التحكيم بين الزوجين في الشقاق د0 عبد الله جاسم الجنابي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزل الكتاب تبيانا لكل شيء,والصلاة والسلام الاكملان الاتمان على من أمره بالبيان في قوله :"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "سورة النحل /44".
فقد جعل الله تعالى قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه, يقلبها كيف يشاء (1) يقلبها بين المحبة والكراهية، والألفة والخصومة ، والمودة والشقاق 0
فنجد الشقاق يقع أحيانا من الزوجة ،كما بينه الله أحسن بيان في كتابه الكريم بقوله :واللائي تخافون نشوزهن , فعظوهن ،واهجروهن في المضاجع ،واضربوهن ، فان أطعنكم ، فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا :"سورة النساء/34"0
قال ابن عباس: " تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ، ولا تطيع أمره ،فأمره الله أن يعظها ،ويذكرها بالله ويعظم حقه عليها فان قبلت والا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها ، وذلك عليها تشديد فان رجعت والا ضربها ضربا غير مبرح ،ولا يكسر لها عظما ،والا يجرح بها جرحا ، فإذا أطاعتك فلا تجني عليها " (2) 0 ويقع الشقاق أحيانا من الزوج ، كما قال تعالى : ( وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ، والصلح خير) "سورة النساء /128 " 0
__________
(1) ينظر في هذا المعنى :صحيح مسلم /كتاب القدر 4/2045 رقم 3654 عن عبد الله بن عمرو ومسند الإمام أحمد رقم 24938 ومصنف ابن أبي شيبه 6/25 عن أم المؤمنين عائشة وفيه علي بن زيد بن جدعان 0 وابن ماجه في كتاب الدعاء من سننه 2/160 رقم 3834 وابن أبي شيبة في مصنفه 6/ 25 كلاهما عن انس بن مالك ، وابن أبي شيبه 6/25 عن أم سلمة وفيه شهر بن حوشب 0
(2) ينظر تفسير الطبري 5/ 305 ـ 310 فتح القدير ، الشوكاني 1/521،الوسيط 5/305 0(1/1)
قال بعض أهل التفسير :"النشوز : التباعد ، والإعراض : أن لا يكلمها ، ولا يأنس بها ، وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند أي نشوز ، أو أي إعراض ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وظاهرها انه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه ، إما بإسقاط النوبة ، او بعضها ، أو بعض النفقة، أو بعض المهر " (1) 0 وحينا تقع المشاقة والخصومة والاعراض من الطرفين جميعا ، وهو الذي ذكره جل وعلا ، بقوله : ( وإن خفتم سقاق بينهما فابعثوا حكما من أهلها ، وحكما من أهله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ) (النساء/35) 0 ولأجل استكشاف ما في هذه الآية العظيمة من الأحكام الشرعية ، سيتم تناول البحث من خلال الفقرات الآتية :
1 0 الشقاق : تعريفه لغة وشرعا
أ ـ لغة :
قال العلامة محمد عبد الرءوف المناوي:"الشقاق ـ بالكسر ـ الخلاف ، لأن كلا منهما في شق غير صاحبه، أي ناحية 0 ومنه المشقة ، لأن كلا منهما يشق عليه متابعة صاحبه ،أو لأنه يأتي بما يشق على صاحبه"(2) 0
وقال الإمام اللغوي ابن فارس :" الشين والقاف ، اصل واحد صحيح ، يدل على انصداع في الشيء ، ثم يحمل عليه، ويشتق منه معنى الاستعارة 0تقول شققت الشيء أشقه شقا ، إذا صدعته 000
ومن الباب : الشقاق ، وهو الخلاف ، وذلك إذا انصدعت الجماعة وتفرقت ، يقال شقوا عصا المسلمين، وقد انشقت عصا القوم بعد التئامها ، إذا تفرق أمرهم ، ويقال :لنصف الشيء شق ، ويقال : أصاب فلانا شقة ومشقة وذلك الأمر الشديد ، كأنه من شدته يشق الإنسان شقا 00" أ0هـ المراد منه 0(3)…
ب – شرعا :
__________
(1) المصادر السابقة ، الوسيط ، الغزالي 5/305 ، معاني القرآن ، النحاس 2/205 0
(2) التعاريف، المناوي ص433ـ434 0
(3) معجم مقاييس اللغة ، ابن فارس 3/170- 171 0(1/2)
لا يخرج معنى الشقاق الشرعي عن معناه اللغوي 0 قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في قول الله تعالى :" وان خفتم شقاق بينهما 00" "سورة النساء /35 "0: "وان علمتم أيها الناس شقاق بينهما ، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه وهو اتيانه ما يشق عليه من الأمر 0فإما من المرأة : فالنشوز تركها أداء حق الله عليها الذي الزمها الله لزوجها ، وأما من الزوج : فتركه إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان" (1)0 وقال أبو السعود العمادي :" والشقاق : المخالفة ، إما لان كلا منهما يريد ما يشق على الآخر ، وأما لأن كلا منهما في شق ، أي جانب غير شق الآخر "(2)
وقال أبو جعفر الطوسي – من علماء الامامية المتوفي سنة 460هـ -: " والشقاق : الخلف والعداوة واشتقاقه من الشق ، وهو الجزء الباين ، ومنه اسم المتشاقين ، لأن كل واحد منهما في شق ، أي في ناحية ، ومنه المشقة في الأمر ، لأنه يشق على النفس "0(3)
فخلاصة ما تقدم ، يكون الشقاق : هو شدة المنازعة والخصومة بين الزوجين ، بحيث لا يستقيم لهما حال ، من غير أن يتبين المقصر منهما والله أعلم 0
فإذا علمنا الشقاق ما هو ، يحتاج أن نعلم ما هو الخوف الوارد في قوله تعالى :"وان خفتم 000" وهو المسألة الآتية :
2 – ذكر أهل التفسير في الخوف قولين :
احدهما : العلم وهو قول ابن عباس 0 واختاره أبو سليمان الدمشقي ويرد عليه :
إننا لو علمنا الشقاق لم يحتج إلى الحكمين (4) قال أبو السعود العمادي :" والجزم بوجود الشقاق لا ينافي بعث الحكمين ، لأنه لرجاء إزالته ، لا لتعرف وجوده بالفعل "(5) 0
والثاني : الظن ، أو الحذر من وجود مالا يتقين وجوده 0
__________
(1) تفسير الطبري 5/170 0
(2) تفسير أبي السعود 2/175 0
(3) تفسير أبي السعود 2/ 175 0
(4) التبيان 3/ 192 ، مجمع البيان2/44 0
(5) تفسير أبي السعود 2/ 175 0(1/3)
قال الطوسي :"إن خفتم " الخوف ، الذي هو خلاف الأمن ، وهو الأصح ،000 فان أريد به الظن كان قريبا مما قلناه " 0(1)
وبناءا على القولين يكون الخوف : هو العلم أو الظن ، فمن هو المخاطب بالآية ؟
3 – ذهب جمهور العلماء إلى أن المخاطب بالآية هم الحكام والأمراء 0 قال العلامة الفقيه أبو محمد بن حزم :" وإذا شجر بين الرجل وامرأته بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها(2) وبه قال الحسن البصري ، وقتادة ، وقيس بن سعد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وهو قول الحنابلة والامامية ، وعليه أكثر المفسرين 0(3)
قال الإمام البيضاوي :"فابعثوا حكما " فابعثوا أيها الحكام ، متى اشتبه عليكم حالهما لتبين الأمر "(4) 0
ويرى بعض أهل التفسير أن المأمور بذلك الرجل والمرأة ، وبه قال السدي (5) 0
__________
(1) التبيان 3/192 وينظر :تفسير الطبري 5/70 ، وتفسير القرطبي 5/175 ، زاد المسير 2/77 0
(2) المحلى ، ابن حزم 10/87 0
(3) تفسير الطبري 5/70 -72 ، زاد المسير 2/77 تفسير البيضاوي 2/186 ، المبدع ، ابن مفلح 7/216 الإنصاف ، المرداوي 8/379 ، المحرر ،ابن تيمية 2/44 ، التبيان 3/192 مجمع البيان2/44 ، أحكام القرآن ، الجصاص 3/150 0
(4) تفسير البيضاوي 2/186 0
(5) ينظر تفسير الطبري 5/ 72 تفسير القرطبي 5/175 ، التبيان 3/ 192 ، مجمع البيان 2/ 44 0(1/4)
وقيل : أيهما كان ناب عن الآخر ، وهو اختيار شيخ المفسرين الإمام أبي جعفر الطبري فانه قال : " وأولى الأقوال بالصواب في قوله " فابعثوا حكما " أن الله خاطب المسلمين بذلك ، وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ، ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض 0 وقد اجمع الجميع على أن بعثة الحكمين في ذلك ليست لغير الزوجين ، وغير السلطان ، الذي هو سائس أمر المسلمين ، أو من أقامه مقام نفسه،00 ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ، ولا أثر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والأمة فيه مختلفة 0 وإذا كان الأمر على ما وصفنا ، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب ،أن يكون مخصوصا من الآية من أجمع الجميع على أنه مخصوص منهما 0 وإذا كان الأمر كذلك فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية"أ0هـ كلامه رحمه الله تعالى 0(1)
4 – الحكم التكليفي لبعث الحكمين :
أتفق العلماء على جواز بعث الحكمين ، إذا وقع التشاجر بين الزوجين ، وجهلت أحوالهما ، فلم يعلم المحق من المبطل (2) وبعد الاتفاق على مشروعية ذلك ،اختلفوا في حكم البعث على قولين : قال الإمام النووي في روضة الطالبين :" وعليه- أي الحاكم – بعثهما ، وظاهره الوجوب 0 وحجته الآية :"فابعثوا " وقال الروياني : يستحب 0 قلت – القائل هو الإمام النووي – الأصح أو الصحيح الوجوب " 0
__________
(1) تفسير الطبري 5/ 75 0
(2) بداية المجتهد ، ابن رشد 2/74 ، وينظر : تفسير البيضاوي 2/186 5روضة الطالبين 7/371 ، معنى المحتاج ،الخطيب الشريبني 3/261 ،الإقناع ، الخطيب الشربيني 2/434 وينظر : إعانة الطالبين ، السيد البكري 3/378 0(1/5)
وقال الخطيب الشربيني :"وبعث الحكمين واجب كما صححه – يعني النووي – في زيادة الروضة ، وجزم به الماوردي وان صحح في المهمات : الاستحباب ، لنقل البحر له عن نص الشافعي ، وقال الاذرعي : بل ظاهر نص الأم (1) 0 والى هذا الظاهر ذهب الحنابلة ، وهو أوجه الوجهين عند الامامية 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :"ثم انه إذا وقع الشقاق بين الزوجين فقد أمر الله ببعث حكما من أهله، وحكما من أهلها 000 "(2) ولفظ أمر من الصيغ الصريحة الدالة على الوجوب ، كما هو مقرر معلوم في كتب أصول الفقه0
قلت : والقول بالوجوب يؤيده ظاهر الآية والأصل في الأمر الوجوب إلا لقرينة صارفة ، ولا قرينة ، بل القرينة تدل على الوجوب فلا يخفي على أحد حرص الشريعة على دوام الحياة الزوجية، بل النكاح مقصد من المقاصد الخمسة الكلية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، مما يعضد هذا القول وينصره ، والله أعلم وأحكم 0
5 – الحكمان من الأهل :
__________
(1) روضة الطالبين 7/371 ، مغني المحتاج 3/261 ، الإقناع ، الخطيب الشربيني 2/434، إعانة الطالبين ، السيد البكري 3/378 0
(2) مجموع الفتاوى ، ابن تيمية 32/25 ، الروضة البهية ، العاملي 2/133 وينظر : تفسير الطبري 5/75 المبدع 7/216 الإنصاف 8/379 المدونة 5/367 أحكام القران 3/151 مطالب أولي النهي ، مصطفى السيوطي الرحيباني 5/ 288 التبيان 3/ 192 مجمع البيان 2/44 0(1/6)
وهذان الحكمان المبعوثان يكونان من أهل الرجل ، وأهل المرأة لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال ، فيطلعان على ما لا يطلع عليه غيرهم ، وهما أطلب للصلاح ، ونفوس الزوجين أسكن إليهم فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض ، وإرادة الصحبة والفرقة (1) ، ولأجل هذه المعاني المختصة بالأهل دون غيرهم ، ذهب بعض أهل العلم بأن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة ، بل نقل العلامة الفقيه ابن رشد الإجماع على ذلك فقال : " وأجمعوا على أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوجين أحدهما من قبل الزوج ، والآخر من قبل المرأة ، إلا أن لا يوجد في أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما(2)0
ويرى أكثر العلماء أن ذلك مستحب غير مستحق ،بل نقل الإمام الشربيني الإجماع على ذلك من كتاب نهاية المطلب ودراية المذهب لإمام الحرمين الجويني 0وذلك لأن القرابة لا تشترط في الحاكم ، ولا في الوكيل ، فكان الأمر بذلك إرشادا واستحبابا ،كما قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي 0(3)
وظاهر النص القرآني يؤيد وجوب أن يكون الحكمان من أهل الزوج وأهل الزوجة ، وذلك لقربهما من الزوجين واطلاعهما على ما يخفى من أمرهما، وحرصهما على إرادة الصلاح لهما ، بالإضافة إلى أن نفس الزوج والزوجة تكون أطيب معهما ، فيبديان ما في قلوبهما من غير حرج فان فقد الأهل ،أو وجدوا ولم يكونا صالحين للحكومة ، جاز اختيارهما من غير الأهل للضرورة والحاجة إلى ذلك ، ولئلا يتعطل هذا الحكم الشرعي 0
__________
(1) ينظر تفسير البيضاوي 2/186 ، تفسير أبي السعود 2/175 ، تفسير النسفي 1/211 0
(2) بداية المجتهد ،ابن رشد 2/74 ، وينظر : المنتقى ، أبو الوليد الباجي 4/114 ، وتفسير القرطبي 5/175 ،فتح القدير 1/463 0
(3) مغني المحتاج ، الشر بيني 3/ 216 ، المغني ، ابن قدامة 7/244 وينظر : المهذب ، أبو إسحاق الشيرازي 2/70، الوسيط 5/308 ، المبدع 7/216 ، مسالك الإفهام ، الشهيد الثاني 8/366 ،(1/7)
6 – تحكيم واحد :
وهل يصح في مثل هذا الأمر حكم واحد أم لابد من الحكمين معا ؟
ذهب المالكية إلى جواز ذلك ، فقد جاء في المدونة :" فان اجتمعا على رجل واحد ، هل يكون بمترلة الحكمين لهما جميعا ؟ قال مالك : نعم 0 إنما هي أمورهما التي أخذاها ،دون من يحكم فيها ، كان ذلك لهما 0 وكذلك هي إلى من جعلاها إليه إذا كان يستأهل أن يكون ممن يجعل ذلك إليه ، وليس بنصراني ، ولا عبد ، ولا صبي ، ولا امرأة ، ولا سفيه ، فهؤلاء لا يجوز منهم اثنان فكيف واحد "(1) 0
وقال القرطبي :" ويجزىء إرسال حكم واحد ، لان الله حكم في الزنى بأربعة شهود ،ثم قد أرسل - صلى الله عليه وسلم - إلى المرأة الزانية أنيسا ، وقال له : إن اعترفت فارجمها (2) 0 والحديث وان كان صحيحا ، فان الاستدلال به غير مستقيم ، فان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل أنيسا حكما وإنما أرسله منفذا لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باستفهام المرأة وتقريرها هل زنت أم لا ؟ فلما أقرت بالفاحشة رجمها ،لا لأنه حاكم بل لأنه أمر بالرجم ، كما في قوله :" فان اعترفت فارجمها " فغاية ما هنا أنه وكيل بتنفيذ الحد 0
قال الإمام الفقيه أبو إسحاق الشيرازي الشافعي :" ويجوز – أي التوكيل – في استيفاء حقوق الله عز وجل ، لأن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيسا لإقامة الحد ، ووكل عثمان عليا ليقيم حد الشرب على الوليد بن عقبة " (3) 0
__________
(1) المدونة 5/368
(2) تفسير القرطبي 5/177 والحديث أخرجه : البخاري 2/813 رقم 219 باب الوكالة في الحدود ، ومسلم 3/1324 رقم 1697 ، والترمذي 4/39 رقم 1433 ، والنسائي في سننه الصغرى 8/240 -241 رقم 5410 و5411 ، وابن ماجه 2/852 رقم 2549 كلهم عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -0 ويراجع : فتح الباري 12/ 140 للتعريف بأنيس الوارد في الحديث 0
(3) المهذب 1/ 349 وينظر : مغني المحتاج 2/221 0(1/8)
ويرد على قولهم أيضا:أن الزوجين إذا تحاكما إلى واحد جاز ذلك ، فان انتهى الأمر إلى السلطان أو نائبه لم يسعه أن يحكم واحدا ، بل تعين عليه أن ينصب اثنين لإزالة الشقاق واصلاح ذات البين 0
وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يكتفى بحكم واحد بين الزوجين 0
واستدلوا بظاهر الآية " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " ، ولان كلا من الزوجين يتهمه ، ولا يفشي إليه سره(1) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية مستدلا لهذا المذهب :" والله سبحانه لم يرض بحكم واحد بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما ، فانه لا يعلم ايهما الظالم ، وليس بينهما بينة ، بل أمر بحكمين ، وألا يكونا متهمين ، بل حكما من أهل الرجل ، وحكما من أهل المرأة 000 فهنا لما اشتبه الحق ، لم يجعل الله الحكم لواحد ، وهو في قضية معينة بين زوجين ، ولو حكم واحد بين الزوجين في أمر ظاهر لم ينفذ حكمه ، باتفاق المسلمين "(2) 0
وفي جعل الحكمين اثنين تنبيه لطيف إلى مسألة الشورى التي قررها الإسلام ، من غير استبداد أحد برأيه ، فان الحكم الواحد قد يخطىء في اجتهاده ، أو لم يستوف القضية بحثا ودراسة وتفتيشا وتمحيصا ، فوجود حكم آخر معه يؤيده ويقويه برأيه ونظره ، ليجتمعا سوية على حكم واحد ، وقد سأل موسى - عليه السلام - ربه عز وجل أن يعينه بأخيه هارون ، فقال :" واجعل لي وزيرا من أهلي 0 هارون أخي 0 أشدد به أزري 0 وأشركه في أمري "0 "سورة طه /29-32 " 0 وموسى مسدد ومؤيد بالوحي ، فغيره أحوج إلى الرأي والمناصحة والمشاورة ، وتقليب الأمور ، للوصول إلى الصواب ، في إزالة الشقاق ، أو الحكم بالصلح على شيء ، أو المخالعة ، أو التفريق على ما يريانه سدادا ، والله أعلم 0
7 – ما يشترط في الحكمين
__________
(1) ينظر : روضة الطالبين 7/ 371 ، فتح الوهاب ، زكريا الأنصاري 2/111 ، مغني المحتاج 3/ 261 0
(2) مجموع الفتاوى 35/ 386 - 387 0(1/9)
كي يحقق التحكيم الغرض المرجو منه ، لا بد أن تتوفر في الحكمين جملة من الشروط ، منها :
أ – كمال الأهلية: وذلك بأن يكونا بالغين عاقلين ، فلا يصح تحكيم صبي ، ولا سفيه ،ومن لا يصلح للنظر في شأن نفسه ، فهو لا يصلح للنظر في شأن غيره من باب أولى ، وهذا بين ظاهر(1) 0
ب – الذكورة : وفيها قولان للفقهاء
القول الأول : ذهب المالكية ، والحنابلة في الأصح والشافعية في قول ، إلى اشتراط الذكورة في الحكمين ، لأن هذا الأمر مفتقر إلى الرأي والنظر (2) 0
القول الثاني : ذهب الشافعية في القول الآخر ، والحنابلة في الرواية الأخرى إلى جواز كون الحكمين من الإناث 0قال المرداوي الحنبلي :" وعلى الرواية الثانية في المذهب بأن الحكمين وكيلان ، فقد قال الزركشي : وقد يقال بجواز كونها أنثى " (3) 0وقال الخطيب الشربيني الشافعي :" ولا يشترط فيهما – أي الحكمين – الذكورة ، بل كونهما ذكرين مسنون ، كما قاله الشيخ زكريا الأنصاري "(4) 0
تنبيه : قال ابن جزي الغراطي المالكي في قوانينه الفقهية :" عادة القضاة أن يبعثوا امرأة مسنة عوض الحكمين 0 قال بعض العلماء : وذلك لا يجوز ،لأنه مخالف للقرآن "(5) 0
ج – العدالة :
__________
(1) ينظر : المدونة 5/367 ، روضة الطالبين 7/ 371 ، المبدع 7216 0
(2) المصادر السابقة: مغني المحتاج 3/ 261 ، الإنصاف 8/380 ، الفروع 5/ 263 ، مطالب أولى النهى 5/288 0
(3) الإنصاف 8/380 0
(4) مغني المحتاج 3/ 261 ، فتح الوهاب 2/111 0
(5) القوانين الفقية 1/142 0(1/10)
والمقصود منها الاعتدال في دينه ، وذلك بأن يكون مجتنبا للكبائر ، وعلى ترك الصغائر ، محافظا على مروءته ، ظاهر الأمانة ، غير مغفل 0 وقيل : صفاء السريرة ، واستقامة السيرة ، والمعنى متقارب (1) 0
وممن نص على اشتراط العدالة الإمام أبو حامد الغزالي في الوسيط فقال :" ثم لابد على هذا القول في الحكمين من العدالة ،والهداية إلى المصالح :" وقال أبو إسحاق بن مفلح :" فان خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين ، مسلمين ، عدلين ، مكلفين ، لأن هذه شروط العدالة "(2) 0
د – الحرية :
فلا يصح أن يكون الحكم عبدا ، لأن العبد لا تقبل شهادته ، فتكون الحرية من شروط العدالة ، وبه قال الإمام مالك والحنابلة في الأصح من المذهب ، وهو اختيار القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي ، وهو المذهب عند الشافعية 0
وعلى الرواية الأخرى عن الإمام أحمد ، والقول المرجوح عند الشافعية ، أنه يجوز أن يكون الحكمان عبدين ، لا باعتبارهما حكمين يقضيان بينهما ، وإنما باعتبارهما وكيلين ، لان توكيل العبد جائز ، ولا تشترط له الحرية ، بينما لا يجوز أن يكون الحاكم عبدا (3) 0
هـ – الإسلام :
__________
(1) الوسيط 5/ 307 ، المبدع 7/ 216 وينظر : تفسير القرطبي 3/ 396 ، الهداية ، المرغيناني 3/ 124 ، الحر الرائق ، ابن نجيم 2/287 ، القوانين الفقهية ، ابن جزي الغرناطي 1/203 ، إعانة الطالبين 3/270 ، المبدع 10/219 0
(2) الوسيط 5/307 ، المبدع 216 0
(3) ينظر : المهذب 2/70 ، روضة الطالبين 7/371 ، فتح الوهاب 2/111 ، الاقناع 2/ 434 ، إعانة الطالبين 3/378 ، الإنصاف 8/380 0(1/11)
فلا يصح تولية كافر التحكيم بين المسلمين لقوله تعالى : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "0"سورة النساء /141 " بل قال تعالى :" ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ، وما أنزل من قبلك يتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا " سورة النساء /60 " وعلى هذا الأساس فلا يجوز أن يكون الحاكم كافرا ، وكذلك لا يجوز أن يتحاكم إليه 0
قال الإمام المحقق الشوكاني مفسرا الآية :" فيه تعجيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم ، أنهم جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله وهو القران ، وما أنزل على قبله من الأنبياء ، فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ، ويبطلها من أصلها ، ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلا ، وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت ، وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله ، وعلى من قبله أن يكون يكفروا به 0 وسيأتي بيان سبب نزول الآية وبه يتضح معناه "0
ثم قال :" 000 وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله :" يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت " قال : الطاغوت رجل من اليهود ، كان يقال له كعب بن الاشرف ، وكانوا إذا دعوا إلى ما أنزل الله والى الرسول ليحكم بينهم قالوا : بل نحاكمكم إلى كعب ، فنزلت الآية 0 وأخرج ابن جريرعن الضحاك مثله"(1) 0 وهذا الذي ذكرته من اشتراط الإسلام ، لم أر فيه خلافا بين الفقهاء ، والله أعلم 0
ه – العلم والفقه :
__________
(1) فتح القدير 1/482- 484 ، ويراجع : تفسير البيضاوي 2/207 ، وتفسير القرطبي 5/248 ، تفسير ابن كثير 1/520 ، تفسير أبي السعود 2/194 ، تفسير الطبري 5/154 ، تفسير البغوي 1/446 – 448 ، الدر المنثور 2/582 0(1/12)
ونعني بذلك أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق ،لهما خبرة ودراية في شؤون الأزواج ، وهذا ما سيأتي له مزيد تفصيلا قريبا ، والذي نريد بحثه هو : هل يشترط في الحكمين الفقه؟
في المسألة قولان : قال شمس الدين بن مفلح : "إن كانا حكمين يشترط الفقه ، وان كانا وكيلين جاز أن يكونا عاميين ، قال : وهذا الثاني ضعيف "(1) ، ومع القول باشتراط الفقه فانه لا يشترط فيهما الاجتهاد(2) 0 وقال أبو حامد الغزالي :" وكذلك كل أمر معين جرى ، يفوضه القضاة إلى الآحاد"(3) أي لا يشترط فيه الاجتهاد 0
8 – ما يفعله الحكمان مع الزوجين :
إن المهمة التي يقوم بها الحكمان خطيرة ، فعلى أساسها تتم استدامة الحياة الزوجية أو رفعها ، لذلك عليهما أن يبذلا جهدا عظيما للوصول إلى معرفة أسباب الشقاق 0 ولا توجد هناك طريقة معينة يلزم الأخذ بها دون غيرها ، بل هذا متروك تقديره لفطانة الحكمين وذكائهما ومن تلك الطرق ما ذكره الإمام القرطبي في بيان كيفية عمل الحكمين ، بقوله :" ويخلو الحكم من أهل الزوج به ، ويقول له اخبرني بما في نفسك ، أتهواها أم لا ؟ حتى أعلم مرادك 0 فان قال : لا حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت ، وفرق بيني وبينها ، فيعرف أن من قبله النشوز، وان قال إني أهواها فأرضها من مالي بما شئت ، ولا تفرق بيني وبينها ، فيعلم أنه ليس بناشز(4) وكذلك يفعل الحكم من أهل الزوجة معها ، فيخلو بها ليتبين له حقيقة ما في نفسها ، ملاحظين أن الحكم إن كان من محارمها فلا حرج في خلوتها به ، وان كان من غيرهم يتعين حضور امرأة من محارمه معه ، دفعا لشبهة الخلوة المحرمة 0
__________
(1) الفروع 5/246 0 وينظر : المغني 7/244 ، المبدع 7/216 ، المحرر2/44 ، الإنصاف 8/379 0
(2) المصادر السابقة ، المهذب 2/70 ، مغني المحتاج 3/261 0
(3) الوسيط 5/308 0
(4) تفسير القرطبي 5/175 ، وينظر تفسير الطبري 5/72 ، المنتقى 4/144 ، روضة الطالبين 7/372(1/13)
ومن الأساليب التي يحتاجها الحكمان التلطف بالقول ، لعل الله تعالى بحسن قولهما ، يوفق الزوجين لإصلاح ذات البين ، ورفع الشقاق ، ومن القول اللطيف الذي يترك أثرا حسنا في سامعه ، هو الترغيب والترهيب ، فيرغبان أحدهما في الآخر ، وفي حسن الخلق والصبر والعفو ، وانه لا يبغض مؤمن مؤمنة – أي لا يكره زوج زوجته – إن كره منها خلقا رضي منها خلقا غيره 0
ويذكرا الزوجة بعظم حق الزوج ، وفضل طاعته في غير معصية الله وان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا 0 وكل ذلك مؤيد بنصوص الوحي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ليخاطبا بها روح الإيمان في نفوس الزوجين ليكون أوقع في نفسيهما 0
وعلى الحكمين أن يتحريا العدل والإنصاف ما استطاعا إلى ذلك سبيلا ، ولا يخصا بذلك أحدهما دون الآخر ، ولا يميلا إلى أحدهما دون الآخر ليكون أقرب للتوفيق بينهما (1)0
ومما يحتاجه الحكمان والزوجان معا ، حسن النية وصلاحها ، لقوله تعالى :"إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " 0
ولأهل التفسير في الآية ثلاثة أقوال في المقصود منها :
القول الأول : ان الضمير يعود للحكمين 0 وبه قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد وعطاء والسدي ، والجمهور 0(2) قال القاضي البيضاوي :" الضمير الأول للحكمان ،والضمير الثاني للزوجين ،أي إن قصدا الإصلاح ، أوقع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين "(3) 0
القول الثاني :المراد الزوجان 0أي يرد الزوجان إصلاحا وصدقا ، فيما أخبر به الحكمين يوفق الله بينهما ، فيزول الشقاق ، وتقع الألفة والوفاق (4) 0
__________
(1) ينظر : مطالب أولي النهى 5/289 0
(2) ينظر : تفسيسر القرطبي 5/175 ، زاد المسير 2/77 ، الدر المنثور ، السيوطي 2/157 ، مصنف ابن أبي شيبه / 168 – 169 ، مجمع البيان 3/81 0
(3) تفسير البيضاوي 2/168 0
(4) المصادر السابقة 0(1/14)
القول الثالث : إن الضميرين كلاهما يعودان للحكمين ،أي إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما ، لتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما(1) ، وأنت تلاحظ أن هناك رابطا مشتركا ينتظم هذه الأقوال جميعا ألا وهو حسن النية وصلاحها ، ولذا قال القاضي البيضاوي :" وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه ، أصلح الله مبتغاه ، إن الله كان عليما خبيرا بالظواهر والبواطن ، فيعلم كيف يرفع الشقاق ، ويوقع الوفاق "(2)
9 – التكييف الفقهي للتحكيم :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحكمين لهما سلطة الجمع والتفريق ، دون الرجوع إلى إذن الحاكم 0 وهو مروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ،والإمام علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، ومعاوية بن أبي سفيان – من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -(3)
وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وشريح القاضي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير ، والحكم بن عتبة ، وربيعة بن عبد الرحمن الرأي ، وروي عن طاوس ، النخعي ، والاوزاعي ، وداود بن علي الظاهري ، وابن المنذر ، وإسحاق بن راهويه ، وبه قال الإمام مالك وهو أحد قولي الشافعية والحنابلة 0
__________
(1) تفسير البيضاوي 2/186 0
(2) المصدر نفسه 0
(3) الأثر عن عثمان أخرجه عبد الرزاق في المصنف 6/512 ، والطبري في التفسير 5/74 ، والبيهقي في سننه الكبرى 7/306 وغيرهم 0 وينظر : الدر المنثور 2/524 ، فتح القدير 1/464 إما الأثر عن علي فقد أخرجه عبد الرزاق 6/513 ، وسعيد بن منصور في سننه ص 1244 ، والطبري من طرق عنه5/71 ، وصححه ابن عبد البر القرطبي ، وابن حزم الاندلسي ، والعلامة الزرقاني في شرح الموطأ 3/275 ،وينظر تفسير ابن كثير 1/494 ، الدر المنثور 2/525 ، فتح القدير 1/463 0 اما الأثر عن ابن عباس ومعاوية فأخرجه الطبري5/74 ، والبيهقي 7/306 وغيرهم 0(1/15)
وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الحكمين وكيلان ، ليس لهما الفرقة إلا بتوكيل الزوجين 0 وبه قال الحسن البصري ، وقتادة ، وعطاء ، وهو قول الإمام أبي حنيفة ، والأظهر عند الشافعية ، والأصح عند الحنابلة ، وبه قال ابن حزم وابن المغلس الظاهريان ، والامامية (1) 0
قال ابن حزم مستدلا لهذا المذهب الأخير :" ليس في الآية ولا في شيء من السنن أن للحكمين أن يفرقا ولا أن ذلك للحاكم ، وقال عز وجل :" ولا تكسب نفس إلا عليها " "سورة الأنعام/164 " وصح أنه لا يجوز أن يطلق أحد على أحد ، ولا أن يفرق بين رجل وامرأته، إلا حيث جاء النص بوجوب فسح النكاح فقط ولا حجة في قول أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(2) 0
قال الحافظ المفسر ابن كثير :" ومأخذهم قوله تعالى :" إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ولم يذكر التفريق 0(3)
وقال الخطيب الشربيني الشافعي :" وهما وكيلان لا حاكمان من جهة الحاكم ، لأن الحال قد يؤدي إلى الفراق ،والبضع حق الزوج وحق الزوجة ، وهما رشيدان فلا يولي عليهما في حقهما ، ولأن الطلاق لا يدخل تحت الولاية إلا في المؤلي وهو خارج عن القياس "(4) 0
__________
(1) يراجع المحلى10/ 87 / القرطبي 5/179، المنتقى 4/114 ، المغني 7/243 ، روضة الطالبين 7/371 مغني المحتاج 3/261 ، فتح الوهاب 2/111 ، زاد المسير 2/77-78 ، الإنصاف 8/380 ،تفسير ابن كثير1/494 ، أحكام القرآن ، الجصاص 3/151 – 154 ، التبيان 3/192 ، مجمع البيان 2/ 44 من لا يحضره الفقيه ، الصدوق 3/ 521 وسائل الشيعة ، الحر العالمي 21 / 352 مستدرك الوسائل ، الطبرسي 15/107
(2) المحلى 10/88
(3) تفسير ابن كثير 1/494 0
(4) مغني المحتاج 3/261 ، وينظر : فتح الوهاب 2/111 0(1/16)
وقال الإمام أبو بكر الجصاص : ويدل قوله تعالى :"فابعثوا حكما من أهله000 "على أن الذي من أهله وكيل له ، والذي من أهلها وكيل لها ، كأنه قال : فابعثوا رجلا من قبله ورجلا من قبلها فهذا يدل على بطلان قول من يقول إن للحكمين أن يجمعا إن شاءا ، وان شاءا فرقا بغير أمرهما 000 ثم قال :"وفي فحوى الآية ما يدل على انه ليس للحكمين ، أن يفرقا وهو قوله تعالى :" إن يريدا إصلاحا ولم يقل إن يريدا فرقة ، وإنما يوجه الحكمان ليعظا الظالم منهما ، وينكرا عليه ظلمه ، وإعلام الحكام بذلك ، ليأخذ هو على يده ،فإن كان الزوج هو الظالم أنكر عليه ظلمه ، وقالا له : لا يحل لك أن تؤذيها لتخلع منك ، وإن كانت هي الظالمة قالا لها : قد حلت لك الفدية ، وكان في أخذها معذور ا ، لما ظهر للحكمين من نشوزها "(1) أ0هـ
واستدل للمذهب الأول :
بقوله تعالى:"فابعثوا حكما من أهله " فسماهما حكمين ، والحكم لا يحتاج فيما يوقعه من الطلاق إلى إذن الزوج كالوالي 0 قال القرطبي :"والصحيح الأول لقوله تعالى :" فابعثوا حكما " وهذا نص من الله تعالى على أنهما قاضيان ،لا وكيلان ، ولا شاهدان0 وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى ، وللحكام اسم في الشريعة ومعنى ، فإذا بين الله كل واحد منهما ، فلا ينبغي أن يركب معنى أحدهما على الآخر "(2) 0 ونحوه قول الحافظ ابن كثير :" وقد سماهما الله حكمين ، ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه وهذا ظاهر الآية "(3) 0
__________
(1) أحكام القران 3/151-154 0
(2) تفسير القرطبي 5/179 0وينظر : المنتقى 4/114 0
(3) تفسير ابن كثير 1/494 وينظر : مغني المحتاج 3/261 ، مجموع الفتاوى 35 /386 0(1/17)
وقال منصور بن يونس البهوتي الحنبلي( ت 1051هـ) :" وفي الاختيارات : التحقيق انه يصح ممن طلاقه بالملك أو الوكالة أو الولاية ،كالحاكم في الشقاق ، وكذلك لو فعله الحاكم في الإيلاء ، أو العنة ، أو الإعسار ، وغيرها من المواضع التي يملك فيها الحكم الفرقة "(1) 0
وأجاب الإمام القرطبي عن أدلة الحنفية ومن وافقهم فقال :"إن الحكمين لا يطلقان إلا برضا الزوجين وتوكيلهما ، فخطا صراح ، فان الله خاطب غير الزوجين إذا خاف الشقاق بين الزوجين بإرسال الحكمين وإذا كان المخاطب غيرهما ، فكيف يكون ذلك بتوكيلهما ، ولا يصح لهما حكم إلا بما اجتمعا عليه ، هذا وجه الأنصاف والتحقيق في الرد عليه "(2) 0
ومما يرد على استدلال الإمام الجصاص ، أن الفرقة قد تكون هي السبيل الوحيد الذي لا يتعين غيره للإصلاح ، ولرفع المضارة عن الزوجين 0
__________
(1) كشاف القناع ، البهوتي 5/213 وينظر : مجموع الفتاوى 32/26 0
(2) تقسير القرطبي 5/179 0(1/18)
واستدل الإمام ابن القيم الجوزية للمذهب الأول فقال :" اختلف السلف والخلف في الحكمين هل حكمان أو وكيلان ، على قولين : أحدهما : أنهما وكيلان 0 والثاني : أنهما حكمان وهذا هو الصحيح 0 والعجب كل العجب ممن يقول : هما وكيلان لا حكمان ، والله تعالى قد نصبهما حكمين ، وجعل نصبها إلى غير الزوجين ، ولو كانا وكيلين لم يختصا بان يكونا من الأهل ، وأيضا في الشرع قد جعل الحكم اليهما فقال تعالى :" إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ، والوكيلان لا ارداة لهما ، إنما يتصرفان بإرادة موكليهما 0 وأيضا فان الوكيل لا يسمى حكما في لغة القران ، ولا في لسان الشرع ، ولا في العرف العام ولا الخاص 0وأيضا فانه سبحانه وتعالى خاطب بذلك غير الزوجين ، وكيف يصح أن يوكل عن الرجل والمرأة غيرهما ؟وبعث عثمان بن عفان ابن عباس ومعاوية حكمين بين عقيل بن أبي طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ، فقيل لهما :إن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، وصح عن علي بن أبي طالب أنه قال للحكمين بين الزوجين : عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، وان رأيتما أن تجمعا جمعتما، فهذا عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية جعلوا الحكم بين الزوجين الى الحكمين ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف ، وإنما يعرف الخلاف بين التابعين ومن بعدهم : أ 0هـ كلامه 0(1)
10- هل يشترط رضا الزوجين لبعث الحكمين ؟
اختلف العلماء في هذا على قولين
__________
(1) زاد المعاد ابن القيم الجوزية 4/33-34 0وتقدم نحوه من كلام العلامة القرطبي ، وينظر : الخلاف ، الطوسي 4/416 ،(1/19)
القول الأول : لا يجوز بعث الحكمين إلا برضا الزوجين ، وليس لحكم الزوج أن يطلق إلا بإذنه ، ولا لحكم المرأة أن يخلع على مالها إلا بإذنها ، وهو قول أصحاب الرأي (1) وهو ما نص عليه الإمام الشافعي في الأم(2) ، وهو المذهب عند الحنابلة (3) وهو الظاهر من نصوص الإمامية(4) 0
لأن عليا- رضي الله عنه - حين قال الرجل : أما الفرقة فلا 0 قال : كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به ، فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقراره ورضاها (5) ، وذلك مبني على أن الحكمين وكيلان ، لا حكمان 0
القول الثاني : يجوز بعث الحكمين دون رضاهما ، فلا يجوز الحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ، ولحكم المرأة أن يختلعها دون رضاها إذا رأيا الطلاق كالحاكم يحكم بين الخصمين ، وان لو يكن على وفق مرادهما ، وبه قال الإمام مالك ، وربيعة ، وهو الرواية الأخرى عن الشافعي ، والحنابلة(6) 0
وفيما سبق بحثه ذكر لأدلة الطرفين ، والله تعالى اعلم 0
11- تطليق الحكمين :
قال المالكية ومن وافقهم من الفقهاء :" وتفريقهما- أي الحكمين – جائز على الزوجين سواء وافق حكم قاضي البلد أو خالفه ، وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكلاهما والفراق في ذلك طلاق بائن 0
__________
(1) ينظر :أحكام القران ، الجصاص 3/151
(2) ينظر: الأم ، الشافعي 5/116
(3) ينظر : المحرر 2/44 ، الانصاف 8/379 ، المبدع 7/211 -212 ، زاد المسير 2/78
(4) ينظر : الكافي ، الكليني 6/146،من لا يحضره الفقيه 3/521 ، الوسائل 21/325 ، مستدرك الوسائل 15/106،التبيان 3/192 ، مجمع البيان 2/44 0
(5) تفسير البغوي 1/424 0وينظر : الأم 5/116 0
(6) ينظر : تفسير القرطبي 5/ 176 ، المدونة 5/371 ، فتح الوهاب 2،/111 ، مغني المحتاج 3/261 ، الإقناع 2/434 ، إعانة الطالبين 3/378 والمصادر السابقة 0(1/20)
وقال غيرهم : ليس للحكمين الطلاق ما لم يوكلهما الزوج في ذلك ، وليعرفا الإمام 0 وهذا بناء على أنهما رسولان شاهدان ، ثم الإمام فرق إن أراد ، ويأمر الحكم بالتفريق (1) 0 والله أعلم 0
12- إذا طلق الحكمان ثلاثا :
قال المالكية : ولو اتفقا على الثلاثة لم يلزم إلا واحدة ، وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة بائنة 0 وهو قول ابن القاسم 0 وقال المغيرة ، وأشهب ، وابن الماجشون ، وأصبغ : تلزمه الثلاثة إن اجتمعا عليها 0(2)
قلت : ولم أر لغير المالكية في هذا قولا ، لأن الراجح عندهم أن الحكمين وكيلان ليس لهما التفريق 0 وفي المدونة قال مالك :" لا يكون لهما أن يخرجاها من يديه بغير طلاق السنة ، وهي واحدة لا رجعة فيها ، حكما عليه فيه بمال أو لم يحكما به ، لأن ما فوق ذلك خطأ ، وليس بصواب ، وليس بمصلح لهما أمرا ، والحكمان إنما يدخلان من أمر الزوج وزوجته فيما يصلح لهما "(3) 0
والذي يظهر لي – والله أعلم – أن الحكمين إذا اتفقا على الثلاث ردت إلى الواحدة لأن الأصل في حكم الحكمين هو رفع الضرر عن الزوجين معا ، ورفع الضرر يقع بواحدة لا سيما إن قلنا إنها طلقة بائنة 0
13- اختلاف الحكمين :
__________
(1) المصادر السابقة وينظر : أحكام القرآن 3/151 ، المغني 7/244 ، الكافي 6/147 ، الوسائل 21/352 ، مستدرك الوسائل 15/107 واشتراط الامامية لايقاع الطلاق الاشهاد عليه ، وأن يكون في طهر لم يجامع فيه 0
(2) المدونة 5/ 3760 ، بداية المجتهد 2/74 ، تفسير القرطبي 5/177 0
(3) المدونة 5/369 0(1/21)
إذا اختلف الحكمان فقضى أحدهما بالفرقة ، والآخر باستدامة العشرة ، أو قضى أحدهما بالفرقة على مال ، وقضى الآخر بالفرقة من غير مال ، أو نحو ذلك من وجوه الخلاف بين الحكمين فقال ابن عبد البر(1) :" أجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر ، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع ، وان لم يوكلهما الزوجان "(2)0
قلت : ولا يعكر على هذا الإجماع ما نقله الإمام النووي عن الحناطي – من علماء الشافعية – فقال: وذكر الحناطي أنه لو رأى أحد الحكمين الإصلاح ، والآخر التفريق ففرق نفذ التفريق "(3) فان هذا الخلاف وقع بعد إجماع المتقدمين ، بل قال الإمام النووي :" ولو اختلف رأي الحكمين بعث آخرين حتى يجتمعا على شيء "(4) 0
14- حكم أحد الحكمين دون الآخر :
وإذا حكم احد الحكمين وسكت الآخر ، فليس حكمه بشيء حتى يحصل منهما الاتفاق على قول واحد0 وقد أخرج الإمام البيهقي عن علي - رضي الله عنه -قال :" إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء ، حتى يجتمعا "(5) 0
15- أثر غياب الزوجين
إذا غاب الزوجان أو أحدهما ، هل ينقطع نظر الحكمين أم لا ؟ قولان ، مبينان على أنهما وكيلان أم حكمان فإن قلنا : هما حكمان ، لم ينقطع نظرهما ، وان قلنا : هما وكيلان ، انقطع نظرهما ، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة ، والشافعية 0
__________
(1) وحكى هذا الإجماع ابن رشد في بداية المجتهد 2/74 0
(2) نقله عنه ابن كثير 1/494 ، ونقل الإجماع ابن رشد في بداية المجتهد 2/74 ، والقرطبي في تفسيره 5/177 ، وينظر : المدونة 5/369 0
(3) روضة الطالبين 7/:371-372 0
(4) روضة الطالبين 7/371-372
(5) السنن الكبرى 7/306 وهو من رواية الحارث الهمداني ، وقد كذبه الشعبي في رواية ، وفي حديثه ضعف كما قاله الحافظ ابن حجر في التقريب ص/86 ترجمة "1029 "0 وينظر : فتح القدير 1/464 0(1/22)
وذلك لان كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم التوكيل ، وان كان أحدهما قد وكل جاز لوكيل فعل ما وكله فيه مع غيبته (1) 0
فرع :
لو جن أحد الزوجين بطل حكم وكيله ،لأٍن الوكالة تبطل بجنون الموكل وان كان حكما لم يجز له الحكم لأن من اثر ذلك بقاء الشقاق ، وحضور المتداعين ولا يتحقق ذلك مع الجنون (2) 0
16- عودة الزوجين للشقاق :
قال الإمام الشافعي :" ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ، ولم تكن الأولى أولى من الثانية ، فان شأنهما بعد مرة أو مرتين وأكثر ، واحد في الحكمين "(3) 0
17- موقف المقنن العراقي من التحكيم :
تناول المقنن العراقي هذه المسألة في الباب الرابع – انحلال عقد الزواج ، الفصل الثالث – التفريق القضائي ، المادة الحادية والأربعون :
لكل من الزوجين طلب التفريق عند قيام خلاف بينهما ، سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده 0
على المحكمة إجراء التحقيق في أسباب الخلاف فإذا ثبت لها وجوده تعين حكما من أهل الزوجة ، وحكما من أهل الزوج إن وجدا للنظر في إصلاح ذات البين ، فان تعذر وجودهما كلفت المحكمة الزوجين بانتخاب حكمين ، فان لم يتفقا انتخبتهما المحكمة 0
على الحكمين أن يجتهدا في الإصلاح، فان تعذر عليهما ذلك ، رفعا الأمر إلى المحكمة ، موضحين لها الطرف الذي ثبت تقصيره ، فان اختلفا ضمت المحكمة لها حكما ثالثا 0
إذا ثبت للمحكمة استمرار الخلاف بين الزوجين وعجزت عن الإصلاح بينهما ، وامتنع الزوج من التطليق فرقت المحكمة بينهما 0
__________
(1) المهذب 2/70 ، المغني 7/244-245 ، الإنصاف 8/381 0
(2) المصادر السابقة
(3) الأم 5/116-117 0(1/23)
ب- إذا تم التفريق بعد الدخول ، يسقط المهر المؤجل ، إذا كان التقصير من الزوجة ، سواء كانت مدعية أم مدعى عليها ، فإذا كانت قد قبضت جميع المهر ، تلزم برد مالا يزيد على نصفه ، أما إذا ثبت أن التقصير واقع من الطرفين ، فيقسم المهر المؤجل بينهما ، بنسبة التقصير المنسوب لكل منهما 0
ج- إذا تم التفريق قبل الدخول ، وثبت التقصير من جانب الزوجة ، تلزم برد ما قبضته من مهر معجل 0
المادة الثانية والأربعون : إذا ردت دعوى التفريق لأحد الأسباب المذكورة في المادة الأربعين من هذا القانون لعدم ثبوته، واكتسب قرار الرد درجة الثبات ، ثم أقيمت دعوى ثانية بالتفريق لنفس السبب ، فعلى المحكمة أن تلجأ إلى التحكيم ، وفقا لما ورد في المادة الحادية والأربعون 0(1)
وأكتفى هنا بإيراد ما علقه الدكتور أحمد الكبيسي على ما تقدم فقال :" يبدو أن المشروع يعول على الحكمين تعويلا عظيما ، وهو محق في ذلك ، إلا أن هذا الحرص الشديد على التحكيم وهذا الفهم العميق لدوره المؤثر لا يتناسب وحالة التحكيم الروتينية من حيث واقع لأمر في المحاكم فان الحكمين لا يصادفان حسن الاختيار ولا شدة الاعتناء ، ولا يملكان العناصر المطلوبة لأداء الدور ، وعلى أي حال فهي حالة عامة يشكو منها القضاء العراقي بعد اصابته بشتى الأمراض "(2) 0
18- تفعيل دور التحكيم في حل النزاعات الزوجية :
نظام التحكيم الذي جاءت به الشريعة الإسلامية في حالة حدوث الشقاق بين الزوجين ، نظام مهم ومفيد يحل مشاكل كثيرة ، قد تقع بين الزوجين ، وما تسببه هذه المشاكل من شقاق بينهما قد يؤدي إلى الطلاق ، الا ان هذا النظام العظيم لم يعط العناية الكافية ، لا من القضاة ، ولا من أهل الزوجين 0
__________
(1) قانون الأحوال الشخصية ، وتعديلاته رقم 188 لسنة 1959 ، ط6، ص / 47-48 0
(2) الوجيز في شرح قانون الأحوال الشخصية ، أحمد الكبيسي 1/158- 159 0(1/24)
ومما يساعد على تنشيط نظام التحكيم ، وحمل القضاة على تطبيقه ، اتخاذ الإجراءات الآتية:
1 0 اعتبار أهل الزوجين من ذوي الشأن بدعاوى الشقاق بين الزوجين ، وأن لهم إعلام القاضي بالشقاق الحاصل بين الزوجين ، وطلب تدخله بإرسال حكمين للنظر في موضوع الشقاق ، هذا بالإضافة إلى حق الزوجة برفع أمرها إلى القاضي بشأن الشقاق الحاصل بينهما وبين زوجها 0
0على ولي الأمر أن يعلن أنه لا يجوز للقاضي الحكم بالتفريق للضرر أو الشقاق ، إلا بعد إرسال حكمين إلى الزوجين للنظر في موضوع الشقاق ، ورفع التوصية إلى القاضي 0
3 0 من المستحسن أن لا يقضي القاضي بأي نزاع بشأن النفقة ، أو نشوز الزوجة أو نحو ذلك من المنازعات التي تحدث بين الزوحين إلا بعد إرسال الحكمين لتحري أسباب هذا النزاع ، لان هذه الدعاوى لا تحدث إلا نتيجة خلاف وشقاق بين الزوجين وان لم يبين الزوجان ذلك ، وقد يستطيع الحكمان إزالة الشقاق والنزاع ، وبالتالي ترك الدعوى المقامة إذا أديا دورهما على الوجه المطلوب 0(1)
خلاصة ما تقدم :
1 0 الشقاق : هو اشتداد المنازعة والخصومة والخلاف بين الزوجين ، بحيث يتعذر معه استدامة العشرة بينهما ، من غير أن يتبين المقصر منهما 0
2 إن المخاطب ببعث الحكمين هم الحكام والأمراء 0 وقيل : الزوجان 0 وقيل : أولياء الزوجين ، وذلك إذا خافا أي ظنا الشقاق بين الزوجين 0
3 0ليس بعيدا من الفقه لو قلنا إنهم جميعا مخاطبون بذلك ، لعموم قوله تعالى :" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " وعموم قوله : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا" 0
4 0 ان بعث الحكمين واجب لا مستحب على الأصح من قولي العلماء 0
__________
(1) المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم ،د 0 عبد الكريم زيدان 8/434- 435 0(1/25)
5 0 يشترط في الحكمين شروط هي : الإسلام ، البلوغ ، العقل ، العدالة ، العلم والفقه والاهتداء إلى المقصود من ارسالهما ، والحرية على الأصح ، والذكورة وقيل : يجوز كون الحكم أنثى 0
6 0 طبيعة عمل الحكمين هو البحث عن أسباب الشقاق والخصام والعمل على رفعها وإزالتها ،مع ملاحظة أن الحكمين يختاران الأسلوب الأنسب لرفع الخصام ، ويترك تقدير ذلك لهما من غير أن يقيدا بوسيلة معينة0
07التحكيم كاسمه حكم وفصل ، وهو قول الجماهير من الفقهاء 0
8 0 لا يشترط رضا الزوجين لبعث الحكمين على القول بأنهما حكمان 0
9 0 اذا طلق الحكمان على الزوجين فذلك جائز ، وعلى القاضي انفاذ ذلك 0 فان طلق الحكمان ثلاثا رد إلى واحدة لأنها هي السنة ، ولأن بها رفع الضرر 0 10 0 لا عبرة باختلاف الحكمين ، وإنما يؤخذ من قولهما ما اتفقا عليه ، فإذا حكم أحد الحكمين وسكت الآخر فليس حكمه بشيء حتى يتفقا على قول واحد 011 عودة الشقاق بين الزوجين ، توجب على الحاكم بعث الحكمين مرة أخرى ، ليقوما بمثل ما قاما به في المرة الأولى 0
12 0 لم يخرج المقنن العراقي عن أقوال الفقهاء في الجملة ، إلا انه لم يعط فعالية حقيقية للتحكيم بين الزوجين،وإنما هو مجرد أمر شكلي لا عملي حقيقي0 13 0 إن تنشيط دور الحكمين سيساهم في رفع عبء كبير عن القضاة والمحاكم ، وبالتالي يعزز الروابط والعلاقات الأسرية ، وذلك لا يكون إلا بتضافر الجهود الصادقة والمخلصة بين الأسرة والقضاء لحماية المجتمع من التشتت والضياع ، وبالنتيجة مجتمع قوي ومتراص 0هذا آخر ما يسر الله تعالى جمعه ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم 0(1/26)