النموذج الإداري البديل في ظل الخصخصة
د. محمد احمد المتيوتي
رئيس قسم إدارة الأعمال
كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية - جامعة إب
(طبعة تمهيدية)
المقدمة:
تُطرح الخصخصة في الآونة الأخيرة على نطاق واسع باعتبارها وسيلة رئيسية للنمو وحل المشكلات الاقتصادية المستعصية التي تعاني منها الدول. فمنذ بداية القرن العشرين والعالم يبحث عن تطبيقات جادة لنظريات اقتصادية وأساليب إدارية توصل إلى الرفاهية المنشودة. بعض من تلك النظريات كان ينادي بأن آليات السوق تحقق الرفاهية من خلال المنافسة التي ترعى الأفضل (وقد مثَّل ذلك الفكر الرأسمالي)، وبعضها الآخر كان ينادي بأن على الدولة أن تزيد النشاط الاقتصادي من خلال القطاع العام (الفكر الاشتراكي)، وهنا يأتي التخطيط المركزي بديلاً لقوى آليات السوق.
وقد صادف كلا المنهجين فترات من المد والجزر، فمن الكساد العالمي الكبير في بداية الثلاثينيات الذي أدان الفكر الرأسمالي إلى التدهور الشديد في الأداء الاقتصادي للقطاع العام الذي أدان بشدة أسلوب الأداء الاشتراكي مما أوضح سلبيات الملكية العامة للمشروعات، وكانت النتيجة الكبوة التي صادفت معظم الدول النامية- سواء التي تبنت المنهج الرأسمالي أو الاشتراكي كأسلوب للتنمية- وبدأ ما يُعرف بأزمة المديونية العالمية وأصبحت هذه الدول أمام خيار واحد لا مناص من اتباعه- إن أرادت الاستعانة بالمؤسسات المالية الدولية للخروج من محنتها- وهو الإصلاح الاقتصادي الذي يقوم على ما يُسمى تحرير الاقتصاد والاعتماد على آليات السوق أي التحول نحو الخصخصة، وكان ذلك مدعاة لطرح أكثر من سيناريو للخصخصة وأسلوب إدارتها في أكثر من مكان في العالم.(1/1)
لقد أضحت الخصخصة أهم ظاهرة اقتصادية في بداية الألفية الثالثة، ولكن رغم تطبيقاتها التي تجاوزت العقود إلا أنها ما زالت الظاهرة هذه الأكثر نقاشاً، حيث أن هناك من يعارضها باعتبارها مفروضة أو موصى بها من جهات خارجية، والبعض الآخر يقف جانبها باعتبارها رد فعل على مستوى الأداء غير المرضي للقطاع العام وسوء إدارته. وعلى الرغم من أن بعض الدول النامية بدأت بانتهاج الخصخصة منذ فترة وعقب سنوات طويلة من سيطرة القطاع العام على مجمل النشاط الاقتصادي والأداء غير المرضي إلا أن آليات التنفيذ- التي توصل الخصخصة إلى أهدافها- بقيت إلى الآن دون الطموح.
ولكي تكون الخصخصة في نشاطاتها وأهدافها العامة متوافقة ومتناسقة مع السياق العام لأهداف التنمية العامة في البلد، فلا بد أن يكون هناك دور توجيهي- ولو من بعيد- لإدارة الدولة العامة.
إذن ما هو نوع النظام الإداري المطلوب لإدارة النشاط الاقتصادي في ظل الخصخصة كي يكون ضمن هذا السياق. هذا ما يحاول أن يناقشه البحث في آليات النظام الإداري في ظل الخصخصة.
هدف البحث:
هذا البحث يبحث في آلية النظام الإداري المتعلقة بعمليات السيطرة على أنشطة الوحدات الاقتصادية في ظل الخصخصة واللامركزية الإدارية، أي بحث الصيغ (طرق ووسائل) التي من خلالها تستطيع الإدارة المركزية توجيه نشاطات الوحدات الاقتصادية- التي تحولت إلى القطاع الخاص أو تلك التي منحت قدراً كبيراً من اللامركزية الإدارية- طوعياً بشكل يتلائم مع متطلبات تحقيق الأهداف المركزية لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فرضيات البحث:(1/2)
يفترض البحث أن كفاءة النظام الإداري الاقتصادي الموجه (في ظل الاقتصاد الإسلامي موجه بمحددات وقواعد الشرع) مرهونة بقدرته على التغير من نظام إداري مركزي متشدد في المراحل الأولى لعمليات التنمية- بهدف تأمين توزيع الموارد ضمن أولوياتها المطلوبة- إلى نظام إداري يعتمد استخدام المعايير والمحددات الاقتصادية (الإسلامية الهادفة) المناسبة التي من خلالها تتمكن الإدارة المركزية من تطويع ديناميكية (حركية) نشاطات المؤسسات الاقتصادية المستقلة- المخصخصة أو التي تتمتع بقدر من اللامركزية الإدارية لمتطلبات تحقيق الأهداف المركزية في خطة التنمية.
ثم يفترض البحث أيضاً بأن كفاءة النظام الإداري اللامركزي- وكفاءة إدارة المؤسسات المخصخصة- تتجسد من خلال قدرتها على اتخاذ قرارات إدارية صائبة مبنية على أساس الحساب الاقتصادي (Economic Calculus) والجدوى الاقتصادية.
نطاق البحث وبعض المفاهيم:
في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه بغض النظر عن مدى صحة التوجه نحو الخصخصة واختيارها أسلوباً للتنمية فإن النموذج موجه إلى إدارة النشاط الاقتصادي فيما لو اختيرت الخصخصة نموذجاً للتنمية، ثم إن الباحث وهو يناقش الموضوع يضع في ذهنه أن الخصخصة هنا لا تعني انسحاباً للدولة من الميدان وإنما يبقى دورها رقابياً وموجهاً من بعيد من خلال الأدوات المطروحة في البحث. أما تفاصيل المحددات والقواعد التي تفترض أن يعمل بموجبها النظام المقترح في ظل الاقتصاد الإسلامي فقد وضعت جانباً كونها تخضع للحالة التي يطبق عليها النظام.
يُعرِّف المنهج التقليدي نظام إدارة الاقتصاد الموجه بأنه مجموعة من الأدوات Set of Instruments التي توضع وتطبق من قبل الإدارة الاقتصادية المركزية على المؤسسات الاقتصادية في المستوى الأدنى، كي تحثها Evoke على اتخاذ القرارات اللازمة واتباع أساليب العمل المرغوبة مركزياً(1)
__________
(1) المراجع
1- janusz Beksiak, B. Czarniawska. Enterprise Response under the Socialist Management System. Oeconomica Polonia,1977 No 2, p211.(1/3)
.
وحين نتحدث عن النظام الإداري فإننا نستخدم هذا المفهوم ابتغاء التعريفات بالعمليات الإدارية التي تتحكم في تنفيذ الخطة الاقتصادية القومية وتسيطر عليها. وعن تحليل النظام الإداري فإننا نفترض بأن الهدف الاقتصادي قد حُدد سلفاً وأن هناك خطة للاقتصاد القومي تم وضعها على أساس مبادئ الحساب الاقتصادي الدقيق والجدوى الاقتصادية، وعليه فإن التخطيط الذي هو أحد وظائف الإدارة وأساليبه يقع خارج نطاق هذا البحث.
وبصورة عامة يمكن تمييز نوعين من القرارات في الاقتصاد الموجه:
الأول: يغطي القرارات التي لها تأثير في مجال الاقتصاد القومي. إن مضمون ومحتوى هذه القرارات يشكل الخطة الاقتصادية القومية.
الثاني: يشكل القرارات التنفيذية التي تُتخذ بوساطة الوحدات الاقتصادية. إن مفهوم الإدارة الذي يتضمن النوع الثاني يشمل كل الوحدات الاقتصادية التي تنفذ الخطة المركزية(1).
إن تحليلنا للنظام الإداري- والنموذج البديل- يتحدد في نطاقه ومحتواه فقط على العلاقة بين الإدارة المركزية من جهة والوحدات الاقتصادية التي تم خصخصتها أو تلك التي أُعطيت قدراً معيناً من اللامركزية الإدارية في عملها من جهة أخرى. ثم إننا استعملنا مفهوم الوحدة الإنتاجية لنعني به الوحدات الاقتصادية المخصخصة إضافة إلى الوحدات التي أُعطيت قدراً معيناً من اللامركزية في عملها والتي تتبع عادة الإدارة الاقتصادية المركزية- هيكلياً- وتتمتع بقدر معين من حرية العمل، وتتخذ قراراتها على أساس الحساب الاقتصادي، أي أن المؤسسة هي الوحدة الاقتصادية التي تُدار على أساس نظام الإدارة بالمحددات Parametric System of Management. وأخيراً فإننا في تحليلنا للنظام الإداري نعلق أهمية كبيرة على العلاقة بين الوحدة الإدارية التي تدير
__________
(1) 2- janusz Beksiak, U. Libura. The Management System of Socialist Production. Oeconomica Polonia,1975 No 2, p113, Poland, Warsaw.(1/4)
(The Managing Unit) وهي هنا السلطات الاقتصادية المركزية وبين الوحدات المُدارة (The Managed Unit) .
إن الوحدات التي توجد وتطبق أدوات الإدارة تعود إلى الصنف الأول، بينما الوحدات التنظيمية التي تعمل على أساس الظروف المهيأة لها بوساطة النظام الإداري المركزي تدعى بالوحدات المُدارة أي المؤسسات التابعة- تابعة هرمياً كونها ضمن الهيكل التنظيمي أو تابعة- بالرغم من أنها مخصخصة- كونها ضمن الوحدات الاقتصادية العاملة في البلد والملتزمة بتنفيذ استراتيجياته وسياسته الاقتصادية(1).
المبحث الأول
الخصخصة: مفهومها وأسسها النظرية
أولاً: الخصخصة (Privatization):
عندما يُشار إلى الخصخصة فيعنى بها (تحويل ملكية المؤسسات العامة جزئياً أو كلياً إلى القطاع الخاص(2). أما عملية الخصخصة فهي القوانين والإجراءات والأنشطة التي تتولى نقل ملكية إدارة بعض الأصول لوحدات القطاع العام إلى القطاع الخاص(3).وتعرف من وجهة نظر أهدافها بأنها (تحويل القطاع العام إلى القطاع الخاص مع استنباط أساليب إدارية كفوءة ومتابعة الأداء لرفع مستواه في المؤسسات الإنتاجية والخدمية(4). وينظر إليها على أنها عكس عملية التأميم التي استخدمت عند بناء قطاع الأعمال العام(5).
__________
(1) 3- B. Glinski. System of Central Management of The Socialist Economy and its Evaluation, Oeconomica Polonia,1979 No 1, p45, Poland, Warsaw.
(2) 4- الفايز، خالد، دور المؤسسات المالية في عملية الخصخصة، مجلة المصارف العربية، العدد 222، حزيران 1999م.
(3) 5- العطية، عبد الحسين، الخصخصة في البلدان النامية: سلبياتها وإيجابياتها، مجلة دراسات، المجلد(25) - العدد 1، كانون الثاني 1998م.
(4) 6- عجلان، صبري، التخصصية، مجلة المصارف العربية، العدد 221، آيار 1999م.
(5) 7- النجار، فريد، إدارة الأعمال الاقتصادية العالمية مفاتيح التنمية التنافسية والتنمية المتواصلة، القاهرة 1999م.(1/5)
وتنطلق الخصخصة من الفكرة القائلة بأن "المبادرة الفردية خير موظف ومستثمر للموارد"(1). وترى أن الأساليب الاقتصادية للخصخصة تكمن في أن الدولة الشمولية المؤمنة بالفكر التدخلي تقوم بتعطيل آليات السوق واستبدالها بالعقل الإنساني على شكل خطط قد تكون قاصرة في استيعاب ومواجهة الواقع(2).
من الواضح أن هذه الأفكار تنفي ضمنياً عقلانية التخطيط والدور الإيجابي للملكية العامة، وتعتبر هذه الأفكار مسلمة عند بعض المفكرين مع أنه لا يوجد ما يبررها، فالدراسات المختلفة تبين أن فاعلية المنشأة الاقتصادية العامة والخاصة ترتبط بالفعالية الاقتصادية العامة والبيئة الاقتصادية ومدى ما تتيحه للمنشأة من عناصر القوة والوفرات الخارجية(3).
وبصورة عامة تتباين وجهة نظر المختصين في تعريف الخصخصة، فهي تعني لبعضهم مجرد إعادة ملكية القطاع العام إلى الأفراد حيثما كانوا عن طريق البيع. بينما تعني لدى الآخرين مجرد العودة للعمل بآليات اقتصاد السوق دون إعادة الاعتبار للقطاع الخاص- كما هي الصيغة الاقتصادية في بعض دول أوروبا الشرقية من خلال مرحلة ما قبل التسعينات والصين- إلا أنها لا تعني في هذه الحالة ذاتها العودة إلى الاعتماد على القطاع الخاص قطاعاً رائداً ورئيسياً في تحقيق عملية التنمية، وهذا يعني العودة إلى الاعتماد على آلية السوق لتحديد سقوف الإنتاج وكيفية التوزيع وتحفيز الإنتاج.
__________
(1) 8- مرزوق، نبيل، الخصخصة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية في كتاب الخصخصة أفاقعا وأبعادها للدكتور محمد رياض الأبرش والدكتور مرزوق، دار الفكر – دمشق، ط1، 1999م.
(2) 9- عفيفي، صديق محمد، التخصصية والإصلاح الاقتصادي المصري، القاهرة، مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، 1991م.
(3) 10- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص86.(1/6)
إن التخصيص في الحالة الأولى يفقد المغزى منه، فالقطاع الخاص كان على الدوام موجوداً سواءً في تلك الدول التي تبنت فكرة القطاع العام كقائد لعملية التنمية الاقتصادية- بالرغم من أن دوره في هذه الدول لم يكن إلا من قبيل التسامح العقائدي أو لأسباب عملية وتكتيكية- أو في دول أوروبا الغربية حيث كان يؤكد على الدور المجتمعي له في خدمة دولة الرفاهية وتوفير الأموال لها.ولهذا فالعودة إلى مجرد تنشيط القطاع الخاص في إطار سيطرة أفكار كهذه لا تعطي أبداً لعملية التخصيص معناها،كما لا يعني تحقيق أهدافها، لأن ذلك لا يلغي الفكر الذي أدى إلى تحجيم دور القطاع الخاص أو إلغائه بالأساس(1).
عليه فالمفهوم الشامل للخصخصة يتمثل في تحري الاقتصاد من العوائق البيروقراطية التي تؤثر على حركة عوامل الإنتاج، وتقليص دور النشاط الاقتصادي العام، والعمل بآليات اقتصاد السوق مع إعادة النظر في القوانين والتشريعات التي تؤثر على الحركة الاقتصادية، وصياغتها بشكل يساعد على تحرير النشاط الاقتصادي من الظواهر المعيقة. ولكي تكون الخصخصة مؤطرة بالإطار الإسلامي ومعبرة عن جوهره ومحققة للأهداف المطلوبة في هذا الاتجاه يفترض أن تهتدي إلى آليات عمل المؤسسات المخصخصة بمعايير ومحددات الاقتصاد الإسلامي المقرة شرعاً.
الأسس النظرية للخصخصة:
تستمد الخصخصة مبرراتها من النظرية الاقتصادية السائدة (الليبرالية الجديدة) التي من فروضها الأساسية أن نظرية المستهلك ونظرية المنتج تقومان على مفهوم المنفعة الحدية لعناصر الإنتاج. تحقيق هذه المنفعة هو الذي يقود الأفراد إلى الاستثمار الأمثل للموارد وبالتالي فإن الملكية الخاصة لهذه الموارد تجعل استثمارها أفضل. وعلى أساس هذه الفرضية يطالب دعاة النظرية بتحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة.
__________
(1) 11- الأبرش، محمد رياض، الخصخصة أفاقها وأبعادها، دار الفكر- دمشق، ط1، ص3، 1999م.(1/7)
لقد تأثر الفكر التنموي للبلدان النامية بالفكر السائد في الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، وغابت في كلا النموذجين استراتيجية التنمية الشاملة بمفهومها الحديث، وساد المفهوم التقليدي للتنمية المعتمد على الاستثمار في رأس المال الثابت والدفعة القوية مما جعل اقتصاداتها عاجزة عن امتصاص صدمة التحولات غير المؤاتية في الاقتصاد العالمي.
وبدأ يتضح عبء علاقات التبعية للخارج التي كرستها أنماط تنميتها وأسلوبها في الإنفاق والإدارة، مما جعلها بحاجة إلى إعادة تقييم لمسيرتها والقيام بإصلاحات شاملة للخروج من أزمتها والانطلاق في تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة. إلا أن الدول النامية التي تعاني من التخلف وتواجه أزمات اقتصادية متعددة وتسعى جادة للحصول على مساعدات المؤسسات المالية الدولية قد خضعت لتوجيهات وضغوط المؤسسات المالية والدول الكبرى والتزمت ببرنامج (الإصلاح الهيكلي) المُعد من قبل تلك المؤسسات نموذجاً صالحاً في رأيها لكل زمان ومكان. والمحور الرئيسي في برنامج التعديل الهيكلي هذا هو نقل الملكية من العام إلى الخاص وأصبحت الخصخصة محوراً لعملية إعادة الهيكلة(1).
حيث قام صندوق النقد والبنك الدوليين بتنسيق جهودهما ووضع مجموعة من البرامج المتكاملة فيما بينها تحظى بموافقة الطرفين. تقوم هذه البرامج على فهم أولي للعجز في ميزان المدفوعات وللمديونية الخارجية مفاده أن السبب في ذلك هو الخلل في هيكل الطلب الداخلي والقيود المفروضة على حرية حركة رأس المال، لذلك تنصب اهتمامات هذه البرامج على إحداث تغييرات في بنية ومستوى الطلب الداخلي وفي بنية وعلاقات الإنتاج السائدة في الاقتصاد المعني. وفق هذه الاهتمامات تقسم البرامج المطروحة إلى ثلاث مجموعات(2):
__________
(1) 12- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص78.
(2) 13- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص163- 165.
14- العطية، مصدر سابق.(1/8)
المجموعة الأولى: ترتكز على صافي مدخرات القطاع الخاص من خلال تخفيض الضرائب على الدخول والإيرادات للقطاع الخاص، وتقديم إعانات وتسهيلات لرأس المال المحلي والأجنبي في المشروعات الجديدة، وإلغاء تدخل الدولة في التسعير للمنتجات والرقابة عليه، وتقديم إعفاءات جمركية على الواردات الاستثمارية والوسيطة للمشروعات الجديدة، وزيادة سعر الفائدة على الودائع الادخارية.
المجموعة الثانية: ترتكز على العجز في الموازنة العامة من خلال تقليص الإنفاق العام، وإلغاء الدعم للسلع الاستهلاكية الضرورية، وإلغاء الدعم للقطاع العام، وزيادة أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الدولة، وإلغاء التزام الدولة بتعيين الخريجين الجدد من المعاهد والجامعات، وتجميد الأجور أو تخفيضها، ووضع حد للائتمان المصرفي للحكومة والقطاع العام بالإضافة إلى زيادة بعض الضرائب غير المباشرة، وبيع منشآت القطاع العام للتخلص من عبئها وزيادة الموارد.
المجموعة الثالثة: تشمل السياسات المشجعة على الحصول على النقد ورأس المال الأجنبي، وهي ترتكز على تخفيض قيمة العملة الأجنبية، وتحرير التجارة الخارجية، وإلغاء كافة القيود الكمية والنوعية على الواردات، وتخفيض الرسوم الجمركية إلى حدودها الدنيا، وإلغاء الرقابة على الصرف، وإعطاء رأس المال المحلي والأجنبي الحرية التامة في التنقل، وتقديم محفزات وإعفاءات مغرية لرأس المال الأجنبي للاستثمار وخاصة في مجال التصدير.
وغالباً ما يتم تطبيق هذه البرامج على مرحلتين أو أكثر. تعالج المرحلة الأولى مسألة الخلل في ميزان المدفوعات والموازنة العامة من خلال برامج التثبيت، وتركز مجموعة البرامج المطبقة في المرحلة الثانية على التعديل الهيكلي والتحرير الاقتصادي التي تشمل نقل ملكية المنشآت العامة إلى القطاع الخاص وتحرير التجارة الخارجية وفتح الأسواق بشكل واسع.(1/9)
إن المؤسسات المالية الدولية تبرر تمسكها بهذه البرامج بعدد من الفرضيات التي تعتبرها مسلمات، وهي أن تحرير الأسعار والتجارة ونقل ملكية المنشآت العامة إلى القطاع الخاص من شأنه أن يعزز فرص النمو ويقود إلى الاستقرار المالي والاقتصادي. وإن أي تدخل من قبل الدولة يشوه فعل آليات السوق ويعيق تحقيقها للتوازن التلقائي، وإن الأزمة التي تعاني منها الدول النامية هي نتيجة لسياسات الاقتصاد الموجه التي اتبعتها، عليه فإن لدى لدول النامية مبررات موضوعية لإجراء إصلاحات جذرية وعميقة في سياساتها الاقتصادية وإدارتها العامة والاقتصادية للتخلص من السلبيات التي راكمتها خلال فترة النمو السابقة، ولمواجهة انعاكسات التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العالمية والحد من آثارها السلبية عليها.
أشكال الخصخصة:
تأخذ الخصخصة أشكالاً مختلفة:
ا) حسب الظروف الخاصة التي تمر بها الدولة المعنية.
ب) حسب المرحة التي قطعتها في عملية إعادة الهيكلة.
جـ) حسب مستوى المقاومة التي تمر بها القوة المناهضة للخصخصة. من هذه الأشكال:
1- تخصيص الإدارة: ويكون من خلال:
- عقود الإدارة، وهي العقود التي تبرمها الحكومة أو الجهة العامة مع المؤسسات والأفراد المحليين والأجانب لإدارة المنشأة العامة لقاء أجور محددة.
- التأجير، وتتيح عقود التأجير إمكانية استثمار الموارد والأصول من قبل القطاع الخاص.
2- البيع الجزئي.
3- الاكتتاب.
4- البيع الكلي المباشر، وهو أكثر الطرق انتشاراً واستخداماً لنقل الملكية.
العوامل والركائز التي يجب أن تستند عليها الخصخصة:
من المعروف أن الخصخصة لا تمثل غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات، ولتحقيق هذه الغايات ينبغي أن تستند سياسة الخصخصة على مقومات وركائز اقتصادية وإدارية ومؤسسية تشريعية تمكن من تكيفها بما يتناسب مع ظروف الواقع الذي تطبق فيه. من هذه المعوقات والركائز:(1/10)
أولاً: تكامل السياسة التخصصية مع سياسات الإصلاح الاقتصادي: حيث أن سياسة التحول للقطاع الخاص لا تنطلق من فراغ فهي تمثل جزءاً من فلسفة إدارة الاقتصاد القومي من خلال بعث آليات السوق والمنافسة وتشجيع الاستثمار. ولما كانت العملية التخصصية وسيلة لزيادة كفاءة تخصيص واستخدام الموارد فإن ثمة مناخاً اقتصادياً وآليات اقتصادية مساندة ينبغي أن تتوافر لتحقيق هذا الهدف. فالتخصيص الكفء للموارد لا يتحقق إلا في ظل آليات سوق تم تحريرها من القيود الاقتصادية المعيقة بحيث يقوم جهاز الثمن وقوى الطلب بتوجيه قرارات المشروعات في الاستثمار والتوظف والإنتاج لذا فإن تصميم هياكل الأسعار وتنشيط وتحرير آليات السوق والمنافسة تعتبر متطلبات أساسية لنجاح السياسات التخصصية(1).
ثانياً: بلورة سياسة واضحة تتعامل مع المجالات البديلة السياسية التخصصية: إذ لا يمثل التحول من ملكية مشروعات الأموال العامة سوى مجالاً واحداً من مجالات عملية الخصخصة، ومن المهم بلورة سياسة واضحة تستند إلى فحص وتقييم المجالات المختلفة من الأنشطة التي تمارسها الدولة والتي يمكن تطبيق السياسة التخصصية عليها. وفي ضوء هذا التقييم تتبلور الاستراتيجية والأولويات التي يمكن تطبيقها على مجالات النشاطات المرشحة للتخصيص.
ثالثاً: تصحيح أوضاع المشروعات العامة التي يتقرر تخصيصها بتحويل ملكيتها أو إدارتها- من خلال معالجة الاختلال في الهيكل التمويلي، الصيانة أو تصفية المشروعات التي تعتبر في حالة إفلاس واقعي أو دمج البعض الآخر- بحيث يتم هذا قبل التحول إلى القطاع الخاص منعاً لاحتمالات فشل أو انهيار هذه المشروعات بعد تخصيصها(2).
__________
(1) 15- عاشور، أحمد صقر، الإصلاح الإداري لدعم سياسات الإصلاح الاقتصادي، محرر الإصلاح الإداري لدعم سياسة الإصلاح الاقتصادي للدول العربية، 1997م.
(2) 16- سالم، عبد الله، الخصخصة وتقييم الأسهم والأصول في البورصة، القاهرة 1996م،
ص35.(1/11)
رابعاً: علاج مشكلات تقييم المشروعات المطروحة للبيع ومعالجة الاختلال في القيمة الدفترية التاريخية للأصول عن قيمتها السوقية(1).
خامساً: سلامة معايير اختيار المشروعات والأنشطة التي سيتم تخصيصها.
سادساً: توسيع وتنويع قاعدة الملكية.
سابعاً: تطوير مؤسسات القطاع المالي والمصرفي التي ستلعب دوراً في عمليات الإصدار الأولى ثم في دعم تعاملات سوق المال وفي توفير السيولة والقروض اللازمة للمشروعات التي سيتم تخصيص ملكيتها ولمشروعات قطاع الأعمال بصفة عامة(2).
ثامناً: تطوير التشريعات، وهو أحد الركائز الرئيسية للخصخصة إذ أن التحول في نطاق أدوار الدولة نتيجة الأخذ بسياسة التخصيص وتبني منهج جديد في إدارة الاقتصاد يعتمد على تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص وتحرير التجارة وتنشيط المنافسة، وهذا يقتضي مراجعة شاملة وتطوير جوهري للتشريعات التي انبعثت عن نهج مختلف للدولة في إدارة الاقتصاد والتعامل مع القطاع الخاص، وينبغي أن يعكس التطور الذي يدخل على هذه التشريعات فلسفة روح الاستراتيجية الجديدة في إدارة الاقتصاد والتوجه نحو القطاع الخاص(3).
معوقات نقل الملكية من العام إلى الخاص:
تنطوي عملية إعادة الهيكلة على تغيرات بنيوية عميقة في الاقتصاد والمجتمع، وعملية نقل الملكية هو محور أساسي فيها، ولكي تتم العملية بنجاح يجب أن تستجيب البنى القائمة إلى متطلباتها، كما يجب أن تتمتع العناصر الاقتصادية بالديناميكية والقدرة على التعامل معها. ولكن افتقار الدول النامية إلى البنى الهيكلية المساعدة على النمو وضعف تطور قواها المنتجة جعل عمليات الخصخصة تواجه معوقات عدة منها:
__________
(1) 17- الفايز، مصدر سابق، ص166.
(2) 18- عاشور، مصدر سابق، ص48.
(3) 19- Cite Par Michel Chossu Dovsky in la Mondialisation De la Pouvrete Ed.Ecosociete- Montreal- Canada 1998, P62.(1/12)
1- ضعف مستوى تطور القوى المنتجة والقطاع الخاص عموماً: يتمثل هذا الضعف في عدم توفر الخبرة الكامنة لدى القطاع الخاص في إدارة المشاريع الكبرى، ويتجلى هذا الوضع بوضوح لدى نقل ملكيات مشروعات عامة مثل الكهرباء والاتصالات، حيث لا يستطيع القطاع الخاص المحلي إدارة هذه المشروعات أو تطوير تكنولوجيتها بسرعة في بداية الأمر.
2- ضعف و محدودية السوق المالية المحلية: نتيجة ضعف مستوى التطور الاقتصادي وتدني مستوى الادخار بشكل عام لم تتطور السوق المالية في الدول النامية بدرجة كافية. وفي العديد من الدول لا توجد سوق مالية، وفي الدول التي تمتلك سوقاً مالية لا يتوفر عدد كافي من أسهم الشركات القابلة للتداول وحجم المبادلات الحقيقية صغير، لذل ينمو اتجاه المضاربة على حساب الدور التأثيري للسوق.
هذا الضعف في السوق المالية لا يوفر الشفافية المطلوبة ولا يحقق الغرض من عملية البيع للمؤسسات العامة (خصخصتها) وخاصة إذا كان المطلوب توسيع قاعدة الملكية حيث لا تمتلك غالبية السكان أرصدة ادخارية، كما أنها لم تألف التعامل مع هذه الأسواق ولا تتوفر لديها الثقة الكافية بها. ولا يمكن خلال فترة زمنية محدودة بث الديناميكية والثقة في هذه الأسواق، وهذا ما واجهته عملية الخصخصة في العديد من الدول النامية أو الدول في طور التحول الاقتصادي.
3- التكاليف المالية الكبيرة المترتبة على عملية الخصخصة: حيث يكون معيار الكلفة/ المنفعة غير ملائم.
4- مقاومة العمال وبعض الإدارات: يتعرض العمال بشكل مباشر للآثار السلبية للخصخصة حيث تكون أولى الإجراءات تسريح العمال وإلغاء عدد من الامتيازات والتعويضات وهذه تشكل عقبة أمام الخصخصة.
تحسين كفاءة المنشآت الاقتصادية من خلال آليات السوق:(1/13)
إن من بين الأهداف الأساسية لهذا البحث هو المساهمة في تحسين مستوى أداء المنشآت المخصخصة أو تلك التي منحت قدر اً من اللامركزية. حيث يعترف صندوق النقد الدولي في دراسة حديثة بأنه لا يمكن الاستشهاد بأي حالة من حالات النجاح لبرامج إعادة الهيكلة التي نمت في أكثر من مائة دولة نامية. تقول الدراسة (لا نستطيع القول بثقة إذا كانت هذه البرامج المدعومة من قبل الصندوق قد توصلت إلى تحسين الفعاليات في مجال التضخم والنمو الاقتصادي) وفي الواقع قد اتضح غالباً أن وضع برامج التعديل بالتطبيق قد ترافق بزيادة في التضخم وفي انخفاض في معدل النمو(1).
ويقول ميشيل كامدسو مدير صندوق النقد الدولي في معرض حديثه عن برامج التعديل الهيكلي في الدول الاشتراكية سابقاً: ( النتائج الأكثر مدعاة للأسف حتى وإن كانت غير مستبعدة كانت الهبوط الكبير للإنتاج الحقيقي وتصاعد البطالة)(2). وفي دراسة أخرى يقول رولف فان درهوفن: (لا تقدم تجارب تخصيص المنشآت العامة براهين تمكننا من تقرير ما إذا كان من شأن تغيير الملكية بحد ذاته يؤدي إلى تعزيز الكفاءة، فمن الصعب الفصل بين تأثير العوامل المختلفة على أداء المنشآت )(3).
__________
(1) 20-W lmichel Chossudovsky " Comment eviter la Mondialisation de la Pauvrete" ,September 1991. le monde iplomatique.
(2) 21- مرزوق، نبيل، مصدر سابق، ص190.
(3) 22- O.Lange. Podstawow zagadnienie okresu bodowy socalizmu in zagadnienie ekomomij politycznj socializmu. 2ed Warsaw1959, pp55- 56.(1/14)
من هذا يتبين أن الخصخصة لا تشكل بحد ذاتها وصفة سحرية ولا حلاً لكل المشكلات الاقتصادية فنجاحها ونجاح برامجها في تحقيق أهدافها يتطلب شروطاً معينة منها الإعداد التنظيمي ووضع آليات العمل الإداري للمؤسسات، ووضع الإجراءات والقواعد التنظيمية اللازمة قبل تحويل الملكية للقطاع الخاص وبصورة متزامنة مع التنفيذ لتأكيد الكفاءة الاقتصادية للتشغيل في المدى الطويل ومراعاة الجدوى الاقتصادية للمشروع والحصول على ثقة مستثمري القطاع الخاص. وهذا يستلزم نظم إدارية محددة تساعد على تحقيق هذا الغرض. عليه فإن المبحث التالي سيبحث في آليات العمل الإداري للمؤسسات العاملة في ظل الخصخصة.
المبحث الثاني
آلية عمل النموذج الإداري المقترح
قبل إيضاح آلية عمل النموذج الإداري المقترح في ظل الخصخصة لا بد من إلقاء نظرة على آلية عمل النظام الإداري للاقتصاد الموجه.
نظرة في آلية عمل النظام الإداري للاقتصاد الموجه:
تعد إدارة الاقتصاد الموجه مجموعة من الأدوات التي تضعها الإدارة الاقتصادية المركزية لخلق الظروف التي من شأنها أن تستميل المؤسسات الاقتصادية وتطوع نشاطاتها لتنفيذ الأهداف المركزية في خطة التنمية القومية، أي أن الإدارة المركزية تقوم بمهمة وضع الخطة بالإضافة إلى تهيئة وتنظيم الظروف التي تؤمن تحقيق الأهداف المخططة مركزياً من قبل المؤسسات الاقتصادية العاملة.(1/15)
(إن معطيات تطور الفكر الإداري تشير إلى أن بناء النظام الإداري المركزي وأدواته المترافقة معه يتأثر بمستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ففي المراحل الأولى لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية- على افتراض أن نظام الاقتصاد الموجه هو الأسلوب المختار لتحقيق التنمية, وفي ظل الاقتصاد الإسلامي نفترض أن آليات عمل إدارة الاقتصاد موجهة بمحددات ومعايير الاقتصاد الإسلامي-) سيكون شكل النظام الإداري من النوع الذي يعتمد مركزية عالية في اتخاذ القرارات مستنداً في ذلك على الأوامر والتوجيهات المتشددة و لا يلتزم كثيراً بمبدأ الحساب الاقتصادي في توجيه التنمية(1). ولهذا المنهج والأسلوب مبرراته، فبالرغم من الحاجة الملحة والضغوط والآمال الموضوعة على دور العنصر الإنساني ورغباته، فإن الصعوبات التي تواجه عملية إزاحة التخلف الاقتصادي المتراكم تستدعي تنمية الأساس المادي والتخطيط الموجه إلى الوسائل التي تحقق عائداً أكبر في المدى البعيد دون النظر إلى النتائج القريبة(2).
__________
(1) 23-j.z majminas. Procesy planowania w gospodarcze naradowej- aspect informasyinj- Warsaw1974, P458.
(2) 24-W. Capan. Direct and indirect instruments of managemnet. Oeconomica polona1977 No3-4, Poland, Warsaw.(1/16)
إن الأسلوب المعتمد في إدارة المؤسسات الاقتصادية في مراحل التنمية الأولى يتضمن قيام الإدارة المركزية باتخاذ القرارات الأساسية المتعلقة بشكل مباشر بنشاطات المؤسسات الإنتاجية، مثل إنتاج سلعة معينة، مستوى الأجور.... الخ. إن هذا الأسلوب في تنفيذ خطة الإدارة المركزية يجعله في تناقض مع متطلبات الإدارة الرشيدة للاقتصاد الجزئي(1). وكلما توسعت الإدارة المركزية في تحديد تفصيلات الأهداف والأعمال للمستويات الدنيا ازدادت القيود المفروضة على حرية المؤسسات واستقلالها. في ظل هذه الظروف فإن المؤسسات لا تمتلك حرية الاختيار ولا تستطيع أن تكيف هياكل برامجها الإنتاجية وخططها التنموية لتتوافق مع الظروف المتغيرة.
إن النمو الاقتصادي والتغيرات النوعية في هيكله وتنوعه تتطلب تحديث النظام الإداري وتستدعي التوسع في نطاق استخدام الأدوات الاقتصادية، وذلك أن نمو الكفاءة الاقتصادية والاجتماعية للاقتصاد القومي كلاً وخاصة على مستوى الاقتصاد الجزئي يعتمد هذا الأسلوب، هذا بالإضافة إلى أن الأسلوب المركزي الأمري في تنفيذ أهداف خطة الإدارة المركزية يفرض قيوداً أخرى على عقلنة إدارة الاقتصاد الجزئي في مجالات أخرى من نشاط المؤسسات الاقتصادية، مثل الحوافز والميول والرغبات. حيث إن وضع نظام للحوافز يتطلب إيجاد علاقة متوازنة ما بين مستوى دخل العمال والموظفين من جهة ونتائج نشاط المؤسسة الاقتصادية من جهة أخرى(2)
__________
(1) 25-W. caban Direct and Indirect…Op. CIT, p114.
(2) 26-M. Nasilowski. The Political Economy of Socialism. Central School of Planning and Statistics Warsaw1982, P137.
27- Sadikowski and others. The Development Theory of Socialist Economy, 1974, P156- Warsaw.
(28)W. Nasilowski…op.cit, P40. SEE ALSO M.Nasilowski. ibid, P141.
29- O.Lange. Niektore zagadnienie centralizacji I decenntralizacji w zarzadzanu. Pracowania ogolnych problemow organizacji pracy PAN.Warsaw1962.
30- Z.Bablewski. Introduction to economic planning. Central school of planning and statistics, Warsaw1979, P2.
31- K.Piotrowski. Alternative tools in a decentralized system of planning and management. Oeceonomica polona1984, No1, P75- Warsaw.
32- M. Nasilowski… op. cit, p137.
33- M. Nasilowski… ibid, p145.
34- M. Nasilowski… ibid, p146.
35- M. Nasilowski… ibid, p145-147.
36- janusz Beksiak, U. Libura. Op.. cit, p136.(1/17)
.
ففي ظل هيمنة النظام الإداري المركزي على نشاطات المؤسسات الاقتصادية فإن النشاط الاقتصادي للمؤسسات الإنتاجية يعتمد اعتماداً واسعاً على قرارات قد اتخذت في المستويات الإدارية المركزية العليا.
وإن كفاءة المؤسسات تقوم على أساس تنفيذها لأهداف تفصيلية قد حددتها الإدارة المركزية سلفاً. فلذلك ليس من الممكن أو المعقول أن ننسب ونربط بطريقة مباشرة دخل العمال بنتائج نشاطهم الاقتصادي.
ولهذا السبب فإن هذا النظام غير قادر على خلق النزعة والميل لدى العمال لزيادة إنتاجيتهم، ومما تجدر الإشارة إليه هو أن كفاءة الاقتصاد الجزئي لا تستند إلى قدرة المؤسسات الإنتاجية في الاختيار (مشكلة الاستقلالية) ولا إلى الرغبة في صنع القرارات المستقلة الرشيدة - التي تؤمن ربط أجور العمال بنتائج نشاطهم- حسب ولكنها تستند إلى الظروف المهيأة مركزياً التي تمكن المؤسسة الاقتصادية في أن تتصرف برشد وعقلانية وكفاءة. هذه الحاجة تظهر عندما تكون قدرة نمو المؤسسات معتمدة على إنتاجيتها وعلى نتائج الصياغات التركيبية لقراراتها المتخذة.
وفي ضوء هذه التصورات فإننا سنناقش كلاً من النظام الإداري الذي يستخدم الأوامر المباشرة لتوجيه المؤسسات الاقتصادية- النظام الإداري المركزي- والنظام الإداري الذي يستخدم الأدوات الإدارية والاقتصادية غير المباشرة والذي يسمى بالنظام الإداري الباراميتري (اللامركزي)، وهذا الأخير هو النظام الإداري البديل المقترح. وفي هذا السياق ستعتبر المؤسسات المخصخصة بأنها مؤسسات قد حصلت على درجة عالية من اللامركزية، وقد صنفت في هذا الإطار كون البحث يفترضها تعمل في ظل اقتصاد موجه.
أولاً: النظام الإداري المركزي The Central System of Management
ا - طبيعة النظام الإداري المركزي في ظل الاقتصاد الموجه:(1/18)
يقصد بالنظام الإداري المركزي أن المخطط المركزي يحدد الأهداف مركزياً ويلزم المؤسسات الاقتصادية بأن تنتج- بأن تقوم بنشاطات إنتاجية- بالكم والنوع والكيف، ويحدد عوامل الإنتاج المستخدمة وأسعار السلع المنتجة وتحديد منافذ التوزيع، والجهات التي ستشتري السلع المنتجة.... الخ. في ظل هذا النظام إن القرارات المتخذة من قبل المخطط المركزي والتي تصدر بشكل خطط مركزية- تمثل أهداف الخطة المراد تحقيقها- تمر إلى المستويات الإدارية الدنيا من خلال نظام متطور للتوجيهات والأوامر (فيما يتعلق بالأهداف ووسائل تحقيقها) التي لها صفة الإلزام القانوني المطلق في التنفيذ(1) .
إن دور المؤسسات الإنتاجية في ظل هذا النظام محدد بعملية تنظيم العمليات الإنتاجية في ضوء التعليمات الصادرة من المستوى التنظيمي الأعلى. وعليه فلا أثر لآلية السوق في سلوك وتصرف المنظمة الاقتصادية في هذا المجال، حيث أن مستوى الأسعار السائد في السوق والأجور والفوائد لا دور لها في توجيه نشاط المؤسسات الاقتصادية . يتضح من ذلك أن الإدارة المركزية هي في الواقع إدارة أمرية Administration Orders تحدد الأهداف المطلقة لنشاطات المؤسسة وتتركها من غير حرية اختيار.فالمؤسسة الاقتصادية على سبيل المثال يجب أن تنتج عددا ًمقداره (س) من المنتج (ص)، وأن عدد العاملين المستخدمين في إنتاج هذه الكمية يجب أن يكون (ع) وأن الإنفاق على صيانة وتجديد وسائل الإنتاج يجب أن يكون (هـ)... الخ. ومن الجدير بالذكر أن الأوامر الإدارية في مجال الإنتاج (النشاط الإنتاجي) تأخذ صفة أهداف الخطة المتمثلة في توزيع عوامل الإنتاج على المؤسسات الإنتاجية. أما في مجال الاستهلاك فهي تتضمن عملية توزيع السلع على منافذ التوزيع المرغوبة مركزياً. وإذا كانت الإدارة المركزية إدارة أمرية في واقعها فهناك نوعان من الأوامر الإدارية في ظل الإدارة المركزية(27):(1/19)
- أوامر إدارية على هيئة تعليمات تفصيلية Items Orders.
- أوامر إدارية على هيئة توجيهات Directive Orders.
إن الأوامر الإدارية التي تصدر من الإدارة العليا من تلك التي على هيئة تعليمات متسلسلة هي أوامر خاصة ذات خصوصية تفصيلية تلزم المؤسسات بالعمل بموجب هذه التعليمات حرفياً ولا تترك لها حرية الاختيار أو حتى الحوار في مسيرة المؤسسة. أما أوامر النوع الثاني فإنها عبارة عن توجيهات للمؤسسة لها صفة الإلزام القانوني ولكنها تعطي مرونة متمثلة في التوجيهات الداعية إلى زيادة أو إنقاص عامل إنتاجي معين أو منتوج معين. إن هذا النوع من الأوامر يعطي مرونة معينة للمؤسسة فهي لا تقرر بشدة ما يجب أن يحقق من أهداف أو الطريقة التي يجب أن تنجز من خلالها هذه الأهداف. باستعمال هذه الطريقة كثيراً ما تحدد مديات مختلفة للأهداف بالزيادة أو النقصان من– إلى Maximization or) Minimization from – to) وهكذا فإن الأوامر الإدارية بنوعيها (التعليمات والتوجيهات) بطبيعتها أدوات متنوعة ومختلفة للإدارة المركزية وهذا يعني أن طبيعة استعمالها يعتمد على الظروف المحددة للحالة أو المحيطة بها.
ب- خصائص وديناميكية العمل في النظام الإداري المركزي:
بدءاً لا بد من الإشارة إلى أن خصائص النظام الإداري المركزي السلبية والإيجابية قد كُتب عنها الكثير وأصبحت بصورة عامة معروفة، غير أن ما يهمنا هنا هو عرض الخصائص التي لها علاقة مباشرة بديناميكية عمل هذا النظام حسب:(1/20)
- الخاصية الأولى: للنظام الإداري المركزي: تتمثل في تركز القرارات الاقتصادية في المستوى الإداري الأعلى وعليه فإن المستوى الإداري الأعلى لا يتخذ القرارات الرئيسية الخاصة بتوزيع الدخل بين الاستهلاك والاستثمار ومعدل نمو الدخل، وهيكل التجارة الخارجية وتوازن السوق وحسب وإنما يتخذ ويتدخل في معظم القرارات المتعلقة بتفصيلات الأداء اليومي للمؤسسات الإنتاجية. ونتيجة لذلك فإن المؤسسة لا تمتلك الحرية في اتخاذ القرار الاقتصادي المناسب والمتناسب مع الفرص المتاحة وينحصر دورها في تنظيم العمل وتنفيذ الواجبات اليومية في ضوء توجيهات وتعليمات إدارية تستلمها من المستوى الإداري الأعلى. ففي الوقت الذي تعد فيه المؤسسات الإنتاجية مصدراً للمعلومات الضرورية لوضع الخطة المركزية فإنها تستلم من الإدارة المركزية تعليمات وتوجيهات تفصيلية خاصة بحجم الإنتاج وهيكله ومعدل نمو إنتاجية العمل والتكاليف ومصادر التجهيز ونوعية المواد الأولية ونوع المكائن والمعدات التي يجب أن تستعمل والمشتريات من السلع الرأسمالية وتنظيم عمليات الإنتاج والصيانة المطلوبة وعمليات تحديث الإنتاج والنفقات الاستثمارية وهيكل القوى العاملة.
ففي ظل التبعية الكاملة هذه نلاحظ أن وسائل الإنتاج المتاحة في المستويات الإدارية الدنيا غير كفء؛ حيث إن كل مبادرة وكل عملية تطوير لا بد وأن تخضع لموافقة مبدئية من قبل الإدارة الاقتصادية المركزية.(1/21)
- الخاصية الثانية: أن المعيار الأساسي في تقويم كفاءة أداء الوحدة الاقتصادية في النظام الإداري المركزي هو تنفيذ الخطة من قبل إدارة الوحدة الاقتصادية، وفي كثير من الأحيان تعد قيمة الناتج الإجمالي للمؤسسة المعيار الأساسي لذلك التقويم فإذا ما تحققت قيمة الإنتاج الكلية المخططة للمؤسسة أو زادت عن المخطط فإنها ستكافئ على ذلك. وعليه فلكي تحقق المؤسسات القيمة التي التزمت بتحقيقها بموجب الخطة والتي تمثل حصتها من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي يجب تحقيقه فإنها قد تلجأ إلى إنتاج البضائع الغالية المنتجة من خلال استخدام مواد غالية الثمن (حيث ستقيم المؤسسة على أساس قيمة النتائج وليس على أساس القيمة المضافة) وبسبب ذلك فإن قيمة ناتج المؤسسة وربحيتها ستكون غير واقعية إذ أن هيكل الإنتاج يوضع على حساب الغلاء للمواد الأولية وكثافة العمل.مثل هذا الهيكل غير المناسب
لا يؤثر على هيكل وتكاليف الإنتاج حسب ولكن يؤثر على مجمل نظام التعاون بين المؤسسات وعرض السوق من تلك المواد المحدودة.(1/22)
إن محاولة تحقيق مستوى الإنتاج المحدد بموجب الخطة عند أي تكلفة حتى ولو كان على حساب النوعية والنفقة الإضافية والعمل الإضافي والاستهلاك في المعدات والهدر في المواد ستؤدي إلى الحالة التي سيكون عندها مستوى تنفيذ الخطة مختلفاً من مؤسسة إلى أخرى معتمداً في ذلك على حالة المؤسسة وقدرتها في عرض طلباتها ويعتمد أيضاً على التخصيصات المالية للمؤسسات المختلفة وعلى توزيع وسائل الإنتاج. ويعد هذا النوع من الأساليب في تنفيذ الخطة مفيداً لعملية توزيع وسائل الإنتاج المخطط لها وبالنتيجة فإن بعض فروع الاقتصاد- والمؤسسات- سيكون لها فائض واسع بينما تعاني الفروع الأخرى من النقص. وعليه فإن الاقتصاد سيعاني من التوتر وعدم التناسب(28) ونتيجة لحالة عدم التوازن في توزيع وتخصيص المواد المتاحة بالإضافة لاستخدام السماحات الاقتصادية والمكافآت المالية والمعنوية لتنفيذ الخطة فإن بعض المؤسسات تميل في كثير من الأحيان إلى تقديم معلومات غير دقيقة للإدارة المركزية فيما يتعلق بالطاقة المتاحة وتسعى إلى إخفاء الطاقة الحقيقية للمؤسسة. ولما كانت كميات الإنتاج المخططة مركزياً توضع على ضوء الطاقة المتاحة للمؤسسات فإن تلك المؤسسات التي نجحت في إخفاء طاقتها الإنتاجية الحقيقية ستكون في وضع مميز أفضل من غيرها لأنها ستكون مكلفة بواجبات أسهل من جانب وحاصلة على وسائل إنتاج أكثر مقارنة بأهدافها- لتحقيق أهدافها- من جانب آخر. وما يتصف به النظام الإداري المركزي هو أن دورة المعلومات من المستويات التنفيذية إلى الجهات المركزية وبالعكس (القرارات والتوجيهات) تكون طويلة وتأخذ وقتاً طويلاً، وكثير من المعلومات نتيجة لذلك تكون قديمة وغير مفيدة. فالتوجيهات غالباً ما تصل المستويات التنفيذية بشكل متأخر جداً وعليه ستكون عاجزة عن معالجة الموقف في تلك الحالة عندما تختلف الحالة في لحظة وصول القرارات أو التوجيهات عنها في لحظة تقديم المعلومات،(1/23)
وبالنتيجة ستفقد هذه القرارات أو التوجيهات الغايات التي صدرت من أجلها. في ظل مثل هذه الظروف فإن الإدارات الدنيا كثيراً ما تبلغ وتخاطب الإدارة العليا بخصوص بعض الحالات تهرباً من المسئولية في الوقت الذي تلتزم الصمت والسكوت المتعمد في بعض الحالات الأخرى نتيجة لليأس والقناعة المسبقة بعدم جدوى مفاتحة الإدارة العليا بالحالات المستجدة (1). وبسبب نقص البيانات الواقعية فإن الإدارة العليا في بعض الحالات غالباً ما تكون في موقع غير قادرة فيه على اتخاذ القرار الصحيح وعليه تحس بأنها مرغمة على قبول تخمينات ومقترحات المستويات الدنيا في أمور تعد مهمة على مستوى الاقتصاد القومي كلاً.
- الخاصية الثالثة: هو أن النظام المركزي قائم على أساس إهمال آلية السوق، حيث أن أدوات السعر والربح ونسبة الفائدة على القروض وتكاليف الإنتاج مهملة كلياً في اختيار نوع النشاط الاقتصادي وطريقة الإنتاج. فالتوجيهات والأوامر التي تصدر من الإدارة العليا مع الخطة المركزية هي التي تقرر مدى القدرة على استعمال تلك المصادر ووسائل الإنتاج وإمكانية إحلال وسائل الإنتاج مع بعضها. والنتيجة المنطقية المباشرة لإهمال مبادئ الربحية واستبعادها تمثل الفصل التام للمؤسسة عن السوق وعن التأثير الفعال في هيكل الإنتاج ونوعه (نوع النشاط الاقتصادي). ففي الحالة التي توجه فيها الإدارة المركزية المؤسسات الإنتاجية لإنتاج منتوج معين فإنها لا تكون في مركز يؤهلها لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل الخاصة بالهيكل العام للإنتاج.إن المؤسسات التي يدار نشاطها داخلياً من قبل الإدارة المركزية العليا وبالتالي إهمالها لتغيرات السوق- لا تكون لها سوى فرصة ضعيفة في التكيف لمتطلبات السوق، وسيؤدي هذا بالنتيجة إلى أن تنتج المؤسسات تشكيلة من المنتجات لا تتلاءم مع رغبات السوق في كثير من الأحيان.(1/24)
في كثير من الدول التي طبقت المركزية أسلوباً لإدارة الاقتصاد في المراحل الأولى للتنمية عدت الإدارة المركزية تفصيلات ورغبات المستهلكين وهيكل الطلب عاملاً ثانوياً. وبالنتيجة عن ارتفاع دخل الفرد (نتيجة للتنمية) وعدم كفاية عرض السلع الاستهلاكية تجعل المنتج على ثقة بأن السلع البسيطة الواطئة الجودة ستكون مقبولة من قبل السوق ومن ثم فالمستهلك سيجد نفسه ضمن حالة إجبار في اختيار السلعة المعروضة وهذا ما يوضع ضمن حالة مخاطرة المستهلك، وبالنتيجة فإن النظام الإداري المركزي يؤدي في كثير من الأحيان إلى إيجاد حالة عدم استقرار وإن كثيراً من المؤسسات ستواجه الفشل في تحقيق أهدافها أو تحقيق النظام الاقتصادي المنشود للبلد.
ثانياً: النظام الإداري الباراميتري (اللامركزي) كنموذج إداري بديل مقترح:(1/25)
إن أي نظام إداري للاقتصاد يتجاهل آلية السوق سيجد نفسه آجلاً أو عاجلاً بعيداً عن العقلانية والرشد، وذلك أن تخطيط وإدارة الاقتصاد من غير أخذ السوق بنظر الاعتبار غير ممكن من الناحية الفنية طالما لا توجد آلية أخرى ممكن أن تقدم البيانات والمعلومات الكافية والكفء لتوجيه الاقتصاد في البلد. فآلية السوق تعد عنصراً مهماً في توجيه الاقتصاد ولذلك نرى دائماً ولاعتبارات تنظيمية داخلية Self Regulation خاصة بالإنتاج في بعض فروع الاقتصاد التي تركز عليها الإدارة المركزية، إن آلية السوق حاسمة وعندها سيكون التخطيط المركزي أكثر عقلانية وعمليات التأقلم تكون سريعة ومرنة، ومن ثم تتمكن آلية السوق الكفوءة من التعرف على حاجات وتفضيلات المستهلكين وإعطاء الصورة الواضحة عن ذلك المخطط.ولهذا إن على المركز أن يحرك مبادئ وعوامل السوق- من خلال الأدوات الاقتصادية كالسعر، نسبة الأرباح والمساعدات والإعفاءات والضرائب- بالطريقة التي تؤمن حالة التوازن. وبذلك تتمكن الإدارة المركزية من خلق وتهيئة الظروف الخارجية المناسبة للمؤسسات الإنتاجية العاملة خارج هيكل الإدارة المركزية التي تساعدها في تحقيق الأهداف المركزية من خلال نشاطاتها المختارة بحرية في ضوء تلك الظروف.
لقد أثبتت نظرية إدارة الاقتصاد من مسار تطورها أن النظام الإداري اللامركزي المستند إلى استعمال معايير القيمة والأدوات الاقتصادية سجل تقدماً على المركزية وخصوصاً على النظام الإداري الأمري المباشر، وعليه فإن الانتقال من تطبيق النظام الإداري المركزي إلى النظام الإداري اللامركزي يمثل مرحلة ضرورية في مسار تطور نظرية آلية إدارة الاقتصاد الوطني(1).
1- طبيعة النظام الإداري الباراميتري:(1/26)
في ظل هذا النظام أن أهداف الخطة القومية لا تأخذ الصيغ الأمرية عند إصدارها ولا عند تنفيذها من قبل المؤسسات التي تعمل ضمن الهيكل التنظيمي للدولة وتتمتع باللامركزية الإدارية أو المؤسسات المخصخصة التي تعمل في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، ذلك أن هذه المؤسسات غير ملزمة بتنفيذ أهداف الخطة إلا في ضوء ما تراه متناسباً مع إمكانياتها وأهدافها. ولا يستخدم أي مقياس أو ضغط إداري لإجبار الوحدة الاقتصادية على أن تتطابق وتستجيب مع أهداف الخطة المركزية، ولا يعني هذا أن في ظل هذا النظام تفقد الإدارة المركزية سيطرتها على توجيه النشاط الاقتصادي كماً ونوعاً في الوحدات الاقتصادية. إذ لو حصل ذلك لخرج الأمر عن نطاق مفهوم النظام الاقتصادي الموجه. فهناك آلية اقتصادية تربط الإدارة المركزية بالوحدات الاقتصادية المنفذة في المستويات الدنيا، هذه الآلية تتم من خلال استخدام الإدارة المركزية لنظام الحوافز- المساعدات والإعفاءات- كي تستميل الوحدة الاقتصادية لتتوافق في أهدافها بصورة طوعية مع أهداف الخطة المركزية. ويجب أن تهيئ هذه الآلية الظروف التي تجعل الوحدة الاقتصادية تتحسن تلقائياً. إن المنافع والامتيازات التي تعود على الاقتصاد الوطني هي أيضاً منافع وامتيازات للوحدة الاقتصادية والعاملين فيها(1).(1/27)
إن الإدارة المركزية العليا في ظل هذه الآلية الاقتصادية توجه الإدارات التنفيذية من خلال مجموعة من الأدوات والمحددات الاقتصادية Economic Parameters مثل الضرائب ،مستوى الأجور، الإعفاءات، المساعدات وتسهيلات استيراد المواد الأولية أو تسهيلات التصدير ومن خلال هذه المحددات تستطيع الإدارة العليا أن توجه المؤسسات الاقتصادية طوعياً إلى اختيار نوع النشاط الاقتصادي الذي يحقق بالنتيجة أهداف الخطة التنموية وتستميلها في إنتاج التشكيلة السلعية والخدمية المطلوبة بالكم والنوع، ولهذا يسمى هذا النظام بالنظام الإداري الباراميتري أو نظام الإدارة بالمحددات Parametric System of Management.إن آلية عمل المؤسسات الاقتصادية في ظل الاقتصاد الإسلامي تستمد هذه المحددات من قواعد وتعاليم الشرع.
2- ديناميكية العمل في ظل النموذج الإداري الباراميتري:
إن النظام الاقتصادي في ظل هذا النموذج يُدار من خلال استخدام الإدارة لمجموعة من الأدوات الاقتصادية والثوابت المشار إليها Management through Parameters. فالدولة- السلطات الاقتصادية المركزية في ظل هذا النظام تحفز المؤسسات المستقلة لتحقيق أهداف الخطة النوعية عن طريق استخدام الأدوات والآلية الاقتصادية Economic Instrument and Mechanism . فالأسعار والأجور وأقساط التأمين والضرائب ونسبة الأرباح والقروض وسماحات النقل ليست سوى أدوات ومحددات (باراميترات Parameters) اقتصادية تستخدم من قبل الإدارة المركزية لتطويع نشاطات المؤسسات كي تتوافق أهدافها مع الأهداف المركزية.(1/28)
إن الباراميتر هو في الواقع قيمة اقتصادية توضع من قبل الإدارة المركزية والوحدة الاقتصادية، تستخدم هذه القيمة في حساباتها الاقتصادية لاختيار أفضل نشاط وأفضل مشروع حسب دون أن تكون ملزمة بالأخذ بهذا المحدد. وهنا يجب التمييز بين الباراميتر الواقعي True Parameter، والباراميتر غير الواقعيFalse Parameter . فالباراميتر الواقعي هو ذلك المعيار أو الثابت الذي يعكس الندرة لمختلف عوامل الإنتاج معبر عنها بالعرض والطلب عليها. ويوضح العلاقة بين عوامل الإنتاج الأساسية (التقليدية) والتكميلية وكذلك الظروف المحيطة بالبضاعة وسوقها. وهذا الباراميتر يعطي وزن حقيقي لمختلف عوامل الإنتاج ويوضح أو يعكس أهميتها الحقيقية في مرحلة النمو الاقتصادي المعينة، فإذا لم يحدد الباراميتر ويوضح من خلال اتباع الأسلوب العلمي في التحليل الاقتصادي وإذا لم يعكس الندرة الحقيقية للسلع وظروف الإنتاج والسوق فإنه سيوصف بأنه باراميتر فاشل وضعيف ولا يعكس الصورة الحقيقية لواقع ظروف الإنتاج والسوق. مثل هذه الباراميترات تنشأ من خلال التصرف والقرار الاعتباطي للسلطة الإدارية المركزية وغالباً ماتعكس وجهة نظرها فقط. من هذا نستنتج أنه لكي يكون نظام الإدارة الباراميتري كفء وفعال ولكي تتمكن الإدارة المركزية من استخدام الأدوات الاقتصادية لقيادة وتوجيه الوحدات الاقتصادية- اللامركزية أو المخصخصة- بكفاءة وبشكل يتلاءم مع أهداف الخطة الاقتصادية والاجتماعية والقومية يفترض أن تكون الباراميترات واقعية وتعكس بشكل صحيح ودقيق ندرة عوامل الإنتاج وتوازن السوق(1). وعندما يترك للمؤسسة حريتها في اختيار نشاطها الاقتصادي وأسلوب تنفيذ برامجها الإنتاجية فإن الأدوات الباراميترية الإدارية تؤدي دوراً هاماً في قيادة المؤسسة وجرها لاتخاذ قرارات اقتصادية تنسجم مع أهداف الخطة الاقتصادية القومية. وللحصول على الخيارات الاقتصادية المناسبة فإن المؤسسات تستخدم(1/29)
عادة الحساب الاقتصادي ذلك أن هدفها تحقيق أعلى عائد ممكن. ولهذه المؤسسات القدرة والمرونة كي تختار من بين مجموعة من البدائل المتمثلة في (ماذا تنتج، وكيف تنتج، وأين تنتج، ومتى تنتج) وهذا الخيار يحدد في ضوء الظروف الفنية والتنظيمية ومنها القوى العاملة في المؤسسة من جهة وبقواعد التوجيه Rules of Conduct الموضوعة من قبل الإدارة المركزية من جهة أخرى .فالباراميتر الحقيقي والواقعي يوضح لكل الوحدات الاقتصادية وبشكل دقيق أي من عوامل الإنتاج وبأي نسبة يفترض أن يستخدم في الإنتاج لتقليل المدخلات. وبعد أن تقوم المؤسسة بتقدير تكاليف الإنتاج فإنها ستختار الحلول والبدائل التي تؤدي إلى تضخيم المردود العام لنشاطها الاقتصادي.
وإذا ما أحست الإدارة المركزية (إدارة الدولة) في لحظة معينة بأن النشاطات المختارة- من قبل المؤسسات المخصخصة أو التي تتبع النظام الإداري اللامركزي- وأساليب وطرق الإنتاج المستخدمة أصبحت غير مرغوبة (في الكم والكيف والتوقيت) في ضوء تطورات الاقتصاد الحديث فإنها تلجأ إلى تعديل وتحدث الباراميتر الموجود (السائد). هذا التحديث يتم عن طريق التحليل الاقتصادي الشامل لعوامل التنمية في المرحلة الراهنة. على ضوء هذا التعديل فإن المؤسسات تنزع إلى اللجوء إلى خيارات وحلول فنية واقتصادية أخرى.ولكي تنفذ الإدارة المركزية الأهداف الموجودة من وراء تعديل الباراميتر، وتستجيب المؤسسات الاقتصادية للسياسة المركزية المطلوبة،فإنها يجب أن تستخدم الوسائل التي تجعل المؤسسات الاقتصادية تدرك بأن الباراميترات الجديدة مرتبطة ومتناسبة مع الاتجاه العام لنشاطها الاقتصادي. قوة الاستمالة هذه Persuasion تعتمد بالطبع على كفاءة نظام الحوافز المادية المستخدمة مع عملية إدخال الباراميترات الجديدة. هذه الحوافز يجب أن تنبع من الأهداف الموضوعية للمؤسسات الاقتصادية وتجاربها.(1/30)
وهنا قد يتساءل المرء عن شروط وظروف تطبيق النظام الإداري الباراميتري؟. أول ما يتطلبه هذا النظام هو جهازاً إدارياً كفءً ومدراء أكفاء في كافة المستويات ونظام عمل كفء وأهداف واضحة. إذ يفترض بالجهاز الإداري أن يتصف بالإمكانيات التي لا تؤهله إلى فهم مبادئ آلية هذا النظام وحسب وإنما تؤهله لأن يكون قادراً على الاستخدام الكفء للوسائل والأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرجوة من تطبيقه، ولهذا ينبغي للإدارة المركزية المستخدمة في المراحل الأولى لعمليات التنمية أن تعمل على تهيئة هذا الجهاز وأدواته كي تسهل عملية الانتقال إلى اللامركزية الإدارية أو التخصيص في المرحلة اللاحقة. في ظل هذا النظام الإداري الباراميتري تكون الحدود بين متخذي القرارات ومنفذيها واضحة ومميزة؛ وذلك لأن كل وحدة اقتصادية في أي مستوى من المستويات ستتخذ قرارها الخاص في ضوء إمكانياتها ووضعها التنافسي، وهي مسئولة ذاتياً عن نتائج قراراتها. وهنا تختلف الإدارة المركزية عن الإدارة في ظل هذا النموذج فالقرارات في ظل النظام الإداري المركزي ليس من الضروري أن ترتبط بالمسؤوليات. وعلى الأغلب تتحمل المسؤوليات التنفيذية مسئولية قرارات المستويات الإدارية الأعلى.
ولكي يكون في ميسورنا صياغة النظام الإداري الباراميتري وتطبيقه يجب أن يتسم النظام الاقتصادي بدرجة من النضج وأن تكون التنمية متجانسة والعلوم الاقتصادية متقدمة، وعليه قد لا يتناسب النظام الإداري الباراميتري مع الاستراتيجية الهادفة إلى تعجيل عمليات النمو بطرق استثنائية. فعندما تكون عمليات التنمية ملحة والأجهزة الاقتصادية غير ناضجة والاقتصاد مغلفاً يكون من الصعوبة وضع باراميتر واقعي دقيق وكفء ولهذا يطبق هذا النظام في ظل الاقتصاد الذي تخطى هذه المرحلة ونضج(1).
العوامل المتحكمة في خصائص النموذج الإداري البديل:(1/31)
في البدء لا بد من التنويه إلى أن المعيار الذي يجب أن يستخدم في اختيار النظام الإداري يجب أن يستند دائماً إلى أساس كفاءة النظام في الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وليس على أساس التمسك بأطر أيدلوجية معينة.
إن اختيار النظام الإداري البديل يتطلب تحديد معيار الاختيار Criteria of Choice، ثم التفكير في طرق أحداث التغيير في النظام الإداري، ويمكن تبيان معياران أساسيان في اختيار النظام الإداري هما(1) :
1- إمكانيات تطبيق النظام The Possibilities of its Application.
2- كفاءة آلية النظام Instrumental Efficiency of the System.
تعتمد إمكانية التطبيق نموذج إداري معين على:
1- الحالة الواقعية للبلد المعني. 2- على المعرفة المتعلقة بتطور واستخدام الأدوات الإدارية. 3- وعلى الإمكانيات الفنية والتنظيمية المتاحة الكامنةPotential في الاقتصاد. 4- وعلى مستوى الوعي الاجتماعي. 5- وعلى الهيكل العام للنظم الاقتصادية والاجتماعية.
وهناك شروط كفاءة تفصيلية في النظام الإداري المختار إذا ما أريد له أن يقود النشاطات الاقتصادية بكفاءة يمكن حصرها في النقاط الثلاث الآتية:
ا) يجب أن يكون النموذج الإداري المختار انتقائياً، أي يجب أن يختار اختياراً دقيقاً بحيث يكون قادراً على ترتيب وتنظيم الأحداث الاقتصادية وتنظيمها بأعلى درجة من الدقة والتفصيل.
ب) النموذج الإداري يجب أن يؤمن التحفيز للعمليات الإبداعية، أي يجب أن يكون من النوع القادر على تنبيه Score المؤسسة الاقتصادية لاستخدام إمكانياتها وطاقاتها الإنتاجية الكامنة وفي الوقت نفسه أن يكون لديه رد الفعل السريع للتغيرات الحاصلة في الحالة الاقتصادية .(1/32)
جـ) النموذج الإداري يجب أن يتصف بقدرته في التأثير المستقر المتوازن، أي يجب أن يكون لديه القدرة على تأمين التوازن بين الكميات الاقتصادية وبين عمليات كل المؤسسات المشاركة في العمليات الإنتاجية. وحالة الاستقرار هذه لا تعني بأن الإنتاج ثابت لا يتغير وإنما تعني أن التغيرات التي تظهر فيه تكون منتظمة Consistent ومتناسقة بحيث يحافظ على حالة التوازن.
الخلاصة والنتائج:
مما ورد في البحث يمكن استخلاص النتائج التالية:
1- إن واقع التنمية في الدول النامية جعلها في حاجة إلى إعادة التغيير والإصلاح الاقتصادي الذي يقوم على ما يسمى تحرير الاقتصاد والاعتماد على آليات السوق أي التحول نحو الخصخصة، وكان ذلك مدعاة لطرح أكثر من سيناريو للخصخصة وأسلوب إدارتها بحيث أضحت الخصخصة أهم ظاهرة اقتصادية في بداية الألفية الثالثة باعتبارها وسيلة رئيسية للنمو.ولكن رغم تطبيقاتها على مدار عقود إلا أن آلية التنفيذ التي يمكن أن توصل الخصخصة إلى أهدافها بقيت إلى الآن دون الطموح، لذا فإن الباحث يوصي باستخدام النظام الإداري الباراميتري كنموذج إداري لإدارة النشاط الاقتصادي في المؤسسات المخصخصة باعتباره يؤمن للمؤسسة الاقتصادية حرية الاختيار لنشاطها الاقتصادي وطريقة الأداء من جهة ويؤمن تناسب أهدافها ونشاطها مع الأهداف الاستراتيجية للتنمية في البلد المعني من جهة أخرى.(1/33)
2- يُنظر إلى الخصخصة من قبل البعض على أنها مجرد إعادة ملكية القطاع العام إلى الأفراد، وتعني لدى آخرين بأنها مجرد العودة إلى العمل بآليات السوق دون إعادة الاعتبار للقطاع الخاص. إن التخصيص بهذا الأسلوب يفقد المغزى منه لأن الخصخصة عملية شاملة، فالقطاع الخاص كان موجوداً في كلا المنهجين الاشتراكي والرأسمالي ولهذا فالعودة إلى مجرد تنشيط للقطاع الخاص في إطار سيطرة أفكار كهذه لا تعطي لعملية التخصيص معناها ولا تساعد على تحقيق أهدافها. إن نقل الملكية هو محور أساسي في عملية الخصخصة إلا أنه لا يمثل إلا مرحلة واحدة من مراحل عمليات الخصخصة. ولكي تتم هذه العملية بنجاح يجب أن تستجيب البنى القائمة إلى متطلباتها كما يجب أن تتمتع العناصر الاقتصادية بالديناميكية والقدرة على التفاعل معها. فالخصخصة لا تمثل غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات، ولتحقيق هذه الغايات يجب أن تستند سياسة الخصخصة إلى مقومات وركائز اقتصادية وإدارية ومؤسسية وتشريعية تمكن من تكيفها بما يناسب ظروف الواقع الذي تطبق فيه. عليه فإن الخصخصة يفترض أن تفهم في إطار "تحرير الاقتصاد من العوائق التي تؤثر على حركة عوامل الإنتاج" تقليص دور النشاط الاقتصادي العام، العمل بآليات اقتصاد السوق مع إعادة النظر في القوانين والتشريعات وصياغتها بشكل يساعد على تحرير النشاط الاقتصادي من الظواهر المعيقة".(1/34)
3- تبين أن بناء النظام الإداري للاقتصاد الوطني وطبيعته وإدارته وأدواته المترافقة معه يتأثر بمستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.ففي المراحل الأولى لعملية التنمية فإن شكل النظام الإداري سيكون من النوع الذي يعتمد على مركزية عالية في اتخاذ القرارات معتمداً على الأوامر الإدارية والتوجيهات المتشددة التي تحدد للمؤسسات تفاصيل عملها اليومي.وتلزم المؤسسات في أن تقوم بنشاطات بالكم والنوع والكيف، وأن دور المؤسسات الإنتاجية في ظل هذا النظام محدد بعملية تنظيم العمليات الإنتاجية على ضوء التعليمات الصادرة من المستوى الأعلى، فلا أثر لآلية السوق على تصرف المؤسسات الاقتصادية.
4- إن هذا الأسلوب في إدارة الاقتصاد يكون في تناقض مع متطلبات الإدارة الرشيدة للاقتصاد الجزئي، حيث أن إهمال آلية السوق يعني الفصل التام للمؤسسة عن السوق وعن تأثيره الفعال على طبيعة النشاط الاقتصادي ونوعه. فالمؤسسات التي توجه نشاطاتها مباشرة من قبل الإدارة المركزية العليا سيكون لديها فرصة قليلة في تأقلم نفسها لمتطلبات السوق، وهذا بالنتيجة يؤدي بالمؤسسة إلى أن تنتج تشكيلة من المنتجات لا تتلائم مع حاجات السوق في كثير من الأحيان. عليه فإن على الإدارة المركزية أن تحرك مبادئ وعوامل السوق من خلال الأدوات الاقتصادية المركزية كالسعر والمساعدات والإعفاءات والضرائب... الخ بالشكل الذي يؤمن حالة التوازن لصالح الأهداف المركزية المنشودة ويهيئ الظروف الخارجية المناسبة للمؤسسات الاقتصادية.(1/35)
5- إن تجربة آلية السوق الكاملة وما آلت إليه من هدر في استخدام الموارد المتاحة مادية وبشرية- مع استثناءات- وتجربة الإدارة المركزية وما آلت إليه من كبح للمبادرات وعد كفاءة الوحدات الاقتصادية التي تعطي أرضية صلبة لوضع نظام إداري باراميتري معتمد على مجموعة من المعايير والأدوات الاقتصادية المناسبة التي تمكن من منح الحرية للمؤسسات لزيادة كفاءتها وتحدد الظروف التي تجعل تلك المؤسسات تسير في فلك تلك الأهداف المركزية من خلال نشاطاتها المختارة بحرية وعلى ضوء الحساب الاقتصادي المهيأة قواعده وأسسه من قبل المركز.(1/36)
6- في ظل النظام الإداري الباراميتري، فإن أهداف الخطة القومية لا تأخذ الصيغة الأمرية عند إصدارها ولا عند تنفيذها من قبل المؤسسات الإنتاجية، حيث أن المؤسسات غير ملزمة بتنفيذ أهداف الخطة إلا على قدر ما تراه مناسباً مع إمكانياتها وأهدافها. إلا أن هذا لا يعني بأن الإدارة المركزية تفقد سيطرتها في توجيه نشاطات المؤسسات الاقتصادية، حيث هناك آلية اقتصادية تربط الإدارة المركزية بالوحدات الاقتصادية المنفذة في المستويات الدنيا. فالإدارة المركزية في ظل هذه الآلية الاقتصادية توجه الإدارة التنفيذية الدنيا من خلال مجموعة من الأدوات والمحددات الاقتصادية التي تمثل حوافز تساعد في تهيئة الظروف الخارجية المناسبة التي تجعل المؤسسات الاقتصادية تتماشى طوعياً في أنشطتها الاقتصادية المختارة مع تحقيق الأهداف المركزية.إن هذه الأدوات الاقتصادية- باراميترات- ما هي إلا قيم اقتصادية تحدد بواسطة المركز وإن الوحدة الاقتصادية تستخدم هذه القيم في حساباتها الاقتصادية لاختيار أفضل نشاط أو أفضل مشروع. وهناك باراميتر واقعي وآخر غير واقعي، فالبارميتر الواقعي هو ذلك المعيار أو الثابت الذي يعكس الندرة لمختلف عوامل الإنتاج ويعكس الظروف المحيطة بالسلعة وسوقها ويعطي وزن حقيقي لمختلف عوامل الإنتاج، ويوضح أهميتها الحقيقية في مرحلة النمو الاقتصادي. إن الباراميتر إذا لم يحدد ويوضع من خلال اتباع الأسلوب العلمي في التحليل الاقتصادي وإذا لم يعكس الندرة الحقيقية للسلع وظروف الإنتاج والسوق فإنه يوصف بأنه باراميتر فاشل وضعيف ولا يعكس الصورة الحقيقية لواقع وظروف الإنتاج والسوق، وانه سيمثل وجهة نظر الإدارة المركزية لا غير. إن لدى المؤسسات الاقتصادية القدرة والمرونة كي تختار من بين مجموعة من البدائل المتمثلة في (ماذا تنتج وكيف تنتج وأين تنتج ومتى تنتج).وهذا الخيار يحدد على ضوء الظروف الفنية والتنظيمية للمؤسسات. وإذا ما أحست(1/37)
الإدارة المركزية في لحظة معينة بان النشاطات المختارة وأساليب وطرق الإنتاج المستخدمة أصبحت غير مرغوبة (في الكم والتوقيت) على ضوء تطورات الاقتصاد الحديث فإنها تلجأ إلى تعديل وتحديث الباراميتر الموجود، وهذا التحديث يتم عن طريق التحليل الاقتصادي الشامل لعوامل الإنتاج في المرحلة الراهنة. وعلى ضوء هذا التعديل فإن المؤسسات تنزع إلى اللجوء إلى حلول وخيارات فنية واقتصادية أخرى.
7- أن تطبيق النظام الإداري الباراميتري يتطلب جهازاً إدارياً متطوراً ومدراء أكفاء. وعليه لكي يمكن صياغة وتطبيق النظام الإداري الباراميتري يجب أن يتسم النظام الاقتصادي بدرجة من النضوج وأن تكون التنمية متجانسة والعلوم الاقتصادية متقدمة. وعليه فإن هذا النظام قد لا يتناسب مع الاستراتيجية الهادفة إلى تعجيل عمليات النمو بطرق استثنائية، حيث عندما تكون عمليات التنمية ملحة والأجهزة الاقتصادية غير ناضجة والاقتصاد مغلق فإنه من الصعوبة وضع باراميتر واقعي دقيق وكفء ،ولهذا فهو يطبق لإدارة الاقتصاد الذي تخطى هذه المرحلة ونضج.
وعليه فإن الباحث يرى بأن هذا النموذج- نظام الإدارة الباراميتري- يتناسب مع متطلبات إدارة التنمية في هذه المرحلة التي شاع فيها الاتجاه نحو الخصخصة كأسلوب للتنمية. نموذجاً مناسباً لرفع كفاءة أداء المنشآت المخصخصة وتطويع أهدافها بما يتماشى مع الأهداف العامة لاستراتيجية التنمية.(1/38)