرب وقت وما وصل إليه ذلك العصر الزاهر * 5 * والمصر الطاهر من الاختلاط والاختلاف في الأحوال والاتفاق في الآمال وأنه من أندر ما حفظ التاريخ عن الأجيال * 6 * والدهور وتحته أبواب : الباب الأول في أن الصحابة كانوا أهل اجتهاد في الأحكام وقدرة على استنباطها والتبصر * 7 * بمواقع الخطابات التشريعية ومحاملها الباب الثاني في تحريم في الفتوى وتدافعهم لها وكراهتهم الكلام في المسألة قبل * 8 * نزولها الباب الثالث فيمن كان يوسم بأعلم الصحابة الباب الرابع فيمن كان يعرف منهم بباب مدينة العلم الباب * 9 * الخامس فيمن كان يلقب منهم بأسد الله الباب السادس في الملقب فيهم بشيخ الإسلام الباب السابع في الملقب فيهم * 10 * بسيف الله الباب الثامن في الذي يضرب به المثل في العدل منهم الباب التاسع في الذي يضرب به المثل في الهيبة * 11 * منهم الباب العاشر في الذي يضرب به المثل في الفضائل كلها من الصحابة الباب الحادي عشر في الذي يضرب * 12 * به المثل في الصدق منهم الباب الثاني عشر في الذي يضرب به المثل في المشية منهم الباب الثالث عشر في الذي * 13 * يضرب به المثل في الفقه منهم الباب الرابع عشر في المحصل على لقب أمين الأمة الباب الخامس عشر فيمن أولم * 14 * وليمة بقي يضرب بها المثل الباب السادس عشر في الذي يضرب به المثل في الحلم منهم
____________________
(1/75)
* 1 * الباب السابع عشر فيمن كانت تستحيي منه ملائكة الرحمان منهم الباب الثامن عشر في ذي الرأي من الصحابة * 2 * الباب التاسع عشر في ذي اليدين من الصحابة الباب الموفي عشرين في ذي العمامة الباب الحادي والعشرون في * 3 * الذي يضرب به المثل بسيفه من الصحابة الباب الثاني والعشرون فيمن كان يعد صوته في الجيش بألف رجل الباب * 4 * الثالث والعشرون في الذي يسبق الفرس شدا على قدميه من الصحابة الباب الرابع والعشرون فيمن عرف بالدهاء من * 5 * الصحابة بحيث كان يضرب به المثل الباب الخامس والعشرون فيمن عرف بالقوى المدهشة من الصحابة حتى باهى * 6 * العرب به فارس والروم الباب السادس والعشرون فيمن كان من الصحابة في نهاية الطول الباب السابع والعشرون * 7 * فيمن عرف بالقصر من الصحابة الباب الثامن والعشرون فيمن كان من الصحابة فردا في زمانه بحيث يضرب به * 8 * المثل الباب التاسع والعشرون فيمن كان يضرب به المثل في الجمال من الصحابة الباب الموفي ثلاثين فيمن كان من * 9 * الصحابة يعمل بيديه الباب الحادي والثلاثون في أخوة سبعة كلهم من الصحابة تباعدت قبورهم الباب الثاني * 10 * والثلاثون في صحابي أصغر من أبيه بأحد عشر سنة الباب الثالث والثلاثون فيمن كان بيده سيف الفتح بحيث * 11 * نصب في عهده اثني عشر ألف منبر للخطبة الباب الرابع والثلاثون فيمن كان له ألف مملوك يؤدون له الخراج من * 12 * الصحابة الباب الخامس والثلاثون فيمن كان يحفظ مائة لغة متباينة من الصحابة الباب السادس والثلاثون فيمن مات * 13 * من الصحابة فمات بموته تسعة أعشار العلم الباب السابع والثلاثون في صحابي مات فقال فيه عمر مات سيد * 14 * المسلمين الباب الثامن والثلاثون في ذكر الأغنياء من الصحابة ومن توسع منهم في الأمور الدنيوية الباب التاسع * 15 * والثلاثون فيمن تغالى منهم في الصداق حين تزوج بعلوية فاطمية الباب الموفي أربعين في عدد الصحابة
____________________
(1/76)
* 1 * الباب الحادي والأربعون في عدد من كان بالمدينة من الصحابة معه عليه السلام آخر الأمر الباب الثاني والأربعون * 2 * في المكثرين الرواية عنه [ ] من الصحابة الباب الثالث والأربعون في أحفظ الصحابة وأول محدث في الإسلام * 3 * الباب الرابع والأربعون في ذكر أئمة الفتوى من الصحابة الباب الخامس والأربعون في ذكر من كان أكثر الصحابة * 4 * فتيا ومن جمع من فتاويه سبع مجلدات والمخصوص منهم بلقب البحر وحبر القرآن ورياني الأمة والمغواص ومن كان * 5 * يعرف ممره في الطريق ومن وجم الناس عن تعزيته شهرا هيبة له وإجلالا الباب السادس والأربعون في ذكر من * 6 * كان له من الصحابة أتباع يقلدونه في فتواه كالمقلد مع المجتهد في الطريق الباب السابع والأربعون في ذكر من انتهى * 7 * إليهم العلم من الصحابة الباب الثامن والأربعون فيمن عرف بالكرم والجود من الصحابة الباب التاسع والأربعون في * 8 * ذكر أعلم الأمة بالفرائض منهم الباب الموفي خمسين في ذكر المعروف في الصحابة بحسن الصوت وتجويد التلاوة * 9 * الباب الحادي والخمسون فيمن قيل فيه من الصحابة أخطب أهل الدنيا الباب الثاني والخمسون في المخصوص من * 10 * الصحابة بلقب حكيم الأمة الباب الثالث والخمسون في ذكر من كان يقرأ الكتب القديمة من الصحابة ويعلم ما فيها * 11 * الباب الرابع والخمسون في ذكر من قيل فيه أعلم الناس من نساء الصحابة الباب الخامس والخمسون في ذكر من * 12 * قيل من نساء الصحابة لو كان رجلا لصلح للخلافة الباب السادس والخمسون في ذكر أن من الصحابة مولى قال * 13 * عمر لو كان حيا لاستخلفته الباب السابع والخمسون في ذكر من قيل فيه أفصح الناس وأفخمهم نطقا من الصحابة * 14 * الباب الثامن والخمسون في ذكر من كان أعلم الناس بالمناسك من الصحابة الباب التاسع والخمسون فيمن أفتى الناس * 15 * ستين سنة من الصحابة الباب الموفي ستين فيمن كان يطلق عليه الحبر وهو العالم في الزمن النبوي الباب الحادي * 16 * والستون في أمره عليه السلام الصحابة بالقيام إلى العالم منهم
____________________
(1/77)
* 1 * الباب الثاني والستون فيمن كان من الصحابة يمكن يده لتلاميذه يقبلونها الباب الثالث والستون من قبل من علماء * 2 * الصحابة يد تلميذه لكونه من آل البيت الباب الرابع والستون في صحابي قال فيه عمر حق على كل مسلم أن يقبل * 3 * رأسه الباب الخامس والستون في صحابي قدم المدينة في خلافة عمر فأمر عمر الناس أن يخرجوا معه للقائه الباب * 4 * السادس والستون في الصحابة الطلس ومن استخلف منهم الباب السابع والستون في الخصي الباب الثامن والستون * 5 * في المخنتين الباب التاسع والستون في المجبوب الباب الموفي سبعين هل كان السلف يحتفظون بالآثار القديمة * 6 * الباب الحادي والسبعون - جعلته خاتمة الأبواب وزبدة الكتاب - في حديث ابن أبي هالة الذي هو أجمع حديث عندي * 7 * في صفاته عليه السلام الخلقية والخَلقية . وبتتبعه لا يستغرب الجاهل بأحوال نبي الإسلام أن يربي صاحب تلك * 8 * الأحوال والتراتيب والأخلاق رجالا يصلحون لإرشاد الخليقة والقيام بسياسة الكون . ثم الخاتمة - فيها فوائد في * 9 * تقدم العرب في الاختراعات والفنون وكونهم أساتذة أروبا باعتراف ساستهم والمنصفين من محققيهم . وبتتبعك * 10 * لأبواب الكتاب ووقوفك على الحقيقة في المدونين تعلم أننا أتينا على زبدة كتاب الخزاعي وحذفنا مكرره واستطراده * 11 * وما لا حجة أو حاجة فيه . وزدت عليه أضعاف أضعاف ما ذكر من كل قسم من الحرف والصنائع والعمالات * 12 * والصفات بحيث وفقنا ( والحمد لله ) لكثير من المظان التي لا تخطر ببال ولا كانت في الحسبان . ولم أقلد أبا * 13 * الحسن الخزاعي في غالب عزوه ولذلك إن كان الكتاب الذي نقل عنه مطبوعا أذكر الصحيفة الواقع فيها ما نقل منه * 14 * ولا شك أن مواد هذا الموضوع سهلت الآن بما أظهرته مطابع الشرق والغرب من الضائن التي بتتبع أسماء فهارس * 15 * المطبوعات شرقا وغربا لا يبقى ريب في أنه يتيسر اليوم ما عسر إدراكه على كثير ممن سبق وليس بعد العيان بيان * 16 * . وبذلك تتحقق بأحقية قول الجاحظ ما على الناس شيء أضر من قولهم ما ترك الأول للآخر شيئا وقد قال الحافظ * 17 * أبو عمر بن عبد البر وقد نقل قول علي
____________________
(1/78)
* 1 * كرم الله وجهه : قيمة كل امرئ ما يحسن فقال إنه لم يسبق إليه أحد قال وأي كلمة أحض على طلب العلم منها قال * 2 * وما كان أضر بالعلم وبالعلماء وبالمتعلمين من قول القائل ما ترك الأول للآخر شيئا هـوقال أبو الحسن المسعودي في * 3 * كتابه ' النبيه ' المطبوع في أروبا * وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر وربما كان الأخير أحسن تأليفا وأمتن تصنيفا * 4 * لحكمة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من موانع المضار ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية لوجود * 5 * الأخير ما لا يجده الأول وذلك إلى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة * على أن من شيم كثير من الناس إطراء * 6 * المتقدمين وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضي وذم الباقي وإن كان في كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة * * 7 * ثم حكي عن الجاحظ على جلالة قدره بين الكتاب والبلغاء أنه قال كنت أؤلف الكتاب الكثير المعاني الحسن النظم * 8 * وأنسبه إلى نفسي فلا أرى الأسماع تصغي إليه ولا الإرادات تبتسم نحوه ثم أؤلف ما هو أنقص منه رتبة وأقل فائدة * 9 * عبد الله بن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدمين ممن صارت أسماؤهم بين المصنفين فيقبلون على * 10 * كتبها ويسارعون إلى نسخها لا لشيء إلا نسبتها للمتقدمين * ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو في * 11 * عصرهم ومنافسته على المناقب التي عز تشييدها * قال وهذه الطائفة لا يعبأ بها كبار الناس وإنما العمل على أهل * 12 * النظر والتأمل الذين أعطوا كل شيء حقه من القول ووفوه قسطه من الحق فلم يرفعوا المتقدم إذا كان ناقصا ولم * 13 * ينقصوا المتأخر إذا كان زائدا فلمثل هؤلاء تصنف العلوم وتدون الكتب هـوإذا كان هذا في ذلك الزمن زمن نفاق * 14 * أسواق العلم ورجحان أهله بالمدارك والغايات فكيف بزماننا هذا زمن التأخر والانحطاط والتقليد الأعمى لكل مستهجن * 15 * وغلبة الأغراض السالفة والمقاومة للكمال والكاملين والتشبث بأذيال الناقصين والساقطين سخطا على الفضيلة * 16 * ومقاومة لها * وإذا كان الإمام حافظ الأندلس أبو محمد ابن حزم يقول في رسالته في المفاضلة بين علماء الأندلس * 17 * وغيرهم أما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر أزهد الناس في العالم أهله وقد قرأت في الإنجيل أن * 18 * عيسى عليه السلام قال لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده وقد تيقنا ذلك بما لقي النبي [ ] من قريش وهم أوفر الناس * 19 * أحلاما وأصحهم عقولا وأشدهم تثبتا مع ما خصوا به من سكناهم أفضل البقاع وتقديسهم بالحرم الجباه حتى خص الله * 20 * الأوس والخزرج بالفضيلة التي أبانهم بها عن جميع الناس ولا سيما أندلسنا فإنها خصت من حسد أهلها للعالم الظاهر
____________________
(1/79)
* 1 * فيهم الماهر منهم واستقلالهم كثير ما يأتي به واستهجانهم ما يأتي من حسناته وتتبعهم سقطاته وعثراته وأكثر ذلك مدة * 2 * حياته بأضعاف ما في سائر البلدان أن أجاد قالوا سارق مغير وأن انتحل قنع وأن توسط قالوا غث بارد وضعيف ساقط * 3 * وأن باكر الحيازة لقصب السبق قالوا متى كان هذا ومتى تعلم وفي أي زمان قرأ ولامه الهبل وبعد ذلك أن ولجت به * 4 * الأقدار أحد طريقين أما شفوفا دائما يعليه على نظرائه أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها فهنالك حمي الوطيس * 5 * على اليائس وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب وعرضا للتطرق إلى عرضه وربما نحل ما لم يقل وطوق ما لم يتقلد * 6 * والحق به ما لم يفه به ولا اعتقده قلبه فإن لم يتعلق بالسلطان بحظ لا يسلم من المتآلف ولا ينجو من المخالف فإن * 7 * تعرض لتآليف غمز ولمز وتعرض وهمز وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل فتسكن لذلك همته وتكل نفسه * 8 * وتبرد حميته لخ كلامه انظر بقيته في رسالته المثبوتة في نفح الطيب * فليت شعري ما يقال بعد خراب الأندلس * 9 * وضعف الإسلام في القرن الرابع عشر وجماع القول أن من جهل شيئا عاداه * والمزكوم لا يجد رائحة العطر بل يأباه * 10 * * ويرحم الله أبا البناء محمود بن عبد الله الألوسي البغدادي صاحب روح المعاني إذ يقول : ( وإذا الفتى بلغ السماء * 11 * بفضله ** كانت كأعداد النجوم عداه ) ) ( ورموه عن حسد بكل كريهة ** لاكنهم لا ينقصون علاه ) * 12 * ولولا تفكري في أمر أبي الحسن الخزاعي وأن ما أحياه من مآثر الأسلاف وأن قضى عليه الزمن الأخير بالنكران * 13 * فقد قيدتني الأقدار بعد أن مضى على موته نحو من ستمائة سنة بلا اختيار لإحياء مراسمه والاهتبال بمعالمه * 14 * والانفعال لعوامله وطمع في مثل ذلك الزمن والآتي مع غض الطرف عن هذا الذي نحن فيه وليس بمواتي لكنت قد * 15 * أضربت عن هذا العمل ونبذته وفارقته تماما وقاطعته ولاكن ( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها * 16 * بكافرين ) فإلى المؤمنين بفضائل المعاصرين * يجر الحديث * وإلى من يؤمن بكرامة الموتى * من الآتين * * 17 * نجتهد في بث ما علمناه ونسير السير الحثيث * فإليكم معاشر الآتين وأرواح أفراد من الماضين أسوق هذه المجموعة * 18 * النفيسة التي هي كمرآة مكبرة تتجلى لكم منها الحالة الاجتماعية والسياسية والحربية والعلمية والأخلاقية والعائلية * 19 * التي كانت في زمن مصدر النبوة وأبان فيضان الكمال بأتم معانيه في وقت الرسالة المحمدية فخذوها شاكرين * * 20 * واقرءوها بالخير ذاكرين * والله المستعان * وعليه لا على غيره ' التكلان * وهذا حين الشروع في المقصود * * 21 * مستعينا بالرب المعبود * سبحانه فأقول ( القسم الأول في الخلافة لخ ) 4
____________________
(1/80)
____________________
(1/1)
1
____________________
(1/1)
القسم الأول في الخلافة والوزارة الصدارة وما يضاف إلى ذلك من الخدمات النبوية الشخصية التي كان يقوم بها أفراد من الصحابة
الخلافة قال الفخر الرازي الخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه وفي صناعة الكتابة لإبن النحاس وعلى هذا خوطب الصديق فقيل له يا خليفة عن رسول الله وهو أول من ولي الخلافة في الإسلام الخلافة هي الرياسه العظمى والولاية العامة الجامعة القائمة بحراسة الدين والدنيا والقائم بها يسمى الخليفة لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمام لإن الإمامة والخطبة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لازمة له لا يقوم بها غيره إلا بطريق النيابة عنه كالقضاء والحكومة ويسمى أيضا أمير المؤمنين وهو الوالي الأعظم لا والي فوقه ولا يشاركه في مقامه غيره وأول خلافة انعقدت على حقيقتها ووجهها في الأرض خلافة أبي بكر رضي الله عنه أخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال قال لي الرشيد يا أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق قلت يا أمير المؤمنين سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون فقال والله ما زدتني إلا غما قال يا أمير المؤمنين مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال يا رسول الله من يصلي بالناس فقال مر أبا بكر يصلي بالناس فصلى أبو بكر ثمانية أيام والوحي ينزل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسكوت الله وسكت المسلمون
____________________
(1/2)
لسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه فقال بارك الله فيك
وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة أبي بكر من آيات القرآن فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ^ قال هو والله أبو بكر واصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير في قوله تعلى قل للمخلفين من الأعراب ! ( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) ! قال هم بنو حنيفة قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة هذه الآية حجة على خلافة الصديق لأنه الذي دعا إلى قتالهم وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري سمعت أبا العباس بن شريح يقول خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية قال لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة قال فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وإفتراض طاعته إذا خبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذابا أليما قال الحافظ بن كثير ومن فسر القوم بأنهم فارس والروم فالصديق هو الذي جهز الجيش إليهم وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان وهما فرعا الصديق وقال تعلى ! ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) ! الآية قال ابن كثير هذه الآية منطبقة على خلافة أبي بكر وأخرج البيهقي عن ابن الزعفراني قال سمعت الشافعي يقول أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم
وفي الفروق لأبي العباس القرافي من
____________________
(1/3)
الجزء الثاني قال العلماء إن قوله تعالى ! ( وإنه لذكر لك ولقومك ) ! إنه الخلافة وإنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه فيقولون له ويكون لنا الأمر من بعدك فيقول صلى الله عليه وسلم إني قد منعت من ذلك وإنه قد أنزل عليه ! ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) ! فلم يكن للانصار في هذا الشان شيء وقد سئل بعض علماء القيروان من كان مستحقا للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنا بالقيروان نعلم من هو أصلح منا بالقضاء ومن هو أصلح منا للفتيا ومن هو أصلح منا للإمامة أيخفى ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يسأل عن هذه المسائل أهل العراق وصدق رضي الله عنه فيما قاله هـ
وهو رضي الله عنه أول من أسلم وأول من جمع القرآن وأول من سماه مصحفا وأول من سمي خليفة أخرج أحمد عن أبي بكر بن مليكة قال قيل لأبي بكر يا خليفة الله قال أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راض به وأول من ولي الخلافة وأبوه حي وأول خليفة فرض له رعيته العطاء أخرج البخاري عن عائشة قالت لما استخلف أبو بكر قال لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين وأخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال لما بويع أبو بكر أصبح وفي ساعده إفراد وهو ذاهب إلى السوق فقال عمر أين تريد قال إلى السوق قال أتصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قال انطلق يفرض لك أبو عبيدة فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال افرض
____________________
(1/4)
لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم ولا أركسهم وكسوة الشتاء والصيف إذا خلقت شيئا رددته وأخذت غيره ففرض له كل يوم نصف شاة وما كساه من الرأس والبطن وأخرج ابن سعد عن ميمون قال لما استخلف أبو بكر جعلوا له الفين قال زيدوني لأن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة وهو أول من اتخذ بيت المال كما سبق قال الحاكم أول لقب في الإسلام لقب أبي بكر عتبقا قال الحافظ السخاوي وهو أول من لقب بشيخ الإسلام هـ
وقال الشهاب أحمد أحلولو في شرحه على جمع الجوامع أما كون أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتفقت الصحابة على إطلاقه وذلك لما اقتضته الأدلة من الإستخلاف وهي كثيرة جدا مبسوطة في الكتب المطولة متواطئة على معنى واحد غير أنه ليس فيها نص صريح لأنه لو كان لما وقع التردد منهم أولا في يوم السقيفة وأما تسمية بقية الخلفاء بأمراء المؤمنين فبإطلاق الصحابة هـ
وقال الحافظ ابن حزم في نقط العروس من ولي الخلافة بعهد اختلف الناس في أبي بكر والذي أدين الله به أنه ولي الخلافة بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ونص عليه لإجماع أهل الإسلام على تسميتة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسم أحد بهذا الإسم أحدا غيره ولا ممن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ولا ممن استخلفه على الصلوات في غزواته وحجته وللخبر الثابت الذي رويناه من طرق ثابتة في قصة المرأة التي قالت يا رسول الله فإن رجعت ولم أجدك كأنها تريد الموت قال فأبو بكر هكذا نص الحديث كما أوردنا ولغير هذا مما ذكرناه
____________________
(1/5)
في كتاب الفيصل ولله الحمد هـ
وقال ابن جزي في القوانين الدليل على إثبات إمامة الخلفاء الأربعة من ثلاثة أوجه أحدها أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال والأخير أن كل واحد منهم جمع شروط الإمامة على الكمال والأخير أن كل واحد منهم أجمع المسلمون على بيعته والدخول تحت طاعته والإجماع حجة والثالث ما سبق لكل واحد منهم من الصحبة والهجرة والمناقب الجليلة وثناء الله عليهم وشهادة الصادق لهم بالجنة ثم إن أبا بكر وعمر أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلافتهما وأمر بالإقتداء بهما وقدم أبا بكر على حجة الوداع وعلى الصلاة بالناس في مرض موته وذلك دليل على إمامته ثم استخلف أبو بكر عمر ثم جعل عمر الأمر شورى بين ستة نفر فاتفقوا على تقديم عثمان إلى أن قتل مظلوما ثم كان أحق الناس بها بعده علي لمرتبته الشريفة وفضائله المنيفة هـ
وأول من سمي بأمير المؤمنين من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب إتفاقا وذلك أن أبا بكر لما بويع كانوا يسمونه خليفة رسول الله فلما بويع عمر كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول الله فاستثقلوا ذلك وكرهوا تزايده داعيا إلى أن يؤدي إلى الإستهجان ويذهب التمييز المقصود به لكثرتها وطول إضافتها فاتفق أن دعا بعض الصحابة عمر بن الخطاب بأمير المؤمنين فيما كتبه إليه أبو موسى الأشعري وفيما خاطبه مشافهة عدي بن حاتم الطاءي أو المغيرة بن شعبة أو عمرو بن العاص أو غيرهم فاستحسنه الناس واستصوبوه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق هذا الإسم قبله على عبد الله بن جحش حين بعثه في سرية وقال الحافظ السيوطي كما في المصباح الوهاج حين ذكر أن أبا بكر بعد موته صلى الله عليه وسلم بعث
____________________
(1/6)
أسامة على جيش للشام فكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير المؤمنين وروي عن سيدنا عمر أنه كان إذا رءا أسامة قال السلام عليك يا أمير المؤمنين فيقول أسامة غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعوك الأمير ما عشت مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير هـ
قلت
ووقع في الأسئلة التي قدمها الشيخ تاج الدين السبكي للصلاح الصفدي
( من عد من أمراء المؤمنين ولم ** يحكم على الناس من بدو ومن حضر )
( ولم يكن قرشيا حين عد ولا ** يجوز أن يتولى إمرة البشر )
ومن جواب الحافظ السيوطي عن الأسئلة المذكورة
( ثم المسمى أمير المؤمنين ولم ** يحكم على الناس من بدو ومن حضر )
( أسامة حين ولاه النبي على ** سرية لقبوه ذاك في السفر )
ثم توارث الخلفاء هذا اللقب سمة لا يشاركهم فيها أحد وتنافسوا فيها خصوصا ملوك بني أمية ثم بني العباس الذين كانوا ببغداد إلا من رءا أنه أحق منهم بالخلافة ببقية الأقطار كإمام المغرب أبي العلاء مولانا إدريس بن عبد الله الكامل قدس الله روحه الزكية فإنه قام بالأمر هنا بإيصاء أخيه محمد النفس الزكية له بالأمر وقد كان بويع في المدينة بالخلافة قبل بيعة أبي جعفر المنصور العباسي فكان هو الخليفة الشرعي وفي شرح ابن زكري على همزيته إن النفس الزكية انعقدت له الإمامة قبل بني العباس ولهذا كان مالك وأبو حنيفة يجنحان إليه ويرجحان إمامته على بني العباس ويريان أن إمامته أصح من إمامة
____________________
(1/7)
أبي جعفر لإنعقاد هذه البيعة من قبل هـ
وأصله للحافظ التنسي في الدر والعقيان وقال غيرهما بيعة بني العباس هي غير المنعقدة لأنهم خارجون وبيعة مولانا إدريس ثابتة ولذلك ثبت أن مولانا إدريس الأكبر قال في خطبته حين بيعته إن الذي تجدونه عندنا لا تجدونه عند غيرنا وفي كنز الأسرار للمقري سبب إشتهار مذهب مالك بالمغرب وإقتصارهم عليه وأمر مولانا إدريس لهم بإتباعه رواية مالك في الموطا عن جده عبد الله الكامل وفتياه بخلع أبي جعفر المنصور العباسي وبيعته لمحمد النفس الزكية وعهده لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده قاله ابن خلدون فكان مالك هو السبب في ولايتهم الملك فقال إدريس نحن أحق بإتباع مذهبه وقراءة كتابه يعني الموطا وأمر بذلك في جميع عمالته هـ
وانظر الدر النفيس وكعبد الرحمان بن محمد الملقب بالناصر الأموي المتوفي سنة خمسين وثلاثمائة قال ابن جزي في قوانينه هو أول من دعي بالأندلس أمير المؤمنين هـ
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء هو أول من تسمي بالأندلس بالخلافة وبأمير المؤمنين لما وهت الدولة العباسية في أيام المقتدر وكان الذين قبله إنما يتسمون بالأمير فقط هـ
وفي إزدهار الرياض والناصر هو من تسمى بأمير المؤمنين من بني أمية بالأندلس لأن الدولة عظمت في أيامه حين اختلط نظام ملك العباسيين بالمشرق وتغلبت عليه الأعاجم هـ
منه وإنما أعلن الناصر بذلك لما رءا من ضعف أمر الخلفاء العباسيين ببغداد إذ لقب نفسه أمير المؤمنين وأورث من عقبه هذا اللقب واستهل خطيبه بجامع قرطبة خطبة الجمعة بذلك سنة 316 وأنفذ منشوره بذلك لعماله جاء فيه وقد رأينا أن تكون
____________________
(1/8)
الدعوة لنا بأمير المؤمنين وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك إذ كل مدعو لهذا الإسم منتحل له ودخيل ومتسم بما لا يستحقه وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه وإسم ثابت أسقطناه فمر الخطيب لموضعك أن يقول به وأجر مخاطبتك لنا عليه هـ
ولما قام عبيد الله المهدي أول ملوك العبيديين بأفريقية تسمى بأمير المؤمنين لأنه كان رءا أنه أحق بالخلافة من بني العباس المعاصرين له بالمشرق قال صاحب تاريخ دول الإسلام فهو أول من زاحم الخليفة بهذا اللقب هـ
ثم تبعه على ذلك عبد الرحمان الناصر الأموي صاحب الأندلس ورءا أن له الحق في الخلافة اقتداء بسلفه الذين كانوا خلفاء بالمشرق ثم لم يتجاسر أحد لا من من ملوك العجم بالمشرق ولا من ملوك البربر بالمغرب على التلقب بأمير المؤمنين لأنه لقب الخليفة الأعظم القرشي إلى أن جاءت دولة المرابطين وكان منهم يوسف بن تاشفين واستولى على المغربين والأندلس وعظم سلطانه واتسعت مملكته وخاطب الخليفة العباسي بالمشرق فولاه على ما بيده وتسمى بأمير المسلمين أدبا مع الخليفة وقيل أول من دعاه بها المعتمد بن عباد صاحب ملك الأندلس فاستحسن ذلك منه ثم لقبه بها صاحب بغداد ثم جرت على من بعده ولما تكلم ابن أبي زرع على وقعة الزلاقة وكانت سنة 479 وما أوتيه فيه من النصر قال وفي اليوم نفسه سمي يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين ولم يكن يدعى بها قبل ذلك هـ
قلت
مثل ما لإبن أبي زرع لغير واحد نعم في كتاب أخبار الدول وآثار الأول للقرماني أن عبد الله بن ياسين ممهد دولة الموحدين سمي أبا بكر بن عمر رأس قبيلة اللمتون لما
____________________
(1/9)
بايعه بأمير المسلمين ولا شك أن بيعته كانت قبل وقعة الزلاقة بكثير فيحتمل أن يكون الملقب أولا ابن عمر ثم اشتهر على يوسف المبايع بعده لما لقبه به رسميا في الأندلس المعتمد بن عباد في وقعة الزلاقة ثم أقره عليه الخليفة العباسي والله أعلم وصار اللقب بأمير المسلمين شعار المرابطين ففي مكتبتنا طرف من الموطا انتسخت في الرق لعلي بن يوسف بن تاشفين سنة 530 على أول بعض أجزائها مما كتب لخزانة أمير المسلمين وناصر الدين علي بن يوسف بن تاشفين أدام الله تأييده ونصره يحيى بن محمد بن عباد اللخمي هـمن خطه
وفي مكتبتنا في قسم السكك دراهم ليوسف بن تاشفين رسم عليها وصفه بأمير المؤمنين وهو يؤيد ما في كتاب أخبار الدول وآثار الأول لأحمد بن يوسف القرماني الدمشقي في ترجمة يوسف بن تاشفين أنه تلقب بأمير المؤمنين هـ
ورأيت عياضا وصف ولده علي بن يوسف بن تاشفين مرارا في الغنية بأمير المؤمنين ولما أعقبت دولة المرابطين الدولة الموحدية أعلنت بما تهوى قال ابن جزي في قوانينه عن عبد المؤمن بن علي الموحدي تسمى بأمير المؤمنين هـ
قلت
وأفاد صاحب تاريخ دول الإسلام أن عبد المؤمن تسمى بأمير المؤمنين سنة 528 واتسم بوسم الخليفة وتبعه على ذلك بنوه ففي مكتبتنا نسخة من إختصار الموطا للمهدي بن تومرت وأماليه انتسخت بفاس سنة 588 طالعتها تحلية أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بأمير المؤمنين ولا يستغرب ذلك في الدولة الموحدية لأنهم تجاوزوا ذلك إلى إدعاء العصمة والمهدوية في إمامهم ابن تومرت ومن العجيب ما وقع في باب الأيمة من قريش من
____________________
(1/10)
فتح الباري من أن قطري أحد أيمة الخوارج تسمى بأمير المؤمنين قال وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج ممن قام على الحجاج كإبن الأشعث ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس بقرشي كبني عباد وغيرهم بالأندلس كعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها هـمنه
قلت
ولكن لما جاءت الدولة المرينية محت ذلك واقتصر ملوكها على التلقيب بأمير المسلمين وبذلك كان يدعى ملوكهم ولذلك نجد على بناآتهم وآثارهم الوصف بأمير المسلمين لا المؤمنين تمييزا لهم عن لقب الخلفاء بالمشرق وفي مكتبتنا مد لأخراج زكاة الفطر من آثارهم نقش في صدره ما نصه الحمد لله أمر بتعديل هذا المد المبارك مولانا أمير المسلمين أبو الحسن بن مولانا أمير المسلمين أبي سعيد بن مولانا أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق أيده الله ونصره الخ
وفي مكتبتنا أيضا أوراق من ربعة مصحف كريم في الرق في آخره بالذهب كمل الجزء السادس عشر مما نسخ لمولانا الملك العادل التقي الأطهر أمير المسلمين وخليفة رب العالمين أبو سعيد بن مولانا المقدس يوسف بن عبد الحق الخ واقتدى بهم في ذلك ملوك بني زيان بتلمسان ففي مكتبتنا ربعة مصحف انتسخها بيده السلطان أبو زيان محمد بن أبي حم سنة 801 ووقع في آخرها وصفه بأمير المسلمين ولكن لما كانت انقطعت الخلافة ببغداد وكثر الأمراء في الجهات واستقل كل في جهته الحال الذي وصفه ابن الخطيب بقوله
( حتى إذا سلك الخلافة انتثر ** وذهب العين جميعا والأثر )
( قام بكل بقعة مليك ** وصاح فوق كل غصن ديك )
____________________
(1/11)
توسع ملوك الأطراف في التلقيب بأمير المؤمنين وتهافتوا عليه فيما بعد وخصوصا ملوك الدولة السعدية ففي عقود تحبيساتهم في مكتبة القرويين وصفهم بأمير المؤمنين كثيرا وبالأخص يتيمة عقدهم أبو العباس المنصور مع إحترامه لملوك الترك العثمانيين وكونهم أولياء نعمته وشيوخه نراه يكتب فوق كثير من عقود التحبيس عن نفسه أمير المؤمنين ذاهبا بها قلمه كيف شاء وهكذا الحال إلى الآن وتلك الأيام نداولها بين الناس وفي مقدمة العبر لدى فصل أن اللقب بأمير المؤمنين من شعار الخلافة وأنه محدث منذ عهد الخلفاء أنه لما تعطل دستها وثار بالمغرب من قبائل البربر يوسف بن تاشفين ملك لمتونة ملك العدوتين وكان من أهل الخير والإقتداء نزعت به همته إلى الدخول في طاعة الخليفة تكميلا لمراسم دينه فخاطب المستظهر العباسي وأوفد عليه ببيعته عبد الله بن العربي وولده القاضي أبا بكر من مشيخة أشبيلية يطلبان توليته إياه على المغرب وتقليده ذلك فانقلبوا إليه بعهد الخلافة له على المغرب واستعار زيهم في لبوس رتبة وخاطبه فيه بأمير المؤمنين تشريفا له واختصاصا فاتخذه لقبا ويقال إنه كان دعا له بأمير المؤمنين من قبل أدبا مع رتبة الخلافة لما كان عليه هو وقومه المرابطون من انتحال الدين وإتباع السنة ثم انتحل عبد المؤمن الموحدي اللقب بأمير المؤمنين وجرى عليه من بعده خلفاء بني عبد المؤمن وآل ابن حفص من بعدهم إستيثارا بهم عمن سواهم ولما انتقض الأمر بالمغرب وانتزعه زناتة ذهب أولهم مذهب البداوة والسذاجة وإتباع لمتونة في انتحال اللقب بأمير المؤمنين أدبا مع رتبة الخلافة التي كانوا على طاعتها
____________________
(1/12)
لبني عبد المؤمن أولا وبني حفص من بعدهم ثم انتزع المتأخرون منهم إلى اللقب بأمير المؤمنين وانتحلوه إلى هذا العهد هـ
وقوله المؤمنين لدى كلامه على يوسف بن تاشفين وبني مرين هو كذلك في مطبعتي مصر الأولى والثانية وهو تصحيف وصوابه أمير المسلمين وهو المعروف كما أن ما ذكره من أن يوسف بن تاشفين أوفد على المستظهر العباسي ببيعته عبد الله بن العربي وولده القاضي أبا بكر الخ منقوض بأن ابن العربي ووالده ذهبا للمشرق فرارا من يوسف بن تاشفين لما سقطت دولة المعتمد بن عباد بدليل أن عبد الله بقي بالمشرق متجولا إلى أن مات هناك إجماعا وولده أبو بكر بقي بعده ورجع لبلده لا لمراكش وفي مدة إنتقالهما وجولانهما بالمشرق اعتقلت أملاكهما عليهما إلى أن رجع أبو بكر فتشفع في ردها عليه الحافظ أبو علي الصدفي أنظر كتابتنا حول كتاب العواصم لإبن العربي المذكور ذكر الفرق بين الخليفة والملك والسلطان من حيث الشرع والإصطلاح
هكذا ترجم الأسيوطي في حسن المحاضرة ص 108 من الجزء الثاني فذكر عن ابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب قال لسلمان أملك أنا أم خليفة فقال له سلمان إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر عمر وخرج أيضا عن عمر قال والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم قال قائل يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا قال ما هو قال الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في حق وأنت بحمد الله كذلك والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا فسكت عمر وأما السلطان
____________________
(1/13)
من حيث الإصطلاح فقال ابن فضل الله في المسالك ذكر علي بن سعيد أن الإصطلاح أن لا تطلق هذه التسمية السلطان إلا على من يكون في ولايته ملوك فيكون ملك الملوك فيملك مثلا مصر وأهل الشام أو مثلا أفريقية والأندلس ويكون عسره عشرة آلاف فارس أو نحوها فإن زاد بلادا أو عددا في الجيش كان أعظم في السلطنة وجاز أن يطلق عليه السلطان الأعظم فإن خطب له في مثل مصر والشام والجزيرة ومثل خراسان وعراق العجم وفارس ومثل أفريقية والمغرب الأوسط والأندلس كان سمته سلطان السلاطين كالسلجوقية هـانظر حسن المحاضرة وتاريخ القرماني ص 221
لطيفة
وفي مناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية أن أبا جعفر المنصور أحضر ليلة عبد الله بن علي وصالح بن علي في نفر معهما فقال عبد الله بن علي يا أمير المؤمنين إن عبد الله بن مروان لما هرب إلى بلاد النوبة بلاد الحبشة جرى بينه وبين ملكها كلام فيه أعجوبة سقط عني حفظه فإن رءا أمير المؤمنين أن يرسل إليه بحضرتنا ويسأله عما ذهب عنا وكان في الجيش فأرسل إليه أبو جعفر فلما دخل قال له أخبرني بحديثك وحديث ملك النوبة قال يا أمير المؤمنين هربت بمن تبعني بإثاث سلم لي إلى بلاد النوبة فلما دخلت بلادهم فرشت تلك الأثاث فجاء أهل النوبة ينظرون معجبين إلى أن بلغ الخبر إلى ملكهم فجاءني فلما وصل قعد على الأرض قال إنكم تشربون الخمر وهو محرم عليكم فقلت عبيدنا وأتباعنا يفعلون ذلك بالجهل منهم فقال فلم تلبسون الديباج والحرير وتتحلون الذهب وهو محرم عليكم فقلت زال عنا الملك وانقطعت المادة واستنصرنا بقوم
____________________
(1/14)
من الأعاجم كان هذا زيهم فكرهنا الخلاف عليهم فاطرق يقلب يده ويقول عبيدنا واتباعنا وأعاجم دخلوا في ديننا يكرر الكلام على نفسه ثم نظر إلي وقال ليس ذلك كما تقول ولكنكم قوم ملكتم فظلمتم وتركتم ما به أمرتم وركنتم إلى ما عنه نهيتم فسلبكم الله العز وألبسكم الذل بذنوبكم والله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد وإني أخاف أن تنزل بكم النقمة وأنتم ببلدي فتصيبني معكم فارتحلوا عن جواري فقام أبو جعفر وقيد من كلامه قال تعالى ! ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) ! هـ
وقد ذكر القصة بمعناها أيضا المسعودي في مروج الذهب ثم ابن خلدون في مقدمة العبر وانظر المسند الصحيح الحسن في مآثر أمير المؤمنين أبي الحسن وإيضاح المراشد في أجوبة أبي راشد كلاهما للخطيب بن مرزوق ومقدمة كتاب القضاء من شرح التقليد للماوردي المالكي فإنه حرر مواضع الخلافة وهذب طرقها وما يحتاج إليه من ذلك وكتاب إمام الحرمين الجويني في الخلافة الذي سماه غياث الأمم في التيات الظلم وهو عنده مرتب على ثلاثة أركان الركن الأول في الإمامة وما يليق بها من الأبواب والركن الثاني في تقدير خلو الزمان عن الأيمة وولاة الأمة والركن الثالث في تعذير إنقراض حملة الشريعة جملة صنفه لغياث الدولة وهو موجود بالمكتبة الخديوية بمصر وانظر مقدمة كتاب نصيحة الصفا في قواعد الخلفا لأبي العباس أحمد بن محمد بن يعقوب وهو مشتمل على أبواب خمسة الأول في معنى الخلافة الثاني في حرزها الثالث في إستقرارها الرابع في كمالها وخربها الخامس في جعلها وسيلة للفوز بالخلافة الأخروية لطيفة أخرى
____________________
(1/15)
في ثمار القلوب للثعالبي كان أبو الفتح البستي يستحسن قولي في كتاب المبهج الملك خلافة عن الله في عباده وبلاده ولن تستقيم خلافته مع مخالفته هـ
وفي ترجمة أبي عبد الله المقري التلمساني في تكملة الديباج عنه أنه قال سألني بعض الفقراء عن سوء بخت المسلمين في ملوكهم إذ لم يلهم من سلك بهم الجادة بل من يغتر بدنياه غافل عن عقباه لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة فأجبته بأن الملك ليس في شرعنا بل في شرع من قبلنا قال تعالى ممتنا على بني إسرائيل ! ( وجعلكم ملوكا ) ! وقال ! ( قد بعث لكم طالوت ملكا ) ! وقال ! ( وهب لي ملكا ) ! ولم يشرع لنا إلا الخلافة فأبو بكر خليفته عليه السلام كما فهم الناس عنه وأجمعوا عليه واستخلف عمر فخرج عن طريق الملك الذي يرثه ولد عن والد إلى الخلافة التي هي النظر والإختيار ثم اتفق أهل الشورى على عثمان وأخرجها عمر عن بنيه لأنها ليست ملكا ثم تعين علي بعد إذ لم يبق مثله فبايعه من آثر الحق على الهوى والآخرة على الدنيا ثم الحسن كذلك ثم كان معاوية أول من حولها ملكا والخشونة لينا ^ ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم ^ فصارت ميراثا ثم لما خرجت عن وصفها لم تستقم ملكا وكان عمر بن عبد العزيز خليفة لأن سليمان آثر حق المسلمين فرغب عن بني أبيه وعلم إجتماع الناس إليه فلم يسلك طريق الإستقامة إلا خليفة وأما الملوك فكما ذكرت إلا من قل وغالب حاله غير مرضي هـ
قال الحافظ في أول كتاب الأحكام من الفتح ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية لما قال له أليس الله أمركم أن تطيعوني في قوله وأولي الأمر منكم فقال له أليس قد نزعت عنكم يعني
____________________
(1/16)
الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله ^ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ^ قال الطيبي أعاد الفعل في قوله أطيعوا الرسول إشارة إلى إستقلال الرسول بالطاعة ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله فإن تنازعتم في شيء كأنه قيل فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله هـ
الوزير
قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن الوزارة عبارة عن رجل موثوق به في دينه وعقله يشاوره الخليفة فيما يعن له من الأمور هـ
وقد صرح ابن العربي في سراج المريدين والأحكام بتحسين حديث فيه أن أبا بكر وعمر وزراء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الأرض وفي القوانين لإبن جزي في حق عمر وكان هو وأبو بكر وزيرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته هـمنها
ولا شك أن حالهما كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطي إلا ذلك وبما وصلاه من هذه الرتبة العظيمة استخلفهما المسلمون بعده وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال كان أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم مكان الوزير فكان يشاوره في جميع أموره وكان ثانيه في الإسلام وثانيه في الغار وثانيه في العريش يوم بدر وثانيه في القبر ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم عليه أحدا وقد جاء ذكر الوزير في كثير من الأحاديث أخرج النساءي عن عائشة رضي الله عهنا قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم من ولي منكم عملا فأراد به خيرا جعل له وزيرا صالحا فإن نسي ذكره وإن ذكره أعانه وخرج أبو داوود عن عائشة قالت قال
____________________
(1/17)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل الله له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكره أعانه وإن أراد الله به غير ذلك جعل الله له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه وأصله في الصحيح
قلت
ترجم على الحديث المذكور أبو داوود في سننه باب إتخاذ الوزير وأورده في الجامع الصغير وعزاه لأبي داوود والبيهقي قال المناوي في التيسير رمز المؤلف لحسنه ولعله لشواهده وإلا فقد جزم الحافظ العراقي بضعفه هـ
وقال الشمس العلقمي في حواشي الجامع المسماة بالكوكب المنير بجانبه علامة الحسن وقال أيضا قوله وزير الوزير هو الذي يوازر الأمير فيحمل عنه ما يحمله من الأثقال والذي يلتجئ الأمر إلي رأيه فهو ملجأ له ومفزع انظر بقيته فيه وفي عون الودود على سنن أبي داوود للفنجابي الحديث يدل على استحباب إتخاذ الوزير عند الحاجة لأمور السياسة هـ
وكان على الخزاعي أن يذكر هنا قول عبد الله بن مسعود وهو عند أحمد والبزار والطيراني في الكبير قال النور الهيثمي ورجاله موثقون أن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ونظر في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سييء وأن يذكر أيضا ما خرجه الآجري في أربعينه عن عبد الرحمان بن خديج بن ساعدة رفعه أن الله اختارني واختار لي أصحابي فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل
____________________
(1/18)
الله منه صرفا ولا عدلا وفي أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للحافظ السيوطي أيضا وأيد صلى الله عليه وسلم بأربعة وزراء جبريل وميكاءيل وأبي بكر وعمر وأعطي من أصحابه أربعة عشر نجباء وكل نبي أعطي سبعة هـ
قال البدر الروضبي في شرحه عليه قلت قد جاء بيان هذه الأربعة عشر في الحديث من طرق مع إختلاف الأسماء فمنها ما جاء لم يكن نبي قط إلا أعطي سبعة نجباء ووزراء رفقاء وأعطيت أربعة عشر حمزة وجعفر وأبا بكر وعمر وعليا والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وسلمان وعمار بن ياسر وحذيفة وأبا ذر وبلالا ومصعب هـ
وفي سيرة ابن فارس وأما رفقاؤه النجباء فعلي وإبناه وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وأبو ذر والمقداد وسلمان وحذيفة وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلال وفي الإستيعاب ورد عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة نجباء وزراء ورفقاء وإني أعطيت أربعة عشر فذكرهم بأسمائهم لاكنه مرة قدم بعضهم ومرة أخر والمقصود التسمية والعدد
قلت
وبذلك كله تعلم ما في قول أبي عبد الله اكنسوس في الجيش لما جاء الإسلام وصار الملك خلافة وذهب رسم الملك وذهبت تلك الخطط اللازمة بذهابه وبقيت المعاونة بالرأي والمفاوضة بالمصالح المستجلبة والمفاسد المستدفعة فلم يمكن زوال هذا إذ هو أمر طبيعي لا بد منه فكان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه ويفاوضهم في المهمات العامة والخاصة ويخص أبا بكر بخصوصيات أخرى حتى كان بعض العرب الذين عرفوا دول العجم قبل الإسلام كسرى وقيصر والنجاشي يسمون أبا بكر وزير
____________________
(1/19)
النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كان عمر مع أبي بكر وعلي وعثمان مع عمر ولم تكن العرب تعرف لفظ الوزير في هذه المرتبة وإنما علمها منهم من خالط العجم هذا حاصل ما ذكره ابن خلدون هـ
وتعلم أيضا ما في نقل القلقشندي في صبح الأعشى عن القضاعي وغيره أن أول من لقب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال وزير أبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس ولم يكن ذلك قبله ثم جرى الأمر على ذلك في إتخاذ الخلفاء والملوك الوزراء هـسيما
واستعمال الوزير وقع في القرآن حكاية عن الأنبياء قبل فعن موسى عليه السلام ! ( واجعل لي وزيرا من أهلي ) ! وقال تعالى ! ( وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ) ! فتأمل ذلك ذكر صاحب السر
صرح الخطيب في تاريخ بغداد أن حذيفة بن اليمان كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع تسميته بذلك أيضا في سنن النساءي في قصة ذهاب علقمة للشام ولقائه في دمشق لأبي الدرداء فإن أبا الدرداء قال له أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره
قال في أسد الغابة حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين لم يعلمهم أحد إلا حذيفة أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عمر افي عمالي أحد من المنافقين قال نعم واحد قال من هو قال لا أذكره قال قال حذيفة فعزله فكأنما دل عليه هـ في ذكر الآذن
قال الشبر أملسى في حواشي المواهب قوله ويأذن عليه أن يراجع
____________________
(1/20)
النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يريد الدخول عليه ثم يأذن له إذا علم رضى النبي بذلك وإما من كان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال جاء أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلسوا ببابه ولم يؤذن لهم قال فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له وفي كتاب أنباء الأنبياء للقضاعي آذنه أنس بن مالك قال ابن العربي في الأحكام كان أنس بن مالك يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعمل على قوله وفي ذلك دليل على أنه يجوز من الصغير وفي الصحيح مطولا في كتاب النكاح من حديث الحسن فقال لغلام له أسود استأذن لعمر وفي مختصر السير لإبن جماعة وآذن صلى الله عليه وسلم رباح الأسود وآنسه مولاه استيذان رباح الأسود المذكور على النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما كان في المشربة في صحيح مسلم أيضا وأسد مولاه ترجمه في الإصابة نقلا عن تاريخ جمعه العباس بن محمد الأندلسي للمعتصم بن صمادح وفيه وكان أنس ومولاه أسد يستأذنان عليه هـ
وأنسه المذكور يكنى أبا يشرح ويقال أبا يسروح وكان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس فيما حكاه مصعب الزبيري ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وذكر ذلك في ترجمته في الإصابة ناقلا له أيضا عن خليفة وذكر فيه التردد هل هو أنيس أو أنسه أو التعدد ورباح مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإستيعاب كان أسود وربما آذن على النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا إذا انفرد رسول الله
____________________
(1/21)
صلى الله عليه وسلم كان يأخذ عليه الأذن وترجم في الإصابة لعبد الله بن زغب الإيادي فقال ويقال إنه كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر حبس بعض الوافدين عن الآذن
ترجم في الإصابة لمالك بن أبي العبدار فقال هو مذكور عند إبراهيم الحربي في غريب الحديث عن عائذ بن سعيد الجسري قال وفدنا على النبي صلى الله عليه وسلم فلقينا الضحاك بن سفيان وابن ذي اللحية الكلابي لم يؤذن لهما فقال يا مالك وهو أحد الوفد إن حسيرا قد أتى بنا فإذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل كذا وقل كذا فقال أنا إلى الأذن أحوج مني إلى التلقين ثم نادى مالك ايذن لوفد حسيرنا رسول الله فأذن لنا الحديث الحاجب
في العقد الفريد لإبن عبد ربه وحاجبه عليه السلام أبو أنسه مولاه هـمنه وقد تكلم في صبح الأعشى على الحجابة فقال كان موضوعها عند الخلفاء الراشدين حفظ باب الخليفة والإستيذان للداخلين عليه لا للتعدي للحكم في المظالم وقد ذكر القضاعي في تاريخ الخلائف ما يقتضي أن الخلائف لا تزال تتخذ الحجاب من لدن الصديق فمن بعده فسمى هو وغيره شديدا وشريف مولى أبي بكر كان حاجبه ويرفا حاجب عمر بن الخطاب وحمران مولى عثمان كان حاجبه وحجبه أيضا نائل مولاه وحاجب علي كرم الله وجهه قنبر وكان قبله بشر مولاه أيضا وفي فتح الباري أما إتخاذ الحاجب فقد ثبت في قصة عمر في منازعة العباس وعلي أنه كان له حاجب يقال له يرف ومضى ذلك في فرض الخمس واضحا هـمن كتاب الأحكام
____________________
(1/22)
البواب
في الصحيح عن أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بإمرأة تبكي عند قبر فقال اتقى الله واصبري قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى
بالإفراد عند البخاري في الأحكام وله في الجنائز فلم تجد عنده بوابين بالجمع وفائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم استشعرت خوفا وهيبة في نفسها فتصورت أنه كالملوك له حاجب وبواب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته كذا قال الطيبي
أقول
يخطر بالبال أن مرادها لم تجد بوابه في تلك الحالة حاضرا فلا ينافي أنه كان له من يدخل الناس عليه صلى الله عليه وسلم بدليل ما سبق في الآذن وفي المواهب اللدنية ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له بواب راتب ثم ذكر حديث المرأة المذكورة قال الزرقاني فلا ينافي وجود بواب أحيانا لامر ما ثم قال في المتن لكن في حديث أبي موسى الأشعري أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف بضم والفاء الدكة تجعل حول البير أو حافة البير وهي قصة بيراريس فإن فيها كما في الصحيحين فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم زاد البخاري في الأدب ولم يأمرني الحديث في مجيء أبي بكر ثم عمر ثم عثمان واستيذانه عليهم وقوله صلى الله عليه وسلم في كل افتح له وبشره بالجنة وفي رواية أبي عوانة أملك على الباب فلا يدخل
____________________
(1/23)
علي أحد قال القسطلاني وجمع بين القصتين بأنه كان صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن في شغل من أهله ولا إنفراد من أمره كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة أي وإذا اشتغل بأمر نفسه اتخذ بوابا قاله الزرقاني وفي حديث عمر حين استأذن له رباح الاسود حين آلى من نسائه شهرا كفاية هـ
وفي باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها من كتاب النكاح من فتح الباري على قول عمر فقلت لغلام له أسود استأذن على عمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فسكت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فقلت للغلام استأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا قال إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ على قوله فقلت لغلام له أسود وفي رواية عبيد بن حنين فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس العجلة واسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه ضحاك في روايته ولفظه فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة مدلي رجليه على نقير من خشب وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر وعرف بهذا تفسير العجلة المذكورة في رواية غيره
____________________
(1/24)
والأسكفة في رواية بضم الهمزة والكاف بينهما مهملة ثم فاء مشددة وهي عتبة الباب السفلى وقوله على نقير بنون ثم قاف بوزن عظيم أي منقور ووقع في بعض روايات مسلم بفاء بدل النون وهو الذي جعلت فيه بين كالدرج هـ
ثم قال الحافظ آخر الترجمة وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا يمنع من يدخل إليه بغير إذنه ويكون قول أنس الماضي في كتاب الجنائز في المرأة التي وعظها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تعرفه ثم جاءت إليه فلم تجد له بوابين محمولا على الأوقات التي يجلس فيها للناس قال المهلب وفيه أن للإمام ان يحتجب عن بطانته وخاصته عند الأمر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخرج إلى الناس وهو نشيط إليهم فإن الكبير إذا إحتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذنه ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر عظيم المنزلة عنده هـ
ثم قال الحافظ وفيه أن الحاجب إذا علم منع الإذن بسكوت المحجوب لم يأذن وفيه مشروعية الإستيذان على الإنسان وإن كان وحده لإحتمال أن يكون على حالة يكره الإطلاع عليها وفيه جواز تكرار الإستيذان لمن لم يوذن له إذا رجا حصول الإذن وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات كما سيأتي إيضاحه في كتاب الإستيذان في قصة أبي موسى مع عمر ولا استدراك على عمر في هذه القصة لأن الذي وقع من الإذن له في المرة الثالثة وقع إتفاقا ولو لم يوذن له فالذي يظهر أنه كان يعود إلى الإستيذان لأنه صرح كما سيأتي أنه لم يبلغه ذلك الحكم هـمن الفتح
وفي كتاب الأحكام من الفتح أيضا على قول البخاري باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب قال المهلب لم يكن
____________________
(1/25)
للنبي صلى الله عليه وسلم بواب راتب يعني فلا يرد ما مضى في المناقب من حديث أبي موسى أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف قال فالجمع بينهما أنه إذا لم يكن في شغل من أهله ولا إنفراد لشيء من أمره أنه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطالب الحاجة إليه وقال الطبري دل حديث عمر حين استأذن له الأسود أنه صلى الله عليه وسلم كان في وقت خلوته يتخذ بوابا ولولا ذلك لأستأذن عمر لنفسه هـانظر بقيته فيه
تنبيه
لما قسم القرافي البدع إلى أقسام خمسة وذكر القسم الثالث وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته قال كإقامة صور للأيمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه الصحابة بسبب أن المقاصد الشرعية والمصالح لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وساق الهجرة حتى اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور فتعين تفخيم الصور كي تحصل المصالح وكان عمر يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه أن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى تحفظ النظام ولذلك لما قدم الشام وجد معاوية قد اتخذ حاجبا واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية وسلك ما سلكه الملوك سأله عن ذلك فقال له إنا في أرض ونحن فيها محتاجون لهذا فقال لا آمرك ولا أنهاك ومعناه أنت أعلم بحالك هل محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فلا يكون حسنا فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأيمة وولاة الأمر تختلف بإختلاف الأمصار
____________________
(1/26)
والإعصار والقرون والأحوال فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وربما وجبت في بعض الأحوال هـ
ونقله المنجور في المنهج وأقره وزاد أن الأيمة في كلامه شمل الإمامة الكبرى والصغرى وهو حسن جدا ذكر من تولى خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرار والموالي
قال في شرح المواهب الخادم كان غلاما أو جارية هـوقد عدهم العامري في بهجة المحافل أحد عشر
وقال ابن جماعة في مختصر السير في ذكر من خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حمزة أنس بن مالك وهند وأسماء ابنة حارثة الأسلميان وربيعة بن كعب الأسلمي قال أبو الفرج ابن الجوزي في مختصر الحلية ربيعة بن كعب الأسلمي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبيت على بابه لحوائجه وفي الإستيعاب كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر
وفي مسلم عنه قال كنت أبيت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيه الوضوء وفي شرح المواهب قال الواقدي لم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض فخرج من المدينة وترجم في در السحابة لمهاجر مولى أم سلمة يكنى أبا حذيفة فقال كان يقول خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس سنين لم يقل لشيء صنعته لم صنعته ولم يقل لشيء تركته لم تركته هـ ذكر من كان يخدمه صلى الله عليه وسلم من مواليه
والموالي
جمع مولى يطلق على المعتق بالكسر والمعتق بالفتح
____________________
(1/27)
وهو المراد هنا و في بهجة لخ أعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي صلى الله عليه وسلم بل كل شخص منهم في وقت وفي بهجة المحافل في فصل مواليه صلى الله عليه وسلم أنهم وصلوا إلى أحد وثلاثين وعد منهم زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وأبا الحنشة ثم أنيسة ثم شقران ورباح ويسار وأبو رافع القبطي أبو مويهبة كر كوة زيد هلال بن يسان طهمان مابور القبطي واقد أبو واقد هشام بن ضميرة عيب أبو عبيدة أبو هند أنجشة أبو لبابة رويفع
وكان له من الإماء سبع إحداهن سلمى وأوصلهم إلى العدد المذكور أيضا المحب الطبري في الخلاصة وفي المواهب عن ابن الجوزي مواليه 43 وإماؤه إحدى عشرة قال الزرقاني زاد غيره عليه عشرة فيهما وأفرد ذلك بالتصنيف هـانظر الألفية وشروحها وسمط الجوهر الفاخر
تنبيه
قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات أعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي صلى الله عليه وسلم بل كان كل بعض منهم في وقت والله أعلم هـ ذكر الموالي الذين أعتقهم صلى الله عليه وسلم في مرضه
وفي نور النبراس نقلا عن أبي طاهر المخلص راويا بسنده إلى سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه أربعين رقبة ووقف على نور النبراس الحافظ أبو العلاء العراقي بخطه أعتق صلى الله عليه وسلم في مرضه أربعين رقبة هـوعقد في سمط الجوهر الفاخر ترجمة لذكر مواليه صلى الله عليه وسلم الذين أعتقهم اشتملت على أربع ورقات
ونقل عصرينا المحدث الأثري نور الحسن خان
____________________
(1/28)
ابن الأمير صديق حسن خان في شرحه على بلوغ المرام عن النجم الوهاج أنه صلى الله عليه وسلم أعتق 63 نسمة عدد سني عمره صلى الله عليه وسلم وسماهم قال وأعتقت عائشة 69 وعاشت كذلك وأعتق أبو بكر كثيرا وأعتق العباس سبعين عبدا رواه الحاكم وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين وأعتق حكيم بن حزام مائة مطوقين بالفضة وأعتق عبد الله بن عمر ألفا وأعتق عبد الرحمان بن عوف ثلاثين ألف نسمة هـ ذكر من كان يوقظه صلى الله عليه وسلم إذا نام ويستره إذا اغتسل
في سمط الجوهر الفاخر في حق عبد الله بن مسعود قيل كان يوقظه صلى الله عليه وسلم إذا نام ويستره إذا اغتسل ويرحل له راحلته إذا سافر ويماشيه الأرض هـ
وفي قصة الفتح وإغتساله صلى الله عليه وسلم وإذا فاطمة بنته تستره ذكر من كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجته داخل منزله
كان يتولى له ذلك صلى الله عليه وسلم أهله صرح بذلك الحافظ بن حجر في الفتح قائلا الأخلية التي في البيوت كانت خدمته فيها متعلقة بأهله هـ ذكر من كان يبيت على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال
في طبقات ابن سعد عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أبيت عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيه وضوءه فأسمع الهوى من الليل سمع الله لمن حمده وأسمع الهوى من الليل الحمد لله رب العالمين
قلت
وحديث كعب المذكور خرجه أبو داوود في باب
____________________
(1/29)
وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته قال سلني قلت مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود قال المنذري في إختصارها أخرجه مسلم والنساءي وأخرج الترمذي وابن ماجه طرفا منه وليس لربيعة في كتبهم سوى هذا الحديث وفي ترجمة الهيثم ابن نصر الأسلمي من الإصابة عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج فكنت آتيه بالماء من بير أبي الهيثم وكان ماؤها طيبا استخدامه صلى الله عليه وسلم في ذلك امرأة
أخرج الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم والدارقطني وأبو نعيم من حديث أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن أم أيمن قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى فخارة في جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أم أيمن قومي فأهرقي ما في تلك الفخارة فقلت قد والله شربت ما فيها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال أما والله لا يجعر أي لا يصيب بطنك أبدا استخدامه صلى الله عليه وسلم غلاما يهوديا
ففي الصحيح عن أنس أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فعاده صلى الله عليه وسلم فأعرض صلى الله عليه وسلم فأسلم فمات وفي العتبية من أمهات المذهب المالكي عن زياد بن شبطون من أصحاب مالك أن اسم هذا الغلام عبد القدوس انظر من اسمه عبد القدوس في الإصابة
____________________
(1/30)
وترجمة العلامة ابن زكري في كتابه الفوائد المتبعة في العوائد المبتدعة انظره
غريبة
ذكر الأبي على مسلم في الكلام على أحاديث الإستمتاع بالحائض من فوق الأزار عن ابن جبير أنه كان يعطي المصحف لغلام له مجوسي يحمله بعلاقة هـ
تنبيه
بعد أن ذكر الحافظ الشامي عدة أحاديث فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما يحلب شاته ويخيط ثوبه ويسلخ شاته ويخدم نفسه قال وهذا يتعين حمله على أوقات فإنه ثبت أنه كان له خدم فتارة بنفسه وتارة بغيره وتارة بالمشاركة هـ الأشياء التي كان صلى الله عليه وسلم لا يكلها إلى أحد من خدمه
خرج ابن سبع عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكل صدقته إلى غير نفسه حتى يكون هو الذي يضعها في يد السائل ورواه ابن ماجه عن ابن عباس وروى ابن سعد عن زياد مولى عياش بن أبي ربيعة قال خصلتان كان لا يكلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد الوضوء من الليل حين يقوم والسائل يقوم حتى يعطيه ذكر الذين قام بخدمتهم المصطفى بنفسه
قال في المقالات السنية
( والمصطفى غيثه عم الوجود فمنه ** الكون في نصح والخلق في نعم )
( بادي البشاشة للوفود راحته ** أنمى لدى أمل من هاطل الديم )
( وفد النجاشي طه قام يخدمهم ** بنفسه حين حلوا ساحة الكرم )
( قالت صحابته نكفيك قال أنا ** أحق للمكرمين الصحب بالخدم )
( أما هم المكرمو صحبي وقد ذهبوا ** مهاجرين إليهم في ديارهم )
____________________
(1/31)
وقال ابن ليون التجيبي في الأنالة الأصل في خدمة المشايخ من دونهم أنه صلى الله عليه وسلم قال يخدم وفد النجاشي قيام المهاجرين يفرجون عنه صلى الله عليه وسلم عند الإزدحام في مسند عائشة من مسند أحمد عن عروة عن عائشة قالت أن أفداد العرب كثروا على النبي صلى الله عليه وسلم حتى غموه وقام إليه المهاجرون يفرجون عنه حتى قام على عتبة عائشة فرمقوه فأسلم رداءه في أيديهم ووثب على العتبة فدخل وقال اللهم العنهم فقالت عائشة يا رسول الله هلك القوم فقال كلا والله يا بنت أبي بكر لقد اشترطت على ربي عز وجل شرطا لا خلف له فقلت إنما أنا بشر أضيق كما يضيق البشر فأي المؤمنين بدرت إليه مني بادرة فاجعلها له كفارة
ذكر صاحب الوساء المعتمدة قلت وهي بكسر الواو واقتصر عليه في المصباح وفي القاموس أنه يثلث كان ابن مسعود هو المولى لها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع ذلك في الصحيح في قصة ذهاب علقمة إلى الشام ولقائه لأبي الدرداء
في كتاب الوضوء من الصحيح من قول أبي الدرداء خطابا لأهل العراق فيكم صاحب الطهور والوساد بلا هاء وهي المخدة كما للقسطلاني وقال الخفاجي في شرح الشفا الوسادة ما يتوسداي يوضع تحت الرأس وهي التي تسمى مخدة هـ في إدناء النبي صلى الله عليه وسلم الوساد للداخل
أدناها النبي صلى الله عليه وسلم إلى سلمان حين دخل عليه وقع ذلك في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لإبن حيان الإصبهاني
وفي السيرة الشامية معزوا إلى ابن سعد أن عدي بن حاتم قدم على النبي
____________________
(1/32)
صلى الله عليه وسلم فسلم عليه وهو في المسجد ثم قال من الرجل قال عدي بن حاتم فانطلق به إلى بيته وألقى له وسادة وقال اجلس عليها قال الخفاجي على الشفا وهذا يدل على أن الوسادة فراش لا مخدة ولا عبرة بتفسير الجوهري لها بالمخدة فقد هـ
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس وضعف أن عدي بن حاتم لما دخل على المصطفى ألقى إليه وسادة وجلس هو على الأرض فقال أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا ثم أسلم وفي رواية أخرى فقيل له يا نبي الله لقد رأينا منظرا لم نره لأحد فقال هذا نعم هذا كريم فإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وقد روى الحديث المذكور من طريق عدي بن حاتم الدولابي في كتاب الكنى والألقاب وقال الذهبي في الميزان عنه أنه منكر وقد ذكره في الجامع الصغير من طرق عدة من الصحابة ولكن قال الذهبي في مختصر المدخل طرقه كلها ضعيفة وله شاهد مرسل وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه العراقي ثم تلميذه ابن حجر بأنه ضعيف لا موضوع وخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد والوسادة إحدى الأمور التي نهى صلى الله عليه وسلم عن ردها في حديث الترمذي ثلاث لا ترد اللبن والوساد والدهن وأنشد بعضهم
( قد كان من سيرة خير الورى ** صلى عليه الله طول الزمن )
( أن لا يرد الطيب والمتكا ** والتمر واللحم معا واللبن )
وأوصلها الحافظ السيوطي إلى سبع فقال
____________________
(1/33)
( عن المصطفى سبع يسن قبولها ** إذا ما بها قد أتحف المرء خلان )
( فحلوا والبان ودهن وسادة ** ورزق لمحتاج وطيب وريحان )
وفي طبقات الشعراني عن سفيان بن عيينة ماء زمزم بمنزلة الطيب لا يرد وفي الرسالة العلميه لإبن ليون التجيبي وأما الإتكاء ففي سنن أبي داوود عن جابر بن حمزة قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا ووسادة على يساره وكان أبو سعيد الخدري يجلس على البساط ويتكئي على الوسادة وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي نقلا عن الهداية من كبار كتب الحنفية روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على مرفقة حرير وهي بضم الميم وسادة الإتكاء وخرج ابن سعد في الطبقات في ترجمة ابن عباس عن راشد مولى لبني عامر قال رأيت على فراش ابن عباس مرفقة حرير وخرج أيضا عن مؤذن بني وداعة قال دخلت على ابن عباس وهو متكئي على مرفقة حرير وسعيد بن جبير عند رجليه وهو يقول انظر كيف تحدث عني فإنك حفظت عني كثيرا هـ
وفي أصول البدائع في أصول الشرائع لأبي بكر الكاساني بعد ذكره قصة ابن عباس وروي أن أنسا حضر وليمة فجلس على وسادة حرير عليها طيور فدل فعله على رخصة الجلوس على الحرير وعلى الوسادة الصغيرة التي عليها صور هـانظر باب الإستحسان ذكر صاحب النعلين
في مختصر السير لإبن جماعة ونحوه في المواهب وغيرهما كان عبد الله بن مسعود صاحب نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/34)
ألبسه إياهما وإذا جلس جلعهما في ذراعيه حتى يقوم
خرج ذلك الحرث وابن أبي عمر من مرسل القاسم بن عبد الرحمان وزاد فإذا قام ألبسه نعليه في رجليه ومشى حتى يدخل الحجرة قبله قال الزرقاني على المواهب على قوله جعلهما في ذراعيه وكان حكمة ذلك تخلية يديه لخدمة المصطفى إن احتاج ويشغلهما بالطاعة إذا أرادها بهما هـوأصله لشيخه الشبر أملسي وفي فتح المتعال للإمام أبي العباس المقري ثبت أن عبد الله بن مسعود كان صاحب النعلين والسواك والوساد والطهور كما في الصحيح وكان يلي ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه إذا قام ويجعلهما في ذراعيه إذا جلس حتى يقوم النبي صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن يحيى عن القاسم قال كان عبد الله بن مسعود يقوم إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم ينزع نعليه من رجليه ويدخلها في ذراعيه فإذا قام ألبسه إياهما فيمشي بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة وقد ذكر جماعة منهم ابن سعد أن أنس بن مالك كان صاحب نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته قال الحافظ بن حجر عندما تكلم على حديث أليس فيكم صاحب النعلين ما نصه والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فصاحب النعلين في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لإبن مسعود صاحب النعلين مجازا لكونه كان يحملهما هـ
وقال البيضاوي كما في قوت المغتذي على جامع الترمذي أي كان يخدم المصطفى ويلازمه في حالاته كلها فيحمل مطهرته في قيامه لوضوئه
____________________
(1/35)
ويأخذ نعليه فيضعهما صونا لوقت اللبس هـوفي كون ابن مسعود كان صاحب النعال
أنشدني
بوصيري العصر أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي لنفسه ببيروت سنة 1324
( إني خدمت مثال نعل المصطفى ** لا عيش في الدارين تحت ظلالها )
( سعد بن مسعود بخدمة نعله ** وأنا السعيد لخدمتي لمثالها )
وفي المقالة الحادية والعشرين من المقالات السنية في مدح خير البرية ناظما لمحصل ما نقلنا عن المقري
( يقوم ينزع نعلي ذي الوسيلة من ** رجليه يدخلهما الهمام ذو النعم )
( أي في ذراعيه حى قام ألبسه ** إياهما ثم يمشي ثابت القدم )
( أمام أحمد بالعصا فيدخله ** للحجرة إحدى الهدى المخصوص بالخدم )
تنبيه
في ابن غازي على الصحيح أن العرب في الجاهلية كانوا يلبسون النعال غير مدبوغة إلا أهل السعة منهم هـ
ولذا استغرب من رءا ابن عمر يلبس النعال السبتية وهي التي ليس فيها شعر فقال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها هـ
وقد أفرد ما يتعلق بالنعال النبوية بالتأليف جماعة من الأعلام كأبي اليمن بن عساكر والسراج البلقيني والبستي والشمس محمد بن عيسى المقري صاحب كتاب قرة العينين في تحقيق أمر النعلين وغيرهم وأشهرهم الإمام أبو العباس المقري التلمساني دفين مصر له النفحات العنبرية في وصف نعلي خير البرية وفتح المتعال في مدح خير النعال والآخر في مجلد الفه بعد النفحات عند رجلي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالمسجد النبوي كما أن تأليفه في العمامة النبوية ألفه عند رأسه صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/36)
بالمسجد النبوي ولفتح المتعال مختصرات منها مختصر رضى الدين أبي الخير عبد المجيد القادري الهندي وهو مطبوع بالهند ومنها مختصر أبي الحسن علي بن سليمان الدمنتي دفين مراكش ومنها مختصر أبي المحاسن يوسف النبهاني والثلاثة عندي بل ذكر المختصر الأول أنه بلغ عدد المصنفات في النعال النبوية إلى نيف وخمسين مصنفا وفي الرحلة العياشية أن صاحبها وقف في مكة على نحو النصف من كتاب اللآلي المجموعة من باهر النظام وبارع الكلام في صفة مثال فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مما انتدب لجمعه عبد الله بن محمد بن هارون الطاءي القرطبي قال وسبب جمعه على ما قال أنه سئل منه نظم أبيات تكتب على النعل النبوي فكتب في ذلك قطعة وندب أدباء قطره الأندلسي لذلك فأجابوا وجملة ما فيه من المقطعات ما ينيف على مائة وثلاثين بين صغيرة وكبيرة قال الشيخ أبو سالم ولم يطلع على هذا التأليف الحافظ المقري مع سعة حفظه وكثرة إطلاعه ومبالغته في التنقير والتفتيش كما قيل في النعل ولم يطلع لمن قبل عصره إلا على عدد أقل من هذا بكثير وغالب ما أودعه في كتابه فتح المتعال في مدح خير النعال كلامه وكلام أهل عصره ولو اطلع على هذا الكتاب لأغتبط به كثيرا هـ
في السيرة الشامية سيرته صلى الله عليه وسلم في غمز الظهر من السقطة والقدمين روى أبو نعيم في الطب عن عمر قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وحبشي يغمز ظهره قلت ما هذا يا رسول الله قال إن الناقة تقحمت بي البارحة وفي لفظ يغمز ظهره فسأل عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الناقة أتعبتني
قلت
الحديث المذكور خرجه الطبراني في المعجم الصغير فيمن إسمه إبراهيم وكذا في
____________________
(1/37)
الأوسط قال القاري في شرح عين العلم إسناده ضعيف هـ
وفي المقاصد الحسنة حديث غمز القدم ونحوه أورده الدارقطني في الإفراد عن ابن عباس قال كنت عند أبي بن كعب أغمز فذكر حديثا في قراءة آية وروى فيه عن أبي زيد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أدن فأمسح ظهري فدنوت ومسحت ظهره مضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ترجم في الإصابة حمار فذكر عن الصحيح أن إسمه عبد الله ويلقب بحمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي يعلى عن زيد بن أسلم أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العسل ثم يجيء بصاحبها فيقول أعطه الثمن قال الحافظ وقع نحو ذلك للنعمان فيما ذكره الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح وترجم في الإصابة أيضا لسويبط بن حرملة العبدري وذكر قضايا من أفعاله فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك هو وأصحابه منها حولا وفي فوائد الدرر وفرائد الفكر في شرح مختصر السير للفقيه المحدث القاضي أبي علي حسن بن بلقاسم بن باديس القسمطيني لما ترجم لسودة زوجه صلى الله عليه وسلم قال وكانت تضحك النبي صلى الله عليه وسلم قالت له صليت البارحة خلفك يا رسول الله فركعت فأمسكت بأنفي مخافة الدم أن يقطر فضحك هـمنه ملاعبة الإمام أقاربه الصغار
ترجم في الإصابة لكثير بن عباس بن عبد المطلب فقال خرج أبو علي بن السكن وابن مندة عن كثير بن العباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمعنا أنا وعبد الله وقتم وآخر فيفرج
____________________
(1/38)
بين يديه ويقول من سبق فله كذا الحديث وخالفه غيره فقال كان يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرا أولاد العباس ويقول من سبق فله كذا وهذا أقوى الرجل يعلم الوفد كيف يحيون المصطفى صلى الله عليه وسلم
ذكر إبن إسحاق في قصة وفد ثقيف سنة تسع أنه خرج بهم عبد بالليل وهو صاحب أمرهم فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة وجدوا المغيرة بن شعبة فانثاب ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم فلقيه ابو بكر فقال أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه ففعل المغيرة فدخل أبو بكر فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج إليهم فروح الظهر معهم فعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا إلا تحية الجاهلية انظر الهدى لإبن القيم على المواهب وفي تفسير المولى أبي السعود الحنفي كان أبو بكر رضي الله عنه إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفود أرسل من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هـ
قلت
وهذا يفهمنا أيضا أن أبا بكر كان يشغل أيضا وظيف مدير التشريفات اليوم القسم الثاني في العمليات الفقهية وأعمال العبادات وما يضاف إليها من عمالات المسجد وعمالات الطهارة وما يقرب منها وفي الإمارة على الحج وما يتصل بها وفيه وظائف
____________________
(1/39)
ها هنا قاعدة في الموظفين الشرعيين يصلح للمناصب الدينية كما في الفوائد كل وضيع وشريف إذا كان ذا دين وعلم ولا يصلح لها فاسق وإن كان قرشيا نعم يقع الترجيح إذا اجتمعا في شخص وانفرد الآخر فيما سوى النسب هـ
وقد احتج من لم يشترط القرشية في الإمام بتأمير النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة بن زيد وغيرهم في الحروب وأجاب الجمهور بأن ذلك ليس من الإمامة العظمى في شيء لأنه يجوز للخليفة استنابة غير القرشي ولهذا الغز التاج السبكي بقوله
( من عد من أمراء المؤمنين ولم ** يحكم على الناس من بدو ومن حضر )
( ولم يكن قرشيا حين عدولا ** يجوز أن يتولى أمرة البشر )
قال السيوطي الجواب أنه أسامة بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أمره على جيش فيه أبو بكر وعمر فلم ينفد حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه أبو بكر إلى الشام انظر المصباح الوهاج ذكر معلم القرآن وفيه فصول الأول
فيمن كان يعلم ذلك بالمدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بها ذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه مشكل الصحيحين عبادة بن الصامت فقال كان يعلم أهل الصفة القرآن
والصفة
دكة في ظهر المسجد النبوي كان يأوي إليها المساكين وإليها ينسب أهل الصفة
وترجم في الإصابة لوردان جد الفرات بن يزيد بن وردان فذكر عن الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أسلمه إلى أبان بن سعيد بن العاصي ليمونه ويعلمه القرآن وأخرج عن ابن عساكر بن ثعلبة قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/40)
فقلت يا رسول الله ادفعني إلى رجل حسن التعليم فدفعني إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم قال دفعتك إلى رجل يحسن تعليمك وأدبك انظر فضائل أبي ثعلبة الخشني من كنز العمال الفصل الثاني
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يتعلموا الفقه والقرءان من جيرانهم فقد ترجم في الإصابة لابزا الخزاعي فخرج عنه أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس فاثنى على طوائف من المسلمين خيرا ثم قال ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون وعزاه لإبن السكن وإسحاق ابن راهوية وقد ساق الحديث مطولا الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد تحت باب تعليم من لا يعلم ثم قال عن علقمة بن سعد بن عبد الرحمان بن إيزا عن أبيه عن جده قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف المسلمين خيرا ثم قال ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون والله ليعلمن قوما جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون أو أعاجلنهم العقوبة ثم تولى فقال قوم من ترونه عني بهؤلاء قال الأشعريين هم قوم فقهاء ولهم جيران جفاة من أهل المياه من الأعراب فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ذكرت قوما بخير وذكرتنا بشر ما بالنا قال ليعلمن قوم جيرانهم وليفقهنهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا فقالوا يا رسول الله أنفطن غيرنا فأعاد قولهم عليه وأعادوا قولهم أنفطن غيرنا فقال ذلك أيضا
____________________
(1/41)
فقالوا أمهلنا سنة فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأية ! ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ) ! الآية ورواه الطبراني في الكبير وفيه بكر بن معزوف قال خ أرم به ووثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به
فصل
ذكر من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجهات يعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين
قلت
استفتح الخزاعي فصل الفقه في الدين بفصول أولها في الحض على التفقه في الدين صدره بحديث معاوية من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين مقتصرا على عزوه لمسلم مع أنه في البخاري وهذا معيب منه رحمه الله لما تقرر أن الحديث إذا كان في البخاري لا يعزى إلى غيره وثانيها كيف كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين وثالثها سؤال النساء
وهذه الفصول في نظري استطرادية ثم ترجم لمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مفقها في الدين فمنهم عنده مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف في سيرة ابن إسحاق لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين بايعوه في العقبة الأولى قال وهم إثنا عشر بعث معهم مصعبا وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين وكان يسمى المقرئي بالمدينة
في الإستبصار لإبن قدامة المقدسي لما قدم مصعب بن عمير المدينة نزل على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دون الأنصار يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عز وجل فأسلم على يديهما جماعة منهم سعد بن معاذ وأسد بن حضير وغيرهما
____________________
(1/42)
هـ
وفي التهذيب للنووي لدى ترجمة مصعب هذا هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى ليعلم الناس القرآن ويصلي بهم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الإثني عشر أهل العقبة الثانية ليفقه أهل المدينة ويقرئهم القرآن فنزل على أسعد بن زرارة هـ
ومنهم معاذ بن جبل في الإكتفاء لأبي الربع الكلاعي استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن
خرجه ابن سعد في الطبقات عن مجاهد
وفي الإستيعاب بعثه النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا على الجند من اليمن يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الدين باليمن عام فتح مكة ومنهم عمرو بن حزم الخزرجي النجاري في الإستيعاب استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا وكتب له كتابا في الفرائض والسنن والصدقات والديات هـ
يصح أن يستدرك هنا من المعلمين جماعة فمنهم أبو عبيدة بن الجراح أخرج أحمد في مسنده عن أنس قال لما وفد أهل اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال هذا أمين هذه الأمة وسيره إلى الشام أميرا فكان فتح أكثر الشام على يده ومنهم رافع بن مالك الأنصاري ترجمه في الإصابة فذكر عن ابن إسحاق أنه أول من
____________________
(1/43)
قدم المدينة بسورة يوسف وأن الزبير بن بكار روى في أخبار المدينة أن رافعا لما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالعقبة أعطاه ما أنزل إليه في العشر سنين التي خلت فقدم به رافع إلى المدينة ثم جمع قومه فقرأ عليه في موضعه قال وعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم من إعتدال قلبه ومنهم أسيد بن حضير ترجم في الإصابة لإبراهيم بن جابر فقال فيه كان من جملة العبيد الذين نزلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أيام حصاره الطائف فأعتقه وبعثه إلى أسيد بن حضير وأمره أن يمونه ويعلمه ذكره الواقدي واستدركه ابن فتحون خالد بن سعيد بن العاص وترجم في الإصابة أيضا للأزرق بن عقبة الثقفي من عبيد الحارث بن كلدة الثقفي فذكر أنه ممن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في حصار الطائف وأنه أسلم وأعتقه وسلمه لخالد بن سعيد بن العاصي ليمونه ويعلمه ومنهم عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري قال في الإستبصار في أنساب الأنصار استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة عشر هـ
أقول
يجب أن يذكر هنا من كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ستة من الأنصار عدهم البيهقي هكذا أبي بن كعب زيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبادة رواه الطبراني والبيهقي مقيدا بالأنصار فلا ينافي أنه حفظه كثيرون وفي الصحيحين عن أنس أنه جمع القرآن أي حفظ جميعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعة كلهم من الأنصار أبي ومعاذ وأبو زيد ويزيد بن ثابت قلت لأنس من أبو زيد قال أحد عمومته
____________________
(1/44)
قلت
أبو زيد المذكور هو قيس بن السكن يكنى ابا زيد كنيته غالبة عليه ولا عقب له نبه على ذلك الموفق بن قدامة في الإستبصار في انساب الأنصار وفي ترجمة ثابت بن زيد بن مالك الأنصاري من الإستبصار أيضا يروي عن يحيى بن معين أنه أبو زيد الذي جمع القرآن وغير ذلك أولى هـمنه
وفي ترجمة حنظلة بن أبي عامر من الإستبصار أيضا روى قتادة عن أنس قال افتخرت الأوس فقالوا منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت ومنا من كانت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت ومنا من اهتز عرش الرحمان لموته سعد بن معاذ فقال الخزرجيون منا أربعة قرأوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأه غيرهم أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد وأبو حنظلة هـ
قلت
ومراد من حصرهم في أربعة من حضر في ذهنه فلا ينافي وجود غيرهم من حفظته كأبي بكر وفي الفجر الساطع لدى باب القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أنس لم يجمع القرآن غير أربعة استشكل هذا فإنه قد جمعه سواهم ذكر أبو عبيد منهم الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة الأربعة وغيرهم وأجيب بإحتمال أن المراد لم يجمعه على جميع وجوهه من القرآآت التي أنزل بها إلا أولائك وأن أنسا قاله بحسب ما وصل إليه علمه وإن كان الواقع خلافه هـ
وفي فتح الباري الذى يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياته صلى الله عليه وسلم وقد صح حديث يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه
____________________
(1/45)
النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم وكسيدنا علي فإنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي داوود وانظر فتح الباري وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي أخرج الخطيب في التاريخ بسنده عن محمد بن عباد قال لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان والمأمون هـ
قلت
وهذا الحصر ممنوع بل حفظه أيضا الصديق على الصحيح وصرح به جماعة منهم النووي في تهذيبه وعلي وورد من طريق أنه حفظه كله بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وفي الرياض المستطابة جمع القرآن حفظا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة علي وعثمان وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو زيد الأنصاري وتميم الداري وعبادة بن الصامت وأبو أيوب هـ
قلت
ورأيت في ترجمة مجمع بن حارثة من طبقات ابن سعد روى الكوفيون أنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا سورة أو سورتين منه في ترجمته من الإستبصار قال ابن إسحاق كان مجمع غلاما حدثا قد جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هـ
وفي ترجمة شهاب القرشي مولاهم نزيل حمص من الإصابة روى ابن منده عن عبد الله بن زغب كان شهاب القرشي أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله فكان عامة الناس بحمص يقرأون منه وانظر فتح الباري وارشاد ابن غازي والإتقان وشرح المواهب وانظر شرح الراءية للجعبري وحاشية الشبراملسي على المواهب ايضا
عجيبة
وبعد أن أطال في الإتقان في هذه المسألة قال فائدة
____________________
(1/46)
ظفرت بإمرأة صحابية جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم على ذلك فأخرج ابن سعد في الطبقات عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة قال إن الله عهد لك شهادة وكان صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن غلام لها وجارية كانت قد دبرتها فقتلاها في إمارة عمر فقال عمر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة وذكر السيوطي في الجمع نحو ما ذكر وعزاه لإبن راهوية وأبي نعيم في الحلية والبيهقي قال وروى أبو داوود بعضه هـ
قلت
ومن تأمل هذه الترجمة علم بالضرورة أن الصحابة لم يكونوا كلهم يعلمون جميع القرآن وإنما غالبهم كان يعلم البعض دون البعض وممن صرح بهذا القدر بعينه الأستاذ النابلسي في شرح الطريقة المحمدية ذكر من نقل عنه وجوه القراءة من الصحابة
ذكر خاتمة أيمة القراآت بفاس الشمس بن عبد السلام الفاسي في محاديه عن شرح الجعبري على الشاطبية ما نصه الأيمة الذين نقل عنهم وجوه القراءة كثيرون في كل عصر لا يكادون يحصون فمنهم من الصحابة المهاجرون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وابن مسعود وحذيفة وسالم مولى أبي حذيفة وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبد الله ومعاوية وابن الزبير وعبد الله بن السائب وعائشة وحفصة
____________________
(1/47)
وأبو سلمة ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو زيد ومجمع بن حارثة وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين هـمنه ومن خط مؤلفه نقلت ذكر معلم الناس الكتابة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المعلم من الرجال المعلم المسلم
ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب من مطبعة الهند عبد الله بن سعيد بن العاصي فقال أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس الكتابة بالمدينة وكان كاتبا محسنا
وفي سنن أبي داوود عن عبادة بن الصامت قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن
ونحو ما سبق عن الإستيعاب في الإصابة في ترجمة الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية نقلا عن الزبير في نسب قريش المعلم الكافر
في الروض الأنف للسيهلي في الكلام على غزوة بدر قال كان من الأسارى يوم بدر من يكتب ولم يكن من الأنصار يومئذ أحد يحسن الكتابة فكان منهم من لا مال له فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان الكتابة ويخلي سبيله فيومئذ تعلم الكتابة زيد بن ثابت في جماعة من غلمان الأنصار
وفي المطالع النصرية في الأصول الخطية لأبي الوفاء نصر الهوريني المصري لم تكثر الكتابة العربية في المدينة إلا بعد الهجرة النبوية بأكثر من سنة وذلك أنه لما
____________________
(1/48)
أسرت الأنصار سبعين رجلا من صناديد قريش وغيرهم في غزوة بدر السنة الثانية من الهجرة جعلوا على كل واحد من الأسرى فداء من المال وعلى كل من عجز عن الإفتداء بالمال أن يعلم الكتابة لغيره من صبيان المدينة فلا يطلقونهم إلا بعد تعليمهم فبذلك كثرت فيهم الكتابة وصارت تنتشر في كل ناحية فتحها الإسلام في حياته صلى الله عليه وسلم وبعده حتى بلغت عدة كتابه صلى الله عليه وسلم 42 رجلا هـ
وذكر الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين نقلا عن ابن قتيبة أن العرب كانت تعظم قدر الخط وتقده من أجل نافع حتى قال عكرمة بلغ فداء أهل بدر أربعة آلاف حتى إن الرجل ليفادى على أنه يعلم الخط لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره وظهور نفعه وأثره قال الله لنبيه ! ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) ! فوصف نفسه بأن علم القلم كما وصف نفسه بالكرم وعد ذلك من نعمه العظام ومن آياته الجسام حتى أقسم به في كتابه فقال ! ( ن والقلم ) ! فأقسم بالقلم وما يخط بالقلم وقد روي عن ابن عباس في قوله ايتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم قال يعني الخط
وروي عن مجاهد في قوله تعالى ! ( يؤتي الحكمة من يشاء ) ! يعني الخط ^ ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ^ يعني الخط هـبتقديم وتأخير
قال بعضهم وهذا يبطل ما قاله ابن خلدون عن جهلهم بالخط فإن عكرمة كان يتكلم عن مشاهدة وابن خلدون قال ما قال عن تخمين ذكر المعلمة من النساء
قال في الإستيعاب والإصابة الشفاء أم سليمان بن أبي حتمة قال لها
____________________
(1/49)
رسول الله صلى الله عليه وسلم علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة خرج ذلك عنها أبو داوود عن الشفا قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة قال الخطابي في معالم السنن في هذا الحديث دليل على أن تعلم النساء الكتابة غير مكروه هـ
نقل كلام الخطابي المذكور وأقره جماعة منهم ابن طرخان في الأحكام النبوية ونحوه للأردبيلي في الأزهار شرح المصابيح وابن القيم في الهدى وغيرهما وفي نور النبراس أنه وقع في عهده بدمشق أن فقيها سئل هل يجوز أن يتعلم النساء الكتابة فأجابه لا يجوز تعليمهن الكتابة قال الحافظ برهان الدين الحلبي وغفل هذا المفتي عن الحديث الذي في سنن أبي داوود في الطب وقد سكت عليه أبو داوود فهو صالح عنده ثم ذكر حديث الشفا هذا هـ
وقال الإمام مجد الدين بن تيمية في المنتقى عقب حديث الشفا المذكور في هذه الترجمة وهو دليل على جواز تعلم النساء للكتابة قال شارحه القاضي الشوكاني في نيل الأوطار وأما حديث لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن سورة النور فالنهي عن تعليمهن الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمهن الفتنة هـمنه وفي الفتاوي الحديثية للشهاب بن حجر الهيثمي الشافعي المصري أنه سئل ما حكم تعلم النساء الكتابة
وفي وسيط الواحدي أول سورة النور ما يدل على عدم الإستحباب هل هو صحيح أو ضعيف فأجاب بقوله هو صحيح فقد روى الحاكم وصححه البيهقي عن عائشة رفعته
____________________
(1/50)
لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة يعني النساء وعلموهن الغزل وسورة النور لما فيهن من الأحكام الكثيرة المتعلقة بهن المؤدي حفظها وعلمها إلى غاية حفظهن عن كل فتنة وريبة كما هو ظاهر وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن مسعود رفعه مر لقمان على جارية في الكتاب فقال لمن يصقل هذا السيف أي حتى يذبح به وحينئذ فيكون فيه إشارة إلى علة النهي عن الكتابة وهي أن المرأة إذا تعلمتها توصلت بها إلى أغراضها الفاسدة
واعلم
أن النهي عن تعليم النساء للكتابة لا ينافي طلب تعليمهن القرآن والعلوم والآداب لأن هذه مصالح عامة من غير خشية مفاسد تتولد عليها بخلاف الكتابة
فإن قلت أخرج أبو داوود عن الشفا وذكر حديث الترجمة وفيه علميها الرقية كما علمتها الكتابة وهذا يدل على تعليم النساء الكتابة قلت ليس فيه دلالة على طلب تعليمهن الكتابة وإنما فيه دليل على جواز تعليمهن الكتابة ونحن نقول به وإنما غاية الأمر فيه أن النهي عنه تنزيه لما تقرر من المفاسد المترتبة عليه هـ
وحديث الشفا هذا أورده الحافظ السيوطي في الجامع الصغير بلفظ علمي حفصة رقية النملة وعزاه إلى أبي عبيد في الغريب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حتمة قال المناوي في شرحه الكبير فتح القدير ورقيتها كما في الفائق قروح تخرج بالجنب فترقى فتذهب
ورده بعض أذكياء المغاربة بأنه من الخرافات التي كان ينهى عنها فكيف يأمر بها وإنما أراد الأول وأراد تأديب حفصة حيث أشاعت السر الذي استودعها إياه على ما نطق به التنزيل بقوله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا وقال في التيسير ورقيتها
____________________
(1/51)
العروس تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء تفتعل غير أن لا تعصي الرجل هـ
وفي النهاية قيل إن هذا من لغز الكلام ومزاحه كقوله للعجوز لا تدخل الجنة عجوز إذ رقية النملة شيء كانت تستعمله النساء يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع هـ
وفي مجمع بحار الأنوار للشيخ محمد طاهر الفتني يحتمل على إرادة الثانية أن يكون تحضيضا على تعليم الرقية وإنكارا للكتابة أي فلا علمتها ما ينفعها من الإجتناب من عصيان الزوج كما علمتها ما يضرها من الكتابة هـمنه
ولدى صفة الكتاب وآدابهم من صبح الأعشى أن من الصفات الواجبة التي لا يسع إهمالها المذكورة ثم ذكر أن عمر بن الخطاب قال في حق النساء جنبوهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف واستعينوا عليهن بلا فإن نعم تضربهن ومر علي على رجل يعلم امرأة الخط فقال لا ترد الشر شرا ورأى بعض الحكماء امرأة تتعلم الكتابة فقال أفعى تسقى سما ولله در السبامي حيث يقول
( ما للنساء وللكتابة ** والعمالة والخطابة )
( هذا لنا ولهن منا ** أن يبتن على جنابة )
ثم أورد القلقشندي أن جماعة من النساء كن يكتبن ولم ير أن أحدا من السلف أنكر عليهن ذلك فقد روى أبو جعفر النحاس بسنده إلى الحسن أن عائشة كانت تكتب في مكاتبتها بعد البسملة من المرأة عائشة بنت أبي بكر حبيبة حبيب الله
وأجاب أن حديث عائشة لم يصرح فيه أنها كانت تكتب بنفسها ولعلها أمرت من يكتب فكتب كذلك
____________________
(1/52)
بإملائها أو دونه وإن ثبت ذلك عنها فغيرها لا يقاس عليها ومن عداها من النساء لا عبرة به هـ
وفي حواشي البدر الدماميني على البخاري على حديث ثلاثة لهم أجران رجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها الحديث في باب تعليم الرجل أمته وأهله شرائع الدين لأن هذا الحديث ينسحب على تعليم الإماء فكيف بالحرائر والأقارب قاله ابن المنير هـ
وترجم البخاري عقب الترجمة السابقة باب عظة الإمام النساء وتعليمهن فذكر فيها قول ابن عباس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع فوعظهن قال الدماميني هذا أصل في حضور النساء المواعيد ومجالس الخير بشرط السلامة من الفتنة هـ
وفي الفجر الساطع على هذه الترجمة أي مطلوبية ذلك ونبه على أنه كما يطلب من الرجل أن يعلم أهله يطلب من الإمام أو نائبه أن يعلم النساء هـ
ثم بوب البخاري أيضا بعد ترجمتين بقوله باب هل يجعل للنساء يوما على حدة في العلم قال في الفجر الساطع أي تعليمه وجواب هل محذوف تقديره نعم يجعل لهن ذلك هـ
وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي وليس من التشبه المذموم دخول المرأة في شيء من طلب العلم وتعليمه وتربية المريدين فقد كانت عائشة تعبر العلوم وتورد الإشكالات على الفحول وقد استدركت على جماعة من الصحابة في كثير من الأحاديث فاستدركت على عمر وإبنه وأبي هريرة وابن عباس وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن الزبير وزيد وأبي الدرداء وأبي سعيد والبراء وفاطمة بنت قيس وغيرهم والف في ذلك جمع من العلماء آخرهم الحافظ السيوطي كتابه الإصابة فيما
____________________
(1/53)
استدركته عائشة على الصحابة وقال عروة ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة وقال مسروق لقد رأيت الصحابة يسألون عائشة عن الفرائض رواهما الحاكم وكذلك بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والنساء الصحابيات كأم سليم وأم الدرداء وفاطمة بنت قيس وسائر النساء الصالحات والعارفات كرابعة العدوية ورابعة الشامية وشعوانة فإنهم كانوا يأخذون العلم والأدب والزهد عنهن كما كانوا يحملونه عن الرجال كما يؤخذ ذلك من سيرهن المذكورة في كتب الحديث والتاريخ وقد ريء من إجتهادهن في العبادة وتدقيقهن في الورع ما عجزت عنه الرجال هـمنه
وقد ثبت عن كثير من نساء أهل الصحراء الإفريقية خصوصا شنجط وتنبكتو وكنت العجب حتى جاء أن الشيخ المختار الكنتي الشهير صاحب الطريقة الشهيرة به ختم المختصر الخليلي يوما للرجال وختمته زوجته في جهة أخرى للنساء وفيهما ألف ولدهما الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ المختار كتابه الطريفة والتالدة في مناقب الشيخ الوالد والشيخة الوالدة وهو في مجلد ضخم وانظر الكلام على حكم تعليم النساء في شرح المجاجي على مختصر بن أبي جمرة للصحيح والآداب الكبرى لإبن مفلح الحنبلي ورسالة عصرينا محدث الهند الشيخ محمد شمس الحق الإلهابادي المسماة عقود الجمان في جواز الكتابة للنسوان وهي مطبوعة وشرح الوغليسية لزروق وشرح أبي علي بن رحال على المختصر ثم كتاب الدر المنثور في طبقات ربات الخدور لإحدى الكاتبات المصريات المتأخرات زينب بنت فواز وهو في مجلد ضخم ويعجبني أن أثبت هنا
____________________
(1/54)
قول عصرينا الشاعر المصري المشهور وهو الشيخ مصطفى صادق الرافعي
( يا قوم لم تخلق بنات الوري ** للدرس والطرس وقال وقيل )
( لنا علوم ولها غيرها ** فعلموها كيف نشر الغسيل )
( والثوب والإبرة في كفها ** طرس عليه كل خط جميل )
فائدة
ظفرت في تونس بجزء للحافظ أبي الفرج بن الجوزي سماه ري الظما فيمن قال الشعر من الإما قال في أوله كان الوزير أطال الله بقاءه ذاكرني منذ أيام فيمن قال الشعر من الإماء المماليك وأمرني أن أجمع له ما وقع من أخبارهم في الدولتين الأموية والعباسية ولم أجد في الدولة الأموية منهن شاعرة مذكورة ولا خاملة لأن القوم لم يكونوا يجيزون من في شعره لين ولا رضوا إلا بما يجري من الشعر مجرى الجزل المختار الفصيح وإنما شاع هذا في دولة بني هاشم فذكرت منهم من وقع إلي له خبر مستحسن أو شعر صالح ورسمت ذلك على قدر مراتبهن في أشعارهن وأزمانهن وبالتتبع وجدته ذكر فيه أخبار وأشعار نحو الثلاثين شاعرة من الإماء ولا يذكر عنهم إلا ما اتصل به إسناده وهذا يدل على حفظ كبير وإطلاع تام
رجع
ترجم في الإصابة للشفاء المذكورة فقال كانت من عقلاء النساء وفضلائهن وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيها ويقيل عندها في بيتها وكانت قد اتخذت له فراشا ينام فيه فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان واقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم دارها عند الخياطين وكان يقدمها في الدار ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئا من السوق هـونحوه للمندري في إختصار سنن أبي داوود
____________________
(1/55)
إتخاذ الدار ينزلها القراء ويستخرج منه إتخاذ المدارس
ذكر أبو عمر بن عبد البر في باب العبادلة من الإستيعاب عبد الله بن أم مكتوم الأعمى القرشي العامري فقال نقلا عن الواقدي قدم المدينة مع مصعب بن عمير بعد بدر بيسير فنزل دار القراء هـ
في ترجمة ابن أم مكتوم من طبقات ابن سعد قدم المدينة مهاجرا بعد بدر بيسير فنزل دار القراء وهي دار مخرمة بن نوفل هـ ذكر المفتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقع في الموطأ عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحدهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني سألت أهل العلم فأخبروني الخ القصة وهي صريحة في أن هناك من كان يترافع إليه الناس في زمنه صلى الله عليه وسلم ثم إذا لم يرضهم الحكم ترافعوا
استأنفوا
النازلة عنده صلى الله عليه وسلم وقد ترجم أبو الفرج بن الجوزي في كتابه المدهش فقال تسمية من كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر عمر عثمان علي عبد الرحمان بن عوف ابن مسعود معاذ بن جبل حذيفة زيد بن ثابت أبو الدرداء أبو موسى سلمان
وهكذا سماهم ابن الجوزي في كتابه العجيب المسمى بالتلقيح أيضا وهو كتاب عجيب من أندر كتبه وعندي منه نسخة وفي ترجمة أبي بن كعب من الإصابة أن عمر كان يسأله عن النوازل ويتحاكم إليه في المعضلات هـمنها
وفي الأحياء لم ينصب أحد من الصحابة نفسه
____________________
(1/56)
للفتوى إلا بضعة عشر رجلا قال في شرحها كإبن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء وعلي وحذيفة ومعاذ وأبي هريرة وأنس وزيد بن ثابت وعمر بن الخطاب وعائشة هـ
وأصل عبارة الأحياء في القوت وزاد ولا حملت عنه القضايا والأحكام وأخرج ابن سعد في الطبقات من حديث سهل بن أبي خيثمة إن الذين كانوا يفتون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين عمر علي عثمان وثلاثة من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وفي حديث ابن عمر قال كان أبو بكر وعمر يفتيان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث خراش الأسلمي كان عبد الرحمان بن عوف ممن يفتي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي خاتمة مجمع بحار الأنوار للفتني لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فتوى غيره في زمانه لأنه صدر عن تعليمه ولذلك كان يفتي في زمنه صلى الله عليه وسلم أربعة عشر من الصحابة وأما بحضوره فلم يكن يفتي أحد سوى الصديق هـ
وقد نظم من كان يفتي في عهده صلى الله عليه وسلم الحافظ الأسيوطي كما في كتابه قلائد الفرائد وآداب الفتوى وفي كتابه الحاوي أيضا فقال
( وقد كان في عصر النبي جماعة ** يقومون في الإفتاء قومة قانت )
( فأربعة أهل الخلافة منهم ** معاذ أبي وابن عوف وثابت )
وابن عوف بالرفع وثابت معطوف على عوف مدخول لقوله ابن أي وزيد بن ثابت وممن نظمهم أيضا الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون صاحب تصحيح المنهاج قال النجم الغزي في الكواكب السائرة في أهل المائة العاشرة أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال أنا شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي
____________________
(1/57)
عجلون عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين ابن قاضي عجلون لنفسه
( لقد كان يفتي في زمان نبينا ** مع الخلفاء الراشدين أيمة )
( معاذ وعمار وزيد بن ثابت ** أبي ابن مسعود ابن عوف حذيفة )
( ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ** كذاك أبو الدرداء وهو تتمة )
( وأفتى بميراث أبو بكر الرضى ** وصدقه فيها وتلك مزية )
وانظر كتاب العلم من شرح الأحياء ونقل السيوطي في تدريب الراوي عن ابن حزم أكثر الصحابة فتوى مطلقا ستة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة قال ويمكن الجمع من فتوى كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم قال ويليهم عشرون أبو بكر وعثمان وأبو موسى ومعاذ وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص وسلمان وجابر وأبو سعيد والزبير وعبد الرحمان بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية وابن الزبير وأم سلمة قال ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير قال وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا يقلون في الفتيا جدا هـ ذكر من كان يتوسط بين المصطفى وبين الصحابة إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء
ترجم في الإصابة لثابت بن معاذ الأنصاري فقال جاء ذكره في حديث لأنس ضعيف السند ذكره الخطيب في المؤتلف من طريق القاسم بن خليفة حدثنا أبو يحيى التميمي عن إسماعيل بن إبراهيم عن مطين بن خالد عن أنس بن مالك قال كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/58)
عن شيء أمرنا عليا أو سلمان أو ثابت بن معاذ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه عليه فلما نزلت ! ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ! فذكر حديثا في فضل علي قال الحافظ نقلا عن الخطيب مطين مجهول وأبو يحيى التميمي ضعيف جدا هـ ذكر من كان يعبر الرؤيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر علي بن سعد الخولاني القيرواني في كتابه في التعبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعبر أمتي للرؤيا ابو بكر وأسماء بنت عميس وفي الصحيحين ذكر مراءي تقدم أبو بكر لتعبيرها ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعبيره فقال له أصبت بعضا وأخطأت بعضا
وقد رءا صلى الله عليه وسلم مرة رؤيا قال عنها رأيت أني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها فأدخل علي يده فنزعه فقال أبو بكر يا رسول الله هذه سرية من سراياك يأتيك منها بعض ما تحب ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله فكانت سرية خالد إلى تهامة ووقع ما لم يرضه صلى الله عليه وسلم فبعث عليا قال ابن باديس أمر النبي صلى الله عليه وسلم على تعبير الرؤيا أبا بكر وظاهره أنه أقدم على تعبيرها مبادئا ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفيه جواز مثل ذلك عند العالم ممن هو دونه لأن أهل الإمداد والوصول إلى الفوائد إنما هو بوساطة ذلك العالم وتعليمه وما أناله الله على يده صلى الله عليه وسلم هـ
وفي ترجمة أبي بكر من تاريخ الخلفاء للسيوطي وكان الصديق
____________________
(1/59)
غاية في علم تعبير الرؤيا وكان يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال محمد بن سيرين وهو المقدم في هذا العلم بالإتفاق كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد وأخرج الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أولي الرءيا أبا بكر هـ
وترجم في الإصابة لأسماء بنت أبي بكر فقال كان عمر يسألها عن تعبير الرءيا ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره هـ
وقال القسطلاني على باب غسل الدم من الصحيح في حق أسماء كانت عارفة بتعبير الرءيا حتى قيل أخذ ابن سيرين التعبير عن ابن المسيب وأخذه ابن المسيب عن أسماء وأخذته أسماء عن أبيها هـ
وأصله في طبقات ابن سعد عن الواقدي وللحسين الخلال الحافظ كتاب طبقات المعبرين ذكر فيه خمسة آلاف وخمسمائة معبر من المشاهير الذين ضربوا في هذا العلم وأخذوا منه بقسم وجعلهم خمسة عشرة قسما الأول من الأنبياء والثاني من الصحابة والثالث من التابعين والرابع من الفقهاء والخامس من المذكرين والسادس من المؤلفين انظر كشف الظنون وفي الرسالة ولا ينبغي أن يعبر الرءيا من لا علم له بها قال التادلي إلا إذا كان عالما بأصول التفسير وهي الكتاب والسنة وكلام العرب وأشعارها وأمثالها وكان له فضل وصلاح وفراسة ولا يعبرها بالنظر في كتب العبارات ويعني بذلك على جهة التقليد لذلك فإن ذلك لا يجوز لأنها تختلف بإختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال قال الفاكهاني ولا ينبغي على التحريم لأنه يكون كاذبا أو مخمنا قال تعالى
! ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) !
____________________
(1/60)
هـمن ابن ناجى عليها
وفي شرح أقرب المسالك للدردير والعلم بتعبير الرءيا ليس من كتب كما يقع للناس من التعبير من ابن سيرين فيحرم تعبيرها بما فيه بل يكون يفهم الأحوال والأوقات وفراسة علم بالمعاني هـ
ومن شرح الشيخ زروق على الرسالة قيل لمالك أيعبر الرءيا من لا علم له بها قال أبا النبوة يلعب وقال جسوس أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الرءيا جزءا من أجزاء النبوة وقد أخذ صلى الله عليه وسلم الحكم من مراءي أصحابه كما في رءيا الأذان ورءيا ليلة القدر وكل ذلك بناء على أنها وحي كما أشار إليه القرطبي ونقله الأبي هـ
وقال الشيخ أبو يحيى التازي عليها فإن قيل فالذي ينظر في الفروع التي وضعها من ألف في تعبير المنام كعلي بن أبي طالب القيرواني وغيره فيجد نص من رءا والجواب عليه قبل هذا كالمقلد في الفروع ينظر نص المسألة وجوابها وقد يغلط في التنظير هـانظر فيه بقيته
تنبيه
الكتب المنسوبة إلى ابن سيرين في علم تعبير الرؤيا من أهجن ما كذب على السلف ولا يتصور من التابعين أن يكون هذا أول ما ألفوا فيه من أبواب العلم والتصنيف إنما شاع بعد ذلك والله أعلم وقال الشهاب المرجاني في وفية الإسلاف الف فيه أي علم التعبير إبراهيم بن عبد الله الكرماني ثم صنف فيه علماء الإسلام وأكثروا ونسب الغالب منها في زماننا هذا إلى إبن سيرين يقولون ذكر فيه لما أن المذكور فيه هو قوله والذاكر هو المصنف لذلك الكتاب لا إبن سيرين كما يقال ذكر محمد في نوادر هشام والشافعي في البويطي لما أن المذكور فيه هو قول محمد أو الشافعي والذاكر هو هشام أو البويطي من هذا القبيل
____________________
(1/61)
وفي الطرق الحكمية لإبن القيم لما تكلم على الذين أنكروا من السلف التدوين ما نصه وكان ابن سيرين وأصحابه لا يكتبون الحديث فكيف بالرءيا هـ
وانظر ترجمته من طبقات ابن سعد فإذا كان ابن سيرين لا يرى كتابة الحديث فكيف يدون تعبير الرءيا إن هذا إلا حلم يحتاج إلى مؤولين ولسنا بتأويل الأحلام بعالمين
ثم وجدت المسند الشمس ابن سليمان الرداني ذكره في حرف العين من صلة الخلف بموصول السلف تحت عنوان كتاب عبارة الرءيا لأبي بكر محمد بن سيرين المعبر قال في جزءين وذكر أنه يرويه الفخر ابن البخاري عن أبي الفتح محمد الميداني عن هبة الله بن محمد بن الحصين عن علي بن المحسن التنوخي عن إبراهيم بن أحمد الطبري عن محمد بن موسى الأنصاري عن أحمد بن حمدية الزاهد عن محمود بن محمد الحلبي عن مخلد بن عبد الواحد المعبر عن هشام عنه وعلى كل حال فالأمر موقوف على معرفة هشام الراوي عن ابن سيرين وهل ابن سيرين المعلوم هو المعني عنده بأبي بكر المعبر أو غيره فتأمل ذلك
ووجه ذكر هذه الترجمة تلو باب المفتي أن التعبير من باب الفتيا وكذلك سماه تعالى في قصة ملك مصر فقال تعالى ^ يا أيها الملأ أفتوني في رءياي إن كنت للرءيا تعبرون ^ هـ
وقد قال الراغب الأصبهاني في الذريعة ومن علم الفراسة علم الرءيا وقد عظم الله أمرها في جميع الكتب المنزلة
والرءيا هي فعل النفس الناطقة ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوى في الإنسان فائدة والله يتعالى عن الباطل
وهي ضربان ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام وأحاديث النفس بالخواطر الردية لكون النفس في تلك
____________________
(1/62)
الحال كالماء المتموج لا يقبل صورة
وضرب هو الأقل صحيح وذلك قسمان قسم لا يحتاج إلى تأويل ولذلك يحتاج المعبر إلى مهارة يفرق بين الأضغاث وغيرها وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ويفرق بين طبقات الناس إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا وفيهم من تصح رؤياه ثم من صح له ذلك منهم من يرشح أن يلقي إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح له ذلك ولهذا قال اليونانيون يجب أن يشتغل المعبر بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون الطغام وذلك لأن له حظا من النبؤة انظر بقيته فيه وانظر مقدمة العبر لإبن خلدون الإمام في صلاة الفريضة
السلطان أحق بالإمامة في الصلاة إلا أن يأذن لغيره في ذلك
قال ابن العربي في الأحكام ولاية الصلاة أصل في نفسها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا جعل الصلاة إليه ولاكن لما فسدت الولاة ولم يكن فيهم من ترضى حالته للإمامة بقيت الولاية في يده بحكم الغلبة وقدم للصلاة من ترضى حالته سياسة منهم للناس وإبقاء على أنفسهم فقد كان بنوا أمية حين كانوا يصلون بأنفسهم يخرج أهل الفضل من الصلاة خلفهم ويخرجون من الأبواب فيأخذهم سياط الحرس فيصبرون عليه هـ
اشتهر في كتب المتأخرين أن إتخاذ المحاريب في المساجد لوقوف الأيمة بدعة وأفرد ذلك الحافظ السيوطي بمؤلف
وفي عون المعبود على سنن أبي داوود ما قاله القاري من أن المحاريب من المحدثات بعده صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/63)
فيه نظر لأن وجود المحراب في زمنه صلى الله عليه وسلم يثبت من بعض الروايات أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن وائل بن حجر قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض إلى المسجد فدخل المحراب ثم رفع يديه للتكبير
وقال ابن الهمام لا يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب شرعا وثبتت المحاريب في المسجد من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم هـانظر العون
فائدة
وفي فوائد الفكر لدى قصة الفتح ذكروا أن العباس لما احتمل أبا سفيان معه إلى قبته أصبح وقد رءا الناس ثائرين إلى طهورهم فقال يا أبا الفضل ما للناس أامروا في بشيء قال لا ولاكن قاموا إلى الصلاة فأمره فتوضأ فلما رءا تكبير الناس بتكبير النبي صلى الله عليه وسلم وركوعهم بركوعه قال ما رأيت كاليوم قوم جمعه من هنا وها هنا ولا فارس والروم ذات القرون بأطوع منهم له هـ ذكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق على الصلاة وكم من صلاة صلاها
أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته لأبي بكر أن يصلي بالناس فكان يصلي بهم في الصحيحين وغيرهما وفي الدر المنظم لأحمد بن محمد بن أحمد اللخمي العزفي قال ابن حبيب الهاشمي صلى أبو بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة عشرة صلاة وقال هكذا روى الدولابي
وروى الدارقطني من مراسيل الحسن البصري أن أبا بكر صلى بالناس في مرض موته صلى الله عليه وسلم تسعة أيام
____________________
(1/64)
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم العاشر وصلى خلف أبي بكر قال الزرقاني في شرح المواهب ومدة مرضه صلى الله عليه وسلم إثنا عشر يوما فيها ستون صلاة أو نحو ذلك هـ
وقال الحافظ ابن تيمية في رده على ابن مطهر الحلي ولم تكن الصلاة التي صلاها أبو بكر بالمسلمين في مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ولا صلاتين ولا صلاة يوم ولا يومين وأقل ما قيل إنه صلى سبعة عشرة صلاة صلى بهم العشاء الأخيرة ليلة الجمعة وخطب بهم ويوم الجمعة هذا ما تواترت به الأحايث الصحيحة هـمنه
ونقله الحافظ برهان الدين الحلبي في نور النبراس وأقره فاستفدنا منه فائدة وأي فائدة وهي أن أبا بكر هو الذي خطب بالناس يوم الجمعة في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد كنت أومأت إلى التوقف في ذلك في إختصار الشمائل تبعا لشيخنا الشبيهي الذي قال في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به من الفجر الساطع لم أقف على من ذكر حال صلاة الجمعة الواقعة في مرضه صلى الله عليه وسلم وما وقع فيها من خطبة وغيرها هـفلم يبق الآن إلا البحث في موضوع خطبته إذ ذاك
تنبيه
بما وقع عليه الإجماع من كون أبي بكر قدمه صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس في مدة مرضه رد الحافظ ابن تيمية في كتابه في الرد على ابن المطهر ما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم وجه أبا بكر في الجيش الذي أمر عليه أسامة فقال لم ينقل أحد من أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة وكيف يرسل أبا بكر وقد استخلفه يصلي بالناس مدة إلى أن مات وكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس هـ
واعترضه الحافظ
____________________
(1/65)
الشامي في سيرته من وجهين الأول قوله إنه لم ينقله أحد من أهل العلم لخ بأنه قد ذكره محمد بن عمر الأسلمي وابن سعد وهما من أيمة المغازي وجرى عليه في المورد وجزم به في العيون والفتح في مناقب زيد بن حارثة الثاني قوله وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة ليس بلازم وأن أرادة النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيش أسامة كان قبل ابتداء مرض النبي صلى الله عليه وسلم فلما اشتد به المرض استثنى أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس هـ
فائدة
الصلاة جماعة من خصائص أمته صلى الله عليه وسلم ذكره في أنموذج اللبيب قال الروضي في شرحه قال العلماء قد مكث صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يصلي بغير جماعة لأن الصحابة كانوا مقهورين يصلون في بيوتهم فلما هاجر صلى الله عليه وسلم أقام الجماعة استخلاف المصطفى على الحج
في نور النبراس أعلم أن أول من أقام للناس الحج عتاب بن أسيد سنة ثمان من الهجرة وهي عام الفتح وحج بالناس تلك السنة على ما كانت عليه العرب في الجاهلية قال الأزرقي لم يبلغنا أنه استعمله على الحج هذه السنة فلما كان وقت الحج حج المسلمون والمشركون وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتاب بن أسيد ويقف بهم المواقف لأنه أمير البلد وذكر الماوردي في حاويه في السير أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة استعمل عتاب بن أسيد عليها للصلاة والحج وذكره أيضا في كتاب الحج وهذا إثبات لم يبلغ الأزرقي
ثم حج أبو بكر سنة تسع هـ
وفي أحكام ابن العربي وأما ولاية الحج فهي مخصوصة ببلاد الحج وأول أمير بعثه صلى الله عليه وسلم أبو
____________________
(1/66)
بكر الصديق بعثه صلى الله عليه وسلم سنة تسع قبل حجة الوداع وأرسله بسورة براءة ثم أردفه عليا كما سبق هـ اتخاذ المنبر
روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فإن لي غلاما نجارا قال إن شئت فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع له
قال ابن بشكوال في كتاب ما أنبهم من الأسماء اسم هذا الغلام النجار مينا قال ويقال إن الذي صنع المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مولى العاصي بن أمية صنعه من طرفاء ثلاث درجات فلما قدم المدينة زاد فيه وقيل صنعه ميمون النجار وقيل صنعه صباح غلام العباس بن عبد المطلب
وذكر ابن فتحون قبيصة المخزومي في كتابه وقال هو الذي عمل غلامه منبر النبي صلى الله عليه وسلم
وفي المقدمات لإبن رشد وفي سنة سبع اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر
وقيل في سنة ثمان عمله له سعد بن عبادة وقيل غلام لإمرأة من الأنصار وقيل غلام للعباس بن عبد المطلب
قال ابن رشد ولعلهم اجتمعوا كلهم على عمله
ترجم في الإصابة إبراهيم النجار فذكر عن الطبراني في الأوسط عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فذكر الحديث في إتخاذ المنبر وفيه فدعا رجلا فقال ما إسمك قال إبراهيم قال جد خد في صنعته استدركه أبو موسى
____________________
(1/67)
وقال في رواية أخرى إن إسم النجار باقوم فيحتمل أن يكون إبراهيم إسمه وباقوم لقبه قال الحافظ على تقدير الصحة وإلا ففي الإسناد العلاء بن سلمة الرواس وقد كذبوه وترجم في الإصابة لباقوم المذكور فذكر أنه بالميم ويقال باللام ووصفه بالنجار ثم نقل أن باقوم النجار كان روميا وهو الذي بنى لقريش الكعبة وترجم فيها أيضا لكلاب مولى العباس بن عبد المطلب فذكر أن ابن سعد خرج بسند فيه الواقدي عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب إلى جذع في المسجد قائما فقال إن القيام قد شق علي فقال له تميم الداري ألا أعلم لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام فشاورالمصطفى المسلمين في ذلك فرأوا أن يتخذه فقال العباس بن عبد المطلب إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس فقال مره أن يعمله وفي صبح الأعشى أول من عمل المنبر تميم الداري عمله للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد رءا منابر الكنائس بالشام هـ
قال الحافظ السيوطي في التوشيح على قول المصطفى مرغلامك النجار يعمل لي أعوادا ما نصه هل صانعه ميمون وصحح أو باقول بلام أو باقوم بميم أو صباح بصاد فموحدة كغراب أو قبيصة أو كلاب مولى العباس أو تميم الداري أو ميناء بميم فنون فهمز كميقات تسعة أقوال وهل في سنة سبع أو ثمان هـ
وأنشد محدث الشام الشيخ عبد الباقي الحنبلي الأثري في تبته رياض الجنة لشيخه محدث الشام نجم الدين الغزي الشافعي قوله
( صانع منبر المدينة الذي ** كان عليه يخطب النبي )
( صلى وسلم عليه دائما ** الأهنا المهيمن العلي )
____________________
(1/68)
( قيل اسمه ميمون أو باقول ** أو باقون أو تميم الداري )
( وقيل إبراهيم أو قبيصة ** والقول الأول هو القوي )
قال الشيخ عبد الباقي وزدت متبعا فقلت مبينا
( مينا صباح قيصرهم باقوهم ** كلامهم مينا هو القوي ) هـ
ثم قال في التوشيح وكان ثلاث درجات إلى أن زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات بسبب أن معاوية كتب إليه أن يحمله إليه فقلعه فأظلمت طيبة وكسفت الشمس حتى رأوا النجوم فخرج مروان فخطب فقال إنما أمرني أمير المؤمنين لأن أرفعه فدعا نجارا فزاده الست فقال إنما زدت به أذكر الناس أخرجه الزبير بن بكار في أخبار طيبة من طرق قال ابن النجار فاستمر على ذلك إلى أن أحرق المسجد النبوي سنة 654 فاحترق فكان إشارة إلى زوال دولة بني العباس إذ انقرضت عقبة بقليل في فتنة التتر هـ
وفي المنهل الأصفا أنه احترق أول ليلة من رمضان عام 654 وكان ذلك من أعظم المصائب على الناس وللحافظ محمد بن ناصر الدين الدمشقي تأليف سماه عرف العنبر في وصف المنبر ذكره له الرداني في صلته انظره
فائدة
في التوشيح للأسيوطي كان اليهود يسمون الأسبوع كله سبتا وقد وقع ذلك في حديث أنس في الإستسقاء فحدث في الإسلام تسميته جمعة نظرا لليوم الأشرف خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على الدواب
في أبي داوود عن رافع بن عمرو المازني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى حين ارتفعت الضحى على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه
____________________
(1/69)
والناس بين قائم وقاعد وفيه أيضا عن غيره رأيته صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة قال الحافظ عبد الحق الأشبيلي وهذا حديث لايثبت لأنه عن مجهول وقد ذكر أبو داوود والنساءي وغيرهما أنه خطب على بعير وهو الصحيح المشهور بوب الشامي في سيرته إتخاذه صلى الله عليه وسلم عليا يعبر عنه
روى مسدد برجال ثقات عن هلال بن عامر المزني عن أبيه فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على بغلته وعليه برد أحمر وعلي أمامه يعبر عنه ما يقول فجئت حتى دخلت بين شراك النبي صلى الله عليه وسلم وقدمه فجعلت أعجب من بردها رواه أحمد وأبو داوود مختصرا وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن عباس قال لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيع بن أمية بن خلف فقام تحت يدي الناقة وكان رجلا صيتا فقال أصرخ أيها الناس أتدرون أي شهر هذا فصرخ فقال الناس الشهر الحرام قال اصرخ اي بلد هذا قالوا البلد الحرام قال اصرخ أي يوم هذا قالوا الحج الأكبر قال اصرخ فقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا في بلدكم هذا الحديث
قلت
وأحاديث هذه الترجمة هي الأصل في الإملاء الذي كان مستعملا عند المحدثين وإتخاذ المحدث المستملي إذ كثر الجمع وهو من يبلغ عنه وفي الصحيح عن أبي جمرة قال كنت أترجم بين ابن عباس والناس فإذا كثر الجمع بحيث لا يكفي مستمل اتخذ مستمليين فأكثر فقد أملى أبو مسلم الكجي في رحبة غسان وكان في مجلسه سبعة مستملون يبلغ كل
____________________
(1/70)
واحد منهم صاحبه الذي يليه وحضر عنده نيف وأربعون الف محبرة سوى من ينظر فقط وكان يحضر مجلس عاصم بن علي أكثر من مائة ألف إنسان يتعين أن يستدرك هنا على الشامي أيضا أمره صلى الله عليه وسلم بإستنصات الناس رجلا أطول الناس قامة أبلغهم وأنداهم صوتا
ففي الصحيح مكررا قوله صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي استنصت لي الناس في حجة الوداع وكان حاله كذلك تكليف الإمام عظيما من أصحابه يحشر له قومه
ترجم في الإصابة للحكم بن منهال فذكر أن أبا يعلى خرج من طريقه أبي الحويرث أنه سمع الحكم بن منهال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر أجمع لي قريشا وترجم فيها أيضا للفضل بن عباس فذكر أن البغوي خرج من طرقه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذ بيدي وقد عصب رأسه فأخذت بيده فأقبل حتى جلس على المنبر فقال ناد في الناس فصحت فيهم فاجتمعوا له فذكر الحديث
تنبيه
قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بيده في الخطبة سيفا وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس قبل إتخاذ المنبر على عادتهم ولم يحفظ أنه اعتمد على سيف
وما يظنه بعض الجهلة من أنه اعتمد على السيف إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله فإنه لم ينقل أصلا وتبعه الزركشي ونقله السخاوي في القول التام وأقره هـكذا في الفوائد الجنوية للأبياري
____________________
(1/71)
إرساله صلى الله عليه وسلم عليا يبلغ عنه نزول أول سورة القتال
وذلك أنه في مرجعه صلى الله عليه وسلم من تبوك بعث أبا بكر أميرا ليقيم الحج للناس فخرج ونزلت براءة فيمن نقض العهد العام الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين وبين قبائل من العرب على أمور مخصوصة فلما نزلت براءة انكشفت فيها سرائر قوم كانوا يستخفون بغير ما يظهرون حتى كانت السورة تسمى المبعثرة فبعث صلى الله عليه وسلم بصدرها علي بن أبي طالب وقال اخرج بهذه القضية فأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى إنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى موته فخرج على ناقته العضباء فلما أدرك أبا بكر بالطريق قال أمير أو مأمور قال مأمور ومضيا فأقام أبو بكر الحج وقام علي يوم النحر بما أمر به وأجل الناس أربعة أشهر من يومئذ ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ثم لاعهد لمشرك ولا ذمة إلا من كان له عهد خاص إلى مدة فهو له إلى مدته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف عريان وكان العهد العام أن لا يصد أحد يريد البيت عنه ولا يخاف في الأشهر الحرم قال القاضي أبو بكر بن العربي عن بعض العلماء إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل عليا ببراءة لأنها تضمنت نقض العهد الذي كان عقده فأراد قطع السنة العرب بأن يرسل ابن عمه من بيته لينقض العهد حتى لا يبقى لهم متكلم قال وهذا بديع هـ
وحكي الإمام فخر الدين في تفسيره عن الجاحظ أنه قال في قوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عن إلا رجل من أهل بيتي لا يدل على تفضيل علي على أبي بكر
____________________
(1/72)
وإنما عامل العرب بما يتعارفونه بينهم إن السيد الكبير إذا عقد لقوم عهدا فإنه لا يحل ذلك الأمر إلا رجل من أقاربه المقربين كأخ أو عم وقد كان أبو بكر الإمام والخطيب يومئذ وعلي مؤتما به انظر ما سيأتي في الكلام على المنادي الإمام في صلاة رمضان
في الموطأ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى في القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن يفرض عليكم ذلك في رمضان وفيها أيضا أن عمر خرج إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل ويصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئي واحد لكان أمثل فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرج الناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعية هذه
ترجم في الإصابة لزيد بن قنفد بن زيد بن جدعان التميمي فقال وجدت له خبرا يدل على صحبته قال عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج حدثت أنه أول من قام بالناس بمكة في خلافة عمر وكان من شاء قام لنفسه ومن شاء طاف وذكر أبو عمر في التمهيد أن أول ما جمع عمر الناس على إمام في رمضان كان في سنة أربع عشرة هـ
وفي طبقات ابن سعد أن عمر أول من جمع الناس للصلاة في رمضان وجعل للرجال من
____________________
(1/73)
يؤمهم وللنساء من يؤهم على حدة ذكر مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم
في صحيح مسلم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وابن أم مكتوم وقال عياض يعني في وقت واحد وإلا فقد كان له صلى الله عليه وسلم غيرهما أذن له أبو محذورة في مكة ورتبه لأذانه وسعد القرظ أذن بقباء ثلاث مرات ولاكن هذان لازما الأذان بالمدينة
وفي مختصر ابن يونس الفقهي قال ابن حبيب وقد أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم وسعد القرظ هـبواسطة أبي الحسن على المدونة وفي السيرة الحلبية
وأذن بين يديه صلى الله عليه وسلم زياد بن الحارث الصداءى وعبد العزيز بن الأصم اذن بين يديه مرة واحدة قلت عده عبد العزيز بن الاصم من جملة مؤذنيه فيه ما فيه وإن وقع لجماعة من المتأخرين وأصله ما في مسند الحارث بن أبي أسامة عن ابن عمر كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان أحدهما بلال والآخر عبد العزيز ابن الأصم ولاكن قال في الإصابة هو غريب جدا وفيه موسى بن عبيد ضعيف ثم ظهرت لي علته وهو أن ابا قرة موسى بن طارق أخرج مثله وزاد وكان بلال يؤذن بليل يوقظ النائم وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطه فظهر من هذه الرواية أن عبد العزيز اسم ابن أم مكتوم والمشهور في اسمه عمرو وقيل عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم فالأصم جد أبيه نسب إليه في هذه الرواية
____________________
(1/74)
وفي شرح انموذج اللبيب للشمس محمد الروضي المصري المالكي روى أصحاب السنن أن مؤذنيه صلى الله عليه وسلم كان عدتهم أربعة وعدهم في نور النبراس كذلك أربعة ثم قال وزيد عليهم أيضا إثنان فصاروا ستة والأربعة بلال وعبد الله بن أم مكتوم وسعد القرظ وأبو محذورة أوس والإثنان زياد بن الحارث الصداءي فإنه أذن مرة وأقام في صلاة الصبح وكان بلال غائبا فأراد أن يقيم فقال صلى الله عليه وسلم أن أخا صداء أذن ومن أذن فليقم والسادس عبد العزيز بن الأصم أذن مرة هـما نقله
قال بعضهم كان المؤذنون في زمانه صلى الله عليه وسلم مؤذنين بلال وابن أم مكتوم فلما كان زمن عثمان جعلهم أربعة وزاد الناس بعده وروي لما مات صلى الله عليه وسلم ترك بلال الأذان ولحق بالشام ولم يؤذن لأحد بعده صلى الله عليه وسلم وروي أنه كان يأتي كل عام المدينة لزيارته صلى الله عليه وسلم لما أن عاتبه صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له أنت جفوتنا يا بلال لم لا تزورنا ولما أن ذهب بلال إلى الشام أتى بسعد القرظ كان يؤذن بقبا ثم صار يؤذن بمسجده صلى الله عليه وسلم هـراجع بقيته فيه
فائدة
أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن القاسم بن عبد الرحمان أول من أذن في الإسلام بلال وأخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس وزاد أول من قام عبد الله بن زيد وانظر خير البشر بأذان خير البشر وفي خطط المقريزي قال الواقدي كان بلال يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بعد الأذان فيقول السلام عليك يا رسول الله وربما قال السلام عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله قال البلادري وقال غيره كان يقول السلام عليك يا رسول
____________________
(1/75)
الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي الفلاح الصلاة يا رسول الله فلما ولي أبو بكر الخلافة كان سعد القرظ يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله
قلت
ظفرت بمؤذن سابع له عليه السلام وهو ثوبان فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال أذنت مرة فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت قد أذنت يا رسول الله فقال لا تؤذن حتى تصبح ثم جئته أيضا فقلت قد أذنت فقال لا تؤذن حتى ترى الفجر ثم جئته الثالثة فقلت قد أذنت فقال لا تؤذن حتى تراه هكذا وجمع بين يديه ثم فرقهما انظر كنز العمال فهذا مؤذن سابع له صلى الله عليه وسلم وقد ظفرت بمؤذن ثامن في خطط المقريزي جاء أن عثمان بن عفان كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر هـمنها
ولم أر من ذكر عثمان ولا ثوبان المذكور في المؤذنين فإن معظم الأيمة اقتصر على أربعة ومنهم من عدهم خمسة وهو المشهور لدى المتأخرين وأما عدهم سبعة أو ثمانية كما ذكرنا فلم أسبق إليه والحمد لله وقد نظم أسماء الخمسة دون عبد العزيز بن الأصم البرماوي فقال كما في حاشية الرهوني على الزرقاني
( لخير الورى خمس من الغر اذنوا ** بلال ندي الصوت بدءا يعين )
( وعمرو الذي أم لمكتوم أمه ** وبالقرظ اذكر سعدهم اذ تبين )
( واوس أبو محذورة وبمكة ** زياد الصداء نجل حارث يعلن )
ونظمهم الشيخ التاودي ابن سودة أيضا فقال
____________________
(1/76)
( عمرو بلال وأبو محذرة ** سعد زياد خمسة مذكورة )
( قد أذنو جمعيهم للمصطفى ** نالوا بذلك رتبة وشرفا )
تنبيه
أبو محذورة المؤذن أمره المصطفى صلى الله عليه وسلم بالأذان بمكة عند منصرفه من حنين فلم يزل يؤذن فيها وبقي الأذان بمكة في نسل أبي محذورة وأولاده قرنا بعد قرن إلى زمن الشافعي انظر ترجمته من تهذيب النووي ذكر الموقت
في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا بحفظ الوقت في الموطأ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من خيبر أسري حتى إذا كان من آخر الليل عرس وقال لبلال أكلا لنا الصبح ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلأ بلال ما قدر له الحديث في قصة نوم الوادي
ولأبي داوود الطبراني من حديث عمرو بن أمية قصة أخرى وفيها إن الذي كلا لهم الفجر ذو مخبر ولإبن حبان عن ابن مسعود أنه كلالهم الفجر وهذا يدل على تعدد القصة فصل في إقتداء المساجد في صلاتهم بمؤذن المسجد الجامع
في الروض الأنف كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون بأذان بلال كذلك قال بكير بن عبد الله بن الأشجم فيما روى عنه أبو داود في مراسله والدارقطني في سننه
قال في نور النبراس عقبه وقد رأيت المزي في أطرافه عزاه إلى
____________________
(1/77)
المراسيل أخرج فيها عن محمد بن سلمة المرادي عن ابن وهب عن ابن لهيعة أن بكير بن الأشحم حدثه بهذا هـ
وأقربها مسجد بني عمرو بن النجار ومسجد بني شاعدة ومسجد بني سلمة ومسجد بني رابح من بني عبد الأشهل ومسجد بني زريق ومسجد غفار ومسجد أسلم ومسجد جهينة وشك في التاسع كذا قال والمشكوك فيه إذا عاشر انظر النور ولا بد
فائدة
قال الحافظ السيوطي في التوشيح في تاريخ ابن عساكر بسند ضعيف إن أول من قدر الليل والنهار إثني عشر ساعة نوح عليه السلام حين كان بالسفينة وفي الإكليل له على قوله تعالى ! ( وجعلنا الليل والنهار ) ! الآية أصل في علم المواقيت والهيئة والتاريخ هـ
وفيه أيضا على قوله تعالى ! ( وقدره منازل ) ! أصل في علم التوقيت والحساب ومنازل القمر والتاريخ هـ
وقد أخرج أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن ابن الزبير قال أخذ الأذان من أذان إبراهيم وأذن في الناس بالحج فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ زروق في حواشي الصحيح لا يبعد أن يكون أحد المقويات لرؤياهم حتى سكن إليها دون آرائهم المتقدمة إذ لا منافاة وسواء قلنا جاء به الوحي أم لا لإحتمال أن يكون الوحي ورد بعد ذلك مؤكدا لما عندهم من الرؤيا والنظر هـ
وفي خطط مصر للتقى المقريزي قال أبو عمرو الكندي في ذكر من عرف على المؤذنين بجامع عمر بن العاص بمصر كان أول من عرف على المؤذنين أبو مسلم سالم بن عامر بن عبد المرادي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أذن لعمر ثم عرف عليهم أخوه شرحبيل بن عامر وكانت له صحبة وذكر عن عثمان أنه أول من رزق المؤذنين
____________________
(1/78)
على أي شيء كانوا يؤذنون
في كتاب الجمعة من تشنيف السامع على قول الراوي في الصحيح فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء والزوراء قيل إنه مرتفع كالمنارة وفي النزهة الثمينة في أخبار المدينة لإبن النحاس وروى ابن إسحاق أن إمرأة من بني النجار قالت كان بيتي أطول من بيت حذاء المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر كل غداة فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال اللهم أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن وذكر أهل السير أن بلالا كان يؤذن على أسطوان في قبلة المسجد يرقى إليها باقتاب فيها وكانت خارجة من المسجد وهي قائمة إلى الآن في مسجد عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وروى نافع عن ابن عمر قال كان بلال يؤذن على منارة في دار حفصة بنت عمر التي تلي المسجد قال فكان يرقى على أقتاب فيها وكانت خارجة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن فيه وليست فيه اليوم وفي غير النزهة إنه لم يكن منار في زمانه صلى الله عليه وسلم وإنما هو من سنة الصحابة وكانوا في عهده يؤذنون عند باب المسجد لا بين يدي الإمام فإنما فعله هشام وذلك مكروه لأنه محدث أحدثه هشام كما نقل الذي كان بالزوراء إلى المسجد هـ
ونحوه في الوفاء للسيد السمهووي قائلا يظهر من سياق ما سبق له أن أول ما جعل المنار في المسجد كان في زيادة الوليد ثم لما ذكر ما سبق من أن بلالا كان يؤذن على منارة
____________________
(1/79)
في دار حفصة قال الظاهر أن الراوي تجوز في تسميته الأسطوان منارة على أن الراوي لذلك احترقت كتبه فكان يروي من حفظه فذكره والظاهر أن عمر وعثمان لم يتخذا منارة وإلا لنقل هـ
وفي البحر من كتب الحنفية لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم مأذنة هـ
ولما نقله الشمس بن عابدين في رد المحتار قال أثره وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الأوائل للسيوطي أن المآذن بنيت بأمر معاوية ولم تكن قبل هـمنه
قلت
هذا مع ما نقله الزرقاني على المواهب عن الشيخ خليل في التوضيح اختلف النقل هل كان يؤذن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أو على المنار الذي نقله أصحابنا أنه على المنار نقله عبد الرحمان بن القاسم في المجموعة وفي المرقاة عن ابن القاسم عن مالك أن الأذان في زمنه صلى الله عليه وسلم كان على المنارة وفي المدخل لأبي عبد الله بن الحاج السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار كذلك كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر هـ
وفي المدخل أيضا المنار عند السلف بناء يبنونه على سطح المسجد هـ
تتمة
في الدرر المرصعة في صلحاء درعة نقلا عن كتاب إنارة البصائر في منافب الشيخ بن ناصر وحزبه الهداة الأكابر ما نصه كان يعني الشيخ سيدي محمد بن ناصر يقتصر يوم الجمعة على مؤذن واحد وأذان واحد غير الإقامة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن في زمه ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه على ما هو الأشهر وصدر في خلافة عثمان وكان لا يؤذن في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد هذا هو الصحيح والمعتمد كما في فتح الباري
____________________
(1/80)
والأبي هـ
ولا يعكر عليه ما في المدخل لإبن الحاج وكان المؤذنون ثلاثة يؤذنون واحدا بعد واحد لقول صاحب عون المعبود على سنن أبي داوود أثره لم أقف على نقل صريح أن المؤذنين كانوا ثلاثة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يؤذنون يوم الجمعة واحدا بعد واحد بل سيجيء أنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد بلال هـ ذكر صاحب الخمرة
الخمرة كالحصير الصغير من سعف النخل يظفر بالسيور ونحوها بقدر الوجه والكفين من المصلي وفي المعالم للخطابي الخمرة السجادة التي يسجد عليها المصلي
روى البخاري عن ميمونة عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناوليني الخمرة من المسجد وروى النساءي عن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض
أفرد شيخنا الوالد مسألة صلاته صلى الله عليه وسلم على الخمرة الحصير بتأليف انظره الذي يحمل العنزة
في الصحيح عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل بين يديه ويصلي إليها والعنزة عصا قدر نصف الرمح أو أكبر لها ساق مثل ساق الرمح
وفي كتاب الوضوء من الصحيح باب من حمل الغنزة مع الماء في الإستنجاء خرج عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/81)
يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام أداوة من ماء وعنزة قال ابن باديس في الفوائد العنزة بتحريك النون أطول من العصا ودون الرمح فيها زج كزج الرمح وفي المشكاة العنزة المحجن عصا قدر الذراع وكان يمشي وهي في يده صلى الله عليه وسلم وتحمل بين يديه الكريمتين في العيدين حتى تركز أمامه سترة يصلي إليها ويقال إنها بقيت بالمدينة إلى أيام المأمون وفي عيون المعارف كانت له عنزة أخرى أخذها من الزبير بن العوام وكان الزبير أخذها من النجاشي هـ
وقال الحافظ السيوطي في التوشيح
فائدة روى عمر بن شبة في أخبار المدينة عن سعد القرظ أن النجاشي أهدى إليه صلى الله عليه وسلم حربة فأمسكها لنفسه فهي التي يمشي بها مع الإمام يوم العيد وفي طريق الليث أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يديه صلى الله عليه وسلم كان لرجل مشرك فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها منه النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينصبها بين يديه إذا صلى وجمع بأن عنزة الزبير كانت أولا قبل حربة النجاشي هـ
وفي سيرة ابن فارس أيضا وكان له محجن ومخصرة تسمى العرجون وقضيب يسمى الممشوق
قال شارحه المحجن بالتحريك الإعوجاج والمحجن كالصولجان وقيل المحجن دون العنزة قدر ذراع أو أكثر معوج الطرف كان يمشي به ويعلقه بين يديه على البعير والمخصرة كالسوط وكل ما اختصر الإنسان بيده وأمسكه من عصا ونحوها وقيل هي كالقضيب تستعمله العرب والأشراف في أيديها للتشاغل به وحك ما بعدت اليد عنه من الظهر والعرجون أصل العدق وكان هذا القضيب اقتطع من موضعه وهو باق
____________________
(1/82)
ببغداد عند خلفاء بني العباس هـكلام الفوائد
وفي طبقات ابن سعد كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد والإستسقاء انظر ترجمة بلال منها الذي كان يحمل العصا بين يديه صلى الله عليه وسلم ويتقدم إذا أراد أن يدخل منزله الكريم
قد سبق عن فتح المتعال للمقري أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام ألبسه عبد الله بن مسعود نعليه ثم يمشي بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة وانظر من جواهر البحار من رسالة مؤلفه مسماة بلوغ الآمال في مدح النعال
وللحافظ السيوطي رسالة سماها الأنباء بأن العصا من سنن الأنبياء وفي كتاب البيان والتبيين أنه كان له صلى الله عليه وسلم مخصرة وقضيب وعنزة تحمل بين يديه وهكذا كانت عادة عظماء العرب هـ
وفي الرسالة العلمية لأبي عثمان التجيبي وأما حمل الإشارة والقضيب فالإشارة المخصرة وهي عود أرق من العصا وأغلظ من القضيب طوله أربعة أشبار أو نحوها يحملها الفقراء بين أيديهم ويحملون أيضا السهم والأصل فيها السترة في الصلاة وكان له صلى الله عليه وسلم مخصرة وقضيب وعصية وعنزة وكانت العرب تحمل المخاصر وتخطب وهي في أيديها ويتخذونها في مجالسهم هـ
وفي المجمل والمخصرة قضيب يكون مع الخطيب أو الملك إذا تكلم هـ
فائدة
وفي جمع الجوامع عازيا للبيهقي وابن عساكر عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أنه كان عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فدفنت معه بين جنبيه وقميصه
____________________
(1/83)
المسرج وهو الموقد
في الإستيعاب سراج مولى تميم الداري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في خمسة غلمان لتميم وأنه أسرج للنبي صلى الله عليه وسلم بقنديل الزيت وكانوا لا يسرجون قبل ذلك إلا سعف النخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسرج مسجدنا فقال تميم غلامي هذا فقال ما اسمه قال فتح قال النبي صلى الله عليه وسلم بل اسمه سراج قال فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجا
وخرجه الخطيب بسند ساقه في الإصابة في ترجمته وفيه كان يسرج مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعف النخل فقدمنا بالقناديل والزيت والحبال فأسرجت المسجد راجع ترجمته في الإصابة
وترجم في الإصابة أيضا لأبي البراد غلام تميم الداري فقال ذكره المستغفري في الصحابة
وأخرج من طريق محمد بن الحسن بن قتيبة عن سعيد بن زياد بن فائده عن أبيه عن جده عن أبي هند قال حمل تميم الداري معه من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك يوم الجمعة فأمر غلاما له يقال له أبو البراد فقام فشد المقط وهو بضم الميم وسكون القاف وهو الحبل وعلق القناديل وصب الماء فيها وجعل فيها المفتل فلما غربت الشمس أسرجها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو يزهر فقال من جعل هذا قالوا تميم يا رسول الله قال نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة أما إنه لو كان لي إبنة لزوجتكها فقال نوفل بن الحرث بن عبد المطلب لي ابنة
____________________
(1/84)
يا رسول الله تسمى أم المغيرة بنت نوفل فافعل فيها ما أردت فأنكحه إياها على المكان وسنده ضعيف هـ
وفي التجريد للذهبي أبو البراد غلام تميم الداري ذكر في حديث منكر هـ
وفي سنن ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال أول من أسرج في المساجد تميم الداري وقد ذكر الحديث السابق عنه أيضا عيسى بن إسماعيل الرعيني في كتابه الجامع لما في المصنفات الجوامع قال في تحفة الأكابر عليه يؤخذ منه أنه إذا وردت مصابيح من عند الكفار وقد كانت معلقة في كنائسهم وعلى رؤوس صلبانهم جاز تعليقها في مساجد المسلمين ومعتمد الجواز إباحة الإنتفاع بأواني أهل الكتاب كما هو مقرر في الشريعة الخ انظر بقيته فيها هل أوقدت الشموع في المدينة على عهده صلى الله عليه وسلم
في السنن عن ابن مسعود قال رأيت ونحن في غزوة تبوك شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وفي جامع الترمذي في باب الدفن بالليل عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج الحديث قال الحافظ السيوطي قوله شعلة نار أي ضوء الشمعة وذلك أنه أجاب من سأله هل الشمع وقد عنده صلى الله عليه وسلم وأفرد ذلك برسالة سماها مسامرة السموع في ضوء الشموع
وفي باب الصلاة على الفراش من الصحيح عن عائشة قالت كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/85)
ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها قالت والبيوت يؤمئذ ليس فيها مصابيح قال الحافظ في الفتح وقولها والبيوت ليس فيها يومئذ مصابيح قال الحافظ في الفتح وقولها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح كأنها أرادت به الإعتذار عن نومها على تلك الصفة قال ابن بطال وفيه إشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون هـ
وفي السيرة الشامية جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس في بيت مظلم إلا أسرج له فيه أخرج البزار وأبو الحسن بن الضحاك عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم لا يجلس في بيت مظلم إلا أسرج له فيه سراج وأخرج ابن سعد عنها نحوه وفي البيان والتبيين للجاحظ أن جذيمة الأبرش آخر ملوك قضاعة بالحيرة هو أول من رفع الشمع وفي شرح المنهج للمنجور أن البرزلي سئل عن جعل الثريا والقناديل في المسجد فأجاب أن جعل الحصر ومطلق الإستصباح من باب ترفيع المساجد وقد ورد ثواب جزيل في إستصباحه وحكى الزمخشري في تفسير قوله تعالى ! ( إنما يعمر مساجد الله ) ! الآية عن أنس من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوء وقال العمارة تتناول تجديد ما استرم منها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها وإعتبارها للعبادة والذكر
وأما كثرة المصابيح في رمضان فقد طعن فيه بعض المغاربة بأنه بدعة والصواب أنه من باب ترفيع المساجد هـأنظر بقيته في نوازل البرزلي وشرح المنهج ولا بد المجمر
في سنن أبي داوود عن عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/86)
ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف
ثبت ذلك أيضا في مسند أحمد وابن ماجه وصحيح ابن خزيمة وغيرهم
وفي كتاب الجامع من البيان والتحصيل لإبن رشد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال جمروا مساجدكم وفي التمهيد عبد الله المجمر مولى عمر بن الخطاب كان يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر وقد قيل إنه كان من الذين يجمرون الكعبة والأول أصح والتجمير التبخير
وفي فتح الباري على باب فضل الوضوء نعيم المجمر بضم الميم وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المزني وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف نعيم ابنه بذلك مجاز وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيما كان يباشر ذلك هـمنه الذي يقم المسجد ويلتقط الخرق والقذى والعيدان منه
خرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا ماتت قال أفلا كنتم آذنتموني قال فكأنهم صغروا أمرها فقال دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها
ورواه ابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال إن امرأة كانت تلقط الخرق والعيدان من المسجد ورواه ابن خزيمة أيضا وابن ماجه عن أبي سعيد قال كانت سوداء تقم المسجد فتوفيت ليلا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بها فقال ألا آذنتموني فخرج بأصحابه
____________________
(1/87)
فوقف على قبرها فكبر عليها والناس خلفه ودعا لها ثم انصرف
وخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن امرأة كانت تلتقط القذى من المسجد فتوفيت فلم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا مات لكم فآذنوني وصلى عليها وقال رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد
وروى أبو الشيخ عن عبيد بن مرزوق قال كانت امرأة في المدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم فمر على قبرها فقال ما هذا القبر فقالوا أم محجن فقال التي كانت تقم المسجد قالوا نعم فصف الناس فصلى عليها ثم قال أي العمل وجدت أفضل قالوا يا رسول الله أتسمع قال وما أنتم بأسمع منها فذكر أنها أجابته وهذا مرسل
وقم المسجد بالقاف وتشديد الميم كنسه
وقد ترجم ابن السكن في الصحابة ثم من بعده الخرقاء فساق عن أبي السفر عن الخرقاء قال وكانت امرأة حبشية تلقط القذى وتميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها كفلان من الأجر وترجم في الإصابة محجنة وقيل أم محجن فقال إمرأة سوداء كانت تقم المسجد وقع ذكرها في الصحيح بغير تسمية وسماها يحيى بن أبي أنيسة وهو متروك عن علقمة بن مرتد عن رجل من أهل المدينة قال كانت امرأة من أهل المدينة يقال لها محجنة تقم المسجد فتفقدها صلى الله عليه وسلم الحديث
وأخرج الطبراني في الكبير وأشار المنذري إلى ضعفه عن أبي قرصافة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أبنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها فمن بنى لله مسجدا بني الله له بيتا في الجنة فقال رجل يا رسول
____________________
(1/88)
الله وهده المساجد التي تبنى في الطرق قال نعم وإخراج القمامة منها مهور الحور العين وفي الآداب الكبرى لإبن مفلح أنه ينبغي أن يكون الكنس ونحوه يوم الخميس فهو سنة
تنبيه
نقل الشمس السفاريني عن فتاوي الحافظ ابن تيمية لما تكلم على من يقيم في المسجد إقامة مشروعة وكالمرأة التي كانت تقم المسجد وكان لها حفش فيه والحفش كما في المطالع بالحاء المهملة والفاء فشين معجمة الدرج وجمعه حفاش وفي الحديث هل لأجلس في حفش أمه أي بيتها شبه ببيت أمه في صغره به وقال الشافعي هو البيت القريب السمك وقال مالك هو الصغير الخرب وقيل الحفش شبه القبة تجمع فيه المرأة غزلها وسقطها كالدرج يصنع من الخوص يشبه به البيت الصغير الحقير قال ابن تيمية فإذا احتاج أحد هؤلاء إلى سترة كخيمة سعد وحفش المرأة كان جائزا فأما أن يتخذ المسجد مسكنا دائما ويتخذه مبيتا ومقيلا ويختص بالحجرة اختصاص أهل الدور بدورهم دائما فهذا يقرب من إخراج هذه البقعة عن حكم المسجد الرجل يأخذ الناس بالصلاة في الجماعة ويشتد عليهم في تركها
كان صلى الله عليه وسلم يباشر ذلك بنفسه حتى أنه هم بحرق الدور على الذين لم يشهدوا معه الجماعات كما في الصحيحين وغيرهما
وذكر الزمخشري في الكشاف أن المصطفى استعمل عتاب بن أسيد على أهل مكة وقال فقد استعملتك على أهل الله فكان شديدا على المنافقين هينا على المؤمنين وقال والله لا أعلم متخلفا عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف
____________________
(1/89)
عن الصلاة إلا منافق
وقال أبو زيد المجاجي في شرحه على مختصر ابن أبي جمرة ذكر غير واحد ممن ألف في السير أن عمر بن الخطاب وعليا كانا من عادتهما إذا طلع الفجر خرجا يوقظان الناس لصلاة الصبح وأن ذلك سبب قتلهما فيوخذ منه أن إيقاظ الناس ليس بمكروه ولا محرم بل هو من باب التعاون على البر وكذا يوخذ من قول عمر أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان
أقول
هذا مستند السلطان أبي عنان المريني ففي تاريخ بيوتات فاس لأبي زيد الفاسي لدي كلامه على بيت بني زنبق بفتح الزاي وسكون النون وفتح الباء منهم أبو المكارم منديل بن زنبق وهو محرض الناس على الصلاة في أوقاتها ويضرب عليها بالسياط والمقاريع بأمر أمير المؤمنين أبي عنان الرجل يتقدم إلى المصلين يرتب صفوفهم ويضربهم على ذلك
قال الإمام أحمد في كتاب الصلاة أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقبهم بالدرة حتى يستوون قال بعض العلماء قد يشبه أن يكون هذا من بلال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إقامته قبل أن يدخل في الصلاة لأن الحديث جاء عن بلال أنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوما واحدا عند مرجعه من الشام في مدة أبي بكر الرجل يمنع الناس عن المنازعة واللفط في المسجد
في الصحيح عن السائب بن يزيد قال كنت نائما في المسجد فحصبني
____________________
(1/90)
رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال فاذهب فأتني بهاذين فجئته بهما فقال من أنتما ومن أين أتيتما قالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل البلد لا وجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في المسجد تسمى البطيحا وقال من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أون يرفع صوته فليخرج إلى الرحبة وفي الإستيعاب أن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم كان في الجاهلية رءيسا على قريش وإليه كانت عمارة المسجد الحرام ولا يقول فيه هجرا يحملهم على عمارته في الخير لا يستطيعون لذلك إمتناعا لأنه كان ملا قريش اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك فكانوا له أعوانا وسلموا ذلك إليه ذكر ذلك الزبير وغيره من العلماء بالخبر والنسب صاحب الطهور
قال الشبراملسي قوله صاحب وضوئه لعل المراد أنه كان يباشره في وضوئه إذا توضأ كان يعاونه بصب الماء عليه إذا احتاج إليه هـ
أقول
بل أعم من ذلك فصاحب الطهور والوضوء يهيئي له الماء لوضوئه وإستنجائه ويحمله له إذا ذهب وأبعد ويعينه بالصب ونحوه ذكر من كان يتولى ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
منهم ابن مسعود كان معروفا بكونه صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه وفي مسلم عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/91)
يتبرز لحاجته فآتيه بالماء فيغتسل به وفي البخاري عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام ومعه أداوة ماء يعني يستنجي بها قال ابن الجوزي في كشف المشاكل أداوة إناء من جلد كالركوة
قوله أنا وغلام زاد في رواية البخاري منا أو من الأنصار وبه صرح الإسماعيلي ولمسلم نحوي أي مقارب لي في السن والغلام هو المترعرع قاله أبو عبيد وفي المحكم من لدن الفطام إلى سبع سنين وفي الأساس الغلام الصغير إلى حد الإلتحاء فإن قيل له بعده غلام فمجاز قيل الغلام ابن مسعود لقول أبي الدرداء لعلقمة بن قيس أليس فيكم صاحب الطهور يعني ابن مسعود فيكون أنس سماه غلاما مجازا ويكون معنى قوله منا أي من الصحابة أو من خدمه صلى الله عليه وسلم وقوله في رواية الإسماعيلي من الأنصار لعلها من تصرف الراوي أو رءا في الرواية منا فحملها على القبيلة فرأوها على المعنى أو لأن إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ وإن خصه العرف بالأوس والخزرج لاكن يبعده رواية مسلم غلام نحوي فوصفه بالصغر ويحتمل أنه أبو هريرة فعنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجي ويؤيده ما رواه البخاري في قصة الجن عن أبي هريرة أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الأداوة لوضوئه وحاجته ويكون المراد بقول أنس نحوي أي في الحال لقرب عهده بالإسلام
ويحتمل أنه جابر ففي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فاتبعه جابر بإداوة سيما وجابر أنصاري
____________________
(1/92)
ووقع للإسماعيلي في روايته فاتبعته وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حالية لاكن تعقبها الإسماعيلي بأن الصحيح أنا وغلام بواو العطف انظر الفتح وترجم في الإصابة لا ميمة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أخرج محمد بن نصر وابن السكن والحسن بن سفيان وغيرهم عن أميمة المذكورة أنها كانت توضئي النبي صلى الله عليه وسلم قالت فأفرغ على يديه الماء إذ دخل عليه رجل فقال إني أريد اللحوق بأهلي الحديث
وذكر في المواهب خير والد عبد الله بن خير مولى العباس رضي الله عنه قال كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وهبه لعمه العباس
قال شارحها رواه سمويه بعني في فوائده والبخاري في التاريخ أن حنينا كان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم فوهبه للعباس عمه فأعتقه فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا توضأ خرج بوضوئه لأصحابه فحبسه حنين فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال حبسته لأشربه
وأخرج ابن ماجه عن أم عياش مولاة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت كنت أوضئي النبي صلى الله عليه وسلم أنا قائمة وهو قاعد
وفي الإستيعاب أميمة خادمة وحديثها أنها كانت توضئي النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن عساكر والحسن بن سفيان وغيرهما
وفي السيرة الشامية أن أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على مطهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاطي حاجته
وفي باب الإستنجاء بالحجارة من الصحيح عن أبي هريرة اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال أبغني أحجارا أستنفض بها أو نحوها ولا تأتني بعظم ولا روث
____________________
(1/93)
فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت فلما قضى اتبعته بهن قال في الفتح وفي الحديث جواز استتباع السادات وإن لم يأمروا بذلك واستخدام الإمام بعض رعيته والإعانة على إحضار ما يستنجي به وإعداده عنده ليلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن اللوت هـ هل كان صلى الله عليه وسلم يستعمل الماء السخن أو دخل الحمام
وجدت بخط شيخنا الأستاذ الوالد على الفتح في باب وضوء الرجل مع امرأته لذي قول البخاري وتوضأ عمر بالحميم ما نصه ذكر أبو عمر بن عبد البر أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعمل الماء السخن لا في وضوء ولا في غسل هـ
وفي الفجر الساطع لشيخنا الشبيهي على الترجمة المذكورة ما نصه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت أنه استعمله في وضوء ولا غسل قاله ابن زكري هـمنه
وفي المواهب الحديث الذي يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة بالضم ميقات أهل الشام فموضوع بإتفاق أهل المعرفة بالحديث كما قاله الحافظ ابن كثير بل لم تعرف العرب الحمام ببلادهم إلا بعد موته صلى الله عليه وسلم هـ
قال الزرقاني في شرحها وما ذكره الديلمي بلا سند عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر طاب حمامكما فمحمول إن صح على الماء المسخن خاصة من عين ونحوها وكذا كل ما جاء فيه ذكر الحمام قاله السخاوي وأورد عليه ما رواه الخرائطي ويعقوب بن سفيان في تاريخه وابن عساكر عن محمد بن زياد الإلهاني قال كان ثوبان جارا لي وكان يدخل الحمام فقلت وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/94)
يدخل الحمام فهذا يمنع تأويله بما قال إذ لا ينكر محمد بن زياد استعمال المسخن على ثوبان ولاكن إسناده ضعيف جدا هـمنه
وذكر ابن حجر الهيثمي في شرح الشمائل أنه وقع في كلام الدميري وغيره دخوله صلى الله عليه وسلم للحمام وممن نقل ذلك عن الدميري الشيخ التاودي في شرح جامع خليل وقال عقبه قال النووي في شرح المهذب هو حديث ضعيف هـ
فلم يجزم بالبطلان كعبارة المواهب السابقة
وربما يستروح وجوده في الزمن النبوي من الأحاديث الواردة في أحكامه انظر كتب السنن ورسالتنا الإلمام بما ورد في الحمام
وفي كشف الغمة للعارف الشعراني كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهرون بالماء المسخن بالنار ويكرهون التطهر بالماء المشمس هـ
وفي الأحياء دخل الصحابة لحمامات الشام وقال ابن عمر الحمام من النعيم الذي أحدثوه وعن أبي الدرداء وأبي أيوب نعم البيت الحمام يطهر البدن ويذكر النار هـ
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي أن جماعة من الصحابة كانوا يغتسلون بالماء الحار منهم عمرو ولده عبد الله وابن عباس وسلمة بن الأكوع والأسلع بن شريك وغيرهم انظر الكلام على قول عائشة أسخنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماء في الشمس ليغتسل به فقال لي يا حميراء لا تفعلي فإنه يوزث البرص في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي وتخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير لإبن حجر وانظر السعاية على الوقاية لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي منه أيضا
____________________
(1/95)
وضوءه صلى الله عليه وسلم في آنية زجاج
بوب أبن خزيمة في صحيحه الوضوء من آنية الزجاج
وروى من طريق أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء فأتى بقدح من زجاج
قال ز على هب مثلث الزاي كما في النور هـ
وقال الحافظ في الفتح بزاي مضمومة وجيمين
وتبويب ابن خزيمة ضد قول من زعم من الصوفية أن ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه
وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج لاكن في إسناده مقال
وفي المواهب بعث به إليه النجاشي فكان يشرب منه زاد الشامي وآخر من فخار هـ وضوءه صلى الله عليه وسلم في الطست من صفر وغيره
في الصحيح عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء فأتى بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه
قال الحافظ رحراح بمهملات مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم
قال الخطابي الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر وهذه الصفة شبيهة بالطست هـمنه
وأخرج البيهقي في الشعب والخطيب البغدادي والديلمي في مسند الفردوس عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رفعه أترعوا الطسوس وخالفوا المجوس أترعوا أي املئوا والطسوس من جموع الطست الإناء المعروف وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في المخضب وهو ما يغسل فيه الثياب من الخشب أو الحجارة وفي القدح وفي أواني الخشب والحجارة وفي تور شبه الطست إناء من صفر وفي آنية النحاس وفي قدح من زجاج وقد
____________________
(1/96)
ترجم لكل ذلك البخاري في كتاب الوضوء وفي سنن أبي داوود باب الوضوء في آنية الصفر وبوب الحافظ نور الدين الهيثمي في المجمع باب الوضوء من النحاس وانظر تأليفنا في حديث أترعوا الطسوس صاحب السواك
في البخاري أن صاحب السواك والوساد ابن مسعود ترجم في الإصابة لبريرة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن ابن أبي شيبة خرج عن عبد الله بن بريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من الليل دعا جارية له يقال لها بريرة بالسواك وانظر تأليف سيدنا الخال في السواك وما يتعلق به إتخاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرسي
ذكر الدارقطني في العلل من حديث علي قال كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غداة إذا تنحنح دخلت وإذا سكت لم أدخل قال فخرج إلي فقال حدث البارحة أمر سمعت خشخشة في الدار وذكر قصة فيها فإذا بجرو للحسن تحت كرسي لنا وفي المشرع الروي الكرسي هو الذي يجلس عليه وقيل لا يفضل عن مقعد القاعد ذكر جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على الكرسي
في صحيح مسلم وسنن النساءي والنص لمسلم عن حميد بن هلال قال قال أبو رفاعة العدوي انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجل غريب يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال فأقبل
____________________
(1/97)
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها
الحديث المذكور غفل السيوطي في الجمع والهندي في الكفر فاقتصرا على عزوه للطبراني في الكبير وابي نعيم مع أنه كما علمت في مسلم وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وفيه جلوسه صلى الله عليه وسلم على كرسي قوائمه من حديد حتى في المسجد والناس ينظرون ففيه جواز ذلك وأنه لا يعد مذموما وقد قربت مرة إلى رجل من الصالحين كرسيا لجلوسه فأبى ورأى أنه من التشبه المذموم وقد ترجم البخاري في الأدب المفرد باب الجلوس على السرير فذكر قصة جلوس معاوية على سرير وقول أبي قرة جلست مع ابن عباس على سرير وقول أبي جمرة كنت أقعد مع ابن عباس فكان يقعدني على سريره فقال لي أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي فأقمت عنده شهرين وقصة جلوس أنس مع أمير البصرة الحكم على سرير وقصة أبي رفاعة العدوي السابقة عن مسلم وفيها فأتى بكرسي خلت قوائمه من حديد قال حميد ولاكن زاد أراه خشبا أسود حسبته حديدا فقعد عليه
وعن موسى بن دهقان قال رأيت ابن عمر جالسا على سرير عروس عليه ثياب حمر
وعن عمران بن مسلم قال رأيت أنسا جالسا على سرير واضعا إحدى رجليه على الأخرى والله أعلم
وقد ذكر المبرد في الكامل في قصة حبس عمر بن الخطاب للحطيئة على هجوه للزبرقان قال إن عمر دعا
____________________
(1/98)
بكرسي فجلس عليه ودعا بالحطيئة فأجلس بين يديه ودعا بآلة القطع يوهمه أنه عامل على قطع لسانه الخ القصة وفي سنن النساءي عن عبد خير قال شهدت عليا دعا بكرسي فقعد عليه ثم دعا بماء في تور فغسل يديه ثلاثا الخ القصة
وفي تاريخ الوزير جودت باشا التركي نقلا عن تاريخ واصف أفندي التركي أن سيدنا يوسف عليه السلام كان يجري الأحكام وهو جالس على كرسيه وأن سيدنا سليمان عليه السلام كان ينفذ الأحكام أيضا وهو على كرسي مرتفع وأن سيدنا معاوية اتخذ لنفسه دائرة خصوصية كان يجلس فيها على كرسي مثل التخت ويجري الأحكام هـ
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن يحيى بن أيوب عن الكناني رسول عمر إلى هرقل وكان يقال له جثامة بن مساحق بن الربيع بن قيس الكناني قال جلست فلم أدر ما تحتي فإذا تحتي كرسي من ذهب فلما رأيته نزلت عنه فضحك فقال لي لم نزلت عن هذا الذي أكرمناك به فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا انظر ترجمة جثامة بن مساحق من فضائل الصحابة من كنز العمال
فانظر كيف جلس على الكرسي أولا ثم نزل عنه لا لأنه كرسي بل لما رآه من ذهب فلو وجده من غيره مما يباح استعماله لأسترسل جالسا عليه والله أعلم في السقاء وفيه فصول
فصل من أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء في باب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم للأصبهاني عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/99)
يستعذب له الماء من بيوت السقيا
قال قتيبة وهي عين بينها وبين المدينة يومان هـ
قال السيد السمهودي في الخلاصة حين ذكر حديث عائشة المذكورة رواه أبو داوود بهذا اللفظ وسنده جيد وصححه الحاكم وللواقدي من حديث سلمى امرأة أبي رافع قالت كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بير مالك بن النضر والد أنس ثم كان أنس وحارثة أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا وكان رباح عبده الأسود يسقي له من بير غرس مدة ومن بير السقيا التي ذكرها المطيري أنها آخر منزلة السقاء على يسار السالك إلى بير علي بالمحرم ثم قال بعد تفسير قتادة السابق ما نصه العين المذكورة معروفة بطريق مكة القديمة وهي من عمل الفرع وعلى ما قاله المجد إلا أنها ليست المرادة هنا فكأنه لم يطلع على أن بالمدينة سقيا هـ فصل في سقي الماء له صلى الله عليه وسلم من الآبار الطيبة بالمدينة
ترجم في الإصابة للهيثم بن نصر بن زاهر الأسلمي فقال ذكره الواقدي ممن خدم النبي صلى الله عليه وسلم
وأخرج بسند له عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج فكنت آتيه بالماء من بير أبي الهيثم بن التيهان جارهم وكان ماؤها طيبا ولقد دخل يوما ضائفا على أبي الهيثم ومعه أبو بكر فذكر القصة فصل فيما جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرد له الماء
في صحيح مسلم عن جابر في حديثه الطويل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/100)
يقول فيه يعني جابر فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر ناد بوضوء قال قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في إشجاب له على حمارة من جريد وفي المشارق إشجاب جمع شجب بسكون الجيم وفتح الشين وهو ما قدم من الغرب والحمارة وتسمى الحمار وهي الأعواد التي تعلق عليها هالة القربة والجريد سعف النخل فصل في طلبه صلى الله عليه وسلم ماء زمزم من مكة إلى المدينة وتحريضه على التعجيل بأصرح عبارة
ترجم في الإصابة لاثيلة الخزاعي فذكر عن أبي قرة موسى بن طارق أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى سهيل بن عمرو إن جاءك كتابي ليلا فلا تصبحن أو نهارا فلا تمسين حتى تبعث إلي من ماء زمزم قال فاستعان سهيل بأثيلة الخزاعي حتى جعل مزادتين ملاهما سهيل من ماء زمزم وبعث بهما على بعيره ورواه المفضل بن محمد الجنوي
ثم ترجم في الإصابة أيضا أزيهر مولى سهيل بن عمرو له صحبة أرسله مولاه سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم وروى الفاكهي من طريق محمد بن سليمان عن حرام بن هشام عن أبيه عن أم معبد قال مر بي بخيمتي غلام سهيل أزيهر ومعه قربتا ماء فقلت ما هذا فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مولاه سهيل يستهديه ماء زمزم فإني أعجل السير لكيلا تنشف القرب فصل في الروايا تسافر مع المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن كان يذهب يملاها
____________________
(1/101)
ترجم في الإصابة لفائد مولى عبد الله بن سلام فقال أخرج له المفيد بن النعمان الرافضي في مناقب علي حديثا من طريق إبراهيم بن عمرو عمن حدثه عن فائد مولى عبد الله بن سلام قال نزل النبي صلى الله عليه وسلم الجحفة في غزوة الحديبية فلم يجد بها ماء فبعث سعد بن مالك فرجع بالروايا واعتذر فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا فلم يرجع حتى ملاها ورمز لهذه الترجمة بحرف الزاي فصل في ساقي النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين
خرج مسلم عن أنس قال لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدحي هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن فصل في ساقيه صلى الله عليه وسلم من اليهود
في صبح الأعشى أنه روي أنه صلى الله عليه وسلم استسقى فسقاه يهودي فقال له جملك الله فما رأى الشيب في وجهه حتى مات وأخذ منه جواز الدعاء للكفار في المخاطبات
قلت
كأن هذه القصة هي الآتية تحت ترجمة دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أزال شعرة من مائه
ومن باب استخدامه صلى الله عليه وسلم ليهودي ما في طبقات ابن سعد في ترجمة أسق اليهودي مولى عمر بن الخطاب أنه كان مملوكا لعمر بن الخطاب وكان يعرض صلى الله عليه وسلم فيأبي فقال له عمر لا إكراه في الدين فلما حضرت عمر الوفاة أعتقه وهو نصراني وقال اذهب حيث شئت
____________________
(1/102)
فصل في سقي الماء
في الصحيح عن ثعلبة بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب قسم مروطا بين نساء من نساء المدينة فبقي مرط جيد فقال له بعض يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب فقال عمر أم سليط أحق أم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد وفي المشارق تزفر لنا القرب أي تحملها على ظهرها تسقي الناس منها الإنتباذ في الأواني الخضر
ترجم ابن الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة مسلم بن عمير الثقفي فذكر أن الطبراني أخرج عن عمير قال أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرة خضراء فيها كافور فقسمه بين المهاجرين والأنصار وقال يا أم حليمة انتبذي لنا منها وفي التجريد للذهبي مسلم بن عمير الثقفي روى عنه مزاحم بن عبد العزيز إن صح الحديث دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أزال شعرة من مائة
ترجم الحافظ في الإصابة لأبي زيد بن أخطب فذكر أن أحمد خرج عنه قال استسقى النبي صلى الله عليه وسلم ماء فأتيته بقدح فيه ماء فكانت فيه شعرة فأخذتها فقال اللهم جمله قال فرأيته ابن أربعة وتسعين ليس في لحيته شعرة بيضاء وصححه ابن حبان والحاكم
____________________
(1/103)
الخادم يخدم عند الأكل
ذكر أبو عمرو صاحب التهذيب في مواليه صلى الله عليه وسلم أبو عبيد وقال هو الذي قال له صلى الله عليه وسلم ناولني الذراع فقال كم للشاة من ذراع فقال فوالذي نفسي بيده لو سكت لناولتني الذراع ما دعوت أخرجه في الشمائل قال أبو عمرو يقال إنه خادمه أوانيه صلى الله عليه وسلم
قال العاملي في بهجة المحافل كان له صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغرباء يحملها أربعة رجال لها أربع حلق قال العلامة ابن الأشخر اليمني في شرحها رواه أبو داوود عن عبد الله بن بشر ورواه الطبراني عن عبد الله بن زيد قال العامري وكان له قدح من خشب بثلاث ضبات من فضة وقيل من حديد وفيه حلق تعلق به وكان بعده عند أنس بن مالك ثم عند بنته بعد وكان له قدح من زجاج قال ابن الأشخر يشرب فيه كما رواه ابن ماجه عن ابن عباس وقال من قوارير هـ
وكان له قدح آخر يقال له الريان قدح من الحجارة ومخضب من شبه يكون فيه الحناء والكتم يوضع على رأسه إذا وجد حرا وكان له مغتسل من صفر وصاع يخرج به فطرته صلى الله عليه وسلم قال ابن الأشخر وكان له سرج يسمى الراج بالمهملة والجيم وكان له بساط يسمى الكز بالكاف والزاي وكان له ركوة تسمى الصادر أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس وكان له قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل أخرجه أبو داوود والترمذي والحاكم عن أميمة بنت رقية والعيدان بفتح المهملة جمع عيدانة وهي النخلة الطويلة ه
____________________
(1/104)
هل كانوا يهنئون الشارب في الزمن النبوي
عن ابن جريج قال أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان وهي الطوال من النخل ثم توضع تحت سريره فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لإمرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة أين البول الذي كان في القدح قالت شربته قال صحة يا أم يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذي ماتت فيه رواه عبد الرزاق في مصنفه وأبو داوود متصلا عن ابن جريج عن حكيمة عن أمها أميمة وصحح ابن دحية أنهما قصتان وقعتا لإمرأتين وقد وضح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن وهوالذي ذهب إليه البلقيني
قلت
وحكيمة المذكورة بضم الحاء المهملة وفتح الكاف مصغر كما في التبصير وغيره تابعية وفي الإصابة عن أبي نعيم لم يرو عنها إلا ابن جريج ونحوه في مختصر التهذيب فإنه لم يذكر لها راويا سواه وفي مرقاة الصعود للسيوطي لم ترو حكيمة إلا عن ابن جريج زاد الذهبي روى عنها بصيغة عن أي وهو مدلس فيتقي من حديثه ما عنعن فيه وكذا لأبي داوود وأبي نعيم لاكن في الإستيعاب وجامع الرعيني بصيغة التحديث فإن ثبت فلم يبق إلا الجهل بحكيمة فقد قال الذهبي في الميزان في ترجمة حكيمة غير معروفة قال الزرقاني المالكي عن قوله صلى الله عليه وسلم لها صحة بكسر الصاد والنصب أي جعله الله صحة أو الرفع أي ما شربته صحة أي سبب لها
وفيه إن قول ذلك مستحب للشارب ويقاس عليه الأكل وحكمته أنه يخشى منهما السقم ونحوه كما قيل
____________________
(1/105)
( فإن الداء أكثر ما تراه ** يكون من الطعام أو الشراب ) هـمنه
وقال الشهاب الخفاجي في شرح الشفا على الحديث المذكور مانصه في قوله صلى الله عليه وسلم صحة ما يدل على أن الدعاء به بعد الشرب سنة لا بدعة هـ
ثم وجه بما سبق عن الزرقاني وأنشد البيت المذكور أيضا
وفي حاشية النور على الشبراملسي على المواهب على قوله صحة أيضا يؤخذ منه أن قول صحة سنة وينبغي أن يكون مثل الشرب الأكل هـ
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن الحاج العبدري المالكي في المدخل قول صحة لمن يفرغ من الشرب وإن كان دعاء حسنا فإتخاذه عند الشرب بدعة فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم أيمن لما أن شربت بوله صحة فهذا ليس فيه حجة فإنه لم يكن ثم ماء يشرب وإنما هو البول وهو إذا شرب عاد بالضرر فقال صلى الله عليه وسلم صحة لينفي عنها ما تتوقعه مما جرت به العادة من بول غيره بخلاف شرب الماء
ويدل على ذلك أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ في غير هذا الموطن ولا عن أحد من الصحابة والسلف فلم يبق إلا أن يكون بدعة هـ
وهو وجيه إلا أن آداب الإسلام لا تنافي التهنئة بالشراب والأكل
وقول صحة للشارب جرت مجرى الليل والنهار في المغرب الأوسط حتى ربما كنت أستثقل هناك الشراب لأجل تهافتهم على تهنئة الشارب بها من أفواه جميع من حضر
وفي الحجاز ومصر يقولون هنيئا مريئا
وربما يقام لهم الدليل على ذلك من حكايته سبحانه عن تهنئة أهل الجنة لمن يأكل فيها من الداخلين ! ( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) !
____________________
(1/106)
وقد رأيت في رحلة عالم المغرب الأوسط الشيخ أبي رأس المعسكري أنه لما دخل إلى فاس حضر وليمة بها فشرب بعض الطلبة بمحضره قال فبادرته بلفظ صحة فضحك مني من حضر حتى قرعت سن الندم ثم قلت ماسندكم في الترك فقالوا تلك عادتنا فقلت تستدلون بنقل على ذلك فقالوا بأجمعهم وأي نقل في هذا فقلت إن شهاب الدين الخفاجي نص على السنة وصاحب المدخل على عكسه وكان الشيخ الطيب بن كيران متكئا ولما سمع النقل استوى كإستواء المأمون لما لحنه النضر بن شميل وقال أيوجد النقل علي ذلك والإختلاف على ما هنالك فقلت نعم وأحلتهم على كلام الشهاب والمدخل قال فاعترفوا بفضلي وبصحة نقلي هـكلامه ملخصا
وقد علمت مما سبق أن الزرقاني من محدثي المالكية صرح بإستحباب التهنئة وتصريح شيخه النور الشبراملسي الشافعي بالإستحباب فتأيد تصريح الشهاب الخفاجي مع العمل المتوارث بالمشرق وغيره اليوم وفي شرح منظومة الآداب للمحدث السفاريني الحنبلي ذكرهم أي فقهاء الحنابلة أن الحامد أي بعد الأكل يدعى له يدل على أنه يدعى للآكل والشارب بما يناسب الحال والقول بالإستحباب مطلقا هو مقتضى كلام ابن الجوزي هـ
وهو ملخص من كلام مطول في المسألة للإمام بن مفلح في كتابه الأداب الكبير انظرها ولا بد والله اعلم ثم بعد هذا بمدة وقفت على كلام في الباب للشهاب بن حجر الهيثمي في فتاويه الفقهية لا أجمع منه ولا أجود وهذا سياقه رحمه الله سئل عما اعتيد من قول الإنسان لمن يفزع من شربه صحة ونحو ذلك هل له
____________________
(1/107)
أصل أو هو بدعة فأجاب بقوله يمكن أن يقال إن له أصلا ويحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لأم أيمن لما شربت بوله صلى الله عليه وسلم صحة يا أم أيمن لن يلج النار بطنك ووجه القياس أن المختار عند كثير من إيمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم وأن بوله شفاء أي شفاء فإذا قال ذلك لشاربته فلا بدع أن يقاس عليه قول مثله لشارب الماء لا يقال لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم قول ذلك في غير هذه الواقعة لأنا نقول لا يشترط في الإقتداء به صلى الله عليه وسلم فيما يفعله على جهة التشريع تكرر ذلك الفعل منه صلى الله عليه وسلم بل يكفي صدور ذلك منه كذلك ولو مرة كما هو واضح على أن عدم النقل في غير هذه الواقعة لا يدل على عدم الوجود وليس هذا مما تتوفر الدواعي على نقله وبقولنا إن بوله صلى الله عليه وسلم شفاء أي شفاء اندفع ما قيل هذا لا حجة فيه لأنه لم يكن ثم ما يشرب وإنما هو البول وهو إذا شرب عاد بالضرر فقال صحة لينفي عنها ما تتوقعه مما جرت به العادة من بول غيره صلى الله عليه وسلم فتضمن ذلك دعاء وأخبارا بخلاف شرب الماء هـ
فقوله لينفى عنها ما تتوقعه لم يرد بأنه تقرر عند أم أيمن وغيرها أنه شفاء ولم تقصد بشربه إلا ذلك فاندفع جميع ما ذكره ويمكن أن يقال لا حجة فيه لا لما ذكره هذا القائل بل لكونه صلى الله عليه وسلم لم يقل لها ذلك إلا تحقيقا لما قصدته من شرب البول فإنها إنما شربته للتداوي وطلب الشفاء فقال لها صلى الله عليه وسلم صحة تحقيقا لقصدها وإجابة لما مر لها وأخبارا بأن ما قصدته من الصحة قد حصل وتحقق وهذا معنى ظاهر إرادته من اللفظ وعند ذلك لا يبقى في الخبر
____________________
(1/108)
دلالة ظاهرة على أن فيه دليلا لندب ذلك عند شرب الماء نعم فيه دلالة ظاهرة لندبه عند شرب الدواء لأنه على طبق النص فلا فارق بينهما هـ الإمارة على الحج
قال عياض في الإكمال أول من أقام للمسلمين الحج عتاب بن أسيد سنة ثمان ثم أبو بكر سنة تسع وحج صلى الله عليه وسلم سنة عشر وقال ابن جماعة في مختصر السير إنه صلى الله عليه وسلم حج سنة عشر ووقف معه مائة ألف وعشرون ألفا
انظر ما سبق عن نور النبراس وفي حواشي الشبراملسي على المواهب بعد أن ضبط لفظ عتاب بتشديد المثناة وفتح العين المهملة وأسيد بوزن أمير قال ما نصه وكان عتاب أميرا على مكة ومعه معاذ بن جبل يعلمهم الفقه والسنن وكان عمر عتاب إذا ذاك قريبا من عشرين سنة هـ
وفي الإصابة اسلم يوم الفتح واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما سار إلى حنين واستمر وقيل إنما استعمله بعد أن رجع من الطائف وحج بالناس سنة الفتح وأقره أبو بكر على مكة إلى أن مات عتاب يوم مات أبو بكر ذكر جميع ذلك الواقدي وغيره وكان عمره حين استعمله نيفا وعشرين هـ
وفي أسد الغابة أقام للناس الحج سنة ثمان وحج المشركون على ما كانوا وحج أبو بكر سنة تسع فقيل كان أبو بكر أول أمير في الإسلام وقيل كان عتاب ه
____________________
(1/109)
صاحب البدن
في الموطأ عن هشام ابن عروة عن أبيه أن صاحب هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كل ناقة عطبت من الهدي فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها وخل بينها وبين الناس يأكلونها وفي النساءي عن ناجية الخزاعي قال قلت يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي فقال انحرها الحديث حجابة البيت وهي العمارة والسدانة فصل في ذكر من وليها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال القاضي أبو محمد بن عطية في التفسير عمارة البيت هي السدانة وكان يتولاها عثمان بن أبي طلحة وشيبة بن عثمان وهذان هما اللذان دفع إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة في ثاني يوم الفتح بعد أن طلبه العباس وعلي وقال لعثمان وشيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم يعني السدانة
وفي رواية خذوها أي سدانة الكعبة خالدة تالدة قال المحب الطبري لعل تالدة من التالد وهو المال القديم اي هي لكم من أول الأمر وآخره واتباعها لخالدة بمعناها ثم قال لا ينزعها منكم إلا ظالم وفي رواية لا يظلمكموها إلا كافر أي كافر نعمة الله العظيم عليه ويحتمل الحقيقة أي أن استحل ثم قال يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصلكم من هذا البيت بالمعروف أي بسبب خدمته على سبيل الشرع والبر
قال المحب الطبري في الباب الثامن والعشرين من كتاب
____________________
(1/110)
القرى ربما تعلق بعض الجهال به في جواز أخذ الأجر على دخول الكعبة ولا خلاف في تحريمه وأنه من أشنع البدع وهذا أي قوله فكلوا مما يصل إن صح احتمل أن معناه ما يأخذونه من بيت المال على خدمته والقيام بمصالحه ولا يحل لهم إلا قدر ما يستحقونه وما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر بهم فلهم أخذه وفي ذلك أكل بالمعروف هـ
وحكى على هذا الزرقاني في شرح المختصر الإجماع ووجهه أن أخذ الأجرة إنما يجوز على ما يختص الإنسان بمنفعته والإنتفاع به والبيت لا يختص به أحد دون أحد فلا يجوز لهم أخذ الأجرة على فتحه وإنما لهم الولاية على فتحه وإغلاقه في الأوقات التي جرت العادة بفتحه فيها ولا يجوز لهم إغلاقه ومنع الناس دائما قاله الشيخ أبو عبد الله الحطاب الرعيني المكي المالكي في شرح المختصر ثم قال والظاهر وإن لم أقف على نص أن حكم فتح المقام وأخذ الأجرة عليه كذلك وقال الحطاب في باب النذر من شرح المختصر أيضا والمحرم إنما هو نزع المفتاح منهم لأمنعهم من انتهاك حرمة البيت وما فيه قلة أدب فهذا واجب لا خلاف فيه لا كما يعتقده الجهلة أنه لا ولاية لأحد عليهم وأنهم يفعلون في البيت ما شاءوا فهذا لا يقوله أحد من المسلمين وقال الحطاب أيضا بعد ذكره عدة روايات من قصة تسليم المصطفى لهم المفتاح هذه الأخبار كلها دليل على بقاء عقبهم إلى الآن ولا التفات إلى قول بعض المؤرخين وهو الشريف محمد بن أسعد الحراني انسابه في كتابه الجوهر المكنون في القبائل والبطون أن عقبهم انقطع في خلافة هشام بن عبد الملك فإنه غلط لقول مالك أي في كتاب النذور
____________________
(1/111)
من المدونة لا يشرك مع الحجبة في الخزانة بكسر الخاء هي أمانة البيت قاله في التنبيهات لأحد لأنها ولاية منه صلى الله عليه وسلم ومالك ولد بعد هشام وذكر ابن حزم وابن عبد البر جماعة منهم في زمانهم وعاشا إلى بعد نصف المائة الخامسة وكذا ذكر العلامة القلقشندي صاحب صبح الأعشى وعاش إلى 821 ولا دلالة لزعمهم انقراضهم في إخدام معاوية عبيدا لأن إخدامها غير ولاية فتحها كما هو معلوم وكثيرا ما يقع في كلام المؤرخين كالأزرقي والفاكهي ذكر الحجبة ثم الخدمة بما يدل على التغاير بينهما هـملخصا
غريبة
في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه الأمر برد الأمانة إلى أهلها ناول عثمان الشيبي مفتاح الكعبة وقال له غيبه وفي رواية الواقدي عن مشيخته أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه المفتاح ورسول الله مضطبع بثوبه عليه وقال غيبوه إن الله رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام
وذكر الفاكهي في أخبار مكة أنه دفعه إليه من وراء الثوب وقال غيبوه
قال الزهري فلذلك تغيب المفتاح قال الحطاب فلذلك والله أعلم يرخون البيوت عند فتحه وعند إغلاقه هـ
قلت
ورد ذلك من حديث السائب بن يزيد ومحمد بن جبير بن مطعم وابن سابط خرجه الطبراني في الكبير وابن عساكر وابن أبي شيبة وغيره انظر كنز العمال في باب فضائل الكعبة
وفي خطبته صلى الله عليه وسلم في زمن الفتح إلا كل ماثرة أو ذي مال فهو تحت قدمي هاتين الأسدانة البيت وسقاية الحاج
قال ابن باديس طرح صلى الله عليه وسلم كل مأثرة وهي المكرمة التي كانت الجاهلية تتكبر بها وتفاخر وقوله تحت قدمي أي مطرح ملقى
____________________
(1/112)
من قول العرب جعلت هذا الأمر تحت قدمي أي لم ألتفت إليه كما لا يلتفت إلى ما وضع تحت الأقدام لهوانه واستثنى من ذلك السدانة والسقاية لأن فيها تعظيم حرمات الله من حفظ البيت والقيام عليه واختصت السدانة ببني شيبة ولاية من النبي صلى الله عليه وسلم لهم عليها فتبقى دائمة لهم ولذراريهم أبدا ولا ينازعوا ولا يشاركوا ماداموا موجودين صالحين لها لقوله لا ينزعها منكم إلا ظالم هـ السقاية
كانت قبل الإسلام لبني عبد المطلب فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام حتى قال لهم صلى الله عليه وسلم وقد أتى على بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت عنكم فناولوه دلوه فشرب مباشرته صلى الله عليه وسلم لنحر الهدي بيده الكريمة في حجة الوداع وأذنه لعلي في إتمام البقية
في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثا وستين ناقة بيده أي باشرها بيده وهي رواية الجماعة قال القاضي عياض وعند ابن ماهان بدنة مكان بيده وكلاهما صواب لاكن نحره بيده هو المروي لقوله ثم أعطى عليا فنحر ما بقي وكانت عدتها مائة على ما جاء في الحديث واختصت الثلاثة والستون به قيل لأنه أتى بها معه من المدينة على ما ذكره الترمذي قال القاضي وذكر بعض أصحاب المعاني أن نحره صلى الله عليه وسلم تلك بيده كان
____________________
(1/113)
إشارة إلى منتهى عمره فيكون قد نحر عن كل عام من عمره بدنة هـ
قاله في الفوائد وفي سنن النساءي أنه صلى الله عليه وسلم أشرك عليا في بدنة ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل صلى الله عليه وسلم وعلي من لحمها وشرب من مرقها
قلت
وهذا يدل على كثرة من حضر الموقف وعظيم العمارة بمكة لأن من يأكل مائة ناقة كثير
تنبيه
ألف في حجة الوداع التي هي آخر حجاته صلى الله عليه وسلم الحافظ أبو محمد بن المنذر والحافظ أبو جعفر أحمد بن عبد الله الطبري وأبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعيون وأبو محمد بن حزم الظاهري وبسط الكلام عليها الحافظ ابن القيم في الهدي النبوي والحافظ ابن كثير الشافعي في كتابه السيرة من تاريخه المسمى البداية والنهاية وهو أوسع من الذي قبله وكل منهم ذكر أشياء لم يذكرها الآخر وجمع ذلك كله وزاد عليه الحافظ الشامي في سيرته فتتبع وقائعها قدما بقدم كأنه حضرها جزاه الله خيرا
وممن ساقها سياقا عجيبا مختصرا مفيدا الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي في المحاضرات اعتمد فيها سياق ابن حزم انظرها القسم الثالث في العمليات الكتابية وما يشبهها وما يضاف إليها وفيه أبواب & الباب الأول في كتاب الوحي وفيه فصول &
في كتاب أنباء الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولايات الملوك والأمراء كان عثمان بن عفان وعلي يكتبان الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/114)
فإن غلب كتب أبي بن كعب وزيد بن ثابت هـوفي الإستيعاب
وكان أبي بن كعب ممن كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي قبل زيد بن ثابت ومعه أيضا وكان زيد ألزم الصحابة لكتابة الوحي وكان أبي إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت وكان أبي وزيد يكتبان الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هـ
ونحوه في العقد الفريد لإبن عبد ربه قال القضاعي فإن لم يحضر أحد منهم كتب الوحي من حضر من الكتاب وهم معاوية وجابر بن سعيد بن العاصي وإبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي وحنظلة بن الربيع وكان عبد الله بن سعد بن أبي صرح يكتب الوحي أيضا فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين فلما فتحت مكة استأمن له عثمان بن عفان فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين إسلامه & باب كتابه صلى الله عليه وسلم مطلقا &
ذكرهم الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فأوصلهم إلى ثلاث وعشرين وترجم لهم في بهجة المحافل فأوصلهم إلى خمسة وعشرين فذكر منهم عليا وابا بكر وعمر وعثمان وعامر بن فهير وعبد الله بن الأرقم وأبي بن كعب وثابت بن قيس بن شماس وخالد بن سعيد بن العاصي وأخاه حبان وحنظلة بن أبي عامر الأسدي وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن عبد الله بن أبي سلول والزبير بن العوام ومعيقب بن أبي فاطمة الدوسي والمغيرة بن شعبة وخالد بن الوليد والعلاء
____________________
(1/115)
بن الحضرمي وعمرو بن العاصي وجهيم بن الصلت وعبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سعيد بن أبي سرح وكأنه قلد في ذلك ابن عبد البر فقد أوصلهم إلى العدد المذكور في ترجمة زيد من الإستيعاب وأوصلهم القرطبي في تفسيره إلى ستة وعشرين وأوصلهم الشبراملسي في كتاب القضاء من حاشيته على المنهج في فقه الشافعية إلى أربعين وأوصلهم العراقي إلى إثنين وأربعين فقال
( كتابه إثنان وأربعونا ** زيد بن ثابت وكان حينا )
( كاتبه وبعده معاويه ** ابن أبي سفيان كان واعيه )
( كذا أبو بكر كذا علي ** عمر عثمان كذا أبي )
( وابن سعيد خالد وحنظله ** كذا شرحبيل حسنه )
( وعامر وثابت بن قيس ** كذا ابن أرقم بغير لبس )
( واقتصر المزي مع عبد الغني ** منهم على ذا العدد المبين )
( وزدت من مفترقات السير ** جمعا كثيرا فاضبطنه واحصري )
( طلحة والزبير وابن الحضرمي ** وابن رواحة وجهما فاضمم )
( وابن الوليد خالدا وحاطبا ** هو ابن عمرو وكذا حويطبا )
( حذيفة بريدة أبان ** ابن سعيد وأبا سفيان )
( كذا ابنه يزيد بعض مسلمه ** الفتح مع محمد بن مسلمه )
( عمرو هو ابن العاصي مع مغيرة ** كذا السجل مع أبي سلمه )
( كذا أبو أيوب الأنصاري ** كذا معيقب هو الدوسي )
( وابن أبي الأرقم فيهم أعدد ** كذاك ابن سلول المهتدي )
____________________
(1/116)
( كذا ابن زيد اسمه عبد الله ** والجد عبد ربه بلا اشتباه )
( واعدد جهيما والعلا ابن عتبة ** كذا حصين ابن نمير اثبت )
( وذكروا ثلاثة قد كتبوا ** وارتد كل منهم وانقلبوا )
( ابن أبي سرح مع ابن خطل ** وآخر أبهم لم يسم لي )
( ولم يعد منهم إلى الدين سوى ** ابن أبي سرح وباقيهم غوى ) هـ
وعدهم البرهان الحلبي في حواشي الشفا فأوصلهم إلى ثلاثة وأربعين قال الهوريني في المطالع النصرية ولاكن لم يكونوا كلهم كتاب وحي وإنما كان أكثرهم مداومة على ذلك بعد الهجرة زيد بن ثابت ثم معاوية بعد الفتح هـ
وأصله للنووي قال في التهذيب قالوا وكان أكثرهم كتابة زيد بن ثابت ومعاوية هـ
وقال الحافظ ابن عبد البر في بهجة المجالس كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة وكان كاتبه المواظب على الرسائل والأجوبة والذي كتب الوحي كله زيد بن ثابت هـ
وقد ترجم البخاري في كتاب الأحكام باب ما يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا وذكر فيها قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر في جمع القرآن وقول أبي بكر لسيدنا زيد إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن واجمعه قال الحافظ في الفتح لأنه لو لم تثبت أمانته وكفايته وعقله لما استكتبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي وإنما وصفه بالعقل وعدم الإتهام دون ما عداهما إشارة إلى إستمرار ذلك له ه
____________________
(1/117)
& باب في خليفة كل كاتب من كتابه صلى الله عليه وسلم &
ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن حنظلة بن الربيع كان خليفة كل كاتب من كتابه صلى الله عليه وسلم إذا غاب عن عمله هـ
فائدة
شرحبيل بن حسنة هو أول كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قاله في المواهب وفيها أيضا نقلا عن الحافظ بن حجر أول من كتب له صلى الله عليه وسلم بالمدينة أبي بن كعب قبل زيد وغيره وأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري قال الزرقاني خرج شرحبيل بن حسنة لأنه كندي فلا يرد على قوله إنه أول من كتب هـ
وفي صبح الأعشى في الباب الرابع من المقدمة في التعريف بحقيقة ديوان الإنشاء وأصل وضعه في الإسلام بعد أن بين أن الديوان اسم الموضع الذي يجلس فيه الكتاب قال الفصل الثاني في أصل وضعه في الإسلام وتفرقه بعد ذلك في الممالك ما نصه اعلم أن هذا الديوان أول ديوان وضع في الإسلام وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكاتب أمراءه وأصحاب سراياه من الصحابة ويكاتبونه وكتب إلى من قرب من ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام وبعث إليهم رسله بكتبه وكتب لعمرو بن حزم عهدا حين وجهه إلى اليمن وكتب لتميم الداري وإخوته بإقطاع بالشام وكتب كتاب القضية بعقد الهدنة بينه وبين قريش عام الحديبية وكتب الأمانات أحيانا إلى غير ذلك مما سيأتي ذكره في الإستشهاد به في مواضع وهذه المكتوبات كلها متعلقها ديوان الإنشاء بخلاف ديوان الجيش فإن أول من وضعه ورتبه
____________________
(1/118)
عمر بن الخطاب في خلافته هـ
وفي كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة للشيخ عصام الدين أحمد بن مصطفى المعروف بطاشكبري زاده علم الشروط والسجلات وهو العلم في 15 منه قال وهو من فروع الفقه وهو علم باحث عن كيفية إثبات الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات على وجه يصح الإحتجاج به عند اقتضاء شهود الحال وموضوعه تلك الأحكام من حيث الكتابة وبعض مباديه مأخوذ من الفقه وبعضها من علم الإنشاء وبعضها من الرسوم والعادات والأمور الإستحسانية ولمحمد بن الصافي تأليف حسن في هذا العلم والذي يوافق عرف هذا الزمن تأليف محمد بن أفلاطون واعلم أن هذا العلم من فروع علم الأدب بإعتبار تحسين الألفاظ وإخراجها على مقتضى الحال وقد يجعل من فروع علم الفقه من حيث تراتيب معانيه على وجه يوافق قوانين الشرع وهذا أوردناه في القسم الأدبي وفي القسم العلمي أخرى فلا تأخذ في نفسك شيئا قبل أن تقف على حقيقة الحال هـ
ونحوه في كشف الظنون بعد أن ذكر من ألف فيه ومنهم أبو زيد أحمد بن زيد الشروطي الحنبلي وذكر الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة أن الشروطي لم يسبقه أحد وأجاب أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي في رده بأن النبي صلى الله عليه وسلم أول من أملا كتب العهود والمواثيق منها عهده لنصارى أيلة بخط علي بن أبي طالب هـ& باب في كتاب السر &
قال المقريزي في الخطط كتاب السر رتبة قديمة لها أصل في السنة فقد خرج
____________________
(1/119)
أبو بكر عبد الله بن أبي داوود السجستاني في كتاب المصاحف عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها كل واحد فهل تستطيع أن تعلم كتاب العبرانية أو قال السريانية فقلت نعم فتعلمتها في سبع عشرة ليلة فصل في ذكر كتاب الرسائل والإقطاع
في الإستيعاب والإصابة عن الواقدي أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي مقدمه المدينة أبي بن كعب وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتبه فلان وكان إذا لم يحضر دعا زيد بن ثابت فكتب وكان أبي وزيد يكتبان بين يديه صلى الله عليه وسلم ويكتبان كتبه للناس وما يقطع وغير ذلك قال أبو عمر كان من المواظبين على كتب الرسائل عبد الله بن الأرقم الزهري وذكر عن ابن إسحاق أنه قال كان زيد بن ثابت يكتب الوحي ويكتب إلى الملوك أيضا وكان إذا غاب عبد الله بن الأرقم وزيد بن ثابت واحتاج أن يكتب إلى أمراء الأجناد والملوك أو إلى إنسان بقطيعة أمر من حضر أن يكتب له والإقطاع كما في المشارق تسويغ الإمام من مال الله لمن يراه أهلا لذلك وفي الإستيعاب وكتب زيد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر وكان على بيت المال في خلافة عثمان وذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم فكان يجيب عنه إلى الملوك وبلغ من أمانته عنده أنه كان
____________________
(1/120)
يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويأمره أن يطبعه ويختمه وما يقرؤه لأمانته عنده
ما نقله عن ابن إسحاق في حق عبد الله بن الأرقم خرجه البيهقي قال الحافظ في كتاب الأحكام من الفتح بإسناد حسن وخرجه أيضا البغوي وقال مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال عمر كتب إلى رسول الله كتاب فقال لعبد الله بن الأرقم الزهري أجب هؤلاء عني فأجابهم ثم جاء به فعرضه عليه صلى الله عليه وسلم فقال أصبت بما كتبت قال عمر فما زالت في نفسي حتى جعلته على بيت المال وذكر هذه القصة في العتبية وزاد قال عمر ما رأيت أخشى لله منه حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى ابن وهب عن مالك قال بلغني أن عثمان أجاز عبد الله بن الأرقم وكان له على بيت المال ثلاثين ألفا فأبى أن يقبلها وروى أنه بلغ من أمانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويأمره أن يطبعه ويختمه ما يقرؤه لأمانته عنده هـمن البيان والتحصيل لإبن رشد & باب فيمن كان يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم للبوادي &
كان يكتب له للبوادي معاوية فقد قال المدائني كما في شرح المواهب كان زيد بن ثابت يكتب الوحي ومعاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين العرب
تنبيه
في الشفا أن رجلا قال للمعافي بن عمران أين عمر بن عبد العزيز من معاوية يعني أيهما أفضل وخصهما بالسواء لأنهما أمويان فغضب المعافي على السائل
____________________
(1/121)
وقال لا يقاس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحيه لأنه لو لم يستأمنه ما استكتبه الوحي وكفاه بهذا مرتبة لم يصل إليها عمر بن عبد العزيز وإضرابه قال الشهاب في نسيم الرياض والمعافي رجل منطق فما صح عنه يرد ما قيل إنه لم يكتب له شيئا من الوحي وإنما كان يكتب له إلى القبائل والجهات هـ فصل في كتابته صلى الله عليه وسلم في الجلد ومقداره
ترجم في الإصابة لمالك بن أحمر الجدامي العوفي فذكر أن ابن شاهين أخرج بسنده عنه أنه لما بلغهم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وفد إليه مالك بن أحمر فأسلم وسأله أن يكتب له كتابا يدعوه إلى الإسلام فكتب له في رقعة في أدم جلد وفي طريق آخر عرضها أربعة أصابع وطولها قدر شبر وقد انمحى ما فيها وكذا أخرجه البغوي والطبراني في الأوسط
ها هنا تنبيه ترجم في صبح الأعشى لما نطق به القرآن مما يكتب فيه فذكر اللوح وذلك قوله تعالى ! ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) ! الثاني الرق بفتح الراء قال تعالى ! ( والطور وكتاب مسطور في رق ) ! والرق ما يرقق من الجلد ليكتب فيه الثالث القرطاس والصحيفة وهو الكاغد
ثم عقد فصلاة آخر لما كانت الأمم السالفة تكتب فيه فذكر أن أهل الصين كانوا يكتبون في رق مصنوعة من الحشيش وعنهم أخذ الناس صناعة الورق وأهل الهند يكتبون في خرق الحرير الأبيض والفرس يكتبون في الجلود المدبوغة من جلود الجواميس والبقر والغنم والوحوش وكذلك كانوا يكتبون في اللخاف بالخاء المعجمة
____________________
(1/122)
وهي حجارة بيض رقاق وفي النحاس والحديد ونحوهما
وفي عسيب النخل وهي الجريد الذي لا خوص فيه
وفي عظم أكتاف الإبل والغنم وعلى هذا الأسلوب كان العرب لقربهم منهم واستمر ذلك إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن والعرب على ذلك وربما كتب النبي صلى الله عليه وسلم بعض مكاتباته في الأدم
وأجمع الصحابة على كتابة القرآن في الرق لطول بقائه أو لأنه الموجود عندهم حينئذ إلى زمن الرشيد فأمر أن لا يكتب الناس إلا في الكاغد هـ فصل في كتاب العهود والصلح
قال أبو عمر كان الكاتب لعهوده صلى الله عليه وسلم إذا عاهد وصلحه إذا صالح علي بن أبي طالب وكتب له في قصة الهجرة عامر بن فهيرة عهدا في رقعة من أدم لسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي وفي بعض الروايات إن الذي كتب له أبو بكر فصل فيمن كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموره الخصوصية
ترجم في الإصابة لحصين بن نمير فنقل عن أبي علي بن مسكوية في كتابه تجارب الأمم الحصين بن نمير في جملة من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كذا ذكره العباس بن محمد الأندلسي في التاريخ الذي جمعه للمعتصم بن صمادح قال وكان هو والمغيرة بن شعبة يكتبان في حوائجه وكذا ذكره جماعة من المتأخرين منهم القرطبي المفسر في المولد النبوي والقطب الحلبي في شرح السيرة وأشار إلى أن ذلك مأخوذ من
____________________
(1/123)
كتاب القضاعي الذي صنفه في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنهما كانا يكتبان المداينات والمعاملات فلا أدري هل أراد هذا أو الذي قبله وانظر من كان يكتب للمصطفى أموال الصدقات وخرص النخل
وفي المحاضرات للشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي كان الزبير بن العوام وجهم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص النخل وكان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتب المداينات والمعاملات وكان شرحبيل بن حسنة يكتب التوقيعات إلى الملوك هـ نظرة إجمالية في الكتاب
قال في المواهب أما كتابه صلى الله عليه وسلم فجمع كثير وجم غفير ذكر بعض المحدثين في تأليف له بديع استوعب فيه جما من أخبارهم ونبذا من سيرهم وآثارهم وصدر فيه بالخلفاء الأربعة الكرام خواص حضرته صلى الله عليه وسلم هـ
قلت
وممن ألف فيهم القضاعي ذكر ذلك الحافظ في ترجمة حصين بن نمير من الإصابة
وممن ألف فيهم أيضا عمر بن شبة نقل عنه ابن عبد البر في الإستيعاب
وللإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن حديدة الأنصاري المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي وجعله على قسمين الأول في كتابه صلى الله عليه وسلم الثاني في رسله ومكاتباته إلى الملوك فرغ من تأليفه سنة 679 بمصر بالخانقاه الصالحة
وممن ألف فيهم أيضا الجمال الأنصاري ذكر ذلك تلميذه البرهان الحلبي في حواشيه على الشفا ولعله المذكور قبله ويحتمل أنه غيره
وممن ألف فيهم أيضا ابن أبي الجعد وقف عليه الشهاب
____________________
(1/124)
الخفاجي كما في شرحه على الشفا وقال كأنه لم يقف عليه البرهان الحلبي
فائدة
وبعد أن تكلم في نور النبراس على كتابه صلى الله عليه وسلم قال المداوم على الكتابة معاوية وزيد بن ثابت قال غير واحد من الحفاظ كذا قالوا وينبغي أن يقيد بما بعد الفتح لأن معاوية من مسلمة الفتح وأما زيد فقبل الفتح وبعده هـ
وفي المواهب وممن كتب في الجملة أكثر من غيره الخلفاء الأربعة وأبان وخالد ابنا سعيد بن العاصي بن أمية هـ& باب في تعليم المصطفى لكتابه أدب وضع القلم ومحل وضعه ورسم الحروف وتقويمها ونحو ذلك &
خرج الحافظ السيوطي في آخر طبقات اللغويين والنحاة حديثا مسلسلا بالكتاب فساقه من طريق عبد الحميد الكاتب قال حدثني سالم بن هشام الكاتب حدثنا عبد الملك بن مروان الكاتب حدثنا زيد بن ثابت كاتب الوحي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتبتم بسم الله الرحمان الرحيم فبين السين فيه قال السيوطي أثره هذا حديث مسلسل بالكتاب في أكثره هـ
وفي صبح الأعشى نقلا عن محمد بن علي المدائني يستحب للكاتب في كتابته إذا فكر في حاجته أن يضع القلم على أذنه وساق بسنده إلى أنس بن مالك أن معاوية بن أبي سفيان كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم إعراضا وضع القلم في فيه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا معاوية إذا كنت كاتبا فضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك وللمملي
وساق بسنده أيضا إلى زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليه وهو يكتب في
____________________
(1/125)
حوائجه فقال له ضع القلم على أذنك فإنه اذكر لك
وأخرج أيضا من رواية أنس بن مالك أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكاتبه ضع القلم على أذنك يكن اذكر لك
وفي رواية عن أنس كان معاوية كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم فرآه يوما قد وضع القلم على الأرض فقال يا معاوية إذا كنت كاتبا فضع القلم على أذنك هـ
قلت
ساق في الجامع الصغير حديث ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي وعزاه للترمذي عن زيد بن ثابت قال دخلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب فذكره
واورده الحافظ السيوطي في الجامع الكبير أيضا وعزاه للترمذي أيضا وقال ضعيف وابن سعيد وسموية عن زيد ثابت هـ
قلت
خرج الترمذي في الإستيذان في باب تتريب الكتاب ومن طريق زيد أيضا أخرجه ابن حبان في الضعفاء في ترجمة عنبسة
وفي فيض القدير زعم ابن الجوزي وضعه ورده ابن حجر بأنه ورد من طرق أخرى ووروده بسندين مختلفين يخرجه عن الوضع هـ
قال المناوي في التيسير ضع ندبا أو إرشادا القلم على أذنك حال الكتابة فإنه اذكر للمملي اي اسرع تذكرا سيما فيما يريد انشاءه من العبارة والمقاصد لأن القلم أحد اللسانين المعبرين عما في القلب هـ
وزاد في الفيض قال عياض وفي هذا الخبر وشبههه دلالة على معرفته صلى الله عليه وسلم حروف الخط وحسن تصويرها هـ
وقال القاضي في الشفا أثر حديث ضع القلم المذكور هذا مع أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يكتب ولاكنه أوتي علم كل شيء حتى وردت آثار بمعرفته حروف الخط ثم حسن تصويرها كقوله لا تمد بسم الله الرحمان الرحيم رواه
____________________
(1/126)
ابن شعبان من طريق عن ابن عباس
وقوله في الحديث الآخر الذي يروى عن معاوية أنه كان يكتب بين يديه فقال له ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وجرس السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمان وجرد الرحيم
وهذا وإن لم تصح الرواية أنه صلى الله عليه وسلم كتب فلا يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع الكتابة والقراءة هـ& باب في ندب المصطفى صلى الله عليه وسلم الكتبة إلى تتريب الكتابة &
ترجم لذلك القلقشندي قائلا لا نزاع أن تتريب الكتاب بعد الفراغ منه بإلقاء الرمل ونحوه عليه مطلوب وفيه معنيان المعنى الأول التبرك طلبا لنجح المقاصد فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة بسنده إلى إسماعيل بن محمد بن وهب عن هشام بن خالد وهو أبو مروان الأزدي عن بقية بن الوليد عن عطاء عن ابن جريج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تربوا الكتاب ونحوه من أسفله فإنه أعظم للبركة وأنجح للحاجة
وفي حديث إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه مبارك وهو أنجح لحاجته
ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تربوا الكتاب
ويؤيد ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابين إلى أهل قريتين فترب أحدهما ولم يترب الآخر فأسلمت القرية التي ترب كتابها
وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما لطلب البركة والنجاح في جميع ذلك ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جف أم لا لأن القصد إنما هو للنجح والبركة
المعنى الثاني التجفيف لما كتبه بطرح التراب عليه
____________________
(1/127)
كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف وهذا المعنى أضعف من الأول ومقتضاه إذا جف الكتاب لا يترب وعليه عمل كتاب الزمان ومن هنا يضعون التراب على أخر الكتاب من حيث إنه أقرب عهدا بالكتابة إلى التجفيف بخلاف أول الكتاب فإنه يكون قد جف عند نهاية الكتابة غالبا لا سيما في الزمن الحار أو مع طول الكتابة وإمتداد زمن كتابته
على أن صاحب مواد البيان وغيره من قدماء الكتاب قد صرحوا بأنه يستحب وضع التراب على البسملة ثم يمره الكاتب منها على سائر المكتوب لتعم الكتابة بركة البسملة هـ
قلت
لكثرة السؤال عن حديث التتريب المذكور واستبشاع بعض أصحاب المظاهر له وإنكاره أردت الإفاضة فيه فاسمع لما يتلى عليك
فاعلم
أن حديث الأمر بالتتريب ورد بألفاظ متعددة أخرجه أيمة كبار من طرق عدة من الصحابة وناهيك أنه في جامع الترمذي وسنن ابن ماجه خرجه الأول في كتاب الإستيذان من سننه قائلا باب تتريب الكتاب حدثنا محمود بن غيلان ثنا شبابة عن حمزة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة هذا حديث منكر لا نعرفه عن أبي الزبير إلا من هذا الوجه وحمزة هو ابن عمر النصيبي وهو ضعيف في الحديث هـ
سياق الترمذي
قلت
حمزة المذكور هو ابن أبي حمزة ميمون الجعفي النصيبي هذا هو الصواب في نسبته وما ذكره الترمذي فيه أنه ابن عمرو قال الحافظ المزي لا نعرف أحدا قال فيه حمزة بن عمرو إلا الترمذي ونقل السيوطي في قوت المغتدي عن الحافظ ابن حجر أنه قال كذا قال الترمذي
____________________
(1/128)
إن حمزة هو ابن عمرو النصيبي وقال المزي المحفوظ أنه حمزة بن ميمون وكأن الترمذي عرف ذلك وخالف فيه ومن ثم قيد بقوله عندي هـ
قلت
وليست لفظة عندي في نسختي المصححة من الجامع التي قابلتها على عدة نسخ وعلى كل حال فحمزة ضعيف بالإتفاق قال أحمد مطروح الحديث وقال ابن أبي خيثمة ليس حديثه بشيء وقال يحيى لا يساوي فلسا وقال البخاري وابو حاتم منكر الحديث وفي التقريب لسيد الحفاظ متروك متهم بالوضع ولاكن كل هذا لا يؤثر في الحديث لأن حمزة لم ينفرد به وإن كان الحافظ الترمذي لم يعرفه إلا من طريقه فقد عرفه غيره قال الحافظ ابن حجر وقد ورد من رواية غيره عن شيخه أبي الزبير فأخرجه ابن ماجه من طريق أبي أحمد بن علي الكلاعي عن أبي الزبير وأخرجه البيهقي من طريق عمر بن أبي عمر فقيل إن عمر هذا هو أبو أحمد الكلاعي وقيل غيره والحديث عنده من رواية بقية بن الوليد عنه فقال تارة عن أبي أحمد بن علي وقال تارة عن أبي عمر بن عمر فقيل هما واحد وقيل إثنان هـ
قلت
فعلى هذا الحديث قد جاء من رواية غير حمزة عن شيخه أبي الزبير في أحد الكتب الستة وهو كذلك قال أبو عبد الله بن ماجه في باب تتريب الكتاب من أبواب الأدب ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أنا بقية أنا أبو أحمد الدمشقي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تربوا صحفكم فإنه أنجح لها إن التراب مبارك
قلت
بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس عن الضعفاء خرج له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة وأما شيخه فيه أبو أحمد بن
____________________
(1/129)
على الكلاعي فهو دمشقي جهله بعضهم وقال أبو طالب سألت أحمد عن حديث يزيد بن هارون عن بقية عن أبي أحمد عن أبي الزبير عن جابر في تتريب الكتاب فقال هذا حديث منكر وما روى بقية عن المجهولين لا يكتب وانظر هل يريد جهالة الحال أو الإسم فإن أراد الأولى فقد ارتفعت على رأي من يقول إن رواية العدل الفرد عن مجهول الحال تعدله وإن كانت الثانية فقد قال الحافظ بن حجر في التهذيب جزم ابن عساكر بأن أبا أحمد الكلاعي هو عمر بن أبي عمر هـ
قلت
قد روى هذا الحديث محمد بن عمرو بن حبان وأبو ياسر عمار بن نصر عن بقية وعمر بن أبي عمر هو ابن رياح بكسر أوله وتحتانية أبو حفص البصري الضرير مولى عبد الله بن طاوس وهو متفق على ضعفه أيضا وقيل هو عمر بن موسى أيضا كأن بقية كان كل مرة يذكره بإسم وكنية ليستره حبا في إظهار التفرد به أو سترا عليه إذ هذه مقاصد المدلسين وقد جاء الحديث من طريق أخرى فأخرجه ابن عدي في كامله من طريق هشام بن زياد بن المقدام عن الحجاج بن يزيد عن أبيه رفعه تربوا الكتاب فإنه أنجح له وهشام المذكور متفق على ضعفه أيضا وخرج له الترمذي وابن ماجه والحجاج المذكور ترجم له الذهبي في الميزان ونقل عن الأزدي أنه ضعيف قال وله عن أبيه تربوا الكتاب وبالجملة فالحديث روي من طرق بألفاظ عن جماعة منها إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح لحاجته أورده الحافظ الأسيوطي في جمع الجوامع من عند الترمذي عن جابر والطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء وابن عدي عن أبي هريرة
ومنها إذا كتب أحدكم كتابا
____________________
(1/130)
فليتربه فإن التراب مبارك وهو أنجح للحاجة أورده فيه أيضا وعزاه ابن عدي عن جابر
ومنها إذا كتب أحدكم كتابا فليبدأ بنفسه وإذا كتب فليترب كتابه فهو أنجح أورده فيه أيضا وعزاه للطبراني في الأوسط وابن عساكر عن أبي الدرداء
قلت
خرجه الطبراني من حديث إبراهيم بن أبي عبلة سمعت أم الدرداء تخبر عن أبي الدرداء فذكره
ومنها إذا كتبت كتابا فتربه فإنه أنجح للحاجة والتراب مبارك أورده فيه أيضا وعزاه لإبن عدي وابن عساكر عن جابر قال ابن عدي منكر
ومنها تربوا صحفكم فإنه أنجح لها لأن التراب مبارك وهذا لفظ ابن ماجه وقد سبق عنه
ومنها تربوا الكتاب وشحوه من أسفله فإنه أنجح للحاجة خرجه ابن عدي في الكامل والعقيلي وابن عساكر عن ابن عباس وابن الجوزي في العلل عن أبي هريرة فمجموع من جاء الحديث عنه من الصحابة جابر وأبو هريرة وأبو الدرداء وابن عباس ويزيد والد الحجاج ومجموع من خرجه من أيمة الحديث الترمذي وابن ماجه والطبراني في معجمه الأوسط وابن عدي في الكامل وابن عساكر في تاريخه والديلمي وابن منيع في مسنده وأبو نعيم في المعرفة والحسن بن سفيان في مسنده وابن قانع في معجم الصحابة
وحاصل أقوال الأيمة فيه أن أحمد والترمذي قالا فيه إنه منكر والمنكر عندهم من أقسام الضعيف بل أحمد يطلق المنكر على الحديث الفرد والعقيلي قال لا يحفظ هذا الحديث بإسناد جيد وقال ابن معين إسناده لا يساوي فلسا
وقال ابن حبان موضوع
وانتقد الشيخ سراج الدين القزويني على البغوي ذكره هذا الحديث في الحسان من مصابيحه
____________________
(1/131)
زاعما أنه موضوع ورد عليه الحافظ صلاح الدين العلاءي قائلا بعد كلام وأيا ما كان فالحديث ضعيف منكر وله سند آخر ذكره ابن أبي حاتم في العلل وقال الحافظ ابن حجر فيما نقله الحافظ الأسيوطي في قوت المغتدي بعد كلام سبق وعلى الحالتين يمكن أن يخرج الحديث عن كونه موضوعا بوجود سندين مختلفين هـ
ونقله أيضا السندي في حواشي ابن ماجه وقال الأسيوطي في الدرر المنتثرة أسانيده ضعيفة وقال السخاوي في المقاصد بعد أن أورده من عدة طرق كلها ضعيفة وقال ابن عبد الباقي الزرقاني في إختصارها ضعيف
واقتصر المناوي في شرحه على الجامع الصغير على ضعفه من طريق الطبراني نقلا عن الحافظ الهيثمي وعلى أنه منكر من طريق ابن ماجه واقتصر العزيزي نقلا عن شيخه على ضعفها معا وأما الحفني فلم يتعرض لإسناده فظهر من هذا أن الحديث ضعيف من جميع طرقه وأن القول بوضعه باطل وقد رده الحافظ العلاءي والحافظ ابن حجر والحافظ السخاوي وقال الأخير في شرح الألفية بعد ذكره قول ابن حبان أنه موضوع ما نصه قلت وفيه نظر لأن الترمذي خرجه في الإستيذان من جامعه الخ
قلت
ويكفي أن البيهقي خرجه كما سبق وقد التزم أن لا يخرج في كتبه موضوعا
وقد أوره الحافظ الأسيوطي في الجامع الذي التزم أن لا يخرج فيه حديث كذاب أو وضاع عنده
وكأن من قال بالوضع فيه أراد من بعض طرقه لا من جميعها وكثيرا ما يقع للمحدثين ذلك ومن تأمل نصوصهم وجدها صريحة في ذلك وأنت إذا علمت تعدد طرقه وكثرة من خرجه من الحفاظ وكنت على بال من القاعدة الحديثية
____________________
(1/132)
وهي أن الطرق إذا تعددت دلت على أن للحديث أصلا ثابتا وهي قاعدة مؤسسة في المصطلح والأصول والفقه منعت القول بوضعه
وفي التعقبات على الموضوعات ما نصه المنكر والمتروك إذا تعددت طرقه ارتقى إلى درجة الضعيف والغريب بل ربما يرتقي إلى الحسن هـ
وهذا هو الذي يدل عليه جزم شروح الجامع الصغير كالمناوي والعزيزي بندب تتريب الكتاب عند كلامهم على هذا الحديث لأن الندب من الأحكام الشرعية التي لا تؤخذ ولا يستدل لها إلا بالصحيح أو الحسن فهو على هذا حسن عندهما لمجموع طرقه وإن كان ضعيفا بالنظر إلى بعض الطرق فكأن ما ذكر من تعدد طرقه هو مستند الحافظ البغوي في ذكره هذا الحديث من الحسان في كتابه من المصابيح
وأما ما يتعلق به من جهة معناه ولفظه فقال العلقمي في الكوكب المنير فليتربه بلام الأمر وضم التحتية وسكون المثناة الفوقية وكسر الراء الخفيفة وسكون الموحدة هـ
وقال الحفني قوله فليتربه بالتخفيف من أترب ونحو ترب يترب كضرب يضرب وترب يترب بالضم بالغ في الترب لاكن الذي ضبطه المحدثون الأول لأن المبالغة ليست مرادة وكونه من باب ضرب لغة هـ
وقال ابن سلطان في شرح المشكاة على قوله فليتربه بتشديد الراء هـ
وفي النهاية فليتربه أي فليجعل عليه التراب هـ
وقال الطيبي أي ليسقطه على التراب إعتمادا على الحق سبحانه في إيصاله إلى المقصود هـ
وعليهما اقتصر المناوي في التيسير مصدرا بالأول وزاد العلقمي ما نصه
وقيل معناه فليخاطب الكاتب خطابا على غاية التواضع والمراد بالتتريب المبالغة في التواضع في الخطاب هـ
وقد حكي هذه الأقوال
____________________
(1/133)
الثلاثة الشيخ محمد طاهر الفتني في كتابه المجمع الذي هو أجمع كتاب ألف في غريب السنة من غير ترجيح
قلت
والمشهور في هذا الحديث وهو المتبادر واقتصر عليه ابن الأثير وصدر به المناوي وهو المعروف أن المراد در التراب عليه
وفي الصحاح وأتربت الشيء جعلت عليه التراب
وفي الحديث أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة
وفي القاموس ممزوجا بشرحه وتربه وضع عليه التراب فتترب أي تلطخ بالتراب وتربته تتريبا وتربت القرطاس فأنا أتربه تتريبا
وفي الحديث أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة هـ
وقد قال الحافظ السخاوي في شرح الألفية على ترجمة الكشط والمحور والضرب إذا أصلح أي الكاتب نشره حتى يجف ليلا يطبقه فيطمس فيفسد المصلح وما يقابله فإن أحب الاسراع تربه ويتقي استعمال الرمل الى أن يزيل أثره بعد جفافه فقد كان بعض الشيوخ يقول إنه سبب الأرضة
وكذا يتقي التراب كما صرح به الخطيب في الجامع وساق من طريق عبد الوهاب الحجبي قال كنت في مجلس بعض المحدثين وابن معين بجانبي فكتبت ثم ذهبت لأترب فقال لا تفعل فإن الأرضة تسرع إليه فقلت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تربوا الكتاب فإن التراب مبارك وهو أنجح للحاجة فقال ذاك إسناد لا يساوي فلسا ويمكن إن ثبت حمله على الرسائل التي لا تقصد غالبا بالإبقاء هـملخصا
فالسخاوي ومن وافقه لم يفهموا من الحديث إلا در التراب لا غيره من الإحتمالات السابقة
وقال بعض الهنديين فيما كتبه على جامع الترمذي الغرض من التتريب تجفيف بلة المداد صيانة عن طمس الكتابة ولا شك أن بقاء الكتابة على حالها أنجح
____________________
(1/134)
للحاجة وطموسها مخل للمقصود هـ
وبعد أن ذكر الشيخ علي القاري في شرح مشكاة المصابيح القول المرجح أيده بقوله ما نصه قلت ويساعده ما نقله الإمام الغزالي في منهاج العابدين أن رجلا كان يكتب رقعة وهو في بيت بالكراء فأراد أن يترب الكتاب من جدار البيت وخطر بباله أن البيت بالكراء ثم خطر بباله أنه لا خطر لهذا فترب الكتاب فسمع هاتفا يقول سيعلم المستخف بالتراب ما يلقى غدا من طول الحساب
ثم حكى ابن سلطان القول الآخر وهو أن معناه فليخاطب خطابا على غاية التواضع والمراد بالتتريب المبالغة في التواضع في الخطاب
واستبعده بقوله ما نصه قلت هذا موافق لمتعارف الزمان لا سيما فيما بين أرباب الدنيا وأصحاب الجاه لاكن مع بعد أخذ هذا المعنى من المبنى مخالف لمكاتبته صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وكذا إلى الأصحاب والله أعلم بالصواب هـكلامه
وعلى كل حال فالمراد بالمكتوب والكتاب في الألفاظ السابقة وسائل المخاطبات وعبارة القاري في شرح المشكاة على قوله إذا كتب أحدكم كتابا ما نصه أي مكتوب للإرسال هـ
قلت
والعمل الجاري عند كتبة العلم اليوم في الدنيا أن منهم من ينشف ما يكتب بالشمس ومنهم بالنار ومنهم على قلة من يجفف بالرمل الخالص أو المضاف إليه لون من الألوان
وقد رأينا توقيعات ملوك الدولة السعدية فإذا هم يرملون ما يكتبون بأيديهم بالذهب الخالص ولا يزال ذلك مشاهدا إلى الآن في تحبيساتهم الموجودة على ظهر الكتب الوقفية بمكتبة جامع القرويين بفاس وجامع المواسين بمراكش
وقال القلقشندي من أحسن أنواع ما
____________________
(1/135)
يرمل به رمل يؤتى به من صحراء ماردين فيه شذور صفر كشذور الذهب يلقى في الرمل الأحمر فيترب به الأمراء والوزراء ومن في معناهم هـ
وبعض المشارقة ينشفون بمنشفة صناعية من ورق تأخذ أثر المداد المخصوص بهم وبهذه الورقة وللناس فيما يعشقون مذاهب
وحيث إن الشريعة جاءت بطهارة التراب وجواز استباحة الصلاة بالتيمم وهو يكون به وبما هو من قبيله وجاءت بأن الارض جعلت لنا مسجدا فحيث ما أدركتنا الصلاة صلينا لم يبق محل فيما يظهر للتوقف في تنشيف المكاتب بالتراب والرمل إذا تحققت طهارته من الأمور الإضافية إلا لمن أراد التنزه عن ذلك لمعنى آخر كنحو ما سبق عن السخاوي من أن التجفيف بالرمل هو سبب الأرضة
وقد كنت جلبت رملا من الشام أضيف إليه ما أحال لون الرمل إلى زروقة فإذا به يسرع بالتمزيق
وفي صبح الأعشى اصطلح كتاب الزمان على التتريب بالرمل الأحمر
أما تخصيصهم للتتريب فلانه لا غبار فيه يتعلق بالكتابة فيذهب بهجة الورق
وأما اختيارهم الأحمر دون غيره فلانه ابهج إذا لصق بالكتابة
قال محمد بن عمر المدائني وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان ومالوا إلى النشارة والأشنان قال وبلغنا عن بعض الأيمة من أهل العلم كان يترب الحديث بالصندل ويقول لا أطرح على حديث النبي صلى الله عليه وسلم التراب
وكان حيوة بن شريح يخرج إلى الصحراء فيأخذ الطين الأسود فيدقه وينخله فيترب به
وصرح الرافعي وغيره من الشافعية أنه يحرم التتريب من جدار القبر ومعناه ظاهر لما فيه من الإغتصاب والإعتداء
____________________
(1/136)
فصل في إصطلاح المكاتب النبوية
عنون عن هذا الفصل القلقشندي فقال ذكر ترتيب كتبه صلى الله عليه وسلم في الرسائل على سبيل الإجمال
كان صلى الله عليه وسلم يفتتح أكثر كتبه بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان
وربما افتتحها بلفظ أما بعد وربما افتتحها بلفظ هذا كتاب وربما افتتحها بلفظ أسلم أنت
وكان يصرح في الغالب بإسم المكتوب في أول المكاتبات
وربما اكتفى بشهرته أي بما اشتهر به كالقيصر ونحوه فإن كان المكتوب إليه ملكا كتب بعد ذكر اسمه عظيم القوم الفلانيين
وربما كتب ملك القوم الفلانيين وربما كتب صاحب مملكة كذا
وكان يعبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم في أثناء كتبه بلفظ الافراد مثل اني ولي وجاءني ووفد علي وما أشبه ذلك وربما أتى بلفظ الجمع مثل بلغنا وجاءنا ونحو ذلك وكان يخاطب المكتوب إليه عند الأفراد بكاف الخطاب مثل لك وعليك وتاء المخاطب مثل أنت قلت كذا وكذا وجعلت كذا وعند التثنية بلفظها مثل أنهما ولكما وعليكما
وعند الجمع بلفظه مثل أنتم ولكم وعليكم وما أشبه ذلك
وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام فيقول في خطاب المسلم سلام عليك وربما قال السلام على من اتبع الهدى وربما أسقط السلام في صدر الكتاب وكاان يأتي في صدرو المكاتب بالتحميد بعد السلام فيقول فإني أحمد إليك الله الذي لا إلاه إلا هو
وربما تركه وقد يأتي بعد التحميد بالتشهد وقد لا يأتي به وكان يتخلص في صدر الكتاب إلى المقصود تارة بأما بعد وتارة بغيرها وكان يختم كتابه بالسلام
____________________
(1/137)
تارة فيقول في خطاب المسلم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وربما اقتصر على السلام ويقول في خطاب الكافر والسلام على من اتبع الهدى وربما أسقط السلام في آخر في كتبه هـ
ثم عقد فصلا مهما في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الإسلام وجعلها على ثلاثة أساليب الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان ثم مثل لهذا القسم عدة كتب نبوية بنصها
الأسلوب الثاني أن يفتتح المكاتبة بلفظ هذا كتاب ويذكر المقصد فيما بعد قال وهو قليل الوقوع في المكاتبات
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ هذا كتاب
ثم عقد فصلا آخر في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكفر للدعاية إلى الإسلام قال وهو على ثلاثة أساليب الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان كما في الأسلوب الأول من كتبه إلى أهل الإسلام
الأسلوب الثاني أن يفتتح بلفظ أما بعد وهو أقل وقوعا مما قبله الأسلوب الثالث أن يفتتح الكتاب بلفظ هذا كتاب ثم مثل لكل راجع ص 365 الى 382 من الجزء السادس
قلت
ومن تتبع نصوص المكاتب النبوية المذكورة في طبقات ابن سعد وجد الكاتب يسمي نفسه آخرها لعله ليكون شاهدا على صدورها منه صلى الله عليه وسلم فصل في كيفية مخاطبة الملوك وغيرهم من المعاصرين له صلى الله عليه وسلم في زمانه
ترجم لذلك القلقشندي أثر ما سبق فقال كانت أمراء سراياه صلى الله عليه وسلم ومن أسلم من الملوك تفتتح
____________________
(1/138)
المكاتبة إليه صلى الله عليه وسلم بإسمه ويثنون بأنفسهم ويأتون بالتحميد والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ويتخلصون إلى المقصود بأما بعد أو بغيرها ويختمون بالسلام
وملوك الكفر يبتدئون بأنفسهم وربما بدأو باسمه صلى الله عليه وسلم وكان المكتوب عنه منهم يعبر عن نفسه بنون الجمع إن كان المكتوب عنه مسلما خاطبه صلى الله عليه وسلم بلفظ الرسالة والنبوءة مع كاف الخطاب وتاء المخاطب وإن كان كافرا خاطبه بالكاف والتاء المذكورين وربما خاطبه بإسمه فإن كان المكتوب عنه مسلما ختم الكتاب بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم فصل في عنوان المكاتب إليه صلى الله عليه وسلم في ذلك الزمن
قال في صبح الأعشى أما عنونة هذه الكتب فيظهر أنها إن فتحت بإسمه صلى الله عليه وسلم وثنى بإسم المكتوب إليه عنونته كذلك فيكتب في الجانب الأيمن محمد رسول الله أو نحو ذلك وفي الجانب الآخر من فلان وإن كانت ممن يفتتح الكتابة باسم نفسه عنونته على العكس من ذلك هـ فصل في عنوان كتبه صلى الله عليه وسلم
قال القلقشندي لم أقف على نص صريح في ذلك والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعنون كتبه بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان على نحو ما في الصدر وتكون كتابته من محمد رسول الله عن يمين الكاتب وإلى فلان عن يساره وعليه يدل ما تقدم من كلام صاحب مواد البيان في الأصل الثاني عشر من أصول المكاتبات حيث ذكر الكلام على العنوان الأصل أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ويثني باسم المكتوب إليه ثم قال وعلى
____________________
(1/139)
هذا كانت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل بما كان يفتتح كتبه صلى الله عليه وسلم
المقرر في السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح مكاتبه كلها من عقد أو صلح ونحوه بالبسملة وهي مشروعة في الإسلام في إبتداء الأمور من قول أو فعل تبركا واستنجاحا وذكر الغافقي عن أبي عبيد أن الشعبي قال باسمك اللهم ذاك الكتاب الأول كتب به النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يجري ثم نزل ! ( بسم الله مجراها ومرساها ) ! فكتب باسم الله ما شاء الله ثم نزلت ^ قل أدعو الله أو ادعو الرحمان ^ فكتب بسم الله الرحمان فجرت بذلك ما شاء الله ثم نزلت ! ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) ! فكتب بذلك
وعن ابن المسيب لما أتى قيصر كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه البسملة قرأه وقال هذا الكتاب لم أره بعد سليمان بن داوود يعني البسملة قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بإبتداء المراسلات بالحمد وقد جمعت كتبه صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في شيء منها البداءة بالحمد بل بالبسملة هـمن باب ! ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة ) ! في تفسير سورة آل عمران من التفسير وقال القاضي ابن باديس على قصة افتتاحه صلى الله عليه وسلم بالبسملة كتابه إلى نجية بن رؤية صاحب أيلة وكان نصرانيا فيه جواز كتب البسملة فيما يحصل بأيدي الكفار فإن الكفار استفر بأيديهم وتداولوه ففيه دليل على جواز النقوش في الدنانير والدراهم التي تستقر بأيديهم ويحملونه إلى بلادهم من أرض المسلمين ه
____________________
(1/140)
فصل في إلتزامه صلى الله عليه وسلم أما بعد في صدور كتبه وخطبه
قال الشمس السفاريني في شرح منظومة الآداب يستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقولها في خطبه ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم كما هو معروف مثل كتابه إلى قيصر وكسرى والمقوقس وغيرهم وذكر الإمام القاضي علي بن سليمان المرداوي في شرح التجريد أنه نقل أتيانه صلى الله عليه وسلم بأما بعد في خطبه ونحوها خمسة وثلاثون صحابيا هـ
وقال الزرقاني في شرح المواهب ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول أما بعد في خطبه وشبهها كما روى ذلك أربعون صحابيا كما أفاده الرهاوي في أربعينه المتباينة الأسانيد وما أدري وجه اقتصار كثيرين على الظرف ولا يكفي الإعتذار أن المدار عليه أو روحا للإختصار لأن المدار على اتباع ما جاءت به السنة لا سيما والإطناب مطلوب في الخطب وكون المدار عليه يحتاج إلى وحي يسفر عنه هـمنه
وفي شرح الشيخ أبي العباس أحمد الهشتوكي السوسي على منظومته في أحكام الوزيعة وقع لأخينا العلامة الدراكة أبي العباس أحمد بن إبراهيم السجستاني المراكشي مع العلامة الشريبي أحد أيمة الشافعية بمصر عام حجنا كان يدرس مع تلاميذه شرح السعد على العقائد النسفية فقال أصل وبعد أما بعد فحذفت كلمة أما وعوض عنها الواو فقال له أبو العباس أحمد المذكور أين الدليل على أن الواو تعوض عن أما ولم يقع في كلامه صلى الله عليه وسلم الذي هو أبلغ البلغاء وأفصح الفصحاء فيما رأينا إلا أما بعد وكذا رسائل أصحابه وكان الشافعي المذكور ضيق الصدر فخاطب أبا العباس المذكور خطابا لا ينبغي
____________________
(1/141)
أن يصدر من مثله ولم يجب بشيء غير السب والثلب ولو أجابه بأن استعمال المحققين من المصنفين ذلك طوالع تواليفهم يكفي دليلا على جوازه لكان كافيا هـ
قلت
السنة حجة على الجميع وقد أومأ إلى ذلك الزرقاني بما سبق عنه من أن المدار على اتباع ما جاءت به فانظره احتياطه صلى الله عليه وسلم في مكاتبه الرسمية
قال الشيخ زروق في حواشيه على الصحيح إنما قال صلى الله عليه وسلم في كتابه لهرقل عظيم الروم ولم يقل ملك الروم ليلا يكون تقريرا لملكه هـ
وقال الخفاجي في شرح الشفا وقال صلى الله عليه وسلم عظيم الروم وعظيم القبط ولم يقل ملك الروم ولا ملك القبط لأنه لا يستحق ذلك العنوان إلا من كان مسلما ومع ذلك فلم يخل بتعظيمهما تليينا لقلوبهما في أول الدعوة إلى الحق هـ& باب اتخاذه عليه السلام أما بعد للفصل من فصول الكتاب ورءوس المسائل
ترجم البخاري في الأدب المفرد باب أما بعد فذكر فيها عن هشام بن عروة قال رأيت رسائل من رسائله صلى الله عليه وسلم كلما انقضت قصة قال أما بعد هـ فصل في نص أصح كتاب حفظ لنا التاريخ نصه من كتبه صلى الله عليه وسلم
أصح كتاب حفظ لنا التاريخ نصه من كتبه صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل وهو في الصحيح ونصه ( بسم الله الرحمان الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني
____________________
(1/142)
أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يوتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك أثم اليريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) هـ
من أصح المصادر وهو صحيح البخاري ساقه فيه هكذا مكررا في مواضع آخر مكتوب نبوي حفظ التاريخ عينه لنا من كتبه صلى الله عليه وسلم لأهل الإسلام وتحافظهم عليه
آخر مكتوب حفظ التاريخ جلدة المكتوب فيه بعينه له صلى الله عليه وسلم الكتاب الذي أقطع به تميم الداري أرضا بالشام وهو مكتوب مشهور معروف في العصور السابقة تكلم عليه أهل الحديث والتاريخ والفقه وغيرهم ففي ترجمة تميم من تاريخ ابن عساكر بسنده إلى أبي هند الداري قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر وفي سيرة ابن هشام عدهم ثمانية تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ويزيد بن قيس وأبو هند بن عبد الله وهو صاحب الحديث وأخوه الطيب بن عبد الله كان اسمه برا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمان وفاكه بن النعمان وسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شئتم فقال تميم أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها فقال أبو هند هذا محل ملك العجم وكذلك يكون فيه ملك العرب وأخاف أن لا يتم لنا هذا فقال تميم بيت جرين وكورها فقال أبو هند هذا أكبر وأكبر فقال فأي شيء نسأله فقال أرى أن نسأله القرى
____________________
(1/143)
التي يقع بها تل من آثار إبراهيم فقال تميم أصبت ووفقت قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك فقال تميم بل أخبرنا يا رسول الله نزداد إيمانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردتم امرا فأراد هذا غيره ونعم الرأي رأى قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة جلد من أدم فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتاب ذكر فيه ما وهب رسول الله للداريين إذا أعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عينون وجيرون وبيت إبراهيم بمن فيهن ابدا شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب قال ثم دخل بالكتاب إلى منزله فعالج في زاوية الرقعة وغشه بشيء لا يعرف وعقده من خارج الرقعة بسير أو عقدتين وخرج به إلينا مطويا وهو يقول ^ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبيء والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ^ ثم قال انصرفوا حتى تسمعوا بأني قد هاجرت قال أبو هند انصرفنا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه إني أعطيتكم عينون وجيرون والرطومة وبيت إبراهيم برمته وجميع ما فيه عطية بت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد فمن آذاهم فيها آذاه الله شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبو بكر وجه الجنود إلى الشام فكتب لنا كتابا نسخته
____________________
(1/144)
بسم الله الرحمان الرحيم من أبي بكر الصديق إلى عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إلاه إلا هو أما بعد إمنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين وإن كان أهلها قد رحلوا عنها وأراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحق بهم والسلام عليك
وروى بسنده أيضا إلى الزهري وتور بن يزيد عن راشد بن سعد قال قدم تميم الداري وهو تميم بن أوس رجل من لخم فقال يا رسول الله إن لي جيرة من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها جرن وأخرى يقال لها بيت عينون إن فتح الله عليك الشام فهبهما لي قال هما لك قال فاكتب لي بذلك فكتب له بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري إن له قرية جرا وبيت عينون قريتها كلها سهلها وجبلها وماءها وحرثها وأنباطها وبقرها ولعقبه لا يحاقه فيها أحد ولا يلجه أحد عليهم بظلم فمن ظلمه أو أخذ من أحدهم شيئا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وكتب علي فلما ولي أبو بكر كتب لهم كتابا نسخته هذا كتاب من أبي بكر أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استخلف في الأرض بعده كتبه للداريين أن لا تفسد عليهم مأثرتهم قرية جرن وبيت عينون فمن كان يسمع ويطيع فلا يفسد منها شيئا وليقم عمرو بن العاص فليمنعهما من المفسدين
وروى ابن مندة بسنده إلى عمرو بن حزم رضي الله عنه قال أقطع النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وكتب بسم الله الرحمان الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس
____________________
(1/145)
الداري إن له صهيون قريتها كلها سهلها وجبلها وماءها وكرومها وأنباطها وورقها ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد ولا يدخل عليهم بظلم فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين هـ
وفي عيون التواريخ في حوادث سنة أربعين بعد الهجرة حين ترجم لتميم وذكر قصة الإقطاع هذا ما نصه ورأيت النسخة بيد الداريين التي كتبها لهم صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة في قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علي وبخطه رأيتها مرتين مرة سنة 36 ومرة سنة 749 وهي بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أنطى محمد رسول الله لتميم الداري وإخوته جبرون والمرضوم وبيت عينون وبيت إبراهيم نطية بتة بذمتهم ونفذت وسلمت لهم ولأعقابهم فمن آذاهم آذاه الله وكتب وشهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان وكتب علي بن بو طالب وشهد كذا رأيته في النسخة بإثبات الألف في أبي قحافة وبإسقاطها في بو طالب وأما الأدم فقد رأيته وقد احمر وخلق هـبواسطة سمط اللآل للشيخ قويسم التونسي
ونقل أيضا عن خصائص المحقق قالب الدين الخيضري ما نصه وبأيدي الداريين الآن نسخة قديمة في قطعة أديم يزعمون أنها كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك وأنها بخط علي بن أبي طالب وقد وافق على صحتها جماعة من علمائنا المتقدمين ونقلوا منها نسخا وقفت منها على نسخة بخط القاضي شهاب الدين بن فضل العمري صاحب مسالك الأمصار هـ
قلت
وقد تكلم ابن فضل الله العمري المذكور على هذا الكتاب في مسالكه وذلك أنه بعد أن ذكر
____________________
(1/146)
زيارته لبيت المقدس والخليل سنة 745 قال فلما قضينا من الزيارة الأرب وهزنا من النوبة الخليلية الطرب بعثت وراء الصاحب ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن الخليلي التميمي الداري وهو بقية هذا البيت الجليل والمنتهى إليه النظر على وقف الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبلد أبيه إبراهيم الخليل والتمسنا منه إحضار الكتاب الشريف المكتتب لهم بهذه النطية العطية والمشرف لهم به على سائر البرية فأنعم بإجابة الملتمس وجاء به أقرب من رجع النفس وهو في خرقة سوداء من ملحم قطن وحرير من كم الحسن أبي محمد المستضيء بالله أمير المؤمنين وبطانتها من كتان أبيض على تقدير كل أصبع منه ميلان أسودان مشقوقان بميل أبيض جعل ضمن أكياس يضمها صندوق من آبنوس يلف في خرقة من حرير والكتاب الشريف في خرقة من خف من أدم أظنها من ظهر القدم وقدموه سواد الجلد على الخط إلا أنه أذهبه وما أخفى من يد كاتبه المشرفة ما كتبه وهو بالخط الكوفي المليح القوي فقبلنا تلك الآثار وتمتعنا منه بمدد الأنوار ومعه ورقة كتبها المستضيء بنصه شاهدة لهم بمضمونه ومزيلة لشك الشاك المريب وظنونه ومضمون ما كتبه كهيئته وسطوره نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لتميم الداري وإخوته في سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علي وبخطه نسخته كهيئته بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أنطى محمد رسول الله لتميم الداري وإخوته جرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن نطية بتة بذمتهم ونفذت
____________________
(1/147)
وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم فمن آذاهم آذاه الله فمن آذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبو قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن بو طالب وشهد
هذه نسخة المكتوب الشريف وأبو قحافة ألف وباء وواو ثم قحافة وبو طالب باء وواو ثم طالب وليس في بو ألف بين ذلك ليعرف وكتب في ذكر علي رضي الله عنه مقدمه وشهد مؤخره بين ذلك ليعرف وقد رأيت ذلك كله بعيني ومن خط المستضيء نقلت وهو خطه المعروف المألوف وقد رأيته وأعرفه معرفة لا أشك فيها ولا أرتاب وقرأته من الكتاب النبوي نفسه لأبن شاكر الكتبي وهو موافق لما كتبه المستضيء نقلا منه على أن آثاره كادت تعفى وتحجب عن الناس لفساد الزمان وتتخفى قال وكنت رأيت ذلك مرة أخرى متقدمة سنة 739 ولاكني إذ ذاك لم أنقله هـ
كلام ابن فضل الله الجامع الذي ما وصف أحد هذا المكتوب كوصفه ولا دقق النعت أحد كتدقيقه جزاه الله خيرا
وفي كتاب الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل لقاضي القضاة أبي اليمن مجير الدين الحنبلي إقطاع تميم الداري الذي أقطعه له النبي صلى الله عليه وسلم وهي الأرض التي بها بلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وما حولها من الأرض وكتب له ذلك في قطعة أديم من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بخطه وقد حكي المؤرخون لفظ الإقطاع على وجوه مختلفة وقد رأيت عند التكلم على الإقطاع المشار إليه القطعة الأديم التي يقال إنها من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد صارت رثة وفيها أثر بعض الكتابة ورأيت معها ورقة مكتوبة في الصندوق
____________________
(1/148)
الذي فيه القطعة الأديم منسوب خط هذه الورقة إلى أمير المؤمنين المستنجد العباسي تغمده الله برحمته كتب فيها نسخة الإقطاع وصورة ما كتبه المستنجد بخطه الحمد لله نسخة كتاب رسول الله الذي كتب لتميم الداري وإخوته سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة أديم من خف أمير المؤمنين علي وبخطه نسخته كهيئته رضي الله عنه بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أنطي محمد رسول الله لتميم الداري وإخوته جرون والمرطون وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهم نطية بتة بينهم ونفذت ذلك وسلمته لهم ولأعقابهم ومن آذاهم آذاه الله فمن آذاهم لعنه الله يشهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علي بن أبي طالب وشهد وقد نسخت ذلك من خط المستنجد بالله كهيئته ولعل هذا أصح ما قيل فيه والله أعلم واستمر هذا الإقطاع بيد ذرية تميم الداري يأكلونه إلى يومنا هذا وهم مقيمون ببلد سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام وهم طائفة كثيرة يقال لهم الدارية وتقدم عند ذكر الصحابة أن تميم الداري كان أميرا على بيت المقدس وقد تعرض بعض الولاة لآل تميم وأراد انتزاع الأرض منهم ورفع أمرهم إلى القاضي أبي أبي حاتم الهروي الحنفي قاضي القدس الشريف فاحتج الداريون الكتاب فقال القاضي هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميما ما لم يملك فاستفتى الوالي الفقهاء وكان أبو حامد الغزالي حينئذ ببيت المقدس قبل إستيلاء الفرنج عليه فقال هذا القاضي كافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال زويت لي الأرض كلها وكان يقطع في
____________________
(1/149)
الجنة فيقول قصر كذا لفلان فوعده صلى الله عليه وسلم صدق وعطاؤه حق فخزي القاضي والوالي وبقي آل تميم على ما بأيديهم وكانت هذه الحادثة لما كان القاضي أبو بكر بن العربي بالشام هـ
قلت
ما ذكره عن ابن العربي هو له في شرح الموطأ المسمى بالقبس في كتاب البيوع لما تكلم على حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال هي صحيفة صحيحة وإنما تركها من تركها لقولهم أنها غير مسموعة وهذا لا يمنع من الإحتجاج وقد كان عند أولاد تميم الداري كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعة أديم بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أنلى محمد رسول الله تميما الداري أقطعه قريتين جبرون وبيت عينون ببلد الخليل فبقي ذلك في يده ويشاهد الناس كتابه إلى أن غلب الإفرنج على القدس والخليل سنة 492 قال ولقد اعترض بعض الولاة على آل تميم أيام كنت بالشام وأراد انتزاعها منهم فحضر القاضي حامد الهروي وكان حنفيا في الظاهر معتزليا في الباطن ملحدا شيعيا فاحتج أولاد تميم بالكتاب فقال القاضي هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميما ما لا يملك فاستفتى الوالي الفقهاء وكان الطوسي يعني الغزالي حينئذ ببيت المقدس فقال هذا القاضي كافر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال زويت لي الأرض كلها وكان يقطع الجنة فيقول قصر كذا لفلان ووعده صدق وعطاؤه حق قال فخزي القاضي والوالي وبقي أولاد تميم على ما بأيديهم هـ
هذا ما رأيت في شرح الموطأ وممن نقل كلامه هذا الصلاح الصفدي في تذكرته وغيره من الإعلام وساق ابن العربي في قانون التأويل وهو كتاب جمعه من فوائد الغزالي
____________________
(1/150)
فتوى للغزالي في النازلة أفاد بها وأجاد وساق كلام قانون التأويل الخيضري في خصائصه والشيخ قويسم في سمط اللآل فانظره فيهما
وفي السيرة الشامية قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي قال الصاحب الإمام سفير الخلافة أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسين البادراني رحمه الله تعالى أنه شاهد خط أمير المؤمنين رضي الله عنه الذي كتبه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما أعطى محمد رسول الله تميم الداري وإخوته جرون والمرطون وبيت عينون وبيت إبراهيم عطية البت بذمتهم ونفذت ذلك وسلمته لأعقابهم فمن آذاهم آذاه الله ومن آذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وكتبه علي بن أبي طالب وشهد ثم قال الشامي تواردت الروايات الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع تميما وأخاه نعيما وأصحابهما وذريتهم قرى وكتب لهم بذلك كتابا ولعن فيه من عارضهم ولم يزل هذا الكتاب بأيديهم إلى وقتنا هذا
وقد الف الحافظ أبو الفضل بن حجر والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي وشيخنا الحافظ جلال الدين السيوطي في صحة ذلك مؤلفا وفي كل ما ليس في الآخر فمن أراد الزيادة على ما هنا فليراجع ذلك هـ
قلت
تأليف الحافظ بن حجر ذكره هو في الإصابة في ترجمة أبي هند الداري قال قال أبو نعيم هو أخو تميم قدم مع تميم ومن معهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يقطعهم أرضا بالشام فكتب لهم ما بها فلما كان زمن أبي بكر أتوه بذلك الكتاب فكتب لهم إلى أبي عبيدة بإنفاذه قلت والكتاب المذكور مشهور بيد ذرية تميم وقد كتبت في
____________________
(1/151)
شأنه جزءا سميته البناء الجليل بحكم بلد الخليل هـ
وتأليف الحافظ السيوطي الذي ذكره الشامي سماه الفضل العميم في إقطاع تميم وهو موجود في المكتبة الخديوية المصرية وله كتاب آخر في الإقطاع موجود في مكتبة باريز العمومية
وأما كتاب ابن ناصر فقال عنه القطب الخيضري في خصائصه صنف شيخنا الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين مسند تميم الداري وذكر فيه قصة هذا الكتاب وأنه وقف على أصله وحرر ذلك تحريرا شافيا هـ
وفي صبح الأعشى حين ذكر المكتوب المذكور عن تاريخ ابن عساكر مانصه قلت وهذه الرقعة التي كتب بها النبي صلى الله عليه وسلم بيد التميميين خدام حرم الخليل إلى الآن وكلما نازعهم أحد أتوا بها إلى السلطان بالديار المصرية ليقف عليها ويكف عنهم من يظلمهم وقد أخبرني برؤيتها غير واحد والأديم التي هي فيه قد خلق لطول الأمر هـمنه
وفي الزرقاني على المختصر عند شرح قول خ في باب الزكاة وحكمه للإمام لخ ما نصه إقطاعه صلى الله عليه وسلم تميما الداري بعض أراضي بنواحي بيت المقدس قبل فتحه من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما في خصائص السيوطي الصغرى ونصه وكان يقطع الأراضي قبل فتحها لأن الله ملكه الأرض كلها وأفتى الغزالي بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم هـ
وزاد المناوي في شرحها ونقله ابن العربي عنه في القانون وسلمه هـ
وقول الأجهوري راجعت الخصائص فما وقفت على ذلك فيها معناه لم يتنزلوا
____________________
(1/152)
في الخصائص للتعبير بأنه أقطع تميما بتقدير الفتح لأن الله ملكه الدينا والجنة يقطع فيهما من أراد وأراه جميع ما يفتح عليه وعلى أمته هـالمقصود
وفي شرح المناوي لألفية السير قبل قول العراقي كذا له أن يحيي المواتا بنفسه ما نصه ويقطع الأرض قبل فتحها لأن الله تعالى ملكه الأرض وأفتى الغزالي بكفر من عارض أولاد تميم الداري فيما أقطعهم وقال كان يقطع في الجنة فالدنيا أولى هـ
وقوله كما للسيوطي في الخصائص الصغرى هي أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب وما نقله عنه فيها ذكره في الفصل الثالث منها
وقال الأجهوري عند قول خليل وبإقطاع ما نصه قال التتاءي في شرح الجلاب ما نصه وقد أقطع صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث القبلية بفتح القاف والباء الموحدة
وأقطع تميما الداري قرية عينون بالشام قبل فتحها وإلى ثعلبة الخشني شيئا من بلاده قبل فتحها وهو من المعجزات وإذا كان له أن يقطع الجنة لأن الله تعالى ملكها له كما ذكره الغزالي في بعض كتبه لاختصاصه بذلك دون سائر خلقه فكيف لا يقطع الدنيا هـ
قلت
ومانقلوه عن الغزالي صرح الروضي في شرح أنموذج اللبيب بأنه صرح به في منهاج العابدين المنسوب له وساق نصه وسبق عن غيره أن ذلك للغزالي في فتاويه
وفي شرح الزرقاني على المواهب أن السبكي أفتى بنحو ما للغزالي وقد أشار لمعنى كلامه الشيخ علي الأجهوري حيث قال في شرح الأنموذج وغيره فقال
( قد خص رب العلى تعالى ** نبينا الكامل المكمل )
( بملك جنته وآذن ** بقطعها فيما يرى ويفعل )
____________________
(1/153)
تنبيه
وفي فواتح الأنس برحلتي لوادي القدس للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي وهو من أهل القرن الثاني عشر بعد أن ساق إقطاع المصطفى المذكور لتميم ونصه كما سبق قال وهذا الإقطاع مستمر بيد ذرية تميم يأكلونه إلى يومنا هذا وهم مقيمون ببلد الخليل ونواحيها وهم طائفة كثيرة يقال لهم الدارية وهذا ببركة النبي صلى الله عليه وسلم هـ
قلت
ولا زال ذرية الداريين هؤلاء بالقدس وجهاته وهم إلى الآن أهل علم وفضل وممن لقيته منهم ببلد الخليل لما زرته عام 1324 في رحلتنا الحجازية الشامية خطيب الحرم الخليلي الشيخ عبد الحي بن الخطيب الحاج عبد الفتاح التميمي الداري وكان عالم الخليل قريبا من ذلك التاريخ ومفتيه الشيخ خليل الداري الأزهري من مشاهير ذلك العصر في الجهات الفلسطينية
ثم وجدت الحجة من أيمة النسب فخر الأندلس الإمام ابن حزم نص في جمهرته على أن تميما الداري هذا لم يعقب
وفي الإستيعاب لأبن عبد البر في ترجمة تميم ويكنى أبا رقية بإبنة له تسمى رقية لم يولد له غيرها هـونحوه للنووي في تهذيب الأسماء واللغات
وفي ترجمته من تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر قال يعقوب بن سفيان لم يكن له ذكر إنما كانت له ابنة تسمى رقية
وقال ابن سميع مات بالشام ولا عقب له هـ
وفي شرح الأربعين النووية للشهاب ابن حجر الهيثمي والبرهان الشبرخيتي لدى الحديث العاشر المصدر من النووي بعن أبي رقية تميم الداري قالا مصغر ابنة لم يولد له غيرها هـونحوه في نسيم الرياض
وقد سبق قول الحافظ ابن العربي في القبس فاستظهر أولاد تميم بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/154)
وبقي أولاد تميم بكتابهم
وقول مؤرخ القدس مجير الدين الحنبلي واستمر هذا الإقطاع بيد ذرية تميم الداري
وقوله أيضا فيما سبق عنه أيضا وقد تعرض بعض الولاة لآل تميم
وقوله بقي آل تميم يعبر بالآل لا بالأولاد وفي السيرة الشامية نقلا عن نص الإقطاع النبوي هذا آخر ما أعطي محمد رسول الله لتميم وإخوته ولاكن سبق عن إختصار تاريخ ابن عساكر في إحدى الروايات نص الإقطاع النبوي لتميم ولقعبه من بعده كما سبق عن الحافظ بن حجر وبيد ذرية تميم وقول السيوطي أولاد تميم إلا أن يكونوا أرادوا أولاد بنته والله أعلم
تنبيه
ما سبق عن عيون التواريخ من وكتب علي بن بو طالب كذلك رأيته في سمط اللآل بخط مؤلفه
ونحوه رأى بعينه أبن فضل الله العمري كما سبق عن المسالك والممالك له من وشهد عتيق بن أبو قحافة وكتب علي بن بو طالب
وقد ذكر ابن سلطان في شرح الشفا في مبحث فصاحته صلى الله عليه وسلم أن ابن ابي زيد حكى في نوادره عن الأصمعي عن يحيى بن عمر أن قريشا كانت لا تغير الأب في الكنية تجعله مرفوعا في كل وجه من الجر والنصب والرفع هـأي كما يقال علي بن أبو طالب وقرئي تبت يدا أبو لهب
ورأيت في كتاب عمدة الطالب في أنساب أبي طالب لجمال الدين أحمد بن علي بن الحسين بن مهنا بن عتبة الداودي أنه رأى هو وغيره عدة مصاحف بخط علي بن أبي طالب كتب اسم والده هكذا علي بن أبيطالب
وذكر أيضا أنه رءا بالمزار مصحفا بخط سيدنا علي في مجلد واحد وفي آخره بعد تمام كتابة القرآن بسم الله الرحمان الرحيم كتبه علي بن أبي طالب هـوالله أعلم
____________________
(1/155)
فصل في آخر كتاب حفظ التاريخ لنا عينه من كتبه صلى الله عليه وسلم لأهل الكفر ومحافظتهم عليه
آخر مكتوب نبوي حفظ التاريخ لنا عينه مكتوبه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل السابق نصه وأول من رأيته تكلم على بقائه ووجوده إلى زمانه الحافظ السهيلي في الروض ونصه وقد روي أن هرقل وضع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتب إليه في قصبة من ذهب تعظيما له وأنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرا عن كابر في أرفع صوان وأعز مكان حتى كان عند ادفونش الذي تغلب على طليطلة وما أخذ من بلاد الأندلس ثم كان عند ابن بنته المعروف بابن السليطن حدثني بعض أصحابنا أنه حدثه من سأله رأيته من قواد أجناد المسلمين كان يعرف بعبد الملك بن سعيد قال فأخرجه إلي فاستعرته وأردت تقبيله وأخذه بيدي فمنعني من ذلك صيانة له وضنا به علي هـ
وقد كانت وفاة السهيلي بمراكش سنة 581 وقد نقل كلامه هذا ملخصا الكرماني في الكواكب الدراري والحافظ ابن حجر في فتح الباري والبرهان الحلبي في نور النبراس وابن غازي في حاشية الصحيح والشيخ أبو زيد الفاسي في تشنيف المسامع والعلامة الجماع الشيخ قويسم التونسي في سمط اللآل وغيرهم وقوله عبد الملك بن سعيد كذا هو في النسخة المطبوعة من الروض ونحوه بخط الشيخ قويسم في سمط اللآل ووقع في فتح الباري نقلا عن السهيلي عبد الملك بن سعد بسكون العين وافتتح كلام السهيلي بقوله تكميل
____________________
(1/156)
ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب لخ ثم قال الحافظ أثر كلام السهيلي قلت وأنبأنا غير واحد عن القاضي نور الدين ابن الصائغ الدمشقي قال حدثني سيف الدين قليج المنصوري قال أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت فقال لا تحفنك بتحفة سنية فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد رأيت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا هـ
ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام فامتنع فقال يا أخا تنوخ إني كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر وكسرى فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هؤلاء فيمزقون وأما هؤلاء فستكون لهم بقية ويؤيده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال مزق الله ملكه ولما جاءه جواب هرقل قال ثبت الله ملكه والله أعلم هـ
وكانت وفاة ابن حجر سنة 852 وقد نقل كلامه هذا ملخصا
____________________
(1/157)
الشيخ زروق في حواشيه على الصحيح والقسطلاني في المواهب اللدنية والحلبي في سيرته والشيخ قويسم في سمط اللآل وغيرهم وزاد الزرقاني في شرح المواهب انظر تفاوت الناس وكونهم معادن حتى في الكفر وفي الكلام على غزوة العقاب الواقعة حوالي سنة 606 من كتب تاريخ المغرب ومن روض القرطاس لإبن أبي زرع نقلت أن الملك الناصر لدين الله محمد بن يعقوب المنصور الموحدي لما خرج إلى الأندلس بقصد الغزو وسمع الأدفونش بمقصده بعث رسوله إلى الناصر يستأذنه في القدوم عليه فقدم عليه في خاصته وزوجته وهديته قال وقدم بين يديه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى هرقل ملك الروم ليتشفع له به ويعلمه أن الملك عنده موروث كابرا عن كابر فكان هذا الكتاب عندهم يتوارثونه محفوظا مطيبا في حلة خضراء في وسط صندوق من ذهب مملوء مسكا تعظيما له وإجلالا لحقه هـمن القرطاس
ووقع مثل ذلك في الإستقصاء لاكن حكاه بصيغة قيل انظره
وكانت وفاة الناصر المذكور سنة 610 وفي حواشي العارف الفاسي على الصحيح لدى كتاب الجهاد على كتاب قيصر هذا نقلا عن ابن مرزوق ما نصه ذكر بعض المؤرخين أن هذا الكتاب الكريم لم يزل عند ملوك النصارى معظما يتوارثونه وأنه لما علا عليهم بعض ملوك الأندلس تذمموا له بالكتاب المذكور ولم يطلعوه عليه إلا بعد أخذ عهود عليه أن يرده إليهم فرآه المسلمون وفيه ويا أهل الكتاب بالواو كما في رواية البخاري واختلف فقهاؤهم هل يرد للعدو لتمكين النبي صلى الله عليه وسلم إياهم
____________________
(1/158)
منه أولا لأن ذلك كان للضرورة وقد زالت الآن وهم أنجاس وانفصل الحال على رده لأن علة المنع الإهانة وقد أمنت والبحث باق نعم فيه شاهد لصحة رواية البخاري وصحة الواو ثم نقل العارف كلام الفتح السابق ملخصا
وفي الحواشي التي قيدها أبو زيد الفاسي عن والده على هذا الموضع ما نصه قال ابن مرزوق والذي وقف عليه من شاهد هذا الكتاب في زمن يعقوب المنصور أنه بالواو كما في الحديث وقد اختلف المسلمون في رده للروم يومئذ ثم اتفقوا على رده لأنه ملكهم وأتوا به في الأمان ولأنهم وجدوه عندهم في غاية التعظيم هـ
وانظر قوله في زمن يعقوب المنصور لأن المعروف أنه في زمن والده الناصر وقد زاد عللا أخرى موجبة لرده لهم
وفي شرح الإمام المحدث أبي الحسن علي الحريشي الفاسي دفين المدينة المنورة المتوفى بها سنة 1142 على الشفا وكان الشيخ خاتمة الأعلام أبو المكارم عبد القادر يذكر لنا أن الروم بعثوا به لبعض ملوك المغرب فاستشار علماء عصره في القبض على الكتاب الشريف فمن موافق ومن مخالف ثم اتفق رأيهم على الرد به عليهم لتعظيمهم إياه وتمليكه لهم صلى الله عليه وسلم هـمنه
قلت
ومما يدل على أن ملوك أسبانيا أو بعضهم لذلك العهد كانوا ينسبون لهرقل ما وقع في نفح الطيب ونصه قال ابن حبيش آخر الحفاظ بالأندلس كنت في قلعة المرية لما وقع الإستيلاء عليها فتقدمت إلى زعيم الروم السليطن وهو ابن بنت الأدفونش وقلت له إني أحفظ نسبك منك إلى هرقل فقال لي قل فذكرته له فقال أخرج أنت وأهلك ومن معك طلقاء بلا شيء وابن
____________________
(1/159)
حبيش شيخ ابن دحية وابن حوط الله الربيع الكلاعي رحمهم الله هـ
قلت
وكان احتلال الأسبان للمرية سنة 542 كما في النفح
وابن حبيش هذا هو الإمام الحافظ الجهبذ أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن حبيش المريسي ثم المرسي قاضيها ترجمه ابن الأبار في تكملة الصلة وقال فيه كان آخر المحدثين بالمغرب لم يكن أحد من أهل زمانه يجاريه في معرفة رجاله وأخبارهم وموالدهم ووفياتهم وأرخ وفاته سنة 584
وفي التعريف بالمصطلح الشريف للإمام القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى المعروف بإبن فضل الله العمري المتوفي سنة 747 حدثني رسول الأدفونش بتعريف ترجمان موثوق به من أهل العدالة يسمى صلاح الدين الترجمان الناصري أن الأدفونش من ولد هرقل المفتتح منه الشام وأن الكتاب الشريف النبوي الوارد على هرقل متوارث عندهم محفوظ مصون يلف بالديباج والأطلس ويدخر أكثر من إدخار الجوهر والإعلاق وهو إلى الآن عندهم لا يخرج ولا يسمح بإخراجه ينظر فيه بعين الإجلال ويكرمونه غاية الكرامة بوصية توارثوها كابرا عن كابر وخلفا عن سلف هـمنه
وقد نقل كلام التعريف هذا مختصرا القلقشندي في صبح الأعشى
وقد جزم عالم كبير من أهل القرن الحادي عشر وهو قاضي مصر وعلامتها الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفا ببقاء الكتاب المذكور إلى زمانه وكانت وفاته سنة 1069 وهذا سياق كلامه وقد ذكروا أن مكتوبه صلى الله عليه وسلم إلى الآن عند ملوكهم
____________________
(1/160)
يجلونه وهو محفوظ عندهم في صندوق من ذهب وأوصى بعضهم بعضا بحفظه فإن ملكهم لا يزال قائما ما دام هذا الكتاب عندهم حتى إنهم أخرجوه لإبن الصائغ الحنفي لما أرسله السلطان قلاوون إلى ملك النصارى بالمغرب لأمر مهم وقالوا له هذا كتاب نبيكم لجدنا نحفظه ونتبرك به وكان عندنا في طليطلة وهو إلى الآن عندهم ولاكن الله يهدي من يشاء هـكلام الخفاجي بلفظه
وقال أبو الحسن الحريشي في شرحه على الشفا وقيصر لما أتاه كتابه صلى الله عليه وسلم مع دحية قبله وأجله وهو عندهم إلى الآن محفوظ في صندوق من ذهب تتواصى عليه ملوكهم وقد أخرجوه لإبن الصائغ الحنفي وقد كان عند ملك طليطلة وهو الآن عندهم وتكرر منهم إظهار الكتاب لجماعة من العلماء هـكلام الحريشي
وممن جزم بوجود الكتاب المذكور عند الأسبان وأن ملوكهم من ذرية هرقل مؤرخ كبير من مشاهير علماء المغرب الأوسط في القرن الماضي وهو الشيخ أبو راس بن أحمد بن ناصر الراشدي المعسكري المتوفى سنة 1238 بالمعسكر وبه وقفت علي قبره في كتابه الخبر المعرب عن الامر المغرب الحال بالأندلس وثغور المغرب قال ما نصه الأسبان من الروم والروم هم بنو الأصفر لأن هرقل منهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي أرسله له مع دحية إلى هرقل عظيم الروم ولذا قال قريش بعد سماعهم محاورة هرقل في شأنه عليه السلام أنه يخافه ملك بني الاصفر وأما دليل كون الأسبانيين هؤلاء منهم فإن الخفاجي في شرح الشفا قال أن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه لهرقل هو الآن عند ملك طليطلة
____________________
(1/161)
أحد قواعد مدنهم وأن الطاغية السليطي ابن بنت أدفونش قال له الحافظ ابن حبيش أحفظ نسبك إلى هرقل هـكلام الشيخ أبي راس
وقال أيضا بعد ذلك لما تكلم على طليطلة ما نصه ومن العجيب أن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه لهرقل عند ملكها وقد رآه ابن الصائغ الحنفي لما أرسله السلطان قلاوون ثم أشار لكلام السهيلي السابق وقال والقصة مشهورة وقال بعد ذلك أيضا وادفونش بالشين وبالسين أيضا ابن هراندي بن فراند من ذرية قسطنطين بن هرقل هـمنه
وقال في محل آخر الأسبانيون فرقة من الروم نسبة لإسبانية بقطع الهمزة مدينتهم القديمة وقاعدة ملكهم وليسوا هم من الأفرنج بدليل ما ذكر الخفاجي أن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام هو الآن عند ملك طليطلة وقد أراه لإبن الصائغ ومعلوم أن الأسبانية هم الذين أخذوا منا طليطلة هـ
وفي صبح الأعشى ملوك الجلالقة من الفرنج الذين قاعدة ملكهم طليطلة وبرشلونه من الأندلس يقال لكل ملك منهم أدفونش بدال مهملة ثم فاء بعدها واو ثم نون مفتوحة وشين معجمة في آخره وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى زماننا هذا وهو الذي تسميه العامة الفنش هـمنه
قلت
وقد انقطع خبر الكتاب المذكور منذ بارح المسلمون جزيرة الأندلس فلم نر له واصفا ولا ذاكرا من المؤرخين والكتاب والسفراء حتى إني اجتمعت في رحلتي إلى تطوان في سنتنا هذه أوائل ربيع الأول عام 1341 بنائب أصبانيا بتلك المقاطعة الحائز من القاب العصر على اسم مقيم عام وهو من علماء
____________________
(1/162)
الأسبان المذكورين وقوادهم المعروفين الجنرال بوركطي فسألته عن هذا الكتاب فلم أجد عنده له أثرا ولا يذكر عنه أجلي ولا أدون خبر وأظن أن تعصب الأسبان أيام استفحال سطوة الرهبان أتي عليه كما قضى على غيره من الآثار العربية هناك ولله في خلقه ما أراد ويوخذ من كلام غير واحد ممن كتب في أنساب الأمم أن الأسبان دون الإفرنج وأن فرنسا وملوكها لا يلتقون مع الإسبان وملوكهم في نسب ثم وجدت في دائرة المعارف الوجدية أن الإفرنج ويقال لهم الفرنجة قبائل جرمانية كانوا يسكنون جهة بحر الشمال من أروبا وهم فرنسا الحالية وسويسرة وبلجيك وقطعة من ألمانيا وقد صار هذا الإسم علما اليوم على الأروبيين عند المسلمين وقد سرى إليهم ذلك من إطلاق العرب له على نصارى أسبانيا هـ
وقال غيره وهو الأستاذ أحمد زكي المصري المعلق على كتاب الرق في الإسلام لأحمد شفيق بك المصري الفرنج أمة حرة مؤلفة من جملة عائلات جرمانية سكنت بطائح نهر الرين الأسفل ومنها تناسل الفرنساويه هـ
فعلى هذا ما وقع لملك المغرب السلطان أبي الفداء المولى إسماعيل بن الشريف العلوي جد العائلة المالكة الآن بالمغرب فيما خاطب به بعض ملوك فرنسا فقد أهدى لي المؤرخ الفرنسوي الشهير الكولونيل كاستري الباريزي صاحب الأبحاث والكتابات الطنانة في تاريخ الإسلام نسخة فوتوغرافية من مكتوب إسماعيلي لملك فرنسا لويز الرابع عشر وهو بتاريخ 1093 جاء فيه خطابا للوزير ما نصه أنت من سلالة عظيم الروم الذي كتب له جدنا وسيدنا فلا نرضى نحن أن نتكلم إلا معك لخ كلامه وقد
____________________
(1/163)
تجرأ بعض المتهورين من قضاة المغرب على الجزم بذلك وبأن المكتوب الهرقلي هو بيد فرانس إلى الآن وذلك في مخاطبته لرءيس مجلس النواب الفرنسوي دي شانيل الذي صار رءيسا للجمهورية الفرنسوية بعد ذلك حين زرا فاسا سنة 1332 فاستغرب ذلك كله من بلغه من الفرنسويين وغيرهم ولم يكن القاضي المسكين عالما بالمكتوب الإسماعيلي إذ ذاك والذي يظهر في معنى ذلك أن أهل المغرب إذ ذاك حيث لم يكن لديهم أشهر من أسماء ملوك العجم من هرقل كانوا لبعدهم عن اللسان العجمي وتاريخ أممه كل من يرونه من أهل تلك الصبغة العجمية ينسبونه إلى هرقل بالولادة مرة والدين أخرى فلعل هذا وجه ما جرى عليه المكتوب الإسماعيلي السابق وما جرى عليه الحافظ من جعل الملك الذي رءا عنده ابن الصائغ المكتوب النبوي لهرقل من الإفرنج والله أعلم
وقد أخبرني الكولونيل المذكور أنه رءا عدة مكاتب للمولى إسماعيل المذكور لملكهم لويز مرة يخاطبه به بمثل ما ذكر ومرة يسأله عن المكتوب الهرقلي وأكد لي غاية التأكيد أنه لا علاقة بين هرقل ولويز المذكور ولا يخطر ذلك ببال أحد منهم
ثم وجدت في تاريخ العلامة أبي العباس بن الحاج الفاسي للدولة العلوية المسمى بالدر المنتخب المستحسن في الجزء السابع في حوادث سنة 1114 نقل مكتوب إسماعيلي لعظيم فرنسا لويز المتولي نظرها لزمانه حين أجري فيه ذكر هرقل فقال لو كنت من ذرية هرقل لأسلمت وكان الإسلام خيرا لك وما أنت من ذريته على كل حال بإجماع الأجناس ولكنك من ذرية جرجير الذي كان بإفريقية قتله عبد الله بن الزبير ومن ذلك الحين عبر من عبر من آبائك لقرطاجنة التي هي اليوم تونس الخ كلامه
____________________
(1/164)
في كتاب مطول في نحو سبع ورقات من التاريخ المذكور فارتفع الغبار وأقر الخصم وارتفع النزاع ثم وجدت المؤرخ محمود فهمي المصري نص في تاريخه البحر الزاخر في تاريخ العالم وأخبار الأوائل والأواخر على انقراض بيت هرقل سنة 711 ميلادية قال بعد أن تسلطن مائة سنة هـوانظر هل مراده انقراض الملك منهم أو إنقراض العائلة من أصلها والله أعلم
تنبيهات
الأول قال الشيخ أبو راس عقب ما سبق وكذلك كتابه صلى الله عليه وسلم عند ملوك الحبشة يعظمونه كما قاله صاحب الأعلام هـ
وليس عندي في هذا الكتاب غير ما نقلت لك وغير ما سيأتي عن ابن جماعة في باب الرسول يبعث إلى الملك ليزوج الإمام المرأة من المسلمين تكون ببلاده من أن النجاشي احتفظ بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتاب بين اظهرها وفي طبقات ابن سعد أن النجاشي بعد قراءته لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم دعا بحق من عاج فجعل فيه كتابي النبي صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذا الكتاب بين أظهرها وقد وقفت على رحلة الحبشة لصادق باشا المؤيد العظم التي دون فيها سفارته عن الدولة العثمانية لأرض الحبشة وملكها فغاية ما فيها أنه سأل عالما حبشيا من المسلمين الذين هناك عن أصحمة ملك الحبشة الذي أسلم في الزمن النبوي وعن المراسلات التي جرت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له أن معنى أصحمة في العربي عطية وأن النجاشي المذكور مدفون في محل يسمى
____________________
(1/165)
منكل العلامة من أعمال مقاطعة تيغري وأن سيدنا جعفر بن أبي طالب لقي النجاشي المذكور في منكل العلامة وأن هذا المحل قريب من عقامة أغامي وينعقد فيه كل سنة سوق كبير يأتي إليه ألوف من المسلمين والمسيحيين لزيارة قبر النجاشي المذكور فلو كان بيد الحبشة شيء مما نحن فيه لكان الأولى بالذكر والتدوين
الثاني تتداول الصحف التونسية ومجلاتها صورة مكتوب يذكرون عنه أنه مأخوذ بالفتغراف من أصل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر الموجود بدار الآثار بالأستانة وقد كنت ظفرت بنسخة منه سابقا في رحلتي لمصر سنة 1323 ولعلي أول من أدخلته للمغرب إلا أني لم أكن إذ ذاك ولا الآن على وثوق من أمره إذ غاية ما يذكر في أصله أنه ظفر به في أحد الأديرة المصرية فأخذ وأدخل لمحل الآثار الشريفة بالأستانة وقد كنت إذ ذاك رأيت في مجلة الهلال الإشارة إلى الطعن فيه والتوقف في شأنه ولا يشك مسلم أنه لا يجوز إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الجزم إلا بعد المستند الجازم وإلا فدون المثبت خرط القتاد ومن هذا الباب ما يتحدث به بعضهم في دمشق الشام من أن بدار هناك كان أصلها من عمارة الشيخ المرادي مفتي الشام قديما وانتقلت إلى ملك أولاد القوتلي كتابا نبويا خطابا لبعض ملوك الأعراب بخط أحد الصحابة قالوا مختوم بختم نبوي وقد تكلم عليه الشمس محمد بن عبد الجواد القاياتي المصري في رحلته روضة البشام في الرحلة إلى بلاد الشام قائلا أطلعونا على عجيبة من عجائب الدهر وحسنة
____________________
(1/166)
من حسنات العصر وهو كتاب من حضرة سيد الأنبياء أرسله إلى بعض ملوك الأعراب بخط أحد الصحابة وفي آخره ختمه صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله إلا أنه لتقادم العصور وتكرر الدهور لا تكاد تبين خطوط تلك السطور إلا بإمعان النظر وتحقيق ولذلك كتبوا صورة ما فيه بالخط العربي المبين المعهود في هذا العهد حتى يكون مساعدا للقاري على استبانة حروفه وخطه القديم الكوفي قال وبالجملة فهو أثر من أبدع الأثار التي تورث المجد والإفتخار هـ
ولما كنت زرت دمشق الشام عام 1324 سألت أعلام دمشق عن هذا المكتوب فكلهم استهونوا أمره من جهة النسبة والسند وجزموا بأنه لا وثوق بصحته وبتوصل أصحاب تلك الدار به إذ لاحجة بيدهم على ذلك
قلت
وقبل هذا العصر بقرون قال حافظ الشام البرهان الحلبي في نور النبراس حين تكلم على ما كان يوجد بدمشق من الأثار النبوية فائدة الذي بقي من آثاره الشريفة الآن فيما نعرفه كان بقي نعلان بدمشق كل فردة في مكان فلا يدري أين ذهبتا هـ
ونقله جماعة من الأعلام كالمقري في فتح المتعال والزرقاني في شرح المواهب وغيرهما وأقروه ومن العجيب أن أبا القاسم الزياني قال في رحلته الترجمانة الكبرى في الكلام على دمشق وآثارها توجهت لدار الحديث التي بها النعل الشريف نعله صلى الله عليه وسلم فزرته وقبلته وتبركت به هـ
وهو غريب فإن المقري مع إعتنائه بالنعال لم يذكر هو ولا غيره من المؤرخين والرحالين هذا المكتوب الدمشقي ولا النعل المذكورة مع تصديه لمثل ذلك في فتح المتعال ولعل الزياني أراد أن يقول زرت المحل الذي كانت به النعال
____________________
(1/167)
فسبقه قلمه إلى ذكر النعال والله أعلم فصل في أجمع وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه من كتبه صلى الله عليه وسلم الأحكامية
أجمع وأوعب وأطول كتاب حفظ التاريخ نصه كتابه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وهو كتاب جليل فيه من أنواع الفقه في الزكاة والديات والأحكام وذكر الكبائر والطلاق والعتاق وأحكام الصلاة في الثوب الواحد والإحتباء فيه ومس المصحف وغير ذلك قال النووي في التهذيب في ترجمة عمرو المذكور استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران باليمن وهو ابن سبع عشرة سنة وبعث معه كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والجروح والديات وكتابه هذا مشهور في كتب السنن رواه أبو داوود والنساءي وغيرهما مفرقا وأكملهم له رواية النساءي في الديات ولم يستوفه أحد منهم في موضع هـ
وقد ذكر طرقه الحافظ ابن كثير في إرشاده وقال بعد ذكر الإختلاف في بعض طرقه وعلى كل تقدير فهذا الكتاب متداول بين أيمة الإسلام قديما وحديثا يعتمدون عليه يرجعون في مهمات هذا الباب إليه كما قال يعقوب بن سفيان لا أعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم كان الصحابة والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم وصح أن عمر ترك رأيه ورجع إليه قال ابن كثير رواه الشافعي والتابعون بإسناد صحيح إلى ابن المسيب قال ابن إبراهيم الوزير في الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم أثر كلام ابن كثير ظاهر كلام الحافظين يعقوب بن سفيان وابن كثير دعوى إجماع الصدر
____________________
(1/168)
الأول على قبول حديث عمرو بن حزم وذلك يقتضي دعوى الإجماع على جواز العمل بالوجادة هـ
وقال القسطلاني في المواهب واحتج الفقهاء كلهم بما فيه من مقادير الديات وقد رواه النساءي متصلا ورواه أبو حاتم في الصحيح وغيره متصلا وقد وقع في الموطأ ذكره في مواضع في كتاب العقول وفي كتاب الصلاة قال الباجي هو أصل في كتابة العلم وتحصينه في الكتب وقال أبو عمر بن عبد البر وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد هـ
وقال أيضا لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد روي مسندا من وجه صالح
ورواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده
ورواه الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقدم به على أهل اليمن وهذه نسخته بسم الله الرحمان الرحيم من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن كلال قبيل ذي غريس ومعافي وهمذان أما بعد
قلت
وأنا أسوقه هنا معتمدا سياق الحافظ السيوطي في حواشيه على الموطأ ففيها أخرج البيهقي في دلائل النبوة من طريق بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيهم أمره فكتب بسم الله الرحمان الرحيم يا أيها الذين
____________________
(1/169)
آمنوا أوفوا بالعقود عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ الحق كما أمره وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلمهم القرآن ويفقههم فيه وينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم فإن الله كره الظلم ونهى عنه وقال ألا لعنة الله على الظالمين ويبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر الناس النار وعملها ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغيرا إلاأن يكون واسعا فيخالف بين طرفيه على عاتقيه وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه ولا يعقد شعر رأسه إذا غفا في قفاه وينهى الناس إذا كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى العشائر والقبائل فليطفه فيه بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين وأن يمسحوا رءوسهم كما أمرهم الله وأمره بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والخشوع وأن يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء والعشاء أول الليل وأمرهم بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها والغسل عند الرواح إليها وأمره أن يأخذ من الغنائم خمس الله
____________________
(1/170)
وما كتبه الله على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقت السماء العشر وفيما سقت الغرب نصف العشر وفي كل عشر من الإبل شاتان وفي كل عشرين أربع وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة شاة فإنها فريضة الله التي افترضها على المؤمنين في الصدقة فمن زاد فهو خير له وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه فدان دين الإسلام فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يغير عنها وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه من الثياب فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك فإنه عدو لله ورسوله والمؤمنين جميعا صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
قال البيهقي وقد روى سليمان بن داوود عن الزهري عن أبي بكر عن محمد بن عمرو بن حازم عن أبيه عن جده هذا الحديث موصولا بزيادات كثيرة في الزكاة والديات وغير ذلك ونقصان عن بعض ما ذكرناه قلت وسأسوقه في كتاب العقول هـكلام السيوطي
قلت
يستفاد من طبقات ابن سعد أن كاتب كتاب عمرو بن حزم هذا أبي بن كعب رضي الله عنه ما كتبه صلى الله عليه وسلم ولم يخرجه
خرج أبو داوود عن ابن عمر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقات ولم يخرجه فعمل به أبو بكر ثم عمر
تتمة
أخرج ابن سعد في الطبقات عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي نزيل الشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له بعد رجوعه من سرية تلطف إلى أن لم يرق
____________________
(1/171)
فيها دم فشكر ذلك له المصطفى وقال له أكتب لك كتابا أوصي بك أيمة المسلمين بعدي فكتب لي كتابا وختمه فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أتيت أبا بكر بالكتاب ففضه وقرأه وأعطاني شيئا ثم ختمه فلما قبض أبو بكر أتيت عمر بن الخطاب بالكتاب ففضه وأعطاني شيئا ثم ختمه فلما استخلف عثمان أتيته بالكتاب ففضه وقرأه وأعطاني شيئا ثم ختمه فلما استخلف عمر بن عبد العزيز بعث إلى ولده الحارث بن مسلم فأتاه فأعطاه شيئا وقال لو أردت لوصلت إليك ولا كني أردت أن تحدثني بحديثك عن أبيك عن النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته به وانظر ترجمة سندر مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طبقات بن سعد ص 196 من الجزء السابع
قلت فصل هل كتب صلى الله عليه وسلم بنفسه شيئا وأمضى بعض كتبه بيمينه الشريفة أم لا
وقع في قصة صلح الحديبية من الصحيح وغيره أنه لما عقد مع كفار قريش ما عقد دعا عليا وقال أكتب بسم الله الرحمان الرحيم فقال سهيل لا أعرف هذا ولاكن أكتب بإسمك اللهم فقال اكتب فكتبها ثم قال أكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولاكن أكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي أمح محمد رسول الله قال لا والله لا أمحوك فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله ولفظ الصحيح كتب وهو لا يحسن
____________________
(1/172)
الكتابة فتمسك بظاهره الإمام أبو الوليد الباجي وجزم بأنه صلى الله عليه وسلم كتب وذكر الحافظ ابن دحية كما في خصائص القطب الخيضري أن جماعة من العلماء وافقوه على ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء أفريقية وغيرها وقد سبقهم إلى ذلك جميعا عمر بن شبة فقال في كتاب الكتاب له كتب النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم الحديبية ومما استدل به الباجي ومن وافقه ما أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ قال عجالة فذكرت ذلك للشافعي فقال صدق سمعنا قوما يذكرون ذلك هـ
وفي فيض القدير على حديث ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي وأخذ القاضي من قصة الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كتب بعد أن لم يحسن الكتابة ثم إنه أشار لمذهب الباجي ومن عارضه قال وانتصر له بأن الأمية لا تنافيه بل يقتضي تقييده النفي بما قبل ورود القرآن وبعد ما تحققت أميته وتقررت معجزته لا مانع من كتابته بالتعليم فتكون معجزة أخرى وروى ابن أبي شيبة عن عوف ما مات صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ هـ
كلام المناوي في الفيض وهو ملخص من كلام القاضي أبي بكر بن العربي في سراج المريدين فإنه لما تكلم على الغربة قال وأشد أنواعها فقد النظير وعدم المساعد والإضطرار إلى صحبة الجاهل ثم نظر ببقى بن مخلد ومحمد بن موهب وما لقيا من أهل بلدهما بعد الرجوع من الرحلة حسدا على ما رجعا به قال وهذا أبو الوليد الباجي رحل وأبعد وجلب علما جما وقرأ عليه البخاري وفيه أن النبي محا وكتب
____________________
(1/173)
فقيل له على من يعود قوله وكتب فقال على النبي فقيل له وكتب بيده قال نعم ألا ترونه يقول في الحديث فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن الكتابة فكتب هذا ما قضى عليه محمد بن عبد الله فقولوا عليه وحملوا كل تكذيب وتعطيل عليه وانتدب جاهل من المقرءين فأخبرني أبو محمد عبد الله بن أبي عصام بالمسجد الأقصى قال رأيته يصيح في المسجد الجامع ويعلن بالزندقة إليه بيد أن الأمير كان متشبثا فدعا بالفقهاء فاتفقوا على أن هذا القول كفر فاستظهر الباجي ببعض الحجة في ذلك وقال للأمير هؤلاء جهلة ولاكن أكتب إلى علماء الآفاق فكتب إلى إفريقية وصقلية فجاء الجواب إن يكتب بعد أميته فيكون ذلك من معجزته لا يطعن أحد بذلك عليه لأنهم تحققوا أميته ثم شاهدوا معجزته فوقفوا ولم يطعنوا هـكلام ابن العربي ومن نسخة عندي عليها خطه نقلت
وفي ترجمة الباجي من الديباج المذهب للبرهان بن فرحون أن الذي أنكر على الباجي وكفره أبو بكر بن الصائغ الزاهد قال ابن فرحون وتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه اللعن فلما رءا ذلك الباجي ألف رسالته المسماه بتحقيق المذهب بين فيها المسألة لمن يفهمها وإنها لا تقدح في المعجزة كما لا تقدح القراءة في ذلك فوافقه أهل التحقيق بأسرار العلم وكتب بها لشيوخ صقلية فأنكروا على ابن الصائغ ووافقوا أبا الوليد على ما ذكره هـكلام ابن فرحون
وقد ساق قصة الباجي هذه الحافظ الذهبي في ترجمته من تذكرة الحفاظ وذكر أن الباجي لما ألف رسالته التي بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة رجع بها جماعة
____________________
(1/174)
ثم قال ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا لأنه لا يسمى كاتبا وجماعة من الملوك قد أدمنوا على كتابة العلامة وهم أميون والحكم للغلبة لا للصورة النادرة فقد قال صلى الله عليه وسلم أنا أمة أمية أي أكثرهم كذلك لندور الكتابة في الصحابة وقال تعالى ! ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) ! هـكلام الذهبي
وهو وجيه لا غبار عليه وخرج الذهبي في التذكرة أيضا في ترجمة ابن مندة بسنده إلى عوف بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب ثم قال الذهبي عقبه قلت وما المانع من جواز تعلم النبي صلى الله عليه وسلم يسير الكتابة بعد أن كان أميا لا يدري ما الكتابة فلعله لكثرة ما أملى على كتاب الوحي وكتاب السنن والكتب إلى الملوك عرف من الخط وفهمه وكتب الكلمة والكلمتين كما كتب اسمه الشريف يوم الحديبية محمد بن عبد الله وليست كتابته لهذا القدر اليسير مما يخرجه عن كونه أميا ككثير من الملوك أميين ويكتبون العلامة هـمن التذكرة بلفظها وما أشار إليه الذهبي أقوى صدمة للمعارض من كون كتابته صلى الله عليه وسلم كانت معجزة وإن سبق إليها ابن العربي كما تقدم ثم الحافظ ابن الجوزي في المشكل فإنه قال إطلاق يده بالكتابة ولم يحسنها كالمعجزة له ولا ينافي هذا كونه أميا لا يحسن الكتابة لأنه ما حرك يده تحريك من يحسن الكتابة إنما حركها فجاء المكتوب صوابا هـ
قال ابن باديس أثره في الفرائد هذا تأويل منه حسن يجمع بين المذهبين من غير تناقض في الخبر هـ
وقال ابن التلمساني في شرح الشفا بعد
____________________
(1/175)
ذكر مذهب الباجي وصوب أهل الحق مقالته وأنه لا يقدح في المعجزة كونه كتب مرة وفي البخاري في باب عمرة القضاء فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب قال القرطبي في مختصره قوله فأخذ الكتاب فكتب ظاهر قوي في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بيده
وقد أنكر قوم تمسكا بقوله تعالى ^ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ^ قال ولا نكرة فيه فإن الخط المنفي الخط المكتسب عن التعليم وهذا خط خارق للعادة أجراه الله على أنامل النبي صلى الله عليه وسلم مع بقائه لا يحسن الكتابة المكتسبة وهذا زيادة في صحة نبوته هـ
قلت
أحسن منه ما سبق عن الذهبي في ترجمة ابن مندة فاعتبره
ووقفت في المدينة المنورة على رسالة حافلة للعلامة المحقق الشمس محمد بن عبد الرسول البرزنجي الشافعي المدني في إثبات الكتابة والقراءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتيسر لي تلخيصها
وعندي جزء للفقيه الزاهد أبي محمد عبد الله بن مفوز المعافري في نحو كراسة عنوانه جزء فيه التحرير من ترك الواضحة والتنبيه على غلط القائل كتب في يوم الحديبية النبي الأمي وفي آخره عليه سماعات لأعلام أندلسيين وتونسيين وموضوعه الإنتصار لإبن الصائغ في المسألة والرد على الباجي والله أعلم
قال القطب الخيضري في خصائصه ولم يبلغنا من طريق صحيح ولا ضعيف أن المصطفى كتب شيئا بخطه غير ما في هذه القضية وإنما كان له صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له الوحي وغيره هـ
وقال الشهاب الخفاجي في شرح الشفا بعد تلخيصه لكلام ابن العربي السابق ما نصه ورأيت في بعض الكتب أنه مما يدل
____________________
(1/176)
على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لكاتبه طول السينات وقوله تعالى ^ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ^ فقوله من قبله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يكتب نادرا فأعرفه هـفقف على قوله كان يكتب بعد ذلك والله أعلم
وسيأتي في القسم العاشر عن سمط الجوهر الفاخر أنه صلى الله عليه وسلم كتب عدة كتب بيده الشريفة
فائدة
في الخطط للمقريزي أن آل بلال بن الحارث جاءوا لعمر بن عبد العزيز بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم بإقطاع في جريدة فقبلها عمر وفتح ومسح بها عينبه فصل في ذكر صاحب الخاتم ومن أي شيء كان وما كان نقشه
أخرج البخاري عن أنس قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم فقيل له إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما فاتخذ خاتما من فضة ونقشه محمد رسول الله فكأنما أنظر إلى بياضه في يده صلى الله عليه وسلم
وأخرج الترمذي في الشمائل بل هو في الصحيح أيضا فكان الأولى أن ينسب إليه عن أنس كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم محمد سطر ورسول سطر والله سطر قال المهلب كان صلى الله عليه وسلم لا يستغني عن الختم به في الكتب إلى البلدان وأجوبة العمال وقواد السرايا
في أوائل السيوطي أول من ختم الكتاب من قريش وأهل الحجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد
____________________
(1/177)
مكاتبة الملوك فقيل له إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما هـ
قال الحافظ ولم تكن كتابة الخاتم على الترتيب العادي محمد رسول الله فإن ضرورة الختم به تقتضي أن الأحرف المنقوشة مقلوبة يعني هكذا محمد رسول الله يخرج الختم مستويا هـ
لاكن قال الزرقاني أثره على المواهب وهو تعديل على العادة وأحواله صلى الله عليه وسلم خارج عن طورها بل في تاريخ ابن كثير عن بعضهم أن كتابته كانت مستقيمة وكانت تطبع كتابة مستقيمة هـ فصل فيمن كان صاحب خاتمه صلى الله عليه وسلم
قال الشبراملسي في حواشي المواهب قوله وخاتمه أي من كان يتولاها إذا قلعها النبي صلى الله عليه وسلم من يحفظها ويعيدها إليه عند إرادتها هـ
خرج البخاري في التاريخ من طريق محمد بن بشار عن إياس بن الحارث بن معيقب عن جده معيقب قال كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديد ملون عليه فضة فربما كان بيدي وكان المعيقب على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الإصابة أنه كان على بيت المال لعمر ثم كان على خاتم عثمان
وفي العقد الفريد لإبن عبد ربه أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع خاتمه عند حنظلة بن الربيع بن المربع بن صيفي ابن أخي الكشم بن صيفي الأسدي وفي العقد أيضا أنه كان على خاتمه صلى الله عليه وسلم معيقب بن أبي فاطمة نحو ما سبق وعرف لغيره
____________________
(1/178)
& باب في عمله صلى الله عليه وسلم إذا لم يحضره الخاتم
في ترجمة عبد الملك بن أكيدر من الإصابة عنه قال كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ولم يكن معه خاتم فختمه بظفره
وفي الإصابة أيضا لدى ترجمة وهب بن أكيدر دومه أن ابن عساكر أخرج من طريقه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا ولم يكن معه خاتمه فختمه بطينة
وبذلك تعلم ما في قول القلقشندي في صبح الأعشى أول من اتخذ الطين لختم الكتاب عمر بن الخطاب قاله الثعالبي في لطائف المعارف هـ& باب في مسائل تتعلق بالخاتم النبوي &
كان صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب حين كان مباحا ثم نبذه ولم يراجعه وكان له خاتم من ورق أي من فضة وكان فصه حبشيا كما في مسلم عن أنس والحبشي حجر من جزع أو عقيق فإن معدنهما بالحبشة واليمن وقيل لونه حبشي أي أسود
وفي البخاري عن أنس أن فصه كان منه ففيه جواز جعل الخاتم فصا من فضة وكره من الذهب
ولأبي داوود والنساءي أن خاتمه كان من حديد ملونا عليه فضة وهو محمول على التعدد
وكان نقشه محمد رسول الله وهو في الصحيح
ففيه جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحبه ونقش اسم الله تعالى
وذكر الزبير بن بكار أن نقش خاتم أبي بكر نعم القادر الله وقال غيره كان نقش خاتمه عبد ذليل لرب جليل
وفي طبقات ابن سعد عن ابن سيرين مرسلا أن نقش الخاتم كان بسم الله محمد رسول الله ولم يتابع على هذه الزيادة
____________________
(1/179)
ولأبي الشيخ من حديث أنس لا إلاه إلا الله محمد رسول الله
قال الحافظ السيوطي في التوشيح على الجامع الصحيح وهي زيادة شاذة وفي الصحيح أن صفة النقش محمد سطر ورسول سطر والله سطر
قال الأسنوي في المهمات وفي حفظي أنها كانت تقرأ من أسفل فصاعدا ليكون اسم الله فوق الجميع
قال الحافظ ابن حجر ولم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث
وفي الصحيحين وغيرهما النهي عن أن ينقش أحد على نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم وسبب النهي أنه إنما اتخذ الخاتم ونقش فيه ليختم به كتبه فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل
قال في التوشيح وهذا يفهم اختصاص ذلك بحياته صلى الله عليه وسلم
وفي الديباج النهي نهي تحريم مؤبدا إلى يوم القيامة وليس ذلك بظاهر
وجاء فيها أنه كان يجعل فصه مما يلي كفه أي ليكون أبعد من التنزين
وفي رواية لأبي داوود وجعل فصه في ظهر كفه فإن صحت فلعله كان يعمل هذا لبيان الجواز نادرا وجاء أنه كان يتختم به في اليد اليمنى وفي أحاديث أخر أنه في اليسار & باب في وضع التاريخ وأصله &
المعروف أن التاريخ بالهجرة النبوية حدث في خلافة عمر بن الخطاب ولاكن حكي أبو جعفر بن النحاس في كتابه صناعة الكتاب وحكاه عنه القلقشندي في صبح الأعشى عن محمد بن جرير أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ
قال القلقشندي وعلى هذا
____________________
(1/180)
يكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة هـ
وفي المواهب وأمر صلى الله عليه وسلم بالتاريخ فكتب من حين الهجرة قال الزرقاني رواه الحاكم في الإكليل عن الزهري معضلا والمشهور خلافه وأن ذلك في زمن عمر كما قال الحافظ هـ
وقد قال الحافظ جلال الدين السيوطي رأيت في مجموع بخط ابن القماح عن ابن الصلاح أنه قال ذكر أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي في تاريخ الشروط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصاري نجران وأمر عليا أن يكتب فيه حين كتب عنه أنه كتب لخمس من الهجرة قال فالمؤرخ بهذا إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر تبعه في ذلك قال وقد أشبعت الكلام على ذلك في مؤلف مستقل مختصر بهذه المسألة هـ
قلت
سماه الشماريخ في علم التاريخ قال السخاوي فإن ثبت فيكون عمر متبعا لا مبتكرا هـ
وقال الإمام السهيلي في الروض تأسيس مسجد قبا كان أول يوم من حلول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار هجرته والبلد الذي هو مهاجره وفي قوله تعالى ! ( من أول يوم ) ! وقد علم أنه ليس أول الأيام كلها ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر
ففيه من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عزم فيه الإسلام والذي أمر فيه ا لنبي صلى الله عليه وسلم وأسس المساجد وعبد الله آمنا كما يحبه فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله سبحانه ! ( من أول يوم ) ! أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي نؤرخ به الآن فإن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/181)
أخذوا هذا من الآية فهو الظن بأفهامهم فهم أعلم الناس بكتاب الله وبتأوليه وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح وإن كان ذلك منهم عن رأي وإجتهاد فقد علم ذلك قبل أن يكونوا وأشار إلى صحته قبل أن يفعل إذ لا يعقل قول القائل فعلته أول يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم وليس ها هنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو قرينة حال فتدبره ففيه معتبر لمن أدكر وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر والحمد لله هـ
وقد نقل كلامه ملخصا الحافظ في الفتح وقال عقبه كذا قال والمتبادر أن معنى قوله من اول يوم اي دخل صلى الله عليه وسلم وإصحابه المدينة هـوقال ابن المنير كلام السهيلي كلام تكلف وتعسف وخروج عن تقدير الأقدمين فإنهم قدروه من تأسيس اول يوم مكانه قيل من اول يوم وقع فيه التأسيس وهذا تأسيس تقتضيه العربية وتشهد له الآية هـ
قلت
كلام السهيلي ظاهر المأخذ جلي الإسنتاج والذين استبشعوه كأنهم لم يذوقوه فتأمله بإنصاف ترى الحق مع ما أملاه الأعمى لا ما كتبه البصراء ولذا اقتصر عليه معجبا به المولى شهاب الملة والدين الخفاجي في عناية القاضي وكفاية القاضي انظرها وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا
واختيرت الهجرة للإبتداء بها دون وقت الولادة والبعثة لإختلافهم فيها دونها ووقت الوفاة وإن شارك الهجرة في الإتفاق لا يحسن الإبتداء بها عقلا لما ينشأ عنه من تهيج الحزن والأسف بخلاف وقت الهجرة فإنه يتبرك به لكونه وقت استقامة ملة الإسلام واختير لإفتتاح السنة المحرم دون غيره
____________________
(1/182)
لكونه شهر الله واحد الأشهر الحرم وفيه تنصرف الناس من الحج & باب في الرسول السفير وفيه فصول & فصل في صفات رسله صلى الله عليه وسلم من وفور العقل وطلاقة اللسان وقوة الحجة المقنعة للخصم
قال السهيلي في الروض لما قدم دحية على قيصر قال يا قيصر أرسلني من هو خير منك والذي أرسله هو خير منه ومنك فاسمع بذل ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم وإن لم تنصح لم تنصف قال هات قال هل تعلم أكان المسيح يصلي قال نعم قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وأدعوك إلى من دبر خلق السماوات والأرض والمسيح في بطن أمه وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى وبشر به عيسى ابن مريم بعده وعندك من ذلك إثارة من علم تكفي عن العيان وتشفى من الخبر فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة وإلا ذهبت عنك الآخرة وشوركت في الدنيا واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم فأخذ قيصر الكتاب ووضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته ولا عالما إلا وسألته فما رأيت إلا خيرا فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه فأرجع عنه فيضرني ذلك ولا ينفعني أقم حتى أنظر فلم يلبث أن أتاه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الروض أيضا أن حاطبا لما قدم على المقوقس ملك مصر قال له إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلا فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم
____________________
(1/183)
به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك قال هات قال إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه وهو الإسلام إليه الكافي به الله فقد ما سواه إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسيي إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك للقرآن إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولاكن نأمرك به
وفيه أيضا أن العلاء بن الحضرمي لما قدم على المنذر بن ساوى بكتابه صلى الله عليه وسلم قال له يا منذر إنك عظيم في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية ليس فيها تكرم العرب ينكحون ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكره عن أكله ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأي هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه ولمن لا يخون أن لا تأمنه ولمن لا يخلف أن لا تثق به فإن كان هذا هكذا فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهي عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر وفيه أيضا أن عمرو بن العاص لما قدم على الجلندي قال له يا جلندي إنك وإن كنت منا بعيدا فإنك من الله غير بعيد إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك واعلم أنه يميتك الذي أحياك ويعيدك الذي بدأك فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء
____________________
(1/184)
بالدنيا والآخرة فإن كان ما يريد به منا فاتبعه أو يميل به هوى فدعه ثم ينظر فيما يجىء به يشبه ما تجيء به الناس فإن كان يشبهه قبله العيان وتحيز عليه في الخير وإن كان لا يشبهه فأقبل ما قال وخف ما وعد
وفيه أيضا أن شجاع بن وهب لما قدم على جبلة بن الأيهم قال له يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دارهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك وإن فضلناك عليه لم يرضك فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع والآذان بالناقوس والقبلة بالصليب وكان ما عند الله خير وأبقى
وفيه أيضا أن المهاجر بن أبي أمية لما قدم على الحارث بن عبد كلال قال له يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه المصطفى نفسه فخطأت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك وإذا سرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وأنا أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور
____________________
(1/185)
ومما قاله دحية في قدومه على قيصر
( ألا هل أتاها على نابها ** فإني قدمت على قيصر )
( فقدرته بصلاة المسيح ** وكانت من الجوهر الأحمر )
( وتدبير ربك أمر السماء ** والأرض فأغضى ولم ينكر )
( وقلت تقر ببشرى المسيح ** فقال سأنظر قلت انظر )
( فكاد يقر بأمر الرسول ** فمال إلى البدل الأعور )
( فشك وجاشت له نفسه ** وجاشت نفوس بني الأصفر )
( على وضعه بيديه الكتاب ** على الراس والعين والمنخر )
( فأصبح قيصر من أمره ** بمنزلة الفرس الأشقر )
يريد بالفرس الأشقر مثلا للعرب فيمن يتردد عن الشيء لا يريد ما يرجح فيه
من صبح الأعشى من غريب ما يروي ما ذكره ابن عبد الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر وبلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال له ما منعه أن يدعو علي فيسلط علي قال له حاطب ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب فسكت ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حروب قومه وذكر له أن الحرب تكون بينهم سجالا تارة له وتارة عليه قال له المقوقس النبي يغلب فقال له حاطب فالإلاه يصلب يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إلاه وفي ترجمة سيدنا
____________________
(1/186)
عبادة بن الصامت من الإستبصار للموفق ابن قدامة روى أن المقوقس صاحب مصر بعث إلى عمرو أن أبعث لي رسلا أكلمهم فبعث إليه نفرا منهم عبادة بن الصامت وأمره أن يكون هو المتكلم وكان عبادة أسود شديد السواد فلما دخلوا على الملك تقدم عبادة فقال الملك ما فيكم من يتكلم غير هذا فقال القوم هو أفضلنا وأقدمنا صحبة لنبينا ومع هذا فقد أمره أميرنا هو المتكلم قال فليتقدم إذا فإنما هبته لسواده فقال عبادة فإن كنت هبتني لسوادي وقد ولى شبابي وذهبت قوتي فكيف بك لو رأيت عسكرنا وفيه أكثر من ألف أشد مني سوادا وأقوى أبدانا وأعظم أجسادا فطلب منه الملك الصلح فقال عبادة إنا لا نقبل منكم إلا إحدى خلال ثلاث إما أنت تسلموا فتكونوا إخواننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإما أنت تؤدوا الجزية إلينا وتعتقدوا منا الذمة فنقبل منكم ونكف عنكم وإما أن تبرزوا لنا حتى يحكم الله بيننا وبينكم فقال الملك لا تقبلوا غير هذه الخلال الثلاث فرفع عبادة يديه فقال لا ورب السماء لا ورب هذه الأرض لا نقبل منكم غيرها فقال الملك لأصحابه ما ترون فيما قال فأبوا فقال الملك والله لئن لم تقبلوا منهم احد هذه الخلال قبل قتال الرجال وسبي الحريم لتقبلنه منهم بعد ذلك وأنتم راغمون فصالحهم ووجه عمر عبادة إلى الشام قاضيا ومعلما هـ
ثم استطرد القلقشندي أن بعض ملوك الروم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا فوجه إليهم بالقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني المالكي فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى قال له بعضهم إن معتقدكم أن الأنبياء معصومون في الفراش وقد
____________________
(1/187)
رميت عائشة بما رميت به فإن كان ما رميت به حقا كان ناقضا لأصلكم الذي أطلقتموه في عصمة الأنبياء في الفراش وإن كان غير حق كان مؤثرا في ايمان من وقع منه فقال له القاضي أبو بكر امرأتان حصينتان رميتا بالفرية إحداهما لها زوج ولا ولد لها والأخرى لها ولد ولا زوج لها يشير بالأولى إلى عائشة وبالثانية إلى مريم فسجدوا له على عادة تحيتهم في ذلك
قلت
وقد رأيت في ترجمة الباقلاني من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي هذه القصة على وجه آخر وذلك أنه ذكر أنه جرت له أمور منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك ففطن لها ودخل بظهره ومنها أنه قال كراهبة كيف الأهل والأولاد فقال له الملك أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا فقال تنزهونه عن هذا ولا تنزهون الله عن الصاحبة والولد
وقيل أن طاغية الروم سأله كيف جرى لعائشة وقصد توبيخه فقال كما جرى لمريم وبرأ الله المرأتين ولم تأت عائشة بولد فأفحمه ولم يدر جوابا هـمن تاريخ الإسلام
وأحفظ أيضا أن الباقلاني سأله ملك الروم أيضا قال له تزعمون أن القمر انشق لنبيكم فهل للقمر قرابة حتى ترونه دون غيركم فقال وهل بينكم وبين المائدة أخوة ونسب إذ رأيتموها ولم ترها اليهود واليونان والمجوس الذين أنكروها وهم في جواركم فأفحم ولم يدر جوابا
وقد ذكر القصة مبسوطة ابن التلمساني في شرح الشفا قائلا ذكر بعضهم أن الإمام العالم الأعرف أبا بكر بن الطيب لما وجهه صاحب الدولة سفيرا إلى ملك الروم ليظهر به رفعة الإسلام وبغض النصرانية وجرب في تلك الوجهة من القسطنطينية بينه وبين ملكها مع بطارقته ونبلا
____________________
(1/188)
ملته مناظرات ومحاورات منها أن الملك قال له هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من إنشقاق القمر كيف هو عندكم قال هو صحيح عندنا انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رآه الناس وإنما رآه من الحضور من اتفق نظره إليه في تلك الحال فقال الملك وكيف لم يره جميع الناس قال الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لحضوره قال وهذا القمر بينكم وبينه قرابة لأي شيء لم يعرفه الروم وغيرهم من سائر الناس وإنما رأيتموه أنتم خاصة قال فهذه المائدة بينكم وبينها نسب وأنتم رأيتموها دون اليهود والمجوس والبراهمة وأهل الإلحاد واليونان جيرانكم فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن فتحير الملك وقال في كلامه سبحان الله وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني وقال نحن لا نطيقه فلم أشعر إذ جاءوا بالرجل كالدب أشقر الشعر فقعد وحكيت له المسألة فقال الذي قال المسلم لازم لا أعرف له جوابا إلا ما ذكره فقلت له إن الكسوف إذا كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي في محاداته فقال لا يراه إلا من كان في محاداته قلت فما أنكرت من إنشقاق القمر كذلك إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية ومن تأهب للنظر وأما من أعرض عنه أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر فيها فلا يراه فقال هو كما قلت لا يدفعك عنه دافع وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا فأما الطعن في هذا الوجه فليس بصحيح فقال الملك وكيف يطعن في النقلة فقال النصراني شبه هذا من الآيات إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير حتى يتصل بنا العلم به ولو كان كذلك لوقع لنا العلم الضروري به فلما لم يقع دل على أنه أكبر مفتعل باطل فالتفت الملك إلي
____________________
(1/189)
وقال الجواب فقلت يلزمه في نزول الملائكة بالمائدة ما لزمني في إنشقاق القمر ويقال له لو كان نزول المائدة صحيحا لوجب أن ينقله العدد الكثير فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا ويعلم هذا بالضرورة ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة دل أن الخبر كذب فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس وانفصل الوطن على هذا هـ اختياره صلى الله عليه وسلم لرسله أن يكونوا أحسن الناس وجها
سيأتي أمره لعماله أن يبردوا له البريد كذلك ومن أشهر رسله صلى الله عليه وسلم للملوك دحية الكلبي قال العيني في عمدة القاري كان دحية من أجمل الصحابة وجها وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورته وذكر السهيلي عن ابن سلام في قوله تعالى ! ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) ! قال كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله وروي أنه كان إذا قدم إلى الشام لم تبق مخدرة إلا خرجت لتنظر إليه هـ
وفي الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي أن دحية كان أجمل أهل زمانه وبلغ من أثر جماله في الخلق أنه لما قدم المدينة واستقبله الناس ما رأته امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها هـ
وذكر العيني في العمدة أيضا أن دحية هذا كان يمشي متلثما خشية أن تفتتن به النساء هـ وصايته صلى الله عليه وسلم لكل من بعثه لجهة من الجهات من سفرائه وأمرائه ورسله
في سيرة ابن هشام قال ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابا فيه ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البلدان وملوك
____________________
(1/190)
العرب والعجم وما قال لأصحابه حين بعثهم قال فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال لهم إن الله بعثني رحمة فأدوا عني يرحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم قالوا وكيف يا رسول الله كان إختلافهم قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من قرب به فأحب وسلم ومن بعد به فكره وأبى فشكى ذلك عيسى منهم إلى الله فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم هـ
وفي باب صب الماء على البول في المسجد أنه صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما تناولوا الأعرابي الذي بال في المسجد إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين قال الحافظ ابن حجر في الفتح وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول يسروا ولا تعسروا هـ
قلت
وقع ذلك في مسلم عن أبي موسى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا وأخرج البزار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معاذا وأبا موسى فقال تشاورا وتطاوعا ويسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا اتخاذ البريد في زمن الخلفاء الراشدين
البريد اسم للمسافة التي بين كل محطة وأخرى من محطات البريد وهي أربعة فراسخ أو إثنا عشر ميلا ثم أطلق على حامل الرسائل وتوسعوا فيه الآن فأطلقوه على أكياس البريد وأصله من وضع الفرس ثم استعمل في الإسلام وأقيم له عامل مخصوص يسمى عامل البريد ينقل أخبار الولاة والبلاد
____________________
(1/191)
لدار الخلافة والعكس والمشهور أن أول من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان ولعله أول من رتبه على طرق ومناهج مخصوصة رتب له الميل والمحطات وإلا فالبريد معروف عند من قبله من الخلفاء الراشدين واشتهر أمره في مدة سيدنا عمر بن الخطاب وفي الصحيح لدى باب أبواب الإبل والدواب والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد قال الحافظ دار البريد المذكورة موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الأمراء إلى الخلفاء وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان وكانت الدار في طرف البلد وقال المطرزي البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط ثم سمي به الرسول المحمول عليها ثم سميت به المسافة المشهورة وفي سيرة عمر للحافظ ابن الجوزي في الباب الرابع والثلاثين في ذكر عسسه بالمدينة وبعض ما جرى له في ذلك أن عمر لما أبعد نصر بن الحجاج عن المدينة إلى البصرة وكتب عمر إلى عامله كتابا لمكتب الرسول عنده أيا فاتح نادي مناديه ألا إن بريد المسلمين يريد أن يخرج فمن كانت له حاجة فليكتب فكتب نصر بن الحجاج كتابا ودسه في المكتب إلى أمير المؤمنين
وفي القصة الآتية وهي عند ابن جرير في تاريخه عن الرسول الذي أتى بالعقد هدية من عند امرأة قيصر الروم إلى زوج عمر أنه بريد المسلمين
وفي كتاب الطائر الغريد في وصف البريد للعرب في نظام البريد فضل مثل ما لهم في غيره ولذلك قد شرح المؤرخون عن أحواله عندهم أكثر من باقي البريد وأول ما استعمل العرب لنقل البريد الإبل ثم استبدلوها بالبغال ثم بالخيل لسرعتها وكان
____________________
(1/192)
لكل سفر بريد يتولى قيادة المسافرين وميل العرب للتنقل بالأسفار وكان أعظم مساعد على أطراد سير البريد الطويل ما بين البلاد الشاسعة بكل ضبط وهذه الوظيفة كانت عندهم من الوظائف العالية التي لا يوليها إلى الخليفة نفسه ولا يتولاها إلا ذو الأهلية وجاء في كتب الإفرنج أن ابتداء ترتيب البريد عند العرب بعد الهجرة النبوية بأمر أول خليفة وكان يتسع بإتساع فتوحاتهم التي بلغت مسافات شاسعة وأعظم اتساع ونظام في بريد العرب ثم في عهد الخلفاء العباسيين بلغت محطات البريد نحو ألف محطة كانت تسمى عندهم بالسكك ومع هذا الإتساع كانت الأشغال سائرة بكل دقة في مواعيد السفر والوصول والأمنية فقد كان لكل حطة رءيس لملاحظة سير السعادة والخيالة وحالة المحطات وكان جميع هؤلاء الرؤساء مضطرين أن يقدموا تقاريرهم عن كل ما يحدث في الخطوط إلى عموم الإدارة في بغداد التي كانت النقطة المركزية والرءيس العالي يعرض ذلك على الخليفة نفسه الذي كان يهتم بالبحث عن أحوال البريد وكان للبريد لائحة عمومية تحتوي على قوانين البريد في سيره وجغرافية الطرق وكان ينفق على البريد مبالغ وافرة قيل إن نفقة فرع اليمن فقط كانت تبلغ نحو أربعة ملايين درهم سنويا وهي عبارة عن أربعة ملايين ونصف من الفرنكات ومن ذلك يعلم قدر نفقات باقي الخطوط وما كان يبذله العرب لتنظيم البريد وقدر أهميته عندهم واتخذ العرب العلامات لرسل البريد في عهد الخلفاء العباسيين كانت علاماتهم قطعة من الفضة بقدر الكف قد كتب على أحد صفحتها البسملة
____________________
(1/193)
واسم الخليفة وعلى الصفحة الثانية هذه الآية ! ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) ! هـ
مهمة
في الخطط للتقي المقريزي أن إبراهيم بن الأغلب لما ولي على إفريقية سنة 261 كانت القوافل والتجار تسير في الطرق وهي آمنة والحصون والمحارس على ساحل البحر حتى كانت توقد النار من مدينة سبتة إلى الإسكندرية فيصل الخبر منها إلى الإسكندرية في ليلة واحدة وبينهما مسيرة أشهر هـمنها
قلت
لعمري إن هذه الطريقة في التعجيل بالأخبار أغرب وأعجب من التلغراف والتلفون ولله في خلقه شئون فصل في الرسول يبعث يدعو إلى الإسلام
بعث دحية بن حليف الكلبي وبعثه بكتابه وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ليدفعه إلى قيصر وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس
وبعث عمرو بن أمية إلى النجاشي ملك الحبشة وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية وبعث سليط بن عمرو واحد بني سليط عامر بن لؤي إلى تمامة بن أتال وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحرث بن أبي شمر الغساني وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث ملك اليمن
قال ابن جماعة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع
وفي شرح الزرقاني على المواهب وشرح الألفية لإبن كيران
____________________
(1/194)
وبعث ستة نفر في يوم واحد إلى الملوك وأصبح كل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم كذا لإبن سعد وغيرهم وهذه معجزة أخرى هـمنهما فصل في بعث الرسول في الصلح
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جراش بن أمية الخزاعي إلى قريش بمكة وحمله على بعير له وأمره أن يبلغ أشرافهم ما جاء به فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله ثم أرسل المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك عثمان بن عفان بإشارة عمر فنجا فصل في بعث الرسول بالأمان ذكر من بعثه المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك من الرجال
في السير في خبر فتح مكة قال ابن إسحاق خرج صفوان بن أمية يوم فتح مكة يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب يا رسول الله إن صفوان بن أمية سيد قومي وقد خرج هاربا منك ليقذف بنفسه في البحر فأمنه صلى الله عليه وسلم وقال هو آمن قال يا رسول الله فاعطني آية ليعرف بها أمانك فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل بها مكة فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي الله الله في نفسك أن تهلك فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به قال ويحك أبعد عني فلا تكلمني إني أخاف على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف
____________________
(1/195)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان إن هذا يزعم أنك أمنتني قال صدق قال فاجعلني فيه بالخيار شهرين قال أنت بالخيار أربعة أشهر
وقال أبو عمر بن عبد البر كان عمر بن موهب بن خلف قد استأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هرب يوم الفتح هو وابنه وهب بن عمير فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما وبعث له وهب بن عمير بردائه الكريم أمانا له وجاء به بنحو ما ذكر لمن قبله ذكر من توجه في ذلك من النساء
قال ابن عبد البر في الإستيعاب أم حكيم بنت الحارث بن هشام زوج عكرمة بن أبي جهل بن عمها أسلمت يوم الفتح واستأمنت النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها عكرمة حين فر إلى اليمن وخرجت في طلبه فردته حتى أسلم وثبتا على نكاحهما وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه لما أتت به مرحبا بالراكب المهاجر وقال لأصحابه إن عكرمة يأتيكم فإذا رأيتموه فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يوذي الحي فصل في الرسول يبعث إلى الملوك ليبعث من عنده في بلاده من المسلمين
قال ابن إسحاق كان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري فحملهم في سفينتين فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد
____________________
(1/196)
الحديبية ستة عشر رجلا منهم جعفر بن أبي طالب في الرسول يبعث إلى الملك ليزوج الإمام المرأة من المسلمين تكون ببلاده ويبعثها
ذكر ابن جماعة في مختصر السير أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي واسمه أصحمة وكتب له كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن فأخذه النجاشي فوضعه على عينيه ونزل عن سريره فجلس على الأرض ثم أسلم وشهد شهادة الحق وفي الكتاب الآخر أن يزوجه أم حبيبة وأمره أن يبعث بمن قبله من أصحابه ويحملهم ففعل ودعا بحق من عاج فجعل فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها
في ترجمة عمرو من الإصابة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي في زواج أم حبيبة والي مكة فحمل خشب من خشبه وذكر الحافظ في ترجمة أم حبيبة من الإصابة أن النجاشي أرسل إليها جارية له يقال لها أبرهة فقال إن الملك يقول لك وكلي من يزوجك فأرسلت إلى خالد بن الوليد فوكلته وأعطت لأبرهة سوارين من فضة فلما كان العشي أمر النجاشي بإحضار جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت وقد أصدقتها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير فخطب خالد فقال قد أجبت إلي ما دعا
____________________
(1/197)
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة وقبض الدنانير وعمل لهم النجاشي طعاما فأكلوا قالت أم حبيبة فلما وصل إلي المال أعطيت أبرهة خمسين دينارا قال فردتها علي وقالت إن الملك عزم علي بذلك وردت علي ما كنت أعطيتها أولا ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد عنبر فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شرح ابن باديس على مختصر ابن فارس وفي اللباب هي أول امرأة أوثرت في الإسلام بهذا المبلغ هـ
وفي ظل الغمامة لأبي عبد الله الغافقي في حق أم حبيبة المذكورة حاز رضي الله ورضى رسوله صلى الله عليه وسلم في أداء مهرها العبد الصالح أصحمة وقد كتب في قلبه الإيمان والمرحمة وألقى عليها الصون والأمنة حتى أداها إليه صلى الله عليه وسلم شرحبيل بن حسنة يكلؤها في زفافها ويغدق عليها قناعة الإيمان ويتقارب بمراحلها على بعد الزمان فحمدت عند الصباح سراها وجرت السوائح ببشراها وأهدت سواريها وخواتمها لمن أعلمها بنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لها هـ في الرسول يبعث بالهدية
قال أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة وخرج أبو عبيد القاسم بن سلام أن هذه الهدية كانت ثمر عجوة وكتب إليه صلى الله عليه وسلم يستهديه أدما فأهداه إليه أبو سفيان وكانت في الهدنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة قبل فتحها
____________________
(1/198)
وقد أفرد رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهات أبو الحسن المدائني ذكر ذلك الحافظ في ترجمة الحارث بن عبد كلال من الإصابة وغيرها وأشار إليهم الحافظ العراقي في الفيته فقال ذكر رسله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
( أول من أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم* لملك عمرو هو الضمري )
( إلى النجاشي فلما قدم ** نزل عن فراشه فأسلم )
( فأركب المهاجرين البحرا ** إليه في سفينتين طرا )
( زوجه رملة عمرو قبله ** له ومهرها النجاشي بذله )
( ودحية أرسله لقيصرا ** وهو هرقل فعصى واستكبرا )
( وابن حذافة مضى لكسرا ** فمزق الكتاب غيا نكرا )
( وحاطب أرسل للمقوقس ** فقال خيرا ودنا لم يؤيس )
( أهدى له مارية القبطية ** وأختها سيرين مع هدية )
( من ذهب وقدح ومن عسل ** وطرف من مصر من بنها العسل )
( وأرسل ابن العاصي حتى أدى ** كتابه إلى ابني الجلندا )
( فأسلما وصدقا وخليا ** ما بين عمرو والزكاة أهديا )
( وأرسل السليط لليمامة ** لهوذة ملك بني حنيفة )
( فأكرم الرسول إذ أنزله ** وقال ما أحسن ما يدعو له )
( وسأل أن يجعل بعض الأمر ** له فلم يعط مضى في الكفر )
( كذا شجاع الأسدي يلقى ** الحارث الغساني ملك البلقا )
( رمى الكتاب قال إني سائر ** إليه رده هرقل قيصر )
____________________
(1/199)
( وقيل بل أرسله لجبله ** فقارب الأمر ولاكن شغله )
( الملك ثم في زمان عمرا ** أسلم ثم ارتد حتى كفرا )
( وابن أبي أمية المهاجرا ** أرسله للحارث بن حميرا )
( عبد كلال أبه فرددا ** أنظر في أمري وبعد وفدا )
( على النبي مسلما فاعتنقه ** وفرش الردا له وومقه )
( وأرسل العلاء بن الحضرمي ** لمنذر وهو ابن ساوى الدارمي )
( كان مع العلا أبو هريرة ** فانقاد منذر لخير ملة )
( ووفد المنذر عام الفتح أو ** في عام تسعة خلافا فاقد حكوا )
( كذاك أرسل معاذا وأبا ** موسى إلى مخالف فاقتربا )
( وقال يسرا ولا تعسرا ** وبشرا طوعا ولا تنفرا )
( كذا جرير نحو ذي الكلاع ** ونحو ذي عمر وونعم الداعي )
( وعمرو الضمري إلى مسيلمة ** فلم يؤب عن كذبه ولزمه )
( أرسل له كتابه مع سائب ** ثانية فلم يكن بالتائب )
( وبعده عياشا أيضا أرسلا ** إلى بني عبد كلال قبلا )
( كلهم كتابه وأسلموا ** نعيم والحار ومسروح هم )
( وأرسل النبي أيضا إذ كتب ** لعدة لم يسم من بها ذهب )
( لفروة بن عامر الجذامي ** أفلح إذ أقر بالإسلام )
( ولبني عمرو وهم من حمير ** كذا لمعدي كرب المشتهر )
( ولا ساقف بنجران كتب ** كذا لمن أسلم من حدس عرب )
( وابن ضماد خالد الأزدي ** ولإبن حزم عمرو الرضي )
____________________
(1/200)
( ولأخي تميم أوس كتبا ** وهو لدى أولاده ما ذهبا )
( وليزيد بن الطفيل الحارث ** ولبني زياد بن الحارث ) & باب في جائزة المصطفى لرسول غيره له &
ترجم في الإصابة لمسعود بن سعد الجذامي رسول فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر على عمان فذكر أنه ورد عليه صلى الله عليه وسلم بإسلامه وهديته فقبل ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم وأجاز رسوله بخمسائة درهم & باب في الرسول يتوجه إلى الملك منذرا له بالحرب إن هو لم يؤمن &
في سيرة ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص إلى الجلند بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون والقصر كذا في فتح الباري اسم ملك عمان يدعوه إلى الإسلام ومحاورة عمرو بن العاص له طويلة ساقها أصحاب السير وفيها خطابا للملك ما أعلم أحدا بقي غيرك وإن لم تسلم اليوم يوطئك الخيل وتبيد خضراؤك فأسلم تسلم ويستعملك على قومك قال الشيخ الطيب بن كيران في شرح الألفية قلت في هذا قوة نفس عمرو إذ خاطبه بهذا الخطاب وأنذره بالحرب والهلاك في محل ملكه بحضرة أعوانه مع أنه واقف بين يديه لم يتمكن من الجلوس وانظر قصته في الشرح المذكور وغيره وفي طبقات ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى يحنة بن روبة وسروات أهل أيلة إن أردتم أن يأمن البر والبحر فأطع الله ورسوله وإنك إن رددتهم يعني رسله ولم ترضهم لا آخذ منكم شيئا حتى أقاتلكم فأسبي الصغير وأقتل الكبير فإني رسول الله بالحق الخ
____________________
(1/201)
& باب في الترجمان الذي كان يترجم لرسول الله صلى الله عليه وسلم & ذكر من كان يترجم له باللسان العجمي
في العمدة للتلمساني زيد بن ثابت الأنصاري النجاري كان يكتب للملوك ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان ترجمانه بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن وذكر ابن هشام في البهجة نحوه
نحوه في التعريف برجال مختصر ابن الحاجب لإبن عبد السلام في ترجمة زيد وفي آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس لسمينا أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي أن بعض الصحابة كزيد بن ثابت قد كان تعلم اللسان العجمي والرومي والحبشي وغيرها من الألسنة كما صرح به في الأعلام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من كتب الأعلام هـ
وقيل إنه أي زيد تعلم الفارسية من رسول كسرى والرومية من حاجب النبي صلى الله عليه وسلم والحبشية من خادم النبي صلى الله عليه وسلم والقبطية من خادمته صلى الله عليه وسلم هـمنه
وفي صحيح البخاري لدى باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد من كتاب الأحكام وقال خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود ذكر من كان يترجم له صلى الله عليه وسلم بالكتاب كتاب السريانية
في الإستيعاب كانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
____________________
(1/202)
السريانية فأمر زيد بن ثابت بتعلمها فتعلمها في بضعة عشر يوما
وفي مختصر الطحاوي عن زيد بن ثابت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية إنه تأتيني كتب قال قلت لا قال فتعلمها قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما وفي الأحكام الصغرى ذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه تأتيني كتب من أناس لا أحب أن يقرأهن كل واحد فهل تستطيع أن تتعلم السريانية قال قلت نعم فتعلمتها في سبعة عشر يوما
وفي بهجة المحافل لإبن عبد البر أنه تعلمها في ثمانية عشر يوما = كتاب اليهود =
في صحيح البخاري في شواهده والتاريخ والنص له عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له تعلم كتاب اليهود فإني ما آمن يهوديا على كتابة فتعلمته في نصف شهر حتى كتبت له إلى يهود وأقرأته إذا كتبوا إليه وفي مختصر الطحاوي عن زيد بن ثابت أنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما آمن يهوديا على كتابي ولما تعلمت كنت أكتب إلى يهود إذا كتب إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتبهم
خرجه البخاري معلقا في باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد من كتاب الأحكام ولفظه وقال خارجه بن زيد
____________________
(1/203)
بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذاكتبوا له
قال الحافظ في الفتح وصله مطولا في كتاب التاريخ ثم ساق وصله من طرق وبوب عليه الترمذي في كتاب الأدب من جامعه فقال باب في تعليم السريانية حدثنا علي بن حجر أنا عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود وقال إني والله لا آمن يهود على كتابي قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال فلما تعلمت كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم وقال حديث حسن صحيح قال الترمذي وقد روي من غير وجه عن زيد بن ثابت وقد رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال كان زيد بن ثابت يتعلم في مدراس ماسكة فتعلم كتبهم في خمس عشرة ليلة حتى كان يعلم ما حرفوا وبدلوا
وأخرج ابن أبي داوود في المصاحف وابن عساكر عن زيد بن ثابت قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها كل أحد فهل تستطيع أن تتعلم كتاب العبرانية أو قال السريانية فقلت نعم فتعلمتها في 17 يوما
وأخرج أبو يعلى وابن أبي داوود في المصاحف وابن عساكر عن زيد بن ثابت قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية فإنها تأتيني كتب قلت لا قال فتعلمها فتعلمتها في سبعة عشر يوما
وأخرج الإمام
____________________
(1/204)
أحمد عن زيد بن ثابت رفعه يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهوديا على كتابي وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت رفعه إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا أو ينقصوا فتعلم السريانية
أقول
وبهذا يعلم حكم تعلم اللغات الأجنبية
وفي الجزء الثالث من صبح الأعشى ينبغي للكاتب أن يتعلم لغة من يحتاج إلى مخاطبته أو مكاتبته من اللغات غير العربية فكذلك ينبغي أن يتعلم من الخطوط غير العربية ما يحتاج إليه من ذلك فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة أنه يجب عليه أن يتعلم الهندية وغيرها من الخطوط العجمية ويؤيد ذلك ما تقدم في الكلام على اللغة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود من السريانية أو العبرانية وكان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم كتبهم ويجيبهم عنه هـ
وقد استفسر ابن رشد ما جاء عن مالك وعن سيدنا عمر من ذم تعاطي لغة الأعاجم
فتبين من كلامه في كتاب البيان والتحصيل أن الذي كره مالك من تعلم خط العجم ولسانهم هو ما لا يكون في تعلمه منفعة وأما ما فيه منفعة كتعلمه لترجمة ما يحتاجه الإمام كما تعلمه زيد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو لما يحتاج إليه القاضي للفصل بين الخصوم وإثبات الحقوق أو العاشر الذي يعشر أهل الذمة وتجار الحربيين لطلب ما يعشر عندهم لبيت المال أو لما يحتاج إليه من فكاك أسير وما أشبه ذلك مما تدعو إليه الضرورة فغير مكروه
وقال ابن يونس حين تكلم على قول المدونة ونهى عمر عن رطانة الأعاجم أي تكلمهم بلسانهم فقيل معنى النهي عن ذلك أنهم يتكلمون بها في المساجد وقيل معنى النهي أنهم إذا
____________________
(1/205)
تكلموا بها بحضرة من لا يفهمها فيكون من تناجي الإثنين دون واحد وقد كره ذلك قال الشيخ أبو الحسن عليها والتأويل الآخر أسد وأما الأول فلما اكرهه هل لأنها من اللغو الذي تنزه المساجد عنه هـ
وكأنه توقف في ذلك وقال في التوضيح إنما كرهها في المساجد لأن مالكا كره أن يتكلم في المساجد بألسنة العجم وإليه ذهب ابن يونس هـ
وفي المدخل لإبن الحاج قد كره مالك ما هو أخف من هذا يعني الأكل في المسجد وهو التكلم بغير لسان العرب سيما لمن يحسن العربية هـ
قلت
فظهر أن نهي عمر وكراهة مالك التكلم برطانة العجم لمن في المسجد لا في غيره أو حتى في غيره بالنسبة لمن لم تدعه لها ضرورة أو كان تعليمه لللغة الأجنبية مع إزدرائه للغته وآدابها وعلومها هذا مع إعترافنا اليوم بأن لغات العجم صارت اليوم مفتاح العلوم الكونية التي أصبحت ضرورية لمجارات العجم والترقي بين الأمم وصارت أيضا مفتاحا للتعارف الذي أصبح ضروريا للعيش وأمن الإنسان على حقوقه حين الإختلاط وللشيخ صفي الدين الحلي وهو ممن كان يحفظ عدة لغات
( بقدر لغات المرء يكثر نفعه ** وتلك له عند الملمات أعوان )
( فبادر إلى حفظ اللغات مسارعا ** فكل لسان في الحقيقة إنسان )
نسبهما له صاحب الجوهر المحسوس في ترجمة شارح القاموس ومن أغرب ما يذكر في هذا الباب ما وجدته في طبقات ابن سعد من أن جفنة النصراني أحد المشاركين لغلام المغيرة في قتل سيدنا عمر كان ظئرا لسعد بن أبي
____________________
(1/206)
وقاص وكان يعلم الكتاب بالمدينة فربما يقال كان يعلم في الكتاب لغة أجنبية أما العربية مثلا أو القرآن فمن المحال أن يحتاجوا في تعلمها إذ ذاك لنصراني فليتأمل ومن أحسن ما يذكر في هذا الباب ما رأيته في تفسير الشيخ محمد نووي الجاوي المكي المسمى مراح لبيد في كشف معنى قرآن مجيد على قوله تعال عن يوسف ! ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) ! قال عليم بوجوه التصرف في الأموال وبجميع السن الغرباء الذين يأتوني هـمنه
وقد ترجم البخاري في الصحيح باب من تكلم بالفارسية والرطانة قال في الفجر الساطع أي الكلام الغير العربي فهو من عطف الأعم أي جواز ذلك عند الحاجة إليه كما دلت عليه الآيتان وأشار إلي ضعف ما ورد من الأحاديث في كراهة الكلام بالفارسية ووجه إدخال هذه الترجمة في الجهاد أن ذلك يحتاج إليه المسلمون مع رسل العجم وأمرائهم هـ
ومن أغرب ما يتعين ذكره في هذا الباب ما قرأته في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي حين تكلم على موالي عبد الله بن الزبير قال قال هشام كان له مائة غلام كل غلام يتكلم بلغة وكان ابن الزبير يكلم كل أحد بلغته هـ
من تاريخ الخلفاء للحافظ السيوطي عزو ما ذكر لإبن عساكر عن عمر بن قيس أنظره فهذا أعجب ما سمعت في معرفة اللغات وتعدادها عن الصحابة وتابعيهم
وقد جاء أنه كان لوالد ابن الزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فلا يستغرب مثل هذا القدر عن إبنه لإنه لا أجل من بيتهم في الإسلام بعد الهاشميين وراجع تأليف ابن خالنا العلامة المحدث أبي عبد الله بن جعفر الكتاني
____________________
(1/207)
نزيل دمشق الآن المسمى بالمطالب العزيزة الوافية في تكلمه صلى الله عليه وسلم بغير اللغة العربية
ورسالة الشر نبلالي الحنفي المسماة بالنفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية
ورسالة العلامة أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس
وانظر أيضا فتح الباري في كتاب الجهاد على قول البخاري باب من تكلم بالفارسية ونصه كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على إختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم لفيفهم عنهم ويفهموا عنه ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لا مكان الترجمان المؤثوق به عندهم هـ
وأنظر أيضا اتحاف نجباء العصر بالجواب عن المسائل العشر لخالنا العلامة رحمه الله
تكملة
في أنموذج اللبيب من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل بكل لغة عد هذا ابن النقيب
وقال السيوطي أيضا في الإتقان قال أبو بكر الواسطي في الإرشاد في القرآن من اللغات خمسون لغة منها لغة قريش وهديل وكنانة وختعم والخزرج ومدحج وخزاعة وغطفان ومزينة وثقيف وهوازن وأشعر ونمير وقيس وغيلان وجرهم وأيمن وازدشنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ولخم وسعد والعشيرة وحضر موت وسدوس والعمالقة وإنمار وغسان وسبأ وعمان وبني حنيفة وتغلب وطي وعامر بن صعصعة وأوس وجذام وعروة والنمر واليمامة ومن غير العربية الفرس والروم والقبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط هـ
وفي مكتبتنا رسالة للحافظ السيوطي سماها المهذب فيما وقع
____________________
(1/208)
في القرآن من المعرب رتبها على حروف المعجم وهي في نحو كراسة ورسالة له أخرى في الباب
وفي شرح الأنموذج للروضي فائدة استنبط العلماء من هذه الآية وهي قوله تعالى ! ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) ! وقوله تعالى ! ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) ! أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف جميع اللغات انظر شرح البلقيني لمجلس الشيخ الشوني رحمهما الله هـ
وفي شرح الشفا للخفاجي أنه صلى الله عليه وسلم علمه الله جميع اللغات قال تعالى ! ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) ! وهو صلى الله عليه وسلم مرسل للجميع هـ
وفي فصل احتياج الكاتب إلى معرفة اللغات العجمية من صبح الأعشى نقلا عن محمد بن عمر المدائني قيل إنه صلى الله عليه وسلم كان يفهم اللغات كلها وإن كان عربيا لأن الله بعثه إلى الناس كافة ولم يكن الله بالذي يبعث نبيا إلى قوم لا يفهم عنه ولذلك كلم سلمان بالفارسية وساق بسنده إلى عكرمة قال سئل ابن عباس هل تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفارسية قال نعم دخل عليه سلمان فقال درسته وسادته قال محمد بن أميل أظنه مرحبا وأهلا وحسنه فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر زيدا أن يتعلم كتابة السريانية أو العبرانية لتحريم الكتابة عليه لا أنه أمره بتعلم لغتهم وفي رحلة الحافظ ابن عبد السلام الناصري الكبرى في ترجمة شيخه الإمام محمد بن محمد النجاري النابلسي الأثري أنه ذاكره في كونه صلى الله عليه وسلم هل تكلم بالفارسية وأن صاحب القاموس أنكر ذلك في سفر السعادة فقال الصواب ثبوت كلامه صلى الله عليه وسلم بالفارسية
____________________
(1/209)
وأوقفني على كراسين له في الرد على صاحب القاموس أملاه في سفره هذا لما سئل عنه هـ& باب في الشاعر وفيه فصول & فصل في ذكر شعراء النبي صلى الله عليه وسلم
في الإستيعاب قال ابن سيرين كان شعراء المسلمين حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وأما شعراء المشركين فعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبعري وأبو سفيان بن الحارث قال أبو عمر بن عبد البر قيل لعلي بن أبي طالب أهج عنا القوم الذين يهجوننا فقال إن أذن لي النبي صلى الله عليه وسلم فعلت فقالوا يا رسول الله إيذن له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عليا ليس عنده ما يراد في ذلك منه أو ليس في ذلك هنالك ثم قال ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم قال ابن سيرين وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار حسان وكعب وعبد الله بن رواحة فكان حسان وكعب يعرضان بهم في الوقائع والأيام والمآتم ويذكران مثالبهم وكان عبد الله بن رواحة يعبرهم بعبادة ما لا ينفع فكان قوله أهون عليهم يومئذ وكان قول حسان وكعب أشد القول عليهم فلما أسلموا وفقهوا كان أشد القول عليهم قول عبد الله بن رواحة
في ترجمة حسان من الإصابة قال أبو عبيدة فضل حسان بن ثابت على الشعراء بثلاثة كان شاعر الأنصار
____________________
(1/210)
في الجاهلية وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في أيام النبوءة وشاعر اليمن كلها في الإسلام
وفي الشرح الجلي للشهاب البربير الصحابة كانوا معدن الشعر ومنبعه وكان أشعرهم الخلفاء الأربعة وكان أشعر الخلفاء الصديق وقد رأيت شيخ مشايخنا السيد مصطفى البكري الصديقي جمع لجده الصديق من كلامه ديوانا تعجز عن تقريظه أفواه المحابر والسنة الأقلام رتبه على حروف المعجم وكانت ابنته عائشة أشعر من الخنساء وكانت تروي من كلام الشعراء ما لا يحفظه الرجال فضلا عن النساء ولا يخفى أن من شعراء الصحابة حسان بن ثابت الذي كان إذا مد لسانه بلغ انفه وكان يحلف بالله أنه لو أمره على شعر لحرقه أو على صخر لخرقه ومنهم النابغة الجعدي وكعب بن زهير وكعب بن مالك والزبرقان والعباس بن مرداس وعمرو بن العاص وعبد الله بن رواحة وضرار بن الخطاب والعباس عمه صلى الله عليه وسلم وابنه عبد الله بن عباس ولبيد ومعاوية بن أبي سفيان وأبوه أبو سفيان والمغيرة بن شعبة وغيرهم وكان يحث حسان على إنشاء الشعر وهجو المشركين ويقول إن أنكى لهم من وقع الحسام وكان يستنشد أصحابه الأشعار وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حقن بالشعر دم كعب بن زهير بعد الإهدار وأنه أجاز حسان بشير بن القبطية جاريته هـ
قلت الشعراء من الصحابة الذين مدحوه صلى الله عليه وسلم بين رجال ونساء جمعهم الحافظ فتح الدين محمد بن محمد الأندلسي المعروف بإبن سيد الناس المتوفي عام 734 في قصيدة ميمية ثم شرحها في مجلد سماه منح المدح أو فتح المدح ورتبهم على حروف المعجم قارب بهم المائتين ولعصرينا الأديب أبي
____________________
(1/211)
الحسن علي بن شاكر الموستاري المعروف بجابي زاده نزيل الأستانة كتاب نفيس سماه حسن الصحابة في شرح إشعار الصحابة يترجم الصحابي ويذكر إشعاره في التوحيد والثناء على الله ومدح المصطفى صلى الله عليه وسلم وبيان معجزاته ونحو ذلك أثبت فيه لأكثر من مائتي صحابي ما بين بيت مفرد وقصيد ثم شرح مفردات الجميع وأما ما مدح به صلى الله عليه وسلم من شعراء أمته بعد الصحابة فشيء يجل عن الحصر ولو جمع له الناس في كل بلد أو مصر إذ قل أن يجمع مسلم ديوانا إلا وصدره أو كل حرف منه بالإمداح النبوية وفي الرحلة العياشية أن صاحبها وقف في مكة على السفر السابع من كتااب منتهى السول في مدح الرسول كتب سنة 673 قال أبو سالم هذا التأليف لم يقصد به جامعه جمع كلامه أو كلام مخصوص بل ما انتهى إليه علمه من الإمداح النبوية وما شاكلها والله أعلم كم بقي لتمام الكتاب هـ
وفي عصرنا هذا جمع صديقنا نادرة العصر وحسانه الشيخ أبو المحاسن النبهاني الشامي مجموعة من الأمداح النبوية رتبها على حروف المعجم وقد طبعت في أربع مجلدات وهي على كل حال قل من كثر ونقطة من بحر & باب في استنشاده صلى الله عليه وسلم شعر الهالكين في غير موضع &
خرج مسلم والبخاري في الأدب المفرد عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته مائة قافية أو بيت
وفي مسلم أيضا من حديث عمر بن الشريد عن أبيه ردفت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية قلت
____________________
(1/212)
نعم قال هيه فأنشدته بيتا قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت فقال إن كاد ليسلم قال القرطبي فيه دليل على حفظ الأشعار والإعتناء بها إذا تضمنت حكما ومعاني مستحسنة شرعا وطبعا استنشاده صلى الله عليه وسلم شعر الكفار يوخذ مما سبق لأن أمية بن أبي الصلت هو الذي قال فيه المصطفى آمن شعره وكفر قلبه سماعه صلى الله عليه وسلم الشعر المتضمن التشبيب والغزل
كتشبيه الريق بالراح وغير ذلك من أنواع التشبيهات
قصة إنشاد كعب بن زهير للنبي صلى الله عليه وسلم قصيدته بانت سعاد مشهورة فحقن صلى الله عليه وسلم دمه بها بعد الإهدار وأجازه بعد بمائة من الإبل ومن عليه ببردته وقد اشترى تلك البردة منه معاوية بثلاثين ألف درهم وكانت عنده من أجل ملكه وأعظم وكانت أمراء بني أمية يتبركون بلبسها في الأعياد والمواسم ويعدونها أفخر لباس حتى وصلت مع الدولة لبني العباس وكان للأمة الإسلامية كبير إعتناء بهذه القصيدة اللامية البديعة حفظا واستنشادا وشرحا ومعارضة قال الشيخ الأديب أبو جعفر البصير الألبيري الأندلسي لما ذكر الكعبية هذه وهذه القصيدة لها الشرف الراسخ والحكم الذي لم يوجد له ناسخ أنشدها كعب في مسجده صلى الله عليه وسلم بحضرته وحضرة أصحابه وتوسل بها فوصل إلى العفو عن عقابه فسد صلى الله عليه وسلم خلته وخلع حلته وكف عنه كف من أراده وأبلغه في نفسه وأهله مراده وذلك بعد إهدار دمه وما سبق من هدر كلمه محت حسناتها تلك الذنوب وسترت محاسنها تلك العيوب ولولاها
____________________
(1/213)
لمنع المدح والغزل وقطع من أخذ الجوائز على الشعراء الأمل فهي حجة الشعراء فيما سلكوه وملاك أمرهم فيما ملكوه حدثني بعض شيوخنا بالإسكندرية أن بعض العلماء كان لا يفتتح مجلسه إلا بقصيدة كعب فقيل له في ذلك فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله قصيدة كعب أنشدها بين يديك فقال نعم أنا أحبها وأحب من يحبها قال فعاهدت الله أن لا أخلو من قراءتها كل يوم
قلت
ولم تزل الشعراء من ذلك الوقت إلى الآن ينسجون على منوالها ويقتدون بأقوالها تبركا بمن أنشدت بين يديه ونسب مدحها إليه ولما صنع القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم على وزن بانت سعاد قال
( لقد قال كعب في النبي قصيدة ** وقلنا عسى في مدحه نتشارك )
( فأن شملتنا بالجوائز رحمة ** كرحمة كعب فهو كعب مبارك ) هـبواسطة نفح الطيب للمقري الشعراء من الصحابة والصحابيات الذين رثوه صلى الله عليه وسلم بعد موته
أثبت الحافظ العزفي في آخر مولده عدة مراثي للصحابة فيه صلى الله عليه وسلم بعد موته منهم أبو بكر وعمر وعلي وصفية بنت عبد المطلب وأم حكيم بنت عبد المطلب وهند بنت المطلب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعمرو بن العاص وحسان وكعب بن مالك وأبو الهيثم بن التيهان وعبد الله بن أنيس وعمر بن سالم الخزاعي والزبرقان بن بدر وعبد الله بن مالك الأرجي وابن ذي مدان من سادات همدان وعبد الله بن سلمة
____________________
(1/214)
الهمداني وسواد بن قارب الدوسي وعبد الحارث بن أنس بن الريان وغيرهم وذلك مقدار كرامته من المولد المذكور وقد عقد الحافظ الشامي في السبل أبوابا منها قوله جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في الشعر & الباب الأول في مدحه صلى الله عليه وسلم حسن الشعر وذمه لقبيحه وتنفيره من الإكثار منه & & الباب الثاني في استماعه صلى الله عليه وسلم لشعر بعض أصحابه في المسجد وخارجه & & الباب الثالث في أمره صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بهجاء المشركين & & الباب الرابع فيما تمثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعر & & الباب الخامس فيما طلب استنشاده من غيره فانظرها & & باب تكرمه صلى الله عليه وسلم بأعظم سبي سبي له بسبب أبيات شعرية قدمت له صلى الله عليه وسلم &
هذه القصة غريبة في بابها عزيز إسنادها افتتن المحدثون وتهافتوا على روايته لأنه أعلا ما حصل للمتأخرين كالحافظين السيوطي والسخاوي وأمثالهما ممن أدرك المائة العاشرة وروياه عشاريا بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه عشرة وسائط قال السخاوي في فتح المغيث تقع لي العشاريات بالسند المتماسك من المعجم الصغير للطبراني وغيره ولا يكون في الدنيا أقل من هذا العدد هـ
وقال السيوطي في التدريب أعلا ما يقع لنا ولا ضرا بنا في هذا الزمان من الأحاديث الصحاح المتصلة بالسماع ما بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه إثنا عشر رجلا وبالإجازة في الطريق أحد عشر وذلك كثير وبضعف يسير غير واه عشرة ولم يقع لنا بذلك إلا أحاديث قليلة جدا في معجم الطبراني الصغير هـ
قلت
حبب إلي أن أسوقها هنا بأعلا
____________________
(1/215)
ما حصل لنا ولأقراننا في قرننا هذا الرابع عشر وذلك ما أخبرنا به مسند الدنيا البدر عبد الله بن درويش بن إبراهيم السدي الدمشقي بها عام 1324 قال أخبرنا مسند الدنيا الوجيه عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان الكزبري أنا المعمر مصطفى الرحمتي الدمشقي عن العارف عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الصالحي عن نجم الدين محمد بن محمد الغزي عن أبيه البدر محمد بن محمد الغزي العامري الدمشقي أنا الحافظ عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي قال أنا مسند الدنيا محمد بن مقبل الحلبي أجازة مكاتبة عام 869 عن محمد بن إبراهيم بن أبي عمر المقدسي وهو آخر من حدث عنه بالإجازة أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن النجاري وهو آخر من حدث عنه عن أبي القاسم الصيدلاني وهو آخر من حدث عنه أتنا أم إبراهيم بنت عبد الله وأبو الفضل الثقفي سماعا عليهما قالا أنا أبو بكر بن ربدة أنا أبو القاسم الطبراني ثنا عبد الله بن رما حسن عام 274 ثنا أبو عمر وزياد بن طارق وكان قد أتت عليه مائة وعشرون سنة قال سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي يقول لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم هوازن ذهب يفرق السبي فأتيته فقلت
( أمنن علينا رسول الله في كرم ** فإنك المرء نرجوه وننتظر )
( امنن على بيضة قد عاقها قدر ** مشتت شملها في دهرها غير )
( أبقت لنا الدهر هتافا على حزن ** على قلوبهم الغماء والغمر )
( إن لم تداركهم نعماء تنشرها ** يا أرجح الناس علما حين يختبر )
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ** وإذ يزينك ما تأتي وماتذر )
( لا تجعلن كمن شالت نعامته ** واستبق منا فإنا معشر زهر )
____________________
(1/216)
( إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت ** وعندنا بعد هذا اليوم مدخر )
( فألبس العفو من قد كنت ترضعه ** من أمهاتك إن العفو مشتهر )
( يا خير من مرحت كمت الجياد به ** عند الهياج إذا ما استوقد الشرر )
( إنا نؤمل منك عفوا تلبسه ** هذي البرية إذ تعفو وتنتصر )
( فأعف عفا الله عما أنت واهبه ** يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر )
قال فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر قال ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وقالت قريش ما كان لنا فهو لله ورسوله وقالت الأنصار ما كان لنا فهو لله ورسوله قال السيوطي في التدريب هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه عشاري أخرجه أبو سعيد الأعرابي في معجمه عن ابن رماحسن وابن قار عن عبيد الله بن علي الخواص عن ابن رماحسن وله شاهد من رواية ابن إسحاق في المغازي وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة من حديث زهير واستشهد له بحديث عمرو بن شعيب فهو عنده على شرط الحسن ثم أتى السيوطي بكلام الذهبي وابن عبد البر واقتصر عليه كما اقتصر عليه قبله شيخ شيوخه الحافظ العراقي في كتابه الأربعين العشاريات الإسناد وغفلوا جميعا عن طرقه التي جمعها له سيد الحفاظ ابن حجر في لسان الميزان انظر ترجمة عبد الله بن رما حسن منه تر عجبا
وقد انفصل على كون الحديث حسن الإسناد وفي فتح الباري له هو حديث حسن وقد وهم من زعم أنه منقطع
وفي الإصابة أيضا وهن ابن عبد البر إسناده من غير قادح وقد أوضحته في لسان الميزان في ترجمة زياد بن طارق
وانظر غنيمة الواجد لأبي زيد الثعالبي
____________________
(1/217)
وكان عدد السبي الذي رده صلى الله عليه وسلم على هوازن لما استشفعوا له بهذه الأبيات كما في المنح المكية للشهاب ابن حجر من النساء والذراري 6000 رأسا والإبل 24000 والغنم 40000 و 4000 أوقية فضة & باب في ذكر الخطيب في غير الصلوات & ذكر من كان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الجمهرة لإبن حزم ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم وفي الإستيعاب كان ثابت خطيب النبي صلى الله عليه وسلم وخطيب الأنصار كما يقال لحسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألف أبو نعيم الأصبهاني صاحب الحلية كتاب طبقات الخطباء ذكر ذلك الحافظ في ترجمة سحبان من الإصابة
وفي ترجمة أبي بكر الصديق من تاريخ الخلفاء عن أبن كثير وكان أي أبو بكر من أفصح الناس وأخطبهم
قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول أفصح خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب هـمنه هل خطب صلى الله عليه وسلم أو خطب الصحابة بغير اللغة العربية
قال عالم الهند أبو الحسنات اللكنوي في رسالته آكام النفائس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خطبوا دائما باللغة العربية ولم ينقل عن أحد منهم أنهم خطبوا خطبة ولو غير الجمعة بغير العبية وكان يحضر في مجالس الخطب النبوية رجال من الفرس والروم والحبش والعجم لم يبدل النبي صلى الله عليه وسلم خطبته أبدا ولا علمه أحد ومن المعلوم أن منهم من لم
____________________
(1/218)
يكن يفهم لسان العرب مطلقا ومنهم من لا يقدر على فهم الكثير منه وإن فهم قدرا ولا يتوهم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم اللغة العجمية وغيرها من اللغات العربية ولو كان علمها لخطب بها لأنا نقول بعد تسليم ذلك أن بعض الصحابة كزيد قد كان يعلم اللسان العجمي والرومي والحبشي وغيرها من الألسنة فلم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخطبهم ويعظهم بألسنتهم وبالجملة فالإحتياج إلى الخطبة بغير العربية لتفهيم أصحاب العجمية كان موجودا في القرون الثلاثة ومع ذلك فلم يرد أحد من أحد في تلك الأزمنة هـمنه
وفي غاية المقصود على سنن أبي داوود لا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به في خطبته فإن كان السامعون عجما يترجم بلسانهم فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم وقد قال تعالى ! ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) ! قال في جامع البيان أي يبين لهم ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الأحمر والأسود لاكن الأولى أن يكون بلغة من هو منهم حتى يفهموه ثم ينقلوه ويترجموه هـ
فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته ويذكر السامعين بلسانهم وإلا فيفوت مقصود الخطبة هكذا قاله شيخنا ندير حسين المحدث الدهلوي هـ
قلت
سيأتي أن الدولة الموحدية كان خطباؤها في جامع القرويين بفاس وغيرها يخطبون باللسان البربري والله أعلم
فوائد
الأولى في طبقات الحنفية للحافظ قاسم بن قطلو بغا لدى ترجمة جعفر بن محمد بن المعز بن المستغفر النسفي المستغفري المولود
____________________
(1/219)
سنة خمسين وأربعمائة أن من مصنفاته كتاب خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبه صلى الله عليه وسلم كانت عارية عن السجع وهي الأصل الأصيل واقتفى آثارها الخلفاء الراشدون وأكثر السلف وإنما التزمت الأسجاع في هذه الزمان التي كثر تكلفاتها وضلت من الخير والرشاد صفاتها قاله أبو عبد الله بن الطيب الشرقي في حواشيه على القاموس
الفائدة الثالثة حضر صلى الله عليه وسلم خطبة قس بن ساعدة الإيادي قبل النبوة وقال كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أحمر الحديث
قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين إن له ولقومه بذلك فضيلة ليست لأحد من العرب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته وعجب من حسن كلامه وأظهر تصويبه فهذا أشرف تعظيم تعجز عنه الأماني وتنقطع دونه الآمال وإنما وفق الله ذلك لقس لإحتجاجه للتوحيد وإظهاره الإخلاص وإيمانه بالبعث ومن ثم كان قس خطيب العرب قاطبة هـ& باب في كتاب الجيش وفيه فصول & فصل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتب الناس وثبوت العمل بذلك في عصره صلى الله عليه وسلم
في صحيح البخاري بسنده عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكتبوا لي من يلفظ بالإسلام من الناس فكتبت له ألفا وخمسمائة رجل وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول لا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل
____________________
(1/220)
فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني كتبت في كذا وكذا قال انطلق مع امرأتك وهو في الصحيح أيضا بلفظ إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة
قال الحافظ في الفتح على ترجمة باب كتابة الإمام الناس أي من المقاتلة وغيرهم والمراد ما هو أعم من كتابته هو نفسه أو بأمره ثم قال وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش وقال على قول الرجل إني كتبت في كذا مشعر بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي هـ
قال التقى المقريزي في الخطط أعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام كتابة الجيوش وكتابة الخراج وكتابة الإنشاء والمكاتبات ولا بد لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة وقد أفرد العلماء في كتابة الخراج وكتابة الإنشاء عدة مصنفات ولم أر أحدا جمع شيئا في كتابة الجيوش والعساكر وكانت كتابة الديوان في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة هـمنها فصل في البيعة ومعناها المعاقدة والمعاهدة
وهي شبيهة بالبيع الحقيقي قال ابن الأثير في النهاية كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره والأصل في ذلك أنه كان من عادة العرب أنه إذا تبايع إثنان صفق أحدهما بيده على يد صاحبه وقد عظم الله شأن البيعة وحذر من نكثها فقال ^ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه إجرا عظيما ^ وأمر بمبايعة المؤمنات في قوله تعالى ^ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على
____________________
(1/221)
أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) وبايع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بيعتين قال المرجاني ومعنى البيعة في عرف اللغة ومقصود الشرع العهد على الطاعة على أنهم يسلمون لربها النظر في أمور أنفسهم لا ينازعونه في شيء من ذلك ويطيعونه فيما يكلفهم به من الأمر على المنشط والمكره شبهت حالهم في مصافحتهم بأيديهم تأكيدا لعهدهم بفعل البائع والمشتري وسميت بيعة وعلى هذا النحو كانت بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وعند الشجرة وحيثما وردت هذه اللفظة وقد ترجم البخاري كيف يبايع الإمام الناس والمراد الصيغ القولية لا الفعلية فذكر فيها البيعة على السمع والطاعة وعلى الهجرة وعلى الجهاد وعلى الصبر وعلى عدم الفرار ولو وقع الموت وعلى بيعة النساء وعلى الإسلام وكل ذلك وقع عند البيعة بينهم فيه بالقول
وقال الحافظ بن الجوزي جملة من أحصي من المبايعات له صلى الله عليه وسلم من النساء أربعمائة وسبع وخمسون امرأة لم يصافح على البيعة امرأة وإنما بايعهن بالكلام هـ
ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يشترط في المبايعين البلوغ فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن الزبير وهو ابن سبع سنين قال القرطبي كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر هـ
وكان أول ما يشترط في البيعة بعد التوحيد إقامة الصلاة ثم الزكاة ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس وفي الصحيح عن جابر بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة
____________________
(1/222)
الصلاة و وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وإنما بايع جابرا على النصيحة لأنه كان سيد قومه فأرشده إلى تعليمهم والنصح لهم وقد بوب البخاري باب من بايع مرتين وباب بيعة الأعراب وباب بيعة الصغير وباب من بايع ثم استقال البيعة وباب من بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا وباب بيعة النساء وباب من نكث بيعته انظره وكان الخلفاء من بني أمية وبني العباس يؤكدون البيعة بالإستحلاف وإستيعاب أنحاء الإيمان وربما كانت على الإكراه ولما أفتى مالك بسقوط يمين المكره ناله من المحنة ما ناله ثم صارت البيعة كسروية من تقبيل الأرض أو الرجل أو الذيل استغناء عن المصافحة لما فيها من التنزل والإبتذال المنافيين للرياسة وصون الرتبة السلطانية إلا للخواص وهي اليوم عبارة عن وضع المبايع خطه في صك يتضمن الإعتراف للمبايع بالسلطنة وذلك فيمن يحسن الكتابة وإلا أشهد عليه في صك يبقى بيد المبايع وفي فوائد الدرر قال القاضي أبو بكر إن البيعة كانت في صدر الإسلام مقولة وهي اليوم مكتوبة إذ كان في ذلك العصر لا يكتب إلا القرآن وقد اختلف في السنة وكان صلى الله عليه وسلم لا يكتب أصحابه ولا يجمع لهم ديوانا إلا أنه يوما قال اكتبوا من تلفظ بالإسلام لامر عرض له وأما اليوم فيكتب إسلام الكفرة كما يكتب سائر معالم الدين والتوابع لضرورة حفظها حين فسد الناس وخفت أمانتهم ومرج أمرهم الخ كلامه فانظره في الفوائد فإنه نفيس
مهمة
في ترجمة عمران بن حصين من طبقات ابن سعد ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي ترجمة سلمة بن الأكوع
____________________
(1/223)
منها عن عبد الرحمان بن زيد العراقي قال أتيت سلمة بن الأكوع فأخرج إلينا يده ضخمة كأنها خف البعير قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه فأخذنا يده فقبلناها فصل فيمن تولى ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
متوليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان كما سبق عند البخاري وفي الإستيعاب كان حذيفة من كبار الكتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل في ثبوت العطاء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج أبو داوود عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه فأعطى صاحب الأهل حظين وأعطى الأعزب حظا فدعينا وكنت أدعى قبل عمار فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظا واحدا
وفي الموطأ أن أبا بكر كان إذا أعطى الناس أعطياتهم سأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة فإن قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا
قال الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج لم يكن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة معينة للجنود الذين كانوا يتألفون من جميع أمراء المسلمين وإنما كانوا يأخذون مالهم في أربعة أخماس ما يغنمون وفيما يرد من خراج الأرض
____________________
(1/224)
التي أبقيت في أيدي أهلها كأرض خيبر ولما ولي أبو بكر أعطى الناس وسوى بينهم في العطاء قائلا هذا معاش فالأسوة فيه خير من الأثرة فلما ولي عمر رأى في ذلك غير رأي أبي بكر وقسم العطاء مفضلا الأسبق فالأسبق الخ كلامه وفي ترجمة عمرو بن الغوغاء من طبقات ابن سعد عنه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال التمس صاحبا الخ القصة فصل في وضع عمر الديوان والسبب في ذلك
الديوان دفتر يكتب فيه أسماء اهل العطاء والعساكر على القبائل والبطون وفي النهاية الديوان دفتر يكتب فيه اسماء الجيش وأهل العطاء
ذكر أبو هلال العسكري في الأوائل والماوردي في الأحكام السلطانية أن أول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفي ترجمة عمر من تهذيب الأسماء للنووي وكان عمر هو أول من دون الديوان للمسلمين ورتب الناس على سابقتهم في العطاء وفي الأذن والإكرام فكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه وكان علي بن أبي طالب أولهم وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببني هاشم وبني المطلب ثم الأقرب فالأقرب هـ
من صبح الأعشى أيضا مانصه هو أي عمر أول من رتب بيت المال فيما ذكره العسكري لاكنه ذكر في موضع آخر أن عمر كان على بيت المال من قبل أبي بكر فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك هـ
وفي ترجمة أبي بكر
____________________
(1/225)
من تاريخ الخلفاء للسيوطي في فصل أولياته ومنها أنه أول من اتخذ بيت المال أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد فقيل له ألا تجعل عليه من يحرسه قال عليه قفل فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوي بين الناس في القسم وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيجعله في سبيل الله واشترى قطائف أوتي بها من المدائن ففرقها في أرامل المدينة فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر الأمناء ودخل بهم في بيت أبي بكر منهم عبد الرحمان بن عوف وعثمان بن عفان ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئا لا دينارا ولا درهما
قلت
وبهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل إن أول من اتخذ بيت المال عمر وقد رددت عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل ثم رأيت العسكري تنبه له في موضع آخر من كتابه فقال إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر قلت ويمكن الجمع بأن أبا بكر أول من اتخذ بيت المال من غير احصار ولا تدوين وعمر أول من دون مثلا
وفي تاريخ الكامل لإبن الأثير وفي سنة 15 من الهجرة فرض عمر الفروض ودون الدواوين وأعطى العطايا وفي الأحكام السلطانية للماوردي أقوال في السبب الذي حمل عمر على ذلك منها أن أبا هريرة قدم إليه بمال من البحرين فقال عمر ماذا جئت به قال خمسمائة ألف درهم فاستكثره عمر وقال أتدري ما تقول قال نعم مائة ألف خمس مرات فصعد
____________________
(1/226)
عمر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس قد جاءنا مال كثير فإن شئتم كلناه لكم كيلا وإن شئتم عددناه لكم عدا فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدونون لهم ديوانا فدون أنت ديوانا فاستشار عمر رضي الله عنه الناس في تدوين الديوان فقال عثمان أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينشر الأمر فقال خالد بن الوليد قد كنت بالشام فرأيت ملوكا لهم دواوين وجندوا أجنادا فدون ديوانا وجند جنودا فأخذ عمر بقوله ودعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من شبان قريش فقال اكتبوا الناس على منازلهم
وفي وفيات الأسلاف للشهاب المرجاني وأول من وضع ديوان العساكر في الدولة الإسلامية عمر في محرم سنة عشرين أمر عقيل بن أبي طالب ومخرمة وجبيرا من كتاب قريش فكتبوا ديوان الجيش بالإبتداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعدها على ترتيب الأنساب الأقرب فالأقرب هـ
وقد استظهر الخزاعي هنا وفصل أن كتابة الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وتدوينهم إنما كانت في أوقات مخصوصة نحو كتبهم حين أمر حذيفة بإحصاء الناس وكذلك العطاء في عصره صلى الله عليه وسلم لم يكن له وقت معين ولا مقدار معين فلما كثر الناس في خلافة عمر وجبيت الأموال وتأكدت الحاجة إلى ضبطهم وضع الديوان بعد مشاورة الصحابة على ترتيب الأنساب الأقرب فالأقرب هـ
ولاكن وجدت في كتاب بدائع الصنائع للإمام علاء الدين الكاساني
____________________
(1/227)
الحنفي حين تكلم على ما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرؤساء قريش وصناديدهم مثل أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن محابس التميمي وأمثالهم وذكر أن أبا بكر وعمر ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا قال فإنه روى أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إلى أبي بكر واستبدلوا الخط منه لسهامهم فبدل لهم الخط ثم جاءوا إلى عمر وأخبروه بذلك فأخذ الخط من يدهم ومزقه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام فأما اليوم فقد أعز الله دينه فانصرفوا إلى أبي بكر فأخبروه بما صنع عمر وقالوا أنت الخليفة أم هو فقال إن شاء الله هو فلم ينكر أبو بكر قوله وفعله وبلغ الصحابة فلم ينكروا هـ
وهذا يدل على أن الناس في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يأخذون العطاء بالضبط والتقييد فيدل ذلك على وقوع التدوين وجعل قوائم للمعلون وهذا هو الديوان بعينه فتأمل ذلك وفي صبح الأعشى بعد أن نقل عن القضاعي أن الزبير بن العوام وجهم بن الصلت كانا يكتبان له صلى الله عليه وسلم أموال الصدقات وأن حذيفة ابن اليمان كان يكتب له خرص النخل ما نصه فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه صلى الله عليه وسلم هـ
وانظر الفصل الأول من باب كتاب الجيش وما نقل فيه عن الحافظ في الفتح مما يولون جميعه بخلاف ما للمتأخرين في هذه الترجمة وفي الأحكام لإبن العربي وأما ولاية الديوان فهي الكتابة وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب وللخلفاء بعد وهي ضبط الجيوش لمعرفة أرزاقهم والأموال لتحصيل فوائدها
____________________
(1/228)
لمن يستحقها هـمنها
وفي ترجمة عبد الرحمان بن عبد القاري من الإصابة أنه كان على بيت المال لعمر
وأخرج البزار قال السيوطي في الجمع وضعف عن عمر قال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن أرقم أجب هؤلاء فأخذه عبد الله بن أرقم فكتبه ثم جاء بالكتاب فعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت فما زال ذلك في نفسي حتى وليت فجعلته في بيت المال
وأخرج البيهقي في السنن عن أبي وائل أن عمر استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال
وذكر المناوي في شرح الشمائل في ترجمة أبي جحيفة وهب السواءي أن عليا كان يحبه ويسميه وهب الخير وجعله على بيت المال هـ
وفي الخطط للتقي المقريزي أن معاوية جعل كل قبيلة من قبائل العرب بمصر رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول هل ولد الليلة فيكم مولود وهل نزل بكم نازل فيقال ولد لفلان غلام ولفلان جارية فيكتب أسماءهم ويقلل نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله فيسميه وعياله فإذا فرغ من القبيلة أتى إلى الديوان ليثبت ذلك هـ تسامح المسلمين في صدر الإسلام
مما يدل على تسامح الأمراء الأمويين والعباسيين في أول الإسلام أن الدواوين كانت بغير اللغة العربية ففي صبح الأعشى أن أول من نقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان نقله له صالح بن عبد الرحمان وفيه أيضا أول من نقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية عبد الملك بن مروان نقله له سليمان بن سعيد مولى الحسين كاتب رسائل عبد الملك فولاه عبد الملك جميع دوادين الشام
وفيه أيضا أول من نقل
____________________
(1/229)
ديوان مصر من القبطية إلى العربية عبد العزيز بن مروان في إمارته على مصر ذكره صاحب المنهاج في صنعة الخراج هـ
وقال الشهاب المرجاني في الوفية وأما ديوان الجبايات بعد الإسلام فديوان العراق بقي على الفارسية وديوان الشام على الرومية على ما كان عليه قبله وكتاب الدواوين كان من أهل العهد من الفريقين إلى أن أمر عبد الملك بن مروان سليمان بن سعد أن ينقل ديوان الشام إلى العربية فأكمله لسنة من يوم إبتدائه وأمر الحجاج كاتبه صالح بن عبد الرحمان أن ينقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية هـمنه
قلت وكأن العرب لتسامحهم كانوا يتخذون كتابا لتدوين الدواوين بلغتهم أو للغة السائدة في البلاد التي يدونون أمورها ونظير هذا في الغرابة ما في الروض القرطاس لدى كلامه على القرويين وخطبائها أن الدولة الموحدية لما حكم رجالها فاس عزلوا خطيبها وقدموا غيره لأجل حفظه اللسان البربري قال ابن أبي زرع لأنهم كانوا لا يقدمون للخطابة والأمامة إلا من يحفظ التوحيد باللسان البربري هـمنه
وعبارة ابن القاضي في الجذوة ثم دخل الموحدون المدينة يعني فاس فصرفوه أي الخطيب الذي وجدوه عن الخطبة وقدموا مكانه أبا الحسن بن عطية لأجل حفظه اللسان البربري فخطب به هـ
تنبيه
قد سبق العرب علماء أروبا في حل رموز الخطوط القديمة وترجمة كتبها إلى اللغة العربية وبواسطة كتب العرب في ذلك وصلت أروبا إلى ما وصلت إليه في معرفة اللغات والخطوط القديمة وقد ألف في القرن الرابع أو أواخر الثالث أحمد بن وحشية النبطي المتوفي سنة 322 كتابه شوق
____________________
(1/230)
المستهام إلى معرفة رموز الأقلام وهو كتاب عجيب جمع فيه مؤلفه صور الخطوط القديمة التي تدولتها الأمم الماضية وترجم جميعها إلى اللغة العربية ووضعها بطريقة تسهل للمطلع عليها أن يترجم ما على الآثارات من الكتابة على إختلاف أنواعها إلى اللغة العربية في زمن لا يتجاوز للنبيه أربع ساعات وقد ترجم الإنكليز هذا الكتاب منذ مائة وثلاثين سنة وبإنتشاره سهل الإطلاع على ما كان مجهولا من أخبار وأحوال وعلوم الأمم الماضية لأهل القرون الخالية فصل في أي سن يجيز الإمام من يرسم في الديوان
خرج الترمذي عن نافع عن ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش وأنا ابن أربع عشرة فلم يقبلني ثم عرضت عليه من قابل في جيش وأنا ابن خمسة عشر فقبلني فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال هذا حد ما بين الصغير والكبير ثم كتب أن يفرض من بلغ الخمسة عشر
ترجم في الإصابة نافع بن خديج فقال عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره وأجازه يوم أحد وترجم أيضا لزيد بن حارثة الأنصاري فذكر أن ابن منده روى أن المصطفى استصغر يوم أحد منهم زيد بن حارثة والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وسعد بن جبية وابن عمر وجابر وترجم فيها أيضا لعمرو بن أبي وقاص القرشي فذكر أن الحاكم أخرج من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد عن عمه عامر بن سعد عن أبيه قال عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش
____________________
(1/231)
يوم بدر فرد عمرو بن أبي وقاص فبكى عمرو فأجازه معه وعليه حمائل سيفه وأخرج ابن سعد عن سعد قال رأيت أخي عمرو بن أبي وقاص قبل أن يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر متواري فقلت مالك يا أخي قال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة قال فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده فبكى فأجازه فكان سعد يقول فكنت أعقد حمائل سيفي من صغري فقتل وهو ابن ستة عشر سنة فصل في عرض الناس كل سنة
ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب عند ذكره سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة بن جندب من بعده فرده قال سمرة فقلت يا رسول الله لقد أجزت غلاما ورددتني ولو صارعني لصارعته قال فصارع فصارعته فصرعته فأجازني في البعث
نحوه في الإصابة نقلا عن ابن إسحاق
وقال الإمام الشافعي رد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر صحابيا عرضوا عليه وهم أبناء أربع عشرة سنة لأنه لم يرهم بلغوا وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة فأجازهم قال البرهان ويحتمل أن يريد ردهم في أحد ويحتمل مجموع من رده في هذا السن في غزواته وكل منهما فائدة وظاهر الشامي إحتمال الأول فإنه عد من رده في أحد سبعة عشر ثم أجاز منهم إثنين
وأوصلهم شارح المواهب إلى عشرين
____________________
(1/232)
سبعة عشر ثم أجاز منهم إثنين وأوصلهم شارح المواهب إلى عشرين وكان صلى الله عليه وسلم في الإستعراض يقف الناس أمامه صفوفا صفوفا
ففي طبقات ابن سعد في قصة قدوم العباس بن مرداس السلمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعمائة من قومه على الخيول والقنا والدروع الظاهرة ليحضروا معه غزوة الفتح قال العباس فصففنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أبو بكر وعمر & باب في رده صلى الله عليه وسلم في الإستعراض من لم يستأذن أبويه &
روى أبو داوود عن أبي سعيد الخدري أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال هل لك أحد في اليمن قال أبواي قال أذنا لك قال لا قال فارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا برهما وأخرج أحمد والنساءي عن معاوية السلمي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أريد الغزو وجئتك استشيرك فقال وهل لك من أم قال نعم قال الزمها فإن الجنة تحت أقدام الأمهات فصل في العريش يبني للرءيس يشرف منه على عسكره
كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفريش يعني العريش يوم بدر
وفي سيرة ابن إسحاق وتهذيب ابن هشام أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر يا نبي الله ألا ننزلك عريشا تكون فيه ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الآخرة جلست على ركابك فلحقت بمن وراءنا
____________________
(1/233)
من قومنا فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فكان فيه هـ
قال ابن باديس العريش شبه الهودج وليس به وهو أيضا خيمة من خشب والجمع عرش كقليب وقلب ومنه قيل لبيوت مكة العرش لأنها عيدان تنصب ويضلل عليها وقال السهيلي ذكر أبو حنيفة أن العريش أربع نخلات أو خمس في أصل واحد هـ& باب في تكليف الإمام من يجلس برءيس ليرى جنود الإسلام & وهو الإستعراض الذي يراد منه اليوم إظهار القوة
في قصة الفتح قال المصطفى للعباس يا عباس أحبسه يعني أبا سفيان بمضيق الوادي عند خط الجبل وهو ما تضايق منه حتى تمر به جنود الله فكان كلما مرت به قبيلة قال يا عباس من هذه فأقول بنو فلان فيقول ما لي ولبني فلان حتى مر به النبي صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء أي لكثرة الحديد وظهوره فيها والمهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد قال من هؤلاء قلت رسول الله في المهاجرين والأنصار قال ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما والقصة معروفة في السير
قوله ما لي ولبني فلان قال صاحب الصلة هو كلام يقوله الرجل إذا خاف من شيء أو أشعر منه ضررا وهو من باب البلاغة والأصل فيه ما السبب الباعث على أضراري قال في الفوائد فيه إرهاب العدو بنظره لجيش المسلمين وإن كان قد أسلم ودخل فيهم ليكون أقوى لإيمانه وأبلغ فيما يتحدث به إلى قومه عن معاينة وليعلم أن الله نصر
____________________
(1/234)
دينه وأعز رسوله وصدق وعده ومن هذا الباب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإيقاد النيران ليلة الدخول لمكة في قصة الفتح هذه & باب في ذكر العرفاء وهم رؤساء الأجناد وقوادهم &
ولعلهم سموا بذلك لأن بهم يتعرف أحوال الجيش قاله الباجي في المنتقى
وقال غيره العريف بوزن عظيم وفي النهاية العريف القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم هـ
قال الحافظ وسمي بذلك لكونه يتعرف أحوالهم حتى يعرف بها من فوقه عند الإحتياج هـ
وفي الصحيح في قصة مجيء وفد هوازن مسلمين فسألوا أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم السبي دون المال فخطب في الناس لأجل ذلك فقال الناس قد رضينا ذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندري من أذن لكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه برضاهم
ترجم أبو داوود في سننه في كتاب الخراج والإمارة باب في العرافة وذكر حديث المقداد بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبه ثم قال له أفلحت يا خديم إن مت ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا ثم عقبه بحديث أن العرافة الحق ولا بد للناس من العرفاء ولاكن العرفاء في النار قال الفنجابي في عون الودود فيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء
وقال ابن بطال في حديث الصحيح دليل
____________________
(1/235)
على مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه هـ
وقال أيضا على قوله العرفاء في النار يشعر بأن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحذور فينبغي للعامل أن يتقي الله وأما قوله العرافة حق فالمراد به أصل نصبهم فإن المصلحة تقتضيه لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما يتعاطاه بنفسه ويكفي في الإستدلال لذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث البخاري هـ
قلت
وأصله في الفتح على قول البخاري باب العرفاء للناس
ترجم في الإصابة جندب بن النعمان الأزدي فنقل عن تاريخ ابن عساكر قال قدم أبو عزيز على النبي صلى الله عليه وسلم فاسلم وحسن إسلامه وجعله عريف قومه وترجم فيها أيضا رافع بن خديج الأنصاري فذكر أنه كان عريف قومه بالمدينة وقد أخذ بعض من ذاكرناه في مراكش من حديث الترجمة الأصل لتحمل الكبار بالصغار والرؤساء بالمرءوسين في الحروب والضمانات وسائر المعاملات وهو تفقه ظاهر & باب في النقباء &
ترجم في الإصابة لأسعد بن زرارة فخرج في ترجمته من طريق الحاكم أنه لما مات جاء بنو النجار فقالوا يا رسول الله مات نقيبنا فنقب علينا قال أنا نقيبكم الخ ونحوه في ترجمته من الإستبصار في أنساب الأنصار لإبن قدامة المقدسي & باب في المحاسب &
ذكر محاسبة النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات
____________________
(1/236)
بني سليم يدعى ابن اللبتية
خرج مسلم عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم يدعى ابن الليتية فلما جاء حاسبه فقال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا جلست في بيت أبيك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطب صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل فيأتيني فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه إلا لقي الله عز وجل يحمله يوم القيامة الحديث وفي الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستوفي الحساب على عماله يحاسبهم على المستخرج والمصروف كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي ثم ذكر قصة ابن الليتية المذكورة
فأغفل الخزاعي عزوها للبخاري وهي فيه ترجم عليها في كتاب الأحكام بقوله باب محاسبة الإمام عماله وخرجه أيضا مستوفى في باب هدايا العمال أنظرهما
وقد كان الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم على طريقته في ذلك
قال ابن قتيبة في عيون الأخبار قدم معاذ من اليمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر فقال أرفع حسابك فقال له أحسابان حساب الله وحساب عنكم والله لا ألي لكم عملا أبدا
وفي الإكتفاء للكلاعي كان عمر في كل سنة ملازما للحج في سني خلافته كلها وكان من سيرته أن يأخذ عماله لموافاته لكل سنة في موسم الحج ليحجزهم بذلك
____________________
(1/237)
من الرعية ويحجر عنهم الظلم ويتعرف أحوالهم في قرب وليكون للرعية وقت معلوم ينهون فيه شكاويهم & باب في الأوصياء والوصاية &
أخرج الحاكم من طريق السراج في تاريخه ثم من طريق محمد بن عمارة عن زينب بنت نبيط أن المصطفى حلا أمها وخالتها أثاثا من تبر وذهب فيه لؤلؤ وكان أبوهما أسعد بن زرارة أوصى بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ترجمة أسعد من الإصابة والإستبصار لإبن قدامة المقدسي قال وزينب بنت نبيط قد ذكرت في الصحابة من أجل روايتها لهذا الحديث وفي نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي صاحب صبح الأعشى لدى كلامه على الجعافرة أبناء سيدنا جعفر بن أبي طالب قال كان له أولاد محمد وعبد الله مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم حين جاء نعي أبيهم جعفر وقال أنا وليهم في الدنيا والآخرة هـ
وترجم في سمط الجوهر الفاخر لذكر الأيتام الذين كان صلى الله عليه وسلم وصيا عليهم فكانوا في حجره وهم محمد بن عبد الله بن جحش مات أبوه في أحد وأوصى به للنبي صلى الله عليه وسلم فاشترى له مالا بخيبر وأقطعه دارا بسوق الرقيق بالمدينة ثم ذكر قصة بنات أبي أمامة أسعد بن زرارة السابقة وقال وكان في حجره صلى الله عليه وسلم امرأة من بني ليث بن بكر يقال لها الصمينة بضم الصاد المهملة على وزن جهينة الليتية وكانت عائشة استوهبت عبد الله بن الزبير من أبويه فكان في حجرها يدعوها أما وتقدم أن علي بن أبي طالب ضمه إليه فلم يزل معه إلى أن زوجه بنته فاطمة بالمدينة
وروى
____________________
(1/238)
يعقوب بن سفيان عن مطيع بن الأسود أنه أوصى إلى الزبير فأبى فقال أسألك بالله والرحم وإلا قبلت فإني سمعت عمر يقول الزبير ركن من أركان الدين
وروى الحميدي في النوادر أنه أوصى إليه عثمان وأوصى إلى الزبير سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عثمان وعبد الرحمان بن عوف والمقداد وابن مسعود وابن عوف وغيرهم فكان يحفظ أموالهم وينفق على أولادهم من ماله
ونحوه في أسد الغابة عن هشام بن عروة وزاد الزبير بن بكار كما في الإصابة مطيع بن الأسود وأبو العاص بن الربيع ووقع في شرح أبي عبد الله زنيبر السلوي على الهمزية ما نصه وأوصى إليه سبعون من الصحابة بأموالهم وأولادهم فحفظها وكان ينفق عليهم من ماله هـمنه
تنبيه
خرج البخاري عن أبي هريرة وأحمد وأبو داوود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته وكان صلى الله عليه وسلم يؤتي في أول الإسلام بالرجل المتوفي فيسأل هل عليه دين وهل له وفاء فإن قالوا له عليه دين وليس له وفاء قال صلوا على صاحبكم وإلا صلى عليه فلما فتح الله بالفتوح والغنائم قال صلى الله عليه وسلم من مات وعليه دين فعلي قضاؤه فقيل إنه كان واجبا عليه وارتضى إمام الحرمين والماوردي أنه لم يكن واجبا عليه وإنما كان يفعله تكرما وهل كان صلى الله عليه وسلم يقضيه من الغنائم أو من خالص ماله إحتمالان قاله في نسيم الرياض
____________________
(1/239)
القسم الرابع
في العمليات الإحكامية وما ينضاف إليها وفيه عدة أبواب & باب في الإمارة العامة على النواحي & ذكر من ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على النواحي
قال الزرقاني في شرح المواهب أمراؤه صلى الله عليه وسلم ولاته الذين ولاهم على البلاد والقضاء والصدقات هـ
الأمراء الذين وجههم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهات كثيرون منهم أمير مكة عتاب بن أسيد قال ابن جماعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان
قال ابن القيم في الهدى وهو دون العشرين سنة
ونقل الثعلبي في تفسيره على قوله تعالى ! ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) ! قال الكلبي إنه قال سلطانا نصيرا عتاب بن أسيد وذكر توليته صلى الله عليه وسلم له على مكة
في الإصابة أورد العقيلي في ترجمة هشام بن محمد بن السائب الكلبي بسنده إليه عن أبيه عن أبي صالح عن أبن عباس في قوله تعالى ! ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) ! قال هو عتاب بن أسيد هـ
وفي كتاب صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل للحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الأوسي الشهير بالبلنسي على الآية ابن عسكر خرج أبو بكر الذهبي في تاريخه بسنده إلى أبن عباس قال هو عتاب بن أسيد هـ
ومنهم بادان ويقال بادام ملك اليمن
وفي صبح الأعشى
____________________
(1/240)
لما أسلم بادان نائب كسرى ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جميع مخاليف اليمن وكان منزله بصنعاء مملكة التبابعة وبقي حتى مات بعد حجة الوداع فولى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن بادان على صنعاء وولى على كل جهة واحدا من أصحابه
وذكر الثعلبي في بادام أنه أول من أسلم من ملوك العجم وأول أمير للإسلام على اليمن
نحوه نقل عن الثعلبي الزرقاني على المواهب وأقره وأنظره مع ما سبق في الإمارة على الحج من أن أبا بكر كان أول أمير في الإسلام وقيل عتاب بن أسيد
وفي ترجمة عبد الله بن جحش من الإصابة عن البغوي أنه أول أمير في الإسلام ويحتمل أن يكون ذلك بإعتبار ما ذكر من الجهات
ولما مات بادان استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على صنعاء ابنه شهر ذكره الواقدي وابن إسحاق والطبري
وترجم في الإصابة لعامر بن شهر الهمذاني أنه أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن
وترجم فيها أيضا لعبد الله بن عمرو بن سبيع الثعلبي فذكر عن الشعبي أن المصطفى استعمله على بني تغلبة وعبس وبني عبد الله بن غطفان
وفي ترجمة أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على بعض اليمن كزبيد وعدن وأعمالهما وترجم في الإصابة للحارث بن بلال المارني فنقل عن سيف في الفتوح أنه كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصف جديلة بني طيء وترجم أيضا للحرث بن نوفل الهاشمي فذكر عن ابن حبان في الصحابة ولاه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض أعمال مكة قال وكذا قال الزبير بن بكار ثم نقل عن ابن سعد صحب الحارث المصطفى صلى الله عليه وسلم فاستعمله على بعض
____________________
(1/241)
عمله بمكة وأقره أبو بكر وعمر وعثمان وترجم أيضا لحصين بن نيار فقال كان أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم ذكره سيف والطبري واستدركه ابن فتحون وترجم فيها أيضا للحارث بن عبد المطلب فذكر عن ابن أبي حازم أنه صحب المصطفى صلى الله عليه وسلم واستعمله على بعض أعمال مكة وولاه أبو بكر وعثمان هـ
ثم حرر أن الترجمة لحفيده الحارث بن نوفل السابق وترجم أيضا لرافع بن عمرو الطاءي فذكر أن الحاكم خرج أنه لما كانت غزوة السلاسل استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر وعمر وترجم فيها لزياد الباهلي والد الهرماس فذكر عن الدارقطني عن الهرماس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي فولاه على عشيرته من باهلة وترجم أيضا للسائب بن عثمان عن أبن إسحاق أنه استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة بواط
وترجم لسعد الدوسي فذكر أن أحمد وابن أبي شيبة خرجا عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فاستعملني على قومي وجعل لهم ما أسلموا عليه من أموالهم الحديث
وترجم أيضا لسعيد بن خفاف التميمي فقال ذكره سيف في الفتوح وأنه كان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم على بطون تميم وأقره أبو بكر
وترجم أيضا لسعد بن عبد الله بن ربيعة فذكر عن أبن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على الطائف
وترجم أيضا لسلمة بن يزيد الجعفي فذكر أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على مروان وكتب له كتابا
وترجم أيضا لصيفي بن عامر من بنى ثعلبة فقال أمره النبي صلى الله عليه وسلم علي قومه وترجم أيضا للضحاك بن قيس فقال
____________________
(1/242)
فيه عامل النبي صلى الله عليه وسلم
وترجم لإمرئ القيس بن الأصبغ الكلبي فقال كان زعيم قومه وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم عاملا على كلب في حين إرساله إلى قضاعة ونقل عن سيف في الفتوح لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عماله على قضاعة من كلب امرئ القيس بن الأصبغ الكلبي من بني عبد الله وترجم أيضا للحارث بن بلال المزني فقال عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجم فيها أيضا لعبد الرحمان بن أيزي الخزاعي فنقل عن ابن السكن فقال استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على خراسان وترجم أيضا عثمان بن أبي العاص فقال استعمله صلى الله عليه وسلم على الطائف وأقره أبو بكر وعمر
وفي عكاشة بن ثور أنه كان عامل المصطفى على السكاسك والسكون
وفي العلاء بن الحضرمي أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على البحرين
وفي عمرو بن حزم الأنصاري استعمله صلى الله عليه وسلم على نجران وروى عنه كتابا كتبه له في الفرائض والزكاة والديات وغير ذلك أخرجه أبو داوود والنساءي وابن حبان والدارمي وغير واحد
وفي أسد الغابة استعمله صلى الله عليه وسلم على أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا هـونحوه للنووي في ترجمته من التهذيب
وفي عمرو بن الحكم القضاعي أنه صلى الله عليه وسلم بعثه عاملا على بني القيس وفي عمرو بن سعيد بن العاص كان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على وادي القرى وغيرها وقبض وهو عليها
وفي عمرو بن محجوب العامري أنه كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم وفي عوف الوركاني أنه كان من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/243)
وفي عبد الله بن زيد الكندي أنه كان عامل المصطفى على اليمن
وفي عبد الله بن سوار أنه من عمال المصطفى على البحرين
وفي فروة بن مسيك استعمله المصطفى على مراد ومدحج وزبيد كلها
وفي مردة بن نفاتة السلولي انه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة من بني سلول فأسلموا وأمره عليهم
وترجم السيوطي في در السحابة لأبي جديع المرادي فقال ذكره ابن وزير وعبد العزيز بن ميسرة أنه كان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان من أهل مصر هـ
وفي ترجمة قضاعة بن عامر الدوسي أنه كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على بني أسد
وفي الترجمة بعدها أنه ولي عليهم أيضا سنان بن أبي سنان وفي ترجمة قيس بن مالك الأرحبي أنه لما أسلم وأسلم قومه كتب له صلى الله عليه وسلم عهدا على قومه همذان عربها ومواليها وخلائطها أن يسمعوا له ويطيعوا وأن لهم ذمة الله ما أقاموا الصلاة وساق فيها أيضا أن المصطفى كتب إلى قيس بن مالك سلام عليك أما بعد فإني استعملتك على قومك الحديث وفي مالك بن عوف النصري استعمله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ومن تلك القبائل من أعماله فكان يقاتل بهم ثقيف فكان لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصبح وفي المنذر بن ساوى الدارمي قال ابن منده كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على هجر وفي ترجمة أبي هيضم المزني نقلا عن الزبير بن بكار عن أبيه محمد قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم إني مستعمله على هذا الوادي فمن جاءك من ها هنا وها هنا فامنعه قال سعد فراجعه فعمل عليه وفي ترجمة سواد بن عزية البلوي الأنصاري من
____________________
(1/244)
الإستبصار لإبن قدامة كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر فأتاه بتمر جنيب قد أخذ منه صاعا بصاعين من الجمع وفي ترجمة عمر بن أبي ربيعة الشاعر من تهذيب النووي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم ولى والده عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي الجند بفتح الجيم والنون بلد باليمن ومخاليفها فلم يزل عليها حتى قتل عمر بن الخطاب ثم ولاه عثمان وأنه كان من أحسن الناس وجها وهو الذي بعثته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشي وفي السيرة الشامية تراجم تضمنت تأمير النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على صنعاء وأعمالها وتأميره للمغافر بن أبي أمية المخزومي على كندة وتأميره زياد بن لبيب على حضر موت وتأميره لأبي موسى الأشعري على زبيد وعدن وريع الساحل ومعاذ بن جبل على الجند وأبا سفيان على نجران وأبا زيد بن سفيان على غيرها
وفي الفية الحافظ العراقي ذكر أمرائه صلى الله عليه وسلم قال ابن كيران المراد الولاة الذين ولاهم المصطفى صلى الله عليه وسلم على البلاد والقضاءة والصدقات والحج
( أمر بأذان بلاد اليمن ** ثم ابنه شهرا بصنعا يمن )
( وابن أبي أمية المهاجري ** كندة والصدق فقبل أن سرى )
( لعمله قضى النبي بالموت ** كذا زياد بن لبيد حضر موت )
( كذا أبو موسى زبيدا وعدن ** ونافع الساحل من أرض اليمن )
( كذاك قد ولى معاذا الجند ** كذاك عتابا على خبر البلد )
( كذاك قد ولى أبا سفيان ** صخر بن حرب بعد ذا نجرانا )
( كذا ابنه يزيد أي تيماء ** وابن سعيد خالدا صنعاء )
____________________
(1/245)
( كذاك عمرا أخذوا وادي القرا ** وحكما أخاهما على قرى )
( عرينه كذاك أيضا أعطى ** أخاهما أبان منه الخطا )
( كذاك ابن العاص عمرا بعمان ** كذا على الطائف ولى عثمان )
( ابن أبي العاصي كذاك ولي ** محمية الأخماس ثم وليا )
( على القضاء والأخماسا ** بيمن وكان فيه رأسا )
( كذاك أمر ابن حاتم عدي ** في صدقات طي وأسد )
( وغيره من أمراء الصدقه ** تجمع من قبائل مفرقه )
( وأمر الصديق في الحج لدى ** سنة تسع وعلى في الندى )
( ألا يحج بعد عام مشرك ** فقرأ السورة خاب المشرك )
( أما الالى أمرهم بالبعث ** فذكروا في كل بعث بعث ) & باب كيف كان يوصي صلى الله عليه وسلم عماله في صفة البريد الذي يبردون إليه &
صرح السهيلي في الروض ونقله عنه ابن باديس أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب إلى أمرائه إذا أبردتم إلي بريدا فأبردوه حسن الوجه حسن الإسم وقال ذكره البزار من رواية بريدة مرفوعا وقد أورد الحديث المذكور في الجامع الصغير وعزاه لمن ذكر قال المناوي في التيسير وطرقه كلها ضعيفة كما قال الهيثمي لاكن له شواهد قوية وقال العلقمي في الكوكب بجانبه علامة الحسن وقال في الكبير وصحح ولعله عند الشيخ حسن ونقل التصحيح غيره هـمنه
وقال المناوي في كبيره قوله إذا أبردتم إلي بريدا أي أرسلتم إلي رسولا قال الزمخشري البريد الرسول المستعجل
____________________
(1/246)
وفي محل آخر فارسية وهي في الأصل البغلة أصلها بريدة أي محذوفة الذنب لأن بغال البريد كانت كذلك فعربت وخففت ثم سمي الرجل الرسول الذي يركبه بريدا & باب في اشتراطه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في عماله &
قال ابن باديس وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به ويرى بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه ريء كراهية ذلك في وجهه وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإذا أعجبه فرح به وريء بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها ريء كراهية ذلك في وجهه وفي طبقات ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الحارث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي وقال إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلا حتى تصبح ثم تطهر فأحسن طهورك وصل ركعتين وسل الله النجاح والقبول وأستعد لذلك وخذ كتابي بيمينك وادفعه بيمينك في إيمانهم فإنهم قابلون & باب في كيفية عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرائه &
ترجم القلقشندي لأصل مشروعية عهود الخلفاء فقال الأصل فيها ما رواه ابن إسحاق وغيره أنه لما رجع وفد بني الحارث بن كعب إلى قومهم باليمن بعد وفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ولى عليهم عمرو بن حزم يفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب لهم كتابا عهد فيه عهده وأمره فيه أمره على ما سيأتي ذكره في
____________________
(1/247)
أول نسخ العهود الواردة في هذا الكتاب فقد فوض صلى الله عليه وسلم أمر اليمن في حياته إلى عمرو بن جزم وذلك أصرح دليل وأقوى شاهد لما نحن فيه هـ
ونص كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في المحل الذي أحال عليه فيما ذكر ابن هشام هذا بيان من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهدا من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفقههم فيه وينهى الناس فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين للناس في الحق ويشتد عليهم في الظلم فإن الله كره الظلم ونهى عنه فقال ألا لعنة الله على الظالمين ويبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر الناس النار وعملها ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفريضته وما أمر الله به من الحج الأكبر والحج الأصغر هو العمرة وينهى الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون ثوبا يثني طرفيه على عاتقيه وينهى الناس أن يحتبي أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء وينهي أن لا يعقص أحد شعر رأسه في قفاه وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر وليكن دعواهم إلى الله عز وجل وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطعوا بالسيف حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم
____________________
(1/248)
إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ويمسحون برؤوسهم كما أمرهم الله وأمر بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود والخشوع ويغلس بالصبح ويهجر بالظهر حين تميل الشمس وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء والعشاء أول الليل وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي إليها والغسل عند الرواح إليها وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة في العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقى الغرب نصف العشر وفي كل عشر من الإبل شاتان وفي كل عشرين أربع شياه وفي كل أربعين من البقرة بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة وفي كل اربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو له وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته
تنبيه
هذا المكتوب وأمثاله هو أصل كتب الظهير للمتولي يستظهر به لدى من ولي عليهم ليطيعوا أمره وكانوا في القديم يعبرون عما يكتب بذلك بالظهائر والصكوك فالظهائر جمع ظهير وهو المعين سمي مرسوم الخليفة أو السلطان ظهيرا لما يقع به من المعاونة لما كتب له والصكوك
____________________
(1/249)
جمع صك وهو الكتاب قال الجوهري وهو فارس معرب والجمع أصك وصكاك وصكوك ثم تحامى المتأخرون منهم لفظ الصك لما جرى به عرف العامة من غلبة الإستعمال في أحد معنى الإشتراك فيه وهو الصفع واقتصروا على استعمال لفظ الظهير هـ& باب في القاضي وفيه فصول & فصل في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس
في الموطأ عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إلي فلعل بعضكم يكون الحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما سمعت فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعا من النار قوله الحن بحجته أي أفطن لها
فائدة في الشهاب على الشفا عن السيوطي أنه صلى الله عليه وسلم كان له حكم الباطن كالظاهر وحكمه في الظاهر كان تارة في القضاء وتارة بالسياسة والسلطنة أي الإمارة العظمى وتارة بالفتوى كما فصله ابن السبكي في قواعده هـ
من الفواكه الجنوية وفي الأنموذج وجمع له بين الشريعة والحقيقة ولم يجمع للأنبياء عليهم السلام إلا أحدها بدليل قصة موسى مع الخضر وقوله إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه هـ
قال الروضي في شرحه المراد بالشريعة والحقيقة الحكم بالظاهر والباطن وقد اعترض العلامة القسطلاني قول المؤلف وجمع له بين الشريعة والحقيقة الخ
____________________
(1/250)
ما نصه هذه غفلة عظيمة وجرأة على الأنبياء إذ يلزم منه خلو بعض أهل العزم عليهم السلام من علم الحقيقة الذي لا يجوز خلو بعض آحاد الأولياء عنه وخلو الخضر بل بقية بعض الأنبياء عن علم الحقيقة وأعجب من ذلك أنه بين له وجه الخطإ فأجاب بقوله مرادي الجمع بين الحكم والقضاء هـ
وقد أجاب المؤلف الجلال عن هذا الإعتراض في مؤلف له سماه الباهر في حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالباطن والظاهر ثم أتى بملخص التأليف وأمثلة حكمه صلى الله عليه وسلم بالظاهر والباطن وبأحدهما فقط ذكر من دون في النوازل التي نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم وحكم فيها
أفرد النوازل التي نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم وحكم فيها جماعة من الأيمة بالتأليف أشهرها شيخ الفقهاء في عصره الإمام محمد بن فرج مولى ابن الطلاع الأندلسي المتوفى سنة 497 وهو ممن رحل إليه الناس من كل قطر واستجازه الحافظ أبو علي الصدفي وأبو الربيع الكلاعي وترجمه ابن فرحون في الديباج ويعرف كتاب ابن الطلاع في الموضوع بكتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كتاب عظيم الشأن نادر الوجود ظفرت بنسخة منه في تونس في غاية التصحيف ثم ظفرت منه بنسخة أخرى عتيقة بفاس صحيحة إلا أنها مخروقة وهو في مجلدة متوسطة في أوله بعد الفاتحة هذا كتاب أذكر فيه ما انتهى إلي من أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قضي فيها أو أمر بالقضاء فيها إذ لا يحل لمن تقلد الحكم بين الناس أن يحكم إلا كما أمر الله عز وجل في كتابه أو بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم به أو بما أجمع العلماء عليه أو بدليل
____________________
(1/251)
من هذه الوجوه الثلاثة الخ ورأيي في هذا الكتاب أن مطالعته متعينة على كل مسلم وبالأسف أن أكثر من يمكنه أن يطالعه إذا طالعه اليوم لا ليحكم بما فيه ولاكن يعتبر به كما يعتبر بسائر الماجريات القديمة وقد ذكر في آخره أن الذي حمله على جمعه أنه وجد لأبي بكر بن أبي شيبة صاحب المسند كتابا ترجمه بكتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه إلا أقضية قليلة وهو كتاب صغير ثم نقل عن ابن أبي شيبة قوله نظرت فيما قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بالقضاء فيه فلم نجد إلا نحو مائة حديث فرأيت أن أتتبع أقضيته صلى الله عليه وسلم تبركا ومحبة فيها وحرصا على الإقتداء بها ووقوفا عند أوامره ونواهيه ثم عدد الكتب التي استمد منها وهي أربعة وثلاثون مصنفا فأنت تراه وقع له مع ابن أبي شيبة مثل ما وقع لي مع الخزاعي في التخريج وفي النية إن شاء الله الإلتفات إلى كتابة ابن الطلاع هذه وتقديمها للعالم الإسلامي هدية بعد تحرير القول فيها وجمع ما يصح إستدراكه عليه كما فعلنا في هذا الموضوع نسأل الله التيسير
ومنهم ظهير الدين علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق المرغناني الحنفي المتوفي سنة 506 له كتاب أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره في كشف الظنون وقال وله شروح ومنهم الإمام أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المعروف بإبن أبي مروان الأشبيلي المتوفي سنة 549 بلبلة شهيدا ترجمه ابن الأبار في تكملة الصلة فقال تأليف مفيد وسماه المنتخب المنتقى جمع فيه ما افترق في أمهات المسندات من نوازل الشرع وعليه بني كتابه أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمان الأشبيلي في
____________________
(1/252)
الأحكام ومنه إستفاد وكان صاحبا لأبي جعفر هذا وملازما له هـ
ومنهم العلامة أبو علي حسين بن المبارك بن يوسف الموصلي المتوفي سنة 742 له الفتاوي النبوية في المسائل الدينية والدنيوية انتخب فيه من الفتاوي النبوية مسائل سئل عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بأجوبة قطعية ورتبها على ترتيب الكتب الفقهية وهو في مجلد توجد منه نسخة بالمكتبة الخديوية بمصر ومنهم الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بإبن القيم الحنبلي الدمشقي المتوفي سنة 751 استوعب ما ورد من فتاويه صلى الله عليه وسلم وأجوبته وأحكامه ختم بها كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين وقد جردها منه وأفردها بتأليف الأمير الطيب الذكر السيد صديق حسن خان ملك بوهبال من أرض الهند المتوفي سنة 1307 سماه بلوغ السول في أقضية الرسول وقد طبع بالهند هو وتفسير آيات الأحكام المسمى نيل المرام بآيات الأحكام للأمير المذكور وجمعا في مجلدة واحدة
لو لم تنشر الأمة الهندية أثرا غير هذه المجموعة المقدسة لكان كافيا وأرى أن التأبط بها على كل مسلم متعين & باب في ذكر تراجم وأصول الأبواب التي قضى فيها صلى الله عليه وسلم وأفتى &
ترجم لهذا الفصل الحافظ الشامي في سيرته فقال جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في أحكامه وأقضيته وقال ليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام وإن كانت أقضيته الخاصة شرعا عاما وإنما الغرض ذكر سيرته صلى الله عليه وسلم في الأحكام الجزءية التي فصل فيها بين الخصوم وكيف كانت سيرته صلى الله عليه وسلم في الحكم بين الناس ولنذكر تراجم
____________________
(1/253)
أبوابه وفصوله المتعلقة بهذا الفصل وذلك أنه عقد أولا ترجمة جماع أبواب سيرته صلى الله عليه وسلم في أحكامه وأقضيته وفتاويه & ثم الباب الأول في أحكامه صلى الله عليه وسلم وأقضيته في المراسلات وما يلحق به وفيه أبواب &
الأول في تحذيره صلى الله عليه وسلم من القضاء بين الناس الثاني في تقسيمه صلى الله عليه وسلم القضاء إلى ثلاثة أقسام الثالث في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحكم في حال الغضب والجوع الرابع في وعظه صلى الله عليه وسلم الخصمين الخامس في حبسه صلى الله عليه وسلم في تهمة السادس في أمره صلى الله عليه وسلم رجلا بملازمة غريمه السابع في نفيه صلى الله عليه وسلم أهل الريب الثامن في إمتناعه صلى الله عليه وسلم من كلام المجذومين وأهل المعاصي التاسع في سيرته صلى الله عليه وسلم في التحكيم العاشر في حجره صلى الله عليه وسلم المفلس الحادي عشر في سيرته صلى الله عليه وسلم في المعاملات & الباب الثاني في أحكامه وأقضيته صلى الله عليه وسلم في الوصايا والفرائض & & الباب الثالث في أحكامه صلى الله عليه وسلم في النكاح والطلاق والخلع والرجعة والإيلاء واللعان والحاق الولد وغير ذلك & & الباب الرابع في أحكامه وأقضيته في الحدود وفيه أنواع &
الأول في الشفاعة وفي الحدود الثاني في درء الحدود وسرها الثالث في حكمه صلى الله عليه وسلم في التعزير الرابع في نهيه صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في المسجد الخامس فيمن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه لا حد عليه السادس في كيفية إقامته صلى الله عليه وسلم الحد على الضعيف السابع في إشارته صلى الله عليه وسلم لمن أتى ما يوجب الحد بالرجوع عن الإقرار
____________________
(1/254)
أو الإنكار الثامن في عدم إقامة الحد على من اعترف به ولم يذكر ما سبب الحد التاسع في حكمه صلى الله عليه وسلم في المرتدين والمحاربين العاشر في حكمه صلى الله عليه وسلم في الزاني الحادي عشر في حكمه في المكره الثاني عشر في حكمه صلى الله عليه وسلم في وصل السفيه الثالث عشر في حكه صلى الله عليه وسلم فيمن تزوج امرأة أبيه الرابع عشر في الذين حدهم صلى الله عليه وسلم الخامس عشر في حكمه صلى الله عليه وسلم فيمن عمل عمل قول لوط السادس عشر في حكمه في حد القذف السابع عشر في حكمه في حد السرقة الثامن عشر في حكمه في السكران & الباب الخامس في أحكامه صلى الله عليه وسلم وأقضيته في الجنايات والقصاص والديات والجراحات وفيه فصول & & الباب السادس في سيرته صلى الله عليه وسلم في الدعاوي والبينات والخصومات & & الباب السابع في قضايا شتى غير ما سبق & & الباب الثامن في فتاويه صلى الله عليه وسلم وفيه أنواع وذكر فيه إثني عشر بابا من أبواب الأمور الدينية &
الحادي والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الكسب والمعاش الثاني والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في البيوع والمعاملات وما يتعلق بهما الثالث والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في اللقيط واللقطة والهبة والهدية والوصية الرابع والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث الخامس والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في العتق وما يتعلق به السادس والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به السابع والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في
____________________
(1/255)
الطلاق والخلع والإيلاء والظهار واللعان وإلحاق الولد وما يتعلق بذلك الثامن والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود التاسع والعشرون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأيمان والنذور الثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الصيد والذبائح الحادي والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الأشربة وما يحل منها وما يحرم الثاني والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الإمارة وما يتعلق بها الثالث والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو وما يتعلق به الرابع والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الحب في الله والصحبة وملاحظة الناس الخامس والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في المرض والطب وما يتعلق بهما السادس والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الرقاق السابع والثلاثون في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في التفسير فصل في قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
منهم عمر بن الخطاب ففي سنن الترمذي أن عثمان قال لعبد الله بن عمر اذهب فاقض بين الناس قال أو فتعافني يا أمير المؤمنين قال وما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي
ساقه الشامي في سيرته في باب قضاته صلى الله عليه وسلم عازيا له لأحمد وعبد بن حميد وأبي يعلى وابن حبان قال ابن العربي في العارضة قول عثمان لعبد الله إن أباك كان قاضيا يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك روى عنه ولم يرد به عثمان قضاءه في
____________________
(1/256)
خلافته ولا فهم ذلك عنه عمر رضي الله عنه ومنهم علي بن أبي طالب في الإستيعاب بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب يقضي بينهم وقال له إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي بينهم حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن تبين لك القضاء قال فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد وروي أن المغيرة بن شعبة حلف بالله ما أخطأ في قضاء قط
أخرج الحاكم في المستدرك أوائل كتاب الأحكام من طريق بن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن فقال علمهم الشرائع واقض بينهم فقال لا علم لي بالقضاء فدفع في صدره وقال اللهم اهده للقضاء وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقصة بعثه صلى الله عليه وسلم عليا قاضيا لليمن خرجها أبو داوود في سننه وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داوود الطيالسي في مسانيدهم وغيرهم انظر نصب الراية وتلخيص الحبير
وبوب عليه الحافظ محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى باب ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له رضوان الله عليه حين ولاه قضاء اليمن ثم ساق عن علي قال لما بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيا وأنا حديث السن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء فقال صلى الله عليه وسلم إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك قال فما شككت في قضاء بين إثنين أخرجه أحمد قال الطبري والمراد بالأحداث الأمور الحادثة هـ
وفي أحكام ابن العربي وأما ولايته القضاء فقدم النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/257)
لها في حياته علي بن أبي طالب حين بعثه إلى اليمن وقدم النبي صلى الله عليه وسلم غيره من ولاته هـمنها
وقد قال القرافي في الفروق يقدم في القضاء من هو أعرف بالأحكام الشرعية وأشد تفطنا لحجج الخصوم وخدعهم وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم أقضاكم علي أي هو أشد تفطنا لحجج الخصوم وخدع المتحاكمين
وبه يظهر الجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ وإذا كان معاذ أعرف بالحلال والحرام كان أقضى الناس غير أن القضاء لما كان يرجع إلى معرفة الحجج والتفطن لها كان أمرا زائدا على معرفة الحلال والحرام فقد يكون الإنسان شديد المعرفة بالحلال والحرام وهو يخدع بأيسر الشبهات فالقضاء عبارة عن هذا التفطن هـ
ومنهم معاذ بن جبل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الإستيعاب إلى الجند يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم وجعل له قبض الصدقات من العمال الذين باليمن وذلك عام فتح مكة
أخرج الطبراني قال الشامي برجال الصحيح عن مسروق قال كان أصحاب القضاء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا عمر وعليا وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبا موسى الأشعري وأخرج أحمد والحاكم عن معقل بن يسار أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي قال إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا وجاءه صلى الله عليه وسلم خصمان فقال لعمر اقض بينهما وكذا قال لعقبة في خصمين جاآه اقض بينهما رواه أحمد وغيره
وفي ترجمة معاذ بن جبل من الإستبصار لإبن
____________________
(1/258)
قدامة المقدسي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن وأميرا وجابيا للصدقات ألخ
وقال ابن إبراهيم الوزير اليمني في الزهر الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبا موسى الأشعري على اليمن مصدقا أي جامعا للصدقات وقاضيا وكان يقضي ويفتي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه وفي أيام الخلفاء الراشدين هـمنه
وفي در السحابة في ترجمة المغيرة بن شعبة قال الشعبي القضاة أربعة أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى والزهاد أربعة معاوية وعمر والمغيرة وزياد هـ
وبذلك كله تعلم ما في قول الحافظ الشامي وتبعه شارح هب أنه صلى الله عليه وسلم لم يستقض شخصا معينا للقضاء بين الناس وإنما استقضى جماعة في أشياء خاصة هـ
وفي صبح الأعشى القاضي عبارة عمن يتولى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعية وهي وظيفة قديمة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر القضاعي أنه صلى الله عليه وسلم ولى القضاء باليمن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري وأن أبا بكر ولي القضاء عمر هـ
وفي وفيات الأسلاف أول من نصب القاضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعث عليا ومعاذا إلى اليمن وأول من دفعه إلى غيره من الخلفاء عمر فولى أبا الدرداء بالمدينة وأبا موسى الأشعري بالكوفة وشريحا بالبصرة تخفيفا لنفسه في القيام بأعباء الخلافة والسياسة هـ
وفي طبقات ابن سعد أول من استقضى القضاة في الأمصار عمر ولما ذكر أبو عمر بن عبد البر في ترجمة زيد بن الخطاب من الإستيعاب قول مالك أول من استقضى معاوية وأنه كان ينكر أن يكون أول من
____________________
(1/259)
من استقضى أحد من الخلفاء الأربعة قال وهذا عندنا محمول على حضرتهم لا على من نآ عنهم وأمروا عليهم من أعمالهم غيرهم لأن استقضاء عمر لشريح على الكوفة أشهر عند علمائها من كل شهرة وحجة هـمنه
ولما وقع في العتبية عن مالك ما استقضى أبو بكر ولا عمر ولا عثمان قاضيا وما كان ينظر في أمور الناس غيرهم كتب عليها ابن رشد هذا أصل ما تقدم أن أول من استقضى معاوية يريد أنه أول من استقضى في موضعه الذي كان فيه لإشتغاله بما هو سوى ذلك من أمور المسلمين كبعث البعوث وسد الثغور وفرض العطاء فقد ولي عمر بن الخطاب على قضاء البصرة أبا شريح الحنفي وولى كعب بن سوراللقيطي فلم يزل قاضيا حتى قتل عمر وولى شريحا قضاء الكوفة يدل على صحة ماتأولناه إذ لا يصح أن ينظروا بأنفسهم إلا في مواضعهم لا فيما بعد من البلاد هـمنه
وفي فتح الباري أن البيهقي خرج بسند قوي أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولي عمر القضاء قال وبسند آخر قوي أن عمر استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وكتب عمر إلى عماله استعملوا صالحيكم على القضاء واكفوهم قال وبسند آخر لين أن معاوية سأل أبا الدرداء وكان يقضي بدمشق من لهذا الأمر بعدك فقال فضالة بن عبيد قال وهؤلاء من أكابر الصحابة وفضلائهم هـانظر باب أجر من قضى بالحكمة من كتاب الأحكام
وفي المدونة قال مالك وليس علم القضاء كغيره من العلوم ولم يكن بهذا البلد اعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمان وكان قد أخذ شيئا من علم القضاء عن ابان بن عثمان وأخذ ذلك أبان من أبيه عثمان ه
____________________
(1/260)
هل كان صلى الله عليه وسلم يشترط السن المديد فيمن يوليه القضاء
خرج أبو داوود عن علي بن أبي طالب قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله ترسلني وأنا حديث سني ولا علم لي بالقضاء
فقال إن الله يهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء قال فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء من بعد هذا ونحوه أخرج أحمد والحاكم وصححه والترمذي وابن ماجه وغيرهم جاء أن يحيى بن أكتم لما ولي القضاء وهو ابن إحدى وعشرين سنة قيل له كم سن القاضي قال مثل عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم إمارة مكة وقضاءها يوم الفتح وأنا أكبر من معاذ بن جبل حين وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن قال الحافظ العراقي في المغني خرجه الخطيب في التاريخ بإسناد فيه نظر وما ذكره ابن أكتم صحيح بالنسبة إلى عتاب بن أسيد فإنه كان حين الولاية ابن عشرين سنة
ففي منحة واهب الهبات البهية
( عشرين حولا كان سن أسامة ** لما توفي خاتم الأمناء )
( في الصفوة الجوزي يرويه كذك ** الواقدي الحبر في الأنباء )
وأما بالنسبة إلى معاذ فإنه لم يتم له ذلك على قول يحيى بن سعد الأنصاري ومالك وأبن أبي حاتم أنه كان حين مات ابن ثلاث وثلاثين سنة في الطاعون سنة ثمانية عشر والله أعلم وفي باب أخذ الصدقة من الأغنياء وردها على الفقراء من فتح الباري ما نصه اختلف هل كان معاذ واليا أو قاضيا
____________________
(1/261)
فجزم ابن عبد البر بالثاني والغساني بالأول هـمنه
وفي ترجمة أسامة بن زيد من أسد الغابة استعمله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن 18 سنة هـ
وقال القسطلاني في الإرشاد على قصة بعث أسامة على جيش فيه جماعة من الكبار في الحديث جواز تولية المولى وتولية الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل هـ
وقد رأيت
لبعض المعتنين من أصحابنا بفاس رسالة في بعض من ورد تقديمه في الأمور الشرعية قبل الأبان الذي الشأن فيه أن لا توجد فيه الأهلية وذكر فيه ما جاء في ترجمة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وابن عباس وزيد بن حارثة وإبنه أسامة وعتاب بن أسيد ومعاذ بن جبل وكعب سور وبادان بن ساسان وإبنه شهر وعمرو بن حزم وعبد الله بن عامر بن كريز وزيد بن ثابت وقيس بن سعد بن عبادة وزيد بن قنفد بن زيد بن جدعان وغالب اعتماده في تراجمهم على الأسد والإصابة فقف عليه
قلت
وها هنا غريبة في تاريخ مصر لإبن أبي إياس الحنفي المصري وفيها من الحوادث أن الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز عهد للشيخ جلال الدين السيوطي بوظيفه لم يسمع بها قط وهو أنه جعله على القضاة قاضيا كبيرا يولي منهم من يشاء ويعزل منهم من يشاء مطلقا في سائر ممالك الاسلام وهذه الوظيفة لم يلها قط سوى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في دولة بني أيوب فلما بلغ القضاة ذلك شق عليهم واستخفوا عقل الخليفة في ذلك وقالوا ليس للخليفة مع وجود السلطان حل ولا ربط ولا ولاية ولا عزل ولاكن الخليفة استخف بالسلطان لكونه صغيرا فلما قامت الدائرة والألسنة على الخليفة رجع عن ذلك وبعث
____________________
(1/262)
أخذ العهد الذي كان كتبه لجلال الدين السيوطي وكادت أن تكون فتنة كبيرة بسبب ذلك ووقعت أمور يطول شرحها ثم سكن الحال بعد مدة هـ
وفي قوله لم يسمع بمثلها قط نظر ففي تاريخ الخلفاء للحافظ السيوطي كان الخلفاء يولون القاضي المقيم ببلدهم القضاء لجميع الأقاليم والبلاد التي تحت ملكهم ثم يستنيب القاضي من تحت أمره من شاء في كل إقليم وفي كل بلد ولهذا كان يلقب قاضي القضاة ولا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة ومن عداه بالقاضي فقط أو قاضي بلد كذا هـ
ومن خط ابن الطيب القادري نقلت وفي ترجمة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من طبقات الحنفية للحافظ قاسم بن قطلوبغا أنه ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء المهدي والهادي والرشيد وكان إليه تولية القضاء بالمشرق والمغرب وأنه أول من خوطب بقاضي القضاة وذلك كله في خلافة الرشيد هـ
وعبارة غيره في حق أبي يوسف وهو أول من دعي في الإسلام بقاضي القضاة وكان أيضا يقال له قاضي قضاة الدنيا لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم بها الخليفة وفي منظومة الشيخ عبد الغني النابلسي في الشطرنج
( ولا باس بالشطرنج وهو رواية ** عن الحبر قاضي الشرق والغرب توثر )
قال في شرح البيت المذكور وهو أبو يوسف لأن ولايته شملت المشارق والمغارب لأنه كان قاضي الخليفة الرشيد هـ
وفي ترجمة أبي شجاع نجم الدين التركي مولى الإمام الناصر لدين الله المهدي بعد الخمس وستمائة من طبقات ابن قطلوبغا ايضا أنه عرض عليه الخليفة المنتصر قضاء القضاة فامتنع هـ
وفي وفية الأسلاف وتحية الأخلاف
____________________
(1/263)
لعالم قازان شهاب الدين المرجاني لدى كلامه على قاضي القضاة وأنه أطلق على خلق كثير من أجلة القضاة ولم يوجد حقيقة معناه كوجوده في إثنين وليا قضاء جميع البلاد الإسلامية من مشارقها ومغاربها وكان جميع قضاة الدنيا في عصرهما يحكمان بحكم النيابة عنهما أولهما أبو يوسف في خلافة الرشيد وثانيهما أبو عبد الله بن أحمد بن أبي داوود بن مالك الإيادي في خلافة المعتصم هل كان للولاة والقضاة راتب
في الهداية روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وفرض له قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية غريب ثم ذكر عن ابن سعد في الطبقات أن عتاب قال ما أصبت منذ وليت عملي هذا إلا ثوبين كسوتهما مولاي كيسان هـ
ثم قال وذكر أصحابنا أنه صلى الله عليه وسلم فرض له كل سنة أربعين أوقية والأوقية أربعون درهما وذكر أبو الربيع بن سالم أنه صلى الله عليه وسلم فرض له كل يوم درهما وفي طبقات ابن سعد أن عمر رزق عياض بن غنم حين ولاه جند حمص كل يوم دينارا وشاة ومدا
وفي البخاري في باب رزق الحكام والعاملين عليها وكان شريح يأخذ على القضاء أجرا وقالت عائشة يأكل الوصي بقدر عمالته وأكل أبو بكر وعمر هـ
وفي مصنف عبد الرزاق أنا الحسن بن عمارة عن الحكم أن عمر بن الخطاب رزق شريحا وسلمان بن ربيع الباهلي على القضاء هـ
وروى ابن سعد في الطبقات بلغني أن عليا رزق شريحا خمسمائة وأن عمر بن الخطاب استعمل زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقا ولما تخلف أبو بكر أصبح غاديا
____________________
(1/264)
إلى السوق فلقيه عمر وابو عبيدة فقالا انطلق حتى نفرض لك شيئا وأن أبا بكر لما استخلف جعلوا له الفين فقال زيدونا فزادوه خمسمائة
أقول
كأن الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر لم يستحضرا في هذا الموطن حديث أبي داوود والحاكم عن بريدة رفعه أيما عامل استعملناه وفرضنا له رزقا فما أصاب بعد رزقه فهو غلول عزاه لهما الحافظ في تلخيص الحبير وقد وجدت أبا داوود بوب عليه في أبواب الخراج والإمارة باب في أرزاق العمال ثم أخرجه بلفظ من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول ثم أخرج عن المسور بن شداد رفعه من كان لنا عاملا فليكتب زوجته فإن لم يكن له خادم فليكتب خادما فإن لم يكن مسكن فليكتب مسكنا قال قال أبو بكر أخرجت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اتخذ ذلك فهو غال أو سارق وفي عون الودود على الحديث الأول سكت عنه أبو داوود والمنذري ورجاله ثقات وفيه بينة على جواز أخذ العامل حقه من تحت يده فيقبض من نفسه لنفسه ثم نقل عن الطيبي على الحديث الثاني فيه أنه يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من بيت المال قدر مهر زوجته ونفقتها وكسوتها وكذا ما لا بد له منه من غير إسراف وتنعم هـ
ثم أخرج أبو داوود عن ابن الساعدي قال استعملني عمر على الصدقة فلما فرغت أمر لي بعمالة ما يأخذه العامل من الأجرة فقلت إنما عملت لله فقال خذ ما أعطيت فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني أي أعطاني عمالتي
قال الكنكوهي في التعليق المحمود على سنن أبي داوود عليه فيه جواز أخذ العوض من بيت المال على
____________________
(1/265)
العمل العام كالتدريس والقضاء وغيرهما بل يجب على الإمام كفاية هؤلاء ومن في معناهم من بيت المال
وظاهر هذا الحديث وغيره مما يبين وجوب قبول ما أعطيه الإنسان من غير سؤال ولا إشراف نفس وبه قال أحمد وغيره وحمل الجمهور على الإستحباب والإباحة هـ النظر في المظالم العدلية
قال المرجاني في وفية الأسلاف النظر في المظالم وظيفة أوسع من وظيفة القاضي ممتزجة من السطوة السلطانية ونصفة القضاة بعلو بين وعظيم رغبة تقمع الظالم من الخصمين وتزجر المتعدي ويمضي ما عجز القضاة ومن دونهم عن إمضائه ويكون نظره في البينات والتقرير وإعتماد القرائن والإمارات وتأخير الحكم إلى إستجلاء الحق وحمل الخصم على الصلح وإستحلاف الشهود وكان الخلفاء يباشرونها بأنفسهم إلى ايام المهتدي بالله وربما سلموها إلى قضاتهم هـ
أقول
هذه الوظيفة كان يليها المصطفى بنفسه لأنه كان ينتقد أحكام قضاته وعماله ويناقشهم
لما تكلم الشهاب أحمد النويري في نهاية الأرب على ولاية المظالم قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم في السرب الذي تنازعه الزبير بن العوام ورجل من الأنصار في شراج جمع شرج بالفتح وهو مسيل الماء من أكرة إلى السهل فحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه هـ
وكذلك الخلفاء من بعده كما ذكر المرجاني وناهيك بما سبق وفي سيرة عمر من هذا الباب كثير وناهيك بما كان يفعله كل سنة في الحج
____________________
(1/266)
الأكبر من تقصيه البحث عن أعمال الولاة وسؤاله الناس بنفسه عن عمالهم وحكامهم انظر ما سبق في باب المحاسبة وذلك أصل مجالس الإستيناف والعدلية ومن شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد المدائني وقال عمر في خلافته لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية دولا فإني أعمل أن للناس حوائج تقتطع دوني أما عمالهم فلا يرفعونها إلي وأما هم فلا يصلون إلي
أسير إلى الشام فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى البصرة فاقيم بها شهرين والله لنعم الحول هذا
وقال وقد خطب الناس والذي بعث محمدا بالهدى لو أن جملا سلك ضياعا بشط الفرات خشيت أن يسأل الله آل الخطاب قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم يعني بآل الخطاب نفسه ما يعني غيرها هـ
وفي سيرة عمر أيضا أنه أول من عين شخصا مخصوصا لإقتصاص أخبار العمال وتحقيق الشكايات التي تصل إلى الخليفة من عماله وهو محمد بن مسلمة هـ
وفي سراج الملوك للطرطوشي كان عمر إذا أحب أن يوتي بالأمر كما هو عليه بعثه هـ
وأخرج ابن راهويه والحارث بن أبي أسامة ومسدد قال السيوطي في الجمع وصحح عن عبد الله بن بريدة في خطبة ربيع بن زياد بين يدي عمر بن الخطاب بمحضر الوفود وإيثار عمر له بولايته وأنه قال في الملا لا يأتين عليكم وال إلا تعاهدت منه عمله وكتب إلي بسيرته في عمله حتى كأني أنا الذي أستعمله وفي سراج الملوك للطرطوشي قال إبراهيم النخعي كان عمر إذا قدم عليه
____________________
(1/267)
الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من أهل البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف وهل يعود المرضى فإن قالوا نعم حمد الله وإن قالوا لا كتب إليه أن أقبل وفيه أيضا كان عمر بن الخطاب يأمر إذا قدم عليه العمال أن يدخلوا نهارا ولا يدخلوا ليلا كي لا يحتجبوا شيئا من الأموال وعزى العقباني في تحفة الناظر لجامع الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت فإذا وجد العبد في عمل ثقيل لا يطيقه وضع عنه منه بقدر ما يظهر له
وفي العتبية قال مالك إن عمر بن الخطاب مر بحمار عليه لبن فوضع عنه طوبتين فأتت سيدته لعمر فقالت يا عمر مالك ولحماري ألك عليه سلطان قال فما يقعدني في هذا الموضع ثم ذكر القصة في خروجه إلى الحوائط بالعوالي
قال ابن رشد المعنى في هذا بين لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته وقد قال عمر في هذا لو مات جمل بشاطئي الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه هـ
من البيان والتحصيل وبذلك كله تعلم ما في الخطط للمقريزي أول من نظر في المظالم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأول من أفرد للظلامات يوما يتصفح قصص المتظلمين من غير مباشرة النظر عبد الملك بن مروان ثم زاد الجور فكان عمر بن عبد العزيز أول من ندب نفسه للنظر في المظالم فردها ثم جلس لها خلفاء بني العباس هـ
وتعلم أيضا ما في قول النويري في نهاية الأرب لم ينتدب أحد من الخلفاء للمظالم وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاة هـ
فإنهم غفلوا جميعا عن سيرة المصطفى وعمر وبذلك كله تعلم
____________________
(1/268)
ما في نقل الخزاعي في هذه الترجمة عن ابن العربي في الأحكام من أن هذه الولاية غريبة محدثة فإنه غفلة منه عما نقله بنفسه عن الكلاعي في الإكتفاء في باب محاسبة أبي بكر عماله وكذا قول النويري في النهاية لم ينتدب أحد للمظالم من الخلفاء وإنما كانت المنازعات تجري بين الناس فيفصلها حكم القضاء
تنبيه
في تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشي أن عمر بن الخطاب أوصى حين ذكر عن الشيخ أبي محمد عبد الواحد الغرياني عمن يوثق به أن من عادة الموحدين قديما بتونس أنهم كانوا لا يولون القضاء أكثر من عامين وأيضا فإنهم يرون أن القاضي إذا طالت مدة قضائه أكثر الأصحاب والإخوان وإذا كان بمظنة العزل لا يغتر وأيضا فإن الحال إذا كان هكذا ظهرت مخايل المعرفة بين الأقران وكثر فيهم القضاة بتدربهم على الوقائع فيبقى الحال محفوظا بخلاف ما إذا استبد الواحد بعمل فإنه لا يقع فيهم تناصف ولا يحصل لمن يلي بعده النفوذ بوظيفة ما قدم إليه إلا بعد حين وتتطمئن القلوب الطلبة لاياسهم من الولاية إلا بعد مشقة هـمنه
وفي طبقات ابن سعد أن عمر كان إذا بعث عاملا على مدينه كتب ماله وقد قاسم غير واحد منهم ماله إذا عزله منهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وكان يستعمل الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة ويدع من هو أفضل منهم مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف ونظرائهم لقوة أولائك على العمل والبصر به ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له وقيل
____________________
(1/269)
له مالك لا تولي إلا كابر من أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال أكره أن أدنسهم بالعمل هـ& باب أين كان يجلس القاضي للحكم والفصل &
وفي الهداية من كتب الحنفية أنه صلى الله عليه وسلم كان يفصل الخصومات في معتكفه قال الحافظ بن حجر في إختصار نصب الراية كأنه يشير إلى حديث كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا في المسجد وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف سجوف حجرته فناداه يا كعب أن ضع الستر وفي الباب حديث ابن عباس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال أقم علي الحد وفي حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين قال فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد عليه وفي الهداية أيضا روي أن الخلفاء الأربعة الراشدين كانوا يجلسون في المسجد لفصل الخصومات قال الحافظ في تخريج أحاديثها فيه آثار منها ما ذكره البخاري قال ولاعن عمر عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقضى مروان على زيد بن ثابت بالمنبر هـ
وقال الجمال الزيلعي في نصب الراية عن ابن تيمية في المنتقى على حديث كعب فيه جواز الحكم في المسجد هـ
وفي الصحيح باب من قضى ولاعن في المسجد ولاعن عمر عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر هـ
وفي الهداية أيضا قال صلى الله عليه وسلم إنما بنيت المساجد لذكر الله وللحكم قال الزيلعي غريب بهذا اللفظ هـ
وقال الحافظ ابن حجر في إختصاره لم أجده هكذا هـمنه
وفي التيسير في أحكام التسعير للقاضي ابن سعيد المجيلدي وقد كان بعض أصحاب الشافعي لما قدم لها أي الحسبة ببغداد أقام
____________________
(1/270)
قاضيا وجده يقضي في المسجد فقال له ألم تسمع قوله تعالى ! ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) !
ولاكن هذا يخالف ما روي من استحباب مالك الجلوس للقاضي في المسجد ليتوصل إليه القوي والضعيف والصغير والكبير هـ
وقال في المدونة القضاء في المسجد من الأمر القديم وهو الحق والصواب قال مالك لأنه يرضى فيه بالدون من المجلس وهو أقرب على الناس في شهودهم ويصل إليه الضعيف والمرأة نقله ابن فرحون في تبصرته وفيها أيضا عن ابن حبيب أحب إلي أن يجلس في رحاب المسجد اللاصقة به من غير تضييق بالجلوس في غيرها وما كان من مضى يجلسون إلا في رحاب المسجد خارجا عنه أما عند مواضع الجنائز يريد بالمدينة المنورة وهو الآن الموضع المعروف بمصلى الجنائز خارج باب جبريل وأما في رحبة دار مروان وهي التي تسمى رحبة القضاة وقد جعل ذلك في هذا الوقت ميضاة وهي على باب السلام قال ابن ابي زيد واحتج بعض أصحابنا في قضاة المسجد بقوله تعالى ! ( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ) !
فدل على أن حكم الحكومة وقعت عنده في مسجده
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضي في المسجد وفيها أيضا عن تنبيه الحكام لإبن المناصف يكره للقاضي الجلوس في داره وقد انكره عمر بن الخطاب على أبي موسى الأشعري وأمر بإضرام داره عليه نارا فدعا واستقال ولم يعد إلى ذلك هـ
وفي تاريخ ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال ارسلني العباس إلى عثمان ادعوه فأتيته في دار القضاء قال بعضهم إذا صح هذا يكون عثمان هو أول من
____________________
(1/271)
اتخذ في الإسلام دار القضاء هـ
وفي جامع التحصيل لإبن رشد المساجد إنما وضعت لذكر الله قال الله ! ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ! فوجب أن ترفع وتنزه ولا تتخذ لغير ما وضعت له وقد اتخذ عمر بن الخطاب رحبة بناحية المسجد تسمى البطحاء فقال من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إلى هذه الرحبة & باب في الشهادة وكتابة الشروط &
أمر الله تعالى بالكتاب والإشهاد في بيوع الآجال فقال يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه
ثم قال وأشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى
وكذلك أمر سبحانه بالإشهاد في الطلاق والرجعة وعلى الزنى
ومع ذلك قال اللسان ابن الخطيب في رسالته مثلى الطريقة في ذم الوثيقة أن الصحابة لم ينقل عنهم أن شاهدا اتخذ حانوتا وطلب على الشهادة أجرا إنما كان الناس يشهدون بينهم ويستوثقون بخيارهم وفضلائهم
وفي قوله عز وجل فإن لم يكونا رجلين فرجل وأمرأتان ممن ترضون من الشهداء
في آية الدين وكتابته دليل على أن المقصود غير متخذي الدكاكين لبعد ذلك وإمتناعه في حق المرأة هـمنها
وقد أخرج الترمذي عن عبد الحميد بن وهب قال قال لي العداء بن خالد بن هودة ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/272)
قلت بلى فأخرج لي كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد من رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبدا أو أمة لاداء ولا غافلة يعني خديعة ولا خبتة وما كان طيب الأصل وكك حرام خبيث بيع المسلم للمسلم قال الترمذي حديث حسن غريب
وفي الصحيح هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بيع المسلم من المسلم لأداء ولاخبتة ولا غائلة قال قتادة الغائلة الزنى والسرقة والإباق قال عياض في المشارق وهو مقلوب إذ العداء هو المشتري ولا يبعد أن يكون من باب شرى واشترى وباع وابتاع بمعنى يتسعملان جميعا ونحوه للزركشي نقلا عن المطرزي وغيره قال وهو عكس ما ذكره البخاري هنا
وزاد الدماميني أو يحمل على تعدد الواقعة فلا معارضة هـ
وقال ابن زكري الظاهر أن هذا لفظ الوثيقة المكتوبة المشتملة على بيان الثمن والمثمن هـ
وشرح ابن العربي على ما وقع في الترمذي فقال فيه البداءة بإسم المفضول في الشروط إذا كان هو المشتري قال وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وهو ممن لا يجوز عليه نقض عهدة لتعليم الخلق قال ثم ذلك على سبيل الإستحباب لأنه قد يتعاطى صفقات كثيرة بغير عهدة وفيه كتابة الإسم واسم الأب والجد إلا أن يكون مشهورا بصفة تخصه ولذلك قال محمد رسول الله فاستغنى بصفته عن نسبه ونسب العداء بن خالد
وعبارة الخزاعي هنا وإذا ثبت هذا كان حجة لمن يرى من الموثقين تقديم الأشرف بائعا كان أو مشتريا
سبقه إلى ذلك ابن الفخار ففي ابن التلمساني على الشفا قال ابن العطار في وثائقه من حق كاتب الوثيقة أن يقدم الشريف على المشروف لمزيته بائعا كان أو مبتاعا ورده ابن الفخار
____________________
(1/273)
بنص الحديث فإنه قدم فيه اسم المشروف على الشريف فتأمله هـمن المنهل الأصفى & باب في شهادة الصبيان وكتابة أسمائهم في الكتب النبوية والعقود المصطفية &
ذكر السهيلي كتابه صلى الله عليه وسلم لثقيف وقد ساقه أبو عبيد في كتاب الأموال وذكر فيه أي أبو عبيد شهادة علي وإبنيه الحسن والحسين قال أبو عبيد فيه من الفقه شهادة الصبيان وكتابة أسمائهم قبل البلوغ وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ
وفيها أيضا شهادة الإبن أيضا مع شهادة أبيه في عقد واحد هـنقله في نور النبراس & باب في سياق عقد من عقود ذلك العصر الطاهر وهو عقد عتق أبي رافع مولاه صلى الله عليه وسلم &
قال القاضي ابن باديس في شرح مختصر ابن فارس نقلا عن العمدة لأبي عبد الله التلمساني الصحيح في إسمه اسلم لأجل عقد عتقه ونصه بخط الحكم المنتصر بالله أمير المؤمنين بن عبد الرحمان الناصر المرواني بسم الله الرحمان الرحيم كتاب من محمد رسول الله لفتاه أسلم إني أعتقك لله عتقا مبتولا الله أعتقك وله المن علي وعليك فأنت حر لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام وعصمة الإيمان شهد بذلك أبو بكر وشهد عثمان وشهد علي وكتب معاوية بن أبي سفيان كان في الكتاب معاوية هـما كان بخط الحكم
قال الشيخ أبو عبد الله كتبته من منقول نقل من خط الحكم هـ
فهذا عقد في عتق نبوي بنصه من الذخائر المكنونة والكنوز الثمينة
____________________
(1/274)
فتلقه شاكرا وللمغاربة ذاكرا حيث أن كلا من الحكم المنتصر وصاحب العمدة وفوائد الدرر مغاربة وكأنه لم يقف عليه أحد من أعلام المشرق فلذلك لا تراه في مدوناتهم الأثرية
وسيأتي في باب الوقف ما يقتضي أن الصحابة كانوا يكتبون أوقافهم وسياق بعض نصوصها فانتظره في محله & باب فيمن كان يكتب بين الناس في قبائلهم ومياههم في الزمن النبوي &
وفي العقد الفريد لإبن عبد ربه وكان زيد بن أرقم والعلاء بن عقبة يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم وفي دور الأنصار بين الرجال والنساء هـ& باب في ذكر من كان يكتب العقود والمعاملات زيادة على ما سبق &
قال القاضي القضاعي في كتاب الأنباء كان المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير وقيل ابن بشر يكتبان المداينات والمعاملات وقاله ابن حزم أيضا في كتاب جوامع السيرة
ذكر ذلك أيضا الحافظ في ترجمة حصين انظر ما سبق عنه
وفي ترجمة العلاء بن عقبة من الإصابة أيضا قرأت في التاريخ المصنف للمعتصم بن صمادح أن العلاء بن عقبة والأرقم كانا يكتبان بين الناس المداينات والعهود والمعاملات هـ
ومن عجيب الإتفاق أن ما كان يبحث عن جمعه وتدوينه الخزاعي في القرن الثامن وفق له أيضا أبو زيد العراقي الفاسي في أول القرن الثالث عشر فإنه في إختصاره للإصابة يشير للإيقاف على أمثال هذه التراجم فإنه في ترجمة العلاء المذكور وقف بقلم غليظ ما نصه من كان يكتب المداينات
____________________
(1/275)
والمعاملات والعهود بين الناس
وفي شرح الشيخ الطيب بن كيران على الفية العراقي في ترجمة الكاتب التاسع والثلاثين حصين بن نمير مصغرين هو والمغيرة كانا يكتبان المعاملات والمداينات ذكره القرطبي والقضاعي هـ
فزاد العزو للقرطبي وفي زمن التابعين قال مصعب كما في طبقات الفقهاء للشيرازي كان خارجة بن زيد وطلحة بن عبد الله في زمانهما يستفتيان وينتهي إلى قولهما ويقسمان المواريث بين أهلها من الدور والنخيل والأموال ويكتبان الوثائق للناس
قلت
وبذلك كله وما سبق في التراجم قبل تعلم ما في قول الإمام الرافعي في شرح الوجيز كان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الأيمة يحكمون ولا يكتبون المحاضر والسجلات هـ
والعجب أن الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديثه المسمى بتلخيص الحبير لم يتعقبه بأكثر من قوله هو مستفاد من الأحاديث السابقة في هذا الكتاب لاكن قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة وأقطع لهم
وفي البخاري من حديث أنس أنه دعا الأنصار ليقطع لهم وأراد أن يكتب لهم كتابا هـمنه
وقد ألف الإمام لسان الدين والدنيا ابن الخطيب السلماني كتابه مثلى الطريقة في ذم الوثيقة مد فيه القلم في ذم الموثقين وذكر مثالبهم بما لا يخلو عن مبالغة
وقد كتب الإمام حافظ المذهب أبو العباس الونشريسي صاحب المفيد على أوله بخطه جامع هذا الكلام قد كد نفسه في شيء لا يعني الأفاضل ولا يعود عليه في القيامة ولا في الدنيا بطائل وأفنى طائفة من نفيس عمره في التماس مساوى طائفة بهم تستباح الفروج والبروج وجعلهم أضحوكة لذوي الفتك والمجانة وانتزع عنهم جلباب الصدق والديانة سامحه
____________________
(1/276)
الله وغفر له قاله وخطه بيمنى يده عبد ربه أحمد بن يحيى بن محمد بن علي الونشريسي خار سبحانه له هـبواسطة أزهار الرياض
وقد وقعت إلي نسخة من رسالة ابن الخطيب بخط العلامة أبي عبد الله محمد بن الطيب القادري الفاسي وهي في نحو كراسين تتبعها الكاتب المذكور مرة بالنقد ومرة بذكر النظائر والمماثلات وذكر أنه نقلها من خط الونشريسي
تنبيه
لشريح بن يونس كتاب القضاء ولأبي عبيد كتاب القضاء وآداب الحكام ولأبي بكر النقاش كتاب القضاة والشهود ذكر هذه الكتب وأسانيدها الشيخ عابد السندي في حصر الشارد & باب في فارض المواريث & ذكر من كان فارضا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جامع الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرضكم زيد قال الترمذي حسن صحيح
وفي الإستيعاب كان زيد أحد فقهاء الصحابة الجلة الفراض
في الإصابة أن ابن سعد يروي من طريق قبيصة قال كان زيد رءيسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض هـ
وفي مسند الدارمي عن ابن شهاب لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان لهلك علم الفرائض لقد أتى على الناس زمان وما يعلمه غيرهما
وخرج أيضا عن مسلم سألت مسروق كانت عائشة تحسن الفرائض قال والذي لا إلاه غيره لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمد يسألونها عن الفرائض
____________________
(1/277)
وقال أبو يوسف الستاني في شرح التلمسانية الإختيار أن يوخذ في الفرائض بمذهب زيد بن ثابت فإنه افرض هذه الأمة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السهيلي وكان عمر أيام كان بالشام يكتب إلى زيد بن ثابت وهو بالمدينة فيبدأ بإسمه قبل اسمه وحين أشكلت عليه مسألة الجد مشى بنفسه إلى منزل زيد يستفهمه فيها هـ
وروى عاصم الأحول عن الشعبي قال غلب زيد الناس على إثنين الفرائض والقرآن ذكره الذهبي في التذكرة
ونقل فيها أيضا عن سليمان بن يسار قال ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في الفتوى والفرائض والقراءة هـ
وانظر ما يأتي في القسم العاشر في فصوله وفي كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام أن عمر بن الخطاب خطب في الناس بالجابية فقال من أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإن الله قد جعلني له خازنا وقاسما إني بادئي بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمعطهن
وترجم في القسم الثالث من الإصابة للأكيدر بن حمام اللخمي وذكر أن له إدراكا ثم نقل عن أبي عمر الكندي في كتاب الخندق أنه كان ذا دين وفضل وفقه في الدين وجالس الصحابة وروى عنهم وهو صاحب الفريضة التي تسمى الأكدرية ثم ذكر عن ابن أبي شيبة أنه قيل للأعمش لم سميت الفريضة الأكدرية فقال طرحها عبد الملك بن مروان على رجل يقال له الأكدر وكان ينظر في الفرائض فأخطأ فيها
قال وكيع وكنا نسمع قبل ذلك أن قول زيد بن ثابت تكدر فيها قال الحافظ عبد الملك طرحها على الأكدر قديما وعبد الملك يطلب العلم بالمدينة
وترجم فيها أيضا عبد الرحمان بن ابزى الخزاعي
____________________
(1/278)
فذكر أن مسلما خرج عن علي أن عمر قال لنافع بن عبد الحارث الخزاعي من استعملت على مكة قال عبد الرحمان بن ابزى قال استعملت عليهم ندلا مولى كما في الإصابة قال إنه قارئي القرآن عالم بالفرائض
وترجم فيه أيضا لعقبة بن عامر الجهني فنقل عن أبن يونس كان قارئا للقرآن عالما بالفرائض والفقه فصيح اللسان شاعرا كاتبا
وفيها في ترجمة عائشة قال أبو الضحى عن مسروق رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض & باب في الوكيل في غير الأمور المالية & ذكر من وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن العربي في الأحكام له أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري على عقد نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان عند النجاشي ووكل أبا رافع على نكاح ميمونة في إحدى الروايتين
وقصة توكيل علي رضي الله عنه عبد الله بن جعفر على طلحة بن عبيد الله في شأن ضغير بين ضيعتهما فتنازعا في الخصومة أمام عثمان قصة عجيبة ذكرها ابن رشد في البيان والتحصيل
وجدتها لإبن رشد في جامع البيان والتحصيل ايضا في كتاب الجامع الرابع تحت عنوان إن الإمام لا ينظر في أمر قد قضى فيه من قبله من الأيمة العدول وعنه نقلتها هنا وسقتها في باب الزراعة من القسم التاسع إذ رأيت القصة هناك أنسب فأرجع إليها هناك & باب في ذكر البصير بالبناء &
____________________
(1/279)
وهو الرجل يكون له البصر بالبناء يبعثه الإمام يحكم بين المتنازعين فيوخذ بقوله ذكر من كان كذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر أبو عمر في الإستيعاب عن جارية بن ظفر اليمامي أن دارا كانت بين أخوين فحظرا في ذلك حظارا والحظار كل شيء مانع بين شيئين فهو حظار ثم هلكا وتركا عقبا فادعى عقب كل منهما أن الحظار له من دون صاحبه فاختصم عقباهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل حذيفة بن اليمان يقضي بينهما فقضى بالحظار لمن وجد معاقد القمط تليه ثم رجع فأخبر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصبت وأحسنت وأصله في تاريخ البخاري
القصة مخرجة أيضا في طبقات ابن سعد في ترجمة جارية المذكور بلفظ إن قوما اختصموا في خص فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث معهم حذيفة فقضى به حذيفة للذين يليهم من القمط فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأجازه والخص كما في القاموس بالضم البيت من القصب أو البيت يسقف بخشبة كالأزج جمع خصاص وخصوص
وفي ترجمة العلاء بن عقبة من الإصابة ذكره المرزباني فقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثه وهو والأرقم في دور الأنصار هـ
وقد وقع لأبي زيد العراقي أجحاف في إختصار هذا المحل من الإصابة فإنه قال ما نصه العلاء بن عقبة ممن كان في عهد عمرو بن حزم وبعثه مع الأرقم لدور الأنصار هـوعبارة الأصل تفيد ما لم يفده
____________________
(1/280)
الإختصار فتأمله وفي ترجمة تميم بن أسد الخزاعي من طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه عام الفتح فجدد أنصاب الحرم وفي ترجمة الصحابي مخرمة بن نوفل من تهذيب النووي كان له سن وعلم بأيام الناس وبقريش خاصة وهو أحد من أقام أنصاب الحرم في خلافة عمر بن الخطاب أرسله عمر وازهر بن عبد عوف وسعيد بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فجددوها هـمنه ونحوه في ترجمة المسور بن مخرمة من التهذيب أيضا
وفي الخطط للمقريزي قال القضاعي ولما رجع عمر بن الخطاب من الإسكندرية ونزل موضع فسطاطه انضمت القبائل بعضها إلى بعض فتنافسوا في المواضع فولى عمرو على الخطط معاوية بن خديج التجيبي وشريك بن سمر القطيفي وعمرو مخزم الخولاني وحيويل بن ناشرة المغافري وكانوا هم الذين أنزلوا الناس وفصلوا بين القبائل وذلك في سنة إحدى وعشرين هـ
وإن تعجب فأعجب لقول بطلر أحد المشتغلين بتاريخ الإسلام من الأروبيين الظاهر أن الذي قام بتنفيذ هذا الأمر إنما هم القبط لدرايتهم بفن العمارة التي كان يجهلها العرب هـ
وما ذلك إلا من التعصب على العرب وإرادة طمس معلوماتهم وحب القضاء على آثارهم وأي حاجة بقيت للتعقل بعد تصريح المقريزي بإسمائهم وأنسابهم وفيما سيأتي في باب البنا آت كفاية في الدلالة على علم العرب بالبناء الصحي الهندسي وأساليبه معرفته صلى الله عليه وسلم وأهل الصدر الأول بأمور الهندسة والبناء وإصلاح الطرق
في طبقات ابن سعد لما أقطع صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة خط لعثمان
____________________
(1/281)
بن عفان داره اليوم ويقال إن الخوخة التي في دار عثمان اليوم وجاه باب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخرج منه إذا دخل دار عثمان
وفي أزهار الرياض للإمام أبي العباس المقري نقلا عن خط أبي زيد عبد الرحمان الغرناطي على هامش الشفا عند ذكر عياض أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو بموضع نعم موضع الحمام هذا ما نصه هو داخل في معرفته صلى الله عليه وسلم بالهندسة والبناء ذكره أبو نعيم في رياضة المتعلمين ورواه عن أبي رافع قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على موضع فقال نعم الحديث قال فبنى فيه الحمام هـ
وقال الخفاجي في نسيم الرياض على هذا المحل فيه الأخبار بحال البناء ومهاب الأهوية هـ
وسيأتي في باب المنادي عن سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أن ينادي في معسكره أن من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له وذلك لما ضيق الناس المنازل وقطعوا الطرق فيوخذ منه صلى الله عليه وسلم كان يحب النظام حتى في نصب الأخبية في السفر فكيف لا يحب ذلك في محل الإستيطان والبناء المشيد قال شارح السنن فيه أنه لا يجوز لأحد تضييق الطريق التي يمر منها الناس ونفي جهاد من فعل ذلك على طريق المبالغة في الزجر والتنفير وكذلك لا يجوز تضييق المنازل لما في ذلك من الأضرار هـ
وفي سيرة عمر أنه لما أذن ببناء البصرة والكوفة خطوا الشوارع على عرض عشرين ذراعا وطول أربعين ذراعا والأزقة تسعة أذرع والقطائع ستين ذراعا وبنوا المسجد الجامع الوسط بحيث تتفرع الشوارع وذلك بأمر عمر رضي الله عنه وهذا يدل على نفاد سوق الهندسة حتى في البناء
____________________
(1/282)
في الزمن الأول سفرا وحضرا وتخطيطا وفي سيرة عمر أيضا أنه لما جاء الشام سنة 17 رتب الشواتي والصوائف أي الجنود التي تغزو في الصيف والجنود التي تغزو في الشتاء وسد فروج الشام ومساكنها وهي النقط العسكرية وخطوط الدفاع وفي فتوح البلدان أن معاوية كتب إلى عمر بعد موت أخيه يزيد يصف له سوء حال الشام فكتب إليه في حرمة حصونها وترتيب المقاتلة فيها وإقامة الحرس على مناظيرها وإتخاذ المواقيد لها والمناظير قباب مبنية على رءوس الجبال العالية بين كل بلد وآخر بحيث يتقارب بعضها ويشرف بعضها على بعض ويقام فيها حراس يوقدون النيران عندما يرون إقبال العدو من جهتهم فيوقد حراس المناظير الذين يلونهم كذلك وهكذا حتى يصل الخبر إلى المدينة أو الثغر أو المسلحة في زمن قليل فيسرعون لإمداد الجهة التي أقبل منها العدو وهذا كذلك يدل على نفاق أسواق الهندسة في البناآت الحربية والمراكز العسكرية وفي فتوح البلدان أيضا أن عمر كان يشترط على أهل الذمة إصلاح الجسور والطرق وفي باب المفعول فيه من حاشية ابن غازي على الألفية لطيفة
ذكر أبو حيان عن السهيلي عن قاسم بن ثابت قال سمي الميل ميلا لأنهم كانوا ينصبون على الطرق أميالا كانوا يعرفون بها الخطى التي مشوها فيجعلون على رأس كل ثلاثة آلاف ذراع بناء كهيئة الميل يكتبون فيه العدد الذي مشوه
وقال هشام لأعرابي كان يسير معه انظر في الميل كم مشينا وكان الأعرابي أميا لا يقرأ فنظر ثم جاء فقال فيه مخطف وحلقة وثلاثة كأطياء الكلبة وهامة كهامة القطا فضحك هشام وعلم أن في الميل
____________________
(1/283)
خمسة هـ
وهذا يدل على عبرهم للطرق وضبطهم المسافات للذاهب والجاءي ومعقول أنهم ما عرفوا وعبروا بالفرسخ والميل حتى كتبوا الأعداد ورسموها خشية الغلط وانظر المصباح المنير للفيومي وفي الخطط للمقريزي أن عبد العزيز بن مروان كانت له وهو على مصر ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره وكانت له مائة جفنة يطاف بها على القبائل على العجل هـ
وهذا يدل على نجر الطرق وترصيفها لتجري فيها العجل & باب في القسام &
قال ابن إسحاق كانت المقاسم على أموال خيبر وكانت عدة الذين قسمت عليهم أموال خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفي سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فرس فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم ولكل راس سهم جمع إليه مائة رجل فكانت ثمانية عشر سهما & باب في المحتسب &
في المحكم احتسب فلان على فلان أنكر عليه قبيح عمله وأنه يحسن الأمر أي جيد التدبير والنظر وفيه فصول فصل فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسبة
خرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام الصبرة واحدة صبر الطعام يقال اشتريت صبرة أي بلا وزن ولا كيل فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال يا صاحب الطعام ما
____________________
(1/284)
هذا قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ثم قال من غش فليس منا قال الترمذي حسن صحيح فصل فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السوق
وكيف كان يضرب من يعمل بالربى في الأسواق على عهده صلى الله عليه وسلم
في الصحيح عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام وفيه أيضا عن سالم عن أبيه رأينا الذين يبيعون الطعام مجازفة والمجازفة بيع الشيء بغير كيل ولا وزن ولا عدد يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يذهبوا به إلى رحالهم قال ابن عبد البر في الإستيعاب استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة
ترجمه في الإصابة وذكر أن ابن شاهين ذكر عن بعض شيوخه أن إسلامه كان قبل الفتح بيسير فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوق مكة وفي الإستيعاب سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وعمرت وكانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتنهى الناس عن ذلك بسوط معها وفي التيسير في أحكام التسعير للقاضي أبي العباس أحمد بن سعيد من شرط المحتسب أن يكون ذكرا إذ الداعي للذكورة أسباب لا تحصى وأمور لا تستقصى ولا يرد ما ذكر ابن هارون أن عمر ولي الحسبة في سوق من الأسواق امرأة تسمى
____________________
(1/285)
أم الشفاء وهي أم سليمان بن أبي ختمة الأنصارية لأن الحكم للغالب والنادر لا حكم له وتلك القضية من الندور بمكان ولعله في أمر خاص يتعلق بأمور النسوة هـ
قلت
عبارة ابن عبد البر وكانت تمر في الأسواق وتنهى عن المنكر وتنهى الناس صريحة في خلاف تأويله نعم عبارته كالصريحة في أنها لم تول ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما في جمهرة ابن حزم كان عمر استعملها على السوق
وفي أحكام القرآن لإبن العربي على قوله تعالى ! ( إني وجدت امرأة تملكهم ) ! وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح فلا تلتفتوا إليه وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث هـمنها
ومما سبق عن ابن عبد البر من الجزم بما ذكر في ترجمة سمراء
وعن القاضي ابن سعيد من توجيه أن ولايتها كانت في أمر خاص يتعلق بأمر النساء ما ينحل به إيراد ابن العربي وإلا فهو وجيه لأن المرأة كما قال هو أيضا في الأحكام لا يتأتى لها أن تبرز إلى المجالس وتخالط الرجال وتفاوضهم مفاوضة النظير للنظير لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ولم يعلم قط من تصور هذا ولا أعتقده هـمنها
وفي التيسير لإبن سعيد أيضا اعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية فلعموم مصلحتها وعظيم منفعتها تولى أمرها الخلفاء الراشدون لم يكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد وتجهيز الجيوش للمكافحة والجلاد هـمنه
وفي السيرة الحلبية في ذكر من ولي السوق في زمنه صلى الله عليه وسلم أن هذه الولاية تعرف بالحسبة وموليها بالمحتسب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/286)
استعمل سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة واستعمل عمر على سوق المدينة هـ
وبذلك تعلم ما في قول القلقشندي في صبح الأعشى أول من قام بهذا الأمر يعني الحسبة وصنع الدرة عمر بن الخطاب في خلافته هـ
فإن كان مراده الأولية في كل منهما مع التقييد بمدة خلافة عمر فلا إشكال أنه تقصير لأن عمر كان يحمل الدرة في العهد النبوي كما أن تكليفه بالسوق كان في زمنه صلى الله عليه وسلم كما كلف غيره بذلك إذ ذاك
وفي كشف الظنون علم الإحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث أجراؤها على القانون المعدل بحيث يتم التراضي بين المتعاملين وعن سياسة العباد بنهي المنكر وأمر بالمعروف بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد بحيث ما رآه الخليفة من الزجر والمنع ومباديه بعضها فقهي وبعضها أمور استحسانية ناشئة من رأي الخليفة والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم وهذا أدق العلوم ولا يدركه إلا من له فهم ثاقب وحدس صائب إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وثيرة واحدة بل لا بد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة وذلك من أصعب الأمور فلذلك لا يليق بمنصبها إلا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى كعمر بن الخطاب كان عالما في هذا الشأن كذا في موضوع لطف الله هـوفيه عدة تآليف ذكرت في حروفها من كشف الظنون فانظره
مهمة
يعوز كثير من العلماء تحرير القول في الدرة التي كان سيدنا عمر يحملها ويضرب
____________________
(1/287)
المستحق بها في مدة حسبته وخلافته
ولم أر من حرر القول فيها كشيخنا الأستاذ الوالد في كتابه المسمى التوفيق من الرب القريب في عدد شيب وخضاب النبي الحبيب وهذا ملخص ما له فيها ما اشتهر من أن سيدنا عمر كانت له درة صحيح وقع ذلك في كتاب العتق وكتاب الديات من صحيح البخاري وفي الأخير واقاد عمر من ضربه بالدرة ولم يبين حقيقة هذه الدرة عياض في المشارق وابن الأثير في النهاية ولا شروح البخاري كالحافظ والزركشي والسيوطي وغيرهم واقتصر في القاموس والصحاح والمصباح ولسان العرب والمخصص لإبن سيدة على ما لا يفيد وعبارة الصحاح الدرة التي يضرب بها هـ
وفي القاموس قوله ممزوجا بشرحه درة السلطان التي يضرب بها
وقال الخفاجي في شرح الشفا الدرة بكسر الدال وتشديد الراء المهملتين وهي سوط عريض يضرب به هـ
وقال أبو عبد الله جسوس على تصوف ابن عاشر ذكر بعض شراح الرسالة أن عمر كان إذا جن عليه الليل حاسب نفسه وربما ضرب نفسه بالدرة قال ولعلها عود في رأسه سوط هـ
وكلام الفقهاء في باب الشرب صريح في المغايرة بينها وبين السوط ففي المواق لدى قول خليل والحدود بسوط من المدونة ولا يجزي الضرب في الحدود بقضيب وشراك ولا درة ولكن السوط وإنما كانت درة عمر للأدب هـونحوه للحطاب وغيره
وأغرب صاحب الفتح الرباني في عنق المعترض على القطب الجيلاني حيث قال كان عمر كثيرا ما يؤدب الناس بالسوط المشهور بالدرة وهو بكسر الدال جلد مركب بعضه على بعض هـ
ومثله في الغرابة ما وجدته بخط الشيخ مصطفى بن محمد البناني
____________________
(1/288)
المصري على هامش تأليفه روضة الطالبين لأسماء الصحابة البدريين ونصه الدرة بكسر الدال وتشديد الراء كانت من نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل إنه ما ضرب بها أحد على ذنب وعاد له فاعله هـ
وقال الدسوقي في حواشيه على شرح الدردير على المختصر الدرة سوط رفيع مجدول أي معتدل من الجلد هـونحوه للصاوي في حواشيه على أقرب المسالك وفيه أيضا أنها كانت من جلد مركب بعضه فوق بعض هـ
وهو بعيد عندي لأنها تدخل إذ ذاك فيما في صحيح مسلم ومسند أحمد عن أبي هريرة رفعه صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس
وفي حديث آخر لمسلم إن طالت بك مدة يوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنة الله في أيديهم مثل أذناب البقر قال المناوي قوله كأذناب البقر تسمى في ديار العرب بالمقاريع جمع مقرعة وهو جلدة طرفها مشدود وعرضها كالإصبع يضربون بها الناس هـونحوه في روح البيان
أقول
إتخاذ عمر لها للأذن له في حملها والضرب على حسب ما حد له فلم يكن يصل في الضرب بها إلى حد ما أنذر به الشارع وكما كانت الدرة لعمر كانت لعثمان أيضا إلا أنها اشد من الدرة العمرية كما في أوائل السيوطي وغيره
وفي سراج الملوك للطرطوشي قال الحسن رأيت عثمان بن عفان وقد جمع الحصباء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه وقد وضع أحد جانبي ردائه عليه وهو يومئذ أمير المؤمنين ما عنده أحد من الناس ودرته بين يديه هـ
وكان لسيدنا علي أيضا درة فقد أخرج عبد بن حميد في مسنده عن مطرف قال خرجت من المسجد
____________________
(1/289)
فإذا رجل ينادي من خلفي ارفع إزارك فإنه انقى لثوبك وأبقى له فمشيت خلفه وهو بين يدي مؤتزر بإزار مرتد برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت من هذا فقال لي رجل هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حتى انتهى إلى الإبل فقال بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ثم أتى إلى أصحاب التمر فإذا خادم يبكي فقال ما يبكيك قال باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده علي مولاي فقال له علي خذ تمرك وأعطه درهمه فإنه ليس له من الأمر شيء فدفعه الحديث بطوله فعلى هذا كانت الدرة للخلفاء الثلاثة وقد رأيت من يطلق عليها درة السلطان يضرب بها انظر ما سبق عن القاموس وشروحه
ثم وجدت في ابن سلطان على مسند أبي حنيفة وصف السوط الذي ضرب به عمر في الحد أنه أتى بسوط فيه شدة فقال أريد الين من هذا فأتي بسوط فيه لين فقال أريد أشد من هذا فأتي بسوط بين سوطين وفي رواية فدعا بسوط ثم أمر به فدقت تمرته بين حجرين حتى صارت درة ثم نقل القاري المذكور عن القاموس تعريف الدرة بما سبق عنه وقال عقبه لا يخفى أنه تعريف قاصر هـوهو كذلك & باب في المنادي وهو الذي يقال لصوته البريح &
في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي إن الصلاة جامعة وفي الصحيح أيضا عن أنس كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة وكان خمرهم يومئذ البطيخ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال
____________________
(1/290)
فجرت في سكك المدينة وفي الصحيح أيضا عن زاهر الأسلمي قال إني لا وقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر
وفي سنن أبي داوود عن معاذ الجهني قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فضيق الناس المنازل وقطعوا الطرق فبعث المصطفى مناديا ينادي في الناس إن من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له
وفي الإصابة روى ابن منده من طريق الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن رفاعة قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أطوف في الناس لا ينبذن أحد في المقير وإسناده ضعيف وترجم فيها أيضا لأوس بن الحدتان فذكر أن مسلما خرج من طريق أبي الزبير عن كعب بن مالك عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدتان يناديان أيام التشريق إن أيام مني أيام أكل وشرب قال ابن منده هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
وترجم فيها أيضا لبديل بن ورقاء الخزاعي فذكر أن أبا نعيم خرج عن الحارث بن عباس بن أبي ربيعة أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل أورق بمنى يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم أن تصوموا هذه الايام فإنها أيام أكي وشرب ورواه البغوي أيضا وفي رواية لإبن السكن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا فذكر نحوه
وترجم فيها أيضا لربيعة بن أمية بن خلف القرشي في القسم الرابع فذكر عن أبن شاهين عن ربيعة المذكور قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقف تحت صدر راحلته وهو
____________________
(1/291)
واقف بالموقف بعرفة وكان رجلا حييا فقال يا ربيعة قل يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكم تدرون أي بلد هذا الحديث ولغيره أن المصطفى أمر أمية وهو الصواب
قلت
وقد وقع هكذا في الكلام على حجة الوداع من الفوائد قائلا بعد ذكر الخطبة وكان الذي يصرخ في الناس بقوله صلى الله عليه وسلم وهو على عرفة حينئذ ربيعة بن أمية بن خلف لاكن قال بعد ذلك وذكر أن الذي كان يصرخ بخطبته صلى الله عليه وسلم ربيعة بن أمية بن خلف لم أقف على ترجمته في كتاب الصحابة لأبي عمر هـ
وترجم فيها أيضا لسجيح فذكر عن ابن شاهين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي ومعاذ بن جبل وبديل بن ورقاء وسجيح أن نادوا في الناس فانهوهم أن يصوموا أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب & باب في صاحب العسس بالمدينة &
وكان يسمى في المغرب قديما بالحاكم وفي الأندلس بصاحب المدينة وفي تونس والقيروان بالعريف
واليوم بمقدمي الحارات وفي خطط المقريزي السلف كانوا يسمونها الشرطة وبعضهم يقول صاحب العسس والعسس الطواف بالليل لتتبع أهل الريب يقول عس يعس عسا وعسسا هـ ذكر من ولي ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت سمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة فقال لبت رجلا يحرسنا الليلة فبينما نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة السلاح فقال من هذا قال سعد بن أبي وقاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك قال سعد وقع في نفسي خوف على
____________________
(1/292)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال قال الترمذي حسن صحيح وكان المولى ذلك في زمن أبي بكر عمر بن الخطاب وابن مسعود وفي زمن عمر كان يتولى العسس بنفسه ويستصحب معه أسلم مولاه وربما استصحب معه عبد الرحمان بن عوف وقد ذكر الخزاعي هنا أنه لم يجد نصا في متولي حراسة أبواب المدينة زمن الهرج في زمنه صلى الله عليه وسلم قال لاكنها نستخرج من حديث حراسة سعد ثم نقل عن كشف مشكل الصحيحين لإبن الجوزي في قصة ادعاء طليحة بن خويلد للنبوة وتواثب الناس فأمر أبو بكر عليا بالقيام على نقب من أنقاب المدينة وأمر الزبير بالقيام على نقب آخر وأمر طلحة بالقيام على نقب آخر وأمر عبد الله بن مسعود بعس ما وراء ذلك بالليل ثم ترجم الخزاعي في الباب الخامس عشر في الرجل يكون ريئة القوم طليعة فوق شرف في زمن الهرج وقال هذا العمل كالعمل قبله في عدم النص في كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لاكنه استخرج من حديث سعد الذي تقدم ونقل أيضا أن أبا بكر أمر ابن مسعود في العسس بالليل والإرتباء بالنهار والإرتباء الإرتفاع
غاب عن الخزاعي رحمه الله ما جاء في الإصابة ففيها عن ذيل ابن فتحون أنه صلى الله عليه وسلم خلف بديل بن ورقاء في حرس المدينة هو وأوس بن ثابت وأوس بن عرابة ورافع بن خديج
وفي درر الفوائد المنظمة في أخبار الحج ومكة المعظمة للشمس محمد بن عبد القادر الأنصاري
____________________
(1/293)
الحنبلي لما تكلم على وظائف أمير المحمل الشريف وذكر منها اتخاذ العسس الذين يطوفون ليلا مع الحجيج يتعرفون الأخبار ويمنعون ما عسى يقع من الشجار قال وأول من عس ليلا عبد الله بن مسعود أمره على ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه هـ
وفي الخطط للمقريزي أول من عس ليلا عبد الله بن مسعود أمره أبو بكر الصديق بعس المدينة
خرج أبو داوود عن الأعمش عن زيد قال أتى عبد الله بن مسعود فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا نهينا عن التجسس لاكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به وكان عمر في خلافته يتولى العسس بنفسه ومعه مولاه أسلم وكان ربما استصحب معه عبد الرحمان بن عوف هـ
وفي طبقات ابن سعد أول من اشتد على أهل الريب والتهم وأحرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتا وغرب ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر وكان صاحب شراب وهو أول من عس في عمله بالمدينة وحمل الدرة وأدب بها ولقد قيل بعد لدرة عمر أهيب من سيفكم هـ& باب في السجن للرجال &
خرج أبو داوود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة وفي جامع الترمذي مثله وقال حديث حسن وفي الصحيح أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له تمامة بن أتال فربطوه بسارية من سواري المسجد الحديث وذكر ابن إسحاق خبر بني قريظة حين نزلوا على
____________________
(1/294)
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم بالمدينة في دار بنت الحرث امرأة من الأنصار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إرسالا
قال الماوردي في الأحكام السلطانية الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بيت أو مسجدا وكان يتولى نفس الخصم أو وكيله عليه وملازمته له ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا كما روى أبو داوود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي ألزمه ثم قال لي يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك وفي رواية ابن ماجه ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر النهار فقال ما فعل اسيرك يا أخا بني تميم وهذا كان هو الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق ولم يكن له محبس معد يحبس الخصوم وتنازع العلماء هل يتخذ الإمام حبسا على قولين فمن قال لا يتخذ حبسا احتج بأنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لخليفته بعده حبس ولاكن يعوضه بمكان من الأمكنة أو يقيم عليه حافظا وهو الذي يسمى الترسيم أو يأمر غريمه بملازمته ومن قال له أن يتخذ حبسا احتج بفعل عمر
وأما الحبس الذي هو الآن فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم غير متمكنين من الوضوء والصلاة وقد يرى بعضهم عورة بعض ويؤذيهم
____________________
(1/295)
الحر والصيف
وقال الإمام أبو عبد الله بن فرج مولى ابن الطلاع في كتاب الأقضية اختلف أهل العلم هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أحدا قط أم لا فذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له سجن ولا سجن أحدا قط وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن في المدينة في تهمة رواه عبد الرزاق والنساءي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وذكر أبو داوود عنه في مصنفه قال حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من قومي في تهمة بدم وبهز بن حكيم مجهول عند بعض أهل العلم وأدخله البخاري في كتاب الوضوء فدل على أنه معروف
وفي غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه
ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح أيوب بن سليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن رجلا أعتق شريكا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه وقال في الحديث حتى باع غنما كانت له وقال ابن شعبان في كتابه وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالسجن والضرب
واحتج بعض العلماء ممن يرى السجن بقول الله تعالى ! ( فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) ! وبقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي أمسك رجلا لآخر حتى قتله أقتلوا القاتل واصبروا الصابر قال أبو عبيد قوله واصبروا الصابر يعني أحبسوا الذي حبسه الموت حتى يموت هـ
وفي بدائع السلك للقاضي ابن الأزرق نقلا عن ابن فرحون عن ابن قيم الجوزية إن الحبس الشرعي ليس هو
____________________
(1/296)
السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف كان في بيت أو مسجد أو ملازمة الغريم له ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا
وفي سنن أبي داوود عن الهرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي الزمه ثم قال لي يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك قال وكان هذا هو السجن في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر رضي الله عنه هـ
وفي إتحاف الرواة بمسلسل القضاة للإمام أحمد بن الشلبي الحنفي لدى ذكره أوليات علي وأول من بنى السجن في الإسلام وكانت الخلفاء قبله يحبسون في الآبار هـ
وفي شفاء الغليل للخفاجي السجن لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان سجن وكان يحبس في المسجد أو في الدهاليز حيث أمكن فلما كان زمن علي أحدث السجن وكان أول من أحدثه في الإسلام وسماه نافعا ولم يكن حصينا فانفلت الناس منه فبنى آخر وسماه مخيسا بالخاء المعجمة والياء المشددة فتحا وكسرا وإنما ذكرته هنا لأن هذه الأسماء حدثت بعد العصر الأول هـ
قلت
فالمحصل من كلامهم أن السجن بمعنى حبس الغريم غريمه مثلا كان موجودا وأما إتخاذ محل معين بني لذلك خصيصا فلم يكن إلا في زمن عمر
تنبيه
ذكر الخزاعي هنا سجن عمر للحطيئة عن بهجة المجالس لأبي عمر بن عبد البر أن عليا بنى سجنا بالكوفة ولم يستوعب ما يجب أن يذكر في الباب فقد أخرج قصة سجن عمر للحطيئة الزبير بن بكار في الموقفيات وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني انظر الإمتاع للأدفوي ووقع في شرح الشواهد الكبرى للبدر محمود العيني أن الزبرقان كان استعدى
____________________
(1/297)
عليه عمر الخطاب ورغم أنه هجاه فلما أنشد عمر رضي الله عنه
( واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ** قال ما أراه قال لك باسا )
قال الزبرقان سل ابن الفريعة يعني حسان بن ثابت الأنصاري فإن لم يكن هجاني فلا سبيل عليه فأرسل إلى حسان فسأله هل هجاه بقوله واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قال قد هجاه فحبسه فقال الحطيئة وهو محبوس
( ماذا تقول لا فراخ بذي مرخ ** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر )
( القيت كاسبهم في قعر مظلمة ** فاغفر عليك سلام الله ياعمر )
( أنت الأمير الذي من بعد صاحبه ** ألقى إليك مقاليد النهى البشر )
( لم يوثروك بها إذ قدموك لها ** لاكن لأنفسهم كانت بها الخير )
قال العيني وكانت السجون آبارا فأول من بنى السجن علي بن أبي طالب ثم قال على قوله في قعر مظلمة أي بير مظلمة وقد قلنا إن السجون كانت آبارا هـمنه
قلت
ولعل عمر كان يحبس في الآبار قبل شراء الدار التي أعدها للسجن فقد أخرج البيهقي من حديث نافع بن عبد الحارث أنه اشترى من صفوان بن أمية دار السجن عمر بن الخطاب بأربعة آلاف وعلقه البخاري انظر تلخيص الحبير للحافظ بن حجر ونحوه في ترجمة نافع بن الحارث الخزاعي من تهذيب النووي نقلا عن المهذب ونحوه للمقريزي في الخطط
وفي بدائع السلك عن ابن فرحون عن ابن القيم بعد ما سبق عنه أنه لما اشتدت الرعية في زمن عمر ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا وفيه دليل على جواز إتخاذه هـملخصا
وقد كان السلطان أبو الأملاك المولى إسماعيل بن الشريف
____________________
(1/298)
العلوي دفين مكناس سأل علماء فاس القاضي بردلة والمناوي وابن رحال وغيرهم من أول من أحدث السجن وكيف كان الناس يسجنون في الآبار وكيف الجمع بين ما ذكره السيوطي من أن أول من أحدث السجن علي وبين ما ذكره ابن فرحون من أنه عمر لما اتسعت مملكته فأجاب الشيخ المناوي بأن التعارض يدفع ما بين ابن فرحون والسيوطي بحمل كلام السيوطي على أن عليا أول من أحدث له مكانا مخصوصا وأتخذه بقصده في إبتداء وما كان من عمر فإنه كان في تأني حال وعارضا للدار المتخذة بالقصد الأول لغيره من السكنى ونحوها وأما استشكال السجن في الآبار فإن المراد بها السراديب والمطامير المتخذة تحت الأرض وقد تكون من الإتساع بحيث تحمل المئين من الناس لا سيما مصانع ملوك الأمم السالفة فإنها كانت على قدر قواهم التي لا نسبة بينها وبين من جاء بعدهم وتسمية ذلك بالآبار للشبه الصوري بالكون تحت الأرض مع ضيق أبوابها ومداخلها وقد تكون مع هذا متعددة ومتكثرة على قدر الحاجة الخ انظر نوازل الشيخ المناوي
تنبيه
قال القاضي ابن سعيد في التيسير في أحكام التسعير من عرض من الكتاب والشعراء بسب أحد أو هجوه سجن وأدب وقد فعل ذلك عمر بالحطيئة سجنه حين عرض بالزبرقان بن بدر التميمي بقوله اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي هـ سجن النساء
في كتب السيرة من خبر إسلام عدي بن حاتم وفراره إلى الشام حين سمع بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وطئي بلادهم فخرج يتبعه خيل
____________________
(1/299)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابت بنت حاتم ممن أصابه فقدم بها في سبايا طيء وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هرب إلى الشام فجعلت بنت حاتم في حصيرة بباب المسجد وكانت النساء تحتبس فيها هل كانوا يجرون على المساجين أرزاقا د
قال الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج لم تزل الخلفاء تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وأدامهم وكسوتهم الشتاء والصيف وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب بالعراق ثم فعله معاوية بالشام ثم فعله الخلفاء بعده هـ
وأنظر ترجمة عمر بن عبد العزيز من طبقات ابن سعد وفي خطط المقريزي قيل أول من وضع السجن والحرس معاوية هـ& باب في التأديب بالضرب &
في كتاب الأقضية لإبن الطلاع عن كتاب لابن شعبان عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة وأمره أن يعتق رقبة وقال ابن شعبان في كتابه وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالسجن والضرب هـ
وفي نور النبراس على قصة الأفك اختلف في جلدهم على قولين والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم جلدهم وقد جزم البخاري في آخر تاريخه بذلك في باب قول الله تعالى ! ( وأمرهم شورى بينهم ) ! وقد روى أصحاب السنن الأربعة من حديث عمرة عن عائشة أنها لما نزل فيها أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق
____________________
(1/300)
وقد جزم ابن عبد البر في الإستيعاب في ترجمة مسطح بأنه جلد الحد
وفي ترجمة حسنة بأنها جلدت مع من جلد عند من صحح جلدهم
وفي الطبراني عن عائشة عن عبد الله بن أبي جلد مائة وستين قال عبد الله بن عمر وهكذا يفعل في كل من قذف زوجة نبي هـ التأديب بالنفي
نفى صلى الله عليه وسلم الحكم بن أبي العاص إلى الطائف لكونه حاكاه في مشيته وفي بعض حركاته فسبه وطرده وقال له كذلك فلتكن فكان الحكم متخلجا يرتعش وقد عير عبد الرحمان بن ثابت مروان بن الحكم بذلك فقال يهجوه
( إن اللعين أبوه فارم عظامه ** إن ترم ترمي مخلجا مجنونا )
( يمشي خميص البطن من عمل التقى ** ويظل من عمل الخبيث بطينا )
قال ابن إبراهيم الوزير في الروض الباسم ولم يخبر صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أنه يحرم عليهم مجاورة الحكم ويجب عليهم نفيه وهم مسلمون ممتثلون لأوامره هـ
وفي زمان سيدنا عثمان رده إلى المدينة قيل بنص عنده في ذلك وقيل لأجل القرابة فقط وبلوغ العقوبة حدها الأدب بالهجران
في الصحيح أن في غزوة تبوك تخلف عنه صلى الله عليه وسلم عن غير شك في الدين ولا إرتياب كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية لا يتهمون في إسلامهم ثم لحقوا به صلى الله عليه وسلم يعتذرون ويحلفون فصفح عنهم ولم يعذرهم وقال للصحابة لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة يعني كعبا وصاحبيه فبقوا خمسين ليلة على ما هو
____________________
(1/301)
مبسوط في السيرة والصحيحين من حديث كعب بطوله حتى تاب الله عليهم وقد قاسوا من هجر المصطفى وأصحابه لهم ما أخبر عنه القرآن بقوله ! ( ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ) ! قوله تعالى بما رحبت أي مع رحبها أي سعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه قلقا وجزعا تمثيل لحيرتهم في أمرهم وضاقت عليهم أنفسهم قلوبهم للغم والوحشة بتأخير توبتهم فلا يسعها سرور ولا أنس وفي حديث كعب حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي بالتي أعرف وفي رواية وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى قد يجده في نفسه
وعند ابن عائد حتى وجلوا أشد الوجل وصاروا مثل الرهبان
وللبيهقي في الدلائل قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما رجع صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد وكان صلى الله عليه وسلم ممره إذا رجع في المسجد عليهم فقال من هؤلاء قال هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم قال أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو فأنزل الله ! ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) ! فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأطلقهم وعذرهم إلا أبا لبابة لم يرض أن يطلقه إلا النبي صلى الله عليه وسلم بيده ففعل ولما نزلت توبتهم نادى البشير كعب فخر ساجدا لله وقام إليه طلحة بن عبد الله فحياه وماشاه ولم يقم إليه أحد ممن كان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره فقال له صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/302)
أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال النووي أي سوى يوم إسلامك وإنما لم ينبه لأنه معلوم لا بد منه
وفي ترجمة حمزة بن عمر الأسلمي من طبقات ابن سعد أن حمزة بن عمر هو الذي بشر كعب بن مالك بتوبته وما نزل فيه من القرآن فنزع كعب ثوبين كانا عليه فكساهما إياه قال كعب والله ما كان لي غيرهما قال فاستعرت ثوبين من أبي قتادة
قلت
يوخذ من هذه القصة الخلع على المبشر والمنشد إذا أثر بإنشاده قال القاضي ابن باديس كنت بمكة في موسم سنة 755 وكان هناك قاضي قضاة الديار المصرية عز الدين بن عبد العزيز بن القاضي بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جماعة وشيخ القدس الشريف الحافظ صلاح الدين العلاءي وجماعة من الفضلاء فوقعت مسألة لبعض الشيوخ الساكنين بالحرم من المتصوفة نقل عنه قصيد يقول فيه
( فياليلة فيها السعادة والمنى ** لقد صغرت في جنبها ليلة القدر )
فعقدوا عليه بذلك الشهادة وأفتى بعض أهل الثغر ممن كان هناك بالتشديد عليه حتى تجاوز بعضهم إلى ما هو أشد فأراد قاضي القضاة الإيقاع بالقائل قال لي الشيخ صلاح الدين فلم أزل أخفض منه وألتمس وجوه السلامة وأقول للقاضي لا أحب منك التعرض للمتصوفة ولا المبادرة فيما لم يتحقق الأمر فيه واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم أبشر بخير يوم مر عليك ومعلوم أنه مرت عليه ليلة القدر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها خير ليلة مرت عليه لأن الله تاب عليه فيها فهذه إنما هي بالنسبة لكل شخص وهو مراد القائل هـ
قلت
إنما استطردت هذه الفائدة هنا ليعلم مقدار
____________________
(1/303)
تسامح المحدثين والحفاظ في القديم مع الصوفية ونزوعهم إلى تدعيم شطحاتهم ومبالغتهم من السنة قال ابن باديس نهي النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلام كعب وصاحبيه دليل وجوب هجران من ظهرت معصيته أو بدعته ومقاطعتهم وعدم السلام عليهم إلى أن يقلعوا وتظهر توبتهم تحقيرا لهم وزجرا قال الطبراني حديث كعب أصل في هجران أهل المعاصي والفسوق والبدع ألا ترى نهيه عن كلامهم لتخلفهم ولم يكن ذلك كفرا ولا إرتدادا وإنما كان معصية أرتكبوها فهجروا حتى تاب الله عليهم ثم أمر بمراجعتهم فكذا كل من أذنب ذنبا خالف به أمر الله ورسوله مما لا تأويل له وركب معصية علم منه أنها معصية أن يهجر غضبا لله ورسوله ولا يكلم حتى يتوب توبة ظاهرة معلومة
ولا يلزم هذا في المشركين فإن الإجماع منعقد على جواز مبايعتهم ومعاملتهم ولا يهجرون وذلك وقع من الرسول في هؤلاء وإن كانوا مقرين بالتوحيد والرسالة مع إرتكابهم معصية هـ
وفي تشنيف المسامع على حديث لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث قال ابن زرقون في شرح الموطأ هذا مخصوص بحديث كعب بن مالك وهو أصل في هجر أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لا يرضى ومن خشي من مجالسته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرته والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك وربما صرم جميل خير من مخالطة مؤذية
وانظر الأحياء في كتاب العزلة فقد ذكر حديث لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث قال إلا أن يكون ممن لا تؤمن بوائقه وعليه ينزل قول الحسن هجران الأحمق قربة إلى الله
____________________
(1/304)
تعالى فإن ذلك يدوم إلى الموت إذ الحماقة لا ينتظر علاجها وقال ابن فرحون في التبصرة قد عزر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجر وذلك في حق الثلاث الذين خلفوا وأمر عمر بن الخطاب بهجر صبيغ الذي كان يسأل عن مشكلات القرآن فكان لا يكلمه أحد هـ
ولما ذكر أبو داوود حديث تعرض الأعمال في كل إثنين وخميس فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرئي لا يشرك بالله شيئا إلا أمرء كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا قال وإذا كانت الهجرة لله فليس شيء من هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين صباحا وهجر ابن عمر إبنا له حتى مات هـ
وقال النووي وردت الأحاديث بهجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة هـ
وقال الزرقاني على الموطأ وأصله للسيوطي وما زالت الصحابة والتابعون ومن بعدهم يهجرون من خالف السنة أو من دخل عليهم من كلامه مفسدة هـ
وفي الحطاب عن التادلي أنه قال ويجب أن لا يواصل من لم ترج مودته وإئتلافه وإن طلبك في المواصلة لأن فائدة المواصلة إنما هو تطيب القلوب وأما من يظهر الود ويكتم البغض فيجب هجرانه هـ
وفي الغاز ابن فرحون عن أبي بكر الوراق في جامع مختصره الكبير أن الرجل إذا علم من إنسان أنه يستثقل سلامه فإنه يجوز له ترك السلام عليه ولا يدخل ذلك في الهجرة المنهي عنها هـ
انظر كتاب الجامع من درة الغواص
قلت
عندي في مجموعة رسالة للحافظ السيوطي سماها الزجر في الهجر نحو كراسة ملاها نقلا وإسنادا فيما يرجع للتهاجر في الله وفي هجر أهل البدع في الأعمال أو الأقوال أو الإعتقاد من الصحابة
____________________
(1/305)
والتابعين فمن بعدهم صدرها بقصة كعب وأصحابه وقال فيها جمع بعضهم أسماء من كان يزجر بالهجر من الصحابة فذكر منهم عائشة وحفصة وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف وغيرهم انظرها وقف على صدر جواهر العقدين في فضل الشرفين للسيد السمهودي تر عجبا لاكن قال الشيخ جسوس لدى كلامه على هجران المبتدع إذا كان لا يصل إلى عقوبته ولا يقدر على موعظته لاكنه يخاف منه إذا هجره وترك مخالطته كان له مخالطته & باب في معاملته صلى الله عليه وسلم للمستحق بالتعبيس ونحوه &
في الموطأ وغيرها عن هشام بن عروة عن أبيه موقوفا ووصله الترمذي من طريق سعد بن يحيى الأموي عن أبيه عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت عبس وتولى في عبد الله بن أم كلثوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا محمد استدنيني وعنده رجل من عظماء المشركين في مسند أبي يعلى أنه أبي بن خلف وفي تفسير ابن جرير أنه كان يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول لا والدماء لا أرى بما تقول بأسا فأنزلت ! ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) ! قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره في سورة عبس الظاهر أنه كان صلى الله عليه وسلم مأذونا له أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة وكيف لا يكون ذلك وهو إنما بعث ليؤدبهم ويعلمهم محاسن الآداب وإذا كان ذلك كذلك كان التعبيس داخلا في تأديب أصحابه فكيف وقعت المعاتبة أي في قوله تعالى ! ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) ! قال
____________________
(1/306)
والجواب أنه صلى الله عليه وسلم كان مأذونا له في تأديب أصحابه لاكن ها هنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وكان ذلك يوهم ترجيح الدنيا على الدين فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة هـلطيفة
قال الصلاح الصفدي أثره في نكث الهميان ليس في هذا ما فيه إيهام تقديم الدنيا على الدين لأن هؤلاء الكفار لو أسلموا أسلم بإسلامهم جمع عظيم من أشياعهم وأزواجهم ومن يقول بقولهم ولهذا المعنى رغب صلى الله عليه وسلم في اسلامهم وطمع فيه وذلك غاية الدين هـ
وقد أخرج أبو يعلى عن أنس فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرم ابن أم مكتوم بعد نزول هذه الآية زاد غيره كما في نكث الهميان للصلاح الصفدي ويقول صلى الله عليه وسلم إذا رآه مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول هل لك من حاجة واستخلفه على المدينة مرتين
قلت
بل في شرح منظومة الآداب للسفاريني نقلا عن الخطابي في باب الضرير يولي في كتاب الإمارة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم لإبن أم مكتوم كلما أقبل ويقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي قال وذكره جماعة من غير الخطابي بغير لفظ القيام
نكتة
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئا كتم هذا عن نفسه
نكتة أخرى
في كتاب السماع من الأحياء لدى الكلام على قوله تعالى ! ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) ! لو قرئي القرآن ليضل به عن سبيل الله كان حراما كما حكي عن بعض المنافقين أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمر بقتله
____________________
(1/307)
ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال هـمنها
وفي المجاجي على مختصر ابن أبي جمرة نقلا عن أبن فرحون لا يجوز للإمام أن يداوم على قراءة سورة معينة ويقصد بذلك إضلال الناس كقراءة سورة عبس وآية الجهاد ونحوها هـمنه
نكتة
وقد كان الشيخ الوالد رحمه الله عاتب مرة بعض مواريده في وجهه فعرض له بأن المصطفى كان لا يواجه أحدا بما يكره في وجهه ولاكن كان يقول ما بال أقوام فأجبته بقول المصطفى لأبي ذر كما في الصحيح فيك خصلة من خصال الجاهلية وتعبيسه صلى الله عليه وسلم في وجه ابن أم مكتوم هذا وجماع القول في الباب أنه صلى الله عليه وسلم كان يختلف حاله بإختلاف الناس بين راسخ الود ثابت الإعتقاد وبين غيره من المذبذبين فكان يخاطب كل واحد على حسب منزلته وإيمانه والله أعلم & باب في قتله صلى الله عليه وسلم بيده &
قتل صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة أبي بن خلف في عزوة أحد وذلك أنه صلى الله عليه وسلم تناول الحربة من يد الحرث بن الصمة فأخذها صلى الله عليه وسلم وانتفض بها إنتفاضة تطاير منها من حضر تطاير الشعرا ذباب صغير له لدغ عن ظهر البعير إذا انتفض ثم استقبله صلى الله عليه وسلم فطعنه طعنة في عنقه وقع بها عن فرسه فكسر ضلعا من أضلاعه فمات بسرف وذكر الحافظ البابلي في سيرته أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل بيده إلا هذا وأصله لإبن تيمية كما نقله الزرقاني على المواهب في مواضع وفي مفاتيح
____________________
(1/308)
العلوم للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الكاتب الخوارزمي لما تكلم على الحربة التي أهدى النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال وكانت تقدم بين يديه إذا خرج إلى المصلى يوم العيد قال وهي الحربة التي قتل بها النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف بيده يوم أحد وتسمى العنزة أيضا فأفاد أن الحربة الحبشية هي التي قتل بها صلى الله عليه وسلم & باب في تعذيبه صلى الله عليه وسلم بالإحراق والهدم ومن بعثه لذلك &
روى ابن هشام عن عبد الله بن حاتم عن أبيه قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن تبوك فابعث صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبد الله في نفر وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ففعل واقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا وفي غزوة تبوك جاءه صلى الله عليه وسلم خبر مسجد الضرار من السماء فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي العجلاني فقال انطلق إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدمه وأحرقه فخرجا فحرقاه وهدماه وفي رواية فدعا مالكا ومعنا أخاه زاد البغوي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة وزاد في التجريد سويد بن عباس الأنصاري فقال انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه قال الزرقاني في شرح المواهب فيحتمل أنه أرسلهما أولا وخاطبهما بلفظ التثنية وعززهما بالأربعة وخاطبهم بالجمع فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر فخرجا قال ابن إسحاق أتيا بني سالم بن عوف رهط مالك بن الدخشم فقال مالك لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل
____________________
(1/309)
إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وفي رواية فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم فأخذ مالك سعفا وأشعله ثم خرجوا يشتدون حتى أتوه بين المغرب والعشاء وفيه أهله فحرقوه وهدموه حتى وضعوه في الأرض وتفرق عنه أصحابه وراجع ما سيأتي في القسم التاسع لدى الكلام على البناء وصناعته
وفي الصحيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخل بني النضير وقال الإمام أبو عبد الله بن غازي في تكميل التقييد على قول المدونة وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وأحرق قراهم روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وهي البويرة اسم موضع وفيها يقول حسان
( وهان على سراة بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير )
وليس في الأمهات شعر إلا هذا البيت ولهذا قال الشيخ أبو الفضل ابن النحوي
( أصبحت فيمن له دين بلا أدب ** ومن له أدب عار عن الدين )
( أصبحت فيهم غريب الشكل منفردا ** كبيت حسان في ديوان سحنون ) هـ& باب في معاملته صلى الله عليه وسلم &
المستحق بسمل الأعين والإلقاء في الحرة وقطع الأيدي والأرجل ونحو ذلك قصة العرنيين مشهورة خرجها البخاري في مواضع ولنسقها من باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها عن أنس قال قدم أناس من عكل أو عرينه فاجتووا المدينة أي استوخموها فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي
____________________
(1/310)
صلى الله عليه وسلم وساقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فقمنا في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وألقوا في الحرة أرض ذات حجارة سود يستسقون فلا يسقون زاد فيه الأوزاعي حتى ماتوا وعند ابن أبي عوانة من رواية عقيل عن أنس فيه فصلب إثنين وقطع إثنين وسمل إثنين فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة وقال جماعة منهم ابن الجوزي إن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص وفي الصحيح قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله وخرج مسلم عن أنس قال إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء وإلى هذه الرواية أشار البخاري في كتاب الجهاد بتبويبه باب إذا أحرق المشرك المسلم هل يحرق وقيل السبب في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقى ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفا من الجوع والوخم لأن المصطفى دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النساءي فيحتمل أن يكون في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري وروى الطبراني والبارودي وابن عدي وغيرهم من طريق زيد بن الحريش عن عبيد الله بن عمر عن أيوب وعن نافع عن ابن عمر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه وكان غريبا في شدة البرد فقام رجل يقال له فاتك فضرب عليه خيمة وأوقد له نويرة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك فقال اللهم اغفر لفاتك
____________________
(1/311)
كما آوى عبدك هذا المصاب
تنبيه
في شرحي الشفا للخفاجي وابن عبد السلام بناني الفاسي سئل العتبي عن قوله تعالى ! ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) ! وقوله ! ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) ! أي مناسبة بين ذلك وبين الحديد وما هو إلا كما يجمع بين الضب والنون فأجاب بأن ملك الملوك سبحانه أرسل رسول لإجراء أوامره ونواهيه بين عباده وهما قسمان عقلاء ذوو بصيرة وإرشادهم بالكتب الإلاهية وما حوته من الأدلة القطعية وجهلة وتسخيرهم بالقهر والإرهاب بالسيف والسنان فصار المعنى أرسلناهم لضبط العامة والخاصة وأي مناسبة أتم من هذه هـ& باب في الرجل يجعل على الأسارى &
في الإصابة أسلم ابن بحرة الأنصاري فذكر أنه خرج الطبراني في الصغير من طريق الزبير بن بكار عن عبد الله بن عمر والفهري عن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم الأنصاري قال جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على أسارى بني قريظة الحديث
وترجم فيها أيضا لبديل بن ورقاء فذكر أن البخاري خرج في تاريخه عن ابن بديل بن ورقاء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه ففعل وقال إنه حديث حسن
وترجم فيها أيضا لمسلم بن أسلم بن بحرة الأنصاري الخزرجي فذكر أن ابن أبي عاصم خرج عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله على أسارى بني قريظة ينظر إلى فرج الغلام فإذا رآه أنبت ضرب عنقه
وقد أخرجه الطبراني عن أحمد بن المعلى عن هشام
وفي طبقات ابن سعد ان
____________________
(1/312)
المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بأسارى المريسع فكتفوا وجعلوا ناحية واستعمل بريدة بن الحصيب عليهم وفيها في ترجمة شقران مولى رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على جميع ما وجد في رحال أهل المريسع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء وجميع الذرية ناحية & باب في المقيمين للحدود ومن كان يتولى ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم &
قال ابن العربي في الأحكام الحدود على قسمين الأول إيجابها وذلك للقضاة وتناول إستيفائها وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لقوم منهم علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة & باب في الرجل يجعل لقطع الأشجار في الغزو &
في ترجمة عبد الغني بن كعب المزني من الإصابة أنه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا ليلى المزني وعبد الله بن سلام على قطع نخل بني النضير القسم الخامس
في ذكر العمليات الحربية وما يتشعب عنها وما يتصل بها وفيه أبواب & باب في الإمارة على الجهاد وفيه فصول & فصل في مخرج النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وكم غزوة غزاها
قال في الإستيعاب أكثر ما قيل في ذلك أن غزواته بنفسه كانت ستة وعشرين غزوة وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند
____________________
(1/313)
رسوله وعند المؤمنين غزوة بدر الكبرى حيث قتل صناديد قريش وظهر دينه من يومئذ
ها هنا نكتة لطيفة لشاعر مصر أحمد بك شوقي في سيرته
( قالوا غزوت ورسل الله ما بعثت ** لقتل نفس ولا جاءت لسفك دم )
( جهل وتضليل أحلام وسفسفة ** فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم )
( لما أتى لك عفوا كل ذي حسب ** تكفل السيف بالجهال والعمم )
( والشر إن تلقه بالخير ضقت به ** تكفل السيف بالجهال والعمم )
( علمتهم كل شيء يجهلون به ** حتى القتال وما فيه من الذمم ) فصل في بعثه صلى الله عليه وسلم الأمراء للغزو وفيه عدد بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه
قال أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب كانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه خمسا وثلاثين من بين بعث وسرية هـ
وقال غيره بلغت ستا وخمسين كما ذكر الحافظ الدمياطي وقيل ثمانيا وأربعين وقيل سبعا وأربعين وقيل ستا وثلاثين & باب في الرجل يستخلفه الإمام على حضرته إذا خرج عنها للغزو أو غيره &
كان يستخلف المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل غزواته وآخرها غزوة تبوك استخلف محمد بن مسلمة الأنصاري
وفي الإصابة نقلا عن ابن عبد البر وجماعة من أهل العلم بالنسب والسير أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة حتى في تبوك وخروجه
____________________
(1/314)
لحجة الوداع وفي خروجه إلى بدر ثم استخلف أبا لبابة لما رده من الطريق هـ
وفيها أيضا في ترجمة جعال بن سراقة الضمري نقلا عن إبن إسحاق لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في شعبان سنة ست استعمل على المدينة جعالا الضمري وفيها لما ترجم لسباع بن عرفطة الغفاري ذكر أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة لما ذهب لغزوة خيبر وفيها في ترجمة أبي رهم الغفاري استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح
وفي المواهب وشرحها واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة تبوك على ما قال ابن هشام محمد بن مسلمة الأنصاري قال الدمياطي تبعا للواقدي وهو عنده أثبت ممن قال استخلف عليا أو سالما أو ابن أم مكتوم ولاكن قال الحافظ زين الدين العراقي في ترجمة علي من شرح التقريب لم يتخلف علي عن المشاهد إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم خلفه على المدينة كما رواه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص ولفظه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى تبوك استخلف على المدينة علي بن أبي طالب
وفي الإستيعاب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة يستخلف عليا في أكثر غزواته وفي محاضرات الأبرار للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي نوابه صلى الله عليه وسلم الذين استعملهم على المدينة في وقت خروجه لغزوة أو عمرة أبو لبابة وبشير بن المنذر وعثمان بن عفان وعبد الله بن أم مكتوم وأبو ذر وعبد الله بن عبد الله بن أبي سلول وسباع بن عرفطة ونميلة بن عبد الله الليثي وعريف بن أضبط الديلمي وأبو رهم ومحمد بن مسلمة الأنصاري وزيد بن حارثة
____________________
(1/315)
والسائب بن عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد وسعد بن عبادة وأبو دجانة الساعدي ثم فصل ولاية كل واحد من هؤلاء & باب في الرجل يستخلفه الإمام على أهله إذا سافر &
خلف المصطفى في غزوة تبوك علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالقيامة فيهم
في المواهب نقلا عن شرح التقريب أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على المدينة وخلفه على عياله هـ
قال الزرقاني خلفه على عياله فقال يا علي اخلفني في أهلي واضرب وخذ وأعط ثم دعا نساءه فقال اسمعن لعلي وأطعن رواه الحاكم في الإكليل من مرسل عطاء بن أبي رباح
وأخرج ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقاص خلف صلى الله عليه وسلم عليا على أمر أهله وأمره بالإقامة فيهم هـ
وفي طبقات ابن سعد لدى ترجمة صفية بنت عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لقتال عدوه من المدينة رفع أزواجه ونساءه في أطم حسان بن ثابت لأنه كان من أحصن آطام المدينة وتخلف حسان يوم أحد فجاء يهودي فلصق بالأطم يستمع ويختبر فقالت صفية بنت عبد المطلب لحسان إنزل إلى هذا اليهودي فاقتله فكأنه هاب ذلك فأخذت عمودا فنزلت فختلته حتى فتحت الباب قليلا قليلا ثم حملت عليه فضربته بالعمود فقتلته & باب في الرجل يستخلفه الإمام في طريق بظن أن العدو يستعمل له فيها مكيدة &
ترجم في الإصابة لإوس بن خولى الأنصاري فذكر عن المدائني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في عمرة القضاء بذي طوى ليقطع كدا إن كاده به قريش وخلف بشر بن سعد بممر الظهران
____________________
(1/316)
& باب في المستنفر &
بعث النبي صلى الله عليه وسلم بسر بن سفيان الخزاعي مع بديل بن أم أصرم إلى خزاعة يستنفرهم إلى قتال أهل مكة عام الفتح ذكره في الإستيعاب وفيه أيضا أن بديل بن أم أصرم الخزاعي هو الذي بعثه صلى الله عليه وسلم إلى بني كعب يستنفرهم لغزو مكة هو وبسر بن سفيان الخزاعي ونحوه
نقله عنه في الإصابة وفي ترجمة أبي رهم الغفاري منها عن ابن سعد كان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يستنفر قومه إلى تبوك
وفي طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بريدة بن الحصيب حين أراد غزوة تبوك إلى أسلم يستنفرهم إلى عدوهم & باب في صاحب اللواء وفيه فصول & فصل في ذكر أول لواء رفع بين يديه صلى الله عليه وسلم
في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لإبن حيان الأصبهاني في ذكر قصة الهجرة ولحاق بريدة به وإسلامه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء قال فجعل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه ثم دخل المدينة
اللواء بكسر اللام والمد روى أبو يعلى عن أنس إن الله أكرم أمتي في الألوية وسنده ضعيف كما في فتح الباري وهو العلم الذي يحمل في الحرب ليعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه لمقدم العسكر وفي الفتح أيضا في كتاب الجهاد اللواء الراية ويسمى أيضا العلم وكان الأصل أن يمسكها
____________________
(1/317)
رءيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادف الراية واللواء فقالوا في كل منهما علم الجيش ويقال أصل الراية الهمزة وآثر العرب تركه تخفيفا ومنهم من ينكر هذا القول ويقول لم يسمع الهمز لاكن رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عند الطبراني عن بريدة ومثله عند ابن عدي عن أبي هريرة وهو ظاهر في التغاير بين اللواء والراية وبه جزم ابن العربي فقال اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوي عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح
وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار
والراية يتولاها صاحب الحرب فلعل التفرقة فيه عرفية فلا يخالف ما صرح به الجماعة من الترادف فصل في ذكر من حمل رايته ولواءه صلى الله عليه وسلم بين يديه ومن حملها ليقاتل بها
فمنهم أبو بكر وعمر وعلي والزبير بن العوام وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقيس بن سعد بن عبادة ومصعب بن عمير وذلك مفرق في غزواته صلى الله عليه وسلم انظر سيرة ابن هشام والروض وغيره فصل في جواز القبائل على راياتهم وإنفراد كل قبيلة برايتها
في الصحيح لما ساق قصة الفتح وقول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس أحبس أبا سفيان عند الوادي ليرى جيوش الله فجعلت القبائل تمر مع النبي
____________________
(1/318)
صلى الله عليه وسلم كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرت كتيبة فقال من هذه فقال هذه غفار ثم مرت جهينة ثم مرت سليم حتى مرت كتيبة لم ير مثلها فقال من هذه قال هذه الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية حتى جاءت كتيبة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير فصل في عقده صلى الله عليه وسلم الرايات لأمراء البعوث والسرايا وذكر أول راية عقدها صلى الله عليه وسلم في الإسلام ولمن عقدت
في السنة الثانية من الهجرة بعث صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحرث بن المطلب بن عبد مناف على سرية وعقد له راية قال ابن اسحاق فكانت فيما بلغنا أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين وبعث في تلك المدة أيضا حمزة بن عبد المطلب إلى جهة أخرى فقال بعض الناس أيضا إنها أول راية عقدت ويحتمل التوفيق بأن بعثهما متوافق متقارب
وروى السراج من طريق زر بن جيش قال أول راية عقدت في الإسلام لعبد الله بن جحش
أقول
وبذلك تعلم ما في قول السيوطي في أوائله أول ما عقد الرايات يوم خيبر وكانت قبل ذلك الألوية وعزا ذلك الحافظ في الفتح لإبن إسحاق وأبي الأسود عن عروة قال الزرقاني في شرح المواهب وهذا ظاهر في التغاير بينهما فصل في مقدار الراية
____________________
(1/319)
خرج إسحاق بن إبراهيم الرملي في الإفراد من أحاديث بادية الشام من طربق حرام بن عبد الرحمان الختعمي عن أبي زرعة الفزعي ثم التمالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد له راية رقعة بيضاء ذراعا في ذراع هذا لفظ ابن منده وفي رواية الدولابي راية بيضاء وقال اذهب يا أبا زرعة إلى قومك فناد فيهم من دخل تحت راية أبي زرعة فهو آمن ففعلت فصل في رسم الهلال فيها
ترجم في الإصابة لسعد بن مالك الأزدي فنقل عن ابن يونس وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له راية على قومه سوداء وفيها هلال أبيض وشهد فتح مصر وله بها عقب فيوخذ من هذا أصل رسم صورة الهلال في الراية الإسلامية وبذلك تعلم ما وقع لصاحب وفيات الأسلاف فإنه قال أن وضع رسم صورة الهلال على رءوس منارات المساجد بدعة وإنما يتداول ملوك الدولة العثمانية رسم الهلال علامة رسمية أخذا من القياصرة وأصله أن فيلبش المقدوي والد الإسكندر الأكبر لما هاجم بعسكره على بزنطية وهي القسطنطينة في بعض الليالي دافعه أهلها وغلبوا عليه وطردوه عن البلد وصادف ذلك وقت السحر فتفاءلوا به واتخذوا رسم الهلال في علمهم الرسمي تذكيرا للحادثة وورث ذلك منهم القياصرة ثم العثمانية لما غلبوا عليها ثم حدث ذلك في بلاد قازان هـ فصل في ألوان ألويته وراياته صلى الله عليه وسلم واسم رايته وما كتب على لوائه الأبيض
____________________
(1/320)
قال ابن إسحاق دفع النبي صلى الله عليه وسلم اللواء يوم غزوة بدر الكبرى إلى مصعب بن عمير وكان أبيض وفي سنن النساءي وأبي داوود عن جابر أنه كان لواؤه صلى الله عليه وسلم يوم دخول مكة أبيض الأصفر وفي سنن أبي داوود عن سماك بن حرب عن رجال من قومه عن واحد منهم قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وسلم صفراء الأغبر ذكر ابن جماعة في مختصر السير في باب سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان له لواء أغبر الأسود قال ابن إسحاق في أخبار غزوة بدر وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع بعض الأنصار وذكر عبد الله بن حبان الأصبهاني في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء تسمى العقاب وفي تاريخ البخاري عن الحرث بن حسان قال دخلت المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر يخطب وفلان قائم متقلد السيف وإذا رايات سود تخفق قلت ما هذا قالوا عمرو بن العاص قدم من جيش ذات السلاسل راية الصوف
قال القضاعي في كتاب الأنباء كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم راية تدعى العقاب من صوف أسود
جمع الحفاط بين هذه الروايات بإختلاف الأوقات
____________________
(1/321)
الراية من النمرة
وهي شملة مخططة من صوف وقيل فيها مثال الأهلة وفي المحكم النمرة النكتة من أي لون كان والأنمر الذي فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء والنمرة شملة فيها خطوط بيض وسود قال ابن جماعة في مختصر السير له وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم راية سوداء مربعة ونمرة مجملة يقال لها العقاب ما كان مكتوبا فها
ذكر أبو عبد الله بن محمد بن حبان الأصبهاني في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن بريدة أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت سوداء ولواؤه أبيض زاد ابن عباس مكتوب على لوائه لا إلاه إلا الله محمد رسول الله
هذا من تقصير الخزاعي في العزو وإلا فالحديث في مسند أحمد والترمذي عن ابن عباس ومثله عند الطبراني عن بريدة الأسلمي وعند ابن عدي عن أبي هريرة أيضا اسم رايته صلى الله عليه وسلم
قال قاسم بن ثابت السرقسطي في الدلائل كان اسم راية النبي صلى الله عليه وسلم العقاب
وفي فتح الباري وقيل كانت له راية تسمى العقاب سوداء مربعة وراية تسمى الريبة بيضاء وربما جعل فيها شيئا أسود هـ& باب في لون راية الأنصار &
____________________
(1/322)
ترجم في الإصابة لمزيدة العصرية فقال ذكرها أبو نعيم وأخرج عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد رايات الأنصار وجعلها صفراء وفي طبقات ابن سعد أن وفد سليم لما وردوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له اجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدم ففعل ذلك بهم
تنبيه
في تاريخ الوزير جودت باشا التركي الشهير نقلا عن تاريخ واصف أفندي مقالة يبين فيها ما كان للألوية من الإعتبار في الدول صدرها بقوله إن السر في أحداث السنجق واللواء هو أنه إذا اجتمع قوم تحت لواء واحد يجعل بينهم الإتحاد بمعنى أن هذا اللواء يكون علامة على إجتماع كلمتهم ودلالة على إتحاد قلوبهم فيكونون كالجسم الواحد ويألف بعضهم بعضا أشد من إئتلاف ذوي الأرحام وإذا كانوا في معركة القتال لا ييأسون من الظفر ما دام لواؤهم منشورا بل تقوى همتهم ويشتد عزمهم فإذا سقط لواؤهم أخذوا من جانب العدو وباتوا موضوعا للخوف والرهبة فيهزم بعضهم ويتبدد البعض الآخر بخلاف ما إذا كان علمهم مرفوعا خافقا مزدهيا تبتهج به نفوسهم فتأخذهم شدة الفرح والبسالة وتتسلط على أعدائهم هزمة الرعب فتأخذ بمجامع قلوبهم وكما أن الموسيقى العسكرية تنعش أرواحهم وتحثهم على الإقدام والشجاعة كذلك مناظر الألوية وتموجها فإنها تحدث فيهم دواعي العزة وتجلب لأعدائهم الدهشة والفتور وكان لجميع الأمم السالفة والدول الماضية آلات موسيقية وأعلام عديدة ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم موسيقى بل أعلام فقط الخ
____________________
(1/323)
& باب تعميم الإمام للصبي &
ترجم في الإصابة لقرط ويقال له قريط بن أبي رمتة البلوي فذكر عن أبي موسى في ذيله عن ابن منده أنه هاجر مع أبيه فلما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي رمتة ابنك هذا قال نعم أشهد به قال إنه لا يجني عليك ولا تجني ودعا بقرط فأجلسه في حجره ودعا له بالبركة ومسح على رأسه وعممه بعمامة سوداء وهو والد لا هز بن قريط أحد الرؤساء الذين كانوا مع أبي مسلم الخراساني
أقول
إن صحت هذه القصة كان فيها الدليل لما كنا نرى الشيخ الوالد يعتني به من تعميم من في سن البلوغ أو قريب منه مع إرخاء العذبات وبذلك تعلم ما في توقف بعضهم في ذلك قائلا لم أقف على شيء من الأحاديث ولا من نصوص الفقهاء على الوقت الذي يطلب فيه التعميم هل هو من بلوغ السبع أو العشر أو حين البلوغ أو حين بدء طلوع اللحية الخ انظر من الدعامة في أحكام العمامة وأهل الحجاز إلى الآن يعتنون بتعميم الصغار وكأنه عمل قديم متوارث بدليل ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن مالك قال لا ينبغي أن تترك العمامة ولقد اعتمت وما في وجهي شعرة
وفي المدارك قال أبو مصعب سمعت مالكا يقول إني لأذكر وما في وجهي شعر وما منا أحد يدخل المسجد إلا معتما إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم & باب في إنقسام الجيش إلى خمسة أقسام المقدمة والمجنبتين والقلب والساقة وكون الرءيس في القلت منها &
كان العرب يسمون الجيش خميسا لقسمه على خمسة أقسام قلب وميمنة
____________________
(1/324)
وميسرة ومقدمة وساقة قال ابن إسحاق في السير في أخبار يوم فتح مكة حدثني عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى وكان الزبير على المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة الأنصاري أن يدخل في بعض الناس من كدى وكان خالد على المجنبة اليمنى وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبيل من العرب وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأعلا مكة وضربت له هناك قبة & باب في أمير الرماة &
ترجم في الإصابة لعبد الله بن جبير الأنصاري فقال كان أمير الرماة في أحد ثبت ذكره في حديث البراء بن عازب في الصحيح وفيه أن المشركين لما انهزموا ذهبت الرماة ليأخذوا من الغنيمة فنهاهم عبد الله بن جعفر فمضوا وتركوه & باب في الرجل يقيمه الإمام يوم لقاء العدو بمكانه من قلب الجيش &
ويلبس الإمام لامته ويلبس هو لامة الإمام حياطة للإمام حتى لا يعرف فيقصد
في الإستيعاب كان كعب بن مالك يوم أحد لبس لامة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وكانت صفراء ولبس النبي صلى الله عليه وسلم لامته فجرح كعب بن مالك أحد عشر جرحا
قلت
وينبغي أن يذكر هنا أيضا ما وقع في قصة الهجرة فإن عليا نام على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان
____________________
(1/325)
قريش يظنونه صلى الله عليه وسلم فلما أصبح الصباح خرج عليهم علي وذلك ليطمئن بال كفار قريش حتى لا يتبعوه صلى الله عليه وسلم والقصة شهيرة وفيها نزل قوله تعالى ! ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) ! الآية حتى قال الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر المشهور بالجاحظ في كتابه العجيب التاج في أخلاق الملوك يجب على ملوكنا حفظ مقامهم وصيانته عن كل عني تطرف وأذن تسمع ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وهو من الله بمكانه المخصوص من كلاءته إياه وحراسة الروح الأمين له لقد كان يحق عليهم أن يقتدوا به ويمتثلوا فعله وقد كان المشركون هموا بقتله فأخبره جبريل بذلك فدعا علي بن أبي طالب فأنامه على فراشه ونام هو صلى الله عليه وسلم بمكان آخر فلما جاء المشركون إلى فراشه فنهض منه علي انصرفوا عنه ففي هذا أكبر الأدلة وأوضح الحجة على ما ذكرنا إذ كانت أنفس الملوك هي الأنفس الخطيرة الرفيعة التي تزن كل من أظلت الخضراء وأقلت الغبراء وكانت الأعاجم تقول لا ينبغي للملك أن يطلع على موضع منامه إلا الوالدان فقط أما من دونهما فالوحشة منه وترك الثقة به أبلغ في باب الحزم وأوكد في سياسة الملك وأوجب في الشريعة وأوقع في الهوينا هـمنه & باب فيمن كان على مواقف الجيش ميمنة وميسرة وقلبا وفي المقدمة &
قال إبن إسحاق في السير وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين في يوم الفتح وفي الإستيعاب في ذكر خالد بن الوليد أنه كان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم وكان
____________________
(1/326)
خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى يوم الفتح والزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة بن الجراح على البيادقة وهم الرجالة وهم أيضا أصحاب الملك والمتصرفون له وبطن الوادي وفي غزوة بدر الكبرى وكان على الساقة قيس بن صعصعة أخو بني مازن بن النجار وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن الزبير أخا بني عمرو بن عوف & باب في شعار المحاربين والعلامة التي يتعارفون بها في الحرب &
خرج أبو يعلى بسند جيد عن علي قال كان شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل خير وروى الطبراني عن عقبة بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رءا في أصحابه متأخرا فقال يا أصحاب سورة البقرة وخرج الإمام أحمد وأبو داوود عن سلمة بن الأكوع قال غزوته مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان شعارنا أنت أنت مرتين وروى أبو الحسن بن الضحاك عن رجل من مزينة أو جهينة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يقولون في شعارهم يا حرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حلال ترجم في الإصابة لسنان بن وبرة الجهني فذكر أن الطبراني روى من طريق خارجة بن الحرث بن رافع الجهني عن أبيه سمعت سنان بن وبرة الجهني يقول كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة بني المصطلق وكان شعارنا يا منصور أمت وقال في الأوسط لا يروى عن سنان إلا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن جهضم قال البرهان الحلبي في نور النبراس
____________________
(1/327)
أمت أمر من الموت والمراد بن التفاؤل بالنصر مع الأمر بالإماتة مع حصول الغرض بالشعار فإنهم جعلوا هذه الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل هـ
وفي الغريبين على حديث إذا بيتتم فقولوا حم لا ينصرون عن أبي عبيد أنه قال كان المعنى اللهم لا ينصرون هـ
وذكر في الإصابة أيضا المهلب رجل غير منسوب فقال ذكر ابن شاهين من طريق ذكوان مولى لنا قال كان شعار المهلب حم لا ينصرون وقال المهلب وكان شعاره صلى الله عليه وسلم وأخرج النساءي عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنكم تلقون عدوكم غدا فليكن شعاركم حم لا ينصرون دعوة بينهم وأخرج أبو داوود والترمذي إن بينكم العدو فقولوا حم لا ينصرون قال بعض الفضلاء من المشارقة قيل إن معناه إن السور السبع التي فيها حم سور لها شأن فتنبه صلى الله عليه وسلم أن ذكرها لشرف منزلها وفخامة شأنها مما يستظهر به على إنزال رحمة الله في نصرة المسلمين وقوله لا ينصرون مستأنف كأنه حين قال حم قال له قائل ماذا يكون إذا قلت هذا الكلمة فقال لا ينصرون قال ابن حبيب ولم يزل الشعار من أمر الناس قال ابن عباس كان الشعار يوم بدر يا منصور ويوم حنين حم لا ينصرون وشعارهم حين انهزموا يا أصحاب سورة البقرة تخصيصا حكاه ابن يونس عنه قال بعض الشافعية وقد ذكر الحقوق المرتبة على أمير الجيش لهم فعد منها أن يجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به ليصيروا به متميزين وبالاجتماع به متظافرين قال وروى عروة بن الزبير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ببني عبد الرحمان شعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار
____________________
(1/328)
الأوس يا بني عبيد الله وسمى خيله خيل الله قال وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر تسوموا فإن الملائكة قد تسومت وقد علم أبو دجانة بعصابة حمراء يوم بدر حين أخذ السيف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من يأخذه بحقه الحديث انظر فوائد الدرر
وفي ترجمة أبي دجانة سماك بن خرشة من الإستبصار أنه كان يعلم في الحرب بعصابة حمراء وكان إذا علم بعصابة حمراء يعصبها على رأسه علم الناس أنه سيقاتل
وفي ظل الغمامة لأبي عبد الله ابن أبي الخصال الغافقي في ترجمة سيدنا حمزة الذاهب بصيت الملاحم وعلاء الأيام المعلم بريش النعامة ووطيس الحرب في إحتماء وإحتدام لتتراآه الأبطال علما من الأعلام يصادم الخميس العرمرم فدا ويبيد الأبطال الممنعين بدا & باب في الوازع الذي يتقدم إلى الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر &
يقال وزعت الجيش إذا حبست أولهم على آخرهم
في الإكتفاء في قصة الفتح ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد جره ولما وقف هنالك قال أبو قحافة وقد كف بصره لإبنة له من أصغر ولده أي بنية اظهري على أبي قبيس فأشرفت به عليه فقال أي بنيتي ماذا ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل قال وأرى رجلا يسعر بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال اى بنيتي ذلك الوازع يعنى الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ثم قالت قد والله انتشر ذلك السواد قال إذا دفعت الخيل فأسرع بي إلى بيتي الخ القصة
____________________
(1/329)
ترجم في الإصابة جندب بن الألجم الأسلمي فذكر عن الواقدي في غزاة حنين قال وعبا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ووضع الرايات والألوية الخ
وفي سيرة ابن إسحاق حدثني حبان بن واسع عن أشياخ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل أصحابه يوم بدر في يده قدح يعدل الصفوف به فمر سواد بن غريبة حليف ابن عدي وهو متنقل في الصف قال ابن هشام ويقال متنصل من الصف فطعن في بطنه وقال استو يا سواد القصة انظرها فيه وفي ابن التلمساني على الشفا & باب في إتخاذ الخيل &
في جامع الترمذي عن علي كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وكانت لرسول صلى الله عليه وسلم خالصا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع الخيل والسلاح عدة في سبيل الله قال الترمذي حسن صحيح وذكر ابن إسحاق في غزوة بني قريظة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بها خيلا وسلاحا
حديث الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة رواه البخاري ومسلم من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر قال الخطابي فيه الإشارة إلى أن المال المكتسب بالخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها والعرب تسمي المال خيرا كما في قوله إن ترك خيرا وقال ابن عبد البر فيه إشارة إلى تفضيل
____________________
(1/330)
الخيل على غيرها من الدواب لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء غيرها مثل هذا القول وفي النساءي لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل وانظر كتاب الخيل للحسن بن عرفة وللحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي وللحافظ السيوطي كتاب جر الذيل من علم الخيل وللشمس محمد بن الأمير عبد القادر الجزائري كتاب الصافنات الجياد وهو مطبوع أيضا واختصر وهو مطبوع أيضا وللشمس محمد بن محمد البخشي الخلوتي رشحات المداد فيما يتعلق بالصافنات الجياد وهو موجود بالمكتبة الخديوية بمصر وللحافظ ولي الدين أبي زرعة العراقي المصري فضل الخيل وما جاء فيها من الفضل والنيل وللحافظ سراج الدين محمد بن رسلان البلقيني قطر السيل في أمر الخيل لخصه من تأليف الحافظ الدمياطي وزاد عليه أشياء وحلية الفرسان وشعار الشجعان لأبي الحسن علي بن عبد الرحمان المعروف بإبن هذيل الأندلسي وتحفة الأنفس وشعار سكان الأندلس له أيضا وهو ينقسم إلى قسمين الأول في الجهاد والثاني في الخيل والسلاح وكتاب يقظة الناعس في تدريب المجاهد الفارس وتهذيب الإمعان في الشجاعة والشجعان وراحة القلوب والأرواح في الخيل والسلاح ذكر خيله صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن جماعة في مختصر السير خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال منها السكب وهو أول فرس ملكه اشتراه صلى الله عليه وسلم من أعرابي
____________________
(1/331)
وكان أغر محجلا طلق اليمين كميت وقال ابن الأثير كان أدهم ثم عدد أسماء أفراس سبعة متفق عليها وقيل كانت له صلى الله عليه وسلم أفراس أخر 15 مختلف فيها وكان صلى الله عليه وسلم يسابق عليها ويجلس لذلك في الملأ العام ويفرح للسابق وراكبه وفي الإكتفاء كان عمر رضي الله عنه قد اتخذ في كل مصر خيل لا على قدره من فضول أموال المسلمين عدة لما يعرض فكان من ذلك بالكوفة أربعة آلاف فرس يشتيها في قبلة قصر الكوفة ويسرته في مكان لأجل ذلك يسمى الأري ويربعها فيما بين الفرات من الكوفة مما يلي العاقول فسمته الأعاجم آخر الشاهجان يعنون معلف الأمراء وكان قيمه عليها سلمان بن ربيعة الباهلي في نفر من أهل الكوفة يجر بها كل يوم وبالبصرة نحو منها وقيمه عليها جزء بن معاوية وفي كل مصر من الأمصار على قدره وفي الإستيعاب معاوية أول من قيدت بين يديه النجائب
في التهذيب للنووي كان له صلى الله عليه وسلم أفراس فأول فرس ملكه السكب بفتح السين المهملة وإسكان الكاف وبالباء الموحدة وكان أغر محجلا طلق اليمنى وهو أول فرس غزا عليه وفرس آخر يقال له شبخة وهو الذي سابق عليه فسبق وفر آخر يقال له المرتجز وهو الذي اشتراه من الأعرابي الذي شهد له خزيمة بن ثابت وقال سهل بن سعد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس لزاز بكسر اللام وبزاءين والظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء واللحيف بضم اللام وفتح الحاء المهملة وقيل بالمعجمة فأما لزاز فأهداه له المقوقس واللحيف
____________________
(1/332)
أهداه له ربيعة بن أبي البراء فأثابه عليه فرائض والظرب أهداه له فروة بن عمر الجدامي وكان له فرس يقال له الورد أهداه له تميم الداري وهبه لعمر وكان له صلى الله عليه وسلم دلدل يركبها في الأسفار وعاشت بعده حتى كبرت وذهبت أسنانها وكان يحش لها الشعير وماتت بينبع وكان له صلى الله عليه وسلم ناقته العضباء ويقال لها الجدعاء والقصواء وقيل هي ثلاث وكان له حمار يقال له عفير وكان له في وقت عشرون لقحة ومائة شاة وثلاثة أرماح وثلاثة أقواس وستة أسياف ودرعان وترس وانظر كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع للتقي المقريزي وهو في ست مجلدات
فائدة
في حواشي ابن غازي على الصحيح نقلا عن ابن بطال على قول الراوي كان السلف يستحبون الفحولة مانصه لم ينقل عن السلف ركوب الإناث إلا عن سعد بن أبي وقاص فإنه كانت له فرس أنثنى بلقاء
أعجوبة
ترجم الحافظ في الإصابة للزبرقان بن بدر بن أمرئي القيس التميمي السعدي الصحابي الجليل ذكر الكوكبي أنه وفد على عبد الملك وقاد إليه خمسة وعشرين فرسا ونسب كل فرس إلى آبائه وأمهاته وحلف على كل فرس منها يمينا غير التي حلف بها على غيرها فقال عبد الملك عجبي من إختلاف إيمانه أشد من عجبي بمعرفته بأنساب الخيل & باب في المسرج
في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لإبن حيان الأصبهاني عن أبي عبد الرحمان الفهري قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
____________________
(1/333)
حنين في يوم صائف شديد الحر فقال يا بلال أسرج لي فرسي فأخرج سرجا رقيقا من لبد ما فيه بطر ولا أشر وفي مسند أبي داوود الطيالسي من حديث أبي عبد الرحمان الفهري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين وذكر قصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال فثار من تحت الشجرة كأن ظله ظل طائر قال لبيك وسعديك وأنا قدامك قال اسرج لي فرسي فأتاه بفرستين ليس فيهما أشر ولا بطر & باب من أي شيء كان سرج رسول الله صلى الله عليه وسلم &
في كتاب ابن حبان أنه من لبد وعن الطيالسي والسجستاني أنه من ليف ولم يجئي في إشعار العرب في سروجهم إلا أنها من لبد & باب في ذكر من أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ركوبه &
خرج النساءي عن عبد الله بن بشر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه فذكر قصة قال ثم قام يركب بغلة له بيضاء فقمت لآخذ بركابه ما جاء في ضم ثياب الفارس في سرجه عند ركوبه
ذكر الثعالبي في فقه اللغة والمطرزي في اليواقيت عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا في سرية فرأيته قد أسبله ثيابه وعممه فركب علي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له ويوصيه وصفى ثيابه في سرجها أي جمعا
____________________
(1/334)
& باب في الرجل يركب خيل الإمام يسابق عليها وفيه فصول & فصل في أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق بين الخيل
في البخاري عن ابن عمر قال سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي أضمرت فأرسلها وكان ابن عمر ممن سابق عليها
سابق بين الخيل أجراها ليرى أيها أسبق فصل في ذكر مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم بخيله وذكر من ركبها من الصحابة للمسابقة بها
ذكر أبو عبيد البكري عن الزهري قال سبق سهل بن سعد الساعدي على فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له الظرب فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا يمانيا وسبق أبو أسيد الساعدي على فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما طلع الفرس جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه واطلع من الصف وقال كأنه بحر وكسا أبا أسيد حلة يمانية
وقد ترجم البخاري في الصحيح باب السبق بين الخيل وباب إضمار الخيل للسبق وباب السباق للخيل المضمرة وترجم الترمذي باب المراهنة على الخيل انظر فتح الباري & باب في صاحب الراحلة الناقة &
ذكر ابن جماعة والفسطلاني في ذكر خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم بن شريك بن عوف قال وكان صاحب راحلة النبي صلى الله عليه وسلم قال الزرقاني أي الذي كان ينزل الرحل عنها ويضعه عليها وفي
____________________
(1/335)
معجم الطبراني من طريق الهيثم بن رزين عن أبيه عن الأسلع بن شريك الأشجعي عن الربيع بن بدر حدثني أبي عن أبيه عن رجل يقال له الأسلع قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له فقال لي ذات يوم يا أسلع قم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة ثم خرج عنه أيضا قال كنت أرحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة فكرهت أن أرحل ناقته وأنا على جنابة فأسخنت ماء فاغتسلت ثم لحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا أسلع مالي أرى راحلتك تغيرت فقلت يا رسول الله لم أرحلها رحلها رجل من الأنصار قال ولم قلت أصابتني جنابة فأمرته يرحلها قال الحافظ في الإصابة وقع للشيخ مغلطاي في شرح البخاري أول التيمم نسبة قصة الأسلع إلى الجاحظ في كتاب البرهان وهذا تقصير شديد منه مع كثرة اطلاعه وأخرج الحاكم أن البراء بن مالك أخا أنس بن مالك كان يرحل له صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وفي ترجمة كلثوم بن الهدم من الإستبصار صاحب رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بذلك & باب في صاحب البغلة &
ذكر ابن جماعة في مختصر السير له في ذكر خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر الجهني كان صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقود به في الأسفار
قال الزرقاني في شرح المواهب رفقا به صلى الله عليه وسلم في صعود الدابة لمرتفع وهبوطها منها أو خروجها عن الطريق وأنه كان في سيره مشغولا بالعبادة كصلاة نافلة وإشتغاله بالدابة يشغله
____________________
(1/336)
عن ذلك هـ
قلت
وقع ذكر عقبة بذلك في مسند أحمد وأبي داوود والنساءي وكان عامر المذكور عالما بالفقه والفرائض شاعرا مفوها ولي مصر لمعاوية
فائدة
في أوائل السيوطي أول بغلة ركبت في الإسلام دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أهداها إليه المقوقس وعزا ذلك لإبن سعد عن محمد بن إبراهيم التميمي وفيها أن أول بغلة شهباء ريئت بالمدينة البغلة التي أهداها فروة بن عمرو الجدامي للنبي صلى الله عليه وسلم
وترجم في الإصابة لبسر بن أبي بسر المازني فذكر أن ابن السكن خرج عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم وهو راكب على بغلة كنا نسميها الحمارة الشامية وترجم فيها أيضا لعروة بن عامر الجدامي عامل الروم على من سلفهم من العرب وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام فذكر إسلامه وإهداءه للمصطفى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء
وفي آخر كتاب بدء الخلق من تشنيف المسامع على الصحيح الجامع على قول الراوي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر
ابن العربي سؤال السائل عن الحمير لا كي فيها ولا فر كالخيل ولأنهم لم تكن لهم بغال ولا دخل الحجاز منها شيء إلا بغلة النبي صلى الله عليه وسلم دلدل التي أهداها إليه المقوقس هـ
قلت
عبارة ابن سعد في الطبقات لما ذكر اهداء المقوقس له عليه السلام دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها وذكر غيره بغالا كان له صلى الله عليه وسلم غير هذه فلعلها دخلت بعدها
وذكر في السير أنه كان المرتجز من أفراسه صلى الله عليه وسلم أشهب وكذلك كان حماره عفير أشهب أيضا وكانت ناقته
____________________
(1/337)
القصواء شهباء وهي التي هاجر صلى الله عليه وسلم عليها وبغلة شهباء & باب في القائد &
تقدم أن عقبة كان يقود به في الأسفار وفي سنن أبي داوود عن أم الحصين قالت حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا أحدهما أخذ بخطام النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه بستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة
وذكر الطبري أن حسان الأسلمي وخاله ابن يسار الغفاري كانا يقودان بالنبي صلى الله عليه وسلم انظر المواهب وشرحها & باب فيمن كان يسوق به صلى الله عليه وسلم &
ذكر في الإصابة حسان الأسلمي فنقل عن الطبري أنه كان يسوق بالنبي صلى الله عليه وسلم هو وخالد بن يسار الغفاري وقال استدركه ابن فتحون
وفي الإستبصار في أنساب الأنصار أن الحرث بن الصمة خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان يسوق به فقال الشاعر
( يا رب إن الحرث بن الصمة ** أهل وفاء صادق وذمة )
( أقبل في مهامه ملمة ** في ليلة ظلماء مدلهمة )
( يسوق بالنبي هادي الأمة ** يلتمس الجنة في مؤتمة ) & باب في سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم &
ترجم في الإصابة لخالد بن سيار بن عوف الغفاري فنقل عن ابن الكلبي
____________________
(1/338)
كان سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحسان الأسلمي ذكره ابن شاهين والطبري & باب في صاحب بدن النبي صلى الله عليه وسلم &
ترجم في الإصابة لناجية بن جندب الأسلمي فقال فيه كان صاحب بدن النبي صلى الله عليه وسلم & باب في راعي لقاح النبي صلى الله عليه وسلم &
ترجم الحافظ في الإصابة لذر بن أبي ذر الغفاري فقال ذكر الحافظ شرف الدين الدمياطي في سيرته أنه كان راعي لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت بالغابة وترجم في الإصابة أيضا لعريب المالكي فذكر عن ابن السكن فقال إنه كان راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم & باب فيمن كان يقوم بلقاحه صلى الله عليه وسلم &
ترجم في الإصابة لرباح مولاه صلى الله عليه وسلم فذكر عنه ذلك & باب فيمن كانت عنده خيل النبي صلى الله عليه وسلم &
ترجم في الإصابة لسعد بن مالك الساعدي فذكر أن أبا نعيم خرج عن أبي العباس عن أبيه عن جده قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم عند أبي افراس & باب في جماله صلى الله عليه وسلم &
ترجم في الإصابة لعبد الملك بن أبي بكر فقال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم مع تميم الداري وكنت جماله استدركه ابن الأمين ه
____________________
(1/339)
وهكذا في الإختصار ونصه عبد الملك بن أبي كثير وفد مع تميم الداري وكان جماله هـ
من خط مؤلفه ولاكنه جعله ابن أبي كثير لا إبن أبي بكر كما بالنسخة المطبوعة بمصر ثم وجدته في التجريد على ما عند العراقي ابن أبي كثير ونقل نحو ما ذكر عن ابن بشكوال إلا أن ما بعده تصحف في النسخة المطبوعة في الهند & باب فيمن كان يمسك دابة المصطفى في خيبر عن القتال &
ترجم في الإصابة لكر كرة مولاه صلى الله عليه وسلم فنقل عن الواقدي كان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم عند القتال في يوم خيبر & باب فيمن كان يأخذ بركابه صلى الله عليه وسلم وهو على الناقة &
ترجم في الإصابة منقع بن الحصين التميمي السعدي فذكر أن ابن السكن أخرج عنه أنه رءا النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة وأسود آخذ بركابه قد حاذى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت من الناس أطول منه وفي مسلم في غزوة خيبر عن العباس بن عبد المطلب فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها وأبو سفيان بن الحرث آخذ بركابها وقد بوب البخاري في كتاب المغازي باب الركاب والغرز للدابة قال في الفجر الساطع الركاب يكون من حديد أو من خشب وهو للفرس والغرز جلد وهو للجمل بمنزلة الركاب للفرس أي جواز إتخاذ ما ذكر وأشار به إلى أن ما ورد عن عمر من قوله اقطعوا الركاب وثبوا على الخيل وثبا ليس على منع إتخاذ الركاب أصلا وإنما أراد تدريبهم على الوثوب قاله ابن بطال هـ
وفي ابن التلمساني على الشفا
____________________
(1/340)
أول من ضرب الركاب من حديد المهلب بن أبي صفرة هـ& باب فيمن كان يأخذ بخطام ناقته صلى الله عليه وسلم &
في ترجمة أبي كامل الأحمسي من الإصابة عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عيد على ناقة وحبشي يمسك بخطامها وأصله في طبقات ابن سعد
وقد ذكر الطبري أن حسان الأسلمي وخالد بن يسار الغفاري كانا يقودان به صلى الله عليه وسلم
وفي الصحيح في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع من كتاب العلم عن أبي بكرة أنه صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه قال في فتح الباري الشك من الراوي والزمام والخطام بمعنى الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى بالبرة بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة في أنف البعير وهذا الممسك سماه بعض الشراح بلالا واستند إلى ما رواه النساءي من طريق أم الحصين قالت حججت فرأيت بلالا يقود بخطام راحلة النبي صلى الله عليه وسلم هـ
ووقع في السنن من طريق عمرو بن خارجة قال كنت آخذ بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فذكر بعض الخطبة فهو أولى ما يفسر به المبهم من بلال لاكن الصواب أنه هنا أبو بكرة فقد ثبت ذلك في رواية الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون ولفظه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يوم النحر وأمسكت إما قال بخطامها وإما قال بزمامها واستفدنا من هذا أن الشك ممن دون أبي بكرة لا منه ولا فائدة إمساك الخطام صون البعير عن الإضطراب حتى لا يشوش
____________________
(1/341)
على راكبه هـكلام الفتح
قلت
وجدت قصة في أسد الغابة تدل على أن الصحابة كانوا لا يحبون أحدا ينازع المكلف بشئون رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان المصطفى وهم يحبون اختصاص كل مكلف بما كلف به وذلك أنه ترجم سعد بن الأخرم فقال مختلف في صحبته سكن الكوفة روى عنه ابنه المغيرة روى عيسى ابن يونس ويحيى بن عيسى عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه أو عن عمه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم واريد أن أسأله فقيل لي هو بعرفة فاستقبلته فأخذت بزمام ناقته فصاح بي الناس فقال دعوه ثم ذكر قصة انظرها وفي آخر القصة قول المصطفى له دع الناقة ثم قال ذكره أبو أحمد العسكري & باب في الحادي &
الحدو سوق الإبل والغناء لها
في سنن النساءي عن عبد الله بن رواحة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فقال له يا ابن رواحة أنزل فحرك الركاب فقال يا رسول الله قد تركت ذلك فقال عمر اسمع وأطع قال فرمى بنفسه فقال اللهم لولا أنت ما اهتدينا وفي النساءي عن عبد الله بن مسعود قال كان معنا ليلة نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس حايدا وفي مسند أبي داوود الطيالسي عن أنس كان أنجشة يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال وكان أنجشة حسن الصوت وكان إذا حدا أسرعت الإبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/342)
يا أنجشة رويدك أي على مهل بالقوارير أواني الزجاج الواحدة قارورة شبه النساء لضعف قلوبهن بقوارير الزجاج من كان على هديه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
خرج صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع ومعه هدي كثير كان عليه كما قال ابن سعد ناجية بن جندب الأسلمي وكان على جميع الهدي الذي ساقه من المدينة انظر الطبقات & باب في صاحب السلاح وفيه ذكر سلاحه صلى الله عليه وسلم &
تقدم عن ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم بعث سعيد بن زيد إلى نجد ليبتاع له الخيل والسلاح واتخذ صلى الله عليه وسلم أنواع السلاح التي كانت موجودة إذ ذاك عند الأمم كان له من السيوف تسعة لكل واحد اسم يخصه
قد نظمها الشيخ عبد الباسط سبط السراج البلقيني فقال
( لهادينا من الأسياف تسع ** رسوب والمخدم ذو الفقار )
( قضيب حتف والبتار عضب ** وقعلي وماتور الفجار )
( وحكمتها تناسب آي موسى ** وكل للعدا سبب البوار )
واستدرك بعضهم سيفا آخر سماه المعصوب وقال البدر القرافي هو من أسياف النبي صلى الله عليه وسلم واستدرك غيره سيفا آخر سماه الصمصامة انظر شرح ابن الطيب الشرقي على سيرة ابن الجزري وانظر مادة حسم وعضب وفقر ورسب من حواشي ابن الطيب على القاموس أين كان صلى الله عليه وسلم يجعل السيف منه
____________________
(1/343)
والسنة في حمله صلى الله عليه وسلم السيف تقلده به في عنقه الكريم كما قاله ابن الجوزي لأشده في وسطه كما هو العرف الآن ونقله الزرقاني في شرح المواهب ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول لن تراعوا وهو في الصحيحين وأبي داوود والترمذي قال الزرقاني على قوله والسيف في عنقه أي حمائله معلقة في عنقه الشريف متقلدا به وقال الخفاجي في شرح الشفا قوله والسيف في عنقه اي حمائله معلقة في عنقه الشريف متقلدا به صلى الله عليه وسلم وعلم أن هذا هو السنة في حمل السيف كما قال ابن الجوزي لأشده في وسطه كما هو المعروف الآن هـ
وقال الزرقاني في غزوة أحد وتقلد سيفه أي جعل علاقته على كتفه الأيمن وهو تحت إبطه الأيسر وعند ابن أسعد أظهر الذرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره هـ
وكان يحلي السيف وآلة الحرب بالذهب والفضة وكان له خمس أرماح وعدة حرب وغزاة ودروع 7 ونيضة وقال ابن جماعة في سيرته كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جبات يلبسها في الحرب منها جبة سندس أخضر رقيق الديباج ولبس صلى الله عليه وسلم جبة ضيقة الكمين وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منطقة المنطقة ما شددت به وسطك من أديم جلد مبشور فيها ثلاث حلق من فضة والإبزيم فضة والطرف من فضة ونحوه لأبي الفتح اليعمري في سيرته وذكر ابن سعد وغيره أنه صلى الله عليه وسلم يوم أحد حزم وسطه بمنطقة
____________________
(1/344)
وأقره اليعمري وغيره قال الزرقاني في شرح المواهب فقول ابن تيمية لم يبلغنا أنه شد على وسطه بمنطقة تقصير فإبن سعد ثقة حافظ فهو حجة على النافي ولا سيما أنه نفى ولم يطلق النفي فدع عنك قيل وقال هـ
ودخل صلى الله عليه وسلم عام الفتح مكة وعلى رأسه المغفر والمغفر ما يجعل من الزرد على الرأس مثل القلنسوة والخمار وهو حديث مشهور أفرده جماعة من الحفاظ بعدة مصنفات
لطيفة
للشيخ علاء الدين علي بن محمد السعدي المتوفي عام 717 رسالة في المفاخرة بين السيف والرمح ولأبي حفص أحمد بن محمد بن أحمد الكاتب الأندلسي وكان حيا بعد عام 404 مفاخرة بين السيف والقلم ولعلي بن هبة الله بن ماكولا المفاخرة أيضا بين السيف والقلم والدينار ولابن نباتة أيضا وغيرهم
غريبة
في شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي عن المرغيناني لما استولى عمر على خزائن كسرى أمر سراقة وكان أطول أصحابه أن يلبس قباء كسرى فلبسه ثم قال له تحزم فتحزم ثم قال تمنطق فشد المنطقة وكانت مذهبة فيها فصوص من جواهر فدل على الجواز هـمنه & باب في حامل الحربة بين يديه صلى الله عليه وسلم &
ذكر أبو محمد بن حيان الأصبهاني عن أبن يزيد قال بعثني نجدة الحروري إلى ابن عباس أسأله هل سير بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة قال نعم مرجعه من حنين
تقدم أن النجاشي ملك الحبشة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حربة وكانت تقدم بين يديه إذا خرج
____________________
(1/345)
إلى المصلى يوم العيد وتوارثها الخلفاء وأنها الحربة التي قتل بها النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف بيده يوم أحد وتسمى العنزة أيضا & باب في حامل السيف &
في الإستيعاب والروض الأنف ونور النبراس أن الضحاك بن سفيان بن كعب كان أحد الأبطال يقوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفه وكان يعد بمائة فارس وحده وذكر ابن بدر أن الضحاك بن سفيان كان سياف النبي صلى الله عليه وسلم قائما على رأسه متوشحا بسيفه التوشح بالسيف التقلد به
وفي قصة صلح الحديبية أن عروة كان يكلم المصطفى صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المعفر قال الحافظ في الفتح فيه جواز القيام على رأس الأمير بالسيف لقصد الحراسة ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس لأن محله إذا كان على وجه العظمة والكبر هـ
وقال الإمام مجد الدين بن تيمية في المنتقى على قيام المغيرة المذكور فيه استحباب الفخر والخيلاء في الحرب لإرهاب العدو وأنه ليس بداخل في ذمه لمن أحب أن يتمثل له الرجال قياما وكذا قال غيره وقال الخطابي فيه دليل على أن إقامة الرءيس الرحال على رأسه في مقام الخوف ومواطن الحروب جائز وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يتمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار هو لمن قصد به الكبر وذهب مذهب النخوة والجبرية هـ
قال الإمام ابن
____________________
(1/346)
مفلح في الآداب الكبرى ولعل المراد أن من فعل ذلك لمقصد شرعي لا بأس به هـ& باب فيمن كان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم &
ترجم لهم في سيرة ابن سيد الناس فذكر خمسة وهم علي بن أبي طالب والزبير والمقداد ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت وزاد ابن القيم الضحاك بن سفيان الكلابي قال في نور النبراس ولم يذكر ابن سيد الناس منهم عويمر بن ساعدة ولا عثمان ولا شخصا من الأنصار وقد المص ابن سيد الناس في غزوة أحد في قصة الحرث بن سويد بن الصلت أنه قدمه صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه ضربه عويمر بن ساعدة ولعل المراد من كان يتكرر ذلك منه هـ
وفي المواهب وكان يضرب الأعناق بين يديه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام والمقداد بن عمرو ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت بن أبي الأفلح والضحاك بن سفيان والأخير كان شجاعا يعد بمائة فارس & باب في الصقيل &
صقل السيف حلاه
في الإستيعاب مرزوق الصيقل مولى الأنصار له صحبة صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الإصابة أخرجه البغوي والطبراني من طريق محمد بن حمير قال حدثنا أبو الحكم حدثني مرزوق الصيقل أنه صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار وكانت له قبيصة من فضة وحلق في قيده وبكرة في وسطه من فضة ثم طرق في الجزم بصحبته بعد أن نقل عن العسكري وغيره
____________________
(1/347)
فيه له صحبة وعن ابن حبان يقال إن له صحبة
تنبيه
الآلات القتالية من نبل وسيف وحربة هي التي كانت معروفة لذلك العهد وأما المدافع وما يرجع إليها فحادث ولأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد غانم الأندلسي كتاب سماه العز الذائع في المجاهدين بالمدافع وهو كتاب عديم الوجود توجد منه نسخة بمصر الآن وللإمام الحافظ بدر الدين بن جماعة المقدسي كتاب سماه مسند الأجناد في آلات الجهاد ذكره له ابن سليمان الرداني في صلته
تتمة
في فتح الوهاب على هداية الطلاب للشيخ سيدي المختار بن أحمد الكنتي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في صدر الإسلام لا يضع الرجل فيها سلاحه لقلة الأمن لأن جميع أهل الأرض أعداء لهم
قلت
ويؤيده ما ورد من الترغيب في حمل السلاح ولو في الصلاة وانظر المدخل وغيره & باب في الدليل في الطريق & دليله صلى الله عليه وسلم في الهجرة
استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة كما في الصحيحين رجلا من بني هذيل هاديا خريثا وهو على دين كفار قريش دليله صلى الله عليه وسلم في أحد أبو حتمة بن الحرث كما في ابن إسحاق دليله في غزوة الحديبية رجل من أسلم
ترجم في الإستيعاب سعد العرفي فقال كان دليله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في هجرته وترجم في الإصابة تبيع الحميري ابن امرأة كعب الأحبار ونقل عن أبي بكر البغدادي أنه
____________________
(1/348)
ذكره في الطبقات العليا من أهل حمص التي تلي الصحابة وقال كان رجلا دليلا للنبي صلى الله عليه وسلم قال فعرض صلى الله عليه وسلم فلم يسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجم فيها أيضا لثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري فذكر أن ابن أبي داوود وابن السكن خرجا من طريق أبي بكر بن أبي الأسود كان ثابت بن الضحاك رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ودليله إلى حمراء الأسد وترجم فيها أيضا جبار الثعلبي فذكر عن الواقدي أنه كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى غطفان وترجم فيها أيضا جميل الأشجعي فذكر أنه صلى الله عليه وسلم استأجره بعشرين صاعا ليدل أصحابه على طريق خيبر ففعل ثم أسلم وترجم أيضا مدكور العذري فنقل عن الواقدي أنه كان دليل المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم نقل عن الحاكم في الإكليل راويا بسنده لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يدنو من الشام ومعه دليل خريت هاد من بني عذرة الحديث & باب في البناء في المفازات التي يسلكها الإمام إعلاما بوصول قدمه هناك ويتخذ علما لبلوغ دعوته ثمه &
في السير أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج في غزوة الطائف سلك على نخلة اليمانية إلى شجرة الرغا فابتنى فيها مسجدا وصلى فيه قال ابن باديس فيه بناء المساجد في المفازات والمواضع العامرة لتكون علما على الإسلام وبلوغ الدعوى هـ
وفي المواهب لدى الكلام على غزوة تبوك وبنى في
____________________
(1/349)
طريقه مساجد قال الزرقاني عشرين أي كان سببا في بنائها للصلاة أي تلك الأماكن أو علم عليها فبنيت بعده هـوهو تكلف & باب في مسهل الطريق &
في الإستيعاب غالب بن عبد الله الليثي هو الذي بعثه صلى الله عليه وسلم يسهل له الطرق
وعزى ذلك في الإصابة لتخريخ البخاري في التاريخ والبغوي وزاد ولا كون له عينا & باب في ذكر من يطأطأ للإمام ليركب هامته &
ترجم في الإستيعاب مارية خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تكنى أم الرباب حديثها عند أهل البصرة أنها تطأطأت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين هـ
وترجمها في الإصابة وزاد قلت وأخرجه ابن منده من طريق يعلى بن أسد عن عبد الله بن خبيب عن أم سليمان عن أمها عن جدتها مارية قالت تطأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره هـ
والعجب من الخزاعي كيف أهمل هذه الترجمة مع أن الإستيعاب كان بيده وهو معظم مادته والكمال لله
وينبغي أن يذكر هنا ما وقع في غزوة أحد وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته في سبيل الله وشج وجهه الكريم نهض إلى صخرة من جبل ليعلوها وقد كان بدن وظاهر يومئذ بذرعين فلم يستطع فجلس تحته طلحة حتى استوى فقال أوجب طلحة أي فعل فعلا يوجب له دخول الجنة & باب في صاحب المظلة &
ذكر ابن إسحاق في خبر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصوله
____________________
(1/350)
إلى المدينة وخروج الناس إليه سرعانا فلما زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو بكر فأظله بردائه وفي صحيح مسلم عن أم الحصين بنت إسحاق الأخمصية أو الأخمسية قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة & باب في ذكر صاحب الثقل متاع المسافر وحشمه &
قال الزرقاني في شرح المواهب بفتح المثلثة وكسرها وفتح القاف هـ
وأصله في الصحاح وفي التهذيب أنه بضم القاف
في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال كان على الثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة وفي مسلم عن أبي رافع وكان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولاكني جئت فضربت قبته فجاء فنزل
ترجم في الإصابة لعبد الله بن زيد بن عمرو بن مازن الأنصاري فقال ذكره ابن منده وأخرجه من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق أنه كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقبه أبو الفتح بأن الذي كان على الثقف عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبدولة وقوله على الثقل ذكره بالمثلثة والقاف وإنما هو بالنون والفاء ولا مانع من تعدد القصة والحكم عليه بالتصحيف فيه صعوبة لأن صورة الكلمتين محتملة
وترجم لعبد
____________________
(1/351)
الله بن كعب الأنصاري فذكر أنه كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم & باب ذكر فسطاطه صلى الله عليه وسلم &
قال سبحانه ! ( جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ) ! ومن المعلوم أن البيوت التي يسكن الإنسان فيها على قسمين أحدهما البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي يمكن بها تسقيف البيوت وإليها الإشارة بقوله تعالى ! ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ) ! وهو ما يسكن إليه الإنسان أو يسكن فيه وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله بل الإنسان ينتقل إليه والقسم الثاني الخيام والقباب والفساطيط وإليه الإشارة بقوله ! ( وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ) ! وهذا القسم من البيوت يمكن نقله وتحويله والمراد بها الأنطاع يعني البسط المتخذة من الجلد وما يعم البيوت منه مما تستعمله العرب وغيرهم من أهل البوادي والمعنى يخفف عليكم في أسفاركم وإقامتكم لا يثقل عليكم في الحالتين ويسمى أي الفسطاط الكن قاله ابن سيد الناس اليعمري وفي الفوائد له الفسطاط البيت من الشعر والكن ما يستر من الحر والبرد قال في نور النبراس والفسطاط بضم الفاء وكسرها وبالطاء والتاء الخباء قاله في المطالع هـ
ويقال له في المغرب الخزانة ومجموع ما للملك بأهله آفراك بلهجة المغاربة والمكلفون به يسمون في حاشية الملك بالمغرب قديما الفرايكية وكانت الخزائن
____________________
(1/352)
في القديم تستعمل من جلد أو صوف أو شعر وأول من عملها من كتان أحد أسلافنا وهو يحيى بن عمران بن عبد الجليل بن يحيى بن يحيى بن محمد بن إدريس بن إدريس رضي الله عنه لما بويع بزواوة من عمالة قسمطينة أيام فرار الإدارسة من فاس ومن هناك جرى على عائلتنا الكتانية اللقب بالكتاني ونقل مؤرخ الدولة الحسنية العلوية أبو العباس ابن الحاج في الدر المنتخب المستحسن نظما لأحد أعلام بيتنا جاء فيه
( فجدنا يحيى وبالكتاني ** نسبته قائمة البرهان )
( سببه جعل الخبا كتانا ** جرى على من بعد حتى الآن )
( وقت إمارة له فيما سلف ** وفي كنوز قد أتانا مؤتلف )
( كذا تلقى ناظم اللآلي ** عن بعض أعيانهم الكمال )
وفي بهجة المحافل للعاملي كانت له صلى الله عليه وسلم قبة يضربها في أسفاره تسع أربعين رجلا هـ
وفي المقالات السنية
( روى الذين رأوا قباب واحدة ** كانت مربعة حمراء من أدم )
( من شعر أخرى وأخرى أربعين بها ** رءا من أصحابه في صحبة العلم )
( حمراء من أدم أبو جحيفة ثم ** جابر مع عبد الله ذو القدم )
تنبيه
هذه الترجمة تعرفك أنه صلى الله عليه وسلم كان يحس بالحر والبرد وهو مقتضى غير ما حديث ولما ساق في المواهب قول البدر الزركشي أنه صلى الله عليه وسلم كان معتدل الحرارة والبرودة فلا يحس بالحر ولا بالبرد وأنه كان في ظل غمامته من إعتدال تبرأ منه بقوله كذا قال رحمه الله قال شارحها لأنه منابذ لما تشهد به الأحاديث من أنه صلى الله عليه وسلم كان يحس
____________________
(1/353)
بالحر والبرد ففي حديث الهجرة أن الشمس أصابته وظلله أبو بكر وفي الصحيح أيضا أنه كان بالجعرانة وعليه ترس قد أظل به وروى ابن منده والبيهقي مرفوعا لا نصبر على حر ولا برد وخرج أحمد بسند جيد أنه صلى الله عليه وسلم وضع يده في طعام حار فاحترقت أصابعه الشريفة فقال حس وحس بفتح الحاء المهملة وكسر السين بلا تنوين كلمة تقال عند الألم من نحو إحراق كحز قاله الحلواني في مولده الكبير & باب فيمن كان يضرب قبته صلى الله عليه وسلم &
يؤخذ من الترجمة السابقة أن أبا رافع كان يتولى ذلك & باب فيمن يكتنف الإمام إذا أراد الدخول إلى الحضرة &
في الصحيح عن أنس في قصة سقوط المصطفى عن راحلته هو وصفية وفيه فركب واكتنفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن غازي في حاشيته نقلا عن المهلب فيه إكتناف الإمام عند دخول المدن وتلقي الناس وفي ترجمة الورد بن خالد بن حذيفة من طبقات ابن سعد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان على ميمنته يوم الفتح & باب في الأمين على الحرم & في ذكر أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمه
في الإستيعاب كان عبد الرحمان بن عوف أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه
وفي البهجة لإبن هشام وفي سنة 23 من الهجرة حج عمر واستأذنه نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فأذن لهن فخرجوا في الهوادج عليهن الطيالسة وكان أمامهن عبد الرحمان بن عوف ووراءهن عثمان بن
____________________
(1/354)
عفان وكانا لا يدعان أحدا يدنو منهن
أخرج علي بن حرب في فوائده عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال إن الذي يحافظ على أزواجي من بعدي هو الصادق البار فكان عبد الرحمان بن عوف يخرج بهن ويحج معهن ويجعل على هوادجهن الطيالسة وينزل بهن في الشعب الذي ليس له منفد
وخرج ابن سعد في الطبقات عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فحملهن في الهوادج عليهن الإكسية الخضر وبعث معهن عبد الرحمان بن عوف وعثمان بن عفان فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن وكان عبد الرحمان يسير على راحلته من ورائهن فلا يدع أحدا يدنوا منهن ينزلن مع عمر كل منزل
وفي رواية في الطبقات أيضا فكان عثمان يسير أمامهن فلا يترك أحدا يدنو منهن ولا يراهن إلا مد البصر وعبد الرحمان كذلك وفي رواية أخرى في طبقات ابن سعد أيضا يسير أمامهن ابن عفان ويصيح إذا دنا منهن أحد إليك وابن عوف من ورائهن كذلك فنزلن بقديد واعتزلن الناس وقد ستروا عليهن الشجر من كل ناحية
وفي التوشيح للسيوطي كان عمر يتوقف أولا في الأذن لأمهات المؤمنين بالحج إعتمادا على قوله تعالى ! ( وقرن في بيوتكن ) ! يرى تحريم السفر عليهن فظهر له جوازه فأذن لهن في آخر خلافته فكان عثمان يحج بهن في خلافته ايضا ووقف بعضهن عند ظاهر الآية وهي زينب وسودة فقالتا لا تحركهما دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ه
____________________
(1/355)
& باب من كان يقود أو يسوق نساء المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجه &
قال القاضي ابن باديس في شرح مختصر ابن فارس نقلا عن أبي عمر انجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ويحدو الإبل لتزيد في الحركة & باب في إرتياد الموضع لنزول الجيش وتخييره لهم من ماء وكلا &
وهؤلاء يعرفون في جيش السلطان بالمغرب بالمهندسين والفرايكية في قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم لما سلك ثنية المرار قال انزلوا فقالوا ما بالوادي ماء قال القاضي ابن باديس فيه دليل إرتياد الموضع لنزول الجيش وتخيره لهم من الماء والكلا
وفي البخاري عن البراء نزلوا على بير هـوقصة الحباب بن المنذر في الباب مشهورة & باب في الحارس & ذكر من حرسه صلى الله عليه وسلم بالمدينة
قد تقدم قول سعد بن أبي وقاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأحرسك وحرس يوم بدر سعد بن معاذ وغيره كما في سيرة ابن إسحاق وجزم به اليعمري تبعا لغيره ففيها أنه كان على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا بالسيف في نفر من الأنصار يحرسون وحرسه صلى الله عليه وسلم حين أعرس بصفية بخيبر أو ببعض الطريق أبو أيوب الأنصاري ففي ابن إسحاق أنه بات متوشحا سيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطوف بالقبة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/356)
فلما رءا مكانه قال مالك يا أبا أيوب قال يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة وكانت إمرأة قد قتلت أباها وزوجها وكانت حديثة عهد بكفر فخفتها عليك فزعموا أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني وكان يحرسه صلى الله عليه وسلم في مكة وهو يصلي بالحجر عمر بن الخطاب كما في علل الدارقطني أنه كان يقوم بالسيف على رأسه حتى يصلي
وترجم في الإصابة للأدرع السلمي فخرج من طريق ابن ماجه عنه قال جئت ليلة أحرس النبي صلى الله عليه وسلم الخ القصة
وترجم أيضا لخشرم بن حباب الأنصاري فنقل عن الطبري كان حارس المصطفى صلى الله عليه وسلم فصل في الإمام يخرج للغزو فيترك الحرس خلفه في عاصمته
أخرج ابن فتحون من طريق عبدان عن إسحاق بن الصيف عن عبد بن يوسف عن إسماعيل بن عياش عن نافع عن ابن عمر قال كانت غزوة بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فلم أخرج وكانت غزوة أحد وأنا ابن أربع عشرة فخرجت فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم استصغرني وردني وخلفني في حرس المدينة في نفر منهم أوس بن ثابت وأوس بن عرابة ورافع بن خديج قال الحافظ في ترجمة أوس من الأصابة هكذا أورده وقد أورده بن أبي خيثمة عن عبد الوهاب بن نجدة عن إسماعيل بن عياش عن أبي بكر الهذلي عن نافع فقال فيه زيد بن ثابت وعرابة بن أوس ويحتمل أن يكون محفوظا هـ
قلت
وبذلك تعلم تقصير أبي الحسن
____________________
(1/357)
الخزاعي في قوله من باب حراسة أبواب المدينة في زمن الهرج لم أجد فيهما نصا أنهما كانتا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنهما يستخرجان مما ذكرنا فتأمله حراس عسكره صلى الله عليه وسلم
في الكلام على غزوة ذات الرقاع في سيرة ابن إسحاق فنزل صلى الله عليه وسلم منزلا وقال من يكلانا الليلة فانتدب رجل من المهاجرين ورجل ورجل من الأنصار فقالا نحن يا رسول الله قال فكونوا عند الشعب قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر وذكر قصة عجيبة وذكر أيضا عند الكلام على غزوة بني قريظة خرج من تلك يعني الليلة التي نزل في صبيحتها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو القرظي فمر يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة غزوة الفتح في الصحيح عن عروة أن أبا سفيان لما خرج يتجسس عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد النيران فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ترجمة عباد بن بشر من طبقات ابن سعد واستعمله صلى الله عليه وسلم على حرسه بتبوك من يوم قدم إلى أن رحل وكان أقام بها عشرين يوما هـ
وحرسه صلى الله عليه وسلم في غزة حنين أنس بن أبي مرثد الغنوي خرج أبو داوود والنساءي والبغوي والطبراني وابن منده من طريق أبي ثوبة
____________________
(1/358)
عن معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثنا السلولي يعني أبا كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة الظهر فذكر الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحرسنا الليلة فقال ابن أبي مرثد الغنوي أنا يا رسول الله وفي آخر الحديث فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نزلت الليلة فقال لا إلا مصليا أو قاضي حاجة فقال قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها إسناده على شرط الصحيح قاله الحافظ في الإصابة في ترجمة أنس المذكور وحرسه صلى الله عليه وسلم جماعة سماهم الشامي في سيرته وقال البرهان الحلبي إن الباب قابل للزيادة فاكشف عنه هـ
وفي سيرة ابن إسحاق في قصة قدوم ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع فلما دنوا من المدينة ألفوا المغيرة بن شعبة يحرس في نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رعيتها نوبا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأهم ترك الركاب عند الثقفيين وذهب يشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه والركاب دواب السفر التي تحمل الأثقال عليها من الإبل وغيرها
تنبيه
كان الصحابة يحرسونه صلى الله عليه وسلم في أسفاره قبل أن ينزل عليه ! ( والله يعصمك من الناس ) ! فلما نزلت منعهم من الحراسة والآية لا تنافي ما أصابه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد لأن الآية نزلت بعدها أو المراد حفظه من القتل كما فصله القطب الخيضري في خصائصه وانظر نسيم الرياض
____________________
(1/359)
الرجل يلازم المصطفى من خلفه
ترجم في الإصابة لجبلة بن عامر البلوي فذكر أن الرشاطي نقل عن ابن الكلبي أنه كان صاحب خلف المصطفى صلى الله عليه وسلم الرجل يتقدم أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ينشد شعرا
ترجم النساءي في السنن إنشاد الشعر في الحرم والمشي بين يدي الإمام ثم خرج أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعبد الله بن رواحة بين يديه ينشده
( خلوا بني الكفار عن سبيله ** ) وهو في الترمذي أيضا وذكر فيه دخل في عمرة القضاء قال الترمذي وروي في غير هذا الحديث وكعب بن مالك بين يديه وهذا أصح لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مئوتة وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك هـقال في نور النبراس وهذا الذي قاله الترمذي فيه نظر لأن عمرة القضاء كانت في السنة السابعة من ذي القعدة ومئوتة في جمادي الأولى سنة ثمان هـ& باب في طلائع الجيش &
ترجم الحافظ في الإصابة لسليط بن سفيان الأسلمي فنقل عن أبي عمر هو أحد الثلاثة الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع في آثار المشركين يوم أحد & باب في المتجسس & ذكر من بعثه صلى الله عليه وسلم متجسسا
خرج مسلم عن أنس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيسة
____________________
(1/360)
عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان
بيبس المذكور روي بسيبسة مصغرا أو بسبس وبسبسة وجوه ثلاثة أنظر الإصابة في ترجمته وفيها في ترجمة عدي بن أبي الزغباء الجهني أرسله صلى الله عليه وسلم مع بسبسة بن عمرو يتجسسان خبر أبي سفيان في وقعة بدر فسارا حتى أتيا قريبا من ساحل البحر ذكره ابن عقبة عن ابن شهاب إلا أنه قال مع بسبس بن عمرو الجهني وفي البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش وهو غلام شاب فطن فكان يبيت عندهما ويخرج من السحر فيبيت مع قريش هـ
وفي سيرة ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر وبلغ قريبا من الصفراء بعث بسبسة بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب وغيره وفي ابن إسحاق أيضا في غزوة بدر أنه صلى الله عليه وسلم ركب بنفسه هو ورجل من أصحابه أبو بكر حتى وقفا على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فأخبره فلما فرغ من خبره قال لهما ممن أنتما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماء ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فبعث عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص وغيرهم إلى بدر يلتمسون له الخبر الخ وبعث صلى الله عليه وسلم كما في الإستيعاب قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/361)
بسهميهما وبأجرهما
وفي ترجمة أبي تميم الأسلمي من طبقات ابن سعد هو أرسل غلامه مسعود بن هنيدة من العرج على قدميه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بقدوم قريش عليه وما معهم من العدد والعدد والخيل والسلاح ليوم أحد وفي الإستيعاب لدى ترجمة حذيفة بن اليمان قال هو الذي بعثه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ينظر إلى قريش فجاء بخبر رحيلهم هـ
وفي سيرة ابن إسحاق أيضا في قصة هوازن لما اجتمعوا لينظروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن حدرد وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ويأتيه بخبرهم فانطلق ابن أبي حدرد حتى دخل فيهم فأقام بينهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ونحوه في المواهب وشرحها وترجم في الإصابة لأمية بن خويلد فذكر أن المصطفى بعثه عينا وحده إلى قريش قال فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا
وترجم فيها أيضا لبشر بن سفيان العتكي فذكر فيها أنه أرسله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يتجسس له أخبار قريش
وترجم فيها أيضا لجبلة بن عامر البلوي فذكر أنه كان عين المصطفى يوم الأحزاب وترجم فيها أيضا لخبيب بن عدي الأنصاري فذكر عن البخاري بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت ثم نقل أيضا عن تخريج بن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا لقريش & باب في الرجل يتخذ في بلد العدو عينا يكتب بأخبارهم إلى الإمام &
____________________
(1/362)
في الإستيعاب في أخبار العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم العباس قبل فتح خيبر وكان يكتم إسلامه وكان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه إن مقامك بمكة خير
وترجم في الإصابة لأنس بن أبي مرثد الغنوي فنقل عن ابن سعد هو كان عين النبي صلى الله عليه وسلم بأوطاس & باب في جعل الإمام العين على الناس في بلده &
في شمائل الترمذي من حديث ابن أبي هالة الطويل كان صلى الله عليه وسلم يسأل الناس عما في الناس قال ابن التلمساني في شرح الشفا ليس من باب التجسس المنهي عنه وإنما هو ليعرف به الفاضل من المفضول فيكونون عنده في طبقاتهم وليس هو من الغيبة المنهي عنها وإنما هو من باب النصيحة المأمور بها هـ
وقال المناوي على الشمائل وهذا إرشاد للحكام إلى أن يكشفوا ويتفحصوا بل ولغيرهم ممن كثر إتباعه كالفقهاء والصالحين والأكابر فلا يغفلوا عن ذلك ليلا يترتب عليه ما هو معروف من الضرر الذي قد لا يمكن تدارك رفعه هـ
وقال الحافظ في باب الصبر على الأذى من الفتح على القصة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر في هذا الحديث جواز أخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم ليحذروا القائل هـ
وأخرج أسيد بن موسى في كتاب فضائل الشيخين عن الحر قال كان لعمر عيون على الناس
عجيبة
في فوائد المناصحة في فعل
____________________
(1/363)
المصافحة للعلامة الصالح أبي العباس أحمد بن علي البوسعيدي أخبرني سيدي علي بن بلقاسم البطيوي قال بلغنا أن الشيخ ابن غازي قد عين بعض أصحابه أن يكتب له كل ما جرى في البلد وما قال وقيل من خميس إلى خميس فيطالع ذلك ويكون ذلك يوم الخميس الذي تفرغ فيه من التدريس فحمل هذا من الشيخ ابن غازي على معرفة الزمان وأهله الماذون فيه أو المكلف به لما تقرر أن من لم يعرف الزمان ألخ كلامه ومن خط مؤلفها نقلت
وفي المحاضرات للشيخ أبي علي اليوسي أن الأمير محمد الحاج الدلاءي حدثه عن الحافظ أبي العباس المقري أنه كان يوم مقامه بمصر قد اتخذ رجلا بنفقته وكسوته وما يحتاج على أن يكون كلما أصبح ذهب يخترق البلد أسواقا ومساجد ورحابا وأزقة وكلما رءا من أمر وقع أو سمع يقصه عليه في الليل هـ
قلت
لاشك أن ابن غازي والمقري لو ظهرت الجرائد في أيامهما لكانا أول المشتركين فيها وكان الإشتراك عليهما في عشرة من الجرائد يومية مثلا أهون من صائر الرجل المذكور وتوابعه والله أعلم
وفي الدرر المرصعة في صلحاء ذرعة لأبي عبدالله محمد المكي بن موسى الناصري في ترجمة الإمام السني القدوة أبي العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي عن بعض تلاميذه قال كان الشيخ كثير السؤال والفحص عن أحوال الناس وماجرياتهم في الأقطار والمدائن وكان يسألني عن ذلك كثيرا قال فقلت مرة في نفسي ما للشيخ وما للأخبار لو اشتغل بصلاته وصيامه وسبحته كان أحسن له من هذا قال فلقني بعد ذلك بقريب وقال لي المؤمن يسأل عن إخوانه المسلمين وعن أحوالهم فمن كان في خير دعا له بالزيادة والهناء ومن كان
____________________
(1/364)
في شر وفقر دعا له بخير ورحمة قال صاحب الدرر وكان على هذا القدم العارف الشعراني
وفي ترجمة عثمان من طبقات ابن سعد عن موسى بن طلحة قال رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يحدث الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار وأخرج أيضا عن موسى قال رأيت عثمان يخرج يوم الجمعة فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن وهو يتحدث يسأل الناس عن أسعارهم وعن قوامهم وعن مرضاهم ثم إذا سكت المؤذن قام يتوكأ على عصا فيخطب ثم يجلس جلسة فيبتدئي كلام الناس فيسائلهم كمسألته الأولى ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ويقيم المؤذن & باب في المخذل & خذل أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه والخذلان ضد النصر والمراد به من يشتت الجموع بدهائه وسياسته
ذكر ابن حزم في الجمهرة نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال فيه هو الذي شتت جموع الأحزاب وفي الإستيعاب اسلم في الخندق وهو الذي خذل المشركين ببني قريظة حتى صرف الله كيدهم وخبره في تخذيل المشركين وبني قريظة عجيب في السيرة
قصة نعيم مبسوطة في ترجمته من طبقات ابن سعد وفي الإصابة هو الذي أوقع الخلف بين الجيشين قريظة وغطفان في وقعة الخندق فخالف بعضهم بعضا ورحلوا من المدينة وفي مبحث فصاحته صلى الله عليه وسلم من المواهب وقوله صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال سمى النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/365)
الحرب خدعة وليس عند مسلم سمى وقوله خدعة مثلث الخاء أشهرها فتح الخاء وإسكان الدال قال ثعلب وغيره وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ضم الخاء وإسكان الدال والثالثة ضم الخاء وفتح الدال وقد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب لما بعث نعيم بن مسعود وأمره أن يخذل بين قريش وغطفان واليهود وأشار بذلك إلى أن المماكرة أنفع من المكاثرة هـ
وقصة نعيم الأشجعي المذكور أنه أتى بني قريظة وكان نديما لهم فقال قد عرفتم ودي لكم قالوا صدقت قال إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم ونساؤكم لا تقدروا على أن تحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان جاءوا إلى حرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليهم وبلدهم وأموالهم ونسائهم بغيره فليسوا كأنتم لأنهم إن رأوا ثمرة أصابوها وإلا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين محمد ولا طاقة لكم وحدكم فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم فقالوا أشرت بالرأي ثم أتى قريشا فقال قد عرفتم ودي وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم أن يهود ندموا على ما صنعوا وأرسلوا بذلك إلى محمد وقالوا يرضيك أن نأخذ لك من أشراف قريش وغطفان رجالا تضرب أعناقهم ثم نكون معك حتى تستأصل باقيهم ثم أتى غطفان فقال لهم مثل ذلك فأرسلوا إلى بني قريظة عكرمة في نفر من القبيلتين فقالوا لا نقاتلوا معكم حتى تعطونا رهنا فقالت القبيلتان إن الذي حدثكم به نعيم لحق وأرسلوا إليهم لا ندفع إليكم رجلا واحدا فقالت قريظة إن الذي ذكر لكم نعيم لحق قال ابن باديس يؤخذ منه جواز مخادعة العدو والتحيل في دفع ضرره على
____________________
(1/366)
المسلمين لقوله لنعيم اخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة وإذا أبيح كلام الخير في الصلح بين الإثنين من المسلمين وإن لم يقله أحد منهما تأليفا للقلوب فما بالك بمحق الكفار وحقن دماء أهل النصرة والدار الباذلين انفسهم في إظهار دين الله وسنة نبيه المختار فهو من باب النصح للمسلمين والأمانة لا من باب الكذب والخيانة هـ
وخرج ابن أبي حاتم في العلل عن النواس بن سمعان قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال تهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار إن كل كذب مكتوب كذبا لا محالة إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة وفي التوشيح على قوله صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة بنقط حاء مثلث أمر بإستعمال الحيلة فيه ما أمكن وقال ابن المنير أي الحرب الكاملة في مقصودها البالغة إنما هي مخادعة لا مواجهة وذلك لخطر المواجهة وحصول الغرض الظفر بالمخادعة بلا خطر هـ
زاد أبو الحسن الدمنتي في إختصاره للتوشيح أخبرني بعض علماء القسطنطينية أنهم قالوا للنصارى إنا غلبناكم بالسلاح وإنما غلبتم أنتم ملوكنا بحيلكم وتزيين الملاهي والمحرمات فاتبعوكم بإفساد الدين فقالوا لهم أليس بصحيح أخبار نبيكم الحرب خدعة قلنا نعم قالوا إذا إنما غلبناكم بشرعكم الخدعة هـ& باب في النمام &
ترجم في الإصابة لمسعود فذكر أن ابن أبي شيبة أخرج عن عروة قال كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له مسعود وكان نماما فلما كان يوم الخندق بعثه أهل قريظة إلى أبي سفيان أن ابعث
____________________
(1/367)
إلينا رجالا حتى نقاتل محمدا مما يلي المدينة وتقاتله أنت مما يلي الخندق فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن يقاتل من جهتين فقال يا مسعود نحن بعثنا إلى بني قريظة أن يرسلوا إلى أبي سفيان فيرسل إليهم رجالا فإذا أتوهم مكنوا منهم فقتلناهم فلم يتمالك مسعود لما سمع بذلك أن أتى أبا سفيان فأخبره فقال صدق والله محمد ما كذب قط فلم يرسل إلى بني قريظة أحدا قال الحافظ وفي هذه القصة شبه بقصة نعيم بن مسعود الأشجعي والله أعلم هـ& باب في استعمال السفن البحرية وفيه فصول & ذكر من استعمل فيها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم &
وقع في السيرة ذكر عدة سفن استعملها الصحابة في العهد النبوي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري سنة ست إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم وأرسل إليه كل من أقام بأرض الحبشة من الصحابة حين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي وجعلهم في سفينتين فقدم بهم عليه وهو في خيبر منهم جعفر بن أبي طالب وحمل معه في السفينة نساء من هلك هناك من المسلمين وركب أبو موسى الأشعري وإخوانه وقومهم في هجرتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقتهم سفينتهم إلى النجاشي بالحبشة فوافوا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فأقاموا معه حتى قدموا جميعا والقصة في الصحيح وفي الموطأ عن أبي هريرة جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب
____________________
(1/368)
البحر ونحمل معنا الماء القليل فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر قال هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهو في جامع الترمذي وغيره أيضا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ناسا من أمتي يركبون البحر غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة قال ذلك في بيت أم حرام بنت ملحان كما في الموطأ فقالت أدع الله أن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين فركبت البحر في زمن معاوية ونزلت في جزيرة قبرس ودفنت هناك
الحديث الأخير بوب عليه البخاري في كتاب الجهاد باب غزو المرأة في البحر وساقه بلفظ ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله مثلهم مثل الملوك على الأسرة فقالت ابنة ملحاق يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم فقال أنت مع الأولين ولست من الآخرين قال أنس فتزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر مع بنت قرظة فلما قفلت ركبت دابتها فوقصت بها فسقطت عنها فماتت نقل الحافظ عن موطأ ابن وهب عن ابن لهيعة أن معاوية أول من ركب البحر للغزاة هـ
ونحوه للحافظ أيضا على باب ركوب البحر من كتاب الجهاد أيضا انظره وفي جامع العتبية قال مالك استأذن معاوية بن أبي سفيان عمر بن الخطاب في ركوب البحر فأبى أن يأذن له فلما ولي عثمان كتب إليه يستأذنه فأبى ثم رد عليه فكتب إليه عثمان إن كنت تركب بأهلك وولدك فاركب فقد أذنت لك فركب معاوية ومعه امرأته بنت قريظة وفيها أيضا قال مالك أمر عثمان بن عفان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان عمرا على البر ومعاوية على البحر
____________________
(1/369)
وإذا اجتمعا فمعاوية الأمير فلما بلغا رأس مغزاهما أرسل معاوية إلى عمرو أن يأتيه فأبى فأرسل يعزم عليه فقال عمرو أنا أعزم على نفسي أن لا آتيك فقال معاوية ادن مني على شاطئي البحر فأتى عمرو على قوس فكلمه ما شاء الله فقال له معاوية أفشأت أنت فقال قافلون قال ابن رشد في البيان والتحصيل وقع هذا في موطأ ابن وهب وإنما لم يأت عمرو معاوية اذ عزم عليه في الإتيان إليه من أجل أنه من حيث لم يجعل له عليه عثمان أمرا ولعله قد كانت له في الإتيان إليه مشقة ولما سأله أن يدنو منه أجابه لذلك لخفة الأمر هـ
وفي الخطط للمقريزي لم يكن البحر يركب للغزو في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر وأول من ركب البحر للغزو العلاء بن الحضرمي وكان على البحرين من قبل أبي بكر وعمر فأحب أن يؤثر في الأعاجم أثرا يعز الله به الإسلام على يديه فندب أهل البحرين إلى فارس فبادروا إلى ذلك وفرقهم أجنادا على أحدهم الجارود بن المعلى وعلى الثاني سوار بن همام وعلى الثالث خليد بن المنذر بن ساوى وجعل على عامة الناس خليدا فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر بن الخطاب وكان عمر لا يأذن لأحد في ركوب البحر غازيا كراهية للتغرير بجنده فلما فتح الله الشام ألح معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ على جند دمشق والأردن على عمر في ركوب البحر ثم لما كانت خلافة عثمان غزا المسلمون في البحر وكان أول من غزا فيه معاوية بن أبي سفيان واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الخاسيي خليفة بني فزارة فغزا خمسين غزوة من بين شاتية وصائفة في البر والبحر ولم يركب فيه وغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى
____________________
(1/370)
البحر لما أتاه قسطنطين بن هرقل عام 34 في ألف مركب يريد الإسكندرية فسار عبد الله في مائتي مركب أو يزيدون شيئا وحاربه فكانت وقعة ذات الصوار فهزم قسطنطين وقتل جنده وأغزى معاوية عقبة بن عامر الجهني في البحر وأمره أن يتوجه إلى رودس فأتى إليها وقد ذكر شيخنا ولي الدين ابن خلدون تعليل إمتناع المسلمين من ركوب البحر للغزو في أول الأمر أن العرب لم يكونوا أول الأمر مهرة في ثقافته وركوبه فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم وصارت أمم العجم خولا لهم وتحت أيديهم وتقرب كل ذي صنعة إليهم تاقت أنفسهم إلى الجهاد فيه وأنشأوا السفن وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح وأمطوها العساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر واختصوا لذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب إلى هذا البحر وعلى ضفته مثل الشام وإفريقيه والمغرب والأندلس هـبخ
وقال الشيخ ابو راس المعسكري في الحلل السندسية على قوله صلى الله عليه وسلم لام حرام أنت من الأولين أي وهم من الآخرين وهم الذين ركبوا لغزو الأندلس مثل طريف وطارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وابنه علي وعبد المؤمن بن علي وإبنه وابن ابنه ويعقوب بن عبد الحق فقد أعطي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم هـ
وقال الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته التي ذكر فيها فضائل علماء الأندلس لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر به ووصف أسلافنا المجاهدين فيه بصفات الملوك على الأسرة في الحديث الذي رويناه من طريق أنس بن مالك أن خالته أم حرام حدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها بذلك لكفى
____________________
(1/371)
شرفا بذلك يسر عاجله ويغبط آجله فإن قال قائل لعله صلى الله عليه وسلم إنما عنى بذلك أهل صقلية وابريطش وما الدليل على ما ادعيته من أنه صلى الله عليه وسلم عنى الأندلس حتما ومثل هذا من التأويل لا يتساهل فيه ذو ورع فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب وأمر بالبيان لما أوحي إليه وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من أمته يركبون ثبج البحر غزاة واحدة بعد واحدة فسألته أم حرام أن يدعو ربه أن يجعلها منهم فأخبرها صلى الله عليه وسلم وخبره الحق أنها من الأولين وهذا من إعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وهو إخباره بالشيء قبل كونه وصح البرهان على رسالته بذلك وكانت من الغزاة إلى قبرس وخرت عن بغلتها فتوفيت هناك وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر فثبت يقينا أن الغزاة غلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم صلى الله عليه وسلم وكان أم حرام منهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم ولا سبيل أن يظن به وقد أوتي من البلاغة والبيان أن يذكر طائفتين قد سمى أحداهما أولي الا والتالية لها ثانية فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية ولا الثانية ثانية إلا لأولى فلا سبيل لذكر ثالث إلا بعد ثان ضرورة الخ كلامه وانظر بقيته في الرسالة المذكورة وهي مثبوتة في نفح الطيب أول المجلد الثاني وفي تاريخ الخميس للديار بكري لما تكلم على ما نقم الناس على سيدنا عثمان قال السادس زعموا أنه حمى البحر أن لا تخرج منه سفينة إلا في تجارته
جوابه أما حمى البحر فعلى تقدير صحته يحمل
____________________
(1/372)
على أنها كانت ملكا له لأنه كطان منبسطا في التجارات متسع الحال في الجاهلية والإسلام فما حمى البحر وإنما حمى سفنه أن يحمل فيها متاع غير متاعه هـ
ففيه أن عثمان كانت له سفن بحرية للتجارة
وترجم في الإصابة لبسر بن أرطاة فذكر أنه ولي البحر لمعاوية فأخذ من ذلك أن إمارة البحر في زمن معاوية ضبطت وتوسع أمرها
وفي صناجة الطرب في تقدمات العرب لما كان عهد معاوية بن ابي سفيان أذن للمسلمين في ركوب البحر والجهاد على أعدائه فاستخدموا حينئذ من النوتية في حاجاتهم البحرية أمما تكررت ممارستهم للبحر وأنشأوا السفن والسواني جمع سونة وهي مركب البحر إلى أن بلغت في أيامه ألفا وسبعمائة مشحونة بالرجال والسلاح هـ
وفي تسريح الأبصار فيما يحتوي لبنان من الآثار للقس هنري لامنس اليسوعي ذكر تاوفان المؤرخ في تاريخ سنة 6140 للعالم أن معاوية أول خلفاء بني أمية ابتنى 1700 سفينة شراعية واتخذ أعوادها من جبل لبنان ولم تمض سنوات قليلة بعد ذلك حتى جهز أيضا أسطولا ثانيا أكثر عددا وأشد هولا من الأول هـمنه
تنبيه
لعلي بن حرب العراقي كتاب البحار نقل عنه الحافظ في الإصابة انظر سلامه العدري ولبعض المعاصرين المصريين كتاب سفن الأسطول الإسلامي وتاريخها وأنواعها وأوصافها وهو مطبوع & باب في صانع المنجنيق & التي ترمي بها الحجارة معربة
قال الخفاجي في نسيم الرياض وهو بفتح الميم وكسرها آلة لرمي العدو بحجارة كبيرة بأن يشد سوار مرتفعة جدا من الخشب
____________________
(1/373)
يوضع عليها ما يراد رميه ثم تضرب سارية توصله لمكان بعيد جدا وكانت هذه الآلة قديما قبل اختراع المدافع والبارود هـ
وفي السير أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق قال ابن هشام وحدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق أهل الطائف
وبذلك جزم أيضا السيوطي في أوائله فقال أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام في غزوة الطائف وفي الكامل لإبن الأثير أشار به سلمان الفارسي وفي نور النبراس حديث نصب المنجنيق على أهل الطائف هو مرسل وهو في الترمذي كذلك وقال ضعيف ولاكن هو في البيهقي من رواية أبي عبيدة
وفي الميزان في ترجمة عبد الله بن حراس أن له عن العوام عن إبراهيم التميمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف
أقول
صنع المنجنيق وحفر الخندق وإيجاد الدبابات من علم الآلات الحربية التي عرفها العرب ودونوا فيها وقال ابن الأكفاني في إرشاد القاصد علم الآلات الحربية علم يتبين منه كيفية إيجاد الآلات الحربية كالمجانيق وغيرها ومنفعته شديدة الغناء في حماية المدن ودفع الأعداء ولموسى بن شاكر فيه كتاب مفيد هـ
وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن جديمة الأبرش التنوخي آخر ملوك قضاعة بالحيرة هو أول من اتخذ المنجنيق ووضعه على الحصون & باب في الدبابات &
الدبابة بفتح الدال المهملة مخففة عن تاء التأنيث آلة من آلات
____________________
(1/374)
الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون إلى الأسوار ينقبون
قال في القاموس الدبابة تتخذ للحروب فيدفع في أصل الحصن فيشنون وهم في جوفها هـ
وهي بيت صغير تعمل للحصون يدخلها الرجال فينقبون من داخلها ويكون سقفها حرزا لهم من الرمي هـ
في كتاب نفحة الحدائق والخمائل في الإبتداع والإختراع للأوائل أول دبابة صنعت في الإسلام دبابة صنعت على الطائف حين حاصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
في طبقات ابن سعد لدى الكلام على وفد ثقيف ولم يحضر عروة ابن مسعود ولا غيلان بن سلمة حصار الطائف كانا بجرش يتعلمان صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات فقدما وقد انصرف رسول الله عن الطائف فنصبا المنجنيق والعرادات والدبابات الخ
قلت
الجرش كما في القاموس بلد بالأردن وكزمر مخلاف باليمن منه الأديم والعرادات قال فيه أيضا شيء أصغر من المنجنيق وفي كتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبن الطلاع في السير أول من رمى بالمنجنيق رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم رجعوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه هـمنه & باب في القوم يحرقون الأشجار ويقطعونها &
في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير فأنزل الله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين
____________________
(1/375)
& باب في حفر الخندق الحفير وخندق ما حوله حفر خندقا &
ذكر ابن اسحاق في السيرة خبر اليهود الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهم وما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون وذكر ابن الجوزي في صفوة الصفوة عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان رضي الله عنه كان رجلا قويا فقال المهاجرون منا وقال الأنصار منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أهل البيت وفي سيرة ابن اسحاق أنه صلى الله عليه وسلم ضرب معهم وحفر بنفسه الكريمة وأقبل فوارس من قريش حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله إن هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها
وفي ترجمة سلمان من الإستيعاب أن سلمان هو الذي أشار به وأن أبا سفيان هو الذي قال هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها
وفي نفحة الحدائق أول من ضرب الخندق في الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة
وقال السهيلي أيضا اتخاذ الخندق من مكايد الفرس في الحروب ولذلك تفطن سلمان وأشار به والفرس أول من خندق وبختنصر أول من اتخذ الكمائن ويدل ذلك على جواز مثل هذا في التحرز من العدو والأصل فيه قوله
____________________
(1/376)
تعالى ! ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ! هـنقله ابن باديس
قلت
وفي ذلك أعظم دلالة على أن الممالك والدول التي لا تنسج على منوال مجاوريها فيما يتخذونه من الآلات الحربية والتراتيب العسكرية والنظامات العلمية والعملية الصناعية والزراعية يوشك أن تكون غنيمة لهم ولو بعد حين فحال نبينا الكريم كان يقضي بأخذه بالأحسن والأنفع في كل باب باب سواء كان قومه يعلمونه ويعملون عليه أم لا ولذلك ثبت أنه قال لعاصم بن ثابت من قاتل فليقاتل كما يقاتل
وقال الحافظ ابن تيمية في رسالة عموم بعثته صلى الله عليه وسلم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتال الترك وأن أمته ستقاتلهم ومعلوم أن قتالهم النافع إنما هو بالقسي الفارسية ولاكن قوتلوا بالقسي العربية التي تشبه قوس القطر لم تغن شيئا بل استطالوا على المسلمين بقوة رميهم فلا بد من قتالهم بما يقهرهم وقد قال بعض المسلمين لعمر بن الخطاب إن العدو إذا رأيناهم لبسوا الحرير وجدنا في قلوبنا روعة فقال وأنتم فالبسوا كما لبسوا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه في عمرة القضاء بالرمل والإضطباع ليرى المشركون قوتهم وإن لم يكن هذا مشروعا قبل هذا ففعل لأجل الجهاد ما لم يكن مشروعا هـ
ويوضح هذا ما تضمنته وصية الصديق لخالد بن الوليد حين بعثه لقتال المرتدين فقال يا خالد عليك بتقوى الله والرفق بمن معك إلى أن قال ثم إذا لاقيت القوم فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به السهم للسهم والرمح للرمح والسيف للسيف قال في أقوم المسالك ولو أدرك هذا الزمان لا بدل ذلك بذكر المدفع والمكحلة والسفينة المدرعة ونحو ذلك من المخترعات التي تتوقف
____________________
(1/377)
عليها المقاومة ولا يتحصل بدونها الإستعداد الواجب شرعا الذي يلزم معرفة قوة المستعد له والسعي في تهيئة مثلها أو خير منها ومعرفة الأسباب المحصلة له هـ
ولأبي عبد الله محمد بن عبد القادر الكردودي الفاسي كتاب كشف الغمة في أن حرب النظام واجب على هذه الأمة وهو مطبوع بفاس
وقد قال الزرقاني في شرح المختصر لدى قوله ونلتم نقلا عن العز ابن عبد السلام ليس كل ما فعلته الجاهلية منهيا عن ملابسته بل ما خالف فيه شرعنا وقد حفر صلى الله عليه وسلم الخندق ولم تكن العرب تعرفه ومدح قسي العجم وقال هم أقوى منكم رميا هـ
وقال المواق في سنن المهتدين كنت أبحث لأهل الفحص في لبسهم الرندين كما قال مالك في المظال ليست من لباس السلف وأباحها لأنها تقي من البرد يعني فأفتيت بإباحتها فشنع علي في ذلك فكان من جوابي أن قلت الرندين ثوب رومي يضمحل التشبه فيه بالعجم في جنب منفعته إذ هو ثوب مقتصد ينتفع به ويقي من البرد ونص من أثق به من الأيمة أنه ليس كل ما فعلته الأعاجم نهينا عن ملابسته إلا إذا نهت عنه الشريعة ودلت القواعد على تركه والمراد بالأعاجم الذين نهينا عن التشبه بهم إتباع الأكاسرة في ذلك الزمن ويختص النهي بما يفعلونه على خلاف مقتضى شرعنا وأما ما فعلوه على وفق الندب أو الإيجاب أو الإباحة في شرعنا فلا نترك ذلك لأجل تعاطيهم أياه لان الشرع لا ينهى عن التشبه بفعل ما أذن الله فيه فقد حفر صلى الله عليه وسلم الخندق على المدينة تشبها بالأعاجم حتى تعجب الأحزاب منه ثم علموا أنه بدلالة سلمان الفارسي الخ كلامه وانظر تحديد الأسنة في الدب عن السنة لشيخنا الأستاذ الوالد رضي الله عنه
____________________
(1/378)
وفي حواشي الشمس بن عابدين على الدر المختار نقلا عن الدخيرة من كبار كتب الحنفية قال هشام رأيت على ابي يوسف نعلين مخصوفين بمسامير فقلت أترى بهذا الحديد بأسا قال لا قلت سفيان وتور بن يزيد كرها ذلك لأن فيه تشبها بالرهبان فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس لها شعر وأنها من لباس الرهبان قال فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيها تعلق به صلاح العباد لا يضر فإن الأرض مما لا يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلا بهذا النوع هـمنه
وفي الزرقاني على المختصر لدى قوله ونلتم عن بعضهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم العرب عن التشبه بالعجم ولم يأت أنه نهى وافدا عليه من العجم عن زيهم وندبهم إلى زي العرب قال بعضهم ومن هذا المعنى أن ما وافق الجاهلية ولم يرد نهي شرعنا عنه وصلة الناس أرحامهم في المباحات في النيروز والمهرجان وقال مالك لا بأس بلباس البرانس وليست من لباس السلف
أبو عمر الأصل في الأشياء الإباحة حتى يثبت النهي هـمنه
وجعل الشيخ بناني قولة مالك في البرانس التي ذكر ز محرفة وأن مالكا قال إنها من لباس السلف ولعل الموضوع مختلف
تنبيه
قال الشيخ أبو سالم العياشي في كتابه الحكم بالعدل والإنصاف أن المواق في كتابه سنن المهتدين كسر شوكة من يرى أن كل ما لم يكن في الصدر الأول بدعة وأن كل ما خالف المشهور ضلالة ولم نزل نسمع من شيخنا أبي محمد عبد القادر الفاسي أن المواق قصد تسهيل الأمر على الناس فيما ذكره ابن الحاج في مدخله من التشديد وإدخال كثير مما عملت به الأمة من القرب في حيز البدعة حيث لم يكن في الصدر
____________________
(1/379)
الأول مع أنها قد قال بها بعض الأيمة وربما كان لها أصل في السنة ولو ضعيفا وأخذ من حديث أو فعل من أفعاله صلى الله عليه وسلم أو حال من أحواله ولو من وجه بعيد وكل ذلك يصدق عليه أنه مأخوذ منه صلى الله عليه وسلم والنسبة تقع بأدنى شيء والناس أطوار وكلهم مستمد منه صلى الله عليه وسلم فالقوي في قوته وصريح مقاله والضعيف من مفهوم مقاله وإشارات بعيدة تؤخذ من بعض كلماته أو فعالاته صلى الله عليه وسلم ولا يضل كل الضلال في جميع المسائل إلا من قطعت بينه وبينه صلى الله عليه وسلم كل العرى والوسائل هـمنه & باب في صاحب المغانم &
وفيه ذكر من ولي جمعها وحفظها حتى قسمت يوم بدر
قال ابن إسحاق في أخبار يوم بدر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف وقال ابن حزم ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر وفي يوم خيبر وقال القضاعي في كتاب الأنباء كان في يوم خيبر من السبايا ستة آلاف ومن الإبل والغنم ما لا يدرك عدده وروى ابن فارس في كتابه مسند الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى يومئذ ستة آلاف بين امرأة وغلام فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أبا سفيان بن حرب
وقد سبق لنا استدراك أن بديل بن ورقاء أمره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه
____________________
(1/380)
& باب في ذكر من كان يكتب غنائم المصطفى صلى الله عليه وسلم &
في العقد الفريد لإبن عبد ربه وكان معيقب بن أبي فاطمة يكتب مغانم النبي صلى الله عليه وسلم هـ ذكر من تولى بيع ما احتيج إلى بيعه من المغانم
ذكر أبو القاسم خلف بن بشكوال في كتابه الذي ألفه في تفسير ما استعجم من غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة عن مالك قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين يوم خيبر أن يبيعا آنية من المغانم بذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلاثة عينا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا قال ابن بشكوال السعدان المذكور ان أولى ما قيل فيهما سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة & باب في هبة الإمام جنس حيوان من غزاهم &
ترجم الحافظ للقيم الدجاج فقال ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان وقال إنه مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزاة خيبر بشعر فوهب له النبي صلى الله عليه وسلم دجاج خيبر عن آخرها فمن حينئذ قيل له لقيم الدجاج ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني والمدائني عن صالح بن كيسان قال الحافظ قلت قصته مذكورة في السيرة لإبن إسحاق لاكنه قال ابن لقيم فيحتمل أن يكون وافق اسمه اسم أبيه & باب في صاحب الخمس &
____________________
(1/381)
قال ابن عبد البر كان على غنائم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاري وكان على خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيرها
وفي صحيح مسلم من كتاب الزكاة في ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فقال عن محمية بن جزء استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأخماس انظر ترجمته من الإصابة & باب في الرجل يبعثه الإمام مبشرا بالفتح وفيه تلقي القوم المبعوث إليهم بالبشارة للإمام في الطريق يهنئونه به &
قال ابن إسحاق في أخبار بدر وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة مبشرا إلى أهل العالية ما كان من جهة نجد من المدينة
وفي طبقات ابن سعد والعالية بنو عمرو بن عوف وخطمة ووائل بما فتح الله على رسوله وعلى المسلمين وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة السافلة ما كان من جهة تهامة
قال ابن إسحاق ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه وما معه من المسلمين
ترجم البخاري في كتاب الجهاد باب البشارة في الفتوح ثم خرج أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وجه جرير بن عبد الله البجلي لهدم صنم ذي الخلصة المسمى كعبة اليمانية وفيه أنه لما هدمه أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره ثم ترجم باب ما يعطى للبشير فذكر أن كعب بن مالك أعطي ثوبين حين بشر بالتوبة & باب الطعام عند القدوم &
____________________
(1/382)
هكذا بوب البخاري آخر كتاب الجهاد فذكر فيها عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة ثم ذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه بعيرا بأوقيتين ودرهم أو درهمين فلما قدم صرارا موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها قال ابن بطال فيه إطعام الإمام والرءيس أصحابه عند القدوم من السفر وهو مستحب عند السلف ويسمي النقيعة وزن عظيمة ونقل عن المهلب أن ابن عمر كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه هـ& باب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره &
في الموطأ عن ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آئبون أي راجعون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده & باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند كل قرية أراد أن يدخلها &
في كتب السير أنه صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال قفوا اللهم رب السماوات وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أدرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله وكان يقولها لكل قرية دخلها خرجه النساءي من طريق سهيل بن أبي صالح عن
____________________
(1/383)
أبيه قال قال كعب الأحبار والذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثني أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها اللهم رب لخ الحديث إلا أنه قال والأرضين السبع ولم يذكر ابن إسحاق السبع إلا في السماوات قال كعب والذي فلق البحر لموسى أنها كانت دعوته حين يرى العدو وذكر ابن عاث من طريق آخر زيادة في آخره أسألك مودة خيارهم وأن تحميني من شرارهم وانظر أذكار النووي وشرحها لإبن علان المكي وتخريج أحاديثها للحافظ ابن حجر كيف كان حال كفار جزيرة العرب معه صلى الله عليه وسلم
كان الكفار بعد الهجرة كما أفاده الحافظ في غزوة بني النضير وغيرها على ثلاثة أقسام قسم وادعهم صلى الله عليه وسلم على أن لا يحاربوه ولا يؤلبوا عليه عدوا وقيل على أن لا يكونوا معه ولا عليه وقيل على أن ينصروه ممن دهمه من عدوه وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وبنو قينقاع فنقض الثلاثة العهد فمكن الله رسوله منهم فقاتل قريظة من أجل الآخرين وقسم حاربوه صلى الله عليه وسلم ونصبوا له العداوة كقريش فنصره الله عليهم وفتح مكة فصار أعظمهم عليه أحوجهم إليه ثم في حجة الوداع لم يبق أحد من قريش إلا أسلم وصاروا كلهم أتباعه وقسم تركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف العرب منهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة وبالعكس كبني بكر ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا ومنهم المنافقون فكانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع ثم النظير ثم قريظة فحاربهم
____________________
(1/384)
المصطفى بعد وقعة بدر بشهر
وقال الحافظ ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول لا خلاف بين أهل السير أن جميع قبائل الأوس والخزرج لم يكن فيهم من يقاتل المصطفى بيد ولا لسان ولا كان أحد بالمدينة يتمكن من إظهار ذلك وإنما غاية الكافر أو المنافق منهم أن يثبط الناس عن إتباعه أو يعين على رجوعه من المدينة إلى مكة ونحو ذلك مما فيه تخذيل عنه وحض على الكفر به لا على قتاله ومن المعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر علمه عند كل من له علم بالسيرة أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يحارب أحدا من أهل المدينة بل وادعهم حتى اليهود خصوصا بطون الأوس والخزرج فإنه كان يسالمهم ويتألفهم بكل وجه وكان الناس إذ قدمها على طبقات منهم المؤمن وهم الأكثرون ومنهم الباقي على دينه وهو متروك لا يحارب ولا يحارب وهو والمؤمنون من قبيلته وحلفائهم أهل سلم لا أهل حرب حتى حلفاء الأنصار أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على حلفهم
قال موسى بن عقبة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فيها دار من دور الأنصار إلا فيها رهط من المسلمين إلا بني خطمة وبني واقف وبني وائل كانوا آخر الأنصار إسلاما وحول المدينة حلفاء للأنصار كانوا يتظاهرون بهم في حربهم فأمر المصطفى أن يخلوا حلف حلفائهم للحرب التي كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين من عادوا الإسلام وكان صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط فيهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام وفيهم أهل الحلقة والحصون وفيهم حلفاء للحيين جميعا الأوس والخزرج فأراد رسول
____________________
(1/385)
الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم
كان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا ومن المعلوم أن قبائل الأوس كانوا حلفاء بعضهم لبعض وكان فيهم المظهر للإسلام المبطن لخلافه وكان الإسلام يفشوا في بطون الأنصار بطنا بعد بطن حتى لم يبق فيهم مظهر الكفر بل صاروا إما مؤمنين أو منافقين وكان من لم يسلم منهم بمنزلة اليهود موادع لهاذين أو هم أحسن حالا من اليهود لما يعرف فيه من العصبية لقومه وأن يهوى هواهم ولا يرى أن يخرج عن جماعتهم وكان صلى الله عليه وسلم يعاملهم بالكف عنهم وإحتمال أذاهم بأكثر مما يعامل به اليهود لما كان يرجو منهم ويخاف من تغير قلوب من أظهر الإسلام من قبائلهم لو أوقع بهم وهو في ذلك متبع لقوله تعالى ! ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) ! هـمنه كيفية معاملته صلى الله عليه وسلم مع كفار زمانه
من استعمال الشدة في وقتهاوالعطف والمجاملة في إبانها ومناسبتها زيادة على ما سبق عن ابن تيمية كان صلى الله عليه وسلم في أول أمره يتحمل أذاهم ويصبر على بلواهم حتى أذن الله له بالقتال لإثنى عشر ليلة مضت من صفر في السنة الثالثة من الهجرة قال الزهري أول آية نزلت في الإذن بالقتال ! ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) ! خرجه النساءي بإسناد صحيح قال أبو حيان في البحر والمأذن فيه في الآية محذوف أي في القتال لدلالة الذين يقاتلون عليه وعلل بأنهم ظلموا كانوا يأتون من بين
____________________
(1/386)
مضروب ومشجوج فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بقتال حتى هاجر فأذن له بالقتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية وقال غيره وإنما شرع الله الجهاد في الوقت الأليق لأنهم كانوا بمكة وكان المشركون أكثر عددا فلو أمر المسلمين وهم قليل بقتال الباغين لشق عليهم فلما نفر المشركون وأخرجوه صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم وهموا بقتله واستقر صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع عليه أصحابه وقاموا بنصره وصارت المدينة دار إسلام ومعقلا يلجأون إليه شرع الله الجهاد فبعث صلى الله عليه وسلم البعوث والسرايا وغزا بنفسه وقاتل هو وأصحابه وكان عدد مغازيه التي خرج فيها بنفسه صلى الله عليه وسلم سبعا وعشرين كما قاله ايمة المغازي وجزم به ابن الجوزي والدمياطي والعراقي وغيرهم وقيل غير ذلك قال ابن تيمية ولا يعلم أنه صلى الله عليه وسلم قاتل في غزاة إلا في أحد ولم يقتل أحدا إلا أبي بن خلف فيها فلا يفهم من قولهم قاتل كذا أنه بنفسه كما فهمه بعض الطلبة ممن لا إطلاع له على أحواله صلى الله عليه وسلم هـ
قال في النور قد يرد على أبن تيمية حديث كنا إذا التقينا كتيبة أو جيشا أول من يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن تأويله وكانت سراياه صلى الله عليه وسلم التي بعث فيها سبعا وأربعين سرية قال الشامي الذي وقفت عليه من السرايا والبعوث يزيد على السبعين وقال الحافظ قرأت بخط مغلطاي أن مجموع الغزوات والسرايا مائة وهو كما قال هـ
وقد جرت عادة المحدثين وأرباب السير أن يسموا كل عسكر حضره صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة غزوة وما لم يحضره بل أرسل بعضا من أصحابه إلى العدو سرية وبعثا وفي حال جريان الأعمال
____________________
(1/387)
الحربية مجراها أو السلم والصلح او الهدنة كان صلى الله عليه وسلم يتألف كبار المشركين والكفار ويلين لهم القول ويظهر لهم إذا قدموا عليه مزيد الإعتبار أتلافا لهم وليعرفوا خلقه وناهيك بقصة عبس وتولى المتقدمة وفي بدائع الفوائد للحافظ ابن القيم أن الإمام أحمد سئل هل يكني الرجل أهل الذمة فقال قد كنى النبي صلى الله عليه وسلم أسقف نجران وعمر فقال يا أبا حسان لا بأس به وكان يأمر الصحابة بذلك ايضا
قال المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير لدى حديث إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه المخرج في ابن ماجه والبزار والطبراني وابن عدي والبيهقي والحاكم عن عدة من الصحابة ما نصه إذا أتاكم كريم قوم أي رءيسهم المعظم فيهم المعود منهم بإكبار الأعظام وإكثار الإحترام فأكرموه برفع مجلسه وإجزال عطيته ونحو ذلك مما يليق به لأن الله عوده ذلك منه إبتلاء له فمن استعمل معه غيره فقد استهان به وجفاه وأفسد عليه دينه فإن ذلك يورث في قلبه الغل والحقد والبغضاء والعداوة وذلك يجر إلى سفك الدماء وفي إكرامه اتقاء شره وإبقاء دينه فإنه قد تعزز بدنياه وتكبر وتاه وعظم في نفسه فإذا أحقرته فقد أهلكته من حيث الدين والدنيا وبه عرف أنه ليس المراد كريم القوم عالمهم أو صالحهم كما وهم البعض ألا ترى أنه لم ينسبه في الحديث إلى علم ولا دين ومن هذا السياق انكشف أن استثناء الكافر والفاسق كما وقع لبعضهم منشؤه الغفلة عما تقرر من أن الإكرام منوط بخوف محذور ديني أو دنيوي أو تكون ضرر للفاعل أو المفعول معه فمتى خيف شيء من ذلك شرع إكرامه بل يجب فمن قدم عليه بعض الولاة
____________________
(1/388)
الظلمة الفسقة فأقصر مجلسه وعامله معاملة الرغبة فقد عرض نفسه وماله للبلاء فإن أوذي ولم يصبر فقد خسر الدنيا والآخرة وقد قيل دارهم ما دمت في دارهم وحيهم ما دمت في حيهم هـ
وقال صلى الله عليه وسلم بعثت نبيا مداريا ولهذا كان كثير من أكابر السلف المعروفين بمزيد الورع يقبلون جوائز الأمراء المظهرين للجور ويظهرون لهم البشاشة حفظا للدين ورفقا بالمسلمين ورحمة بذلك الظالم المبتلى المتكبر وهكذا كان أسلوب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم وقد غلط في هذا الباب كثير غفلة عن معرفة تدبير الله ورسوله والجمود على ظاهر ! ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) ! وما دروا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسن البيان بموضع طلب إهانة الفاسق والكافر للأمن من حصول مفسدة والحاصل أن الكامل إنما يكرم لله أو يهين لله ولهذا قال بعض العارفين ينبغي للفقير أن يكرم كل وارد عليه من الولاة فإن أحدهم لم يزر الفقير حتى خلع عنه كبرياءه وراء نفسه دونه وإلا لما أتاه مع كونه من رعاياه قال فمن أتانا فقيرا حقيرا أكرمناه كائنا من كان وإن كان ظالما فنحن ظالمون أنفسنا بالمعاصي وغيرها ولو بسوء الظن فظالم قام لظالم وأكرمه وقد كان المصطفى يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم لأنهم مظاهر العزة الالاهية وريء بعض الأولياء في النوم وعليه حلة خضراء والأنبياء والأولياء واقفون بين يديه فاستشكل ذلك الراءي فقصه على بعضهم فقال لا تنكره فإن تأدبهم مع من ألبسه الخلعة لامعه ألا ترى أن السلطان إذا خلع على بعض غلمانه ركب أكابر الدولة في خدمته هـمنه
وفي الإكليل على
____________________
(1/389)
قوله تعالى ! ( فقولا له قولا لينا ) ! أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب وغيره قال كنياه قولا له يا أبا مرة ففيه جواز كنية الكافر واستحباب إلانة القول للظالم عند وعظه لعله يرجع هـ
وفيه أيضا على قوله في سورة مريم ! ( سلام عليك ) ! استدل به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام
وفي سيرة عمر أنه بعد إتمام فتح الشام جرت بينه وبين ملك الروم المكاتبات الودادية وأن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وزوج عمر بن الخطاب أرسلت مع رسول جاء إلى المدينة من قبل ملك الروم هدية من الطاف المدينة إلى إمبراطورة الروم امرأة هرقل وأرسلت هذه في نظيرها عقدا نفيسا من الجواهر فأخذه منها عمر ورده إلى بيت المال هذا على ما في رواية ساقها ابن الهندي في كنز العمال وفي تاريخ ابن جرير الطبري أن أم كلثوم أرسلت تلك الهدية مع بريد عمر وأن امرأة هرقل جمعت نساءها وقالت هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وكافأتها وأهدته لها انظر أخبار سنة 28 من تاريخ ابن جرير وسيرة سيدنا عمر للحافظ ابن الجوزي
وفي الخطط المقريزية أن أسامة بن زيد التنوخي من رجال مصر في القرن الأول وكان صاحب خراج مصر ابتاع من موسى بن وردان فلفلا بعشرين ألف دينار كان كتب فيه الوليد بن عبد الملك ليهديه الى صاحب الروم وضرب الفلفل بدار بمصر كانت تعرف بدار الفلفل وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن علقمة الخزاعي عن أبيه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بمال لأبي سفيان بن حرب يفرقه في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم فقدمت مكة ودفعت المال إلى
____________________
(1/390)
أبي سفيان فجعل أبو سفيان يقول من رءا أبر من هذا ولا أوصل يعني النبي صلى الله عليه وسلم إنا نجاهد ونطلب دمه وهو يبعث إلينا بالصلات يبرنا بها أورده الحافظ السيوطي في الجمع وابن الهندي في الكنز
وفي الهداية من كتب الحنفية صح أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا بجواره قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديثها محمد بن الحسن في الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن علقمة بن مرتد عن أبي بريدة عن أبيه قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لنا قوموا بنا نعود جارنا اليهودي فأتيناه فقال له كيف أنت يا فلان ثم عرض عليه الشهادتين ثلاث مرات فقال له أبوه يا بني اشهد فشهد فقال الحمد لله الذي أعتق به نسمة من النار ومن هذا الوجه أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة وروى عبد الرزاق من مرسل ابن أبي حسين نحوه وزاد فيه وغسله النبي صلى الله عليه وسلم وكفنه وحنطه وصلى عليه هـ
قلت
وقعت لسيدنا الجد قصة تشبه هذه مع يهودي أيضا من يهود ملاح فاس القسم السادس في العمالات الجبائية
قال القاضي عياض في الشفا فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب وما داني ذلك من الشام والعراق وجبي إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يجبى للملوك إلا بعضه وهادنه جماعة من ملوك الأقاليم فيما استأثر بشيء منه ولا
____________________
(1/391)
مسك منه درهما بل صرفه مصارفه وأغنى به غيره وقوى بن المسلمين هـوفيه عدة أبواب & باب في صاحب الجزية &
الجزية الخراج المجعول على رأس الذمي كأنه جزاء للمن عليه بالإعفاء من القتل أو إكراهه على الإسلام كيفية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية وممن أخذها
قال الحافظ ابن المنذر في الأشراف قال الشافعي صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم وصالح أهل اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم وقال ابن عبد البر في التمهيد عن ابن شهاب أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران في عملنا وكانوا نصارى ثم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا وممن تولى قبض الجزية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبيدة بن الجراح كما في البخاري ومعاذ بن جبل كما في سنن أبي داوود & باب في صاحب الأعشار & ما جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سنن أبي داوود عن حرب بن عبد الله بن عمر الثقفي عن جده قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت وعلمني الإسلام وعلمني كيف آخذ الصدقة من قومي ممن أسلم ثم رجعت إليه فقلت يا رسول الله كلما علمتني حفظت إلا الصدقة أفأعشرهم قال لا
____________________
(1/392)
& باب في متولي خراج الأرضين &
في صحيح مسلم عن عمر قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وكان ينفق على أهله نفقة سنة وما بقى جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله قال عياض في الأكمال قال الطبري كل ما أفاء الله على رسوله طعمة له من الله على أن يأكل منه هو وأهله إن احتاجوا ويصرفوا ما فضل عن ذلك في تقوية المسلمين
وعن عمر بن عبد العزيز كان ينفق منها على فقراء بني هاشم ويزوج ايمهم وقال المازري ما أجلى عنه أهله من غير قتال فعندنا أنه يخمس ويصرف في مصالح المسلمين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف ما يؤخذ من بني النضير وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر طيب فقال لا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا
حرر ابن بشكوال أن المذكور هو سواد بن غزية الأنصاري وفي مدة عمر كان ولي عثمان بن حنيف الأنصاري مساحة الأرض وجبايتها وصرف الخراج والجزية على أهلها وولاه على البصرة
في المجلد السابع من تصنيف أبي علي أحمد بن عمر بن رسته وروي
____________________
(1/393)
عن إسماعيل بن مجالد بن سعيد عن أبيه عن الشفر أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا قال أبو عبيد إن حد السواد الذي مسح عثمان بن حنيف هو من لدن تخوم الموصل مادا إلى ساحل البحر من بلاد عبادان من شرق دجلة طولا وعرضا من منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية مما يلي العديب من أرض العرب وحدث غيره أن عمر بن الخطاب أمر بمساحة السواد كله وطوله من القلب إلى عبادان وهو مائة وخمسة وعشرون فرسخا وعرضه من عقبة حلوان إلى العديب ثمانون فرسخا فبلغ جربانه ستة وثلاثين ألف ألف جريب جعل على كل جريب من أرض الشعر درهمين وعلى كل جريب من أرض الكرة والرطاب ستة دراهم وعلى كل جريب من أرض النخل ثمانية دراهم وختم على خمسمائة ألف إنسان للجزية على الطبقات فجبى عمر السواد من الورق مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم هـ
وفي روض الأعلام لأبن الأزرق أن عمر لما وجه إلى الكوفة عمار بن ياسر على صلاتهم وجيوشهم وابن مسعود على قضاتهم وبيت ما لهم وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض وقد فرض لهم في كل يوم شاة شطرها وسواقطها لعمار والشطر الآخر بين الآخرين ثم قال لا أرى قرية يؤخذ منها شاة كل يوم إلا سريعا في خرابها
قلت
وأصل ذلك في طبقات ابن سعد من عدة طرق إلا قوله لا أرى قرية فلم أره فيها وقد أخذ من ذلك الأيمة إجراء الأرزاق على من يقوم بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين من تعليم أو حكم أو غير ذلك ومنه قول
____________________
(1/394)
الإمام الغزالي في الأحياء في كتاب الحلال والحرام كل من يتولى امرا تتقوى به مصلحة المسلمين ولو اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه فله في بيت المال حق الكفاية قال ويدخل فيه العلوم كلها أعني التي تتعلق بمصالح الدين كعلم الفقه والحديث والتفسير والقراءة حتى يدخل فيه المعلمون وطلبة هذه العلوم يدخلون فيه فإنهم إن لم يكفوا لم يتمكنوا من الطلب هـ
وقد حكى البرزلي عن القفصي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أجروا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم قال والمصلحة إما أن تتعلق بالدين أو بالدنيا فبالعلماء حراسة الدين وبالأجناد حراسة الدنيا والدين والملك توأمان فلا يستغني أحدهما عن الآخر قال وليس شرط من هؤلاء الحاجة بل يجوز أن يعطوا مع الغنى فإن الخلفاء الراشدين كانوا يعطون المهاجرين والأنصار ولو لم يعرفوا بالحاجة هـانظر ابن الأزرق فقد أطال وأطاب في المسألة
وقال الباجي في المنتفى على قوله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعد نفقة نساءي ومئونة عاملي فهو صدقة المراد بعامله كل عامل يعمل للمسلمين من خليفة أو غيره فإن كل من قام بأمر المسلمين وبشريعته فهو عامل له صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكفي مئونته وإلا لضاع هـبواسطة تنوير الحوالك للسيوطي
ونقل الفاكهي في المناهج عن الغزالي أنه يجب لحافظ القرآن في كل سنة من بيت مال المسلمين مائة دينار
ونقل صاحب الأجوبة المهمة عن الحافظ السيوطي أن لمعلم الصبيان من بيت مال المسلمين مائة دينار فإن لم يكن من بيت المال فعلى جماعة المسلمين فإن لم تكن جماعة فعلى أهل الحسبة لأن تعليم الصبيان فرض كفاية يحمله من قام به هـ
وانظر ما
____________________
(1/395)
سبق في ترجمة هل كان للقضاة والولاة راتب في زمنه صلى الله عليه وسلم
وقال الحافظ السخاوي من السلف الصالح من كان يتجر بقصد القيام بمئونة من قصر نفسه على بث العلم والحديث ولم يتفرغ من أجل ذلك للتكسب لعياله فعن ابن المبارك أنه كان يقول للفضيل بن عياض لولا أنت وأصحابك وعني بهم السفيانين وابن علية وابن السماك ما أتجرت هـ& باب في العامل على الزكاة &
ذكر ابن إسحاق في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث عماله وأمراءه على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من الإسلام وعد منهم جملة وذكر الكلاعي في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم لما صدر من الحج سنة عشر وقدم المدينة حتى رءا هلال المحرم سنة 11 بعث المصدقين في العرب وذكر منهم جماعة من أشهرهم عمر بن الخطاب وخالد بن سعيد بن العاصي ومعاذ بن جبل وعدي بن حاتم الطاءي والزبرقان بن بدر التميمي وغيرهم
وترجم في الإصابة للأرقم بن أبي الأرقم الزهري فذكر أن الطبراني خرج أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على السعاية
وترجم فيها أيضا كافية بن سبع الأسدي فنقل عن الواقدي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه
وترجم أيضا لحذيفة بن اليمان الأزدي فنقل عن ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقا على الأزد مصدقا بتشديد الدال وكسرها أي عاملا يستوفي الزكاة من أربابها وفي المعالم للخطابي أن المصدق بتخفيف الصاد العامل قاله ابن الأثير مطولا
وفي
____________________
(1/396)
المطالع والمصدق بتخفيف الصاد آخذ الصدقة
قال ثابت ويقال أيضا للذي يعطيها من ماله فإذا شددت الصاد فهو المتصدق لا غير هـمن نور النبراس
وترجم في الإصابة أيضا لكهل بن مالك الهذلي فذكر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات هذيل وترجم فيها أيضا لخالد بن البرصاء فذكر أن أبا داوود والنساءي خرجا من طريق معمر عن الزهري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا الحديث وترجم لخالد بن سعيد بن العاص الأموي فذكر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات مدجح
وترجم أيضا لخزيمة بن عاصم العكلي فذكر أن ابن قانع روى من طريق سيف بن عمر عن الميسر بن عبد الله بن عدس أن عدسا وخزيمة وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم فولى خزيمة على الأحلاف وكتب له بسم الله الرحمان الرحيم من محمد رسول الله لخزيمة بن عاصم إني بعثتك ساعيا على قومك فلا يضاموا ولا يظلموا ذكره الرشاطي وقال أهمله أبو عمر
وترجم أيضا لرافع بن مكيت الجهني قال استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه
وترجم أيضا لسهل بن منجاب التميمي فنقل عن الطبري أنه كان من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني تميم فمات المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك
وترجم لعكرمة بن أبي جهل فنقل عن الطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات هوازن عام وفاته
وترجم لمالك بن نويرة فذكر أنه كان من أرداف الملوك وأنه صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه وترجم لمتمم بن نويرة التميمي فقال بعثه صلى الله عليه وسلم على صدقات
____________________
(1/397)
بني تميم
وفي ترجمة مرداس بن مالك الغنوي أنه صلى الله عليه وسلم ولاه صدقة قومه
وفي الهيثم والدنين أنه صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه موعظة تبرهن عن عدل المصدقين في ذلك الزمن الطاهر قد أخرج ابن سعد في الطبقات عن سويد بن عقيلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فقرأت في عهده فإذا فيه أن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق فأتاه رجل بناقة عظيمة فأبى أن يأخذها ثم أتاه آخر بناقة دونها فأبى أن يأخذها ثم قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذت خيارا ابل امرئي مسلم وانظر ترجمة قرة بن دعموص التميري من الطبقات & باب في ذكر من كان يكتب الصدقات لرسول الله صلى الله عليه وسلم &
قال ابن حزم في كتابه جوامع السير كان كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات الزبير بن العوام فإن غاب أو اعتذر كتب جهم بن الصلت وحذيفة بن اليمان
نقل الحافظ في تلخيص الحبير عن القضاعي كان الزبير وجهم يكتبان أموال الصدقات هـ
وترجم الحافظ في الإصابة جهم بن سعد فقال ذكره القضاعي في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه هو والزبير كانا يكتبان أموال الصدقة وكذا ذكره القرطي في المولد النبوي من تأليفه هـمنها
وفي إختصار الأعصابة لأبي زيد العراقي جهم بن سعد من كتبته قيل كان يكتب أموال الصدقات مع الزبير
وأقول يأتي في جهيم مثل هذا
____________________
(1/398)
وانظر لم لم يقل الحافظ يأتي في جهيم هـ
وهو ظاهر فإن الحافظ في ترجمة جهيم بن الصلت ذكر نحو ما في ترجمة هذا نقلا عن صاحب التاريخ الصمادحي والظاهر أنهما إثنان وفي صبح الأعشى نقلا عن عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف للقضاعي أن الزبير بن العوام وجهم بن الصلت كانا يكتبان للنبي صلى الله عليه وسلم أموال الصدقات وأن حذيفة بن اليمان كان يكتب له خرص النخل فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه صلى الله عليه وسلم هـ& باب في الخارص &
والخرص حرز ما على النخل من الرطب
تمر في صحيح مسلم عن أبي حميد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة لإمرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرصوا فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق الوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم
وقال أحصيها حتى نرجع إليك وانطلقنا حتى قدمنا تبوك الحديث وفي البخاري عن ابن عمر عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وتمر فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسقا تمرا وعشرون وسقا شعيرا وفي الموطأ أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي فكانوا يأخذونه وعن سلمان بن يسار قال فجمعوا له حليا من حلى نسائهم فقالوا هذا لك وخفف
____________________
(1/399)
عنا وتجاوز في القسم فقال عبد الله بن رواحة يا معشر يهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض وكان الخرص في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من النخل والعنب والحبوب خرج أبو داوود في سننه عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب كما يخرص النخل وأن يأخذ زكاة العنب زبيبا كما يأخذ زكاة النخل تمرا
ترجم في الإصابة لزياد بن عبد الله الأنصاري فذكر أن ابن منده روى عن زياد قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر لم يجده أخطأ بحشفة قال ابن منده تفرد به عبيد بن إسحاق عن قيس
وترجم أيضا لسهل بن أبي حثمة فقال هو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خارصا
وترجم أيضا للصلت بن معد يكرب الكندي فذكر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استعمله على الخرص وترجم أيضا لفروة بن عمرو بن ودقة الأنصاري البياضي فذكر أن عبد الرزاق روى في الزكاة من مصنفه عن معمر عن حسن بن عثمان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث رجلا من الأنصار من بني بياضة يقال له فروة بن عمرو فيخرص تمر أهل المدينة ومن طريق أخرى فإذا دخل الحائط حسب ما فيه من الإقناء ثم ضرب بعضها على بعض على ما يرى فيها فلا يخطئ وترجم في الإستبصار لأبي خيثمة عامر بن ساعدة والد سهيل بن أبي خيثمة فقال بعثه رسول الله
____________________
(1/400)
صلى الله عليه وسلم خارصا إلى خيبر & باب في الوقف &
قال في التنبيه الوقف مصدر وقفت الأرض وغيرها أقفها هذه اللغة الفصحى الشهيرة هـ
ويعبر عنه بالحبس فيسمى وقفا لأن العين موقوفة وحبسا كما يفيده التنبيه وهو جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلة لمتحقق بصيغة دالة عليه كحبست ووقفت مدة ما يراه المحبس فلا يشترط فيه التأبيد وهو مندوب لأنه من البر وفعل الخير قال تعالى ! ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) ! وقد حبس النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده حتى صار الحبس في الإسلام من أعظم مصادر المال لنفع أهله وموارده اليوم في سائر بلاده أوسع دوائر الجبايات قال الإمام الشافعي في الام حفظنا الصدقات عن عدد كبير من المهاجرين والأنصار لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات فكما وصفت يتصدق بها المسلمون من السلف وإن نقل الحديث بها كالمتكلف هـ
وفي جامع ابن يونس أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس تسع حوائط الحائط حديقة النخل أوصى له بها مخيرق لما قتل يوم أحد بأن يضعها حيث أراه الله فحبسها من أموال بني النضير قال السهيلي هي أول حبس في الإسلام وكل ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق به
قال عمر بن
____________________
(1/401)
شبة في أخبار المدينة عن ابن سهل كانت صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالا لمخيرق وصى بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ترجمته من الإصابة وقد عقد السيد السمهودي في الوفا بابا لصدقاته صلى الله عليه وسلم فتكلم فيها على أموال مخيرق المذكور نقل فيها عن الواقدي وقف النبي صلى الله عليه وسلم الأعراف وبرقة وميت والدلال وحس والصافية ومشربة أم إبراهيم سنة سبع من الهجرة وروى الواقدي بسنده عن عبد الله بن كعب بن مالك قال قال مخيرق يوم أحد إن أصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله فهي عامة صدقاته صلى الله عليه وسلم فانظر الوفا
وفي الصحيح أن عمر دفع إلى العباس وعلي صدقته صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهي حوائط مخيرق ونخل بني النضير وما أعطاه له الأنصار وأما خيبر وفدك فبقيت بيد عمر كما في حديث عائشة في الصحيح أيضا ولم يدفعها لغيره وهي بيد عثمان إلى أن أقطعها لمروان فبقيت بيد ولده قال القرطبي دفعها إليهما على أن لا ينفرد أحدهما بالآخر بعمل حتى يكون الآخر معه فيه فشق عليهما ذلك وطلبا سهمها بينهما حتى يستقل كل واحد بالنظر فيما يكون في يده فأبى عمر عليهما ذلك وخاف إن فعل ذلك أن يظن ظان أن ذلك قسمة ميراث بينهما وهو موافق لنسبة القسمة بينهما فمنعهما حسما للمادة هـ
وقال عياض في الإكمال خرج أبو بكر البرقاني في صحيحه قصة نزاعهما قال فغلب علي عليها العباس فكانت بيد علي ثم بيد الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي بن الحسين ثم بيد الحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن ثم بيد عبد الله بن الحسن ثم تولاها بنو العباس هـ
وروينا في
____________________
(1/402)
صحيح البخاري عن أنس قال كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بير حاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها فيشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت هذه الآية ^ لن تناولواغ البر حتى تنفقوا مما تحبون ^ قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بير حاء وإنها صدقة لله أرجو برها ودخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه وفي رواية فجعلها لأبي وحسان كان أقرب إليه مني
وفي رواية له أيضا عقب قوله وإن أحب أموالي بير حاء وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويتظلل فيها ويشرب من مائها قال فهي إلى الله ورسوله أرجو برها ودخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح قد قبلناه ملك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين فتصدق به أبو طلحة على ذوي قربى رحمه قال كان منهم أبي وحسان قال فباع حسان حصته منه من معاوية فقيل له تبيع صدقة أبي طلحة فقال ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم وكانت الحديقة في موضع قصر بني جديلة الذي بناه معاوية قال الحافظ ابن حجر وبيع حسان لحصته من معاوية دليل على أن أبا طلحة ملكهم الحديقة المذكورة ولم يوقفها عليهم ويحتمل أنه أوقفها واشترط
____________________
(1/403)
أن من احتاج على بيع حصته جاز له كما قال بجوازه علي وغيره هـ
وفي ضبط بير حاء إختلاف بين المحدثين حتى أفرده بعضهم بمصنف لخصه المجد ثم السمهودي في تاريخ المدينة
وقال ابن رشد في المقدمات حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب وعثمان وابن عوف وعلي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعمرو بن العاص
وقيل لمالك إن شريحا كان لا يرى الحبس فقال تكلم شريح ببلاده ولم يرد المدينة فيرى آثار الأكابر من أزواجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وهذه صدقات النبي صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط وينبغي للمرء أن لا يتكلم إلا فيما أحاط به خبرا
وبهذا احتج مالك حين ناظره أبو يوسف بحضرة الرشيد فقال هذه أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقاته ينقلها الخلف عن السلف قرنا بعد قرن هـ
وترجم أبو داوود في سننه باب في الرجل يوقف الوقف ثم أخرج عن نافع عن ابن عمر قال أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس عندي منه فكيف تأمرني به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق به عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل وزاد عن بشر والضيف ثم اتفقوا على أن لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه زاد عن بشر قال وقال محمد غير متاتل مالا
ثم أخرج أبو داوود من طريق الليث عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب قال نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بسم الله الرحمان الرحيم
____________________
(1/404)
هذا ما كتب عبد الله بن عمر في تمغ فقص من خبره نحو حديث نافع قال غير متأتل مالا فما عفا عنه من تمره فهو للسائل والمحروم قال وساق القصة قال وإن شاء ولي تمغ اشترى من تمره رقيقا لعمله وكتب معيقب وشهد عبد الله بن الأرقم بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أوصي به عبد الله بن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن تمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم ورقيقه الذي فيه والمائة الذي أطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت ثم ذوي الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشتري ينفقه حيث رءا من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا منه فذكر أبو داوود كما ترى لعمر وثيقة الوقف وهما وثيقتان ذكرهما أيضا عمر بن شبة فنسخ عبد الحميد ليحيى بن سعيد كلا الكتابين وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي عثمان المدني قال هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر فنسختها حرفا حرفا ونصها الثاني يقتضي أن عمر كتب الوقفية في خلافته لأن معيقب كان كاتبه في زمن خلافته وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين فيحتمل أن يكون وقف أولا في زمنه صلى الله عليه وسلم باللفظ وتولى هو النظر عليه إلى أن حضرته الموت فكتب حينئذ
قلت
وتمغ بفتح المثلثة وسكون الميم والعين المعجمة وحكى النووي فتح الميم قال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر وفي مراصد الإطلاع تمغ بالفتح ثم السكون والغين معجمة موضع مال لعمر بن الخطاب وقفه وقيده بعض المغاربة بالتحريك هـ
وفي النهاية تمغ وصرمة بن الأكوع
____________________
(1/405)
ما لان معروفان بالمدينة كانا لعمر بن الخطاب فوفقهما هـ
وقيل المراد في حديث عمر بالصرمة القطعة الخفيفة من النخل والإبل هـ
وفي نص الحبس المذكور وهو من هو أيصاء عمر بالنظر في حبسه إلى امرأة وهي بنته حفصة وعند عمر بن شبة عن يزيد بن هارون عن ابن عون في آخر الوقف وأوصى به عمر إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر ونحوه في رواية عبيد الله بن عمر في رواية الدارقطني وفي رواية أيوب عن نافع عند أحمد يليه ذو الرأي من آل عمر فكأنه كان أولا شرط أن النظر فيه لذوي الراي من أهله ثم عين عند وصيته لحفصة وقد بين ذلك عمر بن شبة عن أبي غسان المدني قال هذه نسخة صدقة عمر أخذتها من كتابه الذي عند آل عمر فنسختها حرفا حرفا وهذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في تمغ أنه لحفصة ما عاشت تنفق تمره حيث أراها الله فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها
أقول
وقد أذكرتني وصية عمر رضي الله عنه وجعله النظر في وقفه إلى الأقرب فالأقرب من أهله وصية عالم الدنيا الإمام أبي عبد الله محمد بن مرزوق التلمساني شارح البردة فقد رأيت بخط الحافظ أبي العباس أحمد الونشريسي ناقلا بعض فصول وصية ابن مرزوق المذكور في تحبيس كتبه على أولاده ونص ذلك إن جميع ما احتوت عليه غرفتي التي لم أفارقها إلا منذ ثلاثة أيام وما احتوى عليه مسكني الآن من دواوين الكتب والمفردات والكراريس وسائر التآليف وما هو معار عند الناس حسبما ذلك مقيد في أزمتي محبس على من يتعاطى العلم وعرف بالإشتغال به من ذريتي من أي جهة كانوا فينتفعون بمطالعة
____________________
(1/406)
ما يحتاجون إليه منها إلا أن أولادي الذكور وأولادهم أولى بالتقديم عند إزدحام حاجتهم إلى ما يطالع منها كما أن الأولى فالأولى الأعلى فالأعلى من أولادي الذكور أولى عند ذلك أيضا وأن متولي النظر في كتبي المذكورة الأقرب فالأقرب والأعلم إلا دين فإن لم يجتمع الوصفان فالأدين ثم الأعلم ثم الأقرب مع أمانتهما عليها فإن لم يؤمنا فالأمين كيف كان هـ
ومن خط الونشريسي نقلت واستفدت
وممن ثبت عنه الوقف من الصحابة سيدنا علي كرم الله وجهه ففي مسند أحمد وغيره أن عليا قال لقد رأيتني وأنا رابط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي لتبلغ في اليوم أربعة آلاف دينار
وفي رواية أربعين ألف دينار
وفي تهذيب الأسماء للنووي قال العلماء لم يرد به زكاة مال يملكه وإنما أراد الوقوف التي تصدق بها وجعلها صدقة جارية وكان الحاصل من غلتها يبلغ هذا القدر هـوفي الأم للشافعي أخرج إلى والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع وأنها كانت عندهم فأمرهم فقرئت علي هـ
أنظر الأم وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة سيدنا عثمان بن عفان ففي طبقات ابن سعد أنه ترك صدقات كان يتصدق بها ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار
وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة سيدنا الزبير بن العوام فقد خرج ابن سعد في ترجمته من الطبقات أنه جعل دارا له حبسا على كل مردودة من بناته وأنه أوصى بالثلث
وممن أوقف من كبار الصحابة سيدنا العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقد ترجم الحافظ محب الدين الطبري في دخائر العقبى في ترجمة العباس بن عبد المطلب فذكر
____________________
(1/407)
صدقته رضي الله عنه بداره على المسجد الشريف النبوي ليوسعه عن كعب قال كان للعباس دار فلما أراد عمر توسعة المسجد قال العباس قد جعلتها صدقة على مسجد المسلمين قال الحافظ الطبري حديث صحيح وانظر ترجمته من طبقات ابن سعد
ومنهم أبو الدحداح الأنصاري في الإستبصار لما نزلت ! ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) ! كان أبو الدحداح نازلا في حائط له هو وأهله فجاء لإمرأته فقال أخرجي فقد أقرضته ربي فتصدق بحائطه على الفقراء
ومنهم الأرقم بن أبي الأرقم وهو السابع ممن أسلم في طبقات ابن سعد أن داره كانت بمكة على الصفا وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها أول الإسلام وفيها دعا الناس إلى الإسلام ودعيت دار الإسلام تصدق بها الأرقم على ولده وهذا نص الصدقة بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما قضى الأرقم في ريعه ما حاز الصفا أنها محرمة بمكانها من الحرم لإتباع ولا تورث شهد هشام ابن العاص وفلان مولى هشام بن العاص به ولم تزل بيد ولده صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويواجرون ويأخذون عليها حتى كان زمن أبي جعفر المنصور فأخذها منهم وابتاعها عليهم قهرا وظلما لأجل ميلانهم لمحمد النفس الزكية لما قام عليه
وممن ثبت عنه الوقف من كبار الصحابة وسادات آل البيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها ففي الأم للشافعي أخبرني محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته واحسبه قال زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم والمطلب وأن عليا تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم
تنبيهان الأول
____________________
(1/408)
في التوشيح للسيوطي فائدة أخرج أحمد عن أبن عمر قال أول صدقة أي موقوفة في الإسلام صدقة عمر وأخرج عمر بن شبة عن عمر بن سعيد بن معاذ قال سألنا عن أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون صدقة عمر وقال الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم هـ
الثاني قال بعضهم الوقف من خصائص الإسلام فلا يعرف وقوعه في الجاهلية هـ
قلت
أصل ذلك للإمام الشافعي قال الوقف من الأمور التي اختص بها الإسلام ولم يبلغني أن الجاهلية وقفوا دارا أو أرضا ولا يرد بناء الكعبة وحفر زمزم لأنه كان على وجه التفاخر لا التبرر ذكره النووي قاله الأمير في ضوء الشموع ونقل عن شيخه البليدي في حواشيه على الزرقاني على قول خ أو على بنيه دون بناته أن المنوي على الخصائص بحث في قول الشافعي هذا بأن وقف الخليل باق إلى الآن وكانت مصر وإقطاعها وقفا على كنيسة الروم قال الشيخ الأمير عقبه أقول إنما ادعى الشافعي أنه لم يثبت عن الجاهلية ولم ينفه عن الأنبياء ولا عن أهل الكتاب المتقدمين فهو تخصيص نسبي هـ
فائدة
في حواشي العلامة الشمس محمد بن عرفة الدسوقي المالكي المصري على شرح الشهاب الدردير على مختصر خليل نقلا عن حاشية شيخ مشايخه العلامة المعمر الشمس محمد البليدي المصري على ز على مختصر خ أنه كان في قيسارية فاس ألف أوقية من ا لذهب موقوفة للسلف فكانوا يردونها نحاسا فاضمحلت هـ
وممن ذكر ذلك من فقهاء فاس الشيخ أبو عبد الله التاودي بن سودة في شرح التحفة لدى قولها الحبس في الأصول جائز وفي لخ ونصه وقد كان
____________________
(1/409)
بقيسارية فاس دراهم موقوفة للسلف فلم يزالوا يتسلفونها ويردون فيها النحاس والنقص حتى اندرست هـمنه
وهذا من أعظم ما يدلنا على الرقي في الزمن القديم وعملهم على تنشيط الزارع والتاجر ومد يد المساعدة للفقير والصانع فهذا مما سبقنا به أروبا بقرون ولله في خلقه ما أراد من الشئون & باب في المستوفى & وهو الرجل يبعثه الإمام ليقبض المال من العمال ويتخلصه منهم ويقدم به عليه
في الصحيح عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى خالد ليقبض الخمس قال ابن إسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى أهل نجران يجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم وذلك سنة عشر كما في الكامل ففعل وعاد ولقي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع
وترجم في الإصابة لحاجب بن زرارة الدارمي التميمي فذكر أنه صلى الله عليه وسلم بعثه على صدقات بني تميم
تنبيه
وقع في قصة حجة الوداع من صحيح مسلم مقدم علي من سعايته قال القاضي أي من عمله في السعي في الصدقات وقال بعضهم في غير مسلم إنه بعثه أميرا لا عاملا إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقات وفي النساءي عن البراء كنت مع علي حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات فصرح بأنه أمره ولم يقل استعمله قال القاضي ويحتمل انه ولي الصدقات إحتسابا أو أعطي عمالته عليها من غير الصدقة
قال بعضهم السعاية تستعمل في مطلق الولاية فلا تدل على الصدقات خصوصا
____________________
(1/410)
& باب خروجه صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى البادية في إبل الصدقة &
من مسند أحمد عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البادية إلى إبل الصدقة فأعطى نساءه بعيرا بعيرا غيري فقلت يا رسول الله أعطيتهن بعيرا غيري فأعطاني بعيرا آدد صعبا لم يركب عليه فقال يا عائشة أرفقي به فإن الرفق لا يخالط شيئا إلا زانه ولا يفارق شيئا إلا شأنه & باب ذكر من وكله صلى الله عليه وسلم لحفظ زكاة رمضان &
في سمط الجوهر الفاخر أنه صلى الله عليه وسلم وكل ذلك لأبي هريرة & باب ذكر من جعله صلى الله عليه وسلم على قبض مغانمه &
كان عليها خزاعة بن عبد نهم ذكر ذلك في سمط الجوهر الفاخر & باب من كان على خمسه صلى الله عليه وسلم &
كان عليه عبد الله بن كعب الأنصاري من بني مازن ابن النجار كما في سمط الجوهر الفاخر أيضا وفي ترجمته من الإستبصار شهد بدرا وكان على الغنائم يومئذ وشهد سائر المشاهد وكان على خمس النبي صلى الله عليه وسلم فيها هـ القسم السابع في العمالات الإختزانية وما أضيف إليها وفيه فصول
الموازين
في صحيح مسلم عن جابر قال اشترى مني النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا بأوقيتين وبدرهم أو درهمين فلما قدم المدينة وزن لي ثمن البعير فأرجح
____________________
(1/411)
وفي سنن النساءي فدعا بميزان فوزن لي وزادني وفي أبي داوود قوله صلى الله عليه وسلم للوزان زن وارجح وفي الإستيعاب أن أبا سفيان بن حرب أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم خيبر وكان شهدها معه مائة بعير وأربعين أوقية وزنها له بلال خازن الطعام
في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنة وفي جامع الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعزل نفقة أهله سنة ومن المعروف عن الحسن صلى الله عليه وسلم أنه قال اذكر أنه صلى الله عليه وسلم حملني على عاتقه فأدخلني في غرفة الصدقة فأخذت تمرة فجعلتها في في فقال ألقها أما علمت أن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاآل محمد فأخرجتها من فمي الكيال
في الصحيح عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبرا شطرا بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع فكان يعطي أزواجه كل سنة مائة وسق ثمانون وسقا من تمر وعشرون وسقا من شعير
وفي مسلم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبتاع طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله
بوب البخاري في كتاب البيوع باب ما يستحب من الكيل ثم ذكر الحديث
____________________
(1/412)
السابق قال في الفجر الساطع أي الطعام المكيل ويقاس عليه وزن الموزون وعد المعدود وقال على قوله يبارك لكم أي فيه كما عند غيره قال الحافظ الذي يظهر أن الحديث محمول على الطعام الذي يشترى والبركة تتحصل فيه بالكيل لإمتثال أمر الشارع هـ
فالبركة الحاصلة فيه إما لسلامته من الجزاف أو للتسمية عليه أو لإمتثال أمر الشارع وحديث عائشة الآتي المتضمن أنها لما كالت طعامها فني محمول على أنها كالت الباقي من المخرج للنفقة وإختباره وإستكثار ما خرج منه فانتزعت منه البركة قاله ابن المنير هـ
ذكر أسماء الأوزان والأكيال الشرعية المستعملة على عهده صلى الله عليه وسلم وهي عشرة الدرهم والدينار والمثقال والدانق والقيراط والأوقية والنش والنواة والرطل والقنطار ذكر الدرهم وإستعماله
قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في جواب سئله في سنة 616 قال أبو عبيد القاسم بن سلام عن بعض شيوخه أن الدراهم كانت على عهده صلى الله عليه وسلم على نوعين السوداء الدامية وزن الدرهم منها ثمانية دوانق والطبرية وزن الدرهم منها بأربعة دوانق قال وكان الناس يزكون بشطرين من الكبار والصغار قال أبو العباس العزفي قال أبو جعفر الداوودي وذكر قول من قال إن الدرهم لم يكن معلوما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هذا قول فاسد لم يكن القوم ليجهلوا أصلا من أصول الدين فلا يعلمون فيه نصا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج السعاة فلا يجوز أن يظن
____________________
(1/413)
بهم جهل مثل هذا ولم يأت ماقاله من طريق صحيح وقال أبو عمر بن عبد البر وعياض لا يجوز أن تكون الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجهولة المبلغ من الدراهم في الوزن ثم يوجب الزكاة عليها وهو لا يعلم مبلغ وزنها وتقع بها البيوعات والأنكحة وهذا يبين أن قول من قال إن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك حتى جمعها برأي الفقهاء وهم وإنما معنى ذلك أنها لم تكن من ضرب أهل الإسلام وعلى صفات لا تختلف وإنما كانت مجموعات من ضرب فارس والروم وصغار وكبار أو قطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة يمانية ومغربية وبعد ذلك في أيام عبد الملك كرهوا الضرب الجاري من ضرب الروم فردوها إلى ضرب الإسلام
قال النووي في شرح المهذب الصحيح الذي يتعين إعتماده وإعتقاده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معروفة الوزن معلومة المقدار وهي السابقة إلى الإفهام وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية ولا يمنع من هذا كونه كن هناك دراهم أخر أقل أو أكثر من هذا المقدار فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على المفهوم من الإطلاق وهو كل درهم ستة دوانق وكل عشرة سبعة مثاقيل وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا على هذا ولا يجوز أن يجمع على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأما مقدار الدرهم والدينار فقال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عطية في كتاب الأحكام قال ابن حزم بحثت غاية
____________________
(1/414)
البحث عند كل من وثقت بتمييزه فكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه مائتان وثمانية وعشرون درهما بالدراهم المذكورة هذا كلام ابن حزم وقال النووي بعد إيراده في شرح المهذب وقال غير هؤلاء وزن الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع الدرهم وهو تسعون مثقالا هـبواسطة سبل الرشاد للشامي
وقال أبو السعود الفاسي في إملاآته على الصحيح على قوله في كتاب النكاح وزن نواة من ذهب المراد بالنواة قيل نواة التمر وقيل اسم لمقدار من الوزن كان عندهم كما هو عند غيرهم ولم تكن سكة عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولم يضربوا سكة في الإسلام حتى ضربها عبد الملك بن مروان إلا أنهم كانوا يتعاملون بسكة فارس والروم وكان لهم من ذلك درهمان فجمع عبد الملك نصف هذا مع نصف هذا وجعله درهما واحدا هـ
وقال الحافظ السيوطي في رسالته قطع المجادلة في تغير المعاملة قال الخطابي كان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم وقت قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قول عائشة في قصة شرائها بريرة إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعدت الدراهم فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوزن وجعل الوزن عيار أهل مكة وكان الوزن الجاري بينهم في الدرهم ستة دوانق وكانوا يتعاملون بهاوهو درهم الإسلام في جميع البلدان وأما الدنانير فكانت تحمل إليهم من بلاد الروم وقال ابن عبد البر في التمهيد كانت الدنانير في الجاهلية وأول الإسلام بالشام وعند عرب الحجاز كلها رومية تضرب ببلاد الروم عليها صورة الملك واسم الذي ضربت في أيامه مكتوبة بالرومية
____________________
(1/415)
وكانت الدراهم بأرض العراق وأرض المشرق كلها كسروية عليها صورة كسرى واسمه فيها مكتوب بالفارسية هـ
وقال العزفي قال الخطابي كانت الدنانير تحمل إليهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلاد الروم فكانت العرب تسميها الهرقلية
قلت
وهذه الدراهم مع إثبات صور ملوك الروم عليها كانوا في صدر الإسلام يصلون بها ويحملونها معهم ولا يتنزهون عن ذلك وقد كنت رأيت في سفري لتطوان عام 1341 درهما من هذه الدراهم الهرقلية منقوش عليها صورة هرقل ثم اشتريت بعد ذلك درهما رسم عليه اسم قيصر وصورته ولعله أحد القياصرة المعاصرين لأول الإسلام وفي فتاوي الشهاب الفقيه أحمد بن حجر الهيثمي جماعة ذكروا جواز حمل الدنانير التي تجلب من أرض الإفرنج وعليها صورة حيوان حقيقة يقينا واستدلوا على ذلك بأنها كانت تجلب من عندهم من زمن السلف ولم ينهوا عن حملها في العمامة وغيرها لأن القصد منها النقد لا تلك الصور ولتعذر أزالتها أو تعسره قال فإذا جاز هذا في تلك الدنانير فجواز الكتابة في الورق الإفرنجي أولى وإن تحقق أن فيه صورة الحيوان هـ
وفي فتاوي الشهاب أحمد الرملي الشافعي المصري أنه سئل عن دنانير عليها صورة حيوان تامة أيحرم حملها كحرمة الثياب المصورة ويجوز الإستنجاء بها بناء على حرمته بالمضروبة أم لا فأجاب بأنه لا يحرم حملها ولا الإستنجاء بها فقد قال ابن العراقي عندي أن الدراهم الرومية التي عليها الصور من القسم الذي لا ينكر لإمتهانها بالأنفاق والمعاملة وقد كان السلف يتعاملون بها من غير نكير فلم تحدث الدراهم الإسلامية إلا في
____________________
(1/416)
زمن عبد الملك بن مروان كما هو معروف هـمنها
تنبيه
سبق أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكة ولا زمن أبي بكر ولا عمر والمعروف أن أول من ضرب السكة عبد الملك بن مروان قال ابن سعد في الطبقات حدثنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه قال ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمس وسبعين وهو أول من أحدث ضربها ونقش عليها وفي أوائل العسكري أنه نقش عليها إسمه وأخرج ابن عساكر عن المغيرة أول من ضرب الدراهم الزيوف عبد الله بن زياد وهو قاتل الحسين نقله السيوطي في أوائله والشامي في سيرته
أقول
وربما يعكر عليه وعلى ما سبق من أن الدراهم في الزمن النبوي لم تكن من ضرب أهل الإسلام ما وقع في سنن أبي داوود وابن ماجه من حديث علقمة بن عبد الله عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من باس بوب عليه ابن ماجه بقوله باب النهي عن كسر الدراهم والدنانير وأبو داوود بقوله باب كسر الدراهم وأخرجه أيضا أحمد والحاكم في المستدرك
قال الحافظ الشوكاني في نيل الأوطار قوله سكة بكسر السين المهملة أي الدراهم المضروبة على سكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير وقوله الجائزة بينهم يعني النافقة في معاملتهم وقوله إلا من باس كأن تكون زيوفا وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا هـ
وقال شيخ كثير من شيوخنا محدث المدينة المنورة
____________________
(1/417)
ومسندها الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي في حاشيته على سنن ابن ماجه المسماة إنجاح الحاجة في الحديث النهي عن الكسر بثلاثة شرائط الأول أن تكون سكة الإسلام الثاني أن تكون رائجة والثالث أن لا يكون فيها بأس وضرر على المسلمين فلو أزال سكة الكفار لم يكن مورد للنهي وكذا لو أزال السكة الغير الرائجة أو المزيفة هـ
ونقله عنه الكنكوهي في التعليق المحمود على سنن أبي داوود وأقره وهذا كما ترى كالصريح في أنه كان للمسلمين في الزمن النبوي سكة مضروبة كانوا يتعاملون بها ولله در صاحبنا العلامة السيد أحمد بن محمد الحسيني الشافعي المصري حيث قال من نهاية الأحكام فيما للنية من الأحكام بعد أن ذكر حديث أبي داوود هذا ونحوه مقتضى هذا أن سكة المسلمين كانت معروفة ومستعملة في زمنه صلى الله عليه وسلم وليس ما يخالفه من الأقوال الدالة على أن سكة المسلمين لم تضرب إلا في عهد عمر أو في عهد من بعده أولى بالقبول منه إلا بمرجح وأين هو هـبلفظه
وفي تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان أما النقود التي ضربت في عهد الخلفاء الراشدين فكانت نحاسية وفي غاية البساطة كما جرى في الشكل وليس عليها من الكتابة إلا صورة الشهادة بالحرف الكوفي ولم تضرب النقود الفضية في الإسلام حتى أيام الخليفة عبد الملك ثم صور نقوده
وقد انتقده الرحالة الشيخ محمد أمين بن الشيخ حسن الحلواني المدني في رسالته نشر الهذيان من تاريخ جرجي زيدان بقوله لم يثبت في الرواية الصحيحة أن أحدا من الخلفاء الأربعة ضرب سكة أصلا إلا علي بن أبي طالب فإنه ضرب الدراهم على
____________________
(1/418)
ما نقله صبحي باشا المورد لي في رسالة له وسم فيها صورة ذلك الدرهم وعزا ذلك إلى لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة وأما هذه الثلاثة المسكوكات التي رسمها جرجي زيدان فلا تثبت علي فرض وجودها لأنه لم تكن عليها تواريخ دالة على زمانها وأكبر شيء فيها دال على كذبها على الخلفاء كون أحدها فيه صورة شخص وهذا مما تحرمه الديانة الإسلامية فكيف يفعل ذلك الخلفاء وكون هذه المسكوكات مزورة غير بدع عن الإفرنج وبياعي الإنتيكات هـ
منه طبع لكنو بالهند فكان غاية جواب جرجي زيدان عن ذلك بأنه أخذ تلك الرسول عن مؤلف أفرنسي وأحال من تاريخ مصر لمارسا انظر رد رنان على نشر الهذيان
وكأنهم لم يرو ما في المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية للشيخ حمزة فتح الله المصري نقلا عن شرح العيني على البخاري أنه نقل عن المرغيناني أن الدراهم كانت شبه النواة ودورت على عهد عمر لما بعث معقل بن يسار وحفر نهره الذي قيل فيه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ضرب حينئذ عمر الدراهم على نقش الكسروية وشكلها بأعيانها غير أنه زاد في بعضها الحمد لله وفي بعضها محمد رسول الله وفي بعضها لا إلاه إلا الله وحده على وجه وعلى الآخر عمر فلما بويع لعثمان ضرب دراهم نقشها الله أكبر فلما اجتمع الأمر لمعاوية ضرب دنانير عليها تمثاله متقلدا سيفا فلما قام عبد الله بن الزبير بمكة ضرب دراهم مدورة ثم غيرها الحجاج ولما استقر الأمر لعبد الملك بعد ابن الزبير ضرب الدنانير والدراهم في سنة 76 من الهجرة هـ
ولا ما في رسالة النقود الإسلامية للمؤرخ الشهير
____________________
(1/419)
التقي المقريزي فإن فيها نحو ما ذكر عن المواهب باللفظ وزاد أن معاوية ضرب دنانير عليها تمثال متقلدا سيفا وذكر أن عبد الملك بن مروان لما أمر الحجاج بضرب السكة ضربها وقدمت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وبها بقايا الصحابة فلم ينكروا منها شيئا سوى نقشها فإن فيه صورة وكان سعيد بن المسيب يبيع بها ويشتري ولا يعيب من أمرها شيئا هـ
انظر ص 5 منها ونحوه في خطط مصر لوزير المعارف بمصر الشيخ علي بن مبارك باشا انظر ص 6 من ج 20 منها وقد ساق كل كلام المقريزي المذكور محتجا به الشيخ عبد الغني النابلسي في شرحه على الطريقة المحمدية ووقع في وفيات الأسلاف ما نصه وأقدم سكة في الإسلام فيما وجد ما ضرب في خلافة عثمان سنة ثمان وعشرين من الهجرة بقصبة هرتك من بلاد طبرستان وكتب فيها بالخط الكوفي بسم الله ربي وفي خلافة علي سنة 37 وكتب فيها ولي الله
وفي سنة 38 و 39 بسم الله ربي
وفي درهم بالخط الكوفي في جانب منها الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد وفي دورته محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وفي الجانب الآخر لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وفي دورته ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة أربعين وفيها ضرب بدر بيجرد سنة سبعين وفي يزد سنة إحدى وسبعين بالخط الكوفي بسم الله وفي الطرف الآخر بالخط البهلوي عبد الله بن الزبير أمير المؤمنين وقيل أول من ضرب النقود مصعب بن الزبير سنة سبعين بأمر أخيه عبد الله ونقل سعيد بن المسيب
____________________
(1/420)
وأبو الزناد أن عبد الملك أمر الحجاج بضرب الدراهم وتمييز المغشوش من الخالص سنة 74 وقال المدائني سنة 75 ثم أمر بضربها في النواحي سنة 76 وهذه الدراهم ما وقع نظري عليها وإنما نقلته عما نقله الثقات في هذا الشأن هـ
ثم وجدته أخذ ذلك من تاريخ الوزير جودت باشا التركي الشهير فإنه نقل كل ما ذكر عن تاريخ واصف أفندي وفيه ايضا ذكر واصف أفندي أنه نقل عن التواريخ الموضوعة في أخبار سلاطين العرب أن عمر بن الخطاب ضرب سكة في عام 18 على النقش الكبير وكتب على بعضها لا إلاه إلا الله محمد رسول الله وعلى بعضها لا إلاه إلا الله واسم عمر ثم قال إلا أنه ثبت نقلا أن حضرة عمر لم يضرب سكة بإسمه والرواية المذكورة يحتمل ان تكون غلطا حصل من السكة التي ضربها أحد الأتراك بطبرستان المسمى عمر على المنوال السابق فالظاهر أن تاريخها المكتوب بالخط البهلوي لم يتمكنوا من قراءته وأسندت إلى حضرة عمر عندما قرئي اسم عمر وكذلك السكة المنسوبة إلى عبد الله بن الزبير لم يطلع عليها أحد من أهل العلم ومن المسلم عند أهل العلم إن الذي أحدث ابتداء ضرب السكة العربية هو الحجاج ولاكن ظهر خلاف ذلك عند وجود الكشف الجديد في هذا الفن سنة 1276 وذلك أن رجلا إيرانيا اسمه جواد أتى إلى دار السعادة بسكة فضية عربية ضربت في البصرة سنة أربعين هجرية وأنا الفقير رأيتها بين المسكوكات القديمة الإسلامية عند صبحي باشا أفندي مكتوب على أحد وجهيها بالخط الكوفي الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد وفي دورتها محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين
____________________
(1/421)
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وعلى الوجه الآخر لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وفي دورتها ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة أربعين ونقل عن بعض المؤرخين أنه ضرب على السكة صورة معاوية وخالد بن الوليد مقلدين سيفهما وتابعهما واصف أفندي فأدرج ذلك في تاريخه ولاكن هذه الرواية المذكورة لم يصل نقلها إلى درجة الثبوت والصحة ولاكن أنا الفقير رأيت على وجه الترتيب جميع المسكوكات الأموية المخلفة التي ضربت عندهم في دور الضرب من الذهب والفضة في كل سنة على الترتيب السابق من سنة 72 إلى تاريخ إنقراض دولتهم سنة مائة وإثنين وثلاثين هجرية فلم يكن على أحدها اسم الخليفة هـ
ووقع في رسالة لصديقنا الكاتب الكبير الأصيل السيد توفيق البكري الصديقي المصري في الموافقة بين الأعراف الأروبية والأعراف العربية منقولة في شرح كتابه صهاريج اللؤلؤ أن عمر بن الخطاب كان يستعمل الورق والجلود مكان النقود للحاجة وأنشد لأبي تمام
( لم ينتدب عمر للإبل يجعل من ** جلودها النقد حين عزه الذهب )
أقول
وبمكتبتنا في قسم النقود دراهم مكتوبة بالكوفي عليها لا إلاه إلا الله محمد رسول الله وفي آخر الكتابة اسم علي يقطع الناظر المتأمل فيها وفي كتابتها ونقشها القديم أنها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم
تتمات
الأولى في أوائل الحافظ السيوطي أول من ضرب الدراهم في بلاد المغرب عبد الرحمان بن الحكم الأموي القائم بالأندلس في القرن
____________________
(1/422)
الثالث وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم في الدراهم الزيوف ذكره الذهبي في تاريخه هـونحوه
نقل عن الذهبي الشامي في سيرته سبل الرشاد
قلت
وعبد الرحمان بن الحكم هذا هو عبد الرحمان الثاني بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمان الأموي الداخل إلى الأندلس سنة 138 وعلى كل حال فإن كان عنى بالمغرب الأندلس فقط فذاك وإن كان يعني المغرب الأقصى أو القطر الإفريقي ففيه نظر لأن الإمام إدريس بن إدريس رضي الله عنهما قد كان ضرب السكة أيام خلافته آخر القرن الثاني من الهجرة قبل ولاية عبد الرحمان بن الحكم وقد عقد لذلك جدنا من قبل الأم الإمام أحمد بن عبد الحي الحلبي ثم الفاسي فصلا في كتابه الدر النفيس وهو الفصل 34 قال عنها أما درهم الإمام إدريس بن إدريس فمكتوب على دائرته محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وتحت محمد رسول الله في الدائرة إدريس في الوسط ومحمد في سطر رسول الله في سطر وذلك بالخط الكوفي وفي الوجه الأخير مكتوب على دائرته بسم الله ضرب هذا الدرهم سنة 198
ثم وجدت الحافظ السيوطي قال في تاريخ الخلفاء له عند الكلام على عبد الرحمان المذكور المتوفي سنة 239 أول من فخم الملك بالأندلس من الأموية وكساه أبهة الخلافة والجلالة وفي أيامه أحدث بالأندلس ضرب الدراهم ولم يكن بها دار ضرب منذ فتحها العرب وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم أهل المشرق هـفظهر أن كلامهم في الأندلس ومولاي إدريس كان في العدوة
الثانية قال
____________________
(1/423)
الشيخ أبو سالم العياشي في شرح على نظمه لبيوع ابن جماعة المسمى إرشاد المتسبب إلى فهم معونة المكتسب وأما الدرهم السني فقد وجدت عند شيخنا سيدي عبد الوهاب الفاسي أسماه الله درهما ورثه عن والده مكتوب عليه بالخط الكوفي أنه ضرب بواسط سنة تسع ومائة وذلك في خلافة هشام بن عبد الملك وقد نص المؤرخون على أن أول من ضرب السكة في الإسلام عبد الملك بن مروان وأنه بولغ في تحريرها وتحقيقها في خلافة إبنه هشام فيكون هذا الدرهم من المضروب في أيام تجويد السكة وقد ذكر سيدي العربي الفاسي وهو ممن يوثق به في مثل ذلك ويعتمد عليه أنه اختبر الدرهم المذكور بما قاله الفقهاء فوجده خمسين وخمسي حبة بتحقيق كما قالوا وقد وزنت عليه درهما عندي صنعته من صفر بمعاينة العدول واستخرج لي شيخنا سيدي عبد الوهاب من الدرهم وزن الدينار الشرعي وهو ممن يرجع إليه في ذلك وقد ذكر أبو الحسن بن باق الأندلسي في تأليف له ما يتحقق به المكيال الشرعي على وجه سهل لا يكاد أن يقع فيه شيء من مراعاته إختلاف
الرابعة في مكتبتنا كتاب نادر الوجود اسمه الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة لم أكن أعرف مؤلفه حتى ظفرت به في مجموعة بأبي الجعد في دخولي لها الثاني عام 1337 بخط ابن أبي القاسم الرباطي شارح العمل فإذا هو الإمام أبو الحسن علي بن يوسف الحكيم ورتبه على أبواب الباب الثالث في المعادن وكيفية توليدها واستخراجها وتحصيلها ومنفعة كل منهم الباب الرابع في مقدار ما ينظم فيها من نفيس الأحجار مع بقاء بهجة الصنعة من غير نقص لذلك
____________________
(1/424)
الباب الخامس في أول من ضرب الدينار والدرهم وأماكن طبعها وضوابط سكتها الباب السادس في مقدار الدينار والدرهم الخاصين بنا المغرب الباب السابع في التعامل بها صرفا ومراطلة الباب الثامن فيما يجوز استعماله منها للحمل وغيره الباب التاسع فيما وعد به سبحانه من الثواب لمنفقها الباب العاشر في تسمية ما يحدثه المفسدون من غش السكة ويستفاد من آخر فصل من الباب السادس أن جد مؤلفه علي بن محمد الكومي الحكيم المديوني كان أمين وناظر دار السكة بفاس على عهد السلطان أبي يعقوب يوسف بن عبد الحق المريني وتكلم في الفصل الثاني من الباب الخامس على أول من ضرب الدراهم وأول من أقام دار الضرب بفاس وذلك أن صاحب الدرهم هو أبو عبد الله المهدي القائم بأمر الموحدين ثم قال وكان لمدينة فاس القرويين والأندلس دارا سكة فنقلها الخليفة أبو عبد الله الناصر بن منصور الموحدي لدار أعدها بقصبتها جربناها سنة ستمائة وأعد بها مودعا للأموال المندفعة بها ولطوابع سكتها فانظره فإنه مهم
الخامسة كما ألف في الباب أيضا الحافظ السيوطي رسالة سماها قطع المجادلة في تغيير المعاملة وهي رسالة نفيسة في نحو كراسة ذكر في أولها أن ابن أبي شيبة أخرج في مصنفه عن كعب أن أول من ضرب الدينار والدرهم آدم عليه السلام وذكر في آخرها أثرا يرمي إلى قطع المسكوكات النقدية وهو قوله أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال قرض الدرهم والدينار من الفساد في الأرض هـ
قلت
وهو تقصير من الحافظ السيوطي رحمه الله فإن الأثر في موطأ محمد بن الحسن
____________________
(1/425)
بوب عليه بقوله باب ما يكره من قطع الدرهم والدينار ثم قال أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قطع الورق والذهب من الفساد في الأرض قال محمد قطع الدراهم والدنانير لغير منفعة هـمنها
وعزا التقي المقريزي في رسالته في النقود الإسلامية قول ابن المسيب هذا إلى تخريج مسدد قال حدثنا خالد بن عبد الله قال حدثنا مالك عن ابن سعيد به فذكره وهو في طبقات ابن سعد بلفظ أنه سئل عن قطع الدراهم فقال هو من الفساد في الأرض وقد اختلف في معنى كلام سعيد فقيل كما في حاشية أبي الحسنات اللكنوي مراد محمد من قطعها كسرها وإبطال صورها وجعلها مصوغا معروف وهو ما مال إليه القاري في شرح الموطأ وقال التقي المقريزي عقب الأثر المذكور يعني كسرهما هـ
وقال بيري زاده في شرح الموطأ عن ابن الأثير كانت المعاملات بها في صدر الإسلام عدا لا وزنا فكان بعضهم يقص أطرافها فنهوا عنه هـ
انظر اللكنوي وما نقله عن ابن الأثير هو له في النهاية على حديث أبي داوود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر السكة الجائزة بين المسلمين إلا من بأس يعني الدنانير والدراهم المضروبة أي لا تكسر أي من امر يقتضي كسرها إما لرداءتها أو شك في صحة نقدها وكره ذلك لما فيه اسم الله وقيل لأن فيه إضاعة المال وقيل إنما نهى عن كسرها على أن تعاد تبرا فأما للنفقة فلا وقيل كانت المعاملة بها في صدر الإسلام عدا لا وزنا فكان بعضهم يقص أطرافها فنهوا عنه هـ
من النهاية وإختصارها وربما يكون المراد من قلعها استئصالها وعدم المصارفة بها
____________________
(1/426)
وبأصلها رأسا كما هو الحال في زماننا هذا في كثير من جهات الكرة الأرضية بعد الحرب الطاحنة الكبرى التي عمت العالم والله أعلم
السادسة ما ذكره السيوطي في أول من ضرب الدرهم والدينار نحوه في المواهب الفتحية عن شرح الإمام النابلسي على الطريقة المحمدية أول من ضرب الدرهم والدينار آدم عليه السلام وقال لا تصح المعيشة إلا بهما هـ
وهو في الحلية لأبي نعيم عن معاوية بن عبد الله الجعبري عن كعب الأحبار عزاه لها الحلبي في الدر النفيس ثم وجدت في مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي أن أبا حنيفة روى عن أبي سلمان قال أول من ضرب الدنانير على الذهب تبع وأول من ضرب الدراهم تبع الأصغر وأول من ضرب الفلوس وأدارها في أيدي الناس نمروذ بن كنعان وفي القاموس التبابعة ملوك اليمن الواحد ككسرى ولا يسمى به إلا إذا كانت له حمير وحضر موت ودار التبابعة بمكة ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفرد الأوزان والمكاييل والنقود الشرعية بالتأليف جماعة من الأعلام منهم أبو محمد الحسن بن أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان له مقالة أملاها سنة 647 وأبو محمد عبد الحق بن عطية وأبو بكر بن خلف الأنصاري شهر بإبن المواق وأبو العباس بن البنا وأبو العباس العزفي له كتاب إثبات ما لابد لمريد الوقوف على حقيقة الدينار والدرهم والصاع والمد والتقي المقريزي المصري ورسالته مطبوعة والشيخ عبد الرءوف المناوي والشيخ مصطفى الذهبي المصري شيخ بعض شيوخنا المصريين والشيخ عبد القادر الخطيب الطرابلسي المدني ورسالة
____________________
(1/427)
الأخيرين أيضا مطبوعة ذكر أسماء الأكيال المستعملة في عهده صلى الله عليه وسلم
وهي المد والصاع والفرق والعرق والوسق
أما المد فقد بوب البخاري عليه بقوله باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته وما توارثه أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن وأما الصاع ففي الموطأ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان صاعا من تمر وصاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين قال في المشارق الصاع مكيال لأهل المدينة معلوم فيه أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم
وفي القاموس نقلا عن الداودي معيارها الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي صلى الله عليه وسلم هـ
قال الفيروزبادي وجربت ذلك فوجدته صحيحا هـ
وفي لسان العرب صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي في المدينة أربعة أمداد بمدهم المعروف عندهم هـ
فيوخذ من كلامهم أن الصاع النبوي كان موجودا إلى زمانهم إن لم يكن بعينه فالمقيس عليه المحقق وفي تنبيه الغافل لأبي العباس محمد بن محمد بن مسعود التفجروتي وهو أي صاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم
القباب الصاع هو كيل مدينة فاس في وقتنا هذا ورأيت للشيخ أبي القاسم الشاطبي الصاع مد ممسوح من إمداد غرناطة ويغرف الإنسان أربع حفنات بكلمتي يديه
وعن الرجراجي شارح المدونة قال أبو محمد
____________________
(1/428)
بن أبي زيد وأحسن ما أخذنا عن المشايخ أن قدر مد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يختلف فيه ولا يعدم في سائر الأمصار أربع حفنات بحفنة الرجل الأوسط لا بالطويل جدا ولا بالقصير جدا ليست بمبسوطة الأصابع ولا بمقبوضها
قال أبو الحسن علي بن مسعود الرجراجي والذي قاله رضي الله عنه صحيح لا شك فيه عارضناه بما في أيدي الناس اليوم مما يزعمون أنه مد النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناه صحيحا لا شك فيه وقد كان عند شيخنا وقدوتنا شيخ الطريقة وإمام الحقيقة أبي محمد صالح الدكالي مد عير بمد زيد بن ثابت بسند صحيح مكتوبا عنده فعيرناه على هذا التعيير فكان مثل ذلك التقوية هـ
كلام التفجروتي ومثله نقل عن الرجراجي أيضا الحطاب في شرح المختصر في فصل زكاة الفطر وما ذكروه عن المد الذي كان عند الشيخ أبي محمد صالح صحيح ففي مناهج التحصيل على المدونة في باب زكاة الفطر قال وكان عند شيخنا أبي محمد صالح مد زيد بن ثابت ولعل إليه رفع هذا الإسناد والله أعلم هـ
ولا زال المغاربة وأهل الهند يتداولون إلى الآن أمدادا مسلسلة منها بيدي الآن مد سلطان المغرب أبي الحسن المريني الذي كان أعده لإخراج زكاة الفطر نص ما نقش بخارجه في الصفر الحمد لله أمر بتعديل هذا المد المبارك أمير المسلمين أبي الحسن بن مولانا أمير المسلمين أبي سعيد بن مولانا أمير المسلمين أبو يوسف عبد الحق أيده الله ونصره على المد الذي أمر بتعديله مولانا أبو يعقوب نصره الله الذي عدل مده بمد الحسن بن يحيى البسكري بمد إبراهيم بن عبد الرحمان مده بمد أبي علي بن يوسف الفواس الذي عدل مده بمد
____________________
(1/429)
الفقيه أبي جعفر أحمد بن علي بن عزلون وعدل أبو جعفر مده بمد الفقيه القاضي أبي جعفر أحمد بن الأخطل وعدل أبو جعفر مده بمد خالد بن إسماعيل وعدل خالد مده بمد أبي بكر أحمد بن حنبل وعدل أبو بكر مده بمد أبي إسحاق إبراهيم بن الشنيطر وبمد أبي جعفر بن ميمون وكانا عدلا مديهما بمد زيد بن ثابت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المد من الذخائر الملوكية العظيمة الموجودة في مكتبتنا والحمد لله كما عندي أيضا مد نقش عليه تاريخ صنعه سنة 1211 بفاس وأنه عدل على مد مولاي أحمد بن مولاي علي الإدريسي على مد أمير المؤمنين الحسن بن أمير المؤمنين أبي سعيد بن أمير المؤمنين أبي يوسف بن عبد الحق المريني على مد أبي يعقوب المنصور على مد الحسن بن يحيى البسكري نحو السند السابق مع إختلاف يسير كما يوجد الآن مد آخر نقش عليه أنه عدل باسم الأمير مولاي عبد الله بن السلطان مولاي إسماعيل العلوي وهو عدله بمد ابن سعيد المرغتي السوسي بمد عدل لعبد المؤمن بن عبد المؤمن سنة 990 بمد عدل للفقيه أبي محمد عبد الله بن سالم سنة 710 بمد عدل للفقيه أبي محمد عبد الرزاق سنة 692 بمد عدل للفقيه أبي الحسن علي بن الحاج سنة 213 بمد عدل للحاج الحسن بن يحيى البسكري بالسند السابق وتاريخ صنعه سنة 135 كما أن أهل الحديث ببلاد الهند يتداولون أيضا أمدادا وصيعانا يرجع عيارهم للأمداد المرينية المغربية منها كما وجدت بخط صاحبنا المسند الرحالة الشيخ أحمد أبي الخير بن عثمان العطار المكي الهندي في كناشة أنه وقف على أن محدث الهند شيخ شيوخ شيوخنا الهنديين الشيخ محمد
____________________
(1/430)
إسحاق عدل مدا على مد الشيخ رفيع الدين القندهاري شيخ الشيخ محمد صالح الرضوي البخاري وهو بمد حافظ محمد حياة وهو بمد أبي الحسن بن محمد صادق السندي بمد أبي سعيد بن أبي يوسف بن عبد الحق بمد أبي يعقوب المريني لخ كما ذكر صاحبنا الشيخ أبو الخير المذكور في ترجمة شيخه المعمر الشاه عليم الدين بن الشيخ رفيع الدين القندهاري العمري أن عياري الشيخ رفيع الدين المذكور قيل أخذ المد النبوي عن عبد القادر بن محمد سعيد الكردي المدني عن أبيه عن جده أبي طاهر الكوراني عن أبيه المنلا إبراهيم الكوراني بسنده ذلك قال وفي النفس منه شيء انظر حرف العين من كتابه النفح المكي من شيوخ أحمد المكي
قلت
وقد أشار إلى القصد الديني من هذه الأمداد من قال في أبيات وجدتها في كناشة أبي العباس أحمد بن عاشر السلوي الحافي وهي
( فضائل ما حوى مد النبي صلى الله عليه وآله وسلم* فلا تخفى على فهم الذكي )
( نبي وجهه بدر منير ** بدا للناس في ظلم وغي )
( فأهدانا وأرشدنا سبيلا ** سبيل الفضل والدين الرضي )
( فأول ما استفدنا منه علما ** رويناه عن الهادي السري )
( وذلك أن هذا المد أعني ** به مد النبي الزمزمي )
( فأربعة به في الفطر تجزي ** بحكم الشرع في نص جلي )
( وعن كفارة الأيمان عشرا ** إذا أقسمت بالله العلي )
( فهذا مستفاد العلم منه ** عظيم القدر مكيال النبي )
ثم وجدت هذه الأبيات بعينها منقوشة على مد كتب عليه أنه صنع
____________________
(1/431)
للناصر بن عبد الكريم بن عبد الله بن الشيخ عام واحد بعد الألف وأنه عدله على مد مفتي مراكش ابي محمد عبد الواحد بن أحمد الشريف الذي عدل مده بفاس عام 990 كما عدل مده هو بمد عدل سنة 710 للفقيه عبد الله بن سالم
قلت
وكأن الإمام الحجة أبا إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي صاحب المواقف المتوفي سنة 790 لم يقف على هذه الأمداد المحققة فلذلك نقل عنه الونشريسي في جامع المعيار وأبو العباس أحمد بابا السوداني في تكميل الديباج وبواسطة ترجمته من الأول صاحب الفجر الساطع أنه كان يقول أما شأن الرواية في هذه الأكيال المنقولة بالأسانيد فلا يحصل منها شيء يوثق به ولا تحقيق وقد اختبرت ذلك فوجدت الأكيال مختلفة متباينة ا لإختلاف وهي ذات روايات فإن أردتم كيلا شرعيا منقولا عن شيوخ المذهب يدركه كل أحد فالمد الشرعي حفنة من البر أو غيره بكلمتي اليد مجتمعتين من ذي يدين متوسطتين بين الصغر والكبر فالصاع منها أربع حفنات وقد جربت أنا ذلك فوجدته صحيحا فهذا الذي ينبغي أن يعول عليه لأنه مبني على أصل التقريب في الشرع والتدقيقات في الأمور غير مطلوبة شرعا لأنها من التنطع والتكلف فهذا ما عندي في القضية هـ
قلت
حكمه كما رأيت على الأمداد التي كانت رائجة ببلاده الأندلس فلم يعرف غيرها وعلى كل حال فالمد الذي وجد مطابقا لما وزن به يكون صحيحا عنده وهو مد أهل فاس إذ ذاك ولعله لم يقف عليه وقال فقيه فاس ومفتيها أبو العباس أحمد بن قاسم القباب المتوفي سنة 779 في شرحه على قواعد عياض ما نصه الصاع أربعة أمداد
____________________
(1/432)
والمد رطل وثلث وهذا الصاع هو كيل مدينة فاس في وقتنا هذا هـ
بحروفه وهو من أهل المائة الثامنة ونقله عنه أيضا المواق في شرح المختصر والتفجروتي في تنبيه الغافل وابن الطيب في شرح المرشد وأقروه وبعد القباب قال الإمام نادرة المغرب أبو عبد الله ابن غازي في حواشي الصحيح على قوله صلى الله عليه وسلم داعيا للمدينة وأهلها اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم ما نصه من نعم الله على أهل مدينة فاس أن هذا المعيار النبوي المبارك هو الجاري عندهم ولا يخفى ظهور بركته إلا على من أعمى الله بصيرته هـ
وهو من أهل المائة العاشرة مات سنة 919 ووجدت العلامة المسند الضابط أبا زيد التمنرتي في فهرسته المعروفة بالفوائد الجمة في إسناد علوم الأمة لما ترجم لأشياخ شيخه الصالح الرءيس أبي محمد عبد الله بن المبارك الأقاوي وعد منهم الفقيه الصالح أحمد بن عبد الرحمان المجدالي أنه سئل عن مد النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب مبلغ علمنا وآخر نظرنا مع طول بحثنا أن من أراد معرفته تحقيقا ومعرفة مقداره عيانا فليعد من حبوب الشعير الوسط المقطوعات الأطراف أربعة وثلاثين ألف حبة وأربعمائة حبة وست حبات وخمسين حبة ثم يمتحن ويختبر بها الآصع فما ملا منها من غير رزم ولا تحريك فهو صاع النبي صلى الله عليه وسلم بلا مرية ولا تشكيك إلى أن قال وإنما ألجأني إلى هذا العمل إني لما جئت من فاس المحروسة بالمد والصاع وبنصفه لقيت شيخنا الفقيه الجليل أبا علي الحسن بن عثمان بن عبد الله التاملي فقال لي هلا أتيتنا من فاس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وبمده فقلت له قد أتيت بهما وبالنصف ففرح بذلك
____________________
(1/433)
فرحا بليغا وقال علي بهما فقلت لصاحبي أخرجهما من حوائجنا فأخرجهما فلما نظر إليهما ضحك كالمستهزء وقال ورب الكعبة ما جئت بمده ولا بصاعه صلى الله عليه وسلم ولقد غلطوا فيهما غلطا فاحشا وكنت إذ ذاك معتقدا في فاس وأهلها فقلت اتق الله أيها السيد كيف تنسب الغلط إلى مدينة الإسلام والمسلمين وهذا طبع فيها وقد جعل العالم النحرير على النجارين فلا يبيعون صاعا ولا مدا حتى ينزل طابعه فيه بعد امتحانه فقال لي رد إلي رد إلي بالك مثار غلطهم أنهم اعتمدوا قول الفقهاء في الموزون رطل وثلث فوزنوها من الأشياء الخفيفة أرأيت لو وزنوها من التين لكان أكبر وأكبر فظهر لي صحة قوله فرجعت إلى طلب التحقيق فاعتمدت فيما ذكرت على ما ذكره ابن راشد القفصي والصاع الذي جئت به من فاس في ملئه ثمانية عشر قبضة ملئي هذا هو اثنتي عشر قبضة بينهما مقدار الثلث فمن أراد الإحتياط فليخرج زكاة الفطر بالأكبر ويعتبر بلوغ النصاب بالأصغر هـ
ونحوه في ترجمة المجدالي المذكور في طبقات أبي عبد الله الحضيكي السوسي ولاكن التمنرتي المذكور وهو من أهل القرن الحادي عشر بعد ما نقل الجواب المذكور متعقبا ومشنعا على أهل فاس بما لا يخلو عن شدة وجفوة لدى باب الأسانيد والمسلسلات من فهرسته المذكورة أثبت سند مد النبي صلى الله عليه وسلم معتمدا فيه وراجعا في عياره إلى عيار أعلام فاس كاليسيتي وغيره فقال ضربت مدي على مد شيخنا الإمام القدوة أبي زكرياء يحيى بن عبد الله بن سعيد بن عبد المنعم وضرب مده على مد الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمان اليسيتني بفاس المحروسة سنة 990 وضرب
____________________
(1/434)
مده على الفقيه أبي محمد عبد الله بن سالم سنة 710 وضرب مده على مد الفقيه الصالح أبي محمد عبد الرزاق سنة 692 وضرب مده على مد الفقيه أبي الحسن علي بن الحاج سنة 613 وضرب مده على الحاج الحسين بن يحيى البكري الذي عدله بمد أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمان الحاحي الذي عدله بمد الشيخ المرحوم أبي علي منصور بن يوسف القواس الذي عدله بمد الفقيه أبي جعفر أحمد بن عزوان الذي عدله بمد الفقيه القاضي أبي جعفر أحمد بن الأخطل الذي عدله بمد خالد بن إسماعيل الذي عدله بمد أبي إسحاق بن شنيظر وبمد أبي جعفر أحمد بن ميمون وكانا عدلا مديهما بمد زيد بن ثابت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أبو سالم العياشي في شرحه المسمى إرشاد المتسبب على نظم مقدمة ابن جماعة المسمى معونة المكتسب وبغية التاجر المحتسب ما نصه مما ينبغي الإعتناء به تحقيق المكيال والميزان الشرعيين لأداء الحقوق المتعلقة بذلك كالنصب والكفارات والحدود والنفقات وقد عز تحقيق ذلك في زماننا لطول العهد بزمان جريان ذلك ولكثرة الإختلاف في الموازين والمكاييل والسكك بإختلاف الأزمان والبلاد وتحقيق ذلك كله يتوقف على أمرين إما أن يجد الإنسان مكيالا شرعيا قيس على مكيال آخر بسند صحيح إلى المد النبوي أو موزون قيس على موزون كذلك وإما أن يستخرج ذلك مما قاله العلماء من كون المد رطلا وثلثا والرطل مائة وثمانية وعشرون درهما والدرهم خمسون وخمس حبة والدينار عشرة أسباع الدرهم فآل الأمر في ذلك إلى تحقيق الدرهم الشرعي فإذا تحقق انبنى عليه غيره بسهولة وقد
____________________
(1/435)
من الله علي بأن تيسر لي تحقيق المد النبوي والدرهم السني فالوجه الأول مختبرا بالوجه الثاني فصح أما المد فسألت شيخنا سيدي عبد القادر بن علي الفاسي هل يوجد مد اليوم محقق على المد النبوي فقال لي لم أر في ذلك أمثل من المد الموجود عند أمين القبابين بفاس وقد اجتهد سيدي أحمد بن علي السوسي على أن يستخرج ذلك من أقوال العلماء فآل الأمر إلى أن رجع إلى هذا المد وقاس عليه مدا كان عنده وعدل عليه ثم أتيت بذلك المد بعينه وبالذي قاسه عليه سيدي أحمد السوسي فقست عليهما مدا صنع لي هناك من نحاس فماثلهما والمد المقيس عليه صنع بعد الستمائة من الهجرة وفيه مكتوب سنده إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه والسند مكتوب عندي في محل آخر هـكلامه
وقال أبو السعود الفاسي في إملاآته على الصحيح في كتاب الكفارات مده صلى الله عليه وسلم الذي فيه رطل وثلث أعظم بركة من مد هشام الذي فيه ثمانية أرطال فقوله بمده يعني مد المدينة وهو المد النبوي والذي بالقبابين بفاس عدل بالقيروان وفيه مكتوب سنده وأنه وضعه فلان على مد فلان إلى زيد بن ثابت وهو ضرب على المد النبوي فمن أراد أن يخرج فليخرج به وعليه وضع سيدي أحمد بن علي لما لم يتحقق له شيء وزنا ولا كيلا مما قاله الفقهاء هـ
وبعده في القرن الثاني عشر قال العلامة مؤرخ فاس أبو عبد الله محمد بن الطيب القادري الحسني في شرحه على المرشد المعين أثر كلام القباب السابق ما نصه ورأيت في بعض التآليف ما يدل على أنه استمر كذلك إلى المائة العاشرة ثم زيد فيه وبلغت زيادته إلى أن صار ثلاثة آصع في كل مد بتقريب وعليه
____________________
(1/436)
فالنصاب بوسق الوقت وسق وأربعون مدا هـ
منه في فصل الزكاة على قول ابن عاشر خمسة أوسق
وأقول
قطع الله تلك اليد الأثيمة التي غيرت وزادت في المد القديم المقدس وما أجرأها وما أكبر المصيبة على هذه البلاد بها فلا رحم الله تلك العظام وأخزى الله ما كان تحت تلك الثياب ثياب العار والشنار وبيس عقبى الدار وقد رأيت أبا عبد الله العقباني في تحفة الناظر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر نقل عن جده الإمام قاسم العقباني أنه كان يعارض في الزيادة في صاعنا بتلمسان يوم أريدت الزيادة فيه عما كان قديما يعرف بالتاشفيني بهذا الذي بين أيدينا اليوم يعرف بالوهراني محتجا على من باحثه من الأصحاب بأن من أعظم المفاسد إعطاء الوظائف الظلمية به وخصوصا بعد ملك الثوار من العرب فكلما يأخذون بذلك المكيال المزاد في صحيفة الذي زاد فيه أو أفتى بالزيادة فيه فانقطع الباحث قال الجد ولم يكن لي والحمد لله في تسويغ أحداثه تلفظ ببنت شفة حتى يسألني الله عن ذلك هـ
قلت
وقد كان صنع لي واحد بسلا قيس على مد يسب لتعديل فخر سلا والمغرب أبي عبد الله محمد العياشي في القرن الحادي عشر نقش عليه سند متصل وكنت صحبته معي للمشرق فأعطيته في مصر لحبنا المعتني الشهاب أحمد الحسيني الذي أخبرنا أنه دقق البحث في شأنه وقياسه على ما اختاره وحرره في كتابه نهاية الأحكام عن فقهاء المذاهب فوجده أعدل مد وأضبطه ولله عاقبة الأمور وللإمام أبي الفرج الدارمي رسالة في الصاع والمد
ورأيت
في القيروان عند مفتيه الشيخ محمد بن صالح الجودي رسالة للشيخ تاج الدين البكري
____________________
(1/437)
التونسي اسمها أعمال الفكر في تحرير الصاع النبوي بأعمال النظر كما للعلامة السيد محمد أمين مرغني رسالة سماها كشف القناع عن تحرير الصاع كما أفرد بعض العلماء الفرنسيين الكلام على الإمداد والصيعان واعتنى بنقل رسومها بالفتوغراف أثبت فيها صورة الصاع المريني الذي عندي والرسالة المذكورة مطبوعة بباريز وقف أيضا على آخر نهاية الأحكام لصاحبنا الشهاب أحمد الحسيني المصري فإنه حرر القول وأجاد في المكاييل والأوزان والدراهم الشرعية مما لا يوجد عند غيره والله أعلم كما أن كلمة الإنصاف أن مباحث المكاييل والأوزان والدرهم والدينار من كتاب الخزاعي هنا لم أر أوعب منها ولا أجمع فيها رأيت ممن كتب في المسألة من أهل المشرق والمغرب بحيث لو لم يشتمل كتابه إلا عليها لكان جديرا بالإعتبار وذلك أنه عقد تحت باب ذكر أسماء الأكيال والأوزان الشرعية عدة فصول أولها في قوله صلى الله عليه وسلم الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة الثاني في معرفة الأوزان في عهده صلى الله عليه وسلم ومعرفة أقدارها وهي عشرة ثم ترجم للدرهم بسبع مسائل الأولى في ذكر استعماله الثانية هل كان معلوم القدر أم لا الثالثة في معرفة مقداره الرابعة في الترجيح بين هذين القولين في عدة حبوب الدرهم الخامسة في الدليل على استعمالهم حب الشعير في أوزانهم في الجاهلية والإسلام السادسة في معنى تسمية الدرهم بالشرعي ثم ترجم لذكر الدرهم والمثقال ومعرفة مقداره وللقيراط واستعماله ومقداره والأوقية واستعمالها ومقدارها والنش وإستعماله وقدره والنواة وإستعمالها ومقدارها
____________________
(1/438)
والرطل وإستعماله ومقداره والقنطار وإستعماله ومقداره ثم ترجم لأسماء الأكيال المستعملة في عهده صلى الله عليه وسلم وهي المد والصاع والفرق والعرق والوسق وأوسع أيضا في استعمال كل ومقداره فقف عليه أو على إختصاره لكاتبه فإذا ضم ما زدناه عليه هنا بما عنده صح إفراده بمؤلف مستقل لا يكون أفيد منه في الموضوع
خاتمة
إنما أطال الفقهاء في هذه المسألة محافظة على القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر ولأنه تكره الزيادة على الصاع لأن التحديد من الشارع فالزيادة عليه بدعة مكروهة كالزائد في التسبيح على 33 قاله القرافي وبواسطة ابن الحاج على ميارة نقلت & باب في إتخاذ الإبل والغنم &
ذكر ابن جماعة في مختصر السيرة له أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من النعم الناقة التي هاجر عليها من مكة اشتراها من أبي بكر بأربعمائة درهم وكان له جمل يقال له الثعلب وغنم يوم بدر جملا مهرفا لأبي جهل وكانت له عشرون لقحة بالغابة على بريد من المدينة من طريق الشام يراح إليه صلى الله عليه وسلم كل ليلة بقربتين من ألبانها وكانت له خمس عشرة لقحة غرار كان يرعاها يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم وكان له سبع لقاح وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شياه عديدة منها سبعة أعنز ترعاهن أم أيمن وغيرها عند غيرها
في العتبية قال مالك بلغني أن عمر بن الخطاب أتخد إبلا من مال الله يعطيها الناس يحجون عليها فإذا رجعوا ردوها إليه قال ابن رشد في البيان والتحصيل هذا من النظر الصحيح
____________________
(1/439)
في مال الله لأن أولى ما صرف فيه مال الله ما يستعان به على أداء فرائض الله فينبغي للأيمة أن يتأسوا به في ذلك هـمنه ذكر الوسام
ترجم البخاري باب رسم الإمام إبل الصدقة بيده وخرج فيه عن أنس بن مالك قال غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده الميسم يسم به إبل الصدقة وفي مسلم عن أنس يحدث أن أمه حين ولدت انطلقت بالصبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه قال فإذا النبي صلى الله عليه وسلم في مربد يسم غنما قال سبعة أو أكثر علمي أنه قال في أذنها
وفي ترجمة عكراش بن دؤيب التميمي من طبقات ابن سعد قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بإبل الصدقة فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها ووقع في حواشي الدر لأبن عابدين الحنفي نقلا عن البزازية من كبار كتب الحنفية روى أنه كان مكتوبا على أفخاذ أفراس في اصطبل الفاروق حبس في سبيل الله هـ
ثم نقل عن جواب لإبن حجر الهيثمي فيه أن الفقيه ابن عجيل اليمني أفتى بجواز كتابة دعاء على الكفن للميت قال قياسا على كتابة لله في إبل الزكاة وأقره بعضهم وفيه أي القياس نظر انظر المختار على رد المحتار ثم وجدت ما نقله عن البزازية في طبقات ابن سعد أنظرها في الحمى يحميه الإمام
____________________
(1/440)
في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال لخيل المسلمين قال عياض على عشرين فرسخا من المدينة وهو صدر وادي العقيق وهو أخصب واد هناك وهو ميل في بريد وفيه شجر ويتجج حتى يغيب فيه الراكب ومتى ذكر البقيع بالباء دون إضافة فهو هذا ومن المحدثين من جعله بالنون والنقيع موضع كان ينقع فيه الماء وبه سمى هذا
ترجم في الإصابة لعياض بن عبد الله الثقفي فذكر أن البخاري وابن منده أخرجا عن عبد الله بن عياض عن أبيه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل من بهز بعسل فقال ما هذا قال أهديته لك فقبله فقال احم لي بقيعي قال فحماه له وكتب له كتابا وفي تاريخ الخميس للديار بكري لما ذكر ما انتقد الطاعنون على سيدنا عثمان قال الخامس قالوا أنه حمى سوق المدينة في بعض ما كان يباع ويشترى فقال لا يشتري منه أحد النوبة حتى يشتري وكيله ويفرغ من شراء ما يحتاج إليه عثمان لعلف إبله فهذا مما اختلق عليه وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على أنه فعله لإبل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها هـ القسم الثامن في سائر العمالات وفيه عدة أبواب & باب في المنفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين صائره &
في مختصر السيرة لإبن جماعة كان بلال المؤذن على نفقات رسول الله
____________________
(1/441)
صلى الله عليه وسلم هـ
وفي سنن أبي داوود والبيهقي عن عبد الله الهوزني قال لقيت بلالا بحلب فقلت يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان له شيء وكنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله حتى توفي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الإنسان مسلما يراه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فاشتري له البردة فأكسوه وأطعمه وروى ابن المنذر في الأشراف في كتاب النفقات بسنده عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا
وفي ترجمة مروان بن قيس الدوسي وتقصيره في إمر الغلامين وأنهما شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا أن يقوم بنفقتهما وفي ترجمة العباس بن مرداس من طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه لأقطعن لسانك وقال لبلال إذا أمرتك أن تقطع لسانه فاعطه حلة ثم قال يا بلال اذهب به فاقطع لسانه فأخذ بلال بيده ليذهب به فقال يا رسول الله أيقطع لساني يا معشر المهاجرين أيقطع لساني يا للمهاجرين أيقطع لساني وبلال يجره فلما أكثر قال إنما أمرني أن أكسوك حلة أقطع بها لسانك فذهب به فأعطاه حلة
وفي السيرة الشامية كان بلال يلي أمر النفقة على العيال ومعه حاصل ما يكون من المال هـ
ونحوه في حاشية الشبراملسي على المواهب
وترجم في الإصابة لأبي نيزر والد النجاشي فقال جاء وأسلم وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في مئونته ثم كان مع فاطمة ثم كان مع ولدها & باب في الوكيل يوكله الإمام في الأمور المالية &
____________________
(1/442)
في سنن أبي داوود عن جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته
وترجم ابن فتحون في الذيل مروان بن الجدع الأنصاري فقال كان أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهمين خيبر السهمان جمع سهم وهو النصيب
وقد ترجمه في الإصابة وذكره بذلك ناقلا عن ابن الكلبي & باب في أمر المصطفى الرجل أن يحبس السبايا والأموال في الغزو &
ترجم في الإصابة لمسعود القاري بالتشديد من غير همز من القارة فقال كان على المغانم يوم خيبر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة وقال كذا أورده أبو عمر مختصرا والذي في جمهرة ابن الكلبي عمر بن القاري استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على المغانم يوم حنين & باب في الرجل يبعثه الإمام بالمال لينفذه فيما يأمره به من وجوه مصارفه في غير الحضرة &
في سيرة ابن إسحاق قصة بعثه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة وما أزهق من النفوس هناك وتألمه صلى الله عليه وسلم من ذلك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال يا علي أخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل الجاهلية تحت قدميك فخرج علي رضي الله عنه حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/443)
فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إذا لم يبق شيء من درهم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي حين فرغ منهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد لكم قالوا لا فقال إني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا نعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال أحسنت وأصبت وفي سنن أبي داوود عن عبد الله بن عمرو الخزاعي عن أبيه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان بمكة قبل الفتح فقال التمس صاحب الحديث
ترجم في الإصابة لسعد بن زيد بن مالك الأنصاري فذكر أنه هو الذي بعثه المصطفى صلى الله عليه وسلم بسبايا من بني قريظة فاشترى بها من نجد خيلا وسلاحا & باب في إنزال الوفد وفيه فصول ولها مقدمة &
قال هشام في سيرته قال ابن إسحاق لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه حدثني أبو عبيدة أن ذلك في سنة تسع وأنها كانت تسمى سنة الوفود قال ابن إسحاق وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش وذلك أن قريشا كانوا أمام الناس وهاديهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقادة العرب لا ينكرون ذلك وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/444)
وخلافه فلما افتتحت مكة ودانت له قريش ودوخها الإسلام عرف العرب أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا في دين الله أفواجا يضربون إليه من كل وجه هـ فصل في إتخاذ الدار لنزول الوفد في زمانه صلى الله عليه وسلم وبنائه صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه
في الوفاء للسيد السمهودي ذكر ابن شبة في دور بني زهرة أن من دور عبد الرحمان بن عوف التي اتخذها الدار التي يقال لها الدار الكبرى دار حميد بن عبد الرحمان بن عوف وإنما سميت بالدار الكبرى لأنها أول دار بناها أحد المهاجرين بالمدينة وكان عبد الرحمان ينزل فيها ضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تسمى أيضا دار الضيفان فسرق فيها بعض الضيفان فشكى ذلك عبد الرحمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بنى صلى الله عليه وسلم فيها بيده فيما زعم الأعرج هـمنها
واختصر ذلك السمهودي في خلاصة الوفا
ذكر أبو الربيع الكلاعي في الإكتفاء عن الواقدي أن حبيب بن عمرو كان يحدث قال قدمنا وفد سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة نفر فانتهينا إلى باب المسجد فصادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا منه إلى جنازة دعي لها فلما رأيناه قلنا يا رسول الله السلام فقال رسول الله وعليكم السلام من أنتم قلنا قوم من سلمان قدمنا عليك لنبايعك على الإسلام ونحن على من ورائنا من قومنا فالتفت إلى
____________________
(1/445)
ثوبان غلامه فقال أنزل هؤلاء حيث ينزل الوفد فخرج بنا ثوبان حتى انتهى بنا إلى دار واسعة وفيها نخل وفيها وفود من العرب وإذا هي دار رملة بنت الحارث النجارية وساق الحديث
وقد ترجم في الإصابة لحبيب بن عمرو المذكور وأورد قصته هذه وساق سند الواقدي فيها وأفاد أن قدومه كان في شوال سنة عشر من الهجرة وذكر ابن إسحاق أيضا في خبر بني قريظة أنه لما حكم فيهم سعد بن معاذ حبسوا في دار رملة بنت الحارث النجارية وذكر ابن فتحون أنه نزل فيها وفد تميم عيينة بن حصن ومن معه
وذكر الطبري أنه نزل عندها أيضا وفد بني كلاب وهم ثلاثة عشر رجلا
وترجم في الإصابة للحارث بن عوف المزني المشهور من فرسان الجاهلية فذكر عن الواقد عن أشياخه قالوا قدم وفد بني مرة ثلاثة عشر رجلا رءيسهم الحارث بن عوف وذلك منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك فنزلوا بدار بنت الحارث لخ
وذكر في طبقات ابن سعد لدى كلامه على وفد بني حنيفة فأنزلوا دار رملة بنت الحارث وأجريت عليهم ضيافة فكانوا يوتون بغداء وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا وسمنا
وفي المواهب وقدوم الوفد المذكور وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب فكان منزلهم في دار امرأة من الأنصار من بني النجار قال الزرقاني منزلهم بفتح الميم والزاي مصدر ميمي أي نزولهم مضاف لفاعله ويجوز ضم الميم مع فتح الزاي أيضا من إضافة المصدر لمفعوله فيفيد أن النبي أو أحد أصحابه أمر بإنزالهم
وقد ضبط البرهان الزاي بالفتح وسكت عن الميم فيشمل الضبطين وإن كسر الزاي مع فتح الميم
____________________
(1/446)
اسم للموضع فكأنه ليس مرادا هنا لإيهامه موضعا معينا من الدار مع أن المراد مجرد النزول دون تعيين محل وقوله في دار امرأة من الأنصار من بني النجار هي كما قال الحافظ رملة بنت الحدت بدال بعد الحاء المهملة لإبراء قبلها ألف كما عند ابن سعد وغيره والحدت هو ابن ثعلبة بن الحدت بن زيد الأنصارية كانت دارها دار الوفود وهي صحابية زوجة معاذ بن عفراء انظر الفتح ومقدمته والرد على السهيلي في زعمه خلاف ذلك وما سبق عن الزرقاني من أنها رملة بنت الحدت بالدال ربما ينافي ما سبق مكررا من أنها بنت الحارث بالراء وقد ذكر في الإصابة والدها بالوجهين
وقد جرى على ذلك سيدنا عمر فإنه أقام في خلافته دور الضيافات وأدر عليها الأرزاق وجعل فيها الدقيق والسويق والتمر وما يحتاج إليه يعين به المنقطع ووضع فيما بين مكة والمدينة من الطريق ما يصلح من ينقطع به وفعل مثل ذلك بين الشام والحجاز انظر سيرته رضي الله عنه فصل في إنزال الوفد في قبة ضربت لهم في زمانه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق في السيرة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وذكر حديث قدومهم وفيه ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة من ناحية مسجده كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساق قصة هؤلاء
____________________
(1/447)
في الإصابة في ترجمة سعيد بن رفاعة الثقفي وعزاها لإبن منده وفيها أيضا في ترجمة علقمة بن سفيان عن تخريج يونس بن بكير في زيادات المغازي عن علقمة قال كنت في الوفد من ثقيف فضربت لنا قبة فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال أخرجه البغوي والطبراني من طريق يونس قال الزرقاني في باب الوفود من شرح المواهب على قوله ضرب عليهم قبة أي خيمة في ناحية المسجد لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا فصل في إنزال الوفد عند بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
روى قاسم في الدلائل عن أوس بن حذيفة قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فنزل الأحلاف على المغيرة بن شعبة وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة فكان يأتينا كل ليلة ونحوه في سنن أبي داوود
وعزاه الحافظ الشامي في سيرته لإبن أبي خيثمة عن يحيى بن عبد الله بن أوس عن جده وفي طبقات ابن سعد أن وفد ثقيف نزل من كان منهم من الأحلاف على المغيرة بن شعبة فأكرمهم وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان فيهم من بني مالك قبة في المسجد فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل ليلة بعد العشاء فيقف عليهم ويحدثهم حتى يراوح بين قدميه ويشكوا قريشا ويذكر الحرب التي كانت بينه وذكر في الطبقات أيضا في ترجمة عبد القيس أن وفد عبد القيس أناخوا رحالهم على باب رملة بنت الحدت وكذلك كان الوفد
____________________
(1/448)
يصنعون فكانت ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجري عشرة أيام وذكر في الإصابة قصة قدوم وفد نجران وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى فأنزلهم صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب الأنصاري وترجم فيها أيضا لعبد الرحمان بن ابي مالك الهمذاني فذكر أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأنزله على يزيد بن أبي سفيان وترجم فيها أيضا لقيس بن عاصم أحد دهاة العرب فذكر قصة وروده على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه فسأله النعمان بن مقرن فقال يا رسول الله أيذن لي أن يكون منزله على أمي قال نعم وفي ترجمة يزيد بن عبيد السلمي من الإصابة أن ابن شاهين خرج من الصحابة لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة فيهم خارجة بن حصين والحارث بن قيس وهو أصغرهم فنزلوا في دار رملة بنت الحرث وهذا مرسل وفي ترجمة أبي صفرة الأزدي من الإصابة ما يدل على أن أبا بكر في أيام خلافته كان ينزل الوفود في هذه الدار أيضا وترجم فيها أيضا لأم شريك فذكر أنه وقع في صحيح مسلم وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله تعالى ينزل عليها الضيفان وفي طبقات ابن سعد أن يحنه بن روبة ملك أيلة لما أقبل مع أهل الشام واليمن والبحر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإنزاله عند بلال وفي در السحابة حين ترجم لعثمان بن قيس بن أبي العاص التميمي فقال عنه هو أول قاض بمصر وكان شريفا سريا قال في مرآة الزمان هو أول من بنى بمصر دارا للضيافة للناس فصل في ذكر من ولي النظر في أمر الوفود في زمنه صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/449)
وقد تقدم قبل أن خالد بن سعيد بن العاص كان يمشي بين وفد ثقيف وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عنده صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد نقله الزرقاني في شرحه على المواهب وفيه أيضا نقلا عن ابن إسحاق أن بلالا كان يأتيهم بفطرهم وسحورهم في الأيام التي صاموها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمضان وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثوبان غلامه بإنزال وفد بني سلمان في الدار التي ينزلها الوفود وفي طبقات بن سعد لدى كلامه على وفد تجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم رحب بهم وأكرم منزلهم وحباهم وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم وجوائزهم وأعطاهم أكثر مما كان يجيز به الوفد وفيها أيضا أن وائل بن حجر القيل أحد ملوك اليمن لما ورد على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما أمر صلى الله عليه وسلم معاوية أن ينزله فأنزله منزلا بالحيرة ووقعت له معه قصة عجيبة انظرها في الطبقات أمره صلى الله عليه وسلم بالزاد للوفود
روى البيهقي عن النعمان بن مقرن المزني قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة رجل فلما أردنا أن ننصرف قال يا عمر زود القوم قال ما عندي إلا شيء من تمر ما أظنه يقع من القوم موقعا قال انطلق فزودهم فانطلق بهم فأدخلهم منزله ثم أصعدهم إلى علية بكسر العين وضمها غرفة
فلما دخلنا إذا فيها من التمر مثل الجمل الأورق ما في لونه بياض إلى سواد وهو أطيب الإبل فأخذ القوم منه حاجتهم قال النعمان وكنت في آخر من خرج فنظرت وما أفقد موضع تمرة من مكانها معجزة
____________________
(1/450)
نبوية انظر من شرح المواهب في سفر الوفود جوائزه صلى الله عليه وسلم للوفود
بوب البخاري في كتاب الجهاد باب جوائز الوفود وخرج عن ابن عباس أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عند موته بثلاث منها وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم هـ
وفي طبقات ابن سعد أجاز رسول فروة بن عمرو الجدامي عامل قيصر على عمان بإثنى عشر أوقية ونش قال وذلك خمسمائة درهم
وفيها أيضا أن وفد تميم لما وردوا على رسول الله أمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفد وذكر ان امرأة من بني النجار قالت أنا أنظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم عند بلال ثنتي عشرة أوقية ونشا قلت وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أواق يعني عمرو بن الأهتم وفيها أيضا أن وفد عبد القيس لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم أمر لهم بجوائز وفضل عليهم عبد الله الأشج فأعطاه إثني عشر أوقية ونشا وفي المواهب أن وفد بهرام وهم قبيلة من قضاعة وكانوا ثلاثة عشر رجلا أقاموا أياما ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بجوائز قال الزرقاني لم يبين قدرها هـ
وفي المواهب ايضا أن وفد غسان وكانوا ثلاثة عشر نفرا فأسلموا وأجازهم صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا وذكر فيها أيضا وفد سلامان بطن من قضاعة كانوا سبعة نفر فأمر لهم بالجوائز ذكر الزرقاني فأعطيت خمس أواقي فضة لكل رجل منا واعتذر إلينا بلال وقال ليس عنده مال اليوم فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه وترجم فيها أيضا لوفد عامر بطن من الأزد باليمن وكانوا عشرة فأقروا بالإسلام
____________________
(1/451)
وكتب لهم كتابا فيه شرائع الإسلام وأمر أبي بن كعب أن يعلمهم القرآن وأجازهم صلى الله عليه وسلم قال الزرقاني كما كان يجيز الوفود وهو تشبيه في أصل الجائزة لأنه لم يكن له جائزة مخصوصة وإنما يدفع ما اتفق وجوده وهو يتفاوت قلة وكثرة فقد أجاز بخمس أواق وبعشر وبإثني عشر وبأزيد هـ
وفي طبقات ابن سعد لدى الكلام على وفد بني حنيفة فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بجوائزهم خمس أواق لكل رجل فقالوا يا رسول الله إنا خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يبصرها لنا وفي ركابنا يحفظها علينا فأمر له بمثل ما أمر به لأصحابه وقال ليس بشركم مكانا لحفظه ركابكم ورحالكم وكان الرجل المذكور مسيلمة الكذاب وفي الطبقات أيضا لدى ترجمة أشج عبد القيس وأمر صلى الله عليه وسلم للوفد بالجوائز وفضل عليهم عبد الله الأشج فأعطاه اثني عشر أوقية ونشا وكان ذلك أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيز به الوفد وانظر السبل للحافظ الشامي رحمه الله & باب تجمله صلى الله عليه وسلم للوفود وإجازتهم &
أخرج أبو نعيم والواقدي عن جندب بن مكية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم عليه الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك فرأيته وفد عليه وفد كندة وعليه حلة يمانية وعلى أبي بكر وعمر مثله ساقه ابن الهندي في الكنز في الوفود وهو في طبقات ابن سعد في ترجمة جندب بن مكية ولمحمد بن عمر الأسلمي شيخ ابن سعد كتاب الوفود قال الحافظ الشامي في سيرته وفيه فوائد لم يلم بها ابن سعد هـ
وانظر ترجمة علقمة بن سفيان من الإصابة
____________________
(1/452)
& باب في الخانات الفنادق لنزول المسافرين &
قد استنبط بعضهم ذكر الخانات من قوله تعالى ^ ليس عليكم جناح أن تدخوا بيوتا غير مسكونة ^ ذكره غير واحد منهم الروضي في شرح الأنموذج
وفي طبقات ابن سعد واتخذ عمر دار الرقيق وقال بعضهم الدقيق فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يحتاج إليه يعين به المنقطع والضيف ينزل بعمر ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء هـ
وفيها أيضا أن عمر استأذنه أهل الطريق يبنون ما بين مكة والمدينة فأذن لهم وقال ابن السبيل أحق بالماء والظل هـ& باب في المارستان دار المرضى المستشفى اليوم وقيام النساء الصحابيات به في زمنه صلى الله عليه وسلم &
قال الجوهري في الصحاح المارستان بيت المرضى معرب عن ابن السكيت قال زاهد العلماء أبو سعيد نصر بن عيسى أول من اخترع المارستان وأوجده بقراط وذلك أنه عمل بالقرب من داره من بستان كان له موضعا مفردا للمرضى وجعل فيه خدما يقومون بمداواتهم في صحيح مسلم عن عائشة أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد خيمة يعوده من قريب وقال ابن إسحاق في السيرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة
____________________
(1/453)
لإمرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده صلى الله عليه وسلم كانت تداوي الجرحى وتحبس نفسها على خدمة من كان فيه ضيعة من المسلمين فهذا أوسع ما علمنا عن المستشفيات في حياته صلى الله عليه وسلم
وأول من بنى المارستان من ملوك الإسلام الوليد بن عبد الملك سنة 88 وجعل فيه الأطباء وأجرى فيها الإنفاق وأمر بحبس المجذومين ليلا يخرجوا وأجرى عليهم الإنفاق وعلى العميان
ولا شك أن معنى ذلك أن الوليد هو أول من اجتهد في توسعته وزخرفته والقيام بما يلزم له على حسب سعة الحال والمال في زمنه وإلا ففي الإصابة رفيدة الأنصارية أو الأسلمية ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصابه السهم بالخندق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على من كانت به ضيعة من المسلمين
وقال البخاري في الأدب المفرد حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال ولما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فقيل حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة وكانت تداوي الجرحى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول كيف أصبحت كيف أمسيت فيخبره
وأورده في التاريخ في قصة وفاة سعد وسنده صحيح وأورده المستغفري من طريق البخاري وأبو موسى من طريق المستغفري هـ
وفي الإصابة أيضا في حرب الكاف كعيبة بنت سعيد الأسلمية فذكرها بنحو ذلك وكانت أخت رفيدة
____________________
(1/454)
& باب في الطبيب &
ذكر ابن الجوزي في صفوة الصفوة عن هشام بن عروة قال عروة لعائشة يا أمتاه لا أعجب من علمك بالشعر وأنت ابنة ابي بكر وكان أعلم الناس ولاكن أعجب من علمك بالطب فضربته على منكبه وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره فكانت تقدم إليه وفود العرب من كل وجه فينعت لهم الأنعات فكنت أعالجه فمن ثم
وفي ترجمتها من الإصابة قال هاشم بن عروة عن أبيه ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا يطب ولا بشعر من عائشة
وفي الأحكام النبوية لأبي الحسن بن طرخان الحموي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يديم التطبب في حال صحته ومرضه أما في صحته فبإستعمال التدبير الحافظ لها من الرياضة وقلة المتناول وأكله الرطب بالقتاء والرطب بالبطيخ ويقول يدفع حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا وإكحال عينيه بالأثمد كل ليلة عند النوم وتأخير صلاة الظهر في زمن الحر القوي ويقول أبردوا بها وأما تداويه في حال مرضه فثابت بما روي من ذلك في الأخبار الصحيحة منها عن عروة عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه وكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه
وعنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات فكنت أعالجه بها
فثبت حينئذ ما ذكرناه من تداوي رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/455)
ومداومة تطببه في حال صحته ومرضه وأمر بالمداواة في عدة أحاديث صحيحة هـ
وفي المواهب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي صفات الأطعمة وطبائعها ويراعي استعمالها على قاعدة الطب فإذا كان في أحد الطعامين ما يحتاج إلى تحسين وتعديل لحرارته كسره وعدله وهذا أصل كبير في المركبات والأدوية وإن لم يجد ذلك تناوله على حاجة وداعية من غير إسراف هـ
وفي آخر الجيش العرمرم الخماسي لأبي عبد الله أكنسوس المراكشي شرع سيد المتوكلين التداوي وكان يستعمله في نفسه ويأمر به غيره حتى قيل إن القدر التي تطبخ فيها أدويته صلى الله عليه وسلم لا تكاد تنزل عن النار هـمنه
وفي سنن أبي داوود عن سعد وهو ابن أبي وقاص قال مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها في فؤادي فقال إنك مفئود أي مريض بفؤادك ائت الحرث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب أي يعرف الطب مطلقا أو هذا النوع من المرض فيكون مخصوصا بالمهارة والحذاقة قاله شراح السنن قال الحافظ الذهبي في التجريد لما ترجم للحرث قيل إنه عالج سعدا في حجة الوداع وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ابن سعد بلا سند يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته هـوقع ذلك في طبقات ابن سعد
وقال ابن طرخان بعد أن ذكر قصة أكل الحارث بن كلدة مع أبي بكر وقوله له أكلنا سم سنة وأنهما ماتا في يوم واحد وكان الحارث بن كلدة طبيبا من أفاضل أطباء العرب من أهل الطائف رحل إلى أرض فارس وأخذ الطب عن أهل تلك الديار ومن أهل جندي سابور
____________________
(1/456)
وغيرها في الجاهلية وأجاد في هذه الصناعة وطب بأرض فارس وحصل له بذلك مال كثير وشهد من رآه ببلد فارس بعلمه وشاع اسمه بينهم ثم رجع إلى بلاده واشتهر طبه بين العرب وأدرك الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيستوصفه هـ
وقال ابن القيم في الهدى النبوي عن الحارث المذكور أنه طبيب العرب بل أطبهم وكان فيهم كابقراط في قومه هـ
وأخرج ابن منده من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال مرض سعد فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لأرجو أن يشفيك الله ثم قال للحارث بن كلدة عالج سعدا قال ابن سعد لا يصح إسلام الحرث قال ابن عبد البر في الإستيعاب فدل ذلك على أنه جائز أن يشاور أهل الكفر في الطب إذا كانوا من أهله هـ
ونقله الحافظ المنذري في إختصار السنن والوزير ابو الحسن بن يوسف القفطي في أخبار الحكماء وابن خلكان في وفيات الأعيان وابن باديس في شرح المختصر والخزاعي هنا وجماعة من الأيمة وأقروه قال الحافظ في الإصابة وهذا يدل على جواز الإستعانة بأهل الذمة في الطب هـ
وقد نقل عبارة الإصابة هذه النور علي الشبراملسي في حواشي المواهب بواسطة شيخه الشمس الشوبري الشافعي ولاكن عقبها بما نصه أقول وفيه أنه مناف لما نص عليه الأيمة أنه لا يجوز التطبب بأهل الذمة إلا أن يقال المنهي عنه تقليدهم في ذكر الدواء والعمل به وها هنا وقع الوصف من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما طلب الإستعانة به في تركيبه هـ
وفي مسند أحمد ما هو كالصريح في الباب وهو ما خرجه عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة الصديقية
____________________
(1/457)
قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه هكذا عزاه إليه الشمس السفاريني في غداء الألباب
وفي طبقات ابن سعد عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مسقاما وكانت العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت له العرب وكانت العجم تنعت له فيتداوى هـ
وتقدم عن الأحكام النبوية لإبن طرخان أن قول عائشة هذا روي بأسانيد صحيحة وقال في محل آخر بعد أن كرره فيدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يديم الطب
ولا شك أن العجم إذ ذاك أو أغلبهم كفار ومع ذلك كان يستوصفهم صلى الله عليه وسلم بعد حصول الثقة بمن يثق به منهم إذ ذاك واستفدنا من الحديث المذكور أن الأطباء من العجم كانوا يقدمون عليه صلى الله عليه وسلم وانظر هل كانوا يردون عليه من قبل أنفسهم أو بطلب أو لغرض كسفارة مثلا والعبارة واسعة
ولما عرف عياض في المدارك بالشيخ أبي إسحاق الجنبياني قال قال أبو يحيى القابسي لما خرجنا من عنده هربت من يد صبي دابة كان يمسكها لنا فقلت أعطيتموها لصبي لا يقوم بها فضاعت فقال لي أبو إسحاق اغتبته فقلت له وصفته بحاله وفي السنة ما يبيح ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم للتي شاورته في النكاح أما أبو جهم فلا يضع عصاه على عاتقه وأما معاوية فرجل صعلوك لا مال له فقال لي لا حجة فيها لأن المستشار مؤتمن وايضا إنما شاورته في أنه يدخلها في النكاح أو يصرفها عنه ومسألتنا ليست كذلك بل في السنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه طبيبان وكانا نصرانيين فلما خرجا قال لولا أن تكون
____________________
(1/458)
غيبة لأخبرتكم أيهما أطب قال أبو الحسن ولم أكن أعرف أنهما نصرانيان قبل ذلك هـ
قال ابن عرفة في تفسيره لدى قوله تعالى ولا تجسسوا أثر هذه القصة يحتمل أن يكون معنى الحديث في الطبيبين أنهما استويا في القدر المجزي منهما المحصل للغرض وزاد أحدهما بأمور تكميلية لا يضر تركها ولا ينقص من معرفة العلاج والمعانات فزاد بمعرفة الطبيعيات فحينئذ يكون تفضيل أحدهما على الآخر غيبة وأما حيث يكون المرجوح منهما لا يحصل المقصود منه في التطبب فالظاهر أن التعريف بذلك ليس غيبة هـمنه
فاستفيد من القصة ذكر عياض عن القابسي قصة الطبيبين النصرانيين وحضور المصطفى صلى الله عليه وسلم معهما
وقد أخرج ابن سعد في ترجمة معيقب الدوسي من الطبقات عن محمود بن لبيد في قصة الأكل مع المجذوم وفيها وكان عمر يطلب الطب من كل من سمع له تطبب والقصة مبسوطة في كنز العمال وخرج مالك وابن أبي شيبة وابن جرير والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عن عمرة بنت عبد الرحمان أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر أرقيها بكتاب الله عز وجل
وأخرج ابن جرير عن عمرة أن عائشة كانت ترقيها يهودية فدخل عليها أبو بكر رضي الله عنه وكان يكره الرقي فقال أرقيها بكتاب الله
وقد عقد فصلا للتطبب بالكافر والذمي الإمام ابن مفلح الحنبلي في كتابه المسمى الآداب الشرعية الكبرى فنقل فيه عن الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان اليهودي أو النصراني خبيرا بالطب ثقة عدلا جاز له أن يتطبب كما يجوز له أن يودعه المال وأن يعامله
____________________
(1/459)
كما قال تعالى ! ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ) ! وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استأجر رجلا يهوديا خريتا والخريت الماهر بالهداية وإستأمنه واأتمنه على نفسه وماله وكانت خزاعة عينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطب الحرث بن كلدة وكان كافرا وإذا أمكنه أن يستطب مسلما فهو كما لو أمكنه أن يودعه أو يعامله فلا ينبغي أن يعدل وأما إذا احتاج إلى أثمان الكيل أو استطبابه فله ذلك ولم يكن من ولاية اليهودي والنصراني المنهي عنها وإذا جاز طبه ومخاطبته بالتي هي أحسن كان حسنا قال تعالى ! ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) ! هـكلامه
وقال الخطابي على حديث صلح الحديبية وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عينا له من خزاعة وقبوله خبره فيه دليل على جواز قبلول المتطبب الكافر فيما يخبر به عن صفة العلة ووجه العلاج إذا كان غير متهم بما يصفه وكان غير مظنون به الريبة هـ
وفي بدائع الفوائد للحافظ ابن القيم في استيجار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط الدؤلي هاديا في وقت الهجرة وهو كافر دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها ما لم يكن ولايته تتضمن عدالة ولا يلزم من مجرد كونه كافرا أن لا يوثق به في شيء أصلا فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة هـ
وذكر ابن مفلح مثال ما ذكر عن المروزي أدخلت على أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل نصرانيا
____________________
(1/460)
فجعل يصف وأمر عبد الله بكتب ما وصفه ثم أمرني فاشتريته له هـ
من كتاب الأداب الكبرى وما أجمعه وأوسعه من كتاب وقد ترجم ابن أبي أصيبهة في طبقات الأطباء جماعة من أطباء النصارى من أهل القرن الأول الهجري كان معاوية ومن بعده من ملوك الإسلام يتطببون بهم فترجم لطبيب اسمه أبو الحكم فقال فيه كان طبيبا نصرانيا عالما بأنواع العلاج وله أعمال مذكورة وكان يستطبه معاوية بن أبي سفيان ويعتمد عليه في تركيب الأدوية لأغراض قصدها منه
وترجم فيها أيضا لإبن أتال فقال كان طبيبا متقدما من الأطباء الممازين في دمشق نصراني المذهب ولما ملك معاوية دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه وكان كثير الإعتناء به والإعتقاد فيه والمحادثة معه ليلا ونهارا وكان ابن أتال خبيرا بالأدوية المفردة والمركبة وقواها وما فيها من مسموم قاتل وكان معاوية يقربه لذلك كثيرا انظر عيون الأنباء وإلى هذه المسألة أشار أيضا الإمام محمد بن عبد القوي المرداوي الحنبلي في منظومته في الآداب فقال
( ومكروه استئماننا أهل ذمة ** لا حراز مال أو لقسمته أشهد )
( ومكروه استطبابهم لا ضرورة ** وما ركبوه من دواء موصد )
قال السفاريني في شرحها على قوله لا ضرورة لا يكره استطباب أهل الذمة ضرورة أي لأجل الضرورة لأن الحاجة داعية إليه ولأن إدخال الضرر من استطبابهم متوهم والعلة معلومة فلا يمنع من إتخاذ ما يزيل المعلوم من الضرر بخوف إدخال ضرر متوهم هـ
ثم نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية السابق بواسطة ابن مفلح وانظر شرح العارف النابلسي على الطريقة المحمدية
____________________
(1/461)
وفي الطبقات لإبن جلجل وذكر أبا رمتة رفاعة فقال كان طبيبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عالما بصناعة اليد وفي سنن أبي داوود عن جابر قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طبيبا فقطع منه عرقا هـ
وتقدم قول ابن إسحاق في رفيدة الأسلمية وأنها كانت تداوي الجرحى وتحتسب نفسها على خدمة من كانت فيه ضيعة من المسلمين
وترجم في الإصابة للشمردل بن قباب الكعبي النجراني فذكر عن الخطيب في المتفق أنه كان يتطبب وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم ذاكره في مسائل طبية وأخيرا قبل الشمردل المذكور ركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال والذي بعثك بالحق أنت أعلم بالطب مني
قال الخطيب في إسناده نظر وقال ابن الجوزي في روايته مجاهيل
وترجم فيها لضماد بن ثعلبة الأزدي فقال كان ضماد صديقا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان عاقلا يتطبب ويرقي وذكره بذلك أيضا ابن عبد البر في الإستيعاب
وقد عقد ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء بابا فقال الباب السابع في طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب وغيرهم فترجم فيها للحرث بن كلدة وولده النضر بن الحرث وابن أي رمتة التميمي فقال في الأخير كان طبيبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مزاولا أعمال اليد وصناعة الجراح وروى نعيم عن ابن أبي ثمينة عن زياد بن لقيط عن أبن أبي رمتة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين كتفيه الخاتم وذكر قصة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت رفيق والطبيب الله قال سلمان بن حسان علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفيق اليد ولم يكن
____________________
(1/462)
فائقا في العلم فبان ذلك من قوله الطبيب الله هـ
فائدة
عرفت الحقنة في الصدر الأول فقد أخرج أبو نعيم عن سعيد بن أيمن أن رجلا كان به وجع فنعت له الناس الحقنة فسأل عمر بن الخطاب عنه فزجره فلما غلبه الوجع احتقن فبرئي من وجعه ذلك فرآه عمر فسأله عن برئه فقال احتقنت فقال عمر إن عاد لك فعد لها يعني احتقن ساقه ابن الهندي في الكنز في كتاب الطب فبوب عليه الحقنة فأفاد ما يدل على أن العرب عرفوا الحقنة وفي طبقات الأطباء لإبن أبي أصيبعة أن كسرى سأل الحارث بن كلدة طبيب العرب قال له أتأمر لي بالحقنة قال نعم قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنفي الجوف وتكسح الأدواء عنه والعجب ممن احتقن كيف يهرم هـ
وبذلك تعلم ما ذكره الحطاب ونقله عنه الشيخ عليش في فتاويه من أن العرب كانت لا تعرف الحقنة وأنها من فعل العجم
وسئل مالك في مختصر ابن عبد الحكم عن الحقنة فقال لا بأس بها
الأبهري إنما قال ذلك لأنها ضرب من الدواء وفيها منفعة للناس وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم التداوي لخ انظر التوضيح
وفي تاريخ الخميس للديار بكري أن أول من لبس التباب تحت ثيابه لأجل الفتق عمار بن ياسر لما ضرب فيوخذ منه أن حمل الفتق على ما يقرب من الحال الآن عرفه الصحابة
ومما يدل على اهتمام الصحابة بالطب والعلاج ما أخرجه ابن جرير عن أم جميلة أنها دخلت على عائشة فقالت لها أني امرأة أداوي من الكلف من الوجه وقد تألمت منه فأردت تركه فما تأمريني فقالت لها عائشة لقد كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/463)
لو أن أحدانا كانت إحدى عينيها أحسن من الأخرى فقيل لها انزعيها وحوليها مكان الأخرى وانزعي الأخرى فحوليها مكانها ثم ظنت أن ذلك يسوغ لها ما رأينا به بأسا فإذا زاولت فزاوليها وهي لا تصلح ساقه ابن الهندي أول كتاب الطب من الكنز & باب في قاطع العروق &
تقدم عن جابر قوله بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا وعن ابن جلجل أن أبا رمتة كان عالما بصناعة اليد
العرق بكسر العين وسكون الراء من الحيوان الأجوف الذي يكون فيه الدم والعصب غير الأجوف قاله في النهاية وقد استدل بحديث جابر هذا أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده & باب في الكي &
في صحيح مسلم عن جابر قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه
ترجم في الإصابة لسعد بن زرارة فذكر عن عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أسعد بن زرارة وكان أحد النقباء ليلته وقد أخذته الشوكة فكواه وفي سنن أبي داوود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته والمعنى أن الجراحة التي أصابت سعدا من أجل العدو الرامي له في أكحله كواها له النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسلم رمي سعد بن معاذ في أكحله قال فحسمة النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت
____________________
(1/464)
فحسمه الثانية وأخرج ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أنس أن أبا طلحة اكتوى وكوى أنسا من اللقوة
وأخرج الحاكم وصححه والطحاوي عن أنس قال كواني أبو طلحة في زمنه صلى الله عليه وسلم وأصله في البخاري وأنه كوى من ذوات الجنب وعند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة قال الحافظ ابن حجر ولم أر في أثر صحيح أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى إلا أن القرطبي نسب إلى الطبري أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى وذكره الحليمي بلفظ روي أنه أكتوى للجرح الذي أصابه والثابت في الصحيح كما تقدم في غزوة أحد أن فاطمة أحرقت حصيرا فخشت به جرحه وليس هذا الكي المعهود وجزم ابن التين إنه اكتوى وعكس ابن القيم في الهدي هـ
وقال الخطابي إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ليرقى الدم عن جرحه وخاف عليه أن ينزف فيهلك والكي يستعمل في هذا الباب وهو من العلاج الذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة والعرب تستعمل الكي كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء ويقال في أمثالها آخر الدواء للكي والكي داخل في جملة العلاج & باب في أمر الرجل بذكر اسم الله على الجرح ثم الثفل فيه &
ترجم في الإصابة لكهيل الأزدي فقال كانت له صحبة قال أصيب الناس يوم أحد وكثرت فيهم البحراحات فأتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال انطلق فقم على الطريق فلا يمر بك جريح إلا قلت بسم الله ثم ثفلت في جرحه الحديث أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده من
____________________
(1/465)
رواية علقمة بن عبد الله عن القاسم بن محمد عنه & باب كون من لا يعرف بالطب لم يكن يباح له أن يعالج الناس &
خرج أبو داوود والنساءي والدارقطني عن عمرو بن شبة عن أبيه عن جده رفعه من تطبب ولم يعلم منه الطب فهو ضامن وفي رواية لأبي نعيم من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا فما دونها فهو ضامن قال ابن طرخان هذا الحديث فيه احتياط وتحرز على الناس وحكم سياسي مع ما فيه من الحكم الشرعي وقوله تطبب أي تعاطى علم الطب ولم يكن من أهله ومعناه من تعاطى علم الطب ولم يتقدم له به استعمال ومزاولة وتدرب مع الفضلاء فقتل بطبه فهو ضامن هت & باب في أصل ما يعرف الآن في الأدارات الصحية بالكرنتينة &
في الصحيحين وغيرهما عن عبد الرحمان بن عوف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان الوباء بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها وقد رجع عمر بن الخطاب بسبب هذا الحديث لما خرج إلى الشام وأخبر أن الوباء قد وقع بها وأن عمر حمد الله وانصرف
قال ابن طرخان في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الدخول للأرض التي حلها الطاعون
فائدتان
إحداهما ليلا يستنشقوا الهواء الذي قد عفا وفسد فيمرضون
والثانية ليلا يجاورون المرضى الذين قد مرضوا بذلك فتتضاعف عليهم البلية وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من القرف التلف وفسر بأنه ملابسة الداء ومداناة المرضى وبالجملة قوله لا نقدموا عليه إثبات للحذر والنهي عن التعرض للتلف وحديث
____________________
(1/466)
أبي داوود المذكور من حديث فروة بن مسيك قال قلت يا رسول الله أرض عندنا يقال لها أرض أبيق قرية إلى جانب البحر من ناحية اليمن هي أرض ريفنا كل أرض فيها زرع ونخل وفرتنا الطعام المجلوب من بلد إلى بلد وإنها وبئة كثيرة الوباء فقال صلى الله عليه وسلم وباؤها شديد فقال صلى الله عليه وسلم دعها عنك فإن من القرف ملابسة الداء ومداناة المرضى التلف الهلاك قال الخطابي وابن الأثير ليس هذا من باب الطيرة والعدوى وإنما هذا من باب الطب لأن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أضرها وأسرعها إلى إسقام البدن عند الأطباء وكل ذلك بإذن الله ومشيئته هـ
ومن هذا الباب ما أخرجه أبو نعيم في الطب النبوي كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها ومن العجب ما وقفت عليه في مكتوب السلطان أبي العباس المنصور كتب لولده أبي فارس وهو خليفته على مراكش بتاريخ 1011 في أمر وباء حدث إذ ذاك بسوس قال فيه ما نصه والبطاقة التي ترد عليكم من سوس من عند الحاكم أو ولد خالكم لا تقرأ ولا تدخل دارا بل تعطى لكاتبكم هو يتولى قراءتها ويعرفكم مضمنها ولأجل أن كاتبكم يدخل مجلسكم ويلابس مقامكم حتى هو لا يفتحها إلا بعد أن تغمس في خل ثقيف وتنشر حتى تيبس وحينئذ يقرؤها ويعرفكم بمضمنها إذ ليس بأتيكم من سوس ما يوجب الكتمان عن مثل كاتبكم هـ
وهذا هو عمل الإفرنج اليوم في تحفظهم من الوباء المسمى عندهم ب الكرنتينة المعروفة في باب الوقاية ودوائر الصحة وقد
____________________
(1/467)
كانت وقعت المحاورة بين عالمي تونس أبي عبد الله محمد المناعي المالكي والشيخ أبي عبد الله محمد بيرم الحنفي في إباحتها وحضرها فألف الأول في الحرمة وألف الثاني في الجواز مستدلا على ذلك بنصوص من الكتاب والسنة انظر رحلة الشيخ رفاعة الطهطاوي لباريز
وفي إرشاد الساري في تفسير سورة النساء لدى قوله تعالى ! ( وخذوا حذركم ) ! دل ذلك على وجوب الحذر من جميع المضار المظنونة
ومن ثم علم أن العلاج بالدواء والإحتراز عن الوباء والتحرز عن الجلوس تحت الجدار المائل واجب هـ
وانظر كلاما لصاحب الإستقصاء في النازلة جعل ذلك مقيدا بالوجه الذي ليس فيه مفسدة شرعية والله أعلم النسوة الممرضات
انظر آخر القسم الثامن تر عجبا & باب في الحكيم &
ترجم في الإصابة لأبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الأصبحي الحميري فنقل عن الرشاطي في الأنساب أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ففرش له رداءه وأنه كان بالشام وكان يعد من الحكماء حكاه الهمذاني في النسب قال وكان يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث هـ
وترجمه أيضا كذلك الحافظ الذهبي في التجريد وقال أفاده الحافظ قطب الدين وزاد أنه قتل مع علي في صفين
وترجم الحافظ أيضا فيها أنجشه بن صيفي التميمي الحكيم المشهور ورد على ابن عبد البر إنكاره ذكره وذكر من خرج أن قوله تعالى ^ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله
____________________
(1/468)
ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) ومكاتبة المصطفى له ونقل عن الخطيب فيه كانت له حكمة وبلاغة وفي ترجمة الحكم بن سعيد بن العاص من الإصابة نقلا عن السراج في مسنده كان الحكم يعلم الحكمة
وانظر في الإصابة أيضا ترجمة حكيم العرب غيلان بن سلمة الثقفي
وفي ابن التلمساني على الشفا هو ممن وفد على كسرى وخبره معه عجيب قال له كسرى يوما أي ولدك أحب إليك فقال له غيلان الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والعائب حتى يؤدب فقال له كسرى مالك ولهذا الكلام وهذا كلام الحكماء وأنت من قوم جفاة لا حكمة بينهم فما غداؤك قال خبز البر قال هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر وكان شاعرا أسلم يوم الطائف وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهم
وفي نور النبراس للحافظ برهان الدين الحلبي عن تخريج الخطيب رفعه يقدم عليكم الليلة رجل حكيم فقدم عمرو بن العاص وهو في مسند أحمد هـ
وذكر أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة وأبو موسى المديني من حديث أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني قال حدثني علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال حدثني أبي عن جدي قال وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجب ما رءا من سمتنا وزينا فقال من أنتم قلنا مؤمنون فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم قلنا خمس عشرة خصلة خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها وخمس أمرتنا أن نعمل بها وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا فقال لهم صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/469)
ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي فذكروا له قواعد الإيمان والإسلام قال فما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية قلنا الشكر عند الرخاء والصبر عن البلاء والرضى عن القضاء والصدق في مواطن اللقاء وترك الشماتة بالأعداء فقال صلى الله عليه وسلم حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ثم قال وأنا أزيدكم خمسا فتتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غدا زائلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون فانصرفوا وقد حفظوا وصيته وعملوا بها وقال العراقي في المغني أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد والخطيب في التاريخ من حديث سويد بن الحارث بإسناد ضعيف هـ
وفي مشيخة الأنصاري فقال صلى الله عليه وسلم أدباء حكماء علماء كادوا من صدقهم أن يكونوا أنبياء وقال الحافظ ابن حجر هو في كتاب المعرفة لأبي نعيم من رواية أبي سليمان الداراني عن زاهد بالشام سماه عن أبيه عن جده سويد هـ
وقال الذهبي في الميزان علقمة بن يزيد بن سويد عن أبيه عن جده لا يعرف أتى بخبر منكر لا يخبر به هـ
قلت
وإن أقره شارح الأحياء ففيه إفراط والصواب قول العراقي في المغني والحديث في الحلية في ترجمة أبي سليمان الداراني انظره قال الزرقاني في شرح المواهب على قوله حكماء علماء وقدم الحكمة على العلم لأنها الصفة القائمة بهم الدالة على كمال عقلهم والعلم طريق إلى معرفة الحسن من القبيح هـ
وأخرج الطبراني في الأوسط عن شريح بن عبيد الحضرمي مرسلا رفعه حكيم أمتي عويمر وهو أبو الدرداء الوارد
____________________
(1/470)
فيه أيضا لكل أمة حكيم وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء ومعناه عالم الحكمة قاله القاوقجي في الذهب الإبريز وفي الإستبصار في أنساب الأنصار لما ترجم لأبي الدرداء وله حكم مشهورة منها قوله الدنيا كدر وليس ينجو منها إلا أهل الحذر ولله فيها علامات يتبعها الجاهلون ويعتبر بها العالمون ومن علاماتها فيها أن حفت بالشبهات وارتطم فيها أهل الشهوات ثم أعقبها بالآفات فانتفع بذلك أهل العظات ومزج حلالها بالمؤبات وحرامها بالتبعات فالمثري فيها تعب والمقل فيها نصب قال ابن قدامة وبلغنا عن أبي الدرداء أنه كان يقول مساكين أهل الدنيا يأكلون ونأكل ويشربون ونشرب ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر معهم فإذا كان يوم القيامة كان حسابها عليهم ونحن منها برءاء هـ
وفي المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية من تبصر في أحوال العرب وأخلاقهم صح له من طريق العقل أن لا بدع في أن سيد الأنبياء لم يبعث من سواهم كما يتضح له بطلان القول بأنهم لم يكن لجاهليتهم حظ في الفلسفة فإن في تتبع أقوالهم وأحوالهم ما يذهل عقول الحكماء في جميع ضروب الحكمة هـمنها
وقد حقق الصدر الشيرازي وغيره من المحققين أن ما جاءت به الفلسفة الصحيحة من العلوم العقلية أو السياسية عمرانية كانت أو كونية لا يخالف ما جاء به الكتاب والسنة وإن ما كان يبدو من المخالفة في العصور الأولى إنما كان منشؤه الغلط والخطأ في الترجمة فقط وبعد أن ترجم الترجمة الصحيحة تبين الوفاق & باب في المنجم &
____________________
(1/471)
ترجم في الإصابة للربيع بن زياد الحارثي الذي كان الحسن البصري كاتبا له فقال لم يكن في عصره عربي ولا عجمي أعلم بالنجوم منه وكان يتحرج أن يقضي فكان يبصر حكم ما دله عليه النجوم وفي الذيل لكتاب بشائر الإيمان في فتوحات آل عثمان للشيخ حسين خوجة رءيس ديوان الإنشاء بتونس في ترجمة علامة تونس الشيخ قويسم بن علي صاحب سمط اللآل أن له رسالة سماها إصابة الغرض في الرد على من اعترض موضوعها في مباحثة متعلقة بالوقت والنجوم وبين أن له أصلا من السنة وذكر ما ورد في ذلك من الآثار هـ& باب في القافي &
ترجم في الإصابة لمجزرا المدلجي الكناني وهو مذكور في الصحيحين من طريق عائشة قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تر أن مجزرا المدلجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن بعض هذه الأقدام من بعض وفي رواية لإبن قتيبة مر على زيد وأسامة وقد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما قال الحافظ لو كان كافرا لما اعتمده في حكم شرعي هـ
وقد كان علم القيافة عند العرب ينقسم إلى نوعين الإستدلال بأثر الماشي عليه والإستدلال بتقاطيع الجسم على صحة النسب وبطلانه وكان فيهم قبائل شهرت بذلك حتى كان قول الفرد منها حكما في الآثار والإنسان كبني مدلج الذين منهم مجزر المذكورة قصته في الترجمة وكان لهم في الفرع الثاني ما لا يقل عن الأول يجيئون بالرجل والولد ويقطعون جميع بدنهما ما عدا الأقدام كما في القصة المذكورة
____________________
(1/472)
والشريعة لم تلغ حكم القائفين بل رضيه النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيت وسر به كما يراه من اعتبره & باب في المكان يتخذ للفقراء الذين لا يأوون على أهل ولا مال & ويتخرج منه الأصل لهذه الزوايا التي تتخذ للفقراء والمنقطعين
والزوايا جمع زاوية مأخوذ إما من الإنزواء أي الإنقباض لإنقباضهم عن الناس أو من زاوية البيت الناحية لميلهم عن البعد عن الناس والخفاء وهي حادثة بظهور طائفة التصوف في القرن الثالث واختصاصهم بهذا الإسم وكانوا في زمن التابعين يسمون العباد فكأنهم منسوبون إلى أهل الصفة هؤلاء الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم قصروا أنفسهم على الطاعات ولا يرجعون إلى أهل أو مال فهم كما قيل ضيوف الله والإسلام يسكنون فيها ليرتزقوا من أوقافها قاله صاحب بذل الكرامة لقراء المقامة وقال التقي المقريزي في الخطط ولإتخاذ الربط والزوايا أصل من السنة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ لفقراء الصحابة الذين لا يأوون إلى أهل ولا مال مكانا من مسجده كانوا يقيمون به عرفوا بأهل الصفة هـمنه في صحيح البخاري عن أبي هريرة واصفا ما لاقى في صدر إسلامه من الشدة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا على مال ولا على أحد إذا أتته الصدقة بعث إليهم بها ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها
أردت أن أبسط القول هنا على أهل الصفة وأحوالهم وعددهم ومن كان على طعامهم
____________________
(1/473)
لتقصير الخزاعي هنا فأقول قال عياض الصفة بضم الصاد وتشديد الفاء ضلة في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إليها المساكين وإليها تنسب أهل الصفة على أشهر الأقاويل وقال الحافظ الذهبي إن القبلة قبل أن تتحول كانت في شمال المسجد فلما حولت القبلة بقي حائط القبلة الأعلى مكان أهل الصفة وقال الحافظ ابن حجر الصفة مكان في آخر المسجد النبوي فضل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يسافر وقال المجد نقلا عن الدارقطني الصفة هي ضلة كان المسجد في مؤخرها وفي التوشيح للسيوطي الصفة بصاد وفاء محل وراء الحجرة النبوية مظلل معد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل في مؤخر المسجد إلا أنه يحسب الآن في مؤخرهما معا محاذيا للحجرة فالكل داخل فيه في وقتنا هـ
ثم قال المجد وذكر ابن جبير في رحلته عند ذكر قباء قال وفي آخر الغرفة تل مشرف يعرف بعرفات يدخل إليه دار الصفة حيث كان عمار وسلمان وأصحابهما المعروفون بأهل الصفة وكأن هذا وهم والله أعلم قال السيد السمهودي في الوفا يظهر لي من قول عياض فيما قدمناه عنه على أشهر الأقوال أن في ذلك خلافا فيكون ما ذكر ابن جبير أحد الأقول لاكنه مرجوح أو مؤول بأن من ذكر من أهل الصفة اتخذوا تلك الدار بعد فاشتهرت بذلك
وفي تلبيس إبليس لإبن الجوزي أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لهم اهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل أهل الصفة
وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق أبي هريرة كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل
____________________
(1/474)
رجل فينصرف برجلين أو أكثر فيبقى من بقي عشرة أو أكثر أو أقل فيؤتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فيتعشى معهم فإذا فرغنا قال ناموا في المسجد
وروى ابن شبة قال كان من قدم المدينة فكان من له بها عريف رءيس نزل على عريفه ومن لم يكن له بها عريف نزل الصفة فكنت ممن نزل الصفة فرافقت رجلين كانا يجريان عليهما كل يوم مدين من تمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن النجار روى أهل السير أن محمد بن مسلمة رءا أضيافا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال نفرق هذه الأضياف في دور الأنصار ونجعل لك في كل حائط قنوا ليكون يأتيك من هؤلاء الأقوام فقال رسول الله بلى فلما وجد ماله أتى بقنو فجعله في المسجد بين ساريتين فجعل الناس يفعلون كذلك وكان معاذ بن جبل يقوم ويجعل حبلا بين الساريتين ويجعل الإقناء على الحبل ويجمع العشرين أو أكثر فيأكلون وينصرفون ويأتي غيرهم فيفعل بهم مثل ذلك فإذا كان الليل فعل بهم مثل ذلك
وقد بوب البخاري في القسمة وتعليق القنو في المسجد ولم يذكر في الباب صريحا فأشار بذلك إلى ما رواه النسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق رجل قنو حشف فجعل يطعم من ذلك القنو ويقول لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا
وأخرج ثابت في الدلائل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد يعني للمساكين وفي رواية له وكان عليها معاذ بن جبل أي على حفظها أو قسمتها راجع الوفاء
وفي ترجمة الأسقع بن واتلة بن الأسقع من الإصابة أن أبا نعيم خرج في الدلائل قال كنا في الصفة وهم عشرون رجلا فأصابنا جوع وكنت
____________________
(1/475)
من أحدث أصحابي سنا فبعثوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشكو جوعهم وفي المواهب أنه كان صلى الله عليه وسلم يدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابه ويبقى طائفة معه قال الزرقاني مولساة وتكرما
وفي حديث أن فاطمة طلبت منه فقال لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم
وفي تحفة الناظر للعقباني قال عز الدين إنما يرخص في المبيت في المسجد لمن لا ينتهك حرمته من الضعفاء فقد كان أصحاب الصفة يبيتون فيه مع القيام بحرمته هـ
ونقل ابن التلمساني على الشفا عن الكشاف أصحاب الصفة كانوا نحو أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مسكن في المدينة ولا عشائر فكانوا في صفة المسجد يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى هـ
وقال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس هؤلاء القوم إنما قعدوا في المسجد ضرورة وإنما أكلوا من الصدقة ضرورة فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا هـ
ولما تكلم الإمام أحمد بن قاسم الصومعي التادلي في كتاب اللباب في معاملة الملك الوهاب على أهل الصفة نقل عن قتادة أنهم لزموه صلى الله عليه وسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا إلى ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى هـمنه
وفي طبقات ابن سعد أن القراء في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء
وقال الأستاذ الصالح أبو عثمان سعيد بن أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي في رسالته الأنالة العلمية أن الفقراء المتجردين من الصوفية
____________________
(1/476)
هم الذين ورثوا أهل الصفة في الجلوس في المساجد والرباط والتجرد وقلة التسبب والناس ينكرون على الفقراء هذه الصفة وهي السنة لأن السنة في عرف الشرع ما أقره صلى الله عليه وسلم أو عمله أو علمه وكان صلى الله عليه وسلم يحسن إليهم ويؤنسهم ولم يأمرهم بتكسب
وفي صحيح مسلم عن أنس قال جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يبعث معهم رجالا يعلمونهم القرآن والسنة فبعث معهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء منهم خالي حرام بحاء مهملة وراء يقرءون القرآن ويتدارسونه وبالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء فبعثهم إليهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فهؤلاء لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم ولا نهى القراء عن خدمتهم ثم ذكر حديث البخاري السابق وقال أثره فصح أنهم كانوا فقراء متجردين يقرءون في المسجد غير متسببين وهذه الصفة هي صفة الفقراء المتجردين اليوم قال أبو طلحة كنا نأتي المدينة فمن كان له بها عريف نزل عليه وإلا نزل بالصفة
وكان الراتبون بالصفة نحو أربعمائة رجل منهم أبو هريرة وابن أم مكتوم وصهيب وسلمان وخباب وبلال والمؤمنون به صلى الله عليه وسلم منهم من قام بالجهاد ومنهم من قام بالزراعة ومنهم من قام بتقييد العلم ومنهم من قام بالقراءة ومنهم من ركن للعبادة وهم أهل الصفة والكل في عبادة وسنة ولما كان المهاجرون والأنصار لهم قبائل وعشائر أنضاف بعضهم إلى بعض فجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة وضمهم إليه إذ كانوا لا يملكون شيئا ولا لهم بيوت يسكنون فيها ولا قبائل ينضافون إليها فصاروا كالقبيلة الواحدة وكذلك الفقراء اليوم ومنهم الذين
____________________
(1/477)
قال تعالى فيهم ^ تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون ^ كانوا ضعفاء عن الجهاد قال تعالى ! ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم ) ! الآية ونزل في حق ابن أم مكتوم ! ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) ! فقد ظهرت صفة أهل الصفة الذين يقتدي بهم الفقراء المتجردون
( يا طالبا من الالاه الزلفة ** لا تنتحي لغير أهل الصفة )
( ولين القول لهم برأفة ** فإنهم أهل التقى والألفة )
وفي تكملة السيوطي لتفسير المحلي على قوله تعالى ! ( الذين أحصروا في سبيل الله ) ! الآية أنها نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا ومعنى الذين أحصروا في سبيل الله أي حبسوا أنفسهم على الجهاد وقوله ! ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ) ! أي للتجارة والمعاش لشغلهم بالجهاد هـ
وقال ابن ليون التجيبي في محل آخر من رسالته وفي الصحيح أن أهل الصفة لم يتسببوا ولا اشتغلوا بغير الذكر والفكر والقعود في المسجد وكان القراء يخدمونهم والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطعمونهم وقال لهم أبشروا يا أهل الصفة فترك التسبب طريقة أقرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح أنه أمرهم بالتسبب وإنما أمرهم بالتوكل هـ
وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الهمزية على قولها في حق الصحابة
( زهدوا في الدنيا فما عرف الميل ** إليها منهم ولا الرغباء )
الصحابة في الزهد فيها على قسمين فأكثرهم ترك السعي في تحصيلها بالكلية واشتغل بالعلوم والمعارف ونشرها وبالعبادات حتى لم يبق من أوقاته شيء إلا وهو مشغول بشيء من ذلك وكثير منهم حصلوها لاكن كانوا فيها خزانا لله تعالى كما مر هـ
ونقله عنه بنيس ونحوه لأبي عبد الله زنيبر السلوي
____________________
(1/478)
عليها والصاوي في تقاريره عليها ولو كان تعبيرهم في تاركي السعي من الصحابة قاصرا على أهل الصفة لكان أقوم وإلا فالصحابة كانوا أكثرهم أهل تكسب وسعي على ما سيأتي إلا أهل الصفة والله أعلم
ثم وجدت الشيخ سليمان الجمل أتي في حاشيته على الهمزية بتعبير لطيف وذلك أنه قال في هذا الموضع وكان الصحابة فيها على قسمين فأكثرهم كأهل الصفة ترك السعي في تحصيلها بالكلية واشتغل بالعلوم والمعارف والعبادات وكثير منهم حصلها هـ
ووجدت الشيخ محمد بن عبد الرحمان الصومعي التادلي عبر في شرحه على الهمزية بما هو أسلم فقال فمنهم من أعرض عنها بالكلية واشتغل بالعلوم والمعارف ومنهم من سعى في تحصيلها وحصلها بقدر نفع الغير بها هـ
وإنما جلبت النقول هنا في إنقطاع أصحاب الصفة عن التكسب لتهجم متهور عليه رضي الله عنهم فنسب لهم أيضا الجري وراء الدنيا معه وهو غالط أو متغافل عن نص القرآن في الواقعة وذلك قوله تعالى في حقهم ! ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ) ! وفي حواشي الشمس ابن عابدين الحنفي الدمشقي على الدر المختار نقلا عن المصفي الجلوس في المسجد للحديث ماذون فيه شرعا لأن أهل الصفة كانوا يلازمون المسجد وكانوا ينامون ويتحدثون ولهذا لا يحل لأحد منعه كذا في الجامع البرهاني فيؤخذ منه أن الأمر الممنوع منه إذا وجد بعد الدخول مقصدا لعبادة لا يتناوله هـ
وفي أس المقاصد في تعظيم المساجد للشيخ علوان بن عطية الحموي أن بعضهم تعلل عليه في نهيه عن الكلام في المسجد بأحوال أهل الصفة في زمانه صلى الله عليه وسلم فقال انظر أيها الأخ وتعجب ممن يقيس على أولئك الصحابة الأخيار هؤلاء الحثالة الأشرار أترى كان إجتماع أهل الصفة على الحظوظ النفسانية والأخلاق الشيطانية واللهو واللعب والضحك والمزاح
____________________
(1/479)
وحديث الدنيا هـ
وقد اعتنى بجمع أسامي أصحاب الصفة ومناقبهم وأحوالهم ابن الأعرابي والسلمي في كتاب تاريخ أهل الصفة والحاكم في الإكليل وأبو نعيم في الحلية فزادوا عنده على مائة وعند كل ما ليس عند الآخر وقال الحافظ ابن تيمية جملة من آوى إلى أهل الصفة مع تفرقهم قيل أربعمائة وقيل أكثر هـ
وعدهم أربعمائة السيوطي كما سبق ونحوه في تفسيره وسبقهم إلى ذلك السهرودي وابن السلماني في العوارف والزمخشري في الكشاف قال الشهاب في شرح الشفا عقبه ولا ينافي ما روي أنه رءا منهم نحو ثلاثين رجلا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم بلا أردية هـ
وفي لب اللباب في معاملة الملك الوهاب للإمام أبي العباس أحمد بن قاسم الصومعي التادلي لدى كلامه على أهل الصفة كانوا أربعين فبلغوا أربعمائة وقال قتادة بلغوا تسعمائة رجل هـ
وانظر سمط الجوهر الفاخر فقد عد منهم أزيد من المائة مسميا لمن عند أبي نعيم في الحلية وزاد عليه نحو الثلاثة قال الخفاجي عقب ما سبق عنه وهؤلاء يعني أهل الصفة هم صفوة الله هنيئا لهم وأنا نتوسل بهم إلى الله أن يجعلنا في بركاتهم هـ
وإن فسح الله في الأجل أفردتهم بمؤلف وليس ذلك على الله بعظيم اختصاص أبي بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم للمداولة في الأمر يعرض
خرج النساءي والترمذي قال الحافظ ورجاله ثقات عن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين
____________________
(1/480)
____________________
(2/1)
2
____________________
(2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم القسم التاسع
في ذكر حرف وصناعات كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر من عملها من الصحابة رضوان الله عليهم زيادة على ما تقدم وفيه عدة أبواب ومقدمات وهى ثمان في ست لم يات عليها الإمام الخزاعي فاستدركتها عليه فأقول المقدمة الأولى قال الحافظ ابن القيم في الهدى النبوي إن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى وشراؤه اكثر واجر واستأجر وايجاره اكثر وضارب وشارك ووكل وتوكل وتوكيله اكثر وأهدى وأهدي له ووهب واستوهب واستدان واستعار وضمن عاما وخاصا ووقف وشفع فقبل تارة ورد اخرى فلم يغضب ولا عتب وحلف واستحلف ومضي في يمينه عدة وكفر اخرى ومازح وورى ولم يقل الا حقا وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والاسوة لخ
المقدمة الثانية قال المواق في سنن المهتدين الذي يتبين من الفقه أن الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم الزائد على فرض العين وعلى الطب كل ذلك اسباب شرعية فعلى هذا فمن اشتغل بشيء من ذلك بلا نية فهو ظالم لنفسه وإن كان لادرك عليه لاكن فاته الاجر وإن قصد بذلك فرض الكفاية فهو سابق بالخيرات وإن قصد بذلك الاستعفاف عن المسألة كان بذلك مقتصدا وقال في موضع اخر الذي هو من المقتصدين هو من جعله اي العلم سببا للدنيا المحتاج اليها من وجه حلال فمن قائل يقول هو من خير الاسباب ومن قائل طلب الدنيا بالدف
____________________
(2/2)
والمزمار احب الي من طلبها بالعلم والدين هـبواسطة مختصر الرهوني لدى لول خليل في الاذان وكره عليها وفي عمدة الطالب طلب التكسب واجب فريضة كما أن طلب العلم فريضة ثم التكسب انواع كسب مفروض وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه ولعياله وقضائه دينه وكسب مستحب وهو كسب الزيادة على ادنى الكفاية ليواسي به فقيرا او يجازي به قريبا ثم قال إنه افضل حتى من التخلي لنفل العبادة ثم قال فافضل مكسوب التجارة ثم الصناعة ثم طلب العلم ثم قال فلو كان العلماء يتعلمون الحرف ما افتقروا حتى يطمعون في اموال الناس هـبواسطة هداية الضال المشتغل بالقيل والقال وفي شرح الزرقاني على الموطا على حديث إن احدا لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب فيه إن الطلب لا ينافي التوكل وإن حديث الترمذي والحاكم وصححاه عن عمر رفعه لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا قال الامام احمد فيه ما يدل على الطلب لا القعود وعن احمد ايضا في القائل أجلس لا أعمل شيئا جتي ياتيني رزقي هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي وقوله تغدو خماصا وتروح بطانا وكان الصحابة يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم وبهم القدوة هـلخ انظر جامع ما جاء في القدر من كتاب الجامع
المقدمة الثالثة قال العضد في صدر المواقف قال بعض اكابر الامة واحبار الايمة في معنى الخبر المشهور اختلاف أمتى رحمة يعني اختلاف
____________________
(2/3)
همتهم في العلوم فهمة واحدة في الفقه والاخر في الكلام كما اختلفت همم اصحاب الحرف ليقوم كل واحد بحرفة فيتم النظام هـزاد السيد في شرحها وهذا الاختلاف ايضا رحمة كما لا يخفى لاكن ذكر هنا تبعا ونظيرا هـ
المقدمة الرابعة وترجم البخاري في كتاب البيوع من صحيحه باب ما ذكر في الاسواق وفي فتح الباري ايضا قال ابن بطال أراد بذكر الاسواق اباحة المتاجر ودخول الاشراف والفضلاء الى الاسواق وكأنه أشار الى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع وهو حديث أخرجه احمد والبزار وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال احب البقاع الى الله المساجد وابغض البقاع الى الله الاسواق واسناده حسن وأخرجه ابن حبان والحاكم ايضا من حديث ابن عمر قال ابن بطال هذا خرج على الغالب والا فرب سوق يذكر فيه اسم الله اكثر من كثير من المساجده
قلت غفل سيدنا الحافظ رحمه الله عن كون الحديث في صحيح مسلم عن ابي هريرة بلفظ احب البلاد الى الله مساجدها وابغض البلاد الى الله أسواقها وهو من افراد مسلم عن البخاري فإنه لم يخرجه خلافا لمن زعمه وأخرج البخاري في هذه الترجمة قول عبد الرحمان بن عوف لما قدم المدينة هل من سوق فيه تجارة فقيل سوق قنيقاع وقال عمر الهانى الصفق بالاسواق قال الحافظ الغرض منه ذكر السوق فقط وكونه كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة تحصيل المعاش للكفاف والتعفف على الناس وقال تعالى
____________________
(2/4)
! ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) ! هـوترجم ابن رشد في جامع البيان والتحصيل في جواز دخول اهل الفضل الاسواق ومقاربتهم في البيع والشراء ثم ذكر عن مالك أنه سئل عن الرجل له فضل وصلاح يحضر السوق يشتري لنفسه فيقارب في ذلك لفضله ولحاله قال لا باس بذلك وقد كان عمر بن الخطاب يدخل السوق وسالم بن عبد الله إن كان ليقعد في سوق الليل ويجلس معه رجال وان الحرس ليمرون بجلسائه فيقولون يا ابا عمر أمن جلسائك فقيل له ما بال الحرس قال يطردون منه السفه والعبث
قال ابن رشد وأما جواز دخول الاسواق والمشي فيها فكفى في الحجية في ذلك قول الله عز وجل ! ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) ! ردا لقول المشركين ما لهذا الرسول ياكل الطعام ويمشى في الاسواق وقع في بعض الكتب أمن جلساءك والمعنى في ذلك اعلامهم اياه أنهم يحفظونهم بمجالستهم اياه فهم آمنون والمعنى فيما داخل الكتاب الاستفهام في الرجل هل هو من جلسائه فيحفظونه من اهل السفه كما يحفظونه وجلساءه هـمنه ثم ترجم البخاري ايضا باب السخب في الاسواق وهو الصياح نقل الدماميني عليها عن ابن المنير ترجم كثيرا على اباحة السوق ثم ترجم هنا على السخب فيها قال وكان البخاري صاحب تجارة وزرع وقال يروى أنه أعطى ببضاعة له خمسة آلاف فذكر في نفسه ولم يتلفظ فأعطي فيها بعد ذلك اضعاف الاولى ألوفا مؤلفة قال لا قد كنت ركنت الى الاولى فحاسب نفسه على الهواجس التي لا تلزم ه
____________________
(2/5)
قلت وبذلك وبغيره مما تقدم وياتى تعلم ما في قول ابي علي اليوسي في قانونه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوف من الصحابة ما كان يحسن الواحد منهم ان يشتري حاجة من السوق بقيراط وهم فقهاء في دين الله هـفان هذا الاطلاق بصيغة الشمول والاستغراق عجيب من مطلقه واغرب ما يذكر عن عالم مثله الا ان يكون عنى اهل الصفة الذين كانوا كما سبق انقطعوا للعبادة والتأله والتعلم وهم لم يصلوا الى الالوف على ان انقطاعهم لا عن جهل بالبيع والشراء بل ايثارا لمما يبقى على ما يفنى وقد قال ابن الحاج في المدخل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في الاسواق يتجرون وفي حوائطهم يعملون وقد ترجم البخاري ايضا باب كسب الرجل وعمله بيديه فذكر فيه عن عائشة لما استخلف ابو بكر الصديق قال لقد علم قومي ان حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة اهلي وشغلت بامر المسلمين فسياكل ال ابي بكر من هذا المال وأحترف فيه للمسلمين قال الحافظ حديث ابي بكر هذا وان كان ظاهره الوقف ولاكنه بما اقتضاه من انه قبل ان يستخلف كان يحترف لتحصيل مئونة اهله يصير مرفوعا لانه يصير كقول الصحابي كنا نفعل كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن ماجه وغيره من حديث أم سلمة ابن ابا بكر خرج تاجرا الى بصرا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في حديث ابي هريرة في اول البيوع ان اخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق وياتي حديث عائشة ان الصحابة كانوا عمال انفسهم هو ترجم البخاري ايضا باب التجارة في البر وغيره وساق قوله
____________________
(2/6)
سبحانه ! ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ! ثم ذكر قول قتادة كان القوم يتبايعون ويتجرون لاكنهم اذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه الى الله قال العيني في العمدة اراد بالقوم الصحابة فانهم كانوا في بيعهم وشرائهم اذا سمعوا اقامة الصلاة يتبادرون اليها لاقامة حق
ويؤيد هذا ما أخرجه عبد الرزاق من كلام ابن عمر انه كان في السوق فاقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد قال ابن عمر فيهم نزلت فذكر الاية قال ابن بطال ورأيت في تفسير الاية قال كانوا حدادين وخرازين فكان احدهم اذا رفع المطرقة او غرز الاشفى فسمع الأذان لم يخرج الا شفا من الغرزة ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام الى الصلاة هـوقال الحافظ على اثر كلام قتادة المذكور لم أقف عليه موصولا عنه وقد وقع لي موصولا من كلام ابن عمر أخرج عبد الرزاق عنه فسلق ما سبق عن العيني وقال القسطلاني في الارشاد رواه ابن ابي حاتم وابن جرير فيما ذكر ابن كثير في تفسيره ثم قال الحافظ وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن مسعود نحوه وفي الحلية عن سفيان الثوري كانوا يتبايعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة هـوترجم البخاري ايضا باب الخروج في التجارة وقوله سبحانه فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله فذكر فيها قول عمر ألهانى الصفق بالاسواق يعني بذلك الخروج الى تجارة قال القسطلاني وكان احتياج عمر الى السوق لاجل الكسب لعياله والتعفف عن الناس وفي ذلك رد على من يتنطع في التجارة فلا يحضر الاسواق ويتحرج منها لاكن يحتمل أن يتحرج
____________________
(2/7)
من يتحرج لغلبة المنكرات في الاسواق في هذه الازمنة بخلاف الصدر الاول هـوترجم البخاري ايضا باب قول الله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم قال القسطلانى عن مجاهد المراد به التجارة وقد ترجم البخاري في كتاب البيوع ايضا باب ذكر الصواغ وباب ذكر القين وباب الخياط وباب النساج وباب النجار وباب بيع السلاح في الفتنة وغيرها وباب العطار وبيع المسك وباب ذكر الحجام وباب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء فقال ابن المنير وابن حجر والدماميني والعيني والقسطلاني وغيرهم فائدة الترجمة على هذه الصنائع التنبيه على ما كان في زمنه عليه السلام وأقره مع العلم به فيكون كالنص على جواز هذه الانواع وما عداها يوخذ بالقياس هـانظر ص 267 من ج 4 من الفتح وص 441 من ج 5 من العيني وص 31 من ج 4 من القسطلاني
المقدمة الخامسة قد بوب البخاري ايضا باب كسب الرجل وعمله بيده قال الحافظ وقد اختلف العلماء في افضل المكاسب قال الماوردي أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة والاشبه في مذهب الشافعي أن اطيبها التجارة قال والارجح عندي أن اطيبها الزراعة لانها اقرب الى التوكل وتعقبه النووي بحديث المقدام وقد أدخله البخاري في الترجمة وفيه ما أكل احد طعاما قط خيرا من أن ياكل من عمل يده ثم خرج البخاري ايضا عن ابي هريره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن داوود كان لا ياكل الا من عمل يده قال النووي الصواب أن اطيب المكاسب ما كان بعمل اليد ولما فيه من النفع العام للادمي وللدواب ولانه لابد
____________________
(2/8)
فيه في العادة أن ياكل منه بغير عوض ومن لم يعمل بيده فالزراعة في حقه افضل ما ذكرنا قال الحافظ والحق أن ذلك مختلف المراتب وقد يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص هـقال الحافظ ومن فضل العمل باليد الشغل بالامر المباح عن البطالة واللهو وكسر النفس بذلك والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة الى الغير وفي الشرح الجلي قيل التجارة افضل لان المصطفى صلى الله عليه وسلم اتجر ولم يزرع هـوفيه نظر يعلم مما ياتي وعن رافع بن خديج قال قيل يا رسول الله اي الكسب افضل قال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور وأورده التبريزي في المشكاة وعزاه لاحمد وعزاه القاري للبزار ايضا وقال على قوله بيده اي من زراعة او تجارة او كتابة او صناعة هـوقال في محل اخر افضل انواع التجارة البز ثم العطر هـوقد ورد في التجارة والتجار عدة احاديث أخرج ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر قال الحاكم صحيح واعترض التاجر الامين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة وأخرج الترمذي والحاكم عن ابي سعيد قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم من مراسيل الحسن التاجر الصدوق الامين مع النبيئين والصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا وأخرج الاصبهاني في ترغيبه والديلمي في الفردوس عن انس رفعه التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رفعه التاجر الصدوق لا يحجب من ابواب الجنة قال المناوي في التيسير بل يدخل من ايها شاء لنفعه لنفسه ولصاحبه وسراية نفعه الى عموم الخلق وأخرج القضاعي عن انس قال المناوي بإسناد حسن رفعه التاجر الجبان
____________________
(2/9)
محروم والتاجر الجسور مرزوق وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن نعيم بن عبد الرحمن الازدي ويحيى بن جابر الطاءي مرسلا قال المناوي ورجاله ثقاة تسعة اعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي يعني النتاج وقال الامام ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في رسالته في مدح التجار وذم عمل السلطان وقد علم المسلمون أن خيرة الله من خلقه وصفوته من عباده والمؤتمن على وحيه من اهل بيت التجارة وهي معولهم وعليها معتمدهم وهي صناعة سلفهم وسيرة خلفهم وبالتجارة كانوا يعرفون ولذلك قالت كاهنة اليمن لله الديار ولقريش التجار اسم اشتق لهم من التجارة والتقريش فهو افخم اسمائهم واشرف انسابهم وهو الاسم الذي نوه الله به في كتابه وخصهم به في محكم وحيه وتنزيله ولهم سوق عكاظ وفيهم يقول ابو ذؤيب
( اذا ضربوا القباب على عكاظ ** وقام البيع واجتمع الالوف )
وقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم برهة من دهره تاجرا وباع واشترى حاضرا الله اعلم حيث يحمل رسالاته ولم يقسم الله مذهبا رضيا ولا خلقا زكيا ولا عملا مرضيا الا وخصه منه اوفر الحظوظ وأقسمه فيه اجزل الاقسام ولشهرة امره في البيع والشراء قال المشركون ما لهذا الرسول ياكل الطعام ويمشي في الاسواق فأوحى الله اليه وما أرسلنا قبلك من المرسلين الا انهم لياكلون الطعام ويمشون في الاسواق فأخبر أن الانبياء قبله كانت لهم صناعات وتجارات هـكلامه انظر بقيته فيه ضمن مجموعة من رسائل الجاحظ طبعت بمصر سنة 1324 وأخرج الديلمي عن ابن
____________________
(2/10)
عباس أوصيكم بالتجار خيرا فإنهم برد الافاق وأمناء الله في الارض وهذا كالصريح في تفضيل التجارة على غيرها من المكاسب وللامام الحافظ ابي بكر احمد بن محمد الخلال كتاب في الحث على التجارة ذكره له ابن سليمان الردانى في صلته في حرف الجاء وذكر اسناده له وقد استدل كثيرون بحديث الصحيح ما من مسلم يغرس او يزرع زرعا فياكل منه طير او اتان او بهيمة الا كان له به صدقة على أن الزراعة افضل المكاسب لما فيها من النفع المتعدي والنفع المتعدي افضل من القاصر وقال الحافظ ابن حجر الصواب أن ذلك يختلف باختلاف الاوقات والاشخاص هـوقال بعض الاعلام وينبغي أن يختلف التفاضل بين الثلاثة باختلاف الحال فان احتيج الى الاقوات اكثر تكون الزراعة افضل وإن احتيج الى المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة افضل وإن احتيج الى الصنعة تكون افضل وهذا الخلاف في الافضلية والا فكلها فروض كفاية كما في الاحياء وجمع الجوامع وغيرهما وعبارة الغزالي أما فرض الكفاية فكل علم لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب وأصول الصناعات والسياسة
المقدمة السادسة قال ابو عمر بن عبد البر في الكافي من المكاسب المجمع على تحريمها الربى ومهور البغايا والسحت والرشى واخذ الاجرة على النياحة وعلى الكهانة وادعاء الغيب واخبار السماء وعلى الزمر واللعب والباطل كله هـنقله القرطبي في التفسير
المقدمة السابعة الى ما غلب في تجارة الناس اليوم أشار الشهاب
____________________
(2/11)
البربير كما في الشرح الجلي له
( أرى التجار سكارى ** من سكرهم ما أفاقوا )
( وليلنا اسود منهم ** واحمرت الافاق )
( فالخسر عدوه ربحا ** غدا اليه يساقوا )
( للصدق فيه كساد ** وللنفاق نفاق )
وقال ايضا
( ابناء دهري طلقوا الاخرى ** رى وما ندموا عليها )
( اذا رأوا تجارة او ** لهوا انفضوا اليها )
وقال ايضا
( باتاجرا لازال يرجو ** ربحا ويخسر الخسارة )
( عبادة الله كل حين ** خير من اللهو والتجارة )
( فاعبده ما دمت واخشي نارا ** وقودها الناس والحجارة )
قال الشهاب البربير ما أشعرت به اية واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها من ذم التجارة محمول على تجارة تشغل عن امور الدين وتصرفه عن أمور الاخرة وتحمله على الاقبال والانهماك على الدنيا كما يشير الى ذلك قوله تعالى ! ( انفضوا إليها وتركوك قائما ) ! وأما اذا خلت عن ذلك فهي ممدوحة وذمها عارض وعلى ما ذكرنا يحمل حديث البخاري هم الفجار كما حمل حديث اذا زرعت هذه الامة نزع منها النصر وحديث الذل في اذناب البقر المشعرين بذم الزراعة على زراعة تحمل الناس بالاشتغال بها على ترك الغزو بالكلية لانها اذا فعلت ذلك هجم العدو عليها في اوطانها وهي
____________________
(2/12)
على غير أهبة فينالها بذلك الذل وتحرم النصر على العدو وأما اذا جمعت بين الزراعة والقدرة على دفع العدو فبالسنة أخذت لان خير المومنين من لا يترك الدنيا للاخرة ولا الاخرى للدنيا بل ياخذ منهما كما قال تعالى ! ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) ! هـوقد أنشد الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه مناهج الالباب المصرية في مباهج الاداب العصرية ص 51
( إن حزت علا فاتخذ حرفة ** تصون ماء الوجه لا يبدل )
( ولا تهنه ان ترى سائلا ** فشأن اهل العلم أن يسألوا )
ودليله قول الاحنف بن قيس كما لابن الهندي في كتاب الرحمة في الطب والحكمة لا ينبغي للعاقل أن يترك من علم يتزوده لمعاده وصنعة يستعين بها على امر دينه ودنياه وعلم طب يذهب به الداء والعلة عن نفسه وعن جسده وانظر رسالة كشف الزور والبهتان من صناعة بني ساسان على مبالغات فيها
المقدمة الثامنة وربما تعلل بعض جهال المتعبدين في ترك التكسب بغلبة الحرام قال القاري في المرقاة واعلم أن هذا الزمان لا يوجد الحلال في كثير من الاحوال فليكتسب السالك من غيره بما يحفظ حياته ليلا يموت جوعا قال بعض الظرفاء
( يقول لي الجهول بغير علم ** دع المال الحرام وكن قنوعا )
( فلما لم أجد مالا حلالا ** ولم اكل حراما مت جوعا )
لاكن يجب أن يراعي درجات الحرام والشبهة فهما وجد ما يكون اقرب الى الحلال لا يتناول مما يكون بعيدا عنه حتى قال بعض المشايخ المضطر
____________________
(2/13)
اذا وجد غنما ميتا فلا ياكل من الحمار الميت واذا وجد الحمار فلا ياكل من الكلب واذا وجد الكلب لا يقرب من الخنزير ولا ينبغي ان يساوي بين الاشياء كسفهاء الفقهاء حيث يقولون الحلال ما حل بنا والحرام ما حرم منا هـوإن أردت بسط الكلام على انواع المكاسب فقف على كتاب البركة في فضل السعي والحركة وهو في مجلد اشتمل على سبعة ابواب
الباب الاول في فضل الحرث والزرع والثمار وغرس الاشجار وحفر الانهار وفيه عدة فصول
الباب الثانى في فضل الغزل وفيه فصول
الباب الرابع فيما ورد من الاثار في الطب والمنافع
الباب الخامس في اربعين حديثا كل حديث متضمن لفظ البركة وفيه فصول
الباب السادس في اذكار وادعية
الباب السابع في الادعية والاذكار المتكررة في الاحوال والاعصار وفيه ايضا عدة فصول وهو كتاب جيد كنت شديد البحث عن ترجمة مؤلفه حتى أفادنيها بمكة زينتها ومحدثها ومسندها وبركتها شيخنا ابو علي حسين بن محمد بن حسين الحبشي الباعلوي وان اسمه محمد بن عبد الرحمان بن عمر الاصابي الحبشي اليمني المولود سنة 712 المتوفى سنة 782 وعدد لنا كثيرا من مؤلقاته انظرها في رحلتنا الحجازية وكما أسهب الشهاب البربير في كتابه الشرح الجلي على انواع المتاجر والحرف والصنائع في موضعين فتكلم على الزراعة والتجارة والخياطة والحياكة والقصارة
____________________
(2/14)
والجزارة والطباخة والصباغة وغيرها فقف عليه فانه مفيد وبسط القول فيها ايضا الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه مناهج الالباب المصرية في مباهج الآداب العصرية وهو من احسن ما كتب في هذا الباب وافيد لاهل هذا الزمان وكذا قف على شرح ابن عمنا العالم المؤرخ ابي محمد المامون بن عمر الكتاني علي بيتي ابن فارس اللغوي
( اذا كنت في حاجة مرسلا ** رسولا وانت بها مغرم )
( فدع عنك كل رسول سوى ** رسول يقال له الدرهم )
المسمى هداية الضال فانه مفيد جدا
المقدمة التاسعة الحرف والصناعات التي عرفها اهل الاسلام واستعملوها ألف فيها جماعة ففي اواخر عصر الصحابة ترجم بعض الكتب المصنفة فيها باللسان القديم خالد بن يزيد بن معاوية الاموي كما سياتي عن ابن ابي الحديد
ومن اقدم من صنف فيها الامام ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة 255 له كتاب الاخطار والمراتب والصناعات وله ايضا كتاب غش الصناعات قال عنه بعض اعدائه ماهو منقول في روضة الاعلام أفسد به على الناس اموالهم وحثهم به على الغش والخيانة وله ايضا رسالة في مدح التجار وذم عمل السلطان طبعت بمصر ضمن مجموعة له ومنهم الشيخ ابو الفضل جعفر بن علي الدمشقي له الاشارة الى محاسن التجارة ومعرفة جيد الاعراض ورديئها وغش المدلسين فيها وهو مطبوع في ص 27 بمصر ومنهم الشيخ شهاب الدين محمد بن حسن بن الصائغ الدمشقي
____________________
(2/15)
المتوفى سنة 720 له قصيدة ميمية في الف بيت في الصنائع والفنون ومنهم الشيخ ابو عبد الله محمد بن ابي الخير الارميوني الحسني المالكي له كتاب النجوم الشارقات في بعض الصنائع المحتاج اليها في بعض الاوقات اشتمل على خمسة وعشرين بابا في نحو خمس كراريس وقفت عليه في زاوية الهامل ببوسعادة بصحراء الجزائر ومنهم ابو عبد الله محمد بن اسحاق ابن سعيد بن اسماعيل السعدي الهروي له كتاب الصناع من الفقهاء والمحدثين ذكره الامام الحافظ ابو سعيد عبد الكريم السمعاني المروزي في حرف السين من كتابه في الانساب وقال رايت من تصنيفه كتابا حسنا أظنه لم يسبق اليه سماه كتاب الصناع من الفقهاء والمحدثين هـمن كتاب الانساب له انظر ورقة 298 من النسخة الماخوذة بالفتوغراف وتعرض لكثير من الحرف الامام ابن الحاج في المدخل واختصر كلامه فيها وزاد وبسط ما على المسلم في استعمالها من النيات الفقيه الصوفي ابو العباس احمد بن عجيبة التطواني في تاليف مخصوص
زقلت & باب كون الناس كانوا اول الاسلام لا يتعاطون البيع والشراء & حتي يتعلموا احكامه وآدابه وما ينجي من الربى
حكى الامام الشافعي في الرسالة والغزالي في الاحياء الاجماع على أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على امر حتى يعلم حكم الله فيه قال القرافي في الفروق فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع ومن اجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الاجارة ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله في القراض ومن صلى وجب عليه أن
____________________
(2/16)
يتعلم حكم الله في تلك الصلاة ويدل على هذه القاعدة من جهة القرآن قوله تعالى حكاية عن نوح إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ومعناه ما ليس لي بجواز سؤاله علم وذلك لكونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد وأنه مما ينبغي طلبه ام لا فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لا بد من تقديم العلم مما يريد الانسان أن يشرع فيه اذا تقرر هذا فمثله قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم نهى الله نبيه عن اتباع غير المعلوم فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم فيكون طلب العلم واجبا علي كل حالة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم قال الشافعي طلب العلم قسمان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين علمك بحالتك التي انت فيها وفرض الكفاية ما عدى ذلك هـ
وفي الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة لابي الحسن علي بن يوسف الحكيم الفاسي قال عمر لا يدخل الاعاجم سوقنا حتي يتفقهوا في الدين يريد والله اعلم فقه ما يلزمه في خاصة نفسه
قلت اي من احكام البيوع واصل ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعلم كل من يتعاطى عملا احكامه وتكاليفه وقال المجاجي في شرح مختصر ابن ابي جمرة قال علماؤنا لا يجوز أن يتولى البيع والشراء ويجلس في السوق لذلك الا من هو عالم باحكام البيوع والشراء وأن تعلم ذلك لمن أراده فرض واجب متعين عليه وحكى علي هذا الاجماع وبهذا قال مالك في كتاب القراض وفي المدونة ولا أحب مقارضة من يستحل الحرام او من
____________________
(2/17)
لا يعرف الحلال من الحرام وإن كان مسلما وقد روي أن عمر بعث من يقيم من الاسواق من ليس بفقيه هـونحوه لابن رشد في المقدمات وفي الشبرخيتى على المختصر قال القباب لا يجوز للانسان أن يجلس في السوق حتى يعلم احكام البيع والشراء وبعث عمر من يقيم من الاسواق من ليس بفقيه هـ
وفي المدخل لابي عبد الله بن الحاج قد كان عمر بن الخطاب يضرب بالدرة من يقعد في السوق وهو لا يعرف الاحكام ويقول لا يقعد في سوقنا من لا يعرف الربى او كما يقول وقد أمر مالك بقيام من لا يعرف الاحكام من السوق ليلا يطعم الناس الربى سمعت سيدي ابا محمد يذكر أنه أدرك المحتسب يمشي في الاسواق ويقف على الدكان ويسأل صاحبه على الاحكام التي تلزمه في سلعته من أن اين يدخل عليه الربى فيها وكيف يحترز منها فإن أجابه أبقاه في الدكان وإن جهل شيئا من ذلك أقامه من الدكان ويقول لا يمكنك أن تقعد في سوق المسلمين تطعم الناس الربى وما لا يجوز هـوفي نهج البلاغة ان عليا عليه السلام قال من اتجر بغير فقه فقد ارتطح ارتبك في الربى قال ابن ابي الحديد في شرحه لان مسائل الدين مشتبهة بمسائل البيع ولا يفرق بينهما الا الفقيه هـمنه ص 479 من المجلد الرابع وفي قوت القلوب لابي طالب مكي كان عمر رضي الله عنه يطوف بالاسواق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول لا يبيع في سوقنا الا من تفقه والا أكل الربى شاء او أبى هـوعزى بعض المتأخرين الى الترمذي مرفوعا لا يبيع في سوقنا الا من تفقه في الدين ولم أجده في
____________________
(2/18)
كتاب البيوع من الجامع ولا في الجامعين للسيوطي ثم وجدته في كنز العمال معزوا له انظر ص 218 من ج 1 وفي تنبيه المغترين كان مالك يامر الامراء فيجمعون التجار والسوقة ويعرضونهم عليه فإذا وجد احدا منهم لا يفقه احكام المعاملات ولا يعرف الحلال من الحرام أقامه من السوق وقال له تعلم احكام البيع والشراء ثم اجلس في السوق فإن لم يكن فقيها أكل الربى وقال الزرقاني في شرح المختصر عند قوله وتجارة لارض حرب عن مالك أنه لا تجوز شهادة التجار في شيء من الاشياء الا أن يتعلموا احكام البيع والشراء هـوفي البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية للشيخ ابي سعيد الخادمي الحنفي على التاجر أن يتعلم احكام البيوع صحة وفسادا وبطلانا حلا وحرمة وربى وغيرها قال في التتار خانية عن السراجية لا ينبغي للرجل أن يشتغل بالتجارة ما لم يعلم احكام البيع والشراء ما يجوز وما لا يجوز وعن البزازية لا يحل لاحد أن يشتغل بالتجارة ما لم يحفظ كتاب البيوع وكان التجار في القديم اذا سافروا استصحبوا معهم فقيها يرجعون اليه في أمورهم وعن ايمة خوارزم أنه لا بد للتاجر من فقيه صديق هـوانظر شرح الشيخ ابي سالم العياشي على نظمه في البيوع لدى قوله فيه
( لا تجلسن في السوق حتى تعلما ** ما حل من بيع وما قد حرما )
( وفي الشرا ايضا وذاك واجب ** ايضا على جميع من يسبب )
( لنفسه او غيره ما يعرف ** حكم الذي في فعله تصرف )
( ودفعك المال لمن لا يعلم ** حكم البياعات قراضا يحرم )
____________________
(2/19)
وانظر ايضا قول ابي زيد التلمساني في نظمه لبيوع ابن جماعة التونسي
( ولم يحل جلوسه في الشرع ** حتى يكون عارفا بالبيع )
( أعني به في سائر الاسواق ** وذاك معلوم بالاتفاق )
( وهكذا في كل علم يجهله ** في نفسه في كل شيء يفعله )
( لاسيما القاضي مع الشهود ** وعممن واحذر من الوعيد )
( ولم يجز أن تدفع الاموالا ** لرجل لا يعرف الحلالا )
( وذاك في القراض والبيوع ** وجملة الاحكام في المشروع )
قلت وهذا هو الاصل في المدنية العصرية لعلم امساك الدفاتر والتخريج في المدارس التجارية والتحصيل على اجازاتها بعد المبارات في التحصيل على درجاتها زقلت & باب تشديد عمر على الصحابة في تركهم الاتجار لغيرهم من العامة والاخلاط &
في العتبية قال مالك قال عمر بن الخطاب عليكم بالتجارة لا تفتنكم هذه الحمراء على دنيا كم قال اشهب كانت قريش تتجر وكانت العرب تحقر التجارة والحمراء يعني الموالي هـمن البيان والتحصيل وفي المدخل لابن الحاج ورد أن عمر بن الخطاب دخل السوق في خلافته فلم ير فيه في الغالب الا النبط فاغتم لذلك فلما أن اجتمع الناس أخبرهم بذلك وعد لهم في ترك السوق فقالوا ان الله أغنانا عن السوق بما فتح به علينا فقال رضي الله عنه والله لئن فعلتم ليحتاج رجالكم الى رجالهم ونساؤكم الى نسائهم وقد كان بعض السلف اذا رأى بعض النبط يقرءون العلم
____________________
(2/20)
يبكي اذ ذاك وما ذاك الا أن العلم اذا وقع لغير اهله يدخله من المفاسد ما انت تراه
والنبط قال في المصباح جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في اخلاط الناس وعوامهم هـ
قلت صدقت فراسة عمر في هذه الامة فإنها لماتركت التجارة بطرقها المشروعة المرغوبة واساليبها الناحجة تلقفها الغير فأصبحت الامة عالة على غيرها رجالنا على رجالهم ونساؤنا على نسائهم في كل شيء من الابرة والمخيط الى ارفع شيء واثمنه
وما ذكره ابن الحاج عن بعض السلف ولم يسمه هو سفيان فقد أخرج الخطيب عن محمد بن عبد الوهاب البسكري قال كان سفيان اذا رأى هؤلاء النبط يكتبون الحديث بغير وجهه يشتد عليه فقلت له يا ابا عبد الله نراك اذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك قال كان العلم في العرب وسادة الناس فإذا خرج من هؤلاء وصار في هؤلاء يعني النبط والسفل غيروا الدين
وأخرج ايضا عن سفيان بن حسين قال قدم على الاعمش بعض السواد فاجتمعوا اليه فأبى أن يحدثهم فقيل له يا ابا محمد لو حدثتهم فقال من يعلق الدرر على الخنازير قال السيد السمهودي في جواهر العقدين فيه الاشارة الى أن الحكمة لا توضع في غير اهلها زقلت & باب ايثار الصحابة في الخروج للتجارة التبكير &
بوب الترمذي في جامعه باب ما جاء في التبكير بالتجارة حدثنا يعقوب ابن ابراهيم الدورقي حدثنا هشيم حدثنا يعلى بن عطاء بن عمارة بن حديد عن صخر العامري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم
____________________
(2/21)
بارك لامتي في بكورها قال وكان اذا بعث سرية او جيشا بعثهم اول النهار وكان صخر رجلا تاجرا وكان اذا بعث تجاره بعثهم اول النهار فاثري وكثر ماله وفي الباب عن علي وبريدة وابن مسعود وانس وابن عمر وابن عباس وجابر وحديث صخر القامري حديث حسن ولا نعرف لصخر العامري غير هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا هـ
قلت حديث اللهم لامتي في بكورها اخرجه اصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث صخر وقد اعتنى الحافظ المنذري بجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا وانظر باب الخروج بعد الظهر من فتح الباري في كتاب الجهاد زقلت & باب امر عمر بالسعي وحضه الناس على التكسب
سياتي قوله لاهل اليمن انما المتوكل رجل القى حبه في الارض وتوكل على الله وفي كتاب مناقب عمر لابن الجوزي عن محمد بن سيرين عن ابيه قال شهدت مع عمر بن الخطاب الغرب فاتى علي ومعه رزيمة تصغير رزمة وهي الكارة من الثياب فقال ما هذا معك فقلت رزيما لي اقوم في هذا السوق فاشتري وابيع فقال يا معشر قريش لا يغلبنكم هذا واشباهه على التجارة فانها ثلث الامارة وفيه ايضا عن الحسن قال قال عمر من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه شيئا فليتحول الى غيره وفيه عن الاكيدر العارضي قال قال عمر تعلموا المهنة فانه يوشك ان يحتاج احدكم الى مهنة وفي كنز العمل معزوا الى عمر لولا هذه البيوع صرتم عالة على الناس وفي المناقب عن بكر بن عبد الله قال قال
____________________
(2/22)
عمر مكسبة فيها بعض دناءة خير من مسالة الناس وفيه عن ذكوان قال قال عمر اذا اشترى احدكم جملا فليشتره عظيما سمينا فإن أخطأه خيره لم يخطئه سوقه
وخرج ابن الجوزي في تلبيس ابليس ومناقب عمر عن خوات التميمي قال قال عمر يا معشر الفقراء ارفعوا رءوسكم فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عالة على المسلمين
وفي العقد الفريد قال عمر بن الخطاب لا يقعدن احدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وأن الله انما يرزق الناس بعضهم من بعض وتلا قوله تعالى ! ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) ! وفيه قال عمر حسب الرجل ماله وكرمه دينه ومروءته خلقه
وأخرج ابن ماجه من طريق عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن اخيه سعد بن حريث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع عقارا او دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له زقلت & باب قول عمر اذا رأى غلاما فأعجبه &
أخرج ابن الجوزي في تلبيس ابليس ومناقب عمر ايضا عن محمد بن عاصم قال بلغني أن عمر بن الخطاب كان اذا رأى غلاما فأعجبه سأل هل له حرفة فإن قيل لا قال سقط من عيني زقلت & باب قول عمر في التكسب والغزو ورأيه في التفاضل بينهما بالنسبة الى نفسه &
ذكر ابن الجوزي في كتابه تلبيس ابليس عن عمر أنه قال لان
____________________
(2/23)
أموت من سعي على رجلي أطلب كفاف وجهي احب الي من أن أموت غازيا في سبيل الله
وهنا انتهت الابواب والمقدمات المستدرك كلها على الخزاعي
فلنرجع الي سياق ما في الجزء التاسع عند الخزاعي من الابواب & للباب الاول في ذكر من كان يتجر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من اتجر من كبار الصحابة بعده &
منهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر الصديق رضي الله عنه ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن قتيبة في المعارف من طريق الزهري قال خرج ابو بكر في تجارة الى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام ومعه نعيمان وسويط بن حرملة وكان قد شهد بدرا وكان نعيمان على الزاد لخ القصة
زقلت وفي ترجمته من الاصابة كان ابو بكر معروفا بالتجارة ولقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده اربعون الفا وكان يعتق منها ويعول المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف وما مات حتى ما ترك دينارا ولا درهما أخرج ابن عساكر عن أم سلمة قالت لقد خرج ابو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا الى بصرى ولم يمنع ابا بكر بالضن برسول الله صلى الله عليه وسلم وشحه على نصيبه منه من الشخوص الى التجارة وذلك لاعجابهم بكسب التجارة وحبهم التجارة ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ابابكر من الشخوص في تجارته ومحبته وضنته بابي بكر وقد كان
____________________
(2/24)
بصحابته معجبا لاستحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم التجارة واعجابه بها وقال ابن سعد لما استخلف ابو بكر أصبح غاديا الى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وابو عبيدة بن الجراح فقالا كيف تصنع هذا وقد وليت امر المسلمين قال فمن اين أطعم عيالي قال نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاه قال ابن زكري على البخاري وكل من شغلته مصالح المسلمين من قاض ومفت ومدرس كذلك هـومنهم امير المؤمنين عمر بن الخطاب في الصحيح في قضية استيذان ابي موسى الاشعرى على عمرو رجوعه واستدلاله لرجوعه بماخفى على عمر من الاثر فقال عمر أخفى علي هذا من امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهانى الصفق في لاسواق يعني الخروج الى التجارة
زقلت أخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن عمر رضي الله عنه قال ما جاءني اجلي في مكان عدى الجهاد في سبيل الله احب الي من أن ياتيني وانا بين شعبتي رجلي أطلب من فضل الله وتلا وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله
زقلت ومنهم عثمان بن عفان تعاطيه للتجارة معروف في دواوين السلف وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عبد الله قال كان عثمان رجلا تاجرا في الجاهلية والاسلام وكان يدفع ماله قراصنا وأخرج ايضا عن العلاء بن عبد الرحمان عن ابيه أن عثمان دفع اليه مالا مضاربة على النصف وفي مقدمات ابن رشد اول قراض كان في الاسلام قراض يعقوب
____________________
(2/25)
مولى الحرقة مع عثمان بن عفان وذلك أن عمر بن الخطاب بعث من يقيم من السوق من ليس بفقيه فأقيم يعقوب فيمن أقيم فجاء الى عثمان فأخبره فأعطاه مزود تبر قراض على النصف وقال له إن جاءك من يعترضك فقل المال لعثمان فقال ذلك فلم يقم فجاء بمزودين مزود رأس المال ومزود ربح هـ
قلت ومنهم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين فقد علم أنه كان لها مال كبير وتجارة تبعث الى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش وكانت تستاجر الرجال وتدفع المال مضاربة ولما خرج صلى الله عليه وسلم في تجارتها مع غلامها ميسرة قالت أنا أعطيك ضعف ما أعطي قومك ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الى سوق بصري وباع سلعته التي أخرج واشترى غيرها وقدم بها فربحت ضعف ما كانت تربح فأربحت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له أنظر ترجمة خديجة من طبقات ابن سعد
ومنهم الزبير بن العوام قال ابن عبد البر كان الزبير تاجرا مجدودا في التجارة وقيل له يوما أدركت في التجارة ما أدركت فقال لم أشتر عيبا ولم أرد ربحا والله يبارك لمن يشاء وذكر ابن عبد البر ايضا كان للزبير الف مملوك يؤدون اليه الخراج ومنهم عبد الرحمان بن عوف في الصحيح قال لما قدمنا المدينة اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع اني اكثر الانصار مالا فأقسم لك نصف مالي وانظر اي زوجتي هويت نزلت لك عنها فاذا حلت تزوجتها فقال له عبد الرحمان بن عوف لا حاجة لي في ذلك هل من سوق
____________________
(2/26)
فيه من تجارة فدله عليه قال فغدا اليه عبد الرحمان فأتى بشيء باعه الغد واستفضل ثم تابع الغد فما لبث أن جاء عليه صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت قال نعم قال ابن عبد البر كان عبد الرحمان بن عوف تاجرا مجدودا في التجارة واكتسب مالا كثيرا فصولحت امرأته التي طلقها في مرضه من ثلث الثمن بثلاثة وثمانين الفا وروى ابن عيينة أنها صولحت عن ربع الثمن من ميراثه
زقلت ومنهم سعيد بن عائذ المؤذن مولى عمار بن ياسر ترجمه في الاصابة فقال كان يتجر في القرظ وهو ورق يدبغ به كقشر البلوط فقيل له سعد القرظ وروى البغوي أنه اشتكى الى النبي صلى الله عليه وسلم قلة ذات يده فأمره بالتجارة فخرج الى السوق فاشترى شيئا من قرظ فباعه فربح فيه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بلزوم ذلك
ومنهم منقذ بن عمرو الانصاري الصحابي المدني روى ابن اسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان قال كان جدي منقذ بن عمرو اصابته افة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله وكان لا يدع التجارة ولا يزال يغبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اذا بعت فقل لا خلابة وانت في كل سلعة بعتها بالخيار ثلاث ليال وكان في زمن عثمان حين كثر الناس يبتاع في السوق فيصير الى اهله فيلومونه فيرده ويقول ان النبي صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا انظر ترجمته من تهذيب النووي
____________________
(2/27)
ومنهم ابو معلق الانصاري كان تاجرا يتجر بمال له ولغيره ويضرب في الافاق وكان ناسكا ورعا مجاب الدعوة انظر ترجمته من الاصابة
ومنهم عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في سراج الملوك للطرطوشى لما دفع أبو موسى الاشعري مالا من بيت المال لعبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب بالبصرة اشتريا منه بضاعة فزكت بالمدينة فاراد عمر ان ياخذ جميع الربح فراجعهم عبيد الله فحكم بينهم بنصف الربح فاخذا جميع نصف الربح واخذ عمر النصف لبيت المال وقال ابن رشد في المقدمات يقال ان اول قراض كان في الاسلام قراضهما هـوقد ذكر قضيتها في الموطا وهي مشهورة وفي الشبرخيتى على المختصر لدى باب القراض عمل به النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة قبل البعث وعمر وعثمان فصدر الامة وخيارها واول من عمل به في الاسلام يعقوب مولى الحرقة لعثمان هـانظر ما سبق في ترجمة عثمان رضي الله عنه
ومنهم ابو هريرة في سراج الملوك قال مالك كان عمر بن الخطاب يشاطر العمال فيأخذ نصف اموالهم وشاطر ابا هريرة وقال له من اين لك هذا المال فقال ابو هريرة دواب تناتجت وتجارات تداولت لخ القصة
ومنهم حاطب بن ابي بلتعة سفير المصطفى صلى الله عليه وسلم الى المقوقس في ترجمته من طبقات ابن سعد انه ترك يوم مات اربعة آلاف دينار ودراهم ودارا وغير ذلك وكان تاجرا يبيع الطعام وغيره
ومنهم المتجر في غزوة خيبر ذكر حديثه ابو داوود في سننه في باب التجارة في الغزو ثم اخرج عن عبد الله بن سلمان ان رجلا من
____________________
(2/28)
اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه قال لما فتحنا خيبر اخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس بتبايعون غنائمهم فجاء رجل حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد ربحت ربحا ما ربح اليوم مثله احد من اهل هذا الوادي قال ويحك ما ربحت قال ما زلت ابيع وابتاع حتى ربحت ثلاثمائة اوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا انبئك بخير رجل ربح قلل وما هو يا رسول الله قلل ركعتين بعد الصلاة والحديث سكت عنه المنذري واخرج ابن ماجه من حديث خارجة ابن زيد قال رأيت رجلا سأل ابي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له انا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك نشتري ونبيع وهو يرانا ولا ينهانا وفيهما دليل على جواز التجارة في الغزو وعلى ان الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان اجر الغازي لبينه صلى الله عليه وسلم فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان ويؤيد ذلك جواز الاتجار في الحج لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزل الله عز وجل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم قال الشوكانى زقلت ذكر اصل تسمية البيع والشراء تجارة
في اول كتاب البيوع من اوائل السيوطي أخرج ابن ماجه والطبراني عن قس بن ابى عرازة قال كنا نسمي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم السماسرة فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو احسن
____________________
(2/29)
منه فقال يا معشر التجار إن البيع محضرة الحلف واللغو فشوبوا بالصدقة زاد الطبراني فكان اول من سمانا التجار
قلت عزاه الشامي في سبل الرشاد الى احمد والاربعة واقتصر في مشكاة المصابيح على عزوه للاربعة دون احمد وقد بوب على الحديث الترمذي في جامعة فقال باب التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ثم قال وفي الباب عن اليمان ورفاعة ثم قال حديث قريظة حسن صحيح ولا نعرف له سواه وبوب على الحديث المذكور ابن ماجه في سننه فقال باب التوقي في باب التجارة حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا ابو معاوية عن الاعمش عن شقيق عن قيس بن ابي عزرة فذكره ثم قال حدثنا يعقوب بن حميد بن كاتب حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن اسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن ابيه عن جده رفاعة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا الناس يتبايعون بكثرة فناداهم يامعشر التجار فلما رفعوا ابصارهم ومدوا اعناقهم قال ان التجار يبعثون يوم القيامة فجارا الا من اتقى الله وبر وصدق قال صاحب اللمعات انما كان اسم التجار احسن من السماسرة لان التجارة مذكورة في مواضع عديدة من القرآن في مقام المدح والذي يتوسط بين البائع والمشتري يكون تابعا وقد يكون مائلا عن الامانة والديانة وسماهم تجارا لكونهم مصاحبين لهم مع شمول التجار التابعين ايضا هـوقال القاري في شرح المشكاة على قوله كنا نسمي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم السماسرة وهم الان المتوسطون بين البائع والمشتري
____________________
(2/30)
لامضاء البيع جمع سمسار وهو في الاصل القيم على الشيء الحافظ له ثم استعمل في المتوسط وقد يطلق على المقوم فسمانا رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم هو أحسن من اسمنا الاول قيل لان اسم التاجر اشرف من اسم السمسار في العرف العام ولعل وجه الاحسنية أن السماسرة تطلق الان على المكاسين او لعل هذا اسم في عهده صلى الله عليه وسلم كان يطلق على من فيه نقص والاحسن ما قاله الطيبي وذلك ان التجارة عبارة عن التصرف في راس المال طلبا للربح والسمسرة كذلك لاكن الله تعالى ذكر التجارة في كتابه غير مرة على سبيل المدح كما قال تعالى ! ( هل أدلكم على تجارة ) ! وقوله ! ( تجارة عن تراض ) ! وقوله ! ( تجارة لن تبور ) ! هـ
ولعله ايضا أراد قوله ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ) تنبيها لهم بهذا الاسم على ان يكونوا موصوفين بهذه النعوت خصوصا وفي هذا الاسم ايماء الى قوله ^ ان الله اشترى من المومنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة ^ الاية هـوسمي السوق سوقا لنفاق السلع فيه قاله في المدخل & باب في ذكر من كان بزازا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم &
زقلت البز نوع من الثياب وقيل الثياب خاصة من امتعة البيت قاله في المصباح وفي الصحيح باب التجارة في البز وغيره قال ابن العربي انما بوب البخاري على التجارة في البز ردا على الذين يكرهون التوسعة في الدنيا ويقولون يجزي الثوب الواحد واخرج الخطيب عن ابي هريرة رفعه عليكم بالبز فان صاحب البز يعجبه ان يكون الناس بخير
____________________
(2/31)
وفي خصب واخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر رفعه لو اذن الله لاهل الجنة في التجارة لا تجروا في البز والعطر اوردهما في جمع الجوامع فمنهم امير المومنين عثمان بن عفان قال ابن قتيبة في المعارف في صنائع الاشراف كان عثمان بزازا وقال ابن عبد البر جهز عثمان جيش العسرة تسعمائة وخمسين بعيرا او تم الالف بخمسين فرسا وعن قتادة قال حمل عثمان على الف بعير وسبعين فرسا هـوكل ذلك مما اكتسب من المال بحرفة البزازه اذ لم يكن يحترف بغيرها ومنهم طلحة بن عبيد الله ذكر ابن قتيبة في المعارف وابن الجوزي في التلبيس انه كان بزازا وذكر الزبير انه سمع سفيان بن عيينة يقول كانت غلة طلحة بن عبيد الله الفا وافية كل يوم قال والوافى وزنه وزن الدينار وعلى ذلك وزن دراهم فارس التي تعرف بالغلية
زقلت ومنهم سويد بن قيس العبدي ترجمه في الاصابة فذكر ان سماك بن حرب روى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم شترى منه رجل سراويل اخرجه احمد واصحاب السنن وفي رواية عنه جلبت انا ومخرمة العبدي بزا من هجر قاتيت مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى فساومنا سراويل فبعناه منه فوزن ثمنه وقلل للوازن زن وارجح
ومنهم عبد الرحمان بن عوف عده من البزازين ابن الجوزي في التلقيح زقلت & باب في سوق البزازين في المدينة على عهده صلى الله عليه وسلم &
في حديث ابي يعلى الموصلي بسند ضعيف جدا عن ابي هريرة قال دخلت
____________________
(2/32)
السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس الى البزازين فاشترى سراويل باربعة دراهم وكان لاهل السوق وزان يزن فقال له صلى الله عليه وسلم زن وارجح فقال الوزان إن هذه الكلمة ما سمعتها من احد القصة قال الزرقاني في شرح المواهب على قوله الى البزازين نسبة الى البز الثياب او متاع البيت من ثياب ونحوها وبائعه البزاز كما في القاموس وقد أخرج حديث الترجمة ابو سعد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى في تجارته صلى الله عليه وسلم & باب في العطار &
بوب البخاري في صحيحه لدى كتاب البيوع باب العطار وبيع المسك وخرج فيه عن ابي موسى الاشعري مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد ما يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه او تجد ريحه وكير الحداد يحرق ثوبك او تجد منه ريحا خبيثة وذكر الثعالبي في كتاب التمثيل والمحاضرة عن عمر أنه قال لو كنت تاجرا لما اخترت على العطر شيئا ان فاتني ربحه لم يفتني ريحه
زقلت قال العيني العطار على وزن فعال الذي يبيع العطر وهو الطيب هـوقال الحافظ في الفتح ليس في حديث الباب سوى ذكر المسك وكأنه الحق العطار به لاشترا كهما في الرائحة هـالطيبة زقلت & باب في الوزان في زمنه صلى الله عليه وسلم &
تقدم عن مسند ابي يعلى الموصلي من حديث ابي هريرة وكان
____________________
(2/33)
لاهل السوق وزان يزن فقال له صلى الله عليه وسلم زن وارجح وهو في معجم الطبراني الاوسط ايضا وأخرجه احمد في مسنده وفي سنده ابن زياد هو وشيخه ضعيفان قاله السيوطي في فتاويه قال الخفاجي في شرح الشفا أقول انجبر ضعفه بمتابعته هـومعنى قوله صلى الله عليه وسلم له زن اي زن التمر وارجحه اي زد عليه حتى ترجح الميزان اي بزيادة الكفة التي فيها الدراهم يقال وزن المعطي واتزن كالاخذ وفي تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكير لابي عبد الله العقباني التلمساني روى عن علي رضي الله عنه أنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له أتم الوزن بالقسط ثم ارجح بعد ذلك ما شئت كأنه أمره بالتسوية ليعتادها ويعمل الواجب وعن ابن عباس انكم معاشر الاعاجم وليتم امرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وخص الاعاجم لانهم يجمعون الكيل والوزن جميعا وكانا مفرقين في الحرمين كان اهل مكة يزنون واهل المدينة يكيلون هـوحديث اول الترجمة يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم مع كل صاحب حرفة بما يتعلق بحرفته ويقول له ما يزيده بها اغتباطا وبادابها واحكامها ارتباطا فهو اصل ما ذكره مسند اليمن ومفتيه الوجيه الاهدل في النفس اليماني لدى ترجمة شيخه عبد الصمد الجاوي أنه كان من طريقه اذا وصل اليه الطالب يسأله عن تفصيل حاله فاذا عرف ملازمته لخصلة خير أطال له المقال في مدحها وشرح له من احكامها وادابها ليزداد ملازمة لها ويكون على بصيرة من امره قال ولما وصلت اليه لم يزل يقرر لي اداب الفتوى وأن المفتي لا ينبغي له
____________________
(2/34)
أن يقتصر على مجرد السؤال بل اذا كان له المام بالواقعة لاحظها في جوابه فإن في ذلك مصالح دينية يعرفها الممارس في هذا الشأن هـ
تتمة تمام الحديث السابق عند الطبراني وابي يعلى أنه صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل باربعة دراهم وكان للسوق وزان فقال له زن وارجح وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السروايل فذهبت لاحمل عنه فقال صاحب الشيء احق بحمل شيئه الا أن يكون ضعيفا فيعجز عنه فيعينه اخوه المسلم فقلت يا رسول الله انك لتلبس السراويل قال اجل في السفر والحضر وبالليل والنهار فإني أمرت بالستر فلا أجد شيئا استر منه والحديث المذكور مستند ابن القيم في الهدى في جزمه بانه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل ولذا قال الخفاجي في شرح الشفا منه يعلم أن تخطئة ابن القيم لا وجه لها وكونه اشتراها ولم يلبسها بعيد جدا وقد لبسها عثمان وهو محاصر وكون الثمن اربعة دراهم هو المروي الا ما في الاحياء من أنه بثلاثة هـوانظر تاليف سيدنا الخال في المسألة وهو مطبوع & باب في الصراف & ذكر من كان يتجر في الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الصحيح عن ابى المنهال قال كنت أتجر في الصرف فسألت زيد بن ارقم رضي الله عنه والبراء بن عازب عن الصرف فقالا كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/35)
عن الصرف فقال ان كان يدا بيد فلا باس وان كان نسيئا فلا يصلح والصرف بيع الذهب بالفضة والنسأ التاخير
زقلت وفي زمن سيدنا عثمان كبر هذا السوق واحتيج الى مراقب ففي تاريخ الخميس للديار بكري لما تعرض لما نقم على سيدنا عثمان وأما دعواهم أنه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة ليراعي امر المثاقيل والموازين فتسلط بعد يومين او ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه فلما رفع ذلك لعثمان أنكره عليه وعزله وقد روي أنه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين لخ التجارة في العنبر والزئبق
ذكر صاحب عون المعبود على سنن ابي داوود أن الزعفران والعنبر والمسك والعود هذه الأربعة كانت موجودة في زمنه صلى الله عليه وسلم واستعملها الصحابة في حضرته وكذا بعده ثم ذكر أن النساءي أخرج عن محمد بن علي قال سألت عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطيب قالت نعم بدكارة بالكسر ما يصلح للرجال كالمسك والعنبر والعود انظر ص 348 من ج 3 وفي طبقات ابن سعد عن محمد بن علي قال قلت لعائشة يا أماه أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب قالت نعم بدكارة الطيب قلت وما دكارة الطيب قالت المسك والعنبر وفيها ايضا عن ابي سعيد الخدري قال ذكروا المسك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أوليس من اطيب الطيب وفيها عن ابن عمر كان اذا استجمر يجعل الكافور على العود ثم يستجمر به ويقول هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/36)
يستجمر وفيها في ترجمة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النجاشي لما زوجها من النبي صلى الله عليه وسلم أمر نساءه أن يبعثوا لها بكل ما عندهن من العطر قالت فلما كان من الغد أتتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يراه عندي وعلى فلا ينكر وفي شفاء الغليل للخفاجي نقل أن الغالية وقع ذكرها في الحديث وعن عائشة كنت أغلل لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجاحظ ومعجونات العطر كلها عربية مثل الغالية والشاهرية والخلوق واللخلخة والقطر وهو العود المطري والدريرة هو ترجم في الاصابة لعمرو بن كريب الطاءي فذكر أن له ادراكا وابنه هو الشاعر المشهور الذي أغار على الدواجين وهي ابل كانت تحمل امتعة التجار من العنبر والزئبق وغير ذلك في زمن الحجاج بالكوفة ذكر ذلك ابن الكلبي ثم ترجم لعمرو بن كلاب فقال له ادراك وهو الذي أنشد عمر يحرشه على عماله في ابيات
( اذا التاجر الهندي جاء بفارة ** من المسك راجت في مفارقهم تجري )
ذكره ابراهيم بن الحسن في غريبه من طريق ابن اسحاق عن يعقوب ابن عتبة عن الكوتر بن زفر حدثني ابو المختار عمرو بذلك زقلت حفر معدن الذهب
ترجم في الاصابة لابي حصين السلمي فقال ذكره البغوي وذكر ان الواقدي اخرج عن عبد الله بن يحيى عن عمر بن الحكم عن جابر
____________________
(2/37)
قال قدم ابو حصين السلمي بذهب من معدن فاتى به النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا هـ
قلت بسطه ابن سعد في الطبقات انظر تجرمة ابي حصين ص 9 من ج 4 وفي التجريد ابو الحصين السلمي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهب من معدن ذكره ابن عبد البر قال ابن سعد ابو حصين هـ& باب في بائع الرماح &
في الاستيعاب كان نوفل بن الحرث بن عبد المطلب يتجر في الرماح وبها فدى نفسه لما أسر في غزوة بدر وكانت الف رمح
زقلت وفي طبقات ابن سعد لما اسر نوفل بن الحارث ببدر قال له النبي صلى الله عليه وسلم افد نسفك برماحك التي بجده قال اشهد انك رسول الله ففدى نفسه بها وكانت الف رمح وفيها انه اعان النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بثلاثة آلاف رمح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كاني انظر الى رماحك يا ابا الحارث تقصف في اصلاب المشركين انظر ترجمته في ص 31 من ج 4 من الطبقات & باب في بائع الطعام &
في صحيح مسلم عن سالم بن عبد الله ابن اباه قال قد رايت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون ان يبيعوه في ياوون الى رحالهم
زقلت انظر ما سبق في ترجمة حاطب بن ابي بلتعة من طبقات
____________________
(2/38)
ابن سعد زقلت & باب بيع الصبيان &
ترجم في الاصابة لعبد الله بن جعفر فنقل ان البغوي خرج عن عمرو بن حريث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بيع الصبيان فقال اللهم بارك له في بيعه او صفقته وترجم فيها ايضا للاجلاج العامري فذكر ان ابا داوود والنساءي في الكبرى خرجا عنه كنا غلمانا نعمل في السوق الحديث زقلت & باب في بيع السكر &
اخرج الدار قطني في الافراد من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال جلب رجل من التجار سكرا الى المدينة فكسد عليه فبلغ عبد الله بن جعفر فامر قهرمانه ان يشتريه وينتهبه الناس ذكره في الاصابة زقلت بيع العقاقير
ذكر ابن رشد المرافعة التي وقعت بين ابي موسى الاشعرى وعبد الله بن مسعود في التحريم برضاع الكبير روان ابن مسعود قال لابي موسى انما انت مداوي ونقله ابن ابي زمنين وفسره بانه كان يبيع العقاقير كانه نفاه عن العلم بشغله بذلك انظر شرح ابي علي بن رحال علي المختصر في الرضاع زقلت المراة تبيع العطر
ترجم في الاصابة لاسماء بنت مخربة بالباء فذكر ان ابنها عباس بن
____________________
(2/39)
عبد الله بن ربيعة كان بعث اليها من اليمن بعطر فكانت تبيعه وفي الاستبصار في انساب الانصار وروى عن الربيع بنت معود بن عفراء قالت كانت اسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة وهي ام عباس وعبد الله بن ابي ربيعة فدخلت علي ومعها عطرها فسالتني فانتسبت لها فقالت اسماء انت بنت قاتل سيده يعني ابا جهل فقلت بل انا ابنة قاتل عبده قالت حرام علي ان ابيعك من عطري شيئا قلت وحرام علي ان اشتري منك شيئا فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك وانما قلت ذلك في عطرها لاغيظها وقد خرج قصتها هذه ابن سعد في ترجمتها من الطبقات وفيها من قول الربيع فلما جعلت لي في قواريري وزنت لي كما وزنت لصواحبي لخ القصة وترجم في الاصابة ايضا للحولاء العطارة فذكر أن ابا موسى أخرج من طريق ابي الشيخ بسنده الى انس قال كانت بالمدينة امرأة عطارة تسمى حولاء بنت ثويب وفي ترجمة مليكة والدة السائب بن الاقرع كانت تبيع العطر
زقلت الزراعة والغراسة
انظر لم اغفل هذه الترجمة الخزاعي مع اهمية الزراعة في نظر الاسلام وكثرة اعتناء الصحابة بها وقد اكثر سبحانه في كثير من الايات التذكير بما انعم به من اخراج الزرع والنباتات ووصف نفسه سبحانه بانه هو الذي اخرج للحاجات فقال تعالى ^ وهو الذي انزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء ^ اي بالماء نبت كل شيء فاخرجنا منه يعني الماء خضرا يعني اخضر نخرج به حبا متراكبا سنابل البر والشعير والارز والذرة
____________________
(2/40)
وسائر الحبوب يركب بعضه على بعض وقال تعالى ! ( وهو الذي أنشأ جنات معروشات ) ! وهو ما انبسط علي الارض وانتشر كالعنب والقرع وهو شجر الدباء والبطيخ وغيرها وغير معروشات الملجلاح على ساق كالنخل والزرع وسائر الاشجار ثم قال والنخل والزرع مختلف اكله اي ثمره وطعمه الحامض والمر والحلو والردي وقال تعالى ^ ومن الارض قطع متجاورات ^ اي متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض في الجوار ويختلف في التفاضل وجنات اي من بساتين من اعناب وزرع ونخيل صونان وغير صنوان والصنوان النخلات يجمعها اصل واحد تشعب منه الرؤوس فيكون نخلا وقال سبحانه ^ ينبت لكم الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون ^ وقال تعالى ! ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) ! وهي التي لا نبات فيها فنخرج به زرعا وقال تعالى ! ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا ) ! وقال ^ وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد وقال والارض وضعها للانام فيها فاكهة ^ الى قوله والحب يعني جميع الحبوب مماتحرث الارض من الحنطة والشعير وغيرهما ذو العصف يعني الورق اول ما يبدو وقال نخرج به حبا ونباتا وجنات الفافا يعني بساتين ملتفة وقال فلينظر الانسان الى طعامه انا صببنا الماء صبا الاية وقال جنتين من اعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا يعني جعلنا حول الاعناب النخل ووسط الاعناب الزرع كذا ذكره الثعالبي وغيره وفي احكام القرآن للامام الجصاص الحنفي على قوله تعالى هو أنشأكم من الارض
____________________
(2/41)
واستعمر كم فيها يعني أمدكم من عمارتها بما تحتاجون اليه وفيه الدلالة على وجوب عمارة الارض للزراعة والغراس والابنية هـانظر ص 165 من ج 3 وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ما قام الانصارية في نخل لها فقال لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعاا فياكل منه انسان او دابة او طير او سبع الا كانت له صدقة وهو في صحيح البخاري على وجه اخر وبوب عليه بقولة باب فضل الزرع والغرس اذا أكل ام مبشر القرطبي المفسر أنه كذلك في الغرس والزرع وروى البزار وابو نعيم في الحلية عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع يجري اجرهن للعبد وهو في قبره من علم علما او اجري نهرا او حفر بيرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او ورث مصحفا او ترك ولدا يستغفر له بعد موته قال ابو نعيم ولا يخالف الحديث الصحيح فقد قال فيه الا من صدقة جارية وهي تجمع ما ورد من الزيادة قال المنذري وقد رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه بنحوه من حديث ابي هريرة وفي ترجمة سعد بن معاذ الانصاري من الاصابة روى الخطيب في المتفق باسناد واه وابو موسى في الذيل بإسناد مجهول عن الحسن عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع استقبله سعد بن معاذ الانصاري فقال ما هذا الذي أرى بيدك فقال اثر المسحاة أضرب وأنفق على عيالي فقبل النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال هذه يد لاتمسها النار ووقع في رواية ابي موسى سعد الانصاري هـ
قلت في هذه القصة عجيبة وهي تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/42)
يد صحابي لاجل ضربه الارض بالفاس وأخرج الحاكم وابن ابي الدنيا في التوكل والعسكري في الامثال والدينوري في المجالسة عن معاوية بن قرة قال لقي عمر بن الخطاب ناسا من اهل اليمن فقال من انتم فقالوا متوكلون قال كذبتم ما انتم متوكلون انما المتوكل رجل القى حبه في الارض وتوكل على الله وفي مسند عمر بن عبد العزيز قال ابن شهاب أرسل الي عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فقال جاء سعد بن خالد بن عمرو بن عثمان فقال يا امير المومنين أقطعني الشديد فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل غرس غرسا الا أعطاه الله من الاجر عدد الغرس والثمر وأخذ بنفسى اسمعت هذا فقلت نعم وأشهد على عطاء بن يزيد أنه سمعه من ابي ايوب يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج أحمد والطبراني من طريق مسلم بن بديل عن اياس بن زهير عن سويد بن هبيرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير المال مهرة مامورة او سكة مابورة قال في المختار المهر ولد الفرس والجمع امهار والانثى مهرة والمابورة المصلحة وفي المختار وأبر نخله لقحه وأصلحه ومنه سكة مابورة هـوفي الصحيح عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من اهل البادية ان رجلا من اهل الجنة استاذن ربه في الزرع فقال الله تعالى ألست فيما شئت فقال بلى و لكن أحب أن أزرع قال فبذر اي ألق البذر على اهل الجنة فبادر الطرف نباته واستحصاده فكن امثال الجبال فيقول الله دونك يا بن ادم فإنه لا يشبعك شيء فقال الاعرابي والله لن تجده الا قرشيا او انصاريا فإنهم
____________________
(2/43)
اصحاب زرع وأما نحن فلسنا باصحاب زرع فضحك النبي صلى الله عليه وسلم قال الحبشي في كتاب البركة ففي هذا فوائد منها دلالته على فضل الزرع وفيه أن المهاجرين والانصار كانوا مزارعين لقول الاعرابي إنك لن تجده الا انصاريا اومهاجريا وهذا اكثر حجة ودلالة اذا المهاجرون والانصار هم افضل الامة كأنوا اهل زرع لاكن قال العارف الفاسي في تشنيف المسامع المعروف بالزراعة انما هم الانصار وأما قريش فانما لهم التجارة لا الفلاحة اذ ليست مكة بلاد زرع
قلت ذلك صحيح بحسب الاصل والا فالمهاجرون بعد الهجرة زرعوا واتجروا فالخبر على حاله واخرج ابو داوود في مراسيله عن علي ابن الحسين مرسلا احرثوا فان الحرث مبارك واكثروا فيه من الجماجم وفي لفظ اخر يا معشر قريش انكم تحبون الماشية فاقلوا منها فانكم باقل الارض مطرا واحرثوا فان الحرث مبارك واكثروا فيه من الجماجم خرجه ابو داوود ايضا والبيهقي واخرج الديلمي عن ابي مسعود رفعه لما خلق الله المعيشة جعل الله البركات في الحرث والغنم وفي الصحيح عن ابي هريرة وان اخواني من الانصار كان يشغلهم عمل اموالهم قال القسطلاني في الزراعة والغراسة وفيه عن ابن عمر انه صلى الله عليه وسلم عامل اهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع او ثمر وبوب عليه البخاري باب المزارعة مع اليهود وفي الصحيح ايضا وكان يعطي ازواجه مائة وسق ثمانون تمرا وعشرون شعيرا و قسم عمر خيبر فخير ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ان يقطع لهن من الماء والارض او يمضي لهن فمنهن من اختارت الارض
____________________
(2/44)
ومنهن من اختارت الوسق وكانت عائشة وحفصة ممن اختارت الارض قال القسطلاني وفي هذا الحديث جواز الزراعة والتجارة لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك واستمراره في عهد ابي بكر الى ان اجلاهم عمر وبه قال ابن خزيمة وابن المنذر وصنف فيه ابن خزيمة جزءا بين فيه علل الاحاديث الواردة هـوقال الحبشي وفي هذا فوائد منها اختيار عائشة وحفصة افضل ازواجه صلى الله عليه وسلم منهن الارض فيزدر عنها قال البخاري وزارع علي وسعد وابن مسعود قال الحبشي وقد عد العلماء الزراعات من فرض الكفاية في كثير من المصنفات لانه لا يقوم الدين والدنيا الا بهافان كالنخل والعنب وغيرهما فان تركها كل الناس اثموا كلهم انظر كتاب البركة وقال القاري في شرح المشكاة على حديث لا يدخل هذا اي المحراث بيت قوم الا دخله الذل وهو في الصحيح عن ابي امامة قال بعض علمائنا ظاهر هذا الحديث ان الزراعة تورث المذلة وليس كذلك لان الزراعة مستحبة لان فيها نفعا للناس ولخبر اطلبوا الخير من خباياها بل انما قال ذلك ليلا يشتغل الصحابة بالعمارات وترك الجهاد فيغلب عليهم العدو واي ذل اشد من ذلك وقيل هذا في حق من يقرب العدو ولانه لو اشتغل بالحرث وترك الجهاد لادى الى الذل بغلبة العدو عليه هـوفي النهاية لابن الاثير على حديث ما دخلت السكة دار قوم الا ذلوا اي التي تحرث بها الارض اي ان المسلمين اذا اقبلوا على الدهقنة والزراعة شغلوا عن الغزو واخذ السلطان بالمطالبات والجبايات وقريب من هذا الحديث قوله العز في نواصي الخيل والذل في اذناب البقر
____________________
(2/45)
هـمنها ونقل الفتني في مجمع بحار الانوار عن الكرماني على الحديث المذكور والحاصل ان فيها ذل الدنيا وعز الاخرة لما فيها من الثواب بانتفاع ذي كبد وهو افضل المكاسب على الصحيح ونقل عن الطيبي في شرح المشكاة وجه الذل ان اختياره لجبن في النفس او قصور في الهمة واكثرهم يلزمون بالحقوق السلطانية ولو اثروا الجهاد لدرت عليهم الارزاق واتسعت المواهب هـكما قرر ابن خلدون في مقدمة العبر ان الفلاحة من معاش المستضعفين من البدو وعلل ذلك بسببين قال الثاني ان منتحلها مخصوص بالهوان والذلة ففي الحديث انه صلى الله عليه وسلم قال وقد رءا السكة في بعض الانصار ما دخلت هذه دار قوم الا دخلها الذل لاكن حمله البخاري على الاستكثار منها قال وبه والله اعلم ما يتبعها من المضرة المفضي لتحكم اليد الغالبة الى مذلة المغلوب وقهره هـقال ابن الازرق اثره في بدائع السلك ووجه اخر ان الاكثار منها مظنة لنسيان الدفاع عن البلاد الذي به العز والحماية كما يلوح من توجيه البخاري ويشهد له ماراه الامام احمد عن ابن عمر رفعه اذا تبايعتم بالعينة واخذتم باذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم هـوقال القسطلاني كان العمل في الاراضي اول ما فتحت على اهل الذمة فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك قال في الفتح وقد اشار البخاري الى الجمع بين حديث ابي امامة والحديث السابق في فضل الغرس والزرع وذلك باحد امرين اما ان يحمل على ماورد من الذم على ذلك ومحله اذا اشتغل به فضيع ما امر بحفظه واما ان يحمل
____________________
(2/46)
على ما اذا لم يضيع الا انه جاوز الحد فيه هـوفي السير انه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الجلوس في الحيطان البساتين والصلاة فيها وقد روى ابن سعد وابن المنذر قال في الفتح باسناد صحيح عن مسروق عن عائشة قالت لما مرض ابو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الامارة فابعثوا به الي الخليفة بعدي فلما مات نظرنا فاذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وناضح كان يسقي بستاتا له ففيه انه كان له بستان وانه كان يقوم عليه بالرعاية وقال الامام السخاوي وقد تكون الكثرة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم لانس باللهم اكثر ماله وولده هي الكثرة من المواشي وكذا من الزرع والغرس الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه كما في صحيح مسلم ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا فياكل منها انسان او بهيمة الا كان له صدقة وذلك كان اكثر احوال الانصار ويستانس له بما ورد انه كان له بستان يحمل في السنة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك هـوفي ترجمة ربعية بن كعب الاسلمي من طبقات ابن سعد قصة عجيبة تدل على اهتمام كبار الصحابة بالارض وغلتها وثمرها قال انا مسلم بن ابراهيم قال ثنا الحارث بن عبيد ثنا ابو عمران الجوني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع ابا بكر وربيعة الاسلمي ارضا فيها نخلة مائلة اصلها في ارض ربيعة وفروعها في ارض ابي بكر فقال ابو بكر هي لي وقال ربيعة هي لي حتى اسرع اليه ابو بكر ثم انطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدره ربيعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اجل فلا ترد عليه قال فحول ابو بكر وجهه الى الحائط
____________________
(2/47)
يبكي قال وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالفرع لمن له الاصل انظر ترجمة ربيعة بن كعب الاسلمي ص 44 من ج 4 ويظهر أن ابا بكر بكى على عدم اصابة ظنه اولا وتسرعه الى طلب ما لاحق له فيه حتى احتاج الى التداعي والترافع اليه صلى الله عليه وسلم وفي خطط المقريزي ص 154 من ج 1 أن سيدنا عمر قال من كانت له ارض ثم تركها ثلاث سنوات لا يعمرها فعمرها قوم اخرون فهم احق بها ونحوه في صناجة الطرب في تقدمات العرب وزاد ووصل النيل لجون العرب بواسطة خليج القلزم كما كان صنع البطالسة والفراعنة وخصص ثلث ايراد مصر لعمل الجسور والترع لارواء الاراضي هـانظر ص 306 منها
قلت يوخذ أن عمر خصص ثلث ايراد مصر لعمل الجسور والترع لاصلاح الري من التقرير الجغرافي الذي بعثه عمرو بن العاص لسيدنا عمر وقد أثبتناه بنصه في القسم العاشر العلمي اتذره ولا بد وبذلك تعلم ايضا أنه كان من مبدإ عمر تقوية الزراعة وتنشيط الزراع وأما ما جاء في ترجمته من أنه كان تقدم للعمال بان لا ياذنوا لاحد من جنود المسلمين أن يزرع او يزارع في البلاد المفتحة كما في تاريخ ابن جرير وغيره وأن لا يقطعوا ارضا لاحد منهم البتة فذلك لامور اولها كي لا يزاحم المسلمون اهل الذمة والعهد في ارضهم ويضيقوا عليهم في معيشتهم والامرالثاني كي لا يالف الجنود العمل في الارض في ابان الفتح فتميل نفوسهم الى الراحة من عناء الحرب والامة حربية لم يان لها اطراح لامة القتال واعتزال الحرب الثالث كي تبقى الارض بيد اهلها مادة تسمد منها الدولة ما
____________________
(2/48)
يقوم بشئونها العسكرية والادارية ولا يحتكرها المقتطعون من الجند وفي العتبية قال مالك عن يحيى بن سعيد ان عمر بن الخطاب كان يقول من كانت له ارض فليعمرها ومن كان له مال فليصلحه فيوشك ان ياتي من لا يعطي الا من أحب قال ابن رشد في البيان والتحصيل انما أوصى بحفظ اموالهم بالقيام عليها مخافة أن يضيعوها اتكالا منهم على اعطيات الامام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال وهذا من اضاعة المال هـوقد وقع في المدونة والعتبية أنه كان بين رجلين من الصحابة خصومة في ارض لهما فركب عثمان ايام خلافته وركب معه رجال فلما ساروا قال له رجل إن عمر قد قضى فيه فقال عثمان ما أنظر في امر قضى فيه عمر فرجع قال ابن رشد في البيان والتحصيل ايضا وكانت الخصومة بين علي بن ابي طالب وطلحة في ظفير سد بفحة من الوادي بين ضيعتهما فوكل علي عبد الله بن جعفر فتنازعا فيه الخصومة بين يدي عثمان فركب من الغد في المهاجرين والانصار ثم رجع لما بلغه أن عمر كان ذلك في ايامه فلما أخبر بذلك عبد الله بن جعفر عليا قال له قم الان الى طلحة فقل له إن الظفير لك فاصنع به ما بدا لك فأتيته فأخبرته فسر بذلك ثم دعا بردائه ونعليه وقام معي حتى دخلنا على علي فرحب به وقال الظفير لك فاصنع به ما بدا لك فقال قد قبلت وبي حاجة فقال علي ماهي قال طلحة أحب أن تقبل الضيعة مني مع من فيها من الغلمان والدواب والالة قال علي قد قبلت قال ففرح طلحة وتعانقا وتفرقا قال عبد الله لا أدري ايهما اكرم أعلي اذ جاد بالظفيرة ام طلحة اذ جاد بالضيعة
____________________
(2/49)
بعد ضنه بمسقاه هـفهذا يدل على أن الحراثة كانت شائعة وبلغ الاهتمام بها الى درجة الخصومة فيها من مثل علي وطلحة وتوكيل علي ابن اخيه وخروج الخليفة في المهاجرين والانصار للفصل فيها وفي الوفا للسيد السمهودي أنه كان بالمدينة وما حولها عيون كثيرة تجددت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان لمعاوية اهتمام بهذا الباب ولهذا كثرت في ايامه الغلال باراضي المدينة فقد نقل الواقدي في كتاب الحرة أنه كان بالمدينة في زمن معاوية صوافي كثيرة وأن معاوية كان يحرث بالمدينة واعراضها مائة الف وسق وخسمين الف وس ويحصد مائة الف وسق حنطة هـمنها ص 152 من ج 2 وفي الكشاف لجار الله الزمخشري على قوله تعالى واستعمركم فيها وأمركم بالعمارة والعمارة متنوعة الى واجب وندب ومباح ومكروه وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الانهار وغرس الاشجار وعمروا الاعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا فسأل الله نبي من انبياء زمانهم عن سبب تعميرهم فأوحى الله اليه انهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي
وعن معاوية بن ابي سفيان أنه أخذ في احياء الارض في اخر عمره فقيل له في ذلك فقال ما حملني عليه الا قول القائل
( ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ** ولا تكون له في الارض اثار )
ولم يذكر اسم الشاعر في الكشاف وذكره في ربيع الابرار في موضعين قال في الروضة الثانية عشر غرس معاوية نخلا بمكة في اخر خلافته فقال ما غرستها طمعا في ادراكها ولاكن ذكرت قول الاسدي ليس
____________________
(2/50)
الفتى لخ وقال في الروضة الثالثة عشر قال بعض الاشراف لابنه حسن اثارك في الدنيا وسمع قول الشاعر ليس الفتى لخ انظر الطريفة والمتالدة وفي كتاب حسن الصناعة في البحث عن الزراعة ومن الوصايا في اصلاح المرء ضيعته ماروي أنه قيل لابي هريرة ما المروءة قال تقوى الله واصلاح الضيعة وقال قيس بن عاصم لبنيه عليكم باصلاح المال فانه منبه للكريم ويستغنى به عن اللئيم وقال عتبة بن ابي سفيان لمولاه اذ ولاه امواله تعهد صغير مالي فيكبر ولا تضيع كبيره فيصغر وفي شرح الحطاب وابي علي بن رحال على المختصر ما نصه قال الشيخ يوسف بن عمر من كانت له شجرة وضيعها بترك القيام بحقها فانه يومر بالقيام بها فان لم يفعل فانه ما ثوم وقاله الجزولي ايضا وزاد ويقال له ادفعها لمن يخدمها مساقاة بجميع الثمرة هـانظر باب النفقات
وقال الامام ابن حزم الاندلسي اعلموا أن الراحة واللذة والسلامة والعز والاجر في اصحاب فلاحة الارض وفلاحة الارض اهنأ المكاسب جملة هـوفي كشف الظنون عن بعض العلماء لو علم عباد الله رضاء الله في أحياء ارضه لم يبق في وجه الارض موضع خراب
وانما أطلت في هذه الترجمة للرد على من يشين الاسلام بكونه جاء ناهيا عن الزراعة حتي قال لي مرة بعض علماء الافرنج ان في القرآن لعن المحراث والحارث فقلت له القرآن جاء بعكس ما تنسب له وأرشدته الى بعض ما سبق فعجب
وقد ألف المسلمون في علم الفلاحة واستخراج المياه من الارض عدة مصنفات كالكرخي وابي حنيفة الدينوري له
____________________
(2/51)
كتاب النبات والشجر وابى زكريا يحيى بن محمد بن العوام الاندلسي الاشبيلي من اهل المائة السادسة له كتاب في الفلاحة طبع بمدريد في جزءين استعان في كتابه هذا بنيف وستين من كتب اليونان والرومان والعرب وكان يطبق ما فيه على الفلاحة العملية التي أجراها بارض بقرب اشبيلية
وللشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي علم الملاحة في علم الفلاحة طبع بدمشق
ولابن وحشية الكلداني كتاب في الفلاحة النبطية وكان كلف المستعين بالله العباسي في بغداد قسطا بن لدما الطبيب البعلبكي بترجمة الكتب اليونانية وله كتاب الفلاحة اليونانية ترجمه الى الى العربية عن ترجمة سريانية وهو مطبوع بمصر ولاهل الاندلس الكثير الطيب في هذا العلم وبمكتبتنا بعضها زقلت الخرازة
ترجم ابن سعد في الطبقات وابن حجر في الاصابة لزينب بنت جحش فذكر انها كانت امرأة صناع اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله هـونحوه في التوشيح للحافظ الاسيوطي انظر ص 150 من اختصاره & باب في الثمار &
سمى ابن فتحون في كتابه في الصحابة نبهان فوصفه بالثمار وذكر قصة فيها بيعه للثمر
زقلت ترجم في الاصابة لسيمونة ويقال سيما البلقاوي كان نصرانيا قدم المدينة بالتجارة فأسلم وذكر عنه أنه حمل القمح من البلقاء الى المدينة قال فبعنا وأردنا أن نشتري الثمر فمنعونا
____________________
(2/52)
فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما يكفيكم رخص هذا الطعام بغلاء هذا الثمر الذي يحملونهم ذروهم
فائدة في فتح الباري اصناف ثمر المدينة كثيرة جدا فقد ذكر الشيخ ابو محمد الجويني في الفروق أنه كان بالمدينة فبلغه أنهم عدوا عند اميرها صنوف الثمر الاسود خاصة فزاد على الستين قال والثمر الاحمر اكثر من الاسود عندهم
زقلت المسافة التي كان ياتي منها الزرع وغيرة
كان ياتي من البلقاء وهي من ارض الشام الى المدينة يوخذ ذلك من القصة المذكورة عن الاصابة وأخرج البخاري في البيوع قال بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم اذا أقبلت من الشام عير تحمل طعاما فالتفتوا اليه حتي ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم الا اثني عشر رجلا فنزلت واذا رأوا تجارة اولهوا انفضوا اليها وانظر ايضا ترجمة جلب دقيق الحواري والسمن والعسل من الشام الى المدينة فيما سياتي وذلك يدل على أن المدينة صارت سوق العرب تقصد بالبضائع من الاطراف البعيدة وانظر ترجمة نبهان الانصاري من الاصابة وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي أن عمر اول من حمل الطعام من مصر في بحر ايلة البحر الاحمر الى المدينة
قلت وذلك في الخليج الذي فتح بعد فتح مصر وكان يمتد من الفسطاط الى السويس والذي تولى حفره عمرو بن العاص في خلافة سيدنا عمر فعرف بخليج امير المومنين وصار الصلة العظمى بين مصر والبحر
____________________
(2/53)
الاحمر والهند وسبب حفره على ما في الخطط للمقريزي أن الناس في المدينة قحطوا فأعانهم عمرو بن العاص بعير اولها كان بالمدينة واخرها بمصر فأمر عمر بفتح هذا الخليج ليتيسر النقل في البحر بدل الظهر فلم يات الحول حتي سارت فيه السفن فصار يحمل فيه ما يراد للحرمين الشريفين ثم غلب عليه الرمل فانقطع اخر الدولة الاموية انظر الخطط المقريزية والخطط التوفيقية ففيهما كلام مشبع عن هذا الخليج ونقل الثاني ص 120 من ج 19 عن الكندي في كتاب الجند العربي أن عمرو بن العاص حفره في سنة 23 وفرغ منه في ستة اشهر وجرت فيه السفن ووصلت الى الحجاز في الشهر السابع ثم نقل عن ابن الطوير أن مسافته خمسة ايام وكانت المراكب النيلية تفرغ وتحمل منه من ديار مصر بالقلزم فاذ فرغت حملت من القلزم ما وصل من الحجاز وغيره الى مصر وكان مسلك التجار وغيرهم وذكر ايضا أنه بقي مفتوحا الى زمن ابي جعفر المنصور ولما ظهر محمد النفس الزكية بالحجاز أمر عامله على مصر بردم خليج مصر لقطع الميرة عن البلاد الحجازية فردم وصار نسيا منسيا وبقي كذلك الف سنة الى أن حفرت الترعة اخيرا وذكر ايضا أن عمر ربما توقف في فتح هذا الخليح قائلا ان هذا الاتصال ربما أوجب اغارة الروم وهجومهم على الحجاز ولذا قال علي مبارك في ص 124 من ج 19 ان فتح ترعة البرزخ في زمانه اخر القرن المنصرم فتح على مصر ابواب لم يكن من قدرتها اقفالها هـوقال غيره من الكتاب المعاصرين ان فتح خليح السويس كان من اشد الافات على ممالك الشرق هـفرضي الله عن عمر ما اصدق حدسه
____________________
(2/54)
فائدة بتأملك لهذه االترجمة تفهم ان سيدنا عمر رضي الله عنه أذن اخيرا للمسلمين بعد اتقانهم للعلوم البحرية في ركوب البحر والجلب فيه والوسق فما نقل عنه من نهيه الناس عن ركوب البحر واستعماله كان وقت جهل المسلمين بعلومه ولما كملت علومه لدا العرب اتخذ معاوية الاسطول كما سبق في محله عن ابن خلدون والمقريزي وفي بدائع السلك للقاضي ابن الازرق ان ابن المناصف اعتذر عن عمر في منعه ركوب البحر بان العرب لم يكن لها اذ ذاك علم باحواله وبعد تبحرهم في علوم البحر حفر الخلجان والترع واتخذها واستعملها كما في هذه الترجمة وبعد هذا وجدت في ترجمة علقمة بن مجزر المدلجي من الاصابة نقلا عن الطبري ان في سنة 20 بعث عمر علقمة في جيش الى الحبشة في البحر فأصيبوا فجعل عمر على نفسه ان لا يحمل في البحر احد فأخذ من هذا السياق سبب منعه كانه حداد على الغرقى وبعده اصدر حفيده ومحيي اثره امير المومنين عمر بن عبد العزيز منشوره العام الى الامة الذي هو كالقانون الاساسي لدولته ومن جملة ما جاء فيه واما البحر فاننا نرى سبيله سبيل البر قال الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بامره ولتبتغوا من فضله فاذن أن يتجر فيه من شاء وأرى ان لا تحول بين احد من الناس وبينه فان البحر والبر لله جميعا سخرهما لعباده يبتغون فيهما من فضله فكيف تحول بين عباد الله وبين مكاسبهم هـمن فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم
____________________
(2/55)
بائع الدباغ
ترجم ابن عبد البر لسعد بن عائذ المؤذن مولى عمار بن ياسر المعروف بسعد القرظ وانما قيل له سعد القرظ لانه كان كلما اتجر في شيء وضع فيه فاتجر في القرظ فربح فيه فلزم التجارة فيه
زقلت القرظ شجر يدبغ به وفي مختار الصحاح القرظ ورق السلم يدبغ به وقيل قشر البلوط وفي مادة سلم منه ايضا والسلم شجر من الغضاة الواحدة سلمة قال القاضي في المشارق ان سعدا سمي به لانه كان يتجر فيه
قلت زاد في الاصابة ان البغوي روى عن القاسم بن الحسن بن محمد بن عمر بن حفص بن عمرو بن سعد القرظ عن آبائه ان سعدا اشتكي الى النبي صلى الله عليه وسلم قلة ذات يده فامره بالتجارة فخرج الى السوق فاشتري شيئا من قرظ فباعه فربح فيه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فامره بلزوم ذلك قال الشيخ الطيب بن كيران في شرح الفية العراقي في السير ففيه ان من رزق من باب فليلزمه هـوقد سبق ان أم المومنين زينب بنت جحش كانت امرأة صناع اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق وفي طبقات ابن سعد عن اسماء بنت عميس قالت اصبحت في يوم الذي اصيب فيه جعفر واصحابه فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد هنأت يعني دبغت اربعين اهابا من ادم وعجنت عجيني فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة زقلت
____________________
(2/56)
& باب في الاديم الجلد الطائفي &
ترجم في الاصابة خليسة جارية أم المومنين حفصة بنت عمر بن الخطاب فذكر فيها ان سودة احدى امهات المومنين كانت تعمل الاديم الطائفي الحطاب
ذكر ابن رشد في البيان والتحصيل قصة اصلها في جامع الترمذي وسنن النساءي وهي ان رجلا من الانصار اتى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي اليه الفاقة ثم عاد فقال يا رسول الله لقد جئت من اهل بيت ما ارى ان ارجع اليهم حتى يموت بعضهم قال انطلق هل تجد من شيء فانطلق فجاء بحلس حلس البيت ما يفرش من تحت المتاع ونحوه فقدم فقال يا رسول الله هذا الحلس كانوا يفرشون بعضه ويلتفون ببعضه وهذا القدح كانوا يشربون فيه فقال من يأخذهما مني بدرهم فقال رجل انا فقال من يزيد على درهم فقال رجل انا اخذها بدرهمين فقال هما لك فدعا بالرجل فقال اشتر بدرهم طعاما لاهلك وبدرهم فاسا ثم ائتنى ففعل ثم جاء فقال انطلق الى هذا الوادي فلا تدعن شوكا ولا حطبا ولا تاتيني الا بعد عشر ففعل ثم اتاه فقال بورك فيما امرتني به فقال هذا خير لك من أن تاتي يوم القيامة في وجهك نكتة من المسألة او خموش من المسألة
الخموش الخدش في الوجه الدلال وهو السمسار
في الصحيحين عن طاوس عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/57)
ان يتلقى الركبان وان يبيع حاضر لباد وفي البخاري عن طاوس عن ابيه سألت ابن عباس ما معنى قوله لا يبيعن حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا
زقلت قال شيخنا في الفجر الساطع المراد بالسمسار هنا هو المتولي العقد بين البائع والمشتري باجر كالسماسرة القاعدين بالحوانيت وليس المراد به كما سبق هـوفي فتح الباري السماسرة بمهملتين هو في الاصل القيم بالامر والحافظ له ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره هـوفي القاموس السمسار بالكسر المتوسط بين البائع والمشتري قال الشمس ابن الطيب الفاسي في حواشيه قلت هو الذي يسميه الناس الدلال فانه يدل المشتري على البائع وهو لفظ اعجمي كما قاله الخطابي في معالم السنن وغيره واغفل المص ذلك هـوقد الف في مسألة السماسرة واحكامهم ابو العباس الابياني التونسي النساج
زقلت قال العيني بفتح النون وتشديد السين المهملة وفي آخره جيم ويلتبس بالنساخ بالخاء المعجمة في الصحيح عن سهل بن سعد قال جاءت امرأة ببردة منسوجة قال اتدرون ما البردة كساء مخطط وقيل كساء مربع اسود فقيل نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها فقالت يا رسول الله اني نسجت هذه بيدي فجئت اكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث
____________________
(2/58)
زقلت ترجم على الحديث ايضا البخاري فقال في كتاب البيوع باب النساج ثم ذكره قال العيني قولها منسوجة وقولها اني نسجت لا يدل على النساج ضرورة هـوأخرج الحديث المذكور ايضا البخاري ايضا في ابواب من استعد للكفن من ابواب الجنائز فانظره فيهما
وفي الاحياء في اواخر كتاب الفقر والزهد من ربع المنجيات عن سنان بن سعد قال حكت للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من صوف وجعلت حاشيتها سوداء فلما لبسها قال انظروا ما أحسنها وما أبهجها فقام اليه اعرابي فقال يا رسول الله هبها لي قال فكان اذا سئل شيئا لم يبخل به فدفعها اليه وأمر أن تحاك له جبة أخرى فمات وهي في المحاكة لخ قال العراقي في تخريج احاديث الاحياء أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث سهل بن سعد وهو عند الطبراني في القضية الاخيرة ووقع في كثير من نسخ الاحياء سنان بن سعد وهو غلط هـونقله الحافظ في الاصابة عنه وأقره
قلت وبذلك تعلم ما في قول الحافظ ابن القيم في الطرق الحكمية لم يكن في المدينة حائك بل كان يقدم عليهم بالثياب من اليمن والشام وغيرهما فيشترونها ويلبسونها هـمنه
قلت خصوصا وفي القصة السابقة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما خرج بالبردة التي صنعت له المرأة فاستحسنها فلان فكساه اياها قال الحافظ في الفتح في الجنائز وأفاد الطبراني في رواية زمعة بن صالح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن تفرغ هـانظره وأخرج ابو داوود الطيالسي عن سعد بن سهل قال توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله
____________________
(2/59)
جبة صوف في الحياكة وروى ابو الشيخ عنه قال خيطت للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من صوف انمار فلبسها الحديث كما سبق الخ وفي تلبيس ابليس للحافظ ابن الجوزي كان الزبير بن العوام وعمرو بن العاص وعامر ابن كريز خزاز بن اي يعملون الخز وهي نساجة تنسج الصوف وابريسم الخياط
زقلت هو بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء قال العيني في العمدة ويلتبس هذا بالحناط بفتح الحاء المخملة وتشديد النون وهو بياع الحنطة وبالخباط بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء وهو بياع الخبط منهم عيسى ابن ابي عيسى كان خياطا ثم صار خباطا
وفي طبقات ابن سعد عن عائشة قالت كان صلى الله عليه وسلم يعمل عمل البيت وكثيرا ما يعمل الخياطة في المعارف لابن قتيبة كان عثمان بن طلحة الذي دفع اليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة خياطا وذكره ابن دريد في الوشاح
زقلت ونحوه لابن الجوزي في تلبيس ابليس
وأخرج ابن عساكر والخطيب عن سهل بن سعد رفعه عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء المغزل وفي الصحيح أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه له قال فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ذلك الطعام وعليه بوب البخاري في كتاب البيوع فقال باب الخياط وذكر الحديث المذكور قال العيني في العمدة قال الخطابي وفيه جواز الاجرة على الخياطة ردا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرءية ولا صفات معلومة وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره
____________________
(2/60)
البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار لان هؤلاء الصناع انما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والخشب والفضة والذهب وهي امور من صنعة يوقف على حدها ولا يختلط بها غيرها والخياط انما يخيط الثوب في الاغلب بخيوط من عنده فجمع الى الصنعة الالة واحداهما معناها التجارة والاخرى الاجارة وحصة احدهما لا تتميز من الاخرى وكذلك هذا في الخراز والصباغ اذا كان يغرز بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس الا ان النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه الحالة اول زمن الشريعة فلم يغيرها اذ لو طولبوا بتغييرها لشق عليهم فصار بمعزل من موضع القياس والعمل به ماض صحيح لما فيه من الارفاق هـزقلت النجار
تقدم في ذكر المنبر النبوي الخلاف في اسم صانعه وهنالك مايدل على استظهار أن سبعة من المحترفين بهذه الصنعة اجتمعوا على صنعه كما سبق قول العباس في غلام له نجار اعمل للناس وكما سبق أنه صلى الله عليه وسلم رمى اهل الطائف بالمنجنيق وأن جماعة من الصحابة زحفوا الى جوار الطائف ليحرقوه تحت دبابة وأن نار هذه الدبابة اول دبابة صنعت في الاسلام مما يدل على أن هذه الصناعة كانت نافقة في الزمن النبوي زقلت المهد للصبيان
وجدت في الاصابة في ترجمة ابراهيم بن المصطفى صلى الله عليه وسلم ان
____________________
(2/61)
اسماعيل السدي روى عن انس قال كان ابراهيم قد ملا المهد فدل على وجوده في ذلك الزمن وعلى صانعه وفي كتب السير والموالد ذكر المهد له صلى الله عليه وسلم قال الشهاب الحلواني في مولده الكبير المهد سرير المولود الذي يربى فيه ويحرك به لينام ويطلق على الفراش ايضا مجازا مرسلا على زمن الطفولية
وفي الرقائق أن ابن ابي ذيب كلم المنصور فأغلظ له القول وقال والله يا امير المومنين اني انصح لك من ابنك المهدي ثم لقي سفيان فقال له يا ابا الحرث لقد سرنا ماخاطبت به هذا الجبار لاكني ساءني قولك له ابنك المهدي فقال يغفر الله لك يا ابا عبد الله كلنا مهدي كلنا كان في المهد هـوفي الخصائص الكبرى للحافظ السيوطي قال ابن الطراح رأيت في كتاب الترقيص لابي عبد الله محمد بن المعلى الازدي أن من شعر حليمة لما كانت ترقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم
( يارب اذ اعطيته فابقه ** واعله الى العلا وارقه )
( وادحض اباطيل العدا بحقه ** )
وفي ترجمة عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب من الاصابة يقال ان الزبير بن عبد المطلب كان يرقص النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ويقول
( محمد بن عبدم ** عشت بعيش انعم ** في عز فرع اسنم )
وفي ترجمة الشيماء بنت الحارث من الاصابة ذكر محمد بن المعلى الازدي في كتابه الترقيص قال وقالت الشماء ترقص النبي صلى الله عليه وسلم
( يا ربنا ابق لنا محمدا ** حتى اراه يافعا وامردا )
____________________
(2/62)
( ثم اراه سيدا مسودا ** واكبت اعاديه معا والحسدا )
( واعطه عزا يدوم ابدا ** )
قال فكان ابو عروة الازدي اذا انشد هذا يقول ما احسن ما اجاب الله دعاها زقلت صانع الاقداح من الخشب للشرب
في سيرة ابن اسحاق من قصة لابي رافع وكنت اعمل الاقداح انحتها في حفرة زمزم ونحوه في ترجمته من طبقات ابن سعد الصواغ
صاغ الشيء صوغا وصياغة سبكه
زقلت وقال العيني في العمدة الصواغ بفتح الصاد على وزن فعال بالتشديد هو الذي يعمل الصياغة وبضم الصاد جمع صائغ هـوقال القسطلاني الصواغ صائغ الحلي بوب البخاري باب ما قيل في الصواغ ثم خرج عن علي انه لما اراد ان يبني بفاطمة عليها السلام قال وعدت رجلا صواغا من بني قينقاع شعب من يهود المدينة ان يرتحل معي فناتي باذخر اردت ان ابيعه من الصواغين واستعين به في وليمة عرسي وفي الصحيح ايضا قول العباس رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه لنبات مكة الا الاذخر لصاغتنا وسقفا لبيوتنا
زقلت قال الحافظ في الفتح على حديث الترجمة يوخذ منه جواز معاملة الصائغ ولو كان غير مسلم ويوخذ منه انه يلزم من دخول الفساد
____________________
(2/63)
في صنعة ان تترك معاملة صاحبها ولو تعاطاها اراذل الناس مثلا ولعل المصنف اومأ الى حديث اكذب الناس الصواغون وهو حديث مضطرب الاسناد اخرجه احمد وغيره هـثم قال وغرض الترجمة ذكر الصياغة وتقرير المصطفى على ذلك وقد ترجم في الاصابة لابي رافع الصواغ فذكر ان ابراهيم الحربي خرج في غريب الحديث بسند جيد عن ابي رافع قال كان عمر يمازحني يقول اكذب الناس الصائغ يقول اليوم غدا
وقال البدر الدماميني على الصحيح علي باب الصواغ عن ابن المنير وفي معاملة الصواغ تنبيه على انها صنعة جيدة لا تجتنب معاملة صاحبها لا من حيث الدين ولا من حيث المروءة وربما كثر الفساد في صنعته ويتعاطاها اراذل الناس كاليهود فما ذلك يقدح فيمن يتناولها ولا يحط من درجته في العدالة الى ان قال الظاهر ان الصناعة التي يصير تعاطيها عند اهل العرب علما على دناءة الهمة وسقوط المروءة قادحة فيمن يتعاطاها في زمن يقرر ذلك العرف ومكانة وقد قال ابن محرز من اصحابنا المالكية لا ترد شهادة ذوي الحرف الدنية كالكناس والدباغ والحجام والحائك الا من رضيها اختيارا ممن لا يليق به لانها تدل على شيء في عقله هـمن المصابيح له زقلت النقاش
خرج ابن ابي حاتم في العلل من طريق العقيلي عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن امه قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقيل فوهب له خاتما اهداه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي مثل الفلكة فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قل هو الله احد
____________________
(2/64)
والمعوذتين وقال قال بى حديث منكر والعقيلي هو ابن عبد الله بن محمد ابن عقيل وحديثه ليس بشيء وفي العلل ايضا وسألت ابي عن حديث رواه القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم فضة فيه تمثال فكتب النبي صلى الله عليه وسلم حوله ! ( قل هو الله أحد ) ! ^ وقل أعوذ برب الفلق ^ ^ وقل أعوذ برب الناس ^ قال ابي حديث منكر والقاسم متروك الحديث هـ
قلت المنكر قد يطلق عندهم على الحديث الفرد وإن كان أراد النكارة بمعناها فيغني في الباب احاديث نقشه صلى الله عليه وسلم اسمه الكريم على خاتمه للختم به على مكاتيب الملوك ونحوهم ففيه أن النقش وقع بالمدينة ولا يكون الا من نقاش وفي الاكتفاء للكلاعي في حق ابي لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة أنه كان نقاشا حدادا نجارا لخ زقلت صنع الانف من ذهب
ترجم في الاصابة للضحاك بن عرفجة السعدي فذكر أن ابن منده روى عنه أنه أصيب انفه يوم الكلاب فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ انفا من ذهب قال الحافظ هكذا أوردوا والمشهور أن الذي أصيب انفه عرفجة وانظر ترجمة طرفة بن عرفجة ايضا من الاصابة ص 284 من ج 3 وحديث عرفجة هذا في جامع الترمذي وقال وقد روي عن غير واحد من اهل العلم أنهم شدوا اسنانهم بالذهب فأشار النبي صلى الله عليه وسلم الى أن الذهب خاصيته أن لا ينتن
قلت بوب على حديثه ابو داوود في السنن باب ما جاء في ربط
____________________
(2/65)
الاسنان بالذهب ثم خرج أن عرفجة بن اسعد قطع انفه يوم الكلاب فاتخذ انفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ انفا من ذهب
قلت وهذا اعظم ما يدل على الشرقي في دقة الصنعة والاتقان لان صنع الانف من ذهب وتركبيه في محله ليس مما يستطيعه كل عامل او صانع وأخرج ابن سعد في الطبقات أن عثمان كان يشد اسنانه بالذهب وبذلك تعلم ما في عد بعضهم علم جراحة الاسنان وتركيبها من الاكتشافات الحديثية كما حكاه البستاني في حرف السين من دائرة المعارف ص 125 ج 10 وهو مردود بما ذكرو بانه ورد في قصائد شعراء اليونان واللاتين ذكر الاسنان الاصطناعية زقلت احداث الرحا الهوائية في آخر خلافة عثمان والصحابة متوفرون
في وفيات الاسلاف للشهاب المرجاني ص 335 أن العرب أحدثوا الرحا الهوائية بالرياح المحدثة المرددة في الصناديق المتعددة وكان ذلك سنة 29 بعد الهجرة في خلافة عثمان زقلت المصور
ترجم البخاري في الصحيح باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك ثم أخرج عن سعيد بن ابي الحسن قال كنت عند ابن عباس اذا أتاه رجل فقال يا ابن عباس اني انسان انما معيشتي من صنعة يدي واني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس بعد تحديثه بحديث النهي ان
____________________
(2/66)
أبيت الا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح
وفي كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للامام ملك العلماء علاء الدين ابن مسعود الكاساني الحنفي ص 117 من ج 1 عن ابن عباس أنه نهي مصورا عن التصوير فقال كيف أصنع وهو كسبي فقال ان لم يكن بد فعليك بتمثال الاشجار وذكر فيه أن الصورة اذا كانت صغيرة لا تبدو للناظر من بعيد فلا باس بها لان من يعبد الاصنام لا يعبد الصغير منها جدا ونص على أن الصورة اذا كانت في البساط في مؤخر القبلة او تحت قدم المصلي قال لا تكره الصلاة عليه بل لا باس وقد روي أنه كان على خاتم لابي موسى ذبابتان وروي أنه لما وجد خاتم دانيال في عهد عمر كان على فصه اسدان بينهما رجل يلحسانه هـمن البدائع وفي مواكب ربيع أنه كان نقش خاتم دانيال عليه السلام صورة اسدين يلحسانه ليلا ينسى نعمة ربه وبه ظفر ابو موسى الاشعري حين وجد قبره بنهر السوس كورة من كور الاهواز بين البصرة وفارس ايام عمر فأخرجه وكفنه وصلى عليه ثم أقبره في نهر السوس وكان ذلك الخاتم في يد ابي بردة بن ابي موسى هـص 192 وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي ص 308 من ج 2 نقلا عن الكافي كان على خاتم ابي هريرة ذبابتان وعلى خاتم دانيال صورة اسد ولبوة وبينهما صبي يلحسانه فلما نظر اليه عمر اغرورقت عيناه وذلك أنه ألقي في غيطة وهو رضيع فقيض الله له اسدا يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه فأراد بهذا النقش أن يحفظ منة الله عليه وكان لابن عباس كانون محفوف بصور صغار وقد وجد خاتم
____________________
(2/67)
دانيال المذكور في عهد عمر فدفعه لابي موسى وذلك أن بختنصر قيل له يولد مولود يكون هلاكك على يده فجعل يقتل من يولد فلماولدت أم دانيال ألقته في غيطة رجاء أن يسلم من القتل فقيض الله له الاسد واللبوة كما ذكر في النهاية والفتح ثم ذكر عن البحر واختلفوا فيما اذا كانت الصورة على الدراهم والدنانير هل تمتنع الملائكة من دخول البيت بسببها فذهب القاضي عياض الى أنهم لا يمنعون وأن الاحاديث مخصصة وذهب الثوري الى القول بالعموم وفي الصميربي اذا كانت التصاوير مستورة لا باس بها ونحوه في الخلاصة وجامع الفتاوي ولو كانت في يده تصاوير وأم الانكره امامته كما في خزائن الفتاوي ولو هدم بيتا مصورا بالاصباغ ضمن قيمة البيت واصباغ غير مصوريها كما في التفاريق هـونقل المنادي في شرح الشمائل في باب الخاتم عن ابن جماعة أخطأ في هذا المقام من زعم أن خاتم المصطفى كان فيه صورة شخص قال المناوي واطلاق الخطا لا ينبغي فقد قال الزين العراقي قد ورد من حديث مرسل او معضل واثار موقوفة نقش الصورة على الخاتم فأما الحديث المعضل او المرسل فرواه عبد الرزاق عن معمر أن عبد الله بن محمد بن عقيل أخرج خاتما وزعم أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يختم به فيه تمثال اسد قال فرايت بعض اصحابنا غسله بالماء ثم شربه وهذا مرسل اومعضل لا تقوم به حجة وأما الموقوفات فخرج ابن ابي شيبة في مصنفه عن حذيفة أنه كان في خاتمه كركيان متقابلان بينهما مكتوب الحمد لله وأخرج ايضا أنه كان نقش خاتم انس اسدا وأنه ايضا كان خاتم عمران بن حصين نقشه تمثال رجل
____________________
(2/68)
متقلدا سيفا قال الزين العراقي وهذه موقوفات لا حجة فيها وبعضها لا يصح وليس فيها شيء بغير علة الا اثر انس وهو معارض بالاحاديث الصحيحة في منع التصوير هـ
قلت قصة خاتم عمران هذه وما نقش فيه من تمثال رجل خرجه ايضا ابن سعد في الطبقات في ترجمته انظر ص 5 ج 6 واثر انس فيها ايضا بلفظ كان في خاتم انس ذيب او ثعلب انظر ص 11 ج 7 وفي ترجمة القاضي شريح منها كان نقش خاتم شريح اسدان بينهما شجرة وفيها ايضا لدى ترجمة ابي عبيدة بن عبد الله بن مسعود انه كان في خاتمه رأس كركي او نقش كركي بين احبل انظر ص 146 من ج 6 وفيها ايضا في ترجمة الضحاك بن مزاحم الامام العظيم الشان ان خاتمه كان من فضة فيه فص شبه القوارير وكان نقشه صورة طائر انظر ص 210 من ج 6 وفي المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية للشيخ حمزة فتح الله المصري ص 253 من ج 1 ان معاوية بن ابي سفيان ضرب دنانير عليها تمثاله متقلدا بسيفه هـولاكن قال العلامة الوزير جودت باشا التركي في مقدمة تاريخه انه نقل بعض المؤرخين انه ضرب على السكة صورة معاوية وخالد بن الوليد مقلدين سيفهما وتابعهم واصف افندي في ذلك فادرج في تاريخه ان معاوية كتب صورته على السكة مقلد اسيفه ولاكن هذه الرواية المذكورة لم يصل نقلها الى درجة الثبوث هـمن تعريبه ص 270 وانظر ما سبق في الوسادة لدى القسم الآول وفي رحلة الحافظ ابي القاسم التجيبي اخبرنا المسند المعمر الصدوق ناصر الدين ابو حفص بن عبد المنعم الدمشقي
____________________
(2/69)
بقراءتي عليه عن الشيخ الفقيه الامام الفاضل موفق الدين ابي محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي قال روينا ان عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع اهل الكتاب له طعاما فدعوه فقال اين هو فقالوا في الكنيسة فكره دخولها وقال لعلي اذهب بالناس فذهب علي بالمسلمين فدخلوا واكلوا وجعل علي ينظر الى الصور وقال ما على امير المومنين لو دخل واكل منها وقد رأيت هذه القصة بعينها في كتاب ذم الموسوسين وذم الوسوسة للامام موفق الدين بن قدامة المذكور انظر ص 19 منه طبعة مصر وفي شرح كشف القناع على متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلي من كبار كتب الحنابلة لما ذكر متنه ان المدعو للوليمة شاهد ستورا معلقة فيما صور حيوانات وامكنه حطها او قطع رأسها فعل وان لم يمكنه ذلك كره له الجلوس الا ان تزال ما نصه قال في الانصاف والمذهب لا يحرم هـلما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرءا فيها صورة ابراهيم واسماعيل يستقسمان الازلام فقال قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط رواه ابو داوود ولان دخول الكتابيين والبيع غير محرم وهى لا تخلو منها وكون الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة لا يوجب تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس مع أن الملائكة لا تصحبهم ويباح ترك الاجابة اذن عقوبة للفاعل وزجرا له عن فعله هـمنه ووقع في كلام لبعض المصريين اشتهر العرب في العصر العباسي بالتصوير على الجدران وعلى صفحات الكتب بحروف تخطيطية كانت ذات اتقان زائد وقد اطلعنا
____________________
(2/70)
على كتاب قديم يرجع تاريخه الى القرن الثالث الهجري رسم فيه مؤلفه جماعة من النوابغ الاعلام واطلعنا اخيرا على عدة كتب مصورة يرجع عهدها الى القرن الرابع والخامس والسادس ومن قرأ تاريخ الاندلس وجد أن الخليفة عبد الرحمان الناصر بنى قصر الزهراء الذي يضرب به المثل وجعله مسكنا للزهراء جاريته وسماه باسمها الزهراء ونقش صورتها على بابه رمزا للرسم التخطيطى
وقال الشريف ابو عبد الله الجواني في كتاب النقط على الخطط ان الخليفة الآمر باحكام الله قد بنى قنطرة من الخشب مدهونة بالالوان وصور فيها الشعراء كل شاعر وبلده واستدعى من كل واحد منهم قطعة من الشعر في المدح وكتب ذلك عند رأس كل شاعر وبجانب صورة كل واحد منهم رف لطيف مذهب فلما دخل الامر هذه القنطرة وقرأ الاشعار ابتهجت نفسه وأمر أن يوضع على كل رف صورة مختومة تحتوي على خمسين دينارا وأن يدخل كل شاعر ياخذ صرته بيده وكانوا عدة شعراء
وعثر في اطلال الحمراء بغرناطة في الاندلس على صورة تمثل قضاة على طراز عربي يظهر أنها من اثار القرن الثامن الهجري هـ
قلت صورة القضاة الاندلسيين التي ذكر وقفت عليها منقولة عن الاصل المذكور بالفوتغراف وأخبرني بعض من دخل مكتبة باريز أنه رأى كتابا لبعض فلكيي القرن السادس والسابع في التاريخ اشتمل على صورة كثير من اعلام الاسلام منها الصورة النبوية والظاهر أنها صورة خيالية لا حقيقية
ورأيت المقريزي ينقل في الخطط عن كتاب
____________________
(2/71)
سماه ضو النبراس وأنس الجلاس في اخبار المزوقين من الناس قال وانه ألف في طبقات المصورين
وللزهراوي الطبيب كتاب في الجراحة يرجع تاريخه لسنة 584 فيه صور الالات الجراحية بالاتقان التام ويستدل منها على أن بعضها كان مثل الآلات الجراحية التي يظن حدوثها منذ عهد قريب انظر مادة كتب من دائرة المعارف الوجدية
وكنت رأيت في دمشق صورة يدوية للشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي وولي الدين ابن خلدون والاخيرة ظفرت بها وهي عندي منقولة عن صورة وجدت بالاسكوريال من بلاد اسبانيا والله أعلم زقلت اتخاذ الشحم للاستصباح ودهن السفن وغيرها
في الصحيح عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فانها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال عند ذلك قاتل الله اليهود ان الله لما حرم شحومها أجملوه اي أذابوه ثم باعوه ثم أكلوا ثمنه قال القاري في شرح المشكاة على قوله تطلى بها السفن بضمتين جمع سفينة اخشابها وقال النووي الضمير في هو يعود الى البيع لا الانتفاع وهذا هو الصحيح عند الشافعي واصحابه وعند الجمهور لا يجوز الانتفاع به اصلا لعموم النهي الا ماخص وهو الجلد المدبوغ فالصحيح من مذهبنا جواز الانتفاع بالادهان النجسة من الخارج كالزيت والسمن وغيرهما بلاستصباح وغيره بأن يجعل الزيت صابونا او يطعم النحل العسل المتنجس النحل
____________________
(2/72)
والكلام والطعام والدواب وأجاز ابو حنيفة واصحابه بيع الزيت النجس اذا بينه هـزقلت بيع اللبن
عن ابي بكر بن ابي مريم قال كانت لمقدام بن معدي كرب جارية تبيع اللبن ويقبض المقدام ثمنه فقيل له سبحان الله أتبيع اللبن وتقبض الثمن قال نعم وما باس بذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لياتي على الناس زمان لا ينفع الا الدينار والدرهم أورده التبريزي في المشكاة وعزاه لاحمد قال القاري عليها نقلا عن الطيبي معناه لا ينفع الناس الا التكسب اذ لو تركوه لوقعوا في الحرام كما روي عن بعضهم انه قيل له إن التكسب يدنيك من الدنيا فقال لئن أدناني من الدنيا فقد صانني عنها وكان السلف يقولون اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان اذا احتاج احدكم كان اول ما ياكل دينه وروي عن سفيان وكانت له بضاعة يقلبها ويقول لولا هذه لتمندل بي بنو العباس اي جعلوني كالمنديل يمسحون بي اوساخهم هـ الحداد
في الصحيح عن انس بن مالك قال دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابي سيف القين وكان ظئرا لابراهيم والدا له من الرضاعة لان زوجته أم بردة أرضعته بلبنه وفي الاستيعاب قال انس في قصة موت ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق صلى الله عليه وسلم وانطلقت معا
____________________
(2/73)
فصادفنا ابا سيف ينفخ في كيره وقد امتلا البيت دخانا فأسرعت المشي امام النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت الى ابي سيف فقلت يا ابا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القصة
زقلت ترجم البخاري في الصحيح باب ذكر القين والحداد قال الحافظ بفتح القاف وقال ابن دريد اصل القين الحداد ثم صار كل صانع عند العرب قينا وقال الزجاج القين الذي يصلح الاسنة والقين ايضا الحداد وكان البخاري اعتمد القول الصائر الى التغاير بينهما وليس في الحديث الذي أورده في الباب الا ذكر القين وكأنه ألحق الحداد به في الترجمة لاشتراكهما في الحكم هـوالحديث الذي ذكره البخاري عن خباب قال كنت قينا في الجاهلية وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث القصة
وقال العيني في العمدة قال مقاتل صاغ خباب للعاص شيئا من الحلي فلما طلب منه الاجر قال انتم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة والولدان قال خباب نعم قال العاصي فميعاد ما بيننا الجنة وقال الواحدي وقال الكلبي ومقاتل كان خباب قينا هـثم قال العيني وفي الحديث ان الحداد لا يضره مهنة صناعته اذا كان عدلا قال ابو العتاهية
( ألا انما التقوى هو العز والكرم ** وحبك للدنيا هو الذل والعدم )
( وليس على حر تقي نقيصة ** اذا أسس التقوى وان حاك او حجم )
هـوترجم في الاصابة للازرق بن عقبة الثقفي مولى الحرث بن كلدة وأنه
____________________
(2/74)
أسلم لما حاصر صلى الله عليه وسلم الطائف وقال ثم كان حدادا وقينا هـانظر ص 27 وفي الاجوبة المهمة للشيخ الكنتى اصل صناع الحديد والورق في الدولة الاسلامية أنه صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر سبى فيما سبى ثلاثين قينا وكانوا صناعا سماسر وحدادين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اتركوهم بين المسلمين ينتفعون بصناعتهم ويتقوون بها على جهاد عدوهم فتركوا لذلك فمن تعلم عليهم الصناعة سمي صانعا لو معلما ومن كان من اصلهم سمي قينا فصاروا من يومئذ يلتجئون وينضوون الى اكابر الناس أخرجه الخطيب القسطلاني هـمنها وترجم في الاصابة لبشر بن قيس التميمي فذكر أن ابن شاهين خرج عن بشر بن قيس أنه قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعه ابنه رجيح وهما مقرونان في سلسلة كانت عليه فقال يا بشر اقطعها فليست عليك يمين فقطعها وأسلم
قلت وقد غفل الحافظ في الفتح لدى ترجمة باب الاسارى في السلاسل من كتاب الجهاد عما عزاه لابن شاهين في الاصابة فإنه نقل عن ابراهيم الحربي ما ينفي وجود السلسلة الحقيقية وقد خرج البخاري في سورة آل عمران من كتاب التفسير عن ابي هريرة في قوله تعالى ! ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ! قال خير الناس للناس ياتون بهم في السلاسل في اعناقهم حتى يدخلوا في الاسلام البناء النبا ات النبوية
بنى صلى الله عليه وسلم مسجد قباء اول ما ورد المدينة ووقف على
____________________
(2/75)
اساسه قال السهيلي في الروض ذكر ابن قتيبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسس مسجد قباء كان هو أول من وضع حجرا في قبلته ثم جاء ابوبكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه الى حجر ابي بكر ثم أخذ الناس في البنيان فقال هذا اول مسجد بني في الاسلام زقلت الاصل في وضع الرؤساء والملوك اول حجر للمعاهد العلمية والدينية والقومية
يوخذ مما قبله
زقلت تعيين الامام موضع المسجد وتعيين محل القبلة
ترجم في الاصابة أسامة الحنفي فذكر أن البارودي في الصحابة أخرج من طريق معاذ بن عبد الله بن جنيبة عن رجل عن أسامة الحنفي قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في اصحابه في السوق فقلت لهم اين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يريد أن يخط لقوم مسجدا الحديث انظر ص 30 ج 1 وترجم فيها ايضا جابر بن أسامة الجهني فذكر أن البخاري في تاريخه وابن ابي عاصم والطبراني وغيرهم خرجوا من طريق اسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن جابر بن اسامة الجهني قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق في اصحابه فسألتهم اين يريد قالوا اتخذ لقومك مسجدا فرجعت فاذا قومي فقالوا خط لنا مسجدا وغرز في القبلة خشبة انظر ص 220 ج 1 زقلت امر الامام من ينوب عنه في تسمية البقعة مسجدا
____________________
(2/76)
ذكر في الاصابة في ترجمة عبد الله بن عمير السدوسي ان جده جاء باداوة من عند النبي صلى الله عليه وسلم وانه قال له اذا اتيت بلادك رش به تلك البقعة واتخذها مسجدا اخرجه الطبراني في الاوسط مسجد المدينة
قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح وغيره الى بني النجار بعد ان ارسل اليهم وكان موضع المسجد لهم ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا لا والله لا نطلب ثمنه الا الى الله فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضاضته حجارة وجعلوا الصخر وهم يرتجزون قال ابن اسحاق فعمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين العمل وذكر ابن جماعة ان النبي صلى الله عليه وسلم امر ببناء المسجد فبنى باللبن وجعلت عضادتاه بالحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه الجريد وجعل طوله مما يلي القبلة الى مؤخره مائة ذراع وفي الجانبين الآخرين مثل ذلك فهو مربع وجعل الاساس قريبا من ثلاثة اذرع على الارض بالحجارة ثم بنوه باللبن زقلت بناؤه صلى الله عليه وسلم المسجد ثلاث مرات منها ما لبنه بالانثى والذكر
في الفجر الساطع في باب بناء المسجد عن تفسير ابن عطية بني صلى الله عليه وسلم مسجده ثلاث مرات الاولى بالسميط وهو لبنة امام لبنة والثانية بالضفرة وهي لبنة ونصف في عرض الحائط والثالثة بالانثى والذكر وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان ه
____________________
(2/77)
مساكنه صلى الله عليه وسلم
ثم بنى صلى الله عليه وسلم مساكنه الى جنب المسجد باللبن وسقفهما بجذوع النخل والجريد وكان محيطها مبنيا باللبن وقواطعها الداخلة من الحديد والمكسو بالطين والمسوح الصوفية وجعل لها ابواب منافذ متقنة الهواء داعية الى السهولة في الدخول والخروج وخفة الحركة مع وفر الزمن والسرعة الى المقصد وكان منزل السيدة عائشة صفة الى منزل السيدة فاطمة وكان به فتحة الى القبلة يؤيد ذلك قول ابن زبالة كان بين بيت حفصة ومنزل عائشة طريق وكانتا تتهاديان الكلام وهما في منزلهما من قرب ما بينهما وكان بيت حفصة على يمين خوخة آل عمر في جنوب بيت عائشة الى الشرق وكان من دونهما منازل بقية الازواج الطاهرات وكان بمنزل فاطمة شباك يطل على منزل ابيها وكان صلى الله عليه وسلم يستطلع امرها منه
قال السهيلي في الروض ان بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها جريد وبعضها من حجارة موضوعة بعضها على بعض مسقفة بالجريد ايضا وكان لكل بيت حجرة وهي اكسية من شعر مربوطة بخشب العرعر هـ
أقول اذا علمت أنها تسعة وأن كل بيت لا بد له من محل لقضاء الحاجة ومحل لمئونة السنة والطبخ ومحل للقاء الناس ومحل لمبيت النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته الطاهرة وإن زدتها محل خزائن السلاح
____________________
(2/78)
وادوات النقل ومحل الدواب والخيل والنعم والحمير وغير ذلك من الممتلكات النبويه وممتلكات بيت المال مع دار الضيوف والسجن ومحل المرضى ومحل اهل الصفة وغير ذلك من الضروريات ظهر لك عظم تلك المباني وسعة تلك المرافق وهذه الضروريات التي الاتساع في البناء ضروري لها يجعلها اكثر الناس اليوم ويظنون أن مساكن النبي صلى الله عليه وسلم كانت في نهاية الضيق والقلة ولعمري اذا أمكنه صلى الله عليه وسلم ذلك في المبادي فكيف لا يتسع اكثر من ذلك في آخر امره ولو عاش في المدينة بعد الهجرة اكثر من عشر سنوات وكان يشتغل فيها بغير الحروب وتوجيه البعوث وارسال السرايا الى الجهات انظر ماذا كان يصنع الدكة لجلوسه صلى الله عليه وسلم
ذكر ابو محمد ابن حيان في اخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن ابي هريرة وابي ذر كان صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني اصحابه فيجيء الغريب ولا يدري انهم هو حتي يسأل فطلبنا منه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب اذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليه ونجلس بجانبه
زقلت الحديث بذلك في صحيح مسلم في كتاب الايمان في قصة مجيء جبريل فاقتصار الخزاعي في العزو لمن ذكر ذهول وغفلة وكان محل هذه الدكة هو الذي يعرف الان في المسجد النبوي باسطوانة الوفود ففي تواريخ المسجد النبوي أنها عرفت بذلك لانه صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/79)
كان يجلس اليها لوفود العرب اذا جاءته وقد تكلم عليها السمهودي في الوفا والسيد جعفر البرزنجي في النزهة اول بناء كان في الاسلام
في نفحة الحدائق والخمائل في ذكر الابتداع والاختراع للاوائل اول بناء كان في الاسلام عمار بن ياسر زقلت امره صلى الله عليه وسلم في البنا ات أن تكون على مقتضى القواعد الصحية
قال البيهقي في شعب الايمان انا ابو عبد الله الحافظ انا ابو محمد بن جعفر بن درستويه الفارسي حدثنا عتبة الحمصي ثنا اسماعيل هو ابن عياش عن ابي بكر الهدلي عن بهز بن حكيم عن ابيه عن جده قال قلت يا رسول الله ماحق جاري علي قال إن مرض عدته وان مات شيعته وان استقرضك أقرضته وان عري سترته وان أصابه خير هنيته وان أصابته مصيبة عزيته ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح ولا توده بريح قدرك الا أن تغرف له منها قال البيهقي اسناده ضعيف وله شواهد خرج ابن عدي في الكامل من طريق عمر بن شعيب عن ابيه عن جده رفعه نحوه وفيه ولا تطيل عليه البناء وتحجب عنه الريح الا بإذنه انظر آخر كتاب كوكب الروضة للحافظ السيوطي وانظر ما سبق في معرفته صلى الله عليه وسلم بهندسة البناء تر عجبا زقلت هدمه صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار
سمي مسجد الضرار لمحاولة الضرر ببنائه وكان الذين اتخذوه اثني عشر رجلا من المنافقين وكان وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي
____________________
(2/80)
لهم فيه فنزل عليه الوحي بما اضمروه من التفريق بين المومنين وارادتهم به الطعن على الرسول لتختلف الكلمة وذلك قوله تعالى ^ الذين اتخذوا مسجدا ضرارا او كفرا وتفريقا بين المومنين ^ الاية فامر صلى الله عليه وسلم بتحريقه وان يجعل محله كناسة يلقى فيها الجيف والازبال ودعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي العجلاني وقال انطلقا الى هذا المسجد الظالم اهله فاهدماه واحرقاه وفي رواية فدعا مالكا ومعنا واخاه زاد البغوي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة فأحرق حتى وضع الى الارض وتفرق عنه اصحابه فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة عرضه على عاصم بن عدي ليتخذه
ارا فقال ما كنت اتخذه وقد انزل الله فيه ما انزل ولاكن اعطه ثابت بن اقرن فانه لا منزل له فاعطاه فلم يولد في ذلك البيت مولود قط ولا حمام ولا دجاج وروى ابن المنذر عن ابن جبير وابن جريج وقتادة قالوا ذكر لنا انه حفر في موضعه بقعة فابصر الدخان يخرج منها وفي تفسير الواحدي قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة اهل التفسير الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكانوا اثني عشر رجلا سرد ابن اسحاق وتبعه السهيلي والعميري وغيرهم اسماءهم انظر شرح المواهب وراجع ما سبق في الكلام على الحدود وفي احكام القرآن لابن خويز منداد علي آية مسجد الضرار وتضمنت الآية المنع من الضرر في المساجد وفي بنيانها كذلك قال اصحابنا لا يجوز ان يبني مسجد الى جنب مسجد ليلا يضر باهل المسجد الاول ويجب هدمه والمنع من بنائه الا ان تكون المحلة كبيرة ولا يكتفي اهلها بمسجد واحد فيبني الثاني قالوا ولا جامعان في المصر ويجب منع الثاني ومن
____________________
(2/81)
صلي فيه الجمعة لم تجزه وفي البيان والتحصيل للقاضي ابي الوليد ابن رشد سئل مالك عن العشرة يكون لهم مسجد يصلون فيه فيريد رجل ان يبني قريبا مسجدا أيكون ذلك فقال لا خير في الضرار لاسيما في المساجد خاصة فاما مسجد بني لخير وصلاح فلا باس به واما ضرار فلا خير فيه قال تعلى الذين اتخذوا مسجدا ضرارا لاخير في الضرار في شيء من الاشياء وانما القول في الآخر من المسجدين قال ابن رشد وهذا كما قال مالك ان من بنى مسجدا قرب اخر ليضر به اهل المسجد الاول ويفرق به جماعتهم فهو من اعظم الضرر لان الاضرار فيما يتعلق بالدين اشد فيما يتعلق بالنفس والمال لاسيما في المسجد الذي يتخذ للصلاة التي هي عماد الدين وقد انزل الله تعلى في ذلك ما انزل الذين اتخذوا مسجدا ضرار الى قوله لا يزال بنيانهم الذي بنو اريبة في قلوبهم الى ان تقطع قلوبهم وقوله انما القول ابدا في الاخير من المسجدين صحيح لانه هو الذي يجب ان ينظر فيه فان ثبت على بانيه انه قصد به الاضرار وتفريق الجماعة لا وجها من اوجه البر وجب ان يحرق ويهدم ويترك مطروحا للازبال كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الضرار فان ثبت ان اقراره مضر باهل المسجد الاول ولم يثبت على بانيه انه قصد ذلك وادعى انه اراد القربة لم يهدم وترك مصلاة ولا يصلي فيه الا ان يحتاج الى الصلاة فيه بان يكثر اهل الموضع او يهدم المسجد الاول هـ
قلت وعلى هذه النصوص اعتمدت في الامر بالاحراق لزاوية بناها مضر يريد تفريق كلمة الفقراء الكتانيين المجموعة في قبيلة امزاب
____________________
(2/82)
بالشاوية فأحرقت وفقنا الله لصالح الاعمال آمين في الرجل يحسن الشيء من عمل البناء فيوكل لعمله
قال ابو بكر بن فتحون في كتابه ذيل الاستيعاب وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قيس بن طلق الحنفي وهو صلى الله عليه وسلم يبني مسجده فشهده معه فوكله صلى الله عليه وسلم بعمل الطين لانه رآه محسنا فيه قلت ترجم في الاصابة لطلق بن علي التميمي فقال حديثه في السنن انه بنى معهم في المسجد فقال صلى الله عليه وسلم قربوا له الطين فانه اعرف به وكذا ترجمه ابن سعد في الطبقات وهذا سياقه عن طلق قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده والمسلمون يعملون فيه معه وكنت صاحب علاج وخلط طين فاخذت المسحاة اخلط الطين ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر الي ويقول ان هذا الحنفي لصاحب طين وحديثه الذي عزاه الخراعي لابن فتحون خرجه ابن حبان في صحيحه عن طلق بن علي الحنفي قال بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذت المسحاة بمخلطة الطين فكانه اعجبه فقال دعوا الحنفي والطين فانه اضبطكم للطين وفي البيان والتحصيل لابن رشد عن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قبر فكانه رءا باللبنة خلطا فامر بان يصلح وقال ان الله يحب اذا عمل العبد عملا ان يحسنه ويتقنه
زقلت ها هنا تتمات لتراجم البناء
الاولى وهنا نسوق قول الشيخ ابي محمد عبد القادر الفاسي كما
____________________
(2/83)
في التعليق الذي قيد عنه على الصحيح على قول الراوي ما اكل عليه السلام شاة مسموطة ولم يكن صلى الله عليه وسلم يترك هذا ومثله مع وجوده انما كان ياكل ماتيسر فلو سيق اليه المسموط وغيره لاكله او السكرجة وهي الاواني الرفيعة او الخوان وهي المائدة هـوكذا القول في بنا أن صلى الله عليه وسلم وهيئة مساكنه
الثانية في ذكر خريطة مسكن مارية بالعوالي ترجم الحافظ ابن الابار دفين تونس في تكميل الصلة البشكو اليه لمحمد بن حزم بن بكر التنوخي الطلمنكي المعروف بابن المديني فقال صحب محمد بن مسرة قديما واختص بمرافقته في طريق الحج ولازمه بعد انصرافه وحكى عن ابن مسرة انه كان في سكناه بالمدينة يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم قال ودله بعض اهل المدينة على دار مارية أم ابراهيم سرية النبي صلى الله عليه وسلم فقصد اليها فاذا دويرة لطيفة بين البساتين بشرق المدينة عرضها وطولها واحد قد شق في وسطها بحائط وفرش على حائطها خشب غليظ يرتقي الى ذلك الفرش على خارج لطيف وفي اعلا ذلك بيتان وسقيفة كانت مقعد النبي صلى الله عليه وسلم في الصيف قال فرايت ابا عبد الله بعد ما صلى في البيتين والسقيفة وفي كل ناحية من نواحي تلك الدار اخذ البيتين بشبره فكشفته بعد انصرافي وهو ساكن في الجبل عن ذلك فقال هذا البيت الذي تراه فيه بنيته على تلك الحكاية في العرض والطول بلا زيادة ولا نقصان هـمن نسختي من التكملة العتيقة المنسوخة سنة نيف وثلاثين وستمائة وعليه جرى طبع الجزء الاول منها بباريز
____________________
(2/84)
الثالثة اذكر فيها توسع الحال عليه صلى الله عليه وسلم وما جاد به واعطى لسائليه مما لا يقدر عليه ملك كريم قال الحافظ السخاوي نقلا عن القاضي عياض في الشفا اوتي صلى الله عليه وسلم خزائن الارض ومفاتيح البلاد واحلت له الغنائم ولم تحل لاحد قبله وفتح عليه في حياته بلاد الحجاز واليمن وجميع بلاد العرب وما دانى ذلك من الشام والعراق وجلب اليه من اخماسها وجزياتها وصدقاتها ما لا يجبى للملوك الا بعضه وهادنه جماعة من ملوك الاقاليم فما استاثر بشيء ولا امسك منه درهما بل صرفه مصارفه واغنى به غيره وقوى به المسلمين وقال مايسرنى وان لي احدا ذهبا ما يبيت عندي منه دينار الا دينارا ار كده لدين وكان يدخر مما افاء الله عليه في صفاياه وغيرها قوت سنة لعياله ونفسه ويجعل الباقي في الكراع والسلاح في سبيل الله هـوثبت انه صلى الله عليه وسلم قسم بين اربعة الفس من اصحابه الف بعير مما افاء الله عليه وانه ساق في عمرته مائة ناقة فنحرها واطعمها المساكين وانه امر لاعرابي بقطيع من الغنم وغير ذلك كاعطائه جماعة كثيرة من خيبر وقد فتح الله بها عليه وفدك وقريظة والنظير وكانت خالصة له وكان معه جماعة من اصحاب الاموال كابي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن عبادة مع بذلهم انفسهم واموالهم بين يديه وقد امر بالصدقة فجاء ابو بكر بجمع ماله وعمر بنصفه وحظ على تجهيز جيش العسرة فجهزهم عثمان بالف بعير وجاء بعشرة آلاف درهم الي النبي صلى الله عليه وسلم ووضعها بين يديه وروى ابو الشيخ وابن سعد من طريق علي
____________________
(2/85)
بن زيد عن اسحاق بن عبد الله بن الحرث بن نوفل عن ابيه قال اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة بسبع وعشرين ناقة فلبسها ولفظ ابن سعد اوقية ورجاله ثقات لاكن لعلي واسحاق فيها كلام وفي طبقات ابن سعد من طريق ابن سيرين ان النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة واما قال ثوبا بتسع وعشرين ناقة انظر ص 155 من الجزء 1 من القسم الثاني وفيها لدى ترجمة اسامة بن زيد ان حكيم بن حزام اهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة كانت لذي يزن وهو يومئذ مشرك اشتراها بخمسين دينارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا ناخذ هدية من مشرك ولاكن اذا بعثت بها فنحن ناخذها بالثمن بكم اخذتها قال بخمسين دينارا قال فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس على المنبر للجمعة ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسا الحلة اسامة بن زيد وفي شرح الطريقة المحمدية للعارف النابلسي نقلا عن والده الشيخ اسماعيل في شرحه على الدرر خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليه رداء قيمته الف درهم وربما قام صلى الله عليه وسلم الى الصلاة وعليه رداء قيمته اربعة آلاف درهم هـمنه ص 364 من ج 2 ونقل نحوه الخادمي شرحها على التتار خانية من كتب الفقه الحنفي انظر ص 36 من ج 3 منه واخرج ابن منده والمستغفري ان عبد العزيز بن سيف بن ذي يزن الحميري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فدفع اليه حللا فدفع منها النبي صلى الله عليه وسلم حلة الى عمر فقومت بعشرين بعيرا انظر ترجمة عبد العزيز من الاصابة وفيها في ترجمة هاني بن حبيب
____________________
(2/86)
الداري نقلا عن الشراطي قدم في وفد الداريين مع تميم الداري واهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قباء مخوصا بالذهب فاعطاه العباس فباعه من رجل يهودي بثمانية آلاف وفي باب مناقب ابي بكر من ارشاد الساري عن ابن عباس عن عائشة ان ابا بكر انفق على النبي صلى الله عليه وسلم اربعين الف درهم وكان صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر واعطى غير واحد مائة من الابل والذين اعطاهم مائة ناس كثير منهم ابو سفيان وابنه معاوية والحارث بن هشام وقد عدهم البرهان الحلبي وقال انهم يبلغون الستين من المؤلفة قلوبهم وكذا ذكر الشيخ قاسم بن قطلوبغا في تخريج احاديث الشفا واعطى صفوان بن امية مائة ثم مائة ثم مائة وذكر ابن فارس في كتاب اسماء النبي صلى الله عليه وسلم انه في يوم خيبر جاءت امراة فانشدت شعرا تذكر ايام رضاعة في هوازن فرد عليهم ما اخذه واعطاهم عطاء كثيرا حتى قوم ما اعطاهم ذلك اليوم فكان خمسمائة الف الف قال ابن دحية وهذا نهاية الجود الذي لم يسمع بمثله في الوجود وفي الشفا وشرحها للشهاب ورد على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والذرية غير الاموال التي غنمها لما غزاهم وكانت اربعة وعشرين الفا من الابل واكثر من اربعين الف شاة من الغنم واربعة آلاف اوقية من الفضة والاوقية اربعون درهما وقوم ابن فارس ما وهبه لهوازن فكان خمسمائة الف الف وقيل ستمائة الف الف وقال ابن حجر المكي في المنح المكية كان السبي وهو النساء والذراري ستة آلاف راس والابل اربعة وعشرين
____________________
(2/87)
الفا والغنم فوق الاربعين الفا واربعة آلاف اوقية فضة وفي المقالات السنية
( ورد سبيا عظيما من هوازن اذ ** وافى الى جوده جود مع الكرم )
( يبغون اصغ لهم اذ قال قائلهم ** امنن علينا رسول الله في كرم )
( انا لنشكر للنعماء اذ جحدت ** وعندنا الشكر ينمو غير منهضم )
( يا خير من مرحت كمت الجياد به ** عند الهياج اذا حر الوطيس حم )
( انا نؤمل عفوا منك تلبسه ** هذي البرية ياذا المنهل الشبم )
( فاصفح عفا الله عما انت واهبه ** يوم القيامة والانسان في ندم )
( وامنن علي نسوة قد كنت ترضعها ** طفلا يزينك اوفى الخلق بالذمم )
( فكم هنالك من من ومن نعم ** وكم هنالك من احسانه العمم )
( خمس مئين الوف الف عطيته ** كانت لهم يومها من واسع العمم )
( هذا نهاية جود في الوجود ولم ** يسمح به غير من قد حض بالكرم )
( يعطي عطاء تقاصر عنه قيصر مع ** كسرى ولم يخش اقلالا من الحكم )
( يعطي الكواعب والجرد السلاهب ** والبيض القواضب والآلاف من نعم )
لخ وفي البخاري من حديث انس انه صلى الله عليه وسلم اتى بمال من البحرين بلدة بين البصرة وعمان فقال انزوه يعني صبوه في المسجد وكان اكثر مال اتى به صلى الله عليه وسلم من الدراهم او من الخارج فلا ينافي انه غنم في خيبر ما هو اكثر منه وقسمه وخرج الى المسجد ولم يلتفت اليه فلما قضى الصلاة جاء اليه فجلس فما كان يرى احدا الا اعطاه اذ جاء العباس فقال يا رسول الله اعطني فاني فديت نفسي وفديت عقيلا فقال له خذ
____________________
(2/88)
فحثى في ثوبه فلم يستطع فقال يا رسول الله مر بعضهم يرفعه علي قال لا قال فارفعه انت علي فقال لا فنثر العباس منه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال يا رسول الله مر بعضهم يرفعه لي قال فارفعه انت علي قال لا فنثر منه ثم احتمله فالقاه على كاهله قال ابن كثير كان العباس شديدا طويلا نبيلا فاحتمل ما يقارب اربعين الفا فانطلق فما زال صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي عليه عجبا من حرصه فما قام صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم وفي رواية ابن ابي شيبة كان مائة الف درهم وأنه أرسله له العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين قال وهو اول مال حمل له صلى الله عليه وسلم وكان يبذل المال مرة للفقير او المحتاج ومرة ينفقه في سبيل الله وتارة يتألف به فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر ويعيش في نفسه عيشة الفقراء وربما ربط الحجر على بطنه فلا تنافي بين احواله من السعة والضيق وبين ما ذكر اولا واخيرا قال الطبري كما في الفتح ان ذلك كان في حالة دون حالة لا لعذر وضيق قال الحليمي كما في شعب الايمان من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن لا يوصف بما هو عند الناس من اوصاف الضعة فلا يقال كان فقيرا وأنكر بعضهم اطلاق الزهد عليه وقد ذكر القاضي عياض في الشفا وعنه التقي السبكي أن فقهاء الاندلس أفتوه بقتل صالح الطليطلي وصلبه لتسميته النبي صلى الله عليه وسلم يتيما وزعمه أن زهده لم يكن قصدا ولو قدر على الطيبات أكلها هـوذكر الشيخ بدر الدين الزركشي عن الشيخ تقي الدين السبكي وحكاه عنه ايضا ولده في الترشيح أنه كان يقول لم يكن صلى الله عليه وسلم فقيرا من المال
____________________
(2/89)
قط ولا حاله حال فقير بل كان اغنى الناس فقد كفي امر دنياه في نفسه وعياله وكان يقول في قوله صلى الله عليه وسلم اللهم احيني مسكينا ان المراد به استكانة القلب لا المسكنة التي هي أن لا يجد ما يقع موقعا من كفايته وكان يشدد النكير على من يعتقد خلاف ذلك هـولما نقله القسطلاني في المواهب قال الزرقاني في شرحها وهو حسن نفيس وأما اللفظ الشائع وهو الفقر فخري وبه أفتخر فقال الحافظ ابن تيمة والعراقي وابن حجر باطل موضوع هـقال بعض العصريين وعلى فرض وجود اصل له فمعناه الافتخار بالفقر وايثاره على الغنا حالة نشأ الاسلام وتكوينه فإن عقب الهجرة النبوية لم يكن في الامكان تربية وانشاء الثروة اذ ذاك ولا ريب أن الفقر في سبيل غاية وفي سبيل الدولة والدين والوطن مزية شريفة توجب الفخر والشرف فشظف العيش والاقتصاد فخر المؤسسين هـأما بعد أن عظمت الفتوح فكثرت مداخيل المال على الخلفاء الراشدين وخصوصا في زمن عمر بن الخطاب حتى انه دهش اخيرا حين ما أبلغه ابو هريرة عند قدومه من البحرين أنه أتى بخمسمائة الف درهم ثم كثر الدخل على بيت المال حتي ان عمر كان يحمل في العام علي اربعين الف بعير كما في طبقات ابن سعد انظر ص 218 من ج 3 فاربعون الف بعير باقتابها ومتعلقاتها وخدمتها شيء كبير وملك عريض وغنى واسع وفي طبقات ابن سعد ايضا أن عمر بن الخطاب كان ينحر كل يوم على مائدته عشرين جزورا انظر ص 227 من ج 3 والجزور كما في القاموس البعير او خاص بالناقة المجزورة جمع جزائر فهذا توسع كبير وبساط عريض لا يمكن لاكبر
____________________
(2/90)
ملك اليوم في الارض أن يوكل على مائدته هذا العدد من اللحوم والله الملك القيوم الفتاح ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها
ولننقلب لتميم الكلام على بقية الحرف في الزمن النبوي فنقول زقلت الصباغ
في سنن ابن ماجه في باب الصناعات من ابواب التجارات حدثنا عمرو بن رافع حدثنا عمرو بن هارون عن همام عن فرقد السخبي عن يزيد بن عبد الله بن الشخر عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكذب الناس الصباغون والصواغون قال في النهاية هم صباغو الثياب وصاغة الحلي لانهم يمطلون بالمواعيد وقيل أراد الذين يصبغون الكلام ويصوغونه فيغيرونه لخ زقلت الجلاب
في سنن ابن ماجة باب الحكرة والجلب حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا ابو احمد حدثنا اسراءيل عن علي بن سالم بن ثوبان عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجالب مرزوق والمحتكر ملعون وفي الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من قدم بالحب لا يتلقاه احد بل يشتريه الناس من الجلابين ولهذا جاء في الحديث الجالب مرزوق والمحتكر ملعون هـزقلت ذكر من كان من الصحابة يتجر في بحر الشام
____________________
(2/91)
ترجم البخارى في كتاب البيوع قال باب التجارة في البحر وقال مطر لا باس به وما ذكره الله في القرآن الا بحق ثم تلا وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله الفلك السفن وقال مجاهد تمخر السفن الريح ولا تمخر الريح من السفن الا الفلك العظام خرج ابن الجوزي في التلبيس عن سعيد بن المسيب قال كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في بحر الشام منهم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد هـونحوه ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد عن تخريج الامام احمد انظر ص 74 من ج 4 وانظر ما سيق في الكلام على السفن البحرية الدباغ
ذكر ابن دريد في الوشاح في باب الصناعات في باب من كان دباغا الحرث بن صبيرة فقال أسلم يوم الفتح هو وابنه الخواص صنع القفاف ونحوها من الخوص وهو ورق النخل
كانت حرفة سلمان الفارسي حتى وهو امير في المدائن فيعيش بها وكان يقول أحب أن أعيش من عمل يدي رغما عن راتبه ذكره في الاستيعاب
زقلت وفي ترجمته من الاصابة كان سلمان اذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص وياكل من كسب يده زقلت
____________________
(2/92)
العوام
ترجم في الاصابة احمد مولى ام سلمة فقال روى ابن منده من طريق عمران النخلي عن احمد مولى ام سلمة قال كنا غزاة فجعلت اعبر الناس في واداونهر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت في هذا اليوم الاسفينة واخرجه الماليني في ترجمة النخلي بالنون والخاء المعجمة وروى الامام الحافظ ابو مهدي عيسي بن سليمان الرعيني الاندلسي المالقي نزيل مشق في كتابه الجامع لما في المصنفات الجوامع من اسماء الصحابة الاعلام اولي الفضل والاقدام بسنده عن سفينة مولاه صلى الله عليه وسلم انه قال كنت معه صلى الله عليه وسلم في غزوة فمررنا بواد او نهر فكنت اعبر الناس فقال يعني النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت مند اليوم الاسفينة وترجم في الاصابة ايضا لسعد بن عبادة الانصاري فنقل عن ابن سعد كان في الجاهلية يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي فكان يقال له الكامل وترجم فيها ايضا لعبد الله بن الزبير فذكر انه جاء سيل بالبيت فطاف عبد الله بن الزبير سباحة
فائدة وفي حديث ابن عباس في السيرة انه صلى الله عليه وسلم قال في المدينة أحسنت العوم في بير بني عدي بن النجار قال الزرقاني في شرح المواهب استدل به السيوطي على انه صلى الله عليه وسلم عام رادا على القائل من معاصريه الظاهر انه لم يعم لانه لم يثبت انه صلى الله عليه وسلم سافر في بجر ولا بالحرمين بحر قال السيوطي وروى ابن القاسم البغوي وابن عساكر مرسلا وابن شاهين موصولا عن ابن عباس سبح صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/93)
فقال يسبح كل رجل الى صاحبه فسبح صلى الله عليه وسلم الى ابي بكر حتى عانقه وقال انا وصاحبي انا وصاحبي انظر ص 192 من ج 1 من السيرة الحلبية مع الرسالة العلمية للتجيبي واخرج ابن منده من طريق اسماعيل بن عياش عن سلمان بن عمرو الانصاري عن بكر بن عبد الله بن ربيع الانصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علموا اولادكم السباحة والرماية الحديث قال الحافظ في الاصابة في ترجمة بكر بن عبد الله واسماعيل يضعف في غير اهل بلده وهذا منه وشيخه غير معروف انظر ص 180 ج 1 وقد اورد الحديث المذكور في الجامع الصغير بلفظ علموا اولادكم السباحة والرماية ونعم لهو المرأة المغزل واذا دعاك ابواك أجب امك وعزاه لابن منده في المعرفة وابي موسى في الذيل والديلمي في مسند الفردوس عن بكر بن عبد الله بن ربيع الانصاري قال المناوي في التيسير بإسناد ضعيف لاكن له شواهد وأورده في الجامع ايضا بلفظ علموا اولادكم السباحة والرماية والمرأة المغزل وعزاه للبيهقي عن ابن عمرو قال في التيسير على قوله السباحة بالكسر العوم لانه منجاة من الهلك هـزاد في فتح القدير قيل لابي هاشم العوفي فيما كنت قال في تعليمي مالا ينسى وليس لشيء من الحيوان عنه غنى فقيل ما هو قال السباحة فانهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنهم هـواخرج النساءي والبزاز والبغوي والبارودي والطبراني وابو يعقوب اسحاق بن ابراهيم القراب في كتابه فضل الرمي وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن عطاء بن رباح قال رايت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الانصارى يرتميان فمل
____________________
(2/94)
احدهما فجلس فقال الاخر كسلت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو الا اربع خصال مشى الرجل بين الغرضين وتاديبه فرسه وملاعبته اهله وتعليم السباحة واخرج القراب من طريق مكحول ان عمر بن الخطاب كتب الى اهل الشام ان علموا اولادكم السباحة والفروسية واخرج القراب عن سلمان التيمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ان يكون الرجل سابحا راميا انظر الدر المنثور لدى قوله تعالى ! ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ! وللحافظ السيوطي رسالة سماها الباحة في فضل السباحة وفي الاكليل له على قوله تعالى في قصة يوسف انا ذهبنا نستبق ونلعب فيه مشرعية المسابقة ورياضة النفس والدواب وتمرين الاعضاء على التصرف هـزقلت بيع الماء
ترجم في الاصابة رومة الغفاري صاحب بير رومة فذكر انه روى عبد الله بن عمر وابن ابان انه لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكان لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة فكان يبيع القربه منها بالمد فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم بعنيها في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين الف درهم وجعلها للمسلمين & باب في الصيد وهو على انواع & ذكر من كان يتصيد بالكلاب
____________________
(2/95)
في الصحيح عن عدي سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت انا قوم نتصيد بهذه الكلاب فقال اذا ارسلت كلابك المعلمة وذكرت الله فكل مما امسكن عليك الا ان ياكل الكلب فلا تاكل فاني اخاف ان يكون انما امسك على نفسه وان خالطها كلب من غيرها فلا تاكل ذكر من كان يتصيد بالبزاة
في جامع الترمذي عن عدي بن حاتم سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ما امسك عليك فكل ذكر من صاد بالرمح
في صحيح مسلم عن ابي قتادة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان ببعض طريق مكة تخلف عن اصحاب له محرمين وهو غير محرم فراى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه وسال اصحابه ان يناولوه سوطه فابوا فسالهم رمحه فابوا عليه فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فاكل منه بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وابى بعضهم فادركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالوه عنه فقال انما هي طعمة اطعمكموها الله وفي مسلم ايضا انه صلى الله عليه وسلم قال فهل معكم منه شيء فقالوا معنا رجله فاخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكلها الصيد بالسهام
في صحيح مسلم عن عدي بن حاتم قال سالت النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/96)
عن الصيد فقال اذا رميت سهمك فاذكر اسم الله فان وجدته قد قتل فكل الا ان تجده وقع في ماء فانك لا تدري الماء قتله اوسهمك الصيد بالمعراض خشبة محددة الطرف وقيل في طرفها حديدة يرمى بها الصيد
في صحيح مسلم عن عدي ايضا سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المعراض قال اذا أصاب بحده فكل واذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيد اي ميتة قتل دون ذكاة الصيد باليد
في مسلم عن انس مررنا فاستنفحنا آثرنا ارنبا فسعيت حتى أدركتها فأتيت بها ابا طلحة فذبحها فجئت بوركها وفخذها للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها الصيد بالالآت
قال ابن عطية في تفسيره عند قوله سبحانه ^ يا ايها الذين امنوا ليبلونكم الله بشىء من الصيد تناله ايديكم ورماحكم ^ الظاهر أنه سبحانه خص الايدي بالذكر لانها معظم التصرف في الاصطياد وفيها يدخل ما عمل باليد من فخاخ وشباك هـوقد عقد ابو الفتح كشاجم في كتاب الصائد والطرائد باب المصائد التي يتوصل بها الى الصيد الالآت المتخذة لذلك الصيد على ضروب من الحيل وبالآت مختلفة زقلت
____________________
(2/97)
منع الصيد في جهة معينة او وقت مخصوص كما يقع اليوم
ترجم في الاصابة لضرار بن الازور الاسدي فقال يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الى منع الصيد من بني اسد هـمنها ص 269 من ج 3 الصياد
في البحر قال الله تعالى ! ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) ! وقال تعالى ! ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ) ! في صحيح مسلم عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر علينا ابا عبيدة نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر قال انطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كالكثيب الخضم فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر ميتة قال فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلاثمائة حتى ولقد رأيتنا نغترف من رقبة عينه بالقلال الدهن الزيت الحوتى فلقد أخذ ابو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في عينه وأخذ ضلعا من اضلاعه فأمالها ثم رحل اعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمه فلما قدمنا المدينة أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال هو رزق فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا به فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكله
زقلت وفي طبقات ابن سعد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كتب الى
____________________
(2/98)
بني جنبه وهم يهود بمغنا والى اهل مغنا ومغنا قريب من ايلة كتابا جاء فيه وان عليكم ربع ما أخرجت تخلكم وربع ما صادت عروككم والعروك خشب تلقى في البحر يركبون عليها فيلقون شباكهم يصيدون السمك زقلت & باب لم يتصيد صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة ولا اشترى صيدا &
قال الشعراني في كتابه منح المنة في التلبس بالسنة ص 33 وكان صلى الله عليه وسلم ياكل لحم الدجاج والطير الذي يصاد ولا يشتريه ولا يصيده ويحب أن يصاد له فيوتى به فياكله هـ
تنبيه من اجمع ما كتبه المتاخرون في الصيد واحكامه منظومة الامام البارع ابى اسحاق ابراهيم بن عبد الجبار بن احمد الفجيجي المترجم في دوحة الناشر وغيرها التي أولها
( يلومنني في الصيد والصيد جامع ** لاشياء للانسان فيها منافع )
( فاولها اكل الحلال به ** نصوص كتاب الله وهي مواضع )
( فصحة جسم ثم صحة ناظر ** واحكام اجراء السوابق رابع )
( وبعد عن الرذال مع صدق همة ** واغلاق باب القول والقال سابع )
( وايضا لعرض المرء فيه سلامة ** وحفظ لدينه وذلك تاسع )
( وفيه لاهل الفضل والدين عبرة ** وتذكرة لها لديهم مواقع )
( ويورث طب النفس والجود والسخا ** ويالف منه الصبر من هو جازع )
( ويشفي الهموم المهرمات عن الفتى ** ويقمع وجد الشيب كي لا يسارع )
( ويورث عند الالتحام شجاعة ** وفيه من السر الخفي بدائع )
____________________
(2/99)
( كرعي انتظام وافتقاد رعية ** وحفظ جناب من عدو ينازع )
( وتدبير امر الجيش والفتك بالعدا ** وصيد اسود الانس والامر ضارع )
( ويصفو دماغ المرء والجسم جملة ** من اخلاق سوء او فضول تطاوع )
( ويغني عن الطب الضعيف علاجه ** وما مثله للحزن والسقم دافع )
( وقد جاء سافروا تصحوا وتغنموا ** وذلك من قول النبوة شائع )
( وما ريء مفلوجا مريعا طريده ** حكى من ذوي التجريد قوم بلاتع )
( وايضا يزيد في الذكاء وفي الدها ** وذلك كله الى العقل راجع )
( وفيه حظوظ النفس من كل بغية ** وكل سرور بالمباح فواسع )
وهي قصيدة نفيسة سماها مؤلفها روضة السلوان وقد شرحها بشرح ممتع في مجلد وسط العلامة الجامع ابو محمد القاسم بن محمد بن عبد الجبار الفجيجيي وهو من اعيان اهل المائة الحادية رحمهما الله زقلت اعتناء البدوي بطرف بلاده يهديها له صلى الله عليه وسلم والعكس
كان له صلى الله عليه وسلم رجل من البادية يسمى زاهر كان يهادي النبي صلى الله عليه وسلم بموجود البادية اي بما يوجد حسنا من ثمارها وزهورها وكان صلى الله عليه وسلم يهاديه ويكافيه بموجود الحاضرة وبما يستظرف منها فكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الشمائل وغيرها زاهر باديتنا ونحن حاضرته اي ساكنها واذا تذكرناها سكن قلبنا برؤيتها ونستفيد ما يستفيده الرجل من باديته من انواع الثمار وصنوف النباتات فكانه صار باديتنا واذا احتجنا متاع البادية جاء به لنا فاغنانا عن السفر لها وقوله ونحن حاضرته اي يصل اليه منا ما يحتاج اليه من الحاضرة وتوقف بعض فيه
____________________
(2/100)
بان المنعم لا يليق به ذكر انعامه منع بانه ليس من ذكر المن بالانعام في شيء بل ارشاد الى مقابلة الهدية بمثلها او افضل قال ابن سلطان في شرح الشمائل وانما ذكره مع ما فيه من الايهام بذكر المنعم بإنعامه لكونه مقتضى المقابلة الدالة على حسن المعاملة تعليما لامته في متابعة هذه المجاملة هـو أخرج ابو يعلى عن زيد بن اسلم أن رجلا كان يهدي النبي صلى الله عليه وسلم العكة من السمن والعسل فاذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعط هذا متاعه فما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم ان يبتسم ويامر به فيعطي ووقع في حديث محمد بن عمرو بن حزم وكان لا يدخل المدينة طرفة الا اشترى منها ثم جاء فقال يا رسول الله هذا اهديته لك فاذا جاء صاحبه يطلب ثمنه جاء به فيقول اعط هذا الثمن فيقول الم تهده لي فيقول ليس عندي فيضحك ويامر لصاحبه بثمنه وقال ابن سلطان كان هذا الصحابي من كمال محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلما رأى طرفة اعجبته اشتراها واثره بها واهداها اليه على نية اداء ثمنها اذا حصل لديه فلما عجز صار كالمكاتب فرجع الى مولاه فالمكاتب عبد ما بقى عليه درهم فرجع بالمطالبة الى سيده ففعل هذا جد حق ممزوج بمزاح صدق وانظر ترجمة نعيمان من الاصابة واسد الغابة العمال في الحوائط
العمال في الحوائط
في الصحيحين وغيرهما عن ابي هريرة انه كان يقول ليقولون ما للمهاجرين
____________________
(2/101)
والانصار لا يحدثون بمثل حديثي فساخبركم ان اخواني من الانصار كان يشغلهم عمل اراضيهم وان اخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق
زقلت وذكر السيد السمهودي في جواهر العقدين عازيا للدارقطني قال من طريق ابن ابي عمر سمعت عبد الرحمان ابن ابي اسحاق المديني يحدث ان عمر بن الخطاب فقد عليا فقال اين ابو الحسن فقيل ذهب الى ارض له فقال اذهبوا بنا اليه فوجدوه يعمل فعملوا ساعة معه ثم جلسوا يتحدثون فقال علي لعمر يا امير المؤمنين أرأيت لو جاءك قوم من بني اسراءيل وقال لك احدهم انا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أكانت له اثرة عندك قال نعم قال فانا اخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه قال فنزع عمر رداء فبسطه فقال لا والله لا يكون لك مجلس غيره حتى نفترق فلم يزل جالسا عليه حتى تفرقوا قال السيد السمهودي انما اراد علي بذل الاعلام بما فعله عمر من التفقد له ومجيئه اليه وعمله معه في ارضه وهو امير المؤمنين لقرابته من نبينا صلى الله عليه وسلم وان الواحد من بني عم الانبياء الماضين وان بعد يستحق الاثرة على غيره فكيف بمن كان له هذا القرب من نبينا صلى الله عليه وسلم هـوفى ارشاد الساري عن محيي السنة ان رجلا مر بابى الدرداء وهو يغرس جوزة فقال اتغرس هذه وانت شيخ كبير وهى لا تطعم الا في كذا كذا عاما فقال ما علي ان يكون لي اجرها وياكل منها غيري وتقدم ان سعدا قبل المصطفى يده لما اخبره انه يضرب بها المسحاة وينفق على
____________________
(2/102)
عياله زقلت من كان من الصحابة يعطي ارضه بالربع والثلث
ترجم في الاصابة لجبر بن عتيك الانصاري فذكر ان ابن منده روى في ترجمته من طريق حجاج ابن ارطاة عن ابراهيم بن مهاجر عن موسى بن طلحة قال رايت جبرا وسعدا وابن مسعود يعطون ارضهم بالربع والثلث زقلت المستدل على محل الماء من تحت الارض واستخراجه
ترجم في الاصابة لعبد الله بن عامر بن كريز القرشي فذكر انه اتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتفل عليه ويعوده فجعل يتبلع ريق النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم انه لمسقي وكان لا يعالج ارضا الا ظهر له الماء حكاه ابن عبد البر وذكر الحافظ انه اول من اتخذ الحياض بعرفة واجرى اليها الماء
قلت يسمى هذا العلم علم الريافة وعلم انباط المياه وبالاخير عنون عنه ابن الاكفاني في ارشاد القاصد قال هو علم يتعرف منه كيفية استخراج المياه الكامنة في الارض واظهارها ومنفعة احياء الارضين الميتة وافلاحها وللكرخي فيه كتاب مختصر وفي خلال كتابه الفلاحة النبطيه مهمات هذا العلم هـوقال من سماه علم الريافة هو معرفة استنباط الماء من الارض بواسطة بعض الامارات الدالة على وجوده فيعرف بعده وقربه بشم التراب وبرائحة بعض النباتات فيه او بحركة حيوان مخصوص وهو من روع الفراسة
____________________
(2/103)
السقاء الذي يحمل الماء على ظهره
ابو عقيل صاحب الصاع ذكره ابو عمر بن عبد البر في الاستيعاب بذلك الحمل على الظهر
في سنن النساءي عن ابن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يامرنا بالصدقة فما يجد احدنا ما يتصدق به حتى ينطلق الى السوق فيحمل على ظهره فيجيء الحديث الحجام والحلاق
ابو هند الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم انما ابو هند امرؤ من الانصار ونكحوه كان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره ابن اسحاق ص 77 من ج 2 في غزوة منصرفه صلى الله عليه وسلم منها وابو طيبة حجام النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه في الموطا
زقلت وقال السهيلي في الروض واما ابو طيبة الحجام فهو مولى بني حارثة واسمه نافع وقيل ميسرة ولم يشهد بدرا هـوترجم في الاصابة خراش بن امية فذكر انه الذي حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي العمرة التي تليها ثم ترجم ايضا لخراش بن مالك فذكران علي بن سعد العسكري قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ قال لقد عظمت امانة رجل قام عن اوداج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديد قال في التجريد ولعله تابعي ثم ترجم ايضا لسالم الحجام فنقل عن ابي عمر انه حجم المصطفى صلى الله عليه وسلم وشرب دم المحجم
____________________
(2/104)
وترجم ايضا لمعمر بن نضلة فذكر عنه انه قال قمت على راس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي موسى لاحلق راسه فقال يا معمر مكنك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شحمة اذنيه قلت ذاك من منن الله علي قال اجل فحلقت راسه وترجم ايضا لابي رحيمة بالحاء او الخاء فقال ذكره ابو نعيم واخرج من طريق روح بن جناح عن عطاء بن نافع عن ابى رحمة قال حجمت النبي صلى الله عليه وسلم فاعطاني درهما وفي سنده ضغيف وقد ترجم البخاري في كتاب البيوع باب ذكر الحجام وادرج فيها حديث ابي طيبة وفي فتح الباري قال ابن المنبر ليست هذه الترجمة تصويبا لصنعة الحجامة فانه ورد فيها حديث يخصها وان كان الحجام لا يظلم اجره فالنهي على الصانع لا على المستعمل والفرق بينهما ضرورة المحتجم للحجامة وعدم ضرورة الحجام لكثرة الصنائع سواها قال الحافظ اثره ان اراد بالتصويب التحسين والندب اليها فهو كما قال وان اراد التجويز فلا فانه يجوز تعاطيها للضرورة ومن لازم تعاطيها للمستعمل تعاطيها للصانع لها فلا فرقق الا بما اشرت اليه اذ لا يلزم من كونها من المكاسب الدنية ان لا تشرع ولو تواطا الناس على تركه لا ضر بهم هـ اللحام وهو الجزار والقصاب
في الصحيح عن ابن مسعود قال جاء رجل من الانصار يكنى ابا شعيب فقال لغلام له قصاب اجعل لي طعاما يكفي خمسة فانى اريد ان ادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة الحديث
زقلت وهو في جامع الترمذي بلفظ لحام قال محشيه لحام بصيغة
____________________
(2/105)
المبالغة بائع اللحم والفاظ الحرفة واقعة بصيغة المبالغة بناء على كثرة عملهم ومزاولتهم هـوترجم في الاصابة لخالد بن اسيد بن ابي العيص الاموي فنقل عن ابن دريد كان جزارا وترجم فيها ايضا لكرام فقال الجزار صاحب الزقاق المعروفة بالمدينة ذكره عمرو بن شبة وفي التلقيح للحافظ ابن الجوزي كان الزبير وعمرو بن العاص وعامر بن كريز جزارين هـوفي الصحيح ايضا ان عليا امره النبي صلى الله عليه وسلم ان يقوم على بدنه وان يقسم بدنه كلها لحومها والجلود زقلت الحرف الممتهنة في نظره صلى الله عليه وسلم
اخرج الطبراني من طريق عبد الرحمان بن عثمان الوقاصي عن ابن المنكدر عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهبت خالتي فاختة بنت عمرو غلاما وامرتها ان لا تجعله جازرا ولا صائغا ولا حجاما والوقاصي ضعيف قاله الحافظ في ترجمتها من الاصابة ولاكن قال الذهبي في التجريد فاختة وهبها صلى الله عليه وسلم غلاما جاء في حديث واه وفي سنن ابي داوود اني وهبت لخالتي غلاما واني ارجو ان يبارك لها فيه فقلت لها لا تسمه حجاما ولا صائغا ولا قصابا وقال ابو الحسن السندي في حواشي مسند احمد قيل انما كره الحجام والقصاب لاجل النجاسة التي يباشرانها مع تعذر الاحتراز واما الصائغ فلما يدخل في صياغته من الغش ولانه يصوغ الذهب والفضة وربما كان منه انية او حلى للرجال وهذا حرام او لكثرة الوعد والكذب في كلامه هـوفي الذهب الابريز للقاوقجي وفيه اشعار بخسة هذه الصنائع ه
____________________
(2/106)
الطباخ
في الشمائل عن ابي عبيدة طبخت للنبي صلى الله عليه وسلم قدرا وفى الاستيعاب ابو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم
زقلت وقد وقع حديثه بذلك في شمائل الترمذي وجامع الدارمي وفي الاصابة بريل مصغر اخرج ابن شاهين عن بريل السهالي قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة رجل يعالج لاصحابه طعاما فئاذاه وهج النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصيبك حر من جهنم بعدها انظر ص 151 ج 1 زقلت صنيعة الخزيرة
بخاء وزاي معجمتين فياء فراء فتاء تانيث ترجم في الاصابة لخولة بنت قيس الانصارية الخزرجية فذكرعن تخريج ابن منده عن خولة بنت قيس قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فصنعت له خزيرة فلما قدمت له وضع يده فيها فوجد حرها فقبضها ثم قال يا خولة لا نصبر على حر ولا نصبر على برد وعن عائشة اتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له وقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها كلي فابت فقلت لها كلي فابت فقلت لها اما كلي او لا لطخن بها وجهك فابت فوضعت يدي في الخزيرة فلطخت بها وجهها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع فخذه لها وقال لسودة الطخي وجهها فلطخت بها وجهي فضحك صلى الله عليه وسلم الحديث رواه ابن غيلان من حديث الهاشمي واخرجه الملا في سيرته قال في المواهب
____________________
(2/107)
والخزيرة اللحم بقطع صغارا او يصب عليه ماء كثير فاذا نضج در عليه الدقيق هو في القاموس الحريرة يعني بالاهمال الدقيق يطبخ بلبن او دسم وفي مناهج الاخلاق السنية للفاكهي المكي واكل صلى الله عليه وسلم الخزيرة بخاء معجمة ثم راء مكسورة وبعد التحتانية راء وهي لحم تقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه الدقيق وهو الذي صنعته عائشة وقدمته وعنده بعض نسائه التي مزحت معها وقيل هي شيء على هيئة العصيدة لاكنها ارق وفي جوهرة الغواص هي بخاء معجمة اذا صنعت من نخالة وبالمهملة اذا صنعت من اللبن وفي موجبات الرحمة للرداد ترجيح الاول هـ الشواء
في سنن النساءي عن ابي رافع قال كنت اشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم زقلت صاحب الخبر
ترجم في الاصابة مرداس المعلم فقال ذكره ابو زيد الدبوسي في كتاب الاسرار بغير سند فقال مر النبي صلى الله عليه وسلم بمرداس المعلم فقال اياك والخبز المرقق والشرط على كتاب الله قال وهذا لم اقف له على سند
قلت ان ثبت هذا الخبز يرد به قول الحافظ ابن القيم في الطرق الحكمية انما لم يقع التسعير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة لانه لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكرا ولا من يبيع طحينا وخبزابل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم هـمنه 233 زقلت هل كانت الاقراص النبوية صغارا
____________________
(2/108)
في المواهب وشرحها وقد تتبعت هل كانت اقراص خبز النبي صلى الله عليه وسلم صغارا ام كبارا فلم اجد شيئا في ذلك بعد التفتيش نعم روى امره بتصغيرها في حديث عند الديلمي عن عائشة رفعته بلفظ صغروا الحبز واكثروا عدده يبارك لكم فيه وهو واه بحيث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال ان المتهم به جابر بن سليم وروي عن ابن عمر رفعه البركة في صغر القرص ونقل عن النساءي انه كذب لاكن روى البزار والطبراني في الكبير بسند ضعيف كمال قال الحافظ ابن حجر وقال شيخه النور الهيثمي فيه ابو بكر بن مريم وقد اختلط وبقية رجاله ثقات عن ابي الدرداء مرفوعا قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه قال في النهاية وحكى عن الاوزاعي انه تصغير الارغفة وكذا حكى البزار عن ابراهيم بن عبد الله عن بعض اهل العلم انه تصغير الارغفة اشار الى ذلك السخاوي في المقاصد وفي باب ما يستحب من الكيل من فتح الباري على قوله صلى الله عليه وسلم كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه قيل في مسند البزار ان المراد بكيل الطعام تصغير الارغفة ولم اتحقق ذلك ولا خلافه هـوفي موضوعات علي القاري نقلا عن الزركشي حديث الامر بتصغير اللقمة وتدقيق اللقمة قال النووي لا يصح هـوفي منظومة ابن العماد في اداب الاكل والطعام
( قالوا وما صح في طحن الطعام ولا ** تصغير لقمته شيء لذي اكل )
هـوانت تعلم ان نفي الصحة لا يستلزم ماعداها ثم قال في المواهب ولعل هذا مستند ابي اسحاق ابراهيم المبتولي في تصغيره ارغفة سماطه
____________________
(2/109)
كالشيخ ابي العباس البدوي والسادات الوفائية هـوفي شرح المنتهى من كتب الفقه الحنبلي للشيخ منصور البهوتي الحنبلي وعن احمد الخبز الكبار ليس فيه بركة وذكر معمر ان ابا اسامة قدم لهم طعاما فكسر الخبز قال احمد ليلا يعرفوا كم ياكلون هـمنه والى مضمن كلام القسطلاني في المواهب اشار صاحب المقالات السنية فانه بعد ان ذكر حديث صغروا طعامكم يبارك لكم فيه قال
( روى الحديث باسناد به ضعف ** عزى الرواية للاوزاعي ذي الرسم )
( ان المراد به تصغير ارغفة ** البزار ايضا عن ابراهيم ذي النعم )
( يدعى ابو الندب عبد الله والده ** الجنيد عن بعض اهل العلم والحكم )
( ان المراد به تصغير ارغفة ** ولعل ذا سند للعارف الفهم )
( شيخ الطريقة في تصغير ارغفة ** سماطه كابي العباس ذي القدم )
( والاصطفا احمد البدوي ثم اولي ** المواهب والسادات ذو القدم )
( بنو الوفا والصفا اهل المعارف ا ** كسير السعادات والسادات في الازم )
( وقد تتبع بعض الحافظين بان ** يحيط علما بخبر خيز ذي النعم )
( هل كانت اقراص خبز المجتبى صغرا ** ام كبارا فلم يوجد بكتبهم )
( شيئا سوى صغروا الخبز الحديث عن ** رمتة صاحب المصطفى الرضى الفهم )
( الديلمي رواه عن بعض وروي ** حديث اصدق الخلق في الرمم )
هـتنبيه في ترجمة تملك التابعية الكوفية من طبقات ابن سعد انها سالت ام سلمة قالت اذا وضعت السكين في الخبز فاذكري اسم الله وكلي انظر ص 362 ج 8 ففيه انهم كانوا يقطعون الخبز بالسكين
____________________
(2/110)
الماشطة
قال ابن فتحون زفر ماشطة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تاتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويكرمها ويقول انها كانت تاتينا ايام خديجة وقال ابن اسحاق في السيرة لما اعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفيه بنت حيي بن اخطب بخيبر او بعض الطريق كانت التي جملتها ومشطتها واصلحت من امرها ام سليم بنت ملحان
زقلت في طبقات ابن سعد ان المصطفى صلى الله عليه وسلم لما اشترى صفية من دحية الكلبي دفعها الى ام سليم حتى تهيئها وتصنعها وتعتد عندها وترجم في الاصابة لامنة بنت عفان بن ابي العاص اخت امير المومنين عثمان فذكر عن ابن الكلبي انها كانت في الجاهلية ماشطة وذكر فيها ايضا لشبرة بنت صفوان القرشية فذكر عن ابن الكلبي انها كانت ماشطة تقني النساء بمكة وترجم فيها ايضا لام رعلة القشيرية فذكر عن المستغفري انها كانت امراة ذات لسان وفصاحة فقالت السلام عليك يا رسول الله وررحمة الله وبركاته انا ذوات الجدود ومحل ازهار البعول ومن بنات الاولاد ولا حظ لنا في الجيش فعلمنا شيئا يقربنا الى الله وفيه فقالت اني امراة مقنية اقين النساء وازينهن لازواجهن فهل من حوب فانبط عنه فقال لها يا ام رعلة قينهن وزينهن لخ القصة وفي رواية اخرى فكان المصطفى بها متعجبا وفي التجريد ام رعلة القشيرية لها وفادة في حديث واه هـوفي باب ذكر القن والحداد من فتح الباري واما قول ام ايمن قنيت عائشة فمعناه زينتها قال الخليل
____________________
(2/111)
التقيين التزيين ومنه سميت المقنية قينة لان من شأنها الزينة هـمنه
تتمة خرج ابو داوود في سننه عن عائشة قالت أردت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقبل عليها بشيء مماتريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه أحسن السمن ترجم عليه ابو داوود باب في السمنة زقلت المحرشة بين النساء
ترجم في الاصابة لحميدة بالتصغير مولاة اسماء بنت ابي بكر الصديق وهي والدة اشعب الطامع فقال قيل كانت تدخل بين ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وتحرش بينهن فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعزيرها وقيل دعا عليها فماتت وهذا لا يصح لان اشعب ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة فلعلها أصابها بدعائه مرض اتصل بها الى أن ماتت بعده بمدة وفي محل آخر من الاصابة أن ولدها اشعب افتخر بذلك فقيل له ويحك او يفتخر بهذا احد فقال لو لم يكن موثوقا بها عندهن ما قبلن منها زقلت المرأة تذهب لجس نبض الرجل هل له بزواج فلانة ارب
في ترجمة خديجة من الاصابة عن نفيسة بنت أمية اخت يعلى قالت كانت خديجة امرأة شريفة كثيرة المال ولما تأيمت كان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها فلما سافر النبي صلى الله عليه وسلم في تجارتها ورجع بربح وافر رغبت فيه فارسلتني دسيسا اليه فقلت ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي شيء فقلت فإن كفيت ودعيت الى المال والجمال والكفاءة قال ومن قلت خديجة فاجاب وانظر ترجمتها من طبقات ابن
____________________
(2/112)
سعد زقلت النساء الممرضات اللائي كن يرافقن المصطفي صلى الله عليه وسلم في الغزو وما كان الصحابيات يظهرن من ضروب الشجاعة وخفة الحركة ومساعدة الغزاة
ترجم في الاصابة للربيع بنت معوذ بن عفراء فنقل عن ابي عمر كانت ربما غزت مع النبي صلى الله عليه وسلم واخرج البخاري والنساءي وابو مسلم الكجى عن الربيع قالت كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى الى المدينة وترجم في الاصابة لرفيدة الانصارية او الاسلمية فذكر عن ابن اسحاق في قصة سعد بن معاذ لما اصيب يوم الخندق فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم اجعلوه في خيمة رفيدة التى في المسجد حتى اعوده من قريب وكانت امراة تداوي الجرحي وتحبس نفسها على خدمة من كان ضيعة من المسلمين ونحوه للبخاري في الادب المفرد وفي ترجمة كعيبة بنت سعد الاسلمية نقلا عن ابن سعد هي التي كانت تكون في المسجد لها خيمة تداوي المرضى والجرحي وكان سعد بن معاذ حين رمى يوم الخندق عندها تداوي جرحه حتى مات وشهدت خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم فاهسم لها بسهم رجل وفي ترجمة ليلى الغفارية كانت تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه تداوي الجرحى وتقوم على المرضى واخرج ابن مردوية في تفسيره عن معادة الغفارية قالت كنت انيسا لرسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج معه في الاسفار اقوم على
____________________
(2/113)
المرضى واداوي الجرحى ولاكن في التجريد ليلى الغفارية كانت تداوي في المغازي الجرحى في خبر باطل هـ
قلت الخبر الباطل مبسوط في الاصابة وفيها ايضا في ترجمة ام ايمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته عن الواقدي حضرت ام ايمن احدا وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى وشهدت خيبر وترجم لام زياد الاشجعية فذكر انها خرجت مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر سادسة ست نسوة قال فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الينا قال باذن من خرجتن وراينا في وجهه الغضب فقلن خرجنا ومعنا دواء نداوي به الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق الحديث وفيه انه قسم لهن من التمر اخرجه ابو داوود والنساءي وابن ابي عاصم وفي طبقات ابن سعد في ترجمة ام سنان الاسلمية قالت لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج الى خيبر جئته قلت يا رسول الله اخرج معك اخرز السقاء واداوي المريض والجريح ان كانت جراح وابصر الرحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجي علي بركه الله فان لك صواحب قد كلمنني واذنت لهن من قومك ومن غيرهم فان شئت فمع قومك وان شئت فمعنا قلت معك قال فكوني مع ام سلمة زوجتي قالت فكنت معها وانظر ترجمة ام كبشة القضاعية من الاصابة وام روقة الانصاوية وقد ترجم الشامي في سيرته استصحابه صلى الله عليه وسلم بعض النساء لمصلحة المرضى والجرحى ومنعه من ذلك في بعض الاوقات فذكر قصة حديث ليلى الغفارية وعزاها للطبراني ثم ذكر ان الطبراني خرج
____________________
(2/114)
برجال الصحيح عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بنا نسوة من الانصار نسقي الماء ونداوي الجرحى ثم ذكر ان الطبراني خرج في الكبير والاوسط ورجالهما رجال الصحيح عن ام كبشة امرأة من بني عذرة قضاعة قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ايذن لي اخرج في كذا جيش كذا وكذا قال لا قلت يا رسول الله انه ليس اريد ان اقاتل انما رايد ان اداوي الجرحي والمرضى قال لولا ان يقال فلانة خرجت لادنت لك ولاكن اجلسي فاقتصر علي ما ذكر فكان ما ذكرناه لم يتيسر له والحمد لله وقد بوب البخاري في كتاب المغازي باب جهاد النساء وباب غزو المراة في البحر وباب حمل الرجل امراته في الغزو دون بعض نسائه وباب غزو النساء وقتالهن مع الرجال وباب حمل النساء القرب الى الناس في الغزو وباب مداواة النساء الجرحى في الغزو وباب رد النساء الجرحى والقتلى وخرج فيها عن انس لما كان يوم احد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولقد رايت عائشة وام سليم مشمرتان ارى خدم خلاخل سوقها تنغزان تنقلان القرب على متونهما ثم ترجعان فتملآنهما ثم تجيئان فتفرغانه في افواه القوم واخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كانت النساء لتشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد ويسقين المقاتلة ويداوين الجرحى ولابي داوود من طريق حشرج بن زياد عن جدته انهن خرجن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم سالهن عن ذلك فقلن خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ونداوي الجرحى ونناول السهام ونسقي السويق ووقع عند مسلم عن
____________________
(2/115)
انس ان ام سليم اتخذت خنجرا يوم حنين وقالت اتخذته ان دنى مني احد من المشركين بقرت به بطنه وذكر في ترجمة ام عمارة الانصارية عن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد الا وانا أراها تقاتل دوني وفي العتبية قال مالك كان النساء يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة يسقين الماء ويداوين الجرحى قال ابن رشد في البيان والتحصيل لا خلاف في خروج النساء في الغزو مع الجيش المامون ليخدمن الغزاة هـوقال شيخنا الشبيهي في الفجر الساطع على قوله في هذه الترجمة وتداوي الجرحى قال القرطبي معناه أنهن يهيئن الادوية للجراح ويصلحنها ولا يلمسن من الرجال ما لا يحل ثم أولائك النساء إما متجالات فيجوز لهن كشف وجههن وأما الشواب فيحتجبن وهذا كله على عادة نساء العرب في الانتهاض والنجدة والجرأة والعفة وخصوصا نساء الصحابة فإن اضطر لمباشرتهن بانفسهن جاز والضرورات تبيح المحظورات وقال ابن زكري فيه معالجة الاجنبية للرجل للضرورة هـونقل الشيخ عبد الغني النابلسي في شرح الطريقة المحمدية عن والده أن ابن الزبير لما مرض بمكة استاجر عجوزا لتمرضه فكانت تغمز رجله وتفلي رأسه هـمنه زقلت النسوة التاجرات
زيادة على ما سبق تقدم منهم وياتي جماعات وفي ترجمة قيلة الانمارية من الاصابة عنها من تخريج ابن ماجه قلت يا رسول الله إني امرأة أشتري وأبيع الحديث وفي ترجمتها من طبقات ابن سعد ص 238 من ج 8 عن
____________________
(2/116)
قيلة أم بني انمار قالت جاء النبي صلى الله عليه وسلم الى المروة ليحل في عمرة من عمره فجئت أتوكأ على عصا حتى جلست اليه فقلت يا رسول الله أني امرأة أبيع وأشتري فربما أردت أن أشتري السلعة فأعطى بها اقل مما أريد أن آخذها به ثم زدت ثم زدت حتى اخذها بالذي أريد ان اخذها به وربما أردت أن ابيع السلعة فأستمت بها اكثر مما أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتفعلي هكذا ياقيلة ولاكن اذا أردت أن تشتري شيئا فأعطي به الذي تريدين أن تاخذيه به أعطيت او منعت واذا أردت أن تبيعي شيئا فاستامي الذي تريدين أن تبيعيه به أعطيت او منعت وفي تحفة الناظر للقاضي العقباني استشكال ما قيل من تأكد الابعاد بين السماسرة والنساء لما يخشى من الفتنة مع ما جاء في المذهب من اباحة التجر للمرأة وأن الزوج ليس له منعها من الخروج لذلك وليس التجر وتعاطي اسبابه بمقصور على المامون عليها اذ لها اقتناء الربح من اي رجل كان والا لما كان تجرأ ثم أجاب عنه بانه لا يلزم من اباحة التجر لها أن تليه بنفسها ولعلها توكل من يقوم به عنها من الامناء محرما او غيره قال وما ذكرناه من أنه لا يمنعها من الخروج للتجارة نقله في الحادي عن المجموعة قال بعض الشيوخ يفهم من قوله ليس له منعها من التجارة أنه ل يغلق عليها وهو منصوص في الوثائق المجموعة في كتاب الوصايا هـوفي شرح ابي يحيى التازي على الرسالة وأما البيع والشراء فيمنعها من ذلك في
____________________
(2/117)
الاسواق ويجوز لها ذلك في الدار ويدخل اليها الرجال لاكن تبايعهم من وراء حجاب ولا تفتقر فيه الى اذن زوجها هـمنه القابلة
قال في الاستيعاب عند ذكر ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم إن قابلته سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ابي رافع فبشر به ابو رافع النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا وهي قابلة النبي صلى الله عليه وسلم وهي غسلت فاطمة عليها السلام مع زوجها
زقلت وفي ترجمة خديجة من الاصابة وكانت قابلتها سلمى مولاة صفية وكانت تسترضع لولدها وتعد ذلك قبل أن تلد وفي ترجمة سوداء من الاصابة أنه جاء بإسناد فيه مجهول أنها كانت قابلة لفاطمة حين وضعت الحسن الخافضه كالختان للغلام
قال صلى الله عليه وسلم لام عطية وكانت تخفض النساء أشمى لا تنقصي ولا تنهكي لا تبالغي فإنه اسرى للوجه واحظى عند الزوج اكثر لماء الوجه ودمه واحسن في جماعها المرضعة
ذكرفي الاستيعاب أم بردة بنت المنذر بن زيد فقالت هي التي أرضعت ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه لها صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/118)
ساعة وضعته أمه فلم تزل ترضعه حتى مات عندها
زقلت نحوه في الاصابة وعقبه بقوله وقال ابو موسى المشهور أن التى أرضعته أم سفيان ولعلهما جميعا أرضعتاه زقلت المرأة تمثل النسوة في المجلس النبوي
في ترجمة اسماء بنت يزيد بن السكن الانصارية من الاستبصار روي عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين يقلن بقولي وعلى مثل رأيي أن الله بعثك الى الرجال والنساء فامنا بك واتبعناك ونحن معشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت وموضع شهوات الرجال وحاملات اولادكم وأن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز واذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم اموالهم وربينا اولادهم أفنشاركهم في الاجر يا رسول الله فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه الى اصحابه وقال لهم هل سمعتم مقالة امرأة احسن سؤالا عن دينها من هذه فقالوا لا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرفي يا اسماء وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل احداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته تعدل كل ما ذكرت فانصرفت اسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هـزقلت المغزل
أخرج ابو نعيم في المعرفة عن عبد الله بن ربيع الانصاري رفعه علموا ابناءكم السباحة والرماية ونعم لهو المومنة في بيتها المغزل وأخرج ابن
____________________
(2/119)
عدي عن ابن عباس رفعه لا تعلموا نساءكم الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وقال خير لهو المومن السباحة وخير لهو المومنة الغزل وخرج الديلمي عن انس رفعه نعم لهو المرأة مغزلها وتقدم حديث عمل الابرار من الرجال الخياطة وعمل الابرار من النساء المغزل وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس رفعه زينوا نساءكم بالمغزل وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن بكار السكسكي حدثنا موسى ابن عوف حدثنا النفيلي حدثنا زياد بن السكن قال دخلت على أم سلمة وبيدها مغزل تغزل به فقلت كلما أتيتك وجدت في يدك مغزلا فقالت إنه يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس وأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن اعظمكن اجرا اطولكن طاقة وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن يزيد بن مروان عن زياد بن عبد الله القرشي قال دخلت على هند بنت المهلب بن ابي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف فرأيت في يدها مغزلا تغزل به فقلت أتغزلين وانت ابنة امير قالت سمعت ابي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطولكن طاقة اعظمكن اجرا وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس وأخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل قال الحاكم صحيح الاسناد وأخرجه البيهقي في شعب الايمان من طريق الحاكم وأخرج ابن سعد عن ام صفية خولة قالت كنا نكون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وصدرا من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تخاللن وربما غزلت بعضنا فيه الخوص
____________________
(2/120)
فأخرجنا منه عمر وقد أفرد هذه الترجمة الحافظ السيوطي بجزء سماه الاجر الجزل في الغزل وهو عندي ومنه لخصت ما سقته هنا في المغنين ذكر المغنين في الاعياد
في الصحيحين عن عائشة جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد فدعاني صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر الى لعبهم حتى كنت انا الذي انصرف عن النظر اليهم وفيهما ايضا أن ابا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في ايام منى يغنيان ويضربان الدف ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما ابوبكر فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وقال دعهما يا ابا بكر فإنها ايام عيد
زقلت وخرج الامام احمد وابن ماجه عن قيس بن سعد بن عبادة قال ما من شيء كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا قد رأيته الا شيئا واحدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغلس له يوم الفطر وقال جابر هو اللعب وروى ابن ماجه عن عياض الاشعري أنه شهد عيدا بالانبار فقال ما لي لا أراكم تغلسون كما كان يغلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطبراني عن أم سلمه قالت دخلت على جارية لحسان ابن ثابت يوم فطر ناشرة شعرها معها دف فزجرتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعيها يا أم سلمة فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا
وخرج مسلم عن عائشة قالت دخل علي ابو بكر وجاريتان من جواري
____________________
(2/121)
الانصار تغنيان بما تقاولت به الانصار يوم بعاث يوم معلوم بين الاوس والخزرج فقالت وليستا مغنيتين قال ابو بكر أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا بكر لكل قوم عيد وهذا عيدنا وخرجه البخاري فقال مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
زقلت قال الحافظ ابو بكر محمد بن عبد الله بن احمد بن حبيب العامري البغدادي في مؤلفه في السماع من تمسك بتسمية ابي بكر مزمار الشيطان فقد أخطأ وأساء الفهم من وجوه منها تمسكة بقول ابي بكر مع رد النبي صلى الله عليه وسلم له قوله وزجره عن عنفه لهن ورجوع ابي بكر الى اشارة المصطفى ومنها اعراض هذا القائل عن اقراره صلى الله عليه وسلم واستماعه الذي لا احتمال فيه انه يقتضي الحل والاطلاق الى لفظ ابي بكر ومحال أن يعتقد ابو بكر تحريم امر حضره المصطفى وأقر عليه مع علم الصديق أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل والصحيح أن يفهم من قول ابي بكر ما يليق به وهو أنه رأى ضرب الدف وانشاد الشعر لعبا من جملة المباح الذي ليس فيه عبادة فخشي باطنه الكريم من تعظيم حضرة النبوة واحترام منصب الرسالة وشدة الاحتشام ما حمله على تنزيه حضرته صلى الله عليه وسلم عن صورة اللعب ورأى أن الاشتغال بالذكر والعبادة في ذلك الموطن الكريم اولى فزجر عنه احتراما لا تحريما فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم انكاره لامرين احدهما أن لا يعتقد تحريم
____________________
(2/122)
ما أبيح في شرعه توسعة لامته ورفقا بها وتفسحا في بعض الاوقات والثاني اظهار الشارع مكارم الاخلاق وسعة الصدر لاهله وأمته فتستريح قلوبهم ببعض المباح فيكون انشط لهم في العود الى وظائف العبادة كما قال لما قال ابو بكر أقرآن وشعر فقال صلى الله عليه وسلم ساعة من هذا وساعة من هذا هـزقلت هل كانت الدفوف في الزمن النبوي بالجلاجل وهل سمع الصحابة العود والوتر
قال الخزاعي هنا
لم أقف في شيء مما طالعته من الكتب ما استدل به على الدفوف التى كانت الجواري يضربن بها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فيها جلاجل ام لا ولاكن يحتمل اجازة ابي حامد استعمال ما فيه الجلاجل من الدفوف ثبوت استعمالها في عهده صلى الله عليه وسلم ولذلك اباح استعمالها هـقلت قد وجدت التلمساني في شرح الشفا المسمى المنهل الاصفى قال كانت العرب تعمل في دفوفها الجلاجل وانظر قوله في الحديث وجويرات يلعين بالدف هل هو المدور او ذو الجلاجل هـوقال العلامة الكمال الادفوي في الامتاع ما ادعوه أن الدفوف التى كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم لم يكن لها جلاجل نفي يحتاج الى الاثبات ولو ثبت لم يكن فيه حجة انما الحجة أن لو كان ثم منع هـوذكر الشيخ ابو المواهب التونسي في تاليف له في اباحة سماع الآلات أن جمعا من الصحابة والتابعين
____________________
(2/123)
سمعوا نقر العود فمن الصحابة ابن عمرو وعبد الله ابن جعفر وعبد الله ابن الزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم هـنقله عنه القاضي ابن الحاج في حواشي شرح المرشد وفي رسالة ابطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع للحافظ الشوكاني ذكر الاستاذ ابو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء باسا ويسوغ الالحان لجواريه ويسمعها منهن على اوتاره وكان ذلك في زمن امير المومنين علي كرم الله وجهه وقال امام الحرمين في النهاية وابن ابي الدم نقل الاثبات من المؤرخين أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات وأن ابن عمر دخل عليه والى جنبه عود فقال ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناوله اياه فتأمله ابن عمر وقال هذا ميزان شامي فقال ابن الزبير توزن به العقول زقلت ذكر اسماء المغنيات في المدينة في العهد النبوي
تقدم في الحديث قبله وجاريتان تغنيان من جواري الانصار قال في الفجر الساطع جاريتان دون بلوغ لعبد الله بن أبي اسم احدهما حمامة
قلت سمي منهما حمامة في رواية ابن فليح عند ابن ابي الدنيا عن هشام عن ابيه عن عائشة انظر ترجمة حمامة من الاصابة وترجم فيها لارنب المغنية المدنية وقال روينا في الجزء الثالث من امالي المحاملي من طريق ابن جريج أخبرنا ابو الاصبغ أن جميلة المغنية أخبرته أنها سألت جابر ابن عبد الله عن الغناء فقال نكح بعض الانصار بعض اهل عائشة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت عروسك قالت نعم قال
____________________
(2/124)
فأرسلت معها بغناء فإن الانصار يحبونه قالت لا قال فادركيها بارنب امرأة كانت تغني بالمدينة وترجم ايضا لزينب الانصارية فقال جاء أنها كانت تغني بالمدينة فأخرج الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في كتاب الصفوة من طريق المحاملي أن جميلة أخبرته أنها سألت جابر بن عبد الله عن الغناء فقال نكح بعض الانصار بعض اهل عائشة فذكر قصة تشبه التي قبلها وفيها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فأدركيها بارنب امرأة كانت تغني بالمدينة وانظر ترجمة فريعة بنت معوذ بن عفراء وقال الحافظ في كتاب النكاح من الفتح على حديث النسوة اللاتي يهدين المرأة الى زوجها ودعائهن بالبركة وفيه فإن الانصار يعجبهم اللهو وفي حديث ابن عباس وجابر قوم فيهم غزل وفي حديث جابر عند المحاملي أدركيها بزينب امرأة كانت تغني بالمدينة ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التى وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وكنت ذكرت هناك أن اسم احداهما حمامة كما ذكره ابن ابي الدنيا في العيدين له بإسناد حسن وإني لم أقف على اسم الاخرى وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه هـ
قلت انظر هذا مع ما نقله الخزاعي هنا عن المشارق على قوله جاريتان تغنيان قال وليستا بمغنيتين الغناء الاول من الانشاد والثاني من الصفة اللازمة اي ليستا ممن اتصف بهذا واتخذه صناعة الا كما ينشد الجواري وغيرهن من الرجال في خلواتهن ويترنمن به من الاشعار في شئونهم ويحتمل أن يكون ليستا بمغنيتين هذا الغناء المصنوع العجمي الخارج
____________________
(2/125)
عن انشاد العرب هـقال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس ابليس الظاهر من هاتين الحاريتين صغر السن لان عائشة كانت صغيرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير اليها الجواري يلعبن معها ثم ذكر بعض طرق القصة وفيها ما كانوا يغنون به فقال فبان بما ذكرناه ما كانوا يغنون به وليس مما يطرب ولا كانت دفوفهن على ما يعرف اليوم هـمنه ص 240 وقال النووي في شرح مسلم وقوله وليستا يمغنيتين معناه ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به قال القاضي وانما كان غناهما بما هو من اشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور وهذا لا يهيج الجواري علي شر ولا انشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وانما هو رفع الصوت بالانشاد ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا هـونحوه للقسطلاني في الارشاد وغيره زقلت ذكر ما كانوا يغنون به
سبق أن جواري الانصار كانوا يغنون بما تقاولت به الانصار يوم بعاث وبعاث بضم الباء واخره مثلثة والعين مهملة واعجامها تصحيف وهو اسم حصن وقع الحرب عنده بين الاوس والخزرج قال الاستاذ المعمر ابو النجاة سالم بو حاجب المالكي احد الاعلام من مشايخنا التونسيين في تعاليقه على الصحيح لله در البخاري في ايراد خصوص اللعب المذكور يوم العيد حيث يوخذ منه أن اللهو الذي يرتكب لاظهار المسرة العيدية ينبغي أن لا يكون خاليا عن نحو مصلحة شرعية حتى يخرج ذلك اللعب عن دائرة اللهو والباطل وفي هذا اشارة الى اصل عظيم من أصول تمدن
____________________
(2/126)
الامة وهو أن تجعل الالعاب مشحونة بتربيات تمكن القلوب من حب الدين والوطن وترتوي بمكارم الاخلاق حتي يكون الانسان في مباشرة تلك الالعاب ومشاهدتها يتنزل عليه المثل المشهور يسر حسوا في رغاء وهذا الذي لمح له البخاري هنا يوخذ من قوله صلى الله عليه وسلم كل لهو ابن ادم باطل الا في ثلاث تاديب الفرس والرمي بالقوس وملاعبة الزوجة ولله در الصديقية حيث جمعت بين حديث الجاريتين وحديث الحبشة فإن غناء بعاث يحرك الحماسة القلبية ولعب الحبشة يعلم سرعة الحركات البدنية والامران هما ملاك التقدم في الحرب فإن قيل التدريب الحربي هو تعليم العلوم والتعليم جد لالعب فكيف سماه البخاري لعبا فالجواب كما أشار اليه ابن حجر أنه شبه اللعب من حيث الصورة فإنك ترى احد المتناضلين يظهر أنه يقصد طعن صاحبه ولا يفعل ويتهدده ولو كان اباه او ابنه هـ ذكر من غني في وليمة النكاح
في الصحيح عن عائشة أنها زفت امرأة الى رجل من الانصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الانصار يعجبهم اللهو
زقلت وفي حديث عبد الله بن الزبير عند احمد وصححه الحاكم وابن حبان أعلنوا النكاح زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة واضربوا عليه بالدف قال الحافظ في الفتح واستدل بقوله واضربوا على أن ذلك لا يختص بالنساء لاكن اسناده ضعيف والاحاديث القوية فيها الاذن بذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن
____________________
(2/127)
هـوحديث ابن حاطب المذكور قال عبد الحق في الاحكام وغير الترمذي يقول صحيح وخرج النساءي عن عامر بن سعيد قال دخلت على قرطة بنت كعب وابي مسعود الانصاري في عرسي واذا جوار يتغنين فقلت انتم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واهل بدر يفعل هذا عندكم قال فاجلس فان شئت فاسمع منا وان شئت فاذهب فقد رخص لنا في اللهو عند العرس وترجم في الاصابة لثابت بن يزيد الانصاري فذكر ان البارودي وابا نعيم خرجا من طريق شريك عن ابن اسحاق عن عامر ابن سعد قال دخلت على قرطة بنت كعب وثابت بن يزيد وابي مسعود وعندهم جوار واشياء فقلت تفعلون هذا وانتم من الصحابة قالوا رخص لنا في اللهو عند العرس انظر ص 217 وانظر ترجمة علي بن هبار الاسدي فيها ايضا وترجم فيها ايضا لمعبد بن قيس فذكر أن ابن السكن خرج قال دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوجت فقال هل من لهو وترجم البخاري في الصحيح باب ضرب الدف في النكاح والوليمة ثم خرج عن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بنى علي فجلس على فراشي فجعلت جويرات يضربن في الدف ويندبن من قتل من اباءي يوم بدر اذ قالت احداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين قال الحافظ في الفتح على قوله جويرات لم أقف على اسمائهن ووقع في رواية حماد بن سلمة بلفظ جاريتان تغنيان فيحتمل أن تكون اثنان هما المغنيتان ومعهما من يتبعهما او يساعدهما في ضرب الدف من غير غناء وقال قوله ويندبن
____________________
(2/128)
من الندبة وهي ذكر اوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه من الكرم والشجاعة ونحوها وقال قوله وقولي بالتى كنت تقولين فيه اشارة الى جواز سماع المدح والمرثية مما ليس فيه مبالغة تفضي الى الغلو وأخرج الطبراني في الاوسط بإسناد حسن من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من الانصار في عرس لهن وهن يغنين
( وأهدى لها كبشا تنحنح في المربد ** وزوجك في البادي ويعلم ما في غد )
فقال لا يعلم ما في غد الا الله قال المهلب في هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء بالمباح وفيه اقبال الامام الى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وفيه جواز مدح الرجل في وجهه ما لم يخرج الى ما ليس فيه وأغرب ابن التين فقال إنما نهاها لان مدحه حق والمطلوب في النكاح اللهو فلما أدخلت الجد في اللهو منعها كذا قال وتمام الخبر الذي أشرت اليه يرد عليه وسياق القصة يدل على أنها لو استمرت على المراثي لم ينهها وانما أنكر عليها ما ذكر من الاطراء حيث أطلق علم الغيب عليه وهو صفة تختص بالله كما قال تعالى ! ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) ! وقوله ! ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ) ! وقوله ! ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ) ! وسائر ما كان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب باعلام الله تعالى له لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال تعالى ! ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) ! ذكر تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ايابه
معروف خبر انشاد غلمان الانصار بالدف والالحان عند قدوم رسول الله
____________________
(2/129)
صلى الله عليه وسلم
( طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع )
( وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع )
زقلت هذا الشعر أنشد عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة رواه البيهقي في الدلائل وابو بكر المقري في كتاب الشمائل له عن ابن عائشة وذكر الطبري في الرياض عن ابي الفضل الجمحي قال سمعت ابن عائشة يقول اراه عن ابيه فذكره وقال خرجه الحلواني على شرط الشيخين وراجع المواهب وشرحها ص 417 من ج 1 وفي الكلام على غزوة تبوك من المواهب ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه وخرج النساء والصبيان والولائد يقولن طلع البدر علينا وقد وهم بعض الرواة فقال انما كان هذا عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر لان ثنيات الوداع انما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة الى المدينة ولا يراها الا اذا توجه الى الشام كما قدمت ذلك هـقال الزرقاني وقد تقدم أن الولي العراقي قال يحتمل أن الثنية التى من كل جهة يصل اليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع وقدمت أن هذا يؤيده جمع الثنيات اذ لو كان المراد التي من جهة الشام لم يجمع ولا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر مرة عند الهجرة ومرة عند قدومه من تبوك فلا يحكم بغلط ابن عائشة لانه ثقة وانظر فتح الباري في الهجرة رغزوة تبوك وزاد المعاد وذكر المطرزي في اليواقيت عن ابن عباس قال لما قدم المدينة النبي
____________________
(2/130)
صلى الله عليه وسلم استقبلته بنات الانصار بايديهن الدفوف يضربن بها ويقلن
( نحن جوار من بني النجار ** يا حبذا محمد من جار )
وخرج الترمذي عن عبد الله بن بريدة قال سمعت بريدة يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله اني كنت نذرت ان ردك الله سالما ان أضرب بين يديك بالدف واتغنى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كنت نذرت فاضربي والا فلا فجعلت تضرب على راسه قال الترمذي حسن صحيح قال التوربشتى كما في قوت المغتذي على جامع الترمذي انما مكنها من ضربه بين يديه اذ نذرت فدل نذرها على أنها عدت انصرافه على حال السلامة نعمة من نعم الله عليها فانقلب الامر فيه من صفة االلهو الى صفة الحق من المكروه الى المستحب هـ ذكر من غني قوما اجتمعوا عند صاحب لهم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم ولم ينكره
روى ابو الفرج الاصبهاني في كتاب اداب السماع فقال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا اسماعيل بن ابي اويس قال حدثني ابي عن حسين ابن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت وهو بفناء اطمه ومعه سماطان من اصحابه وجارتيه تغنيهم فانتهى اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول
( هل علي ويحكما ** ان لهوت من حرج )
____________________
(2/131)
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا حرج وقد ذكر القصة ابن عبد ربه في العقد الفريد
زقلت في تجرمة حسان من الاصابة أخرج ابو نعيم من طريق بشر بن محمد المؤدب عن ابي اويس عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بحسان ومعه اصحابه سماطين وجارية له يقال لها سيرين وهي تغنيهم فلم يامرهم ولم ينههم رواه ابن وهب عن ابي اويس مثله لاكن قال وجارية طربة تغنيهم وقد ألف في السماع والغناء جماعة منهخ الامام ابن قتيبة له كتاب الرخصة في السماع والامام ابو منصور التميمي البغدادي والحافظ ابو محمد ابن حزم الاندلسي والحافظ ابو بكر محمد بن عبد الله بن محمد ابن احمد بن حبيب العامري البغدادي وفي المنن الكبرى للشعراني بعد كلام صنف الامام الحافظ ابو الفضل محمد بن طاهر بن على المقدسي كتابا نقض فيه اقوال من قال بتحريم السماع وجرح النقلة للحديث الذي أوهم التحريم وذكر من جرحهم من الحفاظ واستدل على اباحة السماع واليراع والدف والاوتار بالاحاديث الصحيحة وجعل الدف سنة قال الشيخ ابن عبد الغفر القوصي وقد قرات ذلك على الحافظ شرف الدين الدمياطي وأجازني به عن الحافظ ابي طاره السلفي الاصبهاني بسماعة من المصنف وقال لا فرق بني سماع الاوتار وسماع صوت الهزار والبلبل وكل طير حسن الصوت فكما أن صوت الطير مباح سماعه فكذلك الاوتار هـوكتاب المقدسي المذكور تاليف عجيب نادر الوجود واسع البحث وقفت علي
____________________
(2/132)
____________________
(2/133)
نسخة منه بزاوية الهامل ببو سعادة من القطر الجزائري ولمحمد بن عمر بن محمد البستى المعروف بالدراج كتاب سماه الكفاية والغناء في احكام الغناء وللامام المؤرخ المطلع ابي الفضل كمال الدين جعفر الادفوي الشافعي كتاب سماه الامتاع باحكام السماع وهو عندي في مجلد وهو كتاب لا نظير له في الباب ونسب فيه للشيخ ابي القاسم القشيري والشيخ تاج الدين الفزاري والشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد تاليف في الجواز مسميا كتاب الاخير باقتناء السوانح انظره وقد قال عن كتاب الادفوي هذا الامام الاسنوي في طبقات الشافعية إنه كتاب نفيس أنبأ فيه عن اطلاع كثير هـوقال عنه الحافظ الشوكاني لم يؤلف مثله في بابه هـ
قلت لم أر له نظيرا فيما ألف في المسألة ولا اعلى نقلا واجود بحثا وللاستاذ ابي المواهب التونسي فرح الاسماع برخص السماع وللامام ابي الفتوح احمد الغزالي بوارق الالماع في تكفير من يحرم مطلق السماع وللحافظ ابي عبد الله محمد بن علي الشوكاني ابطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع وللقاضي ابي عيسى عبد الرحيم الكجراتي احد شارحي خطبة القاموس رسالة أخرى وهذه الرسائل الاربعة مطبوعة بالهند وللاستاذ عبد الغني النابلسي ايضاح الدلالات في سماع الالات وقد طبع مرارا وللعلامة العارف ابي زيد عبد الرحمان بن مصطفى العيدروس اليمني المصري تشنيف الاسماع ببعض اسرار السماع وللحافظ ابن رجب الحنبلي
____________________
(2/133)
نزهة الاسماع في مسألة السماع وانظر كتاب مواهب الارب المبرأة من الجرب في السماع والات الطرب لخالنا ابي المواهب جعفر بن ادريس الكتاني وهو في مجلد واختصاره لابي العباس احمد بن الخياط الزكاري الفاسي وقد طبع بفاس وقال الحافظ الشوكاني في رسالته بطلان الاجماع على تحريم مطلق السماع روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان وحكاه وعبد الرحمان بن عوف كما رواه ابن ابي شيبة وابو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي وسعد بن ابي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة وابو مسعود الانصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله بن الارقم وأسامة ابن زيد كما أخرجه البيهقي وضمرة كما في الصحيح وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر والبراء بن مالك كما أخرجه ابو نعيم وعبد الله بن جعفر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعبد الله بن الزبير كما نقله ابو طالب المكي وحسان كما رواه ابو الفرج الاصبهاني وعبد الله بن عمرو كما رواه الزبير بن بكار وغرضة بن كعب كما رواه ابن قتيبة وخوات بن جبير كما أخرجه صاحب الاغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه ابو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي وعائشة والربيع كما في الصحيح زقلت هل كان لبعض السلف اعتناء بعلم الموسيقى
نقل صاحب الانيس المطرب فيمن لقيته من أدباء المغرب في ترجمة الاديب ابي عبد الله محمد البوعصامي أنه أخبره أن علم الموسيقى كان في الصدر
____________________
(2/134)
الاول عند من يعلم مقداره من اجل العلوم ولم يكن يتناوله سوى اعيان العلماء واشرافهم وذكر عنه ايضا أن اسحاق بن ابراهيم الموصلي كان له اليد الطولى في العلوم الا أنه غلبت عليه شهرة الموسيقى وأن الرشيد خرج يوما للعلماء وأمر باحضارهم وادخال كل طبقة وحدها وجعلوا يدخلون زمرا فكان اسحاق بن ابراهيم الموصلي كلما دخلت طائفة دخل معها فكان يقبض نصيبه مع كل طائفة حتى تردد الى سفرة العطاء 24 مرة انظر ص 163 منه
قلت ونحوه ما في ترجمة ابي الاسود الدؤلي من الاصابة قال كان يعد في التابعين والشعراء والفقهاء والمحدثين والاشراف والفرسان والامراء والنحاة والحاضري الجواب والشيعة والصلع والبخرة والبخلاء هـ ذكر قينة غنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن اذنه لتسمع أم المومنين عائشة روى النساءي عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة تعرفين هذه قالت لا يا نبي الله قال هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك فغنتها
زقلت ترجم النساءي على هذا الحديث في سننه باب اطلاق الرجل لزوجته سماع الغناء والضرب بالدف قال الادفوي في الامتاع وسنده صحيح وكذا قال الحافظ الشوكاني قال الادفوي وروينا هذا الحديث في معجم الطبراني الكبير وهذا الحديث قوي الدلالة على اباحة الغناء من الرجال والنساء وقوله قينة يدل على أن هذه
____________________
(2/135)
كانت صنعتها الغناء فإن لفظة قينة مشهورة في ذلك واستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة محبة أن تغنيها ولم تسأله هي ذلك وانما ابتدأها به وغناها لعائشة بحضرته عليه السلام كل ذلك صريح في الاباحة هـ
قلت ولاكن تمام الحديث عند النساءي أنها لما غنت لعائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم قد نفخ الشيطان في منخريها فانظر لم لم يتمم سياقه عن النساءي الخزاعي هنا والله اعلم زقلت ذكر الغناء والانشاد
ذكر ابو عمر بن عبد البر في الاستيعاب وابن قدامة في الاستبصار في ترجمة خوات بن جبير الصحابي المعروف قال خرجنا حجاجا مع عمر فسرنا في ركب فيهم ابو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمان بن عوف فقال القوم غننا من شعر ضرار فقال عمر دعونا من شعر ضرار فليغن من بنيات فؤاده يعني من شعره قال فما زلت أغنيهم حتى كان السحر فقال عمر ارفع لسانك ياخوات فقد سحرنا وساق هذه القصة في الاصابة من طريق السراج في تاريخه وفي الصحيح عن بلال أنه رفع عقيرته ينشد شعرا قال ابن بطال كما في ارشاد ابن غازي هذا النوع من الغناء هو نشيد الاعراب للشعر بصوت رفيع قال الطبري هذا النوع من الغناء هو المطلق المباح باجماع وهو الذي غنت به الجاريتان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينه عنه وقال عروة بن الزبير نعم زاد الراكب الغناء نصبا وقال عمر الغناء من زاد الراكب وريء أسامة بن زيد واضعا احدى رجليه على
____________________
(2/136)
الاخرى يغني النصب قال الطبري وهو الانشاد بصوت رفيع وفعل هذا اليوم هو المسمى بالسماع وصاحبه بالمسمع وكان يقال له في القديم المغني قال ابن غازي وهو القوال المسمع هـوفي القاموس والمغبرة قوم يغبرون لذكر الله اي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها سموا بذلك لانهم يرغبون الناس في المغابرة الى الباقية هـوفي كشف القناع على متن الاقناع من كبار كتب الحنابلة اثر ما ذكر وفي المستوعب منع من اطلاق اسم البدعة عليه ومن تحريمه لانه شعر ملحن كالحداء والحدو للابل ونحوه ونقل ابراهيم بن عبد الله القلانسي أن احمد قال عن الصوفية لا أعلم قوما افضل منهم قيل إنهم يسمعون ويتواجدون قال دعوهم يفرحون مع الله ساعة قيل فمنهم من يموت ومنهم من يغشى عليه قال وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون هـمنه زقلت ما كان يقوله الذين يذهبون بالعروسة لدار زوجها
ترجم في الاصابة لفارغة بنت ابي أمامة الانصارية فذكر أنه لما كانت الليلة التى زفت فيها قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا
( اتيناكم أتيناكم ** فحيا نو وحيا كم )
وأخرجه ابن الاثير من طريق المعافى بن عمران أنه روى في تاريخه عن عائشة قالت أهدينا يتيمة من الانصار فلما رجعنا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قلتم قلنا سلمنا وانصرفنا قال إن الانصار قوم يعجبهم الغزل ألا قلت يا عائشة
( أتيناكمم أتيناكم ** فحيونا نحييكم )
وترجم في الاصابة لام نبيط فرفع فيها اسناده لقصة لطيفة أردت أن
____________________
(2/137)
أربط سندي به ثم أسوقها عنه موصولة فأقول أخبرنا مسند الشام عبد الله بن درويش السكري الدمشقي شفاها عام 1324 عن مسند الدنيا عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان الكزبري عن مصطفى الرحمتي انا الشيخ عبد الغني بن اسماعيل النابلسي أخبرنا نجم الدين محمد بن بدر الدين الغزي العامري عن ابيه عن شيخ الاسلام زكرياء الانصاري أخبرنا شيخ الحفاظ ابن حجر قال قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة وابي نصر الشيرازي واسماعيل بن يوسف بن مكتوم قالوا أخبرنا ابو يعمر حمزة بن علي بن الحسن إخبرنا القاسم ابن ابي العلاء حدثنا يزيد ابن محمد بن عبد الصمد حدثنا عتبة بن الزبير من ولد كعب بن مالك انا محمد بن عبد الخالق حدثنا عبد الرحمان بن نبيط عن ابيه هو نبيط عن جابر عن جدته أم نبيط قالت أهدينا جارية لنا من بني النجار الى زوجها فكنت مع نسوة من بني النجار ومعي دف أضرب به وأنا أقول
( أتيناكم أتيناكم ** فحيونا نحييكم )
( ولولا الذهب الاحمر ** ما حلت بواديكم )
قالت فوقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا أم نبيط فقلت بابي انت وأمي يا نبي الله جارية منا من بني النجار نهديها الى زوجها قال فتقولين ماذا قالت فأعدت عليه قولي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي
0 ولولا الحنطة السمراء ** ما سمنت عذاريكم )
قال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه ابن منده وابن الاثير عن ابي البركات ابن عساكر عن محمد بن الجليل بن فارس عن ابي القاسم بن
____________________
(2/138)
ابي العلاء فكان شيخنا سمعه منه وقال ابو نعيم تقدم ذكره يعني في ترجمته وذكر ابو نعيم أن اسمها نائلة بنت الحسحاس وقد ذكرتها في حرف النون وأهملها وهي على شرطه هـزقلت ذكر لعب الحبشة بحرابهم فرحا بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم
أخرج ابو داوود عن انس لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بقدومه صلى الله عليه وسلم زقلت لعب البنات مع عائشة
في المواهب كان صلى الله عليه وسلم يرسل الى عائشة بنات الانصار يلعبن معها رواه الشيخان هـزقلت لعبها بالتماثيل مع البنات
في الصحيح عن عائشة قالت كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان صواحيي يلعبن معي فكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دخل يتقمعن منه فيسريهن الي فيلعبن معي قال في المشارق البنات هي اللعب والصور شبه الجواري التي يلعب بها الصبيان هـوقال الحافظ اين حجر في الفتح استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات من اللعب لاجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن في صغرهن علي امر بيوتهن واولادهن وذهب بعضهم الى أنه منسوخ هـوروى احمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تلعب بالبنات ومعها جوار فقال ما هذا يا عائشة قالت هذا خيل
____________________
(2/139)
سليمان قالت فجعل يضحك من قولها قال الامام احمد غريب وفي الصحيح أنها كانت في متاع عائشة لما تزوجها صلى الله عليه وسلم قال ابن حزم كما نقله السفاريني وجائز للصبيان خاصة اللعب بالصور ولا يجوز لغيرهم والصور محرمة الا هذه والا ما كان رقما في ثوب ونقل ايضا عن الاحكام السلطانية في فصل والي الحسبة وأما اللعب فليس يقصد به المعاصي وانما يقصد به الف البنات لتربية الاولاد ففيها وجه من وجوه التدبير يقاربه معصية بتصوير ذوات الارواح ومشابهة الاصنام فلا تمكن منها وبحسب ما تقتضيه شواهد الحال يكون اقراره وانكاره يعني إن كانت قرينة الحال تقتضي المصلحة أقره والا أنكره انظر شرح قول المرداوي
وحل شراء لليتيمة لعبة ** بلا راس ان تطلب وبالراس فاصدد )
( ولا تشتري ما كان من ذاك صورة ** ومن ماله لا مالها في المجرد )
وأما مذهبنا فالتوسعة ففي الفجر الساطع على باب بيع التصاوير التى ليس فيها روح وما يكره من ذلك واستثنى العلماء من ذلك لعب الجواري فأجازوا اتخاذها وبيعها ولم يغيروا سوقها لان المصطفى عليه السلام أقر عائشة على اتخاذها لما فيه من تدريب الصبيان على تربية الاولاد لاكن كره الامام مالك للرجل أن يشتري ذلك لابنه اي أنه ليس من الاخلاق ذوي المروءة لا أنه كره اللعب بها هذا معناه قاله عياض وأقره الابي هـوفي الابي قال عياض في قول عائشة كنت ألعب بالبنات الحديث فيه جواز اللعب بها وتخصيص النهي عن اتخاذ الصور لما فيه من تدريب النساء في صغرهن على النظر في بيوتهن واولادهن وقد أجاز العلماء بيعها
____________________
(2/140)
وشراءها هـزقلت رقص الحبشة في المسجد النبوي امامه عليه السلام
جاء الحبشة بحرابهم يلعبون في المسجد فكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يريهم لعائشة وهي متكئة على منكبه خرجه البخاري في مواضع منها باب نظر المرأة الى الحبشة ونحوهم من غير ريبة من كتاب النكاح وفي ترجمة انس من مسند احمد كانت الحبشة يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرقصون ويقولون محمد عبد صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقولون قالوا يقولون محمد عبد صالح هـانظر ص 152 من ج 3 وفي جامع الترمذي بلفظ قام صلى الله عليه وسلم فإذا حبشة تزفن بفتح الفوقية وسكون الزاي وكسر الفاء وبالنون ترقص والصبيان حولهم فقال يا عائشة فانظر فجئت فوضعت نحري على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر اليها اي الى الحبشة ما بين المنكب الى رأسه فقال لي أما شبعت فجعلت أقول لالا وقال حسن صحيح غريب قال الزرقاني في شرح المواهب ص 311 من ج 4 لعله أراها لعبهم لتضبطه وتعلمه فتنقله بعد للناس هـواصله لابن بطال قال يمكن أن يكون تركها لتنظر اللعب بالحراب لتضبط السنة في ذلك وتنقل الحركات المحكمة الى بعض من ياتي من ابناء المسلمين وتعرفهم بذلك هـنقله عنه شارح الاحياء وقال القاضي عياض فيه اقوى دليل على اباحة الرقص اذ زاد النبي صلى الله عليه وسلم على اقرارهم أن أغراهم هـنقله المواق في سنن المهتدين والونشريسي في المعيار وأقراه واذا علمت
____________________
(2/141)
كما سبق عن مسند احمد أنهم كانوا يرقصون ويقولون محمد عبد صالح ظهر لك أن تسميته لعبا تجوز والا فذكر المصطفى لا يكون معه اللعب وانما يكون في الجد وانظر لقول الغزالي في كتاب السماع من الاحياء واجب أن يصان القرآن عن الضرب بالدف ونحوه لان صورة هذه الامور صورة اللهو واللعب والقرآن جد كله فلا يجوز أن يمزج بالحق المحض ما هو لهو عند العامة وصورته صورة اللهو عند الخاصة وإن كانوا لا ينظرون اليها من حيث إنها لهو بل ينبغي أن يوقر القرآن فلا يقرأ على شوارع الطرق بل في مجلس ساكن ولذلك لا يجوز الضرب بالدف مع قراءة القرآن ليلة العرس ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت الربيع بنت معود بن عفراء وعندها جوار يغنين فسمع احداهن تقول وفينا نبي يعلم ما في غد على وجه الغناء فقال عليه السلام صلى الله عليه وسلم دعي هذا وقولي ما كنت تقولين وهذه شهادة بالنبوة فزجرها عنها وردها الى الغناء الذي هو لهو ولان هذا جد محض فلا يقرن بصورة اللهو فواجب في الاحترام العدول الى الغناء عن القرآن كما وجب على تلك الجارية العدول عن شهادة النبوة الى الغناء هـمنها ونحوه لابن التين السفاقسي في شرحه على الصحيح ونظيره ما سبق في باب ذكر ما كانوا يغنون به فانظره وفي الارشاد للقسطلاني على قصة الربيع هذه وقوله دعي هذه وقولي لخ ما نصه فإن مفاتيح الغيب عند الله لا يعلمها الا هو وايضا يحتمل أن يكون المنوع أن يوصف عليه السلام صلى الله عليه وسلم اثناء اللعب واللهو اذ منصبه اجل واشرف من أن يذكر الا في مجالس الجد هـوكذلك تقول هنا لو كان فعل الحبشة
____________________
(2/142)
مجرد لعب لنهاهم عليه السلام أن يقولوا وهم يلعبون محمد عبد صالح وحيث لم ينههم بل أقرهم وأغراهم فهو ذكر قصد به التعبد وطاعة واظهار الفرح بالله وبرسوله فلذلك أقرهم صلى الله عليه وسلم وعجب من فعلهم ونالوا غاية الرضى منه وفي الشفا كان السلف الصالح تظهر عليهم حالات شديدة عند مجرد ذكره صلى الله عليه وسلم هـومن جواب للشيخ ابي السعود الفاسي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل أن يذكر الا على قصد الثواب وطريق الاحتساب ولا يجوز امتهان ذكره في الازقة والاسواق اي ومواضع الفرجة فيجل ذكره عن ذلك كله هـوأما قول الحافظ ابن حجر في الفتح استدل قوم من الصوفية بحديث الباب على جواز الرقص وسماع آلات اللهو وطعن فيه الجمهور لاختلاف المقصدين فان لعب الحبشة بحرابهم كان للتمرين على الحرب فلا يحتج به للرقص في اللهو ففيه نظر لان رقص القوم ليس من اللهو واللعب ولدي قال شيخنا ابو عبد الله محمد الفضيل الشبيهي في الفجر الساطع اثره وفيه نظر فإن الرقص الذي اثبته الصوفية ليس قصدهم منه اللهو وحاشاهم من قصد ذلك وانما قصدهم به الاجتماع على الذكر والاقبال عليه بالقلب والقالب واستغراق الجوارح كلها فيه وهو قصد صحيح لما جاء من الترغيب في الاكثار من الذكر على اي حال كان الذاكر فلا طعن في الاستدلال عليه برقص واقع لمقصد صحيح ايضا هـمنه
أقول غاية الرقص عند القوم ذكر من قيام وهو مشروع بنص القرآن اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم وتمايل واهتزاز
____________________
(2/143)
وهو منقول عن الصحابة فقد خرج ابو نعيم في الحلية عن الفضيل بن عياض كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذكروا الله تمايلوا يمينا وشمالا كما تتمايل الشجرة بالريح العاصف الى امام ثم ترجع الى وراء انظر تاليف الرقص لشيخنا الاستاذ الوالد وهو مطبوع واختصاره لشيخنا ابي العباس ابن الخياط الزكاري وذيلنا على الاصل ورسالة الحافظ ابي العباس احمد بن يوسف الفاسي في المسألة وهي مطبوعة بفاس ايضا وللحافظ ابي بكر ابن ابي الدنيا الشهير كتاب الوجد ذكره له ابن سليمان الرداني في حرف الواو من صلته وانظر باب الحجل فيما سياتي زقلت قوله صلى الله عليه وسلم اقدروا قدر الجارية الحديثة السن
خرج احمد في مسنده عن عائشة قالت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لانظر الى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من اجلي حتى أكون التى أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وفيه عن عائشة ايضا قالت كنت ألعب باللعب فياتي صواحيي فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فررن منه فياخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيردهن الي قال الامام ابو حامد الغزالي في كتاب السماع من الاحياء بعد ذكر بعض هذه الاحاديث وهو نص صريح في الغناء واللعب ليس بحرام وفيها دلالة على انواع من الرخص الاول اللعب ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب والثاني فعل ذلك في المسجد والثالث قوله صلى الله عليه وسلم دونكم يابني ارفدة وهذا امر
____________________
(2/144)
باللعب والتماس له فكيف يقرر كونه حراما والرابع منعه لابي بكر وعمر من الانكار والتغيير وتعليله بأنه يوم عيد او وقت سرور والخامس وقوفه طويلا في مشاهدة ذلك وسماعه لموافقة عائشة وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب احسن من خشونة الزهد والتقشف في الامتناع والسادس قوله صلى الله عليه وسلم أتشتهين أن تنظري ولم يكن ذلك عن اضطرار الى مساعدة الاهل خوفا من غضب او وحشة والسابع الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين مع أنه شبه ذلك بمزمار الشيطان وفيه بيان أن المزمار المحرم غير ذلك الثامن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرع سمعه صوت الجاريتين وهو مضطجع فيدل هذا على أن صوت النساء انما يحرم عند خوف الفتنة فهذه المقاييس والنصوص تدل على اباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب والنظر الى رقص الحبشة والزنوج في اوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد هـزقلت باب مرور احد الصحابة على الحبشة يلعبون في الطريق واعطائهم
ترجم البخاري في الادب المفرد باب لعب لاصبيان حدثنا موسى حدثنا عبد العزيز قال حدثني شيخ من اهل الخير يكنى ابا عقبة قال مررت مع ابن عمر مرة في الطريق فمر بالحبش فراهم يلعبون فأخرج درهمين فأعطاهم وفي الحسام المسنون في نصرة اهل السر المكنون لابي عبد الله بن سودة عن عكرمة لما ختن ابن عباس بنيه أرسلت الدعوة لللعابين فعلبوا فأعطاهم ابن عباس اربعة دراهم زقلت
____________________
(2/145)
المسابقة تقدم السباق في الخيل وفي المواهب روي أنه صلى الله عليه وسلم سابق زوجته عائشة في سفر فسبقته لخفة جسمها ثم سابقها بعد ذلك في سفر اخر وقد سمنت فسبقها فقال عليه السلام صلى الله عليه وسلم مطيبا لخاطرها هذه بتلك وخرج احمد عنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض اسفاره وانا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى حملت اللحم وبدنت وسمنت وخرجت معه في بعض اسفاره فقال للناس تقدموا فقال اسابقك فسبقتي فجعل يضحك ويقول هذه بتلك ورواه ابو داوود والنساءي وابن ماجه من حديث عائشة قاله في المغني قال ابن الجوزي في تلبيس ابليس أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ينبسط مع عياله ويسابق عائشة أكان خارجا عن الانس بالله هـوفي ترجمة واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب من طبقات ابن سعد عن نافع قال مات واقد بن عبد الله بالسقيا فصلى عليه ابن عمر ودفنه ثم دعا الاعراب فجعل يسبق بينهم فقلت دفنت واقدا الساعة وانت تسبق بين الاعراب قال ويحك يا نافع اذا رأيت الله قد غلب على امر فاله عنه زقلت المصارعة
ذكر ابن اسحاق في سيرته وغيره أنه كان بمكة رجل شديد القوة يحسن الصراع وكان الناس ياتونه من البلاد للمصارعة فيصرعهم بينما هو ذات يوم في شعب من شعاب مكة اذ لقيه النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/146)
فقال له يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك اليه فقال له يا محمد هل لك من شاهد على صدقك قال نعم أرأيت إن صرعتك أتومن بالله ورسوله قال نعم يا محمد فقال له تهيأ للمصارعة فقال تهيأت فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه قال فتعجب ركانة ثم سأله الاقالة والعودة ففعل به ذلك ثانيا وثالثا فوقف ركانة متعجبا وقال إن شأنك لعجيب رواه ابو نعيم والبيهقي عن ابي أمامة من طريقين مرفوعا ومرسلا وركانة المذكور هو ابن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المكي الصحابي الذي أسلم عام الفتح وتوفي في المدينة في خلافة معاوية عام 42 وكان شديد الباس قويا جسيما معروفا بالقوة في المصارعة بحيث إنه لم يصرعه احد قط ولم يمس جلده الارض مغلوبا قط وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صارعه فصرعه قاله الخفاجي في النسيم وفي حواشي ابن الطيب الفاسي على القاموس في ركانة قصته مشهورة وصرع النبي صلى الله عليه وسلم من اعظم معجزاته وكان ركانة اصرع اهل زمانه وكان من شدته أنه يقف على جلد بعير لين جيد حين سلخه فيجذبه من تحته عشرة فيتمزق الجلد ولا يتزحزح هو عن مكانه كما في شروح الشفا والمواهب وغيرهما هـ
قلت قصة ركانة المذكورة رواها الحاكم في مستدركه عن ابي جعفر بن محمد بن ركانة المصارع عن ابيه محمد لاكن قال الحافظ ابن حجر في التقريب ابو جعفر بن محمد بن ركانة مجهول ومحمد بن ركانة قال عنه ايضا فيه مجهول ووهم من ذكره من الصحابة وروى المصارعة ابو
____________________
(2/147)
داوود والترمذي من طريق ابي الحسن العسقلاني عن ابي جعفر بن محمد ابن ركانة عن ابيه أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي غريب وليس اسناده بالقائم وقال ابن حبان في اسناد خبره في المصارعة نظر لا أعتمد على اسناد خبره قاله في الاصابة وقد صارع صلى الله عليه وسلم كما في المواهب جماعة غير ركانة منهم ابنه يزيد بن ركانة ومنهم ابو الاسود الجمحي كما قال السهيلي ورواه البيهقي وكان شديدا بلغ من شدته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب اطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرك الجلد ويتقطع ولا يتزحزح عنه فدعا المصطفى صلى الله عليه وسلم الى المصارعة وقال إن صرعتني امنت بك فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم هـوقال الحفني في حواشي شرح ابن حجر علي الهمزية قيل وصارع ابا جهل ولاكن لم يصح هـواصله للبراهان الحلبي في المقتفى كما نقله عنه الخفاجي في نسيم الرياض في موضع وفي محل اخر نقله عن المقدسي وعندي رسالة لطيفة للحافظ السيوطي سماها المسارعة الى المصارعة ذكر فيها مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لابي ركانة من طرق ومصارعة صغار الصحابة فيما بينهم لينجحوا في الاذن لهم في شهود الغزو وأن اهل مكة كانوا لا يصارعون احدا الا صرعوه حتى رغبوا عن ماء زمزم ومن طرق مصارعة الحسن للحسين عليهما السلام بمرأى منه صلى الله عليه وسلم وقال في نسيم الرياض على حديث ركانة يقتضي جواز المصارعة الا أنهم قالوا بالمال حرام كالمسابقة عليه او انه من خصائصه صلى الله عليه وسلم
____________________
(2/148)
تتمة وكان لركانة المذكور ابنه يزيد وابن ابنه علي وكانت لهما قوة زائدة كابيهما ركانة وقد صارع يوما يزيد بن معاوية عليا هذا فصرعه على صرعة لم يسمع بمثلها وكان يزيد من اشد العرب ثم حمل معاوية بعد ذلك عليا على فرس جموح لا يطاق فعلم علي ما يراد به فلما جمح الفرس به ضم عليه فخذه ضمة انفتق به الفرس فمات وذكر عنه ايضا أنه تأبط رجلين باليدين ثم جرى بهما وهما تحت ابطه حتى صاحا الموت الموت فأطلقهما كذا في ابن التلمساني على الشفا زقلت حجل بعض كبار الصحابة بين يديه صلى الله عليه وسلم
في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي انت مني وانا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وفي التوشيح زاد ابن سعد من مراسيل الباقر فقال جعفر فحجل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم اي دار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا قال شيء رأيت الحبشة يفعلونه لملوكهم وفي طريق اخر ان الثلاثة فعلوا ذلك والحجل بحاء فجيم فلام كسبب رقص على هيئة مخصوصه هـوفي تخريج احاديث الاحياء للحافظ العراقي اختصم علي وجعفر وزيد بن حارثة في ابنة حمزة فقال لعلي انت مني وأنا منك فحجل وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي فحجل وقال لزيد انت اخونا ومولانا فحجل الحديث أخرجه ابو داوود من حديث علي بإسناد حسن وهو عند البخاري دون ذكر الحجل قال الحافظ السيوطي في الحاوي لما تكلم على مسألة الرقص بعد أن ذكر حجل من ذكر عن مسند احمد وذلك من لذة هذا الخطاب ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم فكان هذا
____________________
(2/149)
اصلا في رقص الصوفية لما يدركونه من لذة المواجيد هـزقلت حبس الطير للعب الصبيان به
قال انس كان النبي صلى الله عليه وسلم احسن الناس خلقا وكان لي اخ يقال له ابو عمير وكان له نغر يلعب به فمات فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حزينا فقال ما شأنه قال مات نغره فقال له يا ابا عمير ما فعل النغير خرجه البخاري ومسلم والترمذي قال الجوهري النغير تصغير نغر بوزن رطب وهو طائر صغير كالعصفور وقيل فراخ العصافير قال عياض والراجح أنه طائر احمر المنقار واهل المدينة يسمونه البلبل وقد أكثر الناس من استنباط الاحكام من هذا الحديث وزاد ابو العباس بن القاص من الشافعية على مائة وأفردها في جزء وقال ابن غازي حدثني ابوالحسن ابن منون أنه بلغه اي ابن الصباغ أملي في درسه بمكناسة على حديث ابي عمير ما فعل النغير اربعمائة فائدة وكان اخر ما أقرى بها قال وكنت تأملت هذا الحديث فانقدح لي زهاء مائتين وخمسين من الفوائد فقيدت رسومها ولم أجد فراغا لبسطها ! ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) ! هـوانظر ج 4 من نفح الطيب وترجمة ابي عبد الله بن الصباغ المكناسي من كفاية المحتاج لابي العباس السوداني وقال ابن غازي ايضا في حواشيه على الصحيح مر بنا أن بعض العلماء استنبط منها زهاء ثلاثمائة فائدة وسمعت من يذكر عن ابي الفضل ابن الصباغ المكناسي بلدينا اكثر من ذلك وكنت أعملت فيه الفكر فرسمت في مبيضة فوائد ما يزيد على المائتين الا أنها لا يخلوا بعضها من تداخل والله
____________________
(2/150)
اعلم هـوفي حواشي ابن الشاط على مسلم لدى حديث الترجمة عياض فيه جواز لعب الصغير بالطير ومعنى هذا اللعب عند العلماء امساكه وتلهيته بمسكه لا بتعذيبه وعبثه وقال الشيخ ابو علي بن رحال في باب الغصب بعد أن ذكر أنه أخذ من المدونة جواز حبس الطير في القفص ما نصه وما ذكرمن حبس الطير انما هو اذا لم يكن فيه تعذيب او تجويع او تعطيش ولو بمظنة الغفلة عنه او بحبسه مع طير اخر ينقب رأسه كما تفعله الديوك في الاقفاص بنقب بعضها راس بعض حتى إن الديك يقتل اخر وهذا كله حرام باجماع لان تعذيب الحيوان لغير فائدة لا يختلف في تحريمه والفائدة يتأتى وجودها بلا تعذيب وهذا إن كان يحبسه وحده او مع من لاينقبه او يعمل بينهما حائلا بحيث لا يصل بعضه الى بعض ويتفقده بالاكل والشرب كما يتفقد اولاده ويضع للطير ما يركب عليه كخشبة وأما أن يضعه على الارض بلا شيء فذلك يضر به غاية في البرد وهذه الامور لا تحتاج الى جلب نص فيها لوضوحها وكم راينا من يعذب الدجاج في الاقفاص على وجوه مختلفة من انواع العذاب وكذا حبس الكبش بلا اكل ولا شرب او بغل يربطه في موضع ويغلق عليه حتى يكاد يموت جوعا ومن لا رحمة فيه لا يعتبر في الدفع عن الدواب الا ما يقتلها او يضعف بدنها وأما عذابها في نفسها اذا سلمت مما ذكر فلا يبالي به وذلك كله حرام وعقوبة في الدنيا والاخرة ان لم يعف الله فإن هذه الحيوانات غير الانسان لا تتكلم فلا تنادي أنها في الحاجة في كذا ان لم تكن رحمة من مالكها ومن مازج الناس وأمعن النظر بقلبه وتفكر
____________________
(2/151)
رأى من عذابه الحيوانات من هذه الجهة من لا يسامح فيه الا من له مائة رحمة ثم قال فالحاصل أن هذا باب من العقاب ترك كثير الهروب منه فينبغي لمن فيه رحمة أن ينبه على هذا كل من لا يعرفه ثم قال وكثير من الناس يسمع مثلا أن الطير يجوز حبسه وأن العصفور يجوز أن يلعب به ويستدل بحديث ابي عمير ما فعل النغير ويعتمد على ذلك بلا شرط عدم تعذيبه وهذه مسألة عظيمة الاجر والعقاب وكذا تحميل الدواب اكثر مما تقدر عليه بحسب العادة وغير ذلك وذلك كله من نزع الرحمة من القلوب ولاكن انما يرحم الله من عباده الرحماء هـوفي طبقات ابن سعد عن المسيب بن دارم قال رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمالا وقال لم تحمل بعيرك ما لا يطيق ووجدت في فضائل عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم أن عمر كتب الى صاحب السكك أن لا يحملوا احدا بلجام ثقيل من هذه الرستية ولا ينخس بمقرعة في اسفلها حديدة وكتب عمر الى حيان بمصر أنه بلغني أن بمصر ابلا نقالات يحمل على البعير منها الف رطل فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير منها الف رطل فاذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير اكثر من ستمائة رطل وفي عون الودود على سنن ابي داوود على حديث الراحمون يرحمهم الرحمان ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء الراحمون اي لمن في الارض من ادمي وحيوان لم يومر بقتله في الشفقة عليهم والاحسان اليهم هـوفي طبقات ابن سعد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال لنقاده ابن عبد الله بن خلف الاسدي يا نقاده ابع لي ناقة حلبانة ركبانة ولا تولهها على ولد وفيها ايضا في ترجمة سوادة بن الربيع الجرمي عنه قال أتيت النبي
____________________
(2/152)
صلى الله عليه وسلم بأمي فأمر لي بشياه وقال لها مري بنيك أن يقلموا اظفارهم أن يوجعوا اويعبطوا ضروع الغنم ومري بنيك أن يحسنوا غذاء رباعهم وفي طبقات ابن سعد أن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول إني لخائف أن أسأل عما بك ولما قال ابن رشد يقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف في مطعمه وملبسه خلاف ما يملكه من الدواب فإنه يومر بتقوى الله في اجاعتها ولا يقضى عليه بعلفها رده مستعظما له حطاب المغرب الشيخ ابو علي بن رحال في باب النفقات من شرح المختصر بنص ابن عبد البر في الكافي والرفق بالدواب في ركوبها والحمل عليها واجب سنة فإنها عجم لا تشكو وفي كل ذي كبد رطب اجر هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان في الاحسان اليها اجر فكذلك في الاساءة اليها وزر ولا يحمل على الدواب اكثر من طاقتها ولا تضرب وجوهها ولا تتخذ ظهورها كراسي ولا تقلد الاجراس ولا تستعمل ليلا الا أن يروح عنها نهارا ولا يحل حبس بهيمة مربوطة عن السرح والانتشار بغير علف ولا طعام قال ابن رحال فإن قول ابن رشد الدابة لا يقضى الخ يلزم ابن رشد أن الدابة اذا حملها مالكها ولا تطيقه من الحمل او اشتغل يعذبها عذابا شديدا فلا فائدة أنه لا يقضى على المالك بترك ذلك وأنه يترك هو واياها ويومر بتقوى الله فيها فقط وذلك لا يحل اصلا مع مخالفة ذلك لكلام الناس وحديث كل ذي كبد رطب اجر رأيت ابا عمر قال يلزم عليه أن الاساءة اليه فيها وزر والوزر منكر والمنكر يجب تغييره كما أشار اليه ابن عرفة ولو كان
____________________
(2/153)
الناس يزجرون بقول الامام لهم اتقوا الله في كذا ما شرعت الزواجر والقتل والسجون والتعزيرات الخ كلام ابي علي بن رحال انظره لدى قول خ انما تجب نفقة رقيقه ودابته مالم يكن مرعى والا بيع كتكليفه من العمل ما لا يطيق ويجوز من لبنها مالا يضر نتاجها
فان ابا علي جلب وحطب من الانقال في المسألة ما يسوغ لنا أن نجعله في طليعة جمعيات الرفق بالحيوان العجم يتخذونه قدوة ونعم الاسوة وانما أطلت القول هنا لتعلم أن اهل الاسلام قبل بقرون تفطنوا لما تظاهرت به الان جمعيات الرفق بالحيوان في اروبا فخذه شاكرا
لطيفة كانت بالمدينة على عهد مالك رضي الله عنه دار تعرف بدار قدامة كان الناس يلعبون فيها بالحمام وهي التى اشار اليها مالك حيث عاب على تلميذه ابن الماجشون سؤاله عن مسالة واضحة فقال له أتعرف دار قدامة قال ابن حارثة كانت لابن الماجشون نفس ابية كلمه مالك يوما بكلامة خشنة فهجره عاما كاملا استبعد عليه الفرق بين مسألتين فقال له أتعرف دار قدامة وكانت دارا يلعب فيها الاحداث بالحمام وقال البرزلي قيل إن مالكا رمى عبد الملك بدار قدامة لانه نسبه للصغر واللعب انظر تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب وفتاوي الشيخ عليش ص 267 ج 1 زقلت اتخاذ الوحش في المسكن
في مسند احمد ص 112 من ج 1 عن عائشة قالت كان لآل النبي صلى الله عليه وسلم وحش فاذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب
____________________
(2/154)
واشتد وأقبل وأدبر فاذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يرمرم ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يوذيه وروى ابن عدي عن جابر رفعه اذا كان احدكم في بيته وحده خاليا فليتخذ فيه زوج حمام وروى الطبراني بسند جيد عن عبادة بن الصامت قال اشتكى رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ زوجا من حمام وروى ابن السني وابن عساكر عن معاذ بن جبل أن عليا كرم الله وجه شكى الى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فأمره أن يتخذ زوج حمام ويذكر الله في هديره وروى وكيع في الغرر وابن عدي عن علي أنه شكى الى النبي صلى الله عليه وسلم الوحشة فقال له ألا اتخذت زوجا من حمام فانسك وأكلت من فراخه او اتخذت ديكا فانسك وأيقظك للصلاة
مهمة في طبقات ابن سعد عن جابر بن عبد الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل كلاب المدينة فأتاه ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله إن منزلي شاسع وانا مكفوف البصر ولي كلب قال فرخص لي اياما ثم أمره بقتل كلبه انظر ص 153 من ج 4 وهذه المهمة اشبه بادخالها في باب الحسبة او ابواب الصحة ولاكن هاهنا كتبت وأثبثت زقلت نهب اللوز والسكر ونثره في العرس
أخرج ابو جعفر الطحاوي والبيهقي في سننه من حديث لمازة بن المغيرة عن تمور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حضر ملاك رجل من الانصار لم يسم زاد في رواية العقيلي
____________________
(2/155)
فحطب صلى الله عليه وسلم وأنكح الانصاري وقال على الالفة والخير والطائر الميمون دففوا على راس صاحبكم فدفف عليه فجاءت الجواري معهن الاطباق فيها اللوز والسكر فنثر عليهم فأمسك القوم ايديهم فلم يمدوها الى الاطباق فقال صلى الله عليه وسلم ألا تنهبون قالوا انت نهيت عن النهبة قال انما نهيت عن نهبة العساكر أما العرسان فلا أنهاكم عنه وفي رواية العقيلي فأمسك القوم ولم ينتهبوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ازين الحلم ألا تنتهبوا قالو نهيتنا عن النهبة يوم كذا وكذا فقال انما نهيتكم عن نهبة العساكر ولا انهاكم عن نهبة الولائم ثم قال معاذ فرايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاذبهم ويجاذبونه في الانتهاب واحتج به الطحاوي على أن النثار بنحو اللوز والسكر غير مكروه كما ذهب اليه ابو حنيفة وقضى به على الاحاديث الصحيحة التي فيها النهي قال البيهقي بعد هذا الحديث وهذا لا يثبت ثم قال وروى من حديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم نحوه ولا يثبت في هذا المعنى شيء وشنع على الطحاوي القول في ذلك جدا في كتاب المعرفة وقال انما يروى عن عون بن عمارة وعصمة ابن سليمان وكلاهما لا يحتج به وشيخهما لمازة بن المغيرة مجهول فهاتان علتان كل منهما منفرة توجب ضعف الحديث فكيف بهما مجتمعان هذا وخالد بن معدان منقطع ولا حجة في منقطع وقد أخرج العقيلي من طريق عائشة قالت حدثني معاذ بن جبل قال شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك رجل من الانصار الحديث لاكن قال عبد الحق في اسناده بشر بن ابراهيم الانصاري البصري وهو ضغيف وذكر الحديث ابن عرفة
____________________
(2/156)
في مختصره قائلا ذكره العتبي ثم نقل عن عبد الحق ما ذكر وعقبه بقوله وفي ذكر ابن عبد السلام له دون ذكر قول عبد الحق ايهام بصحته ولم يتعقبه ابن القطان بحال هـوفي المواق على المختصر هذا قيل من ابي عمر لاجازة النهبة وقد قال صلى الله عليه وسلم لم أنهكم عن نهبة الولائم وامظر ابن حجر والمناوي على الشمائل والمواهب وشرحها وحواشي الرهوني على المختصر وترجمة خطف الفاكهة ونهبها من رسالة ابن ليون التجيبي زقلت اللهو واللعب الماذون فيه
خرج البيهقي عن المطلب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهوا والعبوا فإني أكره أن أرى في دينكم غلظة وخرج الحاكم عن عائشة رفعته هل كان معكم من لهو فإن الانصار يحبون اللهو وخرج احمد عن روح بنت ابي لهب قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل من لهو قال الشهاب احمد بن حجر الهيثمي في كتابه كف الرعاع قوله صلى الله عليه وسلم الهوا والعبوا دليل لطلب ترويح النفس اذا سئمت وجلاها اذا صدأت باللهو واللعب المباح الخ كلامه وانظر ايضاح الدلالات في سماع الالات للشيخ عبد الغني النابلسي الشامي ومنه اللعب بالارجوحة وفي حبل يعلق ويركبه الصبيان قاله ابن درستويه وتبعه الفيروزبادي في القاموس والجمهور وقال صاحب العين والمصباح هي خشبة توضع من وسطها على تل ويعلق غلامان على طرفيها وتترجح اي تميل تارة بهذا وتارة بهذا وهذا الذي قاله ثعلب عن ابن الاعرابي وقاله اهل الغريب في
____________________
(2/157)
حديث عائشة وانا على ارجوحة قال ابن الطيب في حواشي القاموس وزاد لا باس بنصب الارجوحة واللعب بها كما قاله في كتاب البركه ونقله شراح المختصر وأيده الزرقاني بنقل القرافي عن غيره أنها نافعة من وجع الظهر هـوقد ترجم ابو داوود في سننه باب في الارجوحة وذكر حديث عائشة قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وانا بنت سبع او ست فلما قدم المدينة أتتني نسوة وقال بشر فأتتني أم رومان وانا على ارجوحة فذهب بي وهيأنني وصنعنني فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبنى بي وانا ابنت تسع زقلت ذكر جعل الوليمة في العرس سبعا
بوب البخاري في كتاب النكاح من الصحيح باب حق اجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة ايام ونحوه ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين قال الحافظ يشير الى ما أخرجه ابن ابي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج ابي دعا الصحابة سبعة ايام فلما كان يوم الانصار دعا أبي كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان ابي صائما فلما طعموا دعا ابي وانتثر وأخرجه البيهقي من وجه آخر اتم سياقا منه وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر الى حفصة وقال فيه ثمانية ايام واليه أشار المصنف بقوله ونحوه لان القصة واحدة وهذا وان لم يذكره المصنف ولاكن جنح الى ترجيحه لاطلاق الامر بإجابة الدعوة بغير تقييد وقد نبه على ذلك ابن المنير وأفصح البخاري بمراده في تاريخه فإنه أورد في ترجمة زهير ابن عثمان الحديث الذي أخرجه ابو داوود والنساءي من طريق قتادة
____________________
(2/158)
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة حق اول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة قال البخاري لا يصح اسناده وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم اذا دعا احدكم الى الوليمة فليجب ولم يخص اياما ولا غيرها وهذا اصح وقال ابن سيرين عن ابيه انه لما بنى باهله أولم سبعة ايام فدعا في ذلك أبي بن كعب فأجابه هـوأخرج ابو يعلى بإسناد حسن عن انس قال تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة ايام والى ما جمح اليه البخاري ذهب المالكية قال عياض استحب اصحابنا لاهل السعة كونها أسبوعا وقال غيره اذا دعا في كل يوم من لم يعد قبله ولم يكرر عليهم وعند الامن من الرياء والسمعة هـملخصا من فتح الباري زقلت جلب دقيق الحواري الابيض الناصع النقي سمي به لنقائه من النخالة فهو خلاصة الدقيق ولبابه والسمن والعسل من الشام الى المدينة واكل المصطفى صلى الله عليه وسلم منه
عن الليث بن ابي سالم قال اول من خبص في الاسلام عثمان بن عفان قدمت عليه عير تحمل الدقيق والعسل فخلط بينهما وبعث به الى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل فاستطابه قال المحب الطبري في الرياض النضرة أخرجه خيثمة في فضائل عثمان وعن عبد الله بن سلام قال قدمت عير فيها جمل لعثمان دقيق وسمن وعسل فأتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الحاكم وغيره عن ابن سلام خرج صلى الله عليه وسلم الى المربد فرأى عثمان يقود ناقة تحمل دقيق حواري وسمنا وعسلا فقال له أنخ
____________________
(2/159)
فأناخ فدعا فيها بالبركة ثم دعا صلى الله عليه وسلم ببرمة فنصبت على النار وجعل فيها من الدقيق والعسل والسمن ثم عصد حتى نضج او كاد أن ينضج ثم أنزله فقال صلى الله عليه وسلم كلوا هذا شيء تسميه فارس الخبيص قال الطبري خرجه تمام في فوائده والطبراني في معجمه قال الحافظ ابن حجر وتبعه الحافظ الشامي رجال الاوسط والصغير ثقات وقد أخرجه الحاكم وصححه بقي بن مخلد هـوقال الزرقاني في شرح المواهب ومقتضاه ان اول من خبص في الاسلام النبي صلى الله عليه وسلم فخالف قوله اولا اول من خبص في الاسلام عثمان ويحتمل أن نسبته اليه لكونه كان سببا في فعله باهدائه اليه لاكن روى الحرث بسند منقطع صنع عثمان خبيصا بالعسل والسمن والبر وأتى به في قصعة الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا قال هذا شيء تصنعه الاعاجم تسميه الخبيص فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن الجمع ايضا بتكرر ذلك فيكون عثمان فعله بنفسه ثم عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصنع له منه ففعل هـقال شيخنا الاستاذ الوالد في تحديد الاسنة عقب حديث اكله صلى الله عليه وسلم خالص الدقيق المذكور فان قلت خرج الترمذي في الشمائل عن سهل بن سعد أنه قيل أأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي يعني الحوار قال سهل ما رأى صلى الله عليه وسلم النقي حتى لقي الله عز وجل قلت أخبر رضي الله عنه بحسب اطلاعه ومنتهى علمه والا فالمثبت مقدم على النافي ومن أثبت حجة على من نفى ولم يحط احد باحوال النبي صلى الله عليه وسلم هـوفي طبقات ابن سعد أن ابن عمر كان يستحب
____________________
(2/160)
أن يطيب زاده وأنه قيل لنافع أكان ابن عمر يصيب من هذا الطعام فقال كان ابن عمر ياكل الدجاج والفراخ والخبيص في البرمة وفي اوائل السيوطي اول من خبص الخبيص عثمان خلط العسل والنقي من الدقيق ثم بعث به الى النبي صلى الله عليه وسلم الى منزل أم سلمة وفيها ايضا اول من أدخل الفالودج ديار العرب أمية ابن ابي الصلت أطعمه بعض الناس ذلك بالشام فبلغ ذلك عند عبد الله بن جذعان فوجه الى اليمن من جاء له بمن يعمل له الفالودج بالعسل وفي مناهج الاخلاق السنية للفاكهي وفي رواية جمع وصححها الحاكم كما نبه عليه الشيخ محمد الشامي في سيرته أهدى ملك الهند الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها جرة فيها زنجبيل فأطعم كل انسان قطعة قطعة قال ابو سعيد الخدري وأطعمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعتين هـوقد قال الحافظ ابو الفرج ابن الجوزي في كتابه صيد الخواطر بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم له طعام فقال لا آكل قيل له لم فقال لان نفسي تشتهيه وانا منذ سنين ما بلغت نفسي ما تشتهي فقلت لقد خفيت طرق الصواب عن هذا من وجهين وسبب خفائها عدم العلم أما الوجه الاول فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن علي هذا ولا اصحابه وقد كان صلى الله عليه وسلم ياكل لحم الدجاج ويحب الحلوا والعسل ودخل فرقد السنجي على الحسن وهو ياكل الفالودج فقال يا فرقد ما تقول في هذا فقال لا آكله ولا أحب من ياكله فقال الحسن لعاب النحل بلباب البر بسمن البقر هل يعيبه مسلم و جاء رجل الى الحسن فقال إن لي جارا لا ياكل الفالودج فقال ولم قال يقول لا أؤدي شكره
____________________
(2/161)
فقال ان جارك جاهل وهل يؤدي شكر الماء البارد وكان سفيان الثوري يحمل في سفره الفالودج واللحم المشوي ويقول ان الدابة اذا أحسن اليها عملت وجيء الى علي بفالودج فأكل منه وقال ما هذا قالوا نور النيروز فقال نور زونا في كل يوم فينبغي للانسان أن يتبع الدليل لا أن يتبع طريقا ويطلب دليلها وقد قالت رابعة ان كان صلاح قلبك في الفالودج فكل منه ولا تكن ممن يرى صور الزهد فرب مشبع لا يريد الشبع وانما يريد المصلحة وليس كل بدن يقوى على الخشونة خصوصا م قد لاقى الكل وأجهده الفكر هـزقلت جلب الجبن الرومي واكله صلى الله عليه وسلم منه وقطعه بالسكين
في حديث ابي داوود من حديث ابن عمر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك قال الزرقاني في شرح المواهب من عمل النصارى فقيل هذا طعام تصنعه المجوس فدعا بسكين فسمى وقطع وعبارة الشبراملسي عليها ايضا فسمى وقطع اي ولم ينظر لكونه من عمل النصاري وروى الطيالسي عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة رأى جبنة فقال ما هذا قالوا طعام يصنع بارض العجم فقال ضعوا فيه السكين وكلوا وروى احمد والبيهقي عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في غزوة تبوك فقال اين صنعت هذه قالوا بفارس ونحن نرى أن يجعل فيها ميتة فقال صلى الله عليه وسلم أطعموا وفي رواية ضعوا فيها السكين واذكروا اسم الله تعالى وكلوا قال الخطابي أباحه صلى الله عليه وسلم على ظاهر الحال ولم يمتنع من اكله لاجل مشاركة المسلمين في عمله
____________________
(2/162)
وتعقبه المقريزي بتوقفه على نقل اذ لم يكن بفارس والشام حينئذ احد من المسلمين قال الحافظ الشامي وهو ظاهر لاشك فيه زقلت اختياره صلى الله عليه وسلم محل السوق
روى الطبراني من طريق الحسن بن علي بن الحسن ابن ابي الحسن أن رجلا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اني رأيت موضعا للسوق أفلا تنظر اليه قال بلى فقام معه حتي جاء موضع السوق فلما راه أعجبه وركض برجله وقال نعم سوقكم هذا فلا ينقص ولا يضربن عليكم خراج ورواه ابن ماجه بلفظ ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سوق النبط فنظر اليه فقال ليس هذا لكم سوق ثم رجع الى هذا السوق فطاف فيه ثم قال هذا سوقكم فلا يتنقص ولا يضرب عليه خراج زقلت باب الاسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع الناس بها في الاسلام
هكذا ترجم البخاري في كتاب البيوع من الصحيح ثم أخرج فيها عن ابن عباس قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز اسواقا في الجاهلية فلما كان الاسلام تأتموا من التجارة فيها فأنزل الله تعالى ^ ليس عليكم جناح في مواسم الحج ان تبتغوا فضلا من ربكم ^ قرأ ابن عباس كذا اي بزيادة مواسم الحج وفي الارشاد قال ابن كثير وكذا فسره مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وابراهيم النخعي والربيع ابن انس وغيرهم وأخرجه ايضا في كتاب الحج وبوب عليه باب التجارة ايام المواسم والبيع في اسواق الجاهلية قال البدر الدماميني في المصابيح يتساءل عن الفرق بين حجر ثمود وبين اسواق الجاهلية حيث أسرع
____________________
(2/163)
صلى الله عليه وسلم لما دخل الحجر وأمرهم أن لا ينتفعوا بشيء منه حتى لا ياكل العجين الذي عجنوه بالماء واسواق الجاهلية طال مكثه فيها والانتفاع بها والجواب أن اهل الاسواق لم يتعاطوا فيها الا البيع المعتاد وأما ثمود فإنهم تعاطوا عقر الناقة والكفر بالله ورسوله ونزلت النقمة هناك فهذا فرق ما بينهما هـوقد تكلم الحافظ في كتاب الحج على هذه الاسواق وعين مواضعها من ارض الحجاز وذكر اسواقا أخرى دونها ثم نقل عن الفاكهي لم تزل هذه الاسواق قائمة في الاسلام الى أن كان اول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة 129 واخر ما ترك منها سوق جامة في زمن داوود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة 197 ثم ذكر عن ابن الكلبي أن كل شريف كان انما يحضر سوق بلده الا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون لها من كل جهة فكانت اعظم تلك الاسواق وقد وقع ذكرها في احاديث أخرى منها حديث ابن عباس انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طالعة من اصحابه عامدين الى سوق عكاظ وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة الى أن يمضي عشرون يوما قال ثم يقام سوق مجنة عشرة ايام الى هلال ذي الحجة ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية ايام ثم يتوجهوا الى الحج وفي حديث ابن الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالة ربه الحديث أخرجه احمد وغيره زقلت
____________________
(2/164)
ترجم في الاصابة خباب بن الارث فذكر أنه كان يعمل السيوف في الجاهلية زقلت باب ذكر من كان يبري النبل
في تلبيس ابليس لابن الجوزي أن سعد بن ابي وقاص كان يبري النبل هـ في الحفار للقبور
في سيرة ابن اسحاق في قصة الحفر لقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابا عبيدة بن الجراح كان كحفر اهل مكة وابا طلحة سهل زيد ابن كان يحفر لاهل المدينة وكان يلحد
زقلت وفي صيد الخواطر لابن الجوزي كان ابو عبيدة بن الجراح وابو طلحة يحفران القبور وترجم في الاصابة لابي سعيد المقبري واسمه كيسان فقال له ادراك وكان على عهد عمر فجعله على حفر القبور بالمدينة زقلت اتفاق القوم على من يمثلهم في محفل رسمي مأتم ديني
ترجم الموفق بن قدامة في الاستبصار لاوس بن خولي الانصاري فقال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا غسله حضرت الانصار فنادت على الباب الله الله فإنا اخواله فليحضره بعضنا فقيل لهم اجتمعوا على رجل منكم فاجتمعوا على اوس بن خولي فحضر على غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه مع اهل بيته هـوقصته هذه في ترجمة اوس من طبقات ابن سعد ايضا انظر ص 61 من ج 3 زقلت
____________________
(2/165)
باب اخذ ستر المرأة في نعشها وهي ميتة عن الحبشة ومن حبذ ذلك
خرج ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس قال فاطمة اول من جعل لها النعش عملته لها اسماء بنت عميس وكانت قد رأته يصنع بارض الحبشة وقال الوزير الا كتب ابو عبد الله بن ابي الخصال الغافقي في كتابه ظل الغمامة في حق فاطمة الزهراء وموتها استشعرت من وفاتها اليقين بما أنبأها به خاتم النبيئين فانتظرت الوقت والحين وأشفقت لمرأة توضع في نعشها وضع الرجال فتصف الاكفان ما استترت به ربات الحجال وأخجلها ذلك لفرط الحياء ابرح الاخجال وتشكت الى اسماء بنت عميس ما تجده لذلك من عوارض الاوجال فنفست عنها شغل البال بما رأته في الحبشة من حسن التأني برفع ما يهجس في البال ووضع ما ألهم الله به من محكم الاشكال فدعت بجرائد رطبة فعطفتها عطف قس الضال وألبستها الثياب سابغة الاذيال فصار خدرا للضعينة وحجابا للحرة الستيرة فرضيت رضي الله عنها عن تلك الخالة الحسنى والسيرة فكانت اول من خصه الله بتلك الكرامة واول من زف بتلك الصيانة الى دار المقامة وما عند الله لها من الحجة البالغة والنعمة السابغة اتقى وانقى يوم القيامة فعند ذلك طابت نفسها العلية عن المنية زقلت المرأة الكبيرة السن تلازم القبر
ترجم في الاصابة لرقية مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرت حتى جعلها الحسين بن علي مقيمة عند قبر سيدتها فاطمة لانه لم يكن بقي من يعرف القبر غيرها قاله عمر بن شبه في اخبار المدينة
____________________
(2/166)
عجيبة في ترجمة شبت بن ربعي التميمي احد الزاوين عن عثمان وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وطبقتهم من طبقات ابن سعد اخبرنا الفضل ابن دكين حدثنا حفص بن غياث قال سمعت الاعمش قال شهدت جنازة شبت فاقاموا العبيد على حدة والجوراي على حدة والخيل على حدة والبخت على حدة والنوق على حدة وذكر الاصناف قال ورأيتهم ينوحون عليه يلتدمون انظر ص 150 من ج 6
غريبة ترجم ابن سعد في الطبقات في ذكر التابعين من اهل المدينة الحارث بن عبد الله بن ابي ربيعة والى البصرة لعبد الله بن الزبير ايام خلافته فقال كان خطيبا عفيفا وكان فيه سواد لان امه كانت حبشية نصرانية فماتت فشهدها الحرث بن عبد الله وشهدها معه الناس فكانوا ناحية وجاء اهل دينها بولدها وشهدها منهم جماعة كثيرة وكانوا على حدة وترجم في الاصابة الحجار بن ابجر العجلي وقال له ادراك فقال ذكر المرزباني في الشعراء ان ابجر والده مات على نصرانيته في زمن علي وروى الطبراني من طريق اسماعيل بن راشد قال مرت جنازة أبجر بن جابر على عبد الرحمن بن ملجم وحجار بن ابجر يمشي في جانب مع اناس من المسلمين ومع الجنازة نصارى يشيعونها
قلت يجب ان تكتب هذه القضية والتي قبلها بهامش فتوى للشيخ عليش في باب الجنائز من نوازله انظر ص 133 من الجزء الاول والمحفوظ عن تراجم السلف في جنائزهم كالامام احمد بن حنبل ان الناس كانوا يحضرون جنائزهم على اختلاف المذاهب والاديان
____________________
(2/167)
القسم العاشر من كتاب الخزاعي
وبه يكمل التاليف في ذكر امور متفرقة وفيه عنده ابواب اربعة قد قدمنا في المقدمة اننا عوضنا هذا القسم من كلام الخزاعي لخلوه عن الفائدة في الجملة بقسم اخر استدركناه عليه وهو من الاهمية بمكان وربما يضارع جل اجزاء المؤلف او يفوقها اهمية وهذا حين الشروع فيه فنقول القسم العاشر
في تشخيص الحالة العلمية على عهده صلى الله عليه وسلم وما كان عليه اصحابه في ذلك الزمان من السبق لكل فضيلة وسعة
المدارك والاخلاق وجميل العوائد والازياء ويتركب هذا القسم من مقصدين
المقصد الاول في تشخيص الحالة العلمية على عهده صلى الله عليه وسلم تعلما وتعليما وكتابة وادواتها ونحو ذلك
المقصد الثاني في تشخيص الحالة الاجتماعية من حيث ما حازه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من السبقيات في انواع النبوغ وسعة المدارك والكيفيات وغير ذلك وتحت كل مقصد ابواب & الباب الاول من المقصد الاول &
في ذكر ان اوسع دائرة للمعارف تناولها البشر القرآن الكريم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ذلك الديوان العظيم اول من قرأ في مدرسته وتربى بهديه واتخذه هجيرا واهتدى بتربيته الصحابة الكرام وكيف يرى اهل الاسلام استخراج
____________________
(2/168)
جميع العلوم منه عقد الحافظ السيوطي في كتاب الاتقان فصلا شائقا لهذا المعنى وهو وان كان مسهبا ولاكن نات به لفرائده قال رحمه الله النوع الحادى والستون في العلوم المستنبطة من القرآن قال تعلى ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال ونزلنا عليك القرآن تبيانا لكل شيء وقال صلى الله عليه وسلم ستكون فتن قيل وما المخرج منها قال كتاب الله فيه نبأ ما بعدكم وخبر ما قبلكم وحكم ما بينكم اخرج الترمذي وغيره واخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال من اراد العلم فعليه بالقرآن فان فيه خبر الاولين والاخرين قال البيهقي يعني اصول العلم واخرج البهيقي عن الحسن قال انزل الله مائة واربعة كتب اودع علومها اربعة منها التوراة والانجيل والزبور والفرقان ثم اودع علوم الثلاثة الفرقان وقال الامام الشافعي رضي الله عنه جميع ما تقوله الامة شرح للسنة وجميع ما تقوله السنة شرح للقران وقال ايضا جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن قلت ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم اني لا أحل الا ما أحل الله ولا أحرم الا ما حرم الله في كتابه اخرجه بهذا الفظ الشافعي في الام وقال الشافعي ايضا ليست تنزل باحد في الدين نازلة الا في كتاب الله الدليل على سببيل الهدى فيها وقليل من الاحكام ما تثبت با السنة ابتداء قلت ذلك ماخوذ من كتاب الله في الحقيقة لان كتاب الله اوجب علينا اتباع الرسول وفرض علينا الاخذ بقوله وقال الشافعي مرة بمكة سلوني عما شئتم اخبركم عنه من كتاب الله فقيل له ما تقول في المحرم يقتل الزنبور فقال ^ بسم الله الرحمن الرحيم وما اتاكم الرسول
____________________
(2/169)
فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ) وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك ابن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتدوا باللذين من بعدى ابو بكر وعمر وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب انه امر بقتل المحرم الزنبور واخرج البخارى عن ابن مسعود قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى فبلغ ذلك لامرأة من بني اسد فقالت له بلغني عنك انك لعنت كيت وكيت فقال ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول لئن كنت قرأته لقد وجدته اما قرأت ! ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ! قالت بلى فقال انه نهى عنه وحكى ابن سراقة في كتاب الاعجاز عن ابي بكر بن مجاهد انه قال يوما ما من شيء في العالم الا وهو في كتاب الله فقيل له فان ذكرالخانات فيه فقال في قوله ! ( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ) ! فهى الحانات وقال بعضهم ما من شيء الا ويمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله تعالى حتى ان بعضهم استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة من قوله في سورة المنافقين ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها فانها رأس ثلاث وستين سورة وعقبها التغابن ليظهر التغابن في فقده وقال ابن ابي الفضل المرسي في تفسيره جمع القرآن علوم الاولين والاخرين بحيث لم يحطبها علما حقيقة الا المتكلم بها حقيقة ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا
____________________
(2/170)
ما استاثر به سبحانه ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة واعلامهم مثل الخلفاء الاربعة وابن مسعود وابن عباس حتى قال لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعلى ثم ورث عنهم التابعون باحسان ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل اهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه فنوعوا علومه وقامت كل طائفة بفن من فنونه فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعد كلماته وآياته وسوره واحزابه وانصافه وارباعه وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات على غير ذلك من حصر كلمات متشابهة وآيات متماثلة من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما اودع فيه فسموا القراء واعتنى النحاة بالمعرب منه من الاسماء والافعال والحروف القابلة وغيرها واوسعوا الكلام في الاسماء وتوابعها وضروب الافعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع مما يتعلق به حتى ان بعضهم اعرب مشكله وبعضهم كلمة كلمة واعتني المفسرون بالفاظه فوجدوا لفظا يدل على معنى واحد ولفظا يدل على معنيين ولفظا على اكثر فاجروا الاول حكمه واوضحوا المعنى الخفي منه وخاضوا في ترجيح احد محتملات ذي المعنيين والمعاني واعمل كل فكره وقال ما اقتضاه نظره واعتنى الاصوليون بما فيه من الادلة العقلية والشواهد الاصلية والنظرية مثل قوله تعالى ! ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ! الى غير ذالك من الآيات الكثيرة واستنبطوا منه ادلة على وحدانيته تعلى ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به وسموا هذا العلم باصول الدين فتأملت طائفة منهم معاني
____________________
(2/171)
خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم ومنها ما يقتضي الخصوص الى غير ذلك استنبطوا منه احكام اللغة والمجاز وتكلموا في التخصيص والاخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والامر والنهي والنسخ الى غير ذلك من انواع الاقيسة واستصحاب الحال والاستقراء وسموا هذا الفن باصول الفقه واحكمت طائفة صحيح النظرة وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الاحكام فاسسوا اصوله وفرعوا فروعه وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا وسموه بعلم الفروع والفقه ايضا وتلمحت طائفة مافيه من قصص القرون السابقة والامم الخالية ونقلوا اخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى دنوا بدء الدنيا واول الاشياء وسموا ذلك بالتاريخ والقصص وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والامثال والمواعظ التي تغلغل قلوب الرجال وتكاد تدك الجبال فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد والتحذير والتبشير وذكر الموت والنشر والمعاد والمحشر والحساب والعقاب والجنة والنار فصولا ممن المواعظ واصولا من الزواجر فسموا بذلك الخطباء والوعاظ واستنبط قوم مما فيه من اصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رءياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة وسموه تعبير الرءيا واستنبطوا تعبير كل رءيا من الكتاب وان عز عليهم اخراجها منه فمن السنة هي شارحة للكتاب فان عسر فمن الحكم والامثال ثم نظروا الى اصطلاح الحكم والعوام في مخاطباتهم وعرف عادتهم الذي اشار اليه القرآن بقوله وامر بالمعروف واخذ قوم لما
____________________
(2/172)
في ءايات الموارث من ذكر السهام واربابها وغير ذلك وسمي علم الفرائض واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العدل واستخرجوا منه احكام الوصايا ونظر قوم الى ما فيه من الآيات الدالة على الحكم الباهرة في اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والبروج وغير ذالك فاستخرجوا منه علم المواقيث ونظر الكتاب والشعراء الى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق والمبادي والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والاطناب والايجاز وغير ذلك واستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع ونظر فيه ارباب الاشارات واصحاب الحقيقة فلاح لهم من الفاظه معان ودقائق وجعلوا لها اعلاما اصطلحوا عليها مثل الفناء والبقاء والحضور والخوف والهيبة والانس والوحشه والقبض والبسط وما اشبه ذلك هذه الفنون التى اخذتها الملة الاسلامية منه وقد احتوى على علوم اخرى من علوم الاوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك اما الطب فمداره علي حفظ الصحة واستحكام القوة وذلك انما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله وكان بين ذلك قواما وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله وحدوث الصفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى ! ( شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) ! ثم زاد على طب الاجسام بطب القلوب وشفاء الصدور واما الهيئة ففي تضاعيف سورة من الآيات التى ذكر ملكوت السماوات والارض وما بث في العالم العلوي والسفلي من البراهين والمقدمات ونتائج
____________________
(2/173)
المخلوقات واما الهندسة ففي قوله انطلقوا الى ظل زي ثلاث شعب الآية واما الجدل فقد حوت ءاياته من البراهن والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئا كثيرا ومناظرة ابراهيم نمرود ومحاجته قومه اصل في ذلك عظيم واما الجبر والمقابلة فقد قيل ان اوائل السور فيها عدد واعوام وايام لتواريخ امم سابقة وان فيها تاريخ بقاء هذه الامة وتاريخ مدة ايام الدنيا وما مضي وما بقي مضروب بعضها في بعض واما النجامة ففي قوله اثارة من علم وقد فسره ابن عباس بذلك وفيه اصول الصنائع التى تدعوا الضرورة اليها كالخياطة في قوله وطفقا يخصفان والحدادة آتوني زبر الحديد والنا له الحديد الاية والبناء في ايات والنجارة واصنع الفلك باعيننا والغزل نقضت غزلها والنسج كمثل العنكبوت اتخذت بينا والفلاحة أفرأيتم ما تحرثون الآية والصيد في آيات والغوص كل بناء وغواص وتستخرجون منه حلية تلبسونها والصياغة واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا والزجاجة صرح ممرد من قوارير المصباح في زجاجة والفخارة فأوقد لي يا هامان على الطين والملاحة اما السفينة الآية والكتاب علم بالقلم والخبر أحمل فوق رأسي خبزا والطبخ بعجل حنيذ والغسل والقصارة وثيابك فطهر قال الحواريون وهم القصارون والجزارة الا ما ذكيتم والبيع والشراء في آيات والصبغ صبغة الله جذذ بيض وحمر والحجارة وتنحتون من الجبال بيوتا والكيالة والوزن في آيات والرمي وما رميت اذ رميت وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة وفيه من اسماء الاثاث وضروب الماكولات والمشروبات
____________________
(2/174)
والمنكوحات وجميع ما وقع او يقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء هـكلام المرسي ملخصا وقال ابن سراقة من بعض وجوه اعجاز القرآن ما ذكره الله فيه من اعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب والموافقة والتاليف والمناسبة والتنصيف والمضاعفة ليعلم بذلك اهل العلم بالحساب أنه صلى الله عليه وسلم صادق وأن القرآن ليس من عنده اذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة ولا تلقى الحساب واهل الهندسة وقال الراغب إن الله لما جعل نبوة النبيين صلى الله عليه وسلم ين بنبينا صلى الله عليه وسلم مختتمة وشرائعهم منتسخة بشريعته من وجه ومن وجه مكملة متممة جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التى اولاها أولائك كما نبه بقوله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وجعل من معجزات هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم يتضمن المعنى الجم بحيث تقصر الالباب البشرية عن احصائه الآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله ولو أن ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله فهو وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه ونفع ما يوليه
( كالنور من حيث التفت رأيته ** يهدي الى عينيك نورا باقيا )
( كالشمس في كبد السماء وضوءها ** يغشى البلاد مشارقا ومغاربا )
وأخرج ابو نعيم وغيره عن عبد الرحمان بن زياد بن انعم قال قيل لموسى عليه السلام يا موسى انما مثل كتاب احمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته وقال القاضي ابوبكر بن العربي في قانون
____________________
(2/175)
التاويل في علوم القرن خمسون علما واربعمائة علم وسبعة آلاف وسبعون الف علم على عددكلم القرآن مضروبة في اربعة اذ لكل كلمة ظهر وبطن وحد ومطلع وهذا مطلق دون اعتبار تركبيه وما ينهي من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه الا الله قال واما علوم القرآن ثلاثة توحيد وتذكير واحكام فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق باسمائه وصفاته وافعاله والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن والاحكام منها التكاليف كلها والمنافع والمضار والامر والنهي والندب ولذلك كانت الفاتحة ام القرآن فيها الاقسام الثلاثة وسورة الاخلاص ثلثه لاشتمالها على احد الاقسام الثلاثة وهو التوحيد وقال ابن جرير القرآن يشتمل على ثلاثة اشياء التوحيد والاخبار والديانات ولهذ كانت سورة الاخلاص ثلثه لانها تشمل التوحيد كله وقال علي بن عيسى القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا الاعلام والتنبيه والامر والنهي والوعيد ووصف الجنة والنار وتعليم الاقرار بسم الله وبصفاته وافعاله وتعليم الاعتراف بانعامه والاحتجاج على المخالفين والرد على الملحدين والبيان عن الرغبة والرهبة والخير والشر والحسن والقبيح ونعت الحكمة وفضل المعرفة ومدح الابرار وذم الفجار والتسليم والتحسر والتوكيد والتفريع والبيان عن ذم الاخلاق وشرف الآداب وعلى التحقيق ان تلك الثلاثة التى قالها ابن جرير تشمل هذه كلها بل اضعافها فان القرآن لا يدرك ولا تحصى عجائبه وانا اقول قد اشتمل كتاب الله على كل شيء اما انواع العلوم فليس فيها باب ولا مسالة هى اصل الا وهي في القرآن الكريم وفيه
____________________
(2/176)
ما يدل عليها وفيه عجائب المخلوقات وملكوت السموات والارض وما في الافق الاعلى وتحت الثرى وبدء الخلق واسماء مشاهير الرسل والملائكة وعيون اخبار الامم كالاخبار بقصة آدم مع ابليس في اخراجه من الجنة ورفع ادريس واغراق قوم نوح وقصة عاد الاولى والثانية وثمود والناقة وقوم يونس وقوم شعيب والاولين والاخرين وقوم لوط وقوم تبع واصحاب الرس وقصة ابراهيم في مجادلته قومه ومناظرته نمروذ ووضعه ابنه اسماعيل مع امه بمكة ومنامه وقصة الذبيح وقصة يوسف وما ابسطها وقصة موسى في ولادته والقائه في اليم وقتل القبطي ومسيره الى مدين وتزوجه بنت شعيب وكلامه تعلى بجانب الطور ومجيئه الى فرعون وخروجه واغراق عدوه وقصة العجل والقوم الذين خرجوا معه واخذتهم الصاعقة وقصة القتيل وذبح البقرة وقصته مع الخضر وقصته مع الجبارين وقصة القوم الذين شاروا في سرب من الارض والى الصين وقصة طالوت وداوود مع جالوت وفتنته وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبا وفتنته وقصة القوم الذين خرجوا فرارا من الطاعون فاماتهم الله ثم احياهم وقصة ذي القرنين ومسيرة الي مغرب الشمس ومطلعها وبنائه السد وقصة ايوب وذا الكفل والياس وقصة مريم وولادتها عيسى وارساله ورفعه وقصة زكرياء وابنه يحيى وقصة اصحاب الكهف وقصة اصحاب الرقيم وقصة بختنصر وقصة الرجلين اللذين لاحدهما الجنة وقصة اصحاب الجنة وقصة اصحاب مومن آل ياسين وقصة اصحاب الفيل وفيه من شان النبي صلى الله عليه وسلم دعوة ابراهيم به وبشارة عيسى وبعثه وهجرته
____________________
(2/177)
ومن غزواته سرية ابن الحضرمي في البقرة وعزوة بدر في الانفال وأحد في آل عمران وبدر الصغرى فيها والخندق في الاحزاب والحديبية في الفتح والنضير في الحشر وتبوك وحنين في براءة وحجة الوداع في المائدة ونكاحه زينب بنت جحش وتحريم سريته وتظاهر ازواجه عليه وقصة الافك وقصة الاسراء وانشقاق القمر وسحر اليهود اياه وفيه بدء خلق الانسان الى موته وكيفية الموت وما يفعل بالروح بعد وصعودها الى السماء وفتح الباب للمومنة والغاء الكافرة وعذاب القبر والسؤال فيه ومقر الارواح واشراط الساعة الكبرى وهي نزول عيسى وخروج الدجال وياجوج وماجوج والدابة والدخان ورفع القرآن والخسف وطلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة واحوال البعث من النفخات الثلاث نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام والحشر والنشر واهوال الموقف وشدة حر الشمس وظل العرش والميزان والخوض والصراط والحساب لقوم ونجاة اخرين وشهادة الاعضاء واتيان الكتب بالايمان وبالشمائل وخلف الظهر والشفاعة والمقام المحمود والجنة وابوابها وما فيها من الانهار والاشجار والثمار والحلي والاواني والدرجات ورؤيته تعلى والنار وابوابها وما فيها من الاودية وانواع العقاب والوان العذاب والزقوم والحميم وفيه جميع اسمائه الحسنى كما ورد في حديث ومن اسمائه مطلقا الف اسم ومن اسماء النبي صلى الله عليه وسلم جملة وفيه شعب الايمان البضع والسبعون وشرائع الاسلام الثلاثمائة والخمسة عشر وفيه انواع الكبائر وكثير من الصغائر وفيه تصديق كل حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الى غير ذلك مما يحتاج شرحه
____________________
(2/178)
الى مجلدت وقد افرد الناس ما تضمنه القرآن من الاحكام كتبا كالقاضي اسماعيل وابي بكر بن العلاء وابي بكر الرازي والكيا الهراسي وابي بكر بن العربي وعبد المنعم بن الفرس وابن خويز منداد وافرد آخرون كتبا فيما تضمنه من علم الباطن وافرد ابن برجان كتابا فيما تضمنه من معاضدة الاحاديث وقد الفت كتابا سميته الاكليل في استنباط التنزيل ذكرت فيه كل ما استنبط منه من مسألة فقهية او اصلية او اعتقادية وبعضا مما سوي ذلك كثير الفائدة جم العائدة من اراد الشرح لما اجملته في هذا الباب فليراجعه من اراد الوقوف عليه
فصل قال الغزالي وغيره آيات الاحكام خمسمائة آية وقال بعضهم مائة وخمسون قيل ولعل مرادهم المصرح به فان آيات القصص والامثال وغيرها يستنبط منها كثير من الاحكام قال عز الدين ابن عبد السلام في كتاب الامام في ادلة الاحكام معظم آي القرآن لا تخلو عن احكام مشتملة علي آداب واخلاق جميلة حسنة ثم في الآيات ما صرح فيها بالاحكام ومنها مايوخذ بطريق الاستنباط اما بلا ضم لآية اخرى كاستنباط صحة نكاح الكفار في قوله ! ( وامرأته حمالة الحطب ) ! وصحة صوم الجنب في قوله فالان باشروهن الى قوله حتى يتبين لكم الخيط الاية واما كاستنباط اقل الحمل ستة اشهر في قوله ^ وحمله وفصاله في عامين ^ قال ويستدل على الاحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر وتارة باخبار مثل قوله أحل لكم حرمت عليكم الميتة كتب عليكم الصيام وتارة لما رتب عليها في العاجل او الآجل من خير او شر او نفع او ضر وقد نوع الشارع في ذلك انواعا كثيرة ترغيبا الى
____________________
(2/179)
اذهانهم فكل فعل عظمه الشرع او مدحه او مدح فاعله لاجله او احبه او احب فاعله او رضي به او رضي عن فاعله او وصفه بالاستقامة او بالبركة او الطيب او اقسم به او بفاعله كالاقسام بالشفع والوتر وبخيل المجاهدين وبالنفس اللوامة او نصبه سببا لذكره لعبده او لمحبته او لثواب عاجل او اجل او شكره له او لهدايته اياه او لارضاء فاعله او لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته او لقبوله او لنصرة فاعله او وعدة بالامر او نصب سببا للولاية او اخبر عن دعاء الرسول بحصوله او وصفه او بكونه قربه او بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب وكل فعل طلب الشارع تركه وذمه او ذم فاعله او عتب عليه او مقت فاعله او لعنه او نفى محبة فاعله او الرضى به او عن فاعله او شبه فاعله بالبهائم او بالشياطين او جعله مانعا من الهدى او من القبول او وصفه بسوء او كراهة او استعاذة الانبياء منه او ابغضوه او جعل سببا لنفي الفلاح او لعذاب عاجل أو آجل او لوم او ضلالة او معصية او وصف لخبث او رجس نجس او بكونه فسقا او ضلالة او سببا لاثم او رجس او لعن او غضب او زوال نعمة او حلول نقمة او حد من الحدود او قسوة او خزي او ارتهان نفس او لعداوة الله او لمحاربته او لاستهزائه او سخريته او جعله سببا لنسيان فاعله او وضعه نفسه بالصبر عليه او بالحلم او بالصفح عنه او دعي الى التوبة منه او وصف فاعله بخبث او احتقار او نسبه الى عمل الشيطان او تزيين الشيطان لفاعله او وصفه بصفة ذم ككونه ظلما او عدوانا او بغيا او اثما او مرضا
____________________
(2/180)
او تبرأ الانبياء منه او من فاعله او شكوا الى الله من فاعله او جاهروا فاعله العداوة او نهوا عن الاسف والحزن عليه او نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا او آجلا او رتب عليه حرمان الجنة وما فيها او وصف فاعله بانه عدو لله او اعلم فاعله بحرب من الله ورسوله او حمل فاعله اثم غيره او قيل فيه لا ينبغي هذا او لا تكون او امره بالتقوى عند السؤال عنه او امر بفعل مضاده او هجر فاعله او لعن فاعلوه من الآخرة او تبرأ بعضهم من بعض او دعاء بعضهم على بعض او وصف فاعله بالضلالة او انه ليس من الله في شيء او ليس من الرسول واصحابه أو جعل اجتنابه سببا للفلاح او جعل سببا لايقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين او قيل هل انت منته او نهي الانبياء عن الدعاء لفاعله او رتب عليه ابعاد او طرد او لفظة قتل من فاعله او قاتله الله او أخبر ان فاعله لا يكلمه الله ولا ينظر اليه ولا يزكيه يوم القيامة ولا يصلح عمله ولا يهدي كيده ولا يفلح او قيض له الشيطان او جعل سببا لازاغة قلب فاعله او صرفه عن ايات الله وسؤاله عن علة الفعل فهو دليل علي المنع من الفعل ودلالته على التحريم اظهر من دلالته على مجرد الكراهة وتستفاد الاباحة من لفظ الاحلال ونفي الجناح والحرج والاثم والمؤاخذة من الأذن والعفو عنه ومن الامتنان بما في الاعيان من المنافع ومن السكوت عن التحريم وبالانكار على من حرم الشى من الاخبار بانه خلق او جعل لنا والاخبار عن فعل من قبلنا غير ذام لهم عليه فان اقترن باخباره مدح دل على مشروعيته وجوبا او استحبابا هـكلام الشيخ عز الدين وقال غيره قد يستنبط من
____________________
(2/181)
السكوت وقد استدل جماعة بان القرآن غير مخلوق ان الله ذكر الانسان في ثمانية عشر موضعا وقال انه مخلوق وذكر القرآن في اربعة وخمسين موضعا ولم يقل انه مخلوق ولما جمع بينهما غاير فقال الرحمن علم القرآن خلق الانسان هـمن الاتقان وما اتمه واوسعه ونحوه في مقدمة الاكليل في استنباط التنزيل راجعه ايضا
وفي ترجمة ابي يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار القزويني المفسر المتوفى سنة 488 أنه أهدى الى نظام الملك اربعة اشياء لم يكن لاحد مثلها منها مصحف بخط بعض الكتاب المجودين بالخط الواضح وقد كتب كاتبه اختلاف القراء بين سطوره بالحمرة وتفسير غريبة بالخضرة واعرابه بالزرقة وكتب بالذهب العلامات على الآيات التي تصلح للانتزاعات في العهود والمكاتبات وآيات الوعد والوعيد وما يكتب في التعازي والتهاني هـ
تتمة قدمنا أن اوسع موسوعات عرفها البشر القرآن الكريم الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والموسوعات في اصطلاح اليوم الكتب المجموع فيها الكلام على عدة علوم وانواع فهوم كدوائر المعارف التي قصد فيها تدوين كل ما يخطر بالبال في الماضي والحال والاستقبال وقد علمت مما ذكرناه عن القرآن وما بين طواياه أنه يجب أن يكون اول موسوعة ودائرة معارف عرفها البشر وقد اعترف بذلك حتى فطاحلة الفرنج قال الدكتور موريس الفرنسي القرآن بمثابة ندوة علمية للعلماء ومعجم لغة لللغويين واجرومية لمن أراد تقويم لسانه وكتاب
____________________
(2/182)
عروض لمحب الشعر وتهذيب العواطف واسكلوبيديا دائرة معارف عامة للشرائع والقوانين هـوقال الدكتور بوسورت سميت في كتابه حياة محمد من حسن الحظ الوحيد في التاريخ دون غيره أن محمدا أسس في وقت واحد ثلاثة اشياء من عظائم الامور وجلائل الاعمال فانه مؤسس لامة وامبراطورية وديانة مع أنه أمي وقلما كان يقدر أن يقرأ او يكتب ومع ذلك أتى بكتاب هو اية في البلاغة ودستور للشرائع وللصلاة وللدين في ان واحد لخ كلامه وقد قال الامام فخر الدين الرازي طالعة تفسيره الكبير مفاتيح الغيب اعلم أنه مر على لساني في بعض الاوقات أن سورة الفاتحة يمكن أن يستنبط من فوائدها عشرة آلاف مسألة فاستبعد ذلك الحساد فشرعت في تصنيف هذا الكتاب وقدمت له مقدمة لتصير له كالبينة على أن ما ذكرناه امر ممكن الحصول وفي مناهج الاخلاق السنية للفاكهي المكي حكى ابن عادل في تفسيره عن القاضي ابي بكر ابن العربي المالكي أنه استنبط منه بضع وسبعون الف علم قال ولا يعزب عن علمك قول الامام علي كرم الله وجهه لو أردت أن أوقر على الفاتحة سبعين بعيرا لفعلت او كما قال بل سمعت عن شيخنا البكري أنه تكلم على بعض علوم البسملة بكرة كل يوم في سنين في الاشهر الثلاثة منها وأنه قال في بعض مجالسه لو أردت التكلم على ذاك العمر كله لم يف او كما قال هـوفي ترجمة ابي الاكرام زين العابدين البكري من مسالك الهداية لابي سالم العياشي نقلت من خط شيخ والدي سيدي احمد اذ قال إن العارف محمد البكري تكلم على نقطة البسملة
____________________
(2/183)
في الفى مجلس ومائتى مجلس هـولابي الحسن علي بن ابراهيم الحوفي في كتاب علوم القرآن ذكره له ابن سليمان الرداني في صلته وقال هو في مائة سفر انظر حرف العين منها
وبعد القرآن اول من اعترف التاريخ لهم بتدوين الموسوعات علماء الاسلام لاكن ابتداء التدوين فيها كان موضوعه والغرض منه عندهم احصاء العلوم المستعملة ثم وقع التوسع في الموسوعات شأن كل مرمى جديد
واول ما ظهر ذلك فيهم في القرن الرابع ألف الامام ابو الرجاء محمد بن احمد بن الربيع الاسواني الشافعي المتوفى سنة 335 المترجم في يتيمة الدهر للثعالبي وغيره قصيدة في اخبار العالم وقصص الانبياء والحديث والفلسفة والطب والفقه ومختصر المزني وغير ذلك ذكرها له في كشف الظنون المطبوع وفيه أنه سئل قبل موته كم بلغت قصيدتك الى الآن فقال ثلاثين الفا ومائة الف بيت وبقي على اشياء تحتاج الى زيادة انظر كشف الظنون والطالع السعيد للكحال الادفوي ص 267 ولا تستغرب هذا العدد من النظم عن اهل القرن الرابع فقد جاء عن اهل القرن الثالث ما هو اعجب ذكر احمد بن يحيى ابن المرتضى في باب ذكر المعتزلة من كتاب المنية والامل في شرح كتاب الملل والنحل في ترجمة بشر بن المعتمر الهلالي البغدادي أن له قصيدة في اربعين الف بيت رد فيها على جميع المخالفين وبشر هذا توفي سنة 310 كما أرخه بذلك الذهبي وابن البخاري وكيفما ظننا أن مادة الاعداد مبالغ فيها فلا تكون كل واحدة من هذه القصائد الا اكثر من عدد ابيات الاليادة التي عدد ابياتها زهاء 16 الف بيت
وألف الامام ابونصر الفارابي المتوفى
____________________
(2/184)
سنة 339 كتابه في احصاء العلوم والتعريف باغراضها ووجوه الانتفاع بها وفيه قال القاضي صاعد في طبقات الامم هو كتاب شريف في احصاء العلوم والتعريف باغراضها لم يسبق اليه ولا ذهب احد مذهبه ولا يستغنى طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه هـص 62 وقال عنه القاضي ابن الازرق في روضة الاعلام أحصى فيه العلوم القديمة وذكر فيه بعض علوم الاسلام هـوهو كتاب نادر الوجود توجد منه الان نسخة خطية في اسبانيا وهومترجم الى اللغة اللاتينية والعبرانية ثم سمعت انه طبع
ثم كتاب مفاتيح العلوم لابي عبد الله محمد بن احمد بن يوسف الخوارزمي المتوفى سنة 387 ألفه لابي الحسن عبيد الله بن احمد العتبي وقد قسمه الى مقالتين الاولى تشتمل على اثنين وخمسين فصلا تجتمع في ستة ابواب وهي الفقه الكلام النحو الكتابة الشعر العروض الاخبار
والمقالة الثاينة اشتملت على اثنين واربعين فصلا في ابواب الفلسفة المنطق الطب علم العدد الهندسة النجوم الموسيقى الخيال الكيمياء وقد طبع الكتاب المذكور في ليدن سنة 1895 مسيحية ثم في مصر وقد نقل عن هذا الكتاب المقريزي في الخطط في تعريفه علم التاريخ فقال قال محمد بن احمد بن محمد بن يوسف البلخي في كتاب مفاتيح العلوم وهو كتاب جليل القدر هـانظر ص 15 من ج 2 ولهم خوارزمي آخر له كتاب اسمه مفيد العلوم ومبيد الهموم ينقل عنه ابو سالم العياشي في كتابه الحكم بالعدل والانصاف تحت عنوان قال ابو بكر الخوارزمي الشافعي رضي الله عنه في مفيد العلوم وهو مطبوع ايضا بمصر واكبر
____________________
(2/185)
جرما من الذي قبله وكثير من القاصرين لا يفهمون أن اهل القرن الرابع دونوا مدخلا للعلوم والفنون يشتمل على الموضوعات والمصطلحات العلمية الموجودة لذلك العهد
ثم قاضي طليطلة صاعد بن احمد الاندلسي المتوفى سنة 462 الف كتابه طبقات الامم وقد طبع اخيرا ومن وقف عليه يندهش لاسلوب وضعه وواسع اطلاعه وبحثه وجمعه باعتبار أنه بقلم اهل المائة الخامسة
ثم الامام ابو حامد الغزالي عدد انواع العلوم وفوائدها وموضوعاتها في كثير من كتبه وخصوصا في كتابه فاتحة العلوم والجواهر ولما ذكر في كتابه الجواهر وكتاب الاربعين انواع العلوم المتعلقة بالكتاب العزيز واعتذر بعد ذلك عن اعراضه عن عدها بأن القصد انما هو ذكر ما يتعلق بالقرآن الكريم ويتوقف على معرفته صلاح العباد والمعاش قال بعد ذلك فيما يرجع لجنس تلك العلوم ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التي لا يتمارى فيها أن في الامكان والقوة اصنافا من العلوم لم تخرج الى الوجود وإن كان في قوة الادمي الوصول اليها وعلوما قد خرجت الى الوجود واندرست الان فلم يوجد في هذه الاعصار على بسيط الارض من يعرفها وعلوما أخر ليس في قوة البشر اصلا ادركها والاحاطة بها وكانت وفاته رحمه الله سنة 505 ثم كتاب الفنون للامام فخر العراق والحنابلة ابي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي البغدادي المتوفي سنة 513 قال سبط ابن الجوزي في ترجمته من مراة الزمان وهو مائتا مجلد جمعه طول عمره قال واختصر منه جدي عشر مجلدات فرقها في تصانيفه وقد طالعت منه في بغداد في وقف المامونية نحو سبعين وفيها
____________________
(2/186)
حكايات ومناظرات وغرائب وعجائب
ثم كتاب قيد الاوابد لمحمد بن حسين الزاغوكي الشافعي المتوفي سنة 559 عن 79 وهو كما في كشف الظنون المطبوع مجموع ذكر فيه العلوم كالتفسير وعلوم الحديث والفقه واللغة لخ لخ ورتبها ولعلها بلغت اربعمائة مجلد وفي رحلة الزبادي نقلا عن القاموس الجزم بانه في اربعمائة مجلد
ثم جامع الفنون وقامع الظنون للوادياشي البرار المتوفى سنة 596 منه الجزء التاسع في النجوم
وكتاب جامع العلوم لابن نسيب الحراني الحنبلي المتوفى سنة 695 ذكره في كشف الظنون وكتاب جامع العلوم للفخر الرازي المتوفي 606 قال في كشف الظنون وهو مجلد متوسط اشتمل على اربعين علما ألفه للسلطان علاء الدين تكش الخوارزمي وهو كتاب مفيد جدا وفي ص 571 من ج 2 من كشف الظنون أن للفخر الرازي كتاب حدئق الانوار في حدائق الاسرار أورد فيه ستين علما ومن اعظم الموسوعات العربية التي جادت بها اقلام المسلمين في هذا التاريخ الفتوحات المكية للشيخ الاكبر ابن العربي الحاتمي وهي في مجلدات 8 ضخمة وأود لو وفق معتني لجعل قاموس عام لمسائلها وعلومها الكونية وفلسفتها الدينية ليظهر للعالم العجب العجاب المنطوي في طيات هذا الكتاب العظيم
وللسيد جلال الدين البخاري كتاب جامع العلوم ذكره صاحب الكشف
ايضا ثم جاء بعد هؤلاء شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب البكري النويري الكندي الشافعي المتوفي سنة 732 له نهاية الارب في فنون الادب قال في كشف الظنون في نيف وثلاثين مجلدا قسمها الى خمسة فنون وكل
____________________
(2/187)
فن الى ابواب الفن الاول في السماء والاثار العلوية والارض والعالم السفلي ويشتمل على خمسة اقسام
الثاني في الانسان وما يتعلق به الثالث في الحيوان الصامت
الرابع في النبات
والقسم الخامس في انواع الطب وفي التاريخ والقسم التاريخي ينتهي الى سنة 731 وهوموجود كاملا في بعض مكاتب الاستانة والمكتبة الخديوية بمصر وقد شرع في طبعه الآن بمصر
ثم جاء المؤرخ النقاد النسابة ابن فضل الله العمري الكاتب الدمشقي المتوفى سنة 748 له مسالك الابصار في ممالك الامصار في بضع وعشرين مجلدا في الادب والتاريخ والجغرافية والتاريخ الطبيعي قسمه الى قسمين الاول في الارض وما اشتملت عليه برا وبحرا وهو نوعان الاول في ذكر المسالك والثاني في ذكر الممالك والقسم الثاني في سكان الارض من طوائف الامم وتحت كل قسم ابواب وتحت كل باب فصول قال في كشف الظنون هو في عشرين مجلدا اكبارا وذيله شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني ذكره السيوطي في طبقات النحاة ثم جاء الامام شمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد الانصاري المتوفى سنة 749 فألف كتابه المسمى ارشاد القاصد الى اسنى المقاصد ذكر فيه اصناف العلوم وانواعها وجملة ما فيه ستون علما منها عشره اصلية سبعة نظرية وهي المنطق والالهي والطبيعي والرياضي باقسامها
وثلاثة عملية وهي السياسة والاخلاق وتدبير المنزل قال في كشف الظنون وهو مأخذ مفتاح السعادة لطاشبكري زاده وقد ذكر في جملة العلوم اربعمائة تصنيف هـوقد طبع بمصر ايضا في جزء عام 1318
وعندي منه نسخه خطية سمعت
____________________
(2/188)
في القرن الحادي عشر على ابي مهدي عيسى الثعالبي المكي رحمه الله بمكة ثم الامام عبد الرحمان بن محمد البسطامي ألف كتابا أورد فيه غرائب وعجائب حتى أورد فيه مقدار مائة علم وذكر فيها اقسام العلوم الشرعية والعربية
ثم المولى لطف الله بن حسن التوقاني المقتول سنة 900 ألف للسلطان بايزيد كتابا جمع فيه نبذا من العلوم ثم شرحه وسماه المطالب الالاهية
ثم جاء الحافظ الاسيوطي فألف النقاية في اربعة عشر علما وهي مشروحة بقلم السيوطي وغيره ومنظومة قديما وحديثا ومن اشهر من نظمها الشهاب احمد بن عبد الحق الشنباطي المصري من اهل القرن العاشر وشرح هو النظم في مجلدين
ثم جاء العلامة الارتقي وهو في المائة العاشرة فألف مدينة العلوم في تعريفات العلوم وتراجم المؤلفين وهو كتاب مفيد يبحث في العلوم واقسامها واشهر من ألف فيها بدأ بالخط فالكتابة وفروعها وعلومها وتاريخ نشوءها والشعر والادب والعلوم الطبيعية والميكانيكة والسياسة والدين وهو موجود بالمكتبة الخديوية بمصر ووقفت على نسخة من كتاب مدينة العلوم بالمغرب وهي في مجلد وسط ولاكنها منسوبة لعصام الدين ابي الخير احمد بن الامام مصلح الدين وهو والله اعلم ابو الخير عصام الدين احمد بن مصلح الدين مصطفى المعروف بطاشبكري زاده المتوفى سنة 967 والمعروف للمذكور كتابه المسمي مفتاح السعادة ومصباح السيادة تكلم فيه على العلوم واقسامها وتفرعها وجعله على طرفين الاول في خلاصة العلم والثاني في تعداد العلوم وضمنه ثلاثة اقسام الهية واعتقادية وعملية وجعل علم الاخلاق
____________________
(2/189)
ثمرة كل العلوم قال في كشف الظنون ذكر فيه مائة وخمسين فنا هـ
قلت وقعت لي منه نسخة خطية عتيقة فعددت العلوم المذكورة فيها فإذا مائة وخمسة وهذا برنامج ما فيه من العلوم لتستفاد الدوحة الاولى في العلوم الالية ولها شعبتان الشعبة الاولى في العلوم الالية اللفظية العربية وهي تنقسم الى القسم اللفظي والى القسم الخطي القسم الاول في اللفظي فمنها علم مخارج الحروف علم اللغة علم الاشتقاق علم الصرف علم التمييز علم النحو علم المعاني علم المحاضرة علم التواريخ علم السير والمغازي علم البيان علم البديع علم التصحيف علم العروض علم القوافي علم قرض الشعر علم مبادي الشعر علم الانشاء علم الامثال علم وقائع الامم ورسومهم على مسامرة الملوك علم استعمالات الالفاظ علم الاحاجي والاغلوطات علم الترسل علم السجلات
القسم الثاني من علم الادب فيما يتعلق بالخط العربي من العلوم علم قوانين الكتابه علم ترتيب حروف التهجي في الكتاب علم تحسين الحروف علم كيفية تولد الخطوط عن أصولها علم تراكيب الاشكال بسائط الحروف علم املاء الالفاظ العربية
الشعبة الثانية في العلوم الآلية المعنوية علم المنطق علم النظر والمناظرة علم الجدل علم الخلاف
الدوحة الثانية في العلوم
الاعتقادية وفيها شعبتان الشعبة الاولى في العلوم الشرعية الاعتقادية علم النواميس علم القراءة علم التجويد علم الوقوف علم رسم المصحف علم الناسخ والمنسوخ علم اسباب النزول علم غرائب القرآن علم دفع مطاعن القرآن علم التفسير علم التاويل علم اشارات
____________________
(2/190)