تقويم المؤسسات التطبيقية للاقتصاد الإسلامي :
النوافذ الإسلامية للمصارف التقليدية
د. سعيد بن سعد المرطان
الرئيس التنفيذي – مصرف البحرين الشامل
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
تعتبر تجربة ممارسة المصارف التقليدية للعمل المصرفى الاسلامي من خلال نوافذ أو فروع اسلامية ، تجربة ناجحة نظرا لما ترتب عليها من نتائج ايجابية ملموسة تمثلت فى نمو العمل المصرفى الاسلامى بمعدل سنوى يقدره الباحثون بـ 15% سنويا ، وفى التزايد المستمر لعدد المصارف الممارسة لهذا العمل وانتشارها فى كل أنحاء العالم ، ومع التزايد المستمر أيضا فى حجم الأموال التى تقوم بادارتها.
وبرغم تعدد المداخل التى تبنتها المصارف التقليدية فى ولوجها ميدان الصيرفة الإسلامية فإن التجربة المميزة للبنك الأهلي التجاري السعودى فى تبنيه مدخل التحول التدريجي لتطوير وتنمية العمل المصرفي الإسلامي فيه تعتبر خير مثال على نجاح العمل المصرفى الإسلامى من خلال بنك تقليدي. وهى تجربة تختلف فى الواقع في كثير من جوانبها عن فلسفة عمل الفروع والنوافذ الاسلامية في المصارف التقليدية الاخرى. فهى استهدفت فى المقام الأول خدمة قطاع الأفراد ، دون الاقتصار على قطاع الشركات الذى كان فى الغالب محل اهتمام البنوك التقليدية الأخرى. كما أنها تجربة لم تكن تستهدف فى الأساس مجرد تعبئة مزيد من الودائع أو الإستثمارات من خلال إختراق شريحة أخرى من شرائح العملاء في السوق ، وإنما كان الهدف هو السعى الحريص والمدروس نحو التوسع في العمل المصرفي الإسلامي وتطويره بغير سقوف أو حدود. ولا شك أن نجاح هذه التجربة ، يجعلها محط أنظار وإنتباه المصرفيين والمتخصصين لمتابعة إنجازاتها والنظر اليها كحالة مصرفية تستوجب الإستيعاب والدراسة. ومن ثم فقد تم إيلاء هذه التجربة إهتماما خاصا فى هذا البحث.(1/1)
ومن ثم ، وبرغم من إعتراضات البعض ، فإن الباحث فى الواقع لا يرى غبارا على ممارسة العمل المصرفى الإسلامى من خلال بنوك تقليدية طالما كان الإنضباط الشرعى هو عنوان هذه الممارسة. فالممارسة المنضبطة للعمل المصرفى الإسلامي ، بغض النظر عن الشكل الذى تأخذه هذه الممارسة ، ستكون هى الضمان لسلامة العمل وإستمراريته.
1. مقدمة
ترجع بدايات الصيرفة الإسلامية بمفهومها الواسع إلي الأيام الأولى للتشريع الإسلامي وقيام الدولة الإسلامية، أي منذ القرن السابع الميلادي. غير أنه بإنحسار فترة المد الإسلامي وإنكسار دولة الخلافة ، والدخول في العصور الإستعمارية وما صاحبها من نظم سياسية وإقتصادية غربية ، خفتت شعلة الإهتمام بالتطبيقات الإقتصادية الإسلامية في مجملها ، فاسحةً المجال لإنتشار النظم الإقتصادية الغربية وعلى رأسها النظام المصرفي الربوي المتعارف عليه في البنوك التقليدية.
إلا أنه منذ أربعة عقود تقريبا نشط المفكرون والإقتصاديون الإسلاميون في إعادة النشاط إلي الفكر الإقتصادي الإسلامي بمفرداته ومكوناته الجزئية والكلية ، الأمر الذي نتج عنه ظهور النظام المصرفي الإسلامي في شكله المعاصر منذ منتصف السبعينات تقريبا. ولم يقتصر تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية على المصارف الإسلامية وحدها وإنما سارعت إلي ذلك أيضا وبأشكال مختلفة الكثير من المصارف التقليدية على المستويين المحلى والدولي.
أى أن أهم ما يميز المرحلة الماضية من تطور العمل المصرفي الإسلامي هو حداثة العهد بالصيرفة الإسلامية فى شكلها المعاصر وكونها لا تزال تشكل أرضا خصبة لمزيد من التطور والإنتشار من ناحية ، وتعدد مداخل المصارف التقليدية وصولا إلي حلبة هذا العمل المصرفي ، مع إختلاف مدلولات وإنعكاسات كل مدخل منها ، من ناحية أخرى.(1/2)
ومن هنا تأتي أهمية ما نقوم به من إستعراض لهذه المداخل المتعددة وإخضاعها للمراجعة والتقويم بغرض التعرف على ما صاحبها من تحديات ومصاعب ليمكن تذليلها في المرحلة القادمة حتى تأتى العملية التطويرية المنشودة في مكانها وزمانها الصحيحين. ولذلك فإن مجال البحث في هذه الورقة كما يدل عليها عنوانها هو تقويم تطور العمل المصرفي الإسلامي من خلال إنشاء فروع أو نوافذ إسلامية في البنوك التجارية التقليدية. آخذين في الإعتبار أن محاولة التقييم هنا لا تمتد بأى حال من الأحوال إلي تقييم العمل المصرفي الإسلامي نفسه وإنما تنسحب فقط على تقييم المداخل إلي تقديمه من خلال نوافذ او فروع إسلامية لمصارف تقليدية بطبيعة نشأتها الأولى.
ولكي تأتى عملية المراجعة والتقييم صحيحة لابد لنا من أن نعرض فيما يلي ملخصا سريعا لنشأة الصيرفة الإسلامية في شكلها المعاصر.
2. العمل الصيرفة الإسلامية : خلفية تاريخية
نشأة الصيرفة الإسلامية(1/3)
الصيرفة الإسلامية في شكلها المعاصر ليست إلا إحياءا وتجديدا لجانب من جوانب النظام الإقتصادي الإسلامي الذي نشأ مع الدولة الإسلامية منذ أيامها الأولى ، والذي هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية ذاتها. ومن ثم فالصيرفة الإسلامية ليست ظاهرة حديثة كما يعتقد الكثيرون خاصة في العالم الغربي ، وإنما هي نظام عقيدي ومنظومة حياة لها جذورها في التاريخ وفي النفوس على حد سواء. ولذلك لم يكن غريبا لنا ان نلحظ هذا الإنتشار السريع للعمل المصرفي الإسلامي ونموه بمعدلات هائلة منذ منتصف السبعينيات ، حيث يقدَر عدد المؤسسات المالية والصيرفة الإسلامية بحوإلي 250 مؤسسة تنتشر وتتوزع عبر القارات الأربع الرئيسية في العالم ، إضافة إلي قيام أكبر المؤسسات المالية والصيرفة التقليدية على مستوى العالم بتقديم العديد من الخدمات المصرفية الإسلامية خاصة في مجإلي التمويل والإستثمار ، وذلك في تطور متسارع على أشكال ومستويات مختلفة نوجزها في الجزء التالي من هذا البحث.(1/4)
ولأن لكل شىء سبب يحدثه ، فقلد إرتبطت عملية إحياء النظام المصرفي الإسلامي ، بظاهرتين مميزتين تمثلت إحداهما في بداية الصحوة الإسلامية المعاصرة في أعقاب حصول الكثير من الدول العربية والإسلامية على إستقلالها السياسى منذ الخمسينيات من القرن الماضى ، بينما تمثلت الثانية في ظاهرة الطفرة النفطية خلال عقد السبعينيات وماصاحبها من إنتعاش اقتصادي ، مع تعاظم الثروات لدى الأفراد والمؤسسات في المنطقة. وبترافق هاتين الظاهرتين برزت الرغبة والحاجة إلي إحياء ثقافتنا وتراثنا الإسلامي ، فتتابعت الخطوات من الإحياء النظرى للنظام الإقتصادى الإسلامي إلي التطبيق العملى لهذا النظام متمثلا في نظامه المصرفي اللاربوى في المقام الأول. وما أن بدأت العجلة تدور حتي تسارعت في دورانها فتزايد عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وإتسعت السوق ، كما سبقت الإشارة ، وأصبح العمل المصرفي الإسلامي جزءا لايستهان به بل لا يمكن تجاهله في الصناعة المصرفية والمالية العالمية.
تصنيف مؤسسات الصيرفة الإسلامية
كان من الطبيعي ان تتعدد المستويات التي تم على أساسها تطبيق الصيرفة الإسلامية بحسب الظروف الزمانية والمكانية لكل حالة على حدة ، وهو الأمر الذي يمكن معه تصنيف هذه المؤسسات بشىء من التبسيط إلي الأنواع الخمس التالية :
مبادرات ريادية
كان من بين المبادرات المبكرة والتي كان أهم ما يميزها أنها كانت ذات طابع محلى نجد تجربتين إحداهما ذات طابع إجتماعى والأخرى ذات طابع تجارى. اما التجربة الأولى ذات الطابع الإجتماعي فكانت في مصر حيث ظهر بنك ناصر الإجتماعى الذي انشىء في عام 1963م والذي يشار إليه أحيانا بانه اول بنك إسلامى نظرا لعدم تعامله بالربا. إلا أن الكثيرين يعترضون على هذا الوصف ويفضلون منحه لمصرف دبى الإسلامي الذي أنشىء في عام 1975م على أسس مصرفية تجارية.
مبادرات جماعية حكومية(1/5)
وتتمثل هذه في إنشاء بنك التنمية الإسلامي الذي أنشئ في عام 1975م بمشاركة عدد من الدول الإسلامية ، بغرض المساهمة في برامج التنمية الاقتصادية في الدول الأعضاء وتشجيع العمل المصرفي الإسلامي فيها.
مبادرات خاصة ذات طابع دولي
من أهم هذه المبادرات إنشاء مجموعتي دلة البركة (1969) ودار المال الإسلامي
(1981) ، حيث قامت مجموعة دلة البركة بتأسيس شركة دلة للاستثمار والتنمية في عام 1982م كذراع مالي لها ، مارست أنشطتها في العديد من الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
أما مجموعة دار المال الإسلامي ، والتي اتخذت من سويسرا مقراً لمكتب الأمناء المشرفين على أنشطة فروعها المنتشرة في العديد من دول العالم ، فإن إهتماماتها لا تقتصر على ممارسة وتطوير العمل المصرفى الإسلامى وإنما تمتد لتشمل مجمل العمل المالى الإسلامى شاملة خدمات الإستثمار الإسلامية على إختلاف أشكالها ، وأنشطة التأمين (التكافل) المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
وفي هذا الصدد لعلنا نتفق مع القائلين بأن أنشطة هاتين المجموعتين (دلة البركة ودار المال الإسلامي) اضافه إلي الجهود الحميدة التي يقوم بها البنك الإسلامي للتنمية كان لها الأثر الكبير في انتشار العمل المصرفي الإسلامي على المستوى الدولي(1).
مبادرات قطرية
__________
(1) الحواشي والتعليقات
…Islamic Finance – A Partnership for Growth, Euro Money Book,1977(1/6)
تشمل هذه المبادرات إثنتان من الدول الإسلامية التي اختارت " أسلمة " مجمل القطاع المالي والمصرفي فيها وهي السودان وإيران. الأمر الذي أصبحت معه جميع البنوك العاملة في هاتين الدولتين مطالبة نظامياً وقانونياً بالالتزام بممارسة العمل المصرفي الإسلامي في كل أنشطتها. ومن المعروف أن الباكستان كانت قد أعلنت منذ الثمانينات عن رغبتها أيضا فى إتباع نفس النهج ، إلا أنه من الملاحظ انها لم تتمكن حتى الآن من ترجمة هذه الرغبة إلى واقع عملي يعيشه النظام المصرفي الباكستانى. وتشير المعلومات(1) إلى أنه رغبة من البنك المركزى الباكستانى فى ضمان سلامة التطبيق ، وبعد الكثير من البحث والتشاور خلال عامى 2001-2002م ، فإنه قام بإصدار تعليمات جديدة تسمح بممارسة نظام مصرفي مزدوج يجمع بين الصيرفة الإسلامية والتقليدية معا ، مع وضع القواعد التنظيمية والرقابية اللازمة لضمان سلامة تطبيق نظام الصيرفة الإسلامية سواء كان ذلك من خلال إنشاء بنوك إسلامية كاملة أو شقيقة لبنوك تقليدية ، أو مجرد فتح فروع إسلامية لبنوك تقليدية.
استجابات تجارية لمصارف تقليدية
__________
(1) …Strengthening Islamic Banking in Pakistan : Looking Ahead, an article on the Internet (IBF Netversity)(1/7)
كان من الطبيعي أن تلحظ المصارف التقليدية ، المحلية منها والعالمية ، النمو المتسارع لفرص العمل المصرفي الإسلامي. وهو النمو الذى لم يكن قاصرا على الدول العربية وإنما إمتد أيضا إلى الكثير من الدول الأخرى وخاصة الدول الإسلامية. غير أن معدلات هذا النمو فى الدول الخليجية تحديدا كانت أكبر منها فى الدول الأخرى . وهو الأمر الذى يمكن إرجاعه إلى الظروف الإقتصادية المواتية التى أفرزتها فترة الطفرة البترولية فى هذه الدول وما صاحبها من صحوة إسلامية إنتشرت سريعا بين دول المنطقة. فلقد أفرزت هذه التطورات شريحة سوقية كبيرة ومتنامية من العملاء الراغبين في إيداع أموالهم في البنوك دون أخذ الفوائد الربوية عليها ، في وقت لم يكن هناك الكثير من المصارف الإسلامية او لم تكن الثقة في كفاءتها قد إكتملت بعد. الأمر الذي فتح شهية هذه المصارف التقليدية لاستغلال هذه الفرص السوقية الواعدة بأرباح هائلة نظراً لضخامة الأموال المتاحة في هذه الأسواق وانخفاض كلفتها. ومن ثم أقدمت هذه المصارف على ممارسة العمل المصرفي الإسلامي بأشكال مختلفة مع التركيز على أصحاب الثروات الكبيرة في المنطقة العربية.
وتشمل هذه الفئة من المصارف التقليدية أكبرها على المستوى العالمي مثل Citibank الأمريكي ،ABN-Amro الهولندي ، ومجموعة ANZ الأسترالية النيوزيلندية وغيرها من المصارف الإنجليزية والسويسرية ، والتي وجدت جميعها أن الأموال المتاحة للأفراد والشركات والمؤسسات الراغبة في العمل المصرفي الإسلامي من الضخامة بحيث لا يمكن تجاهلها ، فقامت بإنشاء فروع إسلامية لها في المنطقة العربية أو أنها فتحت نوافذ إسلامية في مقارها الرئيسية في بلادها.
وفي هذا الصدد لعلنا نشير هنا إلي أن دخول هذه المصارف العالمية إلي ميدان الصيرفة الإسلامية كان له جانب ايجابي تمثل في الاضافة إلي سرعة انتشار وتطوير العمل المصرفي الإسلامي على المستوى العالمي.(1/8)
3. المصارف التقليدية والصيرفة الإسلامية
الصيرفة الإسلامية بين المبدأ والتسويق
لعله من الجدير بالذكر بادىء ذى بدء القول أنه بخلاف المصارف الإسلامية التي تسعى إلي المزج بين الهدفين العقائدي والتجاري معا ، فإن دخول المصارف التقليدية ، خاصة المصارف العالمية ، إلي ميدان العمل المصرفي الإسلامي لم يكن بطبيعة الحال دخولا عقائديا برغبة تنمية العمل المصرفي الإسلامي وتطبيقاته الشرعية ، وإنما كان لإعتبارات تجارية وحسب. فلقد وجدت أمامها أسواقاً كبيرة ومتنامية بها موارد مالية ضخمة في منطقة لا يوجد فيها الكثير من الفرص الاستثمارية المربحة و لم يكن يوجد فيها ، قبل عقدين من الزمن ، المؤسسات المصرفية الحديثة التي يمكن مقارنتها بالمصارف التقليدية العملاقة في العالم الغربي. لذلك كله راحت هذه المصارف تسعى حثيثاً لاجتذاب وتعبئة هذه الموارد من خلال تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية ، كل بطريقته وبالأسلوب الذى يتناسب مع إستراتيجية عمله وأهدافه. وهو الأمر الذي كان له إنعكاساته ليس فقط على طبيعة وشكل المدخل الذي إعتمده كل مصرف منها في دخوله إلي مجال الصيرفة الإسلامية ، وإنما أيضا على مواقف الكثيرين من علماء الشريعة والمصرفيين الإسلاميين ، والكثير من الجمهور والعملاء المحتملين أيضا.
غير أنه من الإنصاف القول بأن هنالك من البنوك التقليدية ، خاصة في منطقة الخليج ، من أراد الدخول إلي ميادين العمل المصرفي الإسلامي في الأساس ليس لإعتبارات تجارية وحسب وإنما بغرض عقائدي أيضا ، ولكن بطريقة تدريجية يتم من خلالها التدرج في "أسلمة" كل أنشطة المصرف طبقا لخطة موضوعة سلفا ، كما سنبين بعد قليل.
هذا التعدد في المداخل ومواقف الآخرين منها يقع في صلب محاولتنا هنا ونحن نتتبع تطور العمل المصرفي الإسلامي وتقييم آدائه خلال المرحلة الماضية.
المداخل المختلفة للصيرفة الإسلامية(1/9)
كان من الطبيعي أن تختلف المصارف التقليدية في مداخلها إلي العمل المصرفي الإسلامي ، فلكل مصرف خططه وأهدافه التي قد تتفق وقد تختلف مع غيره من المصارف حسب ظروفه وحسب الأسواق التي يريد أن يخدمها. فمنها من أنشأ فروعا إسلامية متخصصة ، ومنها من كان قد عقد العزم على تحويل فروعه تدريجيا إلي فروع إسلامية ، ومنها من إختار تحويل الأنشطة تدريجيا بدلا من تحويل الفروع ، ومنها من إفتتح "نوافذ إسلامية" في فروعه كلها أو بعضها ومنها من كان يقوم ببيع منتجاته الإسلامية جنبا إلي جنب مع منتجاته التقليدية. وفيما يلي نستعرض معا كل مدخل من هذه المداخل على حده.
مصارف تبيع منتجات إسلامية
لا شك أن هذه هي أبسط وأسرع مدخل إلي العمل المصرفي الإسلامي لجأت إليه المصارف التقليدية التي كان هدفها في الأساس تجاريا صرفاً ، حيث رأت في تقديم المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية مجرد إضافة إلي تشكيلة منتجاتها تتيح لها إستغلال الفرص السوقية المتاحة بين العملاء الراغبين في التعامل المصرفي الإسلامي. ويقع ضمن هذه الفئة الكثير من المصارف التقليدية على المستويين الإقليمي والدولي ، التى بدأت بتطوير بعض صناديق الإستثمار الإسلامية أو تقديم عمليات تمويل إسلامية كبيرة الحجم ، ثم تلك التي لجأت فيما بعد إلي فتح نوافذ او وحدات متخصصة في العمل المصرفي الإسلامي.
غير أن هذه الإزدواجية في تقديم الخدمات المصرفية قد قوبلت بالكثير من الإنتقادات والشك من قبل المهتمين بالعمل المصرفي الإسلامي ومن العملاء على حد سواء ، فلم يكن هناك من الضوابط العملية والعملياتية ما يبعث على الإطمئنان في التقيد بالأحكام الشرعية لتقديم هذه المنتجات والخدمات الإسلامية ضمن هذه الإزدواجية المفتوحة وغير المقيدة بالضوابط المطلوب مراعاتها شرعا في هذا الخصوص.(1/10)
مصارف فتحت لها نوافذ إسلامية(1)
نظرا لضعف مصداقية الإزدواجية المفتوحة (غير المقيدة) في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية جنبا إلي جنب مع الخدمات المصرفية التقليدية ، وما يكون قد صاحب ذلك من ضعف نسبى في تحقيق الإختراقات السوقية التي إستهدفتها المصارف التي تبنت هذا المدخل ، لجأت مصارف اخرى إلي معالجة هذا القصور بإفتتاح نوافذ / وحدات إسلامية ، في فروعها التقليدية أو في مقارها الرئيسية ، تكون متخصصة في بيع المنتجات والخدمات الإسلامية دون غيرها. ومن الأمثلة على هذه الفئة من المصارف نذكر :
مصرف درسدنر كلاينوورت بنسن ، الذى أسس وحدة متخصصة للصيرفة الإسلامية (1980م)
مجموعة ANZ الأسترالية النيوزيلندية التي أنشأت قسما خاصا بالتمويل الإسلامي
مصرف Citibank الذى أسس وحدة تمويل إسلامية متخصصة (1980م) قبل أن يفتح فرعا إسلاميا برأس مال مستقل في دولة البحرين في عام 1996م
البنك السعودى البريطانى الذى أنشا إدارة شبه مستقلة للصيرفة الإسلامية
البنك السعودى الأمريكى الذى أنشأ محدة مستقلة للتمويل الإسلامى
بنك الكويت المتحد UBK الذى انشأ وحدة متخصصة للإستثمار الإسلامي (1991م)
البنك العربى الوطنى فى المملكة العربية السعودية ، وغيره من البنوك.
ولتحقيق مزيد من المصداقية قامت بعض هذه المصارف والمؤسسات المالية بتعيين مراقب أو هيئة رقابة شرعية لمراقبة سلامة التطبيق وتوافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية. وبطبيعة الحال كان في ذلك خطوة طيبة إلي الأمام لدعم التوسع في الصيرفة الإسلامية ، خاصة أن البعض منها يعد من أكبر المصارف والمؤسسات المالية التقليدية على المستوى الإقليمى والدولى.
__________
(1) 3- د. سعيد بن سعد المرطان :" الفروع والنوافذ الإسلامية فى المصارف التقليدية" ، ندوة حول التطبيقات الإقتصادية الإسلامية المعاصرة ، الدار البيضاء ، مايو 1989م(1/11)
مصارف قامت بتحويل فروع تقليدية إلي فروع إسلامية وأنشأت فروع إسلامية جديدة
في مقابل المدخلين السابقين واللذان كان دافعهما تجاريا بحتا ، كانت هناك بعض المصارف التقليدية التى أراد القائمون عليها أسلمة مجمل أعمالها متجاوزين بذلك الأهداف التجارية البحتة. وكان مدخل هذه الفئة من المصارف لتحقيق هدفها هو الدخول فى عملية تحول تدريجية من خلال إنشاء إدارة مستقلة للخدمات المصرفية الإسلامية ، يديرها خبراء ومتخصصون في الصيرفة الإسلامية ، كإدارة رئيسية من إدارات المصرف. ومن ثم أخذت هذه الإدارة على عاتقها مهمة وضع الخطط الإستراتيجية للعمل مبتدئة بتحويل بعض الفروع التقليدية إلي فروع إسلامية كاملة مع إنشاء فروع إسلامية جديدة في مواقع مختارة بعناية لضمان أكبر قدر من فرص النجاح في ظل إزدواجية "مقننة" لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية والتقليدية معا. ومن أجل مزيد من الضمان لسلامة التطبيق وإكتساب المزيد من ثقة الجمهور ، قامت إدارات الصيرفة الإسلامية فى هذه المصارف بتشكيل هيئات مستقلة للرقابة الشرعية على أعمالها تضم بين أعضائها عددا من كبار العلماء الذين يجمعون بين المعرفة الشرعية والمعرفة الإقتصادية ، الأمر الذى كان له آثار محمودة على سرعة نمو العمل المصرفي الإسلامي وقدرته على التنافس التجارى مع العمل المصرفي التقليدي. ومن الأمثلة على هذه الفئة من المصارف نجد ما يلي :
البنك الأهلى التجارى السعودى الذى يعتبر من أكبر البنوك العاملة في منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط.
بنك مصر الذى إفتتح فروعا إسلامية ولكن ليس بغرض التحول الكامل نحو الصيرفة الإسلامية لباقى فروعه أو أعماله
ولقد بدأت العديد من المصارف فى كل من ماليزيا والباكستان ومصر بالأخذ بهذا التوجه نحو إفتتاح فروع إسلامية لها ‘ كما ان هناك مطالبة قوية بتبنى هذا المدخل فى دولة الكويت وغيرها من الدول.
مصارف شقت طريقها إلى التحول دفعة واحدة(1/12)
هذه الفئة من المصارف رغبت فى التحول إلى الصيرفة الإسلامية دفعة واحدة إيمانا منها بأن هذا الطريق هو الطريق الأصوب والأسرع والأكثر جدارة لإكتساب ثقة العملاء فى سلامة التطبيق. ولعله مما ساعد هذه المصارف على تحقيق أهدافها فى هذا الخصوص هو الصغر النسبى لحجمها السوقى وما صاحب ذلك من سهولة نسبية أيضا فى إعادة تاهيل العاملين بها لقيادة دفة العمل فى شكله الجديد. ومن الأمثلة على هذه الفئة من المصارف نذكر ما يلى :
بنك الشارقة الوطنى ، فى دولة الإمارات العربية المتحدة ، الذى أتم بالفعل عملية التحول المنشودة
بنك الجزيرة فى المملكة العربية السعودية ، الذى قطع شوطا طيبا فى إتجاه التحول
ومن الجدير بالذكر أنه قد صاحب إنتشار الصيرفة الإسلامية تزايدا مطردا في الحركة الفكرية المرتبطة بها تجسدت بوضوح في إنشاء أقسام ومراكز بحوث في الإقتصاد الإسلامي في بعض الجامعات العربية والأوروبية والأمريكية وفي تعدد المؤتمرات والدوريات العلمية المتخصصة ذات الصلة. كما أنشئت العديد من الهيئات والتنظيمات والمؤسسات بغرض توفير الدعم اللازم للنظام المصرفى الإسلامى وسلامة تطبيقه ، نذكر منها التالى:
هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI والتى أنشئت فى مارس 1991 بغرض وضع معايير تضمن سلامة العمل المصرفى الإسلامى متماشية مع مثيلاتها فى إتفاقية بازل للمصارف التقليدية - البحرين
سوق المال ألإسلامي الدولى International Islamic Financial Market الذى يهدف إلى زيادة فعالية مجمل العمل المصرفى الإسلامى – البحرين
المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الذى يهدف إلى تطوير الممارسات العملية فى المصارف الإسلامية إضافة إلى إنشاء قاعدة معلومات كاملة ودقيقة حول أنشطة هذه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية
هيئة التصنيف للبنوك الإسلامية – البحرين(1/13)
مركز إدارة السيولة Liqidity Management Center لمساعدة المصارف الإسلامية فى إدارة سيولتها - البحرين
مجلس الخدمات المالية الإسلامية – ماليزيا
البنك الإسلامى للتنمية وما يقدمه من خدمات بحثية وعملية للمصارف الإسلامية - السعودية
وحيث أن المدخل الخاص بإفتتاح نوافذ وفروع إسلامية هو المدخل الأكثر شيوعا وإنتشارا ، كما انه المدخل الذى أثار الكثير من النقاش بين المهتمين بالعمل المصرفى الإسلامى ، فإننا سنفرد الفصل التالى لبيان مختصر لأوجه هذا النقاش بين المؤيدون له والمعترضون عليه.
4. النوافذ والفروع الإسلامية بين التأييد والمعارضة
على الرغم من أن فكرة إنشاء فروع أو نوافذ إسلامية للمصارف التقليدية قد لاقت قدرا كبيرا من التأييد بين القائمين والمشجعين على العمل المصرفي الإسلامي ، إلا أنها قد لاقت أيضا قدرا من المعارضة من شريحة أخرى من المهتمين أيضا بالصيرفة الإسلامية. وبطبيعة الحال فان لكل جانب منهما أسبابه الوجيهة في التأييد كما في المعارضة ، وهو ما سنتناوله بإختصار فيما يلى :
أولا : وجهة النظر المؤيدة لإنشاء فروع / نوافذ إسلامية للمصارف التجارية
أقام المؤيدون وجهة نظرهم على أساس أن قيام المصارف التجارية بإفتتاح فروع / نوافذ إسلامية لها سيكون بمثابة :
إعتراف منها بالجدوى الإقتصادية للعمل المصرفي الإسلامي.
إعتراف منها بواقعية التطبيقات العملية لنماذج العمل المصرفي الإسلامي ، وأن الفكرة تتجاوز مجرد رفع الشعارات أو دغدغة المشاعر.
إتاحة الفرصة للإستفادة من خبرات هذه المصارف التجارية في تطوير منتجات إسلامية وكوادر بشرية ينتفع بها العمل المصرفي الإسلامي بصفة عامة.
خطوة أولى نحو "أسلمة" أى من هذه المصارف او بعضا منها.
فتح كبير للعمل المصرفي الإسلامي في حالة تحول مصرف تجارى إلي مصرف إسلامى خاصة إذا ما كان هذا المصرف من المصارف التجارية الكبيرة حجما وإنتشارا.(1/14)
التشجيع على التعايش المشترك بين النظامين المصرفيين بدلا من المواجهة بينهما.
ثانيا : وجهة النظر المعارضة لإنشاء فروع / نوافذ إسلامية للمصارف التجارية
أقام المعارضون وجهة نظرهم على الأسباب التالية :
التخوف من أن يؤدى ذلك إلي الـ "تشويش" على نقاء التطبيق في أذهان العاملين والعملاء على حد سواء
التخوف من أن تؤدى صعوبة التعايش بين نظامين مصرفيين مختلفين تحت سقف واحد إلي إفشال التوجه تطبيقيا
التخوف من أن يؤدى ذلك إلي تأخر إنشاء مصارف إسلامية جديدة
5. متطلبات النجاح(1)
من أجل تقييم آداء "النوافذ الإسلامية للمصارف التجارية التقليدية" خلال المرحلة الماضية من تطور العمل المصرفي الإسلامي ، لابد لنا من أن نستعرض معا ماهية المتطلبات اللازمة لنجاح العمل المصرفي الإسلامي ومدى توفرها في ظل المداخل المختلفة التي إتبعتها المصارف التقليدية في إنشاء هذه النوافذ خلال هذه المرحلة.
نحن نعتقد أن نجاح العمل المصرفي الإسلامي في أى شكل من أشكاله يتوقف على مدى التقيد بتطبيق المبادىء الرئيسية التالية :
التخطيط العلمى
الإلتزام الشرعي
الإعداد المناسب للكوادر البشرية
تطوير النظم والسياسات المناسبة
المواءمة مع إدارات البنك الأخرى والإختيار المناسب للفروع ومواقعها فى حالة إختيار مدخل الصيرفة المزدوجة
والتي نتناول كل منها بشىء من الإيجاز كالتالي :
أ) التخطيط العلمى
__________
(1) 4- د. سعيد بن سعد المرطان : "ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية فى البنوك التقليدية : تجربة البنك الأهلى التجارى السعودى" ، ندوة من إعداد اللجنة الإستشارية العليا للعمل على إستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، اللجنة الإقتصادية ، دولة الكويت ، مايو 1999م(1/15)
مما لا شك فيه أن نجاح اى عمل مصرفي أو غير مصرفي ، تجارى او خيري ، يتوقف في الدرجة الأولى على مدى التخطيط له بطريقة علمية سليمة. ويزداد هذا الإعتبار أهمية في حالة ما إذا كان الربح هو معيار النجاح فيه ، كما هو الحال عند ممارسة العمل المصرفي الإسلامي من خلال مصرف تقليدي قام في الأساس على هدف تحقيق أرباح تجارية. فتحقيق الربح في مثل هذه الحالات سيكون بمثابة شرط ضرورى لإستمرار هذه المصارف التقليدية في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية. فإلي أى مدى نجحت هذه المصارف في التخطيط لصيرفتها الإسلامية ؟
لا شك أن معظم المصارف التقليدية التي أقدمت على تقديم الصيرفة الإسلامية من خلال إفتتاح نوافذ إسلامية لم تكن لتقدم على مثل هذه الخطوة من غير تخطيط ودراسة جيدة ، خاصة أن غالبية هذه المصارف كانت من بين اكبر المصارف التقليدية على المستويين المحلى والعالمي. فبالإضافة إلي إجراء اللازم من البحوث المكتبية والإستفادة من الكثير من الأبحاث والدراسات المنشورة ، قام الكثير من هذه المصارف بتكليف جهات بحثية مستقلة بإجراء العديد من أبحاث التسويق الميدانية للإضطلاع على آراء الجمهور والعملاء المحتملين للصيرفة الإسلامية. تلك الدراسات التي أثبتت بان أسواق العمل المصرفي الإسلامي كبيرة ومتنامية (يقدرَ معدل النمو السنوي بـ 15%) وأنها لا تزال .(1/16)
ولعلنا نشير في هذا الخصوص إلي التجربة المشهورة لأحد أكبر المصارف العربية وهو البنك الأهلي التجاري في المملكة العربية السعودية ، حيث لم تقتصر النية (في الأصل) على إدخال الصيرفة الإسلامية في البنك على مجرد الرغبة وإنما دعمتها أيضا الدراسات والأبحاث والإستشارات ، وخاصة ان الرغبة لم تكن تتوقف عند مجرد إفتتاح نوافذ إسلامية وإنما كانت النية منعقدة على أسلمة مجمل البنك طبقا لخطة تدريجية. ولذلك قام البنك بإنشاء إدارة مستقلة للخدمات المصرفية الإسلامية في عام 1993م أسند إليها مهمة تحقيق هذا الهدف للبنك. ومنذ إنشاء هذه الإدارة التي شرف الكاتب بإدارتها والإشراف على أعمالها منذ نشاتها حتي عام 2000م ، كان التخطيط العلمي هو أسلوب العمل فيها مدعوما بالعديد من الأبحاث والدراسات الميدانية التى أجريت لدراسة السوق وتحديد الشرائح المكونة له وإحتياجات كل شريحة منها ، وحجم ونوعية المنافسين القائمين والمحتملين في السوق. وهى الدراسات التي علي أساسها تم وضع خطة إستراتيجية للعمل يهتدي بها العاملون في الإدارة وفروعها وتتوحد من خلالها جهودهم لتحقيق النجاح المطلوب. وهو الأمر الذي تحقق بالفعل حيث أظهرت النتائج المالية للإدارة تقدما ونموا عاما بعد عام في ظل إلتزام تام بتطبيق الشريعة في كل المعاملات ، وذلك رغم توقع البعض بغير ذلك نظرا لطبيعة العمل ضمن بنك تقليدي في الأساس.
وحتي وقتنا هذا تشير المعلومات إلي التزايد المستمر في حصة العمل المصرفي الإسلامي في البنك إلي مجمل أعماله وكذلك إلي مجمل أرباحه ، مع تزايد في عدد الفروع الإسلامية التي أصبحت الآن 70 فرعا تنتشر في أنحاء مختلفة من المملكة ، شاملة جميع فروع مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة تحديدا.
ب) الإلتزام الشرعي(1/17)
لعل الإلتزام الشرعي التام بسلامة التطبيق يعتبر أهم عناصر النجاح لأي عمل مصرفي إسلامي وضمانا لإستمراريته. وتشير المعلومات إلى حقيقة تقيد معظم المصارف التقليدية الكبيرة التي أقدمت على فتح نوافذ إسلامية بالإلتزام الشرعي في تقديمها للخدمات والمنتجات الإسلامية ، فقامت بتعيين هيئات مستقلة للرقابة الشرعية أسند إليها مسؤولية الإفتاء فى والتثبت من سلامة الأعمال المصرفية الإسلامية فيها من حيث تصميم المنتجات وأسلوب تقديمها وصياغة عقودها والإعلان عنها والترويج لها. ولقد ظهر هذا التوجه أكثر وضوحا فى المصارف الكبيرة التي سعت جاهدة إلى إظهار مصداقيتها فى التطبيق.
ومرة أخرى نشير هنا بالتحديد إلي تجربة البنك الأهلي التجاري السعودي بحكم الصلة الوثيقة بين هذه التجربة وبين الباحث شخصيا كما سبقت الإشارة. وهى التجربة التي يسعدني العودة للإشارة إليها بالنسبة لكل عنصر من عناصر النجاح المطلوب توفرها لإنجاح عملية إفتتاح نوافذ إسلامية فى البنوك التقليدية بإعتبارها مثلا يمكن الإحتذاء به في هذا المضمار ، بل وفى إمكانية الإستفادة منه في مجال "أسلمة" مصرف قائم بتحويله كاملا من مصرف تقليدي إلى مصرف إسلامي طبقا لخطة موضوعة تنتهج التدرج في التطبيق دون التضحية بالإتزام الشرعي.
ففي هذه التجربة كان أهم مايشغل تفكير القائمين على إدارة الخدمات الإسلامية منذ البداية هو ضرورة إقناع العاملين في البنك من الإدارة والموظفين ، والمتعاملين معه من العملاء والجمهور بأن العمل في الإدارة وفروعها وسياساتها وأموالها كلها تقوم على مبادىء الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها بكل دقة ووضوح ، ولقد تحقق ذلك للإدارة من خلال عدد من الإجراءات نوردها فيما يلى :
ضمان الإستقلالية المالية والمحاسبية للإدارة(1/18)
الإلتزام الكامل بالشريعة الإسلامية في كل أنشطة الإدارة ومنتجاتها وسياساتها وبرامج تدريب موظفيها من خلال التعاقد والتعاون مع عدد من المراكز الإستشارية المتخصصة
إنشاء هيئة شرعية مستقلة لمراقبة التطبيق ، تجتمع بصفة دورية مرة كل شهر للنظر فى ما يعن لها من موضوعات ووضع التوصيات اللازمة للتنفيذ
تعيين مراقب شرعي داخلي لمتابعة التطبيق العملي بصورة يومية.
هذه الأمور جميعا كان لها مردودها الإيجابي والسريع في خلق الصورة الإنطباعية الصحيحة عن العمل المصرفي الإسلامي الذي تم تقديمه من خلال الفروع الإسلامية لهذا البنك التقليدي.
ج) الإعداد المناسب للكوادر البشرية
لا شك أن توفر العنصر البشري المناسب ، جنبا إلي جنب مع التقنية المتطورة ، يعتبر أحد أهم عناصر النجاح لأي عمل كان. والعمل المصرفي الإسلامي ليس إستثناءاً من ذلك. فإلى أي مدى أظهرت المرحلة الماضية توفر هذا العنصر للعمل المصرفي الإسلامي من خلال نوافذ إسلامية لمصارف تقليدية ؟
عودة مرة أخرى إلى تجربة البنك الأهلى التجارى السعودى كتجربة بارزة في هذا المضمار ، نقول أن توفير وتدريب الكوادر البشرية المناسبة لممارسة العمل المصرفي الإسلامي كان يمثل أحد الشواغل الرئيسية للإدارة خاصة وأن العاملين في الفروع التي كان يتم تحويلها إلى العمل المصرفي الإسلامي كانوا في معظمهم غير مؤهلين لذلك. الأمر الذي تطلب جهدا ووقتا كبيرين لإعداد البرامج التدريبية المناسبة ووضع الخطط اللازمة لتدريب كل العاملين في الإدارة والفروع على مراحل ودورات مختلفة المحتوى والمستوى.(1/19)
وفى هذا الخصوص كان التدريب يأخذ أشكالا متعددة فبينما كان بعضه يتم داخليا كان البعض الآخر يتم خارجيا ، أما البرامج التدريبية الداخلية فكانت تتم بالإستعانة بالقدرات التدريبية المتاحة ذاتيا للبنك من خلال العاملين في الإدارة ومراكز التدريب التابعة للبنك (حيث تم إنشاء وحدة مستقلة للتدريب المصرفي الإسلامي) ، أو بالإستعانة بمكاتب إستشارية أو مراكز تدريب متخصصة تربطها بالبنك علاقات عمل وثيقة. أما التدريب الخارجي فكان يتم إما من خلال إرسال المتدربين إلي مراكز تدريب خارجية أو إرسالهم للتدريب العملي في بنوك إسلامية شقيقة.
ومن أجل زيادة فعالية التدريب في ظل المتاح من الوقت والموارد فلقد خضعت العملية التدريبية لسلم محدد من الأولويات جاء على الشكل التالي :
أولا : القيادات الإدارية
ثانيا : مدراء الفروع
ثالثا : موظفي خدمات العملاء والصرافين
وبطبيعة الحال فإن التدريب عملية مستمرة ومتواصلة ولا يمكن لها أن تتوقف عند حد. ومن الإنصاف أن نقول بان العمل الإسلامي لا زال يعانى من عدم كفاية الكوادر البشرية المناسبة خاصة علي المستوي الإداري وفى المجال التطويري ، الأمر الذي يشير إلى الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتغطية هذا العجز.
د) تطوير النظم والسياسات الملائمة
نظرا للإختلاف بين قواعد العمل المصرفي التقليدي وتلك الخاصة بالعمل المصرفي الإسلامي فإن الأمر يقتضى تطوير السياسات والإجراءات والنظم الفنية والمحاسبية اللازمة والمناسبة لطبيعة العمل المصرفي الإسلامي ومنتجاته. وهو الأمر الذي لا يقل ضرورة عن غيره من الأمور سواءً كان ذلك من الناحية الشرعية أو من ناحية تحليل البيانات وقياس الآداء ضمانا لإنجاح العمل المصرفي الإسلامي.(1/20)
وتشير التجربة إلى أن تحقيق هذا العنصر ليس بالأمر السهل وإنما هو يتطلب الكثير من الوقت والجهد خاصة من حيث تطوير النظم والبرامج الفنية اللازمة لتشغيل الفروع وإعداد البيانات المالية والمعلومات الإدارية. وهى عملية تزداد صعوبة في ظل نظام مصرفي ثنائي أو مزدوج كما كان عليه الحال في المثال الذي نحن بصدده.
هـ) المواءمة مع ادارات البنك الأخرى والإختيار المناسب للفروع ومواقعها
على الرغم من أن التجربة قد أظهرت عدم بروز مشاكل أو تناقضات بين تقديم العمل المصرفي الإسلامي من خلال نوافذ إسلامية تحت سقف واحد مع العمل المصرفي التقليدي ، إلا أننا لا نستطيع القول بنفس الشىء في حالة تقديم العمل المصرفي الإسلامي من خلال فروع مستقلة وإدارة مستقلة أيضا ضمن مصرف نشأ في الأساس تقليديا. فلقد أظهرت التجربة أن هذا الوضع يصاحبه عادة نوعين من المشاكل نذكرهما فيما يلي :
مشكلة الحساسية التى تنشأ بين منسوبي البنك بشقية الإسلامي والتقليدي، نظرا لما كانت تعنيه فكرة تحويل بنك تقليدى إلي بنك إسلامي من شعور البعض من منسوبي القطاع المصرف التقليدي بعدم الإطمئنان مقارنة بالإرتياح الي كان يشعر به الآخرون في قطاع الصيرفة الإسلامية. الأمر الذي كان يؤدى أحيانا إلي الشعور بعدم وجود أرضية مشتركة تجمع الجميع في بوتقة واحدة. وعلى الجانب الآخر لم يكن العاملون في قطاع الصيرفة الإسلامية متحررون تماما من القلق الذي كان يساورهم بحكم كونهم الأقل عددا من حيث الأفراد والأقل حجما من حيث نسبة مساهمتهم فى مجمل أعمال البنك.
أما المشكلة الأخرى فكانت تسويقية ، أساسها الإحتكاك المتكرر بين مسؤولي التسويق في الفروع الإسلامية والتقليدية الذين كانوا غالبا ما يتنافسون على إجتذاب نفس العملاء مع إختلاف الرسالة التسويقية من ناحية ، ومع ربط تقييم آداء الفروع بمدى النجاح فى إجتذاب العملاء وتعبئة الودائع فى كل فرع.(1/21)
فإلى أي مدى نجحت تجربة البنك الأهلي في التغلب على هاتين المشكلتين ؟
لا شك أن هذه الصعوبات كانت من بين الأمور الشائكة في بداية الأمر ، غير أنه من أجل تقليص فرص حدوث مثل هذه المشاكل قامت الإدارة المعنية فى البنك بالكثير من الخطوات والمبادرات لتحقيق هذا الهدف ، نذكر منها :
أ) بالنسبة للموظفين
بذل الكثير من الجهد للإلتقاء والتحاور مع كل المسؤولين في البنك من أجل بناء جسور الثقة معهم.
وضع الأسس والمعايير التي يتم على أساسها إعطاء الأولوية للتوظف في إدارة الخدمات المصرفية الإسلامية للراغبين في ذلك من إدارات البنك الأخرى
وضع الخطط اللازمة لتدريب كل منسوبي البنك على أسس العمل المصرفي الإسلامي.
ب) بالنسبة للأمور التسويقية
تحديد المناطق الجغرافية التي يتم خدمتها بواسطة كل فرع تحديدا واضحا والإلتزام به من الجميع
خلق فرص للتكامل بين الفروع في خدمة العملاء بدلا من التنافس عليهم ، مع وضع ميكانيكية محددة للتعامل مع هذا الإحتمال في حالة وقوعه ، وذلك من خلال عقد إجتماعات دورية لمعالجة كل موقف على حده.
الإختيار المناسب للفروع التى يتم تحويلها أو لمواقع الفروع التى يتم إنشائها بحيث تحقق التوازن بين التغطية السوقية المناسبة مع تقليص إحتمالات نشوء المشاكل التسويقية والإدارية مع فروع اخرى للبنك.
6. مؤشرات نجاح الصيرفة الإسلامية
تطور حجم السوق(1/22)
نظرا لصعوبة الفصل بين العمل المصرفي الإسلامي الذى نشأ من النوافذ والفروع الإسلامية لمصارف تقليدية وبين ذلك الذى نشا من مصارف إسلامية خالصة ، فإننا سنعرض هنا لتطور الصناعة المصرفية الإسلامية للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فقط، معتمدين فى ذلك على البيانات التى قام الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية بتجميعها حتى عام 1997م(1) ، حيث توقف تجميع هذه البيانات منذ ذلك التاريخ وتم حل هذا الإتحاد وأنشىء مكانه "المجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية" فى عام 2001م ، ومقره مملكة البحرين ، وهو المجلس الذى تعكف أجهزته حاليا على إعادة تجميع هذه البيانات من جديد.
لقد شهد سوق العمل المصرفي الإسلامى على مستوى العالم تطورا هائلا عاما بعد عام منذ منتصف السبعينات حتى يومنا هذا ، بغض النظر عن المعيار الذى يتم به قياس هذا التطور. والجدول التالى يشير بإيجاز إلى هذا التطور فى قفزة واحدة من 1993م إلى عام 1997م ، مصحوبة بتقدير لما وصل إليه الوضع فى عام 2001م.
البيانٹڑ
1993مڑ
1997مڑ
عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ... تقدير – 2001م(2)
رأس المال (بليون دولار) ... 250 ... 176 ... 100
إجمالى الموجودات (بليون دولار) ... 12.7 ... 7.3 ... 2.4
أموال تحت الإدارة (بليون دولار) ... 260 ... 148 ... 54
صافى الأرباح ... 200 ... 113 ... 41
غ.م.ڑ
1.2ڑ
ڑ2.1ڑ
وهو الأمر الذى يشير إلى نمو صناعة الصيرفة الإسلامية بالمعدلات التقريبية التالية خلال الفترتين المذكورتين :
ٹڑ
البيان ... متوسط معدل النمو السنوى
عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ... 1997- 2001م ... 1993- 1997م
رأس المال (بليون دولار) ... 8% ... 15%
__________
(1) 5- دليل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية – 1997 ، الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية
(2) 6- تقديراتنا مدعومة ببيانات أولية من المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية(1/23)
إجمالى الموجودات (بليون دولار) ... 15% ... 41%
أموال تحت الإدارة (بليون دولار) ... 15% ... 35%
صافى الأرباح ... 15% ... 35%
غ.م.ڑ
ڑ15%ڑ
وهذه معدلات تفوق بكثير مثيلاتها للصناعة المصرفية التقليدية على المستويين المحلى والدولى رغم الإنخفاض الملحوظ فى الوعى المصرفى فى معظم الدول الإسلامية التى تصنف غالبيتها ضمن دول العالم الثالث.
7. أهم المعوقات والتحديات التي واجهت الصيرفة الإسلامية
تنقسم المعوقات إلي نوعين ؛ فمنها ما يخص تجربة النوافذ والفروع الاسلامية ومنها ما هو عام يخص المصارف الإسلامية جميعا ، نتناول كل منها بشىء من التفصيل فيما يلى:
أولا : المعوقات التى تخص النوافذ والفروع الاسلامية
تتفاوت هذه المعوقات بحسب الحالة من مصرف الى آخر كما أنها تتفاوت أيضا في درجة أهميتها فيما بين المصارف التى تختار مجرد افتتاح نوافذ اسلامية وتلك التى تختار تحويل فروع تقليدية الى فروع اسلامية خاصة إذا ما كان الهدف هو خدمة قطاع الأفراد الذى يتطلب التوسع فى شبكة هذه الفروع المحوّلة وربما افتتاح فروع اسلامية جديدة. لذلك لعله يكون مفيدا أن نستعرضها جميعا في هذا المقام تسجيلا للتجربة ، وتعميما للمعرفة ، خاصة فيما يتعلق بتحويل الفروع للإستفادة منها فى المصارف الراغبة في اتباع نفس النهج فى تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية مستقبلا. وتتمثل هذه المعوقات في التإلي :
معوقات إدارية
عدم وضوح الرؤية على مستوى البنك ككل عن خطط الإدارة فيما يتعلق بإقدامها على تقديم الصيرفة الإسلامية ، خاصة فى حالة الرغبة فى التوسع التدريجى فى هذا التوجه مستقبلا. الأمر الذى قد يؤدى الى غياب أو محدودية مشاركة الإدارات الأخرى في صياغة هذا التوجه. الأمر الذى يؤدى بدوره الى بروز السلبيات التالية :
تواضع القناعات الشخصية عند بعض المسؤولين بسلامة هذا التوجه المزدوج للبنك(1/24)
ظهور احتكاكات عملية تمتد ، كما سبقت الاشارة ، لتشمل التنافس غير البناء بين القائمين على ادارة الفروع بشقيها الاسلامي والتقليدي.
ضعف الإستعداد لدى إدارات البنك الأخرى للمساعدة فى تطوير بدائل إسلامية لمنتجاتها.
معوقات ذات صلة بالموارد البشرية
هذه النوعية من المعوقات تزداد ظهورا فى حالة تحويل الفروع وكلما زادت ضبابية الرؤية نحو الأسباب الحقيقية لتقديم العمل المصرفى الاسلامي فى البنك. فبالاضافة الى محدودية الكوادر البشرية ذات الخبرة في أدوات الخزينة وخدمات الإستثمار والتمويل ، نجد أن هذه الضبابية فى الرؤية قد تؤدى الى حالة من عدم التأكد لدى العاملين فى المصرف وشيوع "الاشاعات" وتدنى الروح المعنوية بينهم. كما تنعكس هذه الرؤية غير الواضحة فى محدودية الموارد المالية التى يتم تخصيصها لتدريب العاملين فى المصرف على طبيعة وأدوات العمل المصرفى الاسلامي ، فتنشأ فجوة بين الأهداف والوسائل مما يضيف الى الشعور بالحيرة وعدم التأكد.
معوقات ذات صلة بالنظم والسياسات
تشير التجربة الى أن الكثير من المصارف التى رغبت فى تقديم الصيرفة الاسلامية فيها جنبا الى جنب مع الصيرفة التقليدية لا تعطى انتباها كافيا للأمرين التاليين :
عدم ملائمة النظام المحاسبى المعمول به والقائم على أسس تقليدية مع متطلبات العمل المصرفي الإسلامي
التباطؤ أحيانا في تلبية إحتياجات التطبيق المصرفي الإسلامي من نظم وإجراءات فنية ، الأمر الذى ينعكس على العمل نفسه فى صورة إطالة وتعقيد في الإجراءات والضعف النسبى لمستوى خدمة العملاء
معوقات ذات صلة بتطوير المنتجات(1/25)
لما كانت المرحلة الماضية بمثابة مرحلة "الولادة" الجديدة للعمل المصرفى الاسلامي، فانه كغيره من كل جديد ، عانى من نقص هنا أو هناك. ولقد كانت محدودية المنتجات الاسلامية من الأمور التى كثر الحديث عنها خلال هذه المرحلة الأوّلية، ولعلى أشير هنا الى أن هذا النقص تجلى أكثر ما يكون فى مجال أعمال الخزينة وأدواتها، وهو الأمر الذى أعتقد أنه لا يزال قائما حتى يومنا هذا.
معوقات ذات صلة بتطوير الأسواق
تجلت هذه المعوقات فى الأمور التالية :
محاولة خدمة جميع القطاعات والشرائح السوقية دون التركيز على قطاعات أو شرائح بعينها ، خاصة فى تلك المصارف التى استهدفت خدمة قطاع الأفراد فى أسواقها
تحفظ بعض العملاء على التعامل مع بنك يقدم خدمات مزدوجة
التزايد المستمر لحدة المنافسة خاصة من المصارف الأجنبية الكبيرة
صعوبة الإعلان والدعاية المباشرة عن المنتجات الإسلامية أحيانا
ثانيا : التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية عامة(1)
__________
(1) 7- منور إقبال : " التحديات التى تواجه العمل المصرفى الإسلامى" ، ورقة عرضية رقم "2"،
المعهد الإسلامى للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامى للتنمية ، الطبعة الأولى 1988م.
قائمة المراجع
1- دليل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية جدة - الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ، 1997م.
2- د. سعيد بن سعد المرطان ، ورقة بحثية بعنوان : "الفروع والنوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية"، ندوة حول التطبيقات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة ، الدار البيضاء، مايو 1998م ، تحت الإعداد للنشر كورقة من الأوراق العلمية التي يصدرها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في البنك الإسلامي للتنمية.
3- د. سعيد بن سعد المرطان ، ورقة بحثية بعنوان " ضوابط تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية فى البنوك التقليدية : تجربة البنك الأهلى التجارى السعودى" ، ندوة من إعداد اللجنة الإستشارية العليا للعمل على إسكتمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، اللجنة الإقتصادية ، دولة الكويت ، مايو 1999م.
4- منور إقبال وآخرين ، "التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي"، ورقة عرضية رقم "2" ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، البنك الإسلامي للتنمية ، الطبعة الأولي ، 1998م.
5- Philip Moore, Islamic Finance: A Partnership For Growth. London: Euromoney Publications, 1997.
6- Strengthening Islamic Banking in Pakistan : Looking Ahead, an article on the Internet (IBF Netversity).(1/26)
واجه العمل المصرفى الاسلامي خلال المرحلة الماضية العديد من التحديات الصعبة التي كان لابد له من مواجهتها والتغلب عليها لتبقى على مصداقيتها وإستمرار ربحيتها ونموها ، وهى التحديات التي نورد أهمها فيما يلى :
غياب النظم الرقابية المناسبة لطبيعة النشاط المصرفي الإسلامي
عدم وضوح أو ربما عدم وجود علاقة بين المصارف الإسلامية أو الممارسة للعمل المصرفى الاسلامي والمصارف المركزية المنظمة للصناعة المصرفية والمراقبة عليها. ففيما عدا حالات قليلة نجد أن المصارف المركزية لديها نظام واحد للتعامل مع المصارف العاملة في دولها ، دون تفرقة بين العمل المصرفي الاسلامي والعمل المصرفي التقليدي ، الأمر الذى يرجع في حقيقته إلي أن بعض هذه الدول لا تسمح نظاما بالترخيص للبنوك فيها بتسمية نفسها بنوكا إسلامية. كما لا توفر لها الأدوات المقبولة إسلاميا للإستفادة من التسهيلات المصرفية التي تتيحها عادة للبنوك التقليدية ، وهو الأمر الذى يضع المصارف الإسلامية في وضع لا يسمح لها بالتنافس على قدم المساواة مع المصارف التقليدية.
ضعف وندرة الموارد البشرية
أن توفر العنصر البشرى المناسب يمثل أحد أهم أسباب النجاح لأى منشأة أو مؤسسة خاصة مع التقدم التقنى الكبير القائم حاليا والقادم مستقبلا ، والمصارف الإسلامية ليست إستثناءً من ذلك ، فنجاحها في رسالتها سوف يتوقف كثيرا على مدى نجاحها في إستقطاب الكوادر المؤهلة والمدربة للعمل فيها ليس فقط من الناحية الفنية للعمل ولكن أيضا من حيث صدق القناعة لديها بالعمل المصرفي الإسلامي. صحيح أن المصارف الإسلامية لا تدخر جهدا في تحقيق ذلك ولكن الواقع يشير إلي النقص النسبى في المعروض منها مقارنة بالطلب عليها.
إختلاف معايير تطبيق المنتجات الاسلامية(1/27)
في الوقت الذي تم فيه الى حد كبير معالجة مشكلة محدودية المنتجات الإسلامية من خلال تطوير العديد من منتجات التمويل والاستثمار الاسلاميين فانه لا تزال تواجه المصارف الممارسة للعمل المصرفى الاسلامي صعوبة أخرى لا تقل أهمية ، ألا وهى مشكلة تعدد طرق وقواعد تطبيقها فى الواقع العملي. فمع تعدد المصارف الإسلامية وإستخدامها لعدد من صيغ التمويل الإسلامية ، فإنها لم تتمكن حتي الآن من توحيد قواعد تطبيقها ، فنجد بنوكا مختلفة تقدم نفس صيغة التمويل ولكن بطرق مختلفة. الأمر الذى قد يؤدى إلي كثير من البلبلة والشك في أذهان المتعاملين مع المصارف الإسلامية من حيث سلامة التطبيق ومصداقيته. ولعل هذا الإختلاف يرجع فى المقام الأول إلى الأسباب التالية :
إختلاف هيئات الرقابة الشرعية فى المصارف الإسلامية وما قد يصاحبه من تفسيرات مختلفة لبعض الأحكام الشرعية الفرعية تبعا للإختلاف القائم بخصوصها بين المدارس الفقهية الأربعة الرئيسية.
حقيقة أن فتاوى هيئات الرقابة الشرعية تنبنى أساسا على كيفية وكفاية المعلومات المقدمة لها بخصوص المنتج موضوع الفتوى. وتزداد أهمية هذه الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالمصارف التقليدية خاصة فى الدول غير الإسلامية(1/28)
وذلك فى الوقت الذى تفرض فيه متطلبات السوق ضرورة قيام المصارف الإسلامية بتطوير البدائل الشرعية للمنتجات المصرفية التقليدية ، وإجتهادها المستمر فى هذا الخصوص تلبية لحاجة العملاء ومواجهة لمتطلبات المنافسة التى تزداد حدتها يوما بعد يوم. وخير مثال على ذلك قيام بعض المصارف الإسلامية بتقديم منتج "التورق" بغرض توفير السيولة النقدية للعملاء كبديل للقروض الشخصية التقليدية. وهو المنتج الذى لم يلق القبول من الجميع ولم يستقر بعد ليس بسبب عدم مشروعيته ولكن بسبب عدم الإتفاق على كيفية تطبيقه. والمثال الآخر على إختلاف التطبيق هو تقديم بطاقة الإئتمان الإسلامية. ومما يضيف إلى أهمية هذا الموضوع ان هذين المنتجين "التورق" و "بطاقة الإئتمان الإسلامية" يعتبران من المنتجات المصرفية الحيوية لنجاح المصارف الإسلامية فى خدمة قطاع الأفراد تحديدا ، وهو القطاع الذى أصبح الأكثر أهمية للمصارف التجارية عامة. الأمر الذى يتطلب معالجة سريعة من قبل الهيئات المركزية والمنظمة للعمل المصرفى الإسلامى بما يحقق التوازن بين الإلتزام التام بالأحكام الشرعية والحاجة الماسة لتطوير العمل المصرفى الإسلامى وإستمراريته.
ضعف إلمام المراجعين الشرعيين بالمنتجات المصرفية التقليدية(1/29)
بينما يكون للنصح الشرعي الذى توفره هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية دورا حيويا لضمان سلامة التطبيق ، إلا أن ذلك يجب ألا ينفي أن المعرفة الجيدة لأعضاء هذه الهيئات الشرعية بدقائق الأدوات والأسواق المالية الحديثة لا يقل أهمية عن معرفتهم بالجوانب الفقهية للتعامل خاصة في ظل التداخل والتشابك الكبير بين أسواق المال الدولية ، ومن هنا تأتى أهمية مدى كفاية وكفاءة الرقابة والمراجعة الشرعية في معرفة كل الأبعاد ذات الصلة بالعمل المصرفي الإسلامي وليس الجانب الفقهى منها فقط. وهو الأمر الذى قد يصعب توفره في معظم الحالات في الوقت الحاضر نظرا للحداثة النسبية للعمل المصرفي الإسلامي في طوره المعاصر. إن مثل هذا القصور سيترك ظلاله على مسيرة وسلامة العمل المصرفي الإسلامي بصفة عامة.
ضعف أو عدم وجود أسواق مال متطورة
أن عدم وجود أسواق مال متطورة في الكثير من الدول الإسلامية يمثل عائقا كبيرا أمام المصارف الإسلامية لإستثمار اموالها في إستثمارات طويلة الأجل تساعد في التنمية الإقتصادية والإجتماعية في هذه الدول. فالإستثمارات الطويلة الأجل يمكن أن تسبب مشكلة سيولة لهذه المصارف إذا لم تتمكن من تحويلها إلي أوراق مالية يمكن تسييلها عند الحاجه. ومن ثم فإن عدم وجود أسواق مالية متطورة في الكثير من الدول الإسلامية يشكل بحد ذاته تحديا كبيرا أمام المصارف الإسلامية. أن تطوير مثل هذه الأسواق يعتبر شرطا ضروريا لقيام المصارف الإسلامية بدورها في تجميع مدخرات المسلمين وإستثمارها في المشاريع المتوسطة والطويلة الأجل التي تحتاجها عملية التنمية الإقتصادية في الدول الإسلامية.(1/30)
لا شك أن الجهود التى بذلت من أجل تأسيس مركز إدارة السيولة ، والشروع فى تنظيم وإنشاء السوق المالية الإسلامية وهيئة التصنيف للبنوك الإسلامية والتى مقرها جميعا مملكة البحرين كما سبقت الإشارة ، سيكون لها إنشاء الله الأثر المحمود فى التغلب على هذه الصعوبة والمساهمة الفعالة فى تطوير مجمل العمل المصرفى الإسلامى.
التخوف من عدم توفر الشفافية
لما كان مبدأ المشاركة في الربح هو الأساس في صناعة الصيرفة الإسلامية ، فإن ذلك يستتبع بالضرورة أن يقوم التعامل بين كل الأطراف المشاركة في المشروع على أسس واضحة للإفصاح والشفافية عن النتائج المالية لهذا المشروع محل المشاركة. فقد يكون هناك نوع من التخوف أن يلجأ "المضارب" مثلا في عقد المضاربة الإسلامية بممارسة نوع من الأنشطة غير المقبولة من صاحب رأس المال "رب المال". أو أن يقوم "المضارب" بعدم الإفصاح السليم عن حجم الأرباح التي يحققها المشروع وهو السلوك الذى سيؤدى بالضرورة إلي تخفيض ربحية البنك الإسلامي "رب المال" وإلي إضعاف الثقة في النظام ككل.
وإدراكا لأهمية هذه المشكلة ، عندما يتعلق الأمر بالمصرف كمضارب ، تم تأسيس هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI فى مملكة البحرين بغرض وضع المعايير المحاسبية اللازمة لضمان سلامة ممارسة العمل المصرفى الإسلامى وشفافيته مقارنة بمثيلاتها فى "إتفاقية بازل" للبنوك التقليدية. ولحسن الطالع أخذت مؤسسة نقد البحرين وعدد من المصارف الممارسة للصيرفة الإسلامية فى الدول الأخرى بتطبيق هذه المعايير.
البطء فى توحيد المعايير المحاسبية(1/31)
إن تطوير نظام محاسبى مناسب للعمل المصرفي الإسلامي تتفق عليه المصارف الإسلامية يعتبر أمرا هاما من الناحية العملية لضمان سلامة كل من نظم الرقابة الداخلية (داخل البنك) والرقابة الخارجية (المصارف المركزية). وعلى الرغم من قيام بنك التنمية الإسلامي بالمشاركة مع عدد من المؤسسات المهنية والمؤسسات المالية الإسلامية بإنشاء "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" التي مقرها البحرين ، وعلى الرغم من قيام مؤسسة النقد في دولة البحرين بتطوير نظام محاسبى خاص بالمصارف الإسلامية فيها ، فإنه يبدو أنه لا يوجد حتي الان إستعداد كاف من المصارف الإسلامية لتبنى مثل هذا النظام الموحد والعمل بمقتضاه.
صغر حجم المصارف الإسلامية
لا شك ان صغر حجم المصارف والوحدات الممارسة للعمل المصرفى الإسلامى يعتبر من المعوقات الرئيسية لنموها والحد من كفاءتها التشغيلية. فمن المعروف فى الأدبيات المصرفية أن هناك حدا ادنى لحجم المصرف يتم بعده جنى ثمار ما أصطلح على تسميته إقتصاديا بـ "وفورات الحجم". وهى الوفورات التى تحدث آثارها الإيجابية على كفاءة التشغيل وبالتالى على مستوى ربحية المصرف ، ومن ثم على قدرته على توفير الإستثمارات اللازمة لتنمية موارده البشرية وتقنياته المصرفية. وهما العنصران اللذان لا غنى عنهما للمصارف الإسلامية لمواجهة المنافسة القادمة لا محالة من البنوك الأجنبية فى ظل ما أصبح يعرف بنظام العولمة الجديد.
الأمر الذى يفرض على المصارف الإسلامية الإسراع بالدخول فى إندماجات مدروسة تعالج بها مشكلة صغر أحجامها وتحسين كفاءاتها التشغيلية والتسويقية عامة. كما أننا نرى أن يكون للجهات الرقابية (البنوك المركزية وما شابهها) دور فى تشجيع وتحفيز المصارف الإسلامية للأخذ بهذا التوجه الذى أصبح ضروريا وملحاً.
8. خلاصة(1/32)
لكل تجربة مهما كان نوعها جوانبها الإيجابية كما أن لها سلبياتها ، وليست تجربة ممارسة البنوك التقليدية للعمل المصرفي الإسلامي إستثناءً من ذلك. وفيما يلي نورد أهم إيجابيات وسلبيات هذه الممارسة :
أولا : العناصر الإيجابية
أظهرت التجربة نجاحاً طيباً في تحقيق أهدافها من حيث نمو عدد المصارف التقليدية التى أقدمت على ممارسة العمل المصرفى الاسلامي على المستويين الاقليمي والدولي وسواءا من خلال نوافذ أو فروع اسلامية متخصصة.
تشير تجربة تحويل الفروع التي تميًز بها البنك الأهلى التجارى السعودى بأنه على الرغم من أن عدداً من الفروع التي تم تحويلها كان يقع في مناطق نائية وكانت تحقق خسائر مالية قبل التحويل ، فإنه بحمد الله تم تحويلها جميعاً من فروع خاسرة إلي فروع مربحة وذلك على الرغم من صِغَر حجمها وحجم نشاطها في هذه المناطق النائية. وفى رأينا يرجع ذلك إلى رغبة العملاء فى هذه المواقع للتعامل مع فروع إسلامية ، إضافة إلى حسن الإدارة وجودة الخدمة.
كان للتجربة دور كبير في توسيع رقعة العمل المصرفي الإسلامي من خلال تحفيز المصارف التقليدية المنافسة إلي تقديم الخدمة ، ومن خلال تنمية التعاون مع المصارف والمؤسسات المالية الدولية التي سعت من جانبها إلي تطوير منتجات إسلامية جديدة. كما كان لهذه التجربة إضافة لايمكن إغفالها في تنمية الوعى والمعرفة بالخدمات المصرفية الإسلامية على المستوى الدولى إلي جانب ماتقوم به المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى.
أظهرت التجربة ان هناك شرائح عريضة من فئات المجتمع المختلفة ترغب بل وتبحث عن البديل الإسلامي للعمل المصرفي التقليدي ، الأمر الذي اثبتته الدراسات الميدانية من ناحية ونمو أعداد عملاء الفروع الإسلامية وودائعهم من ناحية أخرى ، واقبال الكثير من المصارف التقليدية فى المنطقة العربية على الاسراع بتقديم الصيرفة الاسلامية لعملائها بغرض المحافظة عليهم.(1/33)
تشير البيانات الى أن صناديق الاستثمار الاسلامية آخذة فى التزايد عددا وقيمة. بل أصبحت هذه الصناديق تمثل حوالى ثلثى اجمالى الصناديق على مستوى المملكة العربية السعودية على سبيل المثال.
أظهرت التجربة أيضا حقيقة التحدى القائم أمام المصارف الإسلامية لتطوير منتجاتها وتقنياتها ومواردها البشرية ، وأساليب التنسيق بينها ، والشروع فى تكبير أحجامها من خلال الدخول فى إندماجات مدروسة أو الدخول فى شراكات إستراتيجية تستفيد منها فى مواجهة ظروف تنافسية يتوقع لها أن تكون حادة وحامية.
ثانياً :…عناصر سلبية او تحديات
الشكوك التى ربما لا تزال تساور بعض العملاء في مدى مصداقية العمل المصرفي الإسلامي من خلال فروع إسلامية لبنك تقليدي.
قد يرى البعض أن في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية من خلال بنك تقليدى تشويه للعمل المصرفي الإسلامي ، أو أنه يمثل تهديدا للبنوك الإسلامية ، أو أن فيه إعاقة لإقامة بنوك إسلامية متخصصة. فهم يرونه "أداة لركوب الموجه" ، ويفترضون أن التوجه ليس بدافع إيمانى.
9. خاتمة:(1/34)
على الرغم من أن البعض ينظر إلى الصيرفة الإسلامية بإعتبارها ظاهرة حديثة نشأت خلال الثلاثون عاما الماضية ، إلا أن نشأة العمل المصرفى الإسلامى تعود فى الواقع إلى الأيام الأولى للدولة الإسلامية. ولعل مما ساعد على إحياء الصيرفة الإسلامية المعاصرة توافر الظروف الإقتصادية المناسبة التى صاحبت فترة الطفرة النفطية فى السبعينيات من القرن الماضى وما رافقها من صحوة إسلامية إنتشرت فى الدول الإسلامية عامة وفى المنطقة العربية خاصة. فبينما ساعدت الطفرة النفطية على تراكم الثروات تطلبت الصحوة الإسلامية ضرورة العودة إلى النظام المصرفى الإسلامى. الأمر الذى أدى إلى ظهور أسواق واسعة وعملاء أثرياء يريدون النأى بأنفسهم عن التعامل المصرفى الربوى ، بما ترتب عليه من "فتح شهية" المصارف التقليدية للسعى الحثيث نحو جذب هذه الأموال المتاحة وغير المكلفة. فأقدمت الكثير من البنوك التقليدية على المستويين المحلى والدولى على الولوج إلى عالم الصيرفة الإسلامية من خلال مداخل تعددت أشكالها واهدافها. فمنها من بدات يتقديم خدمات الصناديق الإستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومنها من قام بتوفير منتجات مصرفية إسلامية بيعت جنبا إلى جنب مع المنتجات التقليدية ، ومنها من فتح نوافذ إسلامية ، ومنها من فتح فروع و/أو إدارات متخصصة فى العمل المصرفى الإسلامى ، ومنها من رغبت فى التحول التدريجى إلى الصيرفة الإسلامية ، ومنها من رغبت فى التحول مرة واحدة. كما أن منها من تخصص فى تقديم الخدمات الإستثمارية واخرى تخصصت فى خدمات التمويل الإسلامى ، وفئة إستهدفت قطاع الشركات وأخرى إستهدفت قطاع الأفراد .. وهلم جرا. ومن هنا تعددت المداخل والطرائق التى سلكتها البنوك التقليدية فى سعيها للدخول إلى عالم الصيرفة الإسلامية.(1/35)
ويرى الباحث هنا أنه على الرغم من تعدد المداخل فإن الهدف يبقى واحدا ، ألا وهو رغبة هذه البنوك التقليدية فى تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية للراغبين فيها. الأمر الذى نراه قد ساعد بصورة إيجابية على زيادة الوعى بالعمل المصرفى الإسلامى وإنتشاره ونموه بمعدلات تفوق مثيلاتها للعمل المصرفى التقليدي. ساعد على ذلك ان من بين البنوك التقليدية التى حرصت على الدخول إلى عالم الصيرفة الإسلامية بنوكا ومؤسسات مالية تعتبر هى الأكبر على المستوى العالمى. وفى رأينا أن إيجابيات هذا التوجه لا تقتصر فقط على زيادة الوعى والإنتشار وإنما إمتد أيضا ليشمل جوانب التطوير والإبتكار ، مما ساعد على تحول مصارف تقليدية إلى مصارف إسلامية و/أو إنشاء مصارف إسلامية إبتداءاً. وهذا لا يعنى البته أن تقوم البنوك بتقديم خدماتها الإسلامية كيفما كان او دون شروط وضوابط معينة. فالعمل المصرفى الاسلامى (باعتباره عملا عقائديا بالدرجة الأولي) يتطلب بالضرورة التمسك الواضح بتوفر مجموعة من الضوابط الشرعية أولا ثم مجموعة اخرى من الضوابط العملية التى تحقق له النجاح والإستمرار. وتتمثل هذه الشروط والضوابط فى ضرورة الإلتزام الكامل والتام بالتطبيق الشرعي لكل المعاملات والعمليات المصرفية التي تتم من خلال المصرف ، مع ضرورة تشكيل هيئة للرقابة الشرعية من علماء الشريعة تشرف على هذه العمليات وتراقب تنفيذها وتقر مسبقا ما يتم تطويره من منتجات جديدة. ومن الناحية العملية يتطلب الأمر فى رأينا التدرج في التطبيق وسلامة التخطيط له خاصة بالنسبة للبنوك الساعية للتحول كلية إلى العمل المصرفى الإسلامى. ثم بعد ذلك اعطاء الأهمية المناسبة للإعداد السليم للعناصر البشرية المنوط بها هذا العمل ، والفصل المالي والمحاسبى والإدارى لكل ما يخص العمل المصرفى الاسلامى عن غيره من أعمال البنك الأخرى ، مع انتهاج منهج علمى فى التنفيذ من حيث إعداد الدراسات والتحليلات(1/36)
اللازمة عن حجم السوق وشرائحه وإحتياجاتهم من المنتجات المصرفية الإسلامية ، ثم التعامل مع الضوابط الفنية المتعلقة بتطوير النظم والسياسات والإجراءات اللازمة للعمل وإنضباطه وتوافقه مع الأحكام الشرعية.
وفى هذا الصدد يرى الباحث أن غالبية البنوك التى سعت إلى ممارسة الصيرفة الإسلامية قد حافظت على تطبيق هذه الشروط والضوابط ، الأمر الذى يدفعنا إلى الإعتقاد بأن تجربة ممارسة المصارف التقليدية للعمل المصرفى الاسلامي من خلال نوافذ أو فروع اسلامية تعتبر تجربة ناجحة. فلقد أثمرت هذه التجربة نتائج ايجابية ملموسة تمثلت فى نمو العمل المصرفى الاسلامى ، وفى التزايد المستمر لعدد المصارف الممارسة لهذا العمل وانتشارها فى كل أنحاء العالم ، وذلك على الرغم من الصعوبات والمعوقات التي صادفت بعض هذه المصارف فى ممارسة العمل المصرفى الإسلامى من خلال بيئة مصرفية تقليدية.
وبالله التوفيق ،،،،(1/37)