فقه المعاملات المصرفية
فضيلة الشيخ
د . يوسف بن عبد الله الشبيلي
فُرغت الأشرطة بإذن من الشيخ(1/1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يُخَصَّص هذا الدرس بإذن الله تعالى في الحديث عن المعاملات المالية ، والتي سيكون من أبرزها وأكثرها انتشارًا وحديثًا هي " المعاملات المصرفية " .
سنزكز بإذن الله تعالى في هذا الدرس على التأصيل الفقهي ، ففي كل مسألة ندرسها نأصلها فقهيًا ، وشرعيًا ، ونتكلم عن الواقع التي تجري به تلك المعاملة ؛ حتى يكون الدارس فاهم لتلك المعاملة كواقع ومدركًا لتكييفها الشرعي التي تنبني عليه تلك المسألة ، ولذلك قبل أن أشرع في سرد مسائل المعاملات المالية المعاصرة سأتحدث عن مقدمة حول التأصيل الشرعي لعقد البيع ، وفي هذه المقدمة سأشير إلى عدد من القواعد الشرعية التي تحكم هذا الباب - باب المعاملات - ربما تصل هذه القواعد إلى عشر قواعد ، سنتحدث إن شاء الله عنها في هذه الليلة ، وربما ما لم نتمكن منه هذه الليلة نستكمل الحديث عنه في الليلة القادمة - إن شاء الله - وبعد ذلك نشرع في الحديث عن المعاملات المالية وبالأخص عن المعاملات المصرفية .
هناك مذكرة مُبَسَطة كتبتها حول هذا الدرس تخدم بإذن الله تعالى هذا الدرس مدة هذه الدورة - وبإذن الله - والأخوة جزاهم الله خيرًا قالوا سيجهزون هذا المذكرة ، ويصورونها ، وتكون بين أيديكم ابتداءً من ليلة الغد إن شاء الله تعالى . هذه المذكرة تحوي أصول الدرس ، يعني الطالب يستطيع يجمع بين ما يلقى ، بين ما أمامه في المذكرة ؛ حتى لا يكون الذهن شاردًا .(1/1)
فنستعين بالله تعالى ، وكما قلت : سنبدأ أولًا بالتأصيل الفقهي لعقد البيع ، وسنشرع في ذكر القواعد الفقهية الرئيسة التي تحكم عقد البيع ، سنبدأ بالقاعدة الأولى من قواعد البيع ، والقاعدة الأولى وهي الأساس الذي ينبغي لطالب العلم في دراسته للمعاملات أن ينطلق من هذه القاعدة .
القاعدة الأولي : الأصل في البيوع هو الْحِل .
ولشرح هذه القاعدة ، وتطبيقها نبين مفرداتها :
نقول : معنى الأصل : يعني الأساس ن الذي ينبني عليه أصل العقد هو الحل .
والحل : بمعنى " الإباحة ".
أما البيع فيُعَرَّف لغة بأنَّه : أَخْذُ شَيءٍ ، وإِعطَاءُ شَيءٍ آخَر .
سميَّ بذلك لأن كلًا من المتبايعين يمد باعه في الأخذ والإعطاء .
وفي الاصطلاح الشرعي : يعرف البيع بأنه : مبادلة مالٍ بمال لغرض التملك ، وهناك نوع من المبادلة : أخذ شيء ـ وإعطاء شيء . ويكون القصد من تلك المبادلة هو : التملك .
ولهذا يُقَسِّم أهل العلم أنواع المبادلات أو أنواع العقود إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : عقود المعاوضات : وهي التي يكون فيها المبادلة ، كالبيع ، والإيجارة ، ونحوها .
يبذل الشخص شيئًا ، ويأخذ بدلًا منه شيئًا آخر .
القسم الثاني : عقود التبرعات : التي يكون فيها بذل من جانب واحد دون الجانب الآخر .
مثل: الهبة ، الصدقة ، الهدية .. ونحو ذلك .
القسم الثالث : عقود التوثيقات : التي يراد منها توثيق عقد آخر ، لا تراد لذاتها هذه العقدة ، وإنما تراد لتوثيق عقد آخر مثل عقد الضمان ، والرهن ، والكفالة .
القسم الأخير : عقود المشاركات : أن يجتمع اثنان – شريكان – لأجل المتاجرة بالمال بقصد الاشتراك في الربح .
إِ ذًا هذه أربعة أنواع من العقود .البيع يندرج في أي هذه العقود ؟ .
النوع الأول " المعاوضات " ؛ ولذلك لما عرفنا البيع قلنا : إنه نوع من المبادلة .
البيع بهذه الكيفية ، وبهذه الصفة التي شرحناها ، الأصل فيه هو الحل ن والإباحة .(1/2)
وقد دَلَّ على هذا الأصل الكتاب ، والسنة والإجماع ، والقياس :
أما الكتاب : فقول الله تعالى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [البقرة: 275] .
فإنَّ ( الْـ) في كلمة { الْبَيْعَ } : الصحيح أنها تفيد العموم ، فهي تشمل أي بيع .
ومن السنة : أحاديث كثيرة تدل على أن الأصل في البيع هو الحل ، لعل من أبرزها ما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ?? الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ?? .
وأما الإجماع : فقد أجمعت الأمة على أن البيع مباح من حيث الجملة .
وأما القياس : فإنَّ الناس تقول : لا غنى بهم عن الأشياء التي عند غيرهم ، ولا سبيل لهم إلى تملكها إلا عند طريق البيع ، والشريعة لا تمنع شيئًا فيه مصلحة .
إذا هذه هي القاعدة الأولى " أن الأصل في البيوع هو الحل " ، وعَرَّفنا البيع ، وعرفنا العقود التي تكون ببن الناس ، وبينا أن البيع يندرج ضمن عقود المعاوضات ، بقي قبل أن ننتقل من هذه القاعدة أن نبين أنواع البيوع التي الأصل فيها هو الحل .
فالبيع ليس على صفة واحدة ، قد يكون على صفات متعددة ، وأنواع مختلفة ، وهناك أنوا متعددة للبيوع .
وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة أقسام : …
القسم الأول : مبادلة نقدٍ بـ عَرَض . يبذل الشخص نقد ويأخذ عرضًا .
والمراد بالعرض : العروض إذا أطلقت في المعاملات فهي مقصود بها ما عدا النقود ؛ لأن عندنا " نقد " ، وعندنا " عرض" .
النقد مثل : الذهب ، والفضة ، ومثل الأوراق النقدية المعاصرة كالريال ، والدولار ن والجنية ونحوها .. هذه تسمى نقود . يقابلها العروض .فالقسم الأول من أقسام البيوع هو مبادلة النقود بالعروض ، وهذا هو الأصل في البيع .
القسم الثاني : مبادلة عَرَضٍ بـ عَرَض .
مثال على ذلك : سيارة بسيارة ، ثوب –مثلًا – بجهاز كمبيوتر ، ونحو ذلك . فهذه مبادلة عرض بعرض .(1/3)
وهذه لها اسم خاص في المعاملات تسمى هذه المعاملة " المقايضة " .
القسم الثالث : مبادلة نَقْدٍ بـ نَقْد .
مثل : مبادلة الذهب بالفضة ، أو الدولارات بالريال ، أو الريالات بالريالات ، ونحو ذلك .. فهذه المبادلة تسمى " الصرف " .
إِذًا عندنا ثلاثة أنواع من البيوع الأصل فيها الحِل ، وهناك تقسم آخر للبيوع أيضًا بحسب وقت التسليم –وقت تسليم الثمن – وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : أن يكون كلا من الثمن ، والمثمن معجلًا – كلاهما معجل الآن – البيع حاليًا ، وهذا هو الأصل في البيوع . مثلًا : يشتري شخص سيارة بعشرة آلاف ريال نقدًا ، هذا الثمن حال ، والمثمن أيضًا كذلك .
القسم الثاني : أن يكون المثمن حالًا ، والثمن مؤجلًا ، السلعة الآن سَلَمَهُ إِيَّاه حَاضَرة ، لكن الثمن مؤجل ، وهذا له اسم خاص في الشريعة ، والفقهاء يطلقون عليه اسمًا خاصًا ، اسمه : " بيع الأجل" وهذا يدخل تحت قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ } [البقرة:282] .
القسم الثالث : هو عكس النوع الثاني ، أن يكون الثمن حاضرًا ، والمثمن مؤجلًا . يأتي يقول – مثلًا – شخص مزارع يقول : أعطيك مائة ألف ريال ، وأخذ منك مقدار كذا وكذا من القمح بعد سنة " السلم " .
وهو الذي جاء فيه الحديث المتفق عليه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ?? قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ ?? .(1/4)
القسم الأخير : وهو أن يكون كل من الثمن والمثمن مؤجلًا ، كأن يقول مثلًا : بعتك ثلاثين صاعًا من التمر مؤجلة بعد سنة بـ ألف ريال تسلمها في ذلك الموعد . كلاهما أصبح مؤجلًا ، وهذا له اسم خاص أيضًا في الشريعة ، اسمه " بيع الكالئ بالكالئ " . والكالئ : يعني المؤجل بالمؤجل .
الأنواع الثلاثة الأولى : جائزة من حيث الأصل ، وتندرج تحت القاعدة التي أشرنا إليها قبل قليل " أنَّ الأصل في البيوع الحِل" ، أما النوع الرابع وهو المؤجل بالمؤجل فهذا أجمعت الأمة على تحريمه ؛ إذا كان كلا العوضين مؤجلًا فهذه المعاملة محرمة . إذًا هذه أبرز أنواع البيوع .
خلاصة هذه القاعدة حتى نجمع الكلام أن نقول :
القاعدة هي : الأصل في البيوع الإباحة .
ما وهو البيع ؟.
هو مبادل مال بـ مال بغرض التملك .
هذه القاعدة تنطبق على جميع أنواع البيوع - أيَّا كان نوعها- سواءً كانت مقايضة ، أو صرفًا ، أو مبادلة نقد بعرض ، وسواء كان الثمن والمثمن حاضرًا ، أو كان الثمن مؤجلًا والمثمن حاضرًا ، أو كان المثمن مؤجلًا ، والثمن حاضرًا .
إلا حالة خاصة وهي التي لا تجوز : وهي إن كان كل من الثمن والمثمن مؤجلًا ، فإن هذه المعاملة تكون محرمة .
بعد هذه القاعدة ننتقل إلى قاعدة أخرى ، وهي :
القاعدة الثانية : لا يصح البيع إلا باجتماع شروطه، وانتفاء موانعه .
ولذلك لأن البيع في الحقيقة عقد من العقود ، وكل عقد – يقول عنه أهل العلم – لابد أن تتوفر له شروط ، وتنتفي عنه موانع . فنحتاج أن نستعرض بشكل سريع شروط صحة البيع ، وأهل العلم يذكرونها بالبَسْطِ فيجعلونها سبعة أقسام ، وأنا سأسهلها ، وسأذكرها إجمالًا بطريقة يسهل حفظها ، فلذلك نقول : حتى نستوعب شروط البيع ، إن هذه الشروط مقسمة على أركان البيع .
والبيع له ثلاثة أركان :
3- المعقود عليه . ... 2 – العاقدان . ... 1 – الصيغة .(1/5)
الركن الأول : " المقصود بـ الصيغة " : الصيغة قد تكون قولية وهي (الإيجاب ، والقبول) ، وقد تكون فعلية ( بدون إيجاب وقبول) ، وهذه يقول عنها أهل العلم " المعاطاة " ، تأتي إلى الخَبَّازِ - مثلُا -وتعطيه ريال وتأخذ خبر بدون أن تنطق بأي كلمة ، وهو لا يتكلم بأي كلمة فهذه يسميها أهل العلم " المعاطاة " وهي جائزة عند جماهير أهل العلم .
وهناك الصيغة القولية : وهي (الإيجاب والقبول) .
الإيجاب : اللفظ الصادق ، أولًا : مثل أن تقول : بعت . والقبول : وهو اللفظ ( ) الثانية ، وهو أن يقول المشتري : قَبِل .
الركن الثاني : العاقدان ، ويراد بها : البائع ، والمشتري .
الركن الثالث : المعقود عليه شيئان : السلعة التي ستباع ، والثمن .
بالنسبة للشروط –حتى يسهل حفظها- الأسهل أن تقول هي ستة شروط ، ثلاثة تختص بالعاقدين ، وثلاثة تختص بالمعقود عليه .
أما العاقدان فيشترط فيهما ثلاثة شروط :
3 – المِلْك . ... 2 – الأهلية . ... 1 – الرضا .
وأما المعقود عليه فيشترط فيه أيضًا ثلاثة شروط :
الشرط الأول : الإباحة . ... الشرط الثاني : القدرة على التسليم .
الشرط الثالث : العِلْم .
فإذا أردنا أن نسردهم في ست كلمات ( الرضا ، الأهلية ، الملك ، الإباحة ، القدرة ، العلم ) .
الشرط الأول : الرضا : يختص بمن ؟ بـ العَاقِدَين .
لابد أن يكون هذا العقد ناشئًا عن رضى منهما ن والتراضي بينهما ، لقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء: 29] .
الشرط الثاني : الأهلية .يعني أن يكون العاقد – البائع أو المشتري – أن يكون مؤهلًا لإجراء العقد يعني : أن يكون جائز التصرف ، وجائز التصرف يقول عنه أهل العلم : البالغ ، العاقل ، الرشيد .(1/6)
والدليل على هذا الشرط قول الله تعالى : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } [النساء:5].
وقوله - أيضًا – سبحانه : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء:6] .
الشرط الثالث : المِلْك . أنَّ يكون العاقد سواء كان البائع أو المشتري مالكًا للمعقود عليه الذي سيجري عليه العقد ، أو يقوم مقام المالك كـ ( الوكيل ، والوليُّ ، والوصيُّ ) فإنه إذا أراد أن يبيع سلعة لابد أن يكون مالك لها، فإن لم يكن مالكًا لها فالعقد يكون معلق على إجازة صاحب السلعة . إِذًا هذه ثلاثة شروط تتعلق بالعاقد .
والدليل على هذا الشرط الثالث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - الذي في السنن : ?? لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ??. ما معني ما ليس عندك ؟ يعني : ما ليس في مِلْكِكَ .
ننتقل إلى الثلاثة شروط الأخرى المتعلقة بـ المعقود عليه " السلعة أو الثمن " :
الشرط الأول : الإباحة : نقصد بالإباحة أن يكون المعقود عليه مباح النفع من غير حاجة ، تكون فيه منفعة مباحة ، فهناك بعض السلع فيها منفعة محرمة ، ولا تجوز . وسنتحدث عنها إن شاء الله في القاعدة التي تلي هذه القاعدة " المحرمات " .
والدليل على هذا الشرط : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في مسند الإمام أحمد ?? إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ ??.
فدل ذلك على أن إذا كانت المنفعة محرمة ، فإن بيع السلعة أو بيع العين يمون محرم .(1/7)
وأيضًا جاء في الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - ?? إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ?? . فهذه الأمور الأربعة المذكورة في الحديث حرم بيعها ؛ لأن نفعها محرم .
الشرط الثاني : القدرة على التسليم . يعني : القدرة على تسليم المعقود عليه ، وهو أن يكون البائع أو العاقد قادرًا على تسليم المعقود عليه ، أما إذا باع شيئًا ، وهو لا يستطيع أن يسلمه للمشتري ، مثل أن يبيع الشخص شيئًا لا يملكه ، ومثل أن يبيع شيئًا غائبًا لا يستطيع أن يحضره في الحال كما لو باع مثلًا شيئًا مفقودًا ، وهذا احتمال أن يجده ، ومن المحتمل أن لا يجده ، فالعقد في هذه الحال يكون فاسدًا ، لأنه غير قادرٍ على التسليم ، ولأن هذا العقد يدخل في عقود الغرر ؛ لأن فيه شيء من المقامرة لأن النبي - رضي الله عنه - كما في صحيح مسلم : ?? نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ?? .
الشرط الأخير : العِلْم . والعلم في الحقيقة شرط يتفرع عنه شرطان : لابد ن العلم بالسلعة المبيعة ، والعلم بالثمن . فلا يجوز أن يشتري شخص سِلْعَةً وهو لا يعلمها - لا يعلم حقيقتها – أول يعلم صفتها؛ لأن هذا من الغرر كما لا يجوز أن يتم العقد دون أن يحدد الطرفان ( البائع ، والمشتري) الثمن الذي سيجري عليه العقد .
فلابد من تحديد السلعة في معرفتها ، أو برؤيتها ، أو بوصفها وصفًا مطابقًا ، ولابد من العلم بالثمن. والعلم يتفرع عنه شرطان ، لذلك أهل العلم ، يعني في كتب الحنابلة إذا ذكروا شروط البيع يقولون مباشرة ، يقولوا : شروط البيع سبعة . لأنهم يُفَصِّلون في الشرط السادس ، يقولون : لابد من العلم بالثمن ، والعلم بالمثمن وهو السلعة .
هذا إِذًا ما يتعلق بالقاعدة الثانية . ننتقل بعد ذلك إلى القاعدة الثالثة من قواعد البيوع ، وهي في الحقيقة مرتبطة بالقاعدة الأولى السابقة .(1/8)
نحن قلنا أن الأصل في البيوع هو الحل ، ولذلك من أراد أن ينظر في أي معاملة أو في أي عقد عليه أن ينظر في دائرة الحلال أم دائرة الحرام ؟ أيهما أوسع .. دائرة الحلال أم دائرة الحرام ؟
- دائرة الحلال أوسع ، فلذلك طالب العلم ، أو المفتي عندما تعرض عليه أي مسألة يحتاج أن ينظر في الدائرة الضيقة أم ينظر في الدائرة الواسعة ؟
- ينظر في الدائرة الضيقة ، فيقول : هذه المعاملة هل تدخل في هذه الدائرة الضيقة المحصورة " المعاملات المحرمة " ، فإن لم تكن هذه المعاملة داخلة في تلك الدائرة ، فإنه يبني على الأصل ، وهو ما عليه الدائرة الأوسع ، وأن هذه المعاملة الأصل فيها هو الحل ، ولذلك لابد لدارس المعاملات ما هي دائرة الحرام التي تحصر المعاملات المحرمة ، وهذا ما سنبينه في القاعدة الثالثة …
القاعدة الثالثة : بيان أنواع المحرمات في البيوع .
فنقول المحرم في البيوع على نوعين :
2 – مُحَرَّمٌ لِكَسْبِهِ . ... 1 – مُحَرَّمٌ لِذَاتِهِ .
فنبدأ أولًا بالنوع الأول ، وهو: المحرم لذاته .
المقصود بالمحرم لذاته : كل ما كانت منفعته محرمة ، فهو محرم لذاته ، كالخمر ، والميتة ، والخنزير ، والتماثيل . فهذا هو المحرم لذاته ، ولو كانت تلك المنفعة تباح عند الضرورة .
فإذا كانت المنفعة من حيث الأصل محرمة ، فإن تلك العين تكون محرمة ، لا يجوز بيعها ، وتدخل في دائرة الحرام ، ولو كان في تلك العين منافع أحيانًا تباح عند الحاجة ، أو تباح عند الضرورة ، ودليل هذا النوع المحرم لذاته ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق الذي أشرنا إليه : ?? إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ ??.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر - رضي الله عنه - : ?? إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ?? .(1/9)
إِذًا سبب التحريم في هذا النوع هو لذات السلعة التي ستباع التي سيجري عليها العقد ، ففيها الإشكالية فيها التحريم ، وهنا سميناها محرم لذاته ، والتصنيف هنا مهم لأنه سيترتب عليه آثار سنشير إليها بعد قليل إن شاء الله .
والمحرم لذاته على نوعين :
النوع الأول : ما هو حرام العين ، والانتفاع جملة . بمعنى : أن هذه العين بذاتها محرمة ، ومنفعتها كذلك محرمة – أي في الأصل – وهذا النوع من الأعيان يحرم بيعه مطلقًا حتى وإن كان المشتري سينتفع به في شيء مباح .
وهذا النوع خمسة أصناف : محدود ، خمسة أشياء فقط لا يتعداها ، وهذه الخمسة أشياء هي التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر - رضي الله عنه - ، وعندنا أربعة أشياء في حديث جابر - رضي الله عنه - ، ويضاف إليها ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وأبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - ، وغيرهم ..أن النبي - رضي الله عنه - ?? نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ ?? . فالمحرم لذاته إذًا خمسة أشياء هي :
1 – الخمر .
2 – الميتة .
3 – الخنزير .
4 – الأصنام .
5 – الكلب .
هذه لا يجوز بيعها مطلقًا ، حتى وإن كان المشتري سينتفع بها على وجه مباح .
هل هذا يتصور – أن المشتري ينتفع بها على وجه مباح ؟ أن شخص يأخذ شيء من الأصناف المذكورة، وينتفع به على شكل مباح ؟
مثل : كلب الصيد ، فمثلًا : لو أن شخصًا يريد أن يشتري كلبًا لأجل الصيد ، فهنا نقول : لا يجوز .
لأنه محرم العين من حيث الأصل .
صنف آخر هل يمكن الانتفاع به على مجه مباح .
من يشتري ميتة ليطعم بها كلب الصيد الذي عنده ، أو يشتري ميتة ليطعم بها الصقر الذي عنده . هذا جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم ، فالآن سينتفع بالميتة في شيء مباح ، فهل يجوز أن يشتري الميتة ؟ نقول : لا . لا يشتريها ، والبيع لا يصح .(1/10)
إذن نفهم من هذا أن دائرة الانتفاع أوسع من دائرة البيع ، فمن الأشياء ما يجوز الانتفاع به ، ولا يجوز بيعه ، ولا شراءه ، لا يجوز أن يقع عليه العقد . وهذه هي الأصناف الخمسة المذكورة في الحديثين .
على هذا نقول : أن هذه الأصناف الخمسة لا يجوز أن يقع عليها عقدًا مطلقًا .
نأتي إلى النوع الثاني من أنواع المحرم لذاته : ما هو مباح العين من حيث الأصل ، وقد يكون فيه منفعة محرمة .
يعني : من حيث الأصل عينه مباحة ، وطاهرة ولكن قد يكون فيه أحيانًا بعض المنافع المحرمة ، فهذا النوع يحرم بيعه ؛ إذا بِيعَ لأجل تلك المنفعة المحرمة ، أما إذا بيع لغير تلك المنفعة المحرمة ، فإنه يجوز .
مثال ذلك : الحرير من حيث الأصل .. مباح العين أم محرم العين ؟
- مباح العين . لكن من اشترى الحرير من الرجال ليلبسه – إذا كان حريرًا طبيعيًا، وكثيرًا – فالبيع في ذلك الحال على ذلك الشخص يكون محرمًا ؛ لأنه اشتراه لينتفع به على وجه محرم .
لكن لو باح الحرير على امرأة يصح .
مثل أيضًا : بيع الحمار . من حيث الأصل : هو عين طاهرة فيصح بيعها ، لكن بيع الحمار لمن يريد أن يأكله ؟ نقول : لا يصح . هذا من المحرم . من النوع الثاني من المحرم لذاته .
وهذه القاعدة مهمة جدًا .. لماذا ؟ للتفرقة بين نوعي المحرم لذاته .
النوع الأول لا يجوز بيعه مطلقًا – من أنواع المحرم لذاته – حتى وإن كان سينتفع به على وجه مباح ، بينما النوع الثاني ففيه تفصل : إن بيع لمن ينتفع به على وجه مباح صَح . وإن بيع لمن ينتفع به على وجه محرم لم يَصِح .
أَقْرَأ كلام ابن القيم – رحمه الله – مبينًا نوعي المحرم لذاته ، والفرق بينهما .
يقول رحمه الله : في قوله - صلى الله عليه وسلم - ?? إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ ??يراد به أمران – يشير إلى نوعي المحرم لذاته - :(1/11)
أحدهما : ما هو حرام العين ، والانتفاع جملة .كالخمر ، والميتة ، والدم ، والخنزير ، وآلات الشرك – الآن ابن القيم كم ذكر من صنف ؟ ذكر خمسة ، وذكر هنا الدم ، أضاف الدم ، وفي الحقيقة ألحقه بالميتة ، ألحقه بحكم الميتة بجامع النجاسة – فهذه حرام كيفما اتفقت –يعني : سواء المشتري سينتفع بها على وجه مباح أو على وجه محرم – والثاني : ما يباح الانتفاع في غير الأكل ، وإنما يحرم أكله ، كجلد الميتة بعد الدباغ ن وكالحمر الأهلية والبغال ونحوها .. مما يحرم أكله دون الانتفاع بها ، فهذا قد يقال إنه لا يدخل في الحديث ، وإنما يدخل فيه ما هو حرام على الإطلاق ، وقد يقال إنه داخل في الحديث – يعني : في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - - ويكون تحريم ثمنه إذا بيع لأجل تلك المنفعة التي حرمت منه ، فإذا بيع البغل والحمار لأكلهما حَرُمَ ، بخلاف ما إذا بيع للركوب ، وغيره . وإذا بيع جلد الميتة للانتفاع به حَلَّ ثمنه ، وإذا بيع لأكله حَرُمَ ثمنه ، ومثله أيضًا إذا بيع العنب – ما حكمه ؟ من حيث الأصل نقول : جائز ؛ لأن العنب عين طاهرة مباحة ، لكن بيعه لمن يتخذه خمرًا ، نقول : هو محرم – لمن يعصره خمرًا حَرُمَ أكل ثمنه ، بخلاف ما إذا بيع لمن يأكله ، وكذلك بيع السلاح من حيث الأصل مباح ، لكن إذا بيع لمن يقاتل به مسلمًا حرم أكل ثمنه ، وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل الله فثمنه من الطيبات .
هذا ما يتعلق بالمحرم لذاته ، إذًا قلنا من أنواع البيوع هو المحرم لذاته .
والمحرم لذاته قلنا إنه على نوعين : محرم العين ، والانتفاع جملة . والنوع الثاني مباح العين لكن قد تحرم منفعته في بعض الأحيان .
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثاني من أنواع المحرمات ، وهو : المحرم لكسبه .(1/12)
يقصد بـ المحرم لكسبه : يعني الأشياء التي هي ذاتها مباحة ، لكن طرأ التحريم عليها بسبب طريقة اكتسابها . هذا يسمى محرم لكسبه ، ويشمل كل مقبوض بعقد فاسد ، كالمال المقبوض بعقد ربوي أو بقمار ونحو ذلك ، فالذي يأخذ مثلًا نقودًا بالربا ، يقرض مال ويسترد هذا المال بزيادة ، بفوائد . هذا الفوائد التي أخذها ، نَفْرِض شخص أقرض عشرة آلاف ريال ، واشترط على المدين – المقترض – أن يردها أحد عشر ألف ريال . الآن هو أخذ زيادة ألف ريال . هذه الألف ريال ما نسميها ؟ ربا ، ما في شك أنها ربا محرم . لكن من أي النوعين ؟ محرم لذاته أو محرم لكسبه ؟
- محرم لكسبه . لأن الريال من حيث الأصل هو عين طاهرة ، مباحة ومن حيث الأصل ، لكن من أين جاء التحريم ؟ من طريقة الكسب . وهذا هو الفرق ما بين الريال والخمر ؛ فالخمر عين محرمة ، بينما الريال في الأصل عين طاهرة . هذا محرم لذاته ، وهذا محرم لكسبه.
طبعًا الحديث عن المحرم لكسبه ربما يطول قليلًا ، لذلك قبل أن نفصل في أنواع المحرم لكسبه فنبين
الفروق بين المحرم لذاته والمحرم لكسبه :
الفارق الأول : أن المحرم لذاته لا ينفك عنه التحريم مهما تناقلته الأيدي . مثل بيع الخمر ، والخنزير ، فلا يجوز لمسلم بيع ذلك – الخمر أو الخنزير – لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان ، فلو أن زيدًا باع خمرًا على عمرو ، وعمرًا باع ذلك الخمر على صالح ، وصالح باع ذلك الخمر على زيد ، وزيد باعه على عليّ .. هكذا . كل واحد منهم يأثم ؛ لأنه مشارك في الإعانة على الإثم والعدوان .(1/13)
إذًا المحرم لذاته لا ينفك عنه التحريم - مستمر معه التحريم – بينما المحرم لكسبه إنما يلحق التحريم كَاسِبَهُ فقط ، أما غير الكاسب فلا يلحقه التحريم ، فلو أن شخصًا كسب مالًا من حرام ، من ربا ، عقد ربوي أو بقمار ، ودعا شخصًا آخر إلى مأدبة في بيته . هل يجوز للشخص الآخر أن يجيبه إلى تلك المأدبة ، مع أنه قد يقدم تلك الطعام من المال المحرم الذي كسبه .. هل يجوز أن يجيبه ؟
- نقول : نعم . يجوز أن يجيبه ؛ لأن المحرم لكسبه يحرم على الكاسب فقط .
ومثله أيضًا : أن شخصًا اشترى بيتًا بالربا ، فهل يجوز مثلًا للزوجة والأولاد أن يسكنوا في تلك البيت ؟
- نقول : نعم . لماذا ؟ لأن الإثم على الكاسب فقط ، ولا يتعداه إلى غيره .
ومثله : التعامل مع من يتعامل بالربا .. التعامل مثلًا مع بنك ربوي في عقد إيجارة مثلًا ، أو في عقد بيع ، أو في عقد حوالة ، يعني -مثلًا- سَتُحَوِّل مبلغًا من المال ، وذلك البنك الربوي سيأخذ رسوم مقابل هذه الخدمة .
- نقول : هذا من المحرم لكسبه . الإثم على البنك ، على الشخص الذي يتعامل بالربا . أما الذي يتعامل معه ، فهذا ليس عليه إثم . ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعامل مع اليهود بالمدينة بيعًا ، وشراءً ، وتأجيرًا ، واستئجارًا ، ورهنًا ، وارتهانًا . مع أنهم كانوا يأكلون الربا بنص القرآن الكريم { وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } [النساء: 161] . ومع ذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتورع عن التعامل معهم .. لماذا ؟ لأنهم إذا تعاملوا بالربا فالإثم عليهم ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعامل معهم بمعاملة مباحة ، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - توفي ودرعه مرهون عند يهودي على طعام شعير لأهله .
قال أهل العلم : لعل الحكمة في ذلك أن يبين للأمة جواز التعامل مع أمثال هؤلاء ممن يتعاملون بمعاملات محرمة .إذًا هذا هو الفارق الأول .(1/14)
الفارق الثاني : هو مهم أيضًا في : التوبة منهما – المحرم لذاته ، والمحرم لكسبه .
فالمحرم لذاته لا تصح التوبة منه إلا بإتلافه أو بإزالة نفعه المحرم . كمن عنده مثلًا خمر أو خنزير . كيف تستطيع أن يتخلص منه ويتوب ؟ نقول : تتلفه ، لابد من إتلافه . إذا كان بالإمكان أن تزيل منفعته المحرمة ، ويبقى على وجه مباح ، فهذا حسن . كمن عنده مثلًا تماثيل من مواد يمكن الاستفادة منها ، فلو كَسَّر هذه التماثيل مثلًا ، واستفاد منها في شيء مباح فلا حرج عليه .
وعمومًا نقول المحرم لذاته لا تصح التوبة منه إلا بإتلافه ، أو بإزالة منفعته المحرمة .
أما المحرم لكسبه ففيه تفصيل :
نقول : إن كان أخذه ظلمًا بغير رضا صاحبه ، فلا تصح توبته إلا بإعادته إلى ربه .
لأنه – الشخص الذي أخذ هذا المال بطريق محرم – أخذه بغير رضا صاحبه .. مثل ماذا ؟
- أخذه غصبًا عنه ، أخذه سرقة ، أخذه بالغش ، غشه في معاملة وأخذ منه مالًا ، باعه سيارة – مثلًا – وغشه فيها وأخذ منه المال . هنا المال أخذه ظلمًا بغير رضا صاحبه .. فكيف التوبة من هذا المال .
كي ما تتحقق التوبة ، نقول : لابد من إعادته إلى صاحبه ، وإلا لم تصح التوبة لأن هذا حق آدمي . وحق الآدمي ، لابد من إعادته إلى صاحبه . طبعًا يستثنى حالة واحدة فيما إذا لم يعرف صاحبه ، أو تعذر عليه أن يصل إليه ماذا يعمل في هذا الحال ؟(1/15)
قال أهل العلم : أنه يتصدق ، وينوي بتلك الصدقة أنها لذلك الشخص الذي ظلمه ، وأخذ منه هذا المال بغير رضاه ، على نِية أنه إذا جاء ذلك الشخص أو لقيه مرة أخرى بعد أن تصدق به أن يضمن له ذلك المال . هذا إذا كان أخذ هذا المال – المحرم لكسبه – بغير رضا صاحبه، أما إذا كان أخذه برضا صاحبه ، أخذه بطريقة محرمة برضا صاحبه مثل : الربا . أخذه بعقد ربوي ، رابى مع شخص ، أخذ منه مالًا فوائد ربوية ، وتراكمت عنده الأموال ثم في آخر حياة هذا الشخص ندم على ما مضى ، تجمعت عنده ملايين ، أخذها برضا أصحابها ، بعقد ربوي . الآن كيف تصح التوبة من هذا المال المحرم لكسبه ، هل يلزمه إتلافها ، أو التصدق بها ، أو إعادتها إلى أصحابها ، نقول هذا محل خلاف بين أهل العلم ، والذي عليه المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم رحمهما الله تعالى أنه لا يلزمه التخلص من ذلك المال ، ولا الصدقة به ، وإنما تكفي توبته الصادقة بأن يعزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب ن وأن يقلع عنه ن وأن يندم على ما مضى منه ، ويمسك عليه ماله ، لا يلزمه التخلص منه ، لأن هذا من المحرم لكسبه ، والمحرم لكسبه لا يشترط التخلص منه لصحة التوبة .
والأدلة على ذلك ما يلي :
قول الله تعالى في آيات الربا : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } [البقرة275] . وقد يقول قائل : أنت استشهدت بهذه الآية وتركت آية أخرى ربما تكون أصرح منها ، وهي قوله تعالي : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } [البقرة: 279] . رأس المال التي المفترض أن يكون البداية التي انطلق منها دون الفوائد الربوية . فما وجه الجمع بين هاتين الآيتين ؟
واضح الإشكال ؟ يعني الآن شخص بدأ تجارته بمليون ريال ، ثم وصلت هذه المليون ريال إلى خمسة ملايين ريال بالفوائد الربوية . فالآن رأس ماله كم ؟(1/16)
- مليون ريال ، والله - سبحانه وتعالي- يقول : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } . والآن كيف نقول لهذا الشخص تحتفظ بهذا المال ؟!
وجه الجمع بين هاتين الآيتين :
1 - { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } .
2 - { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } .
نقول : هاتان الآيتان - ولله الحمد – ليس بينهما تعارض : فلآية الأولى { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } هي في المال المحرم الذي قبضه الشخص ، هذا المال نقول : لا تتخلص منه . ما دام قبضته الآن ، فهذا يسميه أهل العلم " المقبوض بعقد فاسد" فليس من شرط صحة توبتك أن تتخلص منه ، وأما الآية الأخرى : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } هي في الديون التي ما زالت في ذمم المدينين ، ولم يأخذها ويقبضها الدائن .
- فشخص يطلب من آخر دين بقيمة عشرة آلاف ريال ، وفوائد بمقدار ألفي ريال .
نقول : من صحة توبتك الآن إذا تُبْتَ { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } . رأس مالك عشرة آلاف ريال ، ولا تأخذ الأَلْفَين .
إذًا الآية { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى .. } : هذا في المقبوض .
وأما قوله { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } : فهذا في غير المقبوض .
دليل آخر على هذه المسألة :
أنَّ الصحابة الذين أسلموا وكانوا قد أخذوا أموالًا بالربا ، وأخذوا أموالًا بالقمار ، وبالغرر ، وبعقود محرمة لم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخلصوا من تلك الأموال التي قبضوها بعقود فاسدة .
وأيضًا من الأدلة على ذلك :
قال أهل العلم :(1/17)
إنَّ هذا مما يشجعه على التوبة ، والشريعة تتشوف إلى توبة المذنبين ، فإذا قيل له : إنَّ الأموال التي قبضتها هي لك ، ولا يلزمك التخلص منها . فهذا يحفزه على أن يتوب . بخلاف ما إذا قيل له تخلص من جميع أموالك السابقة ، فإن هذا ربما يكون حائلًا بينه ، وبين التوبة .
ومن الأدلة كذلك :
أن التوبة تهدم جميع الذنوب السابقة كما جاء في الأثر ?? التَوبَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ?? .
فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إنه ليس هناك ذنب محرم أصلًا حتى نلزمه التخلص منه ، بل إن ذنوبه السابقة – الريالات التي كسبها بالحرام- أصبحت في حقه حسنات لما تاب لقول الله تعالى : { فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } .
ولذلك يقول كيف نأمره وهذا مَلْحَظ دقيق ذكره شيخ الإسلام ، كيف نأمره أن يتخلص من تلك الحسنات ؟! هو قد قبضها وتاب ، فإذا كانت توبته صادقة فلا يلزمه التخلص منها .
هذا ما يتعلق بالفروق بين المحرم لذاته ، والمحرم لكسبه .
لعلنا نقف عند هذه المسألة ، ونستكمل إن شاء الله الليلة المقبلة بإذن الله تعالى ؛ حتى لا أطيل عليكم لأني أعرف الآن الوقت متأخر . والحقيقة عندنا قواعد متعددة ، لكن إن شاء الله ما أخذناه فيه البركة ، ونستكمل إن شاء الله غدًا . بَقِي مِنْ المسائل ن والقواعد : قاعدة المحرم لكسبه ، وأنواع المحرم لكسبه ، وهذه مهمة في الحقيقة .
ولعلنا في النهاية نسترجع ما سبق بشكل سريع .
القاعدة الأولى " الأصل في البيوع هو الحِل " ، وقلنا إن البيوع أنواع متعددة وأشرنا إليها .
القاعدة الثانية " لا يصح البيع إلا باجتماع شروطه، وانتفاء موانعه " .
وشروطه ستة : ( الرضا ، الأهلية ، الإباحة ، الملك ، القدرة على التسليم ، العلم ) .
القاعدة الثالثة " القاعدة الثالثة : المحرم في البيوع على نوعين : مُحَرَّمٌ لِذَاتِهِ ، مُحَرَّمٌ لِكَسْبِهِ .(1/18)
القاعدة الرابعة " المحرم لذاته على نوعين : محرم العين من حيث الأصل ، ومباح العين من حيث الأصل لكن فيه منفعة محرمة " وبَيَنَّا الفروق بينهم ، ثم بَيَنَّا الفروق بين المحرم لذاته ن والمحرم لكسبه .
الأسئلة
عارض الأسئلة :
أحسن الله إليك يا شيخ ، هناك بعض الأسئلة . يسأل عن غسيل الأموال ، وما حكمها ؟
الشيخ :
المراد بغسيل الأموال أن يجري الشخص معاملة يقصد منها التستر على معاملة أخرى محرمة ، مثل أن يريد شخص أن يهرب مخدرات – مثلًا – من بلد إلى بلد ، أو ينقل أموال من بلد إلى بلد ، فيجري عقود صورية بأنه مثلًا واشترى سيارات مثلًا أو بغيرها من السلع المباحة لأجل أن يموه ويتستر على المعاملة المحرمة . هذا تبسيط هذه المعاملة . وغسيل الأموال محرم ؛ لما فيه أولًا من التعامل بشيء محرم ، وهو في الغالب يكون بأشياء محرمة ، والشيء الثاني أنه فيه أيضًا كذب ، وغش ن وتدليس .
عارض الأسئلة :
ما حكم المتاجرة بالبورصة ن وما المقصود بها ؟
الشيخ :
طبعًا ستأتينا إن شاء الله لاحقًا لكن إشارة سريعة ، ربما يغلب على الظن أن سؤال السائل يقصد به بورصة العملات ، وهناك السوق المالية التي يكون فيها تداول العملات " الريالات ، والدولارات ، وغيرها " بيعًا وشراءً ، والصورة المنتشرة الآن التي يكثر السؤال عنها هي صورة البيع ما يعرف بالمارجن (Margin) أو الشراء في الهامش . كيف هذا ؟ والآن هي انتشرت ، وللأسف بشكل كبير .(1/19)
يأتي شخص إلى سمسار من سماسرة البورصة الذين يتاجرون بالعملات ، ويضع عند السمسار رصيد ، مثلًا يضع رصيد تأمين عشرة آلاف ريال ، والسمسار هذا قد يكون بنك ، وقد يكون شركة تمويل ضخمة ، يعطيه قرض تمويل يعطيه مبلغ تمويل مثلًا نصف مليون دولار ، يقول : هذا رصيد عنك الآن ، ما أعطاه المبلغ حقيقي ، وإنما رصيد لديه ، يقول هذا نصف مليون دولار تبدأ تتاجر به . لكن تضع تأمين عندي مثلًا عشرة آلاف دولار ، فهذا الشخص الذي وضِع في رصيده نصف مليون دولار يبدأ يضارب بالعملات ، يشتري بالدولارات هذه مثلًا "يورو" ثم إذا ارتفع سعر اليورو باعه ، واشترى مثلًا دولارات ، ثم إذا ارتفعت الدولارات مقابل "الين" باعها ، واشترى " ين " .
الآن سؤال ما فائدة السمسار ، لماذا يضع نصف مليون دولار – مبلغ ضخم – لهذا الشخص حتى يتاجر به .
نقول أولًا : هذا المبلغ لم يكلف السمسار شيء ، لأن في الغالب السمسار يتعامل مع بنك أو هو في الواقع بنك ، وهو لم يعطه مبلغًا حقيقيًا ن وإنما أعطاه رصيد ، يقول : تبدأ تتاجر بتلك العملة لأنه يعلم لن يسحب ذلك الرصيد ، ولا يسمح له بسحبه ، وهذا معروف في البنوك ، ويسمونه " توليد النقود " يعني من خصائص البنك أن عنده القدرة على أن يولد النقد ، فالنقود التي في البنك مثلًا فقط مليار ريال ، لكن يستطيع أن يعطي قروض تصل إلى خمسة مليار ريال .. لماذا ؟
لأن أغلب الناس الذين تأتيهم القروض الذي يدعمهم البنك ، ويمولهم ما يأخذون الأموال نقدًا ، وإنما هي مجرد أرصدة . فالآن ما فائدة السمسار :(1/20)
نقول : السمسار أولًا هو لم يخسر ، يشترط على العميل الذي يتعامل معه أن أي صفقة يبيع أو يشتري يأخذ السمسار عمولة ، مثلًا ثلاثين دولار عن كل عملية بيع ، وثلاثين دولار عن كل عملية شراء ، وهكذا ، ويشترط عليه أيضًا أنه إذ لم يقم بإغلاق حسابه ، وتسديد الدين الذي عليه ، وبقيت النقود التي عليه إلى يوم آخر ، فإنه سيدفع فوائد مقابل ذلك . هذا هو تصوريها المبسط .
وهذه المعاملة لا تجوز لعدة أمور :
أولًا : لأنها مبادلة نقد بنقد ، ولم تتحقق فيها التقابض الشرعي ؛ لأنه الآن يبيع "دولارات" بـ " ين " أو مثلًا بـ " يورو" لا يتحقق التقابض الحقيقي ، وإنما يتم فقط قيود يسمونها " قيود ابتدائية " ليس هناك تسلم ، وتسليم حقيقي ، وهذا المحظور الأول .
فيها محظور ثاني : الآن السمسار ، الممول يقرضه مبلغًا من المال ، وينتفع بذلك القرض ، فهو قرض جر نفعًا ، يأخذ العمولة التي يتعامل بها ذلك الشخص ، وأيضًا فيه شرط محرم . وأنه يشترط عليه أنه إن لم يسدد القرض في نفس اليوم ، فإنه يأخذ عليه فوائد .
فلهذه الأسباب المتاجرة في البورصة عامة ، وبطريقة ما يعرف " مارجن " أو الهامش هذه لا تجوز ، وربما تسألون عنها كثيرًا لأنها الآن من المعاملات المستحدثة التي استفحلت وانتشرت ، وكثير من الناس يظن ، ويقولون أنها " بورصة إسلامية " ويقولون : نفتح حساب إسلامي .
يقصدون بالحساب الإسلامي : أن ما يشترط عليه أن يدفع فوائد إذا تأخر السداد إلى اليوم التالي .
نقول : وإن انتفى هذا المحظور .. يبقى محاذير أخرى : عدم تحقق التقابض ، والعمولات التي يأخذها السمسار مقابل هذه العملية . فهي لا تجوز .
عارض الأسئلة :
يسأل : بعض الأطفال يبيع في السوق . فما حكم الشراء منهم .
الشيخ :(1/21)
الصحيح في بيع الصغير أنه جائز ، ويبقى معلقًا على إذن وليه . بمعنى : لو أن وليه أبطل تلك المعاملة فله الحق في ذلك ، لكن من حيث الأصل البيع صحيح ، ومثله أيضًا الشراء ، شراء الصغير صحيح ، ويبقى معلقًا على إجازة وليه ، فلو أن وليه - مثلًا- جاء إلى البائع وقال : أنا لم آذن بذلك الشراء ، فإنه يلزم البائع أن يرد الثمن ، إلى الصغير ، ويسترد هو سلعته .
عارض الأسئلة :
أحسن الله إليك يا شيخ ، هذا سؤال من الشبكة – الإنترنت – يقول : اكتتبت في الشركة التعاونية للتأمين بعد إفتاء أحد المشايخ في التلفاز ، وبعد تداول الشركة ظهرت فتوة أخرى تحرِّم التعامل مع هذه الشركة . ماذا أفعل بأسهمي الموجودة في الشركة الآن . علمًا بأن عدد الأسهم كبير جدًا ، والمربح كثير ؟
الشيخ :(1/22)
نقول : بالنسبة لهذه الشركة الذي أراه أن التأمين الذي تقدمه هذه الشركة تأمين تجاري ، والذي عليه قرارات المجامع الفقهية ، وأغلب العلماء المعاصرين أن التأمين التجاري مُحَرَّم ، وسنتحدث عنه إن شاء الله لاحقًا ، ونبين ما الفرق بينه ، وبين التأمين التعاوني ، وعلى هذا فالاكتتاب في هذه الشركة وشراء أسهمها لا يجوز ، ونقول للشخص الذي دخل تلك المعاملة هو في الحقيقة دخل تلك المعاملة بناءً على فتوى ، وأخذ بفتوى لم يكن يعلم أنها محرمة . فنقول ك يلزمك من حين علمت أنها محرمة أن تبيع تلك الأسهم ، ولك المال الذي كسبته فيها لأنك لم تكن تعلم بالتحريم من قبل ، أما إن كنت تعلم بالتحريم ، واستمريت تملكك لتلك الأسهم ، وربحت فيها بعد علمك بالتحريم ، فنقول : هذه الزيادة التي ربحتها بعد العلم بالتحريم يجب أن تتخلص منها ؛ لأنها زيادة محرمة بعد أن علمت بتحريمها ، وهاهنا قاعدة مهمة : أن الشخص إذا كسب مكاسب محرمة وهو يجهل تحريمها ، ثم عَلِمَ بالتحريم بعد ذلك ، إن كان من المحرم لكسبه الذي أشرنا إليه قبل قليل فلا يلزمه التخلص منه . مثل السائل هذا الذي كان جاهلًا ثم عَلِمَ ، مثل حال الشخص الفاسق ثم تاب ، حكمهما واحد . وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فقال : حكم الجاهل كحكم التائب من محرم .
عارض الأسئلة :
أحسن الله إليك يا شيخ ، نختم بهذا السؤال ، يقول : يا شيخ إني أحبك في الله ، أنا رجل أبيع واشتري في سوق الأسهم السعودي ، وقد قرأت الفتوى التي أصدرها فضيلتكم ، ووزعت ، ونشرت على الإنترنت ، والتي تتضمن بيان حالة الأسهم المحرمة ، والنقية ، والخليطة .
والسؤال : هل يجوز المضاربة اليومية في جميع الأسهم المذكورة ، أم في النقية فقط ، أرجو من فضيلتكم توضيح ذلك .
الشيخ :
الفتوى التي نشرتها تتضمن ثلاث أنواع من الشركات .(1/23)
شركات محرمة : هذه لا تجوز المضاربة فيها ولا الاستثمار فيها ، فلا يجوز الدخول فيها لا على سبيل المضاربة يعني البيع والشراء ، ولا على سبيل الاستثمار، بمعنى أن الشخص يأخذ أرباح من تلك الشركة.
والنوع الثاني : الشركات النقية ، التي ليس فيها أي معاملة محرمة . هذه تجوز المضاربة فيها ، والاستثمار كذلك .
والنوع الثالث : الشركات المختلطة : التي يكون أصل نشاطها مباح ، لكن قد يكون فيها بعض المعاملات المحرمة الطارئة ، فهذه من حيث الأصل يجوز المضاربة فيها والاستثمار ، ولكن إذا أخذ شيئًا من الأرباح التي توزعها الشركة يلزمه أن يتخلص نسبة العائد المحرم الذي في تلك الشركة ، والذي ينبغي ألا يزيد عما هو يسير في العرف ، يجب أن يتخلص منه ، ولا يدخل في شيء من أمواله .
أما المضارب الذي يبيع ، ويشتري فهذا في الحقيقة لم يدخل إلى ماله شيء من المعاملات المحرمة ، فلا يلزمه تقدير شيء تلك المكاسب .
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا ، وبارك الله فيكم ، وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ :
بارك الله فيكم .(1/24)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملًا يا حي يا قيوم.
أما بعدُ ؛ نستكمل أيها الإخوة والأخوات الحديث عن المعاملات المصرفية .
وقلنا : إن الأعمال المصرفية تنقسم إلى ثلاث مجموعات المجموعة :
المجموعة الأولى : هي مجموعة الخدمات المصرفية .
قلنا الأعمال المصرفية وهنا الخدمات المصرفية ، ففي فرق بينهما ؟
الأعمال المصرفية تشمل جميع الخدمات التي يقدمها البنك وهنا اسم أخص وهو : الخدمات .
المجموعة الثانية : مجموعة الخدمات الائتمانية .
والمجموعة الثالثة : هي مجموعة الخدمات الاستثمارية.
وقلنا إن البنك يقوم بدور وساطي ، يتلقى الأموال ويضخها ، فهو وسيط يتلقى الأموال عن طريق الخدمات المصرفية ثم يضخها أو يقوم بالتمويل للأفراد والشركات عن طريق الخدمات الائتمانية ؛ ولذلك نقول : إن البنوك تحَتكر تقديم هاتين المجموعتين من الخدمات ؛ الخدمات المصرفية والخدمات الائتمانية ، فلا تستطيع أي شركة أو مؤسسة - إن لم تكن بنك - أن تقدم هذه الخدمات .
بينما النوع الثالث من الخدمات وهي الخدمات الاستثمارية ، فهي خدمات تكميلية لأعمال البنك وليست أساسية فيه ، ولذلك نجد كثيرًا من المؤسسات والشركات تؤدي نفس الدور الذي يقوم به البنك بالخدمات الاستثمارية .
فنبدأ أولًا في الحديث عن : مجموعة الخدمات المصرفية :
فنقول : إن مجموعة الخدمات المصرفية يراد بها : تلك الخدمات المتعلقة بالنقود وأعمال الصيرفة الاعتيادية .(1/25)
يعني : الأعمال المباشرة التي تتعلق بالنقود كالودائع ، والِحوالات صرف النقود الشيكات ونحو ذلك إذًا هذه هي الخدمات المصرفية والخدمات المصرفية لا يحتاج فيها المصرف إلى أن يدرس العميل ائتمانيًّا وإنما يقدم هذه الخدمة في الغالب لجميع العملاء من يثق به ومن لم يثق به لماذا ؟ لأنها لا تحتاج إلى نوع من الثقة بين البنك والعميل هي خدمة مباشرة يقدمها البنك ويستوفي الرسوم أول ما يقدم تلك الخدمات فهي ليست مبنية على نوع من الائتمان بخلاف الخدمات الائتمانية التي سيأتي الإشارة إليها لاحقًا .
البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية كلاهما يقدم هذا النوع من الخدمات - الخدمات المصرفية - وإذا قلنا البنوك التقليدية فنقصد بها البنوك التي تتعامل بالربا هذا اصطلاح درج عليه كثير من الباحثين يسمون البنوك الربوية البنوك التقليدية لأن البنوك أول ما ظهرت لم تكن تعرف إلا نظام الفائدة ثم بدأت تظهر فكرة البنوك الإسلامية التي بدأت تزاحم البنوك الربوية فلذلك أطلق على البنوك الأولى - البنوك التي استمرت على نهجها الأول - أطلق عليها " البنوك التقليدية " .
يعني : أنها لم تتحول عن وضعها السابق بينما البنوك التي أخذت الطريقة الإسلامية سميت " البنوك الإسلامية " .
نبدأ أو نشرع في الحديث عن هذه الخدمات المصرفية ، قلنا : إنَّ الخدمات المصرفية متعددة وأبرزها ثماني خدمات أول هذه الخدمات هي "الحسابات المصرفية "
يعني : أن المصرف يتيح لعملائه أن يفتحوا حسابات لديه .
وهذه الحسابات المصرفية على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : الحسابات أو الودائع الجارية أو التي تسمى تحت الطلب هي إما أن تسمى حسابات أو تسمى ودائع فالتسمية واحدة وإما أن يقال جارية أو تحت الطلب .(1/26)
يقصد بهذا النوع من الحسابات : أي المبالغ التي يودعها أصحابها لدى البنوك وتكون هذه المبالغ حاضرة التداول وتحت طلب العاملين في أي لحظة متى ما أرادها العميل يستطيع أن يسحب من رصيده تسمى هذه الحسابات " الحسابات الجارية " بمعنى أنها غير ثابتة وإنما هي متحركة ومن هنا سميت جارية كما أنها سميت تحت الطلب لأنها جاهزة في أي لحظة يريدها العميل يستطيع أن يسحب من تلك الحسابات سواء كان في نفس البلد - بلد المصرف - وساء كان في بلد آخر وسواء جاء في الليل أو في النهار حتى عن طريق الصراف يستطيع أن يأتي في الساعة الثانية ليلًا ويسحب من رصيده ولذا سميت تحت الطلب يعني جاهزة في أي لحظة يستطيع أن يَسْحَب .
اختلف الباحثون المعاصرون في التكييف الشرعي لهذا النوع من الحسابات وهنا اتجاهان :
الاتجاه الأول : من الباحثين المعاصرين من يرى أن هذا النوع من الحسابات ما هو إلا ودائع يكيفه على أنه وديعة وِفق أحكام الوديعة المعروفة شرعًا ، وممن ذهب إلى هذا القول الدكتور حسن الأمين في كتابه الودائع المصرفية ، واستند إلى هذا القول في أن العميل أصلًا ما وضع هذه الأموال لدى البنوك إلا بقصد حفظها يريد أن يحفظها وهذا هو المقصود من عقد الوديعة شرعًا فبناءً على ذلك قال إن هذه الودائع والحسابات تُكَيَّف على أنها ماذا؟ على ودائع حقيقية التي يسميها الفقهاء الأمانات ؛ هذا هو ما ذهب إليه الدكتور حسن .
وهناك اتجاه آخر : وهو ما عليه المجامع الفقهية وعامة هيئات الفتوى المعاصرة ، وأكثر الباحثين المعاصرين : يكيفون هذا النوع من الحسابات على أنه قروض على أن العميل مُقْرِض والبنك مُقْتَرِض ويقولون إن تسمية هذه الحسابات بالودائع لا يغير من حقيقتها الشرعية شيئًا ؛ لأن القاعدة الشرعية في المعاملات أن العبرة في العقود بأي شيء؟ بالحقائق والمعاني أم بالألفاظ والمباني بأيهما؟(1/27)
- بالحقائق والمعاني فإذا كانت تنطبق على العقد صفات القرض فهو قرض وإن سمي ماذا ؟ وديعة .
قالوا : والقرض شرعًا يختلف عن الوديعة في ثلاثة أمور :
الأمر الأول : في القرض الآخذ الذي يأخذ المال يضمن ذلك المال على كل حال يده يد ماذا ؟ ضمان فهو يضمن المال على كل حال سواء تلف هذا المال بِتَعدٍ منه أو تفريط أو لم يكن بتعد منه أو تفريط فهو يضمنه في كل حال هذا بالنسبة للقرض .
بينما الوديعة : المودَع الذي يأخذ المال يده يد ماذا؟ يده يد أمانة فهو لا يضمن إلا في حال التعدي أو التفريط وهذا هو الفرق بين يد الأمانة ويد الضمان .
يد الضمان : تضمن على كل حال لو أن شخصًا أخذ مالًا ويده يد ضمان كالمقترِض مثلًا شخص اقترض مالًا من آخر عشرة آلاف ريال أول ما أخذها وضعها في صندوق أمين وفي حرز ؛ مكان يحفظ فيه عادة ، ثم حصل حريق في البيت مثلًا واحترقت هذه النقود هل يضمن المقترض هذه الأموال للمقرض ؟ نسأل الآن هل يده يد ضمان أو يد أمانة ؟ يده يد ضمان ، مقترِض هو الآن ، هو أخذها قرضًا ، جئتَ استلفت من شخص قرضًا ، مبلغًا من المال. نقول: استلف قرضًا ؟ المقترِض يده يد ضمان بمعنى أنه يضمن المال في أية حال فلو تلف هذا المال بتعد منه أو تفريط أو بغير تعد منه ولا تفريط فإنه يضمنه . وعلى هذا لو احترق هذا المال نقول : وإن لم يكن منك تعد ولا تفريط فإنك ماذا ؟ تضمنه .
بخلاف المودَع: لو جاء شخص وأعطاك عشرة آلاف ريال وديعة لتحفظها ووضعتها في حرز مثلها، وأَمَّنْتَ عليها - وضعتها في مكان أمين - ثم سُرقت هذه الأموال أو احترقت بغير تعد منك ولا تفريط فهل يضمن المودَع ؟ لا يضمن . لا يضمن إلا في حال التعدي أو التفريط .
التعدي : أن يفعل ما لا يجوز له شرعًا كيف يفعل ما لا يجوز له شرعًا ؟ يعطى وديعة مثلًا لنفرض أنه أعطي وديعة ساعة يحفظها ثم أخذ هذه وبدأ يتجمل بها أمام الناس ، وصاحبها لم يأذن بذلك .(1/28)
نقول : في هذه الحال لو فقدت هذه الساعة أو تلفت أو سرقت أو ضاعت أو صار لها أي شيء فإنك تضمنها لأنك متعد .
والتفريط : أن يترك شيئًا يجب عليه شرعًا مثلًا أعطي الساعة ليحفظها فلم يضع الساعة في حرز مثلها - مثلًا ساعة ثمينة جدًّا - ووضعها في السيارة على (الطُّبْلُون) ثم جاء شخص رأى هذه الساعة ففتح النافذة وسرق تلك الساعة .
نقول : في هذه الحال هل يضمن المودَع ؟ يضمن تلك الساعة لصاحبها لأنه فرط في حفظها .
إذًا الفارق الأول بين القرض والوديعة أن المقترض ماذا؟ يده يد ضمان بخلاف المودع فإن يده يد أمانة . هذا الفارق الأول .
الفارق الثاني : بين عقدي القرض وعقد الوديعة : أنه في عقد القرض الآخذ قد أذن له باستعمال القرض قد أذن له باستعماله فهو يأخذ المال لينتفع به ولهذا الفقهاء يعرفون القرض بأنه دفع مالٍ إرفاقًا لمن ينتفع به ويرد بدله .
فالمقصود من عقد القرض أن ينتفع المقترض بينما في الوديعة الأصل أن المودع ماذا؟ لا يُؤذَن له باستعمال الوديعة فإنه إنما أعطي الوديعة لماذا ؟ ليحفظها إذًا هذا هو الفارق الثاني .
الفارق الثالث : أن محل القرض يكون في الأشياء التي تستهلك باستعمالها يعني عند استعمالها تفنى تلك الأشياء مثل مواد الغذاء -المأكولات مثلًا- ، مثل النقود كذلك تستهلك باستعمالها لأن الشخص الذي يريد أن يستعمل الريالات يصرفها مباشرة تستهلك ، بينما الوديعة محلها في الأشياء التي تبقى مع استعمالها وإنما تحفظ هذا من حيث الأصل لكن قد تكون في أشياء تستهلك لكن القرض لا يكون إلا في الأشياء التي تستهلك .
فالآن هذه الفوارق الثلاثة نطبق هذه الأمور الثلاثة على عقد الوديعة المصرفية :(1/29)
الأمر الأول : إذا نظرنا في الحسابات الجارية نجد أن البنك أولًا يضمن المال المودع في الحسابات الجارية على أية حال فيده يد ضمان ، ولذلك تجد في أي عقد للحساب الجاري تجد مكتوب في نفس العقد أن البنك يضمن تلك الحسابات فيده يد ضمان .
الأمر الثاني : أن البنك قد أذن له باستعمال الأموال المودعة قد أذن له باستعمالها وكل واحد يودع أمواله في الحسابات الجارية قد أذن إما لفظًا أو كتابةً أو عُرْفًا للبنك بأن يستعملها والبنك أصلًا ما فتح الحسابات الجارية للناس تبرعًا وإرفاقًا بهم وإنما ليستغلها لنفسه ويستثمرها في مجالات الاستثمار المتعددة لديه .
فلذلك نقول: إن البنك أولًا يضمنها وثانيًا يستثمرها وثالثًا الآن النقود هل هي تستهلك بالاستعمال أو لا تستهلك ؟ هي تستهلك بالاستعمال إذًا إذا نظرنا إلى هذه الأمور الثلاثة تَحَدَد لنا أو تبين لنا أن العقد في الحقيقة هو عقد ماذا ؟ قرض وليس عقد وديعة وإن سمي وديعة جارية .
وتسميته وديعة : في الحقيقة إنما جاء لأن هذه الأموال أول ما ظهرت فكرتها إنما كانت عن طريق الودائع كما قلنا بالأمس أن الصيارفة يكون لهم مناضد وطاولات يأتون الناسُ ويودعون عندهم السبائك من الذهب والدنانير والدراهم ونحو ذلك ويعطونهم إيصالات على ذلك فكانوا يسمونها في البداية ودائع فمن هنا استمرت هذه التسمية ، تسميتها بالوديعة وإلا فالتسمية الحقيقية الشرعية لهذه الأموال -الحسابات الجارية- أنها قروض .
لكن من هو المقرض ومن هو المقترض؟ العميل هو المقرض والبنك هو المقترض .
بناءً على هذا التكييف يترتب عدة أمور :
الأمر الأول : أن يد البنك يد ضمان فهو يضمن تلك الأموال على أية حال سواء فرط أو تعدى أو لم يفرط ولم يتعد .
الأمر الثاني : أنه لا يجوز للبنك أن يعطي العميل فوائد على تلك الحسابات لماذا ؟ لأنه إن أعطاه فائدة فهذا يدخل في ربا القروض ، يكون من ربا القروض فلذلك لا يجوز .(1/30)
الأمر الثالث : نأتي إلى ما يعرف بالهدايا ؛ الهدايا التي يقدمها البنك لعملائه من المعروف أن البنوك تقدم هدايا لعملائها كل فترة تعطيهم أحيانًا ساعات وأحيانًا تعطيهم أقلامًا وأحيانًا تعطيهم مشالح وأحيانًا تعطيهم كمبيوترات إلى غير ذلك .
فما الحكم الشرعي لتلك الهدايا ؟
- نقول الهدايا التي يقدمها البنك لعملائه على نوعين :
النوع الأول : الهدايا التي تكون من قبيل التسويق والدعاية للبنك بحيث إن البنك يقدم تلك الهدايا لجميع الناس سواء من كان لهم حسابات جارية أو من لم يكن لهم حسابات جارية ولا يراعي البنك عند تقديمه لتلك الهدية لا ينظر إلى رصيد العميل أحيانًا يضع مثلًا أقلام على أَرْفُف في البنك من دخل البنك فإنه يأخذ من هذه الأقلام أحيانً يوزع تقاويم لجميع الناس كنوع من الدعاية والتسويق للبنك فقبول مثل هذه الهدايا جائز ولا يترتب عليه محظور شرعي ولا يعد من القرض بفائدة .
النوع الثاني : من الهدايا الهدايا الخاصة بأصحاب الحسابات الجارية والتي يراعى فيها رصيد العميل فإذا كان رصيد العميل كبيرًا أعطي هدية جَزِلة وإذا كان رصيد العميل قليلًا أعطي هدية خفيفة على قدر رصيده فهذا النوع من الهدايا هو في الحقيقة له حكم هدية المقرض للمقترض أم المقترض للمقرض ؟ هدية المقترض للمقرض ؛ لأن البنك هو المقترض والفقهاء تكلموا عن هدية المقترض للمقرض قبل السداد لاحظ الآن البنك إلى الآن لم يسدد للعميل لأنه ما دام للعميل حساب لدى البنك فما زال مدينًا للبنك فهو في ذمته ما زال مدينًا للعميل فالبنك في ذمته للعميل ذلك القرض ، فما دام الحساب مفتوحًا فهو ما زال مقترضًا ، وقد ذهب عامة الفقهاء إلى تحريم إهداء المقترض للمقرض قبل السداد إلا أَنْ يحتسبها من دينه وهذا لا يكون في الحسابات الجارية .(1/31)
لا يجوز للمقترض أن يهدي المقرض قبل أن يسدد لماذا؟ لشبهة المحاباة في ذلك لأنه قد يقصد من ذلك المحاباة ولأن ذلك يؤدي إلى القرض بمنفعة لأن المقرض سيكون قد انتفع بذلك القرض وقد جاء في صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال لأبي بُرْدَةَ بْنِ أَبي موسى الأَشْعَري قال له : ?? إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ - يقصد أرض العراق - فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا ??.وذلك لأنه ذريعة أو قد يكون سببًا للزيادة في القرض .
إذًا هذا ما يتعلق بالهدايا المصرفية .
من الآثار المترتبة على التكييف السابق :
الحكم الشرعي للخدمات التي يقدمها البنك لعملائه أحيانًا .
يقدم البنك خدمات لا تعتبر هدايا وإنما كَنَوع مِنْ الخدمة التي تساعد العميل ، أو تسهل له الحصول ، أو الوصول إلى رصيده مثل أن يعطيه دفتر شيكات مجانًا .من المعلوم أن البنك يتكلف في إصدار الشيكات مبالغ فالبنك قد يتحمل تلك الرسوم ويبذل الشيكات مجانًا للعميل. أحيانًا يعطيه البطاقة المصرفية بطاقة الصراف العادية هذه يعطيها إياه مجانًا ، مع أن البنك يتحمل رسومًا لإصدارها أحيانًا يعطيه خدمة الإنترنت مجانًا أحيانًا يعطيه مواقف مميزة أمام البنك مجانًا فما حكم هذه الخدمات ؟
الأقرب والله أعلم أن هذه الخدمات ليست من الفائدة في القرض وأنها جائزة لماذا؟
- لأنها في الحقيقة تسهل للعميل الوصول إلى حقه فهو يستحق أن يصل إلى ماله فأي خدمة يقدمها البنك لِعَمِيلِهِ ليسهل له الوصول إلى رصيده فهذه الخدمة جائزة ، مثل ما قلنا: دفتر الشيكات بطاقة الصراف مجانًا أو يعطيه خدمة الإنترنت مجانًا أو يعطيه مثلًا مواقف أمام البنك مجانًا ونحو ذلك من الخدمات .
إذًا هذا ما يتعلق بالحسابات الجارية هذا هو النوع الأول من أنواع الحسابات المصرفية.(1/32)
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثاني من أنواع الحسابات المصرفية وهي "حسابات التوفير " .
حسابات التوفير ، أو ما يعرف بودائع التوفير ، ويطلق عليها في بعض البنوك "الودائع الادخارية" هذه الودائع هي مبالغ مودَعة لدى المَصْرَف أو لدى البنك طبعًا إذا قلنا مصرف أو بنك كلاهما بمعنى واحد مثل ما قلنا بِدَرس الأمس إنَّ كلمة "مَصْرَف" هي الترجمة لكلمة " بنك" وأصلها كلمة إيطالية (بنكو) بمعنى الطاولة فسواءً قلنا مصرف ، أو بنك فالمعنى واحد وليس هناك أي فرق بين كلمة مصارف أو بنوك وتسمية هذه المؤسسة بنك أو مصرِفًا هذه تسمية اصطلاحية لا يترتب عليها أي أثر أو حكم شرعي لأن نظام البنوك كنظام المصارف الطريقة فيهما واحدة .
فنقول النوع الثاني من الودائع أو الحسابات المصرفية هي ودائع التوفير أو الودائع الادخارية .
هذه الودائع هي عبارة عن : مبالغ مودعة في المصرف لحساب العملاء ، أو المستفيدين إلا أن العميل ، أو المودع يتخلى عن استخدام تلك المبالغ لفترة مِنْ الزمن لا يحتاج تلك المبالغ ، وفي مقابل ذلك يدخل في برنامج ادخاري لدى البنك بحيث إِنَّ البنك يَقُوم بِاستثمار تلك الأموال له ، ويعطيه أرباحًا أو فوائد يسيرة جدًّا على هذه المبالغ .
لكن لاحظوا .. هذه المبالغ هي أيضًا تحت الطلب يستطيع في أي لحظة أن يأخذ منها لكن البنوك عادة إذا بدأ العميل يأخذ من تلك المبالغ من حسابات التوفير يحسب له الأرباح أو الفوائد على أقل رصيد كيف على أقل رصيد ؟
- لنفرض أنه في أول الشهر أودع عشرة آلاف ريال وبقي عشرة آلاف ريال أسبوعين ثلاثة أسابيع ثم في يوم مثلًا التاسع عشر من الشهر سحب من العشر آلاف ريال تسعة آلاف ريال ليوم واحد فقط يسدد شيئًا عليه سدده ثم أعطي له تسعة آلاف ريال وأودعه مرة أخرى في البنك أخرجها ليوم واحد فقط تسعة آلاف ريال ثم أودعها من الغد فأصبح عنده الآن من اليوم العشرين أصبح عنده كم ؟(1/33)
- عشرة آلاف لأنه أودع تسعة آلاف مرة أخرى ولنفرض أنه في اليوم الحادي والعشرين أو الثاني والعشرين جاءته أموال زيادة مكاسب مثلًا وَضَعَ عشرين ألفًا أو ثلاثين ألفًا في اليوم الثلاثين إذا أراد البنك أن يحاسبه على تلك الأموال المودَعة على كم سيحاسبه ؟
- على أقل رصيد أقل رصيد ، على الألف ولذلك دائمًا أغلب البنوك تسير على الحساب على أدنى رصيد .
يعني : يقولون ننظر كم أدنى رصيد لك ونعطيك ربحًا أو فائدة ع ليه خلال تلك المدة التي بقيت.
هذا ما يعرف بودائع التوفير لكن ودائع التوفير هي تشبه الحسابات الجارية أو الودائع الجارية بأنها قابلة للسحب في أي وقت .
النوع الثالث - من الحسابات المصرفية أو الودائع المصرفية - هي " الودائع الآجلة " .
وتسمى في بعض البنوك بـ "ودائع الاستثمار" .
الودائع الآجلة هي ودائع مرتبطة بأجل لا يحق لصاحب الوديعة أن يسحبها في أي وقت حتى يمضي الأجل المتفق عليه بينه وبين البنك .
قد يكون الأجل ثلاثة أشهر ، ستة أشهر ، تسعة أشهر ، سنة .. ، إذا مضت تلك المدة يستطيع أن يسحب رصيده وأحيانًا تكون هذه الودائع إخطارًا ما معنى إخطار؟
- يعني بإشعار أو بإعلام يعني لا يحدد أجل وإنما يقال للعميل إذا أردت أن تسحب من رصيدك فعليك أن تشعر البنك قبل السحب بأسبوع على الأقل هذه تسمى ودائع بإخطار وهي من أنواع الودائع لأََجل كذلك هذا ما يتعلق بالنوع الثالث من أنواع الحسابات أو الودائع البنكية .
التكييف الشرعي للنوعين الثاني ، والثالث: الودائع الادخارية ، والودائع لأجل:
نقول : إِنَّ التكييف الشرعي لهذين النوعين يختلف بحسب طبيعة العقد والعلاقة بين البنك والعميل ، وهنا يفرق بين حالين :
الحالة الأولى : إذا كان البنك يضمن للعميل الوديعة بكاملها أو يضمن له جزءًا منها أو يضمن له الوديعة وربحًا معلومًا عليها فالعلاقة بينهما تعتبر ماذا؟ مضاربة أو قرض ؟.(1/34)
- قرض لأن البنك قد ضمنه فهو بما أنه قد ضمن فإنه يعتبر مقترضًا وعلى هذا إذا كانت العلاقة قرضًا فهذه الودائع تكون "محرمة " ؛ لأن المقرض الآن - العميل - سيأخذ فوائد مقابل هذا القرض فهي محرمة لأن العلاقة الآن تُكيف على أنها قرض وهذا هو المطبق في البنوك التقليدية يسمونها الودائع لأجَل ، أو ودائع التوفير ، أو الودائع الادخارية ويعطون أصحاب هذه الودائع فوائد .
فالعلاقة التي تحكم الطرفين هنا هي علاقة قرضية لأن البنك يضمن لهم ماذا؟ رأس المال أو يضمن لهم أحيانًا يقول خمسة وتسعين بالمائة من رأس المال على أية حال سواء ضمن رأس المال كله أو جزءًا منه فالعلاقة تعتبر قرضًا ولا يجوز أخذ فائدة عليها .
الحالة الثانية : ما إذا كان البنك لا يضمن رأس المال ولا جزءًا منه ولا يضمن للعميل ربحًا وإنما يقول نستثمر لك الأموال - هذه المودَعة - فإن تحقق شيء من الأرباح فلك مثلًا عشرة بالمائة من تلك الأرباح وللبنك تسعون بالمائة منها فالعلاقة الآن بينهما هي علاقة مشاركة أي مضاربة فالبنك في الحقيقة أصبح ماذا ؟ عاملًا في عقد المضاربة والعميل هو رب المال فالعقد بينهما عقد مضاربة وعلى هذا فالربح أو الزيادة التي يأخذها العميل في مثل هذه الودائع جائزة ؛ لأنها من أرباح الشركات والأصل في عقود الشركات هو الحل .
ومن هنا يتبين لنا الفرق بين عقد القرض وعقد المضاربة .
قبل قليل عرفنا الفرق بين عقد القرض وعقد الوديعة هنا نعرف الفرق بين عقد القرض وعقد المضاربة ، مَنْ يستطيع أن يستنبط الفرق بينهما من خلال ما سبق ؟ ما بين عقد القرض وعقد المضاربة .
لاحظوا : في القرض ، والمضاربة كلاهما فيهما رب مال وآخذ .(1/35)
صاحب مال يعطي آخذًا يعني المقرض ورب المال في المضاربة كلاهما عنده المال فيعطيه الطرف الآخذ والآخذ في كلا العقدين في المضاربة وفي القرض قد أُذِنَ له بأي شيء ؟ قد أُذن له باستثمار المال . إذًا ما الفرق بينهما والفارق بينهما شديد جدًّا يلتبس على بعض الباحثين ؟
في القرض الآخذ - الذي هو المقترض - يضمن للمقرض ماله ، ومن هنا أصبح أي زيادة فيه محرمة ؛ لأنها من القرض بفائدة .
بينما في المضاربة : العامل لا يضمن لرب المال سلامة رأس المال فهو يستثمر هذا المال قد يربح وقد يخسر وهذا هو الفرق بينهما .
البنوك عادةً تُصْدِر لهذه الحسابات ؛ الحسابات الادخارية أو الحسابات الآجلة ، تصدر شهادات تسمى " شهادات استثمار " .
ما الحكم الشرعي لهذه الشهادات ؟
نقول : الحكم الشرعي لهذه الشهادات ينبني على نوع الوديعة الادخارية ، أو الوديعة الاستثمارية فإن كانت الوديعة على شكل مضاربة فهي جائزة وإن كانت على شكل قرض فهي محرمة وإن سميت شهادة استثمارية .
الآن تلاحظون في البنوك الربوية يعطون شهادات في عقود قروض ما يسمونها شهادات قروض وإنما يسمونها " شهادات استثمار " يقولون :شهادات استثمار ؛ كنوع تسويق حتى لا ينفر الناس من هذه التسمية كما أنهم يسمون الربا الذي في البنوك ماذا يسمونه ربًا ، يقولون : فوائد .
وهذا نوع من التلبيس في المصطلحات ، وفي الحقيقة من المهم جدًّا أن ننتبه للحقائق حقائق العقود وحقائق الأشياء وألا نَغْتَر بالمصطلحات فتسميتها فائدة لا يغير من حقيقتها الشرعية شيئًا وتسميتها مثلًا شهادة استثمارية لا ينقلها من كونها قرضًا وهكذا .
إذًا هذا ما يتعلق بالخدمة الأولى من الخدمات المصرفية وهي الحسابات المصرفية .
نوجزها بشكل سريع :
نقول: إن الحسابات المصرفية على ثلاثة أنواع هي:
النوع الأول : الحسابات الجارية .
وما التكييف الشرعي للحسابات الجارية ؟(1/36)
أنها قروض . طبعًا الحسابات الجارية من حيث الأصل أنها جائزة ، ما في أي شيء.
النوع الثاني : حسابات التوفير.
وما التكييف الشرعي لها ؛ حسابات التوفير؟
قد تكون مضاربة ، وقد تكون قرضًا ، فإن كان البنك يضمن للعميل أو للمودِع رأس ماله فيها فهي محرمة ، وإن لم يكن يضمن فهي جائزة .
والنوع الثالث : الودائع الاستثمارية أو الودائع لأَجَل ، وحكمها كحكم الودائع الادخارية .
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثاني من الخدمات التي تُقَدِّمها البنوك وهي " الحوالات المصرفية "
يُقْصَد بالحوالات المصرفية أي : إجراء التحويلات النقدية الداخلية والخارجية ، البنك يقوم بنقل النقود للعميل .
والحوالات المصرفية على نوعين :
1- الحوالات المُبْرَقة ، أو التي تسمى (السويفت).
2- الشيكات المصرفية .
النوع الأول ، وهو الحوالات المبرقة ففيها يقوم العميل بتوكيل البنك بأن يحول مبلغًا من المال إلى حساب آخر لدى بنك آخر في نفس الدولة ، أو في دولة أخرى ليقوم العميل باستيفائه من ذلك الحساب بنفسه أو يستوفيه غيره هناك .(1/37)
تفصيل المسألة : مثلًا يأتي شخص معه ألف دولار إلى أحد البنوك بالرياض مثلًا ويقول لهذا البنك : أطلب منك أن تحول هذه الألف دولار إلى حساب لي في بنك مثلًا في مصر ، أو إلى حساب لي في بنك مثلًا في أمريكا ، أو إلى حساب لي مثلًا في بنك في الأردن ونحو ذلك . فالبنك يقوم بعملية التحويل هذه برقيًّا أو إلكترونيًّا أو عن طريق الإنترنت أو هاتفيًّا ينقل هذه النقود عن طريق الحسابات عن طريق ما يُعرف بـ ( السويفت) تمر عبر آلية من خلال البنوك البنوك فيما بينها يعني هناك بنوك بنك محلي البنك الذي سينقل لك النقود الذي في الرياض وهناك بنك آخر في البلد التي ستحول إليه النقود يسمى البنك الآخر " البنك المراسل " كل بنك يكون له اتفاقيات مع عشرات البنوك المراسِلة في دول العالم من أجل عمليات التحويل هذه ، لنفرض شركة " الراجحي " مثلًا لها بنك مراسل في الأردن معروف فإذا جاء شخص مثلًا يريد أن يحول مبلغًا من المال إلى الأردن مباشرة يُسَلِمه لشركة " الراجحي" وشركة "الراجحي" ترسل (سويفت) أو برقية إلى البنك المراسل في الأردن بأن أودعوا في حساب ذلك الشخص أو في الحساب المسجل الذي يدون العميل عند تقديم طلب الحَوالة أودعوا هذا المبلغ من المال بحيث يستطيع أن يسحبه هو أو الشخص المستفيد الذي دُون في الحوالة . هذه تسمى الحوالات المبرقة أو (السويفت).
النوع الثاني من الحوالات المصرفية هي الشيكات المصرفية وهي أوامر بالدفع صادرة من المصرف المحيل إلى المصرف المحال عليه بناءً على طلب العميل بحيث يتسلم العميل الشيك ويستطيع أن يصرفه بنفسه أو يصرفه المستفيد بنفسه من البنك المحال عليه .(1/38)
مثال ذلك : شخص تقدم إلى بنك في الرياض ومعه ألف دولار قال أريد أن أحول هذا المبلغ - الألف دولار - إلى (د: 35.10) لكن قال ما أريد أن تكون الحوالة مبرقة أريد شيك دولي مُصَدَّق أو شيك مصرفي تسلمونني بهذا المبلغ فيأتي البنك يحرر له شيك بمبلغ ألف دولار يأخذ منه الألف دولار ويحرر له شيكًا مصرفيًّا بقيمة ألف دولار بحيث يستطيع هذا المستفيد الذي سُجل اسمه على الشيك يأخذ هذا الشيك ويذهب مثلًا إلى مصر بنفسه أو يرسل الشيك مثلًا عن طريق البريد للشخص المستفيد مثلًا المسجل بالشيك ويصرف هذا الشيك من البنك الذي في مصر .
إلى هنا فرق بين طريقة التحويل هذه والطريقة الأولى فالطريقة الأولى التحويل يكون عن طريق البنوك عن طريق (السويفت) أما هنا فالتحويل يكون عن طريق ماذا ؟ الشيكات يعني يكون الشيك بيد العميل والبنوك عادة تتيح الخدمتين كليهما أو الطريقتين كليهما إذا أراد العميل حوالة عن طريق (السويفت) أو إذا أراد حوالة عن طريق الشيكات .
البنوك تقدم هذه الخدمات تبرعًا وإحسانًا للناس أم أنها ستأخذ شيئًا؟
قطعًا، البنك معروف أنه مؤسسة تمتص الأموال وهي لا تجد أي فرصة تستطيع أن تأخذ فيها الأموال من العميل إلا وأخذت منه الأموال بعلم من العميل أو بدون علم ، كم من الأموال التي يأخذها البنوك والعملاء لا يدركون ذلك . كيف ذلك ؟! والغالب يكون هذا عن طريق الصرف - صرف النقود - يعني من دولارات مثلًا إلى ريالات يُجْري عملية الصرف ويربح فيها أو أحيانًا يكون مثلًا من الروبية إلى الريال يجري عملية الصرف ويربح فيها والعميل يظن أن البنك قد أحسن إليه وأنه لم يربح يقول كيف ما أخذ أي رسوم على تلك العملية ؟! وهو في الحقيقة قد أخذ مقابل عملية الصرف.
نقول : إن البنك له ثلاثة أنواع من العوائد التي يحسبها في عمليات التحويل :(1/39)
النوع الأول من العوائد : هي عمولة يستحقها المصرف على هذه العملية فهو في العادة يستحق عمولة على عملية التحويل أحيانًا تكون هذه العمولة مبلغًا ثابتًا فيقول عند كل عملية تحويل مثلًا ستين ريالًا وأحيانًا تكون بنسبة من المبلغ المُحَوَّل ، فيقول : آخذ عن كل مبلغ يحول آخذ واحدًا مثلًا بالمائة من ذلك المبلغ المُحَوَّل .
النوع الثاني من العوائد : مصاريف الاتصالات والمراسلات لأن هناك بنك مراسل له وهناك اتصالات سيجريها البنك فيأخذ أيضًا تلك المصاريف .
النوع الثالث من العوائد : أجور تحويل المبلغ المرسل لأنه في استخدامه الشبكة الدولية لتحويل تلك النقود هناك أجور يدفعها للبنوك الوسيطة في هذه العملية فكل هذه العوائد البنك لن يتحملها بنفسه وإنما سيحملها على العميل طالب التحويل.
نأتي الآن إلى التكييف الشرعي للحوالات المصرفية .
نحن قسمنا الحوالات المصرفية إلى قسمين .
2 - الشيكات المصرفية . ... 1 - الحوالات المبرقة .
فنبدأ أولًا : بالحوالات المبرقة وكما قلنا الحوالات المبرقة يأتي شخص إلى البنك ويعطيه مبلغًا من المال ليقوم البنك بتحويل تلك الأموال إلى حساب آخر في بنك في دولة أخرى .
اختلف الباحثون المعاصرون في التكييف الشرعي للحوالات المصرفية ولهم في ذلك ثلاثة أقوال :
القول الأول : تخريجها على عقد الحَوالة قالوا إن هذه الحوالة المصرفية هي نفس الحوالة المعروفة في الفقه الإسلامي ما هي الحوالة المعروفة في الفقه الإسلامي ؟ ماذا تُعَرَّف ؟ الحوالة في البيوع بأي شيء تُعرَّف ؟
الحَوالة شرعًا : نقل الدين من ذمة إلى أخرى يكون لزيد على عمرو ألف ريال ولعمرو على صالح ألف ريال فيقول عمرو لزيد أحلتك بدينك على صالح استوف دينك من صالح .
فهؤلاء قالوا : إن الحوالات المصرفية هي كذلك حوالة تُخَرَّج على أنها حوالة شرعية . كيف ذلك ؟(1/40)
قالوا إذا كان البنك المحلي له رصيد لدى البنك المراسِل فهو الآن دائن للبنك المراسل ولَّا لا ، إذا كان له رصيد حسابات جارية لدى البنك المراسل فهذه الحسابات كيفناها على أنها قروض ، ديون .
فإذا كان له دين عليه فهو الآن قد أحال العميل الذي يريد نقل النقود أَحَالَهُ على البنك المراسل الذي يطلب منه مبلغًا من المال هي حَوالة فالبنك الآن الذي سيحول النقود يعتبر "مُحِيلًا" والعميل "مُحَالًا" والبنك المراسل في البلد الآخر يسمى "مُحَالًا عليه" ، فقالوا : هذه هي أركان الحوالة.
اعْتُرِضَ على هذا التخريج فقيل : إِنَّ البنك المحلي أحيانًا ، قد لا يكون له حسابات لدى البنك المراسل ، يعني لا يكون له رصيد لدى البنك المراسل ، يعني ليست كل البنوك تحتفظ بأرصدة لدى البنوك المراسلة قد يحتفظ برصيد قليل لكن العميل أو العملاء سيحولون مبالغ كثيرة ، وهذا هو الغالب في البنوك إذًا ليس هناك دين للمُحَيل على المُحَال عليه .
أجابوا عن هذا الاعتراض فقالوا : إِنْ كان للبنك المحلي دين على البنك المراسل فهي حوالة علة مدين وهي جائزة باتفاق الفقهاء ، وإِنْ لم يكن للبنك المحلي رصيد لدى البنك المراسل فهي حوالة على غير مدين وهي جائزة عند الأحناف ؛ لأن الأحناف يقسمون الحوالة إلى قسمين حوالة على مدين وحوالة على غير مدين وكلاهما تعتبر حوالة عند الأحناف .واضح هذا الإشكال والجواب عليه .
اعتُرض بإشكال آخر أو باعتراض آخر قالوا : أحيانًا العميل أصلًا الذي يريد أن يُحَوِّل النقود لا يكون دائنًا للبنك ليس له رصيد لدى البنك آتي أنا إلى البنك - قبلُ لا يكون لي حساب لدى البنك - وأعطيه ألف دولار وأٌول : حول هذا البنك إلى ماذا ؟ إلى البنك الآخر ، فالآن ليس هناك ذمة أو ليس هناك دين بين المحال والمحيل .(1/41)
أجابوا عن هذا الاعتراض فقالوا : من الممكن أن تعتبر تلك النقود التي قدمها إذا أدخلها البنك في حسابه أن تعتبر تلك النقود دينًا للمُحَال على البنك الذي أحاله .
طبعًا هذا التخريج أو الجواب قد يكون فيه شيء من التَكَلُّف لأن الحوالة فيها دين مستقر أساسًا ما يُنشأ فيها الدين وإنما الدين موجود أساسًا .
ما الذي يترتب على هذا التخريج ؟ لو قلنا إنها حوالة حقيقية هل يترتب عليها شيء ؟
نقول : نعم . يترتب على ذلك شيء ، وهو: أنه لا يجوز للبنك أن يأخذ أي رسوم أو عمولات أو أَنْ يربح في عملية التحويل لماذا ؟ لأن عقد الحوالة شرعًا يقول عنه أهل العلم إنه من عقود الإرفاق التي لا يجوز أن يستربح فيها ولهذا كان من شروط صحة الحوالة " اتفاق الدينين المحال به والمحال عليه اتفاقهما في الجنس والقدر والصفة " فلو صح هذا التخريج وأن العمولة التي يأخذها البنك هي مقابل الحوالة لقلنا إن عمليات التحويل كلها التي تجريها البنوك محرمة لأنه ما من بنك حتى البنوك الإسلامية إلا ويأخذ عمولة على عملية التحويل .
هناك قول آخر في المسألة :
القول الآخر ، قالوا : نُخَرِّج هذا العقد على أنه قرض ووجه ذلك أن الشخص الذي جاء بالنقد إلى البنك يعتبر مقترضًا والوفاء - السداد - سيكون في بلد آخر البنك سيسدد له دينه في البلد الآخر وهذا النوع من القرض يسميه أهل العلم الفقهاء المتقدمون أطلقوا عليه اسم وهو (السُّفْتَجَة) ، السَّفاتِج كانت معروفة عندهم ، يأتي الشخص إلى الآخر فيقول : خذ هذا المال دينًا وأستوفيه منك مثلًا في العراق ويقول : أستوفيه منك مثلًا في مكة فيقرضه في العراق ويسدد له في مكة .
قالوا : هذه مثلها العميل الآن جاء وأقرض البنك أعطاه المبلغ واشترط عليه أن يكون السداد بدلًا من أن يكون في الرياض أن يكون مثلًا في مصر فجعلوا هذا من عقد القرض .(1/42)
هذا التخريج أيضًا عليه اعتراض أو إشكال : لأن - الحقيقة- العميل الذي جاء بالنقود للبنك هل من نيته أن يقرض البنك أم أن قصده نقل النقود ؟ هو في الحقيقة يقصد نقل النقود ولا يقصد إقراض البنك هذا من الاعتراضات التي أوردت على هذا القول .
هناك قول ثالث في المسألة وهو أن الحوالات المصرفية : تخرج على أنها نوع من الوكالة بأجر فالبنك في الحقيقة وكيل عن العميل بأجر في نقل النقود . والأجرة التي يأخذها البنك أو العمولة هي مقابل توكله في نقل النقود إذًا هذه ثلاثة أقوال في المسألة .
والذي يظهر لي والله أعلم أن هذه الأقوال لا تعارض بينها :وأن عملية التحويل - الحوالات المبرقة - تشتمل على حوالة وقرض ووكالة في نقل النقود وأن البنك المحلي الذي ينقل النقود أنه محيل ووكيل بأجر ومقترض .
لكن السؤال الآن : العمولة التي يأخذها البنك الآن هي مقابل أيٍّ من هذه المراسلات هل هي مقابل الحوالة ، أم أنها مقابل القرض ، أم أنها مقابل توكله في نقل النقود ؟
ننظر ؛ إن قلنا إنها مقابل الحوالة فهذا أمر مستبعد ، لماذا ؟ لأن الحوالة في الحقيقة هي عقد إرفاق بمَنْ - يعني في الشرع - بالمحيل أم بالمحال ؟ بالمثال السابق زيد وعمرو وصالح مَنْ هو الذي ارْتَفَقَ بالحوالة ؟ مَنْ هو الذي يرغب في الحوالة ؛ المحيل أو المحال أو المحال عليه ؟ مَنْ هو الذي يطلبها ويريدها ؟
- المحيل ابتداءً هو الذي يقول للمحال : أحلتك على فلان ، فهو عقد إرفاق بالمحيل .
الآن في الحوالة المصرفية من الذي يطلب الحوالة هل هو المحيل البنك أو المحال العميل ؟ المحال العميل فهي عقد إرفاق بالعميل ، فلذلك لا يصح أن نقول إن تلك العمولة هي مقابل عقد الإرفاق الذي هو في الحقيقة إرفاق بالعميل المحال وليس إرفاقًا بالمحيل .(1/43)
لو قلنا إنه قرض : هل هناك إشكال في أن يأخذ البنك عمولة مقابل هذا القرض هل في إشكال لو قلنا إنه قرض؟ هل تكون من القرض بفائدة ؟ هل في هذا محظور شرعي ؟
لو قلنا إن العملية عملية قرض . العميل أقرض البنك الآن هل يترتب على هذا التقريض محظور شرعي في أخذ البنك عمولة مقابل التحويل؟
لا ما يترتب عليها محظور ؛ لأن البنك الآن هو المقترض والمحرم شرعًا أن يأخذ المقرض على المقترض فائدة وليس العكس .
فالآن البنك مقترض فكونه يأخذ هذه العمولة لا إشكال فيه. والمحرم شرعًا هو الفائدة التي يأخذها المقرض .
فيبقى الاحتمال الثالث وهو أن العمولة التي يأخذها البنك هي في الحقيقة مقابل الوكالة وهذا هو الأقرب أن العمولة مقابل توكل البنك في نقل النقود إلى العميل ، [وأن هذه العمولات] تجوز شرعًا سواء كانت تلك العمولات بمبلغ مقطوع كأن يقول مثلًا ثلاثين ريالًا عن كل عملية تحويل أو كانت بالنسبة ؛ بنسبة من المبلغ المُحَوَّل ، لو قال عن كل مبلغ سأحوله سآخذ - مثلًا - نصف بالمائة من ذلك المبلغ كلاهما جائز شرعًا لأن هذه العمولة نقابل الوكالة ، والوكالة يجوز أن يأخذ عليها أجرًا بالنسبة ، أو بمبلغ ثابت .هذا ما يتعلق بالحوالات المبرقة .
ننتقل إلى التكييف الشرعي للنوع الثاني من الحوالات وهي الشيكات المصرفية .
كما قلنا الشيكات المصرفية العميل يقدم للبنك نقودًا والبنك يعطيه مقابل ذلك ماذا ؟ شيكًا مصرفيًّا .(1/44)
تُكَيَّف العلاقة هنا على أنها عقدُ قرض مبادلة نقد بنقد ؛ النقد الذي يقدمه العميل والشيك الذي يقدمه البنك ، فالعلاقة هنا صرف ؛ لأنه تذكرون لما تكلمنا في أول درس عن أنواع البيوع قلنا إِنَّ المبادلات التجارية قد تكون المبادلة مبادلة عَرَض بعَرَض أو مبادلة عَرَض بنقد أو مبادلة نقد بنقد ، فإذا كانت مبادلة نقد بنقد فهي تسمى الصرف ، فإذا كانت صرفًا فيشترط في هذه الحال أن تتحقق شروط الصرف وعلى هذا فإذا كان المبلغ الذي يقدمه العميل بنفس عُمْلَة الشيك المصرفي جاء العميل بألف دولار والبنك سيعطيه شيك بالدولارات فماذا يشترط الآن ؟
- يشترط شرطان :
الشرط الأول : التقابض في الحال .
والتقابض يتحقق بأن يسلم العميل البنك المبلغ تسليمًا فعليًّا في الحال ، من طرف العميل أن يسلمه تسليمًا فعليًّا ، أو يخصم من رصيده فورًا الآن ، أحيانًا ما يأتي العميل بالنقود وإنما يقول للبنك يكتب ورقة : اخصموا من رصيدي هذا المبلغ . بالخصم من الرصيد يتحقق تسليم البنك للعميل هنا العميل سلم للبنك النقود ، بقي الطرف الآخر يسلم النقود وهو البنك ، فما الذي سيسلمه البنك الآن ؟ الشيك يجب أن يتسلم العميل الشيك في نفس المكان بمعنى أنه لا يجوز أن يأتي الشخص إلى البنك ويعطيه مثلًا ألف دولار ويقول سآتي العصر وآخذ مثلًا الشيك .
نقول : لا ، هنا لم يتحقق التقابض لا بد وأنت في المكان تسلم النقود وتستلم الشيك أو تفوض البنك بالخصم من رصيدك ألف دولار مثلًا وتستلم الشيك في الحال حتى يتحقق التقابض الشرعي هذا الشرط الأول .
الشرط الثاني : لا بد من التساوي ، التماثل ، فإذا كان المبلغ الذي قدمه العميل ألف دولار فيجب أن يكون الشيك بألف دولار لا يزيد ولا ينقص ، لكن من المعلوم أن البنوك تأخذ أجورًا مقابل عملية إصدار الشيك .
فنقول : إن هذه الأجور التي يأخذها البنك جائزة بشرطين .(1/45)
الشرط الأول: أن تكون مبلغًا مقطوعًا ثابت لا يزيد بزيادة المبلغ المدون بالشيك .
الشرط الثاني: أن تكون هذه الأجور بقدر التكلفة الفعلية التي تكبدها البنك لإصدار الشيك ، فهو يستحق مثلًا أن يأخذ تلك الأجور لتغطية مصاريفه لإصدار الشيك أما أن يربح في عملية إصدار الشيك هنا فهذا لا يجوز .
هذا إذا كان المبلغ الذي قدمه العميل بنفس عملة المبلغ المدون بالشيك أما إذا اختلفت العملة لو جاء شخص بريالات ويريد شيك بدولارات فهنا مع اختلاف العملة ما الذي يشترط ؟
- يشترط شرط واحد ، وهو : التقابض في الحال . ولو اشترط التساوي .
بقي مسألة واحدة من مسائل الحوالات المصرفية وهي :
" اجتماع الصرف مع الحوالة في الحوالات المصرفية " .
إِذ مِنْ المعتاد أن الحوالة المصرفية تقترن بعملية صرف وذلك فيما إذا كان التحويل بعملة أخرى غير العملة التي جاء بها العميل .
وخذوا هذا المثال :
لو فرضنا أن زيدًا من الناس أتى بألف ريال إلى بنك في الرياض يريد أن يحول الألف ريال هذه إلى مصر لكن يريدها بالجنيهات ؛ أن تحول إلى مصر بالجنيهات ، فالآن عندنا طريقتان : إما أن يكون التحويل عن طريق الحوالات المبرقة أو يكون عن طريق الشيكات .
نبدأ بالاحتمال الأول : لو كان عن طريق الحوالات المبرقة : الآن بيد زيد ألف ريال ، يريد أن يحولها جنيهات إلى مصر لا يريد أن يحول ريالات ، وهذا معروف ، يعني في الغالب الواحد إذا أراد أن يحول على بلد آخر لن يحول ريالات ، البنك أولًا ماذا سيعمل قبل أن يحول الريالات ؟ سيجري عملية ؟ سيجري عملية صرف ، فالألف ريال سيصرفها ماذا ؟ جنيهات ، لنفرض أن الألف تعادل ثمانمائة جنيه والآن عندنا حوالة مبرقة ، سيجري البنك حوالة مبرقة ، فالآن زيد أعطى البنك ألف ريال ، البنك ماذا أعطى زيدًا في عملية الصرف ؟(1/46)
- ثمانمائة جنيه ؟! ما عنده البنك ثمانمائة جنيه ولا يتصور أو من النادر جدًّا أنم البنوك تحتفظ بعملات أخرى غير العملات الصعبة المشهورة ، حتى العملات المشهورة كالدولار ، واليورو يحتفظ بها البنك بقدر يسير أما الحوالات فهي أكثر بكثير من المبالغ والعملات لدى البنك .
البنك ماذا يعمل؟ الآن زيد أعطاه ألف ريال ، البنك لا يعطيه ثمانمائة جنيه وإنما يقيد في حسابه ماذا؟ ثمانمائة جنيه أجر عملية الصرف ، ثم بعد أن صرفها ثمانمائة جنيه يجري العملية الثانية وهي عملية ماذا ؟ التحويل ، فيحول كم ؟ ثمانمائة جنيه. هنا في إشكال شرعي ، ما هو الإشكال ؟
أن العميل - زيدًا - سلم البنك النقود لكن البنك لم يسلمه شيئًا فعليًّا وإنما قيد له في البنك مع أن البنك لا يمتلك تلك النقود .
وكذلك في الشيكات المصرفية وهو الاحتمال الآخر: إذا جاء زيد معه ألف دولار وقال للبنك أعطني شيك بالجنيهات المصرية بثمانمائة جنيه مصري فالبنك سيكتب له شيك مصري بقيمة كم ؟ ثمانمائة وهو لا يملك أصلًا تلك الجنيهات في البنك وإنما يقيدها له كورقة ، كَشِيك ، فهل تحقق الآن التقابض شرعًا أم لا ؟
- هذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين ، والذي ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أنه قد تحقق التقابض شرعًا في كلا الحالتين ، سواء بالقيد لصالح العميل أو بتسليم العميل الشيك المصرفي هذا .ونقرأ كلام المجمع ..
فقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي" قالوا :
" إِنَّ من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا :
أولًا : القبض المصرفي بمبلغ من المال في حساب العميل للحالات الآتية :- يعني اعتبروا القبض بمثابة تسليم النقود ، يعني إذا قيد البنك في حسابه فكأنه قد سلمه النقود -(1/47)
ومن ذلك : إذا اقتطع المصرف بأمر العميل مبلغًا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى في المصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر - هذا ينطبق على الحوالات المبرقة ؛ أن يقيد له قيدًا - والحالة الثانية : وأنا وضعت تحتها خطًّا هنا ، قال:
تَسَلُّم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجز المصرف له " .
يعني : إذا كان هذا الشيك واجب السداد بمعنى أن العميل الآن إذا أخذه يستطيع أن يصرفه بمصر فإنه قبضه للشيك هنا في قوة قبض محتواه ، كأنه قبض الثمانمائة جنيه ، لماذا ؟ لأن الشيكات المصرفية واجبة الدفع فهي في قوة النقود ، فاعتبروها هنا في قوة النقود ، كأنه سَلَّمَهم الآن نقودًا حقيقية .
هذا ما يتعلق بالحوالات المصرفية .
ننتقل إلى الخدمة الثالثة من الخدمات المصرفية وهي : " بطاقات الصرف الآلي " .
وهي البطاقات المعروفة التي يستخدمها الشخص في السحب من رصيده ، وسنرجئ الحديث عن هذه البطاقات إلى حديثنا عن أنواع البطاقات المصرفية والبطاقات الائتمانية ؛ لأن لها صلة بها ، فلذلك نرجئ الحديث عنها .
الخدمة الرابعة : هي التحصيل والمُقَاصَّة :
بمعنى : أن البنك أحيانًا يتوكل عن العميل في استيفاء الأوراق التجارية المستحقة له .
فعلى سبيل المثال :
لنفرض أن شخصًا قد حُرِّر له شيك مسحوب على البنك الأهلي التجاري ، لكن هذا الشخص المستفيد من الشيك - الذي دُوِّن الشيك لصالحه أو حُرِّر الشيك لصالحه - حساباته في بنك الراجحي ، فيأتي يأخذ هذا الشيك ويذهب إلى بنك الراجحي يقول هذا الشيك مسحوب على البنك الأهلي ، ماذا يعمل بنك الراجحي ؟ هل يودعه مباشرة في رصيده ؟ ماذا يعمل ؟
- يأخذ هذا الشيك ويتوكل عن العميل في تحصيل قيمة الشيك من البنك الأهلي ، يسمى هذا : تحصيل ومقاصة .(1/48)
ودائمًا هناك بين البنوك دائرة تسمى " دائرة المقاصة" أو " غرفة المقاصة " ، تتم عن طريق البنوك المركزية ، وعندنا تتم عن طريق مؤسسة النقد ، فهناك غرف للمقاصة بين البنوك ، يأتي البنك لديه شيكات مسحوبة على البنك الآخر ، والبنك الآخر لديه شيكات مسحوبة على هذا البنك ، وهكذا ، فتجري مقاصة بين البنوك ، بحيث إن البنك يستوفي قيمة ذلك الشيك لصالح عميله .
بعض البنوك قد تأخذ رسومًا على العميل مقابل هذه الخدمة ، فما حكم هذه العمولات التي يأخذها البنك ؟
نقول : هذه العمولات جائزة ؛ لأنها مقابل وكالته ، مقابل توكله عن العميل في استيفاء قيمة الشيك ، فليس فيه قرض ولا محظور شرعي ، وإنما هو وكالة مجردة ، ولذلك إذا لم يستطع البنك أن يستوفي قيمة الشيك .
لنفرض أنه أرسل الشيك إلى البنك الأهلي الآن ، ثم قال البنك الأهلي : إن صاحب الحساب الذي حرر الشيك هذا ليس له رصيد أو رصيده أقل من قيمة الشيك ، ما الذي سيحصل الآن ؟ من الذي سيتحمل الخسارة هنا ؟ هل هو بنك الراجحي أو العميل الذي حُرر له الشيك؟
- العميل الذي حُرر له الشيك ، فلذلك بنك الراجحي مثلًا هنا يرجع إلى العميل ويعطيه الشيك ، يقول : هذا الشيك غير قابل للسحب ، فعليك أن تذهب بنفسك أنت إلى البنك الأهلي ، أو تتفاهم مع مُحَرِّر الشيك وتستوفي رصيدك بنفسك ؛ لأن بنك الراجحي هنا أو البنك الذي يقوم بالتحصيل لا يضمن قيمة الشيك ، وإنما هو مجرد وكيل ويأخذ عمولة مقابل تلك الوكالة .
لو كان البنك يضمن قيمة الشيك ففي هذه الحال هنا محظور شرعي وهو أنه سيربح في عقد ضمان وسيأخذ أجرًا مقابل الضمان ، وأخذ الأجر على الضمان لا يجوز إذا كان يؤول إلى القرض .
لكن الواقع الآن في عمل البنوك أنها لا تضمن قيمة الشيك ، وإنما تتوكل عن العميل في استيفائه ، لو لم تستوفه فإنها ترده إلى العميل .
ننتقل بعد ذلك إلى الخدمة الخامسة وهي " إصدار الشيكات " .(1/49)
والشيكات التي تُسحب على البنوك على ثلاثة أنواع :
النوع الأول "الشيكات العادية " :
عبارة عن أوامر بالدفع من مُحَرِّر الشيك للمستفيد بسحب مبلغ من المال موجود لدى أحد البنوك . فيكتب شخص آخر شيك ؛ هذا الشيك العادي المعروف ، هذا الشيك لا بد أن تتوافر فيه عدة أركان :لا بد أن يكون فيه : تاريخ ، وتوقيع ، ومُحَرِّر الشيخ - أن يعرف من هو محرر الشيك -، والمستفيد من الشيك ، وأن يعرف البنك الذي سيسحب عليه ذلك الشيك . هذا هو الشيك العادي .
النوع الثاني " الشيكات المصدقة " :
يأتي شخص ويحرر شيك بمبلغ مثلًا عشرة آلاف ريال ، ثم يذهب إلى البنك ليقوم البنك بتصديق الشيك ، يختم عليه البنك بالتصديق ، وعند ختم البنك على الشيك فهذا يعني أن البنك قد حجز العشرة آلاف ريال التي في رصيده ، بحيث إن المستفيد من الشيك - الذي حُرِّر له الشيك - يضمن أن هذا الشيك إذا كان مُصدَّقًا أنه فيه رصيد ، بحيث أنه يتأكد أنه يستطيع أن يستوفي ذلك الرصيد ، وهذا بخلاف الشيك العادي ، فالشيك العادي من الممكن الواحد أن يحرر شيك ولكن لا يكون له رصيدًا يغطي القيمة المدونة في الشيك ، أما الشيك المصدق إذا خَتَم عليه البنك فهذا يعني أن البنك قد حجز المبلغ ، لا يستطيع صاحب الحساب - الذي حرر الشيك - أن يأخذ ذلك المبلغ ، وإنما يأخذ ذلك المبلغ من هو ؟ المستفيد الذي حُرر الشيك لصالحه .هذا يُسمى شيك مُصَدَّق.
النوع الثالث " الشيكات المصرفية " :
وهي التي يحررها البنك نفسه ، يكتبها البنك فتسحب من بنك آخر ، وهي في قوة الشيكات المصدقة ، بل إنها أقوى منها ، وهذه مثل الشيكات المصدقة التي تكلمنا عنها في الحوالات المصرفية.
قلنا : إن الشيكات على ثلاثة أنواع ، وسنتحدث عن الأنواع الثلاثة إن شاء الله بتفصيل عندما نتحدث عن موضعها في النقود الائتمانية ؛ لأن كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة له أحكام تتعلق به ، وسنفصل إن شاء الله في الفروق بينها.(1/50)
الخدمة السادسة من الخدمات المصرفية هي " صرف العملات ".
بحيث إن البنك يقوم بعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية ، شخص مثلًا لديه دولارات ورقية فيذهب إلى البنك ويصرفها بريالات ورقية ، هذه البنوك عادة تجريها كخدمة سنوية للعملاء.
يشترط في هذه العملية شروط الصرف ؛ لا بد من التقابض في الحال ، أما التساوي فلا يشترط هنا إلا إذا كان المالان من جنس واحد ، لو أنه أراد يصرف مثلًا ريالات ورقية بريالات معدنية فيشترط التقابض هنا والتماثل .
الخدمة السابعة من الخدمات المصرفية هي " صناديق الأمانات " .
ويراد بصناديق الأمانات تأجير الخزائن الحديدية . في أغلب البنوك لديها خزائن ، عبارة عن صناديق يستطيع أي شخص أن يستأجر تلك الصناديق ويحفظ في تلك الصناديق ما يشاء من الأشياء الثمينة أو الصكوك التي عنده أو الأوراق الهامة له ؛ شهادات التخرج يحتفظ بها في الخزائن الحديدية أو يحتفظ بنقود ممكن يضع فيها نقود - ملايين الريالات - في تلك الخزائن ، ومن مزايا تلك الخزائن أن البنك لا يستطيع أن يلمس تلك الأشياء المودعة المحفوظة في تلك الخزائن فالذي يريد أن يتورع عن الإيداع في البنوك نقول لديك البديل وهو الخزائن الحديدية ، لكن في الخزائن الحديدية ما تستطيع أن تتعامل مع أموالك التي في الصناديق لماذا ؟ لأنك إذا كنت مثلًا في الرياض وأنت قد وضعت أموالك مثلًا في صندوق في المدينة فلازم تسافر المدينة وتفتح الصندوق بنفسك ، لأنهم يعطوك مفتاح خاص بك فتفتح الصندوق بنفسك وتأخذ الأموال التي تريدها ثم تغلق الصندوق ، هناك مفتاحان في الحقيقة مفتاح مع الموظف ومفتاح مع العميل ، ولا ينفتح الصندوق إلا بالاثنين - بالمفتاحين - مفتاح الموظف ومفتاح العميل .(1/51)
ففيها ميزة ، وفيها عيب : ميزتها أن البنك لا يستطيع أن يتصرف في تلك الأموال أو الأشياء المودعة في تلك الصناديق ، لكن عيبها في الحقيقة أن الشخص لا يستطيع أن يتعامل معها إذا كان بعيدًا عن ذلك البنك ولا يستطيع أن يأتي مثلًا بالليل ويطرق البنك ليلًا ليفتح صندوقه الخاص به وإنما يأتي في أوقات الدوام الرسمي للبنك ، ولذلك نجد القليل من الناس الذين يستفيدون من تلك الخدمة .
النوع الثامن من الخدمات المصرفية هي " خدمة الاتصال المصرفي " .
ويشمل الطرق الحديثة للاتصال بالحساب يعني أي طريقة أو وسيلة اتصال يعطيها البنك لعملائه حتى يصلوا إلى حساباتهم .
وتتعدد وسائل الاتصال المصرفي ، فمن الوسائل مثلًا خدمة الهاتف المصرفي قد يعطي خدمة الهاتف المصرفي مجانًا ؛ حتى يستطيع العميل أن يتعامل مع رصيده ومع حسابه عن طريق الهاتف قد يعطيه خدمة الاتصال بالإنترنت ،قد تكون هذه الخدمات مجانًا وقد تكون برسوم ، وعمومًا التكييف الشرعي إن كانت مجانًا فهي تبرع من البنك ، وإن لم تكن مجانًا وإنما برسوم فالعقد فيها يكيف على أنه جَعَالة فالبنك يستحق مكافأة أو جُعل مقابل الخدمة التي قدمها للعميل وهذه الخدمات والرسوم التي تؤخذ عليها جائزة .
بالنسبة للخزائن الحديدية أو صناديق الأمانات العقد فيها يكيف على أنه عقد إجارة .
إجارة عين أو إجارة عمل ؟ إجارة عين ؛ يستأجر ذلك الصندوق ، فهي إجارة عين .
إذًا بهذا نكون قد انتهينا من المجموعة الأولى من الأعمال المصرفية وهي مجموعة الخدمات المصرفية .
ننتقل بعد ذلك إلى المجموعة الثانية وهي في الحقيقة أهم أعمال البنوك .(1/52)
والتي يكثر السؤال عنها ، وهي التي تميز في الحقيقة البنوك الإسلامية من البنوك الربوية ، الخدمات المصرفي في الحقيقة لا تكاد تجد فارقًا كبيرًا بين البنك الربوي عن البنك الإسلامي ، بينما في الخدمات الائتمانية يظهر الفارق جليًّا بين نوعي البنوك ، فما المقصود بالائتمان في العرف المصرفي ، كلمة ائتمان هذه كلمة دارجة عند البنوك ، يقولون إدارة الائتمان أو الخدمات الائتمانية .
يُقْصَد بـ " الائتمان " في العرف المصرفي : مبادلة قيمة حاضرة بقيمة آجلة ، يعني يكون شيء مدفوع الآن ويسدد لاحقًا يسدد فيما بعد . وسمي بذلك لأن الطرفين يأتمن كل منهما الآخر ، فالبنك يثق بعميله فيعطيه مالًا على أن يسدد العميل ذلك المال بعد فترة ، فهناك نوع من الثقة المتبادلة بين البنك والعميل ، ولهذا في هذه الخدمات البنك قبل أن يقوم بأي خدمة ائتمانية يقوم بعمل مهم جدًّا وهو ما يسمونه : الدراسة ؛ دراسة العميل ائتمانيًّا ، العميل يدرسه ، مثل الطالب الذي يتقدم للجامعة يُدرس ، مثلًا : تقديره ، شهادته ، النسب التي حصل عليها ، ويجرى له مقابلة ، ويُنْظَر في حاله ، ومثل الشخص الذي تقدم للزواج ؛ يجئ ولي البنت مثلًا ينظر في حاله هل هو شخص مناسب أو غير مناسب ، البنوك ربما تُفتش وتتجسس عن حالات الشخص وهو لا يدري يعني تنظر في تاريخه من ولادته حتى تقدم إلى البنك لماذا ؟
- لأن البنك حريص على الدراهم - الفلوس - فيخشى إن أعطاه مبلغًا من المال أنه ما يسدده فلذلك لا بد أن يكون تاريخ هذا الشخص وصفحاته بيضاء ، ومن هنا تقوم البنوك قبل أن تقدم الخدمات الائتمانية بدراسته ائتمانيًّا ، حتى البنوك الإسلامية تدرس العميل ائتمانيًّا، بل إن البنوك الإسلامية أحرص على الدراسة الائتمانية من البنوك الربوية لماذا ؟(1/53)
- لأن البنوك الربوية إذا لم يسدد العميل ما عليها مضرة كبيرة ؛ لأن العداد يبدأ يشتغل ، تحسب عليه فوائد ، أما البنوك الإسلامية فليس لها حيلة وإنما توقف التعامل مع هذا العميل وتبدأ تحاكمه وتطالبه ، وتستخدم وسائل الضغط عليه ، ووسائل حملِهِ على الوفاء بدينه ، من هنا نقول في الخدمات الائتمانية لا بد أن يسبقها دراسة ائتمانية .
في البنوك السعودية مثلًا هناك شركة أنشئت قريبًا تكفلت بهذا الأمر ، تحالفت البنوك فيما بينها وأنشأت شركة ، سُميت هذه الشركة شركة (سِمَة) ، فأي شخص يريد أن يتقدم إلى بنك ويطلب خدمة ائتمانية البنك يرسل اسمه إلى تلك الشركة ؛ شركة (سِمَة) ، هذه الشركة لديها معلومات من كل البنوك ، ربما هذا الشخص قد أخذ قرضًا أو اشترى بالتقسيط من أحد البنوك ولم يسدده ، البنك الذي تَعَثَّر معه ذلك العميل يرسل إشعارًا إلى شركة (سِمَة) ، فإذا جاء أي بنك آخر يريد أن يتعامل مع ذلك العميل فشركة (سِمَة) تُشْعِر البنك الآخر أن هذا العميل صفحاته ليست نقية تمامًا ، فلذلك نقول لا بد أن تكون على حذر ، هم يعطونه تقرير هذا الشخص ائتمانيًّا والبنك له خيار هل يقبله أو لا يقبله ، قد يقبل البنك لكن يقول : أنا سأقرضك مبلغًا من المال لكن يقول : أبيعك بالتقسيط لكن تجعل رهنًا مثلًا بيتك ، تجعل أشياء -مثلًا - يُثَقِّل عليه في الرُّهون التي سيأخذ عليها ، ولذلك في الحقيقة الخدمات الائتمانية هي التي سنؤكد عليها أكثر ؛ لأنها هي صميم عمل البنوك ؛ لأن البنك في الحقيقة يضخ أمواله في السوق عن طريق الخدمات الائتمانية .
فالخدمات الائتمانية - هي كما قلنا - هي : فيها نوع من الثقة ، قد تكون الخدمة الائتمانية على شكل إقراض ، قد تكون على شكل بيع بالتقسيط ، قد تكون على شكل تورق ، قد تكون على شكل عقد استثناء ، إلى غير ذلك ، ففيه قيمة حاضرة مع قيمة مؤجلة ، نَقْد يقدمه البنك حالًّا حاضرًا ، والعميل يسدد فيما بعد .(1/54)
عادةً الخدمات ترتبط بمؤشر ، يسمى هذا المؤشر : سعر الفائدة ، بمعنى أن البنك إذا أراد أن يقدم مثلًا التمويل - أنا أسميه تمويلًا - الخدمات الائتمانية تسميه أيضًا تمويلات ؛ لأن البنك يمول العميل وتسمى كذلك تسهيلات ؛ لأن البنك أيضًا يسهل على العميل فيعطيه أشياء يتفق بها ، أموال يتفق بها ، فهذا التمويل أو التسهيلات أو الخدمات الائتمانية ترتبط عادة بسعر الفائدة ، بمعنى أنه إذا أراد أن يعطيه قرضًا مثلًا يقول : أعطيك قرضًا مائة ألف ريال ، وترده مائة ألف ريال زائدًا سعر الفائدة في السوق .
سعر الفائدة : هناك سعر فائدة مشهور وهو سعر الفائدة على الدولار ، هو معروف بـ " اللايبور " ، وهناك أسعار فائدة محلية في كل بلد على كل عملة تكون هناك سعر فائدة وهو المؤشر للفائدة ، فعادة البنوك تتعامل بسعر الفائدة وتُضيف أيضًا تربح أكثر من سعر الفائدة ما يسمى بالنقاط ، كيف؟
يقول: لنفرض أن سعر الفائدة على " اللايبور" مثلًا اثنين بالمائة ، فيقول : أعطيك قرضًا مائة ألف ريال وآخذ عليك فائدة ، " اللايبور " الذي هو اثنان بالمائة زائدًا خمس وعشرين نقطة ، لماذا خمس وعشرون نقطة ؟ (اثنان + خمسة وعشرين بالمائة) يعني : اثنين ورُبع (2.25% ) ، خمسة وعشرون نقطة يعني : اثنين وربع ، يعني: اثنين وربع زيادة على المائة . أحيانًا يقول : خمسين نقطة ، أعطيك خمسين نقطة زائدة على (اللايبور) ، يعني الخمسين نقطة معناها : اثنان ونصف للخمسين بالمائة (2.50 %) . أحيانًا يقول : مائة نقطة ، يعني : (اثنان بالمائة + مائة نقطة) يكون المجموع : ثلاثة بالمائة ( 3 %).
هذه المصطلحات كثيرة تجدونها في الصحف ، تجدونها أحيانًا في عقود التمويل ، ذكرتها للفائدة .
المؤشر أو سعر الفائدة مثل ما قلنا : (اللايبور) وغيره من المؤشرات ، وعادةً البنوك تأخذ زيادة عدة نقاط فوق المؤشر .
نبدأ بعقود التمويل المصرفي أو عقود الخدمات المصرفية :(1/55)
تشتمل مجموعة الخدمات الائتمانية في البنوك على عدد من الخدمات ، لعل من أهمها وأبرزها :
أولًا : الإقراض المباشر :
وهذا هو التمويل المعتاد في البنوك الربوية ، تُقدم تمويلًا أو إقراضًا مباشرًا ، تُقْرِض العميل مائة ألف ريال على أن يرد هذا المبلغ بعد سنتين أو ثلاث سنوات بزيادة ، بسعر الفائدة مثلًا يقولون ، أحيانًا يقول : بزيادة اثنين بالمائة ( 2 %) نسبي إلى المبلغ ، أحيانًا يقول : لا ، مائة ألف ريال وسعر الفائدة حسب ما يكون في السوق ، سعر الفائدة يتغير ، أحيانًا يكون اثنين بالمائة (2 %)، أحيانًا يكون اثنين ونصف بالمائة (2.5 %)، أحيانًا ثلاثة بالمائة (3 %)، فننظر إلى سعر الفائدة الذي يكون وقت السداد فترد المبلغ مع الفائدة السائدة وقت السداد ؛ هذا هو التمويل عن طريق الإقراض .
قد يكون الإقراض لأفراد ، وقد يكون لمؤسسات ، قد يكون لشركات ، قد يكون لحكومات ، قد يكون هذا الإقراض " قصير الأجل " ، ومعنى قصير الأجل : أنه يستحق في سنة أو أقل ، يعني لا بد من تسديده في سنة أو أقل ، هنا يسمى قرض قصير الأجل .
وأحيانًا يكون " متوسط الأجل " ، متوسط الأجل هي القروض التي تستحق في خلال فترة تتراوح من سنة إلى خمس سنوات .
أما ما زاد عن خمس سنوات فإنها تسمى " قروض طويلة الأجل " .
ما حكم هذا النوع من الأعمال المصرفية أو خدمات الإقراض المباشر ؟
هذا من القرض بفائدة ، فالبنك بقرض العميل قرضًا ويشترط عليه فائدة فهو من " ربا القروض " بل إنه قد يشتمل على الفائدة المركبة ، فإذا حل السداد ولم يسدد العميل يحسِب عليه زيادة فيدخل في النوع الأول من أنواع ربا الديون وهو الزيادة في الدين عند حلوله .(1/56)
عمومًا هذا النوع الإقراض المباشر أو الإقراض بفائدة هو من زمرة ربا الديون ، وعَصَب عمل البنوك الربوية على هذا النوع ، البنوك الربوية تقدم خدماتها أو تمويلها عن طريق الإقراض المباشر ، وفي الغالب يكون هذا عن طريق ما يسمى بإدارة الخزينة في البنك .
لاحظ؛ الآن البنك له فروع متعددة في أنحاء البلاد ، يُجَمِّع الأموال عن طريق الخدمات المصرفية ، الناس يفتحون حسابات ، حَوَالات ، مبالغ تأتي إلى البنك ، البنك مباشرةً يوميًّا هذه الأموال يحتفظ بالحد الأدنى الذي يحتاجه اليومي ، والمبلغ الفائض يرسله إلى خزينة البنك ، وخزينةُ البنك يوميًّا من المعروف في البنوك مثلًا في السعودية أنه الساعة الحادية عشرة صباحًا تكون خزينة البنك جاهزة مستعدة ؛ لأنها جاءتها كل الأموال المحولة من جميع الفروع ، فالخزينة بحسب الأموال التي تجمعت عندها الآن تبدأ بعملية التمويل ؛ إن كان بنكًا ربويًّا فيقوم بعملية الإقراض المباشر ، وإن كان بنكًا إسلاميًّا فيقدم التمويل عن طريق وسائل التمويل الأخرى التي سنشير إليها ، لكن البنوك عادة عن طريق إدارة الخزينة تتابع ثَمَّ الأموال التي تَجَمَّعت ، ومن إدارة الخزينة مباشرة تضخ تلك الأموال عن طريق الإقراض أو عن طريق وسائل التمويل الأخرى . فالعقد في الحقيقة هو عقد ربويٌّ صريح .
البعض قد نازع في هذا الأمر ، وقال : إن الفلوس أصلًا لا يجري فيها الربا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ??الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ?? فلماذا تُلحقون الفلوس ، فالورقة النقدية المعاصرة لا يجري فيها الربا؟(1/57)
سبق أن أجبنا عن هذه الشبهة وقلنا : إن الربا هنا المُطَبَّق في البنوك هو في الحقيقة من ربا الديون وليس من ربا البيوع ، وربا الديون بإجماع العلماء يجري في كل الأموال ، لم ينازع في ذلك أحد من أهل العلم كما قال القرطبي : أجمع المسلمون نقلًا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من عَلَج .
فعلى هذا فالإقراض المباشر يُعَدُّ من الربا الصريح .
نستكمل إن شاء الله بعض العقود ؛ عقود التمويل أو الخدمات الائتمانية ، كبيع التقسيط والمرابحة للآمر بالشراء والتَّوَرُّق إن شاء الله .(1/58)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهَّم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملًا يا حي يا قيوم أما بعد .
نستكمل أيها الإخوة والأخوات الحديث عن فقه المعاملات المصرفية وقد تكلمنا في الدرس الماضي عن بعض القواعد الفقهية التي تحكم كتاب البيع وأشرنا إلى بعض تلك القواعد ، ولعلنا نستكمل شيئًا من تلك القواعد ثم نشرع في الحديث عن المعاملات المصرفية في تفاصيلها .
فأقول: وقفنا عند الحديث عن المحرمات في البيوع وذكرنا قاعدة المحرمات وهي: أن المحرمات تدور على نوعين: نحرم لذاته أو لعينه، ومحرم لكسبه.
وبينا أنواع المحرم لعينه، ونشرع الآن في الحديث عن أنواع المحرم لكسبه وهي القاعدة الخامسة ، القاعدة الخامسة، ذكرنا أربع قواعد.
القاعدة الخامسة " المحرم لكسبه " على ثلاثة أنواع :
3 - الربا . ... 2 - الغرر . ... 1 - الظلم .
فهذه أسباب التحريم في المعاملات التي ترجع إلى الكسب، فإن أسباب التحريم في العقود ترجع في الغالب إلى ثلاثة أسباب:
السبب الأول: هو الظلم .
السبب الثاني : هو الغرر .
السبب الثالث : هو الربا .
وقد أشار إلى هذه الأسباب الثلاثة شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم رحمة الله عليهما.(1/59)
يقول ابن القيم - رحمه الله - قال : الأصل في العقود كلها إنما هو العدل الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب كما قال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ } إلى أن قال سبحانه: { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [الحديد: 25] والشارع نهى عَنْ الربا لما فيه من الظلم وعن الميسر لما فيه من الظلم - والميسر هنا إشارة إلى الغرر؛ لأنه سيأتي أن الميسر والغرر بينهما تقارب - قال: والقرآن جاء بتحريم هذا وهذا وكلاهما أكل المال بالباطل وما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - هي داخلة إما في الربا وإما في الميسر - وسيأتي بيان علاقة الميسر بالغرر - وكل منهما الربا والميسر إنما حرم لما فيه من الظلم كما سبق كلامه رحمه الله.
فنبدأ بالسبب الأول من أسباب التحريم في المعاملات وهو الظلم: فمتى اشتملت المعاملة على ظلم لأي من الطرفين على الآخر فإن المعاملة تكون محرمة وعلى هذا نؤصل القاعدة السادسة فنقول:
القاعدة السادسة : كل معاملة اشتملت على إضرار من أحد العاقدين بالآخر لم يرض به الطرف الآخر فالمعاملة محرمة .
كل معاملة اشتملت على إضرار من أحد الطرفين أو العاقدين بالآخر لم يرض به العاقد الآخر الذي وقع عليه الظلم فهذه المعاملة تكون محرمة.
والدليل على ذلك قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء: 29].
والظلم يفسد الرضا في العقد، وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ?? إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ?? . يعني : أنه إذا أخذ ماله بغير حق فإن هذا الأخذ يكون ظلمًا وهو محرم .
وهناك صور متعددة من المعاملات المحرمة في الشريعة التي حرمت لما فيها من الظلم ، أشير إلى شيء منها بشيء من الإيجاز فمن ذلك:(1/60)
الغش . إذا كانت المعاملة غش، فهي محرمة لما فيها من الظلم، ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ?? رواه مسلم.
ومن ذلك أيضًا :
النَّجَش . والنجش معناه أن يزيد في السلعة من لا يريد شرائها كما في المزاد العلني ، يأتي شخص ويزيد في السلعة وهو لا يقصد أن يشتريها، فحرم النجش لما فيه من ماذا؟ الربا أو الغرر أو الظلم؟ الظلم، لما فيه من الظلم ، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ?? نَهَى عَنْ النَّجَش ?? .
ومن ذلك أيضًا من المعاملات المشتملة على الظلم :
بيع الرجل على بيع أخيه وشراؤه على شرائه . هذا محرم لما فيه من الظلم، ومثال بيع الرجل على بيع أخيه أن يقول الشخص لمن اشترى سلعة بعشرة أن يقول: أبيعك مثلها بتسعة، هذا من بيعه على بيع أخيه، وكذلك شراؤه على شرائه مثاله: أن يقول لمن باع سلعة بتسعة أن يقول: أن أشتريها منك بعشرة، فهذا من شرائه على شرائه.
من المعاملات المحرمة أيضًا لما فيها من الظلم التسعير :(1/61)
التَسَّعِير . أَنْ يَأْمُر السلطان ، أو نوابه ، أو ولي أمر المسلمين أَنْ يَأْمر التجار أو أهل السوق ألا يبيعوا إلا بسعر معين يحدده هو أو ألا يزيدوا في السعر عن كذا أو لا ينقصوا في السعر عن كذا، فالأصل في التسعير في الإسلام هو التحريم، الأصل فيه هو التحريم من حيث الأصل، ودليل ذلك قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [ النساء: 29] فاشترط في الآية ماذا؟ التراضي، ومع التسعير هل يتحقق التراضي؟ لا يتحقق؛ لأن التاجر قد يبيع بسعر لا يرتضيه إذا ألزم بالتسعير، وجاء في سنن أبي داود والترمذي عَنْ أَنَسٍ قَالَ : ?? غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يعني ارتفعت الأسعار- فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا - يعني ألزم التجار بأسعار يلتزمون بها- فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ ?? فلم يسَّعِر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الحديث يدل على أَنَّ التسعير فيه شيء من الظلم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ?? وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ ?? فدل على أن فيه شيء من الظلم.
إذًا: التسعير من حيث الأصل محرم لما فيه من الظلم، هذا من حيث الأصل، لكن ذكر أهل العلم حالات يجوز للحاكم أن يسعر على التجار أن يلزمهم بسعر معين، ولعل من أبرز تلك الحالات ثلاث حالات:(1/62)
الحال الأولى: حاجة الناس إلى السلعة؛ إذا كان الناس يحتاجون إلى سلعة معينة لا غنى بهم عنها فللحاكم أن يلزم التجار أن يبيعوها بسعر معين، ومن ذلك أيضًا: احتكار المنتجين أو التجار؛ أن تكون هذه السلعة محتكرة لفئة معينة من التجار لا يبيعها غيرهم، ففي هذه الحال للحاكم أن يلزم تلك الفئة أن تبيع بسعر معين مثال ذلك : شركة الكهرباء مثلًا: من المعلوم أن تقديم خدمة الكهرباء هذا يكون .... للشركة تحتكر شركة الكهرباء تقديم الخدمة للناس ففي هذه الحال لأنها تحتكر هذه الخدمة فللحاكم أن يلزم الشركة بأي شيء؟ بسعر محدد؛ يلزم الشركة بأن تقدم هذه الخدمة بسعر كذا وكذا؛ لأنها محتكرة الآن، ولو رفعت الأسعار لتضرر الناس، ومثله أيضًا خدمات الهاتف للحاكم أن يتدخل في التسعير ونحو ذلك.
والحال الثالثة: حصر البيع لأناس معينين؛ إذا كان بيع هذه السلعة لأناس معينين ففي هذه الحال للحاكم أن يلزمهم بأسعار محددة كما في وكالات السيارات مثلًا إذا كانت السيارات من أنواع معينة لا يبيعها إلا فئة معينة من التجار ففي هذه الحال للحاكم أن يتدخل في الأسعار.
إذًا: هذا ما يتعلق بالتسعير.(1/63)
من المعاملات المحرمة بسبب الظلم أيضًا: الاحتكار وهو عكس التسعير ومطابق له، ومعنى الاحتكار: أن يحبس التاجر السلعة عن الناس مع حاجتهم إليها: أن يحبس التاجر السلعة عن الناس مع احتياجهم إليها، وقد اتفق الفقهاء على تحريم الاحتكار من حيث الجملة على أنه من حيث الأصل محرم لحديث سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ?? لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ ?? ما معنى ?? خَاطِئٌ?? هنا ما معنى خاطئ؟ يعني ظالم أو عاصي، وهذا الحديث في صحيح مسلم، وهذا الحديث يدل على تحريم الاحتكار من حيث الأصل، ولذا نقول: إن الاحتكار المحرم هو ما كان وقت الغلاء وبالناس حاجة إلى السلعة، فمتى تحقق هذان الشرطان فالاحتكار يكون محرمًا؛ أن يكون في وقت العلاء؛ السلعة سعرها عالي الآن في السوق وبعض التجار يحتكرونها لم ينزلوها إلى السوق، طيب هذا الشرط الأول.
الشرط الثاني؟: أن يكون بالناس حاجة إليها؛ أن يكونوا محتاجين إلى تلك السلعة.
أما إذا كانت السلعة من الأشياء الكمالية التي لا يحتاج إليها الناس، أو لا تمس الحاجة إليها ففي هذه الحال لا حرج في احتكار السلعة وحبسها، إذًا: لابد من توافر هذين الشرطين؛ أن يكون في وقت الغلاء، وأن يكون بالناس حاجة إلى السلعة.(1/64)
فلو كان في وقت الرخص؛ لو حبس السلعة في وقت الرخص مثلًا: الآن الماشية تباع برخص مثلًا في السوق، فجاء صاحب الماشية هذا وحبسها قال لن أبيعها الآن أنا سأبيعها في الموسم وقت عيد الأضحى، هل له ذلك؟ له ذلك؛ لأن الناس لا يتضررون بحبسها، بل بالعكس الناس ينتفعون بذلك لأنه وقت حاجة الناس إليها في وقت عيد الأضحى سيكون عمل هذا يساهم في خفض الأسعار، وكذلك لو حبس أشياء كمالية مثلًا: من الأشياء التجميلية، من الأشياء مثلًا التي تعتبر ترفيهية للناس كالحلويات ونحو ذلك والزينة الزائدة بالنسبة للناس فهذه لا حرج في احتكارها لأن الناس لا يتضررون بها.
إذًا: هذه أبرز المعاملات التي تندرج تحت قاعدة الظلم أشرنا إلى شيء منها نعيدها باختصار:
الأول: الغش.
الثاني : النجش.
الثالث: بيع الرجل على بيع أخيه وشراؤه على شرائه.
التسعير والاحتكار.
ننتقل بعد ذلك إلى القاعدة السابعة: وهي تتعلق بالسبب الثاني من أسباب المحرم لكسبه؛ الأسباب المحرمات بسبب الكسب، وهو قلنا السبب الثاني هو الغرر:
إذن نقول: كل معاملة اشتملت على غرر فهي محرمة بشروطها لأن هناك شروط للغرر، كل معاملة اشتملت على غرر فهي محرمة بشروطها، فما هو الغرر وما شروطه؟
نقول: الغرر في اللغة اسم مصدر من التغرير بمعنى تعريض المرء نفسه للهلكة.
وفي الاصطلاح الشرعي: تعدد تعريف العلماء للغرر ولعل من أجمع هذه التعاريف تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية للغرر بأنه: كل بيع مجهول العاقبة.(1/65)
بمعنى أن يدخل الإنسان في معاملة وهو يجهل عاقبتها والجهالة هنا أن تكون جهالة في الثمن يجهل الثمن، وقد تكون جهالة في السلعة نفسها التي تشتريها، وقد تكون جهالة في الأجل، وقد تكون جهالة في صفات السلعة التي يشتريها، فمتى اشتملت المعاملة على غرر على جهالة فهي محرمة والغرر يكون فيه نوع من المقامرة لأن الشخص يدخل في العقد وهو دائر بين الغنم والغرم؛ إذا غنم أحد العاقدين غرم الآخر، وإذا غرم أحد العاقدين غنم الآخر، بقدر خسارة أحدهما يكون ربح الآخر، وقد جاء في الشريعة صور متعددة حرمت لما فيها من الغرر لاشتمالها على الغرر فنذكر هذه الصور ونذكر ضوابط الغرر لأننا سنحتاج إلى هذه الضوابط في كثير من المعاملات المعاصرة بمشيئة الله.
فمن المعاملات المحرمة التي جاءت في الشريعة لما فيها من الغرر:
أولًا: بيع الحصاة .فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ??نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر??.
بيع الحصاة : ذكر له العلماء أمثلة لعل من أبرزها أن الرجل يعطي الآخر حصاة ويقول : ارم هذه الحصاة على هذه الأرض فما وصلت إليه تلك الحصاة من الأرض فهي لك تلك الأرض بكذا وكذا من الدراهم، قد تكون الرمية قوية فيغنم من؟ المشتري، ويغرم البائع، وقد تكون الرمية ضعيفة فيكون العكس .
ومن ذلك أيضًا :
النهي عن الملامسة والمنابذة .
فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ??نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَة??.
والملامسة أن يقول الرجل للآخر: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، قد يلمس ثوبًا مثلًا غالي، وقد يلمس ثوبًا رخيصًا، فالعقد داخل بين الغنم والغرم.
والمنابذة: أن يكون خذ هذه الحصاة فانبذها على هذه الثياب فما وقعت عليه من الثياب فهو لك بكذا، فالعقد دائر بين الغنم والغرم.
ومن ذلك أيضًا :
النهي عن بيع حبل الحبلة .(1/66)
فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ??نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَل الحَبَلة?? .
وحَبَل الحَبَلة : يعني حمل الحمل، كانوا يتبايعون ما في بطن الناقة، ما في حمل بطن الناقة، يتبايعون ما في حمل بطن الناقة، فيقول مثلًا: أبيعك ما ينتجه ولد هذه الناقة، هذه الناقة الآن حامل، ما يبيعوا الحمل فقط، لا، يقول: أبيعك ما يأتي من حمل الناقة من الولد، قد يخرج هذا الحمل ميتًا، قد يخرج أصلًا ذكرًا، ما يكون أنثى، قد يخرج مثلًا ذكرين، قد يخرج أنثيين، وقد يكون ولد الولد مثلًا يعني أنثيين أو ذكرين فهناك احتمالات متعددة فالعقد دائر بين الغنم والغرم ولذلك حرم.
ومن ذلك أيضًا: النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها:
فقد جاء عن ابن عمر في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ?? أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ?? ؛ لاحتمال أن تفسد قبل أن يعني يستفيد منها المشتري.
إذًا: هذه أبرز أو بعض الأمثلة التي جاءت في الشريعة يعني من صور الغرر.
هنا يأتي سؤال:
ما العلاقة بين الغرر والقمار والميسر؟
من المعلوم أن الميسر جاء تحريمه في القرآن.
نقول: يشترك كل من الغرر والقمار: في أن كلًا منهما محرم، الغرر والقمار كل منهما محرم، ويشتركان أيضًا في أن كلًا منهما دائر بين الغنم والغرم؛ إذا غنم أحدهما –أحد الطرفين- غرم الآخر، كلاهما في الغرر والقمار، لكن يختلف الغرر عن القمار أن الغرر يكون في المعاوضات والبيوع، بينما القمار يكون في المسابقات والمغالبات، ولذلك يقال: باع غررًا أو قمارًا؟(1/67)
باع غررًا، ولعب قمارًا، لكن كلاهما الغرر والقمار دائر بين الغنم والغرم، يكون في مسابقة، قد يكون القمار في مسابقة كل واحد من المتسابقين يضع مثلًا جعلًا ويضع مبلغ من المال ويكون هناك سباق بينهما مثلًا في السباقات غير المشروعة مثلًا التي لم يرد بها النص، فمن سبق منهما أخذ الجعلين كليهما، فهنا نوع من المقامرة، هذه العلاقة بين الغرر والقمار.
نأتي إلى الميسر: ذهب بعض أهل العلم إلى أن الميسر بمعنى القمار ؛ أنه مرادف للقمار أنهما بمعنى واحد…، وهذا القول غير صحيح، والذي عليه المحققون من أهل العلم أن الميسر أعم من القمار، فإن الميسر كما يقول أهل العلم ميسران، الميسر ميسران، يقول الإمام مالك: الميسر ميسران؛ ميسر اللهو فمنه النرد والشطرانج والملاهي كلها، وميسر القمار وهو ما يتفاطر عليه الناس.
ومفهوم كلامه رحمه الله: أن الميسر يشمل أمرين:
الأمر الأول: اللهو المحرم ولو لم يكن على مال؛ أي لهو محرم يسمى ميسرًا ولو لم يكن على مال، ولذلك عد بعض السلف كل لهو يلهي عن الصلاة وعن ذكر الله جعلوه من الميسر حتى قالوا: حتى لعب الصبيان ، ولو لم يكن هناك مال جعلوا هذا من الميسر، هذا القسم الأول من الميسر.(1/68)
والنوع الثاني من الميسر: هو القمار، ميسر القمار، وهو الذي يكون على مال؛ أن يكون هناك رهان اثنان مثلًا يقولان إن سبقت هذه الخيل يقول كل واحد منهما للآخر: إن سبقت هذه الخيل فلك ألف ريال، وإن سبقت تلك الخيل فلي منك ألف ريال، هذا قمار مضموم إلى الميسر، فهذا هو النوع الثاني من الميسر، وإلى هذا التقسيم والشمولية ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فجعلوا الميسر أعم من القمار، وعلى هذا فنقول: إن الآية الكريمة في سورة المائدة التي تدل على تحريم الميسر وهي قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } [المائدة: 90] إلى آخر الآية الكريمة.
قوله الميسر هنا يدل فيه اللهو المحرم، ويدخل فيه أيضًا القمار المقامرة.
نأتي إلى مسألة أخرى: العلاقة بين الغرر والمخاطرة:
هل المخاطرة بمعنى المقامرة؟ هل هما مترادفان؟
إذا قلنا مخاطرة هل يعني ذلك، إذا قلنا إن هذا العقد يشتمل على شيء من المخاطرة هل يعني ذلك أن فيه مقامرة وأنه محرم؟ ما رأيكم؟ هل بينهما ترادف الآن؟ وما العلاقة بينه وبين الغرر المخاطرة؟ هل المخاطرة محرمة في شريعة البيوع بمعنى إنها نوع من المقامرة أو أنها أشد من المقامرة أم لا أم بينهما فرق؟
الآن كثير من الناس يقول، أو بعض الباحثين قالوا: إن الأسهم الآن التي تتداول في الأسواق قالوا: إنها محرمة، لماذا؟ قالوا: لأنها تشتمل على مخاطرة شديدة؛ الشخص يشتري السهم بمائة الآن بعد ساعة ممكن تصبح قيمة السهم ثلاثين، ومن المحتمل أن تصبح قيمة السهم مائة وثمانين ففيها مخاطرة شديدة فجعلوا ذلك نوعًا من المقامرة، هل هذا الكلام صحيح أن المخاطرة بمعنى المقامرة؟
غير صحيح، إذًا: ما الأصل في المخاطرة وما الأصل في المقامرة؟(1/69)
نقول: الأصل في المخاطرة هو الصحة، الأصل في المخاطرة أنها جائزة وليس بينها ترادف مع المقامرة، فقد تشتمل المعاملة على مخاطرة ولا يقال إنها نوع من المقامرة، فوجود المخاطرة في العقد لا يعني أنها مقامرة أو غرر، لماذا؟
نقول: متى ما توفرت الشروط في العقد بالعلم بالثمن، العلم بالمعقود عليه، العلم بالأجل فالعقد صحيح وإن اشتمل على شيء من المخاطرة، الشخص قد يشتري سلعة في وقت الحرب، وسينقلها من بلد إلى بلد قد يمر بمنطقة فيها قتال، الآن هذا الشخص هل دخل في مقامرة أو في مخاطرة؟ دخل في مخاطرة ولم يدخل في مقامرة؛ هو اشترى السلعة بأوصافها وعلمها وعلم ثمنها، وكونه يعني يخاطر في نقلها نقول: وجود هذا الخطر لا يعني أن المعاملة محرمة، وقد بين هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: أما المخاطرة فليس في الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة، بل قد علم أن الله ورسوله لم يحرما كل مخاطرة ولا كل ما كام مترددًا بين أن يغنم أم يغرم أو يسلم؛ يعني إذا كان هناك احتمال ثالث أن يغنم أو يسلم أو يغرم فهنا العقد جائز، وكذلك يقول رحمه الله:
وكذلك كل متبايعين لسلعة يرجو أن يربح فيها ويخاف أن يخسر فمثل هذه المخاطرة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، والتاجر مخاطر، إذًا: وجود المخاطرة في العقد لا يعني أنها محرمة هنا، وهذه المسألة حقيقة التبست على كثير من الناس فظنوا أن وجود المخاطرة يعني أن العقد محرم وهذا غير مُسَلَّم.
ننتقل الآن إلى شروط كون الغرر مؤثرًا:(1/70)
نحن قلنا: إن الأصل في الغرر هو التحريم لما في جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ?? هذا من حيث الأصل، الأصل في الغرر هو التحريم، لكن نقول: ذكر أهل العلم أربعة شروط للغرر، إذا توافرت هذه الشروط أصبح الغرر محرمًا ومؤثرًا، أما إذا اختل شرط منها شرط واحد منها فإنه ينتفي التحريم عن العقد.
فأول هذه الشروط:أن يكون الغرر كثيرًا؛ أن تكون الجهالة التي في العقد كثيرة، فإن كانت الجهالة أو الغرر الذي في العقد يسيرًا فإن هذا اليسير معفو عنه ومغتفر، وقد حكى إجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم النووي والقرافي وغيرهما.
الشرط الثاني: أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة؛ أن يكون أصيلًا في المعقود عليه، فإن كان تابعًا للمعقود عليه وجاء في العقد تبعًا فإن الغرر أو الجهالة هنا تكون مغتفرة، فمثال ذلك: الآن بيع الحمل في بطن أمه: ما حكمه؟ هل يجوز بيع الحمل في بطن أمه؟ لا يجوز محرم لما فيه من لماذا؟ ما العلة؟ هل هي الظلم أو الربا أو الغرر؟
الغرر؛ لأن فيه جهالة لأن من المحتمل أن الحمل هذا يكون حيًا أو ميتًا قد يكون ذكرًا أو أنثى، قد يكون ذكرين أو أنثيين، فهناك احتمالات يكون فيه نوع من الغرر، لكن لو اشترى الشاة وما فيها من الحمل فهذا جائز حتى ولو زادت قيمة الشاة لوجود الحمل الذي فيها لماذا؟ لأن الحمل هنا جاء تبعًا وليس مقصودًا في العقد، إذًا: هذا هو الشرط الثاني.(1/71)
الشرط الثالث: ألا تدعو للعقد حاجة، فإن كان هناك حاجة للناس لذلك العقد فالعقد صحيح، وإن اشتمل على شيء من الغرر، وإن كان فيه شيء من الغرر لوجود الحاجة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية قال: مفسدة الغرر –هذه القاعدة مهمة ذكرها شيخ الإسلام- يقول: مفسدة الغرر أقل من الربا؛ يعني أن تحريم الغرر أقل من تحريم الربا فلذلك رخص فيما تدعو الحاجة إليه منه، يعني من الغرر، بخلاف الربا، الربا هل يجوز عند وجود الحاجة؟ هل يجوز؟
لا يجوز، متى يجوز الربا؟ عند الضرورة، عند وجود الضرورة التي يخشى فيها الإنسان على نفسه من الهلاك، هنا يقال: الضرورات تبيح المحظورات.
أما الغرر: فلأن مفسدته أقل، فإنه يباح فيما هو دون الضرورة، يباع عند ماذا؟ الحاجة؛ بمعنى أن يلحق الإنسان حرج أو مشقة إذا لم يدخل في ذلك العقد، ولذلك قال شيخ الإسلام: فإن تحريمه –يعني تحريم الغرر- مع وجود الحاجة أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا.
الشرط الرابع من شروط الغرر المؤثر: أن يكون الغرر في عقد من عقود المعاوضات المالية، أن يكون في عقد معاوضة مالية، فإن كان في عقد تبرع فإنه يغتفر، فالغرر المؤثر هو ما كان في عقود المعاوضات، أما لو كان في عقد تبرع كما لو تبرع بشيء مثلًا وهو يجهله، أو أوصى بشيء وهو لا يعلم قدره تمامًا فإنه يغتفر هذا ويصح العقد حتى مع وجود الجهالة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ?? والبيع هو عقد معاوضة أو عقد تبرع؟ هو عقد معاوضة، والشريعة تتشوف إلى عقود التبرعات، فلذلك رخصت فيها ما لم ترخص في عقود المعاوضات، إذا هذا كما يتعلق بالسبب الثاني من أسباب التحريم في المحرم لكسبه وهو ماذا؟ الغرر، إذًا: تحدثنا عن الغرر بتعريفه وذكر ضوابطه وشروطه.(1/72)
ننتقل إلى السبب الثالث: وهو المهم حقيقة ومن خلاله بإذن الله سندلك إلى المعاملات المصرفية لأن المعاملات المصرفية في الحقيقة تحوم حول ماذا؟ الربا، تحوم حول الربا، فلذلك من المهم لطالب العلم أن يتقن قاعدة الربا ويعرفها قبل أن يحكم على أي معاملة معاصرة، بل إن الربا في الحقيقة قد فشا يعني في المعاملات المصرفية بشكل أصبح في نظر الناس أن إنشاء أي مصرف أو وجود أي مصرف يقترن بوجود الربا؛ لأن المصارف في الحقيقة لم تكن تعرف شيئًا من المعاملات المشروعة أو المعاملات الخالية من الربا، فلذلك أصبح الربا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمعاملات المصرفية فلذلك نبين الربا وحقيقته ثم ندلك إلى المعاملات المصرفية، فالربا، أو نقول، الآن وصلنا إلى أي قاعدة؟ القاعدة الثامنة.
القاعدة الثامنة: هي قاعدة الربا:
فنقول: الربا في الشريعة على نوعين: "ربا ديون ، وربا بيوع "
أما ربا الديون فهو محرم تحريم مقاصد.
وأما ربا البيوع فهو محرم تحريم وسائل، وهنا نشرح هذه القاعدة، نشرحها أولًا بتعريف الربا، فالربا في اللغة بمعنى الزيادة، ومنه قول الله تعالى: { فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [الحج: 5] يعني زادت الأرض بظهور النبات فيها، وأما في الاصطلاح الشرعي: فالربا هو الزيادة أو التأخير في أموال مخصوصة.
الحكم التكليفي للربا:(1/73)
الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل هو من كبائر الذنوب ومن السبع الموبقات، بل إن الله تعالى لم يؤذن بالحرب ولم يعلن الحرب على أحد من العصاة سوى آكل الربا، بل إن الربا محرم في كل الشرائع كما قال ذلك المواردي وغيره واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: { وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } [النساء: 161] يعني أنه كان محرمًا في الشرائع السابقة، ولم يكن محرم في الإسلام فحسب، ومن استحل الربا فإنه كافر، من استحل الربا من قال إنه حلال فإنه كافر؛ لأن أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، لكن ... للتنبه إلى أن الذي يكفر هو الذي يستبيح الربا من أصله لكن لو استباح شخص معاملة مصرفية قال: هذه المعاملة الفوائد المصرفية جائزة، قال: الفوائد المصرفية جائزة؛ لأنها ليست من الربا فهنا لا يكفر، لماذا؟ لأنه ما أنكر الربا، وإنما أنمر أن تكون تلك المعاملة ماذا؟ من الربا، وإن كان عامة العلماء يرون أن هذه المعاملة من الربا، لكن مقولته تلك لا تستوجب أن يحكم عليه بالكفر، والأدلة على تحريم الربا متعددة في الكتاب والسنة منها قول الله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا } [البقرة: 275] ومنها قول الله تعالى في سورة البقرة : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة: 275].
يقول السرخسي رحمه الله: إن الله تعالى ذكر لآكل الربا خمسًا من العقوبات في هذه الآيات:
العقوبة الأولى: هي " المحق " في قوله: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276].
والثانية: هي " التخبط " في قوله: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة: 275].(1/74)
والثالثة: هي " الحرب " في قوله: { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279].
والرابعة: هي " الكفر " يعني لمن استحله وذلك في قوله: { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة: 278].
وقوله سبحانه في آخر آيات الربا: { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة: 276].
والخامسة: هي " الخلود في النار " يعني لمن استحله، وذلك في قوله: { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 275] أعاذنا الله وإياكم من هذه المعصية، ولذلك كان حريًا بالمسلم أن يتحرى في أي معاملة يريد أن يدخل فيها، كثير من الناس مع الأسف يتعامل بمعاملات ويدخل في التجارة ثم بعد ذلك يبتلى بالربا ويسأل عن حكم هذه المعاملة، وهذا خطأ، ولذلك كان عمر - رضي الله عنه - ينهى أي رجل أن يدخل في السوق قبل أن يتعلم الربا، قبل أن يتعلم أبواب الربا خشية أن يقع فيه.
ومن الأدلة على تحريم الربا من السنة:
ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي قال: ??قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، وَذَكَرَ مِنْهَا آَكِلُ الْرِبَا ??.
وجاء في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ ?? .
نأتي إلى أنواع الربا:
قلنا إن للربا نوعين أو ثلاثة؟ نوعين هما:
ربا الديون: وهو محرم تحريم مقاصد وربا البيوع.
فنبدأ بالنوع الأول وهو ربا الديون، فربا الديون هو الذي يكون في المداينات يكون محله المداينات التي بين الناس؛ يعني في عقد دين .
وهو على قسمين:(1/75)
القسم الأول: الزيادة في الدين عند حلول أجله؛ يعني أن يقرض شخص آخر مبلغًا من المال، أو يبيعه سلعة بالأجل فإذا حلَّ وقت استيفاء الدين وقت السداد والمدين غير قادر على السداد، قال للدائن: أنظرني، أعطني مهلة شهر، شهرين، وأزيدك في الدين، هذه المسألة يسميها أهل العلم مسألة:زدني ... يعني كأن الدائن يقول للمدين: زدني في الدين وأعطيك مهلة، هذه هي أبشع صور الربا وأقبحها، وهي التي كان يتعامل بها العرب في الجاهلية ونزل القرآن بتحريمها، يقول قتادة رحمه الله: ربا الجاهلية – الذي كان سائدًا عندهم في الجاهلية – أن يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل جاء وقت السداد ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد؛ يعني المدين، وأخر عنه؛ يعني أعطاه مهلة.
إذًا: هذه هي، أو هذا هو القسم الأول من أقسام ربا الديون، وهو أن يزيد في الدين عند حلوله.(1/76)
القسم الثاني : من أقسام ربا الديون ، هو : ما يعرف بربا القروض، فربا القروض المراد به: القرض بشرط أن ينتفع المقرض؛ يعني القرض بفائدة مشروطة على المقترض، فهذه الزيادة مشروطة ابتداء بخلاف القسم الأول فإن الزيادة متى تشرط؟ عند حلول الأجل، لكن في هذا القسم من البداية يقول: أعطيك مائة ألف ريال بشرط أن تردها مثلًا مائة وعشرة، أو يقول: أعطيك مائة ألف ريال وتردها مائة ألف ريال ولكن تعمل لي فترة أسبوع تعمل عندي، أو يقول: أعطيك مائة ألف ريال وتردها مائة ألف ريال بشرط أن تعيرني سيارتك لمدة أسبوع، فقد تكون الفائدة زيادة في المال، قد تكون الفائدة مثلًا منفعة ينتفع بها، قد تكون الفائدة مثلًا أن يقرضه أيضًا مثلًا يقول: أقرضك مثلًا لنفرض عملة، يعني عملة محتملة للهبوط مثلًا والنزول، يقول: أقرضك مثلًا (ليرا) مثلًا تركية بشرط أن تردها دولارات، هذا لا يجوز أيضًا؛ لأن المقرض قد انتفع سيأخذ بدلًا من العملة المحلية عملة صعبة أفضل من العملة المحلية، فأي فائدة مشروطة في القرض فإنها تكون من ربا القروض، وقد كان هذا الربا أيضًا موجودًا عند العرب في الجاهلية كانوا يتعاملون بهذا النوع من الربا؛ يقرض الرجل الآخر مبلغًا من المال ويشترط عليه فائدة.
والقرض بفائدة محرم بالكتاب والسنة والإجماع، من العلماء المعاصرين من شكك في حرمة القرض بفائدة وقالوا: إن النصوص الشرعية لم ترد إلا بتحريم ربا البيوع، أو الزيادة التي في الدين عند حلوله وقالوا: إن هذا هو الربا الذي كان عند العرب في الجاهلية وهو الذي نزل القرآن بتحريمه، أما ربا القروض فهذا لم يرد في تحريمه نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع وقد قال بذلك بعض الباحثين المعاصرين ويحاولون أن يبرروا الفائدة المصرفية على هذا النحو، بناء على هذا القول، فيقولون: إنه لا دليل على تحريم ربا القروض.
بل نقول: إن ربا القروض محرم بالكتاب وبالسنة وبالإجماع؛ أما الكتاب:(1/77)
من يعطينا الدليل على تحريم ربا القرض في نص صريح في تحريم ربا القرض؟
لا، الأضعاف مضاعفة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً } [آل عمران: 130] هذا في الحقيقة هذه حجة الذين يقولون إن الربا المحرم هو الذي يزيد عند حلول الأجل، تقول: هو الأضعاف المضاعفة الذي يتضاعف، لكن يقولوا: نحن ما نريد أضعافًا مضاعفة، نقول ربا بسيط، ما هو ربا مركب. فرق بين الربا البسيط والربا المركب :
الربا البسيط الذي يكون مرة واحدة فقط، فهل هناك نص كريم أو آية كريمة تدل على تحريم الزيادة على القرض أيًا كانت؟
{ لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } [الروم: 39] قد تكون مجملة الآية، فيها إجمال.
قول الله تعالى: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } [البقرة: 279]ليس لك إلا أصل القرض، ومعنى رأس المال يعني أصل القرض، أصل الدين ليس لك أن تأخذ أكثر منه، وذكرنا وأشرنا إلى هذه الآية في درس البارحة.
إذًا: وجه الدلالة من الآية أن الجملة قوله تعالى: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } حصرت حق الدائن في رأس المال الذي أقرضه، ولا يجوز له إذا تاب إلا استرجاع أصل ماله وأي زيادة على ذلك تكون من الربا.(1/78)
ومن السنة: جاء حديث وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث علي: ??كُل قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبَا ?? لكن هذا الحديث ضعيف جدًا، بل هو حديث واهن، لكن الأمة أجمعت على قبوله، وجاء حديث أصح منه وهو ما جاء في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه عليه الصلاة والسلام قال: ?? لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ?? بمعنى : أنه لا يجوز أن يجمع مع قرض بيعًا، لا يجوز أن يجمع مع القرض بيعًا؛ لئلا يكون ذلك حيلة إلى الزيادة في القرض، فمثلًا: لو قال زيد لخالد: أقرضك عشرة آلاف ريال وتردها كما هي عشرة آلاف ريال أنا أقرضك قرضًا حسنًا، لكن بشرط أن تبيعني سيارتك بخمسة آلاف ريال، هذه المعاملة محرمة، لماذا؟ لأنه من المحتمل أن تكون هذه السيارة قيمتها كم؟ مثلًا سبعة آلاف ريال، وهو اشتراها بخمسة آلاف ريال، فربح ألفين ريال بدلًا من أن يجعلها في القرض جعلها في أي شيء؟ في البيع، فلذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كل ما هو ذريعة إلى الزيادة في القرض فكيف إذا كان سيأخذ زيادة في القرض صريحة؟ فهذا نص في تحريم الزيادة في القرض.
وأما الإجماع : على تحريم القرض بفائدة، فقد حكى غير واحد من أهل العلم منهم ابن عبد البر ، والقرطبي وابن تيمية ، والنووي ، وابن المنذر ، وابن حجر العسقلاني ، والهيثمي ، وغيرهم كلهم حكوا الإجماع على تحريم القرض بشرط منفعة للمقرض.
إذًا: هذا ما يتعلق بربا القروض، وبه نكون قد أنهينا الحديث عن ربا الديون، إذًا: ربا الديون على نوعين الزيادة في الدين عند حلوله، وربا القروض.
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثاني من أنواع الربا: وهو ربا البيوع.
وربا البيوع هو الذي يكون في المعاوضات والمبادلات التجارية؛ يعني ليس محله الديون، وإنما محله ماذا؟ تجارة ومبادلة تجارية، فهذا يسمى ربا البيوع.(1/79)
ربا البيوع على نوعين سيأتي الإشارة إليهما: ربا الفضل وربا النسيئة .
ربا الفضل: أن يزيد في شيء، أن يزيد في مبادلة مال ربوي بجنسه، أن يزيد في مبادلة مال ربوي بجنسه، مثل: أن يبدل مثلًا عشرين جرامًا من الذهب بثلاث وعشرين جرامًا من الذهب، فهنا المعاملة محرمة لما فيها من ربا الفضل، فيها ربا نسيئة.
وقد يكون ربا نسيئة .
ربا النسيئة : يعني التأجيل، بمعنى أنه يؤجل لا يتحقق التقابض فيما يجب فيه التقابض شرعًا وسنبين الأشياء التي يجب فيها التقابض شرعًا مثل أن يبدل مثلًا ذهب بفضة ويؤجل، مثلًا يقول: هذه عشرين جرام ذهب تعطيني بدلًا منها مثلًا مائتي جرام من الفضة بعد أسبوع، هذه المعاملة أيضًا محرمة لما فيها من التأخير فيما يجب فيه التقابض شرعًا.
ربا البيوع يختلف عن ربا الديون في أمرين:
الأمر الأول: أن ربا الديون محرم تحريم مقاصد، بخلاف ربا البيوع فإنه محرم تحريم وسائل، يعني الأصل في تحريم الربا والمقصود الأساسي هو تحريم ربا الديون؛ لأن ربا الديون في الحقيقة يشتمل على الزيادة والتأجيل، بخلاف ربا البيوع فإنه قد يشتمل على الزيادة فقط أو يشتمل على التأجيل فقط، فإذا اشتمل على الزيادة مع التأجيل أصبح من ربا الديون الذي هو محرم تحريم مقاصد.(1/80)
الفارق الثاني بينهما: أن ربا الديون يجري في جميع الأموال بلا استثناء، ولا بتخصص أموال ربوية، بخلاف ربا البيوع فإنه يجري في أنواع محددة من الأموال سنبينها بعد قليل إن شاء الله، أما ربا الديون فإنه يجري في كل شيء، وهذا في الحقيقة فيه رد على من يبيح الآن الفوائد المصرفية التي في البنوك ويقول: إن الريالات مثلًا والدولارات والأوراق النقدية هذه لا يجري فيها الربا أصلًا، ليست ملحقة بالذهب ولا بالفضة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حدد الأموال الربوية في ستة أصناف :( الذهب والفضة والبر والتمر والشعير والملح) وليس منها الريالات ولا الدولارات ولا غيرها من الأوراق النقدية، فلماذا تنثرون الربا في هذه الأوراق النقدية؟
فنقول: أصلًا الربا الذي يجري في البنوك في الحقيقة ليس من ربا البيوع وإنما هو من ربا الديون لأن النظام البنكي قائم على المداينات ديون وربا الديون يجري في كل الأموال بلا استثناء حتى ولو كان في التراب فإنه يجري فيه ربا الديون، والأدلة على ذلك ما يلي:(1/81)
الدليل الأول: أن الربا الذي نزل القرآن بتحريمه وهو ربا الديون كان في الإبل، والإبل هل هي من الأموال الربوية، هل هي من الأصناف الستة المذكورة في الحديث؟ ليست من الأموال الربوية ولا هي ملحقة بالأموال الربوية، فهذا يدل على أن ربا الديون يجري في كل شيء، بما أنه دخل في الإبل أصبحت الإبل يجري فيها الربا فكذلك يجري ربا الديون في كل الأموال، والدليل على أن الربا الذي كان في الجاهلية كان في الإبل ما جاء عن زيد بن أسلم - رضي الله عنه - قال: إنما كان ربا الجاهلية في التضعييف وفي السن، يكون للرجل فضل دين –لاحظ يقرضه الآن بعيرًا مثلًا فيكون له فضل دين- فيأتيه إذا حل الأجل فيقول: تقضيني أو تزيدني، فإن كان عنده شيء قضاه وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك، يقول: بدلًا من أن أعطيك بنت ..أعطيك بدلًا منها أمهلني مثلًا شهرين وأعطيك بدلًا منها بنت .. فهذا الربا الذي كان عند العرب في الجاهلية في الإبل، والإبل من المعلوم أنها ليست من الأموال الربوية التي يجري فيها ربا البيوع، فهذا يدل على أن ربا الديون كان يجري في كل الأموال.
الدليل الآخر على أن ربا الديون يجري في كل الأموال: إجماع الأمة على أن كل قرض جر نفعًا فهو ربا، أيًا كان المال المقرض فإنه يجري فيه الربا، وممن حكى الإجماع على أن كل قرض جر نفعًا فهو ربا يعني في كل الأموال بلا استثناء، ممن حكى الإجماع على ذلك: ابن حزم والنووي وابن تيمية والقرطبي، يقول القرطبي رحمه الله: أجمع المسلمون نقلًا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف.(1/82)
يعني في أي مال كان، وهذه في الحقيقة نقطة مهمة؛ لأن الآن نسمع بين الفينة والأخرى كثير من الناس يطرحون هذه الشبهة، ويقولون: إن الأوراق النقدية هذه لا يجري فيها الربا أصلًا لأنها ليست بذهب ولا فضة، ولا هي ملحقة بالذهب ولا بالفضة، وأن العلة في الذهب والفضة هي الوزن وليست العلة ثمنية، فنقول: هذه الشبهة مردودة عليكم لأن الربا الذي يجري في البنوك هو في الحقيقة ربا دين أو بيع؟ ربا ديون وربا الديون يجري في كل الأموال بإجماع العلماء بلا استثناء.
ننتقل بعد ذلك إلى الأموال التي يجري فيها ربا البيوع، نحن عرفنا أن ربا الديون يجري في كل الأموال، طيب ربا البيوع في أي الأموال يجري؟ نقول: الأصل في ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ?? الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ??قال أهل العلم: إن هذا الحديث هو الأصل في الأموال التي يجري فيها ربا البيوع، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في هذا الحديث كم صنف؟ ستة أصناف، واتفق العلماء على أن الأصناف المذكورة في الحديث تنقسم إلى نوعين ، جملتين:(1/83)
الجملة الأولى؟: الذهب والفضة في صنف، والأصناف الأربعة الأخرى في صنف أو في جملة أخرى، ثم اختلفوا في العلة الربوية، ما العلة في الذهب والفضة، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر الذهب والفضة هل المراد بالحديث الذهب والفضة فحسب أم يلحق بهما ما هو مثلهما في العلة، هذا محل خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إن العلة فيهما هي الوزن، ومنهم من قال: إن العلة فيهما هي الجنس، ومنهم من قال: إن العلة هي الوزن والجنس، ومنهم من قال: إنها الثمنية المطلقة، ومنهم من قال: إنها مطلق الثمنية على أقوال لن نستطرد في سردها لأن هذا ليس محل يعني ذكرها وإنما نختار بإذن الله ما يؤيده الدليل وترتضيه ويميل إليه النظر وهو أن العلة في الذهب والفضة هي أن الثمنية، النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الذهب والفضة لأنهما كانا الأثمان في ذلك الوقت التي تستخدم للتبادل بدليل ما جاء في الرواية الأخرى في قوله - صلى الله عليه وسلم - ?? الدِّينَارُ?? وفي رواية قال: ??الدَّنَانَير?? وفي رواية قال: ?? الدَّنَانِير وَالدَرَاهِم ?? فهو يشير إلى العملة المسكوكة على وقتهم وهيب الذهب والفضة وعلى هذا كل ما يشبه الذهب والفضة في هذه العلة فإنه يجري به الربا، ويكون حكمه كحكمهما، فعلى هذا يلحق بالذهب والفضة الآن: ما هي الأثمان المستخدمة الآن؟ أي شيء يستخدم كثمن يعني وسيط للتبادل التجاري، ويكون مقبولًا في المبادلات التجارية، فمثل الذهب والفضة الآن الأوراق النقدية المعاصرة كلها ملحقة بالذهب والفضة فنقول: يجري فيها ربا البيوع كما يجري في الذهب والفضة مثل: الريالات، الدولارات، الجنيهات على اختلاف أنواعها، الين، إلى آخره، فكل العملات في الحقيقة بما أنها أثمان فهي ملحقة بالذهب والفضة، وكل عملة تعتبر جنسًا مستقلًا بذاتها، فالريال جنس، الدولار الأمريكي جنس، الدولار الكندي جنس، الجنيه المصري جنس، الجنيه الإسترليني جنس، الليرا(1/84)
اللبنانية جنس، الليرا التركية جنس، وهكذا كل عملة مصدرة من بلد تعتبر جنسًا مستقلًا بذاتها، كما أن الذهب يعتبر جنسًا، فكذلك الريال يعتبر جنسًا، الذهب يعتبر جنسًا بأنواعه المختلفة قد يكون ذهب عيار أربعة وعشرين، قد يكون ذهب عيار واحد وعشرين، قد يكون ذهب عيار ثماني عشر، كلها جنس واحد هو الذات، مثله أيضًا الريال جنس واحد سواء كان ريالًا على هيئة ورقة نقدية أو كان ريالًا على هيئة شيك، أو كان ريالًا معدنيًا، أو كان ريالًا قيديًا، مقيد في البنك كحساب في البنك، كلها تعتبر جنس واحد، تعتبر جنسًا واحدًا، كما أن الذهب جنس واحد لأنواع مختلفة فكذلك الأوراق النقدية، هذا ما يتعلق بالذهب والفضة، الجملة الأولى من الحديث.(1/85)
ننتقل إلى الجملة الثانية من الحديث وهي قوله: ?? البر والتمر والشعير والملح?? الأربعة أصناف الأخرى، ما العلة الجامعة لهذه الأصناف الأربعة؟ هذا محل خلاف أيضًا بين أهل العلم، خلاف مطول في العلة الربوية، منهم من قال: إن العلة هي الكيل، ومنهم من قال: إن العلة هي الطعم، ومنهم من قال: إن العلة هي الطعم والجنس، ومنهم من قال: إنها الكيل والجنس، والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه المالكية من أن العلة في هذه الأصناف الأربعة أو أخص علة في هذه الأصناف الأربعة هي: الاقتيات والادخار، الوصف الجامع لهذه الأصناف الأربعة أنها قوت وقابلة لأي شيء؟ للادخار، ومعنى كونها قوتًا أي أن البنية الجسمية تقوم بها بهذا النوع من الطعام، يعني من الممكن أن يعتمد عليها الإنسان، يعني ليست من الأطعمة الكمالية أو الترفيهية، وإنما هي قوت يعتمد عليها، ومعنى كونها مدخرة يعني أنها قابلة للادخار لفترة طويلة، ممكن تدخر لفترة طويلة، فعلى هذا يلحق بهذه الأصناف الأربعة المذكورة، النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أربعة أصناف: (البر والتمر والشعير والملح) كل هذه كانت قوتًا على عهده على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والملح يصلح به القوت، فلذا ألحق بها.
ما الأشياء التي تلحق بهذه الأصناف الأربعة من الأشياء المعاصرة الآن؟ الأرز الآن قوت ويدخر لفترة طويلة، مثله أيضًا: العدس، ومثله أيضًا: أيش ؟ التمر؟ التمر موجود في الحديث، لا، نريد من الأشياء غير مذكورة في الحديث، مثله أيضًا: الفول: مثله أيضًا: الذرة، الزبيب، كل هذه الأشياء التي يعتمد عليها وتكون قابلة الادخار تلحق بالأصناف المذكورة، ويخرج بهذا الحديث ما ليس بقوت ولا مدخر مثل: الفواكه كلها لا تدخل؛ لا يجري فيها ربا البيوع، الخضروات كلها لا يجري فيها ربا البيوع، والحلويات كلها لا يجري فيها ربا البيوع، وعلى هذا فقس.(1/86)
طيب، بناء على ذلك من مفهومنا لهذا الحديث: عرفنا أن الحديث يشتمل على جملتين:
جملة فيها الأموال الأثمان (الذهب والفضة) وما ألحق بهما.
والجملة الثانية فيها: الأموال التي تقتات وتدخر وهي الأصناف الأربعة وما ألحق بها.
بناء على ذلك فعند مبادلة أي مال بمال حتى نسلم من الربا هناك خمس احتمالات عند مبادلة الأموال بعضها ببعض:
الاحتمال الأول: أو الحال الأولى: أن تكون المبادلة هي مبادلة مال ربوي بمال ربوي من جنسه، بمال ربوي من نفس الجنس، ففي هذه الحال يشترط شرطان من هذا الحديث:
الشرط الأول: التقابض في الحال يدًا بيد.
والشرط الثاني: التساوي، فإن كانا موزونين فأن يتساويا في الوزن، وإن كانا معدودين فأن يتساويا في العدد، وإن كانا مكيلين فأن يتساويا بالكيل، فمثلًا لو أبدلنا ذهب قديم بذهب جديد، الآن الذهب هل هو من الأموال الربوية؟ مال ربوي أبدل بمال ربوي نن جنسه، شخص ذهب إلى الدكان يريد أن يستبدل ذهبًا قديمًا عنده بذهب جديد من الصائغ، ماذا يشترط في هذه الحال؟ يشترط شرطان:
أولًا: لابد أن يكون يدًا بيد فورًا؛ سلم وتستلم، ما تعطيه الذهب القديم ثم تقول: سآتي غدًا وآخذ الذهب الجديد، لا، لابد من التقابض في الحال وأن يكون يدًا بيد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - ?? يدًا بيد??.
الشرط الثاني: التساوي وهنا التساوي في أي شيء؟ في القيمة؟(1/87)
لا، لا نلتفت إلى القيمة عند التساوي، وإنما التساوي في أي شيء؟ في الوزن، لابد من التساوي في الوزن؛ تعطيه عشرين جرامًا وتأخذ عشرين جرامًا؛ لأن الذهب من الموزونات، إن كان مكيلًا لو كان من الأشياء المكيلة مثلًا تمر سكري بتمر برقي مثلًا، يريد أن يبدل تمر بتمر، الآن مال ربوي بمال ربوي من نفس الجنس، ماذا يشترط؟ شرطان: التقابض، والتساوي في أي شيء؟ في الكيل، يعني مثلًا خمسة ... بخمسة ... لو كان في المعدودات ريالات ورقية بريالات معدنية، مائة ريال ورقي بمائة ريال معدني، الآن مال ربوي بمال ربوي من جنسه يشترط ماذا؟ شرطان:
الأول: التقابض؛ أن يكون يدًا بيد.
والثاني: التساوي؛ مائة ريال بمائة ريال وهكذا.
إذًا: هذه هي الحال الأولى، إذا أبدل مال ربوي بمال ربوي من جنسه يشترط شرطان.
الحال الثانية: أن يبدل مال ربوي بمال ربوي من غير جنسه لكنه يتفق معه في العلة الربوية مثلًا: أن نبدل ذهبًا بفضة، الآن الذهب جنس أبدل بجنس آخر مختلف عنه وهو الفضة، لكن العلة واحدة فيهما وهي الثمنية، ففي هذه الحال يشترط شرط واحد وهو التقابض، ولا يشترط التساوي، فبأي سعر أو بأي كمية جرى العقد فيصح، فيشترط شرط واحد وهو التقابض في الحال، ومثله أيضًا: لو أبدل دولارات بريالات جنس بجنس آخر مختلف الآن، فهنا لا يشترط التساوي يجوز أن يصرف الريالات بالدولارات بأي سعر سواء كان بسعر اليوم أو بسعر يتفقان عليه أو بسعر أقل أو أكثر مما هو سائد في السوق، بأي سعر يتم، لكن أهم شيء أن يتم ماذا؟ التقابض في الحال ، أن يتم التقابض في الحال، ومثله أيضًا: لو أبدل بورًا بتمر، أن يبدل بر بتمر، الآن البر جنس والتمر جنس آخر، لكن كلاهما علته الربوية واحدة وهي الاقتيات والادخار فيشترط شرط واحد وهو: التقابض.
ننتقل بعد ذلك إلى الحالة الثالثة:(1/88)
أن يبدل مال ربوي بمال ربوي من جنس آخر يختلف عنه في العلة الربوية، مثل أن يبدل مثلًا ذهب بتمر، أن تكون المبادلة بين ذهب وتمر، ففي هذه الحال لا يجري ربا البيوع مطلقًا، لا يشترط تقابض ولا تساوي، لا يشترط أي شرط، فيجوز أن يشتري مثلًا التمر بذهب ولا يسدد له في الحال وبأي سعر يشتريه؛ لعدم اشتراط التقابض ولا التماثل، ومثله أيضًا لو اشترى التمر بريالات: الآن الريالات جنس والتمر جنس آخر، لكن اختلفت العلة الربوية، فيجوز أن يشتري التمر مثلًا بالأجل ما يسدد لا بعد سنة لا يشترط تقابض، ولا يشترط أيضًا تساوي، يعني بأي سعر له أن يشتري التمر، إذًا: هذه هي الحال لثالثة.
الحال الرابعة: أن تكون المبادلة بين مال ربوي ومال غير ربوي أصلًا، ليس من الأموال المذكورة في الحديث ولا مما ألحق بها، مثلًا: المال الربوي مثلًا: ريالات يريد أن يشتري بالريالات مالًا غير ربوي، من يعطينا مثال على مال غير ربوي، ليس من الأصناف الموجودة في الحديث ولا يلحق بها؟
مثال: سيارة، هل هي من الأثمان (السيارة)؟
لا، إذًا: هي ليست ملحقة بالذهب ولا بالفضة، هل هي تقتات وتدخر؟ ما يأكلونه الناس؟ إذًا: هي ليست من الأموال الربوية فعلى ذلك لا يشترط لا تقابض ولا تماثل، يجوز أن يشتري السيارة بالتقسيط؛ لأنه لا يجري فيها ربا البيوع لا يجري في هذه المعاملة ربا البيوع.
الاحتمال الأخير أو الحالة الأخيرة: أن تكون المبادلة بين مال غير ربوي ومال غير ربوي، مالين غير ربويين أصلًا.(1/89)
مثل: كتاب بكتاب، سيارة بسيارة، يبدل مثلًا سيارة مثلًا (مرسيدس بنز) بثلاث سيارات (كادليك) مثلًا يصح؟ يصح، لماذا؟ لأن السيارات أصلًا ليست من الأموال الربوية فلا يشترط تقابض، ولا يشترط تماثل، ومثل أيضًا الثياب والمنازل، والفرش، والفواكه أيضًا: لو أبدل مثلًا صندوقي مثلًا طماطم مثلًا بصندوق واحد من الطماطم، أو صندوق من البرتقال بصندوقين من البرتقال أو التفاح كلها هذه جائزة لأنها لا يجري فيها لا ربا الفضل ولا ربا النسيئة.
إذًا: هذه هي خمس حالات، إذا اختل واحد من الشروط السابقة التي أشرنا إليها، إن اختل شرط التقابض الذي أشرنا إليه قبل قليل وقع المتعاقدان في ربا ماذا؟ في ربا النسيئة، وإن اختل شرط التساوي الذي أشرنا إليه قبل قليل وقع العاقدان في ربا الفضل.
إذًا: القاعدة في الربا أنه لابد من يعني في ربا البيوع لابد عند جريان ربا الفضل أو النسيئة فيه أن تتحقق شرود المبادلة الربوية، هذا ما يتعلق بالربا، يعني ندخل بشكل موجز في بعض المعاملات المصرفية خلال دقائق معدودة يعني حتى نربطها أو نجعل أساس ننطلق منه إن شاء الله في درس الغد، يعني هذا ما يتعلق بالمقدمات أو القواعد الفقهية التي أردنا أن نشير إليها في البداية.
هناك بعض القواعد أو بعض النقاط تجاوزناها يعني حتى لا يطول بنا المقام في تلك القواعد؛ لأننا نريد أن ندخل في صلب الموضوع وهو الحديث عن المعاملات المصرفية، لعلكم تقرؤونها إن شاء الله في المذكرة المكتوبة.(1/90)
ننتقل إلى الحديث عن الأعمال أو المعاملات المصرفية، فقبل أن نتكلم عن أنواع المعاملات المصرفية نعرف بالبنك أو المصرف، ما المراد بكلمة مصرف أو بنك: المصرف هي الكلمة العربية المترجمة للكلمة اللاتينية (البنك) كلمة بنك، وكلمة (بنك) أصلها كلمة إيطالية كلمة (بنكو) الإيطالية، كلمة (بنكو) الإيطالية هذه بمعنى الطاولة، أو ... التي يجري عليها التبادل، وسبب هذه التسمية أن المصارف كانت في نشأتها في القرون الوسطى لما ظهرت في أوربا تقريبًا في القرن السابع عشر كانت قد نشأت عن طريق الصيارفة الذين كانوا يجرون المعاملات المصرفية عن طريق طاولات، يضعون لهم طاولات يجرون فيها عمليات صرف النقود، يجرون فيها صرف النقود، فأطلق على هذه الأعمال (بنك) لتي هي بمعنى الطاولة، بدأ هؤلاء الصيارفة يتعاملون بالمعاملات المصرفية بشكل مبسط عن طريق تحرير الإيصالات يعني يتقبلون الودائع من الناس من الذهب والفضة وغيرها، ويضعونها عندهم ويعطونهم قسائم أو إيصالات موثقة من عندهم، فكان الناس يتعاملون بهذه الإيصالات، بدأت تظهر عملية الإيداع لدى هؤلاء الصيارفة، والناس يأخذون هذه الأوراق ويعتمدون عليها ثم تطورت الأعمال البنكية حتى أصبحت الحكومات تضبط عمليات الصرف هذه، أعمال الصيرفة هذه، فكانت بسيطة عن طريق الإيداع، ثم تطورت إلى عمليات التمويل، ومن هنا نعرف المصرف الآن كتعريف المصرف في واقعِهِ المعاصر أنه مؤسسة مالية متخصصة في اقتراض النقود وتمويلها للأفراد والشركات، المصرف مؤسسة مالية متخصصة في اقتراض النقود وتمويلها للأفراد والمجتمعات، فمن خلال هذا التعريف يتضح لنا أهم سمات المصرف أنه أول مؤسسة مالية؛ يعني تتعامل بالأموال بالنقود متخصصة فيها، وليست مؤسسة زراعية ولا تجارية ولا صناعية، وإنما هي تصنف كمؤسسة مالية.(1/91)
الأمر الثاني: أن عملها ونشاطها قائم على أي شيء أساسًا؟ أنها تتلقى النقود، تقترض النقود من الناس عن طريق الأفراد، عن طريق الودائع، وسنشير إليه، فهي تتلقى النقود من الناس ثم تقوم بضخها في البلد، فهي تتلقى ثم تضخ عن طريق التمويل، سمناه تمويل، التمويل في الغالب يكون بالإقراض وما شابه الإقراض، فهي تتلقى النقود عن طريق الاقتراض ثم تضخها في البلد أو في الأوساط التجارية والمالية والشركات والأفراد عن طريق الأفراد، فهنا عمل البنك يقوم على الاقتراض والإقراض، فهو البنك وسيط بين طرفين:
بين المودعين الذين يقرضون البنك، وبين جهات التوظيف التي تستثمر الأموال التي لدى البنك وتقترضها، هذا تعريف البنك.
الأعمال المصرفية: يمكن أن تصنف الأعمال المصرفية إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: مجموعة الخدمات المصرفية.
والمجموعة الثانية: مجموعة الخدمات الائتمانية.
والمجموعة الثالثة: مجموعة الخدمات الاستثمارية.
إذًا: عندنا ثلاث مجموعات تتألف منها ماذا؟ الأعمال المصرفية.
طبعًا هذا التصنيف يعني ليس هناك قواصد حقيقية في واقع التنفيذ في البنك، ليس هناك إدارة أو مجموعة متخصصة في الخدمات المصرفية، ومجموعة متخصصة في الخدمات الائتمانية،لا، وإنما هو تنظيم لفهم أعمال البنك، قد يكون هناك شيء من التداخل فيما بين هذه الخدمات، لكن حتى تفهم الأعمال البنكية لابد أن تدرك هذا التصنيف الثلاثي، وإن كان هناك شيء من التمازج بينها.(1/92)
في الخدمات المصرفية المجموعة الأولى: البنك يتلقى ماذا؟ النقود، فالخدمات المصرفية هي في الحقيقة نقطة البداية لعمل البنك، فيبدأ البنك في تلقي النقود عن طريق الخدمات المصرفية، ثم يضخ النقود في البلد عن طريق الخدمات الائتمانية، الخدمات الائتمانية سنشرحها فيما بعد بمعنى الاقراضية، التي تكون فيها إقراض، فهذا في الحقيقة الخدمات المصرفية والخدمات الائتمانية هي الخدمات التي تحتكرها البنوك، لا تستطيع أي مؤسسة أخرى أن تقدم هذين النوعين من الخدمات: الخدمات المصرفية، والخدمات الائتمانية، بينما الخدمات الاستثمارية مجموعة الخدمات الاستثمارية خارجة عن عمل البنك، هي أمر خارج عن عمل البنك، ولذلك في البنوك لا تدخل الخدمات الاستثمارية في مركزها المالي، وإنما يقدمها البنك كنوع من الخدمة للعملاء، وإلا هي في الأصل ليست عملًا من عمل البنك، بل إنه في بعض الدول كالولايات المتحدة تمنع البنوك من أن تزاول النشاط الاستثماري (الخدمات الاستثمارية) لأنهم يعتبرون إن البنك بما أنه متكدسة عنده الأموال لا يحق له أن يزاحم التجار في الاستثمار حتى لا ... توزيع يعني الأدوات الاستثمارية في المجتمع، ولذلك يعتبر الخدمات الاستثمارية خارجة، يعني في البلد مثلًا في كثير من الدول العربية كانوا يمنعون إلى فترة قريبة كانوا يمنعون البنوك أن تقدم الخدمات الاستثمارية لكن سمح لهم أخيرًا في العقود الأخيرة أن تقدم هذه الخدمات لكن على نطاق محدود أن تقدم الخدمات عن طريق ما يعرف بـ تعرفون أسماء الخدمات الاستثمارية الآن أيش يسمونها؟(1/93)
لا، غير الأسهم، يعني جزء منها الأسهم، البنك إذا أراد أن يقدم خدمة لاستثمار أموال العملاء، ماذا يسمي هذه الخدمة؟ في الغالب أنها الصناديق، فيعرف بالصناديق الاستثمارية، فالصناديق الاستثمارية أصلًا ليست من خصائص عمل البنك، ولا يحتكرها البنك، ولذلك من الممكن أن تقوم شركات أخرى غير بنكية بإنشاء محافظ وصناديق استثمارية وعندنا هنا في البلد، في المملكة يخطو نظام يعني يسهل عملية إدارة المحافظ الاستثمارية خارج نطاق البنوك حتى لا تحتكرها البنوك، لكن لا تستطيع أن تذهب إلى أي مؤسسة وتودع نقود غير البنوك، لماذا؟ لأن الخدمات المصرفية تحتكرها البنوك.
إذًا: عندنا ثلاثة أنواع من الخدمات:
خدمات مصرفية، خدمات ائتمانية، خدمات استثمارية.
بالخدمات المصرفية: البنك يتلقى النقود، وبالخدمات الائتمانية البنك يضخ النقود.
أما الخدمات الاستثمارية: فهي خارجة عن نطاق العمل البنكي وإن كانت البنوك تقدمها كخدمة كمالية من أعمال البنك، هذه الخدمات، لكن كل هذه الخدمات تسمى ماذا؟ أعمالًا مصرفية.
إذًا: عندنا أعمال مصرفية، وعندنا خدمات مصرفية حتى لا نخلط بينهما، هو اصطلاح فقط عند بعض الباحثين.
الخدمات للشيء الخاص، أو النوع الخاص من الخدمات التي يقدمها البنك كأعمال الصيرفة الاعتيادية المعروفة كالحوالات وتلقي النقود وفتح الحسابات الجارية كالشيكات ونحو ذلك.
بل الأعمال المصرفية: يراد بها كل أعمال البنك، هذا ما يتعلق بأنواع الأعمال المصرفية.
نبدأ بالنوع الأول وهو:(1/94)
مجموعة الخدمات المصرفية: يراد بالخدمات المصرفية في أعمال البنوك: هي الخدمات التي تخدم العميل في حساباته لدى البنك، بحيث إن البنك يسهل للعميل فتح الحساب، وسهولة حصوله على أمواله المودعة لدى البنك، فيدخل في ذلك أعمال الصيرفة الاعتيادية كفتح الحسابات والحوالات والشيكات وإعطاؤه بطاقة الصراف الآلي التي يستطيع بها أن يسحب من رصيده، وإجراء عمليات المقاصة واستيفاء الشيكات ونحو ذلك، فهي أعمال صيرفة عادية ترتكز على الطريقة التي يسهل بها البنك للعميل في أن يودع أمواله لدى البنك، فيعطيه الوسائل التي تسهل له الإيداع، ومن خلال هذه الوسائل يستطيع العميل أن يتعامل مع ماذا؟ رصيده، أن يتعامل مع رصيده، هذه الخدمات تسمى الخدمات ماذا؟ المصرفية، الخدمات المصرفية.
تشتمل الخدمات المصرفية على أعمال متعددة هي ثمانية أعمال سأشير إليها بشكل مجمل الآن، ونتحدث عنها تفصيلًا غدًا إن شاء الله
الأمر الأول: هو الحسابات المصرفية.
والثاني: هو الحوالات.
والثالث: هو عمليات المقاصة.
والرابع: هو بطاقات الصرف الآلي.
والخامس: إصدار الشيكات المصدقة.
والسادس: صرف العملات.
والسابع: صناديق الأمانات.
والثامن: الاتصال المصرفي.
إذًا: ثمان أعمال سنتحدث عنها غدًا إن شاء الله تعالى، يعني بهذا نقف في هذا الدرس هذه الليلة، ونستكمل إن شاء الله الحديث عن مجموعة الخدمات المصرفية غدًا بمشيئة الله تعالى.
عارض الأسئلة :
يقول : ما حكم البوفيه المفتوح ، من حيث جهالة الكمية التي تأكل ؟
الشيخ :(1/95)
البوفيه المفتوح على الصحيح أنه جائز ؛ لأن هذا يندرج تحت ما فسره أهل العلم من البيع بسعر المثل ، أو بما ينقطع بالسعر في السوق وهذا مِثْلُهُ ، وعلى الصحيح من أقوال أهل العلم أن البيع بسعر المثل جائز . بمعنى : أنه لا يلزم في عقد البيع أن يحدد ثمنًا معينًا ، بل يجوز أن يقول أبيعك هذه السيارة مثلًا بسعرها في السوق ، يعني : لا يلزم أن يحدد السعر ، بل يكفي أن يضع قاعدة ، أو ضابط يستطيعا أن يرجعا إليه ، فيقول بعتك هذه السيارة بسعرها في السوق ، هذا بيع بسعر المثل ، أو يقول بعتك هذه السيارة بالسعر التي تقف عليك في النداء – يعني في الحراج – هذا بيع بما ينقطع به السعر في النداء ، وهو جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم . ومثله أيضًا هنا لو قال : تأكل الأكل المعتاد الذي يأكله الآدمي ، وهو أن تدفع تقريبا عشرين ريال ، أو ثلاثين ريالًا ، وهو السعر المثل عادةً لوجبة الغداء ، أو لوجبة العشاء ، فهذا جائز ، وقد دلَّ على جوازه أيضًا قول الله تعالى في استئجار المرضع { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [البقرة:233] فيجوز للولي أن يستأجر لترضع الرضيع ، ويقول أجرتك أن تأكلي في البيت فيما هو معروف بالأكل المعتاد ، وأن نَكْسُوَكِ الكِسْوة المعتادة ، ما يحدد أجرة معروفة ، ولكن يقول بأكلكِ وكسوتك ِ ، فهذا مثل البوفيه المفتوح تدفع عشرين ريالًا لأكلكَ ، وشربَكَ ، وجاء في حديث وإن كان فيه ضعف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن موسى- عليه السلام - ?? آجَرَ نَفْسَهُ لِشِبَعِ بَطْنِهِ وَعِفْةِ فَرْجِهِ ?? . بمعنى أنه خدم عند صاحب مَدْيَن ، ورعى الغنم ، وكان مقابل ذلك أمرين :
الأمر الأول : أن ينكحه إحدى ابنتيه "عفة فرجه " .
الأمر الثاني : يطعمه " شبع بطنه " .هذا نظير هذه المسألة .
عارض الأسئلة :(1/96)
يقول: لماذا تسمى بعض الشركات المساهمة بالنقية ، مع وجود نسبة من الربا فيها .
الشيخ :
لا . إذا قلنا " شركات نقية " المفترض لا تطلق هذه الكلمة إلا على الشركات التي ليس فيها نسبة من الربا ، فقلنا " شركات نقية " بمعنى أنها لا تتعامل بالربا ، ولو بنسبة يسيرة ، أما الشركات التي فيها نسبة من الربا ، فهذه ينبغي أن يطلق عليها الشركات المختلطة ؛ يعني : فيها نسبة من الربا . حتى نميز بينهما .
الشركات النقية : فيما يظهر والله أعلم أنها جائزة ، ولا إشكال فيها ، أما الشركات المختلطة هي التي محل بحث بين أهل العلم ، واختلاف ، وسنشير إليها إن شاء الله عند الحديث عن الأسهم في وقتها إن شاء الله في هذه الدورة .
عارض الأسئلة :
هل يجوز المضاربة في الأسهم المشبوهة ؟
الشيخ :
طبعًا المشكلة عندنا في المصطلحات ؛ ماذا تقصد بالمشبوهة ؟ قلنا : " نقية " ، و " مختلطة " . وهنا جاءنا مصطلح ثالث وهو: المشبوهة ، وهنا أنبه كثير من السائلين يسأل المفتي مثلًا ، أو العلم ويقول : ما رأيك في الشركات المشبوهة - مثلًا – مثل هذا السؤال ، أو يقول : ما رأيك في الشركات النقية ؟ السائل في ذهنه شيء غير ما عند المفتي .
أحيانًا : المفتي يقصد بالشركات النقية يعني الشركات السالمة تمامًا من الربا ، بينما السائل يظن الشركات النقية يعني : كل الشركات التي أصل نشاطها مباح ، وإن كانت تتعامل بشيء من المعاملات المحرمة ، ولذا ما ينبغي أن يطلق السؤال هكذا .
ينبغي أن يكون السؤال : ما حكم الشركات المشبوهة التي فيها نسبة ربا عالية – التي تتعامل بالربا بنسبة عالية – أو التي أصل نشاطها مُحَرَّم ؛ حتى تتضح الصورة للمفتي .
فلذلك جوابًا لسؤال السائل أقول : الشركات على ثلاثة أصناف :
1 – شركات نقية : أصل نشاطها مباح ، ولا تتعامل بأي معاملة محرمة فهذه جائزة .(1/97)
2 – شركات محرمة : وبعضهم يسميها " مشبوهة " : وهي الشركات التي أصل نشاطها محرم كالبنوك الربوية ، وشركات التأمين التجاري ، والشركات التي تبيع الدخان مثلًا – التبغ – أو الشركات التي تبيع الخنزير ، أو الخمر .. هذه لا تجوز المساهمة فيها مطلقًا .
3 – شركات أصل نشاطها مباح : كشركة إسمنت ، أو كشركة زراعية ، أو كشركة تجارية أو كشركة صناعية ، لكن هذه الشركة قد تقترض من البنوك بالفوائد ، وقد تودع لدى البنوك ، وتأخذ فوائد ربوية . يعني : هذا ليس من صميم نشاطها ، وإنما هذه أمور عارضة ، أحيانًا تتعامل بهذه المعاملات المحرمة .. هذه التي نسميها الشركات المختلطة ، وهي محل بحث ، ونِقَاش ، وخلاف بين أهل العلم المعاصرين .
الذي أَرَاهُ : أنه إذا كانت المعاملات التي فيها يسيرة ، بمعني : أنها لا تؤثر في نشاط الشركة ، ولا تعتبر من سمات الشركة ، وليست أصيلة في نشاط الشركة ، فلا حرج على الإنسان أن يدخل فيها ، لكن بشرط : أن يتخلص من النسبة المحرمة في تلك الشركة ، فيتخلص منها في أوجه البر ، ولا يدخلها في حر ماله ، وهذه النسبة التي يتخلص منها هي النسبة التي تأتيه من الأرباح التي توزعها الشركة – إذا كانت الشركة توزع أرباح – أما إذا كان يضارب بالأسهم ، بمعنى : أنَّه يبيع ويشتري ولم يأخذ أرباحًا من الشركة فهذا لا يلزمه التخلص من شيء ؛ لأنه لم يصل إليه أي نسبة محرمة من الشركة نفسها ، وإنما قيمة البيع الذي حصل عليه من بَيْعِهِ السهم جاءه من شخص غير الشركة ، وهنا لا يلزمه التخلص منه .
وسيكون لنا حديث مُفَصَّل عن الأسهم إن شاء الله ، وربما يكون في أخر الدورة ، وكما قلنا أن الأسهم – أصلًا – ليست من الأعمال المصرفية الأساسية ، وإنما هي من الخدمات الاستثمارية ، والخدمات الاستثمارية هي أخر الخدمات المصرفية .
عارض الأسئلة :
أسئلة عن بعض الشركات ؟
الشيخ :
بأسمائها ؟(1/98)
عمومًا .. أنا لي ورقة كتبتها عن الشركات ، صَنَّفت الشركات إلى ثلاثة أصناف حسب ما أراه ، وحسب دراستي للشركات الموجودة الآن
، والشركات الموجودة الآن ستة وسبعين شركة - (76) – موجودة في السوق السعودية صنفتها إلى ثلاثة أصناف بناءً على القوائم المالية لها . فمن أحب أن يعرف حكم أي شركة – من وجة نظري أنا - عليه أن يرجع إلى تلك الورقة التي كتبتها ، وهي موجودة في عدد من المواقع الإنترنت .
عارض الأسئلة :
ما المراد بـ " المخاطرة " .
الشيخ :
المراد بالمخاطرة أن يشتري الإنسان السلعة ، وهو لا يضمن أن يربح فيها ، وقد يشتريها ثم يبيعها بخسارة ، وقد يشتريها ثم تتعرض للهلكة ، هذا فيه نوع من المخاطرة ، وهذا جائز ؛ بما أَنَّ العقد عند تمامه قد تمت أركانه ، وشروطه فالعقد صحيح ، وليس فيه محظور شرعي . وجود الخطر بعد العقد هذا لا يجعل العقد محرمًا .
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا ، يقول : ألا تدخل الصور التي حُرِّمَت بسبب الغرر تحت الظلم ؟
الشيخ :
كم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم أن الغرر ، والربا إنما حُرِّمَا لما فيهما من الظلم ، وفي الحقيقة الغرر ، والربا مآلهما إلى الظلم ؛ فكل غرر ففيه ظلم ، وكل ربا فيه ظلم ،لكن أنا أفردت الظلم بسبب مستقل لأنه هناك معاملات محرمة في الشريعة لما فيها من الظلم ، وليس فيها ربا ولا غرر ، ذكرنا خمس صور محرمة لما فيها من الظلم فقط مجرد :
1 - التسعير . فالتَسعير مثلًا ليس فيه لا ربا ولا غرر ، وإنما حُرِّمَ للظلم .
2 – الاحتكار .
3 - النجش .
4 - بيع الرجل على بيع أخيه ، وشِرَائُهُ على شِرَائِهِ .
5 – الغش . وهناك أمثلة أخرى ، لكن هذه أبرزها .
عارض الأسئلة :
جزاكم الله خيرًا .
يقول ما الفرق بين الغرر ، والجهالة في البيع ؟
الشيخ :(1/99)
الجهالة في الحقيقة هي الأساس أو الأصل الذي ينبني عليه الغرر في البيع ، فهما في الحقيقة بمعنى واحد من حيث الأصل ، لكن الغرر قد يكون مغتفرًا ، وقد يكون غير مغتفر ، بخلاف الجهالة فإن الغالب من أهل العلم لا يطلقونها إلا على الغرر الذي لا يغتفر .
عارض الأسئلة :
يقول هل المزارعة ، والمساقاة خارجة عن القياس لما اشتملت عليه من الغرر ؟
الشيخ :
لا . المزارعة ، والمساقاة ليست هما من القياس ، وهنا نقطة مهمة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم أن بعض المذاهب يقولون أن هذه المعاملة خارجة عن القياس ، وليست على وِفْق القياس ، ويقصدون أنها خرجت عن قاعدة عامة في الشريعة ، وبالتالي لا يقاس عليها من المسائل .
شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : لا ؛ بما أَنَّ هذه المعاملة جاءت في الشريعة فالأصل أن كل ما جاء في الشريعة هو وفق القياس ، ويكون قاعدة بنفسه ، وينبغي أن يقاس عليه .
كذلك المساقاة ، والمزارعة هما أصل بنفسيهما ، وهما وفق القياس ، ويقاس عليهما ما يماثلهما من المعاملات ، وليس في المساقاة ، والمزارعة غرر ؛ لأن الغرر – قلنا- إذا ربح أحد الطرفين خسر الأخر ، فالتناسب هنا عكسي ، بربح أحدهما يخسر الأخر ، بينما في المساقاة والمزارعة إذا رَبِحَ العامل .. رَبِحَ صاحب الأرض ، فإذا ربح أحدهما ربح الأخر ، وإذا خسر أحدهما خسر الأخر ، وهذا هو الفرق بين الغرر ، وعقود المشاركات .
في المشاركات : إذا ربح أحد الطرفين ربح الأخر ، وإذا خسر أحد الطرفين خسر الأخر ، بينما في الغرر إذا ربح أحدهما خسر الأخر والتناسب بينهما عكسي .
عارض الأسئلة :
يقول : ما الفرق بين الحلول ، والتقابض في الربا ؟
الشيخ :
الحلول : بمعني أن تكون المعاملة حَالّ " الآن " ، أما التقابض فهو أخص من الحلول : أن يكون يدًا بيد .
قد يوجد الحلول ، ولا يوجد التقابض ، لكن إذا وجِدَ التقابض وجِدَ الحلول .(1/100)
مثال ذلك : شخص أعطى أخر مائة دولار ، وقال هذه المائة دولار اصرفها ريالات ، نفرض ذهب إلى البنك وقال هذه مائة دولار اصرفها لي ريالات .
قال : هذه تساوي ثلاثمائة وخمس وسبعين ريال - (375 ريال ) – متى تريدها ؟
قال : الآن أريدها .
أمين الصندوق في البنك أخذ المائة دولار ثم دخل إلى غرفة داخل البنك ليصرفها بريالات ، ويعيدها إلى صاحبها ، فأعطاه ( 375 ريال ) هناك تحقق شرط الحلول – المعاملة حالة الآن – لكن هل حصل التقابض ؟
لا . لم يحصل التقابض ؛ لأن التقابض معناه : سَلِّم الآن وتستلم .
ما الخطأ الآن – حتى نصحح هذه المعاملة - ما الذي ينبغي أن يكون ؟
- أن يمسك الشخص هذه الدولارات في يده ، ويقول : أحضر الريالات أولًا من البنك ، وإذا أحضرتها الآن أسلمك إياها . يعطيه مائة دولار ، ويعطيه ثلاثمائة وخمس وسبعين ريال . هنا نقول يدًا بيد .
أما في الحالة الأولى ففيها ربا يسميه الشافعية " ربا اليد " وهي المعاملة التي يشترط فيها التقابض ، وَوَجِدَ فيها الحلول ، ولم يوجد فيها التقابض . فيسمونها ربا اليد ، وهي نوع من أنواع ربا النسيئة .
ولذلك نقول : إن التقابض أخص من الحلول ، لابد من الحلول والتقابض .
وهنا تأتي مسألة : وهي مسألة " الفكة " هذا مصطلح دارج عند الناس .
شخص معه مثلا مائة ريال يبغيها صرف يفكها ريالات ، فيأتي إلى صاحب محطة أو بقال أو غيرها ، ويقول اصرفها لي ريالات ، أو يشتري من البقال شيء بسيط – مشروبات غازية ، أو حلويات ، أو غيرها – ويبقى مثلاً تسعين ريال ، فيذهب صاحب البقالة فيصرفها من مكان أخر .
ترون الآن : إما يعطيه نقود كاملة ، أو يشتري بها سلعة أخري مثلا بعشر ريالات ، ويرد إليه تسعين ريالًا.
الآن : مبادلة ربويين من نفس الجنس ! أليس كذلك ؟
ريالات بـ ريالات .. فيشترط التقابض ، والتماثل .
فلو أنه ذهب ليصرفها من مكان أخر – خرج مثلا إلى بقال أخر ، أو إلى محطة قريبة – هل يجوز هذا ؟(1/101)
هذا محل خلاف . من العلماء المعاصرين كالشيخ عبد العزيز بن باز – رحمة الله عليه – من يرى أن هذا لا يجوز ؛ لعدم تحقق التقابض .
لأنه مصارفة مال ربوي بـ مال ربوي من جنسه ، ولم يتحقق التقابض .. صحيح هناك حلول ، لكن ليس هناك تقابض .
الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : توسط في هذه المسألة ، وقال في مثل هذه المعاملات يشترط الحلول ، ولا يشترط التقابض .
يعني : لا يجوز أن يؤجله ، فلا يجوز أن يأخذ المائة ريال ، ويقول : أعطيك الفكة غدًا . وإذا أجلَّه اختل شرط الحلول .
قال : يغتفر في مثل هذا " التقابض" فيجوز يقول مثلًا أذهب إلى الدكان الفلاني لأصرفه ، أو أخرج لمكان أخر لأصرفها ، وأعيدها إليك .
قال : لأن هذا مما يشق الاحتراز عنه ، ويكثر عند الناس .
ولعل ما ذهب إليه الشيخ عبد الرحمن السعدي فيه توسط في هذه المسألة .
هذا والله أعلم وصلى اللهَّم وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/102)
فقه المعاملات المصرفية
فُرغت الأشرطة بإذن من الشيخ فضيلة الشيخ
د . يوسف بن عبد الله الشبيلي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم علِّمْنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا يا حي يا قيوم .
أما بعد ..
أيها الإخوة الكرام نواصل الحديث عن الأعمال المصرفية ، وقد أنهينا الحديث عن الخدمات المصرفية وشرعنا في الحديث عن الخدمات الائتمانية، وأخذنا من الخدمات الائتمانية .
ذكرنا عددًا منها :
النوع الأول: الإقراض المباشر ، وقلنا إن هذا هو التمويل السائد لدى البنوك الربوية .
النوع الثاني: هو بيع التقسيط وهو التمويل الأكثر انتشارًا لدى البنوك الإسلامية .
وننتقل بعد ذلك إلى النوع الثالث وهو التورق المصرفي :
والتورق نسبة إلى الوَرِق ، سمي بذلك لأن المشتري الذي يشتري السلعة لا يقصد السلعة لذاتها ، وإنما يقصد الوَرِق وهو الفضة ، يعني يريد الدراهم يريد النقود ، لا يقصد السلعة لذاتها.
والتورق الذي تجريه المصارف اليوم على نوعين :
1- تورق بسيط وهو التورق العادي .
2- والتورق المنظم .
فنبدأ بالنوع الأول وهو التورق البسيط أو التورق العادي .
التورق البسيط : أن يشتري العميل السلعة من البنك بالأَجَل ، ثم يبيعها بنفسه على طرف ثالث بقصد الحصول على قيمتها نقدًا ، إذًا التورق مُتَمم في الحقيقة لعملية البيع بالتقسيط ، فالتورق يشتمل على بيع بالتقسيط وبيع آخر ، فالعميل يأتي غلى البنك ويشتري منه السلعة بالتقسيط أو بالأجل ، ثم إذا أخذ تلك السلعة وحازَها وقَبِضها ، باعها بنفسه على طرف ثالث غير البنك ، فالمُسْتَوْرِق هنا أي المشتري لم يقصد السلعة لذاتها إنما اشترى السلعة ابتداءً بقصد بيعها ؛ ليبيعها ويحصل على النقد .(1/103)
والتورق البسيط الذي تجريه البنوك لا يكون إلا في السلع المحلية ؛ قد يشتري سيارة ، قد يشتري أسهمًا ، قد يشتري مثلًا أوانٍ منزلية ، قد يشتري مثلًا أثاثًا ، قد يشتري أجهزة كهربائية ونحو ذلك ، لا بقصد الانتفاع بها وإنما بقصد أن يبيعها ويحصل على النقد .
وفي هذه المعاملة لا بد أن يبيع السلعة على طرف ثالث ولا يبيعها على البنك ؛ ، لأنه إن كان هناك تواطؤ أو اتفاق بينهما على أن يبيع السلعة غلى البنك فإن هذا يجعل العقد له اسم آخر غير التورق ، يجعل العقد عينة ، هذا الذي يسميه أهل العلم بيع العينة ، وهو أن يشتري السلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على البائع الأول بثمن حاضر أقل منه نقدًا ، فهذه لو باعها على البائع الأول فهي العينة والعينة محرمة عند جماهير أهل العلم ، العينة محرمة عند الجماهير من الأحناف والمالكية والحنابلة ، والشافعية يرون أن العينة جائزة إذا لم يكن هناك اتفاق أو شرط سابق ، أما إذا كان هناك اتفاق أو شرط سابق بين البائع والمشتري فهم يوافقون الجمهور على المنع منها .
وحديثنا الآن ليس منصبًّا عن العينة وإنما نتكلم عن التورق .
أما العينة فإن نصوص الشريعة وأدلة التحريم ظاهرة في المنع منها ، لكن ننظر الآن في التورق البسيط وهو أن يشتري العميل السلعة ثم يبيعها على طرف ثالث .
اختلف أهل العلم في التورق العادي هذا فيما إذا اشترى شخص سلعة بالأجل بقصد أن يبيعها نقدًا على طرف ثالث ليحصل على ثمنها .
ولأهل العلم في هذه المسألة قولان :
القول الأول هو : التحريم : تحريم هذه المعاملة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما ، وهو قول في مذهب الإمام أحمد .
واستدل أصحاب هذا القول بدليلين :(1/104)
الدليل الأول: حديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه : ?? نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرَّ?? ، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد ، لكن نُوقِش الاستدلال بهذا الحديث من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف ، فإن فيه راويًا مجهولًا ، وممن ضعف هذا الحديث ابن حجر والشيخ أحمد شاكر والشيخ ناصر الدين الألباني رحمة الله على الجميع .
الوجه الثاني: أن الذي يضطر لبيع ماله هو في الحقيقة قد تحقق منه الرضا ؛ لأنه لم يدع ماله إلا برضاه ، فشَرْطُ البيع وهو التراضي قد تحقق في هذه المعاملة .
الوجه الثالث: أنه ليس كل من يتعامل في التورق يُعَدُّ مضطرًّا ، فإننا نجد من الناس من يتورق في أشياء كمالية وليست من الأشياء الحاجية ولا من الأشياء الضرورية ، وهذا واقع الآن ، من ينظر في حال الناس الذين يتعاملون بالتورق في البنوك يدرك أن أكثر السلع في الحقيقة التي تشترى وتباع بقصد التورق أن أغلب الناس الذين يتعاملون في هذه المعاملة غير مضطرين إلى سلع بذاتها أو إلى أشياء ، حاجيات أو ضرورية عندهم ، بعضهم يريد أن يتوسع في مسألة الاستثمار بالأسهم وبعضهم يريد أن يتوسع مثلًا في بعض الأمور الكمالية لديه في حياته .
فالقول بأنه بيع مضطر دائمًا فغير مسلم .
الدليل الثاني: من أدلة القائلين بالتحريم - هو في الحقيقة التعليل – قالوا : إن مقصود المشتري من هذه المعاملة هو الحصول على النقد ، ولهذا فهو يلتزم في ذمته ثمنًا أكثر من الثمن الذي يحصل عليه نقدًا ، فهو يلتزم تجاه البائع الأول ثمنًا أكثر من الثمن الذي يحصل عليه عند بيعه لتلك السلعة ، فكأنه قد أخذ قرضًا في الأقل والتزم في ذمته بالأكثر .
قالوا : والربا ليس له صورة إلا كذلك ، فهو التزام بالذمة بأكثر من الثمن الذي وجب عليه نقدًا .(1/105)
نوقش هذا الاستدلال بأن السلعة في الحقيقة مملوكة للمشتري ، فالمستورِق الذي يشتري السلعة هو يتملك السلعة حقيقة وتدخل في حيازته ويقبضها فكما أن له أن ينتفع بها بسائر أوجه الانتفاع ؛ أن يركبها إن كانت تركب ، أن يلبسها إن كانت تلبس ، أن ينتفع بها بسائر أوجه الانتفاع ، له كذلك أن يبيعها لأنها ملكه الآن وله حق التصرف فيها ، ولهذا كان القول الثاني في هذه المسألة وهو ما ذهب إليه جماهير أهل العلم وعدد من العلماء المعاصرين المتأخرين ومنهم سماحة الشيخ : عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ، وأيضًا كذلك الشيخ : عبد الرحمن السعدي ، وكذلك الشيخ : محمد العثيمين رحمه الله ، رَأَوْا جواز هذه المسألة ، إلا أن الشيخ : محمد العثيمين رحمه الله وضع بعض الضوابط لها ، وفي الحقيقة هذه الضوابط بالفعل هي ضرورية لتطبيق هذا العقد ، والضوابط التي ذكرها تندرج تحت الضوابط العامة في عقد البيع .
فالقول الثاني للمسألة : هو الجواز ، أن التورق جائز من حيث الأصل ، ودليل جوازه هو الأصل العام أو القاعدة العامة في الشريعة في أبواب البيوع أن الأصل في المعاملات هو الحل ، ولا دليل يمنع من هذه المعاملة وعلى ذلك فتبقى هذه المعاملة على الأساس في عقد البيع وهو جوازها من حيث الأصل .
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الثاني من أنواع التورق وهو : التورق المُنَظَّم ، وهو الآن تقريبًا هو الأكثر انتشارًا في البنوك الإسلامية في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة ، بدءوا يتجهون إلى التورق المنظم .(1/106)
في التورق المنظم يشتري العميل السلعة من البنك ويوكل البنك في نفس الوقت ببيعها ، لا يقوم العميل ببيعها بنفسه وإنما يبيعها البنك نيابة عنه ، يوكله في بيعها ، فليس للعميل إلا خيار واحد ، هو توكيل البنك في البيع ، لا يستطيع العميل أن يحتفظ بالسلعة أو يستمر مالكًا لها ، ولا يستطيع أن يبيعها بنفسه ، وإنما أمامه خيار واحد هو : أن يُوَكِّل البنك في البيع ، فنلاحظ الآن التورق المنظم هو في مرحلة وسط بين العِينة والتورق البسيط .
ما الفرق بين التورق المنظم وبين العينة؟
في العينة المشتري يبيع السلعة على البائع ، يشترها البائع من العميل ، أما في التورق المنظم العميل ما يبيع السلعة على البنك ، وإنما يقول للبنك : وَكَّلْتُكَ في بيعها على طرف ثالث .
ما الفرق بين التورق البسيط والتورق المنظم؟
في التورق البسيط مَن الذي يبيع السلعة على طرف ثالث؟ المشتري نفسه أو العميل نفسه ، فهو يريد النقد يريد الوَرِق ، لكنه بنفسه يبيعها ، بينما في التورق المنظم لا يستطيع العميل أن يبيع السلعة بنفسه ، لأنه أصلًا لا يستطيع أن يدخل إلى السوق التي تباع فيها تلك السلع ، أو أحيانًا تكون تلك السلع في مكان آخر لا يشاهدها ولا يراها وهو أصلًا لا يريد أن يقبضها ، وهو مباشرة يوكل البنك في بيعها .
إذًا هذا هو الفرق بين التورق البسيط والتورق المنظم ، والتورق المنظم والعينة.(1/107)
صور التورق المنظم كثيرة جدًّا ، لعل من أبرزها التورق المنظم في السلع الدولية أو في المعادن الدولية ، فهناك سوق للمعادن الدولية ، من أشهر تلك الأسواق سوق (لندن) للمعادن الدولية ، يتم فيه تبادل المعادن عن طريق أوراق أو سندات تسمى شهادات الحيازة أو شهادات التخليص ، هذه السوق يتم فيها تبادل المعادن وبيعها ، فيأتي البنك يشتري معادن من السوق الدولية ، من سوق (لندن) للمعادن الدولية ، فطبعًا هو عندما يشتري المعادن لا ينقل المعادن إلى مستودعات ، وإنما غاية ما يَقْبِضُه هو شهادة الحِيازة ، ثم إذا أخذ شهادة الحِيازة العميل الآن يريد أن يَتَوَرَّق ، فيبيع تلك المعادن التي اشتراها على العميل بالأجل ، فلنفرض أنه اشترى معدن مثلًا بمليون ريال ، فباعها على العميل بالأجل بمليون ونصف مثلًا ، فالعميل الآن عندما يبيع هذه المعادن على العميل يطلب من العميل أن يوكله في بيعها مرة ثانية في سوق (لندن) للمعادن لصالح العميل ، فيبيعها .
البنك ما يستطيع أن يدخل ؛ لأن سوق (لندن) للمعادن ما يبيع ويشتري فيه إلا سماسرة معروفون وسطاء ، فالبنك أصلًا يُوَكِّل غيره في البيع والشراء ، والعميل يوكل البنك ، وهكذا هي سلسلة من التوكيلات ، فلا يستطيع البنك فضلًا عن العميل أن يتولى البيع أو الشراء بنفسه .
أحيانًا يكون التورق المنظم في سلع محلية ، وهذا تطبقه بعض البنوك أو بعض النوافذ الإسلامية في عدد من البنوك ، يقولون : نحن نتملك حديدًا في أحد المستودعات ، سنبيع عليك الحديد بالأجل أو بالتقسيط وفي نفس الوقت تُوَكِّلُنا بِبَيْعِه في السوق لصالحك .(1/108)
أحيانًا بعض البنوك يضعون خيارات أمام العميل ، لكن معلوم أن الخيارات هذه ليست بمقدور العميل ، فيقولون : إما أن تَحُوز تلك السلع التي اشتريتها أو تتولى بيعها بنفسك أو توكلنا ببيعها ، لكن إذا كان العميل يريد أن يُشَاكِس مع البنك فقال مثلًا : أنا أريد أن أحوز مثلًا تلك السلع التي سأشتريها ، يقولون : لا ، برنامج التورق هذا ما وُضع لأجل الحِيازة ، وإنما وُضع لشيء واحد وهو أن توكلنا في البيع ، وذلك لأن الحقيقة أن كل الذين يدخلون في التورق ما يريدون أصلًا السلع ، لا يريدون حيازتها ولا يريدون أن يبيعوها بأنفسهم ، شخص اشترى حديدًا ، كيف يبيع الحديد هذا ؟! من أين سيجد أناس يشترون منه هذا الحديد ، فلذلك هو تلقائيًّا مع عقد شراء الحديد أو مع عقد شراء المعادن أو مع عقد شراء الأجهزة التي يشتريها ، مباشرة يوكل البنك في بيعها .
فما الحكم الشرعي الآن للتورق المنظم ؟
الذي ذهب إليه عدد من الهيئات الشرعية ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العلم الإسلامي أن هذا التورق محرَّم وأنه بيع صوري وحيلة على الربا وأنه يشتمل على عدد من المحاذير الشرعية .
نشير إلى أهم تلك المحاذير التي يشتمل عليها ذلك العقد :(1/109)
الأمر الأول : أن العقد في الحقيقة عقد صوري ، فالسلع المشتراة التي يشتريها العميل موصوفة ، هو يشتري أشياء موصوفة غير معينة ولا مفردة ، يقولون : نبيعك مثلًا نصف طَن من الألومنيوم غير محدَّد ولا مطلق ولا معيَّن وإنما موصوف وصفًا ، أو يقولون مثلًا : نبيعه مائة كيلو مثلًا من الحديد ، وهو غير محدد ولا مطلق وإنما هو شيء موصوف ، ولذلك نجد في السوق الدولية أن السمسار الذي يبيع تلك السلع على البنك يبيع نفس السلع على أطراف آخرين في نفس الوقت ، تجد أن السمسار عنده مثلًا خمسة أَطْنان من الألومنيوم ، باع هذه الخمسة أطنان على البنك ، والبنك باعها على العميل ، نفس السمسار بعد أن باعها على البنك ذهب وباع الخمسة أطنان على شخص آخر ، لماذا ؟ لأنه أصلًا باع شيئًا موصوفًا غير محدد ، ولذلك السماسرة هؤلاء يُجْرُون صفَقات متعددة على السلعة الواحدة في آنٍ واحد في نفس الوقت ، لأن العقد أصلًا وقع على شيء موصوف غير محدد ولا مفرد ولا معين ، فهذا يدل أن العقد أصلًا عقد صوري ليس بحقيقي .(1/110)
ومما يؤكد ذلك أن الواقع الآن أن البنوك التي تتعامل بالتورق المنظم تُجْرِي صفقات بمبالغ قليلة نسبيًّا مقارنة بما تتطلبه سوق المعادن الدولية فالمعروف في سوق المعادن الدولية أن شهادة الحيازة لا تصدر إلا لكمية لا تقل عن خمسة وعشرين طَنًّا ، سوق (لندن) للمعادن الدولية المعادن التي فيها عبارة عن كُومة أو مجموعة من المعادن ، كل كومة تقريبًا زِنَتُها خمسة وعشرين طَنًّّا ، فإذا كانت خمسة وعشرين طنًّا سعرها في العادة لا يقل عن خمسة ملايين - أو قريبًا من ذلك – من الريالات ، وفي الواقع أن البنوك تُجري بكميات أقل من ذلك ، أحيانًا تجري صفقات تورق أو عقود تورق بمائة ألف ريال ومائتي ألف ريال وثلاثمائة ألف ريال ، فكيف استطاع البنك أن يحوز تلك الكمية الضئيلة مع أنه من المتعذر أن تُفرد تلك الكمية الصغيرة من خارج تلك الكومة من المعادن ؟! هذا الأمر الأول الذي يؤكد أن هذا العقد غير حقيقي.
الأمر الثاني: أن التورق الذي يتم في السلع الدولية يؤول في الحقيقة إلى العينة كيف ذلك ؟
السمسار الذي باع المعدن على البنك ثم باعه البنك على العميل ثم جاء العميل ووكل البنك في بيعه ، يأتي البنك يبيعه على مَن ؟ يبيعه على السمسار نفسه البائع الأول ، فهذه يسميها أهل العلم : الحيلة الثلاثية أو العينة الثلاثية ، فالآن السمسار باعه على البنك والبنك باعه على العميل والعميل وكل البنك في بيعه ، البنك في الغالب لا يستطيع أن يبيع إلا على السمسار الأول ، وهذا هو الواقع في الحقيقة في أكثر البنوك التي تُجري عمليات التورق المنظم ، نجد أن شهادة الحيازة التي صدرت أولًا باسم السمسار ترجع مرة ثانية إلى السمسار نفسه ولا تباع على غيره .(1/111)
الأمر الثالث: أن العميل يُوَكِّل البنك في بيع السلعة قبل أن يتملكها العميل ، فهو في نفس العقد الذي يشتري فيه السلعة من البنك يوكل البنك في بيعها قبل أن يتملكها ، وقد جاء في السنن من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - وأشرنا إلى ذلك الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ??لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ?? فهذا يدخل في بيع الإنسان ما لا يملك .
الأمر الرابع: أن العميل لم يتحمل مخاطرة السلعة ولا ضمانه ، فهي لم تدخل في ضمانه ولم يتحمل مخاطرتها ، بل إنَّه مباشرةً بمجرد ما يُجْرى العقد الصوري بينه وبين البنك ، مباشرةً البنك يبيع تلك السلعة ، فليس هناك عليه خطر من تقلب سعر السلعة التي أو لو حصل عليها تلف فإنه يضمنها ، لا ، كل هذا لا يتحقق ، وإنما تباع السلعة فورًا ، ولذلك العميل لا يتحمل أي مخاطرة في هذا العقد وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ??لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ?? يعني لا يجوز للإنسان أن يربح في شيء لم يدخل في ضمانه ، لا بد أن يدخل في ضمانك أولًا وتتحمل مخاطرتَه ثم تبيع ، ولذلك نجد أن النوافذ الإسلامية التي تتعامل بهذا النوع من التورق يقولون للعميل : وَكِّلْنَا في البيع وإذا كانت المعاملة ستُجرى قبل وقت إغلاق السوق بوقت قصير يقولون : لا نُجري هذه المعاملة ، لأن السوق ربما تُغلق فلا يريدون أن يدخلوا في أي مخاطرة ، ولذلك يحتاطون في هذا الأمر ويتم إعادة السلعة إلى السمسار الأول فورًا خلال دقائق ، وربما في وقت أقل من ذلك .(1/112)
الأمر الخامس: أن العميل أيضًا لم يقبض السلعة ، فهو يبيع السلعة قبل قبضه ، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيع السلع قبل قبضها كما في حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - الذي أشرنا إليه سلفًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ??نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ ?? يعني لا بد من الحيازة أولًا قبل أن تبيع .
وفي حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : ?? يَا ابْنَ أَخْي فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ?? يعني إذا اشتريت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه ، والواقع الآن أن العميل يُوَكِّل البنك في البيع قبل أن يوكل العميل السلعة ، حتى شهادة الحيازة هذه لا تصدر باسم العميل وإنما هي باقية باسم البائع الأول .
ولهذا فالذي يقتضيه النظر هو حرمة التورق المنظم ، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ، فرَأَوْا تحريم التورق المنظم .
ونقرأ نص قرار المجمع .
قالوا :
" تبيَّن للمجلس أن التورق الذي تُجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو قيام المصرِف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ليست من الذهب أو الفضة .
يقصدون : بـ " نمطي " يعني شيئًا متكررًا في المعتاد ، يعني شيئًا لا يختلف ، مع كل العملاء بطريقة واحدة .
يتم فيه ترتيب بيع سلعة من أسواق السلع العالمية أو غيرها على المستورِق بثمن آجل.
يعني: أن البنك يبيعها على العميل بثمن آجل.
على أن يلتزم المصرف إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة بأن ينوب عنه في بيعها على مشترٍ آخر بثمن حاضر وتسليم ثمنها للمستورق ، وبعد النظر والدراسة قرر مجلس المجمع ما يلي:
الأول : عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:(1/113)
ومما ينبغي التنبه إليه أن قرار المجمع هذا ينطبق على السلع العالمية وعلى السلعه المحلية ، إذا كان هناك ترتيب خاص بين البنك والعميل على أن يتوكل البنك عن العميل في البيع فإن العقد يكون محرمًا.
وذكروا عدة أمور منها:
" أَنَّ التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشترٍ آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعًا .
وثانيًا : أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة .
وثالثًا: أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سُمي بالمستورَق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منك والتي هي صورية في معظم أحوالها .
يعني : أنهم يرون أن العقد هو في الحقيقة عقد صوري ، ولهذا كانت توصية المجلس الثانية أن قالوا :
الثاني : يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة امتثالًا لأمر الله تعالى "
وفي الحقيقة كان هذا القرار قويًّا كابحًا لجماح كثيرًا من النوافذ الإسلامية في البنوك التي – في الحقيقة – توسعت في السنوات الأخيرة في قضية التورق المنظم ، فنجدها بدأت تُطَبَّق عمليات التورق في السلع الدولية وفي السلع المحلية وغيرها مما جعل الناس -في الحقيقة- يتساهلون قضية التمويل عن طريق الترتيبات المنظمة هذه .
البعض قد يستفسر ، يقول: ماذا تقصد بقولك النوافذ الإسلامية؟ هذا مصطلح دارج عند المصرفيين أو في المؤسسات المالية ؟ ما معنى أن البنك يفتح نافذة إسلامية ؛ ما معنى هذا ؟(1/114)
هو في الحقيقة بنك ربوي يُجري بعض المعاملات الإسلامية التي تعتبر مشروعة عن طريق هذه النوافذ ، يُقَدِّم أعمال مصرفية إسلامية عن طريق هذه النوافذ ، فلا يسمى البنك كله إسلاميًّا وإنما يقال نافذة إسلامية ، يعني نافذة تقدم بعض الأعمال المصرفية الإسلامية ، طبعًا هي مُيِّزَتْ بذلك – نافذة إسلامية – تمييزًا لها عن البنوك الإسلامية ، وهناك بنك إسلامي يكون متكاملًا من أصله وخزينته وإداراته كلها تكون إسلامية ، وفي الحقيقة المَحَكُّ الرئيسي في وصف البنك بكونه إسلاميًّا من عدمه أن ننظر إلى خزينة البنك ، فخزينة البنك مثل العمود الفقري للإنسان ، الخزينة هي التي تتجمع فيها الأموال لشتى الفروع إلى البنك الخزينة ، فإذا كانت الخزينة تمول بالفائدة – بالإقراض فالبنك لا يُوصف بأنه إسلاميٌّ ، أما إذا كانت الخزينة تلتزم بأن يكون تمويلها كله عن طريق التمويل المشروع - التمويل بالمرابحة ونحو ذلك – فالبنك من حيث الأصل يقال عنه إنه بنك إسلامي .
بهذا نكون أنهينا الحديث عن التورق بنوعيه : التورق العادي أو البسيط والتورق المنظم .
ننتقل بعد ذلك إلى النوع الرابع من الخدمات الائتمانية وهو الإجارة المنتهية بالتمليك :
وتعرف الإجارة المنتهية بالتمليك بأنها عقد إيجار ينتهي بالتمليك - هو في الحقيقة لا يلزم أن دائمًا وعدًا بالبيع أو وعدًا بالهبة ، وإنما هي عقد إجارة تنتهي بتمليك للسلعة المبيعة - بحيث يقوم بموجبه أحد المتعاقدين بإيجار شيء إلى آخر لمدة معينة يكون للمستأجر عند انقضائها خيار شرائها أو تملكها في نهاية تلك المدة .
وللإجارة المنتهية بالتمليك ثلاث صور .
هي في الحقيقة صورها متعددة لكن مرجعها على ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن تكون عقد إجارة مقرونة بهبة للسلعة محل العقد ، بحيث تنتقل ملكية السلعة محل العقد في نهاية المدة بدون عوض .(1/115)
مثال ذلك : أن يقول صاحب السلعة ؛ المالك للسلعة وهو الذي نفترض أنه بائع ، أن يقول للمشتري : آجَرْتُكَ هذه السلعة – لنفرض أنها سيارة – لمدة ثلاث سنوات ، تدفع في كل شهر مثلًا ألف ريال ، وفي نهاية المدة بعد الثلاث سنوات يكون لك حق تملُّك السلعة بلا عوض .
هنا العقد تضمن عقد إجارة ابتداءً انتهى بأي شيء؟ ببيع السلعة أو بهبة السلعة ؟ بهبة السلعة ، يعني انتقلت السلعة بلا عوض للمشتري ؛ هو في الحقيقة يسمى هنا مستأجرًا.
الصورة الثانية من صور الإجارة المنتهية بالتمليك : عقد إجارة مقرون ببيع السلعة في نهاية المدة ، فيقول مثلًا : آجرتك هذه السيارة مدة ثلاث سنوات ، في كل شهر ألف ريال ، وفي نهاية المدة تدفع مبلغ - مثلًا – عشرة آلاف ريال وتنتقل ملكية السيارة إليك .
فالعقد في البداية عقد إجارة ، انتهى بعقد هبة أو عقد بيع ؟ عقد بيع لأنه سيدفع عوضًا مقابل انتقال تلك السلعة.
الصورة الثالثة من صور الإجارة المنتهية بالتمليك : عقد إجارة مقرون بوعد - وليس باتفاق وإنما هو مجرد وعد - من المُؤْجِر للمستأجِر ببيع السلعة أو هبته لها في نهاية المدة ، فهو يقول : آجرتك هذه السيارة مدة ثلاث سنوات بألف ريال شهريًّا أنه في نهاية هذه المدة أعدك وعدًا أن أبيعك هذه السلعة بعشرة آلاف ريال ، أو أعدك وعدًا أن أمنحك هذه السلعة مجانًا.
فهنا التملك الأخير جاء بالوعد وليس بعقد أو اتفاق بينهما.
هذه هي أبرز صور الإجارة المنتهية بالتمليك ، قد يضاف إلى بعض هذه الصور بعض الشروط ، قد تضاف إليها بعض الضوابط ، قد يكون هناك بعض من الالتزامات على أي من الطرفين ، لكن في الحقيقة مردها إلى هذه الصور الثلاثة .
هل الوعد ملزِم أو ليس بملزِم ؟
- هذا سنتحدث عنه إن شاء الله بعد قليل في حكم الإجارة المنتهية بالتمليك ، لكن بعض الشركات قد تأخذ بالإلزام بالوعد وبعضها قد لا يأخذ بالإلزام بالوعد .…
التخريجات الفقهية للإجارة المنتهية بالتمليك :(1/116)
هناك عدد من التخريجات الفقهية للإجارة المنتهية بالتمليك ، لعل من أبرز هذه التخريجات .
التخريج الأول: من العلماء المعاصرين من يرى أن الإجارة المنتهية بالتمليك ما هي إلا بيع تقسيط ، يُخَرِّجها على أنها بيعٌ بالتقسيط ، وأن الأجرة التي يدفعها المستأجر خلال مدة الإجارة هي أقساط البيع ، فيقولون في الحقيقة العملية كلها بيع تقسيط وسميت فقط إجارة منتهية ، والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ .
لو صح هذا التخريج لكانت الإجارة المنتهية بالتمليك ما حكمها ؟ جائزة أو محرمة ؟
لو اعتبرنا الإجارة المنتهية بالتمليك أنها بيع تقسيط فإن الإجارة المنتهية بالتمليك تكون محرمة بكل صورها لو خُرِّجت على هذا الأمر .
لماذا ؟
لأنه إذا قال : أَبِيعُكَ هذه السلعة ولا تنتقل ملكيتها إليك إلا بعد سدادِكَ للأقساط ، فإن هذا يتضمن محظورين.
المحظور الأول: أن الثمن والمُثْمَن كلاهما أصبح مؤجلًا ؛ انتقال الملكية سيكون مؤجلًا والأقساط أيضًا ستُدفع مؤجلة بالأجل ، فكلاهما أصبح مؤجلًا ، فهذا يدخل في الكالئ بالكالئ وهو محرم كما سبق أن بينَّا ذلك .
المحظور الثاني: أن هذا الشرط يخالف المقصود من عقد البيع ، فإن المقصود من عقد البيع هو انتقال الملكية ، فإذا قال : أبيعك هذه السيارة ولا تنتقل الملكية إلا بعد فترة فإن هذا الشرط يتناقض مع أصل عقد البيع من أساسه ، وهذا في الحقيقة يجعلنا نشير إشارة موجزة سريعة إلى الشروط في عقد البيع ؛ في الحقيقة نحن تجاوزناها ، هي مذكورة في المقدمة وبين أيديكم ، لكن حتى لا يتداركنا الوقت تجاوزناها ، وتابَعَنا مباشرة الحديث عن المعاملات المصرفية .
الشروط التي تخالف المقصود من العقد لا تجوز ، أي شرط يخالف المقصود من العقد فإنه لا يجوز .
- مثل أن يقول مثلًا : بعتك هذه السلعة بشرط ألا تنتقل الملكية إليك .
- أو يقول : آجرتك هذه الدار بشرط ألا تنتفع بها مطلقًا ؛ هذا الشرط مخالف للمقصود من العقد .(1/117)
- أو في عقد الزواج مثلًا تشترط المرأة على الزوج ألا يستمتع بها ؛ فهذا الشرط يخالف المقصود من عقد النكاح .
لأن لكل عقد مقصودًا ، فإذا اشترط أحد العاقدين على الآخر شرطًا يخالف المقصود من العقد ، فإن هذا الشرط يكون فاسدًا .
وهذا بخلاف الشرط الذي قد يخالف مقتضى العقد ؛ هناك شروط تخالف مقتضى العقد ولا تخالف العقد من أصله ، يعني لا تخالف المقصود منه .
مثل أن يبيعه مثلًا سلعة ويقول : أبيعك هذه السيارة بشرط ألا تبيعها . الآن هل هذا الشرط يخالف المقصود من العقد ؟ لا يخالف وإنما هو شرط تقييدي ؛ يقيد المشتري في هذه السلعة .
- ومثل أيضًا لو قال : أبيعك هذه الدار – دارًا قريبًا من داره – وأنا أرغب في جوارك ؛ أن تكون أنت قريب من داري ، لكن بشرط أنك لا تبيع هذه الدار على غيري ، أنا إنما ارتضيت جوارك ولا أرضى جوار غيرك . هل يصح هذا الشرط ؟! أليس من حق المشتري الآن إذا تملك الدار أن يسكنها إن أراد أو يبيعها إذا أراد ؟! هذا الشرط هل يتعارض مع عقد البيع ؟!
لا ، هو لا يتعارض معه من أصله ، لكن قيده ، هو يستطيع أن ينتفع بالدار ، يتملك الدار ، يُؤْجَر الدار ، يفعل بها ما يشاء ، لكن لا يبيعها على غيره .
فهذا الشرط يسمى الشرط المخالِف لمقتضى العقد ، فهناك فرق بين الشروط المخالفة للمقصود من العقد والشروط المخالفة لمقتضى العقد ؛ الشرط المخالف للمقصود من العقد شرط فاسد ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، بينما الشرط المخالف لمقتضى العقد ، يعني الذي فيه تقييد لأحد العاقدين ، هذا الشرط صحيح على أصح الأقوال عند أهل العلم ، وهو ما عليه عدد من المحققين من أهل العلم ، وقد أشار إلى هذه التفرقة بين النوعين من الشروط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه .(1/118)
وعلى هذا فنقول في الإجارة المنتهية بالتمليك : لو قلنا إنها بيع تقسيط لكن ملكية السلعة لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد الانتهاء من كل الأقساط فإن هذا الشرط شرط فاسد ؛ لأنه يتعارض مع البيع من أصله .
التخريج الثاني لعقد الإجارة المنتهية بالتمليك : قالوا إنه عقد إجارة مع شرط الهبة أو البيع ، فهو يؤجره السلعة وهذه الإجارة مقتَرِنة بشرط آخر وهو أن يهبه تلك السلعة في نهاية المدة أو يبيعها عليه في نهاية المدة ، فهنا قد جَمَع ما بين الإجارة والهبة أو الإجارة والبيع ، جمع بينهما.
اعتُرِض على هذا التخريج .
الاعتراض الأول : أن هذا التخريج يتضمن اشتراط عقد في عقد ، فقد جمع في عقد واحد بين عقدين ، هما عقد الإجارة وعقد الهبة ، أو عقد الإجارة وعقد البيع ، وقد جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ??نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ??.
لكن أُجيب عن هذا الاعتراض بأن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ??نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ?? اختلف أهل العلم في تفسيره وأصح تأويل له أن المراد بالبيعتين في بيعة أن يشتمل العقد - الذي يتضمن البيعتين في بيعة - على محظور شرعي ؛ إما حيلة على ربا أو غرر .
- فالحيلة على الربا أن يؤدي اجتماع البيعتين في بيعة إلى أن يكون عينة .
- والمحظور الشرعي المشتَمِل على الغرر أن يقول له : بِعْتُكَ هذه السلعة نقدًا بكذا ونَسِيئةً بكذا من غير بَتٍّ بأحدهما ، فهنا يقال إنه بيعتان في بيعة ؛ لأنه لم يكن هناك بَتٌّ بأحد السعرين .(1/119)
أما اشتراط عقد في عقد فهذا ليس من البيعتين في بيعة ، وحمله على البيعتين في بيعة ليس بظاهر ، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر هذا الحديث قال: ?? مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا?? ، فهذا دليل على أن اجتماع البيعتين في بيعة يؤدي إلى محظور شرعي وهو الربا ، وهنا اجتماع البيع مع الإجارة أو اجتماع الإجارة مع الهبة ، هذا لا يؤدي إلى الربا ولا إلى الغرر ، فلذلك أصح ما قيل في تأويل البيعتين في بيعة هو ما أشرنا إليه .
والاعتراض الثاني على هذا التخريج: أنهم قالوا إن في العقد إذا قيل إنه عقد إجارة مقرون بشرط البيع أو الهبة ، قالوا إن العقد بهذه الصفة يكون مشتملًا على الغرر ، ووجه ذلك أن المستأجر الآن قد يستأجر السلعة لمدة طويلة ، لنفرض أنه آجره السيارة لمدة خمس سنوات ، بنهاية هذه المدة تنتقل السلعة إليك وتكون أنت المالك لها ، فلنفرض أن الأجرة في كلا شهر ألف ريال ، فهو مستمر في دفع الأجرة على أمل أنه في نهاية المدة سيتملك هذه السيارة .
قالوا : لو تعسَّر المستأجر ، لم يتمكن من سداد الأجرة في بعض المدة ، مثلًا بعد مُضِيِّ ثلاث سنوات ما تَمَكَّنَ من سداد الأجرة ما الذي سيحصل ؟ سيخسر السلعة ويخسر الأجرة التي دفعها قبل ذلك وترجع السلعة إلى صاحبها ، فقالوا : هذا يجعل في العقد غرر .
وهذا بخلاف بيع التقسيط ، في بيع التقسيط لو لم يتمكن المشتري من سداد الأقساط في مرحلة من المراحل السيارة ما الذي سيحصل؟ السيارة أصلًا مملوكة له – للمشتري – فلذلك تباع السيار ويُوَفَّى بقية الدَّيْن المستحَق للبائع والزائد عن ذلك يكون من حق المشتري ، فقالوا في الإجارة المنتهية بالتمليك – يعني بهذه الصفة – تشتمل على الغرر .(1/120)
أجيب عن هذا الإشكال أو هذا الإيراد ، قالوا بأن هذا العقد بهذه الصفة ليس بأسوأ حالًا من الإجارة العادية ، حتى في الإجارة العادية المستأجر إذا لم يتمكن من سداد الأجرة فإن السلعة لم تنتقل إليه ، فيخسر الأجرة التي دفعها قبل ذلك ولا يتملك هذه السلعة ، فإن قلتم إن في الإجارة المنتهية بالتمليك غررًا فيلزمكم كذلك أن تقولوا إن في الإجارة العادية غررًا .
وعلى ذلك فننتقل إلى:
التخريج الثالث - للإجارة المنتهية بالتمليك - وهو : الذي مشى عليه أو الذي شرط عليه أكثر الهيئات الشرعية وعدد من الجامع الفقهية فقالوا :
إن الإجارة المنتهية بالتمليك هي عقد إجارة مع وعد بالهبة أو بالبيع ، وعلى هذا يجب أن يكون التمليك اللاحق بوعد لا أن يكون بشرط ولا باتفاق ، كأن تكون صفة الإجارة أن يقول : آجرتك هذه السلعة هذه المدة وأعدك ببيعها في نهاية المدة بسعر كذا وكذا ، أو أعدك بهبتها لك بسعر كذا وكذا ، أو أنت بالخيار في نهاية المدة في أن تتملكها بسعر كذا وكذا ، أو أن تتملكها بدون عِوض ، فهو إما أن يذكر الوعد أو التخيير ، فالتخيير مثل الوعد تمامًا . أما إذا كان التمليك اللاحق بشرط أو باتفاق فإن هذا لا يصح .
وعلى هذا التخريج يجب أن تُطَبَّق أحكام الإجارة في فترة الإجارة ، ثم في نهاية المدة يكون للطرفين الحق في إنشاء عقد جديد ؛ إما عقد بيع أو عقد هبة .
هل الوعد الآن - السابق الذي كان بينهما - مُلْزِم لهما أو غير ملزِم ؟
هذا يجري عليه الخلاف الذي أشرنا إليه ليلة البارحة :
- فكثير من الهيئات الشرعية الذين أخذوا بالإجارة المنتهية بالتمليك قالوا : إن هذا الوعد الذي يقدمه البنك للعميل بتمليكه السلعة مُلْزِم ؛ مُلْزِم للبنك ومُلْزِم العميل .(1/121)
- وعدد من الهيئات الشرعية لا ترى الإلزام بالوعد ، وهو الذي رجحناه : أنه لا يجوز الإلزام بالوعد ، بل يُجعل لهما الخيار في نهاية المدة لكل منهما ؛ للبائع – البنك – وللمشتري ، أي للمُؤْجِر والمستأجر ، فتمضي فترة الإجارة وبعد نهاية فترة الإجارة يكون لكل منهما الحق في إمضاء العقد الآخر ، إما عقد البيع أو عقد الهبة ؛ لأنه لو قلنا إن الوعد الذي بينهما - السابق - مُلْزِم ، فإن هذا يجعل الوعد الملزِم في حكم البيع – كأنه باع - أو في حكم الشرط ، فالآن – إذا اعتبرناه وعدًا ملزِمًا – كأنه باعه هذه السلعة بيعًا مؤجلًا ، الثمن والمُثْمَن فيهما كلاهما مُؤَجَّلٌ ، فيؤدي إلى صورة الكالئ بالكالئ.
وعلى هذا فالذي يترجح - والله أعلم – أن الإجارة المنتهية بالتمليك جائزة من حيث الأصل بعدة شروط :
الشرط الأول: أن تُطبَّق أحكام الإجارة في فترة الإجارة وأحكام التَّمَلُّك في فترة التملك ؛ لأن الإجارة المنتهية لها فترتان : فترة إجارة يليها فترة تَمَلُّك ، فلا بد من تطبيق أحكام الإجارة في فترة الإجارة ، وأن تكون الإجارة حقيقية وليست صورية .
الشرط الثاني: أن يكون الوعد بالتمليك غير مُلْزِم ، سواء كان وعدًا بالتمليك بالبيع أو بالهبة ، يجب ألا يكون ملزِمًا .
الشرط الثالث: أن تكون نفقات الصيانة غير التَّشْغِيلِيَّة فترة الإجارة على المُؤْجِر أو على المستأجر؟ على مَن تكون نفقات الصيانة غير التَّشْغِيلِيَّة، على أيهما؟ مَن الذي يتحمل نفقات الصيانة غير التَّشْغِيلِيَّة؟
نفقات الصيانة على نوعين :
1- نفقات صيانة تشْغِيلِيَّة.
2- نفقات صيانة أساسية.
الصيانة التَّشْغِيلِيَّة : مثل تغيير الزيت مثلًا ، تغيير الفرامل .. مثلًا ، ونحو ذلك ، هذه على من تكون ؟ هذه على المستأجر ؛ لأنها باستهلاكه واستعماله.(1/122)
لكن الصيانة الأساسية : للسيارة مثلًا ؛ مثل ما لو خربت مثلًا المكينة ، أو حصل عطل في الجهاز الخارجي للسيارة مثلًا أو محرك السيارة ، فمثل هذه الصيانة من الذي يتحملها ؟ مالك السيارة ، من هو مالك السيارة ؟ المُؤْجِر ، لذلك نقول : يجب أن تكون نفقات صيانة غير التشْغِيلِيَّة على المُؤْجِر .
ومثل لو كانت الإجارة المنتهية بالتمليك مثلًا في دار ، آجره دارًا لمدة عشر سنوات إجارة منتهية بالتمليك ، فالصيانة الدورية أو التشْغِيلِيَّة على مَن تكون ؟ تكون على المستأجر ، بينما الصيانة الأساسية غير التشْغِيلِيَّة يجب أن تكون على المؤجر ، مثل ما لو حصل مثلًا خراب في بعض أساسات الدار أو في بعض الأسلاك الكهربائية ، هذه يجب أن يتحملها المؤجر وليس المستأجر ، حتى تكون الإجارة حقيقية وليست صورية ؛ لأن المؤجر هو المالك الآن ، فيجب أن يتحمل تلك الصيانة.
الشرط الرابع: إذا اشتمل العقد على تأمين ، وهذا كثير في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك في السيارات ؛ أن المُؤْجِر الذي يُؤْجِر السيارة يشترط التأمين ، لا بد من التأمين على السيارة ، فهنا إذا اشتمل العقد على تأمين فلا بد من أمرين :
الأمر الأول: أن يكون التأمين تعاونيًّا لا تجاريًّا ؛ لأن التأمين التجاري محرم ، وسنتحدث عنه إن شاء الله بعد قليل.
الأمر الثاني: من الذي يتحمل تكاليف التأمين ، أيهما؟ المؤجر أو المستأجر؟ الآن آجره سيارة إجارة منتهية بالتمليك وقال : لا بد من التأمين ، فمن الذي يتحمل التأمين؟ يجب أن يتحمله المؤجر وليس المستأجر ؛ لأنه هو المالك ، والتأمين من المعلوم أنه يضمن التلف الذي يصيب السيارة ، فضمان التلف يجب أن يكون من الأعباء التي يتحملها المؤجر .(1/123)
وعلى هذا إذا تحققت هذه الضوابط أو هذه الشروط فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك يكون صحيحًا ، إذًا لا بد من تطبيق أحكام الإجارة في فترة الإجارة بحيث يتحمل المؤجر : الصيانة غير التشغيلية ، يتحمل التأمين ، يتحمل ضمان تلك السلعة ، ويجب ألا يكون الوعد السابق - الذي بينهما بتمليك السلعة في نهاية العقد - ملزمًا ؛ لأنه إذا كان ملزمًا فإنه يجعل الوعد بمثابة العقد ، والعقدُ إذا كانا عِوَضَاهُ مُؤَجَّلَيْنِ - الثمن والمُثْمَن - فهو من الكالئ بالكالئ وهو محرم .
وعلى هذا النحو صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ؛ حيث قالوا :
إن الإيجار المنتهي بالتمليك له صور جائزة وصور محرمة.
فقالوا : ضابط المنع أن يَرِد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد .
يعني : يكون البيع والإجارة على نفس السلعة في نفس الوقت ، فهذا لا يجوز ؛ لاجتماع عقدين في عقد واحد ، فتتعارض هنا ضوابط كل عقد وآثاره مع الآخر .
وضابط الجواز قالوا: ذكروا الضوابط التي أشرنا إلى شيء منها وهي:
1- أن يكون العقدان منفصلين .
2- وأن تُطَبَّق أحكام الإجارة في فترة الإجارة وأحكام البيع أو التملك في فترة التملك .
3- وأن تكون النفقات والضمان وتَحَمُّل المخاطر التي تطرأ على السلعة وقت الإجارة أن تكون على المؤجر لا على المستأجر .في الحقيقة في قرار المجمع ذكروا عددًا من الصور التي تُعَدُّ محرمة والصور التي تندرج تحت دائرة الجواز ، فنشير إلى شيء من هذه الصور ونبين الصور التي ذكروها ، فقالوا:
ثانيًا : من صور العقد الممنوعة :
{ أ } : عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال مدة محددة دون إبرام عقد جيد ؛ بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعًا تلقائيًّا .(1/124)
المراد بهذه الصورة : أن يؤجره السلعة فترة ويقول في نهاية المدة ينتقل عقد الإجارة ويصبح عقد بيع ، يعني ما ينشئون عقدًا جديدًا في نهاية المدة ، وإنما تنقلب الإجارة تلقائيًّا إلى عقد بيع ، فهذه الصورة لا تجوز لأنه كأنهم أَجْرَوْا عقد البيع من الآن وهذا لا يصح ، لا بد أن يكون إجراء العقد وإنشاءه في نهاية المدة .
من الصور الممنوعة أيضًا :
{ ب} : إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ولمدة معلومة مع عقد بيع له معلَّق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة أو مضاف إلى وقت في المستقبل .
أي أنه يُعَلِّق البيع ابتداءً فيقول : آجرتك هذه الدار لمدة خمس سنوات بأجرة كذا وكذا شهريًّا ، وبعتك الدار في نهاية هذه المدة بشرط أن تسدد جميع الأجرة التي عليك ، أَنْشَئَا العقد في أول المدة وجعلاه معلَّقًا بسداد كامل الأجرة المستحقَّة ، فهذا أيضًا لا يصح .
من الصور الممنوعة أيضًا:
{جـ } : عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر ويكون مؤجلًا إلى أجل طويل محدد .
يعني : يبيعه السلعة ابتداءً ، يُجري عقد بيع ابتداءً ، ويكون للبائع شرط الخيار في إمضاء البيع أو فسخه ، وفي نفس الوقت يؤجره الدار ، فهنا جَمَع ما بين البيع والإجارة على نفس السلعة في نفس الوقت ، وهذا لا يصح .
من الصور الجائزة :
الصور الأولى التي ذكروها هي : تعليق الهبة أو الوعد بها ، فهم يرون أنه إذا كان هناك تعليقًا للهبة وليس تعليقًا للبيع فإن هذا التعليق يصح ؛ لأن البيع إنما مُنِع التعليق منه لأنه يؤدي إلى الكالئ بالكالئ ؛ تأجيل البدلين ، بينما هذا المحظور غير متصوَّر في الهبة ؛ لأن الهبة ليس فيها ثمن ، وإنما فيها تأجيل للتمليك إلى ثمن .
فلذلك أول صورة ذكروها من صور العقد الجائزة .(1/125)
الصورة الأولى: أنها عقد إجارة يُمَكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة ، واقترن به – يعني مع عقد الإجارة – عقد هبة العين للمستأجر معلقٌ على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل.
يعني كأن يقول : آجرتك هذه الدار مدة خمس سنوات ، أجرة كل شهر مثلًا ألف ريال ، ووهبتك هذه الدار بنهاية تلك المدة ، فجعل الهبة معلقة على انتهاء تلك المدة .
فهم يرون أن هذه الصورة جائزة ؛ لأن تعليق الهبة جائز ، بينما تعليق البيع لا يجوز ؛ لأن تعليق البيع يؤدي إلى الكالئ بالكالئ بخلاف تعليق الهبة ، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة ، لو قال : آجرتك هذه الدار مدة كذا وكذا وفي نهاية المدة أَعِدُكَ بِهِبَتِهَا لك ، فهنا يصح بشرط – كما قلنا - أن يكون الوعد غير ملزم .
الصورة الثانية : عقد إجارةٍ مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة .
بمعنى : أنه يُؤْجِرُه الدار ويعده أو يخيره ببيعها في نهاية المدة ، لكن البيع سيكون بسعر السوق ، يعني بحسب سعر السلعة في السوق في نهاية فترة الإجارة .
والصورة الثالثة التي تليها مثلها تمامًا : يبيعه السلعة ويعده أو يخيره ببيعها في نهاية تلك المدة ، لكن السعر يكون متفق عليه ابتداءً ، لا يربطان في سعر السوق .
والصورة الأخيرة : أن يؤجره السلعة ويعده بتمليكه إياها في أي وقت يطلب شرائها ، لا يكون الوعد مرتبطًا بنهاية المدة ، وإنما يكون من أي وقت .
فهذه الصور كلها جائزة ؛ لأنها لم يكن فيها الوعد اللاحق أو التخيير اللاحق ليس بملزِم ، وإنما هو أمر اختياري .
القاعدة العامة أو الخلاصة في مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك :
أن الإجارة المنتهية بالتمليك من حيث الأصل جائزة بشروط:
الشرط الأول: ألا يكون الوعد بالتمليك ملزِمًا.(1/126)
الشرط الثاني: تُطبق أحكام الإجارة في فترة الإجارة وأحكام التملك في فترة التملك.
قد تنتهي بالهبة أو بالبيع ؛ يجوز الأمرين ، له أن يجعل الثمن اللاحق بالهبة أو بالبيع ، لكن بشرط أن يكون بوعد غير مُلْزِم .
نفقات الصيانة غير التشغيلية تكون على من ؟
على المؤجر وليست على المستأجر.
الشرط الثالث والأخير: إذا كان هناك تأمين - وهذا هو الغالب - في الأجهزة وفي السيارات ، وأحيانًا حتى في الدور ، يشترط البائع أو المؤجر فيها التأمين .
يشترط في التأمين أمران:
الأمر الأول: أن يكون تأمينًا تعاونيًّا.
والأمر الثاني: الذي يتحمل التأمين هو المؤجر وليس المستأجر .
- المؤجِر في العادة هو الذي يقبض التأمين ، الذي يدفع هو المؤجر وليس المستأجر ، أحيانًا في بعض العقود – تلاحظون في السوق – المؤجر يطلب من المستأجر أن يُؤَمِّن ، يقول : أَمِّن على السلعة ، ويجعله هو الذي يتحمل التكاليف ؛ فهذا لا يجوز ، إذا جعله هو الذي يتحمل كُلْفة التأمين أو الذي يدفع أقساط التأمين ، كأن عقد الإجارة أصبح صوريًّا ، والواقع أن في عقد الإجارة حتى يكون هذا العقد صحيحًا لا بد أن تطبق أحكام الإجارة ومن ذلك أن المالك وقت الإجارة هو المؤجر وليس المستأجر.
النوع الخامس من الخدمات الائتمانية هو : بطاقات الائتمان :
وبطاقات الائتمان أو البطاقات المصرفية عمومًا على نوعين :
النوع الأول : بطاقات الخصم الفوري : وهي ما يُعرف باللغة الإنجليزية بـ " ...كارد "… .
بطاقات الخصم الفوري هي بطاقات يتم فيها الخصم فورًا من رصيد العميل ، بمجرد استخدامه للبطاقة يتم الخصم من رصيده ، فإذا استخدمها في نقاط البيع أو في السحب من أجهزة الصراف يتم الخصم فورًا من رصيده ، ولهذا فإن إصدار هذه البطاقة يُشترط له أن يكون للعميل حساب جارٍ يتم الخصم من حسابه .(1/127)
هذه البطاقات هي بطاقات مصرفية وليست في الحقيقة بطاقات ائتمانية ، لا تسمى بطاقات ائتمانية ؛ لأنها ليس فيها ائتمان ، ليس فيها تأجيل ، وإنما يتم الخصم فورًا من رصيد العميل .
التكييف الفقهي لهذه البطاقات .
أولًا: ننظر المال أو الرصيد الذي للعميل في البنك بأي …شيء كيفناه؟
- كيفناه على أنه على أنه قرض، وفي الحقيقة هذه البطاقات العقد الحاكم لعمل هذه البطاقات هو القرض، فالعميل مقرض العميل حامل البطاقة مقرض، والبنك هو المقترض لأن الرصيد الذي للعميل أو لحامل البطاقة لدى البنك هو في الحقيقة قرض، الحساب الجاري هو قرض، فعلى هذا فإن العقد الحاكم لعمل البطاقة هو عقد القرض يكون فيه البنك مقترضًا والعميل مقرضًا؛ لأن هذه البطاقات لا تعطي العميل فرصة لأن يأخذ أكثر من رصيده وإنما يستخدم البطاقة في حدود رصيده، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم هو جواز استعمال هذه البطاقات، يجوز استعمالها ويجوز استصدارها، ويجوز أيضًا استخدامها في السحب النقدي وفي نقاط البيع والرسوم التي يأخذها البنك مقابل إصدار هذه البطاقات ومقابل السحب النقدي أو مقابل استعمال هذه البطاقات في نقاط البيع وغير ذلك من الرسوم كل هذه الرسوم جائزة لأنه سواء كانت هذه الرسوم بمبالغ مقطوعة أو بالنسبة بمبالغ نسبية؛ يعني كأن يقول مثلًا عن كل عملية يأخذ ريالًا واحدًا أو يأخذ مثلًا واحد بالمائة من قيمة كل عملية أو من قيمة كل فاتورة، والسبب في ذلك أن هذه الرسوم أخذ هذه الرسوم لا يترتب عليه محظور شرعي لأن البنك هو المقترض، وكونه يأخذ رسومًا أو يأخذ أجورًا مقابل تقديم خدماته للعميل هذا لا يترتب عليه محظور لأن المحرم شرعًا أن يشترط المقرض على المقترض فائدة، أما أن يأخذ المقترض من المقرض زيادة أو أجرًا أو أجرة مقابل عمل يقدمه له فهذا لا يترتب عليه محظور، ولذلك فالذي عليه المجامع الفقهية وهيئات الفتوى أن هذه البطاقات جائزة من حيث الأصل، وأن الأجور(1/128)
والرسوم التي تأخذها البنوك في استعمال هذه البطاقات جائزة، لكن هاهنا إشكالان .
أورد عدد من الباحثين إشكالًا في هذه البطاقات:
الإشكال الأول: أن هذه البطاقات قد تتضمن القرض بفائدة، وجه ذلك: أن العميل أو حامل البطاقة إذا استخدم البطاقة في جهاز صراف لغير البنك الذي أصدر البطاقة ، فإن البنك المصدر للبطاقة يتحمل أجور استخدام البطاقة في ذلك الجهاز .
فعلى سبيل المثال: لو أن شخصًا يحمل بطاقة الراجحي واستخدم هذه البطاقة –بطاقة الخصم الفوري- استخدمها في جهاز صراف مثلًا البنك الأهلي فهناك رسوم متعارف عليها أو منظمة من قبل الجهات الرسمية أن البنك صاحب الجهاز يأخذ رسومًا على البنك المصدر للبطاقة، الرسوم الآن عندنا في سوق السعودية البنك صاحب الجهاز يأخذ ثلاث ريالات عند كل عملية سحب، من الذي يدفع هذه المبالغ؟ البنك المصدر، وأيضًا المؤسسة صاحبة الشبكة، الشبكة التي تربط البنوك وهي هنا عندنا مؤسسة النقد التي تمتلك شبكة (سبان) تأخذ رسومًا مقابل استخدام هذه أو لأجل هذه العملية فهي تأخذ عن كل عملية ثلاثين هللة، فهنا البنك المصدر بنك الراجحي الآن سيتحمل عن العميل كم؟ ثلاث ريالات وثلاثين هللة، والمفترض أن الذي يتحملها من هو العميل؛ لأنه هو الذي استخدمها .
فقالوا: الآن حامل البطاقة مقرض، والبنك تحمل عنه في تلك الرسوم، وهو مقترض ، فهي من القرض بفائدة، هذا من القرض بفائدة كأن البنك يعني بدلًا من أن يتحملها العميل تحملها عنه البنك، فيعد ذلك من القرض بفائدة .(1/129)
وفي الحقيقة فإن هذا الإشكال صحيح : أنه قد يثير شيء من الشبهة في استعمال هذه البطاقة لكن الواقع أن البنك إنما يتحمل هذه الرسوم…لمصلحته هو لا لمصلحة العميل؛ فهو يستفيد من إعطاء العميل البطاقة، وتحمل الرسوم عنه ربما تكون فائدته أكثر من فائدة العميل؛ لأن البنك ما يريد العميل يأتي إلى البنك إلى الفرع نفسه ويشغل الموظفين، فهو يقول: أعطيك هذه البطاقة واستخدم هذه البطاقة في أي جهاز صراف حتى يخفف التكاليف التي يتحملها البنك فيما لو جاء العملاء بأنفسهم إلى الفروع.
إذًا: المنفعة متبادلة بين الطرفين منفعة للمقرض ومنفعة للمقترض .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية : أن المنفعة المحرمة في القرض هي ما كانت للمقرض فقط، أما إذا كانت للمقرض والمقترض معًا على حد سواء فهي جائزة .
وذكر ذلك أيضًا عدد من أهل العلم مثل ابن قدامة وغيره في مسألة السفتجة ، وذلك عندما يعطيه في السفاتج ، الشخص يعطي الآخر مثلًا مبلغًا من المال في العراق ليسدده له مثلًا في مكة، فالآن المقرض الآن الذي أعطى المال استفاد بالأمن من خطر الطريق، فهذه الفائدة لم تعد فائدة أو منفعة مشروطة في القرض لأن الطرفين المقرض والمقترض كلاهما ينتفع بهذه العملية، فالمقترض ينتفع بالمال والمقرض ينتفع بالأمن من خطر الطريق، هذا شيء.(1/130)
الأمر الآخر للرد على هذا الاعتراض : أن ما يقدمه البنك للعميل أو عندما يتحمل البنك عن العميل تلك الرسوم فلأن العميل يريد أن يستوفي من حقه يريد أن يستوفي ماله ونحن لما تكلمنا عن الحسابات الجارية قلنا: إن الخدمات التي يقدمها البنك للعميل مما يسهل له ويساعده في الوصول إلى حسابه هذه الخدمات جائزة لأن هذا حق للعميل يريد أن يصل إلى ماله، فأي شيء يعطيه البنك للعميل لأجل الوصول إلى ماله فلا يعد هذا منة من البنك للعميل بل هو يؤدي شيئًا واجبًا عليه لأن هذا المال الذي في يده للعميل مستحق للعميل فعليه أن يقدم كل الخدمات التي تساعد العميل للوصول إلى ماله فهو كما لو أعطاه مثلًا دفتر الشيكات الآن دفتر الشيكات يتثبت البنك فيه مثلًا مبالغ أحيانًا تصل أجور إصدار الشيك مثلًا إلى عشر ريالات أو عشرين ريال ومعه ذلك البنك يتحمل هذه الرسوم ؛ لأن البنك أولًا : يستفيد فهو لا يريد العميل أن يأتي كل يوم عند البنك ويحرر الشيك داخل البنك فهو يريد أن يحرره في مكان آخر خارج البنك.
والأمر الثاني: أن من الواجب على البنك أن يقدم للعميل كل خدمة أو كل عمل يسهل للعميل الوصول إلى رصيده أو إلى ماله، فالقول بأن هذا من القرض بفائدة يعني في الحقيقة قد يكون محل نظر ولكن مع ذلك نقول من الأولى لحامل البطاقة أن يستخدم البطاقة من البنك الذي يعني أصدر منه البطاقة بعدًا عن هذه الشبهة لا سيما إذا كان البنك صاحب الجهاز أو صاحب الماكينة من البنوك التي تتعامل بالربا، قد يكون فيه شيء من دعمهم في ذلك، ومع ذلك لا يعد هذا إعانة لهم على المعصية أو على الإثم والعدوان لأنك الآن لم تبذل لهم المال أو تعطيهم المال وإنما الأجور التي يأخذونها مقابل عمل(1/131)
قدموه، والتعامل مع من ماله حرام أو مع من أكثر ماله حرام جائز من حيث الأصل كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء والإجارة والاستئجار وغير ذلك ولم يعتبر ذلك إعانة على المعصية.
الإشكال الآخر الذي أورده بعض الباحثين قالوا: إن الشخص عندما يسحب بالبطاقة من جهاز صراف ببنك غير البنك الذي أصدر البطاقة، قالوا: إن البنك الآن صاحب الجهاز يقرض العميل يقرض حامل البطاقة، ويأخذ مقابل هذا القرض زيادة فهو يأخذ ثلاث ريالات الآن فوق القرض الذي قدمه للعميل، وصورة ذلك قال: والآن إذا جئت في المثال السابق شخص يحمل بطاقة الراجحي يريد أن يستخدم البطاقة عند جهاز البنك الأهلي فالآن لنفرض أنه سحب مبلغ ألف ريال من البنك الأهلي فالآن البنك الأهلي قالوا: إنه أقرض العميل كم؟ ألف ريال، هذا قرض يقولون من البنك الأهلي لأن المال الذي قدَّمه الآن الذي أخذه من جهاز الصراف هو من مال البنك وليس من مال العميل، ليس من حساب العميل، فهو الآن قد أقرضه ألف ريال، وسيأخذ من الراجحي كم؟ ألف وثلاث ريالات فهو قرض بفائدة، وهذا غير مُسًلَّم، هذا الاعتراض غير مسلم، لماذا؟ لأن العميل عندما يستخدم البطاقة في جهاز الصراف فهو يأخذ هذا المبلغ المال من أين ؟ من البنك الأهلي ولَّا من حسابه في بنك الراجحي؟ هو يأخذه من حسابه في بنك الراجحي، ولذلك تتم المقاصة فورًا في نفس الوقت يتم الخصم من رصيد حامل البطاقة في بنك الراجحي، والبنك الأهلي بما أنه أُخذ منه ألف ريال تتم مقاصة أخرى بنقل ألف ريال من حساب بنك الراجحي إلى البنك الأهلي، فالبنك الأهلي في الحقيقة لم يقدم أي قرض، والعميل أخذ المال من رصيده، من حسابه في البنك الذي أصدر له البطاقة، والعملية تمت بشكل سريع، ففي الحقيقة البنك صاحب الماكينة دوره دور وساطي فقط هو وسيط، وكيل في استيفاء المال للعميل، والأجر الذي يستحقه مقابل استخدام البطاقة هو في مقابل توكله(1/132)
في استيفاء المال لصاحب أو لحامل البطاقة، وليس مقرض.
هذا ما يتعلق بالنوع الأول من أنواع البطاقات المصرفية، وهي بطاقات الخصم الفوري .
النوع الثاني من البطاقات المصرفية: هي البطاقات الائتمانية يعني البطاقات التي يكون فيها قرض، التي يكون فيها ائتمان، يكون فيها قرض، وهذه البطاقات لا يلزم أن يكون للعميل فيها رصيد لدى البنك أو الشركة المصدرة للبطاقة، ولا يتم خصم القيمة من العميل فور استخدامه، وإنما يُعطى حامل البطاقة فترة سماح للتسديد، فأحيانًا هذه البطاقات تُصدر لعملاء ليس لهم رصيد أصلًا لدى البنك، ولهذا لا يشترط في إصدار هذه البطاقات أن يكون للعميل رصيد، وإنما فيها شيء من الائتمان، وفي العادة فإن هذه البطاقات يكون لها صك ائتماني أو حد ائتماني يعني بحيث إن العميل يستطيع أن يأخذ مبالغ لا تتجاوز مثلًا إذا كان الصك الائتماني خمسة آلاف ريال فمعناه أنه لا يستطيع أن يتجاوز المبالغ التي يستخدم بها البطاقة ألا تتجاوز خمسة آلاف ريال، هذا هو معنى الحد الائتماني أو الصك الائتماني للبطاقة بمعنى أن العميل…خلال فترة السماح لا يمكن أن تزيد المبالغ التي يأخذها بسبب البطاقة عن هذا المبلغ الذي يودع له في البطاقة.
هذه البطاقات (البطاقات الائتمانية) على نوعين:
2 - بطاقات الدين المتجدد ... 1 - بطاقات الخصم الشهري
أما النوع الأول وهي بطاقات الخصم الشهري:
فهي بطاقات يتم فيها تسديد المبلغ المستحق على العميل دفعة واحدة بعد مضي فترة السماح المتفق عليها، وهي في العادة هذه الفترة لا تتجاوز عادة ستين يومًا من دون زيادة في قيمة الفاتورة المستحقة على العميل.(1/133)
ومن أشهر البطاقات من هذا النوع: بطاقة الأمريكان اكسبريس ، في هذه البطاقة وغيرها حتى بطاقة (الفيزا) قد تُستخدم على هذا النوع، وكذلك بطاقة (الماستر كارد) قد تكون من هذا القبيل، فالعميل يُعطى فترة سماح يستخدم البطاقة مثلًا نفرض أنه استخدم البطاقة بمبلغ خمسة آلاف ريال، فيُعطى العميل فترة سماح إلى أربعين يومًا أو خمسين يومًا أو ستين يومًا يعني بحيث لا يسدد هذا المبلغ المستحق عليه، في نهاية المدة المتفق عليها ولنفرض أنها خمسون يومًا في نهاية هذه المدة إذا جاء موعد السداد يُطلب من العميل أن يُسدد كامل المبلغ إذا كان قد استخدم البطاقة مثلًا بمبلغ خمسة آلاف ريال فيسدد المبلغ كاملًا؛ إما أن تُرسل إليه الفاتورة ويسدد المبلغ مثلًا بشيك، أو بأي طريقة من طرق الدفع، أو يكون هناك اتفاق بينهما على أن يتم خصم المبالغ المستحقة على العميل في نهاية تلك المدة بعد مضي الخمسين يومًا.
إذًا: هنا أصبح في فترة ماذا؟ سماح في نهاية الفترة يتم خصم كامل المبلغ، وليس هناك تقسيط للمبلغ المستحق عليه.
النوع الثاني من البطاقات الائتمانية:
هي بطاقات الدين المتجدد: في هذه البطاقات يتم تقسيط الدين المستحق على العميل على فترات وتزداد قيمة الدين بزيادة فترة التسديد، فإذا كان على العميل مثلًا خمسة آلاف ريال في نهاية المدة بعد مضي خمسين يومًا يعطى العميل فرصة للتقسيط يقال له: الخمسة آلاف ريال هذه بالإمكان أن تسددها على مدى ستة أشهر، في كل شهر تدفع ألف ريال، فيكون المجموع كم؟ ستة آلاف ريال، يكون المجموع ستة آلاف ريال، فأعطوه فترة أطول وزادوا في مبلغ الدين، هذه البطاقات تُسمى بطاقات ماذا؟ بطاقات الدين المتجدد.
ومن البطاقات التي تعطي أو تقدم هذا النوع من البطاقات التي يسير العمل فيها على هذا النحو في بطاقات (الفيزا، والماستركارد) التي تصدرها البنوك التقليدية.
وسنتحدث عن حكم هذين النوعين بعد الصلاة بمشيئة الله تعالى .(1/134)
فضيلة الشيخ فقه المعاملات المصرفية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي نبينا محمد ، وعلى أله وصحبه أجمعين ، أما بعد .
فنستكمل الحديث عن الخدمات الائتمانية في البنوك .
النوع الثاني من الخدمات الائتمانية في البنوك هو " بيع التقسيط " .
وبيع التقسيط هو من عقود التمويل ، أو الخدمات الائتمانية التي تقدمها المصارف الإسلامية .
يُعَرَّف بيع التقسيط بأنه : عَقْدٌ عَلَى مَبِيعٍ حَال بثِمَنٍ مُؤَجَل يُسَدَد مُفَرقًا عَلَى أَجْزَاءٍ مَعْلُومة فِي أَوقَات مَعْلومَة .
من خلال هذا التعريف تتبين لنا أهم خصائص بيع التقسيط :
أولًا : أن البيع فيه - السلعة التي تباع - حَالَّةٌ أم مؤجلة ؟
حَالَّة . الثمن مؤجل ، ولا يسدد دفعة واحدة ، وإنما يسدد مفرقًا على أجزاء معلومة ، في أوقات معلومة .
خصائص بيع التقسيط :
1 - السلعة حَالَّة .
2 - الثمن مؤجل .
3 - التسديد يكون على أقساط .
حكم بيع التقسيط من حيث الأصل .
نقول : الأصل في بيع التقسيط هو الجواز ن فإنه من بيوع الأجل ، والأصل في بيوع الأجل في الشريعة هو الجواز ، لأنها نوع من المداينات ، والله تعالى قد أباح لنا عقود المداينة في قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ } [البقرة:282] . فهذه الآية تشمل أي عقد مداينة سواء أكان بيع أجل ، أو تقسيط ، أو سَلَم ، أو غير ذلك من أنواع المداينات إلا أن بيع التقسيط يختلف عن سائر عقود المداينات بأمرين :
الأمر الأول : أن الثمن في بيع التقسيط يسدد مفرقًا ، ولا يسدد دفعة واحدة بخلاف بيوع الأجل ، فإن العادة أن الثمن يسدد فيها دفعة واحدة .(1/135)
والأمر الثاني : أنَّ الثمن الآجل في بيع التقسيط يزيد على الثمن الحَال ، فالبائع في العادة يضع سعرين ، سعرًا للسلعة في حال بيعها نقدًا ، وسعرًا للسلعة في حال بيعها بالأجل . فيقول : السيارة قيمتها نقدًا بثمانين ألف ، وإن أردتها بالتقسيط على خمس سنوات فهي بمائة ألف مثلًا . ويضع سعرين .
هل هذان الأمران جائزان ؟ تقسيط الثمن ، وزيادة الآجل عن الحاضر .
- نقول : كلا هاذين الأمرين جائز .
أما الأمر الأول فهو : تقسيط الثمن فقد دلَّ على جوازه ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بَرِيرَة لما دخلت على عائشة رضي الله عنها ، وقالت: ?? إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ ?? . فهي قد كاتبت أهلها بأن تشتري نفسها منهم بتسع أواق ، تدفع لهم في كل عام أوقية ، فهنا الثمن مقسط بأجزاء معلومة ، فهذا دليل على جواز تقسيط الثمن .
بقي الأمر الثاني وهو : الزيادة . وهنا إشكال كبير ، وهو أن الثمن سيزيد في الآجل أكثر من السعر الحاضر ، وهذا الأمر أيضًا نقول : هو جائز ؛ جوزته الشريعة ،وقد دل على جوازه عدة أدلة :
الدليل الأول : ما جاء في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ?? أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قِلَاصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ?? .
وجه الدلالة من هذا الحديث : أن الثمن الحال للبعير عادة أن البعير الواحد ببعير واحد ، لكن لما أجل الثمن ، ولم يسدد إلا فيما بعد – في الأجل- أصبح يأخذ البعير الواحد ويسدد ثمنه بعد فترة بعيرين ، أو ثلاثة ، فدل هذا الحديث على جواز الزيادة في الثمن لوجود الأجل .(1/136)
الدليل الثاني : الإجماع . فقد حكى غير واحد إجماع أهل العلم على جواز الزيادة في الثمن الآجل عن الثمن الحاضر .
الدليل الثالث : هو القياس على السَلَم . فإن السلم ثابت في الصحيحين ، والسَلَم حقيقته هو عكس البيع الآجل ، ففي السلم الثمن معجل ، بينما المثمن مؤجل .
وبينما في البيع الآجل – ومنه بيع التقسيط – المثمن حاضر ، والثمن مؤجل . المشتري في السلم يرتفق بتقديم الثمن بأن يأخذ من المثمن أكثر مما لو أخذه حاضرًا ، وفي العادة أن المُسْلِم الذي يدخل في عقد السلم بدلًا من أن يأخذ لو اشترى مثلًا ثمانين صاعًا ، إذا أَجَّلَها سيأخذ أكثر . سيدفع مثلًا ألف ريال لو أخذها نقدًا لأخذها ثمانين صاعًا ، لكنه سيؤجلها ، وسيأخذها بعد سنتين ، هو مقابل هذا التأجيل سيأخذ أكثر من ذلك ، وهذا هو المعهود في السَلَم، فكذلك في بيع التقسيط يزيد الثمن لأنه هو المؤجل ، ففي السلم زاد المثمن لأنه المؤجل ، فكذلك في بيع التقسيط يجوز أن يزيد الثمن ؛ لأنه هو المؤجل . وهذا هو القياس الصحيح .
وعلى هذا عامة أهل العلم أنه يجوز زيادة الثمن المؤجل ، ولكن خالف في هذه المسألة من المتأخرين الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمة الله عليه- فهو يرى حرمة بيع التقسيط إذا زاد فيه الثمن المؤجل عن الزمن الحاضر ، وحَرَّم الزيادة مقابل التأجيل ، ووافقه على ذلك الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق –حفظه الله تعالى – وله كتاب مؤلف حول هذه المسألة ، واستدلوا على ذلك بدليلين :
قالوا: إن البائع إذا وضع سعرين للسلعة ، وقال : هذه السلعة نقدًا بثمانين ، ونسيئة بمائة .
يقول: أن هذا من البيعتين في بيعة ن وقد جاء في المسند والسنن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وابن مسعود - رضي الله عنه - ، وغيرهما ، أَنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ?? نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ ?? .(1/137)
وقالوا : والبيعتان في بيعة أن يقال هي بنقد كذا ، ونسيئة كذا . هذا دليلهم الأول .
قالوا : أن هذا في الحقيقة من الربا ؛ لأن الزيادة هنا لا يقابلها سلعة ، ولا منفعة ، وإنما الذي يقابلها هو الآجل ، والآجل لا قيمة له ، فتكون هذه الزيادة من الربا . هذا دليلهم الثاني .
والجواب عن هاذين الدليلين اللذين ذكرهما المانعون ، أن نقول :
أولًا : أما قولهم أن هذا من البيعتين في بيعة فهذا غير مُسَلَّم ؛ فإن نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين في بيعة أختلف أهل العلم في تأويله ، وفي معناه :
فبعضهم – كالشافعي ، وأحمد – فسره بأن يجمع بين عقدين في عقد .
وبعضهم – كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم – فسروه بالحيل الربوية ، ومنه بيع العينة .
وبعضهم قال : هو أن يبيع سلعة نقدًا بكذا ن ونسيئة بكذا ، ولكن مرادهم بذلك أن يتفرق العاقدان بدون بَتٍ بأحد السعرين فيكون من عقود الغرر ، أما إذا كان هناك بت بأحد السعرين فليس هذا من البيعتين في بيعة ، وإنما هو بيعة واحدة . وعلى هذا يحمل كلام أهل العلم، فإنهم لما قالوا هي أن يقول : هي نقدًا بكذا ، ونسيئة بكذا أراد أن يتفرق العاقدان من دون أن يتحدد على أي السعرين اتفقا .
يقول الخطابي - رحمه الله - : حكي عن طاووس أنه قال : لا بأس أن يقول له هذا الثوب نقدًا بعشرة ، وإلى شهرٍ بخمسة عشر ، فيذهب به إلى أحدهما ، قال الحكم وحَمَّاد : لا بأس به مالم يتفرقا . وقال الأوزاعي : لا بأس به ، ولكن لا يفارقه حتى يباتا بأحد الثمنين .
فعلي هذا فإذا كان هناك بت بأحد الثمنين فليس هذا من البيعتين في بيعة ، وعلى ذلك نقول : في بيع التقسيط لابد أن يتفق البائع ن والمشتري على أيٍّ من الثمنين ، ويقول إما أن تشتريه بنقد ، أو تشتريه بالتقسيط ، فأختر أيهما ، فلابد من أن يتفقا قبل التفرق .(1/138)
والحجة الثانية التي ذكرها الشيخ ناصر الألباني ، وغيره ممن يرى أن هذا تمويل ربوي ، وأن لا فرق بينه وبين الربا ، لأن الزيادة فيه مقابل الأجل .
نقول : في الحقيقة أن هذا القول غير دقيق ، فإن الزيادة هنا تعتبر من الربح الحلال ، بل إن الله تعالى رَدَّ شبهة نظيرة لهذه الشبهة ذكرها المشركون ، لما حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - الربا ، وأباح البيع الآجل التي تكون فيه زيادة فاعترضت كفار قريش وقالوا : { إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا } إذا كان الربا فيه زيادة فالبيع الآجل فيه كذلك زيادة ، فلماذا حُرِمَ هذا ، وَأُبِيحَ هذا ؟ فرد الله تعالى عليهم في قوله : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا } [البقرة: 275].
إذًا ما الفرق بين البيع الآجل ، والتمويل الربوي ؟
نقول : الفرق بينهما أن في التمويل الربوي المقرض يعطي نقودًا ، ويسترد نقود . فالتمويل في الحقيقة تمويل نقدي ، ولهذا قال أهل العلم " إن النقود لا تولد النقود " فأي زيادة يأخذها على النقود المقترضة فهي من الربا ؛ لأن التمويل هنا نقدي ، بينما في الربح الحلال ، في البيع الآجل التمويل فيه ليس نقديًا ، وإنما تمويل سلعيٌ ، فهو يبيع سلعة ويكسب في ثمنها الآجل ، ففيه تمويل سلعي ، ولذلك النقود التي كانت عند البائع تحولت إلى سلعة ، ثم هذه السلعة حولها إلى نقد ، فالنقود تقلبت من نقد إلى سلعة ، ثم من سلعة إلى نقد ، وهذه هي التجارة المشروعة ، أن تتقلب النقود . فهو عنده ثمانين ألف ريال اشترى بها سيارة ، ثم باعها بالأجل بمائة ألف ريال . فالنقود تحولت إلى سيارة ، ثم من سيارة إلى نقد مرة أخرى فأصبح فيها تقليب للمال ، وتدويل له بين الناس . وهذا بخلاف المقرض الذي يقرض ثمانين ألف ، ويأخذ مائة ألف فهو – في الحقيقة – لم يبذل أي جهد ، ولم يُقَلِّب تلك النقود .
هذا هو الفرق بين البيع الآجل الحلال ، وبين التمويل الربوي .(1/139)
فالتمويل الربوي : يكون التمويل فيه نقديًا فقط ، بينما في التمويل المباح المشروع يكون تمويلًا سلعيًا .
وعلى هذا فنقول : إنَّ الأصل في بيع التقسيط هو الجواز ، لا بأس أن يقول البائع للمشتري نقدًا بثمانين ، وبالنسيئة بمائة ، بشرط أن يتفقا على أيٍّ من السعرين قبل أن يفترقا .
شروط بيع التقسيط .
يشترط لبيع التقسيط ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون البائع مالكًا للسلعة ، فلا يجوز أن يبيع سلعة وهو لا يملكها . والأدلة على ذلك متعددة منها : ما جاء في المسند ، والسنن عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - - وهذا الحديث أصل في بيع الآجل – قَالَ :?? أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنْ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنْ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ – يعني : الآن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - يأتيه الرجل يطلب منه سلعة ، وهذه السلعة ليست عند حكيم ، فيأتي حكيم - رضي الله عنه - ، ويبيع السلعة قبل أن يتملكها إلى ذلك الرجل ، ويقول للرجل تأتي مثلًا العصر ، أو تأتي غدًا لتستلمها ، ثم يذهب حكيم - رضي الله عنه - ليشتريها من السوق ، ويسلمها لذلك الرجل ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك - قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ?? . نهاه - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع ما ليس عنده أي ما ليس في ملكه .(1/140)
وهذا الحديث أصل في بيع الإنسان مالا يملك ، ومن الأدلة كذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي رواه الخمسة أنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ?? لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك َ?? . إذا هذا هو الشرط الأول ، لكن تأتي القضية الآن إذا لم تكن السلعة مملوكة للبنك ، وهذا هو الغالب ، أن البنك لا يتملك السلع ، قد يتملك سلعًا محدودة جدًا ، ومن المعلوم أن الأنظمة المصرفية في عامة الدول تمنع البنوك من تَمَلُّك السلع ، ولا يتاجر فيها ؛ حتى لا يضرب التجار ، فلا يدخل في السوق ويبدأ يتاجر في السيارات ، أو يتاجر مثلًا في البضائع من الأطعمة .. وغير ذلك ؛ لأن البنك عنده ميزة ليست عند غيره من المؤسسات ، وهي : أنَّ أولًا عنده الأموال متكدسة لديه ، فلديه الودائع ، وعنده ميزه أخرى أيضًا أنه يعلم أسرار التجار ، ويعرف أَنَّ التاجر الفلاني رصيده – مثلًا- ثمانين مليون ، وأنه – مثلًا- استخرج اعتماد مستندي سيستورد بضاعة بعد شهر من الصين . فهو يعرف الأسرار ، ويستطيع من خلال معرفته للأسرار أن يستفيد من هذه الأسرار لصالحه فيما لو دخل في التجارات ، فلذلك الأنظمة كلها تمنع البنوك من تملك السلع أو المتاجرة فيها، ولكن البلدان الإسلامية لأن التمويل فيها لا يكون تمويلًا نقديًا في المصارف الإسلامية ، وإنما يكون تمويلًا سلعيًا ، لا بد من بيع السلع حتى يربح فيها البنك ، سمحت أغلب الأنظمة في البلاد الإسلامية للبنوك في أن تتملك السلع لأجل التمويل فقط ، ما يتملكها لصالحه ، أو يتاجر بها بل لأجل أن يبيعها على العملاء ، أو على الشركات ، ونحو ذلك لقصد التمويل .(1/141)
لكن البنوك عادة ما تتملك سلعًا كثيرة ، وما عندهم مستودعات كبيرة تتملك كل أنواع السيارات التي من المحتمل أن يطلبها العملاء ، وإنما تتملك أنواع محدودة من السيارات ، فلذلك في الغالب يأتي العميل إلى البنك فيطلب من البنك فيقول : اشتري سلعة – تلك السيارة – وأنا سأشتريها منك مرابحة بالأجل .
لاحظ : البنك الآن عند طلب العميل لها هو لا يملك تلك السلعة . وهذه لها اسم خاص الآن في البنوك تسمى " بيع المرابحة للآمر بالشراء" ، والتعبير الأدق أن يقال : " بيع المرابحة للواعد بالشراء " .
فتسمى مرابحة لأن البنك سيبيع عليه السلعة مرابحة ، فيشتريها مثلًا بثمانين ، ثم يبيعه بمائة مثلًا ، للواعد أو الآمر بالشراء – العميل – الذي وعد البنك بأنه إذا تملك البنك تلك السلعة فإنه سيشتريها منه مرابحة ، فالمرابحة الآن المصرفية هذه هي في الحقيقة فيها شَبَه من وجه دون وجه بالمرابحة التي تحدث عنها فقهاؤنا المتقدمون .
فإن الفقهاء المتقدمين يقسمون البيوع إلى نوعين :
2 - بيع أمانة . ... 1 - بيع مساومة .
بيع المساومة : أن يبيع البائع السلعة دون النظر إلى سعرها الأول الذي اشتراها به .
فمثلًا : أنا عندي سلعة سأبيعها ، سيارة وأريد أن أبيعها ، فأقول : هذه السيارة قيمتها مائة ألف . ناسبك هذا السعر خذها ، وإلا فدعها ، هذا يسمى بيع مساومة .
بيع الأمانة : هو البيع الذي يذكر فيه البائع السعر الذي اشتراها به ، والذي تكلفه لحصوله لتلك السلعة . وهو على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : " بيع المرابحة " بأن يبيع السلعة بسعرها الأول ، وربح معلوم كأن أقول هذه السيارة اشتريتها بثمانين ألف ، وسأبيعها بتسعين ألف ، وهذا يسمى بيع مرابحة ، أو أقول اشتريتها بثمانين ألف وسأبيعها بربح خمسة بالمائة . هذا أيضًا يسمى بيع مرابحة .(1/142)
النوع الثاني : " بيع الوضيعة " بأن يبيع السلعة بسعرها الأول ، وخسارة معلومة . كأن يقول مثلًا هذه السيارة اشتريتها بثمانين ألف ، وسأبيعها بخمس وسبعين ألفًا . لأنه ما أحد يبغي هذه السيارة فسأبيعها بهذا السعر .
النوع الثالث : " بيع التولية " بأن يبيع السلعة بسعرها الأول . يقول اشتريتها بثمانين ، وسأبيعها ثمانين . وبيع الأمانة يقول عنها أهل العلم : أنها أخطر من بيع المساومة ؛ لأن البائع لابد أن يكون دقيقًا ، وصادقًا ، وأمينًا في ذكره للسعر .
ما يجوز أن يقول اشتريت هذه السيارة بثمانين ، وهو في الحقيقة اشتراها بسبعين . لابد أن يحدد ويُفَصِّل ما هي الأشياء التي دخلت في حسبته لتكاليف السلعة التي اشتراها , ولذلك كثير من أهل العلم ، كالإمام أحمد يكره بيع الأمانة ؛ لأنه صعب على الإنسان أن يتحرى الدقة . هل ستحسب السعر فقط ؟ أم تضم إليه أجرة النقل ، وأجرة العمال الذين يحفظون السلع ، هل تدخل فيه أجرة الموظفين ، الرسوم ، الضرائب ؟ إلى غير ذلك .
هناك بعض الأشياء لو أردت أن تُفَصِّل مع العميل ربما المشتري ما يقبل بهذا السعر ، فلذلك كثير من أهل العلم يقولون : الأَوْلَى أَنْ يَبِيعَ بَيْعَ مُسَاوَمَة .
لا تدخل البيع الأول حتى لا تكون كاذبًا في بيعك ، وعمومًا بيع المرابحة المصرفية " بيع المرابحة للآمر بالشراء " البنك يشتري السلعة بسعر ثم يبيعها على العميل – الوَاعِد – بسعر أعلى .
هي في الحقيقة المرابحة المصرفية كما قلنا تتألف من مرحلتين :
المرحلة الأولى : مرحلة الوعد . ... المرحلة الثانية : مرحلة البيع .(1/143)
المرحلة الأولى : أن يأتي العميل إلى البنك ، ويقول : اشتري تلك السلعة ن وأنا أعدك أن اشتريها منك بربح معلوم على أن يكون السداد بالآجل . وهذه " مرحلة الوعد " ثم تستمر هذه المرحلة ، فالبنك سيشتري تلك السلعة ، ويتملكها ثم يأتي إلى العميل ويقول : اشتريت تلك السلعة بثمانين ، وسأبيعها عليك الآن بأجل بمائة . وهنا بدأ في المرحلة الثانية ، وهي " مرحلة البيع " .
إذًا المرابحة المصرفية مركبة من أمرين – مرحلتين – مرحلة الوعد ، ومرحلة البيع .
هل بيع المرابحة للواعد بالشراء السائد الآن في البنوك الإسلامية .. هل هو عقد مستحدث أم قديم ؟
- نقول : إنه قديم . وقد أشار إليه عدد من الفقهاء ، ومن أول من أشار إليه فيما أعلم الإمام الشافعي ، وكذلك محمد بن الحسن ، وابن القيم . ثلاثة من ثلاثة مذاهب الشافعي من الشافعية ، ومحمد بن الحسن من الأحناف ، وابن القيم من الحنابلة .
قَالَ الشَّافِعِيُّ –رحمه الله -:
?? وَإِذَا أَرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فَقَالَ اشْتَرِ هَذِهِ وَأُرْبِحْك فِيهَا كَذَا فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَاَلَّذِي قَالَ أُرْبِحْك – ونحن سميناه هنا الواعد بالشراء ، العميل – فِيهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَحْدَثَ فِيهَا بَيْعًا , وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ... وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا وَصَفْتُ إنْ كَانَ قَالَ أَبْتَاعُهُ وَأَشْتَرِيهِ مِنْك بِنَقْدٍ أَوْ دَيْنٍ ?? .(1/144)
يعني : سواءً كان الواعد سيشتريه نقدًا أو سيشتريه بالأجل . يجوز البيع الأول ، ويكونان بالخيار في البيع الآخر ، فإن حدداه جاز . قَالَ : وَإِنْ تَبَايَعَا بِهِ عَلَى أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ فَهُوَ [مُحَرَّمٌ](1) مِنْ قِبَلِ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ الْبَائِعُ . وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى مُخَاطَرَةِ أَنَّك إنْ اشْتَرَيْتَهُ عَلَى كَذَا أُرْبِحْك فِيهِ كَذَا ?? أ.هـ.
الشاهد الآن: أن هذه المعاملة ليست مستحدثة وإنما أشار إليها الفقهاء المتقدمون.
الحكم الشرعي لهذه المعاملة :
ما حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء؟
- الحقيقة بيع المرابحة للآمر بالشراء هي تقريبًا عصب عمل البنوك الإسلامية الآن، فما الحكم الشرعي لها، ما الحكم في أن يأتي الواعد، ويطلب من البنك أن يشتري سلعة على أن يشتريها منه الواعد بثمن أعلى مؤجل، وهذا الوعد الذي بينهما غير ملزم، بمعنى أن للعميل الخيار في التراجع، كما أن للبنك الخيار في عدم تنفيذ ما اتفقا عليه، ما حكم هذه المعاملة؟
اختلف العلماء المعاصرون فيها على قولين :
القول الأول: ذهب فقهاء المالكية ومن المتأخرين الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - ذهبوا إلى تحريم هذه المعاملة بيع المرابحة للآمر بالشراء، حتى وإن كان الوعد الذي بين العميل والبنك غير ملزم .
__________
(1) هكذا قال الشيخ ، وفي الأصل ?? مَفْسُوخٌ ?? والنص من الأم للشافعي (3 / 39) .(1/145)
قالوا: إن هذه المعاملة محرمة، واستدلوا على ذلك بأن هذه المعاملة ما هي إلا حيلة على الربا، قالوا: ما هي إلا حيلة على الربا، فالبنك لم يشترِ السلعة إلا لأجل أن يبيعها على العميل، فهو يشتريها بثمن ثم يبيعها بثمن أعلى فيكون قد أقرض العميل مبلغًا من المال، وطالبه بسداد مبلغ أكثر، والسلعة إنما أُوتي بها ماذا؟ حيلة، وإنما الغرض من ذلك أن يقرضه ثمانين ألف…على أن يردها ماذا؟ مائة ألف، فقالوا: هذه حيلة ربوية، ولهذا ذكر هذه المسألة أو هذه الصورة فقهاء المالكية ذكروها من صور بيع العينة، فجعلوها من العينة.
والقول الثاني في المسألة: وهو ما ذهب إليه الجمهور الأحناف والشافعية والحنابلة، وقد أشرنا إلى من قال منهم بذلك كـ " محمد بن الحسن ، والشافعي ، وابن القيم " وذهب عامة العلماء المعاصرين كذلك إلى جواز بيع المرابحة للآمر بالشراء من حيث الأصل، إلى أن هذا العقد جائز، وبهذا صدر قرار عدد من المجامع الفقهية كمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة، وكل الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية على هذا القول، أن بيع المرابحة للآمر بالشراء من حيث الأصل جائز، أنه جائز، واستدلوا على ذلك بأن الأصل في المعاملات - أول قاعدة أخذناها الأصل في البيوع والمعاملات هو الصحة والجواز- ولا دليل على المنع .
فقالوا: تبقى هذه المعاملة على الأصل لقول الله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [البقرة: 275] وهذا نوع من البيع لا يترتب عليه أي محظور شرعي، قالوا: وأمتا ما ذكره أصحاب القول الأول الذين يقولون إن هذا حيلة .(1/146)
قالوا: إن هذا ليس بحيلة وغير مُسَلَّم ذلك ؛ لأن البنك يتملك السلعة حقيقة، وتنفي حيازته وفي قبضته، فهنا العقد حقيقي وليس سوريًا، وليس حيلة، ولهذا لو تلفت السلعة قبل أن يبعها البنك على العميل فإنها تتلف على البنك؛ فهو قد تملكها حقيقة، وكما أن البنك له أن ينتفع بالسلعة بسائر أوجه الانتفاع فيستغلها أو يستثمرها إن كانت تُستغل أو تُستثمر له كذلك أن يبعها، وكونه اشتراها لأجل أن يبعها هذا لا يجعل العقد سوريًا ولا محرمًا، والدليل على ذلك أن شراء سلعة لأجل التمويل لأجل التوسط فقط أنه لا يجعل العقد محرمًا دليله ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلًا على خيبر فجاءه بتمر جنيب –تمر جيد- فقال له عليه الصلاة والسلام: فقال له عليه الصلاة والسلام: ?? أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ?? فقال - صلى الله عليه وسلم - : ?? ذَلِكَ أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا ??.
ما نوع الربا الذي وقع فيه الصحابي؟ ربا ماذا؟(1/147)
الآن أبدل تمر صاع تمر جيد بصاعين تمر رديء، هذا ربا ماذا؟ الفضل، ربا الفضل، هل هو من أنواع ربا الديون ولَّا ربا البيوع؟ من أنواع ربا البيوع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ?? أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا ?? ثم أرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ?? بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ – يعني : اشتر- بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا ?? يعني التمر الجيد الذي عندك بعه واحصل على دراهم ثم بهذه الدراهم اشتر ماذا؟ التمر الرديء الذي عندك بعه واحصل على الدراهم ثم اشتر به تمرًا جنيبًا يعني تمرًا جيدًا، الآن هذا الصحابي عندما يحصل على الدراهم، هل هو يريد الدراهم لذاتها؟ هو ما قصد الدراهم، وإنما أتى بالدراهم للتوسط في المعاملة، حتى يجعلها وسيطة لإباحة المعاملة، فيأخذ الدراهم ثم يشتري بتلك الدراهم ماذا؟ تمرًا، كذلك البنك هو بدلًا من أن يقرض العميل ثمانين ألف ويأخذ مائة ألف ماذا يعمل؟ يحول الثمانين ألف مثل ما حوَّل الصحابي التمر إلى دراهم البنك يحول الثمانين ألف إلى ماذا؟ سيارة إلى سلعة، ثم يبيع السلعة بدراهم بنقود، كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الصحابي، فتوسيط سلعة في العقد لا يجعل العقد محرمًا، وهذا يدل بشرط أن يتملك البنك السلعة تملكًا حقيقيًا وأن تدخل في ضمانه، وأما قولهم: إن هذا من العينة فهذا غير مُسَلَّم أيضًا لأنه في العينة السلعة ترجع إلى البائع ماذا؟ الأول، العينة السلعة ترجع إلى البائع الأول، فيبيع سلعة بالأجل على شخص ثم الشخص المشتري نفسه يعيد تلك السلعة إلى البائع فيكون بينهما تواطأ على أن ترجع إلى البائع الأول، لكن هنا في بيع المرابحة للآمر بالشراء من شروط صحتها ألا ترجع السلعة إلى من؟ إلى البنك، العميل لابد أن يحتفظ بالسلعة ولا ترجع إلى البنك، وكذلك لا ترجع إلى الشخص الأول الذي باعها على البنك لئلا يكون من العينة.(1/148)
إذن: نقول إن بيع المرابحة للآمر بالشراء من حيث الأصل جائز إذا كان الوعد الذي بين البنك والعميل غير ملزم، لكن تأتي المسألة الأهم البنوك الإسلامية الآن لم تكتف عند اكتشاف المرابحة للآمر بالشراء بل تعدته إلى أمر آخر، يعني كله حقيقة من الأشياء التي يؤسف لها في البنوك الإسلامية أنه أحيانًا تكون بعض الخطوات تستجر خطوات أخرى، فستلاحظون عندما نتكلم إن شاء الله عن المرابحة للآمر بالشراء ونستوفي صورها ثم ندخل في التورق أن البنوك الإسلامية بدأت تأخذ بالمخارج أو بالتسهيلات رويدًا رويدًا يعني في قضيتنا هذه العقود وستتضح الصورة بعد أن ننتهي من التورق، فالشاهد الآن قلنا إن بيع المرابحة للآمر بالشراء بالصورة التي لا يكون فيها إلزام للعميل ولا للبنك جائزة، لكن الآن تأتي المسألة الأخرى: هل يجوز أن يكون الوعد السابق الذي بينهما أن يكون ملزمًا؟ هب يجوز للبنك أن يلزم العميل بتنفيذ وعده؟
هذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين وهذه المسألة نقول: هل يجوز الإلزام بإتمام الوعد أم لا؟
هنا ثلاثة أقوال في المسألة نشير إليها بشكل موجز:
بعض الهيئات الشرعية في البنوك، وبعض العلماء المعاصرين قالوا: بجواز الإلزام بالوعد، فقالوا: يجوز للبنك أن يلزم العميل بالوفاء بوعده، واستندوا إلى ذلك على عدد من الحجج لعل من أبرزها أولًا:
قالوا: إن هذا –الإلزام بالوعد- يتوافق مع القول بلزوم الوعد في الشريعة، وهنا مسألة: الوعد شرعًا هل يجب الوفاء به أم لا؟ من وعد أخاه وعدًا أو قال شخص لآخر: أنا سأعطيك مثلًا ألف ريال، هل يلزمه الوفاء بوعده؟ يجب أو لا يجب؟
هل يجب الوفاء بالوعد أو لا؟ هل يجب الإلزام به يعني الإلزام بالوفاء بالوعد أم لا بمعنى أن الموعود الآن هل له أن يذهب إلى المحكمة ويطالب الواعد بأن يفي بوعده، هل يجب الوفاء به ديانةً وقضاءًً، أم يجب الوفاء به ديانةً دون قضاءً، أم لا يجب الوفاء به لا ديانةً ولا قضاءً؟(1/149)
هذا محل خلاف لدى الفقهاء المتقدمين، في المسألة أربع أقوال في مسألة الوفاء بالوعد، هذه مسألة جانبية يعني فقط للفائدة، هل يجوز الإلزام بالوعد أم لا؟
القول الأول: أنه يجب الوفاء بالوعد وأن للموعود أن يلزم الواعد بالوفاء بوعده، وممن ذهب إلى هذا القول: عمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة، والحسن البصري، وابْنُ الشَّاطَّ المالكية، وشيخ الإسلام ابن تيمية من الحنابلة، وهو ظاهر صنيع البخاري في صحيحه، واستدل أصحاب هذا القول بعموم النصوص التي تحض وتلزم بالوفاء بالوعد كقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } [الصف2، 3].(1/150)
وكثناء الله تعالى على أنبيائه الذين يوفون بوعدهم كقوله سبحانه: { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } [النجم:37] وقوله سبحانه عن إسماعيل: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ } [مريم : 54] أيضًا استدلوا بعدد من النصوص في السنة كما جاء في الحديث الذي في الصحيحين عن أبي هريرة ?? قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ?? . وأيضًا جاء في السنن وإن كان الحديث فيه ضعف، ضعفه عدد من المحققين من أهل العلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ?? لَا تُمَارِ أَخَاكَ وَلَا تُمَازِحْهُ وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدَةً فَتُخْلِفَهُ ?? وأيضًا جاء عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ ?? دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ ?? . والحديث وإِنْ كان في إسناده ضعف إلا أنه قابل للاحتجاج، لكن عمومًا هذه النصوص أخذوا بها في الإلزام بالوعد؛ لأنهم قالوا: من وعد أخاه فيلزمه أن يفي بوعده.
القول الثاني في المسألة: وهو قول جماهير أهل العلم من الأحناف والشافعية والحنابلة قالوا:
إن الوفاء بالوعد مستحب وليس بواجب، ولا يلزم به قضاءً، وهذا ما عليه الجماهير، واستدلوا على ذلك قالوا: لأن الوعد في أصله تبرع وعقود التبرعات أصلًا لا تلزم إلا بالقبض، فكذلك الوعد لا يلزم إلا بالقبض، فلا يصح الإلزام به قضاءً.
والقول الثالث في المسألة: وهو تفصيل للمالكية:(1/151)
قالوا: إن الموعود إذا دخل بسبب الوعد في شيء يعني في ورطة مثلًا، فهنا يجب على الواعد أن يفي بوعده، ويلزم به قضاءً كما لو قال له مثلًا: اهدم دارك وسأعطيك مالًا تبني بع بيتك، فجاء الموعود وهدم الدار، ثم قال الواعد: أنا بدا لي أمر آخر في الحقيقة كنت سأعطيك لكن وجدت ما هو أحوج منك، أو أني مثلًا صرفت الأمر عنك، فهم قالوا في مثل هذه الحال: يجب الوفاء بالوعد ويلزم به قضاءً، ومثله لو قال مثلًا: اِنْكِح امرأة وأنا أتحمل المهر، فجاء وعقد على امرأة واتصل به قال: أرسل الحساب كذا وكذا في شركة الراجحي، حول المبلغ المهر، قال: لا، أنا الحقيقة كنت وعدتك لكن الوعد على رأي الجمهور لا يلزم الوفاء به، فالمالكية قالوا: لا، إذا دخل الموعود بسبب الوعد في ورطة أو في شيء فيلزم الوفاء به، أما إذا لم يدخل به في شيء فلا يلزم الوفاء به.
والقول الرابع في المسألة: هو قول لبعض الشافعية وقول الشنقيطي صاحب أضواء البيان رحمه الله تعالى قالوا:
الوعد يجب الوفاء به ديانةً لا قضاءً، يعني يجب على الواعد أن يفي بوعده ديانة بينه وبين الله تعالى، لكن لا يلزم به قضاءً، لماذا؟ قالوا: أما وجوبه ديانة فللأدلة الواردة في وجوب الوفاء بالوعد، وأما عدم الإلزام به قضاءً فلأن الوعد أصلًا من التبرع، فيه تبرع، وعقود التبرعات لا تلزم من حيث الأصل، فإذا كانت عقود التبرعات لا تلزم فكيف نلزمه بالوعد، ولعل هذا هو الأقرب والله أعلم، أن الوعد يجب الوفاء به ديانةً لا قضاءً.
نرجع إلى المسألة التي عندنا الآن: الذين قالوا إنه يجب الوفاء يجب على العميل أن يفي بوعده قالوا، بنوا على ذلك قالوا: نحن نأخذ بقول من يقول، قول من؟(1/152)
القول الأول: الذين يقولون: إنه يجب الوفاء بالوعد أو الإلزام به ديانةً وقضاءً، قالوا: نحن نأخذ بقول ابن شبرمة، وقول الحسن البصري، وقول عمر بن عبد العزيز، وقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقول ابن الشَّاطَّ ، وغيرهم فنطبق قولهم هذا على عقد المرابحة للآمر بالشراء، ونقول للعميل: بما أنك وعدت البنك فيلزمك الوفاء بالوعد، قالوا: وأيضًا يتأيد قولنا هذا بما ذهب إليه المالكية في تفصيلهم؛ لما قالوا: إن الموعود إذا دخل في سبب فإنه يلزم الواعد أن يفي بوعده، يقولون: البنك الآن قد اشترى سلعة لصالح العميل، فدخل في شيء بسبب الوعد هنا، فقالوا: على كلا الأمرين على قول المالكية وعلى قول الجمهور هذه أقوال تؤيدنا فيما ذهبنا إليه من جواز الإلزام بالوعد.
بناءً على هذا قالوا: إن للبنك أن يلزم العميل بالوفاء بوعده.
نرد عليهم في ذلك فنقول: إن الفقهاء الذين تحدثوا عن مسألة الإلزام بالوعد وقالوا بوجوب به إنما تحدثوا عنه في عقود ماذا؟ التبرعات، وليس في عقود المعاوضات أما هنا بيع المرابحة للآمر بالشراء فهو عقد معاوضة يترتب على الإلزام بالوعد محظور شرعي سنبينه فيما بعد وعلى ذلك فلا يصح الاستدلال بقول من يرى الإلزام بالوعد في هذه المسألة لأن الفقهاء الذين تحدَّثوا عن الإلزام بالوعد إنما يتحدثون على الإلزام بالوعد الذي هو نوع من الإرفاق والتبرع، أما الوعد الذي يكون في عقد معاوضة فلم يؤثر عن أحد منهم أنه قال بجواز الإلزام به، وعلى هذا فالقول الثاني في المسألة في مسألة الإلزام بالوعد في المرابحة للآمر بالشراء هو ما ذهب إليه عدد من الهيئات الشرعية وبعض الفقهاء المعاصرين، فقالوا: بأن الإلزام بالوعد لا يجوز، لا يجوز للبنك ولا للعميل أن يلزم أحدهما الآخر بالوعد السابق، واستندوا على ذلك في عدد من الأدلة منها أولًا:(1/153)
أنه إذا كان الوعد السابق ملزمًا فهذا يجعل الوعد في منزلة ماذا؟ كأنه عقد، كأن البنك باع السلعة قبل أن يتملكها؛ لأن الوعد كما بينا الوعد يكون قبل تملك البنك للسلعة، فإذا اعتبرنا الوعد ملزمًا فهو بمنزلة العقد، كأنه باعه السلعة قبل أن يتملكها، فهو باع ما لا يملك.
فيه محظور آخر: أن العميل إذا عدل عن شراء السلعة، وألزمه البنك بشرائها فإن العميل سيدخل في العقد برضا أو بغير رضا؟ بغير رضا ومن الشروط المتفق عليها في العقود هو أول شرط من شروط صحة العقد الشروط الستة هو:
الرضا، فهنا اختل شرط من أساس شروط العقد.
أيضًا قالوا: إن هذا الآن الشارع قد أثبت للعاقدين خيار المجلس، والآن إذا أراد البنك أن يبيع هذه السلعة للعميل فللعميل خيار المجلس؛ من حقه أن يفسخ تلك السلعة فبأي حق يفسد أو يبطل البنك هذا الخيار.
وهناك قول ثالث في المسألة في مسألة الإلزام بالوعد: وهو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي وبعض الفقهاء المعاصرين أن الإلزام بالوعد يجوز إذا كان من طرف واحد، أما إذا كان من الطرفين كلاهما مواعدة بين الطرفين فإنها لا تحسب، لكنَّ هذه التفرقة في الحقيقة لا دليل عليها، وإنما هم استندوا إلى قول عند المالكية في التفرقة ما بين العِدَة والمواعدة.(1/154)
الذي يترجح من هذه الأقوال الثلاثة أنه لا يصح الإلزام بالوعد، لا يجوز لا للبنك ولا للعميل أن يلزم أحدهما الآخر بالوفاء بالوعد السابق الذي كان بينهما، وعلى ذلك فلا يجوز للبنك أن يأخذ من العميل عربون في البداية، أحيانًا بعض البنوك الإسلامية كما تعرفون يعني هذه المسألة ذكرنا فيها الأقوال الثلاثة لماذا؟ حتى تعرفوا واقع البنوك الإسلامية، فالبنوك الإسلامية حتى في السعودية عندنا بعض البنوك تأخذ بالقول الأول فترى الإلزام بالوعد، وينصون في الوعد أنه إذا نكل العميل عن وعده فمن حق البنك أن يفرض عليه غرامة أو يفرض عليه شرطًا جزائيًا، أو أن يلزمه بذلك الوعد، أخذوا بالقول الأول الذي قال بجواز الإلزام بالوعد، من البنوك الإسلامية من يقول يلتزم البنك فقط، ولا يُلزم العميل، أو يقول يلتزم العميل فقط ولا يُلزم البنك، فهم جوَّزوا قالوا: يجوز الإلزام من طرف واحد دون الطرفين، وقلة مع الأسف من البنوك الإسلامية من يقول: إن الوعد السابق ليس بملزم، وعلى ذلك نقول: على الصحيح أنه لا يجوز للبنك أن يلزم العميل ، ولا أن يفرض عليه شرطًا جزائيًا ولا يأخذ عليه عربونًا ابتداءً، فبعض البنوك عند تسجيل الوعد يقول: تدفع عربون مقدم ألف ريال حتى نتأكد إذا لم تفِ بوعدك فإننا نأخذ هذا العربون، هذا لا يصح، لا الشرط الجزائي ولا الغرامة ولا العربون لأنه يجعل الوعد ملزمًا، والصحيح أن الوعد ليس بملزم ولا يجوز أن يلزم به حتى لا يدخل في المحظور الشرعي.
إذًا: هذا ما يتعلق بالشرط الأول من شروط بيع التقسيط، ما هو الشرط الأول؟ استطردنا فيه هو أن يكون البائع مالكًا للسلعة، وقلنا: أن الغالب في البنوك الإسلامية أن البنك لا يملك السلعة وإنما يأتي العميل ويطلب منه أن يشتري تلك السلعة فهنا تسمى المعاملة هنا بيع المرابحة للواعد بالشراء، ما حكم بيع المرابحة بالوعد بالشراء؟(1/155)
من حيث الأصل جائزة، لكن لا يجوز أن يكون الوعد الابتدائي هذا أن يكون ملزمًا على الصحيح من أقوال العلماء.
ننتقل إلى الشرط الثاني من شروط بيع التقسيط: أن يكون البائع قابضًا للسلعة، والقبض أمر زائد عن التملك، فلابد أن يتملك السلعة يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها على العميل، فهنا أمر زائد وهو القبض، ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام ?? يَا ابْنَ أَخْي فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا –يعني اشتريت شيئًا- فلا تبعه حتى تقبضه ?? وجاء أيضًا من حديث ابن عمر في السنن - في سنن أبي داود- قال: ??ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِه–يعني حتى تتم الصفقة-ِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي -أمسكه منها حتى لا يتم الصفقة- فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ–يعني في المكان الذي بيعت فيه - حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ ??
إذًا لابد من القبض، ولهذا يقول أهل العلم، لاحظ القبض يعني القبض ليس مرادفًا للتملك وإنما هو زائد عن مجرد التملك.
يقول أهل العلم: إن الفائدة من القبض فائدة القبض في أمرين في البيع:(1/156)
الأمر الأول: أنه بالقبض ينتقل الضمان من البائع إلى المشتري فلو اشتريت سلعة سيارة، وإلى الآن لم تقبضها تملكتها الآن لكنك لم تقبضها، تم الإيجاب والقبول ولم تقبضها، ثم أصاب هذه السيارة تلف برد من السماء مثلًا فتلفت من الذي يضمنها؟ البائع مع أنها مملوكة للمشتري، لكن لو أن المشتري قد قبضها سُجلت باسمه مثلًا الاستمارة، أو بورقة تثبت تملكه لها، ثم تلفت فنقول: الضمان في هذه الحال على المشتري.
إذًا: دائمًا الفائدة الأولى للقبض هي الضمان، استثنى أهل العلم حالة واحدة وهي ما إذا مكَّن البائع المشتري من القبض فلم يقبض، ففي هذه الحال ينتقل الضمان بمجرد التمكين من القبض.(1/157)
الفائدة الثانية للقبض: أنه بالقبض يجوز للمشتري أن يتصرف بالمبيع ببيع واحد، أما قبل أن يقبض فلا يجوز، فلو اشترى سلعة فلا يجوز أن يبيعها قبل أن يقبضها، قال أهل العلم: لعل الحكمة من ذلك أن البائع لم تنقطع عُلَقُهُ بالسلعة، لم تنقطع علاقته بها، فلربما لو باع المشتري السلعة وربح فيها وهي في مكانها لربما ذلك يؤدي إلى النزاع والاختلاف وربما يحاول البائع أن يبطل البيعة الأولى حتى يكون ربح البيعة الثانية له، فمن هنا الشريعة تمنع وتسد كل ذريعة تؤدي إلى النزاع والاختلاف، فمن ذلك منع التصرف في المبيع قبل قبضه، ولربما سمعتم يعني مثلًا الذين باعوا الأسهم قبل أن تنزل في محافظهم، بعض الناس يبيع السهم وهو إلى الآن لم يسجل باسمه، فيبيعه على شخص آخر قبل أن تنزل في سوق التداول في الأسهم، فهو باعه مثلًا كما حصل في البلاد، جاءتنا ما أقول عشرات الأسئلة ولا مئات الأسئلة يمكن آلاف الأسئلة من الاختلاف الذي حصل بين الناس في هذا الأمر، يبعه مثلًا وهو لم يدخل في محفظته، باعه مثلًا بمائة ريال فلما بدأ التداول أصبحت قيمة السهم تبين أن قيمة السهم كم؟ حوالي سبعمائة أو ثمانمائة ريال فهذا الشخص البائع لما رأى أن السعر مرتفع بهذه الدرجة قال للمشتري البيعة الأولى أنسى ، أعطيك اللي أعطتني إياه ، ترجعه في حسابك ، ما أبيع، ببيع الأسهم لي، فلذلك منع الشارع من التصرف في المبيع قبل قبضه في الحقيقة له حكمه الضابطة،فلذلك نقول: في بيع التقسيط لابد أن يتملك البنك السلعة قبل أن يبيعها، لكن هنا ننظر إلى القبض، القبض يختلف باختلاف السلع، ولذلك أهل العلم قالوا: إن المرجع في تحديد القبض إلى ماذا؟ العرف، وهو يختلف باختلاف السلع، فقبض الأسهم كيف يتم قبض الأسهم؟ الآن البنوك تجري عملية المرابحة للآمر بالشراء وعمليات التقسيط بماذا؟ بالأسهم كما في برنامج (وطني) للتورق في الأسهم عند الراجحي؛ يعني يأتي العميل يقول للبنك اشتروا لي(1/158)
الأسهم الفلانية فيشتريها البنك نقدًا ثم يبيعها على العميل ماذا؟ بالأجل يبيعها على العميل بالأجل، فالآن كيف يتحقق قبض البنك للأسهم قبل أن يبيعها؟ نقول: لا يتحقق قبض البنك للأسهم إلا بدخولها في محفظته أن تدخل في محفظته، وكذلك العميل إذا أراد أن يبيعها لا يصح أن يبيعها حتى يقبضها، وقبضها يكون بدخولها في المحفظة أن تدخل في محفظته.
قبض ما يُكال ويوزن:
كالحديد والأرز ونحو ذلك بكيله أو بوزنه مع تعيينه.
قبض البضائع البحرية:
أحيانًا يكون في بضاعة بحرية على السفينة على ظهر السفينة البنك يشتريها لصالح العميل، يشتريها البنك ثم يبيعها على العميل مرابحة، كيف يتحقق قبض البنك لتلك البضائع البحرية؟ هل لابد أن يدخلها في مستودعاته في الميناء؟
نقول: لا؛ يكون قبضها بقبض بوليصة الشحن أو الأوراق الثبوتية لتلك البضائع المشحونة.
قبض المعادن الدولية التي تباع في بورصة المعادن الدولية:
يكون بِتَسَلُّم شهادة الحيازة .
قبض السيارات:
إذا كانت المرابحة أو بيع التقسيط للسيارات؛ العميل قال للبنك اشتروا تلك السيارة وأنا سأشتريها منكم بالتقسيط، كيف يتحقق قبض البنك لتلك السيارة؟
نقول قبض السيارات يكون بواحد من أمور ثلاثة، يكفي واحد من أمور ثلاثة:
الأمر الأول: أن ينقلها من مستودعات البائع، فلو أخذها البنك من مستودعات البائع فقد قبضها.
الأمر الثاني الذي يتحقق به القبض:
أن يتسلم البنك البطاقة الجمركية الأصلية وليست الصورة، لابد أن تكون الأصلية، أن تكون في حيازة البنك، فإذا كانت في حيازته فله أن يبيع السيارة ولو لم ينقلها من مستودعات البائع.
الأمر الثالث: تسجيل ورقة رسمية كالاستمارة أو ورقة المبايعة تكون بتملك البنك للسيارة، لو سجلت ورقة رسمية تثبت أن البنك قد تملك هذه السيارة فهذا يكفي في تحقق القبض، هذا ما يتعلق بالشرط الثاني من شروط بيع بالتقسيط.(1/159)
الشرط الثالث من شروط بيع التقسيط: ألا يزيد الدين بعد ثبوته في ذمة المشتري، فإذا باعه السلعة بمائة مؤجلة مثلًا في ثلاث سنوات لا يجوز أن يزيد الدين عن كم؟ عن مائة، لكن يجوز أن ينصف يجوز أن يخصم من الدين، لكن لا تجوز الزيادة لأن الزيادة في الدين بعد ثبوته من الربا الجلي ربا الديون الزيادة في الدين المؤجل وهي من مسائل زدني أنظرك.
لعلنا نقف عند هذه المسألة ونستكمل الحديث إن شاء الله عن بقية الخدمات الائتمانية في الدروس القادمة بمشيئة الله تعالى ونجيب عن ما يتيسر من الأسئلة.
عارض الأسئلة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما بعد ..
غفر الله لشيخنا ولوالديه ولجميع المسلمين.
فضيلة الشيخ هذا سائل يقول: هل يدخل في الإلزام بالوعد شركات النقل مثل تذاكر السفر الجوية إذا لم يستطع المسافر أن يسافر أو ألغى سفره حيث تؤخذ منه نسبة مئوية على هذه التذكرة، هل هذا جائز أم حرام؟
الشيخ:
هذا جائز؛ لأن شركة الطيران عندما تلزم العميل مثلًا أو تأخذ رسومًا فهي عندما تصدر هذه التذكرة هي تمتلك المنفعة، وكذلك وكالة السفر عندما تصدر هذه التذكرة هي قد استأجرت أو وكيلة عن شركة الطيران في إصدار تلك التذكرة، البنك إنما منعناه من الإلزام لأنه لم يمتلك السلعة إلى الآن بينما شركة الطيران ووكالات السفر التي هي وكيلة عن شركة الطيران لها أن تلزم المسافرين وتأخذ عليهم مثلًا تضع عليهم شروطًا جزائية أو غرامات عند عدم سفرهم، هذا لا محظور فيه ولا يعد من بيع ما لا يملك.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخ، فضيلة الشيخ هذا سائل يقول: ألا يكون من أدلة القائلين بالإلزام بالوعد هو وجود الضرر على البنك حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? لا ضَرَرٌ وَلَا ضِرَارٌ ?? ؟
الشيخ:(1/160)
أحسنت هذا من الحجج التي قائلها القائلون بالإلزام بالوعد قالوا: إن هنا إن الإلزام بالوعد فيه دفع للضرر على الطرفين على البنك وعلى العميل، فالبنك قد يشتري السلعة التي تكون نادرة، ولا يحتاجها إلا المتخصصون كما لو كان مثلًا معدات طبية ثم يعدل العميل عن شرائها فيتضرر البنك بذلك، وكذلك العميل قد يعني يتضرر بعدم وفاء البنك بوعده فقالوا: لما لا يكون هذا، قالوا: إن الإلزام بالوعد في هذه الحال يحقق مصلحة شرعية وهي دفع الضرر الحاصل على الطرفي، فنقول جوابًا على هذه الشبهة: إن وجود الضرر أو وجود المخاطرة هذا هو الأصل في التجارة والفرق هذا هو الفرق ما بين التجارة المشروعة والربا المحرم، فإنه في التجارة المشروعة التاجر يتعرض للمخاطرة بخلاف الربا أو القرض المحرم فإن المقرض يضمن أن يسترد رأس ماله ولا يتعرض لأي مخاطرة هذا أمر.
الأمر الثاني: نقول: لو فُرض أن هاهنا ضررًا فنقول: إن الإلزام بالوعد لم يتعين السبيل الوحيد لدفع ذلك الضرر، فهناك بدائل أخرى الدفع الضرر، ومن أهم تلك الوسائل ما أشار إليه ابن القيم رحمه الله: من أن البائع له أن يشتري السلعة ويشترط الخيار، يشتري السلعة ويشترط الخيار، فالبنك مثلًا يشتري السلعة ويشترط على البائع الأول أن له الخيار مثلًا خمسة أيام، فإذا نكل العميل عن الشراء فإن البنك يعيد تلك السلعة إلى البائع الأول، وهذا المأخذ ذكره ابن القيم وذكره محمد بن حسن أيضًا، وهنا نقول: لم يتعين الإلزام بالوعد سبيلًا أو طريقًا وحيدًا لدفع الضرر، فهناك بدائل أخرى مشروعة ولا يترتب عليها أي محظور شرعي.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخ، فضيلة الشيخ هذا سائل يقول: ما هي أهم الفوارق بين البنوك التقليدية وبين البنوك الإسلامية؟
الشيخ:(1/161)
أهم فارق أن البنوك الربوية التمويل فيها يكون بالإقراض التمويل النقدي؛ يدفع نقد ويستردها نقدًا دائمًا هذا شغل البنوك الربوية قائم على نظام الفائدة، ولذلك هم باليوم الواحد يحرصون على إقراض النقود، ولذلك مثلما قلت لكم البنك عادة يجمع الأموال في إدارة الخزينة عنده من الفروع، الفروع دائمًا في ساعة معينة ترسل الفروع جميع الأموال الفائضة عندها وتتجمع عند البنك ثم يقرض هذه النقود أو يدخلها في صفقات قرضية في السوق الدولية ويأخذ في اليوم الواحد فوائد، ولذلك لا يتأخر ولا يومًا واحدًا في إقراض تلك النقود، فهو قائم على نظام الفائدة على التمويل النقدي، بينما البنوك الإسلامية قائمة على التمويل السلعي عن طريق بيع التقسيط، عن طريق التأجير المنتهي بالتمليك، عن طريق عقود الاستصناع فهي تشتري سلع ثم تبيعها، مرابحة.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخنا هذا سؤال عبر الشبكة سائل من المغرب يقول: بعض الشركات عندنا تعلن أنها تبيع السيارات بالتقسيط دون زيادة في الثمن مثلًا السيارة
الشيخ:
دون زيادة؟
عارض الأسئلة:
دون زيادة في الثمن، مثلًا السيارة تباع بعشرة ملايين وبالتقسيط تكون بنفس هذا السعر، وعند العقد فإن المشتري يبرم العقد مع وسيط أي مؤسسة مالية تكون وسيطة بين البائع والمشتري؟
الشيخ:(1/162)
هذه المعاملة لا تجوز؛ لأنه إذا كانت المعاملة ثلاثية ودخل فيها البنك كوسيط فهنا لا يجوز؛ لابد أن تنتقل السلعة إلى ملكية البنك ثم يبيعها البنك على العميل، لكن الواقع في مثل هذه المعاملات هم يقولون هي بدون فوائد بدون زيادة لكن في الحقيقة فيها خصم وليس فيها زيادة، فيقولون: إذا اشتريت بالنقد هي بمليون ولكن هنا سيكون للمشتري ما يعرف بالاسترجاع أو ما يسمونه (Redial) إعادة، يُعاد له جزء من المال، أما إذا اشترى بالأجل فلا يستحق هذه الإعادة، فهو في الحقيقة هناك زيادة لكنها زيادة مستورة، وعلى هذا فهذه المعاملة لا تجوز لأن البنك لم يتملك تلك السلعة ودوره كان تمويلًا نقديًا.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخنا، هذا سائل يقول: هل تدفع النقود التي تصرف إلى بلد آخر عن طريق الحوالة المصرفية بفعل البلد المُحَوَّل أو المحول إليه؟
الشيخ:
يكون سعر الصرف بأي سعر يتفقان عليه، والبنوك عادة تستخدم سعر الصرف في البلد المحول إليه، لكن المسألة هنا لا يترتب عليها محظور شرعي، فبأي سعر تم سعر الصرف فهو جائز لأن مبادلة عملة بعملة أخرى لا يشترط فيها إلا التقابض لا يشترط التماثل.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك هذا سائل يقول: ما الفرق بين الفوائد والهدايا والخدمات من حيث الحكم مع أنها كلها تكون قرضًا جر نفعًا؟
الشيخ:
الفوائد مشروطة في العقد ابتداءً، الفوائد مشروطة في عقد القرض ابتداءً يعني في الحسابات الجارية فلذلك هي محرمة دائمًا، بينما الهدايا ليست مشروطة، البنك قد يضع هذه الهدايا لجميع الناس، يضع مثلًا تقاويم على الطاولات، كل من دخل إلى البنك له أن يأخذ من هذه الهدية سواء كان له حساب جاري أو ليس له حسابًا جاريًا، أما إذا خص أصحاب الحسابات الجارية بالهدايا فنقول هذه الهدايا أصبحت ملحقة بالفوائد لأن فيها شبهة القرض بمنفعة.(1/163)
أما الخدمات: فالخدمات في الحقيقة هي حق للعميل حق لصاحب الحساب، أنا وضعت أموالي في البنك الآن، لنفرض أني وضعتها في صندوق في الخزائن الحديدية أليس من حقي أن آخذ مفتاحًا لأفتح الصندوق؟ من حقي، كذلك من حقي أن آخذ بطاقة لأستوفي رصيدي الذي في البنك، فهي في الحقيقة ليست فوائد لم يعطني البنك فوائد مقابل رصيدي وإنما قدَّم لي الوسائل التي أستطيع بها أن أصل إلى حقي، فهو لم يعطني شيئًا زائدًا فمن هنا قلنا: إن الخدمات جائزة.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخنا هذا سائل يقول عبر الشبكة: هل تجوز المتاجرة بالأسهم الإماراتية وبالأخص شركة الإعمار وبالأخص الشركات النقية في الأسهم الإماراتية؟
الشيخ:
نعم . الأسهم الإماراتية مثل أي أسهم دولة أخرى، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام كسائر الأسهم، وسنتحدث عن الأسهم إن شاء الله ربما يوم الأربعاء إن شاء الله، فأقول: يعني هي قد تكون الأسهم مباحة، قد تكون الأسهم فيها نقية، قد تكون الأسهم مختلطة، قد تكون الأسهم محرمة، وهذا التقسيم موجود في كل الدول.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخنا هذا سائل يقول: ما الحكمة في اشتراط التقابض في الأصناف الأربعة غير الذهب والفضة؟
الشيخ:(1/164)
الأصناف الأربعة هي في الحقيقة قوت يعتمد عليه أهل البلد، فلذلك الشريعة منعت من الاتجار بها ، وأن تكون مجالًا للمضاربة فيها وعقد الصفقات المؤجلة، فلذلك اشترطت الشريعة أن تكون المبادلة فيها حالَّة مثلًا بمثل حتى لا يتضرر أهل البلد في ارتفاع أسعار تلك الأقوات؛ لأننا كما لاحظنا الأصناف الأربعة هي أقوات يعتمد عليها أهل البلد، أما ما عداها من الأطعمة كالحلويات والفواكه والخضروات فارتفاع أسعارها مثلًا والمضاربة عليها، التأجيل فيها، كونها تباع بأكثر من سعر المثل كل هذا لا يضر بأهل البلد، فلذلك نلاحظ أن الشريعة حمت أقوات الناس بالمنع من الزيادة ربا الفضل وربا النسيئة في الأقوات الأربعة، وحمت الأثمان والعملة التي هي أساس للتبادل التجاري بمنع الربا في الذهب والفضة وما أُلحق بهما.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخنا هذا سائل يقول: ما حكم قيمة دراسة العقد للمرابحة الوعد بالشراء، فإنها في حكم القرض الذي جر نفعًا؟
الشيخ:(1/165)
لا، قيمة دراسة العقد أو دراسة العميل في المرابحة للآمر بالشراء جائزة؛ لأنها مقابل عمل قدمه البنك، وليست مقابل قرض، المرابحة للآمر بالشراء أو بيع التقسيط ليس بقرض، ولذلك تستغرب من بعض الناس مثلًا يأتي يقول أنا أخذت قرضًا من بنك الراجحي، الراجحي ما يقدم قروض ولو قدَّم قرضًا لقلنا: إنه بنك ربوي، لكن إذا سألت السائل تقول: ماذا الذي أخذته؟ يقول: أنا اشتريت أسهم بالتقسيط، أو يقول: اشتريت سيارة بالتقسيط، هذا ما يسمى قرض، هذا يسمى ماذا؟ بيع بالتقسيط، قد يكون متورقًا لكن هو من حيث الأصل بيع بالتقسيط، فهنا قوله: إن هذا قرض جر منفعة غير صحيح، هذا بيع بالتقسيط، وأما الرسوم التي يأخذها البنك مقابل الدراسة الائتمانية أحيانًا بعض البنوك يعني كما هو في شركة الراجحي يقولون: إذا أراد العميل أن يدخل في معاملة في بيع مرابحة للآمر بالشراء، يقولون: أنت تحتاج إلى دراسة ائتمانية، تحدثنا عن الدراسة الائتمانية قبل الصلاة، هم يقولون مقابل الدراسة الائتمانية هنا فحص مثل ما تفحص السيارة، ومثل ما تذهب إلى المستشفى تُفحص أنت تحتاج إلى أن تفحص ماذا؟ ائتمانيًا، هذا الفحص لن نتحمله نحن، نحن سنرسل إلى شركات أخرى تقوم بدراستك، فأنت تدفع قيمة هذا الفحص ابتداءً فهذه الرسوم جائزة لأن البنك لا ينتفع بها وإنما هي أجور بقدر التكلفة الفعلية التي تكلفها البنك لأجل الدراسة الائتمانية.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخنا هذا سائل يقول: ما حكم الدخول في صناديق الرائد في بنك (سمبا) صندوق الرائد وغيره من الصناديق سنتحدث عنه إن شاء الله عندما نتكلم عن الأسهم لأن هذه الصناديق، الصناديق الاستثمارية هي من الخدمات الاستثمارية التي تقدمها البنوك، ونحن قلنا: إن البنوك تقدم ثلاثة أنواع من الخدمات:
مصرفية، ائتمانية، استثمارية.(1/166)
الخدمات الاستثمارية تتمثل في الصناديق، ومن أبرزها صناديق الأسهم، فنرجئ الحديث عنها إن شاء الله تفصيلًا إلى يوم الأربعاء إن شاء الله عندما نتحدث عن الأسهم.
هذا، وصلى الله على نبينا محمد.
الشيخ: بارك الله فيك.(1/167)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهَّم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملًا يا حي يا قيوم .
أما بعد .
نستكمل أيها الإخوة والأخوات الحديث عن فقه المعاملات المصرفية ، وكنا وقفنا في الدرس السابق عند الكلام عن النوع الثاني من البطاقات المصرفية ، ألا وهي : البطاقات الائتمانية ، وقلنا إنَّ البطاقات الائتمانية على نوعين :
النوع الأول : بطاقات الخصم الشهري .
النوع الثاني : بطاقات الدين المنجدد .
وتكلمنا بإيجاز عن بطاقات الخصم الشهري ، وتكلمنا عن أشهر هذه البطاقات ، ولعلنا نفصل الحديث فيها اليوم - بإذن الله تعالى - ثم شرعنا في الحديث عن النوع الثاني من البطاقات الائتمانية .
وهو " بطاقات الدين المتجدد " .(1)
وبطاقات الدين المتجدد يستخدمان في نوعين من الاستخدامات:
__________
(1) تنبيه : هذه المُقَدِمَة سَقْطٌ مِنْ الْمَسْموع ، فَوضَعْنَا مُقَدِمَة بِمَا يُلَائِم السِيَاق ، عَلَى وِفْق أسلوب الشَّيخ - حَفِظَه الله - حتى لا يخرج الكلام عن مراده .(1/168)
الأمر الأول: في السحب النقدي ، بحيث إَنَّ حامِل البطاقة يستطيع أن يسحب بهذه البطاقة مبلغًا من المال، نحن نتحدث الآن عن البطاقات الائتمانية التي لا يلزم أن يكون لحامل البطاقة فيها رصيد، فهو يستطيع أن يستخدم البطاقة في الحصول على النقد عبر أجهزة الصَرَّاف الآلي ، والعلاقة هنا تكون ثنائية بين البنك المصدر للبطاقة والعميل حامل البطاقة، وتُكَيَّف العلاقة هنا على أنها عقد قرض، فالبنك المصدر للبطاقة يقرض العميل الآن مبلغًا من المال بحسب المبلغ الذي يسحبه باستخدامه لتلك البطاقة وعلى هذا إذا كُيَّفَت العلاقة على أنها قرض هنا لاحظوا قرض لكن المقرض فيه من هو؟ العميل أم البنك؟
- البنك، المقرض البنك، بخلاف بطاقات الخصم الفوري، بطاقات الخصم الفوري المقرض فيها العميل، أما بطاقات الائتمان المقرض فيها هو البنك، فإن كان هو المقرض فإنه لا يحوز أن يأخذ أي فائدة مقابل هذا القرض سواء أكان هذه الفائدة بنسبة من المبلغ المسحوب أو كانت أو كانت مبلغًا ثابتًا، فإذا أخذ فائدة مقابل هذا المبلغ فإن هذا من ربا القروض .(1/169)
لكن يجوز للبنك المصدر للبطاقة أن يأخذ أجورًا بقدر التكلفة الفعلية التي يعني دفعها البنك وتحملها البنك مِنْ أجل إيصال ذلك النقد للعميل، فلابد أن تكون هذه الأجور ثابتة، وأن تكون بقدر التكلفة الفعلية، وفي العادة فإن التكلفة الفعلية لعمليات السحب النقدي لا تتجاوز يعني مبالغ بسيطة ، يعني مثلًا: في المملكة مثلًا لا تتجاوز في العادة عشرين ريالًا لكل عملية سحب سواء كانت داخل المملكة أو خارج المملكة، والآن الذي ينظر في واقع البنوك يجد أن البنوك تتوسع في ذلك الأمر، أما البنوك الربوية فإنها تأخذ نسبة من المبلغ المسحوب، والمتبع في البنوك الربوية أنهم يقولون نأخذ مثلًا: واحد بالمائة (1% ) من المبلغ المسحوب ما لم تنقص تلك النسبة عن قيمة كذا وكذا - مثلًا - عن ثلاثين ريال، أو عن أربعين ريال، بمعنى أن النسبة هذه إذا زادت عن الأربعين ريالًا أخذ الزيادة، إن نقصت هذه النسبة عن أربعين ريالًا فإنه يأخذ أربعين ريالًا، فلو سحب العميل مثلًا مائة ريال كم سيأخذ البنك؟ نفرض أن النسبة التي قدَّرها البنك واحد بالمائة، قال: نأخذ واحد بالمائة أو أربعين ريالًا أيهما أعلى .
فلنفرض أنه سحب مائة ريال معناه كم سيأخذ البنك؟ ريال؟ لا، معناه بنك يعني ما هو طماع، العميل يسحب مائة ريال كم سيأخذ؟ خمسين هللة؟ لا وينه !! هذا بنك ما يعرف الرحمة بالعملاء، لا تنقص النسبة، يجب ألا تنقص عن أربعين ريالًا، لو أخذ العميل مائة ريال كم سيأخذ عليه؟ أربعين ريال، يبدأ أربعين ريالًا، أخذ العميل مائتي ريال سيأخذ البنك كم؟ أربعين ريالًا، أخذ العميل مثلًا خمسمائة ريال سيأخذ عليه أربعين ريالًا حتى تزيد الواحد بالمائة عن الأربعين ريالًا، لو أخذ مثلًا ألف ريال كم الواحد بالمائة من الألف ريال؟ عشر ريالات، فيأخذ أربعين ريالًا، لو أخذ مثلًا العميل خمسة آلاف ريال كم الواحد بالمائة؟ خمسين ريالًا، فيأخذ خمسين ريالًا واحد بالمائة .(1/170)
فهو يقول: يأخذ واحد بالمائة ما لم تنقص تلك النسبة عن أربعين ريالًا، فأقول مثل هذه النسبة إذا وضع البنك نسبة أو مبلغًا مقطوعًا يزيد عن التكاليف الحقيقية أو التكاليف الفعلية لعملية السحب هذه فإن هذه النسبة أو هذه المبالغ التي يأخذها البنك محرمة ؛ لأنها تجعل العملية من القرض بفائدة، يكون قرضًا بفائدة، وهذا هو الواقع فيما أعلم من خلال يعني النظر في كل البنوك التي تصدر بطاقات خصم شهري كلها إما تأخذ نسبة تزيد بزيادة المبلغ وتنقص بنقصانه، أو تأخذ مبلغًا مقطوعًا أكثر من التكلفة الفعلية .
وعلى هذا فالذي أراه أن استخدام البطاقة في السحب النقدي هنا لا يجوز : على أية حال في سائر البنوك حتى البنوك الإسلامية، البنوك الإسلامية التي تصدر هذه البطاقات إما أن تأخذ نسبة وإما أن تأخذ مبالغ مقطوعة أكثر من التكلفة الفعلية، هذا هو الواقع الآن، فلذلك نحن حتى نؤصل المسألة نقول فيها عمليه ثنائية ، فيها مقرض ومقترض لا يجوز للبنك أن ينتفع من عملية القرض هذه ، وعلى هذا فلا يجوز أن يأخذ أجرًا بأكثر من التكلفة الفعلية لعملية السحب، ويجب أن يكون هذا الأجر مبلغًا ثابتًا غير نسبي، هذا ما يتعلق بعملية السحب، إذًا: العلاقة هنا في عملية السحب النقدي في بطاقات الائتمان هي علاقة ماذا كم؟ ثنائية أو ثلاثية؟ هي علاقة ثنائية قد تكون هذه العلاقة في بعض الأحيان رباعية عفوًا، قد تكون رباعية، وذلك فيما إذا استخدم البطاقة في السحب النقدي من جهاز صراف لغير البنك المصدر للبطاقة، فلو جاء مثلًا معه بطاقة من بنك الراجحي واستخدم هذه البطاقة في السحب من البنك الأهلي فهنا أصبحت العلاقة رباعية عندنا :
1 - حامل البطاقة .
2- البنك المصدر للبطاقة .
وأضيف إليهما اثنان هما :
3 - البنك صاحب جهاز الصراف (البنك الأهلي هنا) .(1/171)
4 - المنظمة الراعية للبطاقة، كل بطاقة لها منظمة ترعاها، فمثلًا بطاقة (الفيزا) المنظمة الراعية لها هي منظمة (فيزا) .
ماذا يُقْصَد بـ " فيزا " ؟
هذه منظمة تجمع كل البنوك التي تصدر بطاقة " فيزا " وتتقاضى رسوم مقابل الخدمات التي تقدمها لهذه البنوك، رسوم مقابل إصدار كل بطاقة، رسوم عن استخدام كل بطاقة في عملية السحب النقدي ، أو استخدام البطاقة في عملية الشراء من نقاط البيع إلى غير ذلك ، هذه المنظمة تتقاضى رسومًا من هذه البنوك عن سائر أوجه الانتفاع بالخدمات من خدمات تلك المنظمة .
فعلى ذلك نقول: إذا استخدم حامل البطاقة بطاقته في السحب النقدي من جهاز الصراف لغير البنك الذي أصدر البطاقة فالعلاقة تكون رباعية؛ عندنا حامل البطاقة، والبنك المصدر والبنك صاحب الجهاز، والمنظمة الراعية للبطاقة، فهو الآن عندما يحمل بطاقة (فيزا) مثلًا ويستخدمها في جهاز البنك الأهلي ليقوم بنك الراجحي بإقراضه مبلغ مثلًا ألف ريال، الآن العلاقة مازالت عقد قرض ما بين بنك الراجحي وحامل البطاقة، المقرض هو بنك الراجحي، وحامل البطاقة هو المقترض .
إذًا ما دور البنك الوسيط والمنظمة الراعية؟
- دورهم هنا دور وسطاء هؤلاء فالبنك صاحب الجهاز هو وكيل عن العميل في الاقتراض .(1/172)
أو نقول: هو وكيل عن البنك صاحب البطاقة في الإقراض، هو وكيل عنهما جميعًا، وكيل عن البنك ووكيل عن العميل وفي العادة البنك صاحب الماكينة أيضًا سيأخذ ماذا؟ رسوم، سيأخذ رسومًا مقابل هذه الوساطة، هذه الرسوم جائزة التي يأخذها البنك صاحب الجهاز لأن هذه الرسوم مقابل وكالته ولا يترتب عليها محظورًا شرعيًا، ليست مقابل قرض ولا مقابل ضمان؛ لأنه لم يقرض أحدًا ولم يضمن أحدًا، هو مجرد ماذا؟ وكيل، هو مجرد وكيل عن الطرفين، فالأجور التي يأخذها جائزة سواء أكانت نسبية أو كانت مبالغ ثابتة، كذلك الأجور التي تأخذها المنظمة الراعية للبطاقة، منظمة (الفيزا) تأخذ عن كل عملية أحد عشر سنتًا عن كل عملية تتم عن طريقها تأخذ أحد عشر سنتًا مبلغ ثابت سواء كان السحب لمائة ألف ريال، أو لألف ريال أو لعشرة آلاف ريال تأخذ مبلغًا ثابتًا، هذه الرسوم التي تتقاضاها أيضًا المنظمة الراعية جائزة ؛ لأنها مقابل التوسط أو مقابل الخدمات التي قدمتها للطرفين وليست مقابل القرض ولا الضمان.
متى تدخل المنظمة والبنك صاحب الماكينة؟
- إذا استخدم صاحب البطاقة بطاقته في السحب من جهاز صراف لغير البنك الذي أصدر البطاقة، لكن لو أن شخصًا يحمل بطاقة (فيزا) للراجحي مثلًا واستخدم البطاقة من جهاز صراف الراجحي ، فهنا العلاقة تكون ثنائية، لا تأخذ منظمة " الفيزا " أي رسوم، ولا أي بنك يأخذ أي رسوم.
إذًا: هذا هو الاستخدام الأول لبطاقات الائتمان، الاستخدام الأول إذًا لبطاقات الائتمان هو في السحب النقدي، والعلاقة فيه ثنائية، وتكيف على أنها عقد قرض، البنك المصدر للبطاقة مقرض، وحامل البطاقة ماذا؟ مقترض، لا يجوز للبنك المصدر أن يأخذ أي فائدة مقابل عملية السحب هذه لأن هذه الفائدة ستكون في عقد قرض، وهو محرم شرعًا، يحرم شرعًا أن يأخذ فائدة على عقد القرض.(1/173)
إذا استخدمت البطاقة في جهاز صراف لغير البنك المصر فالعلاقة هنا تكون ماذا؟ رباعية، والرسوم التي يتقاضاها الوسطاء المنظمة الراعية أو البنك صاحب الجهاز هذه الرسوم جائزة لأنها مقابل الوساطة المالية، وليست مقابل قرض ولا ضمان، إذًا: هذا هو الاستخدام الأول للبطاقات الائتمانية.
أما الاستخدام الثاني للبطاقة الائتمانية: فهو استخدامها في نقاط البيع كأن يشتري شخص بالبطاقة الائتمانية من أحد التجار أو يسدد بها أجرة مثلًا استئجاره لسيارة أو نزوله في فندق ونحو ذلك، هذا الاستخدام الآخر أو الثاني للبطاقات الائتمانية .
وفي هذا الاستخدام العلاقة تكون ابتداء ثلاثية، تكون علاقة ثلاثية بين ثلاثة أطراف:
الطرف الأول هو: البنك المصدر للبطاقة.
الطرف الثاني هو: حامل البطاقة.(1/174)
والطرف الثالث هو : التاجر أو ما يسمى بقابل البطاقة، العلاقة الآن ثلاثية، فالآن في هذه العلاقة تكيف العلاقة بين الأطراف الثلاثة البنك المصدر وحامل البطاقة والتاجر، تكيف على أنها عقد ضمان، العقد الحاكم لهذه العملية هو عقد الضمان، فالبنك المصدر يضمن حامل البطاقة تجاه من؟ التاجر، تجاه التاجر، فعندنا البنك المصدر هو الضامن، وحامل البطاقة ماذا يكون حامل البطاقة هو المضمون عنه، والتاجر قابل البطاقة هو المضمون له، ثم ننظر في مآل هذا القرض، إن لم يكن لحامل البطاقة رصيد لدى البنك المصدر للبطاقة، إذا لم يكن له رصيد فإن هذا الضمان يؤول إلى القرض، فالبنك المصدر سيسدد عن حامل البطاقة، لنفرض أن حامل البطاقة استخدم هذه البطاقة لدى التاجر بمبلغ ألف ريال، البنك المصدر من الذي سيسدد هذه الألف ريال؟ البنك المصدر لأنه نحن نفترض الآن أن العميل ليس له رصيد فالآن لما قدم البطاقة للتاجر، العميل لما قدمها للتاجر ضمنه البنك المصدر تجاه التاجر، فإذا استخدمها عند التاجر فإن هذا الضمان ماذا؟ أصبح هذا الضمان ماذا؟ قرضًا، أصبح قرضًا من البنك المصدر لمن؟ لا، ليس قرضًا للتاجر، قرضًا لمن؟ للعميل، قرضًا لحامل البطاقة فهو أقرضه الألف ريال وسدد عنه، إذًا: الضمان هنا آل إلى القرض متى سيسدد العميل حامل البطاقة للتاجر؟ بعد فترة السماح، يعني بعد خمسين يومًا، إذًا: تحول الضمان إلى قرض، إن كان للعميل حامل البطاقة رصيد لدى البنك المصدر للبطاقة فهنا الضمان لا يؤول إلى القرض ، نفرض أن هذا العميل له – مثلًا - عند البنك عشرة آلاف ريال، واستخدم هذه البطاقة بمبلغ ألف ريال، فجاء البنك وسدد عنه الألف ريال، هل إلى قرض ؟(1/175)
نقول : لا . هنا ليس هناك قرض، وإنما أصبح في العملية هنا ضمان ابتداء ووكالة في الأداء، أصبح البنك المصدر وكيلًا عن حامل البطاقة في السداد؛ لأن حامل البطاقة له رصيد لدى البنك المصدر، فليس مقرضًا له، لا يعتبر البنك المصدر مقرضًا له، قد يقول قائل: إنه من المعلوم أنه وإن كان لحامل البطاقة رصيد لدى البنك المصدر فإن من المعتاد أن البنك لا يقوم بالخصم من رصيده فورًا؛ لأن هذه بطاقة ائتمان وليست بطاقة خصم فوري، متى يقوم البنك بخصم الألف ريال هذه من رصيده؟
بعد خمسين يومًا . فإنه لا يمس هذه العشرة آلاف ريال، يسدد من عنده يسدد البنك الألف ريال من عنده .
فهنا قد يقول قائل: إن البنك أقرضه الآن؛ لأنه لم يأخذ من رصيده .
نقول: إن كون البنك لا يسدد من رصيد العميل لا يجعل العقد عقد قرض لوقوع المقاصة الفورية وإن لم يكن هناك استيفاء من رصيد العميل؛ لأن المقاصة وقعت شرعًا فورًا، وقعت فورًا ، وإنما تأخير الخصم لأجل الترتيبات الإدارية في البنك، لأجل تنظيم عمل البنك ، أما من الناحية الشرعية إذا كان لشخص على آخر دين والآخر يطلبه دين آخر من نفس الجنس ، من نفس جنس الدين الأول فإن الدينين يقع بينهما مقاصة وإن لم يتراض الطرفان، وإن قال أحدهما مثلًا سأؤجل إلى ما بعد فترة .
ولهذا يقول صاحب شرح المنتهى رحمه الله : من استحق على غريمه مثل ما له عليه من دين .
من هو الغريم ؟
- من استحق على غريمه مثل ما له عليه من دين.
شخص يطلبه آخر بألف ريال، وهو استحق على الدائن أيضًا ألف ريال، أقرضك شخص ألف ريال، أقرضك ألف ريال ثم اشترى منك سلعة بألف ريال ولم يسدد لك الدين، إذًا: لك في ذمته ألف ريال، وله في ذمتك ماذا؟ ألف ريال .
يقول: من استحق على غريمه مثل ما عليه من دين جنسًا وقدرًا وصفةً حالَّين أو مؤجلين أجلًا واحدًا -ماذا؟- تساقطا، إن استويا أو سقطا من الأكثر بقدر الأقل إن تفاوتا قدرًا ولو بدون تراضي.(1/176)
حتى وإن لم يتراضيا، يعني أن المقاصة تقع فورًا وإن لم يكن، وإن لم يجريا المقاصة هما فعلًا، فالآن العميل يطلب من البنك عشرة آلاف ريال، والبنك - في مثالنا السابق- بما أن العميل له رصيد لدى البنك بمقدار عشرة آلاف ريال فهو قد أقرض البنك عشرة آلاف ريال، والبنك أقرضه كم؟ ألف ريال، إذًا: وقعت المقاصة فورًا، من الناحية الشرعية قد وقعت المقاصة، فأصبحت بعد المقاصة أصبح العميل دائنًا للبنك بكم؟ بتسعة آلاف ريال، وعلى هذا فنقول: إذا كان للعميل حامل البطاقة له رصيد لدى البنك المصدر فإن الضمان هنا لا يؤول إلى القرض ، ولو كان البنك سيخصم ذلك المبلغ الذي على العميل بعد فترة، وإنما البنك هنا أصبح وكيلًا عن العميل في السداد، أصبح وكيلًا عنه في السداد، إذًا: استخدام البطاقة في نقاط البيع الأصل فيه أن العقد يحكمه عقد الضمان ، والعلاقة فيه تكون ثلاثية بين البنك وحامل البطاقة والتاجر القابل للبطاقة، قد تكون العلاقة قد تكون العلاقة خماسية .
متى تكون خماسية ؟(1/177)
- لو كان التاجر الذي سيشتري منه العميل لو كان يتعامل مع بنك آخر غير البنك المصدر للبطاقة، فلنفرض أن شخصًا يحمل بطاقة الراجحي في السعودية، الآن عندنا بنك الراجحي وحامل البطاقة، حامل البطاقة هنا توجه إلى مصرف، واشترى سلعة من مصر، من تاجر مصري بالبطاقة الائتمانية، التاجر المصري يتعامل مع بنك مصري، فالبنك المصري إذا جاء الشخص يتعامل مع هذا التاجر فمن خلال البطاقة هنا أو نم خلال الجهاز الذي عند التاجر ترسل إشارة أو طلب إذن للعملية هذه وقبول من أي بنك؟ من بنك الراجحي، وليس من البنك المصري، لأن البنك المصري ما يعرف حامل البطاقة، فتتم العملية إلكترونية، تتم إلكترونية من خلال جهاز الذي يسمى نقاط البيع لذي عند التاجر ترسل إشارة من خلال بنك التاجر (البنك المصري) وعبر منظمة (الفيزا) إلى شركة الراجحي أو بنك الراجحي لأخذ القبول لهذه العملية، هل نجيز هذه العملية أو لا، فتأتي الإفادة من بنك الراجحي إلكترونيًا بالموافقة على تلك العملية، إذًا: أصبحت العلاقة هنا ماذا؟ خماسية، أصبحت العلاقة خماسية؛ بنك الراجحي(البنك المصدر للبطاقة) وحامل البطاقة، والتاجر القابل للبطاقة، وبنك التاجر وهو (البنك المصري) هنا في المثال، والمنظمة الراعية للبطاقة وهي منظمة (الفيزا) ما تزال العلاقة بين الأطراف الثلاثة الأولى، العلاقة ماذا؟ هي علاقة ضمان قد تؤول إلى القرض وقد لا، وقد لا تؤول إلى القرض، فالراجحي ضامن، وحامل البطاقة مضمون عنه والتاجر مضمون له، لكن ننظر إلى دور بنك التاجر ومنظمة الفيزا، ما دورهما هنا؟ هو دور وساطي هم وسطاء وكلاء عن حامل البطاقة وعن البنك المصدر للبطاقة، ولذلك أي رسوم يأخذها هذان الطرفان بنك التاجر أو المنظمة الراعية للبطاقة فهي رسوم جائزة شرعًا، هذه رسوم جائزة شرعًا، سواء كانت بمبلغ ثابت أو بأجر مقطوع.
أما الرسوم التي يأخذها البنك المصدر فسنتحدث عنها عندما نبين الفقه الشرعي لهذه البطاقة.(1/178)
إذًا: من خلال ما سبق من معرفتنا لوجه استخدام البطاقات الائتمانية تبين أن البطاقات الائتمانية قد تستخدم في السحب النقدي، فهنا العلاقة قد تكون ثنائية أو تكون رباعية، وقد تستخدم هذه البطاقات في نقاط البيع من التجار، فهنا قد تكون العلاقة ماذا؟ ثلاثية، وقد تكون العلاقة ماذا؟ خماسية.
في الحال الأولى: استخدام البطاقة في السحب النقدي العقد الذي يحكم العلاقة هو عقد ماذا؟ إذا كانت في السحب النقدي، ما في ضمان هنا، مباشرة قرض، هو يقترض من البنك، العقد الحاكم هو عقد القرض، بينما إذا كان استخدام البطاقة في نقاط البيع العقد الحاكم لتلك العلاقة هو عقد ماذا؟ الضمان، البنك المصدر للبطاقة يضمن حامل البطاقة، لكن ننظر لمآل هذا الضمان، هذا الضمان قد يؤول إلى القرض فيما إذا لم يكن لحامل البطاقة رصيد لدى البنك المصدر للبطاقة؛ لأن البنك المصدر للبطاقة سيسدد قيمة الفاتورة التي اشترى بها من التاجر، سيسددها عن العميل أو، لا يؤول إلى القرض وإنما يكون دور البنك مجرد .. ضامن ووكيل، ضامن ابتداء ووكيل في الأداء، وهذا فيما إذا كان لحامل البطاقة رصيد يغطي قيمة الفاتورة التي استخدم بها البطاقة.
ننظر إلى الحكم الشرعي في البطاقات الائتمانية:
نحن قلنا قبل قليل إن البطاقات الائتمانية على نوعين:
بطاقات خصم شهري: يتم خصم المبلغ فيها كاملًا في نهاية المدة، في نهاية فترة السماح، وبطاقات دين متجدد، يتم تقسيط المبلغ المستحق على العميل على فترات.
أما النوع الثاني من بطاقات الائتمان: وهو البطاقات ذات الدين المتجدد .(1/179)
فلا أعلم خلافًا بين العلماء المعاصرين بين حرمتها، البطاقات التي يكون فيها تقسيط للدين المستحق في البطاقة هذه البطاقات محرمة، إذا قال مثلًا البنك المصدر للبطاقة أعطيك فترة سماح مدة مثلًا خمسين يومًا نسدد المبلغ الذي عليك، ثم بعد فترة السماح نقسط المبلغ إذا كان عليك مثلًا خمسة آلاف ريال لا تسدد الخمسة آلاف ريال كاملة وإنما سددها على ستة أشهر وتصبح ستة آلاف ريال، بهذا الشكل لهذه البطاقات محرمة، هذا العقد محرم لأنه من باب ماذا؟ زدني أُنْظِرك، فهو يزيده في الدين ليزيده في الأجل وهذا من ربا الجاهلية وهو محرم بإجماع الفقهاء المتقدمين، وهذه البطاقات أيضًا محرمة بإجماع العلماء المعاصرين فيما أعلم، لكن ظهرت بطاقة تصدرها بعض النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية فيها تقسيط للدين بحيلة على ذلك، وانتبهوا إلى هذه الحيلة لأن تصويرها قد يكون فيه شيء من الصعوبة، الآن نحن قلنا : الدين المستحق على العميل لنفرض أنه خمسة آلاف ريال مضت الخمسين يومًا والمبلغ المستحق على العميل مثلًا خمسة آلاف ريال في البنوك التقليدية يقومون مباشرة بتقسيط الدين على العميل، فيقولوا بدلًا من أن تسدد خمسة آلاف ريال تسدد ستة آلاف ريال في ستة أشهر، في بعض النوافذ الإسلامية أجروا عملية التقسيط هذه بطريقة ما يسمى قلب الدين؛ أن يقلب الدين الذي عليه، كيف ذلك؟ يقولون: أنت في ذمتك الآن خمسة آلاف ريال لصالح البنك لا يلزم أن تسددها الآن نحن نعطيك حيلة بدلًا من أن تشغل نفسك بالسداد، كيف ذلك؟ قالوا: وكلنا في أن نبيع لصالحك معادن بستة آلاف ريال مؤجلة في ذمتك، نحن عندنا معادن سنبيعها عليك بستة آلاف ريال مؤجلة، انس الآن البطاقة؛ لأن دين البطاقة ... سنجري لك عملية تورق، نبيعك معادن بستة آلاف ريال مؤجلة في ستة أشهر إذا تملكت هذه المعادن وكلنا كذلك في أن نبيعها لك في السوق الدولية بخمسة آلاف ريال نقدًا، ثم وكلنا كذلك في أن نأخذ هذه(1/180)
الخمسة آلاف ريال ماذا نعمل بها؟ نسدد بها دين البطاقة، فتبقى ذمتك مشغولة بلدين ماذا؟ المعادن بدين التورق، أما دين البطاقة فقد سُدد، هذا تجريه بعض البنوك أو بعض البنوك المحسوبة على البنوك الإسلامية مع الأسف، هي عملية قلب للدين وتحايل على المحرم، ولبذلك جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي تحريم هذا النوع من المعاملة عملية قلب الدين في البطاقات الائتمانية؛ يعني يجرون للعميل عملية تورق يسدد بها دين البطاقة ويتحمل دينًا آخر هو دين التورق، وهذه المعاملة حيلة ولا شك في حرمتها، وقد جاءت في إبطال الحيل، وقد تكلم عن الحيل وإبطلها شيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا مفصلًا، وذكر الأدلة مفصلة في تحريم الحيل من الكتاب والسنة، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ?? لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَ الْيَهُود فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِم اللَّه بِأَدْنَى الْحِيَل ??
إذًا: بهذا نكون قد أنهينا الحديث عن النوع الأول من البطاقات الائتمانية وهي البطاقات ذات الدين المتجدد.
ننتقل إلى النوع الثاني - من البطاقات الائتمانية – وهي : بطاقات الخصم الشهري : وفي هذه البطاقات يعطى العميل فترة سماح ثم يخصم كامل المبلغ الذي عليه بدون زيادة يخصم في نهاية فترة السماح، حيث يطلب من العميل أن يسدد كامل ذلك المبلغ بدون أي زيادة، قد يسدده مثلًا بنفسه، أو يوكل البنك بالخصم من رصيده .
وهذا النوع من البطاقات اختلف العلماء المعاصرون في حكمه على قولين:
القول الأول: " التحريم " . أَنَّ هذه البطاقات محرمة كلها ؛ والعلة التي من أجلها ذهبوا على التحريم قالوا: إن البنك المصدر للبطاقة يأخذ فائدة مقابل إقراض العميل المبلغ الذي استخدمه في البطاقة فهي مشتملة على القرض بفائدة.(1/181)
وجه ذلك: أن العميل عندما يستخدم البطاقة في نقاط البيع عند التاجر فإن البنك المصدر للبطاقة يأخذ نسبة خصم على التاجر القابل للبطاقة، فعلى سبيل المثال: لو أن العميل الآن حامل البطاقة استخدم البطاقة لدى التاجر بما مقداره مائة ريال اشترى شيء بمائة ريال، وقَّع الفاتورة الآن على هذا المبلغ مائة ريال، الآن التاجر ماذا يفعل؟ يرسل الفاتورة إلى من؟ إلى البنك المصدر للبطاقة، كم سيعطيه البنك المصدر للبطاقة؟ مائة ريال أو أكثر؟
إذًا: هذا كريم البنك هذا، البنك المصدر للبطاقة لا يعطيه مائة ريال، وإنما هناك نسبة خصم متفق عليها بين التاجر والبنك المصدر، فيخصم عليه من الفاتورة مثلًا واحد بالمائة أو اثنين بالمائة أو ثلاثة بالمائة هذه النسبة تتراوح ما بين واحد بالمائة إلى ثمانية بالمائة، لنفرض أن هذه النسبة اثنان بالمائة، فالبنك المصدر الآن سيعطي التاجر كم؟ ما يعطيه مائة، يعطيه ثمانية وتسعين ريالًا، ثم بعد خمسين يومًا البنك المصدر سيرسل إلى العميل فاتورة البطاقة أو كشف حساب البطاقة يطلب منه أن يسدد كم؟ مائة ريال، فقالوا: إن البطاقة هنا اشتملت على القرض بفائدة ووجه ذلك أن البنك أقرض حامل البطاقة ثمانية وتسعين واستوفى منه كم؟ مائة ريال، استوفى منه بعد مدة، بعد فترة السماح هذه مائة ريال، فهو قرض بفائدة ولهذا قالوا: إن هذه البطاقات محرمة، قالوا أيضًا: إذا استخدمت في السحب النقدي فالقرض بفائدة فيها باطل؛ لأن البنك المصدر يقرضه ويأخذ عليه رسومًا مقابل عملية السحب قد تكون هذه الرسوم نسبية وقد تكون أجورًا تزيد عن التكلفة الفعلية، فالقرض بفائدة ملازم لهذه البطاقة، هذا ما ذهب إليه بعض العلماء المعاصرين.(1/182)
والقول الثاني في هذه المسألة: أن هذه البطاقات جائزة، وإلى هذا القول ذهب معظم الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي فهم يرون أن هذه البطاقات بطاقات الخصم الشهري من حيث الأصل جائزة، ننظر الآن إلى النسبة التي يأخذها البنك من التاجر، قالوا: إن هذه النسبة ليست مقابل القرض وليست فائدة فيه، بل هي أجرة سمسرة وتسويق تؤخذ على التاجر، ولهذا قالوا: هي لا تؤخذ من العميل حامل البطاقة، وإنما تؤخذ من التاجر مقابل التسويق للتاجر؛ لأن العميل ما تقدم إلى هذا التاجر واشترى منه إلا لما رأى شعار المنظمة أو أن هذا التاجر يقبل نوع من البطاقات، فالبنك قدم خدمة للتاجر، واستحق مقابل هذه الخدمة أجرًا أو نسبة وهي نسبة الخصم المتفق عليها بينهما، قالوا: ومما يدل على ذلك أن هذه النسبة نسبة الخصم ليست مقابل إقراض العميل أن هذه النسبة لا تتأثر بفترة السماح التي يُعطاها العميل، ولا تتأثر أيضًا برصيد العميل لدى البنك، قد يكون رصيد العميل لدى البنك مثلًا أقل من مبلغ فاتورة الشراء، وقد يكون أكثر، قد يكون بعشرات الآلاف أو بمئات الآلاف أو بالملايين، ومع ذلك نسبة الخصم التي يتفق فيها البنك مع التاجر لا تتأثر برصيد العميل مما يدل على أن البنك لم يقصد من هذه النسبة أن ينظر إلى القرض لذي قدَّمه للعميل وإنما نظر إلى الخدمة التي قدَّمها للتاجر، فهم كيَّفوا هذه النسبة أو جعلوها على أنها أجرة سمسرة، وليست مقابل القرض، ولأن هذا التخريج هو الأقرب فإن النسبة هنا تؤخذ على التاجر ولا تؤخذ على العميل، لا تؤخذ على حامل البطاقة، لو كانت تؤخذ على العميل مباشرة فهنا نقول: إن القرض بفائدة فيها باطل.
أما هنا فإنها تؤخذ على التاجر نفسه، ولا تؤخذ من العميل، وعلى هذا فنقول: إن الأصل في بطاقات الخصم الشهري التي يتم فيها خصم كامل المبلغ بدون زيادة ولا تقسيط الأصل فيها هو الجواز، ويشترط لصحتها شرطان:(1/183)
الشرط الأول: ألا تشتمل على غرامة تأخير، فإن من المعتاد في البنوك الربوية أنهم يصدرون بطاقات خصم شهري يعطى العميل فيها فترة سماح ثم يخصم كامل المبلغ المستحق عليه في نهاية المدة بدون زيادة، لكن هذه البنوك في العادة تشترط على العميل أنه متى ما تأخر عن السداد لو تأخر عن السداد ولو ليوم واحد فإن البنك يأخذ عليه غرامة تأخير يزيد في الدين المستحق عليه، يقول: عن كل يوم تتأخر فيه عن السداد نأخذ مثلًا واحد بالمائة من قيمة الدين المستحق في ذمتك فإذا اشتمل عقد البطاقة على هذا الشرط فإن البطاقة تكون محرمة لأن هذا الشرط فاسد، ولا يجوز، وهو شرط ربوي، فلا يجوز للمسلم أن يدخل في عقد فيه شرط فاسد قد يلزم به؛ لأنه قد يقع في الربا ويلزم –يعني تأخر عن السداد- فيلزم بدفع الربا، فيكون قد وقع في المحظور، إذًا: هذا هو الشرط الأول: ألا يشتمل عقد البطاقة على غرامة تأخير.
الشرط الثاني: ألا يستخدمها في السحب النقدي إذا كان البنك المصدر للبطاقة يأخذ أجرًا نسبيًا عن كل عملية سحب، وكذا إذا كان يأخذ أجرًا مقطوعًا يزيد عن قدر التكلفة الفعلية، فالمعروف الآن أن البنوك تتقاضى أجور قد تكون نسبية وقد تكون ثابتة لكن هذه الأجور أكثر من التكلفة الفعلية لعملية السحب، على هذا نقول: لا يجوز أن يستخدمها في السحب النقدي، وإنما يستخدم البطاقة في أي شيء؟ في نقاط البيع يعني في شراء السلع أو في استئجار الخدمات بهذه البطاقة.
الخلاصة إذًا في البطاقات الائتمانية أنها على ثلاثة أنواع، عفوًا في البطاقات المصرفية أنها على نوعين:
النوع الأول: لا، ما هو الخصم الشهري، نتكلم عن البطاقات المصرفية، كل البطاقات المصرفية.
بطاقات الخصم الفوري: هذه من الخدمات المصرفية أم من الخدمات الائتمانية؟ من الخدمات المصرفية لأنه ليس فيها ائتمان.(1/184)
الحكم الشرعي لهذه البطاقات: الجواز، والرسوم التي تتقاضاها البنوك في هذه البطاقات جائزة، سواء كانت رسوم إصدار أو استعمال أو سحب نقدي أو تجديد أو غير ذلك، وسواء كانت تلك الرسوم نسبية أو بمبالغ ثابتة؛ لأن البنك المصدر مقترض وليس مقرضًا، والرسوم التي يأخذها هنا لا يترتب عليها محظور شرعي.
النوع الثاني من البطاقات هي: البطاقات الائتمانية الإقراضية التي يكون فيها إقراض، والتي لا يشترط أن يكون للعميل فيها رصيد، هذه البطاقات على نوعين:
بطاقات ذات دين متجدد: يتم فيها تجديد الدين بمعنى أنه يعطى العميل فرصة التقسيط، تقسيط الدين ويزيد الدين بسبب الدين فهذه البطاقات محرمة، سواء كان التقسيط بطريقة مباشرة .. يعني زيادة في الدين على العميل وإعطائه مهلة للسداد، أو كان بحيلة ربوية عن طريق ما يعرف بقلب الدين، على كلا الحالتين هذه البطاقات محرمة.
والنوع الثاني من البطاقات الائتمانية: هي بطاقات الخصم الشهري التي يتم فيها خصم المبلغ المستحق على العميل في نهاية المدة بكامله بدون زيادة، فهذه البطاقات يجوز استخدامها في نقاط البيع ولا يجوز استخدامها في السحب النقدي إذا كان البنك المصدر لها يأخذ رسومًا أكثر من التكلفة الفعلية وهو الواقع الآن في البنوك أنها تأخذ في عمليات السحب النقدي رسومًا أكثر من التكلفة الفعلية، ويشترط لهذه البطاقات أيضًا ألا يكون إصدارها مصحوبًا بشرط غرامة التأخير فيما إذا تأخر العميل عن سداد الدين المستحق عليه.(1/185)
بقي مسألة في البطاقات المصرفية: وهي حكم استخدام البطاقات المصرفية فيما يجب فيه التقابض شرعًا؛ في شراء الذهب وصرف العملات، وشراء الفضة ونحو ذلك، هل يجوز أن تستخدم بطاقة الخصم الفوري أو بطاقة الخصم الشهري في شراء الذهب، الآن في مبادلة الذهب الآن ستشتري ذهب بريالات ولكنك لن تسدد نقدًا وإنما ستسدد عن طريق البطاقة، قد تكون بطاقة صراف فوري وقد تكون بطاقة خصم شهري الآن في مبادلة الذهب بالريالات؛ أي أنك ستدفع ريالات للذهب، ما الذي يجب؟
الآن اختلف الجنس واتحدت العلة، فيشترط التقابض، هل يتحقق التقابض شرعًا في استخدام البطاقة؟
نقول: أما استخدام بطاقة الخصم الفوري فلا إشكال في تحقق التقابض فيها شرعًا؛ لأنه يتم الخصم فيها فورًا من رصيد المشتري وتعزيز رصيد البائع؛ ينتقل المال من رصيد المشتري إلى رصيد البائع في نفس اللحظة، والقيد المصرفي على الصحيح أنه يتحقق به التقابض شرعًا، فالتقابض شرعًا كما يكون باستلام النقود الحسية هذا، يكون كذلك باستلام النقود عن طريق القيد من رصيد إلى رصيد، فإذا كان الخصم سيتم فورًا تنتقل الأموال من رصيد المشتري إلى رصيد التاجر فقد تحقق التاجر.(1/186)
طبعًا إذا قلنا تنتقل الأموال ما يعني هذا إن الأوراق النقدية خرجت من حساب هذا الشخص من حساب المشتري إلى حساب البائع، كيف تم الانتقال؟ قيديًا؛ بقيود لدى البنك، ولذلك نقول: النقود كما أنها تكون أوراق على هيئة أوراق تكون كذلك على هيئة أوراق تجارية كالشيكات، وتكون كذلك على هيئة نقود قيدية، كلها اصطلاحية، حتى الورق الريال الورقة النقدية الآن هي في ذاتها ليس لها قيمة، لكن كيف اعتبرنا لها قيمة؟ لأن الناس ... واصطلحوا وحُميت من قبل النظام، واعتبروها وسيلة للتبادل التجاري، فمن هنا اعتبر قبضها كقبض النقد، أو اعتبرت نقدًا يتحقق فيه التقابض الشرعي، كذلك الشيك، بما أنه وسيلة للتبادل فقبضه يتحقق به التقابض الشرعي، كذلك النقود القيدية التي تكون في البنوك بما أنها تكفي عن تسلم النقود فإنه يتحقق فيها التقابض الشرعي، وبهذا بقرار مجمع الفقه الإسلامي الذي أشرنا إليه البارحة نصوا على أن القيد المصرفي الحال الفوري يتحقق به التقابض الشرعي، هذا ما يتعلق ببطاقات الخصم الفوري.
لكن هل يجوز استخدام بطاقات الخصم الشهري بطاقات الائتمانية كـ(الفيزا، والماستركارد، والامريكان اكسبريس) في شراء ما يجب فيه التقابض شرعًا؟
هنا أشير إلى نقطة الآن في المثال السابق الذي ذكرناه قبل قليل الشخص الذي سيشتري من التاجر، نفرض أن العميل اشترى من التاجر من الصائغ الآن، تاجر الذهب، اشترى منه ذهبًا، واشترى مثلًا بالبطاقة الائتمانية (بطاقة الفيزا) وصدرت الفاتورة من التاجر ووقعها العميل، التاجر طبعًا جاءه إذن من البنك الذي يتعامل معه البنك المصدر جاءه إذن بقبول هذه العملية في نفس الوقت، لكن متى يسدد البنك المصدر، متى يسدد للتاجر؟ هل يسدد في نفس اللحظة؟(1/187)
لا يتم التسديد في نفس اللحظة وإنما يكون هناك تأخير في التسوية، ويعطيه الإذن ويقيد في رصيد التاجر مبلغ، لكن التسوية لا تتم، التسوية النهائية لا تتم إلا بعد مرور يومين أو ثلاثة أيام في الأوقات المعتادة بمعنى أن البنك لا يسدد للتاجر إلا بعد عدة أيام، لا يسدد له فورًا، فمن هنا اختلف العلماء المعاصرون في حكم استخدام البطاقات الائتمانية بطاقات الخصم الشهري، وليس بطاقات الخصم الفوري، في حكم استخدامها فيما يجب فيه التقابض شرعًا؛ فذهب بعضهم إلى المنع، تحريم استخدامها فيما يجب فيه التقابض شرعًا؛ لأن البنك المصدر عادة لا يقوم بالتسديد للتاجر إلا بعد عدة أيام، فهو وإن قيدها لصالح التاجر لكن لا يسدد تسديدًا فعليًا إلا بعد عدة أيام، فقالوا: إنه لم يتحقق التقابض شرعًا.(1/188)
والقول الثاني في المسألة : هو الجواز، أي يجوز استخدام البطاقات فيما يجب فيه التقابض شرعًا لأنه وإن لم يتم فعلًا تسليم النقود للتاجر إلا أنها قيدت في صالحه فورًا، فمن حين إجراء العملية إجراء عملية الشراء لدى التاجر يقوم البنك المصدر بتقييد مبلغ لصالح التاجر، ثم يقوم بتقضية ذلك المبلغ بعد يومين، فهناك قيد ابتدائي وتسوية نهاية، فالقيد الابتدائي يتم فورًا في نفس لحظة عملية الشراء أما التسوية النهائية وهي التي يسمونها في الأسواق المالية الرصيد الفعلي فهذا هو الذي يتأخر، فأصحاب هذا القول يقولون: ما دام أنه قد تم القيد الأولي فهذا كافٍ في تحقق القبض شرعًا، وأيضًا مما يؤكد هذا القول أن الفاتورة التي يوقع عليها حامل البطاقة هي واجبة الدفع فورًا متى ما قدمها التاجر للبنك فهي في قوة الشيك المصدق كأنها شيك مصدق، فإذا كان الشيك المصدق يتحقق به التقابض شرعًا فهذه الأولى في تحقق هذا الحكم منه ولعل هذا القول هو الأقرب؛ لأنه في الواقع أن القيد يتم فورًا وأن الفاتورة واجبة الدفع متى ما قدمها التاجر للبنك، بهذا نكون قد أنهينا الحديث عن البطاقات الائتمانية، ولعلنا نتوقف في درسنا هذه الليلة على هذه المسألة، ونستكمل الحديث عن بقية الأعمال المصرفية في الليلة القادمة إن شاء الله.
عارض الأسئلة :
أحسن الله إليك شيخ، وجزاك الله خيرًا، وغفر الله لك ولوالديك، ولجميع المسلمين.
هناك بعض الأسئلة هذا سائل يقول: هل صحيح بأنه لا يوجد بنك يوصف بأنه إسلامي؛ ذلك لأنه هناك أنظمة عالمية غير إسلامية تخضع لها جميع البنوك ولابد؟
الشيخ:(1/189)
لا، هذا الكلام غير صحيح، وهذا في الحقيقة نوع من التثبيط، والرمي ..كل المشاريع ، أسلمة المصارف الإسلامية، في الحقيقة إن شاء الله الجهود الآن المبذولة فيها يعني تتقدم بشكل جيد في عملية إنشاء المصارف الإسلامية وتعزيز دورها، وأما المنظمة التي يتكلم عنها فلا أعلم ماذا يقصد بهذه المنظمة، لكن المعروف أن كل بنك له نظامه ويخضع لنظام البلد الذي يوجد فيه، وأما وجود اتفاقيات وعقود بين البنوك وبين المؤسسات المالية فيستطيع البنك الإسلامي أن يشترط الشروط التي يراها على تلك البنوك، وفي الحقيقة الآن البنوك الإسلامية أصبح لها صدى حتى في الدول الغربية أصبحت تعرف ما هي الضوابط وما هي العقود التي تجيزها والعقود التي تمنعها المصرفية الإسلامية، فوجود مثل هذه العقود لا يعني أن أي بنك لابد أن يكون بنك غير إسلامي، بل إن البنك يستطيع أن يفرض ما يشاء من أي قيد أو إلغاء لبعض البنود أو إضافة لبعض الشروط في العقود.
عارض الأسئلة :
يقول حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوز لها التجار إلى رحالهم، فكيف يُتعامل مع السلع الكبيرة.
الشيخ:
قال أهل العلم: إن قبض كل شيء يكون بحسبه في العرف، هذا يختلف باختلاف السلع فقبض العقار مثلًا لا يمكن أن تكون فيه حيازة على النقل، وإنما يكون بالتخلية والتمكين من التصرف.
قبض المنقولات بنقلها، قبض المكيلات بكيلها، قبض النقود بتناولها، وكذلك قبض الأشياء التي توثق رسميًا يكون بتوثيقها، قبض الأشياء التي لها شهادة حيازة يكون بقبض شهادة الحيازة المُعَيِّنة لها، فيرجع في القبض إلى العرف، ولا يتقيد ذلك بشيء محدد.
عارض الأسئلة:(1/190)
أحسن الله إليك، هذا سائل من شبكة الإنترنت يقول: اشتريت معدن من أحد البنوك ولم أراه أو أعاينه وكان المبلغ المطلوب مني ثلاثمائة وخمسة وثلاثين ألف، والذي أسدده أربعمائة وتسعة وستين ألف على أربعة وثمانين شهر، وقد سددت منها اثنين وعشرين شهر والآن هل أستمر في هذه المعاملة أم ماذا أصنع فقد احترت في هذه المسألة؟
الشيخ:
طبعًا هذا الذي أجراه الأخ السائل هو تورق منظم، وكما يقول هو اشترى معادن لا يعلمها ولا يعلم صفتها ووكل البنك في بيعها، لا يستطيع هو أن يقبضها ولا أن يحوزها ولا أن يعاينها، فالحقيقة هو عقد سوري، ولا يجوز هذا العقد، فالآن هو قد تورق في هذا العقد، فلا يستطيع لا انتكاس له عن سداد هذه الأقساط، فبما أنه دخل في العقد ابتداء بناء على فتوى للهيئة الشرعية التي يعني تشرف على ذلك البنك، فنقول: لعله لمثل هذا الشخص أن نقول: أنت قد قلدت في هذه المسألة وأخذت بقول بعض أهل العلم وعليك ألا تعاود الدخول في العقد مرة أخرى، أما هذا العقد فأنت قد تورقت فيه.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يا شيخ، يقول: كيف يرد على شبهة من يقول: إن التضخم المالي يجعل الزيادة في القرض واجبة، وإلا تضرر المقرض؟
الشيخ:(1/191)
نعم هذه شبهة يذكرها بعض القائلين بتبرير الفائدة، يقولون: إن الفائدة تعويض للمقرض أو للدائن عن التضخم الحاصل في البلد، والتضخم معناه هبوط القوة الشرائية للعملة، فمثلًا الريال تستطيع في هذه السنة مثلًا أن تشتري به سلعة تشتري بالريال سلعة مثلًا سلعة معينة، فمثلًا بعد سنة قد لا تتمكن أن تشتري نفس السلعة بريال قد تحتاج إلى أن تشتريها مثلًا بريال وخمس هللات، هنا يقال: حصل تضخم في الريال بقدر خمسة بالمائة، حصل التضخم فيه، هبطت القوة الشرائية للريال بهذا القدر، فيقولون: إن الدائن الآن بسبب التأجيل قد حصل له تضخم في دينه فينبغي أن يعوض بأن يلزم المدين بدفع الفائدة للدائن تعويضًا له عن الضرر الواقع له بسبب التضخم، نقول: إن هذه الشبهة غير صحيحة لعدة أمور:
الأمر الأول: أن الضرر الآن الحاصل بسبب التضخم واقع على الجميع على الدائن والمدين، فلما نعوض الدائن ولا نعوض المدين.
الأمر الثاني: أنه لو حصل عكس ذلك، لو حصل انكماش في العملة بمعنى أنها زادت القوة الشرائية للعملة بدلًا من ما كنت تشتري السلعة في العام الماضي بريال أصبحت تشتريها الآن بخمس وتسعين هللة، هنا حصل انكماش في العملة هل نقول الآن: يجب على المدين أن يسدد فقط ما يعادل قيمة الدين في البداية بمعنى أنه يخصم من الدين بقدر الانكماش؟
هذا لا يقول به أحد، فنقول لهم: لماذا تقولون إذن يجب تعويض الدائن في حال التضخم، ولا يعوض المدين في حال الانكماش.
الأمر الثالث : أيضًا أن نقول: إن الضرر الآن الحاصل على الدائن لم يكن المدين هو المتسبب فيه والواجب شرعًا أن يتحمل الضرر من تسبب فيه فكيف نطالب الآن المدين بأن يتحمل ضررًا لم يتسبب فيه، هذا التضخم قد يكون لأسباب كونية، قد يكون لأسباب سياسية، قد يكون لأسباب اقتصادية، قد يكون لكوارث مثلًا أصابت البلد ونحو ذلك، فلما يتحمل التعويض المدين الذي قد وقع عليه الضرر بمثل ما وقع على الدائن.
عارض الأسئلة:(1/192)
أحسن الله إليك، يقول: ما حكم من يقول: أبيعك هذه العين على أن تخرج خمس ريالات عن كل سنة في سبيل الله، وإذا بعتها تخرج سبعة بالمائة في سبيل الله؟
يقول: أبيعك هذه العين على أن تخرج خمس ريالات عن كل سنة في سبيل الله؟
الشيخ:
صحيح ، هذا الشرط صحيح، ولا يتعارض مع مقصود العقد .
والبيع، هذا من الشروط المنافية لمقتضى العقد وسبق أن بينا قبل قليل أن الشروط المخالفة لمقتضى العقد صحيحة على رأي كثير من المحققين من أهل العلم، فلو باعه السلعة، وقال: بشرط أن تخرج شيئًا من ريعها مثلًا في سبيل الله، أو بشرط أن تجعلها وقفًا قال: أبيعك هذه الأرض لكن بشرط أنا لن أبيعها إلا على شخص يجعلها وقفًا في سبيل الله، أنا ما أريد أن أجعلها وقفًا لنفسي، أنا أريد الثمن، لكن موقعها هنا أنا أريد من شخص يشتريها ليجعلها وقف، هل يصح ذلك؟
يصح؛ هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وليس مخالفًا للمقصود منه، وهو صحيح.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك يقول: بعض الشركات الإلكترونية تبيع أقراص (سي دي روم) مشتملة على موسوعات إسلامية وغيرها وتشترط على البائع عدم بيعها أو نسخها ولا تسمح له إلا بالاستخدام الخاص للمشتري، فما حكم هذا الشرط؟
الشيخ:(1/193)
الشرط صحيح هنا، ويلزم المشتري أن يفي بهذا الشرط، لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1] ومن الوفاء بالعقد الوفاء بالشروط المصاحبة له، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمرو بن عوف ?? الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ?? والحديث في الترمذي وهو صحيح، فعلى ذلك يجب الوفاء بهذا الشرط، إذا اشترط البائع على المشتري ألا يبيع هذا القرص أو ألا يوزعه مثلًا مجانًا وإنما يقتصر استخدامه مثلًا على استخدامه الخاص، فهنا يجب الوفاء بهذا الشرط لأنه لا يترتب على الوفاء بهذا الشرط أي محظور شرعي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استثنى من الشروط شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، وهنا المشتري إذا التزم بهذا الشرط لم يحل حرامًا ولم يحرم حلالًا.
عارض الأسئلة:
هذا سائل يقول: أود منم فضيلتكم ذكر البنوك الإسلامية في السعودية حتى يتم التعامل معها؟
الشيخ:
يعني البنوك الإسلامية هي بنك (البلاد) وبنك (الراجحي).
عارض الأسئلة:
يقول أيضًا سمعنا من بعض المشايخ حرمة الاشتراك في بنك البلاد لأن هيئة الاكتتاب أمريكية فما صحة ذلك؟
الشيخ:
هيئة الاكتتاب؟
عارض الأسئلة:
أمريكية.
الشيخ:(1/194)
لا . هيئة الاكتتاب ليست أمريكية وإنما هو يقصد مدير الاكتتاب، مدير الاكتتاب (سمبا) بنك سمبا، هذا بنك سمبا كان اسمه بالسابق البنك السعودي الأمريكي، وليس هيئة أمريكية هو بنك سعودي كان اسمه بالسابق البنك السعودي الأمريكي، هنا بعض الناس يذكر هذه الشبهة، يقولون: إن البنك الذي أدار الاكتتاب هو بنك تقليدي ليس من البنوك الإسلامية وبالتالي فيكون الاكتتاب في بنك البلاد الذي هو بنك إسلامي محرم، نقول: إن هذه الشبهة غير صحيحة؛ لأن العلاقة الآن بين بنك البلاد وبنك (سمبا) هي عقد إجارة، فبنك سمبا أجير لدى بنك البلاد لإدارة الاكتتاب، كما لو تستأجر مثلًا موظفًا نصرانيًا أو يهوديًا، أجيرًا نصرانيًا أو يهوديًا أو أجيرًا مثلًا مرابيًا لينظم بعض الأعمال لديك، هل هذا محرم؟(1/195)
جائز؛ لأن العقد هنا عقد إجارة، عليّ - رضي الله عنه - آجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة، آجر نفسه من يهودي، النبي - صلى الله عليه وسلم - تعامل مع اليهود بالبيع والشراء، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - تُوفي ودرعه مرهونة عند يهودي، فالتعامل مع من يتعامل بالربا أو مع غير المسلمين جائز من حيث الأصل إذا كان هذا التعامل مباحًا، كذلك دور البنك مدير الاكتتاب هو دور الإدارة فقط تنظيم، أما الأموال التي يتم الاكتتاب بها فهي لا تدخل إلى بنك سمبا، بعض الناس يظن أنه إذا اكتتب الآن طبعًا في اكتتاب بنك البلاد بنك سمبا هو مدير الاكتتاب، وكل البنوك المحلية تسمى بنوك تتلقى الاكتتاب، لتلقي الاكتتاب لأموال المكتتبين، فالشخص إذا اكتتب عند البنك بمعنى إنه ساهم في بنك البلاد المساهمة التي يدفعها، الأموال التي يدفعها لا تذهب إلى بنك سمبا، وإنما تبقى في البنك الذي اكتتب به، لنفرض أن حسابي عند الراجحي، واكتتبت في بنك البلاد عن طريق الراجحي أموالي مازالت باقية عند الراجحي، ولكن سجلت عند الراجحي في حساب لصالح بنك البلاد، دور سمبا فقط التنظيم، تنظيم العملية ولا يأخذ هذه الأموال، بعد أن انتهت فترة الاكتتاب، وتجمعت الأموال في البنوك قامت تلك البنوك بإشعار بنك البلاد بالمبلغ الذي تم الاكتتاب به، وسلمت لبنك البلاد ليتصرف فيها، أما بنك سمبا فليس له دور في العملية.
عارض الأسئلة:
أحسن الله إليك لعلنا نختم بهذا السؤال يقول: هل يشترط تأجيل الثمن بكامله حتى لا يكون بيع الكالئ بالكالئ أم أنه يكفي تأجيل بعض الثمن؟
الشيخ:…
لا، يجب تعجيل كامل الثمن حتى يسلم المتعاقدان من الكالئ بالكالئ أما إذا دفع جزءًا من الثمن والباقي مؤخر والسلعة مؤخرة كذلك فهذا من الكالئ بالكالئ، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
عارض الأسئلة:
جزاك الله خيرًا وبارك الله فيكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(1/196)
أسس التحول للعمل المصرفي الإسلامي
أولا : دوافع التحول للعمل المصرفي الإسلامي.
ثانياً: متطلبات التحول للعمل المصرفي الإسلامي.
ثالثاً: أشكال تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية+ البنوك التقليدية.
رابعاً: إجراءات تحويل الفروع للعمل المصرفي الإسلامي.
خامساً: منهج تطوير الموارد البشرية لمواجهة متطلبات الصيرفة الإسلامية.
تشهد الساحة المصرفية في العديد من دول العالم وخاصة العربية والإسلامية، تقديم العديد من المصارف التقليدية للمنتجات المصرفية الإسلامية أو إلى التحول كلية إلى العمل المصرفي الإسلامي، ولهذا التحول مجموعة من الأسس والمتطلبات وسوف يتم تناول أسس التحول للعمل المصرفي الإسلامي طبقاً لما يلي:
دوافع التحول للعمل المصرفي الإسلامي.
أشكال تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية + البنوك التقليدية.
متطلبات التحول للعمل المصرفي الإسلامي.
إجراءات تحويل الفروع للعمل المصرفي الإسلامي.
منهج تطوير الموارد البشرية لمواجهة التحول للعمل المصرفي الإسلامي.
أولا : دوافع التحول للعمل المصرفي الإسلامي :
تتجه العديد من المؤسسات المالية إلى التحول للعمل المصرفي الإسلامي أو إلى تقديم منتجات مصرفية إسلامية بجانب المنتجات المصرفية التقليدية للعديد من الدوافع منها:-
الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في البعد عن الربا.
تلبية احتياجات العملاء من المنتجات المصرفية الإسلامية.
تنوع لمنتجات التي تلبي رغبات العملاء.
نجاح تجربة التحول للعمل المصرفي الإسلامي بالبنوك الأخرى
انخفاض معدل المخاطرة وزيادة الربحية في صيغ التمويل.
ثانياً: متطلبات التحول للعمل المصرفي الإسلامي:
قبل قيام البنك بالتحول أو تقديم منتجات مصرفية إسلامية لا بد من تحقيق بعض المتطلبات قبل البدء في التنفيذ وهي:
موافقة الجهات الرقابية (مؤسسة النقد / البنك المركزي).
وجود هيئة شرعية (أو مراقب شرعي).(1/197)
تصميم نظم العمل والتي تتضمن:
إعداد الدورات المستندية.
إعداد النماذج والمستندات.
إعداد العقود الشرعية (والقانونية).
إعداد النظم المحاسبية.
إعداد النظم الآلية.
اختيار وتهيئة الموارد البشرية.
إعداد حملة إعلانية موجهة لعملاء تلك الفروع.
ثالثاً: أشكال تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية والبنوك التقليدية:
يأخذ تقديم المنتج المصرفي الإسلامي للبنوك التقليدية أحد الأشكال التالية:
تحويل فروع تقليدي إلى فروع إسلامي بالكامل.
إنشاء فروع خدمات مصرفية إسلامية مستقلة جديدة.
إنشاء إدارات خدمات مصرفية إسلامية مستقلة بالإدارة العامة.
تقديم المنتجات الإسلامية من خلال فروع البنك التقليدية.
إصدار منتجات مصرفية إسلامية في صورة صناديق استثمار إسلامية أو منتجات تمويليه إسلامية.
إنشاء أقسام للعمل المصرفي الإسلامي داخل الفروع التقليدية، كأقسام مستقلة.
رابعاً: إجراءات تحويل الفروع للعمل المصرفي الإسلامي:
يتطلب تحويل الفروع التقليدية إلى العمل المصرفي الإسلامي وضع خطة تحول اتخاذ بعض الإجراءات العملية التالية وهي :
تحديد الفروع المطلوب تحويلها.
تشكيل فريق عمل يضم متخصصين من الإدارات التالية( النظم، المالية، الرقابة الشرعية, الفروع المصرفية الإسلامية، التدريب).
تحديد تاريخ بدء التنفيذ.
الاتصال بالعملاء عن طريق:
إرسال خطابات.
ترتيب لقاء بين الهيئة والعملاء.
تحديد الحسابات المطلوب (فتحها، غلقها).
إعداد النماذج والعقود المستخدمة وإجراءات العمل.
تدريب العاملين بالفرع على العمل المصرفي الإسلامي.(1/198)
خامساً: منهج تطوير الموارد البشرية لمواجهة متطلبات الصيرفة الإسلامية:
يتطلب التحويل للعمل المصرفي الإسلامي وضع خطة لتطوير الموارد البشرية لتكو قادرة على التعامل مع العملاء وتتضمن هذه الخطة :
اختيار القيادات ذات الخبرة في مجال العمل المصرفي التقليدي وإعداد للعمل المصرفي الإسلامي.
اختيار الأفراد ذات الخبرة في مجال العمل المصرفي الإسلامي وإعدادهم للعمل المصرفي الإسلامي.
خطة لتدريب العاملين على العمل المصرفي الإسلامي تتضمن البرامج التالية:
مفاهيم الصيرفة الإسلامية.
الصيغ التمويلية البديلة لتلبية احتياجات العملاء.
الضوابط والمعايير المحاسبية للعمليات المصرفية الإسلامية.
فن بيع الصيرفة الإسلامية.
منهج التمويل المصرفي الإسلامي:
(دراسات الجدوى، التحليل المالي، معايير منهج التمويل، إدارة وتحصيل الديون المتعثرة).
منهج إدارة الصيرفة الإسلامية (منهج القدوة في التغيير، تنمية المهارات الإدارية، إعداد الصف الثاني).
تمويل القطاعات الاقتصادية بالمناهج البديلة (البيوع، المشاركات، أخرى..... )
الرقابة والمراجعة الشرعية على العمليات المصرفية الإسلامية.
……(1/199)