كلمة شكر
{ ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ }
الشكر لله أولا وآخرا، على نعمه المسداة
ثم الشكر للأستاذ الفاضل المشرف على هذا العمل :
ثابت محمد ناصر
ثم نشكر كل من ساهم من قريب أو بعيد في إتمام هذا العمل ؛
وأخيرا نشكر أعضاء لجنة المناقشة على تفضلهم بإثراء هذا العمل .
ملخص باللغتين العربية والإنجليزية
يمثل النشاط الاقتصادي الأساس لخلق السلع والخدمات ، وممارسة الطلب الكافي عليها. ويتم ذلك في إطار نظام اقتصادي متكامل ، يتميز بخصائص تفرقه عن باقي الأنظمة الأخرى. وقد استطاعت النظريات الاقتصادية المختلفة التحسين من الأداء الاقتصادي من فترة لأخرى ، بفعل ما تحدثه من تغييرات على مستويات مختلفة ، واعتماد التحفيزات المناسبة لدعم النشاط الاقتصادي .
لكن الدول الإسلامية مازالت تعاني من مشاكل معقدة في المجال الاقتصادي ، فلم تستطع الخروج من التخلف ، ولا التخفيف من آثاره السلبية ، ولا النجاح في اعتمادها على نماذج التنمية المختلفة ، الأمر الذي يوحي بوجود عائقا حقيقيا ، وقد فسّره بعضهم بأنه الدين وتعاليمه .
فهل صحيح أن الدين الإسلامي هو العائق في وجه التنمية الاقتصادية ؟
تحاول هذه الدراسة الكشف عن إمكانية صياغة نظرية اقتصادية تستجيب لتعاليم الإسلام ، وتؤكد أن النظرية المفسرة للتخلف على أساس ديني لا علاقة لها إطلاقا بالإسلام ومبادئه .
وتحتاج الدراسات في هذا المجال إلى تخصص أكثر ، يسمح بالصياغة الدقيقة والعملية لآليات العمل في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي .
The economic activety represente stang bases for production of good and services, as well as, a spectrum where demandes must be satisfied, this puposes can only be acheived whithin a complete economic system which can easily distinguished.(1/1)
The different economic theories contributed in devloping economic performances seen during the last decades occureing onto differents levels.
Although Islamic countries have invested many efforts to solve the defficulties and to reduces their negative impacts, they are still suffering of many heavy and complexe economic problemes .
Some experts relate underdevlopement to the application of islamic religion rules, there for :
Is it true that the Islam is the obstacle facing the economic devloppement ?
This study try to advance a teory framework theory based on Islamic undersnding witch determines that the correlation between underdevlopement and religion is very weak .
Studys in this sector needs additional scientific efforts to formulate an exacte and practical frameworks in different economic fields .
الفهارس
فهرس الموضوعات
العنوان ... الصفحة
فهرس الموضوعات ... 4
قائمة الجداول ... 7
قائمة الأشكال والمنحنيات البيانية ... 7
فهرس الآيات ... 8
فهرس الأحاديث ... 9
المقدمة ... 10
الباب الأول : الإطار العام للنشاط الاقتصادي في الإسلام ... 17
الفصل الأول : مكانة الاقتصاد في الإسلام ... 20
المبحث الأول : المرتكزات العامة ... 22
المطلب الأول : الإطار العقائدي والأخلاقي ... 23
المطلب الثاني : الاعتدال والوسطية ... 32
المطلب الثالث : ضوابط الملكية والحرية الفردية ... 35
المطلب الرابع : مبدأ التكافل الاجتماعي ... 42
المبحث الثاني : النشاط الاقتصادي ... 47
المطلب الأول : مكانة الإنسان الاقتصادية ... 49
المطلب الثاني : النظرة التفاؤلية للاقتصاد للإسلامي ... 54
المطلب الثالث : عناصر الإنتاج ... 56
المطلب الرابع : النقود ... 59
الفصل الثاني : مسؤولية الدول ... 62
المبحث الأول : المسؤولية التنموية ... 65
المطلب الأول : الدولة والنشاط الاقتصادي ... 65(1/2)
المطلب الثاني : توفير وسائل الكسب ... 72
المطلب الثالث : الجباية ودورها التحفيزي ... 78
المطلب الرابع : دور الإنفاق الحكومي في تحفيز النشاط الاقتصادي ... 87
المبحث الثاني : الرعاية الاجتماعية ... 94
المطلب الأول : ضرورة الرعاية في ظل اقتصاد متقلب ... 94
المطلب الثاني : أثر العولمة على الفقراء ... 99
الباب الثاني : استثمار المال في الإسلام ... 106
مدخل ... 108
الفصل الأول : الاستثمار بالمضاربة ... 115
المبحث الأول : عموميات حول المضاربة ... 117
المطلب الأول : تعريف المضاربة ومشروعيتها ... 117
المطلب الثاني : شروط متعلقة بالمضاربة ... 125
المبحث الثاني : صور المضاربة ... 134
المطلب الأول : المضاربة الثنائية ... 134
المطلب الثاني : المضاربة المشتركة ... 136
المطلب الثالث : المضاربة المشتركة وبراءات الاختراع ... 141
المبحث الثالث : دور المضاربة في تمويل الاستثمارات ... 147
المطلب الأول : الطلب على النقود للمضاربة ... 148
المطلب الثاني : النموذج الإسلامي في الطلب على النقود للمضاربة ... 152
الفصل الثاني : الاستثمار بالمشاركة ... 156
المبحث الأول : الاستثمار في النظام الرأسمالي ومخاطر تراجعه ... 160
المطلب الأول : علاقة الاستثمار بسعر الفائدة ... 160
المطلب الثاني : أثر سعر الفائدة على حجم الاستثمارات ... 164
المبحث الثاني : تمويل الاستثمار بالمشاركة ... 167
المطلب الأول : عموميات حول الاستثمار بالمشاركة ... 168
المطلب الثاني : أنواع المشاركات ... 174
المبحث الثالث : معدل الربح كبديل لسعر الفائدة ... 179
المطلب الأول : دور معدل الربح في تحقيق المشاركة ... 179
المطلب الثاني : متابعة المشروع الاستثماري ... 187
المطلب الثالث : آلية عمل أسلوب المشاركة ... 190
المطلب الرابع : مقترحات بشأن الاستثمار بالمشاركة ... 194
الباب الثالث : التكافل ودوره في دعم النشاط الاقتصادي ... 200
الفصل الأول : الدور الاستثماري للزكاة ... 202
المبحث الأول : السند الشرعي ... 204
المطلب الأول : رأي الفقهاء ... 206(1/3)
المطلب الثاني : مميزات هذا النوع من مصادر التمويل ... 213
المبحث الثاني : سبل تحقيق أسلوب التمويل الزكوي ... 223
المطلب الأول : الوسيلة الإعلامية ... 223
المطلب الثاني : الجهاز الإداري ... 227
المطلب الثالث : جهاز المتابعة ... 231
المبحث الثالث : دور الزكاة في تحفيز النشاط الاقتصادي ... 233
المطلب الأول : النموذج الكينزي البسيط في مجال الادخار والاستهلاك ... 234
المطلب الثاني : دور الزكاة المنتجة في التحفيز ... 237
الفصل الثاني : الوقف وسبل تنميته ... 242
المبحث الأول : الأوقاف كمجال للاستثمار ... 244
المطلب الأول : خصائص الأصول الوقفية ... 245
المطلب الثاني : سبل استثمار الأوقاف ... 252
المبحث الثاني : بعض التجارب الوقفية ... 256
المطلب الأول : تجربة الوقف في جمهورية مصر العربية ... 256
المطلب الثاني : تجربة الوقف في السودان ... 260
المبحث الثالث : واقع الأوقاف في الجزائر وسبل تنميتها ... 271
المطلب الأول : نظرة تاريخية ... 271
المطلب الثاني : الأملاك الوقفية في الجزائر ... 276
المطلب الثالث : استثمار الأملاك الوقفية ... 282
الخاتمة ... 291
المراجع ... 296
فهرس الجداول
رقم الجدول ... عنوان الجدول ... الصفحة
جدول رقم01 ... ترتيب الاستثمارات المتاحة حسب العائد
جدول رقم 02 ... علاقة الاستثمار بمعدل الربح
جدول رقم 03 ... تطور الأوقاف العقارية بالسودان
جدول رقم 04 ... عدد الأملاك الوقفية المستغلة بإيجار في الجزائر
جدول رقم 05 ... عدد الأملاك الوقفية المستغلة بدون إيجار في الجزائر
فهرس المنحنيات والأشكال البيانية
الرقم ... العنوان ... الصفحة
01 ... شكل رقم (1) : علاقة الاقتصاد بالأخلاق
02 ... شكل رقم (2) : كيفية إتمام المضاربة
03 ... شكل رقم (3) : تسلسل المسؤوليات تجاه الأوقاف في الجزائر
04 ... منحنى رقم (1) : الطلب على النقود للمضاربة وسعر الفائدة
05 ... منحنى رقم (2) : منحنى LM ... 150
06 ... منحنى رقم (3) : منحنى الكفاية الحدية لرأس المال
07 ... منحنى رقم (4) : الاستثمار وسعر الفائدة(1/4)
08 ... منحنى رقم (5) : الاستثمار ومعدل الربح
09 ... منحنى رقم (6) : عتبة الادخار
فهرس الآيات
الرقم ... أطراف الآيات ... الصفحة
01 ... وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ... 23
02 ... ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ... 23
03 ... ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ... 25
04 ... قل من حرّم زينة الله ... 38
05 ... ورزقكم من الطيبات ... 38
06 ... ويحل لهم الطيبات ... 38
07 ... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ... 45
08 ... ولقد كرّمنا بني آدم ... 49
09 ... هو أنشأكم من الأرض ... 52
10 ... أتجعل فيها من يفسد فيها ... 53
11 ... ويستخلفكم في الأرض ... 54
12 ... والأرض مددناها ... 55
13 ... وتحبون المال حبا جما ... 70
14 ... وما أنفقتم من شيء ... 88
15 ... وآت ذا القربى حقه ... 97
16 ... وبالوالدين إحسانا ... 97
17 ... والذين إذا أنفقوا ... 108
18 ... وإذا ضربتم في الأرض ... 117
19 ... لا يستطيعون ضربا في الأرض ... 117
20 ... وآخرون يضربون في الأرض ... 119
21 ... وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ... 126
22 ... وإن كان ذو عسرة ... 128
23 ... إنما الصدقات للفقراء ... 203
24 ... خذ من أموالهم صدقة ... 205
25 ... للفقراء الذين أحصروا ... 215
فهرس الأحاديث
الرقم ... أطراف الحديث ... الصفحة
01 ... إنك لن تنفق نفقة .............
02 ... إن الله هو المسعّر .............
03 ... كل المسلم على المسلم حرام ..........
04 ... الجالب مرزوق .............
05 ... إن الله يحب إذا عمل أحدكم .........
06 ... من كان معه فضل ظهر ..............
07 ... كنا نتلقى الركبان ............
08 ... ما أحد طعاما قط ...........
09 ... أما في بيتك شيء ...........
10 ... إنما بعثت هاديا .............
11 ... من باع دارا أو عقارا ......
12 ... الذهب بالذهب ..........
13 ... إن الله يحب الغني .........
14 ... فأخبرهم أن الله فرض عليهم .........
15 ... في كل سائمة إبل ........
16 ... إذا مات ابن آدم ........
17 ... درهم سبق مائة ألف درهم
18 ... اتقوا النار ولو بشق تمرة
المقدمة(1/5)
يمثل النشاط الاقتصادي الأساس لخلق السلع والخدمات وتحقيق النمو الاقتصادي الذي يسمح بتحقيق التنمية الاقتصادية ، والتخلف الاقتصادي يعيق النشاط الاقتصادي وتوسعه ، والدول الإسلامية باعتبارها تنتمي للدول المتخلفة ـ نظرا لكونها لم تستطع استغلال مواردها المادية والبشرية بطرق سليمة ـ تحتاج إلى مقترحات عملية لتحفيز وتفعيل نشاطها الاقتصادي .
إن التخلف الاقتصادي أدى في هذه الدول إلى انخفاض مستوى المعيشة للأفراد نظرا لتراجع مستوى دخلهم ، الأمر الذي يؤدي حتما إلى انخفاض الطلب والادخار في آن واحد ، ولا يمكن مع هذه الوضعية تحفيز الاستثمارات التي تسمح بتجاوز عتبة التخلف والدخول في مرحلة الانطلاقة الاقتصادية .
إن الفارق الموجود بين الدول المتقدمة التي قد لا تملك الموارد الطبيعية ، والدول المتخلفة التي تتوفر على كل الوسائل التي من شأنها تحقيق التنمية الاقتصادية ، يطرح أكثر من تساؤل ، ويستدعي ذلك البحث في أسباب تراجع الأداء الاقتصادي في الدول المتخلفة التي تنتمي إليها الدول الإسلامية .
لقد تعددت النظريات المفسرة لتخلف الدول اقتصاديا ، ومن بينها نجد :
1 ـ تلك التي تركز على العوامل الطبيعية ، كقلة الموارد ، والموقع الجغرافي .
2 ـ وأخرى تهتم بالعوامل الاجتماعية والثقافية ، كتزايد السكان ، وقلة الوعي بأهمية الأعمال الاقتصادية .
3 ـ كما يركز بعضها الآخر على الخصائص العرقية ، أي على البعد العرقي السلالي الجنسي ، أي أن هناك أجناسا من البشر متخلفة بسبب عرقها ، ويبقى التخلف ملازما لها ولا يمكنها تحقيق التنمية الاقتصادية .
4 ـ نظريات أخرى تهتم بالعوامل السياسية ، وترجع التخلف إلى الاستعمار ، وهو عامل خارجي . كما ترجعه للأنظمة السياسية الحاكمة ، وهو عامل داخلي .(1/6)
5 ـ التفسير على الأساس الاقتصادي ، وفيه تم الحديث عن الحلقات المفرغة ، والتوازن شبه المستقر ، بسبب العودة إلى المستويات الدنيا من المداخيل ، بعد تحقيق بعض النمو لفترة زمنية وجيزة . وهذا قد يرجع إلى الزيادة السكانية بمعدل يفوق معدل نمو الناتج الوطني . وهناك تفسير يركز على المرحلية التاريخية ، وهذا ما نجده عند روستوROSTOW .
6 ـ كما توجد نظريات أخرى تركز على دور العلاقات الاقتصادية الدولية ، وعليه تزداد الدول المتقدمة تقدما ، والدول المتخلفة تخلفا .
7 ـ وآخر ما نورده في هذا المجال تلك النظرية التي أبرزت بصفة جلية العامل الديني كسبب مباشر ومعمق لظاهرة التخلف في الدول الإسلامية .
ما يهمنا من هذا كله هو تفسير ظاهرة التخلف بالعامل الديني ، فحسب هذه النظرية يرجع سبب تخلف الدول الإسلامية واستمراره ، إلى التمسك بالمبادئ الدينية في مجال ممارسة النشاط الاقتصادي ، حيث أن هذه المبادئ ـ حسب هذه النظرية دائما ـ لا تساعد ولا تحفز على تحقيق التنمية الاقتصادية ، وهذا باعتبارها منبعا للقيم السلبية ، التي تجعل الإنسان غير قادر على القيام بالأعمال الاقتصادية بصورة إيجابية ، فهي إذن تعيق كل نشاط مادي من شأنه ضمان التوسع في المجال الاقتصادي ، وتحفز في ذات الوقت أكثر على العمل للحياة الأخرى .
فإذا افترضنا النزعة التحريفية لكل ما هو أصيل في إيراد سبب هذا التخلف فإنه يكون من السهل إثبات العكس بالنسبة للدين الإسلامي من خلال استعراض مبادئه وأحكامه واستقراء ما كان عليه المسلمون الأوائل .(1/7)
أما إذا افترضنا أن هذا التحليل يستند إلى العلم ومبادئه ومنهجه ، وأن تلك النظريات لم تتم صياغتها بدافع التضليل ، ولا انطلاقا من أحكام مسبقة ، فإننا نقول أن ذلك يصدق ، أيام كانت الكنيسة هي المسيرة للشؤون الدنيوية بالتعاون مع الملك والنبلاء فكانت قوانينها استبدادية تعسفية في صالح الأقوياء ، لذلك كانت القوانين التي تحكم النشاط الاقتصادي تصاغ بالكيفية التي ترضي الرهبان ، وأمراء الإقطاع المتحالفين معهم ، أما باقي المواطنين فإنه باسم السلطة الأبوية للكنيسة ، وباسم الدين المسيحي ، فإنهم يخضعون في نشاطهم الاقتصادي لما تمليه عليهم الكنيسة ، ولا مجال لمعارضة ذلك حتى وإن تمّ الاستناد إلى العلم .
الإشكالية :
هل يوجد في الإسلام من نصوص وقواعد ومرتكزات ما يحفز بصورة جلية على النشاط الاقتصادي ؟
وبهدف التحكم في الموضوع نجزئ هذه الإشكالية إلى الأسئلة الفرعية التالية :
? ما هي المرتكزات العامة للنشاط الاقتصادي في الإسلام ، وما هي ضوابطه ؟
? ما هي مجالات النشاط الاقتصادي لأصحاب المال والأعمال ؟
? ما هي طرق إدماج ذوي الحاجة ضمن دائرة النشاط الاقتصادي ؟
على ضوء هذه الأسئلة يمكن صياغة الفرضيات التالية :
? وجود النشاط الاقتصادي يقتضي وجود الضوابط التي تحدد مجالاته وأدواته وتضبط طرق ممارسته .
? لا يفصل الإسلام بين الجانب المادي والجانب الروحي ، فلا رهبانية فيه ، وبالتالي فهو يحفز على النشاط الاقتصادي بل ويأمر به ، ويحدد مجالاته .
? توجد في الإسلام أدوات اقتصادية لا تتنافى ومبادئه الثابتة ، وتسمح بتشغيل الموارد الاقتصادية .(1/8)
هدف الدراسة : على ضوء الإشكالية والفرضيات ، نحاول تسليط الضوء على محفزات النشاط الاقتصادي في الإسلام ، وذلك بهدف محاولة إثبات أن الدين الإسلامي قد أولى اهتماما بالغا للشؤون الاقتصادية ، ويوجد سند ذلك في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية كما توجد نماذج تاريخية تبين اهتمام المسلمين بالنشاط الاقتصادي ، فتكون هذه الدراسة إجابة عن المشككين في دور الإسلام في مجال النشاط الاقتصادي ، فهذا البحث إذن يحاول إيجاد وسائل ممارسة الأعمال الاقتصادية ، والمجالات التي تسمح بضمان الإنتاج والتوسع فيه ، وكيفية تمويل الاقتصاد ، ويدرس أيضا سبل تأصيل العمل الاقتصادي بما يتلاءم مع مبادئ الإسلام .
أسباب اختيار الموضوع : من الأسباب الذاتية هو محاولة الرد على النظرية المفسرة للتخلف الاقتصادي على أساس العامل الديني ، ومن الأسباب الموضوعية هو المساهمة ولو بالشيء القليل في بناء النظرية الاقتصادية في الإسلام .
صعوبات البحث : إن بحثا كهذا تعترضه عدة صعوبات نظرا لطبيعته المذهبية أكثر منه بحث علمي محض ، ويمكن حصر هذه الصعوبات فيما يلي :
أولا : وفرة الأفكار الاقتصادية التي تحويها الكتب المتخصصة والدينية على سواء ، حيث كانت الكتابة الأولى في مجال الاقتصاد الإسلامي في شكل أفكار وأحكام عامة لم ترق إلى درجة النظريات الاقتصادية ، أو الترتيب المنهجي ، وبالتالي يصعب على الباحث في هذا الإطار الإلمام بكل ما كُتب في هذا المجال نظرا لكثرته وتنوعه ، وعليه يمكن إغفال الكثير من الآراء والأفكار في هذا الإطار .(1/9)
ثانيا : الذاتية بحيث لا يمكن التجرد عنها بصفة كلية أثناء إنجاز البحوث في مجال العلوم الإنسانية ، وقد تؤثر على النتائج المنتظرة ، وقد عبّر عنها بول سامويلسون عن ذلك بقوله : (( ومن أجل النجاح ، فإن على الاقتصادي أن يحاول أولا تنمية فن الملاحظة بموضوعية وتجرد من تفضيلاته وعدائه ، وأن يرى الأشياء كما هي ، وألا يغيب عن ناظره أن للمسائل الاقتصادية صدى انفاعليا في نفس كل منا ..... في كل مرة تتدخل فيها المعتقدات والأحكام المسبقة المترسخة بعمق ، لأن كثيرا منها ليست إلا تبريرات تخفي بصعوبة فوائد اقتصادية خاصة ... وفي مجال العلوم الاجتماعية علينا الاعتراف بخضوعنا لأفكارنا المسبقة ، أو على الأقل أننا ضحاياها )) ( المفاهيم الإقتصادية الأساسية ، ج1 ، ص ص24 ، 25 ) .
ثالثا : عدم وجود دراسات متخصصة ودقيقة تسمح بصياغة نظرية اقتصادية متكاملة ، وفي كثير من الأحيان نلاحظ محاولة البعض إضفاء الصبغة الإسلامية على مبادئ النظام الرأسمالي ، وهذا ما يؤدي إلى نتائج عكسية ، وعليه فإن هذا البحث قد يكون ناقصا في مجال طرح الأفكار العملية التي تضمن خصوصية الاقتصاد الإسلامي ، وتسمح بانفصاله كلية عن النظم الاقتصادية الأخرى ، ولن تكون عملية الانفصال سهلة .
المنهج المتبع : نظرا لطبيعة الموضوع ، وتعدد أدوات الدراسة والتحليل فيه ، فإننا اعتمدنا على ثلاث مناهج هي كالتالي :
? المنهج الإستنباطي : وهذا عند استعراض الأحكام العامة للإسلام في مجال النشاط الاقتصادي ، مثل استنباط القضايا العامة من الآيات والأحاديث النبوية ، وكذلك من خلال اعتماد القواعد الفقهية ، فمن خلال ذلك كله يمكن التعميم على الجزئيات في المجال الاقتصادي ، ويكون ذلك في كل البحث عند الحاجة إلى استخدام المبادئ العامة التي تُعتبر بديهيات لا يمكن نفيها .(1/10)
? المنهج الاستقرائي : وهذا عند سرد وقائع عملية عن طريق استقراء التاريخ ، بهدف تدعيم الدراسة والتحليل ، ونجد ذلك في الباب الثالث عن دراسة وتحليل التكافل الإسلامي في محال النشاط الاقتصادي .
? المنهج المقارن : عندما نقارن مبادئ الإسلام مع نظريات اقتصادية وضعية ، بهدف الوصول إلى النتائج التي توضح خصائص الإسلام في هذا المجال ، ونجد ذلك في الباب الثاني من هذا البحث .
هيكل البحث : من أجل الوصول إلى النتائج المنتظرة من هذه الدراسة ، قسمت البحث إلى ثلاثة أبواب ، يتضمن كل باب فصلين ، وهذا كما يلي :
الباب الأول : خصصته للإطار العام للنشاط الاقتصادي في الإسلام ، فكان الفصل الأول حول مكانة الاقتصاد في الإسلام ، والفصل الثاني لمسؤولية الدولة في المجال الاقتصادي .
الباب الثاني : تناولت فيه اقتراحات عملية لتمويل النشاط الاقتصادي ، نظرا لكون إشكال التمويل يبقى قائما في الدول الإسلامية ، بسبب عدم القدرة على تعبئة المدخرات وتخصيصها وفق مبادئ الإسلام ، فكان الفصل الأول حول المشاركة والفصل الثاني تناولت فيه المضاربة .
الباب الثالث : ينقلنا إلى دور التكافل في الإسلام ، باعتبار أن ذلك يسمح بإدخال الفئة ذات الحاجة إلى دائرة النشاط الاقتصادي ، لتصبح فيما بعد قادرة على المساهمة في تكوين الدخل الوطني ، فكان الفصل الأول حول الزكاة ودورها التمويلي ، والفصل الثاني حول الأوقاف ودورها الاقتصادي .
الدراسات السابقة في الموضوع : نظرا لاحتواء هذا البحث على جملة من القضايا والأفكار الاقتصادية ذات العلاقة بتعاليم الإسلام ، فإن الدراسات السابقة في الموضوع هي عبارة عن مواضيع منفصلة تناولت كل واحدة منها موضوعا مستقلا ، فمنها من تناول الإطار العام للنشاط الاقتصادي ، وآخر تناول أساليب عمل البنوك الإسلامية ، وثالث يدرس الزكاة والأوقاف ، وكل هذا مقيد في المراجع قسم الرسائل والأطروحات الجامعية .(1/11)
الخاتمة : نعطي فيها النتائج النهائية للبحث عن طريق اختبار الفرضيات السابقة ، ونحاول تقديم آفاق البحث بحيث يبقى المجال واسعا حتى يتكون لدينا اقتصاد إسلامي متكامل الجوانب .
الباب الأول
الإطار العام للنشاط الاقتصادي في الإسلام
يمثل النشاط الاقتصادي شيئا مشتركا بين مختلف الأفراد والمجتمعات ، ولا يمكن الاستغناء عنه لكونه يمثل الأساس لخلق السلع والخدمات ، والذي يتم في إطار جماعي نظرا لكون الإنسان اجتماعي بالفطرة ، ولا يمكن للإنسان الانفراد بتحقيق احتياجاته بمفرده ، وبالتالي فإن نشاطه الاقتصادي في ظل التعاون يؤدي إلى إشباع الحاجات وتلبية الرغبات ، وهذا هو سر التبادل الذي ظهر بظهور الفائض في الإنتاج ، وأصبح التخصص هو السمة الغالبة للنشاط الاقتصادي .
وقد دخل الاقتصاد مجال التنظيم بعد ظهور الدولة بمفهومها الحديث ، والذي بدأ في أوروبا مع ظهور المدرسة التجارية ، التي أعطت للدولة حق تنظيم وتوجيه النشاط الاقتصادي للأفراد ، بعد ذلك توالت النظريات الاقتصادية التي حاولت تنظيم النشاط الاقتصادي بصفة أحسن ، سواء في إطار الاقتصاد الحر مع مختلف المدارس الاقتصادية الرأسمالية ، أو في إطار الاقتصاد الموجه في ظل المدارس الاشتراكية ، وحتى مع الاقتصاديات المختلطة أين يكون للدولة دورا بارزا في النشاط الاقتصادي .
وما يميز كل المذاهب الاقتصادية السابقة الذكر ، هو تنظيمها للأعمال الاقتصادية بعيدا عن ضوابط الشرائع السماوية ، وهذا في إطار فصل الدين عن الدولة ، وتحت شعار " دعه يعمل دعه يمر " والذي لا يقيد الأفراد في نشاطهم الاقتصادي ، أو في ظل سيطرة الدولة الكلي على وسائل الإنتاج .(1/12)
وبعد تحرر الدول الإسلامية من الاستعمار الأوروبي ، بدأ التفكير بصفة جدية في التأسيس لنظريات اقتصادية لا تتعارض في محتواها مع مبادئ الإسلام ، وهذا نظرا لكون فصل الدين عن الدولة في الإسلام غير مقبول أصلا ، ويعتبر النشاط الاقتصادي أحد أوجه التقرب إلى الله تعالى في حال إخلاص النية ، لذلك لا يمكن أن يمارس المسلم أعماله الاقتصادية في ظل المخالفات الشرعية كالربا ، الغش ، التدليس ، النجش ، الغبن ، ...الخ لأن ذلك منهي عنه بنصوص شرعية .
استنادا على ما سبق نتبين أن النظرية الاقتصادية في الإسلام تختلف عن باقي النظريات الوضعية ، في الأطر العامة التي تحدد مجال التحرك في الأعمال الاقتصادية ، ولا يمكن أن يختلف الأمر في ضرورة التنظيم والتطوير والبحث عن الأفضل دوما .
سوف نحاول في هذا الباب التطرق بصفة موجزة إلى أهم ما ينظم النشاط الاقتصادي في الإسلام ، لنحدد مميزات الاقتصاد الإسلامي ، وما هي المحددات الخاصة به وهل تؤثر فعلا على الأداء الاقتصادي ، سواء بصفة سلبية حسب اعتقاد البعض ، أو بصفة إيجابية من خلال التحفيز حسب تأكيد المدافعين عن الإسلام ، وبالتالي قدرته على تنظيم ماديات الإنسان .
نعالج ذلك من خلال فصلين ، الأول يتعلق بمكانة الاقتصاد في الإسلام ، والذي نحدد فيه أهمية النشاط الاقتصادي ، وما هي النصوص المبينة لذلك . والفصل الثاني نخصصه لدور الدولة الاقتصادي ، وما هي مجالات تدخلها ومجالات ترك الحرية للأفراد ذلك لأن الحد الفاصل بين الحرية والتقييد في الإسلام يكاد يكون رفيعا إلى الدرجة التي لا يراه البعض .
الفصل الأول
مكانة الاقتصاد في الإسلام(1/13)
يمثل النشاط الاقتصادي المصدر الأساسي لتوفير السلع والخدمات ، التي تشبع الحاجات وتلبي الرغبات ، وتحقق لأفراد المجتمع العيش الكريم ، ويؤدي الاهتمام به إلى استمرار تحقيق النمو الاقتصادي ، وتسمح فعالية الأداء الاقتصادي ودقة التوزيع إلى التنمية الاقتصادية ، وبالمقابل فإن تراجع الأداء الاقتصادي للفرد والمجتمع ، يضعف حتما الاقتصاد الوطني ، وبالتبعية تتأثر باقي الميادين الأخرى .
وباعتبار أن الإنسان هو محور هذا النشاط وغايته في ذات الوقت ، كان لا بد من تحديد موقعه وعلاقاته مع مختلف عناصر النشاط الاقتصادي ، إذ تختلف المذاهب الاقتصادية في تحديد تلك العلاقة ، ولا بد أن يكون للإسلام نظرته في هذا المجال .
وفي هذا الفصل نتناول بالدراسة والتحليل علاقة المسلم بالمجال الاقتصادي ، وهذا من خلال نقاط مختلفة تبين التزامات الفرد المسلم في مجال الممارسات الاقتصادية ، وكيف ينبغي له ضبط حركته لتحقيق أهدافه في تناسق مع أهداف الأطراف الأخرى .
المبحث الأول
المرتكزات العامة
لا يمكن لأي نظام اقتصادي أن يُنشأ بعيدا عن القواعد الأساسية التي تمثل متطلبات النشاط الاقتصادي وتنظيمه ، إذ نجد أن الأنظمة الاقتصادية القائمة فعلا تختلف عن بعضها البعض في المجال الخاص بكيفية بناء النموذج الاقتصادي .(1/14)
وبالرغم من كون النشاط الاقتصادي يمس الجانب المادي من حياة الإنسان ، ولا اختلاف في متطلبات الإنسان المادية من وسائل الإشباع ، نظرا لكون الحاجات هي واحدة ، أي لا اختلاف بين الإنسان المسلم وغير المسلم وهذا على العموم ، إلا أن الخصوصيات تبقى واردة ، خاصة مع نظرة الإسلام لتلك الحاجات ووسائل إشباعها ، وبالتالي فإن عزل الجانب المادي عن باقي الجوانب الأخرى يعتبر مستحيلا في نظر الإسلام ويعتبر الترابط أهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي عن باقي الأنظمة الاقتصادية الأخرى ، إذ لا مجال في الإسلام لعبارة " دعه يعمل دعه يمر " ، لا من باب مصادرة الحريات ، وإنما من باب دفع الضرر أولى من جلب المصالح .
انطلاقا من ذلك نؤكد أن البناء الاقتصادي في الإسلام يجب أن يتم في ظل النظام الإسلامي المتكامل ، ونظرة الإسلام للحياة ومتطلباتها(1) ، ولا يعتبر ذلك شيئا من الطوباوية أو تعطيلا للقدرات البشرية عن الاستفادة من الخيرات المادية ، وإنما يجب أن توضع الضوابط التي تمنع الممارسة الاقتصادية بطرق غير شرعية ، والتي تؤدي إلى الضرر ، وفي الشرع " لا ضرر ولا ضرار " .
ــــــــــــــــــــــــ
1 - Economic aspects of Islam , Economic aspects of Islam3.htm , p1
المطلب الأول : الإطار العقائدي والأخلاقي
إن الإطار العقائدي والأخلاقي للنظام الاقتصادي في الإسلام ، هو المدخل الرئيسي لفهم هذا النظام ، ودراسته والتعرف على كيفية عمله(1) .
فالباحث في المجال الاقتصادي مهما كانت قناعاته ، يصعب عليه تحرير نفسه تماما من قيمه ومعتقداته ، فلا يمكن لمن يؤمن بالحرية الفردية أن يمجد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ، والعكس لمن كان مذهبه اشتراكي ، فكيف نطلب ممن دينه الإسلام أن يكتب ويدرس ويحلل ويقرر بعيدا عن عقيدته التي تفصل بين الحلال والحرام .(1/15)
فالقيام بالنشاط الاقتصادي يجب أن يكون من منطلق عقائدي(2) ، باعتبار أن الإنسان خليفة الله في أرضه ، فقد قال تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } (3) وأُمِر أن يصلح فيها ولا يفسد لقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } (4) ، ولن يتأتى له ذلك إلا إذا التزم الإنسان المسلم بالضوابط الإيمانية في استثماره وإنتاجه وتوزيعه واستهلاكه .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ مشهور عبد اللطيف أميرة ، الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي ، مكتبة مدبولي ، القاهرة جمهورية مصر العربية ، ط1 ، 1991 ، ص30 .
ـ علي يوعلا ، النظام الاقتصادي الإسلامي ، البنوك الإسلامية ودورها في تنمية اقتصاديات المغرب العربي ، وقائع ندوة رقم 24 خلال الفترة 18 ـ 22 جوان 1990 ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1995 ، ص71 .
- Economics Structure : Islam , Islam's Perspective , Islam Economiecs and Ecomomics Structure.ht , p1
2 ـ شوقي أحمد دنيا ، سلسلة أعلام الاقتصاد الإسلامي ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، جمهورية مصر العربية ، 1998 ، ص34
3 ـ سورة البقرة ، الآية 30 .
4 ـ سورة الأعراف ، الآية 56 .
والأنظمة الاقتصادية الوضعية تفصل بين الدائرة الدينية والدائرة الاقتصادية ، فلا ضابط للنشاط الاقتصادي فيها إلا المصالح الدنيوية ، ففي النظام الاقتصادي الحر تُعتبر المصلحة الخاصة هي الدافع الوحيد للنشاط الاقتصادي ، وأن هناك يد خفية تحرك الإنسان في أعماله ، وأن ضمان التوافق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة لن يكون إلا عن طريق المنافسة التامة ، والدعوة التي تُرفع اليوم للعودة إلى الاقتصاد الحر ، يعني الرجوع إلى سيادة مبدأ الفردانية .(1/16)
بينما الإسلام يدمج الأعمال الاقتصادية ضمن المجال التعبدي شريطة أن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى ، فعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ ))(1) جاء في فتح الباري : " وتمثيله باللقمة مبالغة في تحقيق هذه القاعدة لأنه إذا ثبت الأجر في لقمة واحدة لزوجة غير مضطرة فما الظن بمن أطعم لقما لمحتاج "(2) ، وتحصيل اللقمة يقتضي العمل وهذا من صميم النشاط الاقتصادي .
وعليه فإن إنفاق المسلم يرتبط أساسا بالأجر من الله ، حتى وإن كان الإنفاق بهدف تحقيق غاية فردية ، لكن توسيع النية كافٍ لإدراك الأجر ، فالفرق واضح بين إنفاق المسلم وإنفاق غير المسلم ، فمن يكون أكثر إنفاقا إذن ، مع ما لهذا الإنفاق من أثر على النشاط الاقتصادي ، ويدخل هذا في إطار سلوك المستهلك ، لكن مع ذلك ينبغي التوسط في الإنفاق الاستهلاكي(3) ، ويمكن للإنسان أن يتوسع في باقي الأنواع الأخرى من الإنفاق ، امتثالا لآيات الإنفاق ، كالإعانات ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه البخاري ، كتاب الإيمان ، حديث رقم 54 ، برنامج الحديث الشريف ، الكتب التسعة الطبعة الإلكترونية ، الإصدار الثاني .
2 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري ، نفس المرجع .
3 ـ محمد عبد المنعم عفر ، أحمد فريد مصطفى ، التحليل الاقتصادي الجزئي بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي ، مؤسسة شباب الجامعة ، الاسكندرية 1999 ، ص130 .
والإنفاق الاستثماري ، وعليه يتم إعادة الدخل الذي يتحصل عليه الفرد إلى دائرة التداول بصفة أو بأخرى .
إن التزام الوسطية في الإنفاق يؤدي إلى تحقيق هدفين اثنين :(1/17)
الأول : ممارسة الإنفاق الاستهلاكي ، أي المحافظة على مستوى الطلب الفعال بما يسمح من استمرار الإنتاج ، أي وجود الطلب يضمن استمرار الاستثمارات وبالتالي تفادي الكثير من المشاكل الاقتصادية ، على أساس أن الطلب هو الذي يؤدي إلى تكوين العرض على أساس النظرية الكينزية الذي خالف بها قانون المنافذ الذي يرى بأن العرض هو الذي يخلق الطلب .
الثاني : يتعلق بالتداول النقدي ، فإذا كان الأفراد يمارسون بصفة عادية إنفاقهم الاستهلاكي ، زادت سرعة تداول النقود ، ومن جهة أخرى إذا كانت الصدقات والإعانات واستثمار الأموال في المجتمع هي الغالبة على الاكتناز والإسراف في الاستهلاك ، فإن ذلك يؤدي إلى توفير التمويل اللازم للنشاط الاقتصادي ، أي تتم عملية توظيف جميع الأموال المتاحة في الاقتصاد الوطني ، مما يسمح بتجنب تمويل الاقتصاد الوطني عن طريق القروض الأجنبية ، التي تتميز بتكاليف مرتفعة بسبب خدمات الديون التي قد تؤدي إلى استغراق أغلب الدخل تقريبا .
يجمع ذلك كله قوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } (1) .
إن هذا التوسط لا يعني إمساك النصف من المال وإنفاق النصف الثاني ، وإنما يدل على عدم استعمال كل الدخل في ناحية واحدة ، كما ورد في تفسير القرطبي للآية السابقة(2) ، وإنما يعني عدم توجيه المال نحو جهة واحدة ، وبالتالي يقسم الدخل إلى استهلاك وادخار بعد أن يؤدي الفرد المسلم الواجبات المالية .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الإسراء ، الآية 29 .
2 ـ تفسير القرطبي ، شركة صخر لبرامج الحاسب ، برنامج القرآن الكريم ، الإصدار 6.3 ( 1991 ـ 1996 )(1/18)
إن الفرد المسلم يمارس إذن نشاطه الاقتصادي في إطار تعبدي ، وعليه لا يجعل الهدف من إنفاقه ما يحصل عليه من خلال ذلك ، أي أنه في مجال الإنفاق الاستهلاكي على سبيل المثال ، لا يعتمد بالدرجة الأولى على مقدار المنفعة ، أي أن تعظيم المنفعة ليس هو الهدف الأسمى ، وعليه يمكن أن يستهلك وحدات أقل بسبب تكافله مع الفقراء ، فيكون عندئذ قد حقق منفعة أقل بالنسبة إليه ، لكنه سمح بتحقيق منفعة للآخرين الذين لا يملكون دخلا .
إن النشاط الاقتصادي للفرد في الإسلام إنما يحفزه الأجر من الله - عز وجل - ، إلى جانب طلبه للمنفعة الخاصة ، ويكون ذلك حتى في ظل أشد الأزمات الاقتصادية ، وقد أدى إنفاق عثمان بن عفان - رضي الله عنه - للقافلة التي جاءته بالسلع المختلفة في وقت أزمة اقتصادية ، على فقراء المسلمين إلى إنقاذ طاقات بشرية كان يمكن أن تزول . وعليه فإن توقف أصحاب الأموال عن الإنفاق يؤدي إلى زيادة حدة الأزمة الاقتصادية ، وما حدث في ظل الأزمة الاقتصادية الكبرى ( 1929 ـ 1933 )(1) من تراجع للإنفاق كان له الأثر الأكبر في زيادة حدة الأزمة وانتشارها ، فتراجع الطلب الفعّال يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي ، ومن ثم انخفاض الدخل الوطني الذي يؤدي حتما إلى تراجع نصيب الفرد من هذا الدخل ، ويُعد متوسط دخل الفرد أحد المعايير لتحديد مدى تطور الدول أو تخلفها .
وفي ظل الأزمات الاقتصادية لا مقارنة بين ما فعله عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وسلوك الفرد اللبيرالي ، فالأول يسعى لدعم الفقراء والثاني يسعى لتعظيم دخله ومنافعه ، وهذا ما أوقع الاقتصاد الحر في ظل الأزمة الكبرى فيما سماه كينز فخ السيولة ، وهذا ما يعطل أكثر الطاقات الاقتصادية ، كما أن تفضيل الأرباح العالية في ظل الندرة يضر بالطبقات الفقيرة في المجتمع ، وتمثل الأزمات الاقتصادية وضعية غير ــــــــــــــــــــــ(1/19)
1-- MADAR ZDENEK et RASTELLO HELENE -- Le Role de l’Etat Dans la Réglementation de l’Economie Capitaliste et Socialiste -- Bibliothéque Européenne -- tome8 -1969 -- p148 .
طبيعية للاقتصاد ، تحتاج إلى عمل غير طبيعي من ذوي الثروة والقدرات الفعلية على التأثير إيجابا في الأداء الاقتصادي .
والنشاط الاقتصادي في الإسلام له علاقة قوية بالجانب الأخلاقي ، على خلاف الفكر الرأسمالي الذي يُنكر هذه العلاقة(1) ، وجعله الممارسة الاقتصادية تتم في ظل تعظيم المنافع الفردية الخاصة ، أي نتكلم دوما عن الإنسان الاقتصادي الرشيد ، والذي لا يملك إلا البحث عن المصلحة الخاصة ، فوُجد بذلك الاحتكار والربا والمضاربة ، وغيرها من الأعمال التي تضمن للفرد عائدا ، وتؤدي في ذات الوقت إلى خسائر كبيرة بالنسبة لعامة الناس ، وفي ظل نشاط اقتصادي كهذا تعود النسبة إلى الظهور من جديد وهي 20% إلى 80% ، فيحدث أن يعمل الاقتصاد بخمس طاقته ، في حين كان يجب أن تُستغل كل طاقات المجتمع المتاحة ، خاصة العمالة التي تعتبر طاقة غير متجددة .(1/20)
إن فكرة الطاقة غير المتجددة في مجال العمالة ، لا تعني أن مخزون المجتمع من قوة العمل سوف تفنى بمرور زمن محدد ـ كما يحدث مع الموارد الطبيعية كالبترول ـ وإنما نقصد بذلك أن الفرد القادر على العمل ابتداءً من سن العشرين على سبيل المثال ، وتم توظيف هذا الشخص ابتداءً من سن الثلاثين ، فإنه لا يمكن له أن يتدارك الزمن الذي مرّ من عمره ، وعليه نكون بصدد إهدار طاقات اقتصادية ، لذا ينبغي ممارسة النشاط الاقتصادي انطلاقا من معايير اقتصادية لا تفكر في تعظيم الأرباح في وقت الأزمات الاقتصادية ، وإنما نفكر في توظيف الطاقات العاطلة التي تسمح بتجاوز الأزمة الاقتصادية حتى وإن أدى ذلك إلى تقليل الأرباح بالنسبة للمستثمرين ، لكون ذلك يكون في وقت وجيز ، نظرا لكون الاستمرار في النشاط الاقتصادي يسمح بتجاوز الأزمة بينما الامتناع يعمق الأزمة أكثر ، ولا يعني ذلك أن الاقتصاد الإسلامي يدير فقط الأزمات .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أنور عبد الحكيم ، الاقتصاد الإسلامي : مصطلحات ومفاهيم ، السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1997 ، ص54 .(1/21)
" إن موقف الاقتصاد من القيم يعني التساؤل عمّا إذا كان الاقتصاد علما وضعيا تقريريا ، أي ليست له مضامين أخلاقية ، أو فوائد معيارية ، أم علما تقديريا يدرس الظواهر والنشاطات بالارتكاز على مواقف حكمية أو إيصائية مسبقة ، بحيث يفيد هذا العلم في اقتراح سياسات اقتصادية تنسجم مع الرؤية الفكرية للباحث "(1) ، يدل ذلك على طبيعة علم الاقتصاد ، هل يمكن أن تنطبق عليه صفات العلوم الدقيقة ، أي ما إذا كانت الدراسة تتم بعيدا عن كل ذاتية ، إذ عندما يدرس الفيزيائي الطبيعة الفيزيائية لإحدى مواد الطبيعة ، لا تهم شخصية الباحث ، بل هناك خطوات علمية يجب أن يتمها للوصول إلى النتيجة ، ولا خلاف بين كل العلماء في النتيجة المتوصل إليها في مجال المادة ، وأي اختلاف يدل بيقين شديد أن طريقة البحث لم تكن علمية ، ولكن في مجال علم الاقتصاد تعددت التفسيرات للظواهر الاقتصادية ، وكثرت النظريات والاتجاهات ، بما يوحي أن علم الاقتصاد ينشأ ويتكون في ظل قناعات ذاتية .
وانطلاقا من كون النشاط الاقتصادي الواعي من اختصاص الإنسان ، وأن الدراسات الاقتصادية تنصب أساسا حول سلوك الإنسان في مختلف مراحل الممارسة ، فإن أخلاقه لا يمكن أن تنفصل عن أعماله(2) ، فنجد بذلك سلوكين مختلفين لشخصين في الأعمال الاقتصادية ، وهذا في إطار نشاطهم الاقتصادي الواحد ، يكشف ذلك عن تأثر كل منهما بمستواه الأخلاقي ، وبالتالي تختلف الغايات والأهداف .
ــــــــــــــــــــــــ
1ـ عبد الهادي علي النجار ، القيم الأخلاقية في مجال الإنتاج ، مؤتمر القيم الإسلامية والاقتصاد ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 2000 ، ص 4 .
ـ محمد أحمد صقر ، قراءات في الاقتصاد الإسلامي ، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي ، كلية الاقتصاد والإدارة ، جامعة الملك عبد العزيز ، مركز النشر العلمي ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1987 ، ص15 .(1/22)
2 ـ عبد الحميد الغزالي ، الإنسان أساس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية ، سلسلة ترجمات الاقتصاد الإسلامي ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1994 ، ص13 .
بناءً على ذلك يمكن أن نؤكد على وجود التداخل بين الدائرة الاقتصادية والدائرة الأخلاقية في الاقتصاد الإسلامي ، ولا يمكن اعتماد الفلسفة الرأسمالية في مجال علاقة الاقتصاد بالأخلاق ، إذ تدفعهم المصالح الخاصة في إطار المنافسة الكاملة إلى تحقيق المصالح العامة ، وهذا حسب اعتقادهم ، لكن ما إن تختفي المنافسة الكاملة حتى يحدث التصادم بين المنافع الخاصة والمصالح العامة ، ولا يحفظ النشاط الاقتصادي من هذا الاختلال إلا القيم الأخلاقية التي يجعلها الإسلام الضامن الأساسي لعدم التعارض بين الدائرتين(1) .
وفيما يلي شكلين توضيحيين للجانب الأخلاقي والجانب الاقتصادي في كل من الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي .
شكل رقم 1 : الأخلاق والاقتصاد
الدائرة الأخلاقية
الجانب الاقتصادي الجانب الأخلاقي
الدائرة الاقتصادية
الأخلاق والاقتصاد في الإسلام الأخلاق والاقتصاد في الفكر الوضعي علاقة انفصال
علاقة إحتواء
المصدر : تم إعداد الشكل على ضوء التحليل السابق
إن احتواء الدائرة الأخلاقية للدائرة الاقتصادية في الفكر الاقتصادي الإسلامي ، يعني ضمان ممارسة اقتصادية تخدم الإنسان في محيطه الاجتماعي ، قبل أن تعطي للفرد حق التعسف في استعمال حقه ، بما يلحق ضررا بالغير أو بالمجتمع ، فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ــــــــــــــــــــــ
1 ـ منذر قحف ، الاقتصاد الإسلامي علما ونظاما ، موقع الأنرنت ، www.Monzer.kahf.com ، ص15 .(1/23)
" لا ضرر ولا ضرار "(1) ، يعني أن للنشاط الاقتصادي في الإسلام ضوابط ، فلا ينبغي للإنسان أن يضر نفسه ، ولا يحق له إلحاق الضرر بغيره ، وتتوقف درجة الضرر على وضعية النشاط الاقتصادي .
بناءً على ما سبق نستطيع أن نؤكد أن الإسلام ينفرد بتحقيق التوازن بين الجانب الاقتصادي والأخلاق(2) ، وهو التوازن الذي يضمن استمرار الحياة الكريمة لأفراد المجتمع حتى في ظل أشد الأزمات الاقتصادية ، وقد تضطر الدولة للتدخل في حالة غياب الأخلاق الضامنة للتصرف السليم في الأوضاع الاقتصادية الصعبة ، شريطة أن يكون تصرف الإنسان هو المحقق للضرر العام ، إذ في حالة الندرة بسبب الاحتكار يُضطر صاحب السلعة إلى البيع بسعر المثل ، ويُجبر صاحب المهنة الذي يحتاج المجتمع إلى أعماله للعمل بأجر المثل ، وهذا من خصائص الإسلام ينفرد بها عن باقي النظم الاقتصادية الأخرى .
بينما في حالة ارتفاع الأسعار بسبب الندرة وارتفاع التكاليف ، لا يمكن التسعير لأنه ليس من المنطق أن نرفع الضرر عن المستهلك ونضعه على المنتج أو التاجر فقد ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لمّا طُلب منه التسعير قال : (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ ))(3) ، وهو امتناع صريح عن تدخل الدولة في أعمال الناس الاقتصادية عندما تكون الوضعية ليست نابعة من نشاط غير عادي ، فالحديث يدل على أن النشاط الاقتصادي إذا كان يسير دون تعمد من أحد إلحاق الضرر بالآخرين ، لا يمكن للدولة أن تتدخل لفرض نظام معين ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - " وَإِنِّي لأرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه ابن ماجه ، كتاب الأحكام ، رقم 2332(1/24)
2 ـ عبد الهادي النجار ، مشكلات منهج البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي ، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، المملكة العربية السعودية ، العدد السادس عشر ، جويلية 1996 ، ص444 .
3 ـ الترمذي ، كتاب البيوع ، رقم 1235 .
أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ " يدل على أن إجبار التجار أو المنتجين في ظل الأزمة الاقتصادية بالبيع بسعر معين قد يلحق الضرر بهم ، وبالتالي يدخل ذلك في باب المظالم التي تؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي بدل أن تحفزه .
في حين إذا كان تخفيض السعر بناءً على رغبة صاحب السلعة ، يكون ذلك عمل في إطار حرية النشاط الاقتصادي ، شريطة أن لا تكون تلك العملية بهدف إلحاق الضرر بالآخرين ، وإنما تدخل ضمن إطار دعم استهلاك الطبقة ذات الدخل الضعيف ، أو التي لا تملك دخلا أصلا ، على هذا الأساس ينبغي أن تشجع الدولة هؤلاء إما بتخفيض الضرائب عنهم ، أو بزيادة إعانات الإنتاج لصالحهم عندما تزول الأزمة الاقتصادية .(1/25)
إن تصرف الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في زمن الأزمة التي اتصفت بندرة شديدة في السلع الضرورية ، من شأنه أن يحافظ على الطاقة الإنتاجية لدى فقراء المسلمين ، ويجنب الدولة الإسلامية نفقات كبيرة في مجال الصحة في حالة استمرار الأزمة وقتا أطول ، لأن ذلك يؤدي إلى سوء التغذية ، وما تعانيه الدول الإسلامية في هذا المجال لن يؤدي إلى تخفيف العبء على ميزانية الدولة التي آثرت التقشف بهدف الحفاظ على التوازنات الكبرى ، وإنما سوف يؤدي مستقبلا إلى ظهور نفقات مضاعفة بسبب ما يظهر من الأمراض والمشاكل الاجتماعية ، ويدخل ذلك في إطار تقييم النمو الاقتصادي الذي يكون في كثير من الأحيان على حساب الإنسان والبيئة ، والجزائر ليست بعيدة عن هذا الطرح لكون تراجع نفقات الدولة في مجال الخدمات الاجتماعية ودعم الأسعار وفي مجال خلق مناصب العمل ، أدى إلى تراجع الكثير من مؤشرات التنمية الاقتصادية ، وتعتبر عودة الأمراض القاتلة التي اختفت في السابق خير مؤشر على ذلك .
كما يُعتبر عمل عثمان بن عفان أحد أوجه الإنفاق الذي حثّ عليه الإسلام ، ولو استغل التجار فترات قلة العرض لرفع الأسعار لكان لذلك الأثر السلبي على الطلب الكلي وبالتالي ينعكس ذلك سلبا على النشاط الاقتصادي ، في حين أن المحافظة على طلب الطبقات الفقيرة ـ باعتبارها تملك أكبر ميل حدي للاستهلاك ـ من شأنه المحافظة على مستوى عالٍ من الطلب الفعال الذي يعتبره " كينز "( - ) أساس تكوين العرض الكلي وهذا خلافا لقانون " ساي "( - - ) الذي كان يعتقد أن العرض يخلق الطلب ، وبالتالي يمكن الاستمرار في الإنتاج دون الخوف من الكساد .
المطلب الثاني : الاعتدال والوسطية(1/26)
لقد وازن الإسلام بين متطلبات الروح والجسد(1) . ولا ينكر الإسلام أهمية المادة في حياة الإنسان ، كما لا يعترف بالحقوق المطلقة ، ولا بالحريات التي لا قيود لها ، بل يضع الضوابط عليها(2) بهدف ضمان التوازن في كل مجالات الحياة ، وتحقيق التقارب بين مختلف فئات المجتمع ، إذ لا يمكن أن نحقق التوازن والنسبة المحدودة من مجموع السكان هي التي تتداول النسبة الأكبر من الثروة .
وبفضل ذلك يتم تجاوز مشكل تمجيد الروح على حساب المادة ، أو المادة على حساب الروح ، كما يضمن الإسلام عدم اعتداء الأفراد على حريات وممتلكات الآخرين بدافع الحرية .
ــــــــــــــــــــــــ
- اقتصادي بريطاني ولد سنة 1883 ، صاحب النظرية الاقتصادية التي ساهمت في حل الأزمة الاقتصادية الكبرى ( 1929 ـ 1933 ) ، وقد أوصى بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بهدف تجنب الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الإفراط في الاعتماد على الحرية الفردية في ضمان التوازن الاقتصادي على المستوى الكلي ، وله عدة نظريات في مجال : الاستخدام ، سعر الفائدة ، النقود ، دور الدولة الاقتصادي ، التجارة الخارجية ، ......الخ
- - اقتصادي فرنسي ولد سنة 1767 وتوفي سنة 1832 ، أهم قانون اشتهر به هو قانون المنافذ الذي يرى من خلاله أن العرض يخلق الطلب ، وأن النقود حيادية تجاه النشاط الاقتصادي ويتلخص دورها فقط في تسهيل المبادلات ، إذ في الأصل يتم تبادل السلع والخدمات بالمقايضة ، والنقود تعمل على تجاوز صعوبات المقايضة فقط .
1 ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، مرجع سابق ، ص31
2 ـ نفس المرجع ، ص32 .(1/27)
كما يعمل الإسلام على التوفيق بين الدوافع الفردية والمصالح العامة للمجتمع(1) ، فلا يُغلِّب مصالح الأفراد على حساب قضايا المجتمع ( كما تفعل الرأسمالية ) ، ولا يلغي حاجة الفرد للتملك والعمل الخاص ، بدافع الحفاظ الملكية العامة ومحاربة الطبقية ( كما تفعل الاشتراكية ) ، وإنما يحفظ لكل جانب حقوقه في توازن وتناسق .
وتمثل الملكية المزدوجة في الإسلام سبيلا للحفاظ على مصالح مختلف طبقات المجتمع فعلى سبيل المثال عندما تنازلت الدولة الجزائرية عن الملكية العامة ، وفتحت الباب للخصخصة ، أدى ذلك إلى مشاكل اقتصادية تمثلت في البطالة وتراجع الطلب الفعال ، ومشاكل اجتماعية تمثلت في الفقر والعوز وزيادة الآفات الاقتصادية والاجتماعية وظهرت الفوارق الطبقية بشكل واسع ، مما أدى ارتفاع نسبة السرقة والاعتداءات على أملاك الغير وتراجع مستوى الإنتاج الداخلي الخام بسبب اللجوء إلى استيراد مختلف السلع والخدمات بحيث لم تستطع المؤسسات الجزائرية منافسة تلك المنتجات .
ولو تم اعتماد الوسطية التي جاء بها الإسلام في هذا المجال ، فإن أغلب هذه المشاكل كان بالإمكان تجاوزها ، وهذا من خلال ما يلي :
أولا : الإبقاء على القطاع العام لفترة أطول والسماح بخلق مؤسسات خاصة جديدة ، وهذا بدلا من اللجوء إلى بيع المؤسسات العامة أو غلقها ، يؤدي ذلك إلى الحفاظ على مستوى العمالة السائد إلى الحد الذي تتم فيه عملية انتقال اليد العاملة من المؤسسات العامة إلى المؤسسات الخاصة .
ثانيا : عدم تشجيع الواردات من السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد الوطني ، وهذا بهدف المحافظة على السوق القادرة على استيعاب المنتجات الوطنية ، ومن جهة أخرى نشجع الواردات من المادة الأولية والسلع نصف المصنعة التي تحتاجها المصانع الوطنية ، كما تدعم الدولة نقل التكنولوجيا الإنتاجية .(1/28)
ثالثا : التشجيع الجبائي للإنتاج ، واستخدام الضغط الجبائي العالي على الاستهلاك الكمالي بهدف زيادة المدخرات .
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، المرجع السابق ، ص32
إن هذه الخطوات تسمح بتفادي التغيير المفاجئ الذي أحدث صدمة للاقتصاد الجزائري ، الأمر الذي أدى إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة .
وفي مجال دعوة الإسلام إلى الوسطية والاعتدال في الإنفاق ، فإنه يعني لا إسراف ولا إمساك ، وهذا من شأنه أن يحقق جملة من الأهداف نذكر منها :
أولا : المحافظة على الطلب ، حيث منع الإسلام الاكتناز لما فيه من ضرر اقتصادي ، والمطالبة بالإنفاق يعني ضمان وجود الطلب على السلع والخدمات ، وعلى السلع الاستثمارية ، بما يسمح من استمرار العمليات الإنتاجية .
وقد تبين لنا من خلال دراسة تاريخ الفكر الاقتصادي أن أزمات نقص الطلب تؤدي إلى خلق أزمات أخرى على مستوى واسع ، إذ تؤدي العملية إلى تكوين الحلقة المفرغة في هذا المجال ، فنقص الطلب في ظل اقتصاد السوق يؤدي إلى تقليص الإنتاج ، وبالتالي تصبح المؤسسات في غنىً عن عدد من العمال ، فيتم تسريحهم لترتفع بذلك البطالة ، وهي أزمة أخرى تزيد من حدة تراجع الطلب ، وهكذا تتكون الحلقة المفرغة التي يصعب تكسيرها .
ثانيا : تسمح الوسطية في الإنفاق أيضا بتكوين المدخرات التي توجه لتمويل النشاط الاقتصادي ، حيث يعتبر العجز في التمويل عائقا أمام إنشاء وتوسيع الاستثمارات ، ويعتبر الادخار أحسن وسيلة للتمويل إذا ما قورن بالتمويل الأجنبي ، وكذا التمويل بالعجز ، ويؤدي العجز في تكوين المدخرات إلى استخدام أنواع التمويل الأخرى التي تكون تكلفتها عالية جدا .
إذن التوسط في الإنفاق يسمح بدعم الاقتصاد على مستويين : مستوى الطلب وبالتالي تحفيز الإنتاج ، ومستوى التمويل وبالتالي تحفيز الاستثمار .
المطلب الثالث : ضوابط الملكية والحرية الفردية(1/29)
نركز على الملكية الفردية دون سواها من الأنواع الأخرى للملكية ، باعتبارها أهم أنواع الملكيات التي تحفز على توسع واستمرار النشاط الاقتصادي ، لكونها ترتبط بمصلحة الفرد الذي يسعى دوما لتعظيم منافعه ، أما الملكيات الأخرى كالملكية العامة والملكية الجماعية والملكية الوقفية وغيرها ، تحتل مكانة ثانية باعتبارها محدودة في أنواع مخصوصة من الأموال الاقتصادية ، كملكية الدولة للثروات الطبيعية باعتبارها ملكا لجميع أفراد المجتمع ، وما ينتج عن استغلالها من عائدات تعتبر مالا عاما .
وبعيدا عن دراسة الأموال العامة من حيث التحصيل والإنفاق ، ينبغي أن نقرر في هذا المجال حقيقة ينبغي أن تكون سائدة في المجتمع الإسلامي ، ألا وهي كيف نحمي المال العام من التبذير وسوء التوظيف ؟ وكيف نضمن استثماره بالطرق الصحيحة التي تحقق له النماء والبقاء ؟ وعليه يجب أن يختص هذا الجانب بدراسة متميزة تحدد واجبات الحاكم في المال العام ، وما ينبغي أن يراعى فيه في مجال الإنفاق والاستثمار ، بالطرق التي تُكسبه المسؤولية المهنية .
يقر الإسلام بالملكية الفردية باعتبارها شيئا فطريا في الإنسان(1) ، أي بعد أن يولد الإنسان وما إن يبدأ في التمييز حنى يسعى إلى الاستئثار بكل ما يراه من أشياء مادية فهل يمكن أن تصادر ملكية الإنسان بعد بلوغه سن الرشد ، وتعبه في الحصول على ممتلكات خاصة به ، سواء كانت سلعا غذائية أو رأسمالية .
إن ملكية الفرد المسلم للخيرات المادية والأموال النقدية هي ملكية مشتقة من ملك الله تعالى للكون وما فيه ، وينبغي الاعتماد على هذه القاعدة في امتلاكنا للسلع تجنبا ــــــــــــــــــــــ
1 – Economic Principles Of Islam , Economics In Islam ,
(Be ( Convinced (.htm , p1 .
لاستخدامها في المجالات التي تُلحق الضرر بالآخرين ، فهي ملكية غير تامة ، أي ليست مطلقة ، بحيث يعمل الإنسان ما بدا له .(1/30)
على أساس أنه ينبغي أن لا يكون الفرد المالك للأموال الاقتصادية مطلق الحرية في استخدامها كيفما شاء(1) ، بخلاف مبدأ المدرسة الطبيعية الذي تبنته المدرسة الرأسمالية التقليدية : " دعه يعمل دعه يمر " . لكن يمكن للمسلم تنمية المال والانتفاع به مع الالتزام بأمر المالك الحقيقي(2) ، أي يكون استهلاكه واستثماره ليس من باب ملكية المنشئ وإنما من باب استفادة المستخلَف ، في هذه الحالة نضمن أن يكون الفرد المالك للسلع والخدمات بعيدا عن كل تعسف في استعمال ما يملك ، أي لا يسعى إلى إلحاق الضرر بالآخرين ، فيكون بذلك الانتقال إلى مفهوم الملكية النظيفة ، أي التي تحقق للفرد منافعه دون إلحاق الضرر بالآخرين .
وأسباب التملك في الإسلام يجب أن تكون من طريق الوجوه الطبيعية للمعاش ، أي على الإنسان السعي في تحصيل كسبه الذي يحق له أن يتملكه ، ويذهب ابن خلدون إلى أن : " المعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي في تحصيله ، وهو مفعل من العيش ،كأنه لما كان العيش الذي هو الحياة لا يحصل إلا بهذه ، جُعلت موضعا له على طريق المبالغة "(3) .
فتحصيل المعاش يعني تملك الشيء ، ويعد ذلك الأسلوب الطبيعي للكسب والتملك ، وعليه لا يُقر الإسلام بالملكية التي تنتج عن أعمال غير مشروعة ، أو تتم عن طريق الغصب ، فالكسب إذن ينبغي أن يكون بالعمل ، ومن جهة أخرى لا يمكن اعتبار ــــــــــــــــــــــ
1 ـ قاسم حموري ، مراجعة علمية لكتاب : أصول الاقتصاد الإسلامي ، مجلة جامعة الملك عبد العزيز ، الاقتصاد الإسلامي ، مركز النشر العلمي ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، المجلد 8 ، 1996 ، ص 54 .
2 ـ مشهور أميرة عبد اللطيف ، مرجع سابق ، ص31 ، ص59 .
3 ـ ابن خلدون ، المقدمة ، دار الفكر العربي ، بيروت ، لبنان1997 ، ص271(1/31)
السلع المحرمة ملكية خاصة تحتاج للحماية والصيانة ، وبالتالي لا يمكن الاعتراف بملكية سلعة ما إلا إذا كانت مباحة في الأصل ، وتم تحصيلها بطرق مشروعة .
وينفرد الإسلام بالتفريق بين المال المتقوم وغير المتقوم(1) ، فالمال المتقوم هو ما حيز بالفعل ، أي أصبح في يد مالكه فعلا ، وكان مباحا ، أي يجوز الانتفاع به شرعا في ظروف الإنسان العادية ، أي دون ضرورة شرعية تبيح التعدي إلى غير المباح ، ففي هذه الحالة يُمنع التعدي على الملكية الخاصة ، وتُصان بقوة القانون .
وقد دلّ عن ذلك ما جاء في أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين فيها أن الاعتداء على ملكية الغير يُعد من الأمور المحرمة ، وبتعبيرنا الحالي ندرجها في خانة الجرائم الاقتصادية التي تعاقب عليها كل القوانين في مختلف الدول ، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ ...))(2) .
والحرام في الإسلام يعني تسليط العقوبة على المعتدي ، ولم يكن ذلك من وظيفة الدولة الحارسة التي أنشأتها المدرسة التقليدية ، وإنما يتعلق الأمر بوجوب تولي الدولة لوظيفة توفير الضمانات المناسبة للاستمرار في النشاط الاقتصادي من طرف أفراد المجتمع ، عن طريق إزالة كل أسباب التعدي على الملكية الفردية ، وتمثل الحسبة في الإسلام إحدى الوسائل الأساسية في يد الدولة لتحقيق ذلك ، وإن تعلقت الحسبة بجملة من المجالات على اختلافها ، إلا أنها فيما يخص حماية الأموال والممتلكات تمثل المجال الأوسع لتدخل الدولة ، فمحاربة الغش والاحتكار والاعتداء على أملاك الغير تمثل الحماية المثلى لأموال الناس وممتلكاتهم.(1/32)
ومن جهة أخرى لا يمكن صيانة المال( - ) من الاعتداء إلا إذا كان في يد صاحبه ، أي لا يمكن لأحد أن يدعي ملكية شيء لم يكن في حيازته الفعلية ، وعليه لا يمكن اعتبار ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ يونس المصري رفيق ، أصول الاقتصاد الإسلامي ، دار القلم ـ دمشق ، الدار الشامية ـ بيروت ، الطبعة الثالثة 1999 ، ص36 .
2 ـ رواه أبو داود ، كتاب الأدب ، رقم 4238 .
( - ) تدل عبارة المال في الإسلام على النقود والسلع .
المال الذي لم يحصل عليه الإنسان فعلا مالا متقوما ، فلا يجوز له أن يتصرف فيما لا يملك كمن يسعى لبيع ما ليس تحت تصرفه ، مثل السمك في الماء ، والطائر في الهواء ، أو بيع بضاعة لم يملكها بالفعل ، أو يكون المال المملوك محرما شرعا كالاتجار في الخمر والمخدرات ، أو طريقة كسب محرمة كالربا والاحتكار والقمار والرشوة والسرقة والغش والتدليس .
وهنا ينفرد الإسلام بنعت السلع غير المحرمة بالطيبات لقوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } (1) ، وقوله تعالى : { ورزقكم من الطيّبات } (2) . ونجد بالمقابل أن اسم السلع في اللغتين الفرنسية والإنجليزية على التوالي : les Biens ، Goods ، وكلا الكلمتين تعني الطيّبات ، فلا مجال أصلا للسلع المحرمة حتى لدى أهل الكتاب ، وهي في نظر القرآن الكريم خبائث لقوله تعالى : { ويحل لهم الطيّبات ويحرم عليهم الخبائث } (3) ، فدّل ذلك على عدم حماية الملكيات من السلع التي تنافي كونها من الطيبات ، ويتم بذلك توجيه النشاط الاقتصادي للإنسان نحو إنتاج السلع والخدمات ذات المنفعة الأكيدة ، فيتجنب بذلك المجتمع مشكل تخصيص نسبة من الدخل الوطني لتجاوز النتائج السلبية لإنتاج واستهلاك السلع المضرة بالإنسان أو بالطبيعة ، إذ لا يكفي أن يكون لدينا مستوى كبيرا من الدخل الوطني ، ثم يُنفق أغلب ذلك الدخل على علاج المشكلات التي تسببت الصناعات المضرة في إنتاجها .(1/33)
وإذا أردنا أن نعدد الطيبات من السلع لم نتمكن من ذلك ، في حين نجد أن الخبائث تُعد على أصابع اليد ، وعليه يمكن الاستغناء عنها دون أن يتأثر مستوى النشاط الاقتصادي سلبا ، ففي النظام الاقتصادي الإسلامي إذاً نجد مجالا واسعا للإنتاج والتوزيع والاستهلاك ، فلا حاجة لنشاط اقتصادي يهتم بإنتاج وترويج الخبائث مهما كانت ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة : الأعراف الآية : 32
2 ـ سورة : غافر الآية : 64
3 ـ سورة : الأعراف الآية : 157
الحجج التي يروّج لها من يدّعون أن العملة الصعبة إنما تُجلب بإنتاج وتصدير ذلك النوع من السلع مثل الخمور .
يتبين لنا من التحليل السابق أن الملكية الفردية ليست مطلقة في الإسلام ، كما هي عليه في النظام الرأسمالي ، وإنما هي مقيدة من جانبين ، جانب طبيعة المال ، وجانب الحيازة ، وهذا ما يفسح المجال للأفراد في استثمار أموالهم وممارسة إنفاقهم الاستهلاكي ، بما يحقق شرط تعظيم الأرباح و المنفعة دون المساهمة في إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير .
ويجب أن تدعم الدولة حق الفرد في تملك ثمرة عمله من وجوه الكسب الشرعية ، وفي إطار المال المتقوم لكونه أكثر الناس حفاظا عليها ، مما يعطيه حافزا قويا للتحسين والتفوق والاستكثار(1) ، وذلك في مقابل منعها للنشاط الاقتصادي في مجال المال غير المتقوم ، فهي إذن تحفز مجالات العمل الطبيعية بالحماية والدعم .
ومن الطبيعي أن حماية الملكية الفردية يسمح بتثميرها والاستفادة منها بنسبة عالية ، وهذا في إطار نظرية التعظيم ، في حين إلغاء حق الملكية يؤدي إلى الإسراف والتبذير ، فليس المالك كالمنتفع ، إذ المالك يحافظ وينمي ، بينما المنتفع لا يهمه من الأمر كله إلا إشباع حاجة أو تلبية رغبة ، حتى وإن أدى ذلك إلى زوال الأصل .(1/34)
يؤكد ما سبق من تحليل ما حدث للملك العام في الجزائر أيام النظام الاشتراكي إذ تأكد لنا أن عقلية " البايلك " مستمدة من كون الممتلكات العامة ليس لها راعٍ يحميها ، فكان التبذير والإهمال يحلان محل المحافظة والاهتمام ، فرأس المال ينمو إذا كان مصانا ، ويُهتلك ويزول إن كان مشاعا ، وإذا أحصينا فرص التنمية الاقتصادية التي ضاعت في الجزائر بسبب ذلك السلوك " سواء في مجال الإنتاج أو الاستهلاك " تبين لنا لو أن تلك الفرص كانت للخواص فإن النتائج سوف تكون حتما أحسن مما هي عليه الآن .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، مرجع سابق ، ص67 .
ولا يعني ذلك أن الملكية العامة ليست مطلوبة في الاقتصاد الإسلامي ، وإنما يعني أن انتشارها بالشكل الذي كان سائدا في تلك الفترة من تاريخ الجزائر ، يؤدي إلى صعوبة
التحكم فيها ، وأن الفرد إذا انتزعت منه الملكية بحجة منع الاستغلال والثراء الفاحش وانتشار الطبقية ، سوف يؤدي ذلك إلى إهمال المال العام من قبيل الانتقام . ثم إن الحوافز في الملكية العامة لا ترقى إلى الحوافز التي تصاحب الملكية الخاصة ، أي أن العامل في الملك العام لا يعمل بكامل طاقته ، خاصة إذا كان الأجر واحدا لكل العمال ، يتساوى في ذلك من عمل ساعة ومن عمل ثماني ساعات ، وعليه لم يكن النظام الاقتصادي في الإسلام يوما يدعو إلى انتزاع الملكية الفردية ، رغم أن الكتابات التي كانت آنذاك ـ أي في زمن الاشتراكية ـ تحاول أن تؤسس لوجود جذور للاقتصاد الاشتراكي في الإسلام ، فكانت العبارات التي مفادها أن الاشتراكية من الإسلام تحاول أن تجد لها أنصارا بين مختلف طبقات المجتمع ، وكتبت في ذلك مؤلفات بعنوان اشتراكية الإسلام وغيرها من العناوين .(1/35)
ولا يمكن التخوف من كون الملكية الفردية تؤدي إلى تركز الثروة في يد نسبة محدودة من الناس ، ذلك لأن الضوابط في الإسلام تمنع ذلك ، كما أن التكافل الاجتماعي والفرائض المسلطة على المال ، وكذلك الميراث ، من شأنها جميعا أن تفتت الثروة وتمنعها من التركز لدى مجموعة محدودة من الناس .
ومن جانب آخر وفي مجال المشكلة الاقتصادية ، تعتبر الأرض للبشر جميعا دون تضييق أو احتكار ، مادام العمل قائما فلن يضيق الرزق بأهل الأرض جميعا ، فقد جعل الله لهم فيها معايش(1) كما أخبر القرآن الكريم ، وعليه كلما زاد عمل الإنسان في الأرض وتوسع نشاطه الاقتصادي ، كلما زاد الرزق وتوسع ليكفي جميع من عليها ، إذ يناقض هذا الاتجاه النظرية التي سادت لقرون ، والتي تدعي أن ما في الأرض من موارد اقتصادية لا يكفي للأعداد المتزايدة من السكان ، وعليه ينبغي التفكير في كيفية الحد من نسبة النمو الديموغرافي ، لكن أثبت ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، مرجع سابق ، ص66
الواقع فيما بعد أنه بقدر ما تُستثمر الأرض ، بقدر ما تزداد الخيرات المادية وغير المادية المعدة للاستهلاك .
بناءً على ما سبق نرى أن الملكية الفردية بضوابطها ، هي السبيل الوحيد لتحقيق التناسب بين الموارد الاقتصادية والحاجات الإنسانية ، وفي حالة تجمع الثروة في أيدي الأفراد الأكثر نشاطا في المجتمع ، يمكن إعادة توزيع الدخل الوطني بالآليات التي أقرها الإسلام ، والتي لا تلحق الضرر بأصحاب المال لقلتها .
وفي مجال الحرية ، فإن الإسلام يقر بهذا المبدأ في ممارسة النشاط الاقتصادي في إطار القاعدة العامة " لا ضرر ولا ضرار " ، إذ تعتبر الحرية الاقتصادية في منظور الإسلام حقا لكل فرد ، يختار العمل الذي يريده ، ويتصرف في ثمرة عمله بكامل حريته ، ما لم يكن في اختيار العمل وفي التصرف فيما يملك مخالفة لمبادئ الإسلام ، أو إضرارا بالآخرين .(1/36)
إلا أن الحرية في الإسلام ليست على إطلاقها ،كما نجد ذلك لدى دعاة المدرسة اللبيرالية الحديثة والتي تجد أصولها الأولى لدى الرأسمالية التقليدية ، فالحرية في الإسلام مقيدة ، وتقييد الإسلام لها ليس بهدف التضييق على الفرد في المجالات الطبيعية للنشاط ، وإنما منعا للممارسات الفردية المضرة بالآخرين ، فالاحتكار مثلا الذي يعني حبس السلع عن السوق والتحكم في العرض بهدف رفع السعر ، إذا نظرنا إليه من جهة الحرية الفردية وجدنا الفرد حرّا في البيع أو الحبس لكونه صاحب السلعة ، لكن هذا يؤدي إلى الإضرار بالآخرين وهذا ما يمنعه الإسلام(1) ، فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله : (( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ))(2) . حكم منه - صلى الله عليه وسلم - بعدم جواز الاحتكار ، ولا يمكن أن يدعي أحد أن ذلك مخالف للحرية الفردية في مجال ممارسة النشاط الاقتصادي .
ــــــــــــــــــــــ
1 – Abdelawiw Benabdallah , Comment s'organisait l'économie dans les sociétés musulmanes.htm , Revue AL-QODS n° 25 , p2 .
2 ـ رواه ابن ماجه ، كتاب التجارات ، رقم 2144 .
ثم إن الاحتكار يقلص فرص تطوير النشاط الاقتصادي لكونه يمنع المنافسة ، والإسلام حريص على ضمانها لكل أفراد المجتمع ، بهدف تنشيط الطاقات الاقتصادية وضمان أفضل أداء اقتصادي ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))(1) ، ولن يحدث إتقان العمل في ظل الاحتكارات ، وإذا كانت المنافسة هي من تضمن الجودة في السلع والخدمات عن طريق إتقان العمل ، فإن الإسلام يضمن المنافسة لكل أفراد المجتمع ، خاصة وأن تكافؤ الفرص مطلوبا شرعا في كل المجالات وعلى رأسها المجال الاقتصادي .
المطلب الرابع : مبدأ التكافل الاجتماعي(1/37)
يُعتبر التكافل الاجتماعي أحد مقومات النشاط الاقتصادي في الإسلام ، باعتباره يولي اهتماما كبيرا للطاقات البشرية غير القادرة على مباشرة الأعمال الاقتصادية ، إما لعدم وجود منافذ للتوظيف بسبب الانكماش الاقتصادي ، أو لضعف جسدي يمنع صاحبه عن العمل ، على هذا الأساس يساهم مبدأ التكافل في إدخال الطائفتين في دائرة النشاط الاقتصادي فالعاطل بسبب عاهة يدخل الدائرة مستهلكا إن أصبح له دخلا بفضل التكافل ، وبالتالي يرفع من الطلب الفعال ، والعاطل بسبب ضعف الاقتصاد عن استيعاب الطاقات العاطلة فإن التكافل الاجتماعي من شأنه توفير مناصب العمل لهؤلاء ، عن طريق الزكاة والوقف وغيرهما من الآليات الأخرى التي يمكن أن تُستحدث في مجال التكافل ، وفي بناء أسس الاقتصاد التضامني ، وتفصيل ذلك في الباب الثالث .
على هذا الأساس فإن التكافل الاجتماعي يمثل مسؤولية كافة أفراد المجتمع ، إذ ينبغي أن يساعد بعضهم بعضا(2) ، ويعود نتاج ذلك بالفائدة على مختلف شرائح المجتمع ، ــــــــــــــــــــــ
1 ـ المناوي ، التيسير بشرح الجامع الصغير ، ج1 ، ص269 .
2 ـ أنور عبد الحكيم ، الاقتصاد الإسلامي : مصطلحات ومفاهيم ، السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1997 ، ص38 .
إذ يؤدي التكافل إلى استكشاف الطاقات البشرية القادرة على خلق القيم المضافة ، بالتالي المساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي ، فالطاقات العاطلة إن لم توظف تحد من قدرة المجتمع على استثمار موارده المتاحة ، على افتراض أن العمل الإنساني هو الثروة الأساسية التي تؤدي إلى تكوين باقي الثروات الأخرى .(1/38)
ولن يتحقق التوازن الاجتماعي إلا بتحقيق العدالة في توزيع الثروة ، وإعادة توزيعها كلما وقع اختلال في هذا التوازن ، ضمانا لتكافؤ الفرص لدى مختلف أفراد المجتمع ، ويعني التوازن الاجتماعي إيجاد توظيف متكافئ لكل أفراد المجتمع ، ففي الحالة التي يكون فيها النشاط الاقتصادي يعمل بعدد محدود من طاقة العمل المتاحة ، نكون في حالة عدم توازن ـ وهذا ما يعتبر السمة البارزة للاقتصادي الجزائري ـ إذ كيف يُعقل أن يعمل الفرد الواحد ونطلب منه في ذات الوقت أن يغطي بعمله حاجة عشرة أفراد لا يعملون .
إن الطاقات البشرية العاطلة عن العمل في أي مجتمع ، يمكن أن تحتاج فقط إلى دفع أولي ، بعدها يمكنها الاستمرار في العمل ، وفي مجال دعوة الإسلام للتكافل نجد أن الفقير يمكن أن تكون له طاقة إنتاجية عالية لكنها كامنة ، وتمثل الزكاة التي تُعطى له بهدف الإنتاج ، المفتاح الذي يحوله إلى منتج للسلع والخدمات ، يتحول بواسطتها إلى غني يؤدي زكاة ماله( - ) ، وبالتالي فإن التكافل الاجتماعي من شأنه استغلال الطاقات الكامنة لدى الطبقات العاطلة في المجتمع .
إن التكافل في الإسلام يدخل في دائرة إعادة توزيع الدخل ، إذ تُعتبر الأموال الزائدة عن الحاجة معطلة عن أداء وظيفتها ، وتساهم في تضييع فرص التنمية على المجتمعات ، وفي هذا الإطار ينبغي أن توجد قنوات في إطار التكافل الاجتماعي تسمح بتجاوز هذا الإشكال ، فقد جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ ــــــــــــــــــــــ
( - ) انظر تفصيل ذلك في الباب الثالث .
لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ ))(1) .(1/39)
إن استنتاج الصحابة - رضي الله عنهم - لأهمية تعميم نقل الزيادة في الأموال عن الحاجة إلى ذوي الحاجة ، يدل على أن إمساك الفضل له آثار سلبية على النشاط الاقتصادي ، فإذا أحصينا الكتلة النقدية في الجزائر ، والتي هي خارج دائرة التداول تبين لنا حجم فرص تمويل النشاط الاقتصادي التي تضيع باستمرار ، بإمكانها المساهمة في تحفيز النشاط الاقتصادي وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية ، ودون أن نذهب بعيدا في نقل ما يزيد عن حاجات الناس إلى أولئك الذين لديهم الحاجة نقلا نهائيا ، يكفينا أن نؤسس لعمل آخر يتمثل في التكافل بواسطة الآليات التالية :
أولا : القرض الحسن : وبموجبه يتم نقل كتلة نقدية من يد مالكها وبرغبة منه إلى يد من هو بحاجة إليها للقيام بمشروع اقتصادي ما ، دون الحصول على عائد مقابل ذلك ، على أن يسترد ماله بعد نهاية الفترة المتفق عليها ـ ولن يكون ذلك من أموال الزكاة بحكم شرط التمليك ـ أو بعد أن يحقق الشخص المستفيد أهدافه ، وفي مثل هذه الحالة ينبغي أن لا يماطل الذي استفاد من المال في إعادته لصاحبه ، وإلا كان ضامنا .
ثانيا : المشاركة : أن يتفق صاحب الفضل من المال أو من أي مورد اقتصادي آخر مع الذي هو بحاجة إليه ، على أن يشتركا في نشاط اقتصادي معين ليتقاسما العائد( - ) وفي هذه الحالة يتم تشغيل الموارد الاقتصادية العاطلة .
ثالثا : المضاربة : وهو أن يدفع صاحب المال الزائد عن حاجته ، مبلغا ماليا لشخص آخر قادر على العمل ، لكنه لا يملك المال ، على أن يكون الربح المحقق فعلا بينهما بنسبة شائعة (أي نسبة مئوية) حسب الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان عند التعاقد وفي حالة الخسارة يتحملها المال وحده( - ) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه أبو داود ، كتاب الزكاة ، رقم 1416 .
( - ) راجع ذلك في الباب الثاني من هذا البحث .(1/40)
تمثل هذه الآليات الثلاث وغيرها ، مجالا واسعا لتحقيق التكافل بأسلوب يُدخل الطمأنينة على قلوب أصحاب الأموال الزائدة ، وأدرجنا ذلك في دائرة التكافل لكونه يؤدي إلى تحقيق نفس نتيجة تكافل التمليك ، وقد تكون نتائجه أحسن لكونه يتم على نطاق واسع ، هذا لكون ما فرضه الإسلام من حقوق في أموال الأغنياء قد لا يكفي لسد حاجات الفقراء ، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية ، حتى وإن كان في المال حق سوى الزكاة كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) ، فإنه قد لا يكون من باب الوجوب الذي يمنع الناس من التهرب ، وبالتالي لا نضمن تحقق ذلك ، لذا نحاول إدخال مفهوم التكافل دون تمليك بهدف توسيع دائرة التعاون في مجال النشاط الاقتصادي ، ففي مثل هذه الحالة قد لا يكون صاحب المال بحاجة إلى العائد الذي يصله عندما يحول مبلغا لصاحب الحاجة ، لكنه من باب إعانة صاحب الفائض لمن لا مال له يمكن أن تتم العملية في إطارها التكافلي .
ولقد تحقق التكافل بالتمليك في ظل دولة الإسلام الأولى ، فتم إنشاء بيت مال المسلمين التي تُغذى أصلا بما افترضه الله على عباده من حقوق ، إذ تخص تلك الفرائض أموال الأغنياء تُقتطع منها وترد على فقرائهم ، وهي موارد دورية سنوية ثابتة ، كما توجد موارد أخرى مرتبطة بمناسبات كالغنائم والفيء والتركات التي لا وارث لها ، وأخرى اختيارية كالصدقات التطوعية ، والهبات وغيرها ، وكلها توزع على فقراء المسلمين ، وتستخدم لحفظ كرامة الإنسان ، وتمكينه من توظيف طاقاته ، كما توفر البنى التحتية للبلد .
ومبدأ الإسلام في توزيع الأموال مستمد من قوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } (2) ، وإن كانت الآية تتكلم عن الفيء ، فإن استئثار الأغنياء بالقسم الأكبر من الأموال التي في التداول ، من شأنه تعطيل جزءاً كبيرا من الطاقات ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه الترمذي ، كتاب الزكاة ، رقم 595 .
2 ـ سورة الحشر : الآية 7(1/41)
الاقتصادية ، فلقد شاعت نسبة 20 % إلى 80 % ، فالنسبة الأولى تمثل الأغنياء ، والنسبة الثانية تمثل الفقراء ، ويطلق ذلك على نسبة السكان في الدول المتقدمة ، ونسبة السكان في الدول المتخلفة ، ويمكن إسقاطها على الأغنياء والفقراء في الدول الإسلامية التي تستأثر فيها طبقة قليلة بأغلب الثروة في المجتمع ، فكيف يمكن للاقتصاد أن يعمل بخمس طاقاته البشرية ، باعتبار أن الفقراء في عصرنا الحالي لا مكان لهم في دائرة النشاط الاقتصادي ، كما يعمل الاقتصاد بخمس طاقاته المالية لكون الأغنياء في المجتمعات الإسلامية يميلون إلى الاكتناز أكثر من ميلهم للادخار والاستثمار ، وأن المؤسسات المالية على ضعفها لم تبحث في أساليب تعبئة المدخرات بما يتوافق مع مبادئ الإسلام .
المبحث الثاني
النشاط الاقتصادي في الإسلام
يهتم التحليل الاقتصادي بصفة عامة بمختلف عناصر النشاط الاقتصادي ، ففي مجال الإنتاج مثلا يتم الاعتناء بالعمل والأرض والمنظم ، وسوف نستبعد رأس المال لكونه لا يعتبر عنصرا مستقلا في النظام الاقتصادي الإسلامي ، لكونه لا يحصل على العائد الممنوح له من قبل الأنظمة الاقتصادية الوضعية ، والمتمثل في سعر الفائدة . أما في مجال الاستهلاك فيتم الاهتمام بالإنسان باعتباره المحدد لحجم الطلب على السلع والخدمات الاستهلاكية ، إضافة إلى كونه مصانا من قبل جميع القوانين والأعراف الدولية ، ويكون الإسلام أكثر حرصا على سلامة الإنسان في قيامه بالطلب الاستهلاكي ، إذ يمنع الإسلام الغش والتدليس وتطفيف الميزان والاحتكار والغبن والسرقة والاعتداء ، وغيرها من الجرائم الاقتصادية التي منعها الإسلام منذ بداية عهده .(1/42)
وباعتبار الإنتاج أساس قيام باقي عناصر النشاط الاقتصادي الأخرى ، فإن دراسته وتحليله يقودنا إلى دراسة وتحليل عناصره ، إذ تمثل تلك العناصر أساس العملية الإنتاجية ولصالحها يتم التوزيع ( توزيع الدخل الوطني على عناصر الإنتاج المساهمة في تكوينه ) ، وعلى ضوء ذلك يتم الإنفاق بنوعيه : الاستثماري والاستهلاكي ، أي يتكون الطلب الفعّال الذي يسمح باستمرار الإنتاج وتوسعه ، ويمكن بذلك للدولة أن تمارس الجباية بفرضها للضرائب ومختلف الرسوم والغرامات والإتاوات ، تسمح لها تلك الإيرادات بتغطية إنفاقها وتوجيه النشاط الاقتصادي باستخدام السياسة المالية .
نستنتج من خلال ما سبق أنه بدون نشاط اقتصادي حقيقي لن يكون هناك إنتاج ولا استهلاك ولا جباية ، كما أنه بدون عناصر الإنتاج لن يكون هناك نشاط اقتصادي ، أي لا يمكن إهمال عناصر الإنتاج والبحث فيما بعد عن النمو الاقتصادي أو التنمية الاقتصادية ، وما حدث في الجزائر في زمن النظام الاشتراكي من إهمال لتلك العناصر أكد صحة الاستنتاج السابق ، وأظهر استحالة الاستمرار في هذا النظام ، وأكد لنا منظرو النظام
الاشتراكي سابقا أن المرور إلى اقتصاد السوق حاليا يمثل حتمية ، أي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستمرار في النظام الاقتصادي السابق ، لكن السؤال المطروح هو : هل يكون هناك اهتماما حقيقيا بعناصر الإنتاج في ظل اقتصاد السوق ؟ إن بوادر الانتقال توحي بأن النظام الرأسمالي في الجزائر لن يكون سوى فتح الأسواق بكل حرية للسلع الأجنبية ، ويبقى ذلك استنتاجا ونحن في بداية الطريق نتمنى أن يكون خاطئا .
إن اهتمام الإسلام بعناصر الإنتاج نابع من اهتمامه بالإنسان الذي يمثل الأصل في هذه الأرض ، وكل الموارد الاقتصادية الأخرى مسخرة لصالحه ، فمطلوب منه أن يستخدم طاقاته لاستخراج المنافع منها ، وفي هذا الإطار يكون النشاط الاقتصادي أحد ضروريات الحياة التي ترتقي إلى درجة فروض الكفاية .(1/43)
إن الواقع الاقتصادي في الدول الإسلامية يوحي بضعف الأداء الاقتصادي ، نتج عنه ضعف المستوى المعيشي لأوسع الطبقات في هذه المجتمعات ، في حين نجد أن الدول الرأسمالية ذات الاقتصاديات المتطورة تُثمّن يوما بعد يوم فترة الراحة لدى أفراد المجتمع مع تزايد مستمر للمستوى المعيشي ، نتج عن ذلك تنمية بشرية تمكنت من استثمار الوقت بعد استثمارها للموارد الطبيعية .
انطلاقا من هذه المقارنة البسيطة سوف نتناول في هذا المبحث المكانة الاقتصادية للإنسان في الإسلام ، لننتقل بعد ذلك إلى دراسة وتحليل النشاط الاقتصادي ، هذا ما يسمح لنا بالوقوف على مكانة النشاط الاقتصادي في الإسلام .
المطلب الأول : مكانة الإنسان الاقتصادية
يرتبط التحليل الاقتصادي الإسلامي بالإنسان الذي هو محور النشاط الاقتصادي وغايته ووسيلته(1) ، باعتبار أن الإسلام كرّم الإنسان وأمده بالوسائل الضرورية التي تمكنه من استغلال الموارد الطبيعية التي سخرها الله له ، قال تعالى : { ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } (2) . فالإنسان هو الوسيلة لكون أعماله هي الكفيلة بخلق القيمة المضافة ، وما ينتج عن ذلك من ثروة للمجتمع ، وهو الغاية لكون التنمية الاقتصادية تخدم الإنسان وتحقق له الرفاهية التي تقلل من تعبه وجهده ، وتزيد من راحته وقدرته على البذل والعطاء .
ونحن إذ نختص عنصر العمل من بين عناصر الإنتاج الأخرى بالدراسة والتحليل ، لاعتقادنا بأنه العنصر المنشئ لبقية عناصر الإنتاج الأخرى ، فقد مارس الإنسان الإنتاج قبل أن تنشأ الآلات والتقنيات ، ويستمر في ممارسة نشاطه الاقتصادي باعتماده على قوة عمله حتى في ظل أشد التقنيات تعقيدا .(1/44)
والدراسات الاقتصادية يجب أن تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه ، حيث تستهدف سلوكه من حيث هو ، ومن حيث ما ينبغي أن يكون موضوعا له(3) ، أي يجب أن يكون الإنسان هو المستهدف بالدرجة الأولى ، لكونه المؤثر الأول في باقي العناصر الأخرى ، إذ مهما بلغ التطور التكنولوجي فلن يفقد الإنسان مكانته في مختلف مراحل النشاط الاقتصادي ، فبعد استهداف العلماء بالدراسة والتحليل للإنسان الآلي أملاً في أن يحل محل الإنسان العادي ، عاد هؤلاء العلماء حاليا إلى التركيز على الإنسان ، والتأكيد على ضرورة
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ مشهور أميرة عبد اللطيف ، نفس المرجع ، ص34 .
2 ـ سورة : الإسراء الآية : 70
3 ـ دنيا شوقي أحمد ، سلسلة أعلام الاقتصاد الإسلامي ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، جمهورية مصر العربية ، 1998 ، ص 23 .
تكوينه ومتابعة تعليمه وتدريبه ، وتوفير الوسائل اللازمة التي ترفع من كفاءته ، حتى وإن كان الحديث حاليا عن الإنسان الافتراضي ، فإن ذلك لا يمكن أن يلغي دور الإنسان الطبيعي في النشاط الاقتصادي وخلق الثروة .
هذا ، ويقف الاقتصاد الوضعي من الإنسان مواقف متعددة ، فنجد على سبيل المثال الفكر الاقتصادي لدى المدرسة الحدية ، يعتبر الإنسان الاقتصادي الرشيد هو أساس التحليل والدراسة ، فالمنتج يسعى لتعظيم دخله ، والمستهلك يسعى لتعظيم منافعه ، كلاً في ظل القيود الخاصة به ، فالمستهلك على سبيل المثال يتقيد بالدخل والأسعار والضرائب وتصطدم الرشادة لدى المنتج مع الرشادة لدى المستهلك .(1/45)
بناءً على ما سبق ، يمكننا التأكيد أنه في ظل مبدأ التعظيم يحدث الاعتداء والتعارض ، وهذا كلما انفرد أحد الأطراف بالظروف الملائمة التي تسمح له بتحقيق الهدف على حساب الآخر ، كأن يتمكن المنتج من التحول إلى الاحتكار بعدما كان يعمل في ظل المنافسة ، هذا ما يجعله يتحكم في العرض ، فيتمكن بذلك من رفع الأسعار لصالحه بهدف تحقيق أعلى ربح ممكن ، فيتضرر تبعا لذلك المستهلك . وفي الحالة المعاكسة عندما يتراجع الطلب بسبب قلة المستهلكين ، تنخفض الأسعار لصالح المستهلك الذي يحقق أعلى إشباع بأقل إنفاق ، ويتأثر المنتج سلبا لكون الأسعار السائدة لا تناسبه لتحقيق الربح . ويمكن القول أنه في كلتا الحالتين السابقتين يتضرر أحد الأطراف .
إن الرشادة الاقتصادية بهذا المفهوم قد تتحول إلى ابتزاز للطرف الآخر ، وما يتبع ذلك من إضرار بالأداء الاقتصادي ، وما لم تُضبط حركة الإنسان في مختلف مراحل النشاط الاقتصادي ، فإن أداءه قد يتحول إلى عامل إعاقة ، والرشادة تصبح عندئذ محكومة بالأنا ، ولا مجال لمصالح الآخرين ، وبذلك يحتاج المجتمع إلى قوانين صارمة لتدارك الموقف ، كمحاربة الاحتكار وفرض ضرائب مرتفعة لتفتيت الثروة ، أو لضمان الأموال اللازمة التي تساعد في إعادة توزيع الدخل الوطني ، بهدف تضييق الفوارق في المداخيل بين مختلف طبقات المجتمع ، وغيرها من الإجراءات التي يصعب تطبيقها نظرا لكون الإنسان يجد أكثر من طريق للتحايل عليها .(1/46)
ونظرا لكون سلوك الإنسان في المجال الاقتصادي هو المحدد الرئيسي لمستوى النشاط الاقتصادي ، فإنه لا يمكن ضبط المتغيرات الاقتصادية الأخرى ما لم يُدرس السلوك الإنساني بعناية ، ويُضبط في إطار تشريعي يأخذ بالحسبان العلاقات الاجتماعية أكثر من أن يعتمد على مبدأ تعظيم المنفعة الخاصة ، كما تقر بذلك المدارس الاقتصادية الحرّة ، والتي لا تهتم بطبيعة الإنسان وبفطرته ووظيفته ، ولا بعلاقته بهذا الكون ، ولا يعني صياغة السلوك الاقتصادي في طابع اجتماعي ، أننا نكلف الإنسان تكاليف اجتماعية تُضعف قدرته على تعظيم أهدافه ، وإنما نسعى لأن يلتزم الإنسان بعدم استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لتحقيق ثروته ، لأن ذلك سوف ينعكس عليه سلبا في المستقبل .
ومن جهة أخرى نلاحظ أن الدراسات الاقتصادية الوضعية ، تركز على جانب واحد من الإنسان ، ألا وهو الجانب المادي فقط ، في حين الإسلام يركز أيضا على الجانب الروحي إضافة للجانب المادي ، فلا رهبانية في الإسلام ، كما لا توجد مادية محضة ، باعتبار التكامل بين شقي الإنسان هو أساس حفظ التوازن في مختلف مراحل النشاط الاقتصادي ، أي نعود لفكرة حماية الأخلاق والقيم للنشاط الاقتصادي ، بما يضمن أن يكون تعظيم المنافع شاملا للجانبين .
ووظيفة الإنسان المسلم في هذا الوجود على أجه ثلاث ، بما يؤكد لنا وجوب الربط بينها ، لنضمن أداء النشاط الاقتصادي في ظروف تتماشى والتشريع الإسلامي في مجال الأموال والمعاملات ، وسوف نوجز ذلك فيما يلي(1) :
أولا : عبادة الله - عز وجل - ، وهذا موضعه في فقه العبادات ، وتُعتبر دعامة أساسية وسند حقيقي للنشاط الاقتصادي ، باعتبارها تُنشئ الفرد السوي الذي تدّعيه المدرسة الطبيعية عندما تعتبر أن القوانين الطبيعية هي التي تحمل الإنسان على احترام حقوق الآخرين ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ دنيا شوقي أحمد ، مرجع سابق ، ص 25(1/47)
ومصالحهم ، عندها يمكننا القول أن هذه القوانين خفية ويصعب الكشف عنها ، بينما ضوابط النشاط الاقتصادي في الإسلام واضحة ودقيقة ، وسوف تعين عبودية الإنسان لخالقه على التمسك بتلك الضوابط .
ولسنا بصدد الكلام عن تفاصيل العبادة ، فذاك أمر آخر ، وإنما نذكر أنها تترك أثرا طيّبا في نفس الإنسان ، وتجعله راشدا في تصرفاته لا رشيدا بمفهوم المدرسة الحدية ، نظرا لكون الرشادة في الإسلام تعني احترام قاعدة : لا ضرر ولا ضرار ، وبالتالي لا تغتنم الفرص للاستزادة من الأموال على حساب شرائح واسعة من المجتمع ، وإنما تقود الرشادة في الإسلام إلى بيع السلع في وقت تراجع العرض بالثمن السائد في الظروف الطبيعية ، وما في ذلك من حفاظ على مستوى الطلب الذي يحافظ بدوره على مستوى العرض .
بناءً على ما سبق يمكننا القول أن الإنسان الرشيد حسب مفهوم المدرسة الحدية ، لا يناسب النشاط الاقتصادي في الإسلام ، ويقودنا دور العبادة في إيجاد الإنسان السوي إلى الكلام عن الإنسان الراشد ، ويمكن أن يرادف ذلك عبارة الإنسان العاقل ، هذا الإنسان يسعى دوما لتحقيق أهدافه الاقتصادية في ظل قاعدة " لا ضرر ولا ضرار " .
ثانيا : عمارة الأرض : قال تعالى : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } (1) وهذا يؤدي بالإنسان إلى تحقيق المعاش له ولغيره ، إذ تدل الآية على أن عمارة الأرض هي إحدى الوظائف الكبرى التي خُلِق من أجلها الإنسان ، ومطلوب منه تحقيقها على أحسن وجه ، وعمارة الأرض تقتضي الإصلاح وعدم الإفساد ، لقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } (2) .
ــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة هود : الآية 61 .
2 ـ سورة : الأعراف الآية : 56 .(1/48)
ويؤدي الإصلاح وعدم الإفساد في الأرض ، إلى تحقيق التراكم الذي يضمن التطور الاقتصادي باستمرار ، وعليه فإن عمارة الأرض بالمفهوم الإسلامي يستدعي عدم القيام بالأنشطة الاقتصادية التي من شأنها الإضرار بالبيئة والإنسان ، ولا يقر الإسلام من الأنشطة إلا ما كان خاليا من أي ضرر في إطار القاعدة العامة دوما وهي : " لا ضرر ولا ضرار " .
وسؤال الملائكة الاستفهامي الذي جاء في قوله تعالى : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } (1) ، يدل على أن الأرض وُجِدت صالحة لحياة الإنسان وسائر الكائنات ، وعمل الإنسان بغير مقتضى الإصلاح يؤدي حتما إلى إفساد الأرض ، وما نسمعه من تلوث البيئة وثقب طبقة الأوزون والاحتباس الحراري والإشعاع النووي والغازات السامة ، كل ذلك من قبيل الإفساد في الأرض .
ويحتم إعمار الأرض والإصلاح فيها ممارسة النشاط الاقتصادي بشكل جاد ، ويكفي ذلك لأن يكون محفزا قويا للأفراد ، يسمح للنشاط الاقتصادي في الإسلام أن يعمل في كل الأحوال بكامل طاقاته ، وهي حالة التشغيل الكامل التي تسعى الدول الرأسمالية حاليا لبلوغها ، وفي فترات الأزمات الاقتصادية أين تكون طاقات اقتصادية عاطلة ، تسمح قناعة الإنسان المسلم بضرورة الإعمار من اتخاذ الخطوات المناسبة في سبيل حل الأزمة ، حتى وإن كان ذلك لا يؤدي إلى نتائج إيجابية على مستواه في الوقت الحالي ، فإنها قد تسمح له بزيادة وتوسيع أعماله عند زوال الأزمة ، وهذا ما يحقق له العائد الضائع في وقت الأزمة الاقتصادية .
ويرتبط جانب الإعمار والإصلاح في الأرض من جهة أخرى بمفهوم الاستخلاف ، إذ من المنطق أن يلتزم الخليفة بما يطلبه منه المستخلِف(2) ، ونجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة البقرة : الآية 30 .(1/49)
2 ـ مصطفى حسين سليمان وآخرون ، المعاملات المالية في الإسلام ، دار المستقبل للنشر والتوزيع عمان ، الأردن 1990 ، ص16 .
ـ هبة الله علي أحمد السالوس ، توازن المنشأة في الاقتصاد الإسلامي ، كلية التجارة ، قسم الاقتصاد ، جامعة عين شمس ، رسالة ماجستير ، جمهورية مصر العربية 2003 ، ص45 .
ذلك في قوله تعالى : { ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } (1) ، وقوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } (2) . وتعني الخلافة أن يعمل المستخلَف بأوامر المستخْلِف ، وفي هذه الحالة يجد النشاط الاقتصادي جذوره في التشريع الإسلامي بما لا يدع الفرصة للاختيار ، ولا يعني ذلك وجود التشريع المفصل نظرا لكون النشاط الاقتصادي متجدد ومتطور ، وإنما يوجد السند في إجمالي النصوص والاجتهاد ، بما يكفي لإيجاد السند الكافي للنشاط الاقتصادي في إطاره الطبيعي .
المطلب الثاني : النظرة التفاؤلية للاقتصاد الإسلامي
ارتبطت المشكلة الاقتصادية أساسا في الفكر الرأسمالي بعامل الندرة النسبية للموارد الاقتصادية ، وتعدد حاجات الإنسان ، وقد جعلت المدرسة الحدية من المشكلة الاقتصادية أساسا لموضوع علم الاقتصاد في إطار إشكالية رئيسية : كيف يتم التوفيق بين الموارد النادرة والحاجات المتعددة ؟ وقد سبقتها في ذلك المدرسة التقليدية لكن بنظرة تشاؤمية ، أين تبلورت فكرة عدم قدرة الموارد الطبيعية المحدودة على توفير مستلزمات الحياة للأعداد السكانية المتزايدة ( نظرية روبرت مالتس في السكان ) ، وتزايد تشاؤم دافيد ريكاردو من كون الأراضي الزراعية غير قادرة على تلبية احتياجات السكان ، وما خلص إليه من خلال نظريته في الريع .(1/50)
وينفرد الاقتصاد الإسلامي في هذا المجال بنظرة تفاؤلية ، تسمح للإنسان من خلال نشاطه الاقتصادي من استغلال الموارد الطبيعية دون خشية زوالها(3) ، باعتبارها موجودة في الطبيعة بما يكفي حاجات الناس . إلا أنه ينبغي استغلال تلك الموارد بطريقة عقلانية تسمح بتوفير وسائل العيش الكريم لكل فرد في المجتمع ، ولا يُسمح لفئة قليلة من المجتمع ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الأعراف : الآية 129 .
2 ـ سورة البقرة : الآية 30
- Islam Online.net , Islamic Economics , Justice and Practicality , thu , feb , 16 , 2006.
الاستئثار بأغلب الثروة ، لأن ذلك من شأنه إثبات صحة ما ذهب إليه مالتس وريكاردو ، وعندنا قد جاء في الأثر : " ما جاع فقير إلا بشح غني " .
وسوف نعالج هذه الفكرة من خلال العناصر التالية :
أولا : إثبات النظرة التفاؤلية للاقتصاد الإسلامي : " لقد خلق الله الإنسان وأمده بوسائل الحياة المتعددة"(1) ، حيث عالج القرآن الكريم قضية الأقوات ، وبيّن أن الأرض قد تضمنت كل أسباب الحياة ، فقد جاء في قوله تعالى : { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ، وجعلنا فيها معايش ومن لستم له برازقين ، وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم } (2) . قال القرطبي : أي على حسب حاجة الخلق(3) .
وعليه فإن الآية تثبت وجود التوازن بين الحاجات الإنسانية والموارد الاقتصادية(4) ، فالله تعالى يخبر أنه أودع في الأرض موارد اقتصادية كافية لتوفير العيش الكريم للإنسان ، وعليه فإن مشكلة الندرة غير واردة .
وبما أن مقومات الحياة ليست متوفرة في شكلها النهائي ، لزم تدخل الجهد البشري لتحويلها ، ولا يعني ذلك صراعا بين الإنسان والطبيعة كما تنقل بعض ــــــــــــــــــــ(1/51)
1 ـ محمد عبد الحليم عمر ، القيم الأخلاقية الإسلامية والاقتصاد ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 2000 م ، ص1
2 ـ سورة الحجر : الآيات 19-21 .
3 ـ القرآن الكريم ، الطبعة الالكترونية ، الإصدار الثاني يتضمن تفسير القرطبي مع ابن كثير والجلالين .
4 ـ رفعت السيد العوضي ، القيم الأخلاقية الإسلامية والاقتصاد ، نفس المرجع ، ص 3 .
ملاحظة : يحتوي هذا المرجع على مداخلات ألقيت في مؤتمر القيم الأخلاقية الإسلامية والاقتصاد ، واعتمد في ترقيم صفحاته كل مداخلة لوحدها ، وبالتالي بعد انتهاء مداخلة يبدأ ترقيم الصفحات في المداخلة الموالية من الواحد .
الكتب الاقتصادية ، وإنما بهدف تعوُّد الإنسان على توفير ما يلزم لحياته من سلع وخدمات بما يتوافق مع طبيعة الحياة على هذه الأرض ، والإسلام يدعو دوما لبذل الجهد في سبيل اكتساب ثمرة ذلك العمل .
على هذا الأساس ينبغي توظيف النظرة التفاؤلية في حياة الناس الاقتصادية ، فالاعتقاد بسعة الرزق لكل الناس يجعل المسلم يسع الغير ماديا وأخلاقيا(1) ، وفي ذلك دعوة للتعاون عوض المنافسة المؤدية إلى الاستئثار ، كما يجعل العمل هو الأساس للوصول إلى الثروة ، وليست الطرق الأخرى كالحروب .
إن النظرة التشاؤمية التي نشرها " مالتس " لو كانت حقيقة علمية ، لما رأينا هذا الفارق بين كمية السلع والخدمات المتوفرة اليوم وبين التي كانت متوفرة في عصره ، وهذا الانتقال الكبير في حجم الإنتاج ، يؤكد أن التمثيل بالمتوالية الحسابية والمتوالية الهندسية لا أساس له ، إذ أن الإنتاج اليوم هو الذي يزيد بمتوالية هندسية وليس عدد السكان ، أليس ذلك تأكيدا لما جاء في القرآن الكريم من كون الأرض قد حويت أرزاق الناس قبل خلق الإنسان عليها .
المطلب الثالث : عناصر الإنتاج(1/52)
خلق الله الإنسان وأسكنه الأرض ليستمد منها احتياجاته من مأكل ومسكن وملبس ، وهذه الوسائل ليست متاحة بحيث لا تحتاج إلى عمل الإنسان ، لذلك وجب على الإنسان القيام بالإنتاج لتهيئة وإعداد الطيبات لإشباع الحاجات ، ولم تختلف كل النظريات الاقتصادية في أهمية الإنتاج ، لكننا نسجل الاختلاف على مستوى عناصر الإنتاج الضرورية للقيام بالنشاط الإنتاجي ، إذ تتمثل هذه العناصر في الفكر الاقتصادي الوضعي في : العمل ، رأس المال ، الأرض ، التنظيم .
وليس لرأس المال في الإسلام من عائد على انفراد ، وإنما يدخل مشاركة ليتحمل الربح والخسارة ، فيكون عائد صاحب رأس المال هو الربح باعتباره منظما في حالة تحقق الأرباح فعلا .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رفعت السيد العوضي ، المرجع السابق ، ص4
وباعتبار سعر الفائدة تكلفة حقيقية تضاف إلى تكاليف الإنتاج الأخرى ، فإن أسعار السلع والخدمات سوف تزداد في حال انفصال رأس المال عن بقية العناصر الأخرى ، ولا تقابل تلك الزيادة في السعر زيادة في القيمة باعتبار النقود مقياسا للقيم وليست منتجة لها ، كما أن عناصر الإنتاج الأخرى يصيبها الاهتلاك بخلاف النقود .
وفيما يلي بعض التفصيل لعناصر الإنتاج حسب ما نراه مناسبا لتعاليم الإسلام ، ونحاول الربط بين مختلف تلك العناصر بما يحقق إنتاجا لمختلف السلع والخدمات ، حيث اختلاف النظرة لوسائل الإنتاج يؤدي إلى اختلاف التعامل معها ، وبالتالي قد يلحق الضرر بأحد عناصر الإنتاج .(1/53)
أولا : العمل : يُعتبر العمل في الإسلام أصل النشاط الاقتصادي وعمارة الأرض ، ومن لا يسهم في العملية الإنتاجية فإنه يعيش بفضل عمل غيره ، وبالتالي فهو حين يحقق ضروريات حياته كحد أدنى يضمن له البقاء ، ولا يحقق ذلك بعمله وإنما باستخدام منتجات عمل غيره ، يكون ظالما لهم ، ويتسبب في ارتفاع الأسعار باعتباره يطلب سلعا وخدمات دون أن ينتج منها شيئا . وقد كان عمر ابن الخطاب - رضي الله عنهم - ينظر إلى الإنسان فيعجبه فيسأل عن حرفته ، فإن لم تكن له حرفة سقط من عينه(1) .
على هذا الأساس ينبغي على الإنسان القادر أن يبذل في أدنى الأحوال من العمل ما يعادل استهلاكه على الأقل .
ويُعتبر العمل حاجة من حاجات الإنسان ، يجب أن تلبى كما تلبى الحاجة إلى الغذاء ، وعليه فإن البطالة تكلف الإنسان مشاكل نفسية . يقول الراغب الأصفهاني : " من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية ، وصار من جنس الموتى ...وأن من تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة "(2) .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ دنيا شوقي أحمد ـ مرجع سابق ، ص35
2 ـ نفس المرجع ص 37 .
وباعتبار المرابي في غنىً عن العمل والنشاط الإنتاجي ، فإنه كلما توسعت دائرة المرابين كلما تعطلت طاقة إنتاجية ، لذا تعتبر الاستثمارات المالية مضمونة العائد سببا في تراجع قوة العمل واشتراكها في دائرة الإنتاج الحقيقي .
ثانيا : الأرض : يمنع الإسلام تعطيل الأرض عن الاستثمار والتعمير ، قال الشافعي : " ولا يدع السلطان أحدا يحتجر على المسلمين شيئا لا يعمره "(1) . حيث كان قديما يقوم الناس ببناء سور حول الأرض دون استغلالها ، وقد استرد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أرضا من بلال المزني كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقطعها إياه .
ويدخل في ذلك تمليك الأرض الموات لمن أحياها ، لكون ذلك يتماشى ومبادئ الإسلام في التعامل مع الأراضي البور .(1/54)
إن الأراضي الشاسعة في ديار الإسلام ، والتي لم تُستغل بعد ، ويدعي أصحابها ملكيتها ينبغي أن يُعاد النظر في وضعها ، وأن تُوزع من جديد للقادرين على استغلالها ، وليس في ذلك اعتداءً على الملكية الخاصة .
ولا يمكن القيام بالعملية الإنتاجية دون وجود الأرض ، وعناصر الإنتاج هي أساس خلق السلع والخدمات .
ثالثا : التنظيم : نظرا لكون العمل والأرض لا يجتمعان لوحدهما لإتمام النشاط الإنتاجي ، كان لا بد من اعتماد العنصر الثالث الذي يقوم بعملية المزج ، وهو المنظم صاحب المشروع الذي يعمل على المزج بين عناصر الإنتاج .
من خلال ما سبق يتبين لنا عدم وجود رأس المال ، ذلك لكون النقود في الإسلام لا تستحق المكافأة ، وإنما يجب على صاحبها أن يمارس العملية الإنتاجية سواء بصفة مباشرة أو عن طريق المشاركة والمضاربة .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، مرجع سابق ، ص75 .
المطلب الرابع : النقود
الإقرار بدور النقود الإيجابي في النشاط الاقتصادي له مبرراته ، ومع ذلك لا يمكن اعتبارها غاية وإنما هي وسيلة(1) ، ومنشأ النقود مداره الحاجة إليها كوسيلة تبادل ، وما تحققه من التعاون وتقسيم للعمل ، ومن ثم يظهر الفائض والعجز ، وتظهر عندئذ ضرورة التبادل ـ ولا يمكن أن تنهض المقايضة بهذه المهمة ـ بذلك تتأكد الأهمية الاقتصادية للنقود (2) .(1/55)
فهي ليست غرضا في ذاتها ولكنها غرض لكل شيء ، أي لا تطلب النقود لذاتها ولا تتخذ كثروة ، وإنما تطلب باعتبارها وسيلة تبادل ، وإن ادخرت لوقت الحاجة كانت مخزنا للقيم ، وبها تقاس قيم السلع والخدمات ، يقول الراغب : " ولو تصورنا ارتفاع الضروريات التي ستدفع بها لكانت هي والحصباء سواء "(3) ، أي تنتفي صفة النقود في حال عدم قدرتها على أداء المعاملات ، أو في حال اختفاء السلع والخدمات من السوق ، نستنج من ذلك أن دور الوساطة للنقود هو المعتمد ، ولا يمكن أن تصير سلعة إلا إذا اختلفت الأصناف ، أما أن يكون للنقود مقابل نظير تقديمها للغير فإن ذلك يعني تحولها إلى سلعة تباع وتشترى ، وهذا ما يخرجها عن طبيعتها ويحولها عن غايتها .
وعليه لا ينبغي أن تكون النقود غاية النشاط الاقتصادي للإنسان ، نظرا لكونها وسيلة للأموال الحقيقية من سلع وخدمات ، وهذا لا ينفي كونها وسيلة ضرورية لتحقيق الغاية ولا يمكن الاستغناء عنها ، باعتبار أن الفقهاء حرّموا اتخاذ الأواني من الذهب والفضة لكونهما أداة ضرورية لقيام النشاط الاقتصادي ، وما إن تتحول النقود إلى تحف حتى يقل تداولها في السوق ، فلا يمكن عندئذ تمويل النشاط الاقتصادي .
ــــــــــــــــــ
1 ـ رفيق المصري ، الإسلام والنقود ، مركز النشر العلمي ، جامعة الملك عبد العزيز جدة ، المملكة العربية السعودية 1981 ، 93 .
ـ هايل عبد الحفيظ يوسف داود ، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ، دراسات في الاقتصاد الإسلامي ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1999 ، ص9 .
2 ـ شوقي أحمد دنيا ، المرجع السابق ، ص48 .
وقوة الدولة لا تقدر بما لديها من نقود ، بل بقدرتها على الإنتاج الذي هو مصدر للأموال والدخل وتنمية الثروة ، وقد تبين أن تجميع النقود دون استخدامها في نشاط اقتصادي حقيقي ، يتسبب في أزمات اقتصادية كما حدث مع المدرسة التجارية .(1/56)
ومن جهة أخرى لا ينبغي أن تتركز النقود في يد فئة محدودة من أفراد المجتمع ، باعتبار ذلك يضر بالنشاط الاقتصادي ، فكلما ضاقت دائرة التداول النقدي وتقلصت ، كلما تراجعت معه فرص الاستهلاك والاستثمار . قال تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } (1) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الحشر : الآية 7 .
خلاصة الفصل
من خلال التحليل السابق يتبين لنا أن الاقتصاد في الإسلامي له أسس وقواعد نوجزها فيما يلي :
? يُبنى الاقتصاد في الإسلام على مرتكزات عامة تضمن الأداء الأمثل للنشاط الاقتصادي ، ويمنع الاستغلال وإلحاق الضرر بالغير .
? ويمثل الإطار الأخلاقي خير ضامن لتحقيق التناسق بين مختلف الفئات في المجتمع ، إذ لا يمكن أن تكون الثروة هي الهدف الأول للإنسان .
? وفي مجال الملكية لا ينكر الإسلام حق الفرد في التملك ، ولكن يمنع استغلال تلك الملكية للاعتداء على الآخرين .
? أما الإنفاق فقد أشار إليه القرآن الكريم في أكثر من آية ، ويُعتبر التوسط فيه سبيلا لتحقيق التوازن بين الاستهلاك والادخار .
? وتنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخرين ، وقد يُجبر الإنسان على أداء عمل للصالح العام إن هو امتنع ولا يوجد غيره يحسنه.
? يمثل النشاط الاقتصادي الأساس لإنتاج السلع والخدمات ، وبالتالي لا مجال للكسب من غير جهد أو غُرم .
? على هذا الأساس لا يمكن للنقود أن تكون سلعة أو وسيلة للكسب دون استثمار حقيقي .
? ولا يمكن أن تُعتبر النقود غاية في ذاتها ولا من عناصر الإنتاج لكونها لا ينبغي أن تدخل منفردة في العمليات الاستثمارية .
الفصل الثاني
مسؤولية الدولة(1/57)
الدولة في الإسلام وليدة القانون(1) ، وليس القانون هو نتاج الدولة كما هو الحال في أغلب النظريات الحديثة ، أين توجد الدولة أولا ثم توجد بعدها القوانين ، أي تسن القوانين عقب نشوء الدولة وأجهزتها ، وقد تكون تلك القوانين في صالح السلطة لا في صالح الرعية ، فقد تزداد الضرائب لزيادة إيرادات الدولة بهدف تغطية نفقاتها ، حتى وإن أدى ذلك إلى إضعاف النشاط الاقتصادي للأفراد .
إن قيام الدولة على غير قواعد مؤسسية ، يؤدي إلى تغير القوانين باستمرار كلما تغير الحاكم أو أحد وزرائه ، فيدفع ذلك إلى اضطراب في النشاط الاقتصادي بسبب عدم الاستقرار في التشريع والقضايا المرتبطة به .
وقد جاء الإسلام ولمّا توجد الدولة بعد عند العرب ، أي أن شريعة الإسلام بكل جوانبها ـ بما فيها الجانب الاقتصادي ـ قد وجدت قبل قيام أركان الدولة ووُضِعت كلياتها ضمن مصادر التشريع الإسلامي ، وتعتبر القضايا المعيشية ضمن القضايا الكلية في إطار حفظ المال والنفس ، وعليه كُفلت حقوق الناس وحرياتهم وممتلكاتهم ، ولا يمكن التنازل عن تلك الأمور مهما كانت الحجج .
بناءً على ما سبق تلتزم الدولة بضمان أفضل الشروط لممارسة النشاط الاقتصادي ، نظرا لكون مبدأ حياد الدولة الذي كانت تنادي به المدرسة التقليدية ،لم يعد مطروحا في ظل تزايد وتنامي الدور الاقتصادي للدولة في الوقت الحالي(2) .
فبالرغم من كون الإسلام يعتمد على حرية الأفراد في المجال الاقتصادي ، نظرا لكون الحرية الاقتصادية جزء من الحرية العامة ، فلا يقيد الخاص إذا كان العام مطلقا ، ــــــــــــــــــــــ
1 ـ السالوس علي أحمد ، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة ، دار الثقافة ، الدوحة ، قطر ، ومؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1998 ، الجزء الأول ، ص84 .(1/58)
ـ أحمد مجذوب أحمد علي ، السياسة المالية في الاقتصاد الإسلامي ، دراسة مقابلة مع الاقتصاد الرأسمالي ، هيئة الأعمال الفكرية ، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة ، الطبعة الثانية 2003 ، ص 30 .
2 ـ محمد عمر شبرا ، ما هو الاقتصاد الإسلامي ؟ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1996 ، ص35 .
وعليه كما يحافظ الإسلام على حرية الاختيار ، يحافظ على حرية ممارسة النشاط الاقتصادي ، ويحمي أفراد المجتمع من جميع الاعتداءات الداخلية والخارجية ، فقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله : (( كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ))(1) . فنلاحظ أن الحديث يقرن بين الدم والمال والعرض ، وعليه لا يمكن الاعتداء على المال تماما كما لا ينبغي الاعتداء على الدم ، وبالتالي على الدولة أن تحمي ممتلكات الأفراد كما تحمي أرواحهم .
ومن جانب آخر ينبغي للدولة أن تتولى ضمان شروط الحياة الكريمة لذوي الدخل الضعيف ، ومعدومي الدخل ، وهذا في إطار إعادة توزيع الدخل الوطني ، وتحقيق التكافل الاجتماعي بمختلف الوسائل المتاحة(2) .
في هذا الإطار سوف نتناول دور الدولة الاقتصادي كواجب تنموي ، ودورها في ضمان الدخل لكل فرد في المجتمع ، سواء عن طريق عمل تضمنه ، أو عن طريق تكافل ترعاه وتُنشطه ، ليتأكد لنا أن النشاط الاقتصادي إنما له ثوابت في الإسلام ينبغي أن ترعى وتُصان ، ومتغيرات يجب أن تحترم وتثمن حسب الحاجة ، فأينما كانت المصلحة فثم شرع الله ، وهذا في مجال المتغيرات لا في مجال الثوابت ، فالأهداف الاقتصادية للدولة هي إغناء الناس وكفالة حد اجتماعي لائق للمعيشة ، وتأمين مستوى من العمالة حسب الموارد المتاحة ، وتعمل كذلك على تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، بهدف خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية(3) .(1/59)
وسوف نعالج في هذا الفصل كل ما يتعلق بدور الدولة الاقتصادي ، دون الإضرار بحرية الأفراد في ممارسة نشاطهم الاقتصادي ، والتي تُعتبر إحدى الثوابت الإسلامية في مجال المعاش وطلب الكسب .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه ابن ماجه ، كتاب الفتن ، باب حرمة دم المؤمن وماله ، رقم 3923 .
2 ـ حسين راتب يوسف ريان ، عجز الموازنة وعلاجه في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الأردن ، الطبعة الأولى 1999 ، ص 131 .
3 ـ قحف منذر ، دور الدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي والأهداف الاقتصادية للدولة الإسلامية ، السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، وقائع ندوة رقم 36 ، عقدت بالجزائر من 14 إلى 20 ماي 1991 ، دار البلاد للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 1997 ، ص98 .
المبحث الأول
المسؤولية التنموية
تحتاج التنمية الاقتصادية إلى تضافر أعمال الأفراد الاقتصادية مع أعمال الدولة في نفس المجال ، فلا يمكن اعتماد نموذج الدولة الحيادية في ظل زيادة الدور الاقتصادي لها وعليه تكون للدولة أدوارا حقيقية في مجال النشاط الاقتصادي ، وهذا ما سنراه في هذا المبحث .
المطلب الأول : الدولة والنشاط الاقتصادي
يقع على الدولة ـ باعتبارها المسؤولة عن جميع الأعمال في المجتمع ـ بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، مسؤولية ضمان أسباب التنمية الاقتصادية ، أي تهيئة الشروط الأساسية لتحقيق هذا الهدف ، ومرد ذلك يرجع إلى الوظيفة الأساسية للدولة في شريعة الإسلام ، وهي جلب المصالح ودرء المفاسد ، أي الاستمرار في توفير ما يحقق الإصلاح في الأرض وتجنب كل ما يؤدي إلى الفساد .(1/60)
والتنمية الاقتصادية إحدى المصالح العليا في نظر المجتمع المسلم ، استنادا إلى قوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } (1) ، فقد ورد في تفسير القرطبي : " أنه سبحانه وتعالى نهى عن كل فساد قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر ، وهو على العموم على الصحيح من الأقوال . وقال الضحاك : معناه لا تعوروا الماء المعين ، ولا تقطعوا الشجر المثمر ضرارا . وقد ورد : قطع الدنانير من الفساد في الأرض . وقد قيل : تجارة الحكام من الفساد في الأرض "(2) .
يتبين لنا من ذلك ما يلي :
? أن توفير المياه ـ والماء عنصر أساسي لا غنًى عنه ـ يعتبر إصلاحا في الأرض ، ودوره التنموي كبير جدا ، وعليه لا ينبغي إفساده خاصة باستخدام الصناعات الملوثة التي تذهب بصفائه ونقائه .
? وقطع الشجر المثمر يعني تقليص إمكانية زيادة المنتجات التي تسمح بالوفرة واستقرار الأسعار ، ويقابلها من باب الإصلاح زيادة عدد الأشجار المثمرة ، أي التشجيع على الزراعة بما يحقق تنوعا في المنتجات وإشباعا أفضل للحاجات وتلبية أكبر للرغبات .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الأعراف : الآية 56 .
3 ـ تفسير القرطبي ، القرآن الكريم الإصدار السادس 6.3 ، صخر لبرنامج الحاسب 1991 ـ 1996
? إتلاف النقود يعتبر كذلك من الفساد ، لأن النقود هي الوسيلة المثلى للتبادلات بين الناس ، وأي إتلاف لها يعني تقليل الكمية المتداولة منها ، بما يؤدي إلى صعوبة المبادلات والإضرار بأصحاب السلع والخدمات ، إذ يحدث جراء ذلك الكساد ، أو يؤدي إلى تراجع الأسعار لقلة الطلب ، فيتقلص الربح لدى المنتجين والتجار ، فيؤدي بهم ذلك إلى ترك أعمالهم .(1/61)
كما أن تجارة الحاكم تعني منافسة الفرد التاجر بما لا طاقة له به ، وهذا نظرا لكون الحاكم يملك الميزات التنافسية التي لا يملكها الأفراد التجار ، وقد فصّل ابن خلدون في القضية انطلاقا من واقع عايشه ، واستنبط منه نظريته في المنافسة غير المتكافئة ، والتي تعني أنه في مثل هذه الحالة سوف ينسحب أحد الطرفين من السوق ، وحتما سوف ينسحب الأفراد لا الدولة .
كما يذكر ابن خلدون أن اهتمام الدولة بالتجارة ليس بهدف إنعاش النشاط الاقتصادي ، ولكن أملا في تحقيق مداخيل إضافية تسمح لها بتغطية النفقات المتزايدة ، وهذا بعد أن استنفدت الدولة جميع الطرق والوسائل لزيادة مداخيلها عن طريق الجباية ، وهذا بعد أن تفننت في فرض الضرائب والرسوم وأنواع المكوس ، واستحدثت ألقابا مختلفة لها ، وجدت أن حجم الجباية يتراجع باستمرار أمام التزايد المستمر للنفقات ، ومن ثم كان لابد من وسيلة أخرى تجبر النقص ، وتدرّ أموالا إضافية تغطي النفقات ، فانتقلت الدولة بذلك إلى ممارسة التجارة ، وقد ذكر ابن خلدون ذلك في قوله : (( فيأخذون في اكتساب الحيوان والنبات لاستغلاله في شراء البضائع ، والتعرض بها لحوالة الأسواق ، ويحسبون ذلك من إدرار الجباية وتكثير الفوائد ، وهو غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة ))(1) .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن خلدون ، المقدمة ، مطبعة عبد الرحمن محمد ، القاهرة ، مصر العربية (بدون تاريخ ) ـ ص201
ولهذه العملية آثارها السلبية على الأفراد وعلى النشاط الإقتصادي ذاته نوجزها ذلك فيما يلي :(1/62)
أولا : المنافسة غير المتكافئة بين رجال الدولة وأفراد المجتمع ، ومن ثم الظفر بكل الفرص المربحة ، سواء كان ذلك بسبب وفرة رؤوس الأموال لدى الدولة ، أو بسبب أخذ ما يحتاجونه بأقل الأسعار عن طريق سن القوانين الملائمة لهذا الغرض ، مع العلم أن تجارة الدولة لا تفرض عليها الضرائب ولا الرسوم ، فتكون تكلفتها متدنية ، إضافة إلى كون رجال الدولة يحصلون على البضائع من مصادرها ، حتى وإن كان ذلك خارج حدود الإقليم ، ونقلها إلى الداخل يكون مجانا ، فمن من الأفراد العاديين يتحقق له ذلك .
ثانيا : شراء البضائع من التجار بأبخس الأثمان ، فيفقد الأفراد أرباحهم ، وقد يضطر التجار الخواص إلى بيع ما لديهم من سلع للحكومة بأسعار تقل عن سعر التكلفة ، فيحققون خسارة قد تؤدي إلى فقدان رؤوس أموالهم .
ثالثا : إجبار التجار على شراء البضائع التي هي بحوزة الدولة بأسعار مرتفعة ، أملا في تحقيق الأرباح المرتفعة ، فيعجز الأفراد عن إعادة بيعها بسبب ارتفاع التكاليف وبالتالي ارتفاع الأسعار ، والنتيجة هي الإفلاس .
رابعا : ترك الناس أعمالهم التجارية بسبب ما أحدثه تصرف الدولة تجاههم من خسارة مالية معتبرة ، وبذلك يفقد النشاط الاقتصادي طاقة أخرى من طاقته ، وتفقد الدولة موارد مالية من جديد .
خامسا : تعطيل قوانين السوق عن العمل ، فإذا كانت الدولة صاحبة السيادة في سن القوانين والمراسيم ، فإنه بإمكان أفراد الحكم ممارسة عملية التسعير الإداري لتجارتهم بيعا وشراء ، كما يمكنهم ممارسة الاحتكار ، وكلها عمليات تحل محل الآليات التي يعمل بها السوق في الظروف العادية .(1/63)
وحتى يبين ابن خلدون سوء تقدير الدولة إن هي زاحمت الأفراد في أعمالهم الاقتصادية ، يضرب مثلا بدولة الفرس ، إذ يقول : (( وكان الفرس لا يملِّكون عليهم إلا من أهل بيت المملكة ، ثمّ يختارونه من أهل الفضل والدين والأدب والسخاء والشجاعة والكرم ، ثم يشترطون عليه مع ذلك العدل ، وأن لا يتخذ صنعة فيضر بجيرانه ، ولا يتاجر فيجلب غلاء الأسعار في البضائع ))(1) .
وهذا الاستدلال جاء للتأكيد على كون الدول المتحضرة ليس لقادتها الحق في ممارسة أي نشاط اقتصادي يلحق الضرر بأفراد المجتمع ، لأن قوام الاقتصاد النشاط الفردي الحر ، وأن التنافس العادل يكون بين الأفراد لتكافؤ فرصهم ، فإذا ما دخل رجال الحكم تلك المنافسة اختل التوازن وكانت النتائج عكسية .
هي إذن نظرية علمية ثابتة في مجال النشاط الاقتصادي ، فكلما ألغت الدولة بقوانينها ونشاطاتها الآليات التي يعمل بها السوق ، كلما وقع الاقتصاد في الركود ومن ثم الإفلاس ، وقد أقر هذه الحقيقة فيما بعد رواد المدرسة الطبيعية ، لاعتقادهم بوجود قوانين طبيعية صارمة ، من أخذ بمقتضاها حقق التطور الاقتصادي ، ومن خالفها لم يحقق إلاّ مزيدا من التخلف .
بناءً على ما سبق ، يتبين لنا أنه ينبغي على الدولة أن تضمن وجودها واستمرارها ، بوجود واستمرار النشاط الاقتصادي الحر ، ولا يمكن أن تلتزم الدولة الحياد تجاه النشاط الاقتصادي ، فيكون انحراف الأفراد عن المجال التنموي الصحيح بدعوى الحرية في اختيار النشاط الاقتصادي الذي يناسبهم ويحقق أهدافهم ، عملا بالقاعدة الليبرالية " دعه يعمل دعه يمر " ، كما يمكنها ممارسة النشاط الاقتصادي الذي لا يلحق ضررا بالخواص ، وإنما يؤدي إلى التكامل معهم .
إلا أن ما تعانيه الدول الإسلامية بصفة عامة ، والجزائر بصفة خاصة في مجال استخدام الموارد الاقتصادية ، هو فقدان الرشادة التي تضمن حسن تخصيص تلك الموارد إما ـــــــــــــــــــــــــــــــ(1/64)
1 ـ ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص202
بسبب تبني النظام الاشتراكي بعد الاستقلال وحتى بداية التسعينيات من القرن العشرين ، وإما بسبب اعتبار الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق ، يعني استخدام الموارد الاقتصادية في أي مجال يحقق العائد السريع ، حتى وإن كان لتلك الأعمال أثر سلبي على الاقتصاد الوطني ، خاصة في مجال تحرير التجارة الخارجية .
هذا أدى بأصحاب المال والأعمال إلى الانصراف نحو المشاريع الوهمية ، أو ذات العائد السريع التي لا إسهام لها في تحقيق التنمية الاقتصادية ، بل أدى الأمر أحيانا حتى إلى اعتماد المشاريع غير المشروعة لتحقيق الثروة ، والانتقال بعد ذلك إلى عملية غسيل الأموال كخطوة لاحقة لإعطاء الشرعية لتلك الأموال ، فيكون ثراء هذه الفئة من المجتمع قانوينا في ظاهره فقط ، إلا أن العملية لا تتوقف عند هذا الحد ، وإنما بعد إضفاء الشرعية على تلك الأموال ، يتم ترحيلها نحو البنوك الأجنبية ، ليس في إطار حركة رؤوس الأموال التي تخضع لمعطيات اقتصادية ومالية معينة ، وإنما في إطار تهريبها كما تهرب السلع ، فهل تبقى الدولة حيادية وقتئذ ؟ وهل ينافي تدخلها مبادئ النظام الاقتصادي الحر ؟
انطلاقا من المعطيات السابقة يتأكد لنا أن الاجتماع البشري لا يخلو من مخاطر متعددة ومن اعتداءات متكررة ، فالبشر رغم حاجتهم للاجتماع إلا أنهم ينحرفون عن ضوابطه ، لأن من أخلاقهم ـ كما يذكر ابن خلدون ـ " الظلم والاعتداء ، فمن امتدت عينه إلى متاع غيره وتطلع إلى حاجاته ، فقد امتدت يده إلى أخذه والاستيلاء عليه إلا أن يصده وازع " (1) .
والوازع نوعان : وازع ذاتي ينبعث من داخل الإنسان ليضبط تصرفاته ، وهو نوع عزيز الوجود في المجال الاقتصادي ، نظرا لكون الإنسان أشد حبا للمال لقوله تعالى : ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ملحم قربان ، خلدونيات ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان 1984 ، ص212
{(1/65)
وتحبون المال حبا جما } (1) . جاء في تفسير القرطبي : أي تحبون المال كثيرا حلاله وحرامه وعليه فإن الاعتداء نابع من هذا الحب الشديد للمال ، وهو ما يجعل الإنسان لا يفرق بين مصادر الأموال ، خاصة وأن عملية الغسيل تسمح له بتدارك الوضع .
والوازع الخارجي تمثله الدولة بمختلف أجهزتها ووسائلها المتاحة ، وهو ضروري لضمان التنمية الاقتصادية ، إذ يمثل تدخل الدولة لرد التجاوزات في مجال النشاط الاقتصادي ، وهذا ما يحقق حافزا قويا لقيام الأفراد بأعمالهم الاقتصادية .
إن الدارس لفقه المعاملات في الإسلام يتأكد لديه أنه اهتم بمشكلة التنمية الاقتصادية(2) وتقديم الحلول اللازمة لمشكلة التخلف الاقتصادي ، انطلاقا من كون المشكلة الاقتصادية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المشكلة الكلية المتمثلة في تنمية الإنسان وبيئته المتعددة الجوانب ، أي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ...... خلافا للنظريات الوضعية التي تتكلم عن الرجل الاقتصادي الرشيد الذي لا يهمه إلا تعظيم منافعه فقط ، حتى وإن أدى ذلك إلى اختلال بيئي كبير ، أو إلى الإضرار بالآخرين ، وذلك باستخدام أساليب منافسة غير قانونية ، أو القيام باحتكارات تضر بصغار المستثمرين ، أو استخدام معلومات عن السوق لصالحه ، حتى وإن أدى ذلك إلى تراجع أعمال وأرباح الآخرين .
إن هذه الأعمال في الإسلام تعتبر منافية للأعمال الاقتصادية المشروعة ، وأية مخالفة في هذا المجال تجعل الدخل الناتج عنها من قبيل السحت ، ويدخل في إطار الكسب غير المشروع ، والذي يُخرج صاحبه من دائرة الأعمال الاقتصادية إلى مجال السرقة والاعتداء
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الفجر : الآية 20 .
2 ـ عفر محمد عبد المنعم ، التنمية والتخطيط وتقويم المشروعات في الاقتصاد الإسلامي ، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ، المنصورة ، الطبعة الأولى 1992 ، ص5 .(1/66)
ـ صقر محمد أحمد ، دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي ، بحث مقدم للندوة المنعقدة في جنيف حول الإسلام والنظام الاقتصادي الدولي الجديد ، تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي من 7 إلى 10 جانفي 1980 ، طبع ونشر المطابع الموحدة ، تونس 1982 ، ص114 .
وعند تصفح الأحاديث التي تشير إلى مثل تلك المخالفات في المعاملات الاقتصادية ، نجدها تشدد في النهي عن ممارستها دفعا للضرر الذي قد يلحق بالآخرين فقد جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ : (( كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ ))(1) . يشير هذا الحديث إلى ظاهرة كانت تحدث بين الصحابة - رضي الله عنهم - في الأسواق ، أين كانوا ينتظرون أصحاب السلع الوافدين من مكان آخر بعيدا عن السوق ليشتروا منهم السلع ، ويبيعونها بعد ذلك في السوق لحسابهم ، ينتج عن ذلك جملة من الأمور نوجزها فيما يلي :
1/ عدم علم الوافدين بأحوال السوق ، والأسعار السائدة فيه ، وبالتالي قد يبيعون سلعهم بأسعار ضعيفة ، ليبيعها المتلقي بأعلى الأسعار ، وقد اندرج هذا الأمر لدى المدرسة التقليدية فيما بعد في إطار مقتضيات المنافسة التامة ، والتي من بين عناصرها توفر المعلومات التامة عن السوق وحركتها ، وكذا حرية دخول الأسواق والخروج منها.
2/ استفادة المتلقي من ربح إضافي لم يتعب في تكوينه ، وبالتالي يحقق الثراء في وقت قصير وجهد أقل .
3/ عدم استفادة المتلقى من تحسن الأسعار في السوق ، ليستفيد من ربح يمكنه من توسيع نشاطه ، خاصة وإن كان هو المنتج لتلك السلع ، فيكون أحق من غيره بالأرباح الإضافية التي تسمح له بجلب السلع أكثر في زمن لاحق .(1/67)
من جهة أخرى نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم عن الاحتكار ، فقد جاء عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ ))(2) . ويتعلق الأمر بمن يجلب السلع إلى الأسواق ، فيكون له دخل من عمله يسترزق منه ويبَارك له فيه ، فهو يجلب الوفرة ويمنع الندرة التي ترفع الأسعار وتضر بالمستهلكين نظرا لتراجع قدرتهم الشرائية . أما الثاني فهو الذي يمنع السلع عن الأسواق باحتكارها ، فيؤدي ذلك حتما إلى ارتفاع الأسعار ، وهذا ما يلحق الضرر بالنشاط الاقتصادي .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه البخاري ، كتاب البيوع ، رقم 2021 .
2 ـ رواه ابن ماجه ، كتاب التجارات ، رقم 2144 .
المطلب الثاني : توفير وسائل الكسب
تمثل الطاقات البشرية في أي مجتمع مفتاح التنمية الاقتصادية ، إذ يعتبر العمل البشري العنصر الأساسي للإنتاج والتوزيع والاستهلاك ، وقد اعتمد أكثر علماء الاقتصاد على العمل كأساس للقيمة(1) ، ومن جانب آخر لا تتوفر الأرض على سلع استهلاكية جاهزة للاستهلاك ، وإنما توجد بها موارد طبيعية في شكلها الخام لا تصلح للاستهلاك كما هي ، لذا وجب تدخل الإنسان بقوة عمله لتحويل تلك الموارد إلى سلع وخدمات قادرة على إشباع الحاجات وتلبية الرغبات .(1/68)
كما يُعتبر الاستهلاك أساسا لوجود الإنتاج ، فقد أصبح المنتجون يعتمدون على دراسة سلوك المستهلك قبل البدء في عملية الإنتاج ، كما تمثل الموارد البشرية من جانب آخر أعظم ثروة يمكن للمجتمع الاعتماد عليها في تحقيق الانطلاقة الاقتصادية ، وقد استطاعت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تقديم نموذج تنموي دون رصيد من رأس المال(2) فحققت بذلك نهضتها الاقتصادية ، على هذا الأساس يمكن التأكيد على أن الإسلام له السبق في هذا المجال من خلال اهتمامه بالعنصر البشري ، وأول ما يركز عليه هو وجوب قيام كل فرد في المجتمع بعمل يسمح له بتحقيق دخل ، وسوف نعالج الموضوع من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الحث على العمل في الإسلام : عَنْ الْمِقْدَامِ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عليه السلام - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ))(3) . إنه حديث يدعو المسلم القادر إلى بذل قوة عمله طلبا لرزقه وعليه لا مجال في الخيرية لمن يأكل من جهد وعمل غيره ، وقد أشار الراغب الأصفهاني ــــــــــــــــــــــ
1 ـ راشد البراوي ، الموسوعة الاقتصادية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، الطبعة الثانية 1987 ، ص404 .
2 ـ مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصادي ، دار الفكر ، دمشق ، سورية 1985 ، ص56 .
3 ـ أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، رقم 1930 .
إلى ذلك في قوله : " وإذا لم يكن له إلى إزالة ضرورياته سبيل إلاّ بأخذ تعب من الناس فلابد أن يعوضهم تعبا من عمله ، وإلا كان ظالما ، فمن توسع في تناول عمل غيره في مأكله وملبسه ومسكنه وغير ذلك ، فلابد أن يعمل لهم عملا بقدر ما تناوله منهم ، وإلا كان ظالما لهم ، سواء قصدوا إفادته أو لم يقصدوها "(1) .(1/69)
يتبين للدارس من خلال تحليل الر اغب الأصفهاني لدور العمل في تحقيق متطلبات الحياة ، بما يشبع حاجات الإنسان ويلبي رغبته ، أن مبدأ الغُنم بالغُرم محقق دوما ، فلا يستقيم الأمر إلا إذا اجتهد الفرد في تقديم عمل يستفيد منه الآخرون بقدر استفادته هو من أعمالهم ، أي عليه أن ينتج في مقابل استهلاكه .
ويخلص الراغب إلى كون الطالب " المستهلك " الذي لا عرض " إنتاج " له يحقق ضررا للمجتمع ، وذلك في قوله : " ...ولهذا ذُمّ من يدعي التصوف فيتعطل عن المكاسب ولم يكن له علم صالح في الدين يقتدى به ..... فإنه يأخذ منافع الناس ، ويضيق عليهم معاشهم ، ولا يرد إليهم نفعا ، فلا طائل في مثلهم إلا بأن يكدروا المشارب ويغلوا الأسعار "(2) .
إنها العلاقة بين العرض والطلب ، فإذا كان المنتجون قلة ، والمستهلكون كثرة فإن ذلك يؤدي حتما إلى زيادة الطلب عن العرض ، فترتفع الأسعار ، فليحق بالعاملين ضررين : الأول يكمن في عدم استفادتهم من أعمال أخرى يؤديها غيرهم وبالتالي تأخر مستوى الإشباع والرفاهية لديهم ، والثاني يتعلق بتدني مستوى ثرواتهم بسبب انخفاض قيمة العملة الراجع إلى ارتفاع الأسعار ، وبذلك عدم قدرتهم على تلبية جميع احتياجاتهم .
إن المجتمع الذي يعتمد أفراده على الثراء الفاحش والربح السريع ، دون أن يقدموا أدنى جهد يسمح بخلق السلع والخدمات ، يعتبر مجتمعا استهلاكيا أكثر منه إنتاجيا ، ـــــــــــــــــــــ
1 ـ دنيا شوقي أحمد ، سلسلة أعلام الاقتصاد الإسلامي ، سلسلة الدراسات والبحوث الاقتصادية مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي 1998 ، ص 34 .
2 ـ نفس المرجع ، ص 35(1/70)
ويؤدي ذلك إلى زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي فترتفع الأسعار ، وقد كانت هذه حالة المجتمع الجزائري ابتداء من سنوات التسعينات من القرن العشرين ، إذ لم يسمح ذلك الوضع بتحقيق التنمية الاقتصادية باعتبار أن أغلب الثروة يتم تداولها من طرف فئة محدودة جدا ، وأن هذه الثروة تم تكوينها دون عمل يذكر ، يسمح بتوفير المقابل لها في السوق من سلع وخدمات ، فحدث أن اختلت السوق الجزائرية بسبب اختلال التوازن بين العرض والطلب .
ثم إن العمل البشري يُعد أساسا لخلق القيم ، نظرا لعدم وجود نشاط إنتاجي يخلو من عنصر العمل المباشر ، وعليه يُعتبر كل إنسان مسؤولا عن مساهمته في تحقيق الناتج الوطني ، وسوف ندقق في الأمر من جانبين :
الجانب الأول : حصول الثروة للشخص دون مساهمته في العملية الإنتاجية ، في هذه الحالة سوف يزداد الطلب على العرض ، كما يؤدي ذلك إلى إضعاف معدل النمو الاقتصادي ، أي كلما كانت فئة من المجتمع خارج دائرة الإنتاج ، كلما أدى ذلك إلى خسارة في الدخل الوطني ، تماما كما نتكلم عن الخسارة التي تحدث جراء الإضرابات التي يقوم بها العمال لسبب أو لآخر .
الجانب الثاني : يتعلق بالعمال الذين يشغلون مناصب عمل ، لكنهم لا يعملون عدد الساعات الحقيقي ، كل ذلك يؤدي إلى تراجع كمية الإنتاج ، أي أن مستوى الناتج المحقق عندئذ لا يتلاءم مع حجم العمالة المستخدم ، فنكون بصدد قانون تناقص الغلة ، الذي ينطبق على استمرار توظيف العمال مع بقاء رأس المال الثابت على حاله ، وكل المؤسسات الاقتصادية التي تهدف إلى تعظيم الربح توظف عددا من العمال بما يتلاءم وقدرتها الإنتاجية ، وأي إضاعة للوقت يؤدي إلى ضعف في قدرة المؤسسات على تحقيق المستوى المطلوب من الإنتاج ، فيتراجع بذلك عائدها وكذلك يتراجع الناتج الوطني .(1/71)
ومن جانب فإنه كما يتقاضى هؤلاء العمال أجورهم كاملة ، كان عليهم أن يؤدوا أعمالهم كاملة ، وإلا أدى ذلك إلى زيادة جانب الطلب عن جانب العرض ، فترتفع الأسعار ، فيؤدي ذلك إلى ضعف في الادخار ، فلا يمكن للأفراد تمويل النشاط الاقتصادي بفوائضهم المالية التي كانت لديهم من قبل .
ومن ناحية أخرى فإن الفاقد للعمل ـ سواء باختياره أو إجبارا له ـ يفقد بصفة مباشرة مبرر وجوده ، وقد قال الراغب : " من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية ، وصار من جنس الموتى ...وأن من تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة "(1) .
إن هذا الحكم يؤكد لنا أن العمل لدى علماء الإسلام يمثل السبيل الأوحد لتحقيق إنسانية الإنسان ، وكل عاطل عن العمل يفقد دوره في تقديم المنافع للآخرين ، وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يرى الرجل فيعجبه ، فإذا قيل : لا عمل له ، سقط من عينه ، وفي هذا دليل على أن العاطلين عن العمل في عداد الأموات لدى المسلمين .
الفرع الثاني : دور الدولة في توفير مناصب العمل : بناء على ما ورد في الفرع السابق ، تقع على الدولة مسؤولية عدم حدوث البطالة الإجبارية ، فكما ليس للدولة الإسلامية الحق في مصادرة حريات أفرادها ، ليس لها الحق في الوقوف موقف الحياد كما كانت المدرسة التقليدية تعتقده وتنادي به(2) ، وعليه يكون للدولة الإسلامية الحق في الامتناع عن تقديم المساعدات المالية لمن يتمكن من العمل ويكسل عنه(3) ، ليس منعا للمال عن الرعية ، وإنما بهدف عدم بقاء الطاقات البشرية معطلة .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ دنيا شوقي أحمد ، مرجع سابق ، ص37 .
2 ـ البراوي راشد ـ المذاهب الإقتصادية الكبرى ـ مكتبة النهضة المصرية ـ الطبعة الثالثة 1962 ، ص71 .(1/72)
3 ـ الإمام الشيرازي ، الاقتصاد الإسلامي في سطور ، مركز الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - للتحقيق والنشر ، بيروت لبنان ، 1998 ، طبعة الكترونية ، المكتبة الالكترونية المجانية ، WWW.Fiseb.com ، ص3 . تاريخ الاطلاع على الموقع أكتوبر 2005 .
فقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا مِنْ الْأنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُهُ فَقَالَ : أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : بَلَى . حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ : ائْتِنِي بِهِمَا . قَالَ : فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ وَقَالَ : مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ . قَالَ : مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ . فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ : اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ : لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِثَلاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ ))(1) .(1/73)
يؤكد هذا الحديث على أن تقديم المال للقادر على العمل يؤدي إلى استنزاف الطاقات البشرية في المجتمع ، ولا يمكن أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مانعا للمال عن المحتاجين إليه ، لكن أن يعين القاعد عن العمل وهو قادر عليه ، فهذا لا يمكن ، ومنه قرّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المسألة ـ أي طلب المال من الآخرين ـ لا تصح إلا لذي حاجة ملحة ، وبمفهوم المخالفة فإن العمل في حق القادر أوجب وأوكد .
ومن ناحية أخرى ، فإن هذا الحديث يؤكد على دفع الإنسان القادر إلى مجال العمل لتحقيق عدة أهداف اقتصادية من بينها :
? توفير دخل فردي يسمح للفرد ممارسة الإنفاق الإستهلاكي ، ويتحقق هذا الدخل بالمشاركة في العملية الإنتاجية ، وهو استجابة للمبدأ الأساسي في الإسلام : " الغُنم بالغُرم " .
? إدماج مختلف الطاقات البشرية في النشاط الاقتصادي بما يضمن التوجه التدريجي نحو التشغيل الكامل .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سنن أبي داود ، كتاب الزكاة ، رقم 1398
? محاولة توجيه العمالة نحو مجالات مختلفة بما يتلاءم وكفاءة الإنسان ، وتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الصحابي إلى الاحتطاب لا يعني دفعه إلى عمل غير مقبول من قبل الناس ، وإنما لأن كفاءته تتلاءم وذلك العمل ، وعليه تعمل الدولة من خلال بطاقات فنية تتضمن بيانات عن الباحث عن منصب عمل وقدراته المهنية لتتم مساعدته في الحصول على العمل الذي يناسبه ، وهذا ما تعمل به مكاتب العمل لكنه يحتاج إلى تفعيل أكثر وفق سياسة اقتصادية واضحة من قبل الدولة .(1/74)
وحتى في مجال الفكر الاقتصادي نلاحظ أن كينز لما أراد أن يعالج مشكلة قصور الطلب الفعال بسبب الأزمة الاقتصادية الكبرى ( 1929 ـ 1933 ) طالب بأن يشغل العمال حتى وإن كان ذلك في مشاريع وهمية ، ويعطى لهم الأجر الذي يمكنهم من تجاوز أزمة الكساد ، فيتبين لنا أن تقديم المال للقادر على العمل دون مقابل يعتبر تشجيعا على البطالة التي أصبحت المشكل الاقتصادي الأول في كل المجتمعات .
على هذا ينبغي للدولة أن توفر للعاطلين فرص عمل ، وفي حالة قصور إمكانياتها تشجع أصحاب المال والأعمال على إقامة المشاريع الاستثمارية التي تشغل عددا كبيرا من العمال ، سواء بتقديم تحفيزات جبائية أو إعانات مالية ، وكل مشروع خاص يتميز بجملة من الخصائص تسمح بخلق مناصب عمل يجب أن يحظى بالدعم من قبل الدولة ، وأن تكون السياسات الاقتصادية تصب في هذا الاتجاه .
المطلب الثالث : الجباية ودورها التحفيزي
نظرا لكون النشاط الاقتصادي تترتب عنه التزامات من الأفراد تجاه الدولة ، من بينها الضرائب التي تمثل إيرادات للميزانية العامة ، يؤدي ذلك إلى إخراج كتلة نقدية من دائرة التداول ( تسربا ) قد تحدث انكماشا في النشاط الاقتصادي ، وهذا بسبب تراجع الاستثمارات لكثرة الضرائب ، سوف نحاول معالجة الموضوع بالشكل الذي يحفز النشاط الاقتصادي .
على هذا الأساس سوف نتطرق لموضوع الجباية ، مستأنسين بالفكر الاقتصادي عند ابن خلدون باعتباره قدّم في هذا المجال أفكارا عن الجباية ترقى بدقتها إلى درجة النظريات الاقتصادية .
نظرا لكون الجباية هي اقتطاع مالي يدفعه المكلف ، فإنها تؤدي إلى إضعاف المركز المالي لدافع الضريبة وباقي الأنواع الأخرى من أنواع الجباية ، الأمر الذي يؤدي إلى آثار اقتصادية تختلف حدتها حسب الضغط الجبائي .(1/75)
إلا أنه قد تكون الدولة في أول عهدها متسامحة في مجال الجباية ، وعليه يمكن أن يؤدي ذلك إلى توسع في النشاط الاقتصادي ، ويرجع ذلك في عصرنا إلى كون المرشحين للمركز المدير للسياسة المالية في الدولة يستميل رجال المال والأعمال بتخفيض الضرائب عليهم ، ولكن بعد ذلك قد يضطر أولئك إلى زيادة الضرائب بهدف تغطية الإنفاق المتزايد ويؤكد ذلك ما يحدث في الدول الرأسمالية الكبرى ، ونجد ذلك في فكر ابن خلدون إذ يقول في هذا المجال : (( اعلم أن الجباية أول الدولة تكون قليلة الوزائع كثيرة الجملة ، وآخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة ، والسبب في ذلك أن الدولة إن كانت على سنن الدين فليست تقتضي إلا المغارم الشرعية من الصدقات والخراج والجزية ، وهي قليلة الوزائع لأن مقدار الزكاة من المال قليل كما علمت ..... ))(1) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص199
نلاحظ أن ابن خلدون يدقق في مسألة الجباية في أول الدولة وآخرها ، أي في البداية تكون الدولة ( وفي عصرنا يمكن أن نتكلم عند بداية حكم لحزب من الأحزاب السياسية ذات التوجهات المختلفة في مجال السياسة والاقتصاد ، فتكون احتياجتهم المالية في بداية حكم قليلة ، ثم ما تلبث أن تزداد باستمرار ) ، فتكون الجباية في البداية خفيفة على الأفراد ، وعند ابن خلدون يتحقق ذلك عندما تكون الدولة في أول عهدها ملتزمة بتعاليم الإسلام ، فلا تأخذ من الرعية إلا المغارم الشرعية التي تحقق وفرة في الإيرادات بسبب توسع أوعيتها وتعددها ، فكلما كان مقدار الضريبة صغيرا كلما استطاع المكلف دفعها ولم يفكر إطلاقا في التهرب الضريبي الذي يؤدي إلى تقلص الجباية .(1/76)
وبعد أن تستقر للدولة الأمور وتزداد نفقاتها بسبب زيادة أعمالها ونشاطاتها ، تتوسع في فرض الضرائب وتنوع من أوعيتها ، وهذا بهدف الحصول على الميزانية المتعادلة أي : BS = 0 ( أي رصيد الميزانية ) أو فائض في الميزانية ، أي : BS ( 0 ، وقد تحقق الدولة أحد الهدفين لكن لفترة قصيرة ، إذ يؤدي ذلك إلى التهرب الضريبي الذي تعاني منه الدول ذات النظام الضريبي المعقد أو المتميز بالضغط الجبائي الكبير ، ويؤدي إلى خروج الكثير من المستثمرين من دائرة النشاط الاقتصادي بسبب كثرة التكاليف ومن ضمنها الضرائب التي تُعتبر تكلفة حقيقية ترفع من التكاليف الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة ، فترتفع أسعارها بما يفقدها الميزة التنافسية .
لقد ورد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يؤكد على أن الجباية بالنسبة للدولة هي مسألة ضرورة وليست بهدف ملء خزائن الدولة بالأموال ، فقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله : »إنّمَا بُعِثْتُ هَادِيًا وَلَمْ أُبْعَث جَابِيًا « (1) ، ولا يعني ذلك أن الدولة في الإسلام لا تعتمد على الجباية لتغذية الميزانية العامة ، وإنما تُستخدم الجباية بهدف دفع ضرر أو جلب مصلحة أي استخدام تلك الأموال في إنشاء استثمارات جديدة أو إصلاح ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ متفق عليه .
وتعويض ما اهتلك بمرور الزمن ، وبالتالي فإنه في هذه الحالة تكون فيها لخزينة الدولة إيرادات أخرى ، ينبغي أن تتجنب تحصيل الضرائب التي قد تؤدي إلى نتائج اقتصادية سلبية ، أي تعتمد على الإعفاءات الضريبية والتخفيضات الجبائية ، بما يحفز الأفراد أكثر على التوسع في أنشطتهم الاقتصادية .(1/77)
وقد تكون الجزائر أفضل مثالا على ذلك ، ففي ظل ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأولى للقرن الحادي والعشرين ، ومع اعتماد سعر مرجعي للنفط في حدود 19 دولارا للبرميل ، فإن ذلك يؤدي إلى عجز في ميزانية الدولة ، فإذا كان السعر السوقي لبرميل النفط يفوق 60 دولارا في أغلب الأحيان ، فما سبب الاستمرار في فرض الضرائب على النشاط الاقتصادي ، والذي يعاني أصلا من منافسة غير متكافئة من قبل الاقتصاديات المتطورة ، مما يؤدي إلى خروج المستثمرين الجزائريين من دائرة الإنتاج ، ولو اعتمدنا في مثل هذه الظروف على تقديم تسهيلات ضريبية للمنتجين الجزائريين لأدى ذلك إلى استمرار المؤسسات الجزائرية في النشاط الإنتاجي .
لا يعني ما سبق أن الضرائب لا مجال لها في الاقتصاد الإسلامي ، فرغم أن الدولة الإسلامية نادرا ما تلجأ إليها لتمويل نفقاتها ، إلا أن الضرائب تبقى تشكل موردا هاما للخزينة في حالات الضرورة ، على شرط أن تكون حصيلتها بقدر الحاجة وعبئها موزع بعدالة ، وإنفاقها يكون في مجالات تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ، إذ لا يمكن الاستغناء عن الضرائب في أي نظام من النظم الاقتصادية ، لأنها تساهم في تمويل نشاطات الدولة الاقتصادية والاجتماعية على وجه العموم إلى جانب باقي الموارد المالية الأخرى .
ويبقى النظام الضريبي من اختصاص الدولة ، إذ لا ينازع مفكرو المالية العامة الوضعية والإسلامية على حد سواء في السلطة القانونية والمطلقة للدولة ، وحقها في فرض
الضرائب على رعاياها ، ولكن التنازع في التكييف القانوني لهذه السلطة ، وفي الأساس الذي ترتكز عليه في فرض الضرائب وتطبيق الزكاة . فمن المفكرين الماليين من
بناها على أساس ما تقدمه الدولة من منفعة للأفراد ، وفيما يعرف بالنظرية التعاقدية ، ومنهم من بناها على أساس سيادة الدولة المطلقة ، أو على أساس ما يعرف بنظرية التضامن الاجتماعي (1) .(1/78)
ومهما يكن أساس فرض الضريبة ، فإن ذلك يعد من حق الدولة التي تتحمل أكبر النفقات على الإطلاق ، نظرا لكونها تقوم بالأعمال الكبرى كإنجاز وتسيير الهياكل القاعدية التي تتميز بضخامة رأس المال المستثمر فيها ، وتزداد تلك النفقات كلما ازداد الاقتصاد تطورا ، ويستحيل أن تتراجع النفقات العامة للدولة مع الزمن ، وفي الحالة التي يستحيل فيها توفير الإيرادات ، يتم اللجوء إلى تجاوز بعض مجالات الإنفاق العام ، خاصة إن كانت ميزانية الدولة تعاني من عجز مستمر .
لذا نجد بعض المسؤولين في الدولة يلجؤون للضغط على تلك النفقات بوسائل معينة ، ويرضون بتراجع الخدمات العامة من أجل تحقيق أحد الأهداف الاقتصادية أو السياسية ، ويبقى لها الحق في تقدير الضرائب الواجب دفعها من قبل المواطنين ، كما من حقها تحديد الإعفاءات الضريبية . وهذا دائما مع مراعاة المقدرة المالية الفعلية لأفراد المجتمع ، و إلا تسبب نظامها الضريبي في نتائج عكسية يتحمل المجتمع بصفة عامة تبعاته وآثاره السلبية .
وفي المجال الضريبي ليس للفرد من خيار في دفع الضريبة من عدمه ، بل هو مجبر على دفعها للدولة بغض النظر عن استعداده أو رغبته في الدفع ، فالضريبة هي اقتطاع مالي إجباري بدون مقابل يُدفع جبرا لهيئة عامة ، فإذا ما أراد التهرب أو الامتناع عن دفع الضريبة وقع تحت طائلة العقاب ، وحصلت الدولة على حقها بالحجز على أموال المكلف واستخدمت طرق التنفيذ الجبرية ، لما لدين الضريبة من امتياز على كافة أموال الممول(2).
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ غازي عناية ، الزكاة والضريبة ، دراسة مقارنة ، منشورات دار الكتاب ، الجزائر 1991، ص49
2 ـ حامد عبد المجيد دراز ، مبادئ الاقتصاد العام ، مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، مصر 1984 ، ص 71(1/79)
لكن ابن خلدون لا يركز على الجانب الذي تفرض على أساسه الضريبة ، فهو أمر تنظيمي لا غير ، وكل نظام ضريبي يختلف عن الآخر ولو في الجزئيات ، وعليه نجده يهتم بالدراسة والتحليل في المجال الذي يخص الأسباب التي جعلت المسؤولين في عهده يفرضون أنواعا معينة من الضرائب ويكثرون من الأوعية الضريبية ، ويبالغون أحيانا في قيمها ، ليستطيع بعد ذلك تحديد الأثر الضريبي على النشاط الاقتصادي ، وقد ذكر ذلك وفصّل فيه ، ونقتبس من كلامه ما يلي :
(( ... والبداوة تقتضي المسامحة والمكارمة وخفض الجناح والتجافي عن أموال الناس ، والغفلة عن تحصيل ذلك إلا في النادر ، فيقل بذلك مقدار الوظيفة الواحدة والوزيعة التي تجمع الأموال من مجموعها ، وإذا قلّت الوزائع والوظائف على الرعايا نشطوا للعمل ورغبوا فيه ، فيكثر الاغتباط بقلة المغرم ، وإذا كثر الاعتمار كثرت أعداد تلك الوظائف والوزائع ، فكثرت الجباية التي هي جملتها ))(1) .
أي أن الدولة في أول عهدها ، وفي أطوارها الابتدائية لا تحتاج إلى نفقات كبيرة ، أو قد يتعلق الأمر بالهيئات السياسة التي تتداول على الحكم وتتمسك به عن طريق تخفيف الضغط الجبائي على مختلف شرائح المجتمع ، أو طبقة معينة منهم ، فيكون حجم الضرائب المفروض على الرعية قليل ، وفي هذه الحالة يستفيد أصحاب الأعمال من جميع أموالهم تقريبا ، فيكون تمويلهم الذاتي كبيرا ، ومن جهة أخرى تتراجع تكاليف الإنتاج لديهم فيستطيعون تصريف منتجاتهم لكون أسعارهم تكون تنافسية ، ومن ناحية أخرى تسمح تلك التخفيضات في الضرائب من دخول أفراد آخرين مجال الاستثمارات فإذا ما ازدادت نفقات الدولة كان بإمكانها تحصيل ما يلزمها من أموال إضافية من أولئك المستثمرين الجدد وهذا دون إلحاق الضرر بالأوعية الضريبية ، لأن النشاط الاقتصادي يكون دوما في ازدهار ، ومقدار الضريبة لا يؤثر على دافعيها .(1/80)
وفي عهده كانت حاجة رجال الدولة للمال تزداد بسبب ما انغمسوا فيه من النعيم ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص 199
والترف ، أي أن نفقاتهم كانت تزداد بسبب توسع مصالحهم الخاصة ، ممّا جعلهم يرفعون مقدار الضرائب المعروفة ، ويضعون أنواعا أخرى جديدة ، ويفرضون المكوس على الأسواق ، وذلك بهدف تغطية احتياجاتهم المتزايدة باستمرار ، لا بهدف تغطية الإنفاق العام في مجالات النشاط الاقتصادي المختلفة ، وبتكرار العملية يصير ذلك الأمر عادة مفروضة ، أي يصبح حق مكتسب للدولة لا يمكنها التنازل عنه ، والتراجع عن نوع ضريبي معين قد يؤدي إلى خلل في ميزانية الدولة يصعب تجاوزه ويزداد ثقل الضرائب على الأعوان الاقتصاديين ، فتذهب رغبتهم في الاستثمار لذهاب الأمل من نفوسهم في تحقيق الأرباح ، فالمستثمر إذا قابل بين أرباحه وما يدفعه من ضرائب ، وجد نفسه يعمل دون مقابل إن لم يكن يسدد من رأس ماله وهذا ما يقعده عن العمل .
إن خروج المستثمرين من دائرة النشاط الاقتصادي بسبب ارتفاع الضرائب يؤدي إلى تقلص الوعاء الضريبي ، فتتراجع الجباية بعد ذلك ، أي تصل الدولة إلى نتيجة عكسية لما كان متوقعا ، وربما أدى الأمر إلى الضغط على باقي المستثمرين بزيادة نسب الضرائب عليهم ، وفي كل مرة يتراجع مستوى النشاط الاقتصادي بسبب الضغط الجبائي .
وتستمر العملية حتى تفقد الدولة كل مورد للأموال . ويخلص ابن خلدون في الأخير إلى القول : (( وإذا فهمت ذلك ، علمت أن أقوى الأسباب في الاعتمار تقليل مقدار الوظائف على المعتمرين ما أمكن ، فبذلك تنبسط النفوس إليه لثقتها بإدراك المنفعة فيه ))(1) .
إنها عبارات تفيد بوضوح أهمية تخفيف العبء الضريبي على المستثمرين ـ وقد سماهم ابن خلدون " المعتمرين " ـ يؤدي إلى وفرة في الاستثمارات وانتعاش اقتصادي ، وهذا من باب المحفزات التي يرعاها الإسلام .
ــــــــــــــــــــــ(1/81)
1 ـ ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص 199
وفي آخر عبارة من كلام ابن خلدون السابق نجد قوله : " بإدراك المنفعة فيه " وبمقارنة بسيطة بين ما يسمى بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع ، ومقارنة العائد المتوقع من استثمار ما مع سعر الفائدة السائد في السوق ، فإن قرار الاستثمار يُتخذ في حالة زيادة العائد الاستثماري عن سعر الفائدة ، وفي حالة التمويل الذاتي على سبيل المثال ، أين لا يتحمل المستثمر تكلفة سعر الفائدة ، يمكن أن نقارن بين العائد المتوقع من المشروع الاستثماري وبين الضرائب التي يتحملها لقاء تنفيذه للمشروع ، عندها يتوقف قرار الاستثمار من عدمه على أساس ما تتركه الضريبة من عائد للمستثمر ، وفي حالة استغراق الضريبة لكل العائد الاستثماري يذهب الأمل من نفوس المستثمرين على حد تعبير ابن خلدون ، وتكون النتيجة هي فقدان وعاء ضريبي يؤدي إلى ضغط جبائي على وعاء آخر عائده ما زال يفوق مقدار الضريبة المفروضة ، لتكون النتيجة واحدة بالنسبة لباقي المشاريع الأخرى .
إن الزيادة في الضرائب في عهده والتي أثّرت سلبا النشاط الاقتصادي للأفراد ، لم تكن نابعة من توسع وظائف الدولة تبعا للنمو الاقتصادي ، ولا من احتياجات الرعايا للنفقات العامة ، أو جراء القيام بالمشاريع القاعدية الضرورية للاقتصاد الوطني ، وإنما كانت نتيجة احتياجات أفراد الحكم للأموال بهدف الخدمة الذاتية ، ومن ثم عدم استفادة المجتمع من أموال الجباية ، ويُعدّ ذلك بمثابة الاقتطاع النهائي لكتلة نقدية من دائرة التداول ومن احتياجات الاستثمارات للتمويل .
هذا التغيير في النظام الضريبي يتبع تغير المراحل التي تمر بها الدولة والتي (( تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجددة ، ويكتسب القائمون عليها في كل طور خُلقا من أحوال ذلك الطور ، لا يكون مثله في الطور الآخر ، لأن الخلق تابع بالطبع لمزاج الحال الذي هو فيه )) (1) .
ــــــــــــــــــــــ(1/82)
1 ـ ملحم قربان ، مرجع سابق ، ص 217
ففي الطور الذي لا تحتاج فيه الدولة لكثير من الجباية يستفيد أفراد المجتمع من جميع أموالهم تقريبا ، ممّا يشكل حافزا لهم لاستثمار أموالهم والتوسع في ذلك ، وكل فرد يملك نصيبا من المال زائدا عن حاجاته يدخل ميدان الاستثمارات دون الخوف من الضرائب لأنها قليلة ، وهذا كله في فائدة الاقتصاد ، إذ أن معدل البطالة ينخفض بزيادة فرص العمل ، والإنتاج يزيد لكثرة المشاريع ، فتزداد الأوعية الضريبية ، حتى إذا ما احتاجت الدولة لأموال إضافية وجدت أفرادا قادرين على دفع تلك الأموال دون إلحاق الضرر بهم ، لأن أوعيتهم لا تتأثر بمقدار الضريبة المدفوع ، وكل ذلك من شأنه تحقيق التنمية الاقتصادية بخطوات ثابتة ومستمرة ، أي بتوسع النشاط الاقتصادي وتنوع الاستثمارات .
أما إذا عمدت الدولة في بادئ الأمر إلى فرض ضرائب بطريقة عشوائية ، وزادت في كل مرة في عدد الأوعية الضريبية وفي قيمها ، دون أن يكون ذلك على أساس دقيق ومدروس ، أو لسد نفقات ضرورية يحتاجها الاقتصاد الوطني ، فإن النتيجة الحتمية هي إفلاس المشاريع القائمة ، وعدم القدرة على إقامة مشاريع جديدة ، بل إن الرغبة في ذلك تزول تماما ، ومن ثم ضعف القدرة المالية للمجتمع بأسره بما في ذلك الدولة .
كذلك الشأن بالنسبة لأفراد المجتمع ، فإنهم ينتقلون في حياتهم اليومية من الضروريات والحاجيات إلى الكماليات ، لذا سيحتاجون لأموال إضافية ، فيطالب الموظفون والعمال بزيادة أجورهم(1) ، لتزداد تبعا لذلك الأعباء المالية للدولة ، فتعمد للبحث عن موارد مالية جديدة ، فإما أن تستحدث ضرائب جديدة وإما أن ترفع من قيمة الضرائب القديمة ، وقد تلجأ إلى الحلّين معا .
ثم إن ضرائب الدخل تحد من الطلب الفعال ، فيحدث قصور في قدرة الأسواق الداخلية على استيعاب الإنتاج ، فيكون الكساد الذي يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي .
ـــــــــــــــــــــــ(1/83)
1 ـ ادريس خضير ، التفكير الإجتماعي الخلدوني وعلاقته ببعض النظريات الإجتماعية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر 1983 ، ص 155
إن استمرار هذه السياسة ستؤدي في البداية إلى إلحاق الضرر بأصحاب المداخيل الضعيفة ، لأن عملية الاقتطاع من أجورهم تتم بصفة مباشرة وسريعة ، ثم تتأثر باقي طبقات المجتمع حسب حجم الدخل الذي تتمتع به كل طبقة .
وبعد أن يعجز دافعو الضرائب ، تجد الدولة نفسها أمام عجز مالي قد يضطرها إلى تمويله بواسطة إصدارات نقدية جديدة غير مغطاة ، وهو الحل الذي سيعقد الأمور الاقتصادية والمالية والنقدية أكثر ، وهذا بسبب ارتفاع نسبة التضخم النقدي الذي يشكل عاملا آخرا من عوامل تدني الأداء الاقتصادي للمجتمع فتتراجع الاستثمارات .
ومن الآثار السلبية للزيادة المفرطة في الضرائب ارتفاع الأسعار بسبب زيادة التكاليف ، لأن المنتج أو التاجر الذي يدفع ضرائب إضافية يضطر إلى تحميلها في سعر السلعة ، فترتفع بذلك أسعار السلع والخدمات ، بما يعقد أكثر مشكلة تصريف المنتجات ، فتتأثر المؤسسات الاقتصادية سلبا بهذه العملية .
هي إذن سلسلة من التأثيرات السلبية على النشاط الاقتصادي تبدأ من فرض الضرائب بصفة عشوائية وبمقادير كبيرة ، وتنتهي بامتصاص الأرباح ورؤوس الأموال ، ومن ثم الإفلاس . وهذا كله راجع إلى سوء التقدير ، والاعتقاد بأن نفقات الدولة مهما كان حجمها ذات أولوية في التغطية ، وهي تسبق احتياج المستثمرين لأموالهم ، وهذا دون الأخذ بالاعتبار نوعية النفقات ، فقد تكون على أمور شخصية للطبقة الحاكمة ، كما قد تكون في مجالات غير محفزة للنشاط الاقتصادي للأفراد .(1/84)
و في الجهة المقابلة لهذه الوضعية نجد أن تقليل مقدار الضريبة ، والاكتفاء بعدد محدود من الأوعية الضريبية لتغطية النفقات الضرورية ، من شأنه تشجيع النشاط الاقتصادي عن طريق زيادة المشاريع الاستثمارية ، فيؤدي ذلك بدوره إلى تخفيض المستوى العام للأسعار ، ممّا يقلص حجم البطالة ويزيد في حجم الإنفاق الاستهلاكي فتستفيد الدولة بذلك من أوعية ضريبية جديدة قادرة على الدفع ، تمكنها من تغطية نفقاتها المستحدثة والضرورية من غير إلحاق الضرر بدافعي الضرائب .
ويصل ابن خلدون من خلال تحليله السابق إلى كون الضرائب المدروسة ، والتي لا تزيد عن المقدار الذي يغطي النفقات العادية للدولة ، هي المستحسنة والمدعمة للاقتصاد ، إذ يقول : « وإذا فهمت ذلك علمت أن أقوى الأسباب في الاعتمار تقليل مقدار الوظائف على المعتمرين ما أمكن ، فبذلك تنبسط النفوس إليه لثقتها بإدراك المنفعة فيه « .
المطلب الرابع : دور الإنفاق الحكومي في تحفيز النشاط الاقتصادي
...
بعد أن بيّنا في المطلب السابق إيرادت الدولة التي تجمعها من رعاياها ، وتكلمنا عن الأوعية الضريبية وقيمة كل وعاء ، ومدى تأثير ذلك على النشاط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية ، نحاول الآن معرفة كيف يجب أن تستخدم الدولة تلك الإيرادات عن طريق الإنفاق العام ، وعلاقة ذلك بتحفيز النشاط الاقتصادي ، وهذا نظرا لكون الإنفاق الحكومي يعتبر أحد مكونات الطلب الفعال .
إن الفئات الأكثر فقرا واحتياجا في المجتمع تحتاج إلى التحويلات الحكومية التي ترفع من قيمة الدخل المتاح ، والتي تقابل ما يقتطع من ضرائب نظرا لكون مضاعف التحويلات يساوي مضاعف الضريبة وبإشارة مختلفة ، ويؤدي ذلك إلى تحسين المستوى المعيشي لتلك الفئة ، مما يؤدي إلى زيادة الطلب الفعال الذي يعتبر محفزا أساسيا للمنتجين لزيادة إنتاجهم ، وهذا في حالة عدم تحقق التشغيل الكامل ، فيؤدي ذلك إلى تخفيض معدلات البطالة .(1/85)
إن التحويلات الاجتماعية بإمكانها أن تساهم في التنمية البشرية ، (( إذا يرى خبراء التنمية أن أسوأ مظاهر التخلف الاقتصادي تكمن في مشاهد الفقر والعوز التي تجتاح غالبية سكان العالم الثالث )) (1) .
ــــــــــــــــــــ
1ـ جمال لعمارة ، النظام المالي في الإسلام ، المؤسسة الجزائرية للطباعة 1996 ، ص34
بذلك يمكننا التأكيد على أهمية تمكين المعدمين في المجتمع من ممارسة حقهم الاستهلاكي ، عن طريق منحهم قسطا من المال يمكنهم من القيام بذلك الإنفاق ، وأن الدول التي لا يستفيد فقراؤها من الدخل تكون أكثر عرضة لمزيد من التخلف الاقتصادي ، وتزداد حالتها الاجتماعية أكثر تأزما ، وليس بإمكانها تحقيق التنمية الاقتصادية مهما كانت حسنات النموذج الاقتصادي المتبع . هذا ما يؤكد عليه خبراء السياسة والاقتصاد على حد سواء ، وتعتمد المساعدات الدولية بهدف التخفيف من حدة الفقر في أكثر الدول فقرا وحرمانا ، وينبغي أن تكون تلك التحويلات لصالح العاجزين عن العمل إما لضعف فيهم ، أو لعدم قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب القادرين على العمل ، وما عدا ذلك لا ينبغي تشجيع العاطلين عن العمل اختيارا .(1/86)
ويجدر بنا التنبيه لقضية ذات أهمية بالغة في مجال الأموال ، وهي كون المال ليس غرضا لذاته ، وهو غرض لكل شيء ، أي أنه لا يكتسب لكونه مالا ، وإنما لتحقيق المنافع بواسطته ، وكلما تمّ تجميد جزءاً منه وحبسه عن أداء وظيفته ، كلما جاءت النتائج الاقتصادية والاجتماعية عكس ما يتوقع الجميع ، ولأمر ما جاء وعد الله تعالى في القرآن الكريم بتعويض المنفقين حيث قال : { ومَآ أَنفَقْتُم مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الْرَازِقِين } (1) . وقد يكون هذا التعويض بصفة مباشرة ، وهذا داخل في الرزق بدون أسباب واضحة ، وقد يكون عن طريق أسباب اقتصادية تتجلى في كون الإنفاق يشكل طريقا سهلا لإعادة الإنتاج وتوسيعه ، وهذا بسبب زيادة الطلب الذي يحفز على التوسع في الإنتاج ما دام الاقتصاد الوطني لم يصل إلى حالة التشغيل الكامل ، أي ما دامت في المجتمع طاقات اقتصادية عاطلة يمكن استخدامها لإنتاج السلع والخدمات أي زيادة الإنتاج الوطني ومن ثم الناتج والدخل الوطني .
إن التحويلات الحكومية لا تعني الإنفاق الحكومي ، وإنما هي بمثابة إعادة توزيع الدخل الوطني باقتطاع مبالغ مالية من ذوي الدخل المرتفع وتقديمها لذوي الدخل المحدود ــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة سبأ : آية 39
أو لمن لا يملكون دخلا أصلا ، أما الإنفاق الحكومي فهو يمثل أحد مكونات الطلب الفعال الذي يبنى عليه الدخل الوطني الذي يساوي الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري والإنفاق الحكومي والفرق بين الصادرات والواردات ، وباستخدام التعبير الرياضي نكتب : Y = C + I + G + X - M .(1/87)
من هذا المنطلق يعمد ابن خلدون إلى تحليل أهمية الإنفاق الحكومي ، وكذا خطر تجميد الأموال العمومية ، إذ يقول : (( ... إن الدولة والسلطان هي السوق الأعظم للعالم ، ومنه مادة العمران ، فإذا احتجز السلطان الأموال أو الجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها ، قلّ حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية وانقطع أيضا ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم ، وقلّت نفقاتهم جملة وهو معظم السواد ، ونفقاتهم أكثر مادة للأسواق ممن سواهم ، فيقع الكساد حينئذ في الأسواق )) (1) .
إن ما طرحة ابن خلدون من خلال تحليله يؤكد أهمية الإنفاق الحكومي ، خاصة وأن الدولة لم تعد حيادية ، فهي تملك أكبر ميزانية في المجتمع على الإطلاق ، وعليه تستحوذ على كتلة نقدية معتبرة ، فإذا ما تم احتجاز تلك الأموال ولم يتم استخدامها في مختلف المجالات ، أدى ذلك حسب ابن خلدون تراجع الكتلة النقدية في التداول ، الأمر الذي يُضعف الطلب الفعال فيكون الكساد في المجتمع ، والذي لا يحفز على توسع النشاط الاقتصادي .
إن المفهوم من هذا التحليل هو أن المال يمثل شيئا ذا بال ـ أي له اعتبار كبير في الإسلام ـ على هذا مُنع كنزه كما مُنع استخدامه كما تستخدم السلعة في التجارة ، وأي اعتداء على مال الغير يكسبه حق القتال والشهادة دونه والمعتبر في الإسلام هو المال المتقوم ، أي المعترف به شرعا .
وأي حبس للمال بحيث لا يمكن تعويضه ، يؤدي إلى عدم إمكانية تحقيق ــــــــــــــــــــــ
(1) ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص 204(1/88)
كثير من المشاريع الاستثمارية ، ولا يمكن أيضا تحقق الطلب على الكثير من السلع والخدمات ، إذ ما يملكه فرد من المال يكون قد فقده آخر ، ويمكن تشبيه ذلك بالدورة الدموية في جسم الإنسان ، فالدم الذي يجري في عروق الإنسان كميته لا تتغير في الحالات العادية ، فإذا تم احتجاز كتلة نقدية عن التداول لأي سبب من الأسباب ، فإن ذلك معناه إضاعة فرصة من فرص التنمية ، والنتيجة هي كساد الأسواق كما أقر ابن خلدون .
لقد كتب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى واليه على مصر : " وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا "(1) ، وهذا ما يؤكد أهمية الإنفاق الحكومي في تحفيز النشاط الاقتصادي .
إن الدولة تملك أكبر قدر من المال وبإمكانها إعادته إلى دائرة التداول لتنميه كما بإمكانها حجزه لتمنعه من أداء وظيفته ، إذ لم يعد المال حياديا في الاقتصاد كما كانت تعتقد المدرسة الرأسمالية التقليدية ، فالمال قوام الحياة ، وبه تتم جميع الأعمال ، ولا استثمار بدون مال ، ولا يتم تبادل السلع دون أن يكون هذا الوسيط حاضرا ، ومن ثم كان من الواجب أن تحرص الدولة على الإنفاق تماما كما تحرص على الجباية ، أي تعمل على إعادة أموال الجباية إلى دائرة التداول عن طريق الإنفاق الحكومي والتحويلات الاجتماعية ، ويكون ذلك انطلاقا من حرصها على ضمان تمويل النشاط الاقتصادي .
والنتائج السلبية لتعطيل المال لا تعود على الأفراد وحسب ، وإنما تمس الدولة ذاتها على المدى البعيد ، لأن الجباية إنما تزداد كلما انتعش الاستثمار وزادت المعاملات ، وكانت عمليات تصريف المنتجات سهلة وسريعة ، فإن حدث العكس لم تجد الدولة من يدفع لها الضرائب بمختلف أنواعها بسبب ترك الناس أعمالهم .
ــــــــــــــــــــــ(1/89)
1 ـ منال أحمد محمد النجار ، تحليل بنوك المعاملات الإسلامية ومصادرها ، رسالة ماجستير ، جامعة عين شمس ، كلية التجارة ، جمهورية مصر العربية 1995 ، ص 114 .
إلا أن عملية حجز الأموال لا تنفرد بها الدولة وحدها ، وإنما قد يفعل ذلك الأفراد ذاتهم ، ويكون ذلك عن طريق الاكتناز ، فالفرد الذي يملك مالا لا يمكن أن يكون هو الذي أصدر تلك الأموال الممثلة في النقود ، وإنما يكون قد اكتسبها من إنفاق الآخرين الذين امتلكوها انطلاقا من أعمال أدوها ، وعليه إن تم تجميد تلك النقود ، يكون قد عطل كتلة نقدية عن التداول مما يقلص إمكانية توسع الاستثمارات ، ولهاته العملية الأثر السلبي على النشاط الاقتصادي .
بناءً على ما سبق ينبغي أن تحرص الدولة على الإنفاق حرصها على الجباية ، وأن تشجع الأفراد على إعادة النقود إلى دائرة التداول ، حتى وإن أدى ذلك إلى سن قانون يمنع تجميد الأموال وحبسها عن دائرة التداول على المستوى الفردي ، وأن يكون في المقابل وعي كامل من قبل الحكومة ـ وهي الجهاز التنفيذي ـ بضرورة ممارسة الإنفاق وهذا حتى لا تكون هناك أي مشكلة في تمويل النشاط الاقتصادي ، ولا يحدث أي قصور في الطلب الفعال قد يؤدي إلى حدوث الكساد بما يمنع الاستمرار في الإنتاج .
إن عمليه تداول المال تشكل حلقة مغلقة ، فإذا ما حدث أي تسرب إلى خارج الحلقة مع بقاء الجهاز الإنتاجي على ما هو عليه حدث الكساد ، وإذا ما حدث تسرب إلى داخل الحلقة مع بقاء حجم السلع المعروضة على ما هو عليه حدث التضخم ، وكأن الكتلة النقدية هي كمية ملائمة لحجم النشاط الاقتصادي ، وأي اختلال بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية يؤدي حتما إلى أزمة اقتصادية .(1/90)
وفي الاقتصاد الحديث تعتبر النفقات العامة ركنا أساسيا لإيجاد التوازن بين الكتلة النقدية المتداولة في السوق ، وحجم السلع المعروضة . فإذا اعتبرنا أن الدخل الوطني هو التعبير النقدي لما تم إنتاجه داخل القطر الاقتصادي للوطن خلال سنة ، فإن أي زيادة أو نقصان في الكتلة النقدية يؤدي إلى حدوث الخلل في الجهاز الاقتصادي (1) .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ادريس خضير ، التفكير الإجتماعي الخلدوني ، مرجع سابق ، ص 148
وانطلاقا من التحليل السابق نتأكد أنه (( ما من شك أن تطور دور النفقة العامة قد ارتبط ارتباطا وثيقا بتطور دور الدولة في النشاط الاقتصادي ، ولقد تحولت النظرة لدور النفقة العامة من فكرة النفقة المحايدة التي لا تؤثر في النشاط الاقتصادي الخاص ولا تتأثر به ، إلى فكرة النفقة الإيجابية التي تتدخل لإحداث أثاراً اقتصادية واجتماعية وسياسية تتحقق بها أهداف المجتمع )) (1) .
هذا شاهد من كلام الاقتصاديين المعاصرين حول أهمية الإنفاق الحكومي لإنعاش الاقتصاد ، فقد لاحظ المتأخرون أن إصرار المدرسة الرأسمالية التقليدية على مبدأ حياد النفقات العامة يبين ـ أي أن الإنفاق العام ليس له أي أثر على النشاط الاقتصادي ـ كيف أدى ذلك الإصرار إلى تعاقب الأزمات الإقتصادية وازدياد حدتها باستمرار ، وتمثل الأزمة الاقتصادية الكبرى ( 1929 ـ 1933 ) خير دليل على ما قلناه سابقا ، إذ انطلاقا من اعتماد كينز على الإنفاق الحكومي كأول خطوة في طريق تجاوز تلك الأزمة وانعكاساتها على النشاط الاقتصادي ، وكذا اقتراحه بضرورة استخدام السياسة المالية لمعالجة مشكل قصور الطلب الفعال ، أمكن معالجة الأزمة .(1/91)
فإذا لم تعمد الدولة إلى تقديم أجور الموظفين في حينها ، ولم تقم بتوفير فرص العمل لطالبيه بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، انعدم الدخل المتاح لدى أفراد المجتمع ومهما كان عددهم فإن ذلك يعني القضاء على القدرة الشرائية التي تعد ضرورية لممارسة الإنفاق الاستهلاكي الذي هو غاية كل عملية إنتاجية .
نلاحظ من خلال التحليل السابق أن الإنفاق الحكومي إذا تم توجيهه الوجهة الصحيحة من شأنه أن يحقق هدفين أساسيين وضروريين لاستمرار النشاط الاقتصادي ، يتمثل الأول في تسريع حركة تداول السلع في الأسواق ، وبالتالي خلق الأمل في نفوس الأفراد حتى يسارعوا إلى استثمار أموالهم . والهدف الثاني هو زيادة الموارد المالية للدولة بازدهار النشاط الاقتصادي ، فيكون بإمكانها زيادة نفقاتها التي تتوسع باستمرار .
ــــــــــــــــــــــ
1 - حامد عبد المجيد دراز ، مرجع سابق ، ص321
يقول ابن خلدون : (( ... وإذا أفاض السلطان عطاءه وأمواله في أهلها ، انبثت فيهم ورجعت إليه ، ثمّ إليهم منه ، فهي ذاهبة عنهم في الجباية والخراج ، عائدة عليهم في العطاء ، فعلى نسبة حال الدولة يكون يسار الرعية وكثرتهم ...))(1) .
أي إذا كان للجهاز الحكومي الأثر الفعال في حلقة دوران الكتلة النقدية ، فعليه أن لا يقطع تلك الحلقة بتجميده للأموال ، أو يعمد إلى تقليل سرعة دوران الكتلة النقدية ، ذلك لأن الأسواق تتضرر كلما طال أمد وجود السلع فيها ، لأن التكلفة ترتفع باستمرار وأصحاب السلع إنما يجدون ثمرة أعمالهم عندما تتحول سلعهم إلى نقود تزيد قيمتها عن سعر التكلفة .(1/92)
لكن ما يمكن ملاحظته في هذا المجال هو أن الإنفاق الحكومي لا يعني طبع نقود جديدة في كل مرة وتوزيعها على أفراد المجتمع ، فهذه الطريقة تؤدي حتما إلى التضخم النقدي الذي يمثل أزمة اقتصادية غير مرغوب فيها ، إنما يكون الإنفاق الحكومي حسب القدرة الاقتصادية للمجتمع ، فلا يجوز أن تزيد الكتلة النقدية في التداول عن حجم السلع المتاحة فعلا ، كما يجب ألاّ تنقص عنها .
من خلال ما سبق نتبين أن سياسة الدولة في الميدان الاقتصادي خاصة في مجال الجباية والإنفاق ، يجب أن تكون مبنية على أسس منطقية ، تتمثل في ضمان التحفيز المناسب للنشاط الاقتصادي الموجه بفعل آليات السوق في إطار الظروف العادية ، أي دون أن يحيد أحد من الأعوان الاقتصاديين عن تلك القوانين ، وعلى الدولة أن تكون الضامن الأول للسير الطبيعي للنشاط الاقتصادي بالتطبيق الصارم للقوانين ، دون أن تتعدى الدولة ذاتها تلك القوانين . هذا ما لمسناه من خلال استقرائنا لأفكار ابن خلدون الاقتصادية في مجال دور الدولة الاقتصادي ، والتي تتخذ مكانا واسعا لها في الاقتصاد الحديث أين نجد الدولة طرفا فاعلا في المجال الاقتصادي ، وأن فكرة الحياد قد فقدت مدلولها ، ويجري التأكيد حاليا على كون الدولة والسوق وجهان لعملة واحدة لا يمكن انفراد أحدهما بتسيير الشؤون الاقتصادية للبلاد .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن خلدون ، مرجع سابق ، ص266
المبحث الثاني
الرعاية الاجتماعية
لقد أحدثت الاقتصاديات الحديثة فارقا كبيرا بين الفقراء وأصحاب الثروة ، سواء على مستوى الدول ، أو بين الأفراد في الدولة الواحدة ، وهذا ما يجعل مسؤولية الدولة تجاه رعاها أوسع مما كانت عليه في السابق ، وهذا ما سوف نراه من خلال هذا المبحث .
المطلب الأول : ضرورة الرعاية في ظل اقتصاد متقلب(1/93)
يذهب الفكر الاقتصاد الحديث إلى مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية ـ وهذا بعد الحديث عن الدولة الصناعية الكبرى ـ وتهدف دولة الرعاية إلى تكوين صمام الأمان الضروري للحد من الآثار السلبية للعولمة على الفقراء في العالم ، فيقع على عاتق الدولة تحقيق العدل وتوفير الكفاية للفرد والمجتمع في مجال الحياة الاقتصادية(1) وهذا باعتبار أن العالم يسير نحو شمولية النظام الرأسمالي اللبيرالي الذي يعتمد على الحرية الفردية والمبادرة الخاصة ، أي العودة إلى النشاط الاقتصادي الذي يسمح بالثراء الواسع للأفراد ولو على حساب المجتمع ، وهذا ما يجعل الطبقات الضعيفة تعيش حد الكفاف لا حد الكفاية .
وعلى المستوى الكلي فإن المجتمعات الفقيرة المتوجهة نحو اقتصاد السوق ـ بعدما جرّبت نماذج تنموية مختلفة ـ تحتاج إلى تدعيم دور الدولة الإيجابي بما يحمي الطبقات الفقيرة ، والتي يجب أن تُرعى حقوقهم كما تُرعى وتصان ملكية الأغنياء من الاعتداء والسرقة والإتلاف .
إن تباطؤ الاقتصاد العالمي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالطبقات الفقيرة ، وهذا إما بالتسريح من العمل ، بما يرفع معدلات البطالة ، أو بتخفيض أجورهم بما يضعف القدرة الشرائية لديهم ، الأمر الذي يحتم على الدولة تحسين شبكات الأمان الاجتماعي ، أي البرامج التي تمنع الضرر الكلي على الفقراء في الحالات التي تظهر فيها الأزمات الاقتصادية ، وأن تكون تلك السياسة السمة الدائمة لاقتصاديات البلدان النامية ، التي تعاني الضعف في الأداء وعدم القدرة على المنافسة ، هذا ما ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد المبارك ، نظام الإسلام ، الحكم والدولة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان 1974 ، ص88 .
يساعد البلدان الفقيرة على تخفيض أعداد الفقراء وتحقيق المزيد من منافع العولمة مع تقليل مخاطرها(1) .
ويرى البنك الدولي في تقرير له(2) : أن نسبة سكان العالم المحميين في أي من الأوقات(1/94)
في إطار شبكات أمان حكومية تقل عن ربع عدد سكان العالم . وتقل نسبة من يمكنهم التعويل على مدخراتهم أو أراضيهم أو أصولهم الخاصة الأخرى للتصدي لأزمات كتراجع النشاط الاقتصادي ، أو الحرب الأهلية ، أو الكوارث الطبيعية . والواقع أنه بين عامي 1990 و 1997 ، شهد ما يزيد عن 80 % من كافة البلدان النامية سنة واحدة على الأقل من معدلات نمو سلبية نتيجة لهذه النكسات .
أي أنه بسبب ضعف دخل الطبقات الفقيرة في الدول النامية ، يكون ادخارها سالبا أو معدوما في أحسن الأحوال ، وحسب النظرية الكينزية فإن الاستهلاك والادخار يتبعان الدخل المتاح ، وبوجود الاستهلاك التلقائي لدى الطبقات الفقيرة لا يمكن أن يكون لها ادخارا ، بل تستهلك من مدخرات الآخرين ، وبالتالي يستهلك كل الدخل لدى هذه الطبقة ، ويتعدى ذلك إلى الاستدانة ، فإذا ما حدثت أزمة اقتصادية تؤدي إلى انعدام الدخل أو تراجعه لدى هذه الفئة من المجتمع ، لا يمكنها المحافظة على مستوياتها الاستهلاكية السابقة وهذا بسبب عدم وجود مدخرات لديها .
يبين هذا أن الأزمات الاقتصادية تصيب أكثر الطبقات محدودة الدخل ، والتي أولى لها الإسلام عناية خاصة استنادا لأصل كرامة الإنسان ، وحفاظا على تماسك المجتمع ، وثبات المستوى الاستهلاكي في فترات انكماش الاقتصاد بسبب تراجع الطلب ، وتستخدم في ذلك أدوات التكافل الاجتماعي ، وكذا التحويلات من الدولة للطبقات ــــــــــــــــــ
1 ـ الشحات أحمد يوسف ، الأزمات المالية في الأسواق الناشئة ، مع إشارة خاصة لأزمة جنوب شرق آسيا ، دار النيل للطباعة والنشر ، جمهورية مصر العربية ، 2001 ، ص2
2 ـ البنك الدولي ، تحسين شبكات الأمان ضروري لتحقيق منافع العولمة للفقراء في العالم تقرير جديد يبيّن أن الأشكال الجديدة من الحماية الاجتماعية يمكن أن تزيد سرعة تخفيض أعداد الفقراء ، 24 جانفي 2001 ، media.worldbank.org ، ص2 .(1/95)
المحرومة ، وتمثل الزكاة الأصل في ذلك ، وقد كان بيت المال في الدولة الإسلامية يحافظ على المستوى المعيشي للفقراء بمنحهم الأموال اللازمة حسب الحاجة ، حتى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد أعطى مالا لكل مولود جديد .
وفي الجهة المقابلة نلاحظ أن برامج الحماية الاجتماعية في البلدان مرتفعة الدخل ازداد بثبات واستمرار ، تقدم منذ ولادة مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية ، وهي التي تتولى رعاية فقراء المجتمع بوسائل مختلفة خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية(1) ، هذا بالإضافة إلى نشاط الجمعيات الخيرية وتقديمها يد المساعدة للفقراء والمحتاجين .
في حين تمثل الرعاية الاجتماعية في العديد من البلدان النامية ، وسيلة لتخفيف المعاناة على الطبقات المحرومة فقط في فترات الكوارث الطبيعية ، وقد تكون في كثير من الأحيان مساعدات رمزية ، أي لا تعمد الدولة إلى تقديم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية إلا في حالات الضرورة القصوى ، فهي إذن إجراءات تتخذ لضمان حياة الأفراد فقط ، ولا تسعى تلك الإجراءات لتحقيق التنمية البشرية ، واستخدام آليات الحماية الاجتماعية في أوقات الطوارئ لا يحقق الهدف الذي تسعى لتحقيقه التحويلات الاجتماعية في الدول المتقدمة ، إضافة لذلك فإن ما تحققه عناية تلك الدول هو المحافظة على الموارد البشرية في كامل طاقاتها ، بينما الدول المتخلفة تسعى من خلال عنايتها إلى إبقاء المحرومين على قيد الحياة ، وبعد ذلك توضع تلك البرامج التدخلية جانبا عقب انتهاء الأزمة ، ويُعتبر ذلك علاجا مؤقتا لمشاكل اقتصادية ناتجة عن كوارث طبيعية .(1/96)
أما الرعاية الاجتماعية في الإسلام فإنها تُعتبر ركنا أساسيا من أركانه في كل الأحوال الاقتصادية(2) ، وهذا نظرا لكون اختلاف مستويات المعيشة أمر واقعي ، ولا يمكن لأي نظام اقتصادي أن يدعي التساوي بين مختلف طبقات المجتمع في المستوى المعيشي ، ووجود فريضة الزكاة يؤكد ذلك ، " فقد فرض الإسلام على الأغنياء من أهل ــــــــــــــــــــــ
1 ـ ضياء مجيد الموسوي ، العولمة واقتصاد السوق الحرة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون الجزائر ، الطبعة الثانية 2005 ، ص 11 .
2 ـ رفيق يونس المصري ، أصول الاقتصاد الإسلامي ، دار القلم ، دمشق ، الدار الشامية ، بيروت 1999 ، ص236 .
كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم ، فيوفرون لهم ما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ، وبمسكن يحميهم من المطر والشمس وعيون المارة ، برهان ذلك قول الله تعالى : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } (1) وقال أيضا : { وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم } (2) "(3) .
ويحذر البنك الدولي من أن أزمة شرق آسيا ، التي ضربت الأسواق الناشئة ، لا تبرز الضرورة الملحة لحماية الفقراء والمعرضين للمعاناة أثناء فترات الاضطراب والتغيير الاقتصادي فحسب ، بل تبيّن أيضا ضرورة وجود شبكات الأمان الاجتماعي قبل حدوث الأزمة لتعظيم فرص نجاح هذه الشبكات(4) .(1/97)
وتعتبر وسائل التكافل الإسلامي من صدقات وأوقاف وكفارات وتفتيت الثروة بالميراث ، والتزام الدولة بتوفير حد الكفاية للفئات الفقيرة في المجتمع ، كلها وسائل دائمة للرعاية الاجتماعية ، والمحققة لصمام الأمان الذي ينادي به البنك الدولي ، إذ عند وقوع أزمة ، قد يكون من الصعب على الحكومات العثور سريعا على التأييد السياسي والأموال والخبرة اللازمة للاستجابة للطوارئ الاجتماعية ، وكثيرا ما كانت الأزمات الاقتصادية سببا في حدوث أزمات سياسية عنيفة تؤدي إلى اختلالات هيكلية على كل المستويات .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الإسراء : الآية 29 .
2 ـ سورة النساء : الآية 36 .
3 ـ ابن حزم ، المحلى ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت لبنان ، ( بدون تاريخ ) ، جزء 6 ص156
4 ـ إبراهيم أحمد إبراهيم حسين ، توزيع الثروة في الاقتصاد الإسلامي ، رسالة ماجستير ، جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، معهد البحوث والدراسات العربية ، قسم البحوث والدراسات الاقتصادية ، جمهورية مصر العربية 1988 ، ص 115 .
وعليه يجب أن تصبح شبكات الأمان والحماية الاجتماعية في مختلف الدول السمة البارزة في واجبات الدولة تجاه رعاياها ، وتمثل المعيار الأساسي للعمل على تحسين المستويات المعيشية في البلدان النامية ، وهذا في ظل ازدياد مشاركة هذه البلدان في الاقتصاد العالمي ، خاصة وأن نسبة مشاركتها ضعيفة جدا ، بما لا يسمح لها من تحقيق مستويات مرتفعة من الدخل الوطني .(1/98)
كما ينبغي أن يكون الغرض الإنمائي للحماية الاجتماعية متخطيا لدور الإنقاذ الدوري للفقراء والمعرضين للمعاناة ، أي لا يكون مجرد تجاوز أزمة معينة ، وإنما يجب أن يركز على إدماج الفقراء في النشاط الاقتصادي باستمرار ، بما يضمن تحفيزا للنشاط الاقتصادي في فترات الرخاء ، وصمام أمان للاقتصاد من مختلف الأزمات ، وتمثل مشكلة إدماج الفقراء في النشاط الاقتصادي أكبر المشاكل التي تواجه الدول المتخلفة ، التي تخسر هؤلاء على مستويين : الأول يتعلق بمساهمتهم في الإنتاج وبالتالي في تكوين الدخل الوطني ، والثاني يخص إنفاقهم الاستهلاكي .
يقول إدواردو دوريان ، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون التنمية البشرية ، ووزير التربية السابق في كوستا ريكا في الفترة 1994- 1998 " أوضحت أزمة الديون التي حدثت في أمريكا اللاتينية في الثمانينات ، كما أظهرت أزمة جنوب شرق آسيا التي حدثت في نهاية التسعينات ( بداية من منتصف سنة 1997 )(2) ، سرعة انقلاب حياة الناس رأسا على عقب نتيجة الانكماش الاقتصادي الحاد .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ البنك الدولي ، المرجع السابق ، ص2 .
2 ـ أحمد يوسف الشحات ، الأزمات المالية في الأسواق الناشئة ، مع إشارة خاصة لأزمة جنوب شرق آسيا ، دار النيل للطباعة والنشر ، المنصورة ، جمهورية مصر العربية ، 2001 ، ص 46 .
ـ منير إبراهيم هندي ، أزمة البورصات العالمية في أكتوبر 1997 ، الأسباب والنتائج ، تحليل اقتصادي وشرعي ، سلسلة المنتدى الاقتصادي ، المنتدى رقم 3 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 22 نوفمبر 1997 ص35 .(1/99)
يؤكد ذلك أن الرخاء الاقتصادي في ظل اقتصاد متشابك القطاعات ،لم يعد سمة دائمة ، وبالتالي فإن انقلاب الأوضاع الاقتصادية من النمو إلى الانكماش ومن الانتعاش إلى الركود ، من شأنه أن يؤدي إلى أزمات اقتصادية واسعة ، يتحمل ثقلها ذوي الدخل المحدود ، وما لم يكن هناك برنامجا اجتماعيا دائما يحمي الطبقات الفقيرة من مثل هذه الأوضاع ، كما أقره الإسلام من حقوق للفقراء في أموال الأغنياء ، فإن الأزمات الاقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى انحصار النشاط الاقتصادي بصورة أسرع ، ويصبح الأمل في إيجاد حلول سريعة لتلك الأزمات ضعيفا ، إضافة إلى توسع الأزمات الاقتصادية داخليا بسبب التشابك القطاعي .
المطلب الثاني : أثر العولمة على الفقراء
وفي ظل العولمة الاقتصادية أصبحت اقتصاديات الدول أكثر ترابطا من أي وقت مضى ، الأمر الذي يؤدي إلى عولمة الأزمات الاقتصادية ، إذ ما إن تعلن إحدى الدول الرأسمالية الكبرى عن وجود مشاكل اقتصادية لديها ، إلا وتأثرت اقتصاديات الدول الأخرى خاصة المتخلفة منها ، فهل تسمح إمكانيات تلك الدول من حماية الفئات الاجتماعية الأكثر حرمانا ، خاصة وأن احتياطاتها من المال والغذاء والدواء محدودة جدا .
ويتأكد لدينا من خلال ذلك أن الفقراء سوف يعانون في ظل الأزمات المختلفة أكثر من غيرهم ، وبصفتهم يمثلون أوسع طبقة في المجتمعات المتخلفة ، فإن انعدام دخلهم المتمثل في الأجر يجعلهم خارج دائرة الطلب الاستهلاكي ، بما يعمق الأزمة الاقتصادية أكثر ، إذ بتراجع الطلب الفعال يتراجع الاستثمار .(1/100)
على هذا الأساس تعتبر شبكات الأمان الاجتماعي ضرورية لإنقاذ الذين يفقدون أعمالهم ، ويتعرضون للآثار السلبية الناتجة عن ذلك ، إلا أن النظام الذي يركز على مساعدة الفقراء في التصدي للأزمة عند حدوثها ، يمكن أن يوقعهم في فخ الفقر نتيجة عدم إتاحة أية فرص عمل لهم ، لذا ينبغي علينا إتباع نهجا أكثر شمولية يجعل الحماية الاجتماعية أشبه بنقطة انطلاق تمكّن الناس من القفز إلى حياة أكثر أمنا(1).
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ تقرير البنك الدولي ، مرجع سابق ، ص2 .
يحتاج الأمر إلى تمكين الطبقات الفقيرة من ممارسة العمل الذي يسمح لهم بالحصول على دخل ، ومن ثم تكوين مدخرات مهما كانت ضعيفة ، إلا أنها تسمح بمساعدة الدولة في أوقات الأزمات والكوارث في التصدي للآثار السلبية للأزمة ، بما يقلص من ميزانية التدخل في تلك الظروف ، فالاستثمار البشري في ظل الظروف العادية يسمح بتجاوز تلك الأزمات بأقل التكاليف .
إن الدول الرأسمالية الكبرى التي تحاول عولمة أفكارها الاقتصادية والسياسية وغيرها لاعتقادها أنها النموذج الأمثل ، وأن العالم قد وصل إلى قمة النضج ، ولا يمكن بعده إنتاج نموذجا للحياة يفوق النموذج الحالي(1) ، إذ يعتقدون أن العولمة تتيح فرصا هائلة للبلدان النامية لكي تزدهر ، ولكنها أيضا قد تعرضها لمخاطر أكبر حجما ما لم تعتمد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية اللازمة لاستغلال كوامن الاقتصاد العالمي ، وهذا باعتبار أن الوقوف في وجه العولمة يبقي الدول المتخلفة خارج الإطار الحضاري(2) .
فلا يكفي ـ حسب مفكرو الدول الرأسمالية ـ أن تُستورد التجارب الاقتصادية الناجحة ، ما لم يكن ذلك مصحوبا باستقبال نمط الحياة الغربي بكلياته وجزئياته ، حتى تجد التجارب الرأسمالية الوسط الطبيعي للنجاح .(1/101)
ويعتقد مصدرو العولمة ـ وهم الذين يعتقدون بنجاعة النظام الحر وصلاحيته لكل المجتمعات ـ أن استخدام التكنولوجيات يسرّع خطى التنمية ، أي بعيدا عن مراحل النمو لروستو ، يمكن تحقيق الانطلاقة الاقتصادية لدول العالم الثالث ، غير أن هذا النموذج في الوقت نفسه يميل إلى توسيع الفجوة بين من "يملكون" ومن "لا يملكون" ، أي ــــــــــــــــــــــ
1 ـ ضياء مجيد الموسوي ، اهتزازات في أسس العولمة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر2005 ، ص9 .
2 ـ ضياء مجيد الموسوي ، الحداثة والهيمنة الاقتصادية ومعوقات التنمية ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون ، الجزائر 2004 ، ص29 .
أن تتحقق التنمية ـ إن تحققت ـ يضمن اقتصاد الرفاهية لفئة محدودة في المجتمع ، وهي النسبة المتداولة 20 % إلى 80 % ، سواء في داخل البلدان بين مختلف طبقاتها ، أو فيما بين الدول ذاتها ـ أي بين الدول الغنية والفقيرة ـ وهذا ما يؤدي إلى نتائج عكسية على المدى المتوسط والبعيد .
كما يُعتقد من ناحية أخرى أن زيادة الانفتاح السياسي يحسّن نوعية نظام الإدارة العامة بالنسبة لشرائح أكبر من السكان ، أي يمكن أن يكون الأخذ بالنموذج الرأسمالي المتكامل سببا في حصول التطور على مختلف الأصعدة للدول المتخلفة ، ويدخل في هذا الإطار فرض النموذج الديمقراطي الذي يؤدي في الظاهر إلى حكم الأغلبية ، وفي حقيقته يضمن الحكم لطبقة معروفة ، وأن استفادة المجتمع من مثل هذا النموذج المتكامل في نظرهم ، لا يحقق في الواقع إلى الطبقية في المجتمع على كل المستويات .(1/102)
ونتيجة لذلك ، أخذ الفقراء يجدون "صوتا" مسموعا ويطالبون بالمساعدة في إدارة المخاطر التي يواجهونها ، نتيجة للتغيرات الاقتصادية التي أصبحت السمة الغالبة للاقتصاد الحديث ، وهذا انطلاقا من استخدام حقوق الإنسان كوسيلة للمطالبة بالحقوق التي ظلت عقودا من الزمن بعيدة عن الواقع العملي ، إلا أن درجة الاستجابة تكون متباينة بالنسبة لمختلف الشعوب ، وكأن حقوق الإنسان لها درجات ودركات .
وفي ظل اقتصاد السوق الذي أصبح حتمية حسب رأي المحللين الاقتصاديين وحتى السياسيين ، أصبحت فترات الاستقرار الاقتصادي قصيرة جدا باعتبار أن الدورات الاقتصادية باتت متعاقبة إلى درجة لا نفرق بين عمر الرواج الاقتصادي والانكماش ، ويحدث هذا حتى في الدول الأكثر تطورا ، وهذا ما جعل فقراء العالم ينادون بضرورة توسيع نطاق التفكير بشأن الحماية الاجتماعية المستدامة على غرار التنمية المستدامة ، والتي لا تعم نتائجها كل شرائح المجتمع خاصة في ظل التوزيع غير العادل للثروات والدخل الوطني في الدول النامية .(1/103)
إن الفرد في الدول المتقدمة يوجد لديه الدخل المتاح الذي يكفيه للاستهلاك والادخار حتى إذا ما حدثت أزمة اقتصادية استطاع استخدام مدخراته ، أو قام بتحويل الأصول الثابتة إلى سيولة ، لكن لا يمكن للأفراد في الدول المتخلفة الاعتماد على قدراتهم الخاصة لمواجهة المخاطر ، مثل شراء الأصول الثابتة في فترات الرواج للاستفادة منها في أوقات الأزمات ، أو الاعتماد على أسلوب التأمين ضد المخاطر ، وغيرها من الإجراءات التي ليست متاحة لكل شرائح المجتمع ، وبالتالي يبقى خطر الأزمات الاقتصادية على الطبقات الفقيرة قائما ، وتزيد حدة تلك المشاكل عندما تتبع الأزمة الاقتصادية أزمة سياسية ، إذ ينعدم الاستقرار الذي يسمح بتجاوز الأزمة الاقتصادية ، وهذا ما حدث في الجزائر في وقت الأزمة السياسية التي وصل عمرها إلى عشر سنوات ، ومع تراجع أسعار النفط وزيادة المديونية الخارجية ، واستغراق خدمات الديون لأغلب عائدات النفط ، بذلك أصبحت الأزمة الاقتصادية أكثر انتشارا ، ولم تكن للدولة القدرة على التخفيف من حدتها .
بناءً على ما سبق تصبح الترتيبات العامة لأغراض معالجة المخاطر أكثر إلحاحا ، إلا أنها في الدول النامية نادرة ومحدودة نطاق التغطية ، وذلك لأسباب اقتصادية وأسباب أخرى . وحين لا تكون هناك ترتيبات غير رسمية أو ترتيبات مستندة إلى السوق لإدارة المخاطر ، أو أنها معطلة أو غير عاملة ، يجب على الحكومة أن تتيح أو تلزم المعنيين اعتماد برامج تأمين (اجتماعي) ضد المخاطر مثل : البطالة ، الشيخوخة ، إصابات العمل ، العجز ، والترمّل والمرض . ولهذا السبب ، هناك قدر كبير من الإجراءات التدخلية العامة في تحقيق القدرة من أجل التغلب على المخاطر(1) . ولتحقيق ذلك يشترط أن تكون فترة الرواج الاقتصادي قادرة على توفير مناصب للعمل لطالبيه ، مع توفير حد أدنى من الأجور يسمح لكل العاملين بتوفير المبالغ المالية اللازمة للتأمين .(1/104)
يقول روبرت هولتسمان ، المدير المسؤول عن الحماية الاجتماعية في البنك الدولي وكبير مؤلفي التقرير الجديد : " ينبغي على الجهات العاملة في ميدان التنمية تخطي المفهوم القائل بأن الحماية ا?جتماعية معنية بالمال فقط ، حيث أنه يمكن أن يساعد الناس ــــــــــــــــــــــ
1 ـ ضياء مجيد الموسوي ، العولمة واقتصاد السوق الحرة ، مرجع سابق ، ص11 .
في التغلب على أعراض الفقر لفترة ما دون فعل ما يستحق الذكر في سبيل القضاء على أسبابه . باعتماد هذه الاستراتيجية الجديدة لإدارة المخاطر، يقدم البنك الدولي للبلدان النامية، بالتشاور مع المجتمعات المحلية الفقيرة ، المساعدة في وضع خطط الحماية الاجتماعية
بما يلائم تقدير كل منها لمواقع الضعف ، والتعرض للمعاناة لدى هذه المجتمعات ، فإذا كنا قادرين على مساعدة المجتمعات المحلية على أن تكون متفاعلة بشأن تخفيض مدى تعرضها للمخاطر في المقام الأول ، فإنه بوسعها القيام بالمزيد من الإجراءات لحماية نفسها من محن يمكن الحيلولة دون حدوثها ، وبذا تعيش حياة أكثر أمنا "(1) .
فهل يمكن أن يكون هناك إقرارا أكثر من هذا بشأن مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وما أقره الإسلام من أن الدولة الإسلامية عليها أن تضمن لكل فرد مسكنا يأويه ، ومطعما يسد جوعته ، ومشربا يروي غليله(2) ، وللفرد الحق في الخروج على أولي الأمر ، إذا لم يتوفر له ذلك ، أي يطالب بحقه بكل الوسائل .
ويمكن لدولة الرعاية الاجتماعية بالمفهوم الحديث ، وللدولة الإسلامية من خلال مسؤوليتها تجاه أفراد المجتمع ، أن تتولى المهام التالية :
1. تخفيض احتمالات حدوث المخاطر(1/105)
... يعتبر تخفيض احتمالات حدوث المخاطر من بين الأدوات القوية في مجال إدارة المخاطر . إذ أن الدول ظلت تركز اهتماماتها لعقود طويلة من الزمن على ضمان استقرار الاقتصاد الكلي ، وخلق الأسواق المالية السليمة ، واعتماد سياسات موجهة لتحقيق النمو واتخاذ تدابير وقائية ضد الكوارث الطبيعية . غير أن الحماية الاجتماعية التي تساند تخفيض المخاطر مرتبطة أساسا بأسواق العمل ، أي تهيئة فرص عمل أفضل والتدريب على المهارات ووقف تسريح العمال ، فضمان الاستقرار الاقتصادي لا يجب أن يكون على حساب مناصب العمل لأفراد المجتمع .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ البنك الدولي ، مرجع سابق ، ص4 .
2 ـ أنور عبد الكريم ، مرجع سابق ، ص40 .
2. تخفيف حدة المخاطر
... ونظرا لكون المخاطر ذات الصلة بالجانب الاقتصادي لا يمكن أن تختفي تماما نظرا لكون الأزمات الاقتصادية تظهر باستمرار ، كان على الدولة أن تخفف من حدة المخاطر ، مثل : التعويضات للعاطلين عن العمل وتأمين الدخل في الشيخوخة غير أنه ينبغي أن يتخطى الأمر تأمين المعاشات التقاعدية في القطاع الرسمي فقط ، وإنما يجب أن تعتمد التعويضات الأكثر أمانا لهم .
3. التغلب على المخاطر
... التغلب على المخاطر بعد حدوثها هو المجال الذي للحكومة فيه دور هام في ضمان الحقوق في الأصول المالية والأصول الثابتة ، كحسابات التوفير والأراضي ، التي يمكن الاستفادة منها في أوقات الطوارئ . غير أنه بالنسبة للفقراء الذين ليس لديهم أية أصول ، تعتبر الحكومة الملاذ المعني بتقديم العون لهم لعدم وجود من يقوم بذلك غيرها(1) .(1/106)
يقول إدواردو دوريان ، نائب رئيس البنك الدولي : "في بداية هذا القرن الجديد ( القرن الواحد والعشرين ) ، أخذ العاملون في مجالات التنمية يدركون أنه مع أن البرامج المنفردة يمكن أن تحسّن رفاهية الناس وأن تخفض أعداد الفقراء ، هناك ضرورة لوضع نهج أكثر شمولية للقيام بالقفزات اللازمة لتحرير معظم الفقراء في البلدان النامية من براثن الفقر ويعمل العديد من الهيئات المعنية على إعادة النظر في استراتيجياتها أو وضع استراتيجيات لأغراض الحماية الاجتماعية باستعمال أطر شاملة تركّز على المخاطر وإعادة توزيعها على السواء ، كاستراتيجية المخاطر الاجتماعية المدرجة في هذه الدراسة"(1) .
ــــــــــــــــــ
1 ـ البنك الدولي ، مرجع سابق ، ص 5 .
خلاصة الفصل
رغم التأكيد على ضرورة الحرية في المجال الاقتصادي ، والدعوة لانحصار دور الدولة في هذا المجال ، خاصة بعد بروز التحولات نحو اقتصاد السوق من قبل الدول التي اعتمدت النظام الاشتراكي من قبل ، لا يمكن عزل الدولة بصفة نهائية عن ممارسة الحماية والدعم خاصة وأن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور طبقتين على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول ، فالوصول إلى منابع الثروة ليس متاحا لكل الأطراف .
على هذا الأساس ينبغي للدولة الحديثة أن تتولى رعاية الطبقات ذات الاحتياجات ، بما يسمح من ضمان حد أدنى للكرامة الإنسانية .
فبالرغم من تعدد الجمعيات الخيرية العاملة في هذا الإطار ، ومحاولتها التخفيف من حدة الفقر والحاجة لدى طبقات واسعة في المجتمعات المتطورة ، لم تستطع إلغاء دور الدولة في هذا المجال ، فكيف هي الحال في الدول الفقيرة التي لا تتوفر على أدنى الخدمات سواء على المستوى العام أو الخاص .(1/107)
وقد وجدنا من خلال هذه الدراسة ، أن مبدأ الحماية والرعاية الاجتماعية قد عرفه الإسلام من خلال عدة وسائل تسمح بالتكفل بذوي الحاجات ، فالدولة تعمل على توفير الإمدادات الأساسية بواسطة بيت المال ، وتتدخل في ظل الأزمات لتوفير الحد الأدنى ، ويتكافل الأفراد فيما بينهم من خلال عدة وسائل كالوقف مثلا .
إن ضمان الحماية والرعاية الاجتماعية ، والاحتياط لمختلف الأزمات التي يمكن أن تقع في أي لحظة ، يحتم على الدولة أن تكون قادرة على توفير الإمدادات وقت الأزمة ، ومحاولة الحد من الأخطار التي يمكن أن تقع ، وبالتالي يحتاج الأمر إلى وضع برامج حقيقية في هذا المجال يضمن تنمية بشرية حقيقية .
الباب الثاني
استثمار المال في الإسلام
تحتاج دراسة استثمار المال إلى تحديد جملة من المفاهيم التي تُستخدم في بناء النموذج الاقتصادي الإسلامي في المجال المالي ، ونظرا لمحاولة البعض إحلال أساليب الاستثمار المعمول بها في ظل الاقتصاد الوضعي ، فإن تحديد المفاهيم سوف يسمح لنا بتقديم البديل في مجال استخدام الموارد المالية المتاحة خلال فترة زمنية معينة .
ونظرا لكون مجال الاستثمار يحتاج إلى دراسات موسعة ، لا يمكن طرحها كلية في هذه الدراسة ، فإننا اقتصرنا في بحثنا هذا على وسائل مختارة حسب الهدف ، وعليه نحتاج إلى تقديم الموضوع من خلال مدخل لدراسة وتحليل الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي .
كما نحدد من جانب آخر أهمية تحديد سبل تمويل الاستثمارات في تحقيق وتنفيذ المشاريع المنتجة للسلع والخدمات ، إذ تمثل مشكلة التمويل عائقا أساسيا في الدول الإسلامية ، نظرا لامتناع الأفراد عن التعامل مع المؤسسات المالية القائمة .
يحتاج كل ما سبق إلى تحديد سبل تعبئة المدخرات ، من خلال تحديد وتحليل موقف الإسلام من إنفاق الأموال .
مدخل(1/108)
يمثل المال في الإسلام أحد المقومات الأساسية لتوفير متطلبات الحياة الكريمة ، وقد أُدخِل ضمن الكليات الخمس " الدين ، النسل ، العقل ، النفس ، المال " ، فذكر المال يدل على مكانته وضرورة صيانته واستثماره ، ولا يعني ذلك أن المال هو الغاية(1) ، إذ يعتمد النشاط الاقتصادي المؤدي إلى إنتاج السلع والخدمات التي تسمح بإشباع الحاجات وتلبية الرغبات على استثمار رؤوس الأموال ، وذلك بتوظيفها وعدم تعطيلها ، ولا يقبل الإسلام اكتناز الأموال الزائدة عن حاجات الإنسان ، وإنما يحث على الإنفاق مع التوسط(2) ، فلا ينبغي أن يكون الميل الحدي للاستهلاك مساويا للواحد الصحيح ، كما لا ينبغي أن يكون في حدوده الدنيا التي تعني ضعف الإنفاق الاستهلاكي .
قال تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } (3) . وقال أيضا : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } (4) .
والإنفاق يعني إخراج المال من يد مالكه إلى الجهة المنفَق عليها ، وأول أوجه الإنفاق هو أن ينفق الإنسان على نفسه وعلى من يعول ، ولا يمكن أن يستمر الإنسان في الإنفاق على حاجاته إلى ما لانهاية ، لأنه سوف يحقق الإشباع لكثير من الحاجات ، عندها يمكنه الادخار .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أحمد يوسف ، المال في الشريعة الإسلامية بين الكسب والإنفاق والتوريث ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة 1991 ، ص50 .
2 ـ حسين عمر ، اقتصاديات البنوك الإسلامية ، دار الكتاب الحديث ، مدينة النصر ، القاهرة 1995 ، ص 15
ـ عبد الحميد محمود البعلي ، المدخل لفقه البنوك الإسلامية ، المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي ، 1983 ، ص61 .
3 ـ سورة : الفرقان الآية : 67
4 ـ سورة : الإسراء الآية : 29(1/109)
وفي المجتمعات المتخلفة اقتصاديا تتركز أغلب الثروة في أيدي الفئة الغنية وهي محدودة العدد ، والتي تتميز بميل حدي إلى للاستهلاك ضعيف ، نظرا لما حققته من مستوى عالٍ من الإشباع ، أما الطبقات الفقيرة فإنها تملك القليل من المال أو لا تملكه كلية ، وتتميز في ذات الوقت بميل حدي للاستهلاك كبير لكونها لم تحقق ضروريات الحياة بعد ، لكنها لا تملك الدخل الذي يمكنها من ممارسة الطلب الاستهلاكي وبالتالي لا تستطيع الادخار ، تعاني تلك المجتمعات من مشكلتين أساسيتين :
الأولى : تتعلق بإمكانية الاستثمار وتوفير التمويل اللازم له ، ونظرا لكون الإسلام يرفض التعامل الربوي ، فإن أسلوب المشاركة والمضاربة هو الكفيل بتجاوز هذا الإشكال .
الثاني : في حالة وجود استثمارات يُطرح إشكال توفر الطلب الكافي لامتصاص السلع والخدمات المعروضة في الأسواق ، في هذه الحالة يُستخدم التوزيع التكافلي إلى جانب بيع المرابحة الذي يضمن للبنوك دخلا إضافيا ، ومن جانب آخر توفر الطلب الكافي على السلع والخدمات(1) .
إن ضعف الأداء الاقتصادي للدول المتخلفة بسبب ضعف التمويل يجعل إمكانية الانطلاقة الاقتصادية محدودة جدا ، وهذا نظرا لكون عتبة الادخار في هذه الدول تقع في نقطة أبعد مقارنة مع الدول المتقدمة ، أي نحتاج إلى وقت طويل من النشاط الاقتصادي للوصول إلى مرحلة الادخار ، كما أن ضعف الطلب الفعّال يؤخر تلك النقطة وقتا أطول ، نظرا لكون إنشاء استثمارات جديدة يحتاج لوجود الطلب وهذا في حالة التشغيل الناقص .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أحمد سالم عبد الله ملحم ، بيع المرابحة وتطبيقاتها في المصارف الإسلامية ، مكتبة الرسالة الحديثة ، عمان ، الأردن ، الطبعة الأولى 1989 ، ص93 .
ـ منال أحمد محمد النجار ، تحليل بنوك المعاملات الإسلامية ومصادرها ، رسالة ماجستير ، جامعة عين شمس ، كلية التجارة ، جمهورية مصر العربية 1995 ، ص48 .(1/110)
نحتاج بذلك في الدول الإسلامية إلى الاعتماد على التكافل الاجتماعي ، وهذا بهدف زيادة الطلب الفعال الذي يسمح بتحفيز الاستثمارات ، إلا أن إنفاق المال في سبيل الله على مختلف أوجه البر والإحسان له حدود ، فلا يعني أن الشخص الذي يزيد المال عن حاجاته ينفقه كلية على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة ، لذا ينبغي أن يكون جزءًا من إنفاقه موجها للاستثمار ، وخير ما يدل على ذلك فريضة الزكاة التي تمثل نسبتها 2.5 % من المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول ، وعليه فإن 97.5 % من المال تبقى بحوزة الإنسان عاما آخر على الأقل.
نستنتج مما سبق أن الإنفاق عن طريق الزكاة يمثل نسبة ضعيفة ، فهل يعني ذلك اكتناز الباقي ؟ لا يمكن ذلك لأن المال إنما وُجِد ليُدار في المجتمع ، وتعطيل المال غير مشروع ، ذلك لأن تجميد الأرصدة المالية يؤدي إلى استغراقها بالزكاة ، فقد جاء عَنْ مَالِك رحمه الله : أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : " اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ "(1) وهي دعوة صريحة لاستثمار الأموال وعدم اكتنازها .
وقد ورد في شرح هذا الحديث في كتاب المنتقى : " قوله اتجروا في أموال اليتامى إذن منه في إدارتها وتنميتها ، وذلك أن الناظر لليتيم إنما يقوم مقام الأب له ، فمن حكمه أن ينمي ماله ويثمره له ولا يثمره لنفسه ; لأنه حينئذ لا ينظر لليتيم , وإنما ينظر لنفسه فإن استطاع أن يعمل فيه لليتيم ، وإلا فليدفعه إلى ثقة يعمل فيه لليتيم على وجه القراض بجزء يكون له فيه من الربح وسائره لليتيم " ، فإذا كان استثمار مال اليتيم مطلوب شرعا ، فكيف بمال الإنسان العادي فلا مجال لتعطيل المال إذن .(1/111)
ومن باب أولى أن لا يكفي الإنسان الغني أداء زكاة الأموال ليدعي أنه تجاوز حرمة الاكتناز ، فلو افترضنا أن شخصا ما تجاوز حد الكفاية ، أي حقق متطلبات الحياة ، وميله الحدي للاستهلاك يساوي 60 % من دخله المتاح ، وزكاة ماله هي 2.5 % ، فإن ادخار هذا الشخص هو 37.5 % ، فهل يعني ذلك أن هذا الشخص لم يعد مطالبا بالإنفاق ، إن ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الموطأ ، كتاب الزكاة ، باب زكاة أموال اليتامى والتجارة
تعطيل المبلغ المتبقي ومنعه من التداول يؤدي إلى حبسه عن أداء دوره التنموي في المجتمع ، ويكون تمويل الاقتصاد ضعيفا .
على هذا الأساس نؤكد أن آيات الإنفاق الواردة في القرآن الكريم تشمل كل أوجه الخير ، بالإضافة إلى استثمار ما يزيد من المال عن حاجات أصحابه ، بما يضمن تشغيلا للموارد الاقتصادية العاطلة ، وضمانا لتوفير السلع والخدمات في المجتمع بما يحقق حد الكفاية لمختلف شرائح المجتمع ، وهذا ما سنحاول معرفته من خلال إدراك مختلف المجالات التي أجازها الإسلام لاستثمار الأموال وتنميتها ، بما يؤكد أن النشاط الاقتصادي في الإسلام مطلوب من باب الوجوب لا من باب الاستحباب عملا بالقاعدة الأصولية : " ما لا يتم الواجب إلا به فهو فواجب " .
وتتعدد في الأصل مجالات الاستثمار وتتنوع ، ولا يُمنعُ إلا ما كان مضراً بأحد الكليات الخمس ، إذ يتبين لنا من ذلك أن استثمار المال يكون بغرض زيادة رفاهية الإنسان وحفظ كرامته أكثر ، لا بهدف تحقيق الأرباح وفقط .(1/112)
وقد منع الإسلام إنفاق المداخيل الناتجة من بيع رأس المال الثابت على السلع والخدمات ، لكون ذلك يُضعف من قدرة المجتمع على التوسع الاستثماري الذي يُعد أساسا لتحقيق التنمية الاقتصادية ، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : (( مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لا يُبَارَكَ فِيهِ ))(1). يدل هذا الحديث على منع كل تحويل للأصول الثابتة إلى نقود سائلة تستخدم في شراء السلع والخدمات ـ ما لم يكن الدافع لذلك الاضطرار ـ وقوله - صلى الله عليه وسلم - : قَمِنًا ، أي جديرا بعدم المباركة في ذلك المال(2) .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه ابن ماجة ، كتاب الأحكام ، رقم 2481
2 ـ حسين أحمد كامل فهمي ، ديناميكية النظام الاقتصادي الإسلامي ، حول نموذج إسلامي في التنمية الاقتصادية ، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد 1988 ، ص114 وما بعدها .
إن هذا الحديث يمكن أن نأخذه بالاعتبار في حالة وسائل الإنتاج كلها ، إذ يهدف المجتمع في الأصل إلى التوسع في الإنتاج بهدف زيادة الناتج الوطني ، وكل تنازل عن الأصول الرأسمالية يكون له الأثر السلبي على النشاط الاقتصادي ، ودعوته - صلى الله عليه وسلم - للمحافظة على العقارات يعني الدعوة الصريحة للمحافظة على الأصول الثابتة التي تمثل القاعدة الأساسية لممارسة النشاط الاقتصادي .
إن ما نجده في النصوص الشرعية من حث على الإنفاق لا يعني ما يخص الجانب الاستهلاكي فقط ، ولا ما يتعلق بالجانب التكافلي ، وإنما يتعلق أيضا بالإنفاق الاستثماري الذي يحظى برعاية خاصة ، والذي يؤدي حتما إلى توسع النشاط الاقتصادي ويحفزه .(1/113)
بناءً على ما سبق نستطيع أن نؤكد أن الاستثمار يمثل أساسا لقيام النشاط الاقتصادي واستمراره وتوسعه ، فتحقيق النمو الاقتصادي يتطلب تخصيص نسبة من الناتج الوطني لاستثمارها ، ويتحدد التطور الاقتصادي لأي دولة على أساس تلك النسبة المخصصة للاستثمار ، إضافة إلى الفعالية في توظيف الأموال ، وتعطيل المال بحجة أداء الزكاة يلغي إمكانية تحقيق النمو الاقتصادي .
والاستثمار في اللغة : الثمر حمل الشجر ، وأنواع المال والولد والثمر والمال المثمر وثمر ماله أي نماه . يقال : ثمر الله مالك ، أي كثره ، وأثمر الرجل ، كثر ماله(1) .
ويوجد في الشرع ما يحفز على الاستثمار مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث سابق الذكر : (( اتجروا في مال اليتم لا تأكله الزكاة ))(2) . وهذا باعتبار أن العرب كانت في عهد النبوة تعيش على التجارة ، وقد خلّد القرآن الكريم رحلة الشتاء والصيف لأهل مكة وكان الأغنياء منهم ينمون أموالهم بالتجارة .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن منظور ، لسان العرب ، المستقبل للنشر الإلكتروني ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت إصدار 1.0 ، 1995 ، مادة ثمر .
2 ـ رواه ابن ماجة ، كتاب الأحكام ، رقم 2481
وبالنظر إلى تعريف الاستثمار في الاقتصاد الوضعي والذي يعني : " التوظيف المنتج لرأس المال "(1) ، وتحقيق الإنتاج يعني استرداد رأس المال ومعه هامش ربح وبما أن هذا العائد يتحقق بالتجارة في زمنه - صلى الله عليه وسلم - ، فإن استغلال رأس المال فيها يُعتبر استثمارا ، وإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتجار في مال اليتيم يعني مشروعية الاستثمار والحث عليه ، وهذا ما يؤكد أن استثمار المال في الإسلام مطلوب شرعا ، خاصة وأن الاكتناز منهي عنه لما فيه من ضرر على النشاط الاقتصادي ، إذ يؤدي إلى حجب التمويل اللازم لمختلف المشاريع الاقتصادية .(1/114)
وسوف نحاول في هذا الباب دراسة بعض سبل استثمار المال وفق أسس وقواعد إسلامية ، بما يضمن تشغيلا للموارد الاقتصادية ، وعلى رأسها الأموال التي تعطل عن أداء وظيفتها الاقتصادية بفعل الاكتناز .
وسوف نحاول في هذا الباب دراسة وتحليل السبل التي يمكن أن تؤدي إلى استثمار الأموال المعطلة ، يما يضمن تشغيل الموارد الاقتصادية المعطلة ، ولعلنا لا نبالغ إن أكدنا أن الدول الإسلامية يعمل اقتصادها بأقل من طاقته الكامنة بصورة كبيرة ، وقد تكمن أسباب ذلك على الراجح في عدم توفر رؤوس الأموال اللازمة .
إننا لا نتكلم حتما عن سعينا لتحقيق التشغيل الكامل ، وإنما نبحث عن بداية التشغيل ، أي نبحث عن نقطة الانطلاقة على طريق تشغيل الموارد الاقتصادية ، بحيث تسمح تلك الخطوة بتحفيز النشاط الاقتصادي بما يسمح من استمرار النمو الاقتصادي بالشكل الذي يرفع باستمرار من القيمة المخصصة للاستثمار من الناتج الوطني .
ولعل العائق الوحيد ـ حسب تصورنا ـ أمام تحقيق هذا الهدف ، هو عدم وجود الوساطة المالية الكفيلة بتعبئة المدخرات ، نظرا لكون الجهاز المصرفي الحالي لا يستجيب لرغبة أصحاب الفائض المالي ، وهذا لكون الفوائد البنكية المقدمة على الودائع تقصي ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أحمد زكي بدوي ، معجم المصطلحات الاقتصادية ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة 1985 ، ص415
الكثير من أصحاب الأموال الذين يعتبرونها رباً لا يجوز التعامل بها ، وقد تحولت الكثير من الدول نحو إنشاء البنوك التي لا تتعامل بالفوائد(1) .(1/115)
وفي غياب السوق المالي الذي لا يخالف في تعاملاته الشريعة الإسلامية ، تبقى مشكلة تعبئة المدخرات في الدول الإسلامية أكبر المشكلات تعقيدا ، وفي انتظار إيجاد الحل الشامل لهذا المشكل ، سوف نحاول التركيز على البديل الذي يمكن أن يحرر كتلة نقدية معتبرة لا زالت مكتنزة ، وسوف تؤدي الاستجابة الواسعة لما سنطرحه إلى تحريك النشاط الاقتصادي ، وتحفيزه بما يدعم الانطلاقة الاقتصادية في الدول الإسلامية .
على هذا الأساس خصصنا هذا الباب لدراسة عنصرين يتعلقان بتحفيز الاستثمارات ، كلاهما يخص جانب التمويل الاستثماري ، الأول يتعلق بأسلوب المشاركة والثاني عن بأسلوب المضاربة ، وكلا الطريقتين توافقان الشريعة الإسلامية ، إذ الإسلام يحفز الأفراد على تحصيل دخلهم عن طريق المساهمة في العملية الإنتاجية ، فتوزيع الدخل في الأصل يكون على أساس تلك المساهمة ، والتوزيع التكافلي يمثل استثناءً وليس قاعدة(2) .
ــــــــــــــــــــــ
1 - La Barclays introduit le système bancaire islamique au Kenya
8 millions de musulmans kenyans sont visés , jeudi 22 décembre 2005, par Panapress , afric.com , journal Economie Afrique de l'Est Kenya , Mercredi 22 Février 2006
2 ـ عبد الغني عبده عبد الغني ، الآثار التنموية والاستقرارية لنظام التوزيع في اقتصاد إسلامي ، رسالة ماجستير ، جامعة الزقازيق ، كلية التجارة ، قسم الاقتصاد ، جمهورية مصر العربية 2003 ، ص169 وما بعدها .
الفصل الأول
الاستثمار بالمضاربة(1/116)
نظرا لتمكن بعض الناس من المهن ، وقدرتهم على إتقانها ، وهذا إما بحكم الميول الفطرية أو بحكم التكوين والتعلم ، ويمكن نجد من بينهم من لا يملك رأس المال اللازم للقيام بالاستثمارات المحققة للهدف في مجالات تخصصهم ، وبما أن الإسلام يمنع الاقتراض بسعر الفائدة باعتباره رباً محرماً ، يمكن استخدام المضاربة كأسلوب من ضمن الأساليب الممكنة لتمويل تلك المشاريع ، ويمكن لأسلوب المضاربة أن يضمن لصاحب المال عائدا نظير مساهمته في العملية الاستثمارية ، ولصاحب العمل عائدا نظير قيامه بالجهد البدني أو الفكري .
وفي إطار البحث عن أساليب التمويل المعتمدة في الفقه الإسلامي ، ومحاولة الإفادة منها لبناء فكر اقتصادي إسلامي ، يسمح بالتأسيس لنظرية اقتصادية تتجاوز المخالفات الشرعية ، سوف نحاول من خلال هذا الفصل التعرض بالدراسة والتحليل لطريقة من طرق تمويل الاستثمارات ، بما يسمح من توظيف الموارد المالية والاقتصادية المتاحة للمجتمع في أية فترة ، كما يسمح ذلك بمعالجة الأزمات الاقتصادية على اعتبار أن المضاربة تسمح بتقسيم العائد بين طرفي المضاربة مهما كانت قيمته ، وهذا بخلاف التمويل التقليدي الذي يضمن رأس المال وسعر الفائدة لصاحب المال ، حتى وإن كان ذلك على حساب المستثمر ، باعتبار أن المشروع الاستثماري يحتمل الربح كما يحتمل الخسارة .
المبحث الأول
عموميات حول المضاربة
من أجل توضيح أصل المضاربة ومشروعيتها في الإسلام ، سوف نبين في هذا المبحث معنى المضاربة في اللغة والاصطلاح ، ودليل مشروعيتها ، وهذا بهدف الوقوف على مغزاها الحقيقي ، والتأسيس فيما بعد لدورها الاقتصادي من خلال قدرتها على إقامة الاستثمارات بتوفيرها للأموال اللازمة .
المطلب الأول : تعريف المضاربة ومشروعيتها(1/117)
نتناول في هذا المطلب تعريف المضاربة لغة واصطلاحا ، حتى يتجلى لنا المعنى الذي من خلاله نسلط الضوء على دورها في تحفيز النشاط الاقتصادي ، إذ تُعتبر المضاربة إحدى الطرق المشروعة لتمويل النشاط الاقتصادي ، وإقامة مختلف الاستثمارات التي لا تتعارض في الأصل مع أحكام الشريعة الإسلامية .
الفرع الأول : المضاربة لغة : جاء في لسان العرب(1) : في كلمة ضرب ، ضربت في الأرض أبتغي الخير من الرزق ، قال تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } (2) ، أي سافرتم ، وقوله تعالى : { لا يستطيعون ضربا في الأرض } (3) . يقال ضرب في الأرض إذا سار فيها مسافرا فهو ضارب والضرب يقع على جميع الأعمال إلا قليلا ، جاء في القرطبي : " أي لا يستطيعون التصرف في التجارة "(4) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن منظور ، لسان العرب ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، إصدار 1.0 سنة 1995 ، مجلد 1 ، كلمة ضرب ، رقم 565 ، ص543 .
2 ـ سورة النساء ، الآية 101
3 ـ سورة البقرة ، الآية 273
4 ـ تفسير القرطبي ، القرآن الكريم مع التفاسير ، طبعة الكترونية الإصدار 6.3 ، شركة صخر لبرامج الحاسب ( 1991 ـ 1996 ) .
ضرب في التجارة وفي الأرض وفي سبيل الله وضاربه في المال ، فهي إذن مشتقة من الضرب في الأرض(1) ، وتعرف في كتب الفقه بالقراض( - )(2) . والمضاربة أن تعطي أحد الأفراد مالا يتجر فيه ، على أن يكون الربح بينكما أو يكون له سهم ( أي جزء ) معلوم من الربح ، وكأنه مأخوذ من الضرب في الأرض لطلب الرزق ، قال تعالى : { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } (3) ، وعلى قياس هذا المعنى يقال للعامل ضارب ، لأنه هو الذي يضرب في الأرض ، أي هو من يقوم بالأعمال ، وجائز أن يكون كل واحد من رب المال و العامل مضاربا ، لأن كل واحد منهما يضارب صاحبه ، وكذلك المقارض .
وقال النضر : المضارب صاحب المال والذي يأخذ المال كلاهما مضارب ، هذا يضاربه وذلك يضاربه .(1/118)
وفي حديث الزهري : (( لا تصلح مضاربة من طُعمَتُه حرام ))(4) .
قال : المضاربة أن تعطي مالاً لغيرك يتجر فيه فيكون له سهم معلوم من الربح ، وهي مفاعلة من الضرب في الأرض والسير فيها للتجارة . أهـ
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ عيسى عبده ، أثر تطبيق للاقتصاد الإسلامي في المجتمع ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، المملكة العربية السعودية 1981 ، ص 190
( - ) المضاربة أو القراض في الشرع : عقد توكيل صادر من رب المال لغيره على أن يتجر بخصوص النقدين ( الذهب والفضة ) المضروبين ضربا . انظر : الفقه على المذاهب الأربعة ، لعبد الرحمن الجزيري ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان 2003 ، ص32 .
2 ـ نزيه حماد ، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، هيرندن ، فرجينيا ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الطبعة الأولى 1993 ، ص 223 .
ـ أحمد أوصاف ، الممارسات المعاصرة لأساليب التمويل الإسلامية ، دراسات اقتصادية إسلامية البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المجلد الأول ، العدد الثاني ، جوان 1994 ، ص44 .
3 ـ سورة المزمل : الآية 20 .
4 ـ الجزيري عبد الرحمن ، الفقه على المذاهب الأربعة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2003 ، ج3 ، ص 29 .
ـ عبد السميع المصري ، مقومات الاقتصاد الإسلامي ، مكتبة وهبة ، عابدين ، القاهرة ، 1975 ، ص107 .
الفرع الثاني : أما في الاصطلاح الشرعي فهي " عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع أحدهما للآخر مالاً يملكه ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح ، كالنصف أو الثلث أو نحوهما بشرائط مخصوصة "(1) ، فهي إذن نوع شركة في الربح .(1/119)
ولا يختلف هذا المعنى عن المعنى اللغوي الذي به تحدد مفهوم المضاربة ، على ما كان شائعا قبل وبعد الإسلام ، إلا أن الشارع الحكيم يضع ضوابط للمضاربة ينبغي أن تراعى حتى تكون جائزة شرعا ، كأن يكون توزيع الأرباح بنسبة شائعة ( أي بنسبة مئوية ) لا بمقدار محدد ، حتى لا يلحق الضرر بأحد الطرفين ، وقد جاء في الحديث " لا ضرر ولا ضرار " (2) .
وعليه لا يجوز أن يشترط أحد الطرفين مقدارا معلوما من الربح ، كأن يقول صاحب المال لصاحب العمل أدفع لك رأس مال قدره كذا وحدة نقدية ؛ على أن أحصل في نهاية كل فترة على مبلغ نقدي قيمته كذا وحدة نقدية ، وهذا نظرا لكون مقدار الربح غير معلوم ، حتى وإن اعتمد صاحب المشروع على دراسة اقتصادية دقيقة قبل إنشائه للمشروع ، نظرا لكون الجدوى الاقتصادية تعتمد على معطيات آنية واستشرافا للمستقبل قد يؤدي تغير إحدى المعطيات إلى تغير النتائج بصورة كلية ، وهذا ما يجعل النتائج المتوقعة نسبية ، فإذا ما طلب صاحب المال مقدارا من الربح قد لا يتحقق فعلا ، فيلحق الضرر بصاحب العمل خاصة في حالة خسارة المشروع .
على هذا الأساس يؤكد فقهاء الشريعة الإسلامية على أن اقتسام الأرباح يكون على أساس النسبة لا على أساس القيمة ، وهذا بهدف تفادي إلحاق الضرر بأحد الطرفين ، وحتى في حالة الخسارة فإنه لا يتحملها طرف دون آخر ، وإنما يخسر صاحب رأس المال جزءً من ماله بقدر الخسارة ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الحميد محمود البعلي ، الاستثمار والرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بنك فيصل الإسلامي ، جمهورية قبرص التركية ، الطبعة الأولى 1991 ، ص31 .
2 ـ رواه ابن ماجه ، كتاب الأحكام ، حديث رقم 2331 .
ويتحمل صاحب العمل خسارة قوة عمله ، وهذا في الحالة التي لا يكون فيها العامل مقصرا أو مهملا ، لأن التقصير يدخل في إطار إلحاق الضرر بالغير .(1/120)
من خلال ما سبق يتأكد لنا أن الاقتصاد الإسلامي يساوي بين طرفي المضاربة ، فلا يحق لصاحب رأس المال أن يسترد خسارته بدعوى أن المال هو أساس النشاط الاقتصادي ، إنما يُعتبر العمل كذلك أصلا لإتمام المشروع ، وأي إنفاق لقوة العمل يعني استخداما يُشترط أن يحقق العائد ، وفي حالة خسارة المشروع يكفي صاحب العمل ما خسره من قوة عمله .
جاء عن مَالِك بن أنس أنه قال : " لا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ الْعَامِلِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ ...... فَإِذَا وَفَرَ الْمَالُ وَحَصَلَ عَزْلُ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ لَمْ يَلْحَقْ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنْ الْوَضِيعَةِ وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ ....."(1) . يؤكد الإمام مالك من خلال ما سبق أن الخسارة في المضاربة تقع فقط على صاحب المال ، وهذا دون اعتداء من العامل ، إذ أن خسارة المشاريع الاقتصادية تُعتبر شيئا طبيعيا ، وليس من العدل في شيء أن يُغرَّم العامل في حال خسارة المشروع ، ويكون بذلك صاحب رأس المال مستفيدا في كل الحالات .
وقد ورد عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " الوضيعة على المال والربح على ما اتفقوا عليه " يعني أن الخسارة تقع على رأس المال فقط ، والربح يكون بين الطرفين .
وقد جاء لدى الحنفية أن المضاربة هي عقد على شركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر(2) ، ولتفادي التقصير العمدي من صاحب العمل في الحفاظ على المال الذي بين يديه ، فإنه يُفترض ما يلي :
ــــــــــــــــــــــــــ(1/121)
1 ـ الإمام مالك ، الموطأ ، كتاب القراض ، باب ما لا يجوز من الشرط في القراض .
2 ـ الجزيري عبد الرحمن ، مرجع سابق ، ج3 ، ص 30 .
1. أن يكون المضارب ( صاحب العمل ) عند قبض المال وقبل الشروع في العمل أمينا وعليه فإن المال الذي بين يديه يكون أمانة ، تجب المحافظة عليه ورده عند طلب المالك ولا ضمان عليه .
2. وعند الشروع في العمل يصبح المضارب ( صاحب العمل ) وكيلا ، وحكم الوكيل أن يقوم مقام موكله فيما وكِّل فيه .
3. وعند حصول الربح يكون المضارب ( صاحب العمل ) شريكا فيه باعتباره ساهم في تكوينه بجهده .
وهناك عناصر أخرى تتعلق بفساد عقد المضاربة ، ومخالفة المضارب لشروط العقد وكذا اشتراط الربح للمضارب أو للمالك ، وهذا عند الحنفية . وهي كلها شروط تخرج عقد المضاربة إلى عقود أخرى ليس مجالها هذا البحث(1) .
الفرع الثالث : دليل مشروعيتها : لقد بُعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - والناس يتعاملون بالمضاربة ، فقد كان أهل قريش أصحاب تجارة لا معاش لهم من غيرها ، وفيهم الشيخ الكبير الذي لا يطيق السفر ، والمرأة والصغير واليتيم ، فكانوا وذوو الشغل والمرض يعطون المال مضاربة لمن يتجر به بجزء مسمى من الربح ، فأقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في الإسلام وعمل به المسلمون عملا متيقنا لا خلاف فيه ، ولو وجد فيه خلاف ما التفت إليه لأنه نقل كافة بعد كافة إلى زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلمه بذلك وقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قراض بمال خديجة رضي الله عنها قبل زواجه منها دون أن يشترك في تجارته تلك بمال(2) .(1/122)
وقد أقر الإسلام بذلك ما كان متعارفا عليه لدى الناس ، لما في ذلك من المصلحة لطرفي المضاربة دون أن يلحق الضرر بأحدهما ، وهذا في إطار احترام شروط العقد المبرم أثناء الاتفاق على القيام بأي نشاط اقتصادي مشترك عن طريق المضاربة ، فما اتفق عليه الطرفان يكون ملزما لهما ما لم تكن الشروط مُفسدة للعقد .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الجزيري عبد الرحمن ، مرجع سابق ، ص ص 30 ، 31 .
2 ـ ابن حزم ، المحلى ، معنى القراض لغة وشرعًا المحلى ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ( بدون سنة نشر ) ، ج8 ص247
فالمضاربة يترتب عنها استثمار مال الفرد الذي لا يملك القدرة على الاستثمار لسبب أو لآخر ، ويحقق أيضا في ذات الوقت منفعة للفقير الذي يملك الحرفة ولا يملك المال ، وينتج عن ذلك حركة في النشاط الاقتصادي ، وهذا ما تؤكد عليه الشريعة الإسلامية وترغب فيه(1) ، مع اشتراط الأمانة والصدق وحسن التصرف من قبل المضارب حتى يطمئن أرباب الأموال على أموالهم ، ويمكن ضمان ذلك بعقود موثقة تُصان بقوة القانون ، وهذا من خلال التعاقد بين المضارب وصاحب المال ، سواء كان بنكاً أو مؤسسة مالية ، أو فردا يبحث عن الذي يتولى استثمار أمواله .
وتتولى الدولة بمؤسساتها وقوانينها حماية عملية المضاربة من أي انحراف يؤدي إلى فسادها ، وفقدان الثقة فيها من قبل أصحاب الأموال ، وهذا داخل في دور الدولة التقليدي الذي يمس جانب توفير الأمن وحماية الممتلكات(2) ، أي تعمل الدولة على تقنين أسلوب المضاربة كما قننت العديد من أساليب النشاط الاقتصادي ، ونرى أن ذلك يندرج في إطار أعمال البنوك باعتبارها المكان الطبيعي لتجميع المدخرات وإدارة رؤوس أموال المجتمع ، وبما أن المضاربة يمكن أن تنطلق من البنوك ، فإن العملية تكون أكثر ضمانا .(1/123)
وانطلاقا من القاعدة الأصولية : " أينما كانت المصلحة فثم شرع الله " ، فقد أقر الإسلام أسلوب المضاربة الذي كان معروفا في الجاهلية ، وأول قراض ـ مضاربة ـ وقع في الإسلام هو قراض عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - ، فقد خرج عبد الله وأخيه في جيش العراق ، وكان أبو موسى الأشعري يومئذ أمير البصرة ، فنزلا عنده ، وقال لهما أريد أن أبعث مالا إلى أمير المؤمنين ، فخذاه سلفا واشتريا به تجارة من العراق تبيعانها بالمدينة وتدفعان رأس المال إلى أمير المؤمنين وتنتفعان بربحه فرضيا بذلك ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الجزيري عبد الرحمن ، مرجع سابق ، ج3 ، ص 40 .
2 ـ حسين عوض الله زينب ، مبادئ علم الاقتصاد ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 1997 ، ص98 .
وفعلا ، فلما دفعا المال إلى أمير المؤمنين سألهما : هل أسلف أبو موسى كل الجيش أو اختصكما أنتما به ؟ فقالا : بل اختصنا ، فقال : إنما فعل ذلك معكما لأنكما ابني أمير المؤمنين ، وطلب منهما أن يدفعا رأس المال والربح إلى بيت المال ، فسكت عبد الله ، أما عبيد الله فقال له : هذا لا ينبغي لك يا أمير المؤمنين ، لأن المال كان في ضماننا ، ولو هلك لألزمتنا به ، وبعد نقاش قال رجل من الحاضرين : لو جعلته قراضا ( يعني مضاربة ) يا أمير المؤمنين ، فجعل نصف الربح لبيت المال ، والنصف الآخر لولديه(1) .
وقد ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم قاموا بدفع أموال اليتامى مضاربة ، منهم عثمان بن عفان وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ، كما ورد عن عثمان وابن عمر وجابر وحكيم بن حزام وغيرهم : أنهم كانوا يدفعون أموالهم مضاربة(2) .(1/124)
يتبين من خلال ذلك أن أصل القراض كان موجودا ، وأخذ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - به يؤكد أن المضاربة في الإسلام مشروعة ، وهي أقرب إلى العدل في المعاملات المالية ، باعتبارها تزاوج بين رأس المال والعمل لضمان حركة النشاط الاقتصادي في المجتمع على الوجه الذي لا يلحق الضرر بأحد طرفي المعاملة .
والعقل يقتضي مشروعيتها لشدة حاجة الناس إليها من الجانبين ، فيوجد صاحب المال الذي لا يعرف أوجه الاستثمار ، ولا يحسن التجارة ، أو لا يملك الوقت الكافي لممارسة تلك الأعمال ، وبالتالي فهو بحاجة إلى طرف آخر يتولى العمل في ماله مضاربة فيستفيد الطرفان ، فلا ينكر أحد ذلك لعموم النفع وانتفاء وقوع الضرر على أحد الطرفين كما يحدث مع القروض البنكية .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الشوكاني ، نيل الأوطار ، دار الجيل ، بيروت ، 1973 ، ج5 ، ص394
2 ـ الأمين حسين ، المضاربة الشرعية وتطبيقاتها الحديثة ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الثانية ، 1993 ، ص23 .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المضاربة في الاقتصاد الوضعي تختلف عنها في الاقتصاد الإسلامي ، حيث نجد أنها في الاقتصاد الوضعي تمثل الشراء بثمن منخفض بهدف البيع بثمن أعلى مستقبلا ، وهذا بناء على معلومات حول حركة السوق في المستقبل ، ففي السوق المالي يمكن للمضارب أن يشتري أسهما لشركات يعتقد أن وضعها المالي سوف يتحسن مستقبلا وبالتالي ترتفع قيمة أسهمها ، ونفس العملية تتم في الأسواق الأخرى ، كأن يشتري المضارب سلعا يعتقد أن سعرها المستقبلي سوف يرتفع ليحصل على أرباح أعلى(1) .(1/125)
وقد أدرج كينز دافع المضاربة في أثناء تناوله الطلب على النقود ، إذ يحتفظ المضارب بأرصدة نقدية سائلة بغرض الاستفادة من التغيرات المتوقعة في أسعار الأوراق المالية ، وتوجد علاقة عكسية بين أسعار الفائدة وأسعار السندات ، إذ في الحالة التي تنخفض فيها أسعار الفائدة يزيد إقبال المضاربون على شراء السندات التي تدر عائدا سنويا ثابتا فترتفع أسعارها(2) .
ويعتقد كينز بوجود قانون سيكولوجي يسود أسواق المال ، حيث عندما يصل سعر الفائدة إلى ذلك المستوى المرتفع ، تكون أسعار السندات قد وصلت إلى مستويات منخفضة جدا ، عندها يشعر المضاربون أن سعر الفائدة لا يمكن أن يرتفع أكثر من ذلك المستوى ، وأن أسعار السندات لا يمكنها أن تنخفض أكثر من ذلك المستوى ، عندها تنخفض أسعار الفائدة وتعاود أسعار السندات الارتفاع ، وبناءً على هذه القناعات النفسية يتحول المضاربون إلى شراء السندات أملا في ارتفاع أسعارها مستقبلا .
ـــــــــــــــــــــــ
1 ـ بدوي أحمد زكي ، معجم المصطلحات الاقتصادية ، دار الكتاب المصري ، القاهرة ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1985 ، ص274 .
2 ـ الموسوي ضياء مجيد ، الاقتصاد النقدي ، دار الفكر ، الجزائر ( بدون تاريخ الطبع ) ، ص121
المطلب الثاني : شروط متعلقة بالمضاربة
تعتبر المضاربة عقدا كباقي العقود التي أقرها الإسلام ، وعليه فإن شروطها تتعلق بأهلية المتعاقدين والمحل والصيغة ، هذا من ناحية شروطها كوكالة ، وتتعلق شروط أخرى برأس المال والربح(1) .
الفرع الأول : الأهلية والمحل والصيغة : "فأركانها العقد بالإيجاب أو ما في حكمه والقبول أو ما في حكمه ، وهو الامتثال بين جائزي التصرف إلا من مال مسلم لكافر على مال نقد عند الجمهور ، ولها أحكام مجمع عليها منها أن الجهالة مغتفرة فيها ، ومنها أنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعد "(2) .
نستنتج من خلال ذلك العناصر التالية :(1/126)
1. الإيجاب والقبول ، وهو أن تتوافق رغبة صاحب المال مع صاحب العمل في إقامة مشروع استثماري بينهما ، وينبغي أن يكون التوافق تصريحا وتوثيقا ، وهذا بهدف الحفاظ على مصالح الطرفين من أي تلاعب أو تقصير ، فالعقد المبرم بين الطرفين يجسد في الواقع التراضي بينهما في الاستمرار إلى الحد الذي تتحقق فيه النتائج المرغوب فيها من هذا العمل .
2. أن يكون الطرفان جائزي التصرف ، أي في كامل قواهما العقلية ، غير محجور على صاحب المال ، باعتبار أن المحجور عليهم ليس بإمكانهم التصرف في أموالهم إما لسفه فيهم ، أو لفقدان العقل ، أو لعدم أهليتهم . وعليه يكون الطفل غير البالغ غير قادر على إبرام مثل هذه العقود خشية أن يلحقه الغرر ، كما أن اليتيم يتولى كفيله إبرام عقد المضاربة مكانه .
3. الاتفاق على الربح بين الطرفين قبل البدء في العمل تفاديا لأي نزاع بين طرفي المضاربة في نهاية العقد المبرم بينهم ، والذي يستمر حتما لفترة زمنية محددة ، أي أن المضاربة ليست أبدية ، ويكون ذلك على أساس نسبة مئوية .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الأمين حسين ، المرجع السابق ، ص27 .
2 ـ عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق ، ج3 ، ص31
4. وبتحقق الشروط السابقة ، يجب أن تتم عملية التسليم الفعلي للمال من صاحبه للعامل ، ويكون ذلك بمثابة الإذن للعامل ببدء العمل عن طريق المضاربة ، أي بمجرد التسليم يعتبر ذلك إيذانا بالشروع في الاستثمار ، مما يدل على أن الاتفاق بين الطرفين قد تم فعلا ، ورضي كل طرف بهذه العملية ، ويعتبر التوثيق بمثابة القيد الذي يضمن تنفيذ بنود العقد كلية دون إسقاط واحد منها .
الفرع الثاني : شروط متعلقة برأس المال(1) : تتلخص الشروط المتعلقة برأس المال في كل ما يخص طبيعته وملكيته ، وأن يكون معلوماً ويسلم فعلا للمضارب ، وفيما يلي تبيان ذلك :(1/127)
أولا : طبيعة رأس المال : قال مالك رحمه الله : " لايصلح القراض ( المضاربة ) إلا في العين من الذهب أو الورِق ( وقد كانت تلك هي النقود قديما ، وعليه لا يعني ذلك أن المضاربة لا تتم بالنقود الورقية ) ، ولا يكون في شيء من العروض والسلع ، ومن البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمره وتفاحش رده . فأما الربا فإنه لا يكون فيه إلا الرد أبدا ، ولا يجوز منه قليل ولا كثير ، ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره ، لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه : { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } (2) "(3) .
نتبين من ذلك أن المضاربة تتم بالنقود السائلة حصرا(4) ، وذكر مالك رحمه الله ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ زيد محمد الرماني ، عقد المضاربة في الفقه الإسلامي ومدى تطبيق أحكامه في المصارف وبيوت التمويل الإسلامية ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، الكويت ، العدد السابع والثلاثون ، أفريل 1999 ، ص 246 .
2 ـ سورة البقرة : الآية 279 .
3 ـ مالك بن أنس ، الموطأ " الكتب التسع ، الطبعة الإلكترونية ، الإصدار الثاني ، باب ما لا يجوز في القراض ، رقم 1374 .
4 ـ حسن محمد اسماعيل البيلي ، التخريج الشرعي لصيغ التمويل الإسلامية ، صيغ تمويل التنمية في الإسلام ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، وقائع ندوة رقم 29 في السودان 18 – 20 جانفي 1993 ، ص31 .(1/128)
الذهب والورِق ( الفضة ) كأساس لصحة المضاربة واستثنى السلع من ذلك ، يدل ذلك على أن ابتداء النشاط الاستثماري يجب أن يكون برأس مال نقدي ، لما في ذلك من عدم استقرار أسعار البضائع من جهة ، وعدم القدرة على الوفاء بأصل البضاعة عند انتهاء مدة عقد المضاربة ، على اعتبار أن المضارب ملزم بإعادة رأس المال لصاحبه ، فهل إذا كان رأس مال المضاربة من البضائع ، أيمكن أن يعيد المضارب نفس البضاعة وبنفس المواصفات وبنفس السعر الذي كان سائدا عند استلامه للبضاعة ، واستحالة ذلك يؤدي إلى استحالة تحديد مقدار الربح ، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزاع بين طرفي المضاربة ، وتفاديا لمثل هذا الاختلاف والنزاع ، يجب أن يكون المال نقدا بهدف ضمان حق كل طرف في الأرباح المعلومة ، وحتى تكون المضاربة إحدى صور استثمار المال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية للأفراد ، أي ضمان استخدام الفائض المالي في مشاريع استثمارية حقيقية ، وليس بهدف تخلص أحد الطرفين من بضاعة قد تكون كاسدة لديه ، فيصبح إشكال تصريفها لدى المضارب سببا في عدم تمام العملية ، وتفاديا لهذه المشاكل أو تلك تكون المضاربة برأس مال نقدي هو المعتمد .
إلا أنه قد نجد من الفقهاء من يجيز المضاربة بالبضائع ( عروض التجارة ) ، حتى وإن وجد خلاف بين الفقهاء فيما يخص جواز أو عدم جواز المضاربة ، فإنه يتعين الأخذ بالرأي القائل بعدم الجواز للأمور التالية :(1/129)
1/ لا تعتبر البضاعة رأس مال ، وإنما تعتبر من عروض التجارة ، أي البضاعة معدة أساسا للبيع ، وفي هذه الحالة لا يظهر جهد صاحب العمل في تحصيل الربح ، أي أن الاستثمار في الأصل يعتمد على المخاطرة ، وبالتالي تحيُّن الفرص المربحة التي تسمح للمضارب بتحقيق الأرباح التي توزع بين طرفي المضاربة ، فاستخدام رأس المال النقدي يُظهر مدى قدرة المضارب بعمله على استثمار تلك الأموال بالطريقة السليمة ، فما وُجدت المضاربة إلا لتمكين أصحاب المهن الذين لا يملكون رأس المال لتوظيف مهاراتهم بما يحقق للاقتصاد الوطني قيماً مضافة .
2/ تصلح البضاعة لمعاملة البيع لأجل بالنسبة للشخص الذي يريد المتاجرة ، ولا تصلح كرأس مال .
3/ قيمة البضاعة تتحدد على أساس العرض والطلب ، وقد يختلف المقوِّمون لها في تحديد ثمنها مما يؤدي إلى المنازعات ، هذا بخلاف رأس المال النقدي الذي تكون قيمته معلومة أثناء التسليم .
4/ مستلم البضاعة يأخذها بالثمن السائد وقت إبرام العقد ، ويردها عند نهاية العقد بالثمن السائد الذي يختلف عن الثمن الأول ، فأي القيمتين تعتبر رأس مال الذي على أساسه تحسب الأرباح .
وللخروج من هذا الإشكال الخاص باستخدام البضاعة كرأس مال للمضاربة يمكن أن يعمد المضارب بعمله إلى بيع البضاعة وقت إبرام العقد ، وهذا بموافقة صاحب البضاعة ، بعد ذلك يتم اتخاذ ثمنها كرأس مال لبداية المضاربة ، وبذلك يكون رأس المال نقدا معلوم القيمة يمكن حساب الأرباح على أساسه(1) .
ثانيا : ألا يكون رأس المال دينا في ذمة المضارب : قال مالك رحمه الله : " ... ثم إذا كان لرجل على رجل دين فسأله أن يقره عنده قراضا ، إن ذلك يكره حتى يقبض ماله ثم يقارضه بعد ذلك أو يمسك ، وإنما ذلك مخافة أن يكون أعسر بماله فهو يريد أن يؤخر ذلك على أن يزيده فيه "(2) .(1/130)
ذكرت العلة هنا في احتمال أن يكون المدين معسرا ، فإن تأخير الدائن قيمة الدين مقابل الدخول في مضاربة ، يكون بهدف تحقيق الربح ، وكأنه أجلّ عن المدين الدفع بعوض ، يدخل هذا في باب الربا ، حيث أن كل قرض جرّ نفعا فهو ربا ، وهذا منهي عنه ، وعلى صاحب الدين أن يرجئ المدين إلى حين قدرته على سداد دينه ، قال تعالى : { وإن كان ذو عُسرة فنظِرة إلى ميسرة } (3) ، ثم إن شاء دخل معه في مضاربة على أساس قيمة الدين التي قبضها فعلا ــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق ، ج3 ص30 .
2 ـ مالك ، الموطأ ، باب ما لا يجوز في القراض ، رقم 1374 .
3 ـ سورة البقرة : الآية 280
من المدين دون إجباره على ذلك ، ففي هذه الحالة يكون المدين قد وفّى ما عليه وخرج من دائرة الإعسار .
ثالثا : أن يكون رأس المال معلوما : يمثل رأس المال المعد للمضاربة أساسا لحساب الأرباح التي ستوزع بين صاحب المال وصاحب العمل ، فما زاد عن الأصل بعد فترة المضاربة هو الربح الذي يوزع ، وعليه ينبغي أن تكون البداية برأس مال معلوم المقدار ، حتى لا يقع الخلاف على مقدار الربح الذي يجب أن يقسم بين الطرفين حسب الاتفاق ، وبالتالي لا تصح المضاربة على مجهول(1) .
رابعا : أن يسلم رأس المال للعامل(2) : أي ينبغي أن يمكّن العامل من رأس المال ليجتهد في استثماره ، بناءً على كون الاتفاق تم بين صاحب المال والعمل ، لكون هذا الأخير بإمكانه أن يحقق العائد المجزي بخبرته وقدرته على اختيار المشاريع والأعمال التي تحقق الربح ، فإذا لم يُسلَّم المال للعامل لا يمكنه العمل بكل حرية والتي هي الأساس لممارسة النشاط الاقتصادي ، وفي هذا الإطار يتميز العامل عند السادة الحنفية بالخصائص التالية(3) :(1/131)
1/ يكون المضارب ـ صاحب العمل ـ عند قبضه لرأس المال أمينا ، أي قد مُكِّن من أمانة يشترط عليه أن يحفظها ، وأن يرد رأس المال لصاحبه عند انتهاء عقد المضاربة ، وعليه يضمن صاحب رأس المال عدم ضياعه بتقصير من صاحب العمل ويفيد ذلك في كون المضارب بقوة عمله قد يكون على كفاءة عالية ، بحيث يمكنه أن يستثمر ويحقق الأرباح العالية ، لكنه لا يملك المال اللازم ، ولا يملك الضمان لأي قرض يأخذه من البنك ، وبالتالي يكون غير قادر على تنفيذ مشاريعه ــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي ، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، مرجع سابق ، ص 452 .
2 ـ منذر قحف ، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، 1991 ص15 .
3 ـ الجزيري عبد الرحمن ، مرجع سابق ، ص30
الاستثمارية ، وفي حالة دخوله في المضاربة قد يطلب منه صاحب رأس المال ضمانا ، لكنه لا يملك ذلك الضمان ، وتعتبر الأمانة في مثل هذه الحالات البديل الحقيقي لذلك الضمان .
لكن قد يتبادر للذهن أن خلو مثل هذه العقود من الضمان يمنع أصحاب رؤوس الأموال من الدخول في المضاربة ، ويشجع أصحاب العمل على التهاون في الحفاظ على رأس المال ، وعدم دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع دراسة وافية ، إلا أن هذا الأمر غير صحيح ، لأن القاعدة في المضاربة : " الوضيعة على المال والربح على ما اتفقوا عليه " إلا أنه يُشترط أن لا يقصر العامل في عمله ، فإذا كانت الخسارة نتيجة تقصير منه كان ضامنا ، وعليه يخشى العامل أن يتحول إلى ضامن لرأس المال ، فيكون بذلك أكثر أمانة ، حتى إذا ما وقعت الخسارة بدون تقصير منه تكفيه خسارة قوة عمله .(1/132)
2/ وعند الشروع في المضاربة يصبح المضارب بقوة عمله وكيلا ، وحكم الوكيل أنه يقوم مقام موكله ، وعليه يكون قادرا على توظيف رأس المال في المجالات التي تعود على طرفي المضاربة بالعائد .
3/ في حالة فساد المضاربة لأي سبب من الأسباب يعود الربح لصاحب رأس المال ، ولصاحب العمل أجر المثل ، وفي حالة الخسارة فإن الراجح أن صاحب العمل لا يأخذ أجرا لأن ذلك يؤدي إلى الدخول في مضاربات فاسدة من طرف أصحاب العمل طمعا في حصولهم على عائد في كلا الحالتين ، أي في حالة الربح والخسارة .
4/ عند تحقق الربح يصبح حكم المضارب كالشريك في شركة العقود المالية ، وعليه ينبغي أن يكون لكلا الشريكين حصة من الربح حسب الاتفاق المبرم بينهما عند إبرام عقد المضاربة .
تعتبر هذه الشروط ضمانا لنجاح المشاريع الاستثمارية التي تتم على أساس المضاربة ، إذ لكل من صاحب المال وصاحب العمل عائدا ينتظره من خلال دخوله في المضاربة ، ويضمن ذلك حسن استثمار الأموال الزائدة عن الحاجة ، وتوفير فرص استغلال طاقات العمل العاطلة ، فيكون الموردين الاقتصاديين : رأس المال والعمل قد تم توظيفهما بطريقة اقتصادية .
الفرع الثالث : شروط متعلقة بالربح(1) : يمثل الربح العنصر الذي تقوم حوله المضاربة ، أي أن التقاء صاحب المال وصاحب العمل يكون بهدف تحقيق دخل إضافي يتمثل في الربح ، وعليه يجب أن توضع شروطا حول هذا العنصر بهدف ضبط عملية التوزيع ضبطا دقيقا يمنع الخلاف بين طرفي المضاربة .
وتدور شروط المضاربة المتعلقة بالربح حول ما يلي :(1/133)
أولا : اتفق الفقهاء على ضرورة تبيان نصيب كل طرف من الربح الذي سوف يتحقق من خلال عملية المضاربة ، على أن يكون نصيب الربح لكل طرف جزءاً مشاعا لا قيمة محددة ، كأن يتفقا على أن يتم تقاسم الأرباح بالنصف لكل طرف ، في هذه الحالة ينال كل طرف نصيبا من الربح ، سواء كان الربح كثيرا أم قليلا ، ولا يجوز أنة يشترط أحد الطرفين قيمة مطلقة من الربح ، كأن يطلب 1000 وحدة نقدية ربحا مقابل دخوله في المضاربة ، لأنه قد لا يتحقق هذا المقدار من الربح إطلاقا .
يفيد هذا الشرط في استغلال كل المشاريع الاستثمارية المتاحة بما فيها المشاريع ذات العائد المنخفض ، إذ ينال كل طرف من أطراف المضاربة نصيبه من الربح باستخدام النسب في التوزيع .
ثانيا : أن يقسم الربح بين طرفي المضاربة ، أي لا يصح أن يدخل شخص ثالث في اقتسام الأرباح لم يكن طرفا في المضاربة(2) .
يتضح من هذا الشرط أن عائد أي نشاط اقتصادي ينبغي أولا أن يوزع على منتجيه ، ففي هذه الحالة نجد أن طرفي المضاربة ( صاحب رأس المال وصاحب العمل ) ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الجزيري عبد الرحمن ، مرجع سابق ، ص35
2 ـ الهيتي عبد الرزاق رحيم جدي ، مرجع سابق ، 457
هما سببا وجود الربح ، فلهما العائد ، وأي طرف ثالث لم يشترك في تحقيق هذا الربح من شأنه إلحاق الضرر بأحد الطرفين .
الفرع الرابع : شروط متعلقة بالعمل : يعتبر العامل الطرف الثاني والأساسي في عقد المضاربة ، إذ لا تتم المضاربة إلا إذا وُجد صاحب رأس المال والعامل ، وعلى هذا الأساس فإن العامل يخضع لما يلي :
أولا : يشير مصطلح المضارب في الغالب إلى صاحب العمل ، ووفق هذا الشرط ينبغي أي ينفرد المضارب بالعمل ، والقيام بكل ما من شأنه الوصول إلى الهدف من المضاربة وهو تحقيق الربح ، وأي شرط ينافي ذلك يفسد المضاربة(1) .(1/134)
إن عقد المضاربة يحقق هدفين اثنين : توظيف رؤوس الأموال العاطلة ، خاصة وإن كان أصاحبها لا يحسنون الاستثمار ، أو لا يملكون الوقت الكافي لذلك ، أو عاجزين عن العمل ، والهدف الثاني هو تمكين أصحاب المهن والحرف من توظيف مهاراتهم في الأعمال التي يحسنونها ، وعليه فإنه من العدل أن يلتزم كل طرف بدوره في عملية المضاربة .
ومن ناحية أخرى فإن اشتراط رب المال العمل مع صاحب العمل يعني بقاء رأس المال في يد صاحبه ، مما يحوّل المضارب بعمله إلى شبه أجير ، فلا يستطيع أن يظهر إمكانياته وطاقاته ، وهذا ما يتنافى ومقصد المضاربة .
ثانيا : ألا يضيق رب المال على المضارب في أعماله ونشاطاته(1) ، ذلك لأن الهدف من المضاربة في السعي إلى تحقيق الربح ، وبالمصطلح الاقتصادي " تعظيم الأرباح " ولن يتسنى له ذلك إلا إذا تُرك حرا في اختيار النشاط الاقتصادي المحقق لذلك الهدف ، ونظرا لكون النشاط الاقتصادي يتم في ظل اقتصاد السوق المتميز بالحرية الاقتصادية ، فإن المشاريع الاقتصادية المربحة تكون متغيرة ، فإذا ما ألزم صاحب المال المضارب بنوع محدد ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الهيتي عبد الرزاق رحيم جدي ، مرجع سابق ، ص461
من الأعمال ، أو بمشروع مخصوص ، فإن ذلك يتنافى ومبدأ اختيار المشاريع الاستثمارية بواسطة دراسة الجدوى الاقتصادية ، التي تسمح بترتيب تلك المشاريع ترتيبا تنازليا حسب العائد المتوقع منها ، فيتجه المستثمرون أولا إلى المشاريع الأكثر عائدا متوقعا ، ثم يتدرجون في المشاريع الأخرى ، وما إن يقيد المضارب بمشروع محدد فإن ذلك يؤدي إلى قلة البدائل الممكنة لتحقيق الأرباح .(1/135)
وعليه فإن الأصل في المضاربة أن يدفع صاحب المال إلى المضارب مقدارا محددا من المال ليمارس بواسطته نشاطه الاستثماري ، فيتحقق بذلك الهدف من المضاربة نظرا لكون المضارب ينزل برأس المال إلى السوق التي تتسم بالتغير والتحول باستمرار ، فيتابع حركتها ليتمكن من إقامة المشروع المناسب .
وتمثل الصيغة المتفق عليها لتوزيع الأرباح حافزا لأصاحب العمل بهدف الاجتهاد أكثر في تحقيق هدف المضاربة ، فمثلا عندما ينص عقد المضاربة على أنه إن كان الربح المحقق 10% كان نصيب العامل منه الربع ، وإذا كان الربح المحقق هو 20% كان له الثلث ، وهذا ما يؤدي إلى العمل من أجل تحقيق أعلى نسبة من الربح ممكنة(1) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ منذر قحف ، قضايا معاصرة في النقود والبنوك والمساهمة في الشركات ، وقائع الندوة التي عقدت في مقر البنك الإسلامي للتنمية في جدة ، في الفترة الممتدة من 10 إلى 14 أفريل 1993 ، ص 274 .
المبحث الثاني
صور المضاربة
تتوقف المضاربة من حيث الأصل على اشتراك طرفين في استثمار ما ، على أن يقدم أحدهما رأس المال ويقدم الثاني عملا ، فيكون الطرفان قد ساهما بأحد عناصر الإنتاج في استثمار ينتظران من ورائه عائدا يتمثل في الربح ، وعملية المزج هذه تكون بطريقة متفق عليها بين الطرفين ، فتكون الصورة الأولى للمضاربة هي التقاء صاحب رأس المال مع صاحب العمل للقيام بمشروع مشترك بينهما ، إلا أنه في بعض الحالات لا يكون صاحب رأس المال قادرا على تمويل المشروع بمفرده ، لذا يحتاج الأمر إلى اشتراك مجموعة من الأفراد في تكوين رأس المال المناسب ودفعه لصاحب العمل لمباشرة أعماله ، وهي الصورة الثانية من صور المضاربة ، وسوف نعالج الموضوع من خلال المطلبين التاليين :
المطلب الأول : المضاربة الثنائية(1/136)
تمثل هذه الصورة من صور المضاربة الطريقة التقليدية لاستثمار المال وفق ما يتحدد من قبل طرفي عقد المضاربة ، وما يتفقان عليه فيما يخص أسلوب استثمار المال والمشاريع المتاحة لذلك ، وكيفية اقتسام الأرباح حال تحققها ، وطرق معالجة المشاكل التي قد تعترض المشروع الاستثماري ، ويتوقف ذلك العقد على قوة العلاقة الثنائية بين طرفي المضاربة(1) .
إن الدخول في العملية الاستثمارية يقتضي في الأصل وجود مبالغ نقدية فائضة عن الحاجات الاستهلاكية لصاحبها ، أي أن الفائض المالي لدى فئة معينة يؤدي إلى البحث عن الشخص الذي يستطيع تنمية ذلك المال ، على اعتبار أن صاحب العمل لا يملك المال اللازم لتمويل أعماله الاستثمارية ، ويحتاج ذلك إلى تعارف وثقة ورغبة من طرفي المضاربة .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الرزّاق رحيم جدي الهيتي ، المرجع السابق ، ص471 .
يؤدي ذلك إلى اشتراط وجود علاقة مباشرة بين صاحب الفائض المالي ، وصاحب العجز المالي ، أي بين المضارب بماله والمضارب بعمله ، وهذا ما يطرح صعوبات تتعلق بجملة من الأمور نوجزها فيما يلي :
? صعوبة التعارف : إن سرية الحسابات المصرفية ، وعدم رغبة أصحاب الأموال على إطلاع الغير على ما يملكونه من رصيد ، يؤدي إلى عدم معرفة أصحاب الفائض المالي من قبل أصحاب الحرف والأعمال المتخصصة ، وهؤلاء لا يمكنهم التعرف على أولئك الذين يملكون الفائض ويرغبون الدخول في مضاربات مع الغير ، ولا يمكن لهم عرض أنفسهم باعتبار أن صاحب العمل يكون أكثر استعدادا للعمل في أي مشروع بصيغة المضاربة ، بينما صاحب المال يكون أقل استعدادا ، وهذا نظرا لكون رأس المال يوصف بأنه جبان ، أي يخشى المخاطرة ، وعليه لا يمكن أن تتم المضاربة الثنائية إلا إذا تعارف الطرفان معرفة شخصية تتجاوز كل المخاوف التي تقف عائقا أمام إتمام المشروع الاستثماري .(1/137)
? صعوبة توافق الرغبات : قد يرغب صاحب الفائض المالي في طريقة خاصة للاستثمار لا يرضى بها صاحب العمل ، كأن يطلب منه العمل في مكان بعيد عن مقر إقامته ، في حين صاحب العمل قد لا يرغب في السفر ويريد العمل قريبا من مكان إقامته ، أو كأن يريد صاحب العمل وقت محدد لإتمام العملية الاستثمارية ، في حين يريد صاحب المال الاستمرار وقت أطول ، وقد يرجع ذلك إلى كون صاحب العمل يحاول الحصول على الأرباح ليستفرد فيما بعد بالعمل لوحده من خلال ما يجمعه من مال ، وهذا قد لا يرضاه صاحب المال ولا يرغب فيه ، الأمر الذي يقف عائقا أمام إتمام العملية بسبب اختلاف رغبة كل طرف .
? عدم كفاية رأس المال المنفرد على تغطية المشاريع الاستثمارية التي تحتاج إلى تمويل كبير ، مما يستدعي التركيز على المشاريع الصغيرة التي قد لا تؤدي الغرض المطلوب ، خاصة إن كان العائد منها ضعيفا ، مما يجعل صاحب المال يبحث عن طريقة أخرى لاستثمار أمواله ، فيستغني بذلك عن المضاربة ، الأمر الذي يقف عائقا أمام المضاربة الثنائية ، ومن ناحية أخرى قد يؤدي رأس المال المنفرد إلى انقطاع في التمويل خاصة في حالة ارتفاع تكاليف المشروع بسبب تغير الأسعار ، أو بسبب ضعف دراسة الجدوى الاقتصادية التي تسبق إقامة المشروع الاستثماري ، وانقطاع التمويل قد يؤدي إلى توقف المشروع خاصة إذا كان صاحب المال لا يملك موارد مالية إضافية يغطي بها العجز .
وفي حالة اعتماد المصرف الإسلامي على أسلوب المضاربة الثنائية ، فإن ذلك يجره إلى الاعتماد على رأس ماله الخاص ، فيؤدي ذلك إلى استخدام تلك الأموال بطريقة قد لا تحقق له العائد الكافي ، باعتبار أن المصرف يتحمل جملة من التكاليف لا يتحملها الخواص في حالة دخولهم في مضاربات .(1/138)
بناءً على ما سبق ينبغي البحث في طريقة أخرى لتمويل المشاريع الاستثمارية عن طريق المضاربة ، بحيث تضمن للأفراد أصحاب الفائض المالي من الاشتراك في العملية بما يقلص حجم المخاطرة لديهم ، ويسمح للبنك من جهة أخرى بأن يشترك في العملية دون أن يقع في مشكلة السيولة ، ومشكلة ارتفاع التكاليف ، هذا ما سوف نعالجه من خلال المطلب الثاني من هذا المبحث .
المطلب الثاني : المضاربة المشتركة
نظرا لكون الوساطة المالية حاليا في أغلب المؤسسات المالية العاملة في الدول الإسلامية تؤدي وظيفتها وفق أسعار الفائدة ، وقد فشلت في تعبئة المدخرات في الدول الإسلامية ، ونطمح أن تصبح تمارس وساطتها في ظل مبادئ الاقتصاد الإسلامي ، فإن أسلوب المضاربة المشتركة يمكن أن تتولى تنفيذه كوسيط وكمضارب في ذات الوقت ، حيث تقوم بقبول الودائع من الجمهور والتي تصب في حسابات المضاربة ، كما يمكنه أن يوفر رأس المال اللازم لأصحاب العمل فيكون طرفا في عقد المضاربة ، يهدف من خلاله للبحث عن نصيبه من الأرباح يدعّم بها مركزه المالي بواسطة عقود وأعمال تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية .
" وتعتبر المضاربة المشتركة أو الجماعية الصيغة التعاقدية الملائمة لظروف الاستثمار في الوقت الحالي ، فهي صياغة متطورة لعقد المضاربة الثنائية حيث أن صلاحية المضاربة الثنائية أصبحت محدودة للغاية في الاقتصاديات المعاصرة ، والتي تتميز بكبر حجم المشاريع الاستثمارية واحتياجاتها بالتالي لرؤوس أموال كبيرة يصعب توفيرها من مدخرات فرد واحد "(1) .(1/139)
تمثل المضاربة المشتركة إذن أسلوبا مساعدا لضمان الاستثمار في كل المشاريع المتاحة ، الصغير منها والذي يحتاج إلى تمويل بسيط ، والكبير منها الذي يحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة ، وما نهدف لتحقيقه من خلال دراسة وتحليل النشاط الاقتصادي في الإسلام ، والمحفزات اللازمة لتوسعه هو إيجاد الأساليب الملائمة لتمويل الاستثمارات والتي لا تتعارض مع مبادئ الإسلام .
وفي مجال المضاربة المشتركة والتي يكون البنك وسيطا فيها ، يتقدم المضارب بعمله إلى البنك مصحوبا بوثائق يقدم من خلالها الدليل الكامل لمشروعه ، والذي يجب أن يتضمن التفاصيل الكاملة عن المشروع الذي يستطيع إنجازه ، مرفوقا بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع الاستثماري .
تسمح إذن المضاربة المشتركة بتجاوز جملة من الصعوبات ، والتي تقف عائقا أمام المضاربة الثنائية ، وبهدف البحث عن الإطار الداعم لهذا النوع من تمويل الاستثمارات ــــــــــــــــــــــ
1 ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي ، ص306 .
ـ محمد عثمان شبير ، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع الأردن ، الطبعة الثانية 1998 ، ص300 .
نوجز تلك العوامل المساعدة على تجاوز مشاكل التمويل فيما بعد ، وهذا في شكل إجمالي موحد يوضح كيفية تفادي صعوبات المضاربة الثنائية التي أوردناها سابقا ، بما يسمح من زيادة حجم الاستثمارات المقامة على هذا الأساس .(1/140)
وفي هذا المجال يجب أن يكون البنك هو من يتولى عملية توفير الأموال اللازمة لهذا النوع من المضاربة ، إذ يستطيع البنك أن يلاقي بين أصحاب الأموال وأصحاب العمل ، فدوره إذن في هذه الحالة يتمثل في الوساطة ، إذ يمكن أن تُفتح حسابات مضاربة لدى البنك ، تتجمع فيها الودائع من مختلف المناطق ، ولمختلف الأفراد كما يجمع البنك طلبات أصحاب العمل المرفوقة بالدراسة الوافية عن المشروع ، ويقدم البنك التمويل اللازم من المدخرات المخصصة للمضاربة ، دون علم أصحابها في أول الأمر فيكون البنك في هذه الحالة وكيلا عن أصحاب الأموال ، يباشر عملية توقيع العقد بدلا عنهم ، ويمكن إطلاع أصحاب المدخرات بعد ذلك على المشروع الذي استخدمت فيه أموالهم ، ومن هم أصحاب العمل الذين يُنفذون المشروع ، وكذا البطاقة الفنية عن المشروع تتضمن : تكلفة المشروع ، عدد الممولين له ، أصحاب العمل ، العائد المتوقع من هذا المشروع ، وكيفية اقتسام الأرباح .
وفي هذا يمكن أن يساهم البنك بحصة من رأس المال ليكون طرفا في المضاربة ، وليطمئن أصحاب المدخرات على حسن استخدام أموالهم ، فيكون بذلك شريكا في الأرباح التي تتحقق فعلا من هذا المشروع ، كما يتحمل جزءًا من الخسارة في حالة فشل المشروع الاستثماري عن تحقيق أهدافه ، إذ القاعدة العامة في ذلك : " الوضيعة على المال والربح على ما اتفقوا عليه " ، وفي حالة ما إذا كان البنك لا يشارك بجزء من رأس المال يُمكنه تقاضي عمولة على ما يقوم به من الجمع بين رأس المال والعمل ، إذ يُحقق رغبة الطرفين فيكون بذلك قد قدّم خدمة يستحق عمولة على أساسها .(1/141)
نلاحظ من خلال ما سبق أن المضاربة المشتركة تسمح بتجاوز صعوبة التلاقي بين طرفي المضاربة ، وبالتالي يتولى البنك القيام بجمع رأس المال مع العمل ، ويتفادى صعوبة توافق الرغبات ، إذ من خلال الودائع التي يجمعها بغرض المضاربة يمكن أن يصنفها حسب مدة التوظيف وشروطه وغيرها من الرغبات التي يبديها أصحاب الأموال ، ونتفادى أيضا مشكلة استخدام مجموعة من المدخرات لتمويل مشروع واحد ، يحتاج إلى رأس مال كبير ، وهذا انطلاقا من الأموال التي يتلقاها البنك من طرف المدخرين .
ويمكن توضح دور الوساطة الذي تلعبه البنوك في مجال المضاربة المشتركة بالمخطط التالي :
المدخرون البنك المضاربون بالعمل
يقومون بوضع الأموال يفتح البنك حسابات ادخارية لتمويل ... ... ... يقدمون طلباتهم إلى البنك بهدف
الزائدة عن حاجاتهم ... ... ... المشاريع الاستثمارية المقترحة من ... ... ... الحصول على التمويل اللازم
الاستهلاكية لدى البنك ... ... قبل أصحاب العمل ، على أن يخصص ... ... ... لمشاريعهم الاستثمارية ، على
كودائع استثمارية ... ... ... الأموال حسب احتياجات التمويل ... ... ... أن تكون تلك الطلبات مصحوبة
بهدف استثمارها وفق ... ... لكل مشروع استثماري ... ... ... ... ... بالدراسة الوافية عن المشروع
أسلوب المضاربة
الحصول على نسبة يحصل البنك على نسبة من يظهر ذلك دور الوساطة الذي يلعبه يحصل البنك على الحصول على نسبة
من الأرباح المحققة فعلا الربح إن كان مساهما البنك بين المدخر وصاحب العمل عمولة في حالة من الأرباح المحققة فعلا
حسب ما تم تحديده في ... ... في رأس المال ... ... ... ... ... عدم مساهمته حسب ما تم تحديده في
عقد التأسيس تتحول الوساطة إلى العمل على تلاقي في رأس المال عقد التأسيس ... ... ... ... ... أصحاب المال مع أصحاب العمل
من خلال المشروع الاستثماري
... ... ... ... ... ... يسمح ذلك بتحقيق الأرباح
... ... المصدر : تمّ إعداد الشكل بناءً على التحليل السابق ... ...
المطلب الثالث : المضاربة المشتركة وبراءات الاختراع(1/142)
إن دور الوساطة المالية الذي تعلبه البنوك في الأصل يمكن أن يُستخدم في إطار تمويل الاستثمارات بأسلوب المضاربة ، إذ تعاني الدول الإسلامية من مشكل توفير رؤوس الأموال اللازمة التي تستخدم في تغطية تكاليف المشاريع الاستثمارية ، وتمثل براءات الاختراع في الدول النامية أفضل وسيلة تساعد على تحقيق الاستثمارات ذات العائد المستمر ، وهو ذلك العائد الذي يبدأ مع ظهور المنتوج الجديد إلى رواجه وحتى اختفائه ، أي يستمر العائد طيلة دورة حياة المنتوج ، ولن يتحقق ذلك إلا بالاستثمار في مجال الأبحاث العلمية التي يقوم بها خريجو الجامعات ، وسوف نبحث ذلك من خلال دراسة إمكانية تمويل مثل هذه الاستثمارات بأسلوب المضاربة ، وكما درسنا وحلّلنا كيفية تمويل الاستثمارات بأسلوب المشاركة ، يمكن استخدام نفس الطريقة لإيجاد الأسلوب المساعد في استخدام المضاربة لتوفير الأموال اللازمة لتحقيق الاستثمارات الممكنة خلال فترة زمنية محددة ، وسوف نعالج الموضوع من خلال الفروع الثلاثة التالية :
الفرع الأول : التكفل بأصحاب الشهادات العليا : يمكن للبنوك الإسلامية أن تجد في خريجي الجامعات السوق الاستثمارية الواسعة ، والتي يجب أن تُدعم ليتحقق الهدف التنموي من جهة ، والعائد المقبول لهذه البنوك من جانب آخر ، حيث تسمح العملية بالتكفل بثروة حقيقية للمجتمع ، تعمل على تنميتها والاستفادة من طاقاتها التي لا نجدها لدى غالبية قوة العمل التي توجد في الدول الإسلامية ، ومن جهة أخرى يمثل التكوين العالي تكلفة كبيرة جدا لا ينبغي أن تبقى بعيدة عن مجال الإنتاج ، فتكون الخسارة مضاعفة ، خسارة تكاليف التكوين وخسارة العائد الذي يمكن أن يتحقق من خلال استخدام أصحاب الشهادات العليا لقدراتهم العلمية .(1/143)
يمثل خريجو الجامعات كل سنة في الجزائر خاصة وفي الدول الإسلامية بصفة عامة عبئا ثقيلا على سوق العمل ، وهذا بسبب ضعف هذه السوق على استيعاب هذا النوع من قوة العمل ، ففي الجزائر مثلا يُعتبر التحول إلى اقتصاد السوق سببا رئيساً في ضعف الطلب على العمل من قبل المؤسسات الجديدة ، وفي تسريح العمال بسبب إعادة الهيكلة ، خاصة وأن اليد العاملة المؤهلة من أصحاب الشهادات العليا ، لم تسمح إعادة الهيكلة في الجزائر لهم بإيجاد مناصب العمل الملائمة ، إذ تُمثل أغلب الاستثمارات القائمة فعلا من قبيل الأعمال البسيطة والمهن التي تعتمد على الحرف التقليدية ، أو تتعلق بإنتاج السلع التي لا تحتاج لمهارات عالية .
والواقع الاستثماري في الجزائر يستدعي التكفل الفعلي بأصحاب الشهادات العليا ، خاصة في مجال العلوم الدقيقة التي تسمح بتحقيق براءات اختراع ذات قيمة فعلية ، تؤدي إلى حصول أرباح معتبرة وعلى المدى الطويل ، خاصة إذا كان الاختراع من السلع ذات الاستخدام الواسع ، أو كان بديلا لسلعة رائجة في السوق ويتمتع هو بمزايا أعلى ، فتكون القدرة التنافسية أفضل ، تسمح بالتوسع الاستثماري من خلال إعادة استثمار الأرباح المحققة .
إن الوظائف الإدارية التي قد يجدها بعض المتخرجين من الجامعات ، لا تكون في الغالب موافقة لقدرات ورغبات الحاصلين عليها ، خاصة إن كان هذا الشخص يحمل شهادة جامعية تطبيقية ، تحتاج إلى وظيفة متجانسة مع تخصصه ، وقد عانت الجزائر كثيرا من هذا الإشكال الذي انتهى بهجرة الأدمغة ، فكيف تتحمل الدولة نفقات التكوين التي تمثل تكلفة استثمارية حقيقية ، وتتحصل دولة أخرى على العائد الذي يتحقق من خلال ما ينتجه هؤلاء من سلع وخدمات ، وتمثل الإحصائيات في هذا المجال مفارقة حقيقية في الدول الإسلامية بصفة عامة وفي الجزائر بصفة خاصة .(1/144)
انطلاقا من هذه الاعتبارات نحاول البحث عن وسيلة جديدة للتكفل بهذه الفئة في المجتمع ، وهذا التكفل ليس مجانا ، ولا يمكن أن تقوم به الدولة في زمن التحول نحو اقتصاد السوق ، الذي يحتم على الدولة الانسحاب من الساحة الاقتصادية ولو جزئيا ، وحتى إن لم يعد للدولة الحارسة مكان في الوقت الحالي ، لم يعد أيضا مكانا للدولة المالكة لكل وسائل الإنتاج ، ولم يعد القطاع الخاص في دول العالم الثالث ممنوعا من النشاط الاقتصادي ، إنما أصبح هو الأصل .
الفرع الثاني : اقتراحات أصحاب الشهادات : نظرا لكون خريجي الجامعات يدركون تماما قدراتهم وكفاءاتهم في مجال تخصصهم ، يمكن أن يتقدموا بطلبات التمويل إلى أحد البنوك الذي يعمل بأسلوب المضاربة ، ويحتاج ذلك إلى جملة من الشروط والإجراءات يمكن أن نقترحها من خلال ما يلي :
? يقدم صاحب الشهادة العلمية بيانا بالسيرة الذاتية له ، إذ يبين المسار العلمي الذي يؤكد من خلاله على مجالات اهتمامه وقدراته في مجال التطبيقات العملية ، وإلى أي مدى استطاع أن يقدم الجديد من خلال إنجازاته العلمية . ... ... ...
? يتقدم المعني بطلبه إلى البنك والذي يتضمن جملة من المعلومات تتعلق بالمشروع الذي يريد تحقيقه ، ويكون ذلك في شكل بطاقة فنية تتضمن طبيعة المشروع ، كلفته التي تتحدد من خلال دراسة فنية لكل مستلزمات المشروع إلى غاية تحقيقه للمنتوج المرغوب فيه ، كما تتضمن البطاقة الفنية معلومات حول الاختراع أو المنتوج الجديد الذي يمكن البحث حوله ، بهدف تقدير أهمية الشيء المقصود ، ومدى الحاجة إليه من طرف المستهلك إن كان سلعة استهلاكية ، ومن طرف المنتج إن كان سلعة إنتاجية . ... ... ... ... ... ...(1/145)
? يصنف البنك تلك الطلبات في الجانب الخاص بالمضاربة لدى فئة الجامعيين من حاملي الشهادات العليا ، خاصة التطبيقية منها ، يقوم بعد ذلك بعرضها على أصحاب الأموال من زبائن البنك ، أو يقوم بالإعلان عنها في الدورية الخاصة بالبنك أو في وسائل الإعلام المختلفة ، يتقدم المضاربون بأموالهم إلى البنك طالبين تمويل المشروع ، وقد يتولى شخص واحد عملية التمويل ، كما يمكن أن يتولى ذلك مجموعة من الأشخاص ، وبالتالي يحدد كل واحد منهم الحصة المالية التي يمكن أن يعرضها للتمويل ، وهذا على ضوء التكلفة المقدرة من قبل أصحاب المشاريع ، يؤدي ذلك إلى تجميع الأموال الكافية لتمويل المشروع ، وبعد ذلك يُستدعى أصحاب الشهادات الذين استوفت مشاريعهم التمويل اللازم ، وهنا نكون بصدد طريقتين لإتمام العقد :
الطريقة الأولى : يكون فيها البنك وكيلا عن أصحاب الأموال ، وبالتالي يتولى عملية إبرام العقد مع صاحب المشروع ، وإن كان للبنك مساهمة في تكلفة المشروع يكون مضاربا يحق له الحصول على نصيب من الأرباح حال تحققها ، وإن لم تكن له مساهمة مالية يمكنه الحصول على عمولة .
الطريقة الثانية : يُعلم البنك أصحاب الأموال الذين قبلوا الدخول في مضاربة مع صاحب الشهادة ، وبالتالي يتلاقى الطرفان للاتفاق على كل ما يتعلق بالعملية ، وهذا من حيث مدة المشروع وكيفية التصرف في المنتوج الجديد ، وطريقة اقتسام الأرباح ، ومن سوف تسجل باسمه براءة الاختراع .(1/146)
الفرع الثالث : اقتراحات من طرف البنك : في هذه الحالة يتولى البنك من خلال خبرائه والمتعاونين معه في مجال اكتشاف القدرات الإبداعية في مختلف الدول الإسلامية ، البحث عن الاستثمارات التي يمكن أن تحقق أرباحا كبيرة في المستقبل ، وهذا من خلال تتبع الاتجاه العام للطلب ، أو لما يمكن أن يكون أكثر إشباعا للحاجات وتلبية للرغبات ، فعلى سبيل المثال يمكن للبنك أن يتبنى الاستثمار في مجال المعلوماتية ، أين يتم التكفل بجميع الطلبة المتخرجين من معاهد وكليات الإعلام الآلي والمتفوقين في دراستهم ، ونلاحظ أن هذا المجال قد حقق للدول المتقدمة مداخيل معتبرة ، ساهمت في الرفع من معدلات النمو الاقتصادي .
ويمكن للبنك إتباع بعض الإجراءات والخطوات في هذا المجال ، والتي تسمح باستقطاب الكفاءات الجامعية ، بما يحقق لأطراف المضاربة الهدف المقصود من أي عملية استثمارية ، وسوف نبين ذلك من خلال ما يلي :
? يعلن بنك مجموعة من مجالات الاستثمار يراها مناسبة لتحقيق أكبر عائد مستقبلا ، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان هذا الاستثمار منتجا لسلعة أو خدمة تتوفر على طلب واسع ، فتكون سوقها رائجة ، ويكون العمر الافتراضي للمنتوج طويلا ، وقد أصبحت الاستثمارات الحالية والتي تهدف إلى البقاء في السوق التنافسية أمدا طويلا ، تعتمد على البحث العلمي الذي يُحقق منتوجات ذات الاستخدام الواسع .
يجب أن يُصحَب إعلان البنك بمواصفات المشروع ، التكلفة المحتملة ، العائد المتوقع شروط التمويل التي تخص أصحاب الأموال ، وشروط التنفيذ والتي تخص أصحاب الأعمال ، الوسائل المستخدمة ، القدرات العلمية المطلوبة ، مدة الإنجاز ، كيفية التصرف في المنتوج الجديد حال تحققه .(1/147)
يستقبل هذا الإعلان كلٌ من الطلبة الباحثين وأصحاب الأموال الراغبين في المساهمة في مثل هذه المشاريع ، يهدف ذلك إلى تعرف الطلبة على مواصفات المشروع ، بما يسمح لهم من تحديد مدى تلاؤم قدراتهم الفكرية والعلمية مع إنجاز هذا المشروع ، ويتطلب ذلك استعدادا كاملا للتعايش معه . ... ... ...
كما يستقبل أصحاب المال هذا الإعلان لإدراك حجم التمويل اللازم ، والعائد الذي سوف يحققونه من خلال مساهمتهم في هذا المشروع عن طريق المضاربة ، فيخصصون جزءًا من مدخراتهم للمساهمة في هذا المشروع . ... ... ... ... ...
? يقدم الباحثون طلباتهم للبنك مصحوبة بمعلومات كاملة عن الباحث ، المجال المختار من قبل الباحث أو مجموعة الباحثين ، إذ يمكن لمشروع واحد أن يبحث فيه مجموعة من الطلبة ، كما يمكن أن يتولى البحث في أحد المجالات طالب واحد ، كما يقدم المترشح السيرة الذاتية له ، ويحدد المدة الزمنية التي يمكنه فيها إتمام البحث ، ليكون جاهزا لتحقيق الهدف المحقق ، ويتفقون مع البنك حول الأرباح وملكية براءة الاختراع في حال نجاح المشروع . ... ... ... ...
? يقدم أصحاب الأموال طلباتهم لدى البنك لتمويل المشروع المختار ، يلتزمون في ذلك بالشروط التي يضعها البنك لمثل هذا النوع من الاستثمار بالمضاربة ويحددون فيه مدى استعدادهم لمواجهة النقص في التمويل في حالة ما إذا كانت الأموال المرصودة للمشروع غير كافية لبلوغ الهدف ، ويمكنهم من جانب آخر الإطلاع على كيفية تقاسم الأرباح حال تحققها الفعلي ، وكيفية التصرف في براءة الاختراع .(1/148)
? يصنف البنك طلبات التمويل وكذا طلبات التنفيذ من قبل الطلبة والباحثين ، وهذا حسب طبيعة المشروع ، وحجم الأموال المخصصة للتمويل ، ليتم فيما بعد إعلام طرفي المضاربة بالصيغة النهائية لإتمام العقد ، حيث يتم التوقيع من الطرفين وللبنك الاختيار بين حالتين كما سبق معنا : إما أن يشارك في التمويل فيكون مضاربا وبالتالي له الحق في نسبة من الأرباح حال تحققها ، ويتحمل جزءًا من الخسارة حال وقوعها ، وإما أن يكون وسيطا فقط بين طرفي المضاربة وبالتالي يكتفي بعمولة مقابل مساهمته في الجمع بين طرفي المضاربة .
? بعد ذلك يتم البدء في تنفيذ المشروع على أن تتم المتابعة والمراقبة من طرفين اثنين : الأول يتمثل في البنك ، والذي يسعى دوما لضمان احترام بنود العقد من طرفي المضاربة ، كما يعمل على إيجاد الحلول المناسبة في حال ظهور مشاكل أثناء التنفيذ ، وتتم المتابعة أيضا من قبل أصحاب الأموال ، إلا أنها متابعة بهدف الحصول على المعلومات الكافية عن مدى تقدم المشروع ، حيث يُغني البنك هؤلاء عن التكفل بالمتابعة المستمرة للمشروع ، إلا أنه في حالة اتفاق البنك مع الممولين الفعليين على تشكيل لجنة متابعة من الطرفين ، فإن ذلك يعطي للجنة الحق في المتابعة والمراقبة ، وإن كنّا نفضل أن يكون لدى البنك خبراء في مجال الاستثمارات متخصصون في مجال المتابعة والمراقبة ، وهذا نظرا لكون رأس المال في أغلب الدول الإسلامية يملكه الأفراد الذين ليست لديهم خبرة علمية في مجال المتابعة والمراقبة ، مما قد يؤدي إلى نزاعات هامشية توقف تنفيذ المشروع .
المبحث الثالث
دور المضاربة في تمويل الاستثمارات(1/149)
يمثل تمويل الاستثمارات إحدى العقبات التي تعترض المجتمعات الإسلامية ، وهذا لعدة اعتبارات من بينها تفادي الوقوع في الربا المحرم ، وذلك فيما يتعلق بمعدلات الفائدة التي تقدمها البنوك التجارية على ودائع الأفراد ، وفي هذه الحالة يفضل أغلب أفراد المجتمع المسلم الذين يملكون دخلا يزيد عن حاجاتهم الاستهلاكية الاحتفاظ بالنقود سائلة على توظيفها في المجالات المحرمة شرعا ، أي يميلون إلى اكتناز أموالهم الزائدة عن احتياجاتهم ، خاصة وأن أداءهم فريضة الزكاة يجعلهم يعتقدون أن الاحتفاظ بالنقود لديهم يخرجهم من دائرة الاكتناز المحرم ، وهذا قد يكون تأويلا بعيدا للإنفاق المطلوب في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وآراء الفقهاء واجتهاداتهم .
ويمثل الإنفاق المطلوب شرعا كل الطرق التي تحقق الأهداف التي تنفع المجتمع والإنسان نفسه ، فإنفاق المال على إشباع الحاجات وتلبية الرغبات في دائرة الحلال ، يمثل جانبا من الإنفاق المطلوب ، وكذا الإنفاق على الفقراء سواء بالزكاة المفروضة ، أو بالصدقات التطوعية يعتبر مطلوبا شرعا كذلك ، والإنفاق على تمويل المشاريع الاستثمارية التي تسمع بالتوسعة على المسلمين ، وتسمح بتحقيق التنمية الاقتصادية يعتبر كذلك أمرا مطلوبا شرعا .(1/150)
على هذا الأساس سوف نبحث في النوع الأخير من أنواع الإنفاق المطلوبة شرعا ، ويمثل ذلك أهم أنواع الإنفاق التي يغفل عنه الكثير من الناس في ديار الإسلام ، ويعتبر ذلك السبيل الوحيد المحقق للكثير من الأهداف التي لا تزال عالقة في كثير من الدول الإسلامية ، إذ تمثل الأموال المعطلة عن أداء دورها في هذه الدول كتلة نقدية معتبرة ، قد تزيد عن الكتلة النقدية المتداولة فعلا ، وهذا ما يجعل تمويل التنمية أمرا صعبا ، وبالتالي يقع الإشكال حول كيفية توفير الأموال اللازمة لذلك ، فيحدث التمويل بالعجز الذي تذهب أمواله إلى مجالات غير منتجة ، وهذا سبب آخر لزيادة المشاكل الاقتصادية .
المطلب الأول : الطلب على النقود للمضاربة عند كينز
لقد جرت العادة عند سماع عبارة الطلب على النقود للمضاربة ، أن ينصرف الفهم إلى النظرية الكينزية في الطلب على النقود ، إلا أن المضاربة في الفقه الإسلامي تختلف عنها في الفكر الكينزي ، حيث تمثل اشتراك رأس المال من جهة والعمل من جهة أخرى ، على أن يتفق الطرفان حول كيفية تقاسم الأرباح ، فتكون بذلك المضاربة سبيلا لتوفير فرص العمل للأفراد بصورة مباشرة ، بينما المضاربة في الاقتصاد الوضعي قد تؤدي إلى إفلاس بعض المؤسسات بسبب عدم الإقدام على شراء أسهمها من قبل المضاربين ، وسنحاول في هذا المطلب معالجة مفهوم المضاربة في الفكر الكينزي .
يقسم كينز الطلب على إلى ثلاثة أنواع (1) ، يتعلق نوعين بالمعاملات والحيطة والحذر ، وهما على علاقة طردية بالدخل ويمثلان نسبة معينة منه ، بحيث يزداد الطلب على النقود لهذا الغرض كلما زاد الدخل ، ويحدث العكس عند انخفاض الدخل ، ويعني ذلك أن الأفراد يخصصون جزءاً من دخلهم لهذا الغرض .(1/151)
أما النوع الثالث وهو الجديد الذي جاء به كينز فيتمثل في الطلب على النقود للمضاربة ، ويعني أن الأفراد يدخرون جزءاً من دخلهم لتوظيفه في المؤسسات المالية مقابل عائد يحققونه عند نهاية مدة التوظيف ، أو من خلال بيع وشراء الأسهم والسندات ، وهذا النوع من الطلب يتعلق بسعر الفائدة " أي بالعائد المرتبط بذلك التوظيف " ، ويعني ذلك أن الأفراد يحررون جزءاً أكبر من المبالغ المالية المخصصة للمضاربة كلما ارتفع سعر الفائدة " أي العائد المتوقع من التوظيف " ويحرر الأفراد جزءاً أقل كلما انخفض العائد ، فتكون العلاقة بين العائد والطلب على النقود للمضاربة علاقة عكسية ، نمثلها بالمعادلة التالية مع منحناها البياني :
ــــــــــــــــــــــ
1 – ALAIN SAMUELSON , Les grands courants de la Pensée Economique , office dse publications universitaires , Ben-Aknoun , Alger1993 , 485 .
Md2 = A - (i
منحنى رقم : ( 01 ) يبين العلاقة
حيث " Md2 " الطلب على النقود للمضاربة . بين الطلب على النقود
" A " قيمة الدخل المحتفظ به عند انعدام سعر للمضاربة وسعر الفائدة
الفائدة ، أي أن الأفراد لا يحررون عندها أي
مبلغ للتوظيف بسبب انعدام العائد الذي على أساسه
يتم التوظيف ، وهذا غير ممكن لأن سعر الفائدة لا ينعدم
والواقع أنه عندما يصل سعر الفائدة إلى أدنى مستوياته
يفضل الناس النقود السائلة على
توظيفها بعائد ضعيف ، وهو ما يسميه
كينز بمصيدة السيولة .
"(" مدى حساسية الطلب على النقود للمضاربة للتغيرات في سعر الفائدة ، قيمتها هي مقلوب ميل المنحنى ، ويعني ذلك أن التغيرات في سعر الفائدة لا تعني استجابة سريعة من قبل أصحاب الفائض المالي لتلك التغيرات ، على هذا الأساس يتغير ميل المنحنى لتتغير معه درجة الحساسية .
" i " سعر الفائدة السائد خلال فترة محددة .(1/152)
إن العلاقة العكسية بين الطلب على النقود للمضاربة وسعر الفائدة ، تعني أن الأفراد يحررون كتلة نقدية أكبر لتوظيفها في مختلف الأسواق المالية عندما يزداد سعر الفائدة ، أو العائد الممنوح على مختلف أنواع التوظيف ، وهذا يعني أن تمويل الاقتصاد الوطني يزداد بزيادة معدلات الفائدة ، فيزداد تبعا لذلك الدخل الوطني ، وهذا ما نجده بالفعل في معادلة التوازن في سوق النقود ، أي أن الاستثمارات في الأسواق المالية تقتضي ارتفاع أسعار الفائدة التي تحفز على التوظيف ، وبالتالي كلما زادت عملية تحرير الأموال لتوظيفها في مختلف المؤسسات المالية كلما زاد الدخل الوطني ، فنجد معادلة التوازن في سوق النقود انطلاقا من دمج مختلف معادلات الطلب على النقود ، ومساواتها مع مستوى عرض النقود الذي يتحدد من طرف السلطات النقدية أين تلعب السياسة النقدية دورا في ذلك .
معادلة الطلب على النقود للمعاملات والحيطة والحذر : Md1 = (Y ، حيث ( يمثل النسبة المحتفظ بها من الدخل لأجل المعاملات والحيطة والحذر Y الدخل الوطني .
عرض النقود هو متغير خارجي يتحدد بواسطة السلطات النقدية ، نرمز له بالرمز Ms .
وحتى يحدث التوازن في سوق النقود لا بد من تساوي الطلب على النقود مع العرض عليها ، فيكون لدينا الآتي :
Ms = Md1 + Md2 = (Y + A - (i
وعليه يكون الدخل الوطني عند التوازن في سوق النقود معطى بالعلاقة :
Ms - A + (i
(Y = Ms - A + (i ( Y = ــــــــــ
(
معادلة التوازن في سوق النقود ، وهي تعرف اختصارا بمعادلة LM تؤكد لنا العلاقة الطردية بين الدخل الوطني وسعر الفائدة ، والمنحنى البياني التالي يبين ذلك :
منحنى رقم ( 03 ) : يبين العلاقة بين الدخل الوطني
وسعر الفائدة في سوق النقود
Y
من خلال هذا المنحنى تتأكد لنا العلاقة الطردية بين الدخل الوطني وسعر الفائدة ، وهذا ما يطرح عدة تساؤلات نذكر منها :(1/153)
? كيف يمكن لارتفاع سعر الفائدة أن يسهم في زيادة الدخل الوطني ، وهو يُعتبر العائق الأساسي في كثير من الأحيان في وجه الاستثمارات ؟ إلا أن ذلك يؤكد لنا أن أغلب الاستثمارات في الاقتصاد الحديث تتم في الأسواق المالية أين تتم المضاربة التي تؤدي إلى الاعتماد على الاستثمارات المالية ، والتي تختلف عن الاستثمارات الإنتاجية المؤدية إلى إنتاج السلع والخدمات الضامنة لاستقرار الأسواق ، ومن ثم استقرار النشاط الاقتصادي .
? إن تحرير جزء كبير من النقود المعدة للمضاربة بارتفاع سعر الفائدة ، يدل على أن سعر الفائدة المدين يكون كبيرا ، مما يحتم أن يكون سعر الفائدة الدائن أكبر منه لتحقق البنوك والمؤسسات المالية الأخرى أرباحها ، ونظرا للعلاقة العكسية بين الاستثمار وسعر الفائدة ، فإن الدخل الوطني يتراجع أصلا نظرا لتراجع الاستثمارات ، فكيف إذن يزداد الدخل بزيادة أسعار الفائدة ؟ ولا يمكن الاعتماد على سعر الفائدة التوازني لأن الوضعية الاقتصادية تختلف من مرحلة لأخرى ، وبالتالي إذا كان الاقتصاد واقعا في مصيدة السيولة فإن توفير الأموال اللازمة للاستثمارات يكون صعبا . ... ... ...
? كيف يتم التوفيق بين العلاقة العكسية التي تربط الدخل بسعر الفائدة في سوق السلع والخدمات ، والعلاقة الطردية التي تربط الدخل بسعر الفائدة في سوق النقود ؟ حيث تتوقف الاستثمارات على أساس إمكانية التمويل المتوفرة ، وكل طرف يسعى لتعظيم الأرباح ، وسعر الفائدة التوازني قد لا يخدم الطرفين إذ في حالة ارتفاع سعر الفائدة الدائن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمارات ، فرغم أن سعر الفائدة يُعتبر توازنيا إلا أنه ليس في صالح طالبي القروض لاستخدامها في إقامة مشاريعهم الاستثمارية . ... ... ... ... ... ... ... ...(1/154)
? كيف نعتمد على زيادة الدخل الوطني بتشجيع الاستثمار المالي ؟ في حين يجب أن يتم ذلك بزيادة الاستثمارات الإنتاجية ، إذ تعاني الدول الإسلامية من ضعف في أداء الجهاز الإنتاجي ، وبالتالي ضعف في مستويات الإنتاج ، والذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ، وعليه فإن الاعتماد على الاستثمارات المالية يٌفقد سوق السلع والخدمات توازنه ، فالكتلة النقدية المتداولة في السوق يجب أن تقابلها كتلة سلعية كافية لمنع التضخم النقدي .
المطلب الثاني : النموذج الإسلامي في الطلب على النقود للمضاربة
في إطار المضاربة نأخذ كخطوة أولى الطلب على النقود لهذا الغرض ، على أن يُستكمل بنوع آخر عند الكلام عن الاستثمار بالمشاركة ، عندها سيكتمل عندنا الطلب على النقود في المجال الاستثماري ، باعتبار أن الطلب على النقود للمعاملات والحيطة والحذر متماثل لدى كل المجتمعات ، وعليه فهو تابع للدخل .
انطلاقا من الطلب على النقود للمضاربة في الاقتصاد الرأسمالي يمكن استخلاص الخصائص التالية :
? تطلب النقود للمضاربة بهدف الحصول على عائد دون الحاجة إلى القيام باستثمارات حقيقية تستدعي المتابعة .
? تحرر النقود عند ارتفاع سعر الفائدة ، وتُمسك عند انخفاض سعر الفائدة ، مما يوحي أن مستويات النشاط الاقتصادي ليست لها أية أهمية ، وأن الأفراد يستمرون في تحرير أموالهم حتى وإن أدى ذلك إلى استثمارات وهمية .
? يتم الاحتفاظ بالنقود إذا كانت أسعار الفائدة منخفضة ، حتى وإن كان الاقتصاد بحاجة إلى التمويل ، مما يؤدي حتما إلى ضعف في التمويل ، وبالتالي ضعف في إنجاز المشاريع الاستثمارية المتاحة .
? إن أصحاب الأموال المعدة للمضاربة يطلبون معدلات فائدة عليا ، وهذا يتعارض مع كثير من الاستثمارات ذات العائد الضعيف ، مما يسقطها من حسابات المستثمرين ، فتضيع بذلك فرصة تحقيق إنتاج إضافي وعمالة إضافية .(1/155)
على هذا الأساس سوف نبحث عن دوافع أخرى في الاقتصاد الإسلامي تسمح باستغلال كل المشاريع الاقتصادية المتاحة خلال فترة زمنية محددة ، وعليه ينبغي إدراك المغزى من الطلب على النقود للمضاربة في الاقتصاد الإسلامي ، وهذا ما سنحاول إبرازه من خلال ما يلي :
? تطلب النقود للمضاربة بهدف التوظيف في مشاريع حقيقية يعرف أصحاب الأموال طبيعتها ، تكاليفها الحقيقية ، عائدها المتوقع ، كيفية المضاربة فيها ، على اعتبار أن المضاربة هي اشتراك بين صاحب المال من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى ، على أن يتم اقتسام الأرباح المحققة فعلا على أساس النسب المتفق عليها عند إبرام العقد ، وتكون الخسارة على رأس المال ، ويكفي العامل ما خسره من جهده وقوة عمله . ... ... ... ... ... ... ... ...
? توظف النقود عن طريق المضاربة أملا في الحصول على نسبة من العائد الحقيقي للاستثمار وليس على أساس سعر الفائدة ، أو قيمة الأسهم والسندات ، وبالتالي يكون المضارب بالمال بمثابة الشريك لا بمثابة الحريص على العائد المالي فقط ، فيكون أكثر اهتماما بالمشروع . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
? تحرر النقود للمضاربة في كل الأحوال على أساس المشاريع المتاحة وقدرة المتقدمين بها على الوفاء والمتابعة ، أي أن المضارب بماله يسعى لإنجاح المشروع ، لأن عائده يرتبط بنجاحه ، وعليه يتأكد العائد وتتأكد معه الأرباح لطرفي المضاربة ، إلا في الحالات التي تكون فيها الخسارة لأسباب خارجية ، وهذا بخلاف المضاربة في النظام الرأسمالي أين المخاطرة تكون عالية نظرا لتذبذب أسعار الأسهم والسندات لأي سبب من الأسباب ، حتى بالإشاعة يمكن أن تتغير الأسعار ، وهذا قد يؤدي إلى إفلاس الكثير من المؤسسات الإنتاجية المرتبطة بالسوق المالي . ... ... ... ... ...(1/156)
? تؤدي المضاربة في الإسلام إلى ضمان إنتاج السلع والخدمات التي تقابل تلك العوائد المتأتية من المضاربة ، وبالتالي نتجنب اختلال التوازن بين الكتلة النقدية في التداول والكتلة السلعية في السوق .
? تسمح المضاربة في الاقتصاد الإسلامي بتمويل المشاريع الاقتصادية بصورة مباشرة ، أي أن المضارب بماله يحدد المشروع الذي يرغب أن يضارب فيه ، وعليه فإنه قد يحرر كتلة نقدية من ماله للمضاربة لا بهدف تحقيق أعلى الأرباح فقط ، ولكن أيضا باعتبار المشروع المتاح له دور في التنمية الاقتصادية ، أو يقدم خدمات لفئة مقصودة من الناس أي المشاريع الاقتصادية ذات العائد المحدود قد تتم المضاربة فيها انطلاقا من هذا المبدأ . ... ... ... ... ... ... ... ...
? يتم الطلب على النقود للمضاربة انطلاقا مما ذُكر سابقا ، وعليه فإن المضارب بالمال يحرر أكبر قدر من تلك الأموال عندما يكون عائده في غالب الأحيان كبيرا ، وبالتالي يكون على علاقة وطيدة مع المضارب بعمله ، والذي قد يطلب نسبة مرتفعة من العائد إذا كان من يحسن حرفة أو مهنة من الناس عددهم قليلا ، وكان الطلب على هذه الحرفة أو المهنة كبيرا ، في هذه الحالة يتأثر أصحاب الأموال سلبا ، أي أنهم في قبولهم المضاربة فإنهم يحصلون على عائد قليل .
على هذا الأساس فإن قرار تحرير مبالغ إضافية للمضاربة يتوقف على طلب أصحاب العمل نسبة قليلة من الأرباح ، الأمر الذي يسمح بزيادة نصيب أصحاب الأموال من هذه الأرباح ، وفي حالة دخول البنك كوسيط فقط دون مساهمة منه في تمويل المشروع ، فإن عمولة البنك في هذه الحالة تُعتبر محددا أيضا لمقدار المبالغ المحررة للمضاربة .
وعليه فإننا نرى أن الطلب على النقود للمضاربة يخص الطبقة التي تضارب بالمال وليس الطبقة التي تضارب بالعمل .
خلاصة الفصل
يمكن بيان ما ورد في هذا الفصل من خلال جملة من النقاط نوردها فيما يلي :(1/157)
? تمثل المضاربة سبيلا لتحقيق التوليفة بين العمل والمال ، بحيث توظف الأموال الزائدة عن الحاجة لدى أصحاب الفائض المالي ، وتشغل الطاقات العاطلة من اليد العاملة خاصة المؤهلة .
? تسمح بتوفير التمويل اللازم لجملة من المشاريع الاستثمارية التي تحقق قيمة مضافة تساهم في تكوين الدخل الوطني .
? يتم تجاوز التوظيفات المالية التي تعتمد على العائد المالي دون المساهمة الفعلية في إنتاج السلع والخدمات .
? تتمكن البنوك من تحقيق دور الوسيط المالي الذي يكون طرفا في العمليات الاستثمارية سواء باعتباره نائبا عن صاحب المال ، أو مضاربا بأمواله .
? يتوقف الطلب على النقود للمضاربة في هذه الحالة على معدل الربح الذي يطالب به صاحب العمل ، والذي يجب أن يكون نسبة شائعة وليس قيمة مطلقة .
? تسمح المضاربة في الإسلام بتجاوز أسلوب المضاربة في الاقتصاد الوضعي ، والذي يعتمد على المتاجرة في الأوراق المالية لدى البورصة ، والذي يجعل إمكانية المساهمة في النشاط الإنتاجي ضعيفة .
? لا يمكن الدخول في مضاربات إلا وفق الشروط الشرعية التي بيّناها من خلال التحليل في هذا الفصل .
? تمثل المضاربة إحدى السبل التي تسمح بتمويل الاستثمارات في ظل الاقتصاد الإسلامي .
هذا ، وتبقى وسائل أخرى تدعم تمويل النشاط الاقتصادي ، وهذا ما سوف نحاول معالجته في الفصل التالي عند الحديث عن أسلوب المشاركة .
الفصل الثاني
الاستثمار بالمشاركة(1/158)
يحتاج الاستثمار في ظل الاقتصاد الإسلامي إلى تمويل لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، لذا ينبغي على البنوك الإسلامية أن تسعى لتعبئة الموارد المالية المتاحة لدى الأعوان الاقتصاديين وتوظيفها بطرق شرعية(1) ، وهذا بخلاف ما تقوم به البنوك التجارية القائمة ، إذ يعتمد الاستثمار في النظام الرأسمالي على الاقتراض من المؤسسات المالية ، والتي تجمع مدخرات الأفراد وتقرضها لطالبيها من رجال الأعمال ، وبالتالي فهي يلعب دور الوساطة المالية والنقدية بين أصحاب الفائض المالي وأصحاب العجز المالي ، والمنهج الإسلامي يعتمد في استثمار المال وتنميته عن طريق الاشتراك الفعلي في النشاط الاقتصادي فلا يوجد كسب بدون جهد ومخاطرة(2) ، لذا تزايد اهتمام المسلمين في مختلف الدول بما فيها الغربية باستثمار أموالهم بعيدا عن شبهة الربا(3) .
هذه العملية تستدعي وجود كلفة بالنسبة للبنك تتمثل في مقابل تلقي الودائع من الجمهور ، وتخص سعر الفائدة المدين ، والكلفة الثانية يدفعها المقترض للبنك مقابل طلبه للقروض وهو سعر الفائدة الدائن ، حيث لا يمكن لصاحب المشروع أن يتحصل على التمويل اللازم لمشروعه ، إلا إذا قبل بإعادة رأس المال المقترض يضاف إليه سعر الفائدة ، ويُجبر المقترض على ذلك سواء ربح المشروع أم خسر ، بما يطرح عدة إشكالات أمام المقترضين خوفا من النتائج السلبية نظرا لكون الاستثمار تحيط به جملة من المخاطر ،
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد إبراهيم أبو شادي ، التبعية الاقتصادية ودور البنوك الإسلامية في تحرير العالم الإسلامي منها ، الزهراء للإعلام العربي ، الطبعة الأولى 1994 ، ص42 .
- Economics and Islam , USC-MSA 13 of Muslim Texts.htm , p1
- Mohamed Ariff , University of Malaya , Islamic Manking , USC-MSA Compendium of Muslim Texts , The Moral 9 Economy of Islam.htm , p11(1/159)
2 ـ عبد الحميد الغزالي ، الإنسان أساس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية ، مركز الاقتصاد الإسلامي ، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية ، مطابع شركة النصر للتصدير والاستيراد ، طبعة 2 ، 1996 ، ص53 .
3 - Lloyds TSB lance des obligations islamiques en Angleterre
Tariq-al-halal.com - Economie - mercredi 23 mars 2005
ومن جهة البنك فإن صعوبة استرداد الأموال التي أقرضها للمستثمرين أصبحت تعيق العمل المصرفي ، فمخاطر عدم السداد أصبحت هي الأخرى عائقا أمام تمويل الاستثمارات ، وأي نشاط يحيط به خطران يكون صعب التنفيذ .
ومن جهة أخرى فإن هذه العملية يرى فيها الإسلام عدم الجواز ، باعتبار أن المقترض يعيد رأس المال مع سعر الفائدة بغض النظر عن نجاح مشروعه أو فشله ، فكانت تلك الفائدة بمثابة الربا التي تضعف صاحب الحاجة ، فتكون عندئذ الحاجة كبيرة إلى وساطة مالية بين أصحاب الفائض وأصحاب العجز بعيدا عن استخدام سعر الفائدة ، وهذا نظرا لكون الاقتصاد الإسلامي يقوم على المشاركة(1) .
ومن جانب أصحاب الودائع فإن الفوائد التي يحصلون عليها تمثل بالنسبة لهم دخلا دون جهد أو عمل منهم ، وهذا ما يخالف قاعدة " الغنم بالغرم " ، فإذا ما توسعت هذه العملية ، فإن أصحاب الأموال لا يشاركون بصورة فعلية في النشاط الاقتصادي ، ويعتمدون في دخلهم على تلك العوائد الناتجة عن مدخراتهم ، فهم لا يتحملون المخاطر التي يتحملها المستثمر الحقيقي ، ولن تتحقق بذلك عدالة توزيع الثروة التي يسعى الإسلام لتحقيقها بمختلف الوسائل .
إن النقود في النظام الاقتصادي الإسلامي ليست غاية في ذاتها ، كما أنها ليست سلعة ، فقد جاء عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( الذَّهَبُ ــــــــــــــــــــــــ(1/160)
1 ـ محمد علي القري ، نحو سوق مالية إسلامية ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المجلد الأول ، العدد الأول ديسمبر 1993 ، ص 12
- Economic Systems : Islam2.ht , Regents Prep Global History , Created by Jeffery Watkins , Copyright Copyright 1999 – 2003 , p2 .
- Virginia Postrel , Islamic economic principles my sound like just what the Middle East need . In practice , things are more complicated , the New York Times , August 12, 2004 , Dynamist_com Islamic 4.com , p2 .
ـ أميرة عبد اللطيف مشهور ، تنمية المال في الاقتصاد الإسلامي ، مطابع الأهرام التجارية ، القاهرة 1988 ، ص81 .
بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ))(1) .
إن الذهب والفضّه على عهده - صلى الله عليه وسلم - كانت نقودا متداولة ، يتم بواسطتها تبادل السلع والخدمات ، وفي حالة ما إذا تم تبادل النقدين يجب أن يكونا متماثلين ، فإذا اختلف الصنفان يجب أن تتم الصفقة يدا بيد حفاظا على مصلحة الطرفين ، نظرا لكون قيمة النقود تختلف من فترة لأخرى ، ويمكن التعبير عن ذلك بسعر الصرف .(1/161)
على ضوء الحديث السابق لا يمكن أن تكون النقود الورقية الحالية قابلة لإنتاج نقود أخرى تعود على صاحبها بالمنفعة ، وأي زيادة تدخل في باب الربا ، وهذا ما جاء صريحا في الحديث السابق ، إلا في حالة اختلاف العملة ، فإن ذلك يدخل ضمن التمايز الذي يجعلهما جنسين مختلفين ، وما دامت العملة تتبع الاقتصاد الذي تنتمي إليه فإن اختلاف الدول يعني اختلاف مستوى الأداء الاقتصادي ، لذا لا يمكن أن تتساوى عملتي دولتين مختلفتين .
كنتيجة لما سبق يتبين لنا أن وجود الفوائد البنكية تصعب عملية استقطاب المدخرات نظرا لرفض عامة الناس التعامل وفق هذا النظام ، وعليه ينبغي للمؤسسات المالية الإسلامية تفادي التعامل بالفائدة في إطار وساطتها المالية(1) .
نظرا لما سبق نحاول من خلال هذا الفصل معالجة هذا الإشكال القائم ، فما هو البديل الذي يقره الإسلام حتى لا تتوقف العملية الاستثمارية ، وحتى يستمر النشاط الاقتصادي في المجتمع .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه مسلم ، كتاب المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا ، رقم 2970
1 - Ziauddin ahmed , le systeme bancaire islamique : le bilan , série de conférences donnée par les lauréats du prix de la bid . publié par : institut islamiaue de recherches et de formation , banque islamique de developpement , première édition 1996 , p14 .
- Le système financier islamique.htm, I. Omarjee Courtoisie “Espace de l’Islam” , Références sur l'Islam , page principale
المبحث الأول
الاستثمار في النظام الرأسمالي ومخاطر تراجعه(1/162)
الاستثمار في النظام الرأسمالي معرض للانخفاض كلما ازداد سعر الفائدة ، كما أن تجميع مدخرات العائلات تتراجع كلما قلّ سعر الفائدة المقدم لهم من قبل المؤسسات المالية المجمعة لمدخراتهم ، فهناك إذن مفارقة في مجال الوساطة المالية ، وهذا بسبب محاولة كل طرف تعظيم دخله ، فالمدخرون يبحثون عن سعر فائدة مقبول لديهم حتى يتنازلوا عمّا يملكونه من فائض نقدي ، وطالبي القروض يرغبون في دفع سعر فائدة أدنى ليتمكنوا من تحقيق الأرباح بعد إتمام مشاريعهم الاستثمارية .
المطلب الأول : علاقة الاستثمار بسعر الفائدة
يتم الاستثمار في النظام الرأسمالي على أساس سعر الفائدة السائد في الأسواق المالية ، سواء بالنسبة لطالبي الأموال ، أو بالنسبة للعارضين ، وسوف نخص بالذكر الاستثمارات الإنتاجية باعتبارها الأساس لخلق السلع والخدمات ، ويمكن تحديد العلاقة بين حجم الاستثمارات ومعدل الفائدة وفق الخطوات التالية :
الفرع الأول : الكفاية الحدية لرأس المال : تواجه المؤسسات الاستثمارية عددا من المشاريع المتاحة للاستثمار في أي فترة من الفترات ، وتعتبر المشاريع المربحة محدودة جدا يتعين على المستثمرين اختيارها أولا ، ثم يكون التدرج نحو الأدنى ، ويكون علي تلك المؤسسات تقييم كل المشاريع وبناء جدول الكفاية الحدية لرأس المال ، حيث يتم ترتيب تلك المشاريع ترتيبا تنازليا حسب معدل العائد المتوقع من كل مشروع(1) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوجين أ. ديوليو ، ترجمة : العدل محمد رضا ، حمدي رضوان عبد العزيز ، النظرية الاقتصادية الكلية ، سلسلة ملخصات شوم ، دار ماكجروهيل للنشر ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1983 ، ص98 .(1/163)
إن العملية السابقة تستدعي التوقف عن الاستثمار عند نقطة محددة ، إذ يجب لقبول الاستثمارات أن يكون العائد أكبر من سعر الفائدة ، مع افتراض بقاء المتغيرات الأخرى التي تؤثر في قرارات الاستثمار على حالها ، أي نأخذ بالاعتبار سعر الفائدة وحده كمؤثر في القرارات الاستثمارية .
فمثلا إذا كانت المشاريع المتاحة وعوائدها المنتظرة كالآتي :
ـ مشروع 1 يكلف 2000 وحدة نقدية بعائد مرتقب 12%
ـ مشروع 2 يكلف 5000 وحدة نقدية مرتقب 15%
ـ مشروع 3 يكلف 12000 وحدة نقدية مرتقب10%
ـ مشروع 4 يكلف 7000 وحدة نقدية مرتقب 18%
ـ مشروع 5 يكلف 8000 وحدة نقدية مرتقب 9 %
بهدف اختيارات الاستثمارات سوف يتم ترتيب المشروعات في جدول تنازليا حسب العائد المتوقع من كل مشروع ، حيث يتم اختيار المشروع الأكثر عائدا ثم الذي يليه وهكذا ، إذ تُعتبر فرص الاستثمار المربحة محدودة جدا ، إلا أن الاستثمارات تتم مادام العائد يفوق سعر الفائدة الذي بموجبه تمّ الحصول على القروض الاستثمارية .
جدول رقم (01) : يبين ترتيب الاستثمارات المتاحة حسب العائد
جدول الكفاية الحدية لرأس المال
عائد الاستثمار ... المشاريع ... قيمة الاستثمارات(ون)
0.18 ... 4 ... 7000
0.15 ... 4 ، 2 ... 12000
0.12 ... 4 ، 2 ، 1 ... 14000
0.10 ... 4 ، 2 ، 1 ، 3 ... 26000
0.09 ... 4 ، 2 ، 1 ، 3 ، 5 ... 34000
المصدر : افتراضي
وبتجميع جداول الكفاية الحدية لرأس المال لمختلف المستثمرين على مستوى الاقتصاد الوطني ، نحصل على جدول كفاية لرأس المال على مستوى الاقتصاد ككل ، ويكون منحنى الكفاية الحدية لرأس المال سالب الميل .
منحنى رقم ( 03 ) : يبين منحنى الكفاية الحدية لرأس المال
منحنى بياني يمثل علاقة الاستثمار بالكفاية الحدية لرأس المال ، وهي علاقة عكسية ، إذ يهدف المستثمر إلى تحقيق العائد ، وإلا تخلى عن استثماراته .(1/164)
ومن جهة أخرى كلما تم الاستثمار في أغلب المشاريع المتاحة ، كلما زادت قيمة الاستثمارات على المستوى الكلي ، وكلما اقتصر المجتمع على الاستثمار في المشاريع ذات العائد الكبير فقط كلما قلّ حجم الاستثمارات .
الفرع الثاني : منحنى الطلب الاستثماري : تكون المؤسسات الاستثمارية راغبة في إضافة رأس مال جديد لاستثماراتها ، طالما أن ذلك يحقق لها أرباحا إضافية ، وبتعبير آخر تقوم المؤسسات الاستثمارية بإحداث استثمارات جديدة كلما كان العائد المتوقع "r" أكبر من تكلفة اقتراض أو استخدام الأرصدة المالية المطلوبة ، فإذا كان سعر الفائدة "i" مرتفعا تقل معه الاستثمارات ، والعكس بالعكس ، أي أن حجم الاستثمارات يكون تابعا لسعر الفائدة السائد في السوق ، I = f(i) على هذا الأساس يكون منحنى الاستثمار سالب الميل ، كما يوضحه الشكل التالي :
منحنى رقم ( 04 ) : يبين علاقة الاستثمار بسعر الفائدة
فإذا أخذنا بيانات الجدول السابقة وافترضنا مستويات معينة لسعر الفائدة ، مثل : 11% ، 13% ، 16% فإن مستويات الاستثمار عند كل سعر فائدة تكون كالتالي :
? سعر فائدة 11% يقابله استثمار في المشاريع 4 + 2 + 1 بقيمة إجمالية 33000 و.ن
? سعر الفائدة 13 % يقابله استثمار في المشاريع 4 + 2 بقيمة إجمالية 19000 و.ن
? سعر الفائدة 16 % يقابله استثمار في المشروع 4 بقيمة 7000و.ن
نلاحظ مما سبق أنه كلما ارتفع سعر الفائدة تتراجع القيمة الإجمالية للاستثمارات ، مما يؤكد العلاقة العكسية بين سعر الفائدة وإجمالي قيمة الاستثمارات .
المطلب الثاني : أثر سعر الفائدة على حجم الاستثمارات(1/165)
من خلال ما سبق يتبين لنا أن حجم الاستثمارات مرتبط أساسا بمستوى أسعار الفائدة السائدة في السوق ، وبالتالي يتحدد مقدارها على أساس ذلك ، وعلى هذا الأساس نكون بصدد حالتين يتأثر فيهما الاستثمار سلبا ، تتعلق الأولى بعدم وفرة المدخرات اللازمة لتمويل الاستثمارات ، والثانية تتعلق بارتفاع أسعار الفائدة التي تؤدي إلى تراجع الطلب على القروض ، ومنه انخفاض حجم الاستثمارات ، وسوف نحاول معالجة ذلك من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : على مستوى تجميع المدخرات : تعمد المؤسسات المالية إلى تجميع مدخرات الأفراد والمؤسسات الأخرى ، وهذا بهدف استخدامها في التوسع الائتماني ، إلا أن ذلك يستدعي زيادة سعر الفائدة الممنوح على تلك المدخرات ( سعر الفائدة المدين ) ، وهذا من أجل استقطاب أكبر قدر من الأموال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية لدى العائلات وتلك الأموال التي لم تُشغّل بعد لدى المؤسسات .
إن زيادة أسعار الفائدة المقدمة من طرف البنوك على الودائع يُجبرها على تقديم القروض للمستثمرين بأسعار فائدة أعلى حتى تحقق هامش الربح ، وبما أن سعر الفائدة يعتبر تكلفة حقيقية بالنسبة للمستثمر ، فإن تكاليف الاستثمار سوف ترتفع تبعا لارتفاع أسعار الفائدة ، يؤدي ذلك إلى تراجع حجم الاستثمارات ، فيتراجع معه الطلب على القروض الاستثمارية ، ويرجع ذلك للعلاقة العكسية التي تربط الاستثمار مع سعر الفائدة ، فتكون البنوك بذلك مجبرة على تخفيض سعر الفائدة المدين ، الأمر الذي يؤدي إلى إشكال آخر نعالجه من خلال الفرع الثاني .
الفرع الثاني : تفضيل السيولة : في الحالة التي يكون فيها سعر الفائدة السائد في السوق ، والممنوح على المدخرات ضعيفا ، يجعل الأفراد والمؤسسات لا يرغبون في توظيف أموالهم ويفضلون الأموال السائلة على توظيفها بعائد ضعيف ، أو بعائد سالب إذا كان معدل التضخم مرتفعا .(1/166)
إن الأسباب السابقة تؤدي إلى تراجع المدخرات ، أي يتراجع توظيف الأموال ويقل معها عرض الأموال المعدة للإقراض ، فإذا أخذنا بالنظرية الكلاسيكية في الادخار نجد أنه يتبع سعر الفائدة ، فالأفراد يفضلون التنازل عن الاستهلاك الحالي أملا في الحصول على دخل مستقبلا يسمح لهم بتحسين مستوى معيشتهم ، ويكون ذلك عندما يكون سعر الفائدة الممنوح على المدخرات كبيرا ، وفي حالة تراجع سعر الفائدة المدين يتراجع حتما الادخار .
وحسب قانون العرض والطلب فإن سعر الفائدة ـ سواء المقدم على الودائع ، أو الخاص بالقروض ـ له تأثير على مستويين :
المستوى الأول : يتعلق بسعر الفائدة الذي يدفعه طالبو القروض ، حيث يؤدي قلة الأموال المعروضة إلى زيادة أسعار الفائدة إذا كان الطلب على رؤوس الأموال كبيرا ، وبالتالي تتأثر أغلب المشاريع الاستثمارية سلبا ، خاصة تلك المشاريع المتميزة بعائد ضعيف ، وإذا ألغيت جملة من الاستثمارات فإن ذلك يعني انكماشا اقتصاديا ، يؤدي إلى تراجع الدخل الوطني ، كما يصحب هذا التقلص الاستثماري ارتفاعا في معدلات البطالة ، فيتراجع تبعا لذلك الطلب الفعّال ، فتتكون الحلقة المفرغة التي يصعب الخروج منها إلا بتكسيرها ، ولن يحدث ذلك بمبادرة خاصة لأن الاقتصاد يكون قد وقع في أزمة متشابكة الأسباب ومتعددة المظاهر ، وعليه يجب أن تكون المبادرة من خارج الأعوان الاقتصادية المشاركة فعلا في النشاط الاقتصادي ، ونكون في هذه الحالة بصدد توجهين :(1/167)
الأول : أن تتولى الدولة عملية تكسير الحلقة المفرغة بنفقات واسعة ، تشمل مختلف مجالات النشاط الاقتصادي ، وهذا يتطلب أن يكون للدولة موارد مالية كبيرة تسمح لها بالقيام بتلك العملية ، ويُعتبر برنامج الإنعاش الاقتصادي في الجزائر الذي باشرته الحكومة يصب في هذا الاتجاه ، خاصة بعد أن عرف النشاط الاقتصادي انكماشا كبيرا أدى إلى تراجع الدخل الوطني بمعدلات كبيرة ، الأمر الذي تسبب في انعدام النمو الاقتصادي ، وأحيانا كان بمعدلات سالبة خاصة في عشرية الأزمة السياسية والأمنية في الجزائر .
الثاني : يتعلق بطلب الاستثمارات الأجنبية ، أي تُعوِّل الدولة على رؤوس الأموال الأجنبية بهدف تحريك النشاط الاقتصادي ، وفي هذه الحالة سوف تستجيب الدولة لشروط المستثمر الأجنبي ، بما يُثقل الاقتصاد الوطني ، خاصة وأن المستثمر الأجنبي يضع شروطا قاسية ، تتعلق بالعمالة والجباية والأرباح ومجال استغلال الموارد الطبيعية ، وهي شروط تكون أكثر في صالح المستثمر الأجنبي ، كما أن قيام الدولة بتخفيض الضرائب عن تلك الاستثمارات يضعف ميزانية الدولة ، وفي مثل هذه الحالات تكون الاستثمارات الأجنبية التي جاءت في الأصل بهدف تحريك النشاط الاقتصادي ، لن تحقق ذلك إلا بمعدلات ضعيفة فيكون تباطؤ النمو الاقتصادي هو النتيجة بما يُثقل حركة التنمية الاقتصادية ، كما يمكن أن تكون الاستثمارات الأجنبية في مجال الصناعات الهامشية التي لا تسمح بتجاوز الأزمة الاقتصادية ، ولا بزيادة النمو الاقتصادي ، ولا يعني ذلك منع الاستثمارات الأجنبية .(1/168)
المستوى الثاني : ضعف المدخرات بسبب ضعف العائد : وفي مثل هذه الحالة فإن كتلة نقدية معتبرة سوف تخرج من دائرة التداول بسبب احتفاظ الأفراد بنقودهم سائلة ، يؤدي ذلك تراجع المعروض من النقود ، ويُعد تفضيل السيولة بمثابة العملية المعاكسة للتوسع النقدي ، وفي الحالة التي تكون فيها الاستثمارات المتاحة قابلة للتنفيذ إذا توفرت رؤوس الأموال ، تزداد تكلفة الاستثمارات بسبب عدم توفر التمويل اللازم فيقل التوظيف وقد تتأثر الأسواق المالية سلبا بمثل هذه الوضعية ، إذ أن تفضيل السيولة يؤدي إلى عدم إقبال المستثمرين على شراء الأوراق المالية ، فتكون الأسواق المالية في أدنى مستوى أداء لها ، مما يؤثر سلبا على نشاط المؤسسات الاقتصادية .
إن تفضيل السيولة الذي سمّاه كينز " مصيدة السيولة " يدل على أن سرعة دوران النقود ضعيفة جدا ، فإذا كان تفضيل السيولة يتعلق بمجالات الاستثمار المالي إلا أنه يتعدى كذلك إلى المجال الاستهلاكي ، إذ يؤدي حجب كتلة نقدية عن التداول إلى ضعف الطلب الاستثماري ، الأمر الذي يرفع من معدلات البطالة ، فيتراجع تبعا لذلك الطلب الاستهلاكي ، فتكون الكتلة النقدية المتداولة فعلا ضعيفة لا تسمح بتوسع النشاط الاقتصادي ، أي أن القدرة على زيادة الاستثمارات تضعف بشكل ملحوظ .
المبحث الثاني
تمويل الاستثمار بالمشاركة
انطلاقا من التحليل السابق تبين لنا أن طلب رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار على أساس سعر الفائدة ، يؤدي إلى نتائج عكسية ، خاصة في الدول الإسلامية التي لا يوظف الأفراد فيها أموالهم مقابل ذلك العائد باعتباره ربًا ، وفي مثل هذه الوضعية يحدث إشكالا كبيرا في مسألة توفير الأموال اللازمة لتلبية طلبات المستثمرين على رؤوس الأموال .(1/169)
بناءً على ما سبق نجد أنه من الضروري البحث عن بديل لتمويل الاستثمارات ، أي نبحث عن المحفزّات التي تسمح بتعبئة المدخرات لصالح النشاط الاقتصادي ، وهذا بعيدا عن سعر الفائدة ، ومن بين هذه الصيغ نجد التمويل على أساس المشاركة(1) .
في هذا المبحث سوف نتكلم عن طريقة أخرى لتعبئة الأموال لصالح الاستثمارات ، يتعلق الأمر بالمشاركة في تمويل المشاريع الاستثمارية(2) ، باعتبار أن عملية الاستثمار بالمشاركة تتم بمزج رؤوس الأموال بين المشتركين في المشروع الاستثماري ، سواء كانت العملية ثنائية أو متعددة الأطراف ، فإننا سوف نبين كيف تتم هذه العملية ، وما هي أنواع المشاركات التي يمكن تطبيقها لتحفيز الاستثمارات في الدول الإسلامية .
وسوف نتناول في هذا المبحث مفهوم الاستثمار بالمشاركة ، ثم أنواع المشاركات المتاحة ، لنخلص إلى طريقة تسمح بتطوير العملية لتصبح نموذجا للاستثمارات تشترك من خلاله جميع الأموال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية في تمويل الاقتصاد .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ زهيرة عبد الحميد معربة ، أثر إلغاء سعر الفائدة على أدوات السياسة النقدية ، رسالة ماجستير كلية التجارة ، قسم الاقتصاد ، جامعة الأزهر ، جمهورية مصر العربية (بدون تاريخ) ، ص160
2 ـ محسن أحمد الخضيري ، البنوك الإسلامية ، إيتراك للنشر والتوزيع ، مصر الجديدة ، الطبعة الثانية 1995 ، ص66 .
المطلب الأول : عموميات حول الاستثمار بالمشاركة
تشتق كلمة المشاركة من الأصل العربي (ش ر ك) : الشُركة والشَّرِكَة سواء : مخالطة الشريكين . يقال : اشتركا بمعنى تشاركا ، وقد اشترك الرجلان وشارك أحدهما الآخر(1) . فهي عقد بين طرفين أو أكثر ، يكون فيه المال والعمل شراكة بين الطرفين أو الأطراف ، ويكون الربح على أساس الاتفاق بنسبة شائعة ( أي نسبة مئوية ) ، والخسارة تكون على قدر حصص المال المقدم من كل طرف دون تقصير من أحد الطرفين(2) .(1/170)
ويشير رجال الفقه الإسلامي إلى أن شرعية وإباحة المشاركة تستند إلى تعاليم القرآن والسنة وإجماع العلماء(3) ، وهذا راجع لكون الاستثمار بالمشاركة لا يلحق الضرر بأحد الطرفين ، وهذا بخلاف تمويل الاستثمارات بالقروض البنكية ، أين نجد أن طالبي القروض الاستثمارية ملزمون بإعادة أصل القرض مع فوائده بغض النظر عما إذا ربح المشروع أم خسر ، هذا بخلاف التمويل بالمشاركة أين يشترك الطرفان في الربح والخسارة ، عندئذ لا يكون لأحد الطرفين الفرصة الأكيدة في الحصول على العائد .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن منظور ، لسان العرب ، إنتاج : المستقبل للنشر الالكتروني ، بيروت ، لبنان ، إصدار 1.0 ، 1995 .
2 ـ الباقر يوسف مضوي ، دراسة حالة لمصرف إسلامي في السودان ، البنوك الإسلامية ودورها في تنمية اقتصاديات المغرب العربي ، وقائع ندوة رقم 34 ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1995 ، ص314 .
ـ عبد الحميد الغزالي ، مركز الاقتصاد الإسلامي ، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية طبع شركة النصر للتصدير والاستيراد ، القاهرة ، طبعة 2 ، 1996 ، ص13 ، 14 .
3 ـ البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، دراسات اقتصادية إسلامية ، المجلد الأول ، العدد الثاني ، محرم 1415 هـ (جويلية 1994)
إن التمويل بالمشاركة(1) يضمن للنشاط الاقتصادي الأموال اللازمة بعيدا عن استخدام سعر الفائدة في ذلك ، أي تجاوز إشكال استخدام العائد الربوي ، فيمكن للمصرف أن يستخدم هذا الأسلوب لتعبئة المدخرات وتوفير التمويل اللازم للاستثمارات(2) ، فتكون تبعا لذلك العلاقة بين أصحاب الفائض المالي وأصحاب العجز المالي مبنية أساس قاعدة الغنم بالغرم(3) ، فتلغى فكرة العائد المضمون .(1/171)
إن العائد المضمون هو الذي يؤدي إلى تحول رؤوس الأموال من المخاطرة العالية إلى المخاطرة الأقل أو المعدومة ، فعلى سبيل المثال تتمثل الاستثمارات في البنوك عن طريق الودائع لأجل خالية من المخاطرة إلاّ ما تعلق بإفلاس البنك ، فإذا تحولت جميع المدخرات إلى مثل هذه الاستثمارات ، فإن النشاط الاقتصادي الحقيقي سوف يتقلص ، بما يضعف الإنتاج الوطني الحقيقي ، خاصة في الدول التي تعاني من ضعف الأداء الاقتصادي ، وتعتبر الدول الإسلامية في هذا المجال الأضعف من حيث الفعالية في الأداء ، وتمثل الكتلة النقدية فيها خارج التداول نسبة كبيرة جدا ، ويمتنع الكثير من أفرادها عن التعامل مع الوساطة المالية القائمة .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ جمال الدين عطية ، البنوك الإسلامية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان ، الطبعة الثانية 1993 ، ص165 .
ـ حسن بن منصور ، البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، مطابع عمار قرفي ، باتنة ، الجزائر الطبعة الأولى 1992 ، ص28 .
2 ـ درويش صديق جستنية وآخرون ، تطبيق القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية على الأعمال المصرفية ، دراسة تطبيقية على النظام المصرفي الباكستاني ، سلسلة أبحاث مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز ، المملكة العربية السعودية 1998 ، ص 21 .
3 ـ جمال لعمارة ، اقتصاد المشاركة بديل لاقتصاد السوق ، دراسات اقتصادية ، دورية متخصصة تصدر عن مركز البحوث والدراسات الإنسانية ـ البصيرة ـ جمعية ابن خلدون العلمية ، الجزائر ، العدد الأول ، السداسي الأول 1999 ، ص67
ـ وجيه مصطفى أمين التازي ، صيغ الاستثمار المصرفي في المؤسسات الإسلامية ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، ( بدون سنة ) ص161 .(1/172)
والتمويل بالمشاركة يشمل كل معاملة تحقق الربح للطرفين في حالة المشاركة الثنائية ، ولكل الأطراف في حالة المشاركة المتعددة(1) ، وهذا في حالة تحققه فعلا ، ويشمل هذا النوع من التمويل كافة صور عقود الشركات التي تهدف إلى إنتاج الطيبات ، في سعي من الطرفين إلى تحقيق الأرباح في إطار " الغنم بالغرم " ، أي تحمل المشارك الأعباء بقدر ما يحصل على العائد الذي يمثل نتيجة الأعمال الإنتاجية التي تمت بمقتضاها المشاركة ، ويمكن للبنوك الإسلامية استخدام هذا النوع من عمليات التمويل لتحقيق العائد المناسب(2) .
ما يحكم الاستثمار بالمشاركة إذن هو معدل الربح ، الذي يتحقق من أي مشروع استثماري ، إذ كلما كان معدل الربح مرتفعا كلما كان المشروع أكثر قابلية للتمويل(3) ، أي تسهل عملية تمويله بأسلوب المشاركة ، إلا أن المشاريع محدودة الربح يمكن أن تُمول هي الأخرى بهذا الأسلوب طالما لا يستأثر أحد الطرفين بعائد والآخر بالخسارة في حالة فشل المشروع في تحقيق الأرباح .
بناءً على ما سبق ، نستنتج أن أسلوب التمويل بالمشاركة يحقق العدالة بين طرفي العملية ، على هذا الأساس تكون عملية الاستثمار بهذا الأسلوب أكثر جاذبية لرؤوس الأموال ، وأكثر قدرة على تعبئة المدخرات ، وتوجيهها نحو الأعمال الاقتصادية المنتجة للسلع والخدمات ، ويمكن أن يسمح هذا النوع من التمويل بتقليل الإنفاق الاستهلاكي
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ وجيه مصطفى أمين التازي ، صيغ الاستثمار المصرفي في المؤسسات الإسلامية ، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الحقوق ( بدون تاريخ ) ، ص160 .
2 ـ محمد نجاة الله صديقي ، النظام المصرفي اللاربوي ، جامعة الملك عبد العزيز ، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1985 ، ص13 .(1/173)
3 ـ عبد الحميد الغزالي ، الأرباح والفوائد المصرفية بين التحليل الاقتصادي والحكم الشرعي ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، سلسلة ترجمات الاقتصاد الإسلامي ، رقم 2 ، الطبعة الأولى 1994 ، ص22 .
الثانوي الذي يؤدي إلى تقليص مدخرات الأفراد ، الأمر الذي يضعف القدرة على تمويل النشاط الاقتصادي ، وهو ما يحدث فعلا في الدول الإسلامية التي يعتبر الاستهلاك فيها غير منسجم مع المعايير الاقتصادية .
ورغم أن نصيب الفرد من الدخل الوطني ضعيف في أغلب الدول الإسلامية إلا أن المتوسط العام للدخل بالنسبة لمجموع هذه الدول يكون مقبولا ، وهذا نظرا لكون الكثير من الدول النفطية تتمتع بمداخيل مرتفعة ، تسمح لها بتكوين مدخرات عالية ، هذا ما يسمح للأفراد بالمشاركة في المشاريع الاستثمارية في حالة عدالة توزيع الدخل الوطني ، ونسعى إلى المشاركة في اقتصاديات الدول الأخرى ، كما أن الطبقة المتوسطة في هذه الدول موجودة مع وجود فارق من دولة لأخرى .
إن الحافز على الادخار غير موجود في الدول الإسلامية ، الأمر الذي يطرح إشكالا أمام تمويل الاستثمارات ، وهذا ما نسعى لبحثه وإثباته ومحاولة طرح البديل لتوظيف الأموال مقابل سعر الفائدة ، ويتمثل البديل المطروح في أسلوب المشاركة في رؤوس الأموال المستثمرة .
على ضوء ما سبق يمكننا التأكيد أن استخدام أسلوب المشاركة في إقامة وإدارة العمليات الاستثمارية في الدول الإسلامية ، يؤدي إلى توظيف الأموال المعطلة ، كما يؤدي إلى التحفيز للتنازل عن جزء من الاستهلاك الحالي لصالح المشاركة في تمويل الاستثمارات ، وهي العملية التي يطمح لها كل فرد مسلم يملك مبلغا من المال يزيد عن حاجاته الاستهلاكية .(1/174)
إن معدل الربح من خلال التمويل بالمشاركة ، يمكن أن يصبح بديلا حقيقيا لسعر الفائدة المعمول به حاليا في مختلف البنوك التجارية ، والذي يضمن الحق لصاحب المال العائد على حساب صاحب المشروع في حالة الخسارة ، وقد أثبتت التجارب على اختلافها صعوبة الاعتماد على سعر الفائدة لكثرة تقلباته ، ولكون الاستثمار يتقلب مع تلك التغيرات في أسعار الفائدة .
ويشترط لعملية التمويل بالمشاركة ما يلي(1) :
1. شروط العاقدين : التمتع بالأهلية الكاملة ، ولا يشترط أن يكون العاقدين مسلمين على أن يكون المال بيد المسلم حفاظا على سلامة استخدامه في مجالات الاستثمار المباحة شرعا .
2. شروط رأس المال : يكون رأس المال من طرفي أو أطراف المشاركة دون اشتراط تساوي الحصص وأن يكون رأس المال نقدا ، وإن كان غير ذلك يجب أن يقوّم بالنقود ، وهذا حتى لا يقع الاختلاف بين الشركاء في مقدار ما يستحق كل طرف من الأرباح في حالة تحقق الربح فعلا ، ونسبة الخسارة التي يتحملها كل طرف في حالة خسارة المشروع الاستثماري المشترك بينهم .
3. شروط توزيع الأرباح وتحمل الخسارة : يجب أن يتضمن عقد المشاركة كيفية توزيع الأرباح ، ونصيب كل طرف ، إذ يجب أن تُعتمد طريقة النسب لا القيم المطلقة ، وهذا باعتبار أن مقدار الربح يكون مجهولا ، وتكون الخسارة على جميع أطراف المشارِكة حسب حصة كل شريك في رأس المال .
يمكن من خلال ما سبق استنتاج خصائص التمويل بالمشاركة ودوره التمويلي :
1. يسمح بتكافؤ الفرص بين المشتركين في العملية الاستثمارية ، وهذا لعدم انفراد أحدهم بالعائد على حساب الآخر .
2. يحفِّز على زيادة المدخرات ، إذ يسعى الأفراد إلى البحث عن مكان لهم في مجال الاستثمارات ، بما يضمن لهم المساهمة الفعلية في النشاط الإنتاجي ، وكذا تكوين الدخل الوطني ، ويحقق لهم دخلا إضافيا .(1/175)
3. يسمح بتشغيل الأموال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية ، ويمنع الاكتناز الذي يتسبب في تعطيل الأموال عن أداء دورها الذي أنشئت من أجله .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ نجوى عبد الله عبد العزيز سمك ، علاقة البنوك الإسلامية بالبنك المركزي ، رسالة ماجستير ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد ، جامعة القاهرة 1990 ، ص10 ، 11 ، 14
4. يوفر رؤوس الأموال اللازمة لمختلف الاستثمارات ، بما يمنع إسقاط بعضا منها كما يحدث مع القروض بفائدة ، أين تختفي بعض الاستثمارات بسبب ارتفاع سعر الفائدة في السوق المالي .
5. يقلل من مخاطر العمليات البنكية ، فالنشاط التقليدي للبنوك التجارية تحيط به مخاطر عدم السداد ، حيث قد يفقد البنك العائد مع أصل القرض ، بينما في مجال التمويل بالمشاركة فإن البنك في هذه الحالة لا يتحمل إلا جزءًا من المخاطرة والتي تتعلق بنصيبه في رأس المال .
6. في مجال الاستثمار بالمشاركة يزداد حرص جميع الأطراف الذين شاركوا في المشروع على نجاحه ، ويعملون على تحقيق العائد الذي يكون لهم نصيبا فيه بخلاف التمويل التقليدي الذي يجعل للبنك الحق المطلق في العائد ، بغض النظر عن نجاح المشروع من عدمه .
7. يستجيب أسلوب التمويل بالمشاركة لكل التغيرات في النشاط الاقتصادي ، وهذا نظرا لكونه يمنح الفرص المتساوية لجميع الأطراف ، ولا يمكن في زمن الأزمات الاقتصادية أن تتراجع درجة التمويل خوفا من ضعف العائد ، فتقاسم القليل من الأرباح أفضل بكثير من تعطيل الأموال ، أما في مجال التمويل التقليدي فإن ضعف العائد من الاستثمار قد يُمتص من طرف سعر الفائدة ، والذي إن تم تخفيضه وقع الاقتصاد في مصيدة السيولة .(1/176)
8. إن الاستثمار بالمشاركة يكثف المتابعة للمشاريع الاستثمارية ، ويجعل الرقابة عليها مستمرة ، بما يضمن الاستغلال الأمثل لتلك المشاريع ، أي أن احتمال الخسارة يكون أقل منه في المشاريع التي يتم التمويل فيها بالقروض الربوية .
المطلب الثاني : أنواع المشاركات
تنقسم المشاركة بصفة عامة إلى نوعين وهما : المشاركة الدائمة ، والمشاركة المتناقصة أو المنتهية بالتمليك(1) ، وسوف نتناول ذلك من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : المشاركة الدائمة : بمقتضاها يقوم البنك بالاشتراك مع شخص أو أكثر لإنشاء مشروع استثماري ، ويكون التمويل مشتركا بين جميع الأطراف ، فيكون لكل طرف نصيب من الأرباح المحققة فعلا ، وإلا تحمّل كل طرف نسبة من الخسارة بحسب مشاركته في المشروع ، وتكون المحاسبة للخسائر والأرباح كل سنة مالية ، ويطلق على هذا الأسلوب من التمويل اسم المشاركة المستمرة(2) .
ويتميز هذا النوع من المشاركات بكونه يسمح لأكثر من طرف بمتابعة المشروع والحرص على نجاحه ، كما يتميز أيضا بتوفير التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية دون تكاليف رأسمالية ، إلا فيما تعلق بتكلفة الفرصة البديلة ، وفي مثل هذه الحالات يكون العائد موجبا دوما مع افتراض استقرار قيمة النقود .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ نادية محمد عبد العال ، أساليب التمويل والاستثمار في البنوك الإسلامية ، رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد 1988 ، ص73 .
ـ نجوى عبد الله عبد العزيز سمك ، علاقة البنوك الإسلامية بالبنك المركزي ، رسالة ماجستير ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد ، جامعة القاهرة 1990 ، ص ص 201 ، 202 .
ـ أحمد بن يوسف بن أحمد الدريويش ، أحكام السوق في الإستلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي دار عالم الكتب للنشر والتوزيع ، الرياض ، العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1989 ، ص 549 .(1/177)
2 ـ دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، العدد الثاني ، محرم 1415 هـ / جوان 1994 ، ص 42 .
وتعتبر شركة العنان في الفقه الإسلامي من قبيل الاستثمار بالمشاركة ، فهي أن يشترك إثنان فأكثر في رأس المال ، ولا يشترط جنسية المشتركين ، ولا التساوي في الحصص المالية(1) ، فهي إذن تسمح للأفراد باستثمار أموالهم دون أن يضطر الواحد منهم إلى توفير المبلغ المالي الذي يعجز عنه .
وفي إطار المشاركة يعمل المشاركون معا في تنمية الشركة ، ويسعون لزيادة الأرباح ، ويلتزمون بتتقسيمها بينهم على ما اتفقوا عليه عند إبرام العقد . وفي صيغة أخرى يمكن أن يشترك اثنان فأكثر في رأس المال على أن يعمل أحد الأطراف فقط ، بشرط أن يكون للعامل جزءاً من الربح نظير عمله يضاف إلى ربح رأس ماله(2) .
وكون الشركة تكون بشريكين فأكثر في رأس المال ، فإن ذلك يسهل عملية الإدارة والمتابعة والرقابة ، إذ يكون الحرص على نجاح المشروع من عدة أطراف عاملا مساعدا على الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة ، كما تسمح العملية بتجاوز المشاكل التي قد تعترض عملية إتمام المشروع .
وفي مجال الأرباح يجب أن تكون طريقة تقسيمها محددة مسبقا وفق نسبة مئوية تفاديا للغرر والاختلاف بين الشركاء ، وبالتالي يكون الرضا أساس المشاركة ، وعلى ذلك يتم التعاقد ويتم إنشاء الشركة ، إذ تمثل الأرباح الهدف الأساسي من إقامة المشروع وتمويله ، وتنمية المال بالاستثمار لن تتحقق إلا إذا تحققت الأرباح ، والإسلام حريص على عدم الاختلاف في جميع المجالات ، خاصة في مجال الأموال .
ويمتاز الاستثمار بالمشاركة عن الاستثمار بالمضاربة ، في كون خسارة المشروع يتحملها كل مشارك بقدر نصيبه من رأس المال في الشركة ، بينما المضاربة خسارة المشروع ــــــــــــــــــــــ(1/178)
1 ـ عبد الرحمن الجزيري ، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ، لبنان 2003 ، ج3ص54 .
2 ـ نفس المرجع ، ص58 .
يتحملها صاحب رأس المال ، ويكفي العامل ما خسره من قوة عمله ، وفي حالة تحمل أطراف المشاركة الخسارة يقل الضرر ، فيكون ذلك سببا في الإقبال على هذا النوع من الاستثمارات ، وسوف نعالج المضاربة في الفصل الموالي .
كما أن الاستثمار بالمشاركة يجعل البنك طرفا مباشرا في الإدارة والمراقبة ، بما يضمن نصيبه في رأس المال دون الحاجة إلى ضمانات أخرى ، بخلاف المضاربة التي يتولى العامل شؤون إدارة المشروع الاستثماري باعتباره مشتركا بقوة عمله ، وتدخل البنوك التجارية في المشاركات بهدف استثمار أموالها لتتمكن من تحقيق العائد ، وسوف يجد البنك في ذلك البديل الشرعي لعملية الإقراض بفائدة .
الفرع الثاني : المشاركة المتناقصة : يتم بمقتضاها إنشاء مشروع استثماري بين البنك ومن يشاركه ، على أن يلتزم البنك ببيع أسهمه تدريجيا للشركاء الذين يلتزمون بالشراء ، إلى الحد الذي يستوفي معه البنك كل مستحقاته ، ويصبح المشروع ملكا للشريك أو للشركاء(1) ، فالعملية تسمح للبنك بالحصول على الأرباح ، وتسمح للشركاء بالحصول على مشروع استثماري لم يكن بإمكانهم إنشاؤه بمفردهم .
والمشاركة المتناقصة تعتبر شكلا خاصا من أشكال المشاركات التي تتوج في النهاية بملكية شريك البنك للأصل الاستثماري أو المشروع(2) ، فيكون البنك بذلك سببا في إنشاء جملة من الاستثمارات الحقيقية ، ومساعدا في تحقيق التنمية الاقتصادية بعيدا عن اتخاذ النقود وسيلة لتحقيق العائد .
إن الإشكال القائم في الدول الإسلامية في مجال الاستثمارات ، هو عدم قدرة الكثير من أصحاب الأفكار الاستثمارية على تجسيد أفكارهم تلك بسبب ضعف ــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي ، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، دار أسامة ،(1/179)
عمان الأردن الطبعة الأولى 1998 ، ص 502
مركزهم المالي ، وفي كثير من الأحيان تضيع الفرص الاستثمارية ، ولا نجد أنفسنا أمام تكلفة الفرصة البديلة ، وإنما أمام ضياع كل الفرص الاستثمارية التي تتاح أمام الأفراد الذين لا يملكون التمويل الكافي .
إن هذا الإشكال غير قائم أمام المستثمرين الذين يتعاملون بالقروض البنكية ، إلا أن ذلك يكون غير ممكن لمن يبحثون عن التمويل الخالي من شبهة الربا والتي تسمى حاليا بسعر الفائدة(1) ، وفي كثير من الأحيان تكون المشاريع الاستثمارية المعروضة من قبيل المؤسسات الصغيرة ، والبنك ليس بإمكانه تبني العديد منها ليبقى له فيها نصيب ، على هذا الأساس تمثل المشاركة المنتهية بالتمليك أسلوبا لتنفيذ تلك المشاريع .
إن البنك في هذه الحالة يستفيد من دخل طيلة مدة بقائه شريكا في المشروع الاستثماري ، كما يتمكن من استرداد نصيبه المالي في المشروع تدريجيا دون أن يضطر الشريك الآخر إلى البحث عن موارد مالية لإعادة تلك الأموال ، وبالتالي يستطيع الأفراد المشاركون للبنك من الحصول على دخل ومن تسديد نصيب البنك في رأس المال في ظل شروط ميسرة ، إلى الحد الذي يتملك فيه المشاركون المشروع كلية .
إن هذه الطريقة تسمح للبنك من استخدام أمواله دون الحاجة إلى الوساطة المالية التقليدية التي تعمل بها البنوك التجارية ، كما تؤدي العملية إلى تحقيق العديد من المشاريع الاستثمارية ، التي تسمح لمالكيها فيما بعد من التوسع أكثر ، عن طريق توظيف العائد الذي يصبح من حقهم فقط ، بعد استيفاء البنك لنصيبه من رأس المال .
الفرع الثالث : بعض التطبيقات : تقوم البنوك الإسلامية بتطبيق أسلوب المشاركة في عدد من مجالات الاستثمار نذكر منها :
ــــــــــــــــــــــــ(1/180)
1 ـ حسن عبد الله الأمين ، حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائد ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1993 ، ص27 .
أولا : يستخدم بنك البركة السوداني أسلوب المشاركة لتمويل العمليات التجارية الداخلية ، إذ يدخل البنك في مشاركة مع زبونه الذي يعتبر شريكا ، إذ يساهم الطرفان في تمويل العملية ويفتح حساب مشاركة في البنك بعد توقيع العقد ، ويلتزم طرفا المشاركة بترتيب عملية شراء وبيع السلع المطلوبة .
وتوزع الأرباح كالتالي : يحصل الزبون على نسبة مئوية من صافي الأرباح ويوزع الباقي بين الشركاء حسب مساهمتهم في رأس المال ، وفي حالة الخسارة يتحمل الشركاء الخسارة بنسب مساهمتهم في رأس المال .
ثانيا : في مجال استيراد البضائع يطلب المستورد من بنك البركة السوداني المشاركة في استيراد سلعا محددة ، إذ يتم تحديد تكلفة السلعة ، ونسبة كل شريك في المساهمة ، وتحدد تكلفة الصفقة بأكملها بالعملة الصعبة ، يدفع المستورد جزءاً منها بعد توقيع العقد واستلام الفواتير ، يفتح حساب مشاركة خاص في البنك ، كما يفتح البنك خطاب اعتماد لصالح المستورد ، ويدفع المبلغ كاملا للمصدر بعد تلقي أوراق الشحن ويكون المستورد مسؤولا عن الاستيراد والبيع النهائي للسلع موضوع الصفقة ، ويوزع صافي الأرباح بين الشركاء حسب الاتفاق ، وفي حالة الخسارة يتحمل الأطراف تلك الخسارة حسب مساهمتهم .
ثالثا : وفي مجال خطابات الاعتماد على أساس المشاركة يتولى بنك ماليزيا الإسلامي تطبيق ذلك كما يلي :
يطلب البنك من الزبون المشارك أن يضع وديعته الخاصة بقيمة مشاركته لدى البنك ، بعد ذلك يصدر البنك خطاب الاعتماد ويرسل الأموال إلى البنك المراسل مستخدما وديعة الزبون وأموال البنك ، ويسلم الأوراق للزبون الذي يتسلم البضاعة ويتصرف فيها حسب بنود العقد ، وتقسم الأرباح حسب الاتفاق .(1/181)
رابعا : وفي المجال الزراعي يقوم البنك الإسلامي السوداني بمشاركة المزارعين في تمويل العمليات الاستثمارية في المجال الفلاحي ، إذ يقدم البنك أدوات الإنتاج وجزءاً من رأس المال ، ويتولى الفلاح المشارك تقديم الأرض واليد العاملة والإدارة ، ويدفع البنك للمزارع 30 % من صافي الربح تعويضا عن الإدارة ، ويقسم الباقي بين الطرفين حسب الاتفاق الوارد في العقد .
المبحث الثالث
معدل الربح كبديل لسعر الفائدة
إن عملية المشاركة في المشاريع الاستثمارية تستدعي أن يستفيد أصحاب المساهمات المالية من العائد الاستثماري ، والمتمثل في الأرباح المحققة فعلا من المشروع أو مجموعة المشاريع ، وبهدف تفادي أي اختلاف بين الشركاء ينبغي أن تتحدد طريقة اقتسام الأرباح على أساس النسبة المئوية لا على أساس القيم المطلقة ، ورغم أن سعر الفائدة هو نسبة إلا أنه يُحسب على أساس أصل القرض ، الأمر الذي يضمن للبنك عائدا معتبرا ، بينما يتحمل المستثمر تكاليف إضافية قد تستغرق الربح كله ، وباعتبار أن المصرف يكون طرفا في العملية ، بإمكانه استخدام معدل الربح للمشاركة في الأرباح لقبول تمويل الاستثمار بجزء من رأس المال الذي يتكلفه المشروع ، ويهدف ذلك إلى استيعاب مختلف المدخرات التي لا يرضى أصحابها توظيفها وفق معدلات الفائدة ، ففي ظل العمل بمعدل الربح الفعلي ، يمكن أن نجد التمويل الكافي باشتراك مجموعة من الأفراد في رأس المال الذي يحتاجه المشروع .
المطلب الأول : دور معدل الربح في تحقيق المشاركة(1/182)
إن المستثمر يسعى للحصول على الأموال اللازمة لتمويل مشاريعه الاستثمارية ، وهذا لكونه من أصحاب العجز المالي ، أي لا تكفي الأموال المتاحة لديه لتمويل مشروعه الاستثماري ، والبحث عن الأموال يقتضي أن تُقدّم للأفراد التحفيزات الكافية ، فكيف يرضى أصحاب الفائض المالي بتقديم أموالهم لأصحاب العجز المالي ؟ هي عملية تحتاج إلى تحفيز يسمح بتنفيذها بطريقة شرعية لا إشكال فيها .
إن النظام الرأسمالي يقدم للمدخرين سعر الفائدة مقابل مدخراتهم ، أي يحفز الأفراد على التنازل عن جزء من استهلاكهم الحالي لتمويل العمليات الاستثمارية ، أملا في الحصول على عائد مستقبلا ، وتزداد تلك المدخرات وتنقص حسب اتجاهين :
الأول : يمثله التيار الاقتصادي الكلاسيكي ، حيث يجعلون الادخار تابعا لسعر الفائدة(1) وبالتالي فإن المدخرات تزيد وتنقص تبعا لتغير سعر الفائدة ، والعلاقة بينهما طردية أي :
S = - a + (i
فتكون الزيادة في سعر الفائدة كافية لتحفيز الادخار ، وعليه فإن قرار الادخار يسبق قرار الاستهلاك حسب النظرية الكلاسيكية ، لكون الأفراد يقررون حجم ما يدخرونه تبعا لسعر الفائدة السائد في السوق ، أملا في الحصول على دخل مستقبلا يسمح لهم بزيادة مستوى استهلاكهم ، وما يتبقى لهم بعد ذلك من دخل يخصصونه للاستهلاك ، فهم إذن يؤجلون الاستهلاك الحالي الذي يقبل التأجيل بهدف الادخار.
الثاني : تمثله المدرسة الكينزية ، حيث يربط كينز كلا من الاستهلاك والادخار بالدخل المتاح(2) ويتحدد الاستهلاك أولا ، وما يتبقى من الدخل المتاح يتم ادخاره ، ويزيد الدخل المتاح بزيادة الأجر النقدي أو بتخفيض الضرائب أو بزيادة التحويلات الحكومية للأفراد ، والعلاقة بين الاستهلاك والدخل المتاح علاقة خطية أو قريبة من الخطية أي يزيد الاستهلاك بنسبة معينة كلما زاد الدخل المتاح بقيمة ما ، حيث :
C = a + bYd(1/183)
والاستهلاك تحكمه حسب كينز عوامل موضوعية مثل الدخل المتاح والأسعار وعوامل ذاتية ، مثل تفضيل المستهلك لسلعة دون أخرى ، أو خدمة على أخرى .
وفي كلا الحالتين فإن العائلات تستهلك جزءاً من دخلها وتدخر ما يزيد عن حاجاتها الاستهلاكية ، فهل العائلات في الدول الإسلامية تدخر أموالها الزائدة عن حاجاتها الاستهلاكية ؟ سؤال يحتاج إلى دراسة وتحليل نظرا لكون الثقافة الادخارية غير موجودة لدى هذه العائلات ، إضافة إلى اعتماد الاكتناز كأسلوب للاحتفاظ
ــــــــــــــــــــــــ
1 – Michel Dévoluy , Théories macroéconomiques , Fondements et controverses , deuxième édition , Armand Colin , Paris 1998 , p36 .
2 – Daniel Labaronne , Macroéconomie , ةquilibres macroéconomiques , éditions du seuil , paris 1999 , p32 .
بالنقود الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية ، والاكتناز هو حبس المال عن أوجه الاستثمار المختلفة(1) .
تعريف : " الادخار هو المبالغ التي يحتفظ بها الأفراد للاحتياط أو للاستثمار ، عندما يضغطون الاستهلاك إلى مستوى أقل من مستوى الدخل ، وعن طريق الادخار يمكن تحويل جزءا من الموارد عن سلع الاستهلاك الحاضر إلى استخدامها في أغراض رأسمالية "(2) .
إن ذكر الاحتياط في هذا التعريف لا يخدم ما نريد الوصول إليه ، نظرا لكون الإشكال القائم في الدول الإسلامية هو الادخار الذي يوجه لتمويل الاستثمارات ، لا الاحتياط الذي يحتفظ به لتغطية النفقات غير المتوقعة ، على اعتبار أن الطلب على النقود يتعلق في أحد أنواعه بغرض الحيطة والحذر .(1/184)
على هذا الأساس لا نسمي ادخارا تلك الأموال التي تضعها العائلات جانبا في البيوت لأن ذلك يعد اكتنازا ، بينما الادخار يعني وضع الأموال الزائدة عن الاستهلاك في متناول رجال الاستثمار ، وهذه العملية لم تحظ بقبول العائلات في الدول الإسلامية ، إما بسبب كون الوساطة المالية تتعامل بأسعار الفائدة ، أو لكون الكفاءات الاستثمارية غير متوفرة بما يسمح من زيادة الوعي الادخاري لدى العائلات ، لذلك لم تسمح تلك الظروف بتعبئة المدخرات ، فالأموال الفائضة عن الاستهلاك التي يتم اكتنازها أو وضعها لدى المصارف التجارية كودائع تحت الطلب ، هي أكبر بكثير من الأموال التي يتم ادخارها فعلا لدى المؤسسات المالية ، وهذه هي السمة الغالبة لكل الأفراد في الدول الإسلامية ، فما سبب ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ قطب مصطفى سانو ، المدخرات أحكامها وطرق تكوينها واستثمارها في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الأردن 2001 ، ص57 .
2 ـ بدوي أحمد زكي ـ معجم المصطلحات الاقتصادية ـ دار الكتاب المصري ، القاهرة ـ دار الكتاب اللبناني ، بيروت ـ 1985 ـ ص261 .
إن السبب الرئيسي الذي نراه وجيها ، ويفوق كل الأسباب الثانوية الأخرى في ضعف الادخار الفعلي لدى العائلات في الدول الإسلامية ، يتمثل في موقف الإسلام من سعر الفائدة الذي يعتبره رباً حُرِّم بنصوص القرآن والسنة تحريما قاطعا لا لبس فيه .(1/185)
وتأكد أثر هذا السبب على حجم المدخرات ، محاولة صنّاع القرار في الدول الإسلامية استصدار فتاوى من علماء الشريعة الإسلامية تبيح التعامل بسعر الفائدة في مجال الادخار في المؤسسات المالية ، أو الاقتراض منها ، وقد حدث هذا فعلا ، فعلى سبيل المثال صدرت فتوى بكون التعامل بالفوائد مع البنوك الحكومية لا يعتبر ربا ، وهذا لكون الدولة هي التي تعطي الفوائد على المدخرات وهي في مركز قوة ، بينما ربا الجاهلية كان يقدمه الضعفاء للأقوياء ، وبالتالي يدخل في باب استغلال الإنسان لأخيه ، فهو محرم إذن لاحتوائه على الاستغلال .
وتم تداول تلك الفتاوى في أوساط الناس ، وهناك من العلماء من تراجع عن فتواه في آخر عمره ، ومنهم من أكد على صحة الفتوى ، والملاحظ أن ذلك لم يغير في حقيقة الواقع شيئا يذكر ، وبقيت المجتمعات الإسلامية تعاني من ضعف الادخار بسبب التعامل بسعر الفائدة الذي لم يقبل به أفراد الأمة الإسلامية .
لذا يجب البحث عن البديل لسعر الفائدة ، والذي يسمح بتجميع المدخرات ، بدلا من البحث في كيفية إخراج سعر الفائدة من دائرة الحرمة إلى دائرة الحِل ، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى إضاعة الوقت أكثر ، إذ لم تؤدِ العملية قطعا إلى تحويل الأفراد عن قناعتهم بحرمة سعر الفائدة ، هذا البديل هو ما ندعوه معدل الربح الذي يضمن زيادة المدخرات الموجهة لتمويل الاستثمارات بالفعل .(1/186)
فمعدل الربح هو النسبة التي يتحصل عليها الفرد من الأرباح المحققة فعلا مقابل مساهمته الفعلية في تمويل المشاريع الاستثمارية ، وباعتبار أن المشاريع الاستثمارية قابلة للخسارة كما هي قابلة للربح ، فإن المشاركة يجب أن تكون في الربح والخسارة ، وهذا ما يخرج العائد الاستثماري إلى دائرة الحلال بخلاف سعر الفائدة الذي يأخذه المقرض سواء تحقق الربح أم لم يتحقق ، إذ ليس من الحكمة أن يتحمل المستثمر وحده خسارة المشروع ، ويستفيد صاحب المال من رأس ماله والفائدة معا ، ويترتب على ذلك إفلاس المشاريع الخاسرة ، وإجراءات قانونية وقضائية للتسوية قد تطول فتتعطل معها مصالح الناس .
على هذا الأساس يتم استخدام معدل الربح عوضا عن سعر الفائدة ، لتفادي كل المخاطر المالية والاقتصادية التي قد تلحق بالنشاط الاقتصادي ، نظرا لكون معدل الربح يسمح بتقسيم الأرباح المحققة فعلا ، وبالتالي يستفيد الطرفان الشريكان في المشروع ، بينما سعر الفائدة يستفيد منه المقرض فقط ، حتى وإن أدى ذلك إلى إفلاس المشاريع التي استفادت من القروض البنكية ، وفي ذلك تأثير سلبي على النشاط الاقتصادي ، خاصة إذا تعلق الأمر بإعلان إفلاس تلك المؤسسات وما يصحب ذلك من تسريح للعمال ، ويمكننا توضيح ذلك أكثر من خلال ما يلي :(1/187)
يعتمد أسلوب المشاركة على القابلية للربح والخسارة ، فقد أثبتت الدراسات الاقتصادية أنه لا يمكن أن تكون نسبة نجاح المشروع كاملة ، وإلا انتفت صفة المخاطرة عن المشاريع الاقتصادية ، وعليه نصل بطرفي المشاركة إلى شرط تكافؤ الفرص ، بما يعطي دفعا قويا لتنفيذ المشروع بدقة عالية من الطرفين ، فتزداد تبعا لذلك نسبة نجاح المشروع ، وفي حالة الخسارة يتم توزيعها على المشتركين في المشروع بما يقلل من درجة تحمل المخاطر بالنسبة للفرد الواحد ، وكلما تمّ توزيع الخسارة سمح ذلك بتقليل درجة تآكل رؤوس الأموال نتيجة الخسارة ، هذا بخلاف ما يحدث مع القروض الاستثمارية ، إذ في حالة خسارة المشروع ربما يختفي رأس المال كلية من دائرة النشاط الاقتصادي ، يؤدي ذلك إلى خسارة فرصة تنموية ، وبتراكم الخسائر في رؤوس الأموال تقلص معه فرص النمو والتنمية .
ووفقا لأسلوب المشاركة في تمويل الاستثمارات نجد أنه عندما يفكر المستثمر في إنجاز مشروعه ، يبحث عن أموال لتحقيق ذلك باعتباره لا يملك التمويل الكافي لذلك ، خاصة إن كان المشروع يتطلب رؤوس أموال كبيرة ، ويحدث هذا في مجال الصناعات الضخمة ، وكذلك في مجال الدراسات والأبحاث ، أين نحتاج إلى تكاليف كبيرة حتى يعطي المشروع نتائجه بما يخدم التطور الاقتصادي مستقبلا ، ولتحقيق ذلك يجد المستثمر نفسه أمام طريقتين لتوفير الأموال اللازمة لمشروعه ، ولا يتعلق ذلك بطريقة التمويل الذاتي :
الحالة الأولى : اتصال مباشر مع أصحاب الأموال :
في هذه الحالة يكون صاحب المشروع الاستثماري على علاقة مباشرة بأصحاب الفائض المالي ، يتصل بهم ويشرح لهم أهمية مشروعه ، والامتيازات التي يحققها ويتفقون على طريقة التمويل وكذا كيفية تقسيم الأرباح وفق نسب محددة ، كما يتم الاتفاق حول تحمل الخسارة في حال كان المشروع خاسرا لأسباب خارجة عن إرادة المستثمر ، فالاتفاق على الربح والخسارة يؤدي إلى تفادي المشاكل مستقبلا .(1/188)
وهذه العملية تعد صعبة نوعا ما ، خاصة إن كان المشروع كبيرا ويحتاج أموالا ضخمة ، الأمر الذي يستدعي اشتراك عددا كبيرا من الأفراد ، وهذا يطرح جملة من المشاكل تعيق تنفيذ هذه المشاريع ، ويرجع إلى جملة من الأسباب مثل صعوبة التعارف والتلاقي بين أصحاب العجز المالي وأصحاب الفائض المالي ، وكذا صعوبة توافق الرغبات في حالة الالتقاء ، وصعوبة الاتفاق على مدة التوظيف وغيرها من الصعوبات الأخرى التي تقف عائقا أمام توفير الأموال الكبيرة للمشاريع الضخمة بطريقة مباشرة(1) .
إلا أنه قد تكون عملية الاتصال المباشر بين أصحاب العجز وأصحاب الفائض المالي ملائمة بالنسبة للمشاريع الصغيرة ، أين يلتقي صاحب المشروع مع شخص أو عدد محدود من الأشخاص يعرفون بعضهم بعضا ، وتتم إقامة المشروع على أساس التنفيذ من صاحب الفكرة ، والتمويل من صاحب أو أصحاب المال ، وفي هذه الحالة يجب الاتفاق أولا على
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الطاهر لطرش ، تقنيات بنكية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون الجزائر 2003 ، ص6 .
النسبة التي توزع بها الأرباح ، وكيفية التصرف في الحالة التي تلحق المشروع خسارة ، وإمكانية التمويل بهذه الطريقة ليست مطلقة ، وهذا نظرا لكون الاتفاق الثنائي ربما يُتاح لعدد محدود من الأشخاص ، وبالتالي يمكن إقامة عدد محدود من المشاريع الاقتصادية لا تستجيب للمتطلبات الاقتصادية على المستوى الكلي ، ولا يمكن أن تغير من المجمعات الاقتصادية إلا بنسبة ضعيفة .(1/189)
إن الاتفاق بين صاحب المشروع والممول لهذا المشروع على نسب تقسيم الأرباح ، يسمح ذلك بقبول مبدأ التمويل من قبل أصحاب الفائض المالي ، وتزداد قابلية الأفراد للمشاركة في المشاريع الاستثمارية كلما كان معدل الربح كبيرا ، أي يعتبر العائد في هذه الحالة محفّزاً أساسيا للدخول في مشاركات مع أصحاب المشاريع الاستثمارية ، وما دامت المشاركة تتم في الربح والخسارة ، فإن الإسلام لا يحرم ذلك ما دام الضرر لا يلحق أحد الطرفين دون الآخر من الأطراف المشاركة في المشروع ، والقاعدة الأساسية محترمة ، وهي الغنم بالغرم .
فمثلا يمكن لشخصين أن يشتركا في مشروع استثماري ، ويتفقا على تقاسم الأرباح بالنصف ، في هذه الحالة يكون معدل الربح هو 50% وبالتالي فإن أغلب أصحاب الفائض المالي يقبلون المشاركة عند مثل هذا المعدل ، ويستفيد صاحب المشروع من هذه المشاركة كونه لا يتحمل خسارة المشروع في حالة تحققها ، هذا بخلاف الاستثمار على أساس الاقتراض من المؤسسات المالية على أساس سعر فائدة أين يكون المستثمر مجبرا على إعادة رأس المال مع الفائدة للبنك سواء ربح المشروع أم خسر ، أو تصادر ممتلكات المدين التي وضعت كضمانة للقرض في حالة إفلاس المشروع ، مما يجعل عمليات الاستثمار في المشاريع الإنتاجية محفوف بالمخاطر ، وقليل الاهتمام من قبل رجال الأعمال .(1/190)
الحالة الثانية : وجود وسيط لتجميع المدخرات : توجد الكثير من المشاريع الإنتاجية التي تستدعي أموالا ضخمة لا يستطيع الفرد الواحد توفيرها ، كما يوجد العديد من أفراد المجتمع من يرغب في استثمار الأموال التي تزيد عن حاجاتهم الاستهلاكية ، لكنهم لا يجدون مجالا لذلك ، باعتبار أن المؤسسات المالية المتواجدة تتعامل بأسعار الفائدة ، الأمر الذي يعتبرونه مخالف للشريعة الإسلامية وبالتالي كل كسب يتم من خلاله هو كسب حرام ، فتضيع بذلك على المجتمع فرص تجميع المدخرات ، فتقل الاستثمارات لقلة الموارد المالية اللازمة .
لذلك يمكن أن تقوم المؤسسات المالية بدور الوساطة بين المدخرين والمستثمرين شريطة أن يتم العمل بأسلوب المشاركة في الأرباح والخسائر ، بدلا من الاعتماد على سعر الفائدة(1) ، باعتبار أن المشاركة تعني الاشتراك في الربح والخسارة ، بخلاف سعر الفائدة الذي يعني أن صاحب رأس المال يأخذ أصل ماله مع معدل الفائدة ربح المشروع الاستثماري أم خسر ، وتتم عملية الوساطة بإحدى الطرق التالية :
الطريقة الأولى : أن تنشر المؤسسات المالية معلومات عن مختلف الاستثمارات المتاحة خلال فترة معينة ، والتي يقدمها رجال الأعمال الراغبون في الاستثمار فيها مع كلفة كل مشروع والعائد المنتظر منه ، ومدة الإنجاز والحد الأعلى لعدد المشاركين المسموح به في المشروع الواحد ، حتى يتسنى تحديد النسب التي على أساسها يتم تقاسم الأرباح ، وحجم الخسارة التي يتحملها كل مشارك في حالة خسارة المشروع .
يطلع الأفراد الراغبون في تمويل الاستثمارات على تلك المشاريع ، وعلى عائدها ومعدل الربح فيها ونصيب كل مشارك من تلك الأرباح ، فيتقدمون للبنك المعني طالبين
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد فهيم خان ، عناصر الإنتاج وأسواقها في إطار إسلامي ، معهد البجوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، المجلد 8 ، 1996 ، ص38 .(1/191)
الانضمام لهذا المشروع ، فيقوم البنك بتسجيلهم في خانة المشروع الذي يختارونه ، وإطلاعهم على كيفية الحصول على رأس مالهم والعوائد التي يحصلون عليها بعد نهاية المشروع ، على أن يحدد البنك المدة التي يستقبل فيها طلبات الاشتراك ، ويحدد مدة إنجاز المشروع وعمره الإنتاجي ، حتى تكون المشاركة مبنية على معلومات كاملة ، فيكون عندئذ تجميع رأس المال اللازم ممن يقبلون فعلا بالشروط الاستثمارية المحددة من قبل البنك ، وهذا بهدف تفادي أي منازعات مستقبلا .
الطريقة الثانية : يقبل البنك كل المدخرات التي تأتيه من زبائنه ، يصنف هذه المدخرات في مجموعات حسب قيمة الادخار لكل زبون ، ويستقبل في ذات الوقت طلبات تمويل الاستثمارات من رجال الأعمال ، فيقرر البنك قيمة المدخرات اللازمة لتمويل المشروع وهذا حسب حجم المشروع المقترح من قبل رجال الأعمال ، أي هل يندرج المشروع ضمن المؤسسات الكبيرة أم المتوسطة أو الصغيرة ، حيث يكون لدى البنك تولفيات معينة من المدخرات حسب قيمة كل ادخار ، ويُشعر بعد ذلك مجموعة المدخرين التي ينوي إدراج أموالها ضمن مشروع استثماري معين ، ليحصل على موافقتهم في إشراك أموالهم في هذا المشروع وفق المعطيات المحددة والمتفق عليها ، ليتم بعد ذلك تحويل تلك المبالغ للمستثمر لإقامة المشروع الاستثماري ، ويشترط لذلك إنشاء بنك للمعلومات يسمح للراغبين في المشاركة وللمستثمرين بالحصول على المعلومات التي يحتاجونها في مجال تمويل وتنفيذ الاستثمارات .
المطلب الثاني : متابعة المشروع الاستثماري(1/192)
إن إتباع أسلوب المشاركة بدلا من أسلوب التمويل بسعر الفائدة ، يجعل عملية متابعة المشروع أكثر جدية ، حيث يحتاج المشاركون في المشروع الاستثماري إلى تكثيف المراقبة من بداية التأسيس وحتى تقسيم الأرباح ، وتستمر المراقبة والمتابعة طيلة حياة المشروع الإنتاجي حفاظا على رؤوس الأموال التي تم تمويل المشروع بواسطتها ، والاختلاف الموجود بين التمويل بالمشاركة والتمويل بسعر الفائدة نابع أصلا من خصائص كل نوع من أنواع التمويل ، والتي نوجزها فيما يلي :
الفرع الأول : خصائص التمويل بسعر الفائدة : ينطوي أسلوب التمويل بسعر الفائدة على الخصائص التالية :
1. ضمان أصل القرض مع العائد : أي أن المدخر في المؤسسات المالية ، والمقرض للأموال ، يضمن استعادة أمواله بعد فترة القرض أو التوظيف مع ما يدره هذا القرض من فوائد ، وهذا مهما كانت نتيجة المشروع الاستثماري ، وقد فصلنا في هذا سابقا .
2. يُقبل الأفراد على وضع أموالهم في المؤسسات المالية دون أن يكون لهم علم بوجود طلب استثماري على تلك الأموال أم لا ، وهذا يجعل المدخر لا يدري في أي مجال استثماري استخدمت أمواله ، فبالإضافة لسعر الفائدة الذي لا يقبله الأفراد في الدول الإسلامية ، نجد عدم علم المدخرين المجال الذي تذهب إليه مدخراتهم ، وهل تستخدم في تمويل استثمارات لإنتاج سلع محرمة مثل الخمور ، كما أن المؤسسات المالية التي تستقبل تلك المدخرات ليس بالضرورة أن يكون لديها طلباً على القروض حتى تقبل بتلك الودائع ، ففي الحالة التي يقل فيها طالبو القروض لسبب من الأسباب يتراجع سعر الفائدة الدائن وبالتالي يخسر البنك ، خاصة إن كان سعر الفائدة المدين مرتفعا .(1/193)
3. إن عدم علم أصحاب المدخرات بالمجالات الاستثمارية التي غطتها أموالهم ، يجعلهم لا يهتمون بنجاح المشروع أو فشله ، أي إذا لم تتوفر المعلومات الكاملة عن المشروع الذي يُنجز بمدخرات الأفراد ، لا يهتم المدخرون بمتابعة المشروع ، الأمر الذي يقلل من المراقبة ، ويرجع ذلك لكون الأفراد سوف يحصلون قطعا على مدخراتهم ومعها سعر الفائدة اللازم ، سواء ربح المشروع الاستثماري أم خسر ، وهذا ما يقلل من نجاح فرص التنمية الاقتصادية .
4. إن البنك وهو يقدم القروض يبحث دوما عن ضمانات لتلك القروض ، وانعدام الضمانات يجعل البنك يرفض تمويل تلك المشاريع ، وسوف يشكل ذلك عائقا في وجه التوسع الاستثماري .
للأسباب السابقة تكتنف عملية التمويل بسعر الفائدة مشاكل وعقبات تعرقل قيام الاستثمارات ، ولا تسمح لكثير من المستثمرين بإقامة مشاريعهم الاستثمارية ، وذلك يُعد خسارة للاقتصاد الوطني ، إذ كل مشروع يُقصى من حسابات المستثمرين يُعتبر إضعافا للقدرة على تكوين الثروة الوطنية ، وتباطؤاً للنمو الاقتصادي .
الفرع الثاني : خصائص التمويل بالمشاركة :
1. لا تتم عملية المشاركة إلا بعد التأكد من الوجود الفعلي للمشروع الاستثماري ، ومعرفة طبيعته وأصحاب الفكرة الاستثمارية ، فالأفراد يُقبلون على توظيف أموالهم في المؤسسات المالية عندما يعلمون بوجود مشاريع استثمارية تنتظر عملية التمويل ، وعليه يعرف المدخرون المجال الذي تُستثمر فيه أموالهم ، فتكون المشاركة على أساس القناعة بجدوى المشروع ، وهذا ما يُشكل حافزا قويا للأفراد لاستخدام أموالهم التي تزيد عن حاجاتهم الاستهلاكية ، فيكون الادخار في هذه الحالة موجه لتمويل الاستثمارات من أقصر طريق ، بما يسمح من تجاوز إشكال الأموال المعطلة لدى البنوك .(1/194)
2. يمكن للأفراد الذين موّلوا المشروع الاستثماري بنسب مرتفعة ، متابعة ذلك المشروع منذ إنشائه وحتى نهايته ، وهذا ما يكسبهم ثقة في المشروع الذي يستثمرون فيه أموالهم ، وتنتفي مع ذلك كل مبررات الخوف على مصير أموالهم ، فدرجة التأكد من سلامة المشروع ونجاحه تكون كبيرة ، فيتأكدون تبعا لذلك من أن الخسارة إن لحقت بالمشروع الاستثماري ، لا يكون ذلك بتقصير من المستثمر ، إنما لأمر آخر لا يمكن تجاوزه ، وبالتالي يرضى المشاركون في المشروع بتقاسم الخسائر ، وهذا ما يقلل من أثر الخسارة ، بخلاف التمويل بسعر الفائدة أين يتحمل المستثمر وحده خسارة المشروع فيؤدي ذلك إلى الإفلاس .
إن تقاسم الخسارة بين المشتركين في عملية تمويل المشروع تسمح بتفادي مشكلة الإفلاس ، وما يتبع ذلك من تصفية المؤسسات الإنتاجية ، فيقلل ذلك من إشكال تسريح العمال الذي يُعتبر المغذي الرئيسي للبطالة .
3. تقوم البنوك الممولة لمختلف الاستثمارات بمتابعة العملية الاستثمارية ، باعتبار أن المشاركة تتم في الربح والخسارة ، وبالتالي تقل فرص الانحرافات عن الأصل الاستثماري ، أي عدم إمكانية استخدام الأموال المقترضة من البنك في مجالات أخرى ، بخلاف المشروع الذي قدّمت له القروض على أساس سعر الفائدة ، أين يضمن البنك أمواله في كل الحالات ، ويغنيه ذلك عن المتابعة .
4. استئناس المستثمر بمشاركة البنك أو الممولين في عمليه المتابعة للمشروع ، حتى يستفيد من خبرة إضافية تساعد في نجاح المشروع ، كما تساعده تلك المتابعة من تبرير خسارة المشروع إن تحققت ، وبالتالي لا يوقعه ذلك في مشكل ضمان سداد القرض ، أو مصادرة وتصفيه أملاكه .(1/195)
على هذا الأساس ينفرد أسلوب التمويل بالمشاركة بخاصية متابعة المشاريع الاستثمارية ، والحفاظ عليها من كل مخاطرة ، مما يعطي تلك المشاريع فرص نجاح أكبر ، فصاحب المشروع ليس بإمكانه تحويل أصل القرض لمجال آخر ، كما أنه يلقى السند اللازم الذي يساعده في إدارة المشروع ومتابعته ، وتجاوز كل العقبات الذي تواجه أي استثمار على هذا الأساس تكون فرص النجاح أكبر من فرص الفشل ، وهكذا يستفيد صاحب الفكرة الاستثمارية وصاحب المال من عائدات المشروع الاستثماري التي تكون شبه مؤكدة .
المطلب الثالث : آلية عمل أسلوب المشاركة
إن الكلام عن المشاركة يستدعي منّا البحث في الآلية التي سوف يعمل بها ضمن النشاط الاستثماري ، والتي نشرحها من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : المشاركة في الربح والخسارة : لقد أوردنا هذا سابقا ، ونؤكد حاليا على اختلاف آلية عمل التمويل بالمشاركة عن آلية معدل الفائدة ، في كون العمل في مجال الاستثمارات بالمشاركة يحقق التوازنات على مختلف المستويات ، وذلك كما يلي :(1/196)
ـ على مستوى الأفراد : إن الأفراد في الدول الإسلامية يبحثون دوما عن تحقيق التوازن المالي في حياتهم عملا بقوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عُنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } (1) ، ونظرا لكون الدخل الفردي غير ثابت في مختلف الفترات ، إذ تارة يرتفع وأخرى ينخفض ، فإن الأفراد يحاولون البحث عن الطريقة التي تسمح لهم بالمحافظة على مستوى الحياة المكتسب في مرحلة الدخل المرتفع فإن هم احتفظوا بالنقود سائلة لديهم أو في حسابات جارية ، أدى ذلك إلى تضاؤل قيمتها خاصة عندما يكون معدل التضخم مرتفعا ، وفي هذه الحالة لا يستطيع الأفراد تحقيق توازناتهم المالية ، باعتبار أن التوظيف المالي وفق سعر الفائدة يرفضونه ، فتكون المشاركة في الاستثمارات السبيل الأسلم لتوظيف الأموال وتحقيق التوازن بالنسبة للأفراد ، حيث تسمح لهم تلك التوظيفات بتحقيق مداخيل إضافية ، تساعدهم في المحافظة على مستوى المعيشه الذي اكتسبوه وقت المداخيل المرتفعة .
ـ على مستوى المؤسسات الإنتاجية : إن تحقيق التوازن بالنسبة للمؤسسات الإنتاجية يقتضي أن تتجنب المؤسسات قدر الإمكان الاختلالات المالية ، ويكون ذلك بعدم تحمل تكاليف مالية دون تحقيق نتيجة إيجابية ، ففي أسلوب التمويل بمعدل الفائدة يكون المستثمر ملزما بإعادة رأس المال مع الفائدة ربح المشروع أم خسر ، وهذا ما يجعل احتمال الاختلال المالي لدى المؤسسات الاقتصادية قائما ، أما في مجال التمويل بالمشاركة فإن أصحاب المشاريع الاستثمارية يدفعون جزءا من الأرباح حال تحقيقها فعلا ، ويشاركهم أصحاب الأموال في الخسارة حال وقوعها ، على هذا الأساس يحقق أصحاب المشاريع توازناتهم المالية ، إذ لا يتحملون أعباءً مالية تفوق طاقاتهم الفعلية ، وسوف يستفيدون من العائد في حال تحققه ، ولا يتحملون وحدهم الخسارة ، وهذا ما يضمن التوازن المالي للمؤسسات الاقتصادية .(1/197)
ـ على المستوى الاقتصادي : يتحقق التوازن على المستوى الاقتصادي عندما يتم توظيف كل الموارد الاقتصادية المتاحة ، بما في ذلك الموارد المالية ، ولن يتحقق ذلك في الدول الإسلامية وفق النظام المعمول به حاليا ، إلا أسلوب المشاركة ـ إلى جانب أساليب
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة : الإسراء الآية 29 .
أخرى نذكرها في حينها ـ يسمح بتجميع المدخرات المتاحة في المجتمع ، وتوظيفها على أساس مبدأ المشاركة في الربح والخسارة ، على هذا الأساس يتم تحقيق التوازنات الكبرى على المستوى الوطني باستخدام كل الطاقات المتاحة ، إذ تحدث الإختلالات الكبرى عندما توجد طاقات عاطلة في الاقتصاد الوطني ، حيث أن فرضية التشغيل الكامل لم تعد صحيحة ، ويسوء الوضع عندما تكون نسبة التشغيل في حدودها الدنيا ، لذا لابد من العمل على تشغيل الطاقات المتاحة قدر الإمكان ، ويمثل أسلوب المشاركة إحدى الوسائل للتوظيف .
ـ على المستوى الاجتماعي : إن الأموال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية لمختلف فئات المجتمع ، بإمكانها فتح مجالات تشغيل لكثير من العاطلين عن العمل ، فتتحقق لهم مداخيل يستخدمونها في إنفاقهم الاستهلاكي ، ويقلل ذلك من الانحرافات والآفات والجرائم الاقتصادية التي تُفقد المجتمع توازنه .
ـ على المستوى السياسي : إن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يؤدي حتما إلى استقرار سياسي ، الذي يسمح هو الآخر بتوسع النشاط الاقتصادي ، إذ أنه من شروط التنمية الاقتصادية توفر الاستقرار السياسي .
الفرع الثاني : العلاقة بين معدل المشاركة وحجم الاستثمارات : إن معدل المشاركة كما سبقت الإشارة إليه ، يفتح المجال واسعا أمام أصحاب الأموال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية لاستثمار أموالهم ، أملا في الحصول على عائد مستقبلي يتميز أساسا بكونه يندرج ضمن دائرة الحلال .(1/198)
وباعتبار أن أغلب الأفراد في الدول الإسلامية يتجنبون التعامل بأسعار الفائدة لكونها تندرج ضمن التعاملات الربوية ـ كما أسلفنا الحديث ـ ونتوقع أن يكون حجم الكتلة النقدية الزائدة عن الاستهلاك لدى هذه الفئة كبيرا ، إلى درجة أنه يسمح بتمويل جملة من الاستثمارات ، فإذا ما أضفنا لهاته الفئة تلك الفئات التي بإمكانها الضغط على استهلاكها لتوفر مبالغ إضافية ، توجهها لتمويل الاستثمارات على أساس المشاركة ، يمكننا توفير التمويل اللازم للاقتصاد الوطني .
على هذا الأساس يمكن تعبئة المدخرات في الدول الإسلامية بشكل لم يسبق له مثيل ، وتكون هذه النتيجة متعلقة بمعدل الربح الذي يستفيد منه المشاركون في رأس مال المشاريع الاستثمارية ، والذي يتغير حسب حركة الأسواق .
باعتبار أن المشاركة المباشرة بين أصحاب الأموال وأصحاب المشاريع تكتنفها عدة صعوبات للأسباب التي ذكرناها سابقا ، فإن المؤسسات المالية بإمكانها استخدام معدل الربح لاستقطاب المدخرات بدلا من استخدامها لسعر الفائدة ، وبالتالي كلما كان معدل الربح كبيرا كلما زاد حجم المدخرات ، والعكس بالعكس ، إذ أن أصحاب الأموال الزائدة عن الحاجات الاستهلاكية يكونون أكثر استعدادا لتوظيف أموالهم على أساس معدل الربح كلما كان هذا المعدل كبيرا ، وهذا لكون المقارنة سوف تتم بين التضحية بالاستهلاك الحالي والعائد المتوقع من هذا الاستثمار ، أو أن الأفراد يقومون بانتظار فرصا استثمارية أخرى يكون فيها معدل الربح أكبر .(1/199)
بناءً على ما سبق نتوقع أن تكون العلاقة بين حجم الاستثمارات ومعدل الربح علاقة طردية ، على افتراض أن أصحاب المشاريع لا يهمهم ارتفاع معدل الربح باعتبار أن خسارة المشروع لا يتحملونها لوحدهم ، ولا يعني ذلك أنهم يرضون بالنسبة الأقل ، ولكن نقصد أن معدل الربح سوف يكون حتما أكبر من سعر الفائدة ، بالإضافة إلى كون الأرباح سوف تكون أكثر ضمانا باعتبار أن المشاركة تعني أكثر متابعة للمشروع ، وأكثر صرامة في التطبيق الكلي والسليم للخطة الاستثمارية المقدمة للاستفادة من الأموال اللازمة .
المطلب الرابع : مقترحات بشأن الاستثمار بالمشاركة
إن تمويل الاستثمارات بأسلوب المشاركة طريقة معمول بها لدى البنوك الإسلامية ، لكن السؤال المطروح هو : هل هذه الطريقة معمول بها بالكيفية الصحيحة التي استطاعت أن تجلب بالفعل مدخرات الأفراد ؟ الواقع أن ما نريده في مجال الاستثمار بالمشاركة ليس هو المعمول به حاليا ، لذا سوف نقترح في هذا المطلب ما يجب أن يكون في هذا المجال ، وسوف نعالج الأمر من خلال الفروع التالية :
الفرع الأول : واقع الاستثمار بالمشاركة في البنوك الإسلامية(1) : من خلال البحث في تقارير البنوك الإسلامية ، وجدنا أن تقديم حصيلة الاستثمار بالمشاركة يتم على أساس ما قام به البنك من عمليات استثمارية مع رجال أعمال أو شركات أخرى ، في حين نسعى لأن يكون أسلوب الاستثمار بالمشاركة أوسع من ذلك ، بحيث يسمح بتجميع المدخرات الصغيرة والمتوسطة لتصب في خانة تمويل المشاريع المتاحة خلال فترة زمنية محددة .
إن طريقة المشاركة في المشاريع الاستثمارية مع رجال الأعمال أو المؤسسات القائمة أو البنوك الأخرى ، يُبقي دائرة التعبئة للمدخرات ضيقة جدا ، وهذا من شأنه أن يترك مشكلة عدم القدرة على تعبئة المدخرات الأخرى قائمة .(1/200)
الفرع الثاني : مقترحات بشأن تطوير الاستثمار بالمشاركة : ينبغي على البنوك الإسلامية أن تتحول إلى الجمهور لتوفير الأموال اللازمة لمختلف الاستثمارات ، وبالتالي تطرح جملة من المنتجات الجديدة تسمح باستقطاب المدخرات ، وسوف ندرس ذلك من خلال افتراضات نحاول أن نجعلها في متناول البنوك الإسلامية لضمان نجاح هذا النوع من تمويل الاستثمارات .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ انظر في هذا المجال التقارير السنوية للبنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية .
باعتبار أن البنك هو الوسيط بين أصحاب الفائض المالي وأصحاب العجز المالي فبإمكانه أن يكون مستشارا لأصحاب المشاريع الاستثمارية ، فيما يخص كيفية توزيع الأرباح على المشتركين في المشروع الاستثماري ، على هذا الأساس سوف نبين طريقة تحديد نسب التوزيع للأرباح ، والتي سوف تتحقق من المشروع الاستثماري ، لنخلص في الأخير إلى العلاقة التي تربط حجم الاستثمارات بمعدل الربح .
في حالة المشاريع الاستثمارية ذات التكاليف المنخفضة يمكن أن تُمنح معدلات أرباح منخفضة على جميع المشاركات من قبل الجمهور ، إذ يضمن البنك بذلك الأموال اللازمة للمشاريع المخططة نظرا لكون مستويات القبول لدى الأفراد تختلف ، فمنهم من يرضى بتشغيل أمواله ولو بعائد ضعيف ، والبعض الآخر لا يشارك في الاستثمارات إلا إذا كان العائد كبيرا .
بناءً على ما سبق فإنه في حالة المشاريع الكبيرة التي تحتاج إلى أموال ضخمة ينبغي أن يكون معدل الربح الممنوح على المشاركات كبيرا ، وهذا بهدف استقطاب الأموال التي لا يرضى أصحابها بالعائد الضعيف .
نستنتج ممّا سبق أن زيادة الأرباح المقدمة للمشاركين في تمويل الاستثمارات يؤدي إلى زيادة عدد الممولين ، وعليه في حالة توفر مشاريع استثمارية عديدة ينبغي تحفيز المدخرات الموجهة للمشاركة في العمليات الاستثمارية عن طريق زيادة معدل الربح الممنوح .(1/201)
ونخلص من خلال ما سبق أن مستويات المشاركة في العمليات الاستثمارية على علاقة طردية بمعدل الربح ، يؤدي ذلك إلى وجود علاقة طردية بين حجم الاستثمارات والأرباح الموزعة على المشاركين .
ربّما يتحجج البعض بأن زيادة الأرباح الممنوحة للمشاركين في تمويل الاستثمارات يُضعف من موقف أصحاب المشاريع الاستثمارية ، الذين يبحثون عن التمويل المناسب ، إلا أن ذلك غير صحيح باعتبار أن الربح الضعيف والمضمون أحسن من المخاطرة برأس المال في حال تمويل استثماراتهم بالقروض البنكية على أساس سعر الفائدة ، وقد سبق معنا التحليل فيما يتعلق بالمخاطر التي تكتنف عملية تمويل الاستثمارات باستخدام القروض البنكية .
بناءً على التحليل السابق يمكن تصور تغير حجم الاستثمارات بتغيير معدل الربح الممنوح على المشاركات في تمويل الاستثمارات ، ويتعلق ذلك بتحفيز الأرباح المرتفعة على زيادة مستوى الادخار لدى العائلات ، وسوف نبين ذلك من خلال الجدول التالي :
جدول رقم ( 02 ) : يبين علاقة حجم الاستثمارات بمعدل الربح
الرقم ... قيمة المشروع الاستثماري (وحدة نقدية) ... معدل الربح الممنوح للمولين
01 ... 25000 ... 7 %
02 ... 15000 ... 9 %
03 ... 10000 ... 10 %
04 ... 12000 ... 12 %
05 ... 2000 ... 15 %
06 ... 8000 ... 17 %
07 ... 18000 ... 18 %
08 ... 500000 ... 20 %
09 ... 25 %
المصدر : افتراضي
يبين هذا الجدول أن جميع الاستثمارات المتاحة يتم تمويلها كلية بأسلوب المشاركة عند مستوى معدل أرباح يساوي 25 % ، وفي حالة انخفاض هذا المعدل سوف لن تجد بعض المشاريع التمويل اللازم .(1/202)
الفرع الثالث : استنتاج دالة الاستثمار : بناءً على ما سبق يمكن صياغة دالة الاستثمار المناسبة لأسلوب التمويل بالمشاركة ، دون إغفال الاستثمارات التي تتم عن طريق التمويل الذاتي ، وهي تلك التي تُنفذ بأموال المستثمر دون الحاجة إلى تمويل خارجي بواسطة المشاركة ، ويختار الأفراد أسلوب التمويل الذاتي ، عندما لا يجدون فرصا أخرى لتوظيف أموالهم تضمن لهم عائدا أفضل ، وتسمح لهم بالدخول في مشاركات مع الآخرين لتمويل مشاريعهم الاستثمارية ، وعليه فإن الاستثمار الكلي على المستوى الوطني هو مجموع الاستثمارين : المستقل وهو الذي يُموّل برؤوس أموال خاصة بالمستثمر ذاته ، والتابع وهو الذي يتعلق بمشاركة الأفراد في تمويل هذا النوع من الاستثمارات .
نرمز لمعدل الربح بالحرف P
نرمز للاستثمار المستقل بالحرف I0
وبوجود العلاقة الطردية بين حجم الاستثمارات ومعدل الربح ، فإن ذلك يتوقف على مدى حساسية الاستثمارات للتغيرات في معدل الربح ، ونحصل على تلك الحساسية بحساب مقلوب ميل منحنى الاستثمار ، ونرمز لها بالرمز (
فتكون دالة الاستثمار تبعا لمعدل المشاركة على الشكل :
I = I0 + (P
ويكون المنحنى البياني كما يلي :
منحنى رقم ( 05 ) : يبين العلاقة بين الاستثمار ومعدل الربح
الفرع الرابع : الطلب على النقود للمشاركة : تعتمد المشاركة على تقديم المال من طرف الجهات الراغبة في تمويل أحد المشاريع الاستثمارية ، وبالتالي فهذه العملية ترتبط بجملة من الأمور نوجزها فيما يلي :
1. طبيعة المشروع ، إذ يختلف الإقبال على تمويل أحد المشاريع حسب طبيعته ، وهذا يرجع لجملة من الأسباب الذاتية وكذا الأسباب الموضوعية ، فالشخص الذي لا يميل إلى الاستثمار في أحد الميادين يكون ذلك صادرا من ذاتيته ، بينما الشخص الذي يتخذ قراره على أساس دراسة الجدوى الاقتصادية يكون قد اعتمد الأسباب الموضوعية .(1/203)
2. حجم الأموال المطلوبة ، وتتمثل في الحد الأدنى والحد الأعلى ، إذ يوجد من لا يستطيع المشاركة إلا بمبلغ صغير ، وآخر يريد استثمار قيمة أكبر ليستفيد من عائد أعلى .
3. عدد الشركاء في المشروع المقترح ، فبعض الناس لا يريد أن يدخل في مشاركة مع عدد كبير .
4. معدل الربح ، وهو المحدد الأساسي ، إذ كلما ارتفع ازدادت معه الرغبة في المشاركة .
ولتسهيل الدراسة والتحليل نجعل الطلب على النقود للمشاركة مرتبطا بمعدل الربح السائد في السوق ، والذي يتحدد على أساس عدد المشاريع المتاحة خلال فترة زمنية محددة .
خلاصة الفصل
تمثل المشاركة في الاقتصاد الإسلامي عملية تمويل بين طرفين أو أكثر لمشروع استثماري محدد ، بهدف تقاسم الأرباح المحققة فعلا على أساس الاتفاق بينهم ، ويجب أن تكون طريقة اقتسام الأرباح عن طريق النسب وليس القيم المطلقة ، وقد تبين لنا من خلال الدراسة والتحليل ما يلي :
? يمكن للبنك أن يكون وسيطا ، كما يمكنه أن يكون مشاركا ، ففي الحالة الأولى يأخذ عمولة ، وفي الحالة الثانية يكون له نصيبا من الربح .
? يعمل على تجميع المدخرات الموجهة للمشاركة من الجمهور على أن يكونوا على دراية بالمشاريع التي سوف يشاركون فيها .
? يقدم البنك جملة من الاستثمارات التي يرغب في تنفيذها ، أو ترغب جهات أخرى في تحقيقها ، ثم يستقبل أموال الراغبين في المشاركة على أساس جملة من الشروط التنظيمية يحددها هو .
? تسمح هذه العملية باستقطاب جملة من المدخرات التي هي خارج دائرة التداول النقدي بسبب تعامل البنوك التجارية بسعر الفائدة .
? يؤدي التمويل بالمشاركة إلى المساهمة في متابعة المشاريع بصفة مستمرة ودقيقة ، بما يسمح من زيادة فرص نجاحها ، وهذا بخلاف التمويل بواسطة القروض البنكية التي تضمن العائد المالي للمدخرين سواء ربحت المشاريع أم خسرت .(1/204)
? أسلوب المشاركة المعمول به حاليا على حد علمنا ، يوحي بأن البنك يدخل في مشاركات مع رجال الأعمال لإنجاز أحد المشاريع ، وهذا لا يفي بالغرض لكون الإشكال القائم في الدول الإسلامية هو تعبئة المدخرات الخاصة بالعائلات .
الباب الثالث
التكافل ودوره في دعم النشاط الاقتصادي
بعد دراسة وتحليل تمويل النشاط الاقتصادي بطرق مطابقة لتعاليم الإسلام ، تبين لنا أن القادرين على إنجاز استثماراتهم وفق هذه الطريقة لا يمثلون كل شرائح المجتمع ، وبالتالي تبقى طاقة معتبرة في المجتمعات المتخلفة ومن بينها الدول الإسلامية خارج دائرة النشاط الاقتصادي ، فما هو السبيل لإدراج هذه الفئة ضمن دواليب الاقتصاد ؟
في هذا الباب سوف نحاول دراسة وتحليل طريقتين من طرق التكافل ، يمكن أن تستخدم بطريقة منظمة تسمح باستغلال طاقتها المعطلة ، تمثل الطريقتان الزكاة والوقف .
يمثل التكافل في الأصل تضامن أصحاب الفائض المالي مع أصحاب العجز المالي وفق قواعد شرعية تضمن جملة من الأهداف نوجزها في العناصر الموالية ، وتبقى الدراسة والتحليل من خلال هذا الفصل هو من يؤكد أو ينفي ذلك :
? الطاقات العاطلة يمكن أن يوجد من بينها من يملك قدرة حقيقية على إنجاز مشاريع ذات عائد مقبول ، إلا أن هذه الطاقات لا تجد المال اللازم لتحقيق ذلك لذا يمكن أن يستفيد من الزكاة أو من وقف خيري .
? توجد في المجتمع فئات تحتاج إلى تمويل لمباشرة التعليم والدراسة ، ويمكن أن تصبح مستقبلا قادرة على تحقيق براءات اختراع ، أو القيام بأبحاث علمية ذات قيمة عالية ، فيكون الوقف الخيري أو الزكاة قادرة على إمداد هؤلاء بالمال اللازم لتحقيق هذا الذي قد يعود بالخير على الواقف والمزكي أنفسهم .(1/205)
? يسمح التكافل بين فئات المجتمع بالتكفل بحاجة الفئات المعوزة في المجتمع ، وبالتالي يسمح بزيادة الطلب الفعال الذي يُعتبر أساسا لزيادة العرض في حالة التشغيل الناقص ، وهذا ما يسمح بتحفيز النشاط الاقتصادي .
بناء على ما سبق نحاول معالجة الموضوع من خلال فصلين يتناول الأول دور الزكاة في تمويل المحتاجين أصحاب المهن والحرف ، والثاني يخص دور الوقف في تحقيق التضامن بين مختلف فئات المجتمع ، وسبل استثماره وتنميته .
الفصل الأول
الدور الاستثماري للزكاة
تمثل فريضة الزكاة وسيلة من وسائل إعادة توزيع الدخل الوطني ، فقد أقرّ الإسلام بتفاوت المداخيل ولم يذم الغنى ولم يعِب الفقر ، وإنما حثّ على العمل والكسب ، وامتلاك المال ومختلف أنواع المتاع ، فقد جاء عن عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : (( ..... سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يُحِبُّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ التَّقِيَّ ))(1) . فدلّ ذلك على أن الغنى ليس مذموما وإنما يكون مطلوبا في حالة الشخص القادر على الكسب ، ومن فضل البطالة فقد قصّر ، ووجود الفقراء في المجتمع ليس شيئا غير منطقي ، وإنما يرجع ذلك إلى التفاوت الطبيعي في الثروات ، وقد خصّ الله تعالى الفقراء بفريضة الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء وترد عليهم .(1/206)
وتوزيع الزكاة اختص به الله تعالى نفسه ، حيث حدّد الفئات التي تُصرف لصالحها الزكاة ، ونجد ذلك في قوله تعالى : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (2) ، وهذا ما يقطع الباب أمام الاختلاف ، فلو تُرِك الأمر للأفراد واجتهاداتهم قد يؤدي ذلك إلى تعدد طرق التوزيع والاختلاف في تحديد المستحقين للزكاة ، وقد يضر ذلك بمصالح أصحاب الحاجات .
وبما أن الفقراء تختلف أحوالهم وحاجتهم وتتباين ، ويتميز كل فرد منهم عن الآخر بميزة مختلفة ، فنجد الفقير المحتاج للسلع الاستهلاكية ، وآخر بحاجة إلى سلع إنتاجية . على هذا الأساس يمكن لمؤسسة الزكاة أن تخصص جزءاً من مواردها الزكوية لصالح الفقراء أصحاب المهن والحرف ، والذين بإمكانهم إضافة قيمة جديدة للدخل الوطني إن هم حصلوا على وسائل الإنتاج اللازمة لممارسة نشاطهم الإنتاجي ، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون على حساب احتياجات الفقراء والمساكين الاستهلاكية ، فحماية النفس مقدم على حماية المال ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
في هذا الإطار نحاول إعطاء صورة عن الطريقة التي نراها مناسبة لإحياء أسلوب التمليك لوسائل الإنتاج لمن يحتاجون إليها ، وهذا باستخدام جزءاً من أموال الزكاة .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه الإمام أحمد ، باب مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رقم 1447
2 ـ سورة التوبة ، الآية 60
المبحث الأول
السند الشرعي
تعرّف الزكاة لغة على أنها النماء ، وهو الزيادة الناشئة من العين(1) ويمكن ربط هذه الكلمة بالمصطلح الاقتصادي ونعني به النمو الاقتصادي ، والذي هو "عبارة عن زيادة الدخل الوطني الفعلي في الأمد الطويل "(2). فهل يمكن تحقيق هذا الربط نظريا وعمليا ؟(1/207)
نرى أنه يمكن للزكاة أن تساهم في تحقق النمو الاقتصادي من خلال تمويل أصحاب الحرف ممن لا يملكون رأس المال ، وباعتبار أن مصطلح الزكاة يعني النماء ، فإن ذلك يتحقق من خلال زيادة الطلب الاستهلاكي من جهة ، إذ تمثل الزكاة المقدمة للاستهلاك تحويلات اجتماعية تزيد من الدخل المتاح ، وبذلك يزيد الطلب الفعال . ومن جهة أخرى تساهم الزكاة المقدمة للفقراء الحرفيين في زيادة العرض الكلي ، وكلا الاستخدامين يحقق النمو الاقتصادي ، ويتأكد هذا أكثر بعد التحليل اللازم للموضوع .
وقبل البدء في التحليل الاقتصادي لموضوع الزكاة المنتجة ، لابد من إيراد أدلة وجوب الزكاة ، والتي تدل على إلزامية وجودها في كل زمان ومكان ، وتسمح لغير المسلمين بالإطلاع عليها :
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد عب الغفار الشريف ، النماء وأثره في الزكاة ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، جامعة الكويت ، العدد الحادي والأربعون ، جوان 2000 ، ص223
ـ حسن عبد الله الأمين ، زكاة الأسهم في الشركات ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1993 ، ص 11 .
- Muhammad Abd-Al-Ghaffar Al-Shareef , Growth and its Effect on Zakat , JOURNAL OF SHARI'A AND ISLAMIC STUDIES , Published by Academic Publication Council , Kuwait University , Volum 15 , NO 41 , jun 2000 , p15 .
2 ـ أحمد زكي بدوي ـ معجم المصطلحات الاقتصادية ـ دار الكتاب المصري ـ القاهرة / دار الكتاب اللبناني ـ بيروت ـ 1985 .
أولا : جاء في قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (1) .(1/208)
ثانيا : جاء في الحديث الذي رواه ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا - رضي الله عنه - عَلَى اليَمَنِ قَالَ : (( ... فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ... ))(2) . وكلمة فقرائهم عامة ولم يخصص النبي - صلى الله عليه وسلم - من هو الفقير الذي تقدم له الزكاة ولا حالته ، فيمكن إذن أن يستفيد الفقير من آلة للقيام بأعمال حرفية تضمن له دخلا دائما ، عوض أن يعطى في كل حين من أموال الزكاة ما يسد حاجته الاستهلاكية ، فلا يمكن بذلك إيجاد الحل الدائم لمسألة الفقر في الدول الإسلامية ، خاصة وأن معدلات البطالة ترتفع باستمرار نظرا لوجود ضعف هيكلي في بنية اقتصاديات هذه الدول .
بما أن الآية والحديث لم يبيّنا نوع الفقراء ، ولا فيما يجب أن يستخدم هؤلاء أموال الزكاة الممنوحة لهم ، فيمكن إدراج كل أصناف الفقراء ضمن الطائفة التي تستفيد من أموال الزكاة ، ونركز هنا على الفقراء أصحاب المهن والشهادات الذين يمثلون في المجتمع طاقة إنتاجية معطلة والتي إن وجدت مصدرا للتمويل والتموين تحولت إلى فئة متحركة ومحركة في آن واحد ، متحركة لكونها تدخل ضمن دائرة النشاط الاقتصادي ، ومحركة بتوفيرها لمناصب الشغل التي تسمح بتوفير الأجور للعمال ، الذين يستخدمون تلك الأموال في الطلب على السلع والخدمات ، وزيادة الطلب الكلي يؤدي إلى زيادة العرض الكلي حسب النظرية الكينزية في مجال الطلب الفعال .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة التوبة ، الآية 103 .
2 ـ جزء من حديث رواه البخاري ـ كتاب الزكاة ـ رقم 1365 ـ موسوعة الحديث الشريف الكتب التسعة ـ الطبعة الالكترونية ـ الإصدار الأول .(1/209)
وتساهم الفئة الفقيرة المنتجة بفعل تشغليها للعمال في تضييق دائرة الفقر ، إذ يُصبح الداخلون في مجال العمل غير محتاجين لأموال الزكاة ، فيمكن عندئذ توفير مبالغ إضافية من أموال الزكاة تُستخدم في توسيع دائرة النشاط الاقتصادي ومن جهة أخرى فإن الفئة المنتجة تساهم في زيادة العرض الكلي بفعل استخدامها لأموال الزكاة في إنتاج للسلع والخدمات التي تغذي السوق ، فيتوفر عندئذ الغطاء السلعي للكتلة النقدية في التداول .
ولتحليل ذلك ننطلق أولا من السند الشرعي الذي يسمح بإدراج هذه الفئة ضمن مستحقي الزكاة ، ومن النظرية الكينزية في مجالي الاستهلاك والادخار لإدراك أثر ما سميناه بالزكاة المنتجة على النشاط الاقتصادي .
نخصص هذا المبحث للكلام عن رأي الفقهاء الذين أدرجوا الفقراء أصحاب المهن ضمن دائرة مصارف الزكاة ، وكيف أنهم يستحقون تمكينهم من وسائل الإنتاج التي تسمح لهم بممارسة النشاط الاقتصادي ، ثم نتكلم عن مميزات هذا التمويل الإنتاجي ، وكيف أنه يتميز عن باقي مصادر التمويل المعروفة في النظام الرأسمالي بمزايا عدة ، وهذا من خلال مطالب هذا المبحث .
المطلب الأول : رأي الفقهاء
من غير تتبع للآراء الفقهية التي تناولت المسألة بإسهاب كبير ، نستقي أهم ما قيل في الموضوع من كتاب " فقه الزكاة "(1) ، وقد نقل لنا آراء الفقهاء في الموضوع ، وهي كما يلي :
اختلفت المذاهب الفقهية في مقدار ما يعطى الفقير والمسكين من الزكاة(2) ، ونستطيع أن نحصر هذا الخلاف في اتجاهين رئيسيين :
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوسف القرضاوي ـ الفقه وأصوله ـ سلسلة علماء الإسلام ـ الطبعة الإلكترونية الإصدار 1.1 ، الشركة الهندسية لتطوير نظم المعلومات .
2 ـ إبراهيم القاسم رحاحلة ، مالية الدولة الإسلامية ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1999 ، ص75(1/210)
الاتجاه الأول : يقول بإعطائهما ما يكفيهما تمام الكفاية بالمعروف ، دون تحديد مقدار معين من المال ، أي أن مستحق الزكاة يعطى بقدر حاجته ، ولا يعطى مقدارا صغيرا من المال يبقيه دوما في حاجة إلى المال عندما ينفق ما أعطي له ، أي نسعى دوما لإخراج الفقير والمسكين من دائرة الحاجة إلى مستوى الكفاية ، والذي يعتبر من الأولويات(1) .
الاتجاه الثاني : يقول بإعطائهما مقدارا محددا من المال يقل عند بعضهم ، ويكثر عند آخرين ، وأصحاب هذا الرأي يرون أن من يحق له أخذ الزكاة لا يعطى إلا قدرا معلوما حسب الحاجة الآنية ، ويعود بحاجة للزكاة بعد إشباع رغباته بقدر ما أعطي من مال الزكاة .
ويميل القرضاوي للاتجاه الأول لاعتقاده بأنه الأقرب إلى منطق الإسلام ونصوصه وأهدافه في ميدان الزكاة ، إذ ما وجدت الزكاة إلا لتحقيق الغنى للفقراء والمساكين ، أي تعتبر وسيلة من وسائل محاربة الفقر باعتبارها تُفرض على مختلف أنواع الثروة(2) ، وهذا إلى جانب وسائل أخرى كالصدقات التطوعية والهبات وغيرها إذ يميل الإسلام إلى تفتيت الثروة ومنع تركزها في يد فئة قليلة ، فلا مجال لاستئثار فئة قليلة من أفراد المجتمع بأكبر نسبة من الثروة ، لأن ذلك يؤدي إلى توسع دائرة الفقر .
وفي مجال المقدار الكافي الواجب منحه للفقير من الزكاة ، نجد أن أصحاب هذا الاتجاه ينقسمون إلى مذهبين :
المذهب الأول : يرى أن الفقير والمسكين يعطى من الزكاة ما يغنيه عنها بقية عمره ، أي كفاية العمر ، وهذا حتى لا تتوسع قائمة محتاجي الزكاة باستمرار ، أي أن السياسة العامة في هذا الاتجاه يجب أن تعمل على تقليص عدد الفقراء باستمرار ، فزكاة هذه السنة يمكن
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ كمال توفيق الحطاب ، السكان والتنمية من منظور إسلامي ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، جامعة الكويت ، العدد السادس والثلاثون 1998 ، ص239 .(1/211)
- Economic System of Islam , Islamic Contributions to Science & Math , The Economic 10 System of Islam.htm , p1 .
2 - Ibrahim Warde , Le système économique , printmenice.htm
أن تخرج من دائرة الفقر نهائيا مجموعة من أفراد المجتمع ، ولا نجد لتحقيق ذلك وسيلة أفضل من تمليك الفقراء والمساكين أصحاب الحرف أدوات الإنتاج المناسبة لهم ، ليتمكنوا بذلك من الحصول على دخل مستقبلا يكفيهم المسألة .
المذهب الثاني : يقتصر في تقديم الزكاة على كفاية السنة ، أي يعطى الفرد من أموال الزكاة ما يكفيه طيلة سنة كاملة ، وقد يكون ذلك ممكنا في حالة تقديم الزكاة للاستهلاك ، كأن نحدد على سبيل المثال الأجر الأدنى المعمول به ويقدم للفقير ذلك الأجر مضروبا في إثنا عشر شهرا ، وهي كفاية سنة ، فإن كان ذلك يساهم في زيادة الطلب الفعال ، إلا أنه لا يساهم في زيادة الإنتاج إذا كان الاقتصاد يعاني من مشكل التمويل .
على ضوء ما سبق نستنتج أن المذهب الذي يعطي الفقير كفاية العمر ، يكون مناسبا أكثر في حالة البحث عن إمكانية الرفع من الطلب الفعال عندما يكون التشغيل ناقصا ، وهذا بإدخال الفئة المقصودة إلى دائرة النشاط الاقتصادي ، وسوف يؤدي ذلك إلى تحفيز الاستثمارات بما يحقق العرض المناسب لتغطية الطلب الإضافي .
وينقل القرضاوي قول الإمام النووي في "المجموع"(1) : (( ... قال أصحابنا العراقيون وكثيرون من الخراسانيين : يعطيان ـ أي الفقير والمسكين ـ ما يخرجهما من الحاجة إلى الغنى ، وهو ما تحصل به الكفاية( - ) على الدوام(2) . وهذا هو نص الشافعي
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوسف القرضاوي ، فقه الزكاة ،مكتبة وهبة ، عابدين ، مصر 1986 ، ج2 ، ص572 .
((1/212)
- ) يهتم بتوفير حد الكفاية لمختلف أفراد المجتمع ، وهذا يختلف عن حد الكفاف الذي يعني توفير الحد الأدنى من المستوى المعيشي ، ويكون ذلك بضمان ضروريات الحياة من الدرجة الأولى وهي التي تبقي على حياة الإنسان ، بينما حد الكفاية فيمثل ما يضمن للإنسان العيش الكريم فإذا لم يوجد العمل المناسب وُجد التكافل .
2 ـ نعمت عبد اللطيف مشهور ، الزكاة : الأسس الشرعية والدور الإنمائي والتوزيعي ، سلسلة الرسائل الجامعية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ، الطبعة الأولى 1993 ، ص371 .
رحمه الله واستدل له الأصحاب بحديث قبيصة بن المخارق الهلالي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حَمَالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة ، اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ـ أو قال : سدادا من عيش ـ ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحِجَا من قومه : قد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ـ أو قال : سدادا من عيش ـ فما سواهن من المسألة ، ياقبيصة ، سحت يأكلها صاحبها سحتا ))(1) ، فالكسب عن طريق المسألة للقادر على العمل يُعتبر سُحتا ، فلا مجال إذن للبطالة الاختيارية في الإسلام(2) .
قال أصحابنا(3) ( الكلام للنووي ، ويعني أصحاب الشافعي ) : فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة لهؤلاء حتى يصيب أحدهم ما يسد حاجته فدل هذا على ما ذكرناه ، أي إغناء الفقير والمسكين من الزكاة ، حتى لا تعود به حاجة إلى الزكاة مرة أخرى ، وسوف يؤدي ذلك إلى تقليص عدد الفقراء من سنة لأخرى ، وعليه ندرك أن الزكاة وسيلة من وسائل مكافحة الفقر بواسطة التضامن الاجتماعي انفرد بها الإسلام (4)
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، رقم 1730 .(1/213)
الحَمَالة : ما يتحمله المرء عن غيره ، من دية أو غرامة .
الجائحة : الآفة التي تصيب الأموال والثمار فتهلكها .
الفاقة : الحاجة والفقر .
الحِجَا : أصحاب العقول يشهدون بفاقته .
2 ـ عمر بن فيحان المرزوقي ، النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية مجلس النشر العلمي جامعة الكويت ، العدد الخامس والأربعون ، جوان 2001 ، ص 270 .
3 ـ القرضاوي ، فقه الزكاة ، مرجع سابق ، ص 572 .
4 - Muhammed ali fuad radwan , zakah as a means to development and social solidarity , islamic development bank , islamic research and training institute , jeddah , saudi arabia , first edition 1997 , p 14 .
- Cheikh Sou'ôud Ach-Chouraïm , L'économie islamique , Posté le 07 June 2005 à 18:09:26 AST par frn , ALHARAMAINSERMONS.ERG
- Faire la zakat , MENU4AFF.HTM
ـ موفق محمد عبده ، الموارد المالية العامة في الفقه الاقتصادي الإسلامي ودورها في التنمية الاقتصادية دار الحامد للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن 2004 ، ص 100 .
قالوا ( يعني أصحاب الشافعي )(1) : فإن كان عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به حرفته ، أو آلات حرفته ، قلّت قيمة ذلك أم كثرت ، وتكون قيمته بالقدر الذي يحقق له ربحا يحقق له الكفاية ، ويختلف ذلك باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص ، وعدم التقييد في قيمة المبلغ المقدم للفقير والمسكين يكون بهدف تغطية تكالي إنجاز المشروع ، ويسمح بالتقدير الذي يوافق حاجة كل عصر ، فحرفة اليوم تختلف عن حرفة الأمس ، والإطلاق في هذا المجال يسمح بالتكفل بحاجة الفقراء والمساكين أصحاب المهن والحرف ، خاصة الفقراء الذين يتخرجون من الجامعات بشهادات تطبيقية تساهم في تحقيق براءات الاختراع التي قد تمثل أساسا للانطلاقة الاقتصادية .(1/214)
يدل ذلك على أن حد الكفاية الذي يجب أن يُوفَّر للفقير والمسكين ، يمكن أن يكون عن طريق توفير منصب العمل للقادرين عليه من خلال حرفهم ، فتتحقق لديهم الأرباح التي تشكل لهم مستقبلا الدخل الذي يحققون من خلاله متطلبات الحياة ، أي أن استهلاكهم يصبح تابعا للدخل الذي يتحصلون عليه وليس تابعا لدخل الآخرين ، أي الذين يؤدون زكاة أموالهم ، وبذلك يصبحون من غير حاجة للزكاة مستقبلا ، وهذا ما يتميز عن تقديم الزكاة للاستهلاك إذ تتجدد الحاجة لدى هؤلاء الفقراء والمساكين مستقبلا بمجرد نفاد المال الذي أُعطيَ لهم ، وعليه فإن مقدار الزكاة الذي يُعطى للمحتاج يجب أن يكون مغطيا للهدف المتمثل في توفير منصب العمل الدائم من خلال تمويل أصحاب الحرف والمهن وذوي الشهادات(2) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوسف القرضاوي ، دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية ، اقتصاديات الزكاة البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، الطبعة الأولى 1997 ، ص 614 .
2 ـ عوف محمود الكفراوي ، الزكاة ودورها في التنمية ، بحوث مؤتمر الإسلام والتنمية جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية ، 28 – 29 سبتمبر 1985 ، عمان ، الأردن 1992 ، ص188
وهذا الرأي للشافعي رحمه الله وثقه في كتابه "الأم"(1) ، وأخذ به جمهور أصحابه وفرعوا عليه فروعا بتفصيلات دقيقة تدل على مدى مواءمة هذا التوجه لمقاصد شريعة الإسلام ، التي تضمن مصالح العباد وذلك بحفظها للكليات الخمس ، ويدخل في ذلك حفظ حياة الناس من خلال توفير أسباب الحياة لهم .(1/215)
ويرى القرضاوي أن هذا المذهب يعضده قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " إذا أعطيتم فاغنوا " ، وقوله أيضا معلنا عن سياسته تجاه الفقراء : " لأكررن عليهم الصدقة وإن راح على أحدهم مائة من الإبل "(2) ، ولنا أن نقدر قيمة مائة من الإبل ، وهل قيمتها الآن لا تحقق المشروع الاقتصادي الصغير للفقراء ، حتى وإن كان في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - شيئا من المبالغة ، فإن ذلك يدل على تلبية حاجة الفقير بالقدر الذي يخرجه من الحاجة إلى الكفاية .
ويخلص القرضاوي إلى رأي يبينه بقوله : " وتستطيع الدولة المسلمة ـ بناءً على هذا الرأي ـ أن تنشئ من أموال الزكاة مصانع وعقارات ومؤسسات تجارية ونحوها ، وتملكها للفقراء كلها أو بعضها ، لتدر عليهم دخلا يقوم بكفايتهم كاملة ، ولا تجعل لهم الحق في بيعها ونقل ملكيتها ، لتظل شبه موقوفة "(3) .
ويقصد بقوله هذا أن ما ينشأ من مؤسسات إنتاجية بأموال الزكاة لا يملكها الفقراء أصحاب المهن ملكية مطلقة ، أي لا يمكنهم بيعها وأخذ ثمنها ، لأن ذلك قد يجعل الفقير يتصرف في ماله على غير الوجه المقصود ، وهذه المشاريع إنما وُجدت لتحقق للفقير دخلا متواصلا ، وليس ليكون له ثروة مؤقتة ، والحفاظ على رأس المال الثابت يعني المحافظة على الدخل الجاري ، ولا نعني بذلك أن الفقير المستفيد من آلة حرفته مجبر على ــــــــــــــــــــــ
1 ـ القرضاوي ، دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية ، مر جع سابق ، 575 .
2 ـ نفس المرجع ، ص574 .
3 ـ كمال وزيق ، إرساء مؤسسة الزكاة في الجزائر ، أطروحة دكتوراة ، كلية العلوم الاقتصادية والتسيير ، جامعة الجزائر 2000 ، ص222 .
رد رأس المال الذي استخدمه في تكوين ورشة عمله ، لأن ذلك يتنافى ومبدأ التمليك الذي يمثل أصلا في الزكاة(1) .(1/216)
أما إذا عمد الفقير إلى بيع رأس المال الذي أعطي له ، قد يفقد المقابل المالي في زمن محدود ، ويعود فقيرا كما كان يحتاج لأموال الزكاة من جديد ، لكن إن بقي الأصل وهو وسيلة الإنتاج ، بقي الدخل جارٍ على صاحبه ، وبذلك يصبح ذا دخل مدى الحياة ، ولا يبقى بحاجة للزكاة ، وإنما قد يصبح من دافعي الزكاة إن استطاع أن يحصل على النصاب من خلال تطور رقم إعماله ، وزيادة مستوى الأرباح لديه ، وهذا من خلال قدرته على المنافسة ، واكتساب الزبائن من خلال جودة المنتوج والسعر التنافسي .
إن تمويل الحرف بجزء من أموال الزكاة يدخل ضمن دائرة تحويل الفوائض المالية بطريقة محددة شرعا ، وفي هذه الحالة يتميز هذا النوع من التمويل عن باقي الأنواع الأخرى بخصائص فريدة من نوعها ، حتى وإن كان ذلك محدودا إلا أنه سوف يسمح بتحفيز النشاط الاقتصادي ولو بنسبة ضعيفة في البداية ، لكن بعد تكرار العملية لسنوات متلاحقة على المدى البعيد سوف تصبح النسبة معتبرة .
وسوف نخصص المطلب التالي لتحديد مميزات هذا النوع من أنواع التمويل ، وهذا بهدف الوقوف على أهميته .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ كمال رزيق ، إرساء مؤسسة الزكاة بالجزائر ، رسالة دكتوراه ، كلية العلوم الاقتصادي والتسيير ، جامعة الجزائر ، 1999 – 2000 ، ص
المطلب الثاني : مميزات هذا النوع من مصادر التمويل(1/217)
نعلم من أسس الاقتصاد الوضعي أن عملية تمويل المشاريع الاستثمارية تتم عن طريق المؤسسات المالية ، التي تقوم بالوساطة بين أصحاب الفائض المالي وأصحاب العجز المالي ، فهي تقبل المدخرات مقابل سعر فائدة يُبرر بكونه المقابل للتضحية بالاستهلاك الحالي من قبل المدخرين ، وتقوم بإقراض تلك الأموال للمستثمرين بسعر فائدة أعلى ، هذه الفائدة إن كانت مركبة قد تجعل خدمة الدين تفوق أصل القرض على المدى البعيد ، وبالتالي سيدفع المدين لصاحب الدين أضعاف ما أخذ منه ، وفي حالة كساد الأسواق يتعذر على المنتج المقترض تصريف ما أنتجه باستخدامه للقرض البنكي ، وبالتالي تقل عنده المداخيل ، ويجد المستثمر نفسه في حاجة إلى تمويل جديد لتسديد دينه الأول ، وهذا ما يعرقل النشاط الاقتصادي بإفلاس أصحاب الديون .
وفي مجال البحث عن الأسلوب البديل للتمويل بواسطة القروض البنكية ، درسنا في الباب الثاني أسلوبي المضاربة والمشاركة لضمان التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية بعيدا عن القروض البنكية ، إلا أن ذلك يكون ممكنا في حق فئة محدودة ، وهي التي لها مركز مالي يسمح لها بإعادة الأموال لأصحابها بعد تنفيذ المشروع الاستثماري ، وبالنسبة للفقراء والمساكين يمكن الاستعانة بطريقة أخرى للتمويل وتكون مكملة وليست الوحيدة ، وهي خاصة بالطبقة الفقيرة في المجتمع ، وهذا ما يضمن للفقراء التمويل الكافي لتحقيق مشاريعهم دون أن يدفعوا مقابلا لذلك ، ودون أن يشاركهم في الأرباح أحد ، لأن المشاركة في الأرباح تضعف قدرة هذه الفئة على الوصول إلى عتبة الادخار .(1/218)
لذا بحثنا في كيفية جعل الزكاة وسيلة من وسائل التمويل الاستثماري ، دون العمل بأسلوب القرض الحسن لأنه يتنافى ومبدأ التمليك ، وسوف نجد أن هذه الطريقة تتميز عن التمويل بواسطة القروض لكونها لا تخضع لأسلوب الوساطة المالي الذي يرفع من كلفة رأس المال ، وعليه فإن تمويل مشاريع الفقراء بأموال الزكاة يتحقق وفق خصائص يتمتع بها هذا النوع من التمويل نذكرها من خلال الفروع التالية :
الفرع الأول : فريضة دينية إلزامية : أي لا خيار للمكلف في دفع الزكاة ، وبالتالي نضمن هذا المورد المالي باستمرار ، خاصة وأن الحول يختلف من شخص لآخر فالزكاة إذن تُدفع على مدار السنة ، فعن أُسَامَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا قَالَ ابْنُ الْعَلاءِ مُؤْتَجِرًا بِهَا فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ ))(1) .
يبين هذا الحديث أن الزكاة فريضة دينية ، فرضها الله تعالى على الأغنياء لتُرد على الفقراء ، وجب على كل قادر تأديتها ، فإن امتنع غني عن أدائها أُخذت منه بقوة القانون ، ويؤخذ معها شطر ماله بصفة إلزامية ، أي أن الزكاة لا تدفع من المكلف اختيارا وإنما يدفعها جبرا وليس له حق الاعتراض ، وهذا ما يجعلنا بصدد صنفين من الناس :
1 ـ صنف يؤدي فريضة الزكاة عن إيمان طمعا في رضوان الله ، وخوفا من عقابه ، وهذا ما يفعله خاصة المسلمين وعامتهم على المعتاد ، ونضمن بذلك أن تكون زكاتهم بمثابة التمويل اللازم لاحتياجات الفقراء والمساكين بما في ذلك تمويل حرفهم وأعمالهم .(1/219)
2 ـ البعض الآخر يحاول التهرب من دفع الزكاة ، وهم من يتدخل القانون لأخذها منهم بالقوة مع تغريمهم ، حفاظا على فرائض الإسلام من جهة ، وضمانا لحقوق الفقراء من جهة أخرى ، وهذا ما يؤيده تصرف الخليفة الأول أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مع أصحاب الردة الذين منعوا الزكاة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون تدخل الدولة في هذا المجال بمثابة الضمان الأساسي لاستمرار المورد الزكوي ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سنن الدارمي ، باب الزكاة ، رقم 1615 ، الكتب التسعة ، الطبعة الإلكترونية ، الإصدار الثاني .
في تقديم الأموال اللازمة لأصحابها ، وقد كانت الزكاة عمل من أعمال السيادة للدولة(1) .
وهنا يتأكد لنا أن الزكاة يجب أن تكون في عرف القائم على جبايتها والدافع لها من أنواع الجباية التي لا يمكن التساهل فيها ، كما هو الأمر مع الضرائب التي لا تستغني عنها الدولة ، ولا تتراجع في تقنينها وإضفاء صفة الإلزامية عليها ، وهذا ما يضمن تحصيلها وتوزيعها في حينها بما يضمن أداءها للدور المرجو منها .
وهذا الإلزام يضمن للفقراء حقوقهم ، ويجعل حصيلة الزكاة كافية لتحقيق الغرض المالي والاجتماعي الذي فرضت من أجله ، فكما أن التهرب الضريبي يؤثر سلبا على خزينة الدولة ، ويضعف من قدرتها على مواجهة النفقات العامة ، فإن التهرب الزكوي يجعل حصيلة ما يجبى من الزكاة قليلا ، ويمنع أصحاب الحقوق من أحد مصادر المال التي وضعها الشرع لصالحهم .(1/220)
الفرع الثاني : من حقوق الفقراء : فالفقير عند أخذه الزكاة لا يأخذها وهو محرج ممن أدّاها له ، ولا من المجتمع الذي قد يحتقر الفقراء والمساكين وينظر إليهم على أنهم يمثلون عبئا عليه ، فيزول عنه الحرج لأنه يأخذ حقا من حقوقه ، وآخذ الحق لا حرج ولا لوم عليه ، بل يطلب منه التراجع عن موقفه إذا تنازل عن حقه ، حتى أولئك الذين لا يسألون الناس الإعانة لأنهم يتحرجون من ذلك لم يُغفلهم القرآن الكريم ، وضمن لهم حقهم ، وهذا في قوله تعالى : { لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } (2) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمود المرسي لاشين ، التنظيم المحاسبي للأموال العامة في الدولة الإسلامية ، دار الكتاب اللبناني بيروت لبنان ، دار الكتاب المصري ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1977 ، ص 112
2 ـ سورة البقرة ، الآية 273 .
من خلال هذه الآية يتأكد لنا أن حق الفقراء في الزكاة يصل إليهم ولو بالبحث عنهم والسؤال عن أحوالهم ، لأن أولئك الذين لا تظهر عليهم سمات الفقر ولا يسألون الناس الصدقات ، قد أمرنا الشارع الحكيم بالسؤال عنهم وإدراك متطلباتهم ، وتقصي أحوالهم حتى لا يضيع حقهم في الزكاة التي فرضها الله لأجلهم ، ويدخل ضمن هؤلاء من يتقن حرفة من الحرف ولا يعمل ، أو يعمل بأجر زهيد في مجال آخر غير اختصاصه ، لذا لابد للمجتمع من معرفة طاقاته البشرية المعطلة ليشغلها ، وهذا للاستفادة من خبراتها ، وتحقيقا للفائدة العامة ، فكل فرد لا يساهم في تكوين الدخل الوطني يمثل خسارة اقتصادية بالنسبة للمجتمع ، ويكون استهلاكه استنزافا للمدخرات .(1/221)
والزكاة تعتبر حقا للفقير والمسكين ، وليس تكرما من الغني ، والحق في جميع القوانين الشرعية والوضعية ، يجب أن يؤدى لأصحابه عن اختيار أو بقوة القانون ، ومن هذا الأساس يصبح لولي الأمر كامل الحق في استخدام الوسائل اللازمة لضمان الحق لأصحابه .
بناء على ما سبق فإن الفقير عندما يأخذ زكاة الأموال يأخذها من منطلق أنها حقا من حقوقه ، وليس تكرما من أحد عليه ، لذا يأخذها عزيز النفس ، والغني يعطيها وهو يعتقد اعتقادا جازما أنه يعطي الحق لأهله ، والذي يعيد الحق لأصحابه لا يُترك له مجالا للمن والأذى ، وهذا ما يجعل فريضة الزكاة يسيرة على معطيها وآخذها في ذات الوقت ، إذ كيف للأجير أن يتحرج من أخذ أجرته عند فراغه من عمله ، وآخذ الزكاة يأخذها بأمر الله وهو أدرى بما شرّع لعباده .
الفرع الثالث : وسيلة تمليك : بعد تأكيدنا على إلزامية الزكاة ، ولا يحق لدافعها الاختيار ، وعلمنا أنها تمثل من جانب آخر حقا من حقوق آخذيها ، وليس من حقه التحرج من أخذها ، وبناء على الإلزامية والأحقية تتضح لنا جملة من الأمور في مجال تطبيق الزكاة :
? لا تمثل الزكاة هبة من المانح إلى الآخذ ، لأن الهدية هي فعل اختياري يملك صاحبه التراجع عنه .
? وهي أيضا ليست صدقة ، لأن الصدقة تدخل في مجال التطوع ، وليس على المتصدق حرج في إمساك ماله .
? كما أنها لا تمثل دينا ، لأن الدين يجب على المدين أن يرده بعد فترة زمنية ، وهذا ما يجعل قابض الزكاة غير ملزم بإعادتها .
يتضح لنا ممّا سبق أن فريضة الزكاة تنقل ملكية المال من دافعها إلى آخذها وانتقال الملكية هذا يجعل من أخذها يتمتع بكامل الحرية في التصرف في هذا المال ، لأنه أصبح مالكا له ، وهذا التمليك يجعل مجالات استخدام هذا المال متعددة ، والبدائل كثيرة مما يجعل فرص تطويره وتنميته متعددة ومتنوعة .(1/222)
كما أن ملكية المال تجعل مالكه شديد الحرص عليه ، لا يستثمره إلا في المجالات المربحة فعلا ، ولا ينفقه إلا فيما يعود عليه بالنفع ، وهذه المزية لا تتوفر إلا في المال الخاص ، ولا نجدها في المال العام الذي يتم تبذيره لقلة تبعات ذلك على القائم عليه ، فيقل نفعه .
يؤكد لنا ما سبق أن أموال الزكاة يجب أن تصل إلى مستحقيها بصورة نهائية ، وما يسمى القرض الحسن ، الذي بموجبه تمول مشاريع الفقراء والمساكين على أن لا يملك ذلك الشخص شيئا من ذلك المال ملكية مطلقة ، نرى أنه يخالف المقصد الشرعي من فرض الزكاة ، وقد يؤدي ذلك إلى تسريب الأموال إلى غير الأصناف الثمانية ، وإجبار الفقراء على إعادة رأس المال الذي استخدموه في إنشاء مشاريعهم يجعلهم يتحملون تكاليف إضافية تؤخر عندهم عتبة المردودية ، كما تؤخر مرحلة دخلوهم في دائرة المزكين .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - لمّا أرسله إلى اليمن : (( ... فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ... ))(1)
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ أخرجه البخاري ، باب وجوب الزكاة ، رقم 1308 .
فعبارة الرد تدل على التمليك ، وقد أشرنا سابقا إلى كون الخوف من استخدام أموال الزكاة فيما لا ينفع من قبل الفقير ، يمكن تجاوز ذلك بإجراءات تمنع الفقير المستفيد من بيع الأصل وذلك بالاعتماد على طبيعة الأموال الوقفية ، أي استصحاب الحكم في الوقف إلى مجال الزكاة ، بحيث تصبح الأصول الممنوحة للفقير غير قابلة للبيع ضمانا لبقاء العائد الذي تدره على صاحبه ، وتحدد مدة المنع حسب طبيعة الاستثمار ـ كما لا يمكن أن تُنقل ملكية الأصل من مستفيد أول إلى مستفيد آخر ، لأن ذلك يلغي أمر الرد الوارد في الحديث أعلاه وليس القيّم في شرع الله كالمتصرف بما يريد .(1/223)
لذلك يمكن التأكيد أن هذا المال سيحظى بأحسن الفرص التي تنميه ، هذا بخلاف لو بقي عند مالكه الأصلي ، الذي قد يجمده بالاكتناز ، أو يوظفه في استثمارات مالية عائدها المالي ضعيف ، وعائدها الاقتصادي قد لا يذكر ، ونظرة الإسلام إلى الثروة وحرصه على تفتيتها وعدم تركزها في أيدي فئة قليلة ، يؤكد لنا أن فرص الاستثمار تزداد كلما انتقل المال من يد الغني إلى يد الفقير ، إذ تمثل الطبقة الفقيرة في المجتمع ثروة حقيقية في مجال مخزون العمالة ، ونظرا لإمكانية إقامة مؤسسات فردية صغيرة ، أو مؤسسة الأسرة التي تنتج منتجات بسيطة ، يجعل من مسألة تمليك أموال الزكاة أكثر من ضرورة ، وتكون فكرة القرض الحسن غير قادرة على تحقيق الهدف .
الفرع الرابع : وسيلة تمويل بدون مقابل : نعلم أن وسائل التمويل قسمان :
? تمويل ذاتي ، وهذا يعني أن صاحب المال هو الذي يمول مشروعه الاستثماري بأمواله الخاصة ، ويحتاج ذلك إلى مقارنات بين مختلف الفرص الاستثمارية المتاحة ، فيكون المستثمر عندئذ أمام تكلفة الفرصة البديلة ، ويختار التمويل الذاتي عندما يتأكد من أن ذلك سوف يحقق له أعلى العائد متوقع بأقل التكاليف .
? والقسم الآخر هو التمويل الخارجي ، حيث رؤوس الأموال مملوكة للغير ، ويتم استقطابها للمشروع بإحدى الطرق المعروفة ، مثل الاقتراض من البنوك ، إصدار سندات ، طرح أسهم في الأسواق المالية . ويحتاج ذلك إلى قدرة المستثمر على التعامل مع البنوك المانحة للقروض ، أو في المؤسسات المالية التي يتم فيها تداول الأسهم والسندات ، ويكون هذا التمويل مقابل عائد يدفعه صاحب المشروع لصاحب رأس المال ، أي أنه يتحمل تكلفة إضافية تمتص جزءاً من أرباحه في حال تحققها فعلا ، أو تجعله يبحث عن إضافات مالية لأصل القرض في حال تحقق الخسارة .(1/224)
أما الزكاة فهي تمول المشروعات دون عائد يعطى لدافع الزكاة ، أي أن الشخص الذي يدفع الزكاة لا يعتقد أنه قدّم أموالا تٌسترد مستقبلا من قبل المستفيد ، ولا يمكن لأي جهة أخرى أن تستخدم تلك الأموال وهي تسعى مستقبلا لاستردادها و إلا قمنا بطرح آخر يتعلق باستبدال الزكاة بتقديم إعانات لأصحاب الحرف من الفقراء على أن تُسترد تلك الأموال بدون فوائد ، فيكون ذلك في إطار التعاون بين مختلف شرائح المجتمع دون أن يضطر الأغنياء إلى اقتطاع جزءًا من أموالهم بصفة نهائية سواء لصالح صناديق الزكاة ، أو لصالح الفقراء أصحاب المهن بصورة مباشرة .
من أجل كل الاعتبارات السابقة نعمل على أن تملك أموال الزكاة لآخذيها ، وهذا ما يجعل من يستحق أموال الزكاة غير مقيد بأي التزام مالي تجاه دافع الزكاة ، أو تُجاه مؤسسة الزكاة التي تولت عملية التجميع والتوزيع ، وكأن رأس المال المستمد من هذا الطريق يشبه التمويل الذاتي للمشاريع ، وبالتالي يسمح للمستفيد منه من تحقيق العائد الاستثماري في فترة زمنية قصيرة .
وعليه فإن العائد من المشروع الممول بهذه الطريقة يكون مقبولا مهما كانت نسبته ضعيفة ، نظرا لكون الالتزامات المالية للقائم بالمشروع غير موجودة ، وهذا بخلاف التمويل بالقروض أو غيرها من طرق التمويل التي تكون مقابل عائد ، فإذا كان عائد المشروع المتاح مثلا هو 7% ، وكان سعر الفائدة السائد في السوق مقابل القروض الاستثمارية هو 10% ، فإننا نكون بصدد حالتين هما :(1/225)
? الشخص الذي يحصل على رأس المال اللازم لإقامة هذا المشروع بواسطة القروض البنكية ، لا يمكنه إقامة مشروعه الاستثماري ، حتى وإن كانت للمشروع أهمية اقتصادية كبرى بالنسبة للاقتصاد الوطني ، لأن هذا المستثمر سوف يخسر الفرق بين معدل الفائدة والعائد ، وهو 3% ، وبالتالي يكون المشروع خاسرا بدل من أن يكون رابحا ، وفي الحالة التي يكون فيها صاحب المشروع لا يملك المال اللازم للتمويل ، تضيع عليه فرصة الاستثمار ، وفي حال الاستثمارات التي لا يمكن أن تستمر طويلا لطبيعة المنتوج الذي قد يتعلق بطلب عابر ، تكون خسارة المشروع بمثابة تضييع فرصة على المساهمة في تكوين الدخل الوطني ، وكذا في توفير السلع والخدمات .
? أما الشخص الذي يحصل على تمويل لمشروعه من أموال الزكاة ، فإنه يقيم المشروع لكونه لا يلتزم بأي نسبة يدفعها للغير ، وبالتالي فإن مشروعه يكون محققا للعائد كلية ويحقق ذلك الهدف الخاص وكذلك الهدف العام ، وعليه يكون اختياره أوسع من مجال اختيار الأول ، أي أن المستثمر في هذه الحالة لا يضطر إلى المقارنة بين العائد الاستثماري وتكاليف رأس المال .
وهكذا يتأكد لنا أن المشاريع ذات المردود المنخفض والأكيد ، تستفيد هي الأخرى من اهتمام المستثمرين إذا تم تمويلها بواسطة الزكاة ، وهذا التمويل يجب أن يقتصر على أصحاب المهن من الفقراء ، أي الذين لا يملكون الأموال اللازمة لإقامة مشاريعهم .
ولتوضيح ما سبق نقدم المثال التالي :
نفرض أن المشاريع الاستثمارية المتاحة في المجتمع خلال فترة من الفترات هي كما يلي :
- مشروع "أ" يحتاج لرأس مال قدره 30.000 و.ن بمعدل عائد منتظر 10% .
- مشروع "ب" يحتاج لرأس مال قدره 40.000 و.ن بمعدل عائد منتظر 15% .
- مشروع "جـ" يحتاج لرأس مال قدره 35.000 و.ن بمعدل عائد منتظر 12% .
- مشروع "د" يحتاج لرأس مال قدره 50.000 و.ن بمعدل عائد منتظر 08% .(1/226)
- مشروع "هـ" يحتاج لرأس مال قدره 45000 و.ن بمعدل عائد منتظر 6% .
نفرض أولا أن رأس المال اللازم لإقامة هذه المشاريع يتم تحصيله عن طريق الاقتراض من المؤسسات المالية ، والتي تأخذ مقابل ذلك عائدا يتمثل في سعر الفائدة وعليه نكون عندئذ بصدد حالتين :
الحالة الأولى : نهمل معدل التضخم ، ونعتبر سعر الفائدة يساوي 11% .
المشاريع التي يتم الاستثمار فيها هي فقط تلك التي يفوق عائدها معدل الفائدة السائد في السوق ، وهي : المشروع "ب" + المشروع "جـ" ، ويقدر رأس المال المستثمر فيهما بـ : 75.000 و.ن .
وعليه فإن المشاريع التي يتم رفضها هي : "أ" + "د" + "هـ" ، ويقدر رأس المال المقدر للاستثمار فيهما بـ : 125.000 و.ن . وبذلك سيضيع عائد هذه المشاريع على المجتمع وتضيع فرصة نمو الدخل الوطني ، وكذا فرصة توظيف عاطلين عن العمل ، والقيم الضائعة هي :
30.000 ( ( 0.1 ) = 3000 و.ن .
50.000 ( ( 0.08 ) = 4000 و.ن.
45.000 ( ( 0.06 ) = 2700 و.ن .
الحالة الثانية : نبقي معدل الفائدة عند نفس النسبة ، ونفرض أن معدل التضخم يساوي 03% ، وعليه فإن المستثمر عليه أن يأخذ في الحسبان معدل الفائدة ومعدل التضخم معا ، فيكون مجموع المعدلين هو : 13% .
لذلك يجب أن يكون العائد من الاستثمار أكبر من 13% حتى يقبل المستثمر بالمشاريع المتاحة ، والمشروع المقبول إذن هو المشروع "ب" ، والمبلغ المستثمر فيه هو : 40.000 و.ن . وتكون قيمة المشاريع المرفوضة هي : 160.000 و.ن ، وسيضيع معها حتما العائد المتوقع منها .
وفيما يلي نفرض أن المشاريع السابقة يتم تمويلها بأموال الزكاة ، وعليه فإن كل المشاريع سيتم قبولها سواء كان معدل التضخم معدوما أو لم يكن معدوما ، وبالتالي فإن قيمة الاستثمار الإجمالية هي : 200.000 و.ن ، والعائد المنتظر يكون كاملا إذا كان معدل التضخم معدوما ، ويقل قليلا إذا كان معدل التضخم يساوي 03% على سبيل المثال .(1/227)
ونخلص بالتالي إلى كون التمويل عن طريق الزكاة يتيح للمجتمع تنفيذ مشاريع استثمار إضافية ، قد تكون ذات عائد منخفض ، لكنها يمكن أن تكون ذات أهمية بالنسبة للمجتمع ، وهذه الفرص قد لا توفرها طرق التمويل الرأسمالية التي تعتمد على تقديم الأموال للمستثمر مقابل عائد يدعى معدل الفائدة ، وقد تبين لنا ذلك من خلال التحليل السابق ، فأي الطريقتين نختار .
ولكن تجب الإشارة إلى كون التمويل بواسطة أموال الزكاة لا يدل على أنها طريقة التمويل الوحيدة ، وإلى اكتفينا بالمشاريع الاستثمارية المحققة من قبل الطبقة الفقيرة ذات القدرة على إنشاء مشاريع إنتاجية ، في حين يصبح تمويل المشاريع الأخرى لحساب الطبقة التي لا تدخل في عداد الفقراء والمساكين يتم بطرق أخرى شرعية ، ونذكر أننا قد تناولنا ذلك في الباب الثاني عند الحديث عن أسلوب التمويل بالمشاركة والمضاربة ، وبالتالي نكون بصدد نموذج متكامل لتمويل الاستثمارات .
المبحث الثاني
سبل تحقيق أسلوب التمويل الزكوي(1/228)
بعد تناولنا في المبحث السابق لمزايا الزكاة المنتجة ، والتي تعني تخصيص جزء من أموال الزكاة لتمويل مشاريع الفقراء والمساكين ، إلا أن ذلك لن يتم بطرق عشوائية لأنه قد لا يؤدي إلى تحقيق الهدف المطلوب ، وعليه تحتاج العملية إلى وجود مؤسسة تجميع وتمويل ، والمتمثلة في مؤسسة الزكاة(1) ، وتحتاج أيضا إلى طرق تطبيقية تسمح بتنفيذ العملية بطريقة سهلة وفعالة ، إذ لا يمكن أن يكون التنفيذ عفويا ، ولا يمكن أن يكون الاتصال المباشر بين الغني والفقير من أجل تقديم الأموال الكافية كزكاة لتنفيذ أحد المشاريع ، لأن العلاقة المباشرة قد تسمح بتحقيق مجموعة بسيطة من المشاريع ، في حين نسعى لتعميم العملية من خلال مؤسسة رسمية تكون أكثر فعالية في مجال تمويل مشاريع الطبقات الفقيرة ، كما لا يمكن الاعتماد على وسائل بدائية لا تفي بالغرض ، وعليه نجد أنفسنا مضطرين للتنظير لما يجب أن يكون عليه الجهاز الذي يتولى تنفيذ العملية ، وهذا يحتاج إلى تضافر عدة عناصر نعالجها وفق المطالب التالية :
المطلب الأول : الوسيلة الإعلامية
كل عملية اقتصادية ناجحة يسبقها حتما وعي كامل بكل خصائصها ، إذ أصبح من صميم النشاط الاقتصادي تلك العمليات الإشهارية ، وتلك الحملات الإعلامية ، التي تخصص لها ميزانيات معتبرة ، تمثل تكاليف حقيقية تضاف إلى باقي التكاليف الأخرى ، التي تتعلق بالإنتاج والتخزين والتوزيع وغيرها ، وهذا من أجل ضمان نجاح المشروع الاقتصادي وتحقيقه للأرباح المنتظرة .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ عدنان خالد التركماني ، السياسة النقدية والمصرفية في الإسلام ، مؤسسة الرسالة ، عمان الأردن 1988 ، ص233 .(1/229)
وتحتاج فكرة الزكاة المنتجة في المجتمع المسلم إلى جهود إعلامية كبيرة تسهل على دافعي الزكاة قبولها ، وتسمح للفقراء والمساكين أصحاب المشاريع من الاطلاع على وجود إمكانية لتمويل مشاريعهم تلك ، دون الحاجة إلى الاقتراض من المؤسسات المالية ، ونسعى لطرح هذه الفكرة حتى تحقق الهدف المتوقع .
الفرع الأول : دافعو الزكاة : صحيح أن من يدفع الزكاة ، يدفعها وهو راضٍ باعتبارها فريضة دينية ، لكن نعتقد أنه سوف يكون أشد رضاً عندما يدرك المجال الذي ستنفق فيه الزكاة التي يدفعها ، خاصة عندما يعلم أن أمواله تلك ستحقق لعدد من الأفراد في المجتمع فرص العمل ، وتحقق لهم بالتالي مداخيل تسمح لهم بالإنفاق الاستهلاكي دون الحاجة إلى الاستدانة ، وتساهم تلك الزكاة مستقبلا في زيادة الطلب الفعال(1) ، كما تساهم أيضا في تحقيق العرض الكلي من خلال إنتاجها للسلع والخدمات ، فيؤدي ذلك إلى تحقيق التوازن بين الطلب الكلي والعرض والكلي ، فيتجنب المجتمع بذلك الكثير من الأزمات الاقتصادية ، مثل البطالة وعدم توفر الطلب الفعال اللازم لتحفيز الاستثمارات .
نستنتج من خلال ما سبق أن دافعي الزكاة يمكن أن تتحقق لصالحهم مجموعة من الأهداف منها المباشرة وأخرى غير مباشرة ، نوجزها فيما يلي :
? توظيف جزءاً من أموال الزكاة في المشاريع الاستثمارية يؤدي إلى توظيف بعض العاطلين على العمل ، فيسمح ذلك بتحقيق دخل لهم يتمثل في الأجور ويوجد من بين دافعي الزكاة من يملك مشاريع إنتاجية وتجارية تحتاج إلى طلب كافٍ لكي تحقق الأرباح المخططة ، فتساهم الزكاة إذن في توفير بعض هذا الطلب الذي يعود بالفائدة على دافعي الزكاة .
ــــــــــــــــــــــــ
1- muhammad ibrahim al suhaibani , effects of zakah on aggregate demand , islamic development bank , islamic research and training institute ,jeddah , first edition 1997 , p163 .(1/230)
? وجود المال الكافي لإقامة مشاريع قد تكون من النوع الذي يختص بالأبحاث العلمية ، وبالتالي تحقيق براءات الاختراع ، يؤدي ذلك إلى تحقيق منتجات جديدة قد يكون أصحاب الأموال بحاجة إليها في مشاريعهم ، وبالتالي يستفيدون من دفعهم للزكاة ، كأن يكون الفقير المستفيد من الزكاة يعمل في مجال البحث العلمي ، كمن يعمل مثلا في مجال برامج الإعلام الآلي ، قد يحقق من خلال ذلك برنامجا يحتاجه أصحاب المؤسسات الكبرى ، إذ يستخدمونه في الرفع من قدرتهم الإنتاجية وتحسين النوعية ، وهذا ما يساعد في تقليل تكاليف الإنتاج ، وزيادة مستوى التنافسية لتلك المؤسسات .
? يضاف إلى ما سبق الهدف المعروف من قبل ، والمتمثل في تفادي الحسد الناتج عن التفاوت في مجال الثروة ، فيتجنب دافع الزكاة الاعتداءات الناتجة عن ذلك ، إذ يمثل الاعتداء على الممتلكات سببا كافيا لتراجع الاستثمارات وهروب رؤوس الأموال ، فيؤدي ذلك إلى تراجع مستوى النشاط الاقتصادي أما إذا علم الفقير أنه يملك جزءاً من مال الغني سوف لن يفكر في الاعتداء على ممتلكاته وأمواله ، وهذا يمثل أحد حوافز النشاط الاقتصادي ، وتتأكد لدينا أهمية الحفاظ على أموال وممتلكات الأفراد من خلال الدور التقليدي للدولة .(1/231)
الفرع الثاني : مستقبلو الزكاة : وفيما يخص الذين هم بحاجة إلى أموال الزكاة لتمويل أعمالهم وتحقيق المشاريع الصغيرة التي يقدرون على إدارتها ـ إذ لا يمكن لأموال الزكاة أن تمول المشاريع الكبيرة ـ فإننا نرى أن أسلوب التمويل هذا يجعل الفئة الفقيرة في المستقبل تدخل ضمن دائرة دافعي الزكاة ، وهذا عندما تحقق كفايتها من خلال ما تحققه من عائد ، وتستمر معهم المداخيل مع استمرار مشاريعهم وتطورها بسبب رواج منتجاتها في الأسواق ، خاصة في الحالة التي تؤدي فيها تلك المشاريع خدمات مطلوبة من قبل المجتمع ، أو تنتج سلعا يكون الطلب عليها في السوق كبيرا ، وقد يصل المجتمع إلى درجة مساعدة أولئك الفقراء من خلال شراء ما ينتجونه من باب التحفيز والدعم لا من باب الحاجة ، كما يمكن للدولة أن تتولى في البداية شراء منتجاتهم ، لأن الدولة تشتري بكميات كبيرة كما يرى ذلك ابن خلدون(1) .
إن ارتفاع الطلب على تلك المنتجات يؤدي إلى زيادة الدخل ، واستمرار ذلك يعني تقليص الاستهلاك التلقائي والوصول إلى عتبة الادخار في وقت أقل ، وهذا ما يؤدي في ظل الرشادة الاقتصادية التي حثت عليها الآيات القرآنية من خلال ترشيد الإنفاق ، إن حصول هذه الفئة على النصاب الذي يدخلهم في دائرة المزكين يؤدي ذلك إلى توسع دائرة دافعي الزكاة وتتقلص تدريجيا دائرة مستقبلي الزكاة ، إذ نسعى من خلال ذلك للوصول إلى دالة استهلاكية لا يوجد بها الاستهلاك التلقائي الذي يؤخر عتبة الادخار ، حيث يتقلص الاستهلاك التلقائي كلما تراجعت البطالة ، وكانت الأجور وعائدات المشاريع كافية لتحقيق حد الكفاية في مجال إشباع الحاجات وتلبية الرغبات .(1/232)
إن الأشخاص الذين يستلمون أموال الزكاة يجب أن يكونوا على دراية تامة بالمجال الذي خصصت له هذه الأموال ، وبالتالي لا يتقدم لطلب هذا النوع من الزكاة في هذه الحالة إلا أصحاب المهن الذين لا يجدون مصادر لتمويل أعمالهم ، وعلى هذا الأساس لابد من وجود نظام محكم يسمح بضبط معايير اختيار مستحقي هذا النوع من الزكاة ، كما يسمح باستخدام وسائل الإعلام الضرورية لإيصال المعلومات للذين يعنيهم أمر الزكاة ، هذا ما ندرسه في المطلب الموالي .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ابن خلدون ، المقدمة ، المرجع السابق ، ص 204
المطلب الثاني : الجهاز الإداري
بناء على ما سبق ينبغي أن توجد الوساطة التي تسمح بتنمية هذا النوع من التمويل ، وهذا عن طريق الإعلام والترويج والإدارة الفعالة ، إذ تمثل الإدارة القائمة باستقطاب تلك الأموال وتوزيعها المكان الذي يقصده دافعو الزكاة والمستفيدون منها على سواء ، أين يتم استقبالهم لتُشرح لهم سبل تجميع واستخدام تلك الأموال ، وبذلك نكون أمام جهاز إداري يضم فرعين :
أولا : فرع إداري مستقبل : إن دافعي الزكاة على اختلاف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، في حاجة لمعلومات وافية عن كيفية تجميع أموال الزكاة ، بهدف منحهم الفرصة التي تسمح لهم بتأدية هذه الفريضة وهم على علم بالمجال الذي سوف تُستخدم فيه ، كما تسمح للمحتاجين لعملية التمويل بإيجاد المؤسسة التي يقصدونها للحصول على الأموال اللازمة ، ففي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج عمال الزكاة إلى أصحاب الأموال ليجمعونها من مصادرها(1) ، وحاليا يمكن اعتماد أسلوب الإدارة المستقبلة ، خاصة وأن سهم العاملين عليها يكفي لتفادي مشكلة البحث عن مصادر أجور الإداريين(2) .(1/233)
ويمكننا حاليا اعتماد النظام الإداري اللامركزي ـ على أساس أن الزكاة محلية ـ يسمح بتغطية أكبر مساحة ممكنة من الوطن ، ففي كل ولاية على سبيل المثال يتم إنشاء جهاز إداري تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية ، يهتم الفرع ــــــــــــــــــــــــ
1 - Fu'ad Abdullah Al-Umar , The Historical Developmement of Zakat and Challenges it had encountered Since the period of the Prophet (PBUH) up to the Umayyad Period , JOURNAL OF SHARI'A AND ISLAMIC STUDIES , Published by Academic Publication Council , Kuwait University , Volum 13 , NO 36 , december 1998 , p 372
2 ـ أحمد علي عبد الله ، مناقشة حول فقه الزكاة ، وقائع ندوة رقم 33 بعنوان المواد العلمية لبرنامج التدريب على تطبيق الزكاة في المجتمع الإسلامي المعاصر ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، 1995 ، ص 277 .
المستقبل للزكاة بتصميم دليل شامل يحوي كل تفاصيل عملية جمع الزكاة ، بحيث يأخذ كل دليل خصوصية المنطقة التي يوجد بها الجهاز الإداري ، ليتسنى له استقطاب أكبر عدد ممكن من دافعي الزكاة ، يمكنه توسيع الوعاء الزكوي ليحقق أكبر قيمة ممكنة من أموال الزكاة المتاحة للتسديد ، حيث كلما كان القائمون على الفرع الإداري المختص في جمع الزكاة على دراية بخصوصية المنطقة وطبائع أهلها ، كلما استطاعوا استمالة دافعي الزكاة إليهم ، إذ يأخذ علم سلوك الأفراد طابعا استشرافيا لما ستكون عليه القرارات الفردية مستقبلا ، وبالتالي إمكانية التأثير فيها لتأخذ المنحى المحدد لتحقيق هدف مؤسسة الزكاة .(1/234)
وعليه فإن بناء الثقة بين الأفراد والجهاز الإداري يقلل من تولي الأفراد توزيع زكاتهم على الفقراء مباشرة ، العملية التي لا تحقق هدفها ، نظرا لتشتت أموال الزكاة بين الفقراء دون أن يمس أحدهم ما يكفيه لعدة أيام ، كما قد ينال الزكاة من لا يستحقها أصلا ، وبالتالي تبقى مشكلة استفادة الفقراء أصحاب المهن من التمويل الكافي قائمة ، وما نسعى إليه يحتاج إذن إلى مؤسسة ترعاه وتعمل على توسيعه ليشمل أوسع طبقة ممكنة من المحتاجين .
الفرع الثاني : فرع إداري موزع : إن الفرع الإداري الذي يستقبل أموال الزكاة لا يمكنه القيام بعملية التوزيع ، لأن ذلك يتطلب متابعة لمجالين مختلفين وهذا ما يؤثر على دقة التنفيذ ، وحتى تتمكن مؤسسة الزكاة من أداء وظيفتها بأسلوب اقتصادي لا بد من تخصص كل فرع في جانب محدد ، ويعتبر التخصص في كل المجالات ضامنا للقدرة على الإتقان والأداء الجيد ، لذا لابد من فرع آخر يقوم بتوزيع أموال الزكاة التي جمعها الفرع المستقبل ، ولا يعني ذلك انفصال الإدارتين ، وإنما يدخل ذلك في إطار تقسيم العمل وحسب .
ومن جانب آخر يستدعي الأمر أن تكون للعمال القائمين على فرع التوزيع مؤهلات علمية تختلف عن مؤهلات العمال في الفرع الأول ـ الخاص بالتجميع ـ حيث من يجمع الزكاة يجب أن يكون على علم بمقادير الزكاة في جميع أنواع الأموال ومتى يجب جمعها ، وكيفية حصرها وتقدير مقدار الزكاة فيها ، فهذه العملية تحتاج لفقهاء في الشريعة الإسلامية يعملون جنبا إلى جنب مع المتخصصين في عملية الجمع ، والمحاسبين والمدققين والمراجعين ، وهذا ضمانا لحق الفقراء في أموال الأغنياء .(1/235)
أما محاسبة الزكاة والتي تضمن بطريقة دقيقة تقييد ما جمع من الأموال الزكوية فتحتاج لخبراء في المحاسبة ، وهذا ما يضمن الحماية الكاملة لحقوق الأصناف التي فُرضت الزكاة لأجلهم ، بينما عملية توزيع أموال الزكاة فهي تحتاج أكثر ما تحتاج إلى خبراء اقتصاديين ، من خلال تحديد مؤشر الفقر وطبيعة بقية الأصناف المستحقة للزكاة ، إذ لم يعد التصريح الشرفي من طرف المحتاج كافيا لتقديم الزكاة له ، وفي مجال الزكاة التمويلية نحتاج للخبراء الاقتصاديين في عملية انتقاء المشاريع المربحة وهذا بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع المقترح قبل الموافقة على تمويله ، وهنا نكون بصدد طريقين :
الطريق الأول : البحث عن المشاريع المربحة في المنطقة المتواجد فيها الجهاز الإداري المختص بجمع وتوزيع هذا النوع من الزكاة ، وهذا باعتماد مبدأ محلية الزكاة(1) ، ويتم نشر دليل مفصل حول هذه المشاريع يضم دراسة تقنية للمشروع ، أهميته وقدرته على تحقيق العائد ، وكذا المؤهلات المطلوبة لتنفيذه ، فإذا ما اطلع عليه أصحاب المهن توجهوا مباشرة ودون عناء للمشروع الذي يتفق ومؤهلاتهم العلمية والفنية والمهنية ، وبذلك يتم اختصار طرق إنشاء المشاريع وتمويلها ، حيث تسمح هذه العملية بمساعدة الفقراء أصحاب المهن الذين لا يحسنون عملية انتقاء المشاريع المناسبة .
الطريق الثاني : أن يستقبل الفرع اقتراحات أصحاب الشهادات والمهن بالمشاريع التي يرغبون في إنشائها ، يحددون في تلك الاقتراحات نوع المشروع وأهميته والعائد ــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوسف القرضاوي ، لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المملكة العربية السعودية ، المجلد الخامس ، العدد الأول ، 1997 ، ص140 .(1/236)
الممكن تحقيقه ، مع تقديم ملفا بمؤهلاتهم ومجالات اهتماماتهم ، وبيان بسيرتهم الذاتية فيقوم الفرع بدراستها وترتيبها ، ليوافق عليها بالترتيب ، أي يقبل في الأول المشاريع ذات النفع العام ، ثم يعتمد في ترتيب بقية المشاريع على أساس العائد المتوقع من كل مشروع .
وعليه فإن الاختيار في مجال الاستثمار يجب أن يسمح بتقديم المشاريع ذات النفع العام لكونها تسمح بتحقيق هدفين أساسين : خدمة الفقراء والمجتمع في آن واحد ، إذ لا يعتبر العائد في الاقتصاد الإسلامي هو المحدد الرئيسي لقرارات الاستثمار ، أما المشاريع الأخرى فيقبل منها أولا المشروع الذي تكون فيه الكفاية الحدية لرأس المال كبيرة ، حتى يصبح صاحب المشروع في أقصر وقت ممكن من دافعي الزكاة ، أي يخرج نهائيا من دائرة الفقراء .
استثناء : ويستثنى من كل المشاريع ، سواء المختارة من قبل الإدارة ، أو من قبل المستثمرين ، تلك التي تنتج السلع المحرمة ، باعتبار أن الاقتصاد الإسلامي يفرق بين المال المتقوم وغير المتقوم(1) ، والزكاة عبادة لا ينبغي أن تمول المشاريع المنتجة للمال غير المتقوم ويؤدي هذا التقييد إلى إنتاج الطيبات فقط : les bienes ، goods وسوف يؤدي ذلك إلى إشباع الحاجات وتلبية الرغبات في إطار دائرة المباح .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد يوسف موسى ، الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي ، دار الفكر العربي ، مدينة النصر ، القاهرة 1996 ، ص 152 .
ـ محمد عبد المنعم عسفر ، المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي ، دار الكتاب الحديث ، القاهرة الجزء الأول ( بدون تاريخ الطبع ) ، ص135 .
ـ عوف محمود الكفراوي ، الرقابة المالية في الإسلام ، مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر والتوزيع الإسكندرية 1997 ، ص 43 .
المطلب الثالث : جهاز المتابعة(1/237)
يجب أن لا نكتفي بتوزيع أموال الزكاة على المنتجين من أصحاب المهن والحرف والشهادات الجامعية ، ونترك لهم بعد ذلك كامل الحرية في إنجاز مشروعهم من عدمه ، وإنما لابد من متابعة تلك المشاريع منذ إنشائها وإلى غاية الانتهاء منها ، فرغم أن الزكاة هي تمليك المال للفقراء والمساكين ، لكن لا نريد للفئة المنتجة أن يفشل مشروعها الاستثماري لتبقى بحاجة إلى المال ، وإلاّ لم تكن عملية تمويل مشاريعهم بأموال الزكاة مجدية ، ونكتفي عندئذ بتقديم الزكاة الاستهلاكية فقط وهذا لا يساهم في التقليل من عدد الفقراء والمساكين في المجتمع ونقترح أن تتم المتابعة بإحدى الطريقتين التاليتين :
الطريقة الأولى : أن يتم توظيف خبراء تابعين لمؤسسة الزكاة يتابعون ميدانيا كل المشاريع التي تم قبولها من طرف المؤسسة ، وبالتالي تكون صلاحية هؤلاء الخبراء كاملة في تقييم مدى التقدم في مجال إنجاز تلك المشاريع ، وما هي الأخطاء التي يجب تفاديها والتجاوزات التي لا يسمح بوقوعها ، وربما يمثلون جانب الاستشارة في مجال متابعة المشاريع الاستثمارية إلى حين تسويق المنتوج ، إذ لا يكفي أن يكون الفقير المحتاج لتمويل مشروعه على دراية بكيفية إنشاء المشروع ، إلا أنه قد لا يعرف كيفية تسويق المنتجات ، وبالتالي خبراء مؤسسة الزكاة يساعدون على تحقيق الهدف الذي من أجله أُنشئت تلك المشاريع .
ولا يعني ذلك تدخلا في عمل المستفيد من أموال الزكاة ، كما لا يعني تراجعا عن صفة تمليك أموال الزكاة لمن استفاد منها ، وإنما يتم ذلك بهدف ضمان نسبة عالية من النجاح للمشاريع التي تم تمويلها بالزكاة ، وبذلك تكون تلك العملية في صالح المستثمر وليس ضد رغبته ، إذ تمثل الاستشارة والمتابعة في ظل المنافسة الاقتصادية سببا في الوصول إلى الهدف المسطر ، والهدف في هذه الحالة هو إخراج الفقراء والمساكين من دائرة المستفدين إلى دائرة المانحين .(1/238)
وإذا ما تأكد أن صاحب المشروع يدير مشروعه بكفاءة عالية ، و يحقق أهدافه باستمرار ، فإن المتابعة من قبل خبراء المؤسسة الزكوية سوف تقل ، وقد يصبح المشروع ليس بحاجة لدورهم في المتابعة ، مما يخفف عن مؤسسة الزكاة من أعمال المتابعة التي تحتاج إلى عدد كبير من الخبراء ، وإلى تكاليف مالية كبيرة ، إذ يشترط في مؤسسة الزكاة تقليص النفقات إلى أدنى حد وقبول المتطوعين لأداء وظيفتها بأقل التكاليف(1) .
الطريقة الثانية : أن يقدم صاحب المشروع الذي استفاد من التمويل الزكوي في كل فترة وثيقة متابعة تصممها إدارة الزكاة وتحدد فترات الإيداع ، وتملأ من قبل صاحب المشروع تتضمن نسبة التقدم في الإنجاز ، حجم الإنتاج الحالي ، وحجم الإنتاج المتوقع لفترة لاحقة وما هي العائدات التي سوف تغطي التكاليف وتسمح بتحقيق الأرباح ، حتى يتم الإطلاع على وضعية المشروع ، وهل يسير في الاتجاه المخطط له أم لا .
كما يحصر صاحب المشروع كل الصعوبات التي تواجه مشروعه ، سواء ما تعلق بالحصول على المواد الأولية ، أو على اليد العاملة اللازمة ، أو عن أي عنصر يحتاجه المشروع ، ويفترض أن تكون مؤسسة الزكاة على صلة بباقي المؤسسات الأخرى في المجتمع ، كمكاتب اليد العاملة مثلا ، وهذا لتزويد تلك المشاريع بكل ما تحتاجه كلما واجهتها المشاكل .
كما قد يستفيد صاحب المشروع عند تقديمه بطاقة المتابعة لمؤسسة الزكاة من نصائح و إرشادات خبرائها ، إن كانت المشاكل التي تعيق مشروعه فنية .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوسف القرضاوي ، لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1994 ، ص 38 .
المبحث الثالث
دور الزكاة في تحفيز النشاط الاقتصادي(1/239)
بعد تحليلنا لكيفية تمويل المشاريع الاستثمارية الخاصة بالفقراء والمساكين بجزء من أموال الزكاة ، نحاول أن نعرف كيف ستنشط الزكاة المنتجة بقية المجالات الأخرى ، وهذا باعتبار أن عناصر النشاط الاقتصادي مرتبطة مع بعضها البعض ضمن ما يعرف باسم دائرة النشاط الاقتصادي ، فعلى سبيل المثال تؤدي زيادة الطلب الاستهلاكي إلى تحفيز الاستثمارات في ظل التشغيل غير التام .
وسوف سنركز في هذا المبحث على كيفية مساهمة الزكاة المنتجة في تحفيز النشاط الاقتصادي ، وهذا من خلال قدرتها على توظيف جزء من الطاقات المعطلة في المجتمع ، ويتعلق الأمر بالفقراء والمساكين ، الذين يملكون القدرات الكافية على تنفيذ مشاريع ذات قيمة اقتصادية معتبرة ، وكيف سيؤدي ذلك إلى خلق القيم المضافة التي تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي .
وسنركز على دالتي الاستهلاك والادخار في النموذج الكينزي البسيط ، لاعتقادنا أنها الأقرب إلى الواقع ، وهذا بهدف إدراك التغيرات الحاصلة في مجال النشاط الاقتصادي عند تطبيق مبدأ الزكاة المنتجة ، انطلاقا من التأثير الأولي على حجم الاستهلاك والادخار ، إذ يمثل الأول أحد عناصر الطلب الفعال والثاني أحد مصادر التمويل(1) .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ضياء مجيد الموسوي ، التحليل الاقتصادي الإسلامي ، الدخل والنقد ومعدل الربح والاستخدام مؤسسات شباب الجامعة ، الاسكندرية 1997 ، ص26 .
المطلب الأول : النموذج الكينزي البسيط في مجالي الادخار والاستهلاك(1/240)
وقع اختيارنا على هذا النموذج لبساطته ، وقدرته على إعطائنا صورة واضحة عن كيفية توزيع الدخل المتاح بين الادخار والاستهلاك ، ومدى تأثير ذلك على النشاط الاقتصادي ، ولاعتقادنا أن هذا النموذج يقترب إلى حد ما من تفسير الواقع الاقتصادي في المجتمعات الإسلامية ، إذ نلاحظ أن الأجر النقدي هو المحدد الأساسي للإنفاق الاستهلاكي ، وأن العائلات تستهلك مقدارا محددا خارج الدخل المتاح ، وهذا ما تحتويه دالة الاستهلاك الكينزية .
يقدم كينز كلاً من دالتي الاستهلاك والادخار في شكل علاقة خطية ، ويجعلهما متغيرين تابعين للدخل المتاح ، مع وجود ثابت مستقل عن الدخل يمثل الاستهلاك التلقائي ، وذلك كما يلي :
1 ـ دالتي الاستهلاك والادخار(1) : نأخذ مباشرة الشكل العام للدالتين ثم تحليل عناصر كل دالة على حدة .
أ ـ دالة الاستهلاك :
C = a + bYd
حيث :
" a " : الاستهلاك التلقائي ، وهو مستوى الاستهلاك عندما ينعدم الدخل .
" b " : الميل الحدي للاستهلاك ، ويمثل مدى استعداد صاحب الدخل للاستهلاك ، ويمثل نسبة تغير الاستهلاك إلى التغير في الدخل ، حيث : ( b < 1 < 0 ) .
C : الاستهلاك الكلي .
Yd : الدخل المتاح ، وهو عبارة الدخل الذي يتصرف فيه الشخص بكامل حريته ، حيث : Yd = Y – T + R إذ : T تمثل الضرائب المباشرة ، R تمثل التحويلات ــــــــــــــــــــــ
1- Daniel Labaronne , Macroéconomie , Equilibres Macro- économiques Edition du Seuil , avril 1999 , P32
الاجتماعية ، وهي ما تقدمه الدولة لمحدودي ومعدومي الدخل دون مقابل ، كالاشتراكات في الضمان الاجتماعي ، وإعانات البطالة .
وبذلك تكون العلاقة خطية أو قريبة من الخطية بين الاستهلاك والدخل المتاح أي يؤدي التغير في الدخل المتاح إلى تغير بنسبة ثابتة في الاستهلاك .(1/241)
ب ـ دالة الادخار : يرى كينز عكس ما تراه المدرسة الكلاسيكية أن قرار الاستهلاك هو الذي يتم اتخاذه أولا ، ثم يتم ادخار ما يتبقى من الدخل المتاح ، لذلك يكون :
الإدخار = الدخل المتاح ـ الاستهلاك
ودالة الادخار الكينزية هي من الشكل :
S = - a + sYd
" -a " الادخار التلقائي ، وهو حجم الادخار عندما ينعدم الدخل ، ويكون بالسالب لكونه يعبر عن استهلاك قيمة معينة من قبل فئة لا تملك دخلا ، أو ذات الدخل المحدود التي لا يغطي دخلها احتياجاتها الاستهلاكية ، أي هي عبارة عن عملية استنزاف للادخار الوطني ، حيث تؤدي إلى الإقلال من حجم الادخار ، أي كلما كان الاستهلاك التلقائي كبيرا ، كلما أدى ذلك إلى الإقلال من حجم الادخار باعتبار أن " -a " تأخذ نفس قيمة " a " وبإشارة مغايرة ، وهذا ما يؤكد أنه كلما كانت الفئة التي لا تملك دخلا في المجتمع كبيرة ، كلما قلت المدخرات في المجتمع ، وهذا ما يؤدي إلى عجز كبير في تمويل الاستثمارات ، فضعف الأجور يؤدي إلى انعدام فرص العمل ، وتوجيه المبالغ المالية المتاحة لدى تلك الفئات إلى إشباع الحاجات وتلبية الرغبات ، وباعتبار أن الادخار لن يكون إلا بعد تغطية الاستهلاك ، والوصول بذلك إلى عتبة الادخار ، فيؤدي ضعف الدخل أو انعدامه إلى تأخر عتبة الادخار .
" s " تمثل الميل الحدي للادخار ، وهي تبين مدى استعداد صاحب الدخل لادخار قسطا من دخله ، فهو يضحي باستهلاكه الحالي للحصول على عائد مستقبلي ، حيث :
"1 < s < 0 " .
ويمكن التعبير عن معادلتي الاستهلاك والادخار بيانيا كما يلي :
منحنى رقم ( 6 ) : يبين دالتي الاستهلاك والادخار وعتبة الادخار
C = a + bYd
S = -a + sYd
Yd(1/242)
شرح البيان : البيان أعلاه يبين الشكل الخطي لمعادلتي الاستهلاك والادخار ، مع وجود خط (45 الذي يقطع منحنى معادلة الاستهلاك في نقطة معينة ، والتي تمثل الحالة التي يتم فيها توجيه جميع الدخل للاستهلاك ، وعندها يكون الادخار معدوما .
المنطقة المخططة السفلى تمثل منطقة الادخار السالب ، والتي يتم ضمنها استنزاف الادخار ، أي يتم فيها استهلاك تلك الأموال التي كان يجب أن توجه أصلا للادخار ، ويكون الدخل غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الاستهلاكية للأفراد ، وبذلك تُستخدم مدخرات سابقة أو الإقدام بالاستدانة .
فعند النقطة m يكون الادخار معدوما ، مما يعني وصول الدخل إلى المستوى الذي يسمح بتغطية الاستهلاك ، وتمثل تلك النقطة عتبة الادخار ، إذ بعد ذلك إذا زاد الدخل بوحدة نقدية واحدة يتحول الادخار إلى الجزء الموجب من البيان ، يدل ذلك على البدء في تكوين المدخرات ، وهذه النقطة تبعد وتقرب حسب قيمة الاستهلاك التلقائي ، والميل الحدي للاستهلاك ، ويكون للاستهلاك التلقائي الأثر السلبي على توفير أموال للاستثمارات ، قد يتسبب ذلك في ارتفاع أسعار الفائدة في ظل اقتصاد السوق الخاص بالنظام الرأسمالي ، إذ لا يعني اقتصاد السوق حتما الاقتصاد الرأسمالي بقدر ما يعني النشاط الاقتصادي الحر .
ويعتبر الادخار المصدر الأساسي المرغوب لتمويل الاستثمارات في المجتمع دون الحاجة إلى التمويل بالعجز أو استخدام القروض الأجنبية ، ومتى توفرت المدخرات كانت كلفة الاستثمار ضعيفة ، وهذا لكون الوفرة في الادخار تؤدي إلى تراجع سعر الفائدة بالنسبة للاقتصاد الرأسمالي ، وهذا ما يشجع على إقامة الاستثمارات والتوسع فيها ، إلا أن توفر المدخرات في الاقتصاد الإسلامي تشجع الاستثمارات بزيادة المشاركة في تمويلها .
بناءً على ما سبق يمكننا إبراز دور الزكاة المنتجة في تحفيز النشاط الاقتصادي ، وهذا ما نوضحه في المطلب الموالي .(1/243)
المطلب الثاني : دور الزكاة المنتجة في التحفيز
من خلال ما سبق يمكننا التأكيد على أن الزكاة لها دوران أساسيان : الأول يتعلق بزيادة الطلب الفعال نظرا لكون الفئات الفقيرة تتميز بارتفاع الميل الحدي للاستهلاك ، وبتوفر المال لديهم سوف يزداد الطلب(1) ، والدور الثاني يتمثل في إدماج فئة معينة ضمن دائرة الإنتاج ، والذي يسمح بخلق مناصب الشغل .
إن تخصيص جزء من أموال الزكاة لأصحاب المهن ، والذين ليس لديهم دخلا ، أو لا يكفيهم دخلهم لتمويل استثماراتهم ، ينقل هذه الفئة من عملية استنزاف المدخرات إلى تكوين الادخار المناسب لتمويل الاستثمارات :
ــــــــــــــــ
1 ـ نعمت عبد اللطيف مشهور ، حول الدور الإنمائي والتوزيعي للزكاة ، أطروحة دكتوراة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد ، جامعة القاهرة 1988 ، ص307 .
الفرع الأول : نفرض أن المجتمع لم يستطع توفير مناصب الشغل لكل أفراده ، فكانت فئة منه لا تملك دخلا ، ولأن الشخص يجب أن يستهلك ما دام حيا فإن استهلاكه سوف يكون مستقلا عن الدخل ، فإذا كان الميل الحدي للاستهلاك في هذا المجتمع هو 0.75 وكانت قيمة الاستهلاك التلقائي في هذا المجتمع هي : 150 وحدة نقدية فإن هذا المجتمع سوف يحقق عتبة الادخار عند الدخل : 150/0.25 = 600 وحدة نقدية ، أي عليه أن يحقق دخلا يمثل أربعة أضعاف ما يستهلك تلقائيا حتى يستطيع هذا المجتمع أن يصل إلى عتبة الادخار ، وحتى يمكنه بعد ذلك البدء في توفير الأموال التي ستوجه للاستثمار ، والذي من شأنه تخفيف تكاليف تمويل الاستثمارات في هذا المجتمع .(1/244)
الفرع الثاني : إن اعتماد أسلوب الزكاة المنتجة في المجتمع الذي يعاني من معدلات بطالة مرتفعة ، سوف ينقل في كل مرة مجموعة من هذه الفئة من دائرة الاستهلاك التلقائي إلى دائرة الاستهلاك التابع للدخل ، أي عندما يقيم هؤلاء مشاريعهم سوف يصبح لهم دخلا يستخدمونه في استهلاكهم ، وبالتالي سوف يخرجون من دائرة الاستهلاك التلقائي ، فتقل تبعا لذلك قيمته ، فيختصر المجتمع الطريق للوصول إلى عتبة الادخار التي تسمح بتكوين المدخرات في المدى القصير ، وبالتالي ضمان تمويل الاستثمارات التي تسمح بتحقيق النمو الاقتصادي .
وحسب المثال السابق إذا استطاعت الزكاة المنتجة أن تقلل قيمة الاستهلاك التلقائي إلى مستوى 100 وحدة نقدية ، فإن عتبة الادخار سوف تنزل إلى : 100/0.25 = 400 وحدة نقدية .
بذلك يكون المجتمع قد حقق هدفين اثنين بفضل أسلوب الزكاة المنتجة في وقت واحد هما :
الهدف الأول : ضمان مناصب شغل للمستفدين من هذا الصنف من التمويل ، وإنشاء مناصب شغل جديدة بعد إنشاء المشاريع التي تم تمويلها بأموال الزكاة ، أي أن من يقوم بإنشاء مشروعه وفق هذا التمويل سوف يخلق مناصب عمل لغيره ، وبذلك يزداد الأثر الإيجابي للزكاة المنتجة كلما كانت المشاريع المقامة تستوعب عددا أكبر من العمال .
الهدف الثاني : اختصار الطريق للوصول إلى عتبة الادخار ، والتي تعتبر هدفا لما بعدها ، وهو توفير الأموال اللازمة للاستثمارات التي تقام بغير أموال الزكاة أي أن تمويل الاستثمارات الخاصة بالطبقة الفقيرة بواسطة جزء من أموال الزكاة ، يولد مداخيل أخرى تسمح بتوفير المدخرات التي سوف تُوجه لتمويل النشاط الاستثماري .
ويمكن توضح ذلك من خلال المثالين السابقين :
مثال1 : دالة استهلاك من الشكل : C = 100 + 0.8Yd
عتبة الادخار هي : Yd = 100 / 0.2 = 500 um(1/245)
مثال 2 : نفرض فيه إدخال فئة من الفقراء ضمن دائرة الإنتاج عن طريق تمويل مشاريع بأموال الزكاة ، فاستطاعت هذه الفئة ممارسة الإنفاق الاستهلاكي انطلاقا من دخلها المتاح ، وبالتالي التخلي عن الاستهلاك التلقائي الذي نفرض أنه تقلص إلى النصف ، فتصبح دالة الاستهلاك من الشكل : C = 50 + 0.8Yd
عتبة الادخار هي : Yd = 50 / 0.2 = 250 um
أي أن عتبة الادخار أصبحت أقرب مما كانت عليه في السابق ، وهذا ما يعطي دفعا للنشاط الاقتصادي من خلال توفير التمويل اللازم للنشاط الاقتصادي من جهة ، وزيادة الطلب الفعال المحفز لزيادة الاستثمارات في ظل التشغيل الناقص والذي تتميز به الدول الإسلامية .
يتبين لنا من خلال التحليل السابق ، أن إشكالية تمويل النشاط الاقتصادي في الدول الإسلامية ، تتحدد أساسا على ضوء مجموعة من نقاط الضعف نوجزها فيما يلي :
? ضعف مستوى الأجور النقدية ، وهذا ما يؤدي بصفة مباشرة إلى ضعف الدخل المتاح الذي يتحدد على أساسه الإنفاق الاستهلاكي .
? عدم استقرار الأسعار خاصة بعد تحريرها في إطار التحول نحو اقتصاد السوق ، وهذا ما يضعف القدرة الشرائية ، فيستحيل معه الادخار .
? ضعف النظام الجبائي الذي يقتطع مقادير كبيرة بصفة مباشرة من أجور العمال والتي هي ضعيفة في الأصل .(1/246)
? انتشار البطالة بسبب الضعف الهيكلي للاقتصاد الوطني ، الأمر الذي لا يسمح بخلق مناصب عمل فتزداد بذلك قيمة الاستهلاك التلقائي الذي يؤدي إلى تأخير عتبة الادخار ، بسبب ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك لدى الطبقات الفقيرة(1) ، ورغم أن ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك يساهم في زيادة الطلب الفعال ، الذي يعتبره كينز أساسا لزيادة العرض الكلي في حالة التشغيل الناقص ، إلا أن الطلب لدى الفئات الفقيرة يمثل طلبا كامنا وليس فعالا ، وهذا بسبب عدم امتلاكها للدخل المناسب لتحويل الطلب الكامن إلى طلب فعّال ، ولا يمكن الاستمرار في تمويل الفقراء بالزكاة الاستهلاكية لأن ذلك قد يؤدي إلى التضخم النقدي في الحالة التي يكون فيها الجهاز الإنتاجي غير قادر على مواجهة الطلب الإضافي .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ نعمت عبد اللطيف مشهور ، الزكاة : الأسس الشرعية والدور الإنمائي والتوزيعي ، سلسلة الرسائل الجامعية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، الطبعة الأولى 1993 ، ص 329 .
خلاصة الفصل الأول
من خلال ما درسناه في هذا الفصل يمكننا التأكيد على أن الزكاة المنتجة يمكن اعتمادها كأسلوب لتحقيق عدد من الأهداف نوجزها فيما يلي :
1. تسمح باستغلال الطاقات العاطلة في المجتمع ، والتي ليس لها ما تمول به مشاريعها رغم أهميتها للمجتمع .
2. تسمح بتحويل فئة من المجتمع من الأخذ إلى العطاء .
3. تسمح بامتصاص نسبة معتبرة من البطالة بخلق فرص عمل .
4. تساعد على نمو الدخل الوطني .
5. تساهم في تحقيق التنمية المستدامة .
6. تسمح بتكوين المدخرات .
7. تساعد في تكوين رؤوس الأموال .
8. تساعد على توفير السلع والخدمات في المجتمع .
9. تضمن للمجتمع استغلال طاقاته المتاحة .
لهذه الأهداف وغيرها ، نحتاج لتفعيل هذا النوع من تمويل الاستثمارات في المجتمعات الإسلامية .
الفصل الثاني
الوقف وسبل تنميته(1/247)
يمثل الوقف أحد وسائل التضامن والتكافل في الإسلام ، فقد تميز المجتمع المسلم منذ القديم بوجود مؤسسات وقفية ترعى حاجات الفقراء والمساكين(1) ، وبما أن امتلاك المال يكون عن طريق الكسب الحلال ، فإن ظاهرة الغنى والفقر في المجتمعات الإسلامية تُعد ظاهرة صحية ومقبولة ، نظرا لكون بعض الأفراد ليس بمقدورهم القيام بالأعمال حكما أو حقيقة ، وبهدف ضمان كرامة الإنسان وتفادي ظاهرة الفقر والعوز وتحقيقا لمبادئ الإسلام في تنمية الموارد البشرية ، يمكن أن يُستخدم الوقف في الدول الإسلامية كوسيلة من وسائل الدعم للفئات الفقيرة والمحرومة في المجتمع .
وباعتبار الوقف هو عملية حبس الأصل وتسبيل الثمرة ، فإن أغلب الأملاك الوقفية على مرّ العصور تمثلت في عقارات وبساتين ، وكان إنفاق عائدها ينصب أساسا على مجالات التعليم والصحة ، وقد ساهمت الأملاك الوقفية في الإسلام في تنمية الموارد البشرية بما يضمن تحقيق الأهداف التنموية .
بناءً على ما سبق وبهدف تثمين الأملاك الوقفية ، يمكن التأكيد على أن الوقف يمثل أحد مجالات الاستثمار ، باعتباره يُنمى لصالح جهات معينة هي بحاجة إلى التمويل ، إذ يمثل أصل الوقف هبة من الواقف لصالح الموقوف لهم ، وإذا كان هذا الأصل عقارا ، وجب القيام بتعهده وإصلاحه وتنميته تفاديا لاهتلاكه وزواله ، وضمانا لاستمرار عائده ونموه ، بما يضمن إمدادا متواصلا للجهات الموقوف لها بالمال اللازم والذي يتحقق عن طريق استغلال الأملاك الوقفية .
وسوف نتناول في هذا الفصل سبل استثمار الوقف بعد التعرض لمفهومه وأنواعه ، بعد ذلك نستعرض التجارب الوقفية في بعض الدول الإسلامية ، ثم نحاول إسقاط ذلك على واقع الوقف في الجزائر .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ منذر قحف ، إدارة الأوقاف الإسلامية ، www.Mozer.kahf.com ، ص351 .
المبحث الأول
الأوقاف كمجال للاستثمار(1/248)
الأوقاف ، وهي جمع وقف ، تتمثل في الهبات الخاصة بالأغراض الخيرية ، بحيث يوقَف الملك على جهة معينة تستفيد من عائداته ، ولا ينبغي أن يوجه لغير الجهة الموقوف لصالحها ، ويحفز الإسلام هذا النوع من الهبات باعتباره يسمح بتمليك وسيلة كسب لجهات تعمل للصالح العام ، كالمساجد وما يلحق بها من مدارس تعليمية ، وكذا المنشآت التي تسعى لتطوير الأبحاث العلمية مثل مراكز البحث العلمي ، التدريب والتكوين ، ومنشآت الخدمات العامة ، مثل الصحة وغيرها ، كما توجد أملاك وقفية خاصة بطبقة معينة من الفقراء والمحتاجين ، كأن يوقف شخص ما بعض أملاكه لصالح الأيتام يوفر لهم الحاجات الاستهلاكية وباقي متطلبات الحياة الكريمة .
وبهدف ضمان استمرار الأملاك الوقفية في تقديم العائد المناسب لصالح الجهات الموقوف لها(1) ، نحاول البحث في مجال طرق الاستثمار ، وسوف نحاول التأكيد كذلك على ماهية الأوقاف الجديدة التي تسمح بتدنية التكاليف مع ضمان العائد المناسب .
ويمثل الوقف المجال الاستثماري التطوعي ، أي عندما يتنازل أي شخص في المجتمع عن شيء يملكه لصالح جهة معينة ، يستدعي ذلك القيام باستثمار ذلك الأصل ضمانا لاستمرار للعائد(2) ، وهذا ما نهدف إلى إيضاحه من خلال دراسة الوقف .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت ، تجربة الأمانة العامة للأوقاف في علاج مشكلة الفقر في دولة الكويت ، دورة " دور الزكاة والوقف في التخفيف من حدة الفقر " 25 ـ 29 جويلية 2005 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، القاهرة ، ص4
2 ـ رفعت السيد العوضي ، الدور الاقتصادي والاجتماعي للوقف ، ندوة عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية ، 15 ـ 18 ديسمبر 2002 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، القاهرة ، ص13 .
المطلب الأول : خصائص الأصول الوقفية(1/249)
باعتبار الأملاك الوقفية تمثل أصولا رأسمالية ، لكونها تتمثل غالبا في الأملاك العقارية أو وسائل إنتاج ، حيث نجد في تاريخ الأوقاف أن الأشخاص يوقفون أراضي وبنايات وبساتين ، الأمر الذي يجل هذه الأملاك تتميز عن باقي الأصول الأخرى ـ خارج الأملاك الوقفية ، فالمقارنة هنا من حيث ملكية الأصل لا من حيث طبيعته ـ بجملة من الخصائص نوجزها فيما يلي(1) :
1/ الديمومة : ويعني حبس الأصل وتسبيل الثمرة(2) ، ليبقى أصل الإنتاج قائما على المدى الطويل ، فلا يجوز التصرف فيه بيعا ولا هبة ، ولا تجوز تصفيته ، لأن ذلك يتعارض ومقصد الوقف ، وبالتالي فإن الأصول الوقفية تتميز بالأجل اللامحدود ، فهي موقوفة على جهة محددة لأجل غير مسمى ، وهذا حتى يبقى أصل الوقف قادرا على تقديم العائد باستمرار للجهة المقصودة ، إذ الغاية من الأملاك الوقفية هي إيجاد مصدرا دائما للعائد يُصرف لصالح الجهة المحددة من قبل الواقف ، ونتبين من ذلك أن المال الموقوف يتضمن شقين : الأول خاص بأصل الوقف ، مثل بستان به أشجار مثمرة ، والثاني يتعلق بثمرة الوقف ، مثل ما يُجنى من هذا البستان من ثمرات تباع لحساب الموقوف لهم ، ونبين ذلك فيما يلي :
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد أنس الزرقا ، التمويل والاستثمار في مشروعات الأوقاف ، مقدمة مبسطة ، دراسات إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المجلد الأول ، العدد الثاني محرم 1415 الموافق لـ جوان 1994 ، ص65 .
2 ـ عمر محمد عبد الحليم ، أسس إدارة الأوقاف ، أبحاث ندوة " عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية " جامعة الأزهر ، مركز صالح عبد الله كامل ، القاهرة ، 2002 ، ص2 .
ـ محمود المرسى لاشين ، نشأة الوقف في الإسلام ، دورة : " دور الزكاة والوقف في التخفيف من حدة الفقر " 25 ـ 29 جويلية 2005 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، القاهرة ، ص 2(1/250)
أ/ صيانة أصل الوقف : لضمان الدخل المستمر الناتج من استغلال أصل الوقف لابد من صيانة الأصل ، حتى يستمر في تقديم العائد وقتا أطول ، ويرى الفقهاء أن ذلك يتم من العائدات الناتجة من استثمار أصل الوقف(1) ، أي أن نفقات الصيانة تكون بجزء من الأموال الناتجة عن استغلال أصل الوقف ، وهذا لتفادي الوقوع في مسألة الاستدانة لصالح الصيانة ، ويعطى القائم على عملية الاستثمار أجره من تلك العائدات أيضا ، وكأن أصل الوقف يُموّل نفقاته بذاته ، ويوجه الباقي للإنفاق على الجانب الذي أنشئ الوقف من أجله .
من خلال التأكيد على صيانة أصل الوقف ، يتبين أن عمارة الأعيان الموقوفة مقدم على صرف عائداته على المستحقين ، بما يؤكد أن أعمال الصيانة مطلوبة بدرجة أولى حفاظا على الأصل ، فلو كان القائم على الأملاك الوقفية يُنفق كل العائدات على حاجات الموقوف لهم ، فإن هذه العملية لن تستمر على المدى البعيد ، إذ يؤدي الإهتلاك إلى فقدان الأصل ، وفقدان العائد بعد ذلك .
ب/ تسبيل الثمرة(2) : أي أن يكون ما ينتجه الوقف من عائدات موجها في سبيل الله للجهات المحددة من قبل الواقف ، فلا يمكن حبس ثمرة الوقف ( منتجات زراعية ، عائدات مالية ، سلع منتجة ، ....الخ ) عن الجهات التي أنشئ الوقف لها فيفهم من ذلك أنه لا ينبغي للقائم على الوقف أن يتصرف في عائدات الوقف ، بخلاف ما وصى به الواقف ، ويدخل ذلك في باب أداء الأمانات إلى أهلها ، ويحقق ذلك هدف الوقف فكلما استمر العائد للجهة المقصودة كلما تم بلوغ الهدف المتمثل في سد حاجات الجهات المحتاجة ، وتصرف القائم على الوقف بغير إرادة الواقف يمنع الوصول إلى الهدف ويدخل ذلك في باب تحويل الأموال والممتلكات وللضرورة أحكام .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد أنس الزرقا ، المرجع السابق ، ص65 .
2 ـ عمر محمد عبد الحليم ، أسس إدارة الأوقاف ، مرجع سابق ، ص3 .(1/251)
ـ أبو بكر جابر الجزائري ، منهاج المسلم ، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة (بدون تاريخ الطبع) ، ص296 .
ولا يمنع ذلك من اجتهاد القائم على الوقف في عملية استثمار وتطوير وصيانة أصل الوقف ، وهذا بهدف استمرار العطاء للجهات الموقوف لها ، فتكون الصدقة الجارية مستمرة تُدر على الجهات المقصودة العائد المناسب ، وعلى صاحب الوقف الأجر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية .............))(1) .
ويعتبر تسبيل الثمرة أهم مؤشر على مدى نجاعة إدارة الوقف ، ويدخل ذلك في مدى استغلال الوقف ليكون أكثر إنتاجية ، فإذا استمر أصل الوقف في تحقيق العائد على المدى الطويل ، يؤكد لنا ذلك قدرة الإدارة القائمة على الوقف على استثماره بالطريقة الاقتصادية السليمة ، حيث تحتاج العمليات الاستثمارية إلى دقة في اختيار المشاريع ، وطرق الاستثمار تكون مدروسة بالكيفية التي تسمح بتعظيم العائد .
ومن جانب آخر تحتاج العملية إلى المتابعة والمراقبة بهدف ضمان الفعالية ، إذ يمثل الوقف أمانة في يد القائم عليه ، ولا يكفي ذلك لضمان عدم تحويل العائد ، كما يحتاج الوقف المنتج ـ مثل البساتين والحقول ـ للأسواق المناسبة بهدف تصريف المنتجات ، ويحتاج ذلك إلى المحافظة على الزبائن والبحث عن غيرهم ، خاصة إذا كانت المنافسة لا تسمح بالبقاء في السوق .(1/252)
ويحتاج الأمر كذلك إلى العقود المحققة للهدف ، إذ تمثل عملية إبرام العقود المشكل الأساسي في مجال الاستثمارات ، فأي خطأ في هذا المجال يؤدي إلى ضعف في استغلال الأملاك الوقفية ، وحرصا على أموال الوقف الموجهة للمحتاجين يجب أن تُراعى المصلحة عند إبرام العقود مع الجهات المتعاونة في مجال استثمار الأملاك الوقفية ، وليس من العدل أن تقدم الأملاك الوقفية لأي مستثمر لا تتوفر فيه النزاهة والكفاءة ، كما أن المستثمر يجب أن يراعي خصوصية الأملاك الوقفية ولا يشترط في ذلك العائد الكبير أو الاستفادة من امتيازات .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه الترمذي ، كتاب الوقف ، رقم 1297
2/ الشكل العقاري : غالبا ما تكون أصول الوقف في شكل عقار (( أراضي ، بنايات بساتين )) ، إذ كان هذا الشكل من الأملاك الوقفية هو السائد خلال فترة زمنية طويلة ، وقد ظهرت حديثا أملاك وقفية من نوع آخر .
ويتطلب استغلال الأملاك الوقفية استخدام جميع عناصر الإنتاج كمدخلات ، بهدف أن تكون المخرجات تتميز بالجودة المناسبة التي تسمح بتصريف المنتجات ، وبالتالي نكون بصدد نشاط اقتصادي متكامل ناتج عن وجود الأصول الوقفية ، حيث أن عملية الإنتاج تستدعي تصريف المنتجات فيكون التبادل في سوق السلع والخدمات وينتج عن ذلك حركة في التداول النقدي ، فالوقف إذن يساهم في توسيع دائرة النشاط الاقتصادي ، ويحقق الكتلة السلعية التي تقابل التدفقات النقدية ، هذا في مجال الوقف المنتج للسلع ، وفي مجال التكوين تسمح الأملاك الوقفية بتكوين اليد العاملة والمساهمة في التعليم والتدريب ، وكذا في البحث العلمي ، فبناء المساجد والمدارس والمصحات يؤدي إلى استثمار الموارد البشرية التي تمثل ثروة حقيقية للمجتمع .(1/253)
3/ ملكية الوقف : باعتبار أن الواقف يضع أصلا من أصول الملكية توضع تحت تصرف جهة معينة تستفيد من عائداته( - ) ، فإننا نتبين أن الواقف قد تنازل عن ملكية ما أوقفه ، وبالتالي تنتقل الملكية للمالك الجديد ، ونظرا لكون أصل الوقف لا يمكن التصرف فيه بيعا ولا هبة ، فإنه لا بد من راعٍ يرعى الأصل وينميه بما يخدم الغرض الذي أنشئ الوقف من أجله ، إذ لا يمكن أن يتحول المال الموقوف إلى ثروة لمن أوقف لهم وإنما يستفيدون فقط من العائد ، ويستند ذلك إلى كون الوقف هو " حبس الأصل وتسبيل الثمرة " .
ــــــــــــــــــــــــ
( - ) نهتم فقط بالأصول الوقفية الخاصة بجهة عامة ، ولا نتكلم عن الأوقاف الخاصة بأفراد معينين لأن النوع الأول هو من نهتم باستثماره وتنميته ، بينما النوع الثاني فللموقوف عليهم مسؤولية الإدارة والصيانة والاستثمار ، وبالتالي لما نتكلم عن حق إدارة الوقف ، نخص بالذكر فقط الأملاك الوقفية العامة التي يعود نفعها على جهة عامة .
وعليه فإننا نكون في هذه الحالة بصدد ما يعرف بالولاية على الوقف ، إذ نجد للفقهاء في هذا المجال أقوالا نوجزها فيما يلي :
" يرى الحنفية أن الولاية ثابتة للواقف ، وتثبت لمن يعينه الواقف وليس للقاضي عزله ما لم يرتكب ما يوجب ذلك من خيانة أو فسق ، ويرى المالكية بعدم جواز جعل الوقف في يد الواقف ، وتحت ولايته ، خشية أن يؤدي إلى البطلان بوجود ما يمنع الحيازة "(1) . ويرجع سبب منع الإمام مالك تولي الواقف أمور الوقف حتى لا يصبح الوقف تابعا للواقف ، فيطول العهد فينسى الواقف أمر الوقف فيتصرف فيه لصالحه في وقت الشدة والضيق ، أو يموت الواقف ويعتقد الورثة أنه ضمن التركة .(1/254)
نستنتج أن رأي المالكية هو الأقرب إلى الوضع الحالي في مجال الأملاك الوقفية ، إذ تتولى الدولة مسؤولية الإشراف على الأملاك الوقفية ، فوجود الوقف يستدعي وجود الجهاز الحكومي الذي يتحمل مسؤولية تنظيم الوقف(2) ، وفي الجزائر توكل مهمة الإشراف على الوقف لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، إذ تعمل الوزارة على استرداد الأملاك الوقفية التي أُنشئت قديما ، وتبحث سُبل استثمارها ، وتسعى للحصول على أوقاف جديدة تدعم الأصول الوقفية القديمة ، الأمر الذي يؤدي إلى تمكين مسألة الوقف في المجتمع الجزائري بما يحقق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع ، ويسمح بتحقيق التوزيع التكافلي للثروة في المجتمع .
وبما أن الدولة هي نائبة عن المجتمع في إدارة الأملاك العامة ، فإننا ندعم التوجه الذي يجعل ملكية أصل الوقف تعود لله تعالى(3) ، وتكون الدولة هي النائبة في إدارة أموال الوقف ، ونرى أن ذلك هو المعتمد والأصلح في عصرنا ، إذ أصبحت الدولة بأجهزتها هي
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أبو زهرة محمد ، محاضرات في الوقف ، دار الفكر العربي ، القاهرة 1972 ، ص340 .
2 ـ منذر قحف ، الوقف الإسلامي تطوره ، إدارته ، تنميته ، المرجع السابق ، ص 89
3 ـ عمر محمد عبد الحليم ، أسس إدارة الأوقاف ، مرجع سابق ، ص3 .
من تتولى إدارة الأملاك الوقفية ، وهي من تعين الذي يتولى النظارة والمحافظة على الوقف . ونؤكد أنه ما كان لله فإن منفعته تعود حصرا على عباده الذين أنشئ الوقف خصيصا لهم ، وأن إدارته تكون بصفة سليمة حفاظا على الأصل واستمرارا في استثماره وصيانته .(1/255)
وحتى لا يكون المال الموقوف بدون راعٍ يرعاه ، فإن الإسلام يُقر بوجود القائم على الوقف ، وبالتعبير الحديث لا بد من جهاز إداري يتولى إدارة الأملاك الوقفية ، ونكون عندئذ بصدد ضرورة وجود مؤسسة الوقف التي تُعنى بإدارة الأملاك الوقفية ، وإذا كانت الإدارة في أي مؤسسة اقتصادية وغير اقتصادية تسعى إلى تحقيق هدف محدد أنشئت من أجله المؤسسة ، كتحقيق أعلى الأرباح في مؤسسة اقتصادية خاصة ، فإن الإدارة في مؤسسات الأوقاف تسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين :
الهدف الأول : المحافظة على أصل الوقف بالصيانة والتعهد والمتابعة(1) ، حتى يستمر الأصل في تقديم الثمرة المناسبة بما يخدم الجهة التي أنشئ الوقف من أجلها ، ويكون هذا الهدف أول ما يجب أن يتحقق .
الهدف الثاني : استثمار أصل الوقف بما يضمن العائد المستمر ، وفي هذه الحالة ليس الهدف تحقيق الأرباح ، وإنما استمرار الإنتاج إذا كان الموقوف أرضا أو بستانا ، أو حتى مصنعا ، بما يضمن النتائج من خلال الاستثمار في مجال الأوقاف .
على أساس ما سبق يمكن التأكيد على أن مؤسسة الوقف تجمع بين خصائص المؤسسة الخاصة التي تسعى إلى تحقيق الأرباح ، وبين خصائص المؤسسة العامة التي تهدف إلى تحقيق هدف عام ، دون الحاجة إلى اعتماد الربح كهدف أول ، إلا أن الاستثمار ينبغي أن يكون وفق المعايير الاقتصادية التي تحقق النجاعة .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ محمد أنس الزرقا ، التمويل والاستثمار في مشاريع الأوقاف ، دراسات اقتصادية إسلامية البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المجلد الأول العدد الثاني 1994 ، ص65(1/256)
وعليه فإن هدفا المؤسسة الوقفية التي يجب أن يتلازما في كل المخططات الاستثمارية للقائمين على إدارة الأوقاف ، فلا يميلون إلى تجديد الأصول الوقفية بالعائد الذي يجب أن يصل إلى الجهة الموقوف لها ، ولا يوزعون كل العائدات على أصحابها ويتركون أصل الوقف يُهتلك ، فيقسم بذلك العائد الوقفي إلى جانبين كلاهما يخدم مصلحة الموقوف لهم ، الأول للصيانة وبالتالي الإبقاء على المورد ، والثاني للإنفاق على الجهة المختصة لنقل الأمانة إلى أهلها .
وتمثل عملية التنازل عن جزء من الوقف للمحافظة على الباقي ، أو استبدال نوع وقفي بنوع آخر يحقق المصلحة العامة للجهة الموقوف لها ، يمثل إحدى الصيغ الممكنة المحققة للهدف في حالة ما إذا كان أصل الوقف غير قادر على تقديم النفع للجهة المقصودة ، وتكون حالة الاستبدال عند الضرورة القصوى شريطة أن يكون ذلك محققا للهدف من وجود الوقف(1) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الهيئة العليا لمدينة الرياض ، استثمار أموال الوقف ، بحث مقدم لمنتدى قضايا الوقف الفقهية الأول ، المنعقد بالكويت من 11 إلى 13 أكتوبر 2003 ، الموقع ArRiyadh.com ، ص3 .
ـ إقبال عبد العزيز المطوع ، حكم بيع الأحباس ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت ، العدد الخامس والخمسون ، ديسمبر 2003 ص 169
المطلب الثاني : سبل استثمار الوقف
نناقش في هذا المطلب إشكالية استثمار أموال الوقف بما يخدم الهدف الذي أنشئت من أجله الأوقاف ، باعتبار أن الأملاك الوقفية ليس بمقدورها مسايرة باقي المؤسسات الأخرى الخاصة منها والعامة ، إذا لم تكن قادرة على تقديم العائد المناسب للقيمة المالية لأصل الوقف ، ويتجلى ذلك بصفة خاصة في ظل اقتصاد السوق أين تكون المنافسة ، ومن يرى بأن الأصول الوقفية ليس لها هدفا اقتصاديا بالدرجة الأولى وأن هدفها الاجتماعي هو المعتمد ، يؤثر سلبا على قدرة الأوقاف في تحقيق هدفها الذي أنشئت من أجله .(1/257)
على هذا الأساس ينبغي على إدارة الأوقاف أن تبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق العائد المالي المناسب ، دون أن تحيد عن الهدف الاجتماعي ، والمتمثل في استمرار التدفق المالي على الجهة الموقوف لها ، وأي تعطيل لاستثمار الأملاك الوقفية يؤدي إلى حدوث الانقطاع في العائد .
وباعتبار أن الوقف هو مال حُبس على جهة محددة ليؤدي دورا تكافليا في المجتمعات الإسلامية(1) ، ينبغي أن يُدار بالأسلوب المؤسساتي حفاظا عليه ، وتنميته بهدف رفع الكفاءة الإنتاجية لأصل الوقف ، ويكون ذلك باعتماد أسلوب الشركات الاستثمارية الحديثة بهدف تجاوز الأساليب التقليدية ، وعليه فإن تنمية الأوقاف تستدعي تفكيرا اقتصاديا وتجاريا وماليا محضا ، وإحداث تغيير جذري في مفهوم وبنية الإدارة المكلفة بالأوقاف لتصبح عبارة عن إدارة شركة عقارية تؤكد على رفع الإنتاجية وعلى نسبة النمو المحققة(2) ، على هذا
1 ـ سعيد عبد العال عبد الرحمن ، كفاءة استثمار الوقف الإسلامي الخيري ، رسالة ماجستير ، كلية التجارة ، قسم إدارة الأعمال ، جامعة الأزهر 1989 ، ص 35 .
2 ـ عبد الكريم العيوني ، إدارة أموال الوقف وأساليب استثمارها ، رسالة ماجستير ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، معهد البحوث والدراسات العربية ، جامعة الدول العربية ، 2003/2004 ، ص 55
الأساس تكون عمارة الوقف واجبة سواء اشترط الواقف ذلك أم لا ، ويمكن استبدال الموقوف من المال بأفضل منه إذا كان ذلك في صالح الموقوف لهم(1) .
وقبل الكلام عن السبل الممكنة لاستثمار الأوقاف ينبغي التأكيد على أن الأملاك الوقفية تنقسم إلى قسمين(2) :
? قسم يقدم خدمات عامة مثل المدارس والمستشفيات ، وفي هذه الحالة لا يمكن الكلام عن استثمار الأوقاف باعتبار أن الأصل يقدم خدمة ، وبالتالي ينبغي المحافظة على الأصل بالصيانة والتعهد حتى يستمر في تقديم الخدمة التي أنشئ من أجلها . ...(1/258)
? قسم يقدم خدماته عن طريق المردود المتوقع منه عن طريق تشغيله ، مثل محل تجاري ، عقار ، بستان ، معمل ...الخ . ففي مثل هذه الحالة لا يمكن لأصل الوقف أن يقدم خدمة للجهة الموقوف من أجلها إلا إذا تم استغلال هذا الأصل ، وبالتالي نكون بصدد عملية استثمارية ، وبالتالي نحتاج إلى دراسة مستوفية لكيفية استثمار أموال الوقف بما يحقق العائد المناسب ، فلكل استثمار عائد يُنتظر من ورائه يسمح بتنميته واستمرار التدفقات المالية .
فإذا أخذنا على سبيل المثال قطعة أرض موقوفة لجهة معينة ـ مثل ملجأ للأيتام ـ في هذه الحالة ينبغي أن تُستغل قطعة الأرض حتى يكون لها عائد يُنفق على تلك الجهة ، وبالتالي نكون أمام أحد أمرين ، الأول : تأجير قطعة الأرض ، ونكتفي بمبالغ الإيجار لإنفاقها على الجهة الموقوف عليها هذا الأصل ، ويكون المبلغ معلوما على أساس الاتفاق المبرم وما تم تثبيته في العقد .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الكريم العيوني ، نفس المرجع ، ص 94 .
2 ـ محمد أنس الزرقا ، التمويل والاستثمار في مشاريع الأوقاف ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، العدد الثاني المجلد الأول ، يونيو 1994 ، ص 66
وما دمنا دوما نسعى لأن يكون مردود أصل الوقف متزايدا باستمرار ، حتى يؤدي دوره الاقتصادي والاجتماعي بأفضل صورة ، فإننا نفضل أن يتم استثمار الأصل بالطرق الاقتصادية الحديثة التي تضمن أعلى دخل ممكن ، ولا يمكن الاعتماد على عقود الإيجار القديمة التي تمثل قيمها حاليا مبالغ رمزية ، ومن جهة أخرى إذ استُغِلت قطعة الأرض بطريقة أخرى غير الإيجار ، كأن تُستغل في الإنتاج وبيع المنتوج في الأسواق بما يحقق أرباحا أكبر من مبلغ الإيجار .
وتتم عملية الاستثمار حسب توقعنا بإحدى الطريقتين التاليتين :(1/259)
الطريقة الأولى : إنشاء صندوق لاستثمار الأوقاف : قد يكون هذا الصندوق وطنيا وقد يكون جهويا ، ونظرا لكون الأوقاف تنتشر عبر التراب الوطني ، ويستحسن أن يكون الصندوق جهويا حتى يكون القائمون عليه أقرب إلى موقع الأملاك الوقفية ، وعلى دراية بطبيعة الاستثمار المناسب للمنطقة ، ويكون تمويل الصندوق من الهيئات المحلية على سبيل القرض الحسن ، ولا يمنع الخواص من المشاركة في هذا الصندوق بنفس الأسلوب ، على أن يُسترد أصل القرض بعد إتمام العملية الاستثمارية ، وتوفر القدرة للمشروع على تحقيق المردودية المناسبة .
تفيد طريقة صندوق استثمار الأوقاف في التوقف عن تأجير الأملاك الوقفية القادرة على إنتاج السلع والخدمات ، باعتبار أن عملية الإيجار لا تدر في الغالب دخلا يساوي مقدار الدخل الناتج من استغلال أصل الوقف في الدورة الإنتاجية ، وفي هذا المجال نرى أنه من الواجب استعادة الأملاك الوقفية المؤجرة منذ زمن بعيد لتتلاءم عائداتها مع تكاليف المعيشة الحالية ، إذ نلاحظ أن الدخل المناسب هو الذي يحقق حد الكفاية .
الطريقة الثانية : الاستثمار بالمشاركة : في هذه الحالة تطرح عملية استغلال الأملاك الوقفية للمشاركة من الجهات الخاصة أو العامة ، وبالتالي تتم عملية التمويل من قبل المشاركين ، والقائمين على الأوقاف يشاركون بأصل الوقف ، على أن يتم تقاسم العائد حسب الاتفاق بين الطرفين ، وهذه الطريقة تحقق الهدف في الحالة التي تكون فيها عملية استغلال الأملاك الوقفية تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لا يمكن توفيرها ، وبالتالي يمكن للمشاركة أن تحقق مصلحة الطرفين .
ووفق هذه الطريقة لا تحتاج نظارة الأوقاف إلى رؤوس أموال لتمويل عملية استغلال الأملاك الوقفية ، وتستفيد من عائد تنفقه في الأوجه المحددة من قبل الواقف ، وبالتالي نضمن استمرار أصل الوقف في تقديم العائد المطلوب دون الحاجة إلى التفكير في تكاليف الاستثمار .
المبحث الثاني(1/260)
بعض التجارب الوقفية
نتناول في هذا المبحث بعض التجارب الوقفية في بعض الدول العربية ، لنحاول بعد ذلك إسقاط تلك التجارب على واقع الوقف في الجزائر ، لنخلص فيما بعد إلى مكانة الوقف في الدول الإسلامية كوسيلة تكافلية تهدف إلى التكفل بذوي الحاجة من فقراء ومساكين ، والذين هم بحاجة للعلم والدواء وغير ذلك ، بما يضمن استغلالا أمثلا لكل طاقات المجتمع البشرية بما يخدم التنمية الاقتصادية .
المطلب الأول : تجربة الوقف في جمهورية مصر العربية
نسعى من خلال عرض التجارب الوقفية إلى الاستفادة ممّا هو قائم بهدف تفعيل الوقف في الجزائر ، وتمثل الأوقاف في جمهورية مصر العربية أكثر تطورا منها في الجزائر في هذا المجال واستنادا إلى وثائق متعلقة بجملة من الأوقاف المصرية ، نحاول أن نستنتج أهمية الوقف بالنسبة للدول الإسلامية بصفة عامة(1) .
أولا : وقف خاص بالطلبة المعاقين بالمعاهد الأزهرية المحتاجين لأجهزة تعويضية :
قيمة الوقف 425000 جنيه مصري أودع لدى بنك فيصل الإسلامي المصري في حساب استثماري خيري ، على أن يلتزم البنك بتقديم مبلغ 80000 جنيه مصري كل عام في أول سبتمبر ، لحساب الأجهزة التعويضية اللازمة للطلبة المعاقين بالمعاهد الأزهرية ويعتبر هذا المبلغ فوائد على أصل قيمة الوقف ، وفي حالة نقص العائد عن 80000 جنيه مصري يستكمله البنك من صندوق الزكاة التابع له . ونظرا لقصور المبلغ عن تلبية الاحتياجات التزم الواقف بإضافة مبلغ 75000 جنيه مصري ، على أن يلتزم البنك بدفع فوائد سنوية قيمتها 100000 جنيه مصري على أن يستكمل النقص من قبل البنك في حالة تراجع الفوائد .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ انظر ملحق رقم 1 .(1/261)
وفيما يخص الموظفين القائمين على هذا الوقف ، فإن البنك يلتزم بدفع 225 جنيه مصري للموظفين الثلاثة . وبهدف مناقشة كل ما يتعلق بالوقف يصرف البنك مكافأة سنوية قدرها 2100 جنيه مصري عن ثلاث جلسات في السنة تُعنى بمتابعة الوقف .
يتأكد لنا أن الوقف لصالح المعاقين من شأنه أن يحقق هدفا اجتماعيا واقتصاديا في ذات الوقت ، ويتضح لنا ذلك من زاويتين :
الأولى : إعادة إدماج هذه الفئة في المجتمع بما يخرجها من عزلتها ، ويؤدي ذلك إلى الهدف الاجتماعي للوقف .
الثانية : إمكانية الاستفادة من الطاقات الكامنة ، إذ قد يوجد ضمن فئة المعاقين إعاقة جزئية ، من يملك من القدرات العلمية والفكرية ما لا يوجد لدى بعض المعافين ، وبالتالي يمكن أن يحقق بعض أفراد هذه الفئة للمجتمع قيمة مضافة تسمح بزيادة الدخل الوطني ، أو المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية .
ثانيا : رصد مبلغ 100 ألف جنيه مصري لدى بنك فيصل الإسلامي قابلة للزيادة كوديعة استثمارية ، على أن يصل العائد السنوي إلى 20 ألف جنيه مصري يتولى البنك زيادة النقص في حالة قصور العائد ، الذي ينفق على أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، وذلك في شكل جوائز على أبحاث ينجزها متخصصون في مواضيع محددة ، أو في شكل منح أو إعانات على نشر بعض البحوث التي تخدم القرآن الكريم وإظهار إعجازه العلمي .
يمثل هذا النوع من الأوقاف وسيلة عملية لتشجيع البحث العلمي بما يخدم المجالات العلمية ، ويوفر للباحثين الجو المناسب والمحفز على التوسع والتعمق في أبحاثهم خاصة وإن كانت أبحاثا عملية تضيف إلى العلم إنتاجا جديدا يسمح بالتطور والتقدم للبشرية ، وتحتاج الجامعات إلى مثل هذا النوع من الأوقاف للتكفل بالأساتذة بالباحثين بالدرجة الأولى ، وفي حالة الكفاية تُوجه مبالغ للطلبة القادرين على إنجاز الأبحاث خاصة في المجالات التقنية والطبية .(1/262)
إن الإسلام بقدر ما يحفز على طلب العلم ويرغب فيه ، بقدر ما يرفع من قيمة العلماء ، ويدعم ذلك بالوسائل المالية والمادية مثل الوقف وغيره .
ثالثا : وقف لصالح الجمعيات الخيرية : نظرا للدور التكافلي الذي تلعبه الجمعيات الخيرية وما ينجر عن ذلك من إعادة إدماج الشرائح الفقيرة في المجتمع ، وتمكينهم من دخول المجالات الاقتصادية ليشاركوا فيها بقدر طاقتهم ، يمكن أن يمثل الوقف أحد الوسائل التي تستخدم في هذا المجال .
نسجل في هذا الإطار وقفا لصالح الجمعية الخيرية الإسلامية ومقرها 313 شارع بورسعيد السيدة زينب ، قيمة الوقف 200000 جنيه مصري في صورة شهادات استثمار لدى البنك الأهلي المصري ، بحيث يظل الأصل ثابتا ويصرف العائد السنوي وقدره 30950 جنيه مصري حسب ما هو منصوص عليه في حجة الوقف .
وقد تم إضافة مبلغ 100000 جنيه مصري بعد ذلك لأصل الوقف ، ليصبح المبلغ كاملا يساوي 300000 جنيه مصري ، ويخصص العائد على الشكل التالي :
أ / مبلغ 5000 جنيه مصري يُصرف سنويا لصالح دور المسنين عن طريق شغل أوقات المسنين والترفيه عنهم ، واستثمار هواياتهم بما يعود عليهم بالنفع ، وبهدف تحويلهم من طاقات معطلة إلى طاقات عاملة ومحققة لعائد نافع مهما كانت قيمته .
ب / مبلغ 5000 جنيه مصري يُصرف سنويا لتوسيع وتطوير مكاتب تحفيظ القرآن الكريم بالجمعية ، بما في ذلك صرف مكافآت وحوافز للدارسين والمدرسين ، وجوائز لحفاظ القرآن الكريم .
جـ / مبلغ 5000 جنيه مصري يصرف سنويا لصالح طالبات مدرسة حلوان الصناعية للبنات في شكل دفاتر ، تسلم لهن عند التخرج في حفل يحضره أولياء أمور الطالبات
وأعضاء مجلس إدارة الجمعية ، تساهم تلك المبالغ في مواجهة المستقبل المهني للطالبات المتخرجات .
د / مبلغ 15000 جنيه مصري يصرف سنويا لصالح المنتجين في شكل مساعدات عينية ، مثل عربات الشحن ، أكشاك ، آلات خياطة ، بهدف تطوير وتنمية المشاريع الصغيرة .(1/263)
هـ / مبلغ 13450 جنيه مصري يصرف سنويا لصالح المحتاجين العاجزين في شكل مساعدات نقدية استهلاكية ، وتعطى الأولوية لشراء الأجهزة الطبية التعويضية للمصابين .
مهما كانت قيمة تلك المبالغ ، فإنها تساهم في دعم القادرين على تقديم النشاط الممكن في مجال الإنتاج المادي والفكري ، فالطاقات المعطلة في أي مجتمع لا تمثل سوى عبئا على الدخل الوطني وتكون الأملاك الوقفية بمثابة الوسيلة التكافلية القادرة على تقديم الإعانات لتلك الفئات التي أصبحت تمثل واقعا لا يمكن إنكاره .
المطلب الثاني : تجربة الوقف في السودان(1)
ظلت الأوقاف الإسلامية في السودان لفترة طويلة تحت إشراف المحاكم الشرعية تتولى عملية التوثيق وحفظ السجلات ، ورفع العدوان عنها في حالة النزاع ، إلا أنها لا تتولى أي دور تنموي للوقف ولا الترويج لها كفضيلة وشعيرة ، وهذا ما يؤثر سلبا على الأوقاف القائمة فعلا ، وعلى إنشاء أوقاف جديدة .
إن استثمار الأوقاف من شأنه أن يرفع من مردودها بما يرجع بالفائدة على المستفيدين من الوقف ( أي الذين أنشئ الوقف من أجلهم ) ، فيحفز ذلك أهل الفضل بإنشاء أوقافاً جديدة ، فتتوسع بذلك دائرة الأملاك الوقفية بما يساهم في تفعيل النشاط الاقتصادي أكثر .
إن وضعية الأملاك الوقفية في السودان جعلتها تتآكل ، ويُستغل الباقي من قبل المستغلين للوضع بإيجار رمزي لا يفي بالغرض الذي أنشئ الوقف من أجله ، إذ تصبح الأملاك الوقفية أصولا استثمارية لصالح جهات خاصة لم يُنشأ الوقف لها أصلا ، وبالتالي يُقسم المردود إلى قسمين ، القسم الأكبر لصالح المستأجرين ، ويدخلون في زمرة الرأسماليين الذين يسعون دوما إلى تحقيق أعلى الأرباح ، والقسم الأصغر يعود للجهة التي أوقف الأصل لها ، ولا يمكن أن تسد حاجات الفقراء الضرورية ، أي لا تحقق لهم حد الكفاية بل حتى حد الكفاف في كثير من الأحيان يكون غير مضمون .(1/264)
أنشئت بعد ذلك في السودان وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في أواخر الستينات فأُلحقت بها الأوقاف الإسلامية ، إلا أنها لم تعمد إلى تنمية الأصول الوقفية التي بقيت تعاني الإهمال ، مما أدى بالمسؤولين في الدوائر الحكومية إلى استغلال أحسن أراضيها وإقامة المباني الحكومية عليها ، ففقدت الأوقاف بذلك مجموعة من العقارات على رأسها أراضي
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سعيد الحسين عبد الرحمن ، أسس إدارة الأوقاف ، أبحاث ندوة " عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية " ، تجربة الأوقاف الإسلامية في السودان ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 2002 ، ص6 .
واسعة داخل السودان وخارجها ، وهذا ما يؤثر حتما على عائدات الأملاك الوقفية ، فتقل الأموال التي يجب أن تصل إلى أصحابها .
دام الأمر على حاله حتى سنة 1976م(1) أين صدر أول قانون للأوقاف الإسلامية في السودان في عهد سوار الذهب ، وبإنشاء الأحزاب الوطنية وتوسع الخلافات والنزاعات لم يتم تنفيذ قانون الأوقاف الذي جُمّد وقتئذ .
ابتداءً من سنة 1989م وفي عهد حكومة الإنقاذ صدرت مجموعة من القرارات الخاصة باستعادة كل الممتلكات الوقفية التي استغلت من قبل الدوائر الحكومية السابقة ، وإدخالها ضمن حظيرة الأوقاف ، وهذا من باب إعادة الحق إلى أهله ، إذ تمثل الأملاك الوقفية حقا للجهات الموقوف لأجلها ، وبالنسبة للأراضي التي لا يمكن ردها ، تُعتمد عملية التسوية إما بالتعويض بالمثل ، أو اقتسام العائد منها مع هيئة الأوقاف .(1/265)
وبهدف تدعيم الأملاك الوقفية في السودان تم إصدار قرار سيادي يُلزم كل الولاة في سائر البلاد بتخصيص ما لا يقل عن 5% من المخططات السكنية الجديدة وخطط الأسواق لتصبح وقفا لصالح أعمال البر . من شأن ذلك أن يُوسع من دائرة الأملاك الوقفية ، ويسمح بزيادة العائد الذي يُخصص لذوي الحاجة ، وبالتالي تضاف الأوقاف الحكومية إلى الأوقاف الخاصة ، لتصبح مؤسسة الوقف قادرة على إمداد الموقوف لهم بما يحتاجون إليه من وسائل العيش والعمل .
ويمكن اعتماد طريقة الوقف الحكومي للتوسع الوقفي باستمرار ، إذ تمثل الإنجازات الحكومية إضافات مستمرة للثروة الوطنية التي يجب أن تستفيد منها كل طبقات المجتمع ، وبتخصيص نسبة منها لتصير وقفا تكون أكثر نفعا ، ويكون عائدها مساهما في توزيع الدخل الوطني بالطريقة التكافلية .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سعيد الحسين عبد الرحمن ، المرجع سابق ، ص7
إدارة الوقف : بهدف ضمان خدمة جيّدة للأملاك الوقفية ، تم إنشاء مجلس إدارة وتعيين رئيسا له بموجب قرار رئاسي ، إذ أصبح لهيئة الأوقاف الإسلامية مجلس إدارة مستقل يحكمه قانون بمرسوم جمهوري ، مهامه تتلخص في الآتي :
1 ـ يقوم المجلس بوضع السياسات العامة والخاصة بتسيير الأملاك الوقفية ، كما يكون له حق الرقابة والإشراف ، وتحتاج إدارة الوقف بصفة عامة إلى رقابة دقيقة تضمن عدم استغلال الأملاك الوقفية لأغراض خاصة ، ويمكن الاعتماد في هذا الإطار على الرقابة الشعبية المحلية ، والرقابة الحكومية المتخصصة والصارمة(1) .
2 ـ وضع خطط تنمية الأوقاف داخل وخارج السودان ، وتحديد المشاريع الإنمائية الواجب إنشاؤها ، بحيث يضمن استمرار أصل الوقف ، وتحقيق العائد المناسب للإنفاق على الجهات التي أوقف لصالحها الأصل .
3 ـ إجازة المشاريع التي تعدها إدارة هيئة الأوقاف بعد دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية لها ، بهدف ضمان نسبة مرتفعة من النجاح .(1/266)
4 ـ وضع الأسس التي تنظم تحصيل الأموال وصرفها ، إذ تُعتبر عائدات الوقف أكثر حساسية من جميع عائدات المشاريع الأخرى العامة والخاصة على حد سواء ، فالأمانة في شرع الله تعالى واجبة الحفظ والأداء ، والأوقاف تُعتبر من الأمانات التي تصان أكثر من الأملاك الأخرى ، بما يؤكد وجود الحافز على استثمارها والعمل على تحصيل عائداتها ، وتحديد مجالات الصرف بدقة متناهية يضمن أن تكون المشاريع الوقفية أكثر جدوى من غيرها وأكثر عائدا .
5 ـ التنسيق والمتابعة بما يضمن توحد الرؤى في مجال اختيار مجالات الاستثمار الأكثر أمنا ، ومتابعة عملية تسيير الأملاك الوقفية سداً للذرائع ، وتفاديا لحدوث الثغرات التي تؤدي إلى تعطل المشاريع الوقفية .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ منذر قحف ، الوقف وتنميته في المجتمع الإسلامي المعاصر ، www.Monzer.kahf.com ، ص 127 .
بفضل هذه الوظائف أصبح المجلس وبحكم القانون هو السلطة العليا في الهيئة ، وهو يمثل ناظر عموم الأوقاف السودانية في الداخل والخارج ، وفي ظل الرشادة في إدارة الأملاك العامة ، يمكن أن يحقق هذا المجلس الهدف من وجود الوقف ، وفي حالة ضعف الإدارة قد تزول الأملاك الوقفية ، لذلك لا يكفي أن تُنشأ الإدارات وتوضع القوانين ، وإنما ينبغي أيضا أن توجد الإرادة الحقيقية لتحقيق الجودة الشاملة في إدارة وتسيير الأملاك الوقفية .
الجانب الإداري في مجال الأوقاف السودانية : يُعتبر العمل الإداري أكثر الأعمال حساسية ، إذ تُمثل الإدارة أساس النجاح أو الفشل في متابعة مختلف المشاريع بما فيما الوقفية ، وفيما يلي نعرض لأهم الأعمال الإدارية في هذا المجال(1) :(1/267)
? الجهاز الإداري يجب أن يتلاءم مع حجم الأوقاف في كل ولاية ، باعتبار أن ناظر الوقف يتقاضى أجره من عائدات الوقف ، فإنه لا ينبغي أن تكون نفقات الجهاز الإداري أكبر من العائدات ، وبالتالي فإن توسع الجهاز الإداري مرهون بنماء الأوقاف بما يضمن اقتصادا في النفقات ، إذ يعتبر تخفيض تكاليف التسيير من الأهداف التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها . ... ... ... ... ... ... ... ...
? مراجعة مبالغ إيجار الأملاك الوقفية لتتلاءم مع مستوى الإيجار السائد في السوق في أي فترة ، نظرا لكون قيمة الإيجار تختلف من فترة لأخرى ، ولا يمكن الاعتماد على قيمة واحدة خلال فترة زمنية طويلة ، لأن ذلك يضر بمصالح الفئة الموقوف لها ، كما أن إيجار المثل مضمون شرعا ، كما هو الأمر في سعر المثل بالنسبة لصاحب السلعة التي يحتاجها المجتمع ويحبسها عنهم ، وأجر المثل بالنسبة للعامل الذي يحتاج الناس إلى صنعته ويغالي فيها ، كذلك فإن إيجار الأوقاف في وقت ما بالثمن السائد لا يعني استمرار هذا العقد على المدى البعيد ، وإنما يجب أن تراجع في ذلك قيمة الإيجار من زمن لآخر .
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سعيد الحسين عبد الرحمن ، المرجع سابق ، ص10 .
? نشر الوعي الوقفي بين مختلف طبقات المجتمع ، وتقريبهم من إدارات الأوقاف بهدف حثهم على وقف أموالهم التي تزيد عن حاجاتهم ، وقد تم إنشاء الصناديق الوقفية التي تسمح بتجميع النقود واستخدامها في إنشاء الأصول الوقفية(1) ، ونلاحظ في هذا المجال أن أهل البر والإحسان كثير ما لا يجدون منافذ لإنفاق أموالهم في الخير ، وبالتالي فإن إقامة دعايات إعلانية ، وشروحات حول أهمية الوقف ، وتوزيع مطويات تبين عدد وحجم الأملاك الوقفية القائمة ، ومدى مساهمتها في سد الكثير من احتياجات مختلف شرائح المجتمع ذات الاحتياج ، من شأنه أن يُنشئ أملاكاً وقفية جديدة توسع دائرة الوقف ، وتزيد من قيمة الإيرادات الوقفية التي تنفق في مجالاتها المحددة .(1/268)
? الاتصال بالمسؤولين في الدولة لتشجيعهم على التوسع في عملية الوقف ، وذلك من خلال مساهمتهم في الوقف ، لأن ذلك يزيد من الأملاك الوقفية باعتباره يضاف إلى أوقاف الخواص من أهل البر والإحسان ، ويعتبر حرص ناظري الأوقاف على إقامة علاقات عمل مع المسؤولين وأصحاب القرار في الدولة ، وسيلة لإمداد ذوي الحاجة في المجتمع بأملاك وقفية جديدة تساهم في إعادة توزيع الدخل الوطني ، كمساهمة الجماعات المحلية على سبيل المثال .
إن هذه الإجراءات المعمول بها في السودان من شأنها أن تنمي وبصفة ملحوظة الأملاك الوقفية ، وحتى وإن لم تكن التجربة السودانية في مجال الأوقاف ناجحة ، فإن هذه الإجراءات والتدابير من شأنها أن تكون دعامة أساسية للإدارات الوقفية في الدول الإسلامية ، بما يسمح من توسيع الأملاك الوقفية واستثمارها بالطرق الحديثة التي تزيد من العائدات وتقلص من التكاليف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ منذر قحف ، فقه الوقف في الشريعة الإسلامية والحاجة إلى التجديد فيه ، www.Monzer.kahf.com ، ص242
جدول رقم ( 03 ) : تطور الأوقاف العقارية في السودان وخارجه في الفترة 1990 ـ 2002
الولاية ... عدد العقارات سنة 1990 ... عدد العقارات سنة 2002 ... الزيادة
الخرطوم ... 248 ... 915 ... 667
نهر النيل ... 57 ... 607 ... 650
الشمالية ... 72 ... 140 ... 68
البحر الأحمر ... 88+120 فدان زراعي ... 256+20 فدان زراعي ... 168
كسلا ... 91+25 فدان زراعي ... 154+25 فدان زراعي ... 63
القضارف ... 18 ... 31 ... 13
النيل الأزرق ... 4 ... 16 ... 12
الجزيرة ... 317 ... 551 ... 234
سنار ... 75 ... 163 ... 88
النيل الأبيض ... 87 ... 319 ... 232
شمال كردفان ... 157 ... 262 ... 105
غرب كردفان ... 42 ... 130 ... 98
جنوب كردفان ... 60 ... 74 ... 14
شمال دارفور ... 99 ... 322 ... 223
غرب دارفور ... 49 ... 114 ... 65
جنوب دارفور ... 95 ... 167 ... 95
الإستوائية ... 44 ... 75 ... 31
بحر الغزال ... 30 ... 50 ... 20
أعالي النيل ... 12 ... 86 ... 74
المملكة العربية السعودية ... 4 ... 6 ... 2
المجموع ... 1649 ... 4448 ... 2927(1/269)
المصدر : سعيد الحسين عبد الرحمن ، أسس إدارة الأوقاف ، أبحاث ندوة " عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية " ، تجربة الأوقاف الإسلامية في السودان ، مرجع سابق ، ص10 .
يبين هذا الجدول تطور الأملاك الوقفية في السودان ، وقد بلغت الإيرادات الوقفية في عام التأسيس 1.800.000 جنيه ، وفي عام 2002 بلغت 832.588.925 جنيه ، فنلاحظ أن تطور الإيرادات كبير جدا ، مما يؤكد أن الاهتمام بأمور الوقف في السودان أدى إلى زيادة إقبال أصحاب الفضل وأهل الخير على إحياء هذا العمل التطوعي الذي يُحسب لصاحبه في باب الصدقة الجارية .
على ضوء ما سبق نؤكد أنه متى اهتمت السلطات في البلاد الإسلامية بما يخدم فقرائها ، فإن أصحاب الأموال يسارعون في وقف ما يقدرون عليه لصالح جهات معينة ، لذا لابد من ممارسة الإشهار اللازم في هذا المجال لتتوسع دائرة الأوقاف في الدول الإسلامية عامة وفي الجزائر خاصة .
طرق استثمار الأوقاف في السودان : إن إنشاء الأوقاف لا تعني شيئا إن لم يتم استثمار أصولها بما يضمن العائد المستمر الذي يُنفق على الجهة التي أنشئ الوقف من أجلها ، وفي هذا الإطار نحاول معرفة عملية استثمار الوقف في السودان للاستفادة من هذه التجربة .
وكمثال عن استثمار الأوقاف في السودان نأخذ الاستثمار العقاري(1) ، باعتبار أن معظم الأملاك الوقفية في السودان عبارة عن عقارات ، فقد تم تشكيل لجنة لتحديد أولويات الاستثمار العقاري في الأراضي الوقفية ، تضم هذه اللجنة كبار المهندسين والاقتصاديين ، وقد قاموا بدراسة المواقع بولاية الخرطوم وحددوا خمسة عشر موقعا ، وأنجزت العديد من المشروعات ، منها مجمع الذهب المركزي المجمع التجاري بأبي جنزير ، عمارة الأوقاف التجارية الخدمية بشارع السيد عبد الرحمن ، مستوصفات علاجية بكل من أم درمان والخرطوم بحري ، إلى جانب تشييد مسجد أم درمان الكبير ، عمارة الأوقاف والزكاة بأم درمان .(1/270)
ــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سعيد الحسين عبد الرحمن ، المرجع سابق ، ص15 .
وفي ولاية الجيزة تم تشييد العديد من العقارات من قبيل محلات تجارية ومغاسل للسيارات ومحطات للوقود ، وتم تأجير دكاكين النادي الأهلي وعددها 11 والتي ظلت مغلقة لمدة طويلة(1) ـ أي أنها كانت معطلة ـ وتعطيل الوقف يعني منع الأجر عن الواقف الذي وضع بين أيدي الناس أمانة يجب أن تؤدى لأصحابها .
التمويل العقاري : إن استثمار الأملاك العقارية الوقفية يستدعي توفر الأموال اللازمة لذلك ، وقد انتهجت إدارة الأوقاف في السودان مجموعة من الطرق نوجزها فيما يلي(2) :
1/ تبرع المستأجر بتكلفة البناء ، نظرا لكون بعض الأملاك الوقفية تقع في أماكن تجارية متميزة ، مثل الأسواق المعروفة بإقبال كبير للزبائن ، وأماكن الراحة والاستجمام ، فإنه من يرغب في استئجار تلك الأملاك عليه التبرع بتكلفة البناء أو الصيانة ، بحيث تصبح أولوية المنفعة التجارية للمتبرع وبذلك أمكن تعمير العديد من المواقع الوقفية في مختلف المدن ، وتزداد إيرادات العقارات الوقفية عمّا كانت عليه في السابق ، فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا محلا تجاريا في صورة وقف خيري فإن تبرع المستأجرين لتحويله إلى سوق ممتازة ، يضيف بلا شك قيمة اقتصادية للموقع ويجعله أكثر إيرادا وأعم نفعا .
2/ المشاركة المتناقصة : وهو أن يدخل المنتفع في شراكة مع هيئة الأوقاف بقيمة البناء الذي ينشئه في أرض الأوقاف ، وتدخل الهيئة بقيمة الأرض ، ويقسم العائد بين الطرفين كل حسب مساهمته ، على أن تقوم هيئة الأوقاف بتسديد جزء من قيمة البناء من نصيبها في الأرباح ، فتكون حصة الهيئة في تزايد مستمر وحصة الطرف الآخر في تناقص ، إلى أن يتم تسديد قيمة البناء كلية ليصبح ملكا للهيئة ، وبذلك تصبح عائدات هذا العقار قادرة على تلبية حاجات الجهة التي أنشئ الوقف لأجلها ، ــــــــــــــــــــــــــ(1/271)
1 ـ سعيد الحسين عبد الرحمن ، المرجع سابق ، ص15 .
فكلما تم تحديث الأملاك الوقفية بما يتلاءم مع أداء دورها ، كلما كانت تلك الأملاك أكثر جدوى اقتصادية من ذي قبل ، وتكون منافعها أعظم .
3/ الاقتراض : تتعاقد الهيئة القائمة على الوقف مع المستفيد من استغلال الأملاك الوقفية ، بأن يقرضها مبلغا من المال يستوفيه من الإيجار الشهري الذي يدفعه مقابل انتفاعه بالعقار ، على أن يتحدد ثمن الإيجار حسب ما هو سائد في السوق ، ويراجع مبلغ الإيجار كل ثلاث سنوات .
يتبين لنا من ذلك أن عملية إيجار الأملاك الوقفية لا ينبغي أن تكون بعقد أبدي ، تتحدد فيه قيمة الإيجار وفق ظروف اقتصادية قديمة ، إذ نلاحظ أن قيمة العقار في تزايد مستمر ، نظرا لكون الطلب عليه في ارتفاع من فترة لأخرى نظرا لزيادة عدد السكان ، وبالتالي فإن عملية إيجار العقارات الوقفية يجب أن تكون على المدى القصير أو المتوسط على أبعد تقدير ، وهذا حفاظا على الأملاك الوقفية بصيانتها ، إذ كلما كان العائد كبيرا كلما كانت الحصة الموجهة للصيانة معتبرة وكافية ، وضمان أكبر عائد ممكن لصالح الجهات الموقوف لها .
إن عملية الاقتراض بدون سعر فائدة (قرض حسن) تفيد في استغلال العقارات الوقفية بدون تكلفة ، وهذا نظرا لكون المستفيد من عقد الإيجار يستفيد من عملية استغلال العقار ، وبالتالي فإن هذه العملية تسمح بتوفير الأموال اللازمة لاستثمار واستغلال الأملاك الوقفية بما يتلاءم مع الهدف الذي أوقفت تلك الأملاك من أجله .
الثقافة الوقفية والترويج للمشاريع الوقفية في السودان(1) : تعمل هيئة الأوقاف في السودان على تنفيذ حملة إعلامية كبرى بهدف نشر الثقافة الوقفية بين مختلف شرائح المجتمع ، وهذا باستخدام كل أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة ، إضافة إلى استخدام المنابر العامة ومنابر المساجد في هذا المجال .
ــــــــــــــــــــــــــ(1/272)
1 ـ سعيد الحسين عبد الرحمن ، المرجع سابق ، ص17 .
وتهدف هذه الحملة ـ التي بلغت أوجها في شهر رمضان ـ إلى ترويج بعض المشاريع الوقفية التي أطلق عليها اسم الوقف الجماهيري ، الذي يهدف إلى مشاركة الجماهير في دعم مشاريع وقف العليل ووقف إعمار المساجد ودعم الطلاب الفقراء وهذا حتى تشارك الفئات الضعيفة في بعث شعيرة الوقف ، حتى لا يكون حكرا على الأغنياء عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( درهم سبق مائة ألف درهم ))(1) ، وقوله : (( اتقوا النار ولو بشق تمرة ))(2) ، ويمكن أن يتحقق ذلك بالصدقات المباشرة ، كما يمكن أن يكون عن طريق الوقف ، وكل فرد في المجتمع يمكن أن يكون واقفا من خلال مساهمته بمبلغ قليل .
في إطار ما سبق اتخذت هيئة الأوقاف في السودان شعار " اتقوا النار بمائة دينار " ، وهذا المبلغ يتطوع به عامة الناس دعما للمشاريع الوقفية ، ويصبح بذلك كل فرد في المجتمع واقفا حتى الرضيع في حجر أمه ، ويمكن بذلك أن يستفيد فقراء المجتمع بأموال وقف إضافية تسمح بسد حاجتهم .
ولو استفدنا في الجزائر من هذه الفكرة ، وكانت 100 دج على كل فرد وكان العدد الكلي للسكان القادرين على سبيل المثال 15 مليون نسمة ، فإن المبلغ الموقوف هو 1500 مليون دينار ، ولو تكررت العملية مرّة في السنة ، فإن ذلك يكون كافيا لدعم المشاريع الوقفية ، ولو دفع كل أجير مبلغ مائتي دينار شهريا ، فإن مبالغ الوقف سوف تكون معتبرة في الشهر الواحد ، وإن استثمرت تلك الأموال في مشاريع مربحة فإن عائدها يسد حاجات متعددة للطبقات الفقيرة في المجتمع .
وإن شبهنا هذه العملية بزكاة الفطر نكون قد قربنا الفهم ، نظرا لكون زكاة الفطر يدفعها الصائم بغض النظر عن مستوى دخله ، ومبلغها زهيد يقدر عليه عامة الناس ومع ذلك فهو يحقق الهدف .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ رواه النسائي ، كتاب الزكاة ، حديث رقم 2480
2 ـ رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، حديث رقم 1328(1/273)
وفي مجال الوقف الجماهيري أيضا أعدت هيئة الأوقاف في السودان مشروع الغرس الطيب الذي كانت بدايته مليون نخلة ، حيث تكلف شتلة النخلة منذ غرسها وحتى تثمر مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه سودانيا ( عشرة دولارات ) خلال ثلاث سنوات وتستمر في الإنتاج لمدة لا تقل عن المائة عام .
هذا عرض موجز لتجربة الأوقاف في السودان نتبين من خلاله أن عملية الوقف لا تستدعي قدرات كبيرة ولا أن يكون البلد غنيا ، وإنما يكفي أن يتكاتف الأغنياء والفقراء في المجتمعات الإسلامية لإحياء هذه الشعيرة التي جُمّدت منذ دخول الاستعمار البلاد الإسلامية ، وسوف يؤدي ذلك إلى نماء الأوقاف ، وبالتالي مساهمة العائدات الوقفية في محاربة الفقر في المجتمعات الإسلامية ، بل وتساهم في تنميتها اقتصاديا واجتماعيا ، وتؤسس لثقافة التكافل والتضامن .
المبحث الثالث
واقع الأوقاف في الجزائر وسبل تنميتها
تمثل فكرة استثمار الأوقاف في الجزائر مؤخرا طريقا لمحاربة الفقر وإحياء تقليدا كان معمولا به في السابق من طرف الجزائريين قبل الاستعمار الفرنسي ، ونظرا لكون الأوقاف تتميز بالطابع الديني ، فإن المسارعة في استثمار الأملاك الوقفية يمثل حافزا قويا لتوسيع دائرة الوقف في الجزائر ، ويسمح بإيجاد حركية في النشاط الاقتصادي يؤدي ذلك إلى حماية وصيانة حقوق الفقراء وزيادة الموارد التي تضمن لهم حد الكفاية .
وفي إطار استعادة وتطوير الأملاك الوقفية الجزائرية ، سوف نعرض للطرق الكفيلة بعودة الأوقاف في الجزائر بشكل واسع ، وكيفية تنميتها سواء بالاستثمارات أو باستحداث أوقافاً من نوع جديد ، ومساهمتها بطريق أو بآخر في دعم النشاط الاقتصادي والمساهمة في تكوين الدخل الوطني ، نظرا لكون العمل الوقفي يعطي دخلا باعتبار أن الإنتاج الصادر عن الأملاك الوقفية يمر حتما على السوق ، سواء كان ذلك ريوعا أو أرباحا أو أجورا ، وكلها عناصر تدخل في تكوين الدخل الوطني .(1/274)
المطلب الأول : نظرة تاريخية
بهدف الوقوف على أهمية الوقف في الجزائر ، سوف نذكر باختصار أهم المراحل التاريخية التي مرت بها الأوقاف في الجزائر ، وهذا بهدف التأصيل لمسألة الوقف ، وما يمكن أن تحققه في مجال النشاط الاقتصادي الداعم لفكرة عدالة التوزيع ، ونهدف أيضا إلى التأكيد على أن الوقف ليس شيئا مستحدثا في الجزائر ولا في كل الدول الإسلامية ، وعليه لا تمثل هذه الدراسة التأسيس لشيء جديد وإنما نسعى من خلالها لعودة هذا النوع من الوسائل المستخدمة في محاربة الفقر وبكيفية أكثر مساهمة في توفير الحياة الكريمة لفقراء المجتمع بضمان حد الكفاية .
أولا : الفترة العثمانية : تميزت بانتشار الأوقاف بشكل كبير منذ أواخر القرن الخامس عشر ميلادي(1) ، فكانت الأملاك الوقفية متمثلة في مجموعة من الدكاكين والفنادق وأفران الخبز ومنابع المياه والسواقي والصهاريج وأفران الجير ، وكذا المزارع والبساتين ، فعلى سبيل المثال في قسنطينة فاق عدد الأملاك الوقفية 170 وقفا ضم أملاكا مختلفة مثل البساتين والأراضي الزراعية .
يتم تسيير الأملاك الوقفية من طرف إدارات محلية لها جهاز إداري مستقل محدد الصلاحيات ، والتصرف في أمور الأوقاف من مهمة المجلس العلمي الذي يتكون من القاضي وبعض الموظفين ، وله صلاحيات مطلقة للتصرف في شؤون الوقف ، ومراقبة القائمين عليه من حيث تسييرها وتوزيع ريوعها وفق القواعد الشرعية وإرادة الواقفين وهذا بهدف ضمان استمرار الأملاك الوقفية في تقديم العائد الضروري .(1/275)
وكانت تلك الأوقاف تتوزع على مؤسسات مختلفة تتمثل في أوقاف : المساجد ، الجامع الأعظم ، سبل الخيرات ، مؤسسة بيت المال ، أهل الأندلس ، الزوايا والأولياء والأشراف ، الجند والثكنات والمرافق العامة . فهي تشمل كل مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي وحتى العسكري ، بما يحقق دخلا إضافيا يقلل بشكل ملحوظ من نفقات الدولة ويسمح بتحقيق توازن ميزانيتها ، أي إذا تقلصت نفقات الدولة بفضل ما تسده إيرادات الأوقاف من حاجات شرائح مختلفة من المجتمع ، فإن الدولة تقل نفقاتها .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، مديرية الأوقاف والحج ، المديرية الفرعية لاستثمار الأملاك الوقفية ، نبذة تاريخية حول الأوقاف في الجزائر ، ص1 .
ـ فضيلة تكور ، رصيد الفترة العثمانية من وثائق الأوقاف بالأرشيف الوطني الجزائري ، مجلة دراسات إنسانية ، دورية محكمة تصدرها كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ، جامعة الجزائر ، أعمال ندوة الجزائر 29/30 ماي 2001 بعنوان : الوقف في الجزائر أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ص 68 وما بعدها .
ثانيا : فترة الاحتلال الفرنسي(1) : رأت السلطات الاستعمارية أن الأوقاف نابعة من القناعة الدينية للواقفين والقائمين على الأملاك الوقفية ، وبالتالي فهي تمثل عقبة أساسية في طريق تعميم الرأسمالية الاستعمارية في الجزائر ، إذ لا يمكن أن تجري القوانين الاستعمارية على الأملاك الوقفية لما فيه من مخالفة للشريعة الإسلامية في نظر الجزائريين وهذا ما كان يعيق عمليات المصادرة ، ولا يعني ذلك أن الاستعمار لم تمتد يده إلى تلك الأملاك ، فاستخدمت عدة طرق للقضاء على الأوقاف في الجزائر .(1/276)
وبهدف مصادرة الأملاك الوقفية من قبل الاستعمار الفرنسي ، أصدرت الإدارة الاستعمارية مجموعة من المراسيم والقرارات(2) التي ترفع الحصانة عن الأملاك الوقفية ، ففي 1 أكتوبر 1843 صدر قرار يقضي بإخضاع الأملاك الوقفية لأحكام المعاملات العقارية ، فاستولى الأوربيون بذلك على أغلب الأراضي الوقفية ، وما يترتب عن ذلك من تقلص في الأملاك الوقفية ، وبالتالي تراجع النشاط الاقتصادي بالنسبة لأهل الأرض .
ثالثا : فترة الاستقلال : نتيجة للاستعمار الطويل الأمد الذي عانت منه الجزائر ، وما صاحب ذلك من تعميم القانون الفرنسي على جميع مناحي الحياة المدنية والسياسية والاقتصادية ، أدى ذلك إلى تعطيل كل القوانين التي كانت السند الأساسي لمختلف النشاطات في الجزائر قبل الاحتلال ، نتج عن ذلك فراغات قانونية في مختلف المجالات بما فيها مجال الوقف ، وازداد الأثر السلبي لذلك خاصة مع استمرار العمل بالقوانين الفرنسية بعد الاستقلال ، التي لم تأخذ بالاعتبار شؤون الأوقاف فبقيت عرضة لأطماع الخواص والمؤسسات العمومية ، فعرفت الأملاك الوقفية في الجزائر إما استيلاءً من طرف الغير ، أو بقيت عرضة للتآكل والزوال ، وفي كلتا الحالتين تعطلت رسالة الأوقاف في الجزائر بشكل شبه كلي .
ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد القادر بن عزوز ، فقه استثمار الوقف وتمويله في الإسلام ، دراسة تطبيقية عن الوقف الجزائري ، أطروحة دكتوراه في العلوم الإسلامية ، كلية العلوم الإسلامية ، جامعة الجزائر ، 2003 – 2004 ، ص40 .
2 ـ وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، المرجع السابق ، ص2(1/277)
وكنتيجة لما سبق اتخذت الأملاك الوقفية صفة الأملاك الشاغرة ، أي دخلت ضمن الأصول التي لا يُعرف لها مالك يطالب بها ويدافع عنها ، وبعضها الآخر ضُمّ لأملاك الدولة ، وما تبقى منها دخل ضمن الاحتياطات العقارية ، مما يعني انحصارا للأملاك الوقفية إلى الدرجة التي لم يعد معها عامة الناس يعرفون شيئا عن الوقف ودوره الاجتماعي والاقتصادي ، وبتنازل الدولة عن أملاكها في الثمانينات من القرن العشرين ، تحولت الكثير من الأوقاف إلى ملكية الخواص الذين تحصلوا عليها بالسعر الرمزي ، وتحول الملكية يعني صعوبة استعادة تلك الأملاك مستقبلا .
وفي 1/12/1998 م الموافق 12 شعبان 1419 هـ صدر المرسوم التنفيذي رقم 98/381 ، المحدد لشروط إدارة الأملاك الوقفية وكيفية تسييرها وحمايتها(1) ، وحدد مهام نظار الأوقاف وصلاحيتهم وطرق إيجار الأملاك الوقفية ومجالات صرف العائد منها ، لتحدد النصوص التي تلتها كيفية استثمار الأملاك الوقفية بما يضمن استمرارها في تقديم العائد المناسب ، وبالتالي عرفت مسألة الأوقاف في الجزائر بعثا من جديدا لتكون من ضمن اهتمامات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، ومن بين النصوص التنظيمية في ذلك نذكر :
? إنشاء صندوق مركزي لضبط كل العمليات المالية ، يتولاها الآمر بالصرف وأمين الحساب .
? يمسك السجلات والدفاتر أمين يعينه وزير الشؤون الدينية باقتراح من لجنة الأملاك الوقفية .
? تصب في الحساب المركزي للأملاك الوقفية الإيرادات المحصلة على مستوى نظارات الشؤون الدينية بالولايات بعد خصم النفقات المرخص بها(2) .
إن هذه القوانين وغيرها تؤكد لنا عودة الاهتمام بالأملاك الوقفية على المستوى المركزي ، بما يؤكد أهمية الدراسة الاقتصادية للأملاك الوقفية .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد 32 ، الصادرة في 16 محرم 1920
2 ـ انظر الملحق رقم 3(1/278)
الشكل رقم ( 03 ) : يوضح تسلسل المسؤوليات تجاه الوقف في الجزائر
الدولة ( السلطة العامة )
إشراف مركزي : وزارة الشؤون الدينية والأوقاف
التنظير ـ التوجيه ... ... ( مديرية الأوقاف والحج )
المتابعة ـ الرقابة
لجنة استشارية لجنة الأوقاف ، تتشكل من ممثلين لعدة وزارات
... ... ... ... تساهم بطريقة غير مباشرة في تسيير الأوقاف
إشراف محلي : مديرية الشؤون الدينية والأوقاف
الإدارة ـ التسيير ـ الحماية على مستوى كل ولاية
إشراف مباشر وكيل الأوقاف
مسير الوقف ناظر الوقف
وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، المرجع السابق ص5
المطلب الثاني : الأملاك الوقفية في الجزائر
بهدف الوقوف على واقع الأوقاف في الجزائر ، يجب أن نعرف عدد ونوع الأملاك الوقفية التي تم إحصاؤها من طرف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى غاية سنة 2001 ( انظر الملحق رقم 1 ) ، وبعدها نحدد التطور إلى غاية سنة 2005 ( نقلا عن لقاء لإطارات الشؤون الدينية مع وكالة الأنباء الجزائرية بتاريخ 15 جانفي 2006 ) ، وهذا بهدف إدراك النقص الحاصل في هذا المجال ، وتدعيمه بأفكار تساعد في دعم تطوير الأوقاف الموجودة بالجزائر
جدول رقم ( 04 ) عدد الأملاك الوقفية المستغلة بإيجار عبر ولايات الوطن حتى سنة 2001
الرقم ... الولاية ... سكنات ... محلات تجارية ... مرشات حمامات ... أراضي ... أنواع أخرى ... العدد
01 ... أدرار
02 ... الشلف ... 105 ... 132
03 ... الأغواط ... 46 ... 97
04 ... أم البواقي ... 32 ... 45
05 ... باتنة ... 27 ... 93
06 ... بجاية ... 08 ... 37
07 ... بسكرة ... 43 ... 145
08 ... بشار ... 29 ... 52
09 ... البليدة ... 110 ... 129
10 ... البويرة ... 36 ... 38
11 ... تامنغست
12 ... تبسة ... 21 ... 38
13 ... تلمسان ... 13 ... 178
14 ... تيارت ... 45 ... 55
15 ... تيزي وزو ... 02
16 ... الجزائر
17 ... الجلفة ... 39
18 ... جيجل ... 29 ... 73
19 ... سطيف ... 04 ... 53
20 ... سعيدة ... 46 ... 46
21 ... سكيكدة ... 16 ... 75
22 ... سدي بلعباس ... 60 ... 66
23 ... عنابة ... 31 ... 38
24 ... قالمة ... 25 ... 44
25 ... قسنطينة ... 45 ... 116
26 ... المدية ... 52 ... 79
27 ... مستغانم ... 15 ... 25
28 ... المسيلة ... 65 ... 76
29 ... معسكر ... 22 ... 42
30 ... ورقلة
31 ... وهران ... 81 ... 99
32 ... البيض ... 09 ... 34
33 ... إليزي ... 01 ... 01(1/279)
34 ... برج بوعريريج ... 27 ... 66
35 ... بومرداس ... 04 ... 07
36 ... الطارف ... 20 ... 23
37 ... تندوف ... 03 ... 03
38 ... تسمسيلت
39 ... الوادي ... 24
40 ... خنشلة ... 02 ... 12
41 ... سوق أهراس ... 15 ... 31
42 ... تيبازة ... 31 ... 33
43 ... ميلة ... 24
44 ... عين الدفلى ... 27 ... 52
45 ... النعامة ... 05 ... 43
46 ... عين تموشنت ... 75 ... 84
47 ... غرداية ... 03 ... 10
48 ... غليزان ... 18 ... 26
المجموع ... 1285
المصدر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، إحصاء 2001 .
الملاحظات العامة :
1/ من خلال هذا الجدول نلاحظ أن الأملاك الوقفية في كل ولايات الوطن هي عبارة عن عقارات ، مما يبين لنا أن ميدان الوقف مازال تقليديا ، أي ما كان شائعا قديما حيث كان الأوقاف عبارة عن عقارات تقدم للجهة الموقوف لأجلها عائدا دوريا .
2/ أكبر نسبة تخص السكنات الموقوفة ، إذ نجد 1285/2418 ( 100= 53.14 % ، وهذا ما يؤكد أن عائد الإيجار يكون محدودا جدا خاصة إذا كان العقد لمدة طويلة بقيمة إيجارية خاضعة لفترة توقيع العقد .
3/ نسبة المحلات التجارية من مجموع العقارات هي : 579/2418 ( 100= 23.95 %
4/ نسبة الأراضي من مجموع العقارات هي : 217/2418 ( 100= 08.97 % ، وهي نسبة ضعيفة بما يؤكد أن تركيبة الأملاك العقارية قد انحرفت ملكيتها نحو جهة معينة .
إن هذه الأملاك العقارية المؤجرة لا تمثل في حقيقة الأمر مصدرا حقيقيا لصالح الفئات المحرومة التي أوقفت من أجلها تلك العقارات ، على هذا الأساس ينبغي أن يعاد النظر في الأملاك الوقفية وفي طريقة استغلالها .
ومن جهة أخرى فإن الأملاك الوقفية التي تستغل بدون إيجار نبين عددها فقط في الجدول الموالي ، دون تفصيل كيفية انتشارها في مختلف ولايات الوطن ، فما يهمنا منها هو العدد الإجمالي فقط .
جدول رقم ( 05 ) : يبين عدد الأملاك الوقفية المستغلة بدون إيجار
سكنات ... محلات تجارية ... مرشات حمامات ... أراضي ... أنواع أخرى ... العدد الإجمالي
297 ... 57 ... 93 ... 36 ... 58 ... 541
المصدر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، إحصاء 2001 .(1/280)
ملاحظات عامة : نلاحظ من خلال هذا الجدول أن نسبة الأملاك الوقفية التي لا تدر عائدا إيجاريا هي : ) 541 / 2418 ( ( 100 = 22.37 % ، وهي نسبة معتبرة جدا ، فلو افترضنا أن كل عقار يحقق عائدا قدره 10.000 دج سنويا ، فإن 541 عقارا يحقق عائدا قدره : 5.410.000 دج ، وهو مبلغ لا يستهان به ، إذ يمكن أن يسد حاجة 541 عائلة بدخل شهري قدره : 10.000 دج .
إن هذا المثال الافتراضي يبين لنا أهمية إعادة الاعتبار للأملاك الوقفية في الجزائر والتي من شأنها أن تساهم في الحد من ظاهرة الفقر التي نسعى لمحاربتها جميعا .
كما أن الأملاك الوقفية المستغلة بدون إيجار تنافي إرادة الواقفين ، وهذا ما يعد خيانة للأمانة .
ومن ناحية أخرى لابد من البحث عن الأملاك الوقفية الأخرى التي لم تدخل بعد حظيرة الأوقاف ، رغم أن هذه الأملاك يمكن الوصول إليها بقليل من البحث والتحري ، وهذا ما تسعى إليه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، من خلال البحث المركز عن الوثائق والمستندات الوقفية التي تساعد في استرجاع الأملاك الوقفية ، وتسوية وضعيتها القانونية بتسجيلها في الشهر العقاري .
وحسب تصريح لمسؤول خلية الاتصال لدى وزارة الشؤون الدينية لوكالة الأنباء الجزائرية (15 جانفي 2006) أن حوالي مليار سنتيم مخصصة لعمليات البحث وإحصاء الأملاك الوقفية وتغطية النفقات المترتبة عن النزاعات ، وكذا صيانة وترميم الأملاك الوقفية ، وباقي المداخيل توجه لاستثمار الأملاك الوقفية .
وقد أحصت الوزارة إلى غاية سنة 2005 حوالي : 1140 محل تجاري ، 2619 مسكن ، 618.7 هكتار من الأراضي ، 1555 شجرة متنوعة ، 3816 شجرة نخيل ، 7638 بستان ، 15000 مسجد ، 2870 مدرسة قرآنية ، 2344 كتاب ، 312 زاوية البعض منها مصنفة كمعالم تاريخية من طرف اليونيسكو ، كما تم إحصاء 3400 مشروع مسجد .(1/281)
بناء على عودة الأملاك الوقفية إلى الظهور ، فإن الجزائر أصبحت تحتوي على ثلاث حظائر عقارية هي : حظيرة الأملاك العامة ، حظيرة الأملاك الخاصة ، حظيرة الأملاك الوقفية .
وأشارت الوزارة إلى أن الأملاك الوقفية قد قُيِّمت من طرف المستعمر الفرنسي بحوالي 40 % من الحظيرة العقارية الكاملة للبلاد ، وهي نسبة تدل على أهمية الأملاك الوقفية في تاريخ الجزائر .
ومنذ إصدار قانون 1991(1) الذي يحدد إجراءات تسيير الأملاك الوقفية حيث تقوم الوزارة بعمليات بحث وإحصاء لهذه الأملاك ، وقد تم في هذا الإطار تسجيل نحو 200 خلاف ، وقد فصلت العدالة في 100 حالة لصالح وزارة الشؤون الدينية والأوقاف .
وقد تأكد من قبل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن عدد الأملاك الوقفية سوف تتزايد بفضل تضاعف مشاريع البناء التي باشرتها الوزارة ، وهذا ما يؤكد أن استغلال
ــــــــــــــــــــ
1 ـ الجريدة الرسمية ، العدد 90 ، قانون 91/83 الصادر في 23 مارس 1991
الأملاك الوقفية الموجودة ، واسترجاع الأملاك التي استُغلت من قبل الآخرين سوف يؤدي إلى عودة الوقف في الجزائر بشكل واسع ، وهذا ما سوف يساعد في إنشاء أوقاف جديدة بعد سيادة الثقافة الوقفية بين الجزائريين .
ويوجد من ضمن هذه الأملاك ما هو في طور الدراسة أو الإنجاز ، وقد تم تمويلها انطلاقا من استثمار الإيرادات الوقفية ، وسوف يتم استلامها بعد عملية الإنجاز ، ويتعلق الأمر ببناء 42 محلا تجاريا بولاية تيارت ، ومساكن ومحلات ومركز تجاري بولاية البويرة ، ومساكن ومحلات بولاية عنابة وعين الدفلى ، ومركز ثقافي إسلامي بولاية وهران .
وفي ولاية الجزائر العاصمة سوف يتم إنجاز مشروع نموذجي لمركب وقفي في مقاطعة بئر خادم يضم مسجدا ومدرسة قرآنية و 165 مسكن و 168 محل تجاري ومستشفى يتسع لـ29 سرير و 73 مكتب خدمات للكراء ودار لليتامى ومساحة خضراء وموقف للسيارات .(1/282)
كما توجد بالعاصمة مشاريع أخرى هي في طور الدراسة أو في طور الإنجاز ، مثل مركز الأرشيف لقطاع الشؤون الدينية بمدينة القبة ، ومقر لديوان الحج والأوقاف بمدينة حيدرة ، وملحقة لمعهد تلاوة القرآن بمدينة سيدي امحمد ، إلى جانب مراكز تجارية ومحلات ومكاتب ومساكن بسيدي يحيى وجسر قسنطينة وشوفالي .
المطلب الثالث : استثمار الأملاك الوقفية
يٌعتبر الوقف إحدى الطرق التي تسمح بتوزيع جزء من الدخل الوطني بالتكافل ، وهذا بإرادة الواقف ، فإذا كانت عملية إعادة توزيع الدخل الوطني بالوسائل المعروفة مثل الضريبة تهدف إلى تقليص الفوارق بين مختلف طبقات المجتمع ، تعتمد على الإلزام القانوني للمكلف بدفعها ، وإذا كانت الزكاة تسد حاجات الفقراء والمساكين وغيرهم ، وتؤدى بصفة إلزامية ، فإن الأوقاف سبيل آخر لتحقيق التكافل الاجتماعي وهي عملية طوعية .
على هذا الأساس ينبغي أن يستمر الأصل في إمداد الجهة الموقوف لها بدخل يسمح بتحقيق الهدف ، لذا ينبغي أن يُستثمر أصل الوقف ، حتى يبقى قادرا على تقديم العائد المناسب ، فالأموال الوقفية إنما حُبست لتقديم المنافع أو الإيرادات التي تلبي حاجات الموقوف لهم(1) ، وهذا ما سنحاول إبرازه في هذا المطلب من خلال دراسة وتحليل سُبل استثمار الأوقاف .
الفرع الأول : التسيير الإداري : تمثل الإدارة في أي مشروع اقتصادي أساس تحقيق الهدف ، إذ تمثل الدراسة والتخطيط والمتابعة أدوات النجاح ، ولا يمكن أن يصل المشروع إلى غايته إلا إذا حظي بالاهتمام والرعاية ، على هذا الأساس لابد من ضمان تسيير إداري للأملاك الوقفية بما يضمن استثمارا حقيقيا لها ، أي أن عملية الاستثمار لا ينبغي أن تكون بصورة عشوائية ، ولا تُترك للأفراد في زمن المنافسة والتغير المستمر في طرق الاستثمار ، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى كساد منتجات الأوقاف .(1/283)
وفي إطار ضرورة وجود الإدارة القادرة على التسيير ، يمكن توضيح ذلك من خلال مثال بسيط : إذا كان لدينا وقف يتمثل في محل تحاري فإن عدم التجديد
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ منذر قحف ، تنمية الوقف وتمويله ، www.Monzer.kahf.com ، ص 266
في طرق العرض وعدم استخدام الدعاية والإعلان ، والاكتفاء فقط بالأعمال التقليدية في إدارة المحل ، فإن ذلك لن يحقق الهدف ، ولن تتم عملية التجديد إلا بوجود إدارة قادرة على ذلك .
في هذا الإطار جاء المرسوم 94/470 المؤرخ في 25 ديسمبر 1994 ليحدد لتنظيم الإدارة المركزية التي عُرفت بإدارة الأوقاف ، وتتكون من :
1/ المديرية الفرعية للبحث عن الأملاك الوقفية : تمثل عملية البحث عن الأملاك الوقفية إحدى الطرق لزيادة قدرة مؤسسة الأوقاف على توفير المداخيل المناسبة لصالح مختلف الفئات المحتاجة في المجتمع ، هذا إلى جانب استمرار القادرين في وقف أموالهم ، إذ تمثل وضعية الأوقاف في الجزائر حالة استثنائية نظرا لموقف الاستعمار الفرنسي من الأملاك الوقفية ، وسعيه الدائم لمصادرتها ، وعدم مسارعة الدولة الجزائرية بعد الاستقلال إلى استعادة الأملاك الوقفية ، ووضعها في إطارها الصحيح ، ولا زال المشكل قائما إلى حد الآن ، وعليه تمثل هذه المديرية الأداة الضرورية لاستعادة الأملاك الوقفية التي استغلت بطريقة غير شرعية من قبل آخرين .(1/284)
وتهدف هذه المديرية إلى البحث عن الأملاك الوقفية ، وتسيير وثائق الأملاك العقارية والأملاك الأخرى ، وتسجيلها والسعي إلى استثمارها بما يحقق الهدف من إنشائها ، كما تقوم بمتابعة إجراءات تنفيذ قرارات العدالة في مجال استرجاع الأملاك الوقفية من مختلف الجهات التي استولت عليها(1) ، حيث باشرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف عملية المطالبة باسترجاع الأملاك الوقفية من قبل مستغليها ، ونظرا لكون عملية الاستيلاء على تلك الأملاك تمت منذ زمن بعيد ، فإن مالكيها الحاليين قد لا يعرفون حقيقة ما يملكون ، الأمر الذي يجعلهم يقاومون عملية استرجاعها ، وتكون السلطة القضائية باعتبارها جهازا مستقلا عملية الفصل في هذه النزاعات بالكيفية التي تعيد الحق إلى أصحابه .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، مرجع سابق ، ص 6
2/ المديرية الفرعية لاستثمار الأملاك الوقفية : إن عملية استرداد الأملاك الوقفية لا يكفي ، لأن تلك الأملاك قد تكون في وضعية غير سليمة ، أو تحتاج إلى استثمار حقيقي يكون قادرا على تقديم العائد المناسب ، وعليه تتولى هذه المديرية عملية إعداد الدراسات اللازمة وتنميتها بما يخدم الهدف الذي أنشئت من أجله الأوقاف ، وتعمل على إعداد عمليات الإصلاح والترميمات اللازمة للأملاك الوقفية التي تحتاج لمثل تلك الأعمال بهدف الصيانة ، حيث أن الأصول الرأسمالية يلحقها الاهتلاك سواء بمرور الزمن أو بكثرة الاستغلال ، وما لم تتم عملية الإصلاح والترميم فإن أصل الوقف سوف يزول حتما ، وتزول معه إمكانية الاستمرار في الحصول على العائد .(1/285)
كما تتابع المديرية من جانب آخر العمليات المتعلقة بالصفقات وإجراء المناقصات في مجال إبرام العقود الخاصة باستثمار الأملاك الوقفية وصيانتها ، حيث أن عمليات الاستثمار والصيانة قد تقوم بها جهات خارجية ، وهذا يدخل ضمن مجال التخصص وتقسيم العمل الذي من شأنه أن يقدم العائد المناسب ، وعليه فإن عملية إسناد تلك الأعمال للآخرين يجب أن تكون وفق معايير اقتصادية ، وليس على أساس اعتبارات شخصية ، أو دون دراسة للطلبات المقدمة من قبل الراغبين في الاستثمار والصيانة والترميم ، وهذا الاختيار المدروس من شأنه أن يقلل التكاليف ويزيد من العائد .
3/ اللجنة الوطنية للأوقاف : بهدف مساهمة مختلف القطاعات في حماية وصيانة واسترجاع الأملاك الوقفية ، تم إنشاء لجنة وطنية للأوقاف في 21 فيفري 1999 برئاسة وزير الشؤون الدينية والأوقاف ، وتضم الوزارات التالية :
الفلاحة ، العدل ، المالية ، الداخلية ، السكن ، التجهيز والتهيئة العمرانية ، إلى جانب المجلس الإسلامي الأعلى وكذا إطارات من وزارة الشؤون الدينية(1) .
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، المرجع السابق ، ص 7
إن طبيعة الأملاك الوقفية تقتضي تمثيل مختلف الوزارات السابقة ، حيث تمثل تنمية الوقف الاهتمام بمخلف جوانبه ، وما دام الوقف يمثل طريقة للتوزيع التكافلي ، فإن تدعيم متطلبات رعاية الأوقاف واستثمارها من قبل الوزارات المختلفة يمنحها الوسائل الحقيقية لتكون قادرة على تقديم العائد .(1/286)
الفرع الثاني : التسيير المالي : إن التسيير المالي لا يختلف من حيث الأهمية عن التسيير الإداري ، إذ تمثل عملية التمويل ركيزة أساسية في استغلال الأملاك الوقفية واستثمارها ، وفي هذا الإطار تم إنشاء صندوق مركزي للأوقاف بقرار وزاري مشترك بين وزارتي الشؤون الدينية ووزارة المالية بتاريخ 02/03/1999 م ، طبقا للمرسوم التنفيذي 98-381 المؤرخ في 1 ديسمبر 1998 (1) ، الحساب المركزي تم فتحه لدى البنك الوطني الجزائري .
ومن جانب آخر تم على مستوى كل ولاية فتح حسابات لدى وكالات البنك الوطني الجزائري ، ويتم تحويل المبالغ المحصلة دوريا إلى الحساب المركزي ، ويجب على وكيل الأوقاف مسك الدفاتر الحسابية والسجلات ، ولا يستطيع مدير الشؤون الدينية والأوقاف الولائي القيام بنفقات من أموال الوقف دون ترخيص من الوزير .
إن مركزية الحسابات الوقفية لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية :
أولا : الجانب الإيجابي يتمثل في منع تبذير أموال الوقف ، وتسهيل المتابعة الدقيقة لكل الإيرادات والنفقات ، ومن جانب آخر يسمح بتحديد ما يخصص للصيانة ، وما يقدم كأجور للقائمين على الأملاك الوقفية ، وما يخصص للموقوف لهم ، ويؤدي ذلك إلى حسن إدارة أموال الوقف .
ثانيا : أما الجانب السلبي فيتعلق ببطء الإجراءات في استقبال الإيرادات من جهة وتخصيصها من جهة أخرى ، حيث أن القائمين على الوقف قد لا يعملون بالسرعة ــــــــــــــــــــــ
1 ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد 32 ، ديسمبر 1998 .(1/287)
الكافية لدفع الأموال لدى الفروع البنكية التابعة للبنك الوطني الجزائري ، واختلاف زمن الإيداع من ولاية لأخرى يطيل زمن حصر مجمل الإيرادات الوقفية ومن جانب آخر فإن تخصيص النفقات يكون صعبا ، حيث أن تقديم الطلبات المرفقة بالوثائق اللازمة ، وما يصحب ذلك من طول فترة الدراسة والتقييم ، وطلب توضيحات يؤدي إلى تأخر العمليات الاستثمارية أو عمليات الصيانة ، ويؤدي ذلك إلى ضعف في إدارة أموال الوقف .
الفرع الثالث : استثمار الأملاك الوقفية : تمثل مسألة استثمارالأملاك الوقفية في العالم الإسلامي بصفة عامة وفي الجزائر بصفة خاصة مشكلة أساسية ، حيث أن هذه الأملاك قد تعرضت للإهمال نظرا لعدة اعتبارات من بينها الاستعمار الذي عطّل الكثير من مظاهر حياة المسلمين ، وعدم مسارعة الدولة الجزائرية إلى استعادتها بعد الاستقلال ، وفي هذا المجال نجد أنفسنا أمام حالتين تؤكدان ذلك :
الحالة الأولى : تتعلق بطبيعة الأملاك الوقفية ، واستنادها لما كان متعارفا عليه في تاريخ المسلمين ، فإذا كانت الحاجات في ذلك الوقت محدودة ، فإن مبالغ مالية قليلة يمكن أن تحقق الهدف ، فعلى سبيل المثال وجود عدد محدود من طالبي العلم يمكن أن يوقف لأجلهم عدد محدود من أشجار النخيل تكفي لإطعامهم ، وحاليا مع تعدد حاجات طالبي العلم من الفقراء يتطلب وجود تنوع في الأملاك الوقفية بما يفي بالغرض .
الحالة الثانية : محدودية مجالات الاستثمار في الماضي مع قلة المنافسة وانخفاض التكاليف يسمح بتمول تلك العمليات المحدودة ، ومع اتساع مجالات الاستثمار ، وتعدد احتياجات التمويل والمتابعة والدراسات المسبقة ، يتطلب نفقات مرتفعة خاصة إذا كان أصل الوقف يحتاج إلى تقنيات حديثة ، ومن جانب آخر نجد أن الكثير من الأملاك الوقفية قد أصابها التلف والخراب بسبب الإهمال أو الاعتداء ، وهذا ما يتطلب نفقات إضافية في مجال استثمار تلك الأملاك (1) .
ــــــــــــــــــــــ(1/288)
1 ـ محمد عبد الحليم عمر ، النهوض بالوقف في العصر الحاضر ، جامعة الأزهر ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، ص5 .
على هذا الأساس ينبغي أن توظف موارد الوقف بالاستثمار الأمثل القائم على مبدأ المشاركة في الربح إذا لم يكن بالإمكان استخدام التمويل الذاتي ـ أي من خلال عائداته ـ ويمكن استخدام المضاربة ، وغيرها من الطرق الاستثمارية المحققة للهدف بعيدا عن شبهة الربا(1) .
يؤكد ذلك أن عملية استثمار الوقف يجب أن تكون إحدى أولويات القائمين عليه ، ويدخل هذا في إطار ضمان العائد على المدى البعيد ، خاصة إذا كان أصل الوقف غير قادر على الإنتاج بطبيعته الأصلية ، فوجود قطعة أرض على سبيل المثال يمكن أن تحقق بالاستثمار الحديث عائدا كبيرا ، لكن استغلالها بالطرق التقليدية لن يحقق إلا العائد الضعيف .
وفي الجزائر نحتاج لتحقيق الهدف من الأوقاف إلى دعم الحكومة للقائمين على الأوقاف بالدرجة الأولى ، بهدف استرجاع الأملاك الوقفية التي تشتت بطرق مختلفة ، ثم تشجيع بعد ذلك عملية استثمارها بالطريقة الاقتصادية السليمة ، وتعمل الدولة أيضا على تشجيع إنشاء أوقافاً جديدة ، واستبدال ما أصابه الخراب منها بغيره من الأموال وفق شروط في صالح الوقف ، فعملية الاستبدال تسمح بضمان حقوق الموقوف لهم(2) ، وتستطيع الجهة المديرة للأملاك الوقفية عندئذ تحصيل العائد المناسب .
إن اعتماد الحساب المركزي الخاص بتجميع إيرادات الوقف في الجزائر يحتاج إلى استثمار حقيقي لكل ما يوجد حتى الآن من الأملاك الوقفية ، وحتى تتحقق تلك العوائد لا بد من استثمار الأملاك الوقفية ، وقد تم تفصيل ذلك في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية في العدد 29 الصادر في 23 ماي 2001 ، حيث جاء في المادة 26 مكرر ما يلي :
ــــــــــــــــــــــ(1/289)
1 ـ قاسم عبد الحميد الوتيدي ، الوقف كأحد معالم الشخصية المعنوية في الشريعة الإسلامية ، بحث مقدم لندوة الوقف الإسلامي المنعقدة بجامعة الإمارات العربية المتحدة من 6 إلى 7 ديسمبر 1997 ، ص15 .
2 ـ منذر قحف تنمية الوقف وتمويله ، www.Monzer.kahf.com ، ص 306 .
" يمكن أن تُستغل وتُستثمر وتُنمى الأملاك الوقفية بتمويل ذاتي أو بتمويل وطني أو خارجي مع مراعاة القوانين والتنظيمات المعمول بها " .
وقد تمّ التفصيل في كيفية الاستثمار حيث جاء فيما يخص الأراضي الزراعية والأشجار إمكانية استخدام العقود التالية :
1/ عقد المزارعة : وهو من العقود المباحة شرعا ، ويقصد به إعطاء الأرض للمزارع للاستغلال ، مقابل حصة من المحصول يتفق عليها عند إبرام العقد ، وعليه فإن الموقوف لهم لا يتضررون من هذا العقد ، لكون الاتفاق تم حول ما تُخرجه الأرض فعلا ، وليس على مبلغ مالي أو وزن معين من المحصول قد لا يتحقق .
يحق هذا العقد هدفين أساسيين :
الأول : يضمن استغلال الأرض التي قد تكون غير خصبة ، بما يتطلب رؤوس أموال كبيرة لا يمكن للقائمين على الوقف توفيرها ، ونظرا لكون العقد لا يكون مدى الحياة ، فإن استلام الأرض بعد نهاية العقد وهي قادرة على العطاء يسمح باستغلالها مباشرة دون الحاجة إلى مشاركة الآخرين .
الثاني : يسمح لأصحاب الأموال والمختصين في المجال الفلاحي من إيجاد الأراضي التي يستثمرون فيها أموالهم ، خاصة وأنهم يعملون لصالح جهات محرومة في المجتمع ، فإن إقبالهم على هذا النوع من الأراضي يكون ضمن أولوياتهم ، وقد يكون ما يطلبونه من العائد قليلا خدمة للوقف ، فتزداد بذلك حصة الموقوف لهم .
يضاف إلى ما سبق توفر أهداف أخرى هي من قبيل تحصيل حاصل ، كتوفير مناصب عمل ، وزيادة العرض الكلي .(1/290)
2/ عقد المساقاة : ويقصد به إعطاء الشجر للاستغلال لمن يقوم عليه بالرعاية والتعهد مقابل جزء من المحصول المحقق فعلا ، ويسمح ذلك بالاستغلال الأمثل للبساتين الموقوفة ، فعلى سبيل المثال قد يوقف أحد الأشخاص بستانا من الفواكه ، إلا أنه لا يلتزم بتعهده ورعايته ، فيحتاج ناظر الوقف إلى البحث عن كيفية استغلال هذا الوقف ، فيمكن عندئذ أن يُدفع البستان لطرف آخر يقوم على تعده ورعايته من أمواله الخاصة ، فإذا تحقق المحصول كانت القسمة على أساس الاتفاق ، فيتجنب بذلك ناظر الوقف البحث عن التمويل اللازم ، ويحقق بالمقابل العائد الذي ينفقه على الجهات المحددة من قبل الواقف .
هذا ، ويمكن أن تُعتمد طُرق أخرى لاستغلال الأملاك الوقفية خاصة تلك التي تمّ استردادها ونسبة اهتلاكها مرتفعة جدا ، فعلى سبيل المثال يوجد من يرغب بالمساهمة في عملية الوقف ، إلا أنه لا يستطيع أن يوقف شيئا ذا بال ، في هذه الحالة يمكن أن تُعرض على المجتمع الأملاك الوقفية المعطلة التي تحتاج إلى التمويل المناسب ومع وجود حساب مركزي يشارك الناس بقدر استطاعتهم في توفير الأموال الكافية لاستغلال الوقف ، فتصبح أموالهم تلك وقفا ، إذ استعادة قدرة أصل الوقف على تقديم العائد تمثل بالأساس قيمة مضافة ناتجة عن مساهمة مختلف شرائح المجتمع في تمويل عملية الاستصلاح أو الصيانة .
نستنتج من خلال ما سبق أن مجالات الوقف متعددة ، وطرق استثمار الأصول الوقفية كثيرة ، تسمح كلها بمشاركة واسعة من قبل مختلف طبقات المجتمع في بعث مؤسسة الوقف من جديد في الجزائر بصفة خاصة ، وفي كل دول العالم الإسلامي بصفة عامة .
خلاصة الفصل الثاني
من خلال دراسة وتحليل طبيعة الوقف وطرق استثماره ، يمكن أن نقف على أهم العناصر ذات الصلة بالموضوع من خلال ما يلي :
? يمثل الوقف أحد وسائل توزيع الثروة بالتكافل ، وبالتالي إمكانية تقليل الفوارق الاجتماعية في الدول الإسلامية .(1/291)
? لا تمثل الأوقاف شيئا جديدا على الساحة الاقتصادية ، وإنما للوقف تاريخ طويل يتبين من خلاله الدور الذي يؤديه في مجال توفير ضروريات الحياة لمن هم بحاجة لذلك ، دون التفرقة بين الحاجة إلى الأكل والحاجة إلى التعليم .
? بعض الدول الإسلامية استطاعت أن تتقدم بصفة ملحوظة في مجال استعادة الأملاك الوقفية وتطويرها ، والبعض الآخر لا زال في أول الطريق ، مما يستدعي عرض مختلف التجارب الوقفية التي تسمح بالتطور أكثر في مجال الأوقاف .
? تحتاج بعض الأصول الوقفية إلى استثمارات كي تصبح قادرة على تحقيق العائد لذلك ينبغي البحث في أفضل الطرق الاستثمارية بهدف الحصول على أكبر عائد ممكن ، ويجب أن يخضع الاستثمار في مجال الأوقاف إلى المعايير الاقتصادية الأكثر كفاءة ، وهذا بهدف تحقيق العائد المناسب .
? نظرا لتعدد أنواع الأموال في الاقتصاديات الحديثة ، يمكن التنويع في الأملاك الوقفية بما يخدم الهدف الأساسي لها ، فعلى سبيل المثال يمكن أن تُشترى أسهم شركات كبرى في مختلف أسواق المال الوطنية والأجنبية ، على أن يكون عائدها لجهات محددة ، خاصة لطلبة العلم المتفوقين وغير القادرين على تمويل أبحاثهم .
? نثمن ونشجع أوقاف الدولة والحكومات ورجال السياسة الأثرياء ورجال المال والأعمال ، والشركات الوطنية العمومية والخاصة ، لأن ذلك يؤدي إلى عودة الوقف بصورة واسعة بما يسمح من توفير مداخيل مرتفعة للموقوف لهم .
? هذا وتبقى مسألة الوقف مجالا واسعا للدراسة والتحليل .
الخاتمة(1/292)
من خلال دراسة وتحليل هذا الموضوع ، تبين لنا أن النشاط الاقتصادي في الإسلام له أسس وقواعد تضمن له التأصيل من جهة ، وإمكانية التميز من جهة أخرى عن باقي الأنظمة الاقتصادية ، فإن كان العمل الاقتصادي المجال المشترك لكل الناس والدول والشعوب ، فإن تنظيمه يختلف من فكر لآخر ، ونظرياته تعددت وتنوعت ، ويؤكد ذلك ظهور مذاهب اقتصادية مختلفة تحولت إلى نظام يعاكس بعضها البعض ، كما حدث مع الرأسمالية والاشتراكية .
إن الاقتصاد في الإسلام ضُبط بقواعد عامة تمثل الثوابت ، والتي ينبغي أن لا تُعدّل مثل الموقف من الفائدة المصرفية ، وتُركت الأعمال الأخرى للإنسان ينظمها حسب المكان والزمان ، فتغير أدوات الإنتاج ، وتنظيم العمل ، وكيفية تصريف المنتجات بما لا يتعارض مع القواعد العامة للإسلام ، يمكن أن تُستخدم فيها أحدث الطرق التي تضمن العائد المناسب .
لا يخلو الإسلام إذن من الدوافع التحفيزية التي تسمح بممارسة النشاط الاقتصادي بطريقة مُثلى ، حيث وجدنا في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأعمال الصحابة وتاريخ الإسلام ، ما يؤكد أن الإسلام يُحفّز بالفعل على النشاط الاقتصادي ولم نجد في حدود ما قدمناه شيئا يعيق العمل في هذا المجال ، ولا يُعتبر اعتراض الإسلام على الممارسات المضرة بالنفس أو الآخرين ، من قبيل التعارض بين الدين والاقتصاد ، وإنما يمثل ذلك تنظيما ينفرد به الإسلام لكونه يحرص على جلب المصالح ودرء المفاسد سواء على المستوى الفردي أو الجماعي .
نستطيع من خلال ذلك تثبيت كل الفرضيات التي أوردناها في المقدمة ، حيث تأكد لنا أن الإسلام من خلال تأكيده على ضرورة حفظ النفس والمال ، يطلب من الإنسان السعي لتحصيل متطلبات الحياة الكريمة ، ونظرا لكون ذلك يُعتبر متغيرا بتغير ظروف الحياة وتطورها من زمان لآخر ، فإن التطور الاقتصادي يصبح مطلوبا شرعا ، والأخذ بالأسباب يمثل أساسا لذلك .(1/293)
وفيما يخص الوسائل المستخدمة لتحقيق تلك الأهداف ، فإننا نجد على سبيل المثال في المجال المالي رؤية واضحة للإسلام من حيث كسب واستخدام الأموال ، ويجب أن يخضع ذلك لمبدأ الغنم بالغرم ، ولا يمكن لأحد تحقيق الكسب دون أن يساهم بصفة مباشرة في تحقيق الناتج الوطني ، يسمح ذلك بضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الأفراد ، بما يضمن تحفيزا أكثر على القيام بالنشاط الحقيقي بعيدا عن الاعتماد على الاستثمار المالي بعيدا عن المخاطرة .
وفيما يخص الفئات التي لا تستطيع ممارسة النشاط الاقتصادي ، بسبب ضعف مركزها المالي رغم امتلاكها لقدرات علمية أو مهنية ، أو بسبب العجز البدني ، فإن التكافل الذي يمثل أساسا للاقتصاد التضامني يسمح بدخول هؤلاء دائرة الإنتاج عن طريق الزكاة التي تمول احتياجاتهم في مجال الحصول على أدوات الإنتاج ، أو عن طريق الأوقاف التي تعطي المحتاج إمكانيات فعلية للقيام بالعمل المناسب له ، والذي يؤدي بطبيعة الحال إلى خلق قيمة مضافة ، ولن تستمر عملية تمويل هؤلاء إلى ما لانهاية ، ولكن سوف يصبحون بعد مدة زمنية ممن يدعمون الفئة ذات العجز المالي نظرا للدخل الذي سوف يحصلون عليه من خلال أعمالهم الاقتصادية .
وفي مجال الطلب الفعال الذي يُعد الأساس لزيادة العرض ، فإن الإسلام وضع آليات لذلك كالزكاة والصدقات والإعانات وتكفل الدولة بذوي الحاجة عن طريق بيت المال ، وسوف يُسهم ذلك في دعم الطلب باستمرار ويحقق بذلك هدفين : يتمثل الأول في ضمان كرامة الإنسان بتمكينه من أسباب العيش الكريم ، والثاني يتمثل في تجنب مشكلة كساد السلع والخدمات والذي يمثل أحد أوجه الأزمات الاقتصادية المؤدية إلى انكماش النشاط الاقتصادي .(1/294)
يؤدي بنا ما سبق إلى اعتبار دور الدولة الاقتصادي مسألة محسومة من خلال جملة من الوظائف ، تتمثل أساسا في الدور التقليدي من توفير للأمن ودفاعا عن التراب الوطني وحفظ أملاك وحريات الأشخاص ، ومن جانب آخر فهي تضمن كرامة الإنسان من خلال توفير أسباب الكسب والعيش الكريم لمختلف الأفراد خاصة العاجزين ، وتتولى البرامج الحمائية التي تمنع من انتشار وتوسع الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية .
آفاق البحث
إن الدراسة التي قمنا بها تطرح أمامنا جملة من المواضيع التي يجب أن تُعالج مستقبلا لتساهم في استكمال بناء النظرية الاقتصادية في الإسلام ، وسوف نعرض ذلك من خلال النقاط التالية :
? الطلب على النقود ، حيث رأينا من خلال هذا البحث أنه يوجد اختلاف بين النظريات الوضعية والاقتصاد الإسلامي فيما يخص هذه المسألة ، ويتعلق الأمر بالجانب الاستثماري لأن الطلب على النقود للمعاملات تتفق فيه كل النظريات الاقتصادية .
? التوازن في سوق السلع والخدمات ، حيث يختلف عنه في الاقتصاد الوضعي ، وهذا نظرا لكون الاستثمار يرتبط بمعدل الربح وليس بسعر الفائدة ، وعليه ينبغي تحديد العلاقة بين قيمة الاستثمار ومعدل الربح بطريقة واضحة تضمن التوازن بين الادخار والاستثمار .
? فيما يخص السوق النقدي فإن النظريات الاقتصادية ترى بأن الدخل الوطني يزداد بزيادة سعر الفائدة ( من خلال معادلة LM ) ، وهذا ما يؤدي إلى اعتماد أسلوب الاستثمار المالي أكثر من القيام بالاستثمارات الإنتاجية ، وعليه ينبغي البحث أكثر في مجال التوازن في سوق النقود بما يضمن السيادة للجانب الإنتاجي أكثر من سيادة الجانب المالي والنقدي .(1/295)
? التأسيس للاقتصاد التضامني ، الذي يسمح بتحقيق التنمية البشرية الحقيقية عن طريق التكفل بفئة من المجتمع ، تمثل طاقة اقتصادية ذات قدرة على المساهمة في تكوين الدخل الوطني ، يتعلق الأمر بأصحاب الحرف والمهن وأصحاب الشهادات الجامعية المتخصصة وأصحاب المؤسسات القائمة الذين أوقفتهم الديون المتراكمة عن الاستمرار في نشاطهم الاقتصادي ، كما يمكن التكفل بالطلبة ذوي الحاجة والذين لهم القدرة الظاهرة على التفوق في دراستهم لكونهم يملكون الكفاءة العلمية البارزة ، وهذا ما يضمن أن يؤدي الاقتصاد التضامني إلى زيادة تحفيز النشاط الاقتصادي .
? دور الأسواق المالية الإسلامية في دعم النشاط الاقتصادي وتحفيزه ، حيث تمثل الوساطة المالية سبيلا لتعبئة المدخرات وتخصيصها لتمويل الاقتصاد ، وهذا ما يستدعي البحث في مجال المنتجات المالية التي لا تتعارض مع مبادئ الإسلام وتوجيهاته ، حتى تستطيع استقطاب كل الفوائض المالية .
? في مجال دور الدولة يجب التركيز أكثر على الدور الرقابي من خلال الحسبة التي تضمن المنافسة الاقتصادية الحقيقية ، ولا يمكن اعتبار حياد الدولة أمرا ضروريا للاقتصاد الحر ، باعتبار أن الإسلام يؤكد على حرية الأفراد في ممارسة نشاطهم الاقتصادي ، لكن يجب أن لا تتعدى تلك الحرية إلى الإضرار بالآخرين ، وعليه ينبغي البحث في هذا الإطار بهدف تحديد مسؤولية الدولة في مجال دعم التحفيز وتجنب ما من شأنه إضعاف النشاط الاقتصادي .
? وفيما يخص العولمة الاقتصادية ، يجب أن تركز الدراسات الاقتصادية الإسلامية على مكانة التنظيم الإسلامي للاقتصاد ، ومدى تفاعله مع الأنظمة الاقتصادية الأخرى ، وكيف يجب أن تكون مبادئ الإسلام في مجال النشاط الاقتصادي عالمية هي الأخرى كما حدث مع البنوك الإسلامية التي تُعتبر تجربة عملية في أول الطريق يجب أن تدعم وتُثمن .
المراجع(1/296)
? القرآن الكريم وتفسيره : قرص مضغوط ، شركة صخر لبرامج الحاسب ، إصدار 6.3 ( 1991 – 1996 )
? الحديث النبوي الشريف وشرحه : قرص مضغوط ، موسوعة الحديث الشريف ، الإصدار الثاني ( 1991 – 1997 ) ، شركة البرامج الإسلامية الدولية .
******************************************************************
الفقه
? ابن حزم ، المحلى ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت لبنان ، ( بدون تاريخ ) ، جزء 6 .
? أبو بكر جابر الجزائري ، منهاج المسلم ، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة (بدون تاريخ الطبع )
? الجزيري عبد الرحمن ، الفقه على المذاهب الأربعة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2003 ، ج3 .
? الشوكاني ، نيل الأوطار ، دار الجيل ، بيروت ، 1973 ، ج5 .
? عبد الرحمن الجزيري ، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ، لبنان 2003 ، ج3 .
? يوسف القرضاوي ، الفقه وأصوله ، سلسلة علماء الإسلام ، الطبعة الإلكترونية الإصدار 1.1 ، الشركة الهندسية لتطوير نظم المعلومات .
? يوسف القرضاوي ، فقه الزكاة ، مكتبة وهبة ، عابدين ، جمهورية مصر العربية ، 1986 .
******************************************************************
الكتب الاقتصادية
? ـ قطب مصطفى سانو ، المدخرات أحكامها وطرق تكوينها واستثمارها في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الأردن 2001 .
? إبراهيم القاسم رحاحلة ، مالية الدولة الإسلامية ، مكتبة مدبولي ، القاهرة 1999
? ابن خلدون ، المقدمة ، دار الفكر العربي ، بيروت ، لبنان1997
? أبو زهرة محمد ، محاضرات في الوقف ، دار الفكر العربي ، القاهرة 1972 .
? أحمد بن يوسف بن أحمد الدريويش ، أحكام السوق في الإستلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي دار عالم الكتب للنشر والتوزيع ، الرياض ، العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1989(1/297)
? أحمد دنيا شوقي، سلسلة أعلام الاقتصاد الإسلامي ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، جمهورية مصر العربية ، 1998 .
? أحمد مجذوب أحمد علي ، السياسة المالية في الاقتصاد الإسلامي ، دراسة مقابلة مع الاقتصاد الرأسمالي ، هيئة الأعمال الفكرية ، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة ، الطبعة الثانية 2003
? أحمد يوسف ، المال في الشريعة الإسلامية بين الكسب والإنفاق والتوريث ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة 1991 .
? أحمد يوسف الشحات ، الأزمات المالية في الأسواق الناشئة ، مع إشارة خاصة لأزمة جنوب شرق آسيا ، دار النيل للطباعة والنشر ، المنصورة ، جمهورية مصر العربية ، 2001 .
? ادريس خضير ، التفكير الإجتماعي الخلدوني وعلاقته ببعض النظريات الإجتماعية ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر 1983 .
? أميرة عبد اللطيف مشهور ، تنمية المال في الاقتصاد الإسلامي ، مطابع الأهرام التجارية ، القاهرة 1988 .
? أميرة مشهور عبد اللطيف ، الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي ، مكتبة مدبولي القاهرة جمهورية مصر العربية ، ط1 ، 1991
? جمال الدين عطية ، البنوك الإسلامية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت لبنان ، الطبعة الثانية 1993 .
? جمال لعمارة ، النظام المالي في الإسلام ، المؤسسة الجزائرية للطباعة ، 1996 .
? حامد عبد المجيد دراز ، مبادئ الاقتصاد العام ، مؤسسة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، مصر 1984 .
? حسن بن منصور ، البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، مطابع عمار قرفي ، باتنة ، الجزائر الطبعة الأولى 1992 .
? حسين راتب يوسف ريان ، عجز الموازنة وعلاجه في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع ، الأردن ، الطبعة الأولى 1999.
? حسين عمر ، اقتصاديات البنوك الإسلامية ، دار الكتاب الحديث ، مدينة النصر ، القاهرة 1995 .(1/298)
? حسين عوض الله زينب ، مبادئ علم الاقتصاد ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 1997 .
? راشد البراوي ، المذاهب الإقتصادية الكبرى ، مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثالثة 1962 .
? راشد البراوي ، الموسوعة الاقتصادية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة الطبعة الثانية 1987 .
? رفيق المصري ، الإسلام والنقود ، مركز النشر العلمي ، جامعة الملك عبد العزيز جدة ، المملكة العربية السعودية 1981
? رفيق يونس المصري ، أصول الاقتصاد الإسلامي ، دار القلم ، دمشق ، الدار الشامية ، بيروت 1999 .
? السالوس علي أحمد ، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة ، دار الثقافة الدوحة ، قطر ، ومؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1998 الجزء الأول .
? الشحات أحمد يوسف ، الأزمات المالية في الأسواق الناشئة ، مع إشارة خاصة لأزمة جنوب شرق آسيا ، دار النيل للطباعة والنشر ، جمهورية مصر العربية ، 2001 .
? ضياء مجيد الموسوي ، التحليل الاقتصادي الإسلامي ، الدخل والنقد ومعدل الربح والاستخدام مؤسسات شباب الجامعة ، الاسكندرية 1997 .
? ضياء مجيد الموسوي ، الحداثة والهيمنة الاقتصادية ومعوقات التنمية ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون ، الجزائر 2004 .
? ضياء مجيد الموسوي ، العولمة واقتصاد السوق الحرة ، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر ، الطبعة الثانية 2005
? ضياء مجيد الموسوي ، اهتزازات في أسس العولمة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر2005 .
? ضياء مجيد الموسوي، الاقتصاد النقدي، دار الفكر، الجزائر ( بدون تاريخ الطبع )
? الطاهر لطرش ، تقنيات بنكية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الساحة المركزية ، بن عكنون ، الجزائر 2003 .
? عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي ، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ، دار أسامة ، عمان الأردن الطبعة الأولى 1998 .(1/299)
? عبد السميع المصري ، مقومات الاقتصاد الإسلامي ، مكتبة وهبة ، عابدين ، القاهرة 1975 .
? عفر محمد عبد المنعم ، التنمية والتخطيط وتقويم المشروعات في الاقتصاد الإسلامي دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع ، المنصورة ، الطبعة الأولى 1992
? عوف محمود الكفراوي ، الرقابة المالية في الإسلام ، مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر والتوزيع الإسكندرية 1997 .
? غازي عناية ، الزكاة والضريبة ، دراسة مقارنه ، منشورات دار الكتاب ، الجزائر 1991 .
? محسن أحمد الخضيري ، البنوك الإسلامية ، إيتراك للنشر والتوزيع ، مصر الجديدة الطبعة الثانية 1995 .
? محمد إبراهيم أبو شادي ، التبعية الاقتصادية ودور البنوك الإسلامية في تحرير العالم الإسلامي منها ، الزهراء للإعلام العربي ، الطبعة الأولى 1994 .
? محمد المبارك ، نظام الإسلام ، الحكم والدولة ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ، لبنان 1974 .
? محمد عبد المنعم عسفر ، المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي ، دار الكتاب الحديث ، القاهرة ، الجزء الأول ( بدون تاريخ الطبع ) .
? محمد عبد المنعم عفر ، أحمد فريد مصطفى ، التحليل الاقتصادي الجزئي بين الاقتصاد الوضعي والاقتصاد الإسلامي ، مؤسسة شباب الجامعة ، الاسكندرية 1999
? محمد عثمان شبير ، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي ، دار النفائس للنشر والتوزيع الأردن ، الطبعة الثانية 1998 .
? محمد يوسف موسى ، الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي ، دار الفكر العربي ، مدينة النصر ، القاهرة 1996 .
? محمود المرسي لاشين ، التنظيم المحاسبي للأموال العامة في الدولة الإسلامية ، دار الكتاب اللبناني بيروت لبنان ، دار الكتاب المصري ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1977 .
? المسلم في عالم الاقتصادي ، مالك بن نبي
? مصطفى حسين سليمان وآخرون ، المعاملات المالية في الإسلام ، دار المستقبل للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن 1990(1/300)
? ملحم قربان ، خلدونيات ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ، لبنان ، 1984 .
? موفق محمد عبده ، الموارد المالية العامة في الفقه الاقتصادي الإسلامي ودورها في التنمية الاقتصادية دار الحامد للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن 2004.
? نزيه حماد ، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي هيرندن ، فرجينيا ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الطبعة الأولى 1993 .
? يوجين أ. ديوليو ، ترجمة : العدل محمد رضا ، حمدي رضوان عبد العزيز ، النظرية الاقتصادية الكلية ، سلسلة ملخصات شوم ، دار ماكجروهيل للنشر ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1983 .
? يونس المصري رفيق ، أصول الاقتصاد الإسلامي ، دار القلم ، دمشق ، الدار الشامية ـ بيروت الطبعة الثالثة 1999
***************************************************************
القواميس
? ابن منظور ، لسان العرب ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، إصدار 1.0 ، 1995 .
? أحمد زكي بدوي ، معجم المصطلحات الاقتصادية ، دار الكتاب المصري ، القاهرة / دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1985 .
******************************************************************
الرسائل والأطروحات الجامعية
أولا : رسائل الماجستير :
? ـ نجوى عبد الله عبد العزيز سمك ، علاقة البنوك الإسلامية بالبنك المركزي ، رسالة ماجستير ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسم الاقتصاد ، جامعة القاهرة 1990 .
? ـ هبة الله علي أحمد السالوس ، توازن المنشأة في الاقتصاد الإسلامي ، كلية التجارة ، قسم الاقتصاد ، جامعة عين شمس ، رسالة ماجستير ، جمهورية مصر العربية 2003(1/301)
? إبراهيم أحمد إبراهيم حسين ، توزيع الثروة في الاقتصاد الإسلامي ، رسالة ماجستير ، جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، معهد البحوث والدراسات العربية ، قسم البحوث والدراسات الاقتصادية ، جمهورية مصر العربية 1988 .
? زهيرة عبد الحميد معربة ، أثر إلغاء سعر الفائدة على أدوات السياسة النقدية رسالة ماجستير كلية التجارة ، قسم الاقتصاد ، جامعة الأزهر ، جمهورية مصر العربية (بدون تاريخ) .
? سعيد عبد العال عبد الرحمن ، كفاءة استثمار الوقف الإسلامي الخيري ، رسالة ماجستير ، كلية التجارة ، قسم إدارة الأعمال ، جامعة الأزهر 1989
? عبد الغني عبده عبد الغني ، الآثار التنموية والاستقرارية لنظام التوزيع في اقتصاد إسلامي ، رسالة ماجستير ، جامعة الزقازيق ، كلية التجارة ، قسم الاقتصاد ، جمهورية مصر العربية 2003 .
? عبد الكريم العيوني ، إدارة أموال الوقف وأساليب استثمارها ، رسالة ماجستير ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، معهد البحوث والدراسات العربية ، جامعة الدول العربية ، 2003/2004 .
? منال أحمد محمد النجار ، تحليل بنوك المعاملات الإسلامية ومصادرها ، رسالة ماجستير ، جامعة عين شمس ، كلية التجارة ، جمهورية مصر العربية 1995 .
? نادية محمد عبد العال ، أساليب التمويل والاستثمار في البنوك الإسلامية ، رسالة ماجستير ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد 1988 .
? نجوى عبد الله عبد العزيز سمك ، علاقة البنوك الإسلامية بالبنك المركزي ، رسالة ماجستير ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد ، جامعة القاهرة 1990 .
ثانيا : أطروحات الدكتوراه
? حسين أحمد كامل فهمي ، ديناميكية النظام الاقتصادي الإسلامي ، حول نموذج إسلامي في التنمية الاقتصادية ، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد 1988 .(1/302)
? عبد القادر بن عزوز ، فقه استثمار الوقف وتمويله في الإسلام ، دراسة تطبيقية عن الوقف الجزائري ، أطروحة دكتوراه في العلوم الإسلامية ، كلية العلوم الإسلامية ، جامعة الجزائر ، 2003 – 2004
? كمال رزيق ، إرساء مؤسسة الزكاة بالجزائر ، رسالة دكتوراه ، كلية العلوم الاقتصادي والتسيير ، جامعة الجزائر ، 1999 – 2000 .
? نعمت عبد اللطيف مشهور ، الزكاة : الأسس الشرعية والدور الإنمائي والتوزيعي سلسلة الرسائل الجامعية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ، الطبعة الأولى 1993 .
? نعمت عبد اللطيف مشهور ، حول الدور الإنمائي والتوزيعي للزكاة ، أطروحة دكتوراة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قسم الاقتصاد ، جامعة القاهرة 1988 .
? وجيه مصطفى أمين التازي ، صيغ الاستثمار المصرفي في المؤسسات الإسلامية ، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه ، جامعة القاهرة كلية الحقوق ( بدون تاريخ ) .
******************************************************************
المجلات والدوريات
? أحمد أوصاف ، الممارسات المعاصرة لأساليب التمويل الإسلامية ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب المجلد الأول ، العدد الثاني ، جوان 1994 .
? إقبال عبد العزيز المطوع ، حكم بيع الأحباس ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت ، العدد الخامس والخمسون ، ديسمبر 2003 .
? الأمين حسين ، المضاربة الشرعية وتطبيقاتها الحديثة ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الثانية ، 1993 .
? أنور عبد الحكيم ، الاقتصاد الإسلامي : مصطلحات ومفاهيم ، السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1997(1/303)
? الباقر يوسف مضوي ، دراسة حالة لمصرف إسلامي في السودان ، البنوك الإسلامية ودورها في تنمية اقتصاديات المغرب العربي ، وقائع ندوة رقم 34 المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1995 .
? البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، دراسات اقتصادية إسلامية ، المجلد الأول ، العدد الثاني ، محرم 1415 هـ (جويلية 1994)
? حسن عبد الله الأمين ، حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائد ، البنك الإسلامي للتنمية المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1993 .
? حسن عبد الله الأمين ، زكاة الأسهم في الشركات ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1993 .
? حسن محمد اسماعيل البيلي ، التخريج الشرعي لصيغ التمويل الإسلامية ، صيغ تمويل التنمية في الإسلام ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، وقائع ندوة رقم 29 في السودان 18 – 20 جانفي 1993 .
? دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، العدد الثاني ، محرم 1415 هـ / جوان 1994 .
? رفعت السيد العوضي ، الدور الاقتصادي والاجتماعي للوقف ، ندوة عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية ، 15 ـ 18 ديسمبر 2002 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، القاهرة .
? زيد محمد الرماني ، عقد المضاربة في الفقه الإسلامي ومدى تطبيق أحكامه في المصارف وبيوت التمويل الإسلامية ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، الكويت ، العدد السابع والثلاثون ، أفريل 1999 .(1/304)
? عبد الحميد الغزالي ، الأرباح والفوائد المصرفية بين التحليل الاقتصادي والحكم الشرعي ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، سلسلة ترجمات الاقتصاد الإسلامي ، رقم 2 ، الطبعة الأولى 1994 .
? عبد الحميد الغزالي ، الإنسان أساس المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية ، مركز الاقتصاد الإسلامي ، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية ، مطابع شركة النصر للتصدير والاستيراد ، طبعة 2 ، 1996 .
? عبد الحميد الغزالي ، مركز الاقتصاد الإسلامي ، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية ، طبع شركة النصر للتصدير والاستيراد ، القاهرة ، طبعة 2 ، 1996 .
? عبد الحميد محمود البعلي ، الاستثمار والرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بنك فيصل الإسلامي ، جمهورية قبرص التركية ، الطبعة الأولى 1991 .
? عبد الحميد محمود البعلي ، المدخل لفقه البنوك الإسلامية ، المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي ، 1983 .
? عبد الهادي النجار ، مشكلات منهج البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي ، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، المملكة العربية السعودية ، العدد السادس عشر ، جويلية 1996
? عمر بن فيحان المرزوقي ، النشاط الاقتصادي من منظور إسلامي ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية مجلس النشر العلمي جامعة الكويت ، العدد الخامس والأربعون ، جوان 2001 .
? فضيلة تكور ، رصيد الفترة العثمانية من وثائق الأوقاف بالأرشيف الوطني الجزائري ، مجلة دراسات إنسانية ، دورية محكمة تصدرها كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ، جامعة الجزائر ، أعمال ندوة الجزائر 29/30 ماي 2001 بعنوان : الوقف في الجزائر أثناء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .(1/305)
? قاسم حموري ، مراجعة علمية لكتاب : أصول الاقتصاد الإسلامي ، مجلة جامعة الملك عبد العزيز الاقتصاد الإسلامي ، مركز النشر العلمي ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، المجلد 8 ، 1996
? قحف منذر ، دور الدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي والأهداف الاقتصادية للدولة الإسلامية ، السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، وقائع ندوة رقم 36 ، عقدت بالجزائر من 14 إلى 20 ماي 1991 ، دار البلاد للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 1997 .
? كمال توفيق الحطاب ، السكان والتنمية من منظور إسلامي ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت ، العدد السادس والثلاثون 1998 .
? محمد أحمد صقر ، قراءات في الاقتصاد الإسلامي ، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي ، كلية الاقتصاد والإدارة ، جامعة الملك عبد العزيز ، مركز النشر العلمي ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1987.
? محمد أنس الزرقا ، التمويل والاستثمار في مشاريع الأوقاف ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المجلد الأول ، العدد الثاني 1994 .
? محمد أنس الزرقا ، التمويل والاستثمار في مشاريع الأوقاف ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، العدد الثاني المجلد الأول ، يونيو 1994 .
? محمد أنس الزرقا ، التمويل والاستثمار في مشروعات الأوقاف ، مقدمة مبسطة ، دراسات إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب المجلد الأول ، العدد الثاني محرم 1415 الموافق لـ جوان 1994 .
? محمد عبد الغفار الشريف ، النماء وأثره في الزكاة ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ، جامعة الكويت ، العدد الحادي والأربعون ، جوان 2000 .(1/306)
? منذر قحف ، قضايا معاصرة في النقود والبنوك والمساهمة في الشركات ، وقائع الندوة التي عقدت في مقر البنك الإسلامي للتنمية في جدة ، في الفترة الممتدة من 10 إلى 14 أفريل 1993 .
? منذر قحف ، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، 1991
مداخلات وندوات
? أحمد علي عبد الله ، مناقشة حول فقه الزكاة ، وقائع ندوة رقم 33 بعنوان المواد العلمية لبرنامج التدريب على تطبيق الزكاة في المجتمع الإسلامي المعاصر ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، 1995 .
? الأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت ، تجربة الأمانة العامة للأوقاف في علاج مشكلة الفقر في دولة الكويت ، دورة " دور الزكاة والوقف في التخفيف من حدة الفقر " 25 ـ 29 جويلية 2005 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، القاهرة .
? جمال لعمارة ، اقتصاد المشاركة بديل لاقتصاد السوق ، دراسات اقتصادية ، دورية متخصصة تصدر عن مركز البحوث والدراسات الإنسانية ـ البصيرة ـ جمعية ابن خلدون العلمية ، الجزائر ، العدد الأول ، السداسي الأول 1999 .
? درويش صديق جستنية وآخرون ، تطبيق القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية على الأعمال المصرفية ، دراسة تطبيقية على النظام المصرفي الباكستاني ، سلسلة أبحاث مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز ، المملكة العربية السعودية 1998 .
? دنيا شوقي أحمد ، سلسلة أعلام الاقتصاد الإسلامي ، سلسلة الدراسات والبحوث الاقتصادية مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي 1998.
? سعيد الحسين عبد الرحمن ، أسس إدارة الأوقاف ، أبحاث ندوة " عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية " ، تجربة الأوقاف الإسلامية في السودان .(1/307)
? سعيد الحسين عبد الرحمن ، أسس إدارة الأوقاف ، أبحاث ندوة " عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية " ، تجربة الأوقاف الإسلامية في السودان ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 2002 .
? صقر محمد أحمد ، دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي ، بحث مقدم للندوة المنعقدة في جنيف حول الإسلام والنظام الاقتصادي الدولي الجديد ، تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي من 7 إلى 10 جانفي 1980 ، طبع ونشر المطابع الموحدة ، تونس 1982
? عبد الهادي علي النجار ، القيم الأخلاقية في مجال الإنتاج ، مؤتمر القيم الإسلامية والاقتصاد ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 2000
? علي يوعلا ، النظام الاقتصادي الإسلامي ، البنوك الإسلامية ودورها في تنمية اقتصاديات المغرب العربي ، وقائع ندوة رقم 24 خلال الفترة 18 ـ 22 جوان 1990 ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1995
? عمر محمد عبد الحليم ، أسس إدارة الأوقاف ، أبحاث ندوة " عرض التجارب الوقفية في الدول الإسلامية " جامعة الأزهر ، مركز صالح عبد الله كامل ، القاهرة ، 2002 ، ص2 .
? عوف محمود الكفراوي ، الزكاة ودورها في التنمية ، بحوث مؤتمر الإسلام والتنمية ، جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية ، 28 – 29 سبتمبر 1985 ، عمان ، الأردن 1992 .
? عيسى عبده ، أثر تطبيق للاقتصاد الإسلامي في المجتمع ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، المملكة العربية السعودية 1981 .
? قاسم عبد الحميد الوتيدي ، الوقف كأحد معالم الشخصية المعنوية في الشريعة الإسلامية ، بحث مقدم لندوة الوقف الإسلامي المنعقدة بجامعة الإمارات العربية المتحدة من 6 إلى 7 ديسمبر 1997 .
? محمد عبد الحليم عمر ، القيم الأخلاقية الإسلامية والاقتصاد ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 2000(1/308)
? محمد عبد الحليم عمر ، النهوض بالوقف في العصر الحاضر ، جامعة الأزهر ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي .
? محمد علي القري ، نحو سوق مالية إسلامية ، دراسات اقتصادية إسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، المجلد الأول العدد الأول ديسمبر 1993 .
? محمد عمر شبرا ، ما هو الاقتصاد الإسلامي ؟ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1996
? محمد فهيم خان ، عناصر الإنتاج وأسواقها في إطار إسلامي ، معهد البجوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، المجلد 8 ، 1996 .
? محمد نجاة الله صديقي ، النظام المصرفي اللاربوي ، جامعة الملك عبد العزيز ، المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي ، جدة ، المملكة العربية السعودية 1985 .
? محمود المرسى لاشين ، نشأة الوقف في الإسلام ، دورة : " دور الزكاة والوقف في التخفيف من حدة الفقر " 25 ـ 29 جويلية 2005 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، القاهرة .
? منير إبراهيم هندي ، أزمة البورصات العالمية في أكتوبر 1997 ، الأسباب والنتائج تحليل اقتصادي وشرعي ، سلسلة المنتدى الاقتصادي ، المنتدى رقم 3 ، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، القاهرة 22 نوفمبر 1997 .
? هايل عبد الحفيظ يوسف داود ، تغير القيمة الشرائية للنقود الورقية ، دراسات في الاقتصاد الإسلامي ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1999
? وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، مديرية الأوقاف والحج ، المديرية الفرعية لاستثمار الأملاك الوقفية ، نبذة تاريخية حول الأوقاف في الجزائر .
? يوسف القرضاوي ، دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية ، اقتصاديات الزكاة البنك الإسلامي للتنمية ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب الطبعة الأولى 1997 .(1/309)
? يوسف القرضاوي ، لكي تنجح مؤسسة الزكاة في التطبيق المعاصر ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى 1994 .
******************************************************************
المقالات على الإنترنت
? الإمام الشيرازي ، الاقتصاد الإسلامي في سطور ، مركز الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - للتحقيق والنشر ، بيروت لبنان ، 1998 ، طبعة الكترونية ، المكتبة الالكترونية المجانية ، WWW.Fiseb.com
? البنك الدولي ، تحسين شبكات الأمان ضروري لتحقيق منافع العولمة للفقراء في العالم تقرير جديد يبيّن أن الأشكال الجديدة من الحماية الاجتماعية يمكن أن تزيد سرعة تخفيض أعداد الفقراء ، media.worldbank.org
? منذر قحف ، إدارة الأوقاف الإسلامية ، www.Mozer.kahf.com .
? منذر قحف ، الوقف وتنميته في المجتمع الإسلامي المعاصر ، www.Monzer.kahf.com
? منذر قحف ، تنمية الوقف وتمويله ، www.Monzer.kahf.com .
? منذر قحف ، فقه الوقف في الشريعة الإسلامية والحاجة إلى التجديد فيه ، www.Monzer.kahf.com
? منذر قحف تنمية الوقف وتمويله ، www.Monzer.kahf.com .
? الهيئة العليا لمدينة الرياض ، استثمار أموال الوقف ، بحث مقدم لمنتدى قضايا الوقف الفقهية الأول ، المنعقد بالكويت من 11 إلى 13 أكتوبر 2003 ، الموقع ArRiyadh.com .
القوانين والمراسيم
? ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد 32 ، الصادرة في 16 محرم 1420
? ـ الجريدة الرسمية ، العدد 90 ، قانون 91/83 الصادر في 23 مارس 1991
? ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد 32 ، ديسمبر 1998 .
FRANCAIS
??Abdelawiw Benabdallah , Comment s'organisait l'économie dans les sociétés musulmanes.htm , Revue AL-QODS n# 25(1/310)
??ALAIN SAMUELSON , Les grands courants de la Pensée Economique , office dse publications universitaires , Ben-Aknoun , Alger1993.
??Cheikh Sou'ôud Ach-Chouraïm , L'économie islamique , Posté le 07 June 2005 à 18:09:26 AST par frn , ALHARAMAINSERMONS.ERG .
??Daniel Labaronne , Macroéconomie , Equilibres Macro- économiques Edition du Seuil , avril 1999
??Daniel Labaronne , Macroéconomie , ةquilibres macroéconomiques , éditions du seuil , paris 1999 .
??Faire la zakat , MENU4AFF.HTM
??La Barclays introduit le système bancaire islamique au Kenya
8 millions de musulmans kenyans sont visés , jeudi 22 décembre 2005, par Panapress , afric.com , journal Economie Afrique de l'Est , Kenya Mercredi 22 Février 2006 .
??Lloyds TSB lance des obligations islamiques en Angleterre
Tariq-al-halal.com - Economie - mercredi 23 mars 2005
??MADAR ZDENEK et RASTELLO HELENE - Le Role de l’Etat Dans la Réglementation de l’Economie Capitaliste et Socialiste -- Bibliothéque Européenne - tome8 -1969 ..
??Michel Dévoluy , Théories macroéconomiques , Fondements et controverses , deuxième édition , Armand Colin , Paris 1998
??Omarjee , Le système financier islamique.htm ,
Courtoisie “Espace de l’Islam” , Références sur l'Islam , page principale
??Ziauddin ahmed , le systeme bancaire islamique : le bilan , série de conférences donnée par les lauréats du prix de la bid . publié par : institut islamiaue de recherches et de formation , banque islamique de developpement , première édition 1996 ,
ANGLAIS
??Economic aspects of Islam , Economic aspects of Islam3.htm(1/311)
??Economic System of Islam , Islamic Contributions to Science & Math , The Economic 10 System of Islam.htm
??Economic Systems : Islam2.ht , Regents Prep Global History , Created by Jeffery Watkins , Copyright Copyright 1999 – 2003
??Economics Structure : Islam , Islam's Perspective , Islam Economiecs and Ecomomics Structure.ht
??Fu'ad Abdullah Al-Umar , The Historical Developmement of Zakat and Challenges it had encountered Since the period of the Prophet (PBUH) up to the Umayyad Period , JOURNAL OF SHARI'A AND ISLAMIC STUDIES , Published by Academic Publication Council , Kuwait University , Volum 13 , NO 36 , december 1998
??Islam Online.net , Islamic Economics , Justice and Practicality , thu , feb , 16 , 2006.
??Mohamed Ariff , University of Malaya , Islamic Manking , USC-MSA Compendium of Muslim Texts , The Moral 9 Economy of Islam.htm
??Muhammad Abd-Al-Ghaffar Al-Shareef , Growth and its Effect on Zakat , JOURNAL OF SHARI'A AND ISLAMIC STUDIES , Published by Academic Publication Council , Kuwait University , Volum 15 , NO 41 , jun 2000
??muhammad ibrahim al suhaibani , effects of zakah on aggregate demand , islamic development bank , islamic research and training institute ,jeddah , first edition 1997
??Muhammed ali fuad radwan , zakah as a means to development and social solidarity , islamic development bank , islamic research and training institute , jeddah , saudi arabia , first edition 1997(1/312)
??Virginia Postrel , Islamic economic principles my sound like just what the Middle East need . In practice , things are more complicated , the New York Times , August 12, 2004 , Dynamist_com Islamic 4.com(1/313)