والله أسأل أن يجعل عملي خالصًا لوجهه، موافقًا لمرضاته، نافعًا لعباده، إنه قريب مجيب.
المبحث الأول
أقسام بيع الدين بالدين (1)
المطلب الأول
بيع الواجب بالواجب
القسم الأول: بيع الواجب بالواجب:
وهو بيع دين مؤجل لم يقبض بدين مؤجل آخر لم يقبض، أو بيع الدين المؤخر الذي لم يقبض بالدين المؤخر الذي لم يقبض.
فكلاهما مؤخر مؤجل، لم يقبض أحدهما، أو يسقط(2).
"مثل أن يسلم شيئًا مؤخرًا في الذمة في شيء في الذمة"(3) وهو محرم بالإجماع(4) وهو بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه(5)، بحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ"(6).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذا مثل أن يسلف إليه شيئًا مؤجلاً في شيء مؤجل، فهذا الذي لا يجوز بالإجماع، .. والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب، كالسلف المؤجل من الطرفين"(7).
وقال رحمه الله: "لا يجوز باتفاقهم، لأنه كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة حصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع،فهذا يكون أحدهما قد أكل مال الآخر بالباطل إذا قال أسلمت إليك مائة درهم إلى سنة في وسق حنطة، ولم يعطه شيئًا، فإن هذه المعاملة ليس فيها منفعة، بل مضرة، هذا يطلب هذا بالدراهم، ولم ينتفع واحد منهما، بل أكل مال الآخر بالباطل من غير نفع نفعه به(8).
وقال رحمه الله: "والمقصود من العقود: القبض، فهذا عقد لم يحصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة"(9).
وقال رحمه الله: "إنه عقد وإيجاب على النفوس بلا حصول مقصود لأحد الطرفين، ولا لهما"(10).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "إنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بلا فائدة"(11). وقال -رحمه الله-:"وفيه ذريعة إلى تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تأجيله، وهذه مفسدة ربا النساء بعينها"(12).
المطلب الثاني
بيع الساقط بالساقط
القسم الثاني: بيع الساقط بالساقط:
وهو: بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في الذمة يسقط" (13) مثل أن يكون لأحدهما عند الآخر، وللآخر عند الأول دراهم، فيبيع هذا بهذا"(14).
وهو ما يعرف بمسألة المقاصة(15).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذا بيع دين ساقط بدين ساقط، ومذهب أبي حنيفة(16)، ومالك(17)، جوازه"(18).
وقال رحمه الله: "والأظهر جواز هذا، لأنه برئت ذمة كل منهما، فهو خلاف ما يشغل ذمة كل منهما.." (19).
وقال رحمه الله: "إن هذا يقتضي تفريغ كل واحدة من الذمتين، ولهذا كان هذا جائزًا في أظهر قولي العلماء كمذهب مالك، وأبي حنيفة"(20).
وقال رحمه الله: "إن براءة ذمة كل منهما منفعة له"(21) . وقال ابن القيم -رحمه الله- معللاً للجواز:
"لأن ذمتهما تبرأ من أسرها، وبراءة الذمة مطلوب لهما وللشارع"(22).
واختار الجواز -كذلك- العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي(23)، وتلميذه العلامة الشيخ محمد بن عثيمين(24)، رحمهما الله.
أما المذهب: فلا يجوز ذلك، لأنه بيع دين بدين(25).
ويجاب عن ذلك بأن بيع الدين بالدين المنهي عنه هو بيع الواجب بالواجب، لاشتغال الذمتين فيه بغير منفعة -كما تقدم- "بخلاف بيع الساقط بالساقط، فإن براءة ذمة كل منهما منفعة له"(26).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لفظ النهي عن بيع الدين بالدين لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف..، قال أحمد: لم يصح فيه حديث، ولكن هو إجماع، وهذا مثل أن يسلف إليه شيئًا مؤجلاً في شيء مؤجل، فهذا الذي لا يجوز بالإجماع، وإذا كان العمدة في هذا هو الإجماع، والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب، كالسلف المؤجل من الطرفين، فهذه الصورة -وهي بيع ما هو ثابت في الذمة ليسقط بما هو في الذمة- ليس في تحريمه نص ولا إجماع ولا قياس، فإن كلاً منهما اشترى ما في ذمته، وهو مقبوض له بما في ذمة الآخر، فهو كما لو كان لكل منها عند الآخر وديعة، فاشتراها بوديعته عند الآخر، وهنا حصلت بالبيع براءة كل منهما، وهي ضد ما يحصل ببيع الدين الواجب بالدين الواجب"(27).
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "اشتهر أنه نهي عن بيع الدين بالدين، لكن هذا اللفظ لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الدين المطلق هو المؤخر، فيكون هو بيع الكالئ بالكالئ"(28).
وقال -رحمه الله-: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن بيع الدين بالدين، ولكن روي "إنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" مع ضعف الحديث، لكن بيع المؤخر بالمؤخر لا يجوز باتفاقهم"(29).
وقال -رحمه الله-: "وكونه يشمله لفظ بيع دين، ولو كان هذا لفظ صاحب الشرع لم يتناول هذا، فإنه إنما يراد بذلك إذا جعل على هذا دين بدين يجعل على هذا، وهذا لم يبق على هذا دين ولا على هذا دين فأي محذور في هذا؟ بل هذا خير من أن يؤمر كل واحد منهما بإعطاء ما عليه، ثم استيفاء ما له على الآخر، فإن في هذا ضررًا على هذا وعلى هذا، وتضييع ما لهما لو كان معهما ما يوفيان، فكيف إذا لم يكن معهما ذلك؟ ينزه الشرع عن تحريمه فإن الشارع حكيم لا يحرم ما ينفع ولا يضر"(30).
المطلب الثالث
بيع الساقط بالواجب
القسم الثالث: بيع الساقط بالواجب:
هو بيع دين ثابت يسقط ويجب ثمنه(31).
كمن باع مائة صاع من البر ثابتة له في ذمة شخص بمائتي ريال(32).
وهذا جائز على الصحيح، سواء كان الدين المبيع دين سلم، أو رأس مال السلم -بعد فسخ العقد- أو غيرهما، وسواء باعه على من هو عليه، أو غيره، لكن بشروط -كما سيأتي- لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره، ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد(33)، وقال ابن عباس، ولكن بقدر القيمة فقط، لئلا يربح فيما لم يضمن"(34).
ومن المناسب هنا الكلام عن هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: الدين الذي يجوز بيعه.
يجوز بيع كل دين مستقر -من ثمن مبيع، وأجرة استوفي نفعها، أو فرغت مدتها، وقرض، ومهر بعد الدخول، وجعل بعد عمل، وديةٍ، وأرش، وقيمة متلف، -إلا دين السلم "المسلم فيه" على المذهب(35).
وقد نص الإمام أحمد في رواية: على جواز بيعه كذلك.
واختار شيخ الإسلام(36) وتلميذه العلامة ابن القيم(37)، والعلامة ابن سعدي(38)، وتلميذه ابن عثيمين(39)، لكن بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذه الرواية أكثر في نصوص أحمد، وهي أشبه بأصوله"(40).
وقال -رحمه الله-: "وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد، وذلك لأن دين السلم مبيع"(41).
وقال رحمه الله: "وهو مذهب مالك، وقد نص أحمد، على هذا في غير موضع، وجعل دين السلم كغيره من المبيعات"(42).
وقال رحمه الله: "وهو قول ابن عباس، ولا يعرف له في الصحابة مخالف، وذلك لأن دين السلم دين ثابت، فجاز الاعتياض عنه كبدل القرض، وكالثمن في المبيع، ولأنه أحد العوضين في البيع فجاز الاعتياض عنه، كالعوض الآخر"(43).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وهو اختيار القاضي أبي يعلى، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب الشافعي، وهو الصحيح، فإن هذا عوض مستقر في الذمة، فجازت المعاوضة عليه، كسائر الديون، من القرض وغيره"(44).
فإن قيل: ما الجواب عن حديث: "من أسلف في شيء، فلا يصرفه إلى غيره"(45).
فالجواب عنه من وجهين:(5/124)
الأول: أن الحديث ضعيف(46).
الثاني: أن المراد به أن لا يصرف المسلم فيه إلى مسلم فيه آخر، لأنه بهذا سوف يتضمن الربح فيما لم يضمن(47).
فإن لم يتضمن الربح فجائز، على الصحيح(48) كما سيأتي في القسم الرابع.
فإن قيل: إن بيع دين السلم "المسلم فيه" بيع لما لم يقبض، والبيع قبل القبض منهي عنه(49). فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أن النهي إنما كان في الأعيان لا في الديون"(50).
بدليل ما ثبت عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه قال للرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء"(51).
"فهذا بيع للثمن ممن هو في ذمته قبل قبضه، فما الفرق بينه وبين الاعتياض عن دين السلم بغيره"(52).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:
"إن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه هو في الطعام المعين، وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملكٍ له، فلا يقاس هذا بهذا، فإن البيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه، وهنا لم يملك شيئًا، بل سقط الدين من ذمته وهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: وفاه حقه، بخلاف ما لو باعه دراهم معينة، فإنه بيع"(53).
وقال ابن القيم –رحمه الله-:
"وأما نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- عن بيع الطعام قبل قبضه فهذا إنما هو في المعين، أو المتعلق به حق التوفية من كيل أو وزن، فإنه لا يجوز بيعه قبل قبضه، وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملكٍ له فلا يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمة، فإنه إذا أخذ منه عن دين السلم عرضًا أو غيره أسقط ما في ذمته، فكان كالمستوفي في دينه لأن بدله يقوم مقامه، ولا يدخل هذا في بيع الكالئ بالكالئ بحال، والبيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه، وهذا لم يملكه شيئًا، بل سقط الدين من ذمته، ولهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: وفاه حقه، بخلاف ما لو باعه دراهم يسمى بيعًا، وفي الدين إذا وفاها بجنسها لم يكن بيعًا فكذلك إذا وفاها بغير جنسها لم يكن بيعًا، بل هو إيفاء فيه معنى المعاوضة"(54).
الثاني: أن النهي عن بيع المبيع قبل قبضه مختص بما إذا باعه على غير بائعه، أما إذا باعه على بائعه فجائز(55).
فإن قيل: ما الجواب عن قول الموفق ابن قدامة –رحمه الله-: "وأما بيع المسلم فيه قبل قبضه فما نعلم في تحريمه خلافًا.." (56).
فالجواب: "أنه قال بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه، وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد، وذلك لأن دين السلم مبيع"(57).
ومثله –على الصحيح- رأس مال السلم- أي بعد فسخ عقد السلم –يصح بيعه(58)، وهو أحد الوجهين في المذهب(59)، والوجه الثاني: لا يصح، وهو المذهب(60).
المسألة الثانية: بيع الدين لغير من هو عليه:
المذهب: لا يجوز بيعه لغير من هو عليه(61) لأنه غير قادر على تسليمه، أشبه بيع الآبق(62).
وقد نص الإمام أحمد في رواية على جواز بيعه لغير من هو عليه(63)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(64).
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
"مذهب مالك يجوز بيعه من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه"(65).
وقال رحمه الله: "بيع الدين ممن هو عليه جائز...، وعند مالك يجوز بيعه ممن ليس هو عليه، وهو رواية عن أحمد"(66) .
وقال رحمه الله: "تنازع العلماء في بيع الدين على الغير، وفيه عن أحمد روايتان، وإن كان المشهور عند أصحابه منعه"(67).
وقال رحمه الله:
"وهذا –يعني عدم التمكن من التسليم- حجة من منع بيع الدين ممن ليس عليه، قال: لأنه غرر ليس بمقبوض، ومن جوّزه قال: بيعه كالحوالة عليه، وكبيع المودع، والمعار، فإنه مقبوض حكمًا، ولهذا جوّزنا بيع الثمار"(68).(69)
وقال ابن القيم –رحمه الله-: "نص أحمد على جواز بيع الدين لمن هو في ذمته ولغيره، وإن كان أكثر أصحابنا لا يحكمون عنه جوازه لغير من هو في ذمته، فقد نص عليه في مواضع، حكاه شيخنا أبو العباس بن تيمية –رحمه الله-(70).
وقد رجَّح محمد –رحمه الله-: "وعن أحمد رواية ثانية بجواز بيعه لغير من هو عليه، لكن بشروط:
قال الشيخ محمد –رحمه الله-: "وعن أحمد رواية ثانية بجواز بيعه لغير من هو عليه(71) اختارها الشيخ تقي الدين(72)، قلت: وهو الصواب بشرط أن يكون من عليه الدين غنيًا باذلاً، وأن لا يبيعه بما لا يباع به نسيئة"(73).
وقال رحمه الله: "ولا يجوز لغير من هو عليه، وعنه: بلى، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، وهو الصواب، لكن بقدر القيمة، كما تقدم لئلا يربح فيما لم يضمن، هكذا اشترط(74)، وهو صحيح، وينبغي أن يزاد شرط آخر، وهو القدرة على أخذه من الغريم، وإلا لم يصح، لأن من الشروط القدرة على تسليم المبيع.." (75). وقال – رحمه الله-: (إذا باع ديناً في ذمة مقرٍ(76) على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز؛ لأنه لا دليل على منعه، والأصل حل البيع) (77).
لأنه إذا باع ديناً بهذه الصفة، فلن يكون ثمة غرر ولا مخاطرة –حينئذ- كبيع المغصوب على قادر على أخذه(78) وبيع الآبق على قادر على رده(79).
فإن قيل: ما الحكم إذا تعذر أخذ الدين في المدين؟
فالجواب: أن للمشتري الفسخ- حينئذ- قياساً على بيع المغصوب على قادر على أخذه(80) فإنه إذا تعذر أخذه فللمشتري الفسخ، على المذهب(81).
فإن قيل: فهل يجوز بيع دين مؤجل على الغير بدين مؤجل آخر؟(82).
فالجواب: لا، لا يجوز ذلك بالاتفاق(83)، سواء باعه على من هو عليه، أو على الغير(84)، لاشتغال الذمتين فيه بغير فائدة – كما تقدم في المطلب الأول-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (لا يجوز باتفاقهم – يعني بيع الواجب بالواجب- لأن كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة وصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع) (85).
وقال –رحمه الله-: (المقصود من العقود القبض، فهو – يعني بيع الواجب بالواجب- عقد لم يصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة) (86).
وقال –رحمه الله-: (ففيه – يعني بيع الواجب بالواجب- شغل ذمة كل واحد منهما بالعقود التي هي وسائل إلى القبض، وهو المقصود بالعقد) (87).
المطلب الرابع
القسم الرابع: بيع الواجب بالساقط
وهو: إسقاط دين ثابت في ذمة شخص، وجعله ثمناً (رأس مال سلم) لموصوف في الذمة (مسلم فيه) مؤجلٍ معلومٍ(88)(89).
قال ابن القيم –رحمه الله-: (كما لو أسلم إليه في كُرِّ – مكيال لأهل العراق- حنطة بعشرة دراهم في ذمته، فقد وجب له عليه دين وسقط عنه دين غيره) (90).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم –رحمه الله-: (بأن يكون لزيد على عمرو دراهم مثلاً فيجعلها رأس مال سلم في طعام ونحوه) (91).(5/125)
وهذا جائز -أيضاً- على الصحيح، لكن بشروط – كما سيأتي – لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين.
قال ابن القيم –رحمه الله-: (وقد حكي الإجماع(92) على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله شيخنا(93)، شيخ الإسلام ابن تيمية واختار جوازه(94)، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ- بيع الواجب بالواجب- فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة) (95).
ثم قال رحمه الله: (وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته، والآخر يحصل على الربح- وذلك في بيع العين بالدين- جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها بها ابتداء إما بقرض أو بمعاوضة فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ، وإن كان بيع دين بدين فلم ينهه الشارع عن ذلك لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز(96).
وقال رحمه الله: (لا إجماع معلوم في المسألة، وإن كان قد حكي، فإن المانع من جوازها رأى أنها من باب بيع الدين بالدين، والمجوز له يقول: ليس عن الشرع نص عام في المنع من بيع الدين بالدين، وغاية ما ورد فيه حديث، وفيه ما فيه (أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ(97)، والكالئ المؤخر، فهذا هو الممنوع منه بالاتفاق؛ لأنه يتضمن شغل الذمتين بغير مصلحة لهما، وأما إذا كان الدين في ذمة المسلم إليه فاشترى به شيئاً في ذمته فقد سقط الدين من ذمته، وخلفه دين آخر واجب، فهذا كبيع الساقط بالواجب، فيجوز كما يجوز بيع الساقط بالساقط في باب المقاصة(98).
وقد اشترط شيخ الإسلام ابن تيمية(99)، وتلميذه العلامة ابن القيم(100) – رحمهما الله- لجواز مثل ذلك: ألا يربح فيه، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
أما المذهب: فلا يجوز ذلك – وقد حكي إجماعاً(101) – لأنه بيع دين بدين(102) ويجاب عن ذلك بما تقدم من أن بيع الدين بالدين المحرم هو بيع الواجب بالواجب لاشتغال الذمتين فيه بغير منفعة، أما هنا في بيع الواجب بالساقط فقد أفرغها من دين وشغلها بغيره، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، ولا إجماع في المسألة، ولا نص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام، ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض، فهذا لا يجوز بالاتفاق) (103).
وقال رحمه الله: (فهذا الذي لا يجوز بالإجماع، والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب، كالسلف المؤجل من الطرفين(104).
قال ابن القيم –رحمه الله-: (فهذا هو الممنوع بالاتفاق؛ لأنه يتضمن شغل الذمتين بغير مصلحة لهما، وأما إذا كان الدين في ذمة المسلم إليه فاشترى به شيئاً في ذمته فقد سقط الدين من ذمته وخلفه دين آخر واجب، فهذا كبيع الساقط بالواجب(105).
فإن قيل: إن هذا سوف يتخذ حيلة على قلب الدين المحرم(106).
فالجواب: إن جواز ذلك مشروط بألا يربح فيه – كما تقدم- وبهذا يزول هذا الإشكال. فإن قيل: إن لشيخ الإسلام(107)، وتلميذه ابن القيم –رحمهما الله- كلاماً قد يشكل على اختيارهما في هذه المسألة(108)، وهو قولهما: لا يجوز أن يجعل المسلم فيه (دين السلم)- سلماً وثمناً لمسلم فيه آخر.
فالجواب عن ذلك من وجهين: الأول: أنهما ذكرا ذلك بناء على التسليم بصحة حديث: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره(109)".(110)
الثاني: أنهما لا يجيزان ذلك إذا كان سيربح فيه، أما إذا لم يربح فيه فلا بأس به عندهما(111)(112).
وقد سألت الشيخ الفقيه العلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله- عن هذه المسألة، وهي: إسقاط الدين الثابت في ذمة شخص وجعله ثمناً لموصوف في الذمة مؤجل معلوم.
وقرأت عليه كلام العلامة ابن القيم – في الإعلام (2/9)- الذي رجح فيه جواز ذلك، وذكر أنه اختيار شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم قلت: ما رأيكم في ذلك؟ هل هو جائز؟
فقال الشيخ- رحمه الله-: نعم، هذا جائز، وليس فيه شيء، لكن بشرط ألا يربح فيه، وبشرط آخر ألا يبيعه بما لا يباع به نسيئة. ا.هـ.
فقلت: لقد باعه بمؤجل، ألا يشترط أن يكون حالاً؟
فال الشيخ –رحمه الله-:لا، لا يشترط؛ لأن الثمن قد قبض. ا.هـ.
فقلت: لقد قلتم –حفظكم الله- في الفرائد صـ 161-: (الخامس: ألا يبيعه بمؤجل فإن باعه بمؤجل فحرام باطل؛ لأنه بيع دين بدين).
فقال الشيخ-رحمه الله-: (إن المحذور في ذلك أن يؤجل من أجل أن يربح فيه، أما إذا لم يربح فلا بأس، ما دام الثمن قد قبض. ا.هـ.
فقلت: وقلتم أيضاً في الفرائد: (لأنه يتخذ حيلة على قلب الدين المحرم)، وقلتم أيضاً في مختارات من الإعلام صـ 39-: (وفيه محذور، وهو التحيل على قلب الدين كما هو ظاهر) فقال الشيخ –رحمه الله-: هذا إذا ربح فيه، أما إذا لم يربح، وأخذه بسعر يومه فلا بأس. ا.هـ، يوم الأحد 23/6/1420هـ.
ثم راجعته في المسألة مرة أخرى وقرأت عليه كلامه السابق الموجود في الفرائد، والمختارات مرة أخرى فأكد لي جواز ذلك بالشرطين السابقين.
فقلت له: إن لشيخ الإسلام، وتلميذه العلامة ابن القيم –رحمهما الله- كلاماً قد يشكل على اختيارهما في هذه المسألة، وهو قولهما: إنه لا يجوز أن يجعل المسلم فيه ثمناً لمسلم فيه آخر- وقد تقدم ذلك قريباً-.
فقال الشيخ –رحمه الله- هذا إذا كان سيربح فيه، أما إذا لم يربح، فلا بأس به عندهما ا.هـ، يوم الأربعاء 26/6/1420هـ.
فإن قيل: فإذا ارتفع سعر المسلم فيه عند حول أجله ارتفاعاً معتاداً، فهل يؤثر ذلك على صحة العقد؟
فالجواب: لا، لا يؤثر؛ لكون العقد قد وقع صحيحاً؛ لخلوه من الربح في الدين المبيع (المسلم فيه).
لكن يبقى أن يقال: هل يلزم المسلم أن يدفع للمسلم إليه القدر الزائد الذي طرأ في السعر؟
فالجواب: أن ذلك محل نظر، فقد يقال بذلك، لئلا يربح فيما لم يضمن، وقد يقال بعدمه – يعني أنه لا يلزمه ذلك- لأنه لم يشترط ذلك، ولم يكن له يدٌ فيه؛ وإنما هو رزق ساقه الله –تعالى- إليه، بسبب ارتفاع الأسعار المعتاد. والله أعلم.
المبحث الثاني
شروط جواز بيع الدين
يشترط لجواز بيع الدين – وهو تلخيص لما معنى- ما يلي:
الشرط الأول: "أن يكون معلوماً"(113) فإن كان مجهولاً لم يصح، إلا على سبيل المصالحة(114).
الشرط: أن يباع بسعر يومه (ألا يربح فيه). وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها.." (115)، ولأنه إذا باعه بأكثر من سعر يومه ربح فيه، وقد نهى صلى الله عليه وسلم- عن ربح ما لم يُضمن(116)، أي نهى عن الربح في شيء لم يدخل في ضمان البائع، والدين في ضمان من هو في ذمته، (في ضمان المدين)، ولم يدخل بعد في ضمان من هو له (في ضمان الدائن) حتى يجوز له الربح فيه. (117) قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: (فلم يجوِّز بيع الدين ممن هو عليه بربح، فإنه ربح فيما لم يضمن، فإنه لم يقبض، ولم يصر في ضمانه، والربح إنما يكون للتاجر الذي نفع الناس بتجارته، فأخذ الربح بإزاء نفعه، فلم يأكل أموال الناس بالباطل) (118).
ثم قال رحمه الله: (فإذا كان له دين وباعه من المدين بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل، إذا كان لم يضمن الدين ولم يعمل فيه عملاً) (119).(5/126)
وقال رحمه الله: (فلا يربح حتى يصير في حوزته، ويعمل فيها عملاً من أعمال التجارة: إما بنقلها إلى مكان آخر، الذي يشتري في بلد ويبيع في آخر، وإما حبسها إلى وقت آخر، وأقل ما يكون قبضها، فإن القبض عمل، وأما مجرد التخلية في المنقول فليس فيها عمل) (120).
فإن قيل: فهل يجوز بيعه بأقل من سعر يومه؟ فالجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأنه لم يربح فيه، بل زاد المدين خيراً، وأبرأه من بعض حقه(121).
فإن قيل: ما الجواب عن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها.." (122).
فالجواب: أن المفهوم لا عموم له، بل يصدق بصورة واحدة مخالفة(123). والصورة المخالفة هنا هي إذا باعه بأكثر من سعر يومه، فهذا لا يجوز؛ لأنه يدخل في ربح ما لم يضمنه(124).
الشرط الثالث: أن يقبض عوضه في مجلس العقد، إن باعه بما لا يباع به نسيئة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في أخذ الدراهم عن الدنانير والعكس: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء"(125).
أما إن باعه بما يباع به نسيئة فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يبيعه بمعين، كقوله: بعتك ما في ذمتك بهذا الثوب. فحينئذ لا يشترط القبض في المجلس – بلا إشكال- وهو المذهب(126).
الثانية: أن يبيعه بغير معين بموصوف في الذمة حال، كقوله: بعتك ما في ذمتك بثوب صفته كذا وكذا، فحينئذ يشترط القبض على المذهب(127)، "لئلا يصير بيع دين بدين"(128). والصحيح أنه لا يشترط القبض هنا أيضاً.
واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(129)، وتلميذه العلامة ابن القيم،(130)(131) والعلامة الشيخ محمد بن عثيمين(132) –رحمة الله على الجميع- لعدم جريان ربا النسيئة بينهما(133)، وقد تقدم الجواب عن دليل المذهب.
الشرط الرابع: ألا يباع بمؤجل، إن كان مؤجلاً باقياً على تأجيله، لم يُسقط؛ لأن بيعه بمؤجل إن كان مؤجلاً باقياً على تأجيله لم يسقط هو بيع الواجب بالواجب، المنهي عنه بالاتفاق كما تقدم- أما إن كان مؤجلاً فأسقطه، واعتاض عنه بمؤجل فجائز على الصحيح.
الشرط الخامس: أن يكون الدين مستقراً.
فإن كان غير مستقر- كدين الكتابة، وصداق قبل الدخول والخلوة، وجعل قبل عمل، وأجرة قبل فراغ المدة، أو قبل استيفاء نفعها لم يصح بيعه(134)، لعدم تمام الملك، ولأنه قد يستقر وقد لا يستقر(135).
ويشترط على المذهب – إضافة إلى ما سبق- ما يلي:
1) ألا يباع لغير من هو عليه.
والصحيح أن ذلك لا يشترط –كما تقدم- وأنه يجوز بيعه للغير بالشروط المتقدمة، وبشروط ثلاثة أيضاً هي: أن يكون الدين ثابتاً ببينة أو إقرار، وأن يكون المشتري قادراً على استخراجه من المدين، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
2) ألا يبيعه بمؤجل.
والصحيح أن ذلك لا يشترط، إلا إن كان الدين الذي في ذمة المدين مؤجلاً باقياً على تأجيله لم يسقط.
3) ألا يكون دين سلم (مسلم فيه)، والصحيح أن ذلك لا يشترط، وقد تقدم ذلك.
4) ألا يكون رأس مال سلم (ثمن المسلم فيه)، وذلك بأن يفسخ عقد السلم، فيقوم المسلم ببيع رأس ماله على المسلم إليه، فلا يصح على المذهب – كما تقدم- والصحيح صحته، وعدم اشتراط هذا الشرط، وقد تقدم ذلك أيضاً في آخر المسألة الأولى من المطلب الثالث.
5) ألا يكون ثمناً لمبيع، ثم يعتاض عنه بما لا يباع بالمبيع نسيئة.
مثل أن يكون الدين ثمناً لبر فيعتاض عنه بشعير، أو غيره مما يشارك البر في علة الربا، فلا يصح ذلك لئلا تتخذ ذريعة إلى الربا، وحيلة عليه، وهذا هو المذهب(136). والصحيح أن ذلك جائز، إذا لم يكن حيلة مقصودة.
واختاره موفق الدين بن قدامة(137)، وشرف الدين بن قاضي الجبل(138) والعلامة ابن القيم(139) والعلامة ابن سعدي(140).
وقد توسط شيخ الإسلام ابن تيمية بين القولين، فجوزه لحاجة(141) وتبعه على ذلك العلامة الشيخ محمد بن عثيمين(142) رحمة الله على الجميع.
قال ابن القيم –رحمه الله- عن هذه المسألة: (فيها قولان أحدهما: المنع، وهو المأثور عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس، وهو مذهب مالك وإسحاق.
والثاني: الجواز، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وابن المنذر، وبه قال جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وهو اختيار صاحب المغني وشيخنا(143) والأول اختيار عامة الأصحاب، والصحيح الجواز) (144).
وإلى هنا انتهى ما أردنا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
لمزيد من الاطلاع حول الموضوع:
* عقد الكالئ بالكالئ: تدليلاً وتعليلاً
(1) الدين: ما ثبت من المال في الذمة، معجم لغة الفقهاء ص. 189.
(2) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/512, 29/472 ، والعقود ص235، وتفسير آيات أشكلت 22/638، 665، وإعلام الموقعين 2/8، وإغاثة اللهفان 1/364.
(3) تفسير آيات أشكلت 2/655.
(4) انظر المغني 6/106، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/512، 29/472، والعقود ص 235، وتفسير آيات أشكلت 2/637، 665، إعلام الموقعين 2/8، 3/340.
(5) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/512، 29/472، 30/264، والعقود ص235، وتفسير آيات أشكلت 2/637، 665، وأعلام الموقعين 2/8، وإغاثة اللهفان 11/364.
(6) أخرجه الدار قطني في سننه 3/71-72، والحاكم في مستدركه 2/65-66، والبيهقي في السنن الكبرى 5/290، وقد تفرد به موسى بن عبيدة الربذي، قال الإمام أحمد: لا تحل الرواية عنه، ولا أعرف هذا عن غيره، وقال أيضًا ليس في هذا حديث يصح. أ.هـ من التلخيص 3/62، والمغني 6/106، والعقود ص 235، وقال الشافعي: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث. أ.هـ من التلخيص 3/62، وقد ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية في العقود ص 235، وفي تفسير آيات 2/638، 665، وابن حجر في البلوغ 2/25، حيث قال: "رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف" وضعفه الألباني في الإرواء 5/220.
(7) العقود ص 235.
(8) تفسير آيات أشكلت 2/665 بتصرف يسير.
(9) العقود ص 235.
(10) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 30/264 بتصرف يسير جدًا.
(11) إعلام الموقعين 2/9.
(12) إغاثة اللهفان 1/364، بتصرف يسير جدًا.
(13) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/472.
(14) العقود ص235.
(15) انظر إعلام الموقعين 2/9، وتهذيب السنن 9/262، والإنصاف 12/105-106.
(16) انظر الهداية 3/84.
(17) انظر بداية المجتهد 2/200.
(18) العقود ص 235.
(19) تفسير آيات 2/639.
(20) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/472 بتصرف يسير جدًا.
(21) تفسير آيات 2/665.
(22) إعلام الموقعين 2/9 بتصرف يسير.
(23) انظر الإرشاد ص 100.
(24) انظر حاشيته على الروض 1/519، والشرح الممتع 8/447.
(25) تفسير آيات أشكلت 2/665.
(26) العقود ص 235.
(27) العقود ص 235.
(28) تفسير آيات أشكلت 2/639.
(29) المصدر السابق 2/665.
(30) المصدر السابق 2/640.
(31) انظر إعلام الموقعين 2/9، والإنصاف 12/105-106.
(32) انظر إعلام الموقعين 2/9، والشرح الممتع 8/433.
(33) انظر الفروع 4/186، والإنصاف 12/292، 296، 297، 299.
(34) انظر الأخبار العلمية ص 193.
(35) انظر المغني 6/415، والفروع 4/186، والإنصاف 10/292، 296، 297، المبدع 4/1199، والكشاف ومتنه 3/1553، والمنتهى 22/390-391.
(36) انظر الأخبار العلمية ص 193، ومجموع فتاوى 29/503-506، 519، والفروع 4/186، والإنصاف 12/292.
(37) انظر إعلام الموقعين 2/9، وتهذيب السنن 9/260.
(38) انظر المختارات الجليلة ص 149، والإرشاد ص 100، والفتاوى السعدية ص 249، ص25، ص 521.
(39) انظر حاشيته على الروض 1/517، 538 –540، والمنتقى من فرائد الفوائد ص161، والشرح الممتع 8/432.
(40) مجموع فتاوى 29/505.(5/127)
(41) المصدر السابق 29/506.
(42) المصدر السابق 29/503.
(43) المصدر السابق 29/519.
(44) تهذيب السنن 9/260.
(45) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع باب السلف لا يحوّل، برقم (3468)، 3/480، وابن ماجه، في كتاب التجارات باب من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره برقم (2283)، 2/766، وفي سنده عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف، ضعفه أحمد وغيره، قال ابن حجر –في التلخيص 3/60 : "وهو ضعيف، وأعله أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق وابن القطان بالضعف والاضطرار" أ.هـ. وضعّف الحديث كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/517، 519، وابن القيم في تهذيب السنن 9/257، والألباني في الإرواء 5/215.
(46) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/517، 519، وتهذيب السنن 9/257، 261، والتلخيص الحبير 3/60، والإرواء 5/215.
(47) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/517، 519، وتهذيب السنن 9/257، 261.
(48) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 20/512، 29/516، وتفسير آيات أشكلت 2/638، وتهذيب السنن 9/291، وإعلام الموقعين.
(49) انظر المغني 6/415، وشرح الزركشي 4/17-18، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/519، وتهذيب السنن 9/256، 258.
(50) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/519.
(51) أخرجه أحمد في المسند 7/50، 264، 266، أبو داود في كتاب البيوع باب في اقتضاء الذهب من الورق، برقم (3354)، 3/442، والترمذي في أبواب البيوع، باب ما جاء في الصرف، 4/370، تحفة ، والنسائي في الصغرى، في البيوع، باب بيع الفضة بالذهب...، 7/324-325، السيوطي، وابن ماجه في كتاب التجارات باب اقتضاء الذهب من الذهب..، برقم (2262) و 2/760، وصححه الحاكم في مستدركه 2/50، ووافقه الذهبي وصححه كذلك النووي في المجموع 9/108-109، وأحمد شاكر في تحقيقه للمسند 7/175، فقد أخرج النسائي في الصغرى 7/325، عن ابن عمر –رضي الله عنهما- "أنه كان لا يرى بأسًا يعني في قبض الدراهم من الدنانير، والدنانير من الدراهم".
(52) تهذيب السنن 9/257.
(53) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/512 بتصرف يسير.
(54) تهذيب السنن 9/257-258.
(55) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/505، 512-514، 517، والأخبار العلمية ص 187-188، والفروع 4/186، وتهذيب السنن 9/258، 282.
(56) المغني 6/415.
(57) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 29/506.
(58) انظر الأخبار العلمية ص 193، والفتاوى السعدية ص 249-251، والمنتقى من فرائد الفوائد ص161.
(59) انظر الإنصاف 12/292-293، 296-298.
(60) انظر الفروع 4/186-187، والإنصاف 12/292، 298، والكشاف ومتنه 3/1554.
(61) انظر الفروع 4/185-186، والإنصاف 12/299، والكشاف ومتنه 3/1555.
(62) انظر الكشاف 3/1555.
(63) انظر الفروع 4/185-186، والإنصاف 12/299.
(64) انظر المصدرين السابقين، والأخبار العلمية ص 193، وتهذيب السنن 9/257، والمنتقى من فرائد الفوائد ص 160.
(65) مجموع الفتاوى 29/506.
(66) المصدر السابق 29/401.
(67) مجموع الفتاوى 30/265.
(68) قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 29/508 "يجوز في أصح الروايتين عن أحمد للمشتري أن يبيع هذا الثمر، مع أنه من ضمان البائع" أ.هـ.
(69) مجموع الفتاوى 29/403.
(70) تهذيب السنن 9/257.
(71) انظر الفروع 4/185-186، والإنصاف 12/299.
(72) انظر المصدرين السابقين والأخبار العلمية ص 193.
(73) المنتقى من فرائد الفوائد ص 1160.
(74) انظر المصادر السابقة.
(75) حاشيته على الروض 1/539.
(76) ومثل ذلك إذا ثبت ببينة.
(77) الشرح الممتع (8/436).
(78) المذهب: صحة بيعه على قادر على أخذه. انظر الفروع (4/21)، والإنصاف (11/89-90) والمنتهى (2/261)، والروض ومتنه (11/461)، والشرح الممتع (8/162).
(79) الصواب: صحة بيعه على قادر على رده، واختاره الموفق في الكافي (3/20)، وصاحب الشرح فيه (11/ 89. 93-94)، وقدمه ابن مفلح في الفروع (4/21)، وقال اختاره الشيخ – يعني ابن قدامة- وغيره، وذكره القاضي في موضع (و هـ م) يعني وفاقاً لأبي حنيفة ومالك) ا.هـ وصوبه المرداوي في الإنصاف (11/89/94)، وانظر الشرح الممتع (8/59).
(80) انظر المنتقى من فرائد الفوائد ص 160.
(81) انظر الفروع (4/21)، والإنصاف (11/90. 94)، والمنتهى (2/261).
(82) مثل أن يكون لزيد في ذمة عمر سيارة مؤجلة إلى سنة، فيبيعها زيد على بكر بمائة ألف مؤجلة إلى سنتين، مع بقاء الدينين مؤجلين.
(83) انظر المغني (6/106)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (20/512. 29. 472)، والعقود (ص 235)، وتفسير آيات أشكلت (2/637. 665)، وإعلام الموقعين (2/8)، وإغاثة اللهفان (1/364).
(84) تنبيه: قد يظن البعض أن شيخ الإسلام –رحمه الله- يجيز هذه الصورة وهي بيع الدين المؤجل بالدين المؤجل، إذا كان ذلك على الغير؛ لأنه يجيز بيع الدين على الغير، وهذا من الخطأ عليه –رحمه الله- لأنه وإن أجاز بيعه على الغير فلا يلزم أن يجيز هذه الصورة (بيعه على الغير وهو مؤجل بدين مؤجل آخر) بل مقتضى كلامه- المتقدم في المطلب الأول- عدم جواز هذه الصورة، وجواز ما سقط فيه أحد الدينين، أو كلاهما. انظر العقود (ص235)، وتفسير آيات أشكلت (2/637.639. 665)، إعلام الموقعين (2/9).
(85) تفسير آيات أشكلت (2/665).
(86) العقود (ص 235).
(87) مجموع الفتاوى (29/472).
(88) فإن قيل: ما الفرق بينه وبين القسم الثالث؟
فالجواب: أن الفرق إنما هو من حيث تقدم الثمن والمثمن في القسمين، وتأخرهما، وإلا فالحكم واحد على الصحيح – كما سيأتي- ففي القسم الثالث: المتقدم والساقط هو المثمن، والمتأخر والواجب هو الثمن (عقد البيع المعروف تماماً)، وفي القسم الرابع: المتقدم والساقط هو الثمن، والمتأخر والواجب هو المثمن (عقد السلم المعروف تماماً).
(89) انظر إعلام الموقعين (2/9)، والمغني (6/410)، والشرح (12/281)، والإنصاف (12/105)، والكشاف (3/1512، 1551، 1554، وحاشية ابن قاسم على الروض (4/523. 5/26).
(90) إعلام الموقعين (2/9).
(91) حاشيته على الروض (5/26).
(92) قال موفق الدين ابن قدامة – رحمه الله- (إذا كان له في ذمة رجل دينار فجعله سلماً في طعام إلى أجل لم يصح، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم، منهم مالك، والأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، والشافعي) ا.هـ المغني (6/410)، وذكره صاحب الشرح الكبير فيه (12/281).
(93) قال شيخ الإسلام – رحمه الله- (بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام، ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض، فهذا لا يجوز بالاتفاق). فتاواه (20/512).
(94) انظر مجموع فتاواه (20/512. 29. 472. 264)، والعقود ص 235 وتفسير آيات أشكلت (2/638. 639. 640. 665.
(95) إعلام الموقعين (2/9).
(96) إعلام الموقعين (2/9).
(97) تقدم تخريجه هامش (6).
(98) إعلام الموقعين (3/340) بتصرف يسير جداً.
(99) انظر مجموع فتاواه (29/503. 510. 519)، وتفسير آيات أشكلت (2/659-662. 639).
(100) انظر تهذيب السنن (9/257. 259. 261).
(101) انظر المغني (6/410)، والشرح الكبير (122/281)، وحاشية ابن قاسم (4/522).
(102) انظر الفروع (4/186-187)، والإنصاف (12/298)، والمنتهى (2/356. 388. 3911)، والكشاف ومتنه (3/1512. 1551. والروض (1. 516)-517. 540).
(103) مجموع فتاواه (20/512).
(104) العقود (ص235).
(105) إعلام الموقعين (3/340) بتصرف يسير جداً.(5/128)
(106) انظر حاشية ابن قاسم (4/523)، ومختارات من إعلام الموقعين (ص 39)، والمنتقى من فرائد الفوائد (ص 161).
(107) انظر مجموع فتاواه (29/517. 519).
(108) انظر تهذيب السنن (9/57. 261).
(109) سبق تخريجه هامش رقم (45).
(110) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (29/519)، وتهذيب السنن (9/257. 261).
(111) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (20/512. 29/472. 510. 511. 516.) وتفسير (2/638-639-640-665)، وإعلام الموقعين (2/8-9. 3/340)، وتهذيب السنن (9/261) وحاشية الشيخ محمد بن عثيمين على الروض (1/517)، والشرح الممتع (8/434).
(112) وقاله لي الشيخ العلامة محمد بن عثيمين يوم الأربعاء 26/6/1420هـ وذلك عندما سألته عن هذه المسألة (بيع الواجب بالساقط)، وقرأت عليه كلامه فيها في المنتقى من فرائد الفوائد (ص 161)، ومختارات من إعلام الموقعين (ص39)، وكلام ابن القيم في إعلام الموقعين (2/9).
(113) انظر المغني (6/411)، والشرح والإنصاف (12/233، 282-283).
(114) المنتقى من فرائد الفوائد (ص 160).
(115) تقدم تخريجه هامش (51).
(116) أخرجه أحمد في المسند (110/120)، وأبو داود، في كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم (3504)، (3/495)، والترمذي، في أبواب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عنده، وقال عنه: "حسن صحيح" (4/3611) تحفة، والنسائي، في البيوع، باب سلف وبيع (7/340)، سيوطي، وابن ماجة، في كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عنده، وعن ربح ما لم يُضمن، برقم (2188) (2/737-738)، والحاكم في المستدرك (2/21)، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه كذلك أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (10/120)، والألباني في الإرواء (5/147)، 148)، وفي صحيح سنن أبي داود (2/669).
(117) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (29/510-511. 519، وتفسير آيات أشكلت (2/659-662)، وتهذيب السنن (9/259. 2611)، والشرح الممتع (8/222. 375- 376. 433. 435).
(118) تفسير آيات أشكلت (2/659).
(119) المصدر السابق (2/660).
(120) تفسير آيات أشكلت (2/656).
(121) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (229/505. 518- 519)، ومختصر الفتاوى المصرية (ص 432)، وتهذيب السنن (9/259)، والمنتقى من فرائد الفوائد (ص 160)، والشرح الممتع (8/376. 434)، وحاشية الشيخ محمد بن عثيمين على الروض (11/516-517. 538-539).
(122) تقدم تخريجه هامش (51).
(123) انظر المغني (1/48)، والإنصاف (1/133)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (20/520. 21/73. 498)، ومختصر الفتاوى المصرية (ص23-24)، وفقه الكتاب والسنة (المسائل الماردينية) لشيخ الإسلام (ص 57-58)، والأخبار العلمية (ص 312)، وتهذيب السنن (1/85-86)، والقواعد والفوائد الأصولية (ص 314)، والشرح الممتع (1/33. 8/434).
(124) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (129/518-519)، ومختصر الفتاوى المصرية ص 432، وتهذيب السنن (9/259)، والشرح الممتع (8/434)، وحاشية الشيخ محمد بن عثيمين على الروض (1/516-517، 538-539).
(125) تقدم تخريجه هامش (51).
(126) انظر الفروع (4/186-187)، والإنصاف (12/298)، والمنتهى (2/391)، والكشاف ومتنه (3/1554-1555)، وحاشية الشيخ محمد على الروض (1/517. 540).
(127) انظر الفروع (4/186-187)، والإنصاف (12/298)، المنتهى (2/391)، والكشاف ومتنه (3/1554-1555)، والروض (22/516-517. 540).
(128) الكشاف (3/1554).
(129) انظر مجموع الفتاوى (29/516)، وتفسير آيات أشكلت (2/639)، وإعلام الموقعين (2/9).
(130) انظر إعلام الموقعين (2/9. 3/340)، وتهذيب السنن (9/259). 2611).
(131) وقد تقدم أنهما -رحمهما الله- يجيزان في هذه الصورة التأجيل كذلك، فالجواز هنا عندهما من باب أولى.
(132) انظر المنتقى من فرائد الفوائد (ص 160)، وحاشيته على الروض (1/517)، والشرح الممتع (8/434).
(133) انظر تفسير آيات أشكلت (2/639)، وتهذيب السنن (9/261)، وحاشية الشيخ محمد على الروض (1/517).
(134) انظر الفروع (4/185)، والإنصاف (12/296-298)، والمنتهى (2/391)، والكشاف ومتنه (3/1554-1555)، والروض (1/539)، والمنتقى من فرائد الفوائد (ص161).
(135) انظر المنتقى من فرائد الفوائد (ص 161).
(136) انظر المغني (6/263-264)، والشرح والإنصاف (11/196-199)، والفروع (4/171)، والمنتهى (2/284)، والكشاف ومتنه (39/1434. 1554)، والروض (1/472)، والمنتقى من فرائد الفوائد (ص 161).
(137) انظر المغني (6/263-264)، والشرح الكبير (11/197-199).
(138) انظر الإنصاف (11/196-197).
(139) انظر تهذيب السنن (9/262).
(140) انظر الإرشاد إلى معرفة الأحكام (ص 99)، والفتاوى السعدية (ص 249)، (ص 250).
(141) انظر مجموع الفتاوى (29/300-301. 448-450. 518-519)، ومختصر الفتاوى المصرية (ص 432)، والفروع (4/1711)، والأخبار العلمية (ص 190)، والإنصاف (11/196-197).
(142) انظر الشيخ الممتع (8/222).
(143) لكن شيخ الإسلام قيده بالحاجة. انظر الفروع (4/171)، والأخبار العلمية (ص190).
(144) تهذيب السنن (9/262)، وانظر المغني (6/263-264)، الشرح الكبير (197-199).
================
سوق الأسهم بين المصالح والمفاسد
د. عبد اللطيف بن عبد الله الوابل 16/11/1426
18/12/2005
أصبح موضوع سوق الأسهم حديث المجالس وكثرت الأسئلة حوله واتجهت شرائح من المجتمع إليه بحثاً عن الأرباح وكان لابد لكل من عنده علم في ذلك أن يبين رأيه في المسألة ويدلي بدلوه براءة للذمة ونصحاً للأمة. وهذه رؤية في الموضوع أطرحها حسب ما بلغه اجتهادي وأسأل الله التوفيق والسداد.
وقبل الحديث عن سوق الأسهم وما يشتمل عليه من مصالح ومفاسد في حالته الراهنة لابد من ذكر مقدمات هامة ليكون الحديث عن سوق الأسهم في الإطار العام للمنهج الإسلامي المتميز:
الكسب الحلال مطلب شرعي، أمر الله المؤمنين به كما أمر المرسلين، فقد ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم " وقال: (( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء: يا رب يارب فأنى يستجاب لذلك)).
الأصل في المسلم أن يتجنب الشبهات حرصاً على دينه وحفظاً لآخرته ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير المتفق عليه عن ذلك بقوله: (( إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه .... )) والمشتبه هو ما اختلف في حله أو تحريمه وفسرها الإمام الزاهد الورع أحمد بن حنبل رحمه الله بأنها منزلة بين الحلال والحرام وقال من اتقاها فقد استبرأ لدينه، وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام. قال سفيان بن عيينة رحمه الله : لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال وحتى يدع الإثم وما تشابه منه.(5/129)
كسب المال ليس مقصوداً في ذاته ولكنه وسيلة للاستعانة به على طاعة الله، فإذا لم يكن حلالاً يستعان به على طاعة الله فهو بؤس وشقاء قال تعالى: (( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا )) وفي الحديث في مسند الإمام أحمد رحمه الله :" وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه يا رسول الله. قال غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " ومن ثم حذر صلى الله عليه وسلم من أن يصبح المال غاية يتعلق به قلب المسلم فقال " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم .... " والتعاسة هي الشقاء والبؤس وذلك حين يصبح هم الإنسان جمع المال وتكثيره بأي وسيلة دون حذر من الشبهات .
الربا من أشد ما حرم الله سبحانه في المعاملات بل هو أعظمها إثماً فلم يتوعد الله بالحرب في آية من كتابه كما في آية الربا في قوله تعالى: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " ومن ثم فقد حذر السلف رحمهم الله من الربا وما يتبعه من الحيل الربوية فالأصل في المجتمع المسلم ترك الربا بأنواعه وأشكاله وكل ما يتوصل به إليه فلا يليق بأمة الإسلام أن تأخذ بالنظام الرأسمالي المبني على الربا والقمار فهذا نوع من الإعراض عن شرع الله ودينه ويجب على المسلمين أن يتعاونوا على ترك الربا بكل أشكاله وحيله وإلا وقعوا في الإثم لا محالة. ولو نظرنا إلى سوق الأسهم أو بمفهومه الواسع " سوق الأوراق المالية لرأينا أنه في أصله نموذج غربي قائم على مفهوم الربا والقمار والحيل الربوية فالأصل فيه الشبهة حتى يتأكد المسلم خلوه من هذه المحرمات ومن ثم نجد أنه مرتبط لديهم بسعر الفائدة وغالب الشركات المسجلة فيه تعتمد في تمويلها على الربا والسندات المحرمة فلا يجوز بأي حال أن نستورده على حالته التي هي عليها دون تمحيص وتنقية له من شوائبه لأن ذلك سيؤدي إلى تجاوزات لا نهاية لها. ولقد عجبت كثيراً ممن أجاز تدوال أسهم الشركات المختلطة التي تقترض جزءاً من تمويلها بالطرق الربوية وإن كان من أجاز ذلك قد وضع ضوابط ولكن كيف غاب عنه هذا التحذير الشديد والزجر العظيم من الله سبحانه لمن يتعامل بالربا قليلاً كان أو كثيراً بكل أشكاله وأصنافه وذلك في قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وإن كنت لا أشك في صلاح نيتهم وقصدهم ولكن لا يجوز بحال أن يصل بنا الضعف والهزيمة إلى اللجؤ لفتح هذا الباب فالنظام الربوي سواء في بنوكه أو شركاته الربوية هو عار ومذلة على جبين المسلمين ونشاز في المجتمع الإسلامي فالواجب على أفراد الأمة المسلمة جمعياً الحزم في هذا الأمر والا يترك بحال مطلقاً بدعم أو تبرير أي تعامل ربوي قل أو كثر. ولو أن المسلمين قاموا بدورهم في الإحتساب على البنوك الربوية لما أصبح النظام الإقتصادي في أغلب بلاد المسلمين قائماً على الربا فالبنوك إنما تقوم على ودائع الأفراد فلو كان هناك وعي وعزم وتعاون على القيام بالواجب لأغلقت هذه البنوك الربوية أبوابها من زمن طويل ولعل من أسباب ما هو واقع بالأمة المسلمة من ذل وهوان وتسلط للأعداء ومشاكل اقتصادية وسياسية في معظم دول عالمنا الإسلامي هو قيام واستمرار هذه البنوك الربوية التي تجلب معها غضب الرحمن ونزول حربه الذي لا قدرة للأمة على مواجهة هذه الحرب ولكن الأمل لا يزال قوياً في هذه الأمة التي لا يعدم الخير فيها فخطوات إنشاء البنوك الإسلامية أثبتت قدرتها على البقاء والاستمرار ولكنها لا تزال بحاجة إلى دعم من حكومات وشعوب العالم الإسلامي حتى يتحول النظام الاقتصادي بكامله من نظام ربوي إلى نظام إسلامي لئلا تبقى البنوك الإسلامية وغيرها من المؤسسات التمويلية تعيش حالة من الشللية والضعف لأنها تحت سيطرة بنوك مركزية ربوية تؤمن بالفائدة معياراً لرقابتها على البنوك الأخرى .
الأمة الإسلامية أمة ذات استقلالية فلها شخصيتها ومنهجها المميز ونظامها الشامل فليست بحاجة إلى استيراد أنظمة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية من الأمم الكافرة فلديها ما يغنيها ويسعدها لو استمسكت بشرع الله وأخذت الكتاب بقوة، ومع هذا أقول فإذا احتاجت الأمة المسلمة إلى شيء من هذه الأنظمة التي ربما سبقتها بعض الأمم الكافرة إليها فيجب عليها وزنها بميزان الشريعة وعرضها أولاً على علماء الشريعة الربانيين لتهذيبها وتصفيتها من الشوائب المحرمة التي تخالف شريعة الله والتفكير الجاد والإبداع لإيجاد بدائل أفضل وأحسن بعد دراسة وتمحيص والأمة بحمد الله فيها من الطاقات والإمكانات والقدرات البشرية والمادية ما يمكنها من ذلك. أما أن تبقى أمة استهلاك وتبعية تستورد ما في الغرب وتلبسه ثوب الإسلام أو تعطيه تأشيرة إسلامية ليكون ثوباً مرقعاً يورد الأمة المهالك وينزع هويتها ويفقدها عزتها وقوتها ومكانتها لتبقى أمة ذليلة تابعة للأمم الكافرة ومن ثم ينعكس ذلك على شعوبها فتعيش هزيمة نفسية منكرة فلا إبداع ولا تفكير ولا بناء فهذا هو عين التخلف والهزيمة.
بعد هذه المقدمات أعود للحديث عن سوق الأسهم وكما قلت فهو نموذج غربي مبني على فلسفة الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد أساساً على الربا بأشكاله المختلفة ويخالطه القمار والاحتكار ( فقد أكد بعض خبراء البورصات الغربية على اعتبار المضاربة على الأسعار بمفهومها الغربي " القمار" أحد الوظائف الهامة للبورصة ) فالأصل فيه أنه سوق شبهات محرمة لا بد للمسلمين أن يجردوه من الشوائب المحرمة قبل ولوجه واستيراده وهو وإن كان قائماً على تحقيق منافع اقتصادية، إلا أن هذه المنافع يمكن تحقيقها بدون ما يحتوي عليه من مفاسد، ولعل من أهم وظائفه أنه يعد أحد الآليات الهامة في تجميع مدخرات الأفراد وتوجيهها إلى المشاريع ذات الإنتاجية الكبيرة سواء منها ما كان في مرحلة التكوين أو تلك القائمة والراغبة في التوسع والتطوير ( السوق الأولية ). أما السوق الثانوية فإنها تساعد على استمرار هذه المشاريع بما توفر من سوق لبيع وشراء حقوق المساهمين دون تأثير على أصل الثروة المتمثلة في أصول المشروع.(5/130)
إن من أهم وجوه الاختلاف بين أسواق الأوراق المالية ( الأسهم وغيرها ) من جهة وبين الأسواق الأخرى أنه بينما يجري التعامل في الأسواق السلعية على ذات الثروة فإن التعامل في أسواق الأوراق المالية يتم على حقوق الثروة وليس على الثروة ذاتها. فالأصل في قيام هذه الأسواق هو دعم الشركات المساهمة ذات الإنتاجية الكبيرة والتي لا غنى للمجتمع اليوم عنها وذلك لدعم التنمية الاقتصادية، فغياب مثل هذه السوق قد يؤدي إلى استحالة قيام شركات مساهمة جديدة ووأد أية محاولة من قبل الشركات لزيادة روؤس أموالها بهدف زيادة الإنتاج أو تنويعه أو تحسينه وتطويره، وكذلك فهي تعطي فرصة للراغبين في استثمار أموالهم أو تصفية استثماراتهم سواء كان الدافع لذلك هو الحاجة إلى السيولة المطلقة ( النقدية ) أو الإنتقال من قطاع استثماري إلى آخر تتعاظم فيه الأرباح. ولكن المشكلة كما قلت سابقاً أنه نموذج غربي مبني على فلسفة الربا والقمار والاحتكار وأخواتها فالآلية التي تدار بها السوق لا تزال تعاني من إشكالات شرعية تدور حول الربا الذي تتمول به بعض الشركات المساهمة المسجلة في السوق وكذلك الغرر الفاحش الذي يكتنف السوق مع ما فيها من احتكار المعلومات. أي أن هناك اشكالاً في آلية السوق ولهذا كثيراً ما يتردد السؤال عن سر صعود وهبوط أسعار الأوراق المالية ( الأسهم وغيرها ) في البورصات المحلية والعالمية من لحظة لأخرى رغم عدم تغير الظروف الاقتصادية أو المراكز المالية الحقيقية للشركات التي يجري التعامل على أسهمها بل ويزداد السؤال إلحاحاً عند البعض عن الأرباح المتعاظمة في السوق والناتجة عن تفاعل قوى العرض والطلب كيف نتجت ومن الرابح ومن الخاسر بين لحظة وأخرى. فهناك انفصام للعلاقة بين الأصول المادية المملوكة للمشروع والتي تمثل أصل الثروة وبين الأصول المالية التي تباع وتشترى في السوق وتمثل حقوقاً على هذه الثروة. ولعل من أهم أسباب ذلك:
هيمنة بعض أنواع البيوع المحرمة مثل البيع على المكشوف أو الشراء والمتاجرة بالحد.
المناورات التي تتم في السوق لرفع سعر ورقة معينة ( سهماً كان أو سنداً ) وذلك لوجود ما يسمى بجماعات المضاربة على الصعود يتم تكوينها لشراء أكبر كمية من أسهم إحدى الشركات وتقوم بعدها بالمناورة لجذب أنظار جمهور المتعاملين والذي يعقبه عادة شراء هذه الأوراق بأسعار مرتفعة من أيدي المضاربين من جهة من يغرر بهم ويحتال عليهم فالسوق هي بين رابح وخاسر ولا بد.
وهنا تظهر إشكالية إنحراف السوق عن وظيفتها ومسارها وكيف أنها أضافت إلى وظيفتها الأساسية التي قامت من أجلها ودعت الحاجة والضرورة إلى وجودها وظائف جديدة ما كان لها أن تقوم بها لولا الرغبة المحمومة في الثراء السريع بأي طريق فتحول كثير من هذه الأسواق إلى ما يشبه أندية القمار. وليس أدل على ذلك من تخصيص بعض ردهات عددٍ من البورصات للمراهنة على تقلبات واتجاهات الأسعار. وأصبح أكثر من يتعامل فيها غرضه هو المضاربة على فروق الأسعار وليس الاستثمار النافع فأصبح الهدف من المساهمة هو مجرد رغبة في جني الأرباح السريعة من خلال المضاربة على فروق الأسعار وليس الاعتراض هنا على كون المضارب ( أو المساهم ) يسعى للحصول على الربح فهي غاية مشروعة. ولكن لا بد من أن تكون الوسيلة كذلك مشروعة أما إذا كانت الوسيلة مبنية على محرمات وشبهات فإن الغاية لا تبرر الوسيلة. ومن ثم فإن هذا المساهم ( المضارب ) ليس في الحقيقة إلا مجرد دائن عادي للشركة بل هو دائن عابر والسهم المشترى أو المباع في حقه ما هو إلا صورة شكلية تنتقل بين أيدي المضاربين كلعب القمار وهذا النوع من المضاربين أوالمساهمين ( وهم الأكثر عدداً ) يتسببون بطريقتهم هذه في مشاكل اقتصادية بدءاً من التضخم وإنتهاءً بانصراف الناس عن المشاريع الإنتاجية الفاعلة في الاقتصاد ركضاً وراء الأرباح التي يجنيها لهم المضاربون والسماسرة إضافة إلى تراكم المدخرات النقدية في أيدي قلة من الناس ولدى البنوك التي تضطر إلى استثمار هذه الأموال غالباً في الغرب لعدم وجود قنوات استثمارية جيدة في ظل وجود فجوة كبيرة بين المقدرة الاستيعابية للهياكل الاقتصادية والأصول المادية للاقتصاد من جهة وبين المقدرة التمويلية والتي تتمثل في مدخرات الأفراد المتزايدة. وتتضاعف هذه المشاكل في الدول التي تكون فيها السوق المالية ناشئة وضيقة وغير منظمة وليس عليها رقابة فاعلة ذات خبرة جيدة تتحاشى السلبيات وتهتم بالإيجابيات ويمكن أن نخلص مما سبق إلى النقاط الآتية:-
سوق الأوراق المالية نموذج غربي يشتمل على مجموعة من المصالح والمفاسد من وجهة نظر الشريعة الإسلامية فالأصل فيه المنع حتى يتم التأكد من خلوه مما فيه من المحرمات فلا بد من ضبطه بالضوابط الشرعية ومن ثم يمكن الإستفادة منه وتوجيهه الوجهة الاقتصادية السليمة بما يتوافق مع شريعتنا الإسلامية .
الفقهاء رحمهم الله بينهم خلاف أصلاً في جواز بيع الغائب وهي الصفة التي يتصف بها البيع في هذه السوق ولذلك فإن جواز إنتقال وبيع الحقوق داخل سوق الأسهم هو من باب المصلحة الراجحة في أهمية هذه الأسواق وإلا فإن هناك إشكالات فقهية من حيث إن هذه السوق تشتمل على بيع غائب وأنها بيع حقوق والحاجة والمصلحة كما يقول الفقهاء رحمهم الله تقدر بقدرها وتضبط بضوابطها لتتحقق المصلحة التي من أجلها احتمل بعض ما فيها من إشكالات ولئلا يفتح الباب على مصراعيه فتنقلب المصالح إلى مفاسد ويتحقق ضرر عام لا يدركه إلا أهل الخبرة المتخصصين في هذا الشأن.
محل العقد في أسواق الأوراق المالية ( الأسهم وغيرها ) على اختلاف درجات كفاءاتها يشوبها غرر فاحش فالبيانات المنشورة لا ترفع عنه الغرر الفاحش ولا تدرء عنه الخطر وليس باستطاعة أحد أن يزعم تطابق العلم بالصفة مع العلم بالحس في هذه البيوع، إذ الغرر فيها غرر مؤثر لا تدعوا إليه حاجة، فالحاجة كما عرفها السيوطي رحمه الله : هي أن يصل المرء إلى حالة بحيث لو لم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة ولكنه لا يهلك. أي أنه يؤدي إلى فوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعاً، وكذلك لا بد أن تكون الحاجة التي تجعل الغرر غير مؤثر متعينة، فلا يمكن الوصول إليها من طريق آخر لا غرر فيه ومن ثم فلا بد أن تقدر الحاجة بقدرها، إذ إن ما جاز للحاجة يقتصر فيه على ما يزيل الحاجة فقط. فيكف وقد انقلبت المصالح المرجوة في هذه الأسواق إلى مفاسد ظاهرة أشبه ما تكون بمنتديات القمار المبنية على الحظ والغرر والغش والاحتيال، علماً بأنه يمكن تنظيمها وضبطها وفق الضوابط الشرعية بما يمنع ذلك الغرر الفاحش. فالتعامل في هذه الأسواق على حالتها الراهنة محفوف بالمخاطر والأضرار المستقبلية خاصة مع اشتداد سعار المضاربات وعوامل الانهيار وتقلبات الأسعار المصاحبة للدورات الاقتصادية وتدهور الأسعار مع أزمات الكساد وشيوع البطالة، فتنشيط التداول وسرعة دوران أوراق الشركات يتم عن طريق مجموعات المضاربة الكبار الذين يتحكمون في السوق ويعقدون اتفاقات خاصة مع بعض الشركات التي يرغبون في زيادة أسعار أسهمها وبالمقابل يكسرون أسعار أسهم شركات أخرى بما يملكون من سيطرة مالية احتكارية على السوق ولهذا فهم يتلاعبون بأسعار الأسهم كما يفعل لاعبو اليانصيب بما قد يؤدي هذا الأسلوب إلى أضرار اقتصادية لا تحمد عقباها على المستوى الكلي للمجتمع.(5/131)
السوق بحالته الراهنة يحتوي على مخالفات شرعية أخرى كما في احتكار المعلومات والتحكم فيها إضافة إلى ما يحصل من خداع وكذب وغش وتسريب لمعلومات خاطئة داخل السوق مما يفوت المصالح المرجوة ويجلب المفاسد، فلقد أخبرني من أثق به ممن تعامل في هذه السوق بأن هناك اتفاقات سرية تعقد بين بعض كبار المضاربين وبعض الشركات لرفع قيمة أسهمها أضعاف أضعاف ما هي عليه حقيقة ليزداد سهمها صعوداً فيشتري هؤلاء أسهمها لإغراء الآخرين بذلك ممن لا يملكون هذه المعلومات الخادعة والتي تقف وراء اللعبة ثم يقوم هؤلاء المضاربون بعد فترة وجيزة وقبل إكتشاف اللعبة ببيع أكبر كمية ممكنة من الأسهم لجني الأرباح ومقاسمتها مع تلك الشركة المتآمرة وفي هذا ما فيه من الاحتيال والكذب والإضرار بالغير بل بالمجتمع كاملاً فهذه السوق لها تأثير كبير على الاقتصاد الكلي ولا يفقه هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ( من غشنا فليس منا ) والحديث الآخر : ( لا يحل لأحد باع بيعاً فيه عيب إلا بينه ).
وبناءً على ما سبق فإنني لا أنصح بالتعامل في هذه السوق بحالتها الراهنة فهي شبهات بعضها فوق بعض وإنني آمل من أهل العلم الشرعي وأصحاب الخبرة الاقتصادية والمالية إعادة النظر في الآليات التي تدار بها السوق لإيجاد مخرج شرعي وفني اقتصادي يحقق المصالح المعتبرة باتقاء الشبهات صوناً لدينه وحذراً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به ) ومهما كثرت الأرباح في مثل هذه الأسواق الشبهاتية فلا بركة فيها وإنما البركة تكون في الحلال وإن كان قليلاً ولذلك فإنني اقترح ما يلي لإصلاح الآلية التي تدار بها السوق في المملكة ودول الخليج وغيرها من بلاد العالم الإسلامي :-
تكوين رقابة شرعية وفنية اقتصادية مالية لها قوة فاعلة وسلطة مؤثرة لتحديد الضوابط والمعايير التي من شأنها أن تحد من الغرر والجهالة وسواها من المحاذير الشرعية والاقتصادية وتطبيق هذه المعايير بدقة ويكون لهذه الرقابة الحق في منع دخول أي شركة تتعامل في سلعة محرمة أو تقترض بالربا ولو كان يسيراً ولها كذلك منع كل أسلوب غير شرعي يؤدي إلى إحداث تلاعب وغش داخل السوق.
تصحيح مسار آلية عمل السوق بحيث تحقق السوق العناصر الآتية :-
o أن تكون المعلومات المالية متاحة للجميع وبتكلفة صفرية. فلو توفرت المعلومات عن الشركات بصورتها الصحيحة للجميع لأدى ذلك إلى تخفيض درجة حمى سعار المضاربات وجني الأرباح بالطرق غير المشروعة ولتحققت المنافع الاقتصادية التي من أجلها قام السوق.
o ألا يكون بوسع أحد المضاربين في السوق السيطرة على حركات الأسعار أو جعلها عرضة للتلاعب والمناورة والخداع.
o أن يسود السوق ما يقرب من التوازن الدائم بحيث تتجه القيمة السوقية نحو القيمة الذاتية.
o الإهتمام بالسوق الأولية والتركيز عليها لا سيما وأنها لا تزال سوقاً ناشئة في عدد من الدول الإسلامية إضافة أننا بحاجة إلى كثير من المشاريع الإنتاجية ذات الوحدات الكبيرة لنتحول من سوق استهلاكية إلى سوق إنتاجية مصدرة ولذلك فلا بد للدول الإسلامية أن تهتم بذلك وتسهل إجراءات قيام الشركات النافعة في جميع المجالات الصناعية والزراعية والخدماتية التي تجلب الخير والرخاء وتوجد منافع حقيقية للبلاد والعباد وتحقق العدالة في فتح باب المساهمة لجميع أفراد المجتمع.
o تحديد ضوابط في السوق الثانوية وذلك للحد من عقد صفقات ربحية بقصد المتاجرة ورغبة في الثراء السريع دون اهتمام بما يؤدي ذلك إليه من أضرار اقتصادية مستقبلية لحساب فئة محدودة وهذا يستدعي توسيع قاعدة السوق الأولية والإهتمام بها ودعمها ليتجه الأفراد إلى الإنتاج الحقيقي بدلاً مما يحصل الآن. إذ بلغتني حالات كثيرة تم فيها بيع أصول إنتاجية بل باع بعض الأفراد أصوله المادية الضرورية من بيت وسيارة وأعظم من ذلك أن البعض الآخر صار يقترض أو يشتري أصلاً إنتاجياً بالتقسيط ويبيعه نقداً للدخول في مضاربات سوق الأسهم دون قرار مدروس ومعرفة جيدة بما يحتوي عليه سوق الأسهم من محاذير شرعية ومخاطر اقتصادية والأسوء من ذلك كله أن طائفة من الناس أهملوا وظائفهم وأعمالهم سعياً وراء الكسب السريع وسراب الأرباح المتصاعدة يدفعهم إلى كل ذلك الدعاية القوية التي يقوم بها المضاربون من خلال السماسرة مقابل عمولة محددة لهم ولم يدر بخلد هؤلاء المتعجلين أنه ربما كانت هذه الأرباح في لحظة ما جزءاً من رأسماله الذي ربما يخسره في صفقة لاحقة واحدة.
o تسهيل فتح قنوات استثمارية متنوعة لاستيعاب الفائض النقدي لدى الأفراد بحيث تكون هذه القنوات منضبطة بضوابط شرعية وقواعد نظامية بعيداً عن التعقيد أو مضارَّة من يسعى لإيجاد منفعة اقتصادية أو أصلاً إنتاجياً يستفيد منه ويفيد البلاد وفي هذا جمع للمصالح ودفع للمفاسد وتحقيق لرفاهية الأفراد وبناء مستقبل واعد بالخير.
o نشر الثقافة الصحيحة الاستثمارية من الجهة الشرعية والاقتصادية والنظامية من خلال المنابر الإعلامية والقنوات التعليمية وغير ذلك من وسائل التوعية العامة حتى يتحقق المقصد الشرعي من حفظ أموال الناس وقبل ذلك سلامة دينهم وهذا بلا شك هو من القيام بواجب الأمانة التي حملها الله الراعي تجاه الرعية لإصلاح دينهم ودنياهم. قال الإمام الشافعي رحمه الله ( منزلة الوالي من الرعية بمنزلة والي اليتيم ).
===============
الحلال والحرام في الأسهم والشركات
د. عبدالله الزايدي 8/8/1426
12/09/2005
من نعم الله علينا في بلادنا -المملكة العربية السعودية- أن معظم سكانها يحرصون على تحري الحلال في تعاملاتهم البنكية؛ لهذا أقبلوا على الأسهم والبنوك التي تتعامل تعاملاً شرعياً؛ فتجتنب القروض الربوية وتتجنّب الاتّجار في المحرّمات، لما في ذلك من مرضاة الله وطاعته وبركة الكسب الحلال وآثاره الطيبة.
ولهذا اتجه هؤلاء إلى استفتاء المتخصصين فيما يريدون الاكتتاب فيه أو شراء أسهمه من شركات وبنوك.
وقد كان لهذا الاتجاه أثره في السوق المالية وفي حالات الاكتتاب. فالفتوى الشرعية من المختصين أصبحت عاملاً ثالثاً يتحكم بأسعار السوق إلى جانب العرض والطلب، فكمية الأسهم المتداولة ترتبط أحياناً بالتحليل والتحريم.
وانطلاقاً من هذا الواقع الجيد المرشح للاستمرار والزيادة بسبب الوعي العلمي والشرعي فإن من المهم أن تعمد الشركات لإصلاح أوضاعها بما يتفق مع الشريعة والواقع.
إن بعض البنوك -التي تُسمّى تقليدية- قد سارت شوطاً طيباً فيما يتصل بالتحوّل إلى التعامل المشروع في كافة أنشطة البنك، وكانت ناجحة في قسم الخدمات الإسلامية التي تطوّرت بشكل كبير، ولكن لم نعد نسمع عن إكمال المسيرة.
لِمَ لا تتوافق البنوك والمؤسسات مع الاختيار الشعبي، وقبل ذلك مع الأحكام الشرعية والأنظمة القائمة، لاسيما أن هذا التوافق سيجلب لها المزيد من الربح والزيادة في أسهمها والإقبال عليها؟
من الغريب حقاً أن تجد هذه الشركات وتلك البنوك سبباً مشروعاً متفقاً مع الأنظمة، ومؤثراً حتماً في زيادة الربح والتوسع، ومع ذلك تتوقف في سلوكه وتتريث في انتهاجه.
إن الربح المشروع والتجارة المنضبطة بضوابط الشرع سبب في بركة المال التي تتعدى مجرد زيادة الرصيد؛ فهي تمتد لتؤثر إيجاباً في المحافظة على المال من الجوائح والنكبات التي تحدث لأسباب كثيرة.(5/132)
ومن المعلوم أن أكبر المؤسسات المالية لدينا وهي (شركة الراجحي المصرفية للاستثمار) هي أعلى الشركات سعراً في الأسهم، وهي أقل الشركات ديوناً غير ممكنة التحصيل، بعكس بعض البنوك التي لاتزال تتعامل بالفائدة غير المشروعة (الربا) والتي بلغت ديونها الشكوك في تحصيلها نسبة مؤثرة مقارنة بموجوداتها المالية. ولا نجد فرقاً بين الشركة وهذه البنوك سوى التزام الشركة بالبعد عن الربا في تعاملاتها. وهذا يؤكد الأهمية الكبيرة للالتزام الشرعي.
وإن مما يشجع البنوك والشركات ويحفزها على التوجه نحو الالتزام بالضوابط الشرعية - وضع هيئة رقابة شرعية لسوق المال تفتي في تعاملات الشركات والمؤسسات المالية حتى تتلافى اختلاف الفتوى وتعدّد الفتاوى حول بعض الشركات؛ لأن ارتفاع أسهم شركة ما يرتبط بكثرة الإقبال عليه، ومن أسباب ذلك الفتوى بحل ذلك السهم، و من الطبيعي أن يكون أعضاء هذه الهيئة المقترحة هم ممن يجمع بين العلم الشرعي وفهم حقيقة التعاملات المالية المعاصرة أمثال أساتذة الاقتصاد الإسلامي في بعض جامعاتنا السعودية.
إلاّ أن البعض يرى أن مثل هذه الخطوة في رأيه تلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني لكونها ستحدث تمييزاً بين الشركات، وستؤدي إلى انهيار أسهم بنوك وشركات كثيرة.
وهذا قد يكون له نصيب من الصحة، غير أن العلاج يكمن بمسارعة هذه الشركات لترك القروض الربوية، وإعلان التزامها مستقبلاً بالمعاملات المشروعة. وأنها لن تقترض بطريق الفائدة الربوية المحرمة.
إن معظم المخالفات في الشركات المساهمة تكمن في القروض الربوية.
ومع وجود بديل مشروع جيد وعملي وناجح، بديل للقرض الربوي فلا معنى للإصرار بعد ذلك على القروض الربوية المحرمة.
وإن وجود عدد من الفقهاء المتخصصين بالمعاملات المالية المعاصرة ممن عُرفوا بالاحتياط والدقة في تشخيص أحوال الشركات يشجع على إقامة لجنة فتيا متخصصة في هذا الجانب، وحبذا لو ضُمّت إلى لجنة الإفتاء الرسمية؛ إذ لا يوجد -حسب الظاهر- فيها من يجمع بين التخصص الفقهي والاقتصادي، وتكون مثل هذه اللجنة حلاً لتعدد الفتاوى في موضوع الأسهم؛ لأن موضوع الفتوى في الأسهم ضرورة شرعية دينية، وهي مطلب لكل مسلم حريص على سلامة أمواله من الربا والشبهات، وليست ترفاً أو مجرد مطلب لأفراد، وإذا لم يحدث ذلك فلا معنى لما تبنته إحدى الصحف المحلية من دعوة إلى الحجر على المختصين الجامعيين بين العلم بالمعاملات المعاصرة والعلم الشرعي، وعدم السماح لهم بالفتوى بحجة أن ذلك يحدث بلبلة واضطراباً في سوق الأسهم، ولأنهم ليسوا من الهيئة الرسمية للفتوى، فهذه دعوة في غير محلها؛ لأن مثل هؤلاء محل ثقة كثير من الناس؛ لإدراكهم أن هؤلاء يعرفون حقيقة الشركات وأوضاعها ويستطيعون -بحكم اختصاصهم- دراسة قوائم الشركات المالية ومعرفة ثغراتها وإشكالاتها. وهم بحكم الاختصاص يعرفون أكثر مما يعرفه بعض الفقهاء غير المختصين بدراسة الاقتصاد، ومن ثم فإن الدعوة لمنع هؤلاء من الفتوى دعوة خطيرة لا محل لها، وهي مصادرة لحقهم وحقوق الآخرين ممن يحرصون على معرفة رأيهم والأخذ بفتواهم.
وإن ما يراه بعض الكتاب من تأثير سلبي للفتوى على سوق الأسهم ينطلق من رؤية مادية مجردة لا تلتفت للتأثير الأعظم للربا ومشكلاته على الوضع الاقتصادي الدولي، وعلى الفرد نفسه؛ لأن المسلم يتيقن قول الحق تبارك وتعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) وثم مؤثرات سلبية كثيرة على سوق الأسهم لا يستطيع أحد منعها، وهي الإشاعات، وما يُكتب في بعض مواقع الإنترنت. فكيف نترك واجباً شرعياً لأجل أهواء النفوس وشهواتها؟!
==============
البنوك الإسلامية .. ما الفرق؟
جبريل محمد 7/5/1427
03/06/2006
لا شك أن صناعة الخدمات المالية الإسلامية التي انطلقت أواسط السبعينيات من القرن الماضي (1975) حققت إنجازات كبيرة، وأفرزت تجارب وكيانات متفرعة أصبح لها اليوم الشأن الكبير والمساهمة الفاعلة في تطوير الصناعة؛ إذ بلغ إجمالي أصول الصناعة المالية الإسلامية في الخليج العربي (84.152) مليار دولار في العام 2005، بنسبة نمو 34.8%عن العام السابق، وهذه أعلى نسبة نمو مسجلة في دول الخليج خلال الفترة من 2001 إلى 2005؛ إذ بلغ متوسط معدل النمو السنوي في هذه الفترة 21.5%.
وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم، هو: هل هناك فروق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية؟
بالطبع هناك فروق جوهرية بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية، فتتمثل أساساً في حقيقة أن البنوك التقليدية تقوم على آلية سعر الفائدة من خلال الاقتراض من المودعين بفائدة ما، ثم إقراضها آخرين بفائدة أعلى من الفائدة الأولى، ويتمثل ربحها في الفرق بين الفائدة المدينة والدائنة، وهذا هو ربا الجاهلية ربا العباس بن عبد المطلب الذي وضعه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع تحت قدمه، كما أن هذه البنوك تتاجر في النقود كسلعة، وتحصل على فائدة مقابل الزمن، ومن ثم تقوم على فكرة أن النقود تلد في حد ذاتها نقوداً، وهذا يختلف جذرياً عن طبيعة عمل البنوك الإسلامية التي تقوم على نظام المشاركة في الربح والخسارة، وعلى حرمة الربا، وعلى الاستثمار الحقيقي وفقاً لصيغ الاستثمار الإسلامي، والمتمثلة في عقود الشركة وعقود البيوع، ومن عقود الشركة عقد المضاربة الشرعي، وهو عقد يجمع في تزاوج بنّاء بين المال والعمل، وهو عقد يقوم على المخاطرة بالنسبة لرب المال؛ إذ يتحمل أي خسارة تقع، وبالنسبة للعامل فيناله جزء من الخسارة، ومن ثم يحق للطرفين أن يحصلا على نصيبيهما النسبيين اللذين اتفقا عليهما في بداية تنفيذ هذا العقد، ومن ثم يختلف جذرياً عقد المضاربة عن أي قرض للبنوك التقليدية، فهنا البنك التقليدي مقرض والمستثمر أو المقرض مقترض وضامن للمال المقترض؛ بالإضافة إلى فائدة ربوية، ولا يمكن أن يكون ذلك عقد مضاربة شرعي، كما أن البنك الإسلامي يستخدم عقود البيوع، وعلى رأسها بيع المرابحة، وبيع المرابحة بيع أمانة يتعين على البنك أن يمتلك البضاعة محل البيع حكماً أو فعلاً، ثم يتصل بالعميل الآمر بالشراء والراغب في الشراء، ويسمي له ثمن شراء البنك للبضاعة والربح الذي يطلبه البنك، فإذا قبل العميل الثمن مرابحة تم عقد المرابحة شرعاً، وهذا يختلف جذرياً عن التمويل الربوي لعميل البنك التقليدي؛ إذ يعطي البنك التقليدي قرضاً لعميله بفائدة، ولا يهمه أساساً شكل تصرف العميل في هذا القرض، صحيح أن العميل يطلب القرض على أساس تمويل مشروع معين، وقد يدرس البنك التقليدي هذا المشروع ضماناً لقرضه، لكنه ليس عقد مرابحة شرعي، وإنما قرض بفائدة ربوية، كسب العميل أو خسر فلابد أن يدفع أصل القرض والفائدة عليه، ومن ثم لا يمكن القول إن البنوك الإسلامية مجرد مسميات لإضفاء الصبغة الشرعية على معاملاتها؛ فهي حقيقة بنوك تعمل على تطبيق منهج الإسلام في المعاملات المالية.
البنوك الإسلامية..فوائد كثيرة(5/133)
يؤكد رجال الاقتصاد أن البنوك الإسلامية ساهمت بشكل مباشر في انتعاش الاقتصاد العربي والعالمي؛ إذ إن البنك الإسلامي أساسًا شركة استثمار حقيقي، وليس استثماراً مالياً، ومن ثم فعمليات البنك الإسلامي هي الدخول في إنشاء مشروعات استثمارية وفقاً للأولويات الإنمائية للبلد الذي يوجد فيه البنك الإسلامي؛ حيث يساهم البنك في المشروعات الصناعية والمشروعات الزراعية، ومشروعات الخدمات من صحة، وتعليم، وتدريب إلى آخره، ومن ثم يدخل في كافة المشروعات الاقتصادية التي تعمل على تنمية القدرة الإنتاجية للمجتمع موضع التنمية، والقول بأن البنك الإسلامي يقتصر عمله على المعاملات المالية التقليدية قول يجانب الحقيقة والواقع؛ إذ إنه في بداية عمل البنوك الإسلامية كان لابد أن تأخذ بأساس الفن المصرفي الحديث، وهو المواءمة بين اعتبارين متضادين، وهما الربح من ناحية، والسيولة أو ثقة العملاء من ناحية أخرى؛ إذ إن أي مؤسسة نقدية حديثة لا يمكن أن تركز على اعتبار دون الآخر، فإذا ركزت على اعتبار الربحية أدى ذلك إلى أنها لن تستطيع أن تستجيب لطلبات العملاء بالدفع نقداً وفي الحال، ومن ثم يتنافى ووجودها كمؤسسة نقدية، وإذا ما ركزت على اعتبار السيولة أو الثقة أصبحت كخازن للنقود، ومن ثم كمشروع اقتصادي فلن تحقق أرباحاً، ومن هنا كان لابد من الموائمة بين اعتبار الربحية واعتبار السيولة سواء كان البنك إسلامياً أو تقليدياً.
البنوك الإسلامية وأحداث سبتمبر
على عكس المتوقع أثرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر
على البنوك الإسلامية بشكل إيجابي؛ فقد رأى خبراء ومراقبون أن الدليل على ذلك هو ارتفاع حجم عمليات الودائع خلال الأشهر الثلاثة التي تلت الاعتداءات على نيويورك وواشنطن، معتبرين أن الهجوم العنيف الذي تعرضت له البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية كان مبنياً على سوء فهم وعدم إلمام بطريقة عمل هذه البنوك وخاصة لدى السياسيين، وقد مورست ضغوط شديدة للغاية على المؤسسات المالية الإسلامية في دول الخليج العربية من أجل تجميد أصول المشتبهين أو المرتبطين بمجموعات إرهابية محتملة.
غير أن حركة الإيداع في البنوك الإسلامية واصلت ارتفاعها لتصل إلى 5% زيادة عن المعدل الطبيعي الذي كان يتراوح ما بين 5 إلى 10% ، وعزا الخبراء ارتفاع نسبة الودائع في البنوك الإسلامية في تلك الفترة إلى حركة سحب في السيولة من المصارف الغربية والأمريكية بالتحديد أو إيداعات غير مباشرة من البنوك المحلية.
وقد تراوحت قيمة السيولة المسحوبة ما بين (150 إلى 200) مليون دولار في غضون ثلاثة أشهر بعد 11 سبتمبر، لكن معدل الإيداع في البنوك الإسلامية عاد بعد ذلك إلى معدلاته الطبيعية، في حين رأى اقتصاديون آخرون أن أحداث سبتمبر لم تؤثر في أداء البنوك الإسلامية بشكل مباشر، مشيرين إلى أن نموها ظل طبيعياً.
================
التورق والعينة
هيئة كبار العلماء 13/10/1426
15/11/2005
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
فقد اطلع مجلس هيئة كبار العلماء على ما جاء في الأمر السامي رقم (30891) في 20/12/1396هـ من الرغبة في دراسة مجلس هيئة كبار العلماء المعاملات التي يستغلها بعض التجار في المداينات لحصولهم على مكاسب مالية بطريق ملتوية لا تتفق ومبدأ المعاملات الشرعية في البيع والاقتراض، والنظر فيما إذا كان بالإمكان إيجاد بديل للحد من جشع هؤلاء واستغلالهم للمحتاجين من الناس، واطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة في أنواع من البيوع التي يستغلها بعض الناس استغلالاً سيئاً يخرج بها عما شرعه الله، وبعد الدراسة وتداول الرأي قرر المجلس ما يلي:
أولاً: العينة: ومعناها: أن يبيع إنسان لآخر شيئاً بثمن مؤجل ويسلمه إليه ثم يشتريه منه بائعه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقداً، وقد اتفق المجلس على تحريمها بهذا المعنى؛ لما رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أنفع أنها قالت: ( دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم، فقالت لها: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب )، فإن الظاهر أنها لا تقول مثل هذا القول وتقدم عليه إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجرى ذلك مجرى روايتها عنه، ولأنه ذريعة إلى الربا، فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع خمسمائة بألف إلى أجل معلوم، ولما رواه الإمام أحمد في [مسنده] من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم ذلاً فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم". ورواه أبو داود في [سننه] من طريق عطاء الخراساني أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث. ورواه السري بن سهل من طريق ثالث عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما،ولأن ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن حريرة بيعت إلى أجل ثم اشتريت بأقل قال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة، ولأن أنس بن مالك رضي الله عنه لما سئل عن العينة قال: إن الله لا يخدع هذا مما حرم الله ورسوله، ولأن العينة بالمعنى المتقدم بيعتان في بيعة فكانت محرمة؛ لما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا"، ويلتحق بذلك بيع المشتري ما اشتراه لمن باعه إياه حالاً أو مؤجلاً قبل أن يقبضه منه بأكثر من ثمنه؛ لما تقدم، ولما فيه من ربح ما لم يضمن، ولما فيه من بيع الدين بالدين إذا كان مؤجلاً.
ثانياً: التورق: وله صور: منها أن يطلب إنسان من آخر ألف ريال مثلاً إلى أجل فيقول له: المطلوب منه: العشرة باثني عشرة، أو بخمسة عشر ريالاً، ويتواطآن على ذلك ثم يجريان بيعاً صورياً يحقق بيع النقود بالسعر المتواطأ عليه، وهذا محرم؛ لأن المقصود منه بيع ريالات نقداً بأكثر منها إلى أجل، والعقود تعتبر بمقاصدها؛ لحديث " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، فكان هذا عين الربا مع زيادة المخادعة والاحتيال.
ومنها: أن يحتاج إنسان إلى نقود للاستهلاك أو التوسع بها في تجارته مثلاً، فيشتري من آخر سلعة إلى أجل بأكثر من سعر مثلها حالاً؛ ليبيعها بعد قبضها على غير من اشتراها منه فهذه لا ربا فيها، ولا يصدق فيها أنها بيعتان في بيعة فهي جائزة؛ لعموم قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" (1)، ولما صح من الأحاديث في جواز البيع لأجل وبيع السلم، لكن إذا انتهز البائع فرصة حاجة المشتري فشق عليه في زيادة الثمن كثيراً كان ذلك مخالفاً لسماحة الإسلام ومنافياً لواجب الأخوة والتراحم بين المسلمين ولمكارم الأخلاق، وكان مدعاة إلى التقاطع والتدابر وتوليد الأحقاد، ولهذا خطره وأثره السيء في فساد المجتمع، وقد ثبت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى" رواه البخاري وابن ماجه.(5/134)
ثالثاً: يمكن القضاء على جشع من يحتالون بأنواع من البيوع المحرمة على استغلال حاجة المضطرين بالأمور الآتية.
1- التوعية الشاملة: يقوم العلماء بتبيين أنواع البيوع المحرمة ويحذرون الناس من التعامل بها؛ لما فيها من التعرض لغضب الله وسخطه، ولما يترتب عليها من أخطار على الأمة وخاصة المحتاجين وما ينشأ عنها من أضرار اجتماعية ومالية من توليد الضغائن والأحقاد وتقطيع أواصر المحبة والإخاء وتكبيل من صاروا فريسة للتحايل في البيوع وسائر المعاملات، والتلاعب فيها بكثرة الديون وتراكمها على الضعفاء وشغل القضاة وولاة الأمور بالخصومات، ويكون ذلك بإلقاء الخطب والدروس بالمساجد والمحاضرات في النوادي والتلفزيون والإذاعة والمجتمعات العامة وبنشر المقالات في الصحف والمجلات، فإن لذلك التأثير البين -إن شاء الله- على ذوي القلوب الحية والنفوس الطيبة، وبه يخف الجشع والاحتيال لأكل الأموال بالباطل.
2- ينصح الناس بالاقتصاد في النفقات وعدم التوسع في وسائل الترف، وينصح من عنده رأس مال يتجر فيه ألا يدخل في مداينات أو معاملات محرمة ليتوسع بها في رأس ماله، وليستغن بما آتاه الله وما أباحه له من طرق الاتجار والكسب الحلال عما حرمه الله عليه؛ شكراً لنعمة الله عليه ، عسى أن يزيده الله سبحانه وتعالى من فضله.
3- الأخذ على يد المتلاعبين في المعاملات: يقوم ولاة الأمور بمراقبة الأسواق العامة والمحلات التجارية لمعرفة ما يجري فيها من المعاملات المحرمة..، ويأخذون على يد من حصل منه ذلك فيعزرونه بما يردعه من حبس أو ضرب أو غرامات مالية أو بمصادرة العوض في المعاملة المحرمة إلى أمثال هذا مما يرونه زاجراً للمسيء ولأمثاله الذين لم يستجيبوا للتوعية والإرشاد، ولم تؤثر فيهم الدروس والمواعظ فلم يعبؤوا بالتحذير، ولم يبالوا بالوعيد والجزاء، وهذا مما يقضي على جشعهم أو يقلله إن شاء الله، ويجعلهم على حذر مستمر من الاستغلال السيئ والكسب المحرم.
4- توجيه الزراع إلى بنك التسليف الزراعي؛ ليتعاملوا معه فيأخذوا منه ما يحتاجونه لمزارعهم من الآلات الزراعية وغيرها بأسعار معتدلة تدفع على أقساط مناسبة دون رباً أو إرهاق أو استغلال للظروف.
5- توجيه من يريد بناء مسكن له أو من يريد التوسع في بناء مساكن للإسهام في حل أزمة المساكن، ولينتفع بذلك - إلى صندوق التنمية والاستثمار العقاري ليقدم إليه من المال ما يستعين به في إقامة ما يريد من بناء ثم يسدد ما أخذه أقساطاً لا يشق عليه الوفاء بها في مواعيدها دون أن يتقاضى الصندوق على ذلك منه رباً.
6- إرشاد من يحتاج إلى قرض لشئون أخرى يحتاجها في حياته أن يتقدم إلى البنك الإسلامي أو أحد الأفراد الأغنياء بإبداء حاجته ليعطيه قرضاً بلا رباً يسد به حاجته.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
(1) سورة البقرة، الآية 282.
هيئة كبار العلماء
…
…
رئيس الدورة الحادية العاشرة
…
…
عبد الله بن محمد بن حميد
عبد العزيز بن صالح
…
عبد المجيد حسن
…
عبد الله بن خياط
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
…
عبد الرزاق عفيفي
…
سليمان بن عبيد
عبد الله بن غديان
…
عبد العزيز بن باز
…
راشد بن خنين
صالح بن لحيدان
…
محمد الحركان
…عبد الله بن منيع
محمد بن جبير
…صالح بن غصون …عبد الله بن قعود
==============
تعقيب على فتوى (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير)
د. سامي بن إبراهيم السويلم 2/5/1427
29/05/2006
نشرت فتوى بعنوان: (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير )، للشيخ الدكتور/ سامي بن إبراهيم السويلم "باحث في الاقتصاد الإسلامي"، وقد ورد إلى الموقع تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الإخوة الزوار، وبعد عرضه على الشيخ أجاب بما يلي:
التعقيب:
آمل من فضيلة الدكتور بيان كيف كانت المسألة من قبيل ربا الجاهلية، ووجه السؤال أن الغرامة ليست في جانب دافع المال، وإنما في جانب بائع البضاعة -إن كان فهمي صحيحاً- وهذه الغرامة فيما يظهر لي من قبيل الشرط الجزائي. ولو أن التحريم بني على ما فيها من الضرر البالغ فلا إشكال. مجرد تساؤل أرجو أن يتسع له صدر فضيلة الدكتور. وشكراً للجميع.
الرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أشكر الأخ الكريم على ملاحظته، وأرجو ألا يبخل القارئ بما يراه لأن هذا من النصيحة في الدين التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأود أن أنبه الأخ إلى أن السؤال نص على أن الغرامة هي ألف ريال لكل يوم تأخير، دون أن يذكر تحديداً للحد الأقصى من الغرامة، ودون أن يربط الغرامة بالضرر الواقع على المشتري.
وهذا يعني أنه بمجرد مضي الوقت يستحق المشتري مبلغ ألف ريال على البائع دون أي مقابل. ولا ريب أن هذا الشرط بهذه الصيغة من الظلم البين على البائع، ومن أكل المال بالباطل بالنسبة للمشتري، لأنه يحصل على هذا المبلغ دون أي مقابل لمجرد مضي الزمن، وهذا هو الظلم الحاصل في ربا الجاهلية، حيث يحصل الدائن على مبالغ مالية لا لشئ إلا لمجرد تأخر المدين في السداد.
والشرط الجزائي الذي أجازه مجمع الفقه وهيئة كبار العلماء له شروط تحول بينه وبين أن يكون من باب الربا. فليس في الشرط الجزائي غرامة مفتوحة مرتبطة بمجرد التأخير، بل إما أن تكون مرتبطة بالضرر الذي تحمله الطرف الآخر، وإما أن تكون محددة بما لا يتجاوز مبلغاً محدداً (5% مثلاً من قيمة العقد)، وفي هذه الحالة يعتبر الشرط الجزائي نظير العربون، كما أشار لذلك عدد من البحوث التي تناولت الموضوع (انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة 12، مجلد 2). وفي جميع الأحوال لا يمكن أن تصل غرامة التأخير إلى ما يساوي ثمن المبيع كله (أي 100% من قيمة العقد) لأن هذا يناقض أصل العقد القائم على المعاوضة، ويجعل الشرط سبباً للكسب وليس المبيع الذي هو سبب العقد ابتداء.
وأما ما أشار له الأخ بأن الغرامة هي من جانب البضاعة وليس من جانب النقد، فإن هذا لا ينفي عنها الربا، كما أن الفائدة يمكن أن تكون خدمة، أو سلعة، إذا اشترطت في الدين ولا يلزم أن تكون نقوداً.
فالزيادة في الدين مقابل التأخير ربا مطلقاً، سواء كان الدين نقوداً أو سلعاً، وسواء كانت الزيادة نقوداً أو سلعاً، ولهذا منع المجمع الشرط الجزائي في السَّلَمْ لأنه زيادة في الدين، مع أن الدين سلعة وليس نقوداً.
والشرط الجزائي المتضمن للتعويض المالي، يشترط فيه ما يلي:
1. ألا يكون التعويض على المدين في عقد مداينة، فلا يجوز اشتراط التعويض على البائع في عقد السَّلَمْ، ولا على المشتري في البيع الآجل. وكذلك لا يكون على المشتري في عقود الاستصناع والتوريد ونحوها. ومن الفقهاء المعاصرين من يمنع التعويض عن التأخير مطلقاً في كل العقود لأن فيه شبهة ربا النسيئة (راجع بحوث المجمع ومناقشاته).
2. أن يرتبط التعويض بالضرر الذي يلحق بالمشتري في عقود المقاولات والاستصناع والتوريد. وقد نص قرار المجمع على أن الضرر هنا يشمل الضرر المالي الفعلي، ولا يشمل الضرر الأدبي، أو المعنوي، ولا فوات الكسب المحتمل.
3. أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن تفريط البائع وإهماله في الالتزام بالعقد، وليس لأمر خارج عن إرادته. كما لا يصح اشتراط التعويض إذا كان الضرر ناتجاً عن سبب آخر لا علاقة له بالبائع، ولا إذا انتفى الضرر.(5/135)
4. وقد نص عدد من الفقهاء على أنه لا يجوز أن يتجاوز مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الإجمالية (كما في بحوث المجمع ومناقشاته), لئلا يجتمع للمشتري الثمن والمثمن، فيفضي إلى الربح بدون مقابل. كما أنه من المقرر عند الفقهاء أن ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، فإذا تأخر البائع في تسليم المبيع فإنه على أسوأ الأحوال يكون كما لو أتلف المبيع، فليس عليه حينئذ سوى المثل أو القيمة. فلا يجوز اشتراط تعويض مالي يزيد عن قيمة الصفقة (كما أفاده فضيلة الشيخ علي الندوي).
وفي الصورة محل السؤال فإن الغرامة وإن كانت على البائع لكنها غير محددة بالضرر، بل بمدة التأخير فحسب. وهذا لا يمكن أن يكون مقبولاً لأنه يؤدي إلى أن يربح المشتري من مجرد التأخير، وهذه هي حقيقة الربا. كما أنه يؤدي إلى أن يربح المشتري أكثر من قيمة الصفقة، فيكون كسباً دون مقابل وأكلاً للمال بالباطل. كما أنها تؤدي إلى ظلم البائع بتحميله مبالغ طائلة تتجاوز ما يستحقه المشتري. فسبب المنع هنا أمران: الظلم والربا، وهما متلازمان. والله تعالى أعلم
==============
موقف الشريعة الإسلامية من الدَّين
د.سامي بن إبراهيم السويلم 15/10/1426
17/11/2005
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه الدراسة محاولة لبناء موقف وتصور متكامل للتمويل بالدين في الاقتصاد الإسلامي. وهي لهذا الغرض تنطلق من ثلاثة أسس: المصالح والمفاسد المترتبة على هذا النمط من التمويل؛ والأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب؛ واستقراء عدد من الأحكام الفقهية المتصلة بالمعاوضات المالية.
وتنبع أهمية البحث في هذا الموضوع من جهتين:
الأولى أن الباحث لم يقف على معالجة مباشرة وشاملة لحكم الاستدانة في الشريعة الإسلامية، من المتقدمين أو المعاصرين. وموقف الشريعة المطهرة من الدين ليس مجرد حكمٍ شرعي، كما يتضح من البحث، بل هو مقصد من مقاصد الشريعة التي توجه السلوك الاقتصادي للمجتمع المسلم، فالحاجة إلى استقراء النصوص والأحكام الشرعية للكشف عن هذا المقصد الشرعي تظهر جلية.
الثانية: ما تعاني منه كثير من المجتمعات اليوم من استفحال المديونية، العامة والخاصة، الاستهلاكية والاستثمارية، وما يترتب على ذلك من اضطراب أدائها الاقتصادي واستقرارها الاجتماعي. وليس في الأفق، حتى الآن، ما يشير إلى انحسار هذا الاتجاه. بل المؤشرات تدل على عكس ذلك، بالرغم من كثرة التصريحات والوعود بتقليص المديونية. وقد ظهرت للعيان اليوم المساوئ الاقتصادية لهذا الوضع، مع الازدياد المطرد في عدد الدراسات التي تفصل هذا المساوئ من خلال النظرية الاقتصادية الوضعية. في هذه الأجواء تبدو الحاجة إلى التعرف على موقف الشريعة المطهرة من هذه الظاهرة ملحة على المستويين النظري والعملي.
ومن خلال استقراء المصالح والمفاسد الخلقية والاقتصادية المترتبة على الدين، وفي ضوء النصوص النبوية الواردة في هذا الباب، ومن خلال استقراء جملة من الأحكام الشرعية المتصلة بالمعاوضات المالية، تصل الدراسة إلى أن الشريعة الإسلامية لا تشجع على الدين ولا ترغب فيه، وأن أحد مقاصد التشريع في باب المعاملات هو الحد من التوسع في المديونية.
==========
صورة من بيع التورق المنظم
أ.د. عبد الله بن محمد الطيار 19/2/1427
19/03/2006
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
فيعد فقه المعاملات من أهم المهمات التي ينبغي لكل من يتعامل بها المعرفة به حتى لا يقع في محظور شرعي، وبخاصة في هذا الزمان الذي اختلطت فيه الأمور وكثرت فيه المعاملات وأصبح بعض الناس لا يتورعون في كسبهم من تجارتهم وبيعهم وشرائهم، فكم واحد من الناس لا ينظر إلى نوع المعاملات وحكم الشرع فيها ثم بعد وقوعه في المخالفة يسأل وهذا مما نلاحظه كثيراً من خلال الأسئلة التي تعرض على أهل العلم.
وحيث إن الفقه في المعاملات وبخاصة فقه البيوع مما يحتاج الناس إليه كثيراً إذ لا يمر يوم إلا فيه بيع وشراء من أفراد الناس، لذا رأيت وضع رسالة بسيطة أوضح فيها ما يجب أن يكون في البيع والشراء لا سيما بيوع التقسيط.
وهذه الرسالة بينت فيها نوعاً من أنواع البيوع التي انتشرت في هذه الفترة وهو ما يسمى ببيع الصابون ويقاس عليه غيره مما يتعامل به الناس في مسائل التورق الكثيرة كبيع بطاقات (سوى) والقهوة، والشاي، والهيل، والأرز، ومناديل الفاين، وغيرها كالسيارات والأسهم.
ولعل من أبرز أسباب تأليف الرسالة أنه أثناء لقاء مع فضيلة الشيخ عقيل الشمري الداعية في مركز الدعوة في حفر الباطن
وبعد طرحه مجموعة من الأسئلة حول هذا النوع من البيوع "بيع الصابون" طلب مني وضع رسالة صغيرة بأسلوب واضح يستفيد منها عامة الناس، وحيث إن طرّقَ هذا الموضوع كانت تراودني فكرته منذ وقت، وذلك عندما تم لقاء في منطقة تبوك مع بعض العسكريين وكانوا يسألون كثيراً عن هذا التعامل، ولما للشيخ عقيل من مكانة في نفسي، ورغبة في نشر العلم ونفع الأمة كانت هذه الرسالة التي أسأل الله أن يجعلها مباركة وأن يعم نفعها من كتبها أو قرأها، أو سمعها، أو أشار بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أ.د. عبد الله بن محمد الطيار
التعريف بالرسالة
الرسالة هي عبارة عن مسائل في فقه البيع وخاصة بيع الصابون، وهذه الأسئلة جمعها فضيلة الشيخ عقيل الشمري وأرسلها لي للإجابة عليها وجعلتها كما أسلفت في رسالة ليعم بها النفع ولتمام الفائدة أضفت بعض المسائل التي لم يذكرها الشيخ لعموم الوقوع فيها وكثرة السؤال عنها.
وليعلم أخي القارئ أن هذه المسائل في بيع الصابون تنطبق على غيره مما يتعامل به الناس في كل بلد مما يجعلونه وسيلة للحصول على المال، ومسائل التورق توسع فيها الناس كثيراً، ولكن إذا ضبطت بالضوابط الشرعية فلا حرج فيها ، أما إذا كانت تحايلاً على الربا فهي محرمة مهما كانت المعاذير والأسباب، والله المستعان.
المسألة الأولى:
هل هناك في الشريعة بيع يسمى بهذا الاسم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
أقول وبالله التوفيق لا يوجد في الشريعة ما يسمى ببيع الصابون، ولا بيع الشاي، ولا القهوة، ولا بيع كذا وكذا، وإنما هو نوع من البيوع التي متى اشتملت على شروط صحة البيع حكم بصحة هذا البيع ومتى تخلفت هذه الشروط وفقدت أو فقد بعضها حكم ببطلان هذا البيع وعدم صحته.
فالأصل في البيع الحل لقوله تعالى:"وأحل الله البيع" (1) ولما كانت حاجة الناس إلى البيع ضرورية جاءت الشريعة بإباحته وحله، لكن جعلت له ضوابط تحكمه، وهذه الضوابط حماية لكل من البائع والمشتري، ومن تأمل فيها علم أن شريعة الإسلام ذات محاسن جمة بل علم أن شريعة الإسلام هي الشريعة المناسبة للفطرة التي ارتضاها الرب سبحانه لنفسه، ورضيها لخلقه، حيث قال: "ورضيت لكم الإسلام ديناً" (2) فكونه سبحانه وتعالى رضيها لنا وذلك يوجب أن نتحاكم إليها في جميع شؤوننا الدينية والدنيوية.
المسألة الثانية:
ما الاسم الشرعي الصحيح لمثل هذا البيع؟
الجواب:(5/136)
ليس هناك اسم شرعي يسمى به هذا النوع من البيوع، بل هو نوع من أنواع البيوع التي يشترط فيها شروط فمتى استوفاها سمي بيعاً صحيحاً، ومتى افتقدها أو تخلف بعضها سمي بيعاً باطلاً.
أما تسمية بيع الصابون بهذا الاسم فلا أعرف أحداً من الفقهاء ذكره بهذا الاسم فهم يذكرون أسماء بيوع منهي عنها، أو مختلف فيها، كبيع المصحف مثلاً هل هو جائز أم غير جائز، أو بيع الأصنام، والتماثيل أو بيع الكلب، ونحو ذلك مما جاءت نصوص السنة بالنهي عنه.
المسألة الثالثة:
ما ضوابط بيع التورق؟
قبل أن نبين ضوابط هذا النوع من البيوع من الضروري بيان معناه وذلك لأن هذا النوع من البيوع لم يسمه بهذا الاسم أعني (التورق) إلا فقهاء الحنابلة أما غيرهم فقد جعلوه في المسائل المتعلقة ببيع العينة وأدرجوه فيها، ولم يفرده باسماً خاصاً إلا الحنابلة كما ذكرنا.
فنقول بيع التورق في اصطلاح الفقهاء هو: أن يشتري سلعة نسيئة (أي بأجل)
ثم يبيعها نقداً – لغير البائع- بأقل مما اشتراها به ليحصل بذلك على النقد.
أما حكم هذه المسألة فقد اختلف فيها الفقهاء، فجمهور أهل العلم على أنها جائزة، وعللوا ذلك بأن المشتري للسلعة يكون غرضه منها إما عينها، وإما عوضها وكلاهما غرض صحيح، وعللوا أيضا بأنه نوع من البيوع التي لم يظهر فيها قصد الربا وصورته، ولهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية بجوازه (3) وهذا هو الصحيح.
أما القول الثاني فهو القول بتحريمه ( التورق) وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا ابن القيم، وانتصر لها بقوة وعللوا ذلك بأن الغرض منها هو أخذ دراهم بدراهم ودخول السلعة بينها للتحليل وتحليل المحرم بالمسائل التي لا يرتفع بها حصول المفسدة لا يغني شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم "وإنما لكل امرئ ما نوى" (4).
الصحيح القول بجواز هذا النوع من البيوع نظراً لحاجة الناس وقلة من يقرضهم.
أما عن الضوابط الشرعية لمسألة التورق فقد ذكر بعض أهل العلم شروطاً لجوازها، منها:
(1) كون المشتري محتاجاً للدراهم فإن لم يكن محتاجاً لها فلا يجوز.
(2) أن لا يتمكن المحتاج من الحصول على المال بطرق أخرى مباحة غير هذه الطريقة كالقرض، أو السلم مثلاً، فإن كان يمكنه الحصول على حاجته بدون التورق لم يجز له ذلك.
(3) أن لا يشتمل العقد على ما يشبه صورة الربا كأن يقول له بعتك هذه السلعة العشرة أحد عشر، فهذا كأنه دراهم بدراهم فلا يصح.
أما الطريقة الصحيح في ذلك أن يقول له بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة مثلا.
(4) أن لا يبيعها المشتري إلا بعد قبضها وحيازتها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم حيث نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم (5).
(5) أن لا يبيعها المشتري على من اشتراها منه بأقل مما اشتراها منه بأي حال من الأحوال لأن هذا هو بيع العينة الذي جاءت نصوص الشريعة بتحريمه.
فهذه جملة من الضوابط التي ذكرها بعض أهل العلم لجواز بيع التورق.
وقد رجح شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- جواز هذا النوع من البيوع وقد سألته عام 1400هـ أثناء بحثي لهذه المسألة في رسالة الدكتوراه- البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق- فقال ياولدي إذا أحسن من يوسع على الناس النية، ولم يأخذ ربحاً كثيراً فهو مأجور إن شاء الله. أما شيخنا الشيخ محمد العثيمين فقد تشدد فيها ومنعها إلا بضوابطها الشرعية.
المسألة الرابعة:
صفة البيع السائدة:
أن يذهب شخص إلى أحد محلات بيع الجملة فيشتري كمية من الصابون بمبلغ (500) ريال مثلاً ويحجزها في زاوية من زوايا المحل، ثم يأخذ فاتورة بها، ثم يأتي شخص آخر ويشتري منه كمية الصابون بمبلغ (800) ريال مثلاً مؤجلة أو على أقساط شهرية. ثم يذهب بالفاتورة إلى محل الجملة ويبيعها عليهم أو على غيرهم.
فما حكم هذه الصورة من البيع؟
الجواب:
قبل أن نبين حكم هذه الصورة من البيوع نذكر هنا باختصار الشروط المعتبرة شرعا في البيع ليكون صحيحاً ومن خلالها يمكن للسائل معرفة حكم هذه الصورة المذكورة.
فنقول أولاً من شروط البيع:
1. كون البيع عن تراض بين الطرفين؛ لقوله تعالى:"إلا أن تكون تجارة عن تراض" (6) ولقوله صلى الله عليه وسلم "إنما البيع عن تراض" (7).
فمتى أكره الإنسان على بيع شيء فإن البيع لا يكون صحيحاً إلا أن يكون الإكراه بحق، فالبيع يكون صحيحاً كمن كان مديناً وطالبه الغرماء بالسداد وعنده سلع فهنا يجبره القاضي على البيع لسداد دين الغرماء .
2. كون العاقدين يجوز تصرفهما وهما ممن اجتمعت فيه ثلاثة شروط:
(1) كونه حراً فلا يجوز بيع المملوك إلا بإذن سيده.
(2) كونه بالغاً فيخرج منه من دون البلوغ وهم قسمان:
الأول: من هو دون التمييز، فهذا لا يصح بيعه بإجماع أهل العلم
الثاني : من هو مميز، ولكنه دون البلوغ، وهذا محل خلاف بين أهل العلم
(3) كونه رشيداً :
فلا يصح بيع من لا يحسن التصرف كالسفيه مثلاً، وهو من به خفة في عقله فلا يصح بيعه ولوكان كبيراً لقوله تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" (8)
3. كون المبيع منتفعاً به كالدراهم، والثياب، والحيوانات، والمشروبات، وغيرها مما يباح نفعه مطلقاً من غير حاجة.
أما ماليس فيه نفع كالحية، والفأرة وغير ذلك مما ليس فيه نفع فلا يجوز بيعه.
4. كون المبيع مملوكاً للبائع، أو مأذوناً له فيه من جهة مالكه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما ليس عندك" (9).
5. كون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع العبد الآبق، والجمل الشارد، ولا الفرس العاثر (10) ولا يجوز بيع الطيور في السماء كالحمام، والصقور، ولو ألفت الرجوع لأنه لا يقدر على تسليمها.
واشترط هذا الشرط لأن قبض المبيع واستيلاء العاقد عليه هو المقصود من البيع حتى يتمكن المشتري من الانتفاع به والاستيلاء عليه، فإذا عدم هذا الشرط عدم الغرض المقصود وحصل أيضاً به الغرر الذي جاءت السنة بالنهي عنه. فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر" (11).
6. كون المبيع والثمن معلوماً للمتعاقدين؛
فالمعلومية في المبيع تكون بأحد أمرين:
1. رؤية المبيع كله أو بعضه.
2. ذكر صفة المبيع.
أما معلومية الثمن كأن يكون الثمن معلوماً قدره وصفته للطرفين وهل هو حال أو مؤجل.
7. من الشروط كون المبيع مقبوضاً للمشتري؛
فمتى قبض المشتري سلعة من البائع واستوفاها صح البيع، أما التصرف في البيع قبل القبض فإنه لا يجوز.
والقبض يختلف باختلاف المبيعات فكل شيء يكون قبضه بحسبه. فقبض ما يؤكل كالطعام مثلاً، أو الدواب، وكذا السيارات، وغير ذلك مما يتم بالنقل، يكون قبضه بنقله من مكانه الذي بيع فيه، وما يكال ويوزن ويعد يكون قبضه بوزنه، وعده، وكيله، بالإضافة إلى نقله على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإلا فالمذهب أعني مذهب الحنابلة يرون أنه يكتفى بكيله ووزنه وعده، لكن الصحيح ما ذكرناه من اشتراط النقل وذلك لعدة أمور:
(1) لأن النزاع قد يقع بين البائع والمشتري.
(2) لعموم حديث زيد بن ثابت، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" (12) ولفظ السلع هنا عام يشمل جميع المبيعات.
(3) القياس على الأحاديث التي وردت في الكيل والوزن ويلحق بها مالم ينص عليه ولا يختص بها.(5/137)
(4) أن العلة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع هو إزالة الضرر عن البائع والمشتري، فبقاؤها في محل البائع يعرضها إلى بيعها مرة أخرى فقد يشتريها منه من يأتي بثمن أكثر فهنا يحصل الضرر على المشتري الأول. أما ضررها على البائع فقد يتأخر المشتري وتتعرض السلعة للتلف وبالتالي يطالب البائع برد قيمتها أو يفوت بيعها على البائع فيحصل الضرر، لذا جاءت الشريعة بإلزام المشتري بنقل المبيع من مكانه حتى لا يحصل الضرر.
أما الأشياء التي لا تنقل كالأراضي، والعقارات، ونحوها، فيكون قبضها بتخليتها وإيقاف المشتري عليها ويقال له هذه أرضك أو بيتك.
أما البيوت فيكون القبض بتخلية البيت وإعطائه المفاتيح.
والخلاصة هنا في هذا الشرط أنه لا يجوز التصرف في المبيع ولا بيعه قبل قبضه على الصورة التي ذكرناها فمتى باعه قبل قبضه فالبيع باطل.
ومن هنا نقول للسائل يمكنك أن تعرف الإجابة على سؤالك حول هذه المسألة المذكورة، فنقول بأن هذه الصورة المذكورة التي سألت عنها غير جائزة، لأن نقلها من ناحية البائع إلى ناحية أخرى في محل البيع لا يعتبر قبضاً تاماً.
المسألة الخامسة:
هل هذا الحكم ينطبق على غير الصابون كالإسمنت، والحديد، ومواد البناء، وبطاقات سوى، والشاي، وغير ذلك؟
الجواب :
نعم جميع الشروط السابقة في البيع أي التي ذكرناها هي شروط في كل مبيع لابد من توافرها فمتى تخلف بعضها صار البيع غير صحيح.
المسألة السادسة :
حكم هذه الصورة من البيع؟
الجواب:
قد تمت الإجابة على هذه المسألة في المسألة الرابعة فلتراجع
المسألة السابعة:
ما الصفة الصحيحة لهذا البيع ليكون جائزاً ؟
الجواب:
لكي يكون البيع صحيحاً فإنه يشترط فيه أن يستوفي جميع شروط البيع التي ذكرناها آنفاً، أما عن الصفة التي ذكرتموها عن بيع الصابون فهي وإن اشتملت على أكثر شروط البيع غير أنها تخلف عنها شرط القبض الذي يتناول إخراجها عن محل البائع فلا بد أن تنتقل من المحل لكي تكون صفة هذا البيع صحيحة.
المسألة الثامنة:
ما حكم البيوع على الأقساط؟
الجواب:
البيع بالتقسيط لا حرج فيه لعموم قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" (13) وقد باع أصحاب بريرة -رضي الله عنها- بريرة نفسها كاتبوها على أقساط، في كل عام أوقية (وهي أربعون درهماً) باعوها على تسعة أقساط (14) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر ذلك عليهم.
لكن يشترط في هذا البيع أن تكون الأقساط معروفة والآجال معلومة، فمثلاً إذا اشترى شخص سيارة قيمتها (100،000) مائة ألف ريال على أقساط فلا بد أن تكون هذه الأقساط معروفة كأن تكون (10،000) عشرة آلاف ريال كل سنة مثلاً أو كل خمسة أشهر على حسب ما يتفقان عليه.
دليل ذلك قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" (15) ولقوله صلى الله عليه وسلم "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" (16)
وخلاصة الإجابة على هذه المسألة أن البيع بالتقسيط جائز إذا كانت الأقساط معروفة والآجال معلومة.
لكن هناك مسألة وهي هل الزيادة في القيمة مقابل الأجل جائزة؟
الجواب:
بعض أهل العلم قال بأن الزيادة مقابل الأجل غير جائزة؛ لأنها داخلة في البيع المنهي عنه، وهو: بيعتان في بيعة. وقال آخرون بل الزيادة لا مانع منها في مقابل الأجل وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك حيث أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل (17)وهذا هو الصحيح وبه قال شيخنا ابن باز وأكثر أهل العلم.
المسألة التاسعة:
هل يجوز أن يشتري رجل الصابون مثلاً ثم يحجزه في زاوية من زوايا المحل التجاري الذي اشتراه منه؟
الجواب:
لقد جاء نصوص السنة بالنهي عن البيع ما لم يقبض وقد ذكرنا أصول القبض وطريقته الشرعية وسنذكر هنا طرفاً من الأدلة التي تدل على اشتراط القبض والنقل ليكون السائل على بينة من الأمر. فمن ذلك:
1. ما رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" (18) أي لا تبع ما لا تملكه، وغير القابض للسلعة هو في الحقيقة غير مالك لها.
2. ما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" (19) ولذا بوب مسلم على هذا الحديث باباً فقال باب بطلان بيع مالم يقبض وذكر الحديث.
3. ما رواه مسلم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نشتري الطعام جزافاً فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا" (20)
4. ما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" (21)
وبهذه الأحاديث وغيرها مما جاء في معناها يتضح لنا أنه لا يجوز بيع سلعة ما لم يملكها المشتري ويحوزها إلى ملكه ، ويتضح لنا أيضاً أن ما يفعله البعض من بيع ما لم يقبضه أو يشتري السلعة ثم يبيعها في محل البائع قبل أن يقبضها القبض الشرعي أن هذا أمر لا يجوز لما فيه من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولما فيه من التلاعب بالمعاملات ولما يترتب على ذلك من الفساد والشرور، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.
أما هل يكون مالكاً بهذه الصورة التي ذكرها السائل؟
نقول بأنه لا يكون مالكاً له حتى ينقله من المحل الذي بيع فيه، وإلا لم يصح البيع إن باعه في نفس المحل.
المسألة العاشرة:
هل يشترط في البيع أن ينقل المشتري المبيع؟ وما ضابط نقله له؟
الجواب:
تمت الإجابة على هذه المسألة وذكرنا أنه يشترط النقل من المكان الذي بيعت فيه وذكرنا الضوابط لذلك.
المسألة الحادية عشرة:
ما حكم البيع إلى أجل مع زيادة الثمن مقابل الأجل؟
الجواب:
ذكرنا أن الصحيح من أقوال أهل العلم صحة البيع إلى أجل مع الزيادة في الثمن مقابل الأجل فلا مانع من هذا.
المسألة الثانية عشرة:
ما الحكم لو تم البيع إلى أجل ثم حل الأجل ولم يستطع المشتري السداد فهل يجوز للبائع أن يمهله أشهراً مقابل أن يزيد في المبلغ؟
الجواب:
لا تجوز الزيادة في مقابل الإمهال إذا تم البيع أولا، بل هذا هو ربا الجاهلية الذي جاءت نصوص الشرع بالنهي عنه والتحذير منه فالحذر الحذر من الوقوع في مثل هذا النوع من البيع.
المسألة الثالثة عشرة:
أحياناً ينصرف المشتري عن البائع ولم يتفقا على تحديد الثمن، هل يكون حالا أو مؤجلاً؟ بعد أن تم البيع بينهما، ولكن يقول أحدهما: إن حضر المبلغ نهاية الشهر فهو بالثمن الحال، وإن لم يحضر فهو بالثمن المقسط فهل يصح ذلك؟
الجواب:
لا يصح ذلك، فلا بد من الاتفاق على نوع البيع هل هو حال أم مؤجل، فلا يتفرقا بالأبدان إلا بالاتفاق على أحدهما إما حالاً أو مؤجلاً لأن هذه صورة من صور البيعتين في بيعة التي جاءت نصوص السنة بتحريمها لما فيها من الجهالة التي تفضي إلى النزاع والخلاف.
المسألة الرابعة عشرة:
ما الحكم لو أراد البائع أن يشتري السلعة ذاتها من المشتري سواء بالاتفاق أو بدونه؟
الجواب:(5/138)
إذا تم البيع بينهما بطريقته الشرعية التي ذكرناها سابقاً بحيث يكون المشتري حاز سلعته حيازة تامة وقبضها ثم أراد أن يبيعها إلى البائع الأول فهذا يجوز، ولكن بشرط أن لا يبيعها بثمن أقل مما اشتراها منه، بل يشتريها البائع الأول بثمنها الذي باعها به أو يشتريها بأكثر من ثمنها لأن شراءه لها بأقل يجعلها معاملة ربوية لأنها في الحقيقة بيع دراهم بدراهم وكأنت السلعة بينهما ما هي إلا لتحليل هذا النوع من البيوع وهو بيع العينة المنهي عنه كما ذكرنا.
وللفائدة هنا نبين معنى بيع العينة فقد عرفه الفقهاء بأنه أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه للمشتري ثم يشتريها قبل قبض الثمن نقداً بثمن أقل من ذلك القدر، هذه هي العينة.
المسألة الخامسة عشرة:
ما حكم الشرط الجزائي في الديون الذي تفعله بعض مكاتب الخدمات حيث يقوم المشتري بالسداد في كل شهر فإن تأخر فعن كل شهر يتأخره زيادة (300) ريال مثلاً.
الجواب:
هذا الشرط محرم، لأنه عين ربا الجاهلية الذي جاءت نصوص الشريعة بتحريمه والتحذير منه والوعيد لمن قام به قال تعالى: "ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..." (22).
المسألة السادسة عشرة:
ما الحكم لو شرط البائع شرطاً جزائياً فقال: إن تأخر المشتري عن السداد فيحق لي توكيل أحد مكاتب المحاماة على أن يتحمل المشتري جميع تكاليف المعاملة المادية؟
الجواب:
هذا الشرط لا يسوغ لما فيه من الغرر والجهالة وذريعة لحصول الربا ولما يترتب عليه من مفاسد كثيرة، والذي ينبغي على البائع أن يحسن المعاملة مع المشتري وأن يتعامل معه بالرحمة واللطف والإحسان لأن هذا من مقاصد الشريعة، فشريعة الإسلام تدعو إلى الرأفة والرحمة بالبشر وحسن الأداء والقضاء وإنظار المعسر والتوسعة عليه.
المسألة السابعة عشرة:
ما الحكم لو أن المشتري للصابون وغيره وكل البائع على تصريفه له؟
الجواب:
إذا تم البيع وملك المشتري السلعة وحازها حيازة شرعية بحيث قبضها ونقلها من المحل الذي اشتراها منه إلى مكان أخرى ثم وكل المشتري ببيعها له فلا حرج في ذلك، أما كونه يشتريها ثم يبقيها عنده ليبيعها له فهذا لا يجوز، لأنه في الواقع لم يقبضها القبض الشرعي الذي سبق أن بيّناه.
المسألة الثامنة عشرة:
هل تشترط رؤية المبيع للصابون أو غيره أو يكفي مجرد معرفته؟
الجواب:
ذكرنا فيما مضى أن من شروط البيع كونه معلوماً للمتعاقدين لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر فإذا كان المبيع غير معلوم فهنا تكون جهالة وغرر فلا يصح البيع حينئذ، والمعلومية للمبيع تتحقق بأحد أمرين:
الأول: رؤية المبيع كله أو بعضه الدال على بقيته، فمثلا لو اشترى كمية من الصابون تعادل 100 كيس منه فرؤيته تتحقق برؤية الكمية كلها أو يكفي حفنة واحدة من الكيس لأن البعض يدل عل الكل.
ثانياً: مما تكون به معلومية المبيع بيان صفته، كأن يقول أبيعك صابوناً اسمه كذا وصفته كذا وكذا فهنا الصفة تكفي لعدم الجهالة والغرر.
وعلى ذلك فيشترط رؤية الصابون أو معرفته معرفة تامة قبل البيع لأن الوصف الذي يكفي في السلم يقوم مقام الرؤية على الصحيح من أقوال أهل العلم ويلزم العقد به في الحال.
المسألة التاسعة عشرة:
ما الحكم لو نفذ الصابون عند البائع ثم جاءه شخص آخر فطلب منه صابوناً فقال البائع: تأتي غداً وتجد الكمية المطلوبة؟
الجواب:
هذا ما يسمى بالوعد بالشراء وهذا في الحقيقة ليس شراء وإنما هو وعد بذلك، فإذا أراد إنسان شراء حاجة وطلب من أخيه أن يشتريها لنفسه ثم يبيعها عليه فلا حرج في هذا البيع بشرط أن يقبضها المشتري الأول ويتملكها ثم يتفق مع المشتري الثاني ويبيعها عليه بعد ملكيتها وقبضها.
المسألة العشرون:
الغالب أن مكاتب الصابون تكتب عقداً صورياً فقط ويكون فيه غير ما تم الاتفاق عليه بين البائع والمشتري، بل يكتب في العقد " أن فلاناً وهو البائع..."
الجواب:
هذا مما لا يجوز أيضاً، لما فيه من الغرر، والجهالة، والكذب، فالاتفاق على الأشياء غير ما تم بينهما هو غش، وكذب، وعدم ذكر اسم كل من البائع أو المشتري في العقد فيه غرر، وجهالة وهذا منهي عنه.
بل الواجب كتابة ما تم بينهما، ولا يزاد عليه، ولا ينقص منه، لكي يكون البيع صحيحاً، وتكون المعاملة على الصدق، والصراحة.
المسألة الحادية والعشرون:
البعض من البائعين يقول للمشتري: "ضع يدك على كمية الصابون! فيضع المشتري يده" هل يعتبر بذلك مالكاً لها؟
الجواب:
لا يعتبر بذلك مالكاً لها بل لا بد من رؤيتها ثم نقلها من مكانها الذي بيعت فيه على الصفة المذكورة سابقاً وأما مجرد الوضع لليد عليها فلا يفيد أنه قد ملكها أو صارت في حوزته.
المسألة الثانية والعشرون:
بعض البائعين يشترط شرطاً جزائياً مضمونه أنه في حال تأخر المشتري عن السداد فإن المبلغ المتبقي يحل عليه كاملاً، فهل يجوز ذلك؟
الجواب:
هذا الشرط وهو حلول المبلغ بكامله دفعة واحدة عند تأخر المشتري في تسديد أحد الأقساط أو بعضها؛ هذا الشرط غير صحيح لأنه ينافي مقتضى العقد، وهو التأجيل الذي استحقت به الزيادة.
والواجب على البائع متى علم أن المدين معسر إنظاره لقوله تعالى: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" (23).
المسألة الثالثة والعشرون:
أحياناً يجعل للبيع قيمتان، فيقول البائع للمشتري: "هذه الكمية بعشرة آلاف ريال إذا تأخرت عن السداد، وإذا لم تتأخر فهي بثمانية آلاف ريال"
فهل يصح ذلك؟
الجواب:
هذا أيضاً مما لا يجوز لأنه جعل قيمتين لسلعة واحدة . وهذا لا يجوز حيث لم يقطعا سعراً محدداً للسلعة، والثمن لابد أن يكون معلوماً وهذا أحد شروط البيع السابقة.
بعض المسائل في البيوع
أولاً: مسائل في بيع السيارات
المسألة الأولى:
تحريك السيارة داخل المعرض كما يفعله البعض لا يعتبر حيازة وقبضاً وعلى ذلك لا يكون البيع صحيحاً لكونه بيعاً قبل قبض السيارة.
المسألة الثانية:
لا يجوز بيع السيارة قبل أن تستكمل الإجراءات النظامية من الحصول على ورقة المبايعة، واستلام السيارة، ورؤيتها، ونقلها من المعرض، لأنه لا يكمل قبضها إلا بذلك، وأما نقل ملكية السيارة فالصواب أنه لا يلزم.
المسألة الثالثة:
التأمين على السيارة محرم لما في ذلك من الغرر وأكل الأموال بالباطل، لكن إذا ألزم الإنسان به فيقدم عليه تحقيقاً لأعلى المصلحتين ودفعاً لأعلى المفسدتين، فطاعة ولي الأمر في هذا الباب ألزم وأوجب.
المسألة الرابعة:
بعض الناس يحتاج لشراء سيارة ولا يملك قيمتها، فيذهب لزيد من الناس ليشتريها له على أن تكون هناك زيادة عن ثمنها الأصلي الذي اشتراها به، هذه الزيادة حرام لأن هذه حيلة على الربا لأنه في الحقيقة كأنه أقرض هذا الرجل ثمنها بفائدة.
ثانياً:مسائل في بيع الذهب
المسألة الأولى:
لا يجوز بيع الذهب إلى أجل فقد أجمع أهل العلم على تحريمه لأنه ربا نسيئة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ... إلى قوله يداً بيد"
المسألة الثانية:
من اشترى ذهباً وبقي عليه من قيمته شيء، فطلب من البائع إمهاله أياماً لإحضار الباقي له فهذا العمل لا يجوز، فإن فعله صح العقد فيما قبض عوضه وبطل فيما لم يقبض.
المسألة الثالثة:
لا يجوز التعامل بالشيكات في بيع الذهب، أو الفضة، وذلك لأن الشيك لا يعد قبضاً وإنما هو وثيقة حوالة فقط، وإذا لم يكن الشيك قبضاً فإنه لا يصح البيع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في بيع الذهب والفضة أن يكون يداً بيد.(5/139)
المسألة الرابعة:
بعض الناس يشتري الذهب والفضة فيدفع بعض قيمتها ثم يبقيها عند البائع لحين سداد القيمة كاملة، وهذا لا يجوز لأن مقتضى البيع أن يكون ملك ذلك المشتري فيجب أن تنقل إليه وبهذا لا يجوز هذا العمل بل لا بد من قبض الثمن كاملاً ثم إن شاء المشتري أبقاها عند البائع أو أخذها.
المسألة الخامسة:
تبديل الذهب بذهب مع إضافة قيمة التصنيع إلى أحدهما هذا محرم ولا يجوز، لأنه داخل في الربا الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة ... إلى قوله... فمن زاد أو استزاد فقد أربى" (24).
المسألة السادسة:
الطريقة السليمة في استبدال الذهب بالذهب هي:
أن يباع الذهب القديم من غير مواطأة ولا اتفاق. فإذا قبض صاحبه الثمن فإنه يشتري الشيء الجديد من المحل نفسه، أومن غيره، فلا بد من إنهاء المعاملة الأولى، ثم إجراء المعاملة الثانية.
ثالثاً:مسائل في بيوع أخرى.
المسألة الأولى:
يقوم بعض الناس ببيع بعض محلاتهم بما فيه جزافاً دون معرفة المال الذي في المحل وبلا بصيرة بما فيه، وهذا النوع من البيوع غير صحيح لما فيه من الجهالة والغرر، ولكي يكون البيع صحيحاً فلا بد من معرفة المال الموجود فيه وأن يكون البائع والمشتري على بصيرة بذلك.
المسألة الثانية:
لا يكون الكلام قبضاً للسلعة كما هو الواقع غالباً، بل لا بد من نقل السلعة إلى ملكه، أو إلى السوق وإخراجها من المحل الذي بيعت فيه.
المسألة الثالثة:
يجوز أخذ العربون من المشتري و في حالة عدم وفاء المشتري أو رجوعه في البيع يحق له أن يحتفظ به لنفسه ولا يرده للمشتري إذا فسخ العقد في أصح قولي العلماء.
المسألة الرابعة:
لا يجوز احتكار السلع وتخزين شيء الناس في حاجة إليه لما في ذلك من الإضرار بالمسلمين.
أما تخزينه حتى يحتاج إليه وكان الناس في غنى عنه فيجوز.
المسألة الخامسة:
إذا قامت الدولة بوضع تسعيرة لمبيع فإنه لا تجوز الزيادة عليه بل الواجب التمشي مع النظام الذي تضعه الدولة، لأن في مخالفته مضرة عليك وعلى الآخرين.
المسألة السادسة:
يجب على البائع بيان ما في سلعته من عيب إن كان فيها عيب ولا يحل له كتمان ما فيها من العيوب، فلا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
(1) سورة البقرة الآية: 275
(2) سورة المائدة الآية :3
(3) انظر فتاوى اللجنة الدائمة (13/161) رقم الفتوى 16402
(4) رواه البخاري ( 1/7 ) ومسلم ( 1907)
(5) رواه أبو داود في كتاب البيوع-باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى برقم (3499) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2988)
(6) سورة النساء ، الآية (29)
(7) روا ابن ماجة برقم (2185 وصححه الألباني في الإرواء (5/125) برقم 1283
(8) سورة النساء الآية (5)
(9) رواه أحمد في مسند حكم بن حزام برقم (14887) ورواه الترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك برقم (1232) وابن ماجة برقم (2187 )
(10) الفرس العاثر أي الشارد
(11) رواه مسلم في كتاب البيوع- باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر برقم (1513)
(12) رواه أبو داود برقم (3499) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2988)
(13) سورة البقرة الآية ( 275)
(14) رواه البخاري - كتاب البيوع- باب إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل (الفتح 4/376)
(15) سورة البقرة، الآية:282
(16) رواه البخاري (باب السلم في وزن معلوم) برقم (2241) ومسلم برقم (1604)
(17) رواه الدارقطني وقوى إسناده ابن حجر في الفتح (الفتح 4/419)
(18) سبق تخريجه
(19) رواه البخاري في كتاب البيوع (2126) ومسلم (1526)
(20) رواه مسلم في كتاب البيوع- باب بطلان البيع قبل القبض برقم (1526)
(21) سبق تخريجه.
(22) سورة البقرة الآيات (278، 279 )
(23) سورة البقرة الآية (280)
(24) رواه الإمام أحمد في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة - مسند أبي هريرة برقم (7131)- ورواه مسلم في المساقاة -باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً برقم (1584) وبرقم (1588).
=============
أحكام الأسهم [1/2]
هاني بن عبد الله الجبير 20/7/1427
14/08/2006
- مقدمة:
- تمهيد:
- حقيقة السهم وقيمته:
- عوامل تفاوت قيمة الأسهم السوقية :
- مكان تداول الأسهم
- هل يجوز بيع الأسهم وشراؤها؟
- شروط تداول الأسهم المباحة:
- مقدمة:
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله .
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا .
أما بعد :
فإن دين الإسلام هو الدين الذي ختم الله تعالى به الأديان ، وهو الدين الذي لا يقبل الله تعالى من أحد أن يتديّن بغيره ؛ قال تعالى : "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"(1)، فلمّا كان الإسلام بهذه المثابة كان صالحًا لكل زمان ومكان ، ولذا فهو يجمع بين التطور والثبات ، القواعد التي قررها الله تعالى في كتابة وقررها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في سنته وأجمع عليها أئمة الإسلام قواعد ثابتة لا تتغير ولا تتبدل يستضيء بها المجتهد في كل نازلة ومسألة تلم بالمسلمين ، ومهما حصل للمسلمين من قضايا ونوازل حديثة أو قديمة سواء كانت تتعلق بنفس الإنسان أو تجارته أو طريقة تنقله أو بعلاجه وتطبيبه ودوائه فإنّه سيجد في قواعد الشريعة الثابتة بيانًا لحكم هذه المسألة ، ولذا كانت هذه الشريعة متطورة مع ما فيها من الثبات ؛ لأنها وضَعَت القواعد التي يمكن للإنسان أن يعرف من خلالها حكم كل واقعة ، وبذلك يصبح للمجتهد القدرة على أن ينظر في كل نازلة تقع ويبيّن حكمها الشرعي . وهذه الشريعة لم تترك تصرفًا من تصرفات الإنسان إلا وبينت فيه حكمًا يمنّ الله به على من يشاء من عباده ؛ فإنّ الفقه في الدين منة من الله تعالى على عباده لم يعطيها كل أحد ؛ قال صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) (2).
وبحمد الله فإنَّ هذه الشريعة لا تأتي بشيء يعارض الفطرة، ولذا حث الشرع على تحصيل المال كما قال تعالى: "فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون"(3) وليس جمع المال محظورًا ، إنما المحظور أن يجمع المال من الحرام.
عن أبي برزة الأسلمي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) (4).
فالإنسان مسئول عن هذا المال من حيث طريقة الإنفاق وطريقة الكسب . ولذا فإنَّ معرفة طرق الكسب المباحة وطرق الكسب المحرمة من أهم ما ينبغي لمن أراد أن يدخل في أي تجارة من أنواع التجارات .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقّه في الدين) (5).
وفيما يلي عرض موجز لطريقة اكتساب معاصرة نلقي الضوء عليها بما أرجو أن يكون نافعاً والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.
- تمهيد:
نشهد هذا العصر تطورات اقتصاديّة كثيرة تحتّم أن تتم الأعمال عن طريق تكاتف أعداد كبيرة من المساهمين لتجميع مبالغ ضخمة يمكن من خلالها إنشاء المشاريع الكبيرة التي لا يكفي في إنشائها رؤوس أموال بسيطة .(5/140)
كما توجه كثير من الناس إلى البحث عن طرق يتمكنون بها من استثمار مدخراتهم القليلة، والتي لا يمكنهم من خلالها إنشاء مشاريع مستقلة، وذلك عن طريق اجتماع عدد منهم لتحصيل رأس المال المطلوب.
وتزايدت هذه الحاجة مع تزايد الرغبة في تنويع وتكثير مصادر الدخل لوجود الإكباب على الدنيا والحرص على التزيّد منها ، ولوجود الضغوط الحياتية المعاصرة .
كما أن وجود الشراكات في المنشآت التجارية يحقق لها الاستقرار والاستمرار ؛ لأنها بذلك لا تتأثر بحياة ما لكيها وهذا يدعم النهضة الاقتصادية .
ومن هنا وجدت الحاجة إلى وجود الشركات بأنواعها خاصّة المساهمة منها.
وأصل مبدأ الشراكة موجود في العصور الماضية ، حتى وجدت بعض القواعد المتعلّقة به في مدونات الرومان ، ولذا تناولها الفقهاء في باب مستقل وهو باب الشركة ، وبينوا جملة من أحكامها ، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بمال لخديجة رضي الله عنها ليتاجر به (6) وهذه شراكة بينهما ، ومضاربة بمالها .
ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وقسمها بين أصحابه ، عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمار مقابل عملهم(7)، وهذا نوع من أنواع المشاركات التي تعتمد على بذل المال من أحد الطرفين ، والقيام بالعمل من الطرف الآخر وهو الذي يسمى : ( شركة المضاربة ) المعروفة في الفقه الإسلامي .
وفي هذا العصر وجدت للشركات تسميات جديدة ، واستحدث لها أساليب جديدة .
ومن هذه الشركات: الشركات المساهمة.
والشركة المساهمة: هي الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية قابلة للتداول، ويكون الشريك مسئولاً عن ديون الشركة بقدر حصّته(8).
وهي شركة تعتمد على جمع أموال المكتتبين على قدر طاقتهم لتحقيق رأس المال المطلوب لها.
وأغراضها متعددة، فقد تكون تجاريّة، أو صناعية، أو زراعية.
وهذه الشركة نوع جديد من المعاملات ينطبق عليها وصف شركة المضاربة، أو شركة العنان والمضاربة، ولكن مع زيادة شروط لم تكن في الشركات السابقة، وهذه الشروط الأصل فيها الإباحة إلا إذا دل دليل على التحريم. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم ، إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا) (9).
قال ابن القيم: " جمهور الفقهاء على أنّ الأصل في العقود والشروط الصحّة، إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح؛ فإنّ الحكم ببطلانها حكمٌ بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنّه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله "(10) .
- حقيقة السهم وقيمته:
السهم نصيب معلوم من رأس مال مشترك لمجموعة من المشتركين، وكل منهم يمثّل جزءًا من أجزاء متساوية، وهو عبارة عن حصّة مشاعة من كامل حجم الشركة ومالكه يملك جزءًا من الشركة(11).
وقيمته لها أنواع(12):
1- قيمة اسميّة وهي التي يعلن عنها في الاكتتاب، وينص عليها في وثيقة الاكتتاب. وهي القيمة التي يدفعها المكتتب .
2- قيمة دفتريّة (حقيقيَّة) وهي النصيب الذي يستحقّه صاحب السهم في صافي أموال الشركة بعد حسم ديونها ويتم تحديده بعد معرفة موجوداتها وممتلكاتها .
3- القيمة السوقية وهي قيمة السهم في السوق عند التداول بالبيع والشراء.
فإذا حُلّت الشركة وانتهت نقدر قيمة السهم بالقيمة الحقيقية فقط والمفترض أن تكون قيمة السهم السوقيّة مماثلة لقيمته الحقيقيّة ، لكن بعض الظروف قد تؤثر على قيمة السهم السوقية.
- عوامل تفاوت قيمة الأسهم السوقية :
القيمة السوقية يتحكم فيه:
1- العرض والطلب.
2- الأمل المعقود على الشركة في نوعية إنتاجها والحصول على أرباح منها .
3- ما تدفعه من أرباح للمساهمين .
4- الأوضاع والظروف السياسية للدولة، فالدول المستقرة ترتفع فيها قيمة الأسهم والدول غير المستقرة سياسيًا تنخفض قيمة الأسهم فيها.
- مكان تداول الأسهم(13):
يتم تداول الأسهم في سوق أسهم قد يسمّى: (بورصة الأسهم). والبورصة سوق منظّم تنظيمًا خاصًّا، تتم العمليات فيه بواسطة وسطاء.
وأسواق الأسهم قد تكون أسواقًا أوليَّة، وهي التي يتم فيها إصدار الأسهم، أما الأسواق الثانويّة فهي التي تتم فيها تداول الأسهم.
والآن في المملكة العربيّة السعوديّة يتم إصدار الأسهم وتداولها عبر البنوك؛ لأنّه لا توجد أسواق خاصّة بالأسهم.
- هل يجوز بيع الأسهم وشراؤها؟
استقر رأي جماهير الفقهاء المعاصرين على جواز تداول الأسهم المباحة، وبعض الفقهاء يحرم تداولها ومن أدلّتهم:
1- أنَّ السهم جزء مجهول من رأس مال الشركة لا يعلم تحديده وبيع المجهول لا يجوز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر(14).
2- أن جزءًا من السهم أموال نقديّة ، أو ديون فبيع السهم مع اشتماله على ذلك دون تحديد مقداره تمامًا يكون مبادلة مال ربوي بمثله مع الجهل بالتماثل ، والجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل .
ويمكن أن يجاب عن ذلك:
1- بأنه يمكن تحديد مقدار السهم ومكوناته من خلال دراسة القوائم المالية للشركة ، ولو بقي بعد ذلك جهالة يسيرة فإنها تكون مغتفرة للقاعدة المعلومة من اغتفار اليسير ، خاصّةً وأن تتبع الجزئيات في مثل هذا فيه حرج ومشقّة ومن القواعد المقررة أن المشقّة تجلب التيسير .
2- وأمّا النقود والديون في الشركة فإنّها تابعة غير مقصودة ، وبذلك لا يكون لها حكم مستقل بل تكون تابعة لغيرها والقاعدة المتقررة في الفقه أنه يجوز تبعًا مالا يجوز استقلالاً .
ويدل على هذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع عبدًا فماله للذي باعه. إلاّ أن يشترطه المبتاع) (15).
فصح دخول المال في هذه المعاوضة لكونه تابعًا ، وسواء كان مال العبد موجودًا أو في ذمم الناس .
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : الأمرُ المجتمع عليه عندنا أنَّ المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له ، نقدًا كان أو دينًا أو عرضًا ، يُعْلم أو لا يُعْلم ، وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به ، كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عرضًا(16).
وبما سبق يظهر جواز بيع الأسهم والله أعلم(17).
- شروط تداول الأسهم المباحة:
ما سبق من أنّ الصواب إباحة تداول الأسهم مشروط بشروط، وليست الإباحة مطلقة وهذه الشروط و الضوابط هي:
1- أن يكون موضوع نشاط الشركة مباحًا وسيأتي تفصيل لهذا الضابط .
2- أن يكون تداول الأسهم بعد أن تبدأ الشركة في نشاطها الفعلي وذلك بأن تتملك بعض الأصول أو تشرع في بعض أعمالها أمّا قبل بدئها في نشاطها الفعلي فإنّه لا يجوز بيع الأسهم إلا بالقيمة الاسمية لها فقط.
والسبب أنَّ السهم قبل بدء الشركة في نشاطها الفعلي عبارة عن نقود فقط فإذا باع الإنسان سهمه فيكون قد باع نقدًا بنقدٍ فهنا لابد من التقابض والتماثل . أما إذا شرعت الشركة في نشاطها وتحولت أموالها - أو بعضها - إلى سلع وخدمات فهنا تخرج عن مسألة الصرف ويكون النقد تابعًا كما سبق.
3- من أهل العلم من يشترط لجواز شراء الأسهم أن يكون المقصود اقتناء وتملك الأسهم، أما اتخاذ الأسهم سلعة تباع وتشترى بقصد كسب فرق السّعر المتغيّر دون أن يكون له غرض في أسهم الشركة ولا يريد تملك أسهمها فهذا محرم عنده(18).
ومع وجاهة هذا القول إلا أنّه يخالف المعلوم من إباحة البيع والشراء سواء كانت رغبة المشتري تملك الشيء أو بيعه بعد رواجه.
|1|2|
(1) سورة آل عمران آية 85 .
(2) صحيح البخاري ( 71 ) ؛ صحيح مسلم ( 1037 ) .
(3) سورة العنكبوت آية 17 .
(4) سنن الترمذي ( 2417 ) وقال حديث حسن صحيح .
(5) سنن الترمذي ( 487 ) وقال هذا حديث حسن غريب.(5/141)
(6) المستدرك للحاكم ( 3/182 ) وصححه وأقره الذهبي ؛ مصنف عبد الرزاق ( 5/319 ) وهو مشهور في كتب السيرة وإن كانت أسانيده ضعيفة .
(7) صحيح البخاري ( 2285 ) ؛ صحيح مسلم ( 1551 ) .
(8) الشركات التجارية في النظام السعودي ، الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ص 42 .
(9) أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به في كتاب الإجارة باب أجرة السمسرة ، سنن الترمذي ( 1352 ) ؛ سنن أبي داوود ( 3594 ) ؛ سنن ابن ماجة ( 2353 ) ؛ مسند أحمد ( 366/2 ) وسنده حسن .
(10) إعلام الموقعين ( 1/344 ) . وانظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ( 29/346 ) .
(11) فقه الزكاة ، د. يوسف القرضاوي ( 1/521 ) .
(12) الشركات في النظام السعودي ، عبد العزيز الخياط ( 2/95 ) ؛ الأسهم والسندات وأحكامها ، أحمد الخليل ص 61 .
(13) انظر : أحكام السوق في الإسلام ، أحمد الدريويش ص 49 فما بعدها .
(14) صحيح مسلم ( 1513 ) .
(15) صحيح البخاري ( 2379 ) ؛ صحيح مسلم ( 3905 ) ( 1543 ) .
(16) الموطأ ص 394 ، كتاب البيوع ، باب ما جاء في مال المملوك .
(17) انظر فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 7/42 ، 43 ) ؛ الشركات للشيخ علي الخفيف ص 96 ، 97 ؛ المعاملات المالية المعاصرة لعثمان شبّير ص 167 ، 168.
(18) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع ( 1/270 ، 576 ).
=================
أحكام الأسهم [2/2]
هاني بن عبد الله الجبير 29/7/1427
23/08/2006
أقسام الشركات من حيث حكم نشاطها
حكم تداول أسهم الشركات حسب نشاطها:
كيفية التخلص من الأرباح الحاصلة عن التعامل بالأسهم المحرمة :
بيع حق الاكتتاب :
مخالفات شرعيّة في تداول الأسهم:
حكم علاوة الإصدار:
زكاة الأسهم:
أقسام الشركات من حيث حكم نشاطها:
تنقسم الشركات إلى ثلاثة أقسام :
(1) شركات محرمة محظورة وهي التي أُنشئت أصلاً للمتاجرة في المحرمات مثل شركة أُنشئت لبيع الخمور، أو أُنشئت للعقود المحرمة مثل شركات التأمين التجاري، والمصارف الربويّة فهذه لا يجوز للإنسان أن يساهم فيها ولا أن يكتتب فيها ولا يجوز إنشاؤها ولا التصرف فيها بيعًا وشراءً .
(2) شركات أصل نشاطها مباح لكن دخل عليها بعض الاستثمارات المحرمة مثل التمويلات والاستثمارات المحرمة كقروض ربوية أو بعض العقود الفاسدة وهذه يسميها المعاصرون: (شركات مختلطة).
(3) شركات أصل نشاطها مباح ولم تتعاطَ العقود المحرمة والاستثمارات غير المباحة ويسميها المعاصرون: (شركات نقية) وهذا التقسيم إجمالي.
ولابد عند إرادة الحكم على الشركة أن يراعى هل تتعامل بعقود محرمة أو لها استثمارات محرمة سواء في الربا أو غيره من المعاملات وسواء في ذلك القوائم الأخيرة أو ما قبلها ، وأن لا يكتفى بآخر القوائم المالية ، حتى يتحقق من وجود المال المحرم من عدمه .
حكم تداول أسهم الشركات حسب نشاطها:
أولاً : لا شك أن كل من يرضى بإجراء العقود المحرمة والاستثمارات المحرمة أنه آثم ومعرض نفسه للوعيد الشديد الذي بينه الله تعالى في كتابه وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته والإنسان أيضًا لا يجوز له عند أي من فقهاء الإسلام أن يأكل جزء من المال المحرم بل لابد أن يخرج الحرام من ماله .
كذلك كل من يستطيع أن يمنع الشركة من تعاطي العقود المحرمة بأن كان عضوًا في الجمعية العمومية للشركة، أو عضوًا في مجلس الإدارة، ويستطيع أن يمنع شيئًا من المحرمات فإنه لابد أن يمنعه، وإذا لم يمنع هذا العقد المحرم فهو آثم .
والشركة التي أصل نشاطها غير مباح لا يجوز للإنسان أن يساهم فيها والله تعالى يقول : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون[البقرة:278-279] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء ) (1).
والسبب في هذا أن الشريك موكّل للعامل في المال، ولا يجوز للإنسان أن يوكل شخصًا أن يأخذ له ربا، أو يجري له عقدًا محرّمًا.
قال ابن القيم رحمه الله: "المضارب (يعني العامل الذي يأخذ الأموال ويتاجر فيها) أمين وأجير ووكيل وشريك فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرّف فيه، وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل، وشريك إذا ظهر فيه الربح "(2)
كما لا يجوز لشخص أن يوكّل أحداً أن يعمل له عملاً محرّمًا أو يجري له عقدًا فاسدًا أو يستثمر له استثمارًا محظورًا ، فكذلك لا يجوز للإنسان أن يشترك مع إنسان آخر ليجري له عقودًا محرمة بحكم الشراكة .
ومن هنا نعلم أن التعامل بأسهم سلة شركات مساهمة لا يعرف حقيقة نشاط تلك الشركات ولا يلتزم القائمون عليها كونها مباحة النشاط، لا ينبغي لجهالة حالها.
ثانيًا: الشركات النقية إذا تحقق فعلاً أنها نقية فإنه لا حرج في تداول أسهمها وتملكها والمشاركة فيها سواء بالاكتتاب أو المضاربة.
ثالثًا : الشركات المختلطة هذه لا إشكال أن مجلس الإدارة فيها يأثم لتعاطيه العقود الفاسدة ، ولا إشكال أيضًا أن الإنسان إذا حصّل ربحًا من شركة مختلطة أنه لابد أن يخرج الجزء الذي يقابل نسبة الحرام في الشركة .
وقد اختلف فقهاء العصر في حكم تداول أسهم هذه الشركات والمشاركة معها والمساهمة فيها على أقوال:
وهي التحريم مطلقًا، والإباحة مطلقًا، والتفريق بين ما تكون نسبة الحرام فيه قليلةً وبين ما تكون نسبته فيه كثيرةً، على تفاوت بينهم في تحديد النسبة المذكورة.
والمختار من هذه الأقوال هو تحريم الاكتتاب في الشركات المختلطة وبيعها وشرائها.
وهو الذي قرره مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته السابعة(3).
واختارته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية(4).
وسبب التحريم: أن يد الشريك هي نفس يد الآخر في الحكم، وكما لا يجوز للإنسان أن يباشر الحرام بنفسه فإنه يحرم عليه أن يباشره بواسطة وكيله، وتقدم أن الشريك وكيل. قال ابن القيم رحمه الله: " وما باعوه - أي أهل الذِّمة - من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم جاز لهم شركتهم في ثمنه، وثمنه حلال لاعتقادهم حله، وما باعوه واشتروه بمال الشركة فالعقد فيه فاسد؛ فإن الشريك وكيل، والعقد يقع للموكّل "(5).
وقد ذكر السيوطي قاعدة في الأشباه والنظائر(6) فقال: من صحّت منه مباشرة الشيء صح توكيله فيه غيره، وتوكله فيه عن غيره، وإلا فلا.
كما أن المال الحرام يشيع في مال الشركة وإخراج النسبة المحرمة من سهمه فقط قد تطهر المال ؛ لأنه ستبقى فيه حصّة شائعة من الحرام عند بعض أهل العلم قال ابن رشد : " لا يجوز له أن يأكل منه شيئًا - أي من ماله الذي خالطه الربا - حتى يرد ما فيه من الربا ؛ لاختلاطه بجميع ماله وكونه شائعًا فيه "(7).
كما أن في هذه المساهمة تعاونًا على الإثم وقد نهى الله عنه بقوله تعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"(8).
وفيه استمراء للربا، وتعطيل للسعي لتحويل الاستثمارات إلى استثمارات شرعيّة خالصة.
كيفية التخلص من الأرباح الحاصلة عن التعامل بالأسهم المحرمة :
من المهم بداية أن نقرّر أن من تعامل معاملة يعتقد أنها صحيحة بناء على اجتهاد أو فتوى وحصل التقابض فيها ثم تبيّن له ترجيح أنّها غير مباحة وأنه أخطأ فأخذه وتصرفه بهذا المال الحاصل من المعاملة المذكورة لا حرج فيه ، وإنما عليه أن يمتنع في المستقبل عنها .(5/142)
قال ابن تيمية : " وهكذا كل عقدٍ اعتقد المسلم صحته بتأويل من اجتهاد أو تقرير ... فإنّ هذه العقود إذا حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة ، لم تنقض بعد ذلك ، لا بحكم ولا برجوع عن ذلك الاجتهاد .
أمّا إذا تحاكم المتعاقدان إلى من يعلم بطلانها قبل القبض أو استفتياه ، إذا تبيّن لهما الخطأ فرجع عن الرأي الأوّل فما كان قد قبض بالاعتقاد الأوّل أُمضي ، وإذا كان قد بقي في الذمة رأس المال وزيادة ربويّة اسقطت الزيادة ورجع إلى رأس المال ولم يجب على القابض رد ما قبضه قبل ذلك بالاعتقاد الأوّل "(9).
أمّا إذا كان إقدامه على المعاملة دون استفتاء أو اجتهاد فإن الواجب عليه أن يخرج من ماله ما كان فيه من حرام لأنه لا عذر له.
وعليه من أراد التخلص من المال المحرم الذي دخله بمثل هذه العقود فإنه لا يخلو من أحد ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يقبض ربحًا من عائد أسهمه، فهذا عليه أن يخرج نسبة العقود المحرمة والاستثمارات غير المباحة من الربح.
الحالة الثانية: أن يحصّل ربحًا نتيجة ارتفاع سعر السهم والمضاربة به فهذا عليه أن يخرج النسبة المحرمة من قيمة السهم كاملة؛ لأنّه قد باع حلالاً وحرامًا فصح في الحلال دون الحرام كمسائل تفريق الصفقة.
فإن علم مقدار الحرام وإلا تحرى وأخرج ما تطمئن إليه نفسه أن به يطيب ماله .
الحالة الثالثة : أن يحصّل ربحًا من بيع أسهم محرمة (غير مختلطة) فهنا يكون قد باع حرامًا لا شبهة فيه فعليه أن يخرج كامل القيمة التي حصلها، فإنّ ما حرم شراؤه حرم بيعه(10).
والمراد بإخراج القيمة أو النسبة أن ينفقها في وجوه البر، بقصد التخلّص من المال الحرام، وليس بنيّة الصدقة؛ لأنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلا طيبًا.
بيع حق الاكتتاب :
والمقصود أن يمكّن شخصٌ غيره من أخذ أوراقه الثبوتية المتضمنة لاسمه وأسماء أفراد عائلته ليكتتب في إحدى الشركات بأسمائهم ويعطيه في مقابل ذلك مبلغًا ماليًا .
وسبب ذلك أن بعض الشركات قد توزع نسبةً من الأسهم لكل مكتتب بمقدار متساوٍ عند كثرة المكتتبين فإذا اكتتب بأسماء كثيرة حصَّل نسبةً أكثر من الأسهم.
وهذا العمل لا يجوز أخذ العوض عليه؛ لأنّ المعقود عليه وهو الاسم الشخصي ليس ملكًا لصاحبه وليس مالاً يقبل المعاوضة، كما لا يمكن اعتباره حقًا معنويًا كالاسم التجاري؛ لأن الاسم التجاري يجذب العملاء ويميّز السلعة أما استعمال الاسم الشخصي فليس له فائدة إلا أخذ نصيب الغير.
ولابد أن يفرّق الإنسان بين ملك المنفعة وملك الانتفاع.
وقد أوضحه القرافي فقال: "تمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك المنفعة أعم وأشمل، فيباشر بنفسه، ويمكّن غيره من الانتفاع بعوض وبغير عوض.
مثال الأوّل: سكنى المدارس والرباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق، فله أن ينتفع بنفسه فقط. ولو حاول أن يؤجر أو يعاوض عليه امتنع ذلك ..
وأمّا مالك المنفعة فكمن استأجر دارًا أو استعارها فله أن يؤجرها من غيره .." (11)
كما أن بيع الاسم الشخصيّ في حقيقته تحايل على الشركة المكتتب فيها، وعلى النظام العام الذي يقصد توزيع الأسهم بالتعادل بين المكتتبين لتنتفع أكبر شريحة من الناس. ففيه غش وتغرير وهما حرام(12).
مخالفات شرعيّة في تداول الأسهم:
ومن هذه المخالفات : البيع الآجل ، والبيع على المكشوف ، والشراء بالهامش ( المارجن ) ، وأعمال النجش والتجمعات القاصدة للتحكم بسوق الأسهم بما يضر المتعاملين به .
فالبيع الآجل : بيع يتم فيه عقد صفقات لبيع أسهم لكن يشترط فيها أن يكون الدفع والتسليم بعد فترة محددة(13).
والبيع على المكشوف : أن يستقرض المستثمر عددًا من أسهم شركة يتوقع انخفاض قيمتها، ثم يبيعها مباشرة ويسلّم قيمتها لمن اقترضها منه رهنًا .
فإن حصل ما توقعه من انخفاض قيمة السهم فإنه يشتري مثل تلك الأسهم التي اقترضها ويعيدها لمن اقترضها منه، وبذلك يكسب الفرق بين سعر الشراء والبيع(14).
والشراء بالهامش: أن يشتري العميل أسهمًا بمبلغ لا يملكه كاملاً، فيدفع جزءًا من القيمة والباقي يقترضه من البائع بفائدة، ويبقى السهم مرهونًا للبائع ضمانًا لحقوقه(15).
فالبيع الآجل نوع من بيع الدين بالدين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ (16) وانعقد الإجماع على معنى الحديث(17).
قال ابن تيمية: " النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ، وهو المؤخّر بالمؤخّر، .. فالعقود وسائل إلى القبض، وهو المقصود بالعقد، كما أنَّ السلع هي المقصودة بالأثمان، فلا يباع ثمن بثمن إلى أجل.. لما في ذلك من الفساد والظلم المنافي لمقصود الثمنيّة ومقصود العقود "(18).
والشراء بالهامش فيه اقتراض بالربا المحرّم .
والمعاملات الثلاث لا يكون المقصود فيها البيع والشراء الحقيقيّ بل المراد المراهنة والقمار على ارتفاع أو انخفاض الأسعار، فهي معاملات تقوم على المخاطرة، بلا إرادة للتملك ولذا لا يحصل فيها -في العادة- تسليم أوراق مالية بل يعطى أحدهما للآخر فرق السّعر فقط.
والميسر هو كل معاملة لا يخلو الداخل فيها من أن يغرم أو يغنم بناء على المخاطرة فقط(19).
ولذا قال جمع من السلف: الميسر كل شيء فيه خطر(20).
ولا شك أن نسبة المخاطرة في أسواق الأسهم مرتفعة جدًا، ولا نلبث أن نسمع عن أضرار كبيرة لحقت بالمضاربين جراء ما في هذه الأسواق من مخاطرة. وهذه الأضرار تكفي للمنع من هذه الصور مع ما فيها من محاذير.
وكذلك فإن النجش، والاتفاق على التلاعب بالأسعار لأجل الكسب على حساب مستثمرين آخرين محرم ، فإن الشرع لا يبيح اكتساب المال عن طريق خداع الناس ، والإضرار حرام سواء كان بقصد الكسب أو غيره .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من غَشّ فليس منا ) (21).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار ) (22) .
وكل كسب حصل للإنسان بسبب ظلمه لغيره أو خداعه له أو تغريره بالإشاعات، والأعمال الموهمة؛ فهو كسب محرم لا يحل له.
حكم علاوة الإصدار:
تعمد بعض الشركات عند طرح أسهمها للاكتتاب أن تضيف إلى قيمة السهم مبلغًا يسمى : رسم إصدار ، أو علاوة إصدار ، يقصد منه أن يغطي تكاليف إجراءات إصدار الأسهم وهذا لا حرج فيه بشرط أن تقدّر تقديرًا مناسبًا يكون ممثلاً فعلاً لما يكلفه إصدار السهم أما لو زادت على ذلك فتكون من أكل أموال المساهمين بالباطل(23).
زكاة الأسهم:
اختلف أهل العلم في كيفيّة زكاة الأسهم على أقوال لعل الراجح منها هو ما صدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي وخلاصته أن تعامل شركات الأسهم كما يعامل الأفراد بأن تخرج الشركة زكاة أسهمها كما يخرج الإنسان الواحد زكاة أمواله بالنظر لمقدار المال ونصابه ونوعه .
فإن لم تزك الشركة أموالها فإنّ المساهم من خلال حسابات الشركة يحسب مقدار الزكاة الواجبة على أسهمه بمعرفته لمقدار الزكاة الواجبة على الشركة إجمالاً ثم يخرج ما يخص أسهمه من الزكاة بنفس الاعتبار السابق.
وإن لم يتمكن من معرفة ذلك فإن كان قد ساهم بقصد الاستفادة من ريع السهم السنوي فتجب الزكاة في الرّيع ربع العشر بعد مضي الحول عليه .
وإن كان قد تملك الأسهم بقصد بيعها عندما ترتفع قيمتها زكّاها زكاة عروض تجارة بأن يخرج ربع العشر من القيمة والربح(24).(5/143)
وعليه فإنَّ المساهم الذي يقصد الاستفادة من ريع السهم يخرج الزكاة بحساب القيمة الحقيقية للسهم. وأما المضارب الذي يقصد بيعها عند ارتفاع قيمتها فيحسب زكاته على أساس قيمتها السوقية؛ لأنها كعروض التجارة.
|1|2|
(1) صحيح مسلم ( 1598 ) .
(2) بواسطة حاشية الروض المربع للشيخ عبد الرحمن بن قاسم ( 5/253 ) .
(3) مجلة مجمع الفقه الإسلامي ( 7/1/712 ) .
(4) فتاوى اللجنة ( 13/407 ) .
(5) أحكام أهل الذمة ( 1/274 ) .
(6) ص 261 .
(7) البيان والتحصيل ( 18/195 ) .
(8) سورة المائدة آية 2 .
(9) مجموع الفتاوى ( 29/412 ، 413 ) .
(10) هذه المسألة وهي طريقة التخلص من الأرباح لم أقف على تفصيل واف فيها . والذي اخترته ورصدته بعاليه هو ما تطمئن إليه النفس ولولا طبيعة المحاضرات لاحتاج الأمر إلى زيادة بسط في تقريره .
وقد وقفت على قول من يجيز بيع الأسهم المحرمة على أن يسترد البائع رأس ماله فقط ويتصدّق بالباقي ، ويرد عليه أنّه بيع للحرام والحرام غير مملوك ، ورأيت من يجيز أخذ الأرباح كاملة في عمليات مضاربة الأسهم المختلطة بالحرام ويجعل الأسهم عروضًا غير مرتبطةٍ برأس مال الشركة ، وهذا لا أدري كيف يوصف عوائد الأسهم للمستثمرين فيها مادامت ليست جزءًا من رأس المال .
(11) الفروق ( 1/187 ) .
(12) انظر في المعاوضة على الاسم الشخصي : فتاوى اللجنة الدائمة ( 15/106 ) .
(13) أسواق الأوراق المالية ، سمير رضوان ص 332 .
(14) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السادس ( 2/1602 ).
(15) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السادس ( 2/1601 ).
(16) المستدرك للحاكم ( 2/57 ) ؛ سنن الدارقطني ( 3/71 ) ؛ سنن البيهقي ( 5/290 ) وهو حديث ضعيف قال الإمام أحمد : ليس في هذا حديث يصح ، لكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين . التلخيص الحبير ( 3/26) ، ومعنى الكالئ بالكالئ أي : الدين بالدين .
(17) الإجماع لابن المنذر ص 104 ؛ مجموع فتاوى ابن تيمية ( 20/512 ) .
(18) مجموع الفتاوى ( 29/472 ) .
(19) شرح المحلي على المنهاج ( 4/226 ) ؛ مجموع فتاوى ابن تيميّة ( 32/242 ) ؛ تفسير القرطبي ( 3/53 ) .
(20) الكشاف للزمخشري ( 1/262 ) ؛ مجموع فتاوى ابن تيمية ( 29/46 ) .
(21) صحيح مسلم ( 101 ) .
(22) سنن ابن ماجة ( 2341 ) ؛ سنن الدارقطني ( 4/228 ) وذكره النووي في الأربعين وقال عنه : حديث حسن ، وله طرق يقوي بعضها بعضًا.
(23) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد السابع ( 1/713 ).
(24) مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الرابع ( 1/881 ) وفيه عدة أبحاث في هذه المسألة .
==============
حكم تملك الأوراق المالية الربوية وأرباحها بالقبض
عبد المجيد بن صالح المنصور 3/6/1428
18/06/2007
المراد بالأوراق المالية
حكم تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض
حكم أرباح الأوراق المالية بعد القبض
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإن طلب الربح الحلال والسعي فيه بجد، والإقلاع عن الربح الحرام والابتعاد عنه أصبح مطلباً ملحاً في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك لما نرى من كثرة النكسات الاقتصادية على شتى الصعد، ولما يسببه من بُعد في إجابة الدعوات ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" [المؤمنون:15] وقال "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم"[البقرة:271] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)، وإن طلب الحلال واجب على كل مسلم، وإنبات اللحم من سحت(1) محرم النار أولى به(2)، ويجب لمن وقع بشيء من ذلك المسارعة إلى التوبة والتخلص من المال المحرم أياً كان نوعه وشكله؛ وذلك برده إلى مستحقه الأصلي أو البدلي عند تعذره.
وفي هذا الزمن ابتلي كثير من المسلمين بالتعامل بالربا مع الأفراد أو الشركات أو البنوك أو غير ذلك، وعندها يقع الناس في الحرج، وترد بعض الإشكالات والتساؤلات التي تعرض على طلاب العلم والمفتين على نحو:
هل المقبوض بعقد ربوي يملك أو لايملك؟ وما الحكم إذا نتج عن هذا المقبوض بعقد ربوي ربح هل يملكه المشتري أو لا يملكه ويكون لمالك الأصل(البائع) بناء على فساد العقد ولم يثبت الملك في الأصل بقبضه؟ وما كيفية التخلص من الربح الربوي؟ وهل يجوز التصدق به على الفقراء والمساكين ونحوهم؟ وهل يجوز رد الأرباح إلى البنك؟ وغير ذلك من الأسئلة التي حاولت جعل جوابها في نسق واحد في أثناء البحث، لبناء بعضها على بعض، وقبل كشف الغطاء عن المسألة والنزاع فيها، نذكر المراد بالأوراق المالية كتمهيد لبيان حكمها.
المراد بالأوراق المالية :
(الأوراق المالية):هي أصول تمثل جزءاً من رأسمال شركة، أو جزءاً من دين على شركة، أو مؤسسة، أو حصة في صندوق استثماري، وهي عبارة عن أسهم وسندات ووحدات استثمارية تصدرها الشركات المساهمة، والسندات التي تصدرها الحكومة وهيئاتها العامة، وسندات الخزينة، وأذوناتها، وأية أوراق مالية أخرى يحددها نظام السوق المالية، وتكون قابلة للتداول في هذه السوق بالطرق التجارية، وتمثل حقاً للمساهمين أو المقترضين، وموضوعها مبلغ من النقود وأجل الوفاء بالحقوق الثابتة فيها.
وعندما تطرح الشركة أو الدولة أسهماً أو سندات للاكتتاب العام فإنها تلجأ إلى بنك يكون وسيطا بين الجمهور الذي يكتتب في الأسهم والسندات وبين الشركة أو الدولة التي تصدر هذه الأوراق، ويتقاضى البنك عمولة نظير هذه الوساطة(3).
حكم تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض:
لأجل تبسيط صورة هذا الموضوع أضْرِب مثلاً، فأقول: لو أن مسلماً عقد عقداً ربوياً وقبض المعقود عليه، وليكن أسهماً قبضها بعقد ربوي ووضعت في محفظته(4)، ولم يضارب بها، ورغب في أرباحها ثم استحقت الأرباح، فهل يملك تلك الأسهم بالقبض؟ ولمِن تكون هذه الأرباح المقبوضة بعقد ربوي ؟
هل تكون لمشتري تلك الأوراق المالية بعقد فاسد أو للمالك الأصل (البائع) وهي (الشركة مصدرة تلك الأوراق) بناء على أن المقبوض بعقد فاسد لا يملك؟
ولأجل معرفة لمن الأرباح؟ لابد من معرفة لمن الأصل(السهم المقبوض بعقد ربوي) أي هل تملك تلك الأوراق المالية بالقبض أو لا ؟
هذه المسألة من النوازل الفقهية التي لم يتطرق لها الفقهاء السابقون بحثاً وتدليلاً، ولكن أصولها موجودة في كتبهم، فإن هذه المسألة تعود إلى مسألة( ملكية المقبوض بعقد فاسد ) فيكون التخريج عليها.
فيقال: إن العلماء اختلفوا في تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض على قولين:
القول الأول:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية(5)، والشافعية(6)، والحنابلة(7)، وبعض الحنفية(8) إلى أن العقود الربوية لا تملك ولو اتصل بها القبض، بل هي مفسوخة أبداً، وعلى قولهم هذا فلا تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض، ويجب فسخ العقد وردها .
جاء في "المدونة" عن ابن وهب قال:( وسمعت مالكاً يقول الحرام البين من الربا وغيره يرد إلى أهله أبداً فات أو لم يفت(9))(10).(5/144)
وقال ابن عبد البر: ( قال مالك: ومن البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمره وتفاحش رده، فأما الربا فإنه لا يكون فيه إلا الرد أبداً، ولا يجوز منه قليل ولا كثير ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: "وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ" [البقرة:279].
ثم قال: (هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الأثر فمن قاده ولم يضطرب فيه فهو الخيِّر الفقيه...) (11).
وقال: ( وقد اتفق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا مفسوخ أبدا) (12).
وقال السرخسي من الحنفية:( إن الربا... لا يكون موجباً للملك بكل حال) (13).
القول الثاني:
ذهب جمهور الحنفية(14) إلى أن العقود الفاسدة ومنها الربا تملك إذا اتصل بها القبض، ولكنه ملك خبيث يجب فسخه، فإن تصرف به ببيع أو هبة أو نحوه صح، وعليه فإن الأوراق المالية الربوية تملك عند جمهور الحنفية إذا اتصل بها القبض، لكنها ملك خبيث يجب عليه رد الربا على من أربى عليه.
والراجح في هذه المسألة -والله أعلم- أن الأوراق المالية الربوية لا تملك ولو اتصل بها القبض، ويجب فسخ ما قبض منها، فيرد الأوراق المالية إلى بائعها، ويسترد ثمنها إن أمكن، وإلا يتخلص منها بالبيع(15).
و الأدلة على هذا كثيرة ومن أقواها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: ((جاء بلال بتمر برني، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أين هذا؟)) فقال بلال : تمر كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع؛ لمطعم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك : ((أوه عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به)) (16)، وفي رواية لمسلم : ((فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا)) (17).
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالرد ولم يقره على هذا العقد الربوي، بل أمر بفسخه مع اتصال القبض به.
قال النووي عند هذا الحديث: ( وقوله :-صلى الله عليه وسلم- [هذا الربا فردوه] هذا دليل على أن المقبوض ببيع فاسد يجب رده على بائعه وإذا رده استرد الثمن) (18)، وقال ابن حجر: (وفيه أن البيوع الفاسدة ترد) (19).
حكم أرباح الأوراق المالية بعد القبض:
لما عرفنا حكم تملك الأوراق المالية بالقبض، بقي حكم ما ينتج عن تلك الأوراق من أرباح، وإن أقرب تكييف فقهي لتلك الأرباح هو نماء المقبوض بعقد فاسد، وهذا النماء من قبيل النماء المنفصل غير متولد من الأصل كالكسب والغلة، والعلماء مختلفون في حكم نماء المقبوض بعقد فاسد من حيث ملكيته تبعاً لاختلافهم في ملكية أصله على القولين السابقين.
أما من حيث وجوب رد النماء إلى مالك الأصل (البائع) فلم تختلف أقوال المذاهب الأربعة في ذلك؛ فإنهم قضوا بوجوب رد النماء -ومنه الأرباح- مع أصله إلى البائع وأن ذلك النماء والربح لا يمنع الفسخ، - وإليك بيان ذلك:
أما الشافعية، والحنابلة، والظاهرية: فهم على قاعدتهم السابقة لايثبتون الملك بالقبض، ويوجبون رد المقبوض بعقد فاسد ونماءه سواء أكان ربوياً أم غير ربوي.
أما المالكية: فإنهم لا يثبتون الملك في العقود الربوية مطلقاً، وهو مفسوخ عندهم أبداً سواء فات أم لم يفت، ولا يكون فيه إلا الرد أبداً، ولا يجوز منه قليل ولا كثير ولا يجوز
فيه ما يجوز في غيره(20) ولا ينتقل الضمان فيه للمشتري.
فظاهرٌ أن الغلة والأرباح لا تأثير لها على الحكم في العقد الربوي-عند المالكية-، وأن هذه الزيادات لا تصِّير العقد فائتاً، وبالتالي يجب عندهم رده وأرباحه على من أربى عليه (21).
جاء في مواهب الجليل: ( وهنا - أي في العقد الربوي - لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه، فلا يحكم له -أي المشتري-بالغلة بل لو قبض المشتري المبيع، وتسلمه بعد أن أخلاه البائع ثم آجره المشتري للبائع لم يجز؛ لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو...) (22).
أما الحنفية(23): فإنهم وإن أثبتوا الملك بالقبض إلا أنهم قالوا: إن الزيادة- المنفصلة- على المقبوض بعقد فاسد لا تمنع الفسخ، ويجب ردها مع أصلها إلى البائع، ولزوم ضمانها عند التلف، سواء أكانت هذه الزيادة المنفصلة متولدة من الأصل كالولد واللبن والثمرة؛ لأن هذه الزيادة تابعة للأصل لكونها متولدة منه، والأصل مضمون الرد فكذلك الزيادة، كما في الغصب، أم كانت الزيادة غير متولدة من الأصل كالهبة والصدقة والكسب والغلة والأرباح؛ لأن الأصل مضمون الرد، وبالرد ينفسخ العقد من الأصل فتبين أن الزيادة حصلت على مالكه(24).
الترجيح:
يلاحظ في المسألة أنه وإن اختلف العلماء في تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض إلا أن المذاهب الأربعة اتحد قولهم في الأرباح، فإنهم اتفقوا على أن هذه الأرباح الربوية والتي تعتبر نماءً منفصلاً من ملك البائع لاتمنع الفسخ ويجب ردها مع الأصل إلى البائع؛ حتى على رأي الحنفية الذين يثبتون الملكية في المقبوض بعقد فاسد؛ لأنها حصلت في ملكه، وحتى على رأي المالكية الذين يعتبرون النماء فوتاً في المبيع يثبت به الملك في المقبوض بعقد فاسد إلا الربا لأن الربا عندهم لايثبت فيه الملك أبدا .
ومع أن هذا هو الأصل والراجح في المستحق للربح الربوي إلا أن المستحق شيء وطريقة التخلص منه شيء آخر؛ وذلك أنه قد يستحقه صاحبه ابتداء ولكن لسبب شرعي أو عذر أومانع نصرف الربح الربوي لجهة أخرى دون مستحقه ابتداء .
لذا يقال إن مستحق الربح الربوي لا يخلو من ثلاث حالات .
الحال الأولى: إذا كان مستحق هذه الأرباح الربوية شخصاً معيناً معلوماً، ويمكن ردها -أي الأرباح والأصل- إليه، ولم يكن معروفاً بالتعامل بالربا والحرام فالواجب في هذه الحالة رد تلك الأرباح وأصلها إليه؛ لأنها مقبوضة بعقد فاسد، والأرباح لها حكم أصلها؛ لأنها تبع، والتبع يتبع الأصل(25)، والتبع يملك بملك الأصل(26)، والتابع لا يفرد بالحكم(27).
الحال الثانية: إذا كان مستحق الأرباح مجهولاً أو تعذر الرد إليه ولم يكن معروفاً بالتعامل بالربا والحرام فإنه يجب على المشتري التخلص من المقبوض بعقد ربوي وأرباحه بالتصدق به -على الفقراء والمساكين...- عن صاحبه بنية التخلص منه لا بنية التقرب إلى الله تعالى بهذه الصدقة كما هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية(28) والمالكية(29) والحنابلة(30) وبعض الشافعية(31)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أكثر من موضع من فتاويه، والقاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا(32):( أن الأموال التي تعذر ردها إلى أهلها لعدم العلم بهم مثلاً، وأن من كان عنده مال لا يعرف صاحبه كالغاصب التائب والمرابي التائب ونحوهم ممن صار بيده مال لا يملكه ولا يعرف صاحبه فإنه يصرف إلى ذوي الحاجات ومصالح المسلمين) (33)، وقال: (هذا عند أكثر العلماء) (34).
ثم قال: ( إذا تبين هذان الأصلان فنقول: من كان من ذوي الحاجات كالفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل، فهؤلاء يجوز، بل يجب أن يعطوا من الزكوات، ومن الأموال المجهولة باتفاق المسلمين) (35).
وقال: ( وما تصدق به فإنه يصرف في مصالح المسلمين، فيعطى منه من يستحق الزكاة، ويقرى منه الضيف، ويعان فيه الحاج، وينفق في الجهاد وفي أبواب البر التي يحبها الله ورسوله كما يفعل بسائر الأموال المجهولة، وهكذا يفعل من تاب من الحرام وبيده الحرام لا يعرف مالكه) (36).(5/145)
وقال: ( المال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده، فيصرف في مصالح المسلمين، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين، وهذا أصل عام في كل مال يجهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع يتصدق بها عن صاحبها أو يصرفها في مصالح المسلمين على مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وإذا صرفت على هذا الوجه جاز للفقير أخذها؛ لأن المعطي هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها) (37).
قال القرطبي: (قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت ربًا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرًا فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك) (38).
وقال الغزالي: ( إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه -فإن كان له مالك معين- وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتاً وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته، فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء...) (39).
الحال الثالثة: إذا كان مستحق الأرباح الربوية معلوماً وأمكن الرد إليه، بيْدَ أنه يعرف عنه التعامل بالحرام كالمقبوض من البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا، والمقبوض على الزنا - مهور البغاء - والغناء ولعب القمار وثمن الخمر، والمقبوض على النياحة وغير ذلك فالصحيح من أقوال أهل العلم في هذه الحال أنه لا يجوز رد المال والربح على ذلك الزاني ولا تلك الشركة وذلك البنك، حتى لا يجمع له بين العوض والمعوض، وعليه إذا قبض المشتري تلك الأرباح أن يتصدق بها بنية التخلص منها وهذا قول عند المالكية(40)، وعند الحنابلة، وهو المنصوص عن أحمد في ثمن الخمار أنه لا يرد إلى صاحبه، ويجب عليه التخلص منه والتصدق به في مصالح المسلمين(41)، وانتصر لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية(42)، وابن القيم(43).
والقاعدة عند هذين الشيخين-رحمهما الله- في هذه المسألة: (كل كسب خبيث لخبث عوضه عيناً كان أو منفعة يكون التخلص منه بالصدقة به ) (44).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن امرأة كانت مغنية، واكتسبت في جهلها مالاً كثيراً وقد تابت وحجت إلى بيت الله تعالى، وهي محافظة على طاعة الله، فهل المال الذي اكتسبته من حل وغيره إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه ؟
فأجاب: المال المكسوب إن كانت عين أو منفعة(45) مباحة في نفسها، وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنباً لمن يتخذه خمراً أو من يستأجر لعصر الخمر أو حملها، فهذا يفعله بالعوض لكن لا يطيب له أكله، وأما إن كانت العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر، فهنا لا يُقضى له به قبل القبض، ولو أعطاه إياه لم يحكم برده فإن هذا معونة لهم على المعاصي إذا جُمِع لهم بين العوض والمعوض، ولا يحل هذا المال للبغي والخمار ونحوهما، لكن يصرف في مصالح المسلمين(46)، فإن تابت هذه البغيِّ وهذا الخمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل أُعْطِي ما يكون له رأس مال، وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ولم يردوا عوض القرض كان أحسن، وأما إذا تصدق به لاعتقاده أنه يحل عليه أن يتصدق به فهذا يثاب على ذلك، وأما إن تصدق به كما يتصدق المالك بملكه فهذا لا يقبله الله؛ إن الله لا يقبل إلا الطيب، فهذا خبيث، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((مهر البغي خبيث)) (47))(48)، وقال: (نعم البغي والمغني والنائحة ونحوهم إذا أعطوا أجورهم، ثم تابوا، هل يتصدقون بها أو يجب أن يردوها على من أعطاهموها؟ فيها قولان: أصحهما أنا لا نردها على الفساق الذين بذلوها في المنفعة المحرمة، ولا يباح الأخذ، بل يتصدق بها وتصرف في مصالح المسلمين، كما نص عليه أحمد في أجرة حمل الخمر) (49).
وقال ابن القيم: ( فإن قيل: فما تقولون فيمن سُلِّم إليهم المنفعة المحرمة التي استأجروه عليها كالغناء والنوح والزنى واللواط؟ قيل إن كان لم يقبض منهم العوض لم يقض له به باتفاق الأمة، وإن كان قد قبض لم يطب له أكله، ولم يملكه بذلك،والجمهور يقولون يرده عليهم؛لأنه قبضه قبضاً فاسداً، وهذا فيه روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد؛ إحداهما: أنه يرده عليهم، والثانية: لا يأكله ولا يرده بل يتصدق به، قال شيخنا: وأصح الروايتين أنه لا يرده عليهم ولا يباح للأخذ، ويصرف في مصالح المسلمين كما نص عليه أحمد في أجرة حمال الخمر) (50)، وقال في موضع آخر: ( فصل المسألة الثانية إذا عاوض غيره معاوضة محرمة، وقبض العوض كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم، ثم تاب والعوض بيده، فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله، ولم يقبضه بإذن الشارع، ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح، وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين) (51).
وقال (إن الذي عاوض على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة أو غير ذلك أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا يرد العوض إليه ؛ لأنه لا يسوغ عقلاً أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسيراً لأصحاب المعاصي، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله، فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به، ولا يسوغ القول به، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاها قهراً، فقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء فلا تأت به الشريعة) (52). والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(1) قال المنذري (السحت بضم السين وإسكان الحاء وبضمهما أيضا هو الحرام وقيل هو الخبيث من المكاسب)
الترغيب والترهيب (2/349).
(2) (انظر الكلام حول هذا الحديث: تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي(398) وتلخيص الحبير (4/149)
(3) انظر: موقع هيئة الأوراق المالية والسلع الإمارات العربية المتحدة (المصطلحات )، وموقع وزارة التجارة والصناعة في المملكة العربية السعودية.
http://www.commerce.gov.sa/circular/40-4.asp?print=true
(4) قَبْض الأسهم: وضعها في المحفظة؛ لأن القبض مرجعه إلى العرف-كما مقرر- و لا يعتبر قابضاً للأسهم عرفاً إلا بوضعها في المحفظة،والله أعلم.
(5) المدونة الكبرى (4/145)، والتمهيد لابن عبد البر (5/29)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/230)، والاستذكار (21/139).
(6) الأم (2/53) و(3/247) و(6/184)، والمهذب للشيرازي(1/275)، والحاوي الكبير(5/316)، والمجموع(9/377)، وروضة الطالبين (3/72)، والأنوار لأعمال الأبرار (1/333).
(7) المغني (6/327)، والإنصاف(4/473)، وشرح منتهى الإرادات (3/237)، وكشاف القناع (3/245)، والفروع (6/287) ومعه تصحيح الفروع وحاشية ابن قندوس، والمستوعب للسامري (2/61)، وفتح الملك العزيز بشرح الوجيز للبغدادي الحنبلي (3/561)، والمحرر في الفقه(1/323). وتقرير القواعد لابن رجب (2/189).
(8) ومنهم زفر والسرخسي، انظر: الجامع الصغير (1/332)، وأصول السرخسي ص (83 ).(5/146)
(9) الفوات عند المالكية يعني أحد خمسة أشياء : الأول: تغير الذات وتلفها كالموت والعتق وهدم الدار وغرس الأرض وأكل الطعام ونماء المبيع ونقصانه . والثاني: حوالة الأسواق. والثالث: البيع. والرابع: حدوث عيب. والخامس: تعلق حق الغير كرهن السلعة . انظر القوانين الفقهية لابن جزيء ص(265) والشرح الصغير للدردير
(10) المدونة الكبرى (4/148)، ومواهب الجليل (4/381).
(11) الاستذكار (21/139).
(12) التمهيد (5/129)، والاستذكار ( 19/146) وهذا النقل لاتفاق الفقهاء في هذه المسألة فيه نظر، فإن جمهور الحنفية يرون أن المقبوض بعقد ربوي يملك وإن كان واجب الفسخ، وخالفهم شمس الدين السرخسي في هذه المسألة، فوافق الجمهور كما في المتن.
(13) أصول السرخسي ص (83 ). وانظر: البحر الرائق (6/136)، وحاشية ابن عابدين (5/169).
(14) انظر: في بيان مذهب الحنفية الكتب التالية : الجامع الصغير (1/331-332)، بدائع الصنائع (5/299)، وما بعدها و(5/263)، والمبسوط (29/142)، وشرح فتح القدير ومعه شرح العناية (6/400) ومابعدها، والبناية في شرح الهداية (6/377)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/99)وما بعدها و( 6/136)، والاختيار لتعليل المختار (2/22)، وحاشية ابن عابدين (7/233) وما بعدها و(5/169)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/65)، والأشباه والنظائر ص (209)، ورؤوس المسائل الخلافية ص( 288)، وكشف الأسرار للبخاري (1/269)
(15) سوف أفرد هذه المسألة في بحث مستقل في المستقبل-إن شاء الله- وهي (حكم التخلص من الأوراق المالية بالبيع)
(16) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الوكالة- باب إذا باع الوكيل شيئاً فاسداً فبيعه مردود) 2188(2/613)، ومسلم في صحيحه (كتاب المساقاة -باب بيع الطعام مثلاً بمثل) 1594(3/1215).
(17) رواه مسلم في صحيحه (كتاب المساقاة -باب بيع الطعام مثلاً بمثل) (3/1215).
(18) شرح النووي على صحيح مسلم (11/22).
(19) فتح الباري (4/401).
(20) الاستذكار (21/139) و( 19/146)، والتمهيد (5/129)، وانظر المدونة الكبرى (4/148) ومواهب الجليل (4/381) وشرح ميارة (2/8). هذا حكمه عند المالكية إذا كان ربوياً أما إذاكان العقد الفاسد غير ريوي فالأمر عندهم معلق على الفوات إن فات ثبت فيه الملك وإلا فلا.
(21) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366).
(22) مواهب الجليل (4/373-374) بتصرف يسير، وانظر شرح ميارة (2/8) .
(23) بدائع الصنائع (5/302)، والفتاوى الهندية (3/148)، ومجمع الضمانات ص( 216(، وحاشية ابن عابدين(7/302-303).
(24) بدائع الصنائع (5/302).
(25) موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (3/187).
(26) المرجع السابق.
(27) المنثور(1/234)، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص(120)، وموسوعة القواعد الفقهية للبورنو (3/158).
(28) الاختيار لتعليل المختار لابن مورد (3/61)، وحاشية ابن عابدين (3/223).
(29) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366)، وفتاوى ابن رشد (1/632)، والمعيار المعرب للونشريسي (9/551).
(30) مجموع الفتاوى(28/592) و (29/264)و(29/321)، والفتاوى الكبرى (5/421)و( 4/210-213)، والفروع لابن مفلح (4/513) و( 2/667)، والإنصاف (6/212-213)، وقواعد ابن رجب ص(225)، وجامع العلوم والحكم (1/104).
(31) المجموع شرح المهذب النووي (9/428)، وانظر: المنثور في القواعد للزركشي (2/231)، وفتاوى ابن حجر (4/357).
(32) مجموع الفتاوى (28/284) و(28/568) و(29/241).
(33) مجموع الفتاوى (28/568-569) و(30/413) و(29/263).
(34) المراجع السابقة.
(35) المرجع السابق، ولقد وَهَلَ بعض الباحثين حينما ظن من قول شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض المواضع "يصرف في مصالح المسلمين" أنه خاص بالمرافق العامة فقط، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يرى جواز صرفها للفقراء والمساكين، والكلام المنقول في المتن يرد هذا الظن، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية هنا ظاهر في جواز صرف المال الحرام إلى الفقراء والمساكين، وكلامه أيضاً يفسر بعضه بعضاً، ثم إن الفقراء يدخلون في مصالح المسلمين.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في موضع آخر أن من أراد التخلص من الحرام والتوبة، وتعذر رده إلى أصحابه فلينفقه في سبيل الله -أي في الجهاد- عن أصحابه، مجموع الفتاوى (28/421) والذي يظهر -والله أعلم- أن قوله هذا لم يقصد به حصره على هذه الجهة، وإنما أراد ذكر إحدى أهم مصالح المسلمين التي ينفق فيها المال الحرام-وهي الجهاد في سبيل الله- فيكون داخلاً في رأيه الأول، وليس رأياً آخر له كما ظن بعض الباحثين بدليل كلامه الآتي.
(36) مجموع الفتاوى (30/328).
(37) مجموع الفتاوى (29/263) و(29/321).
(38) الجامع لأحكام القرآن (3/366).
(39) المجموع شرح المهذب (9/428).
(40) مقدمات ابن رشد (2/618).
(41) مسائل الإمام أحمد وابن راهويه للكوسج (2/66)، والكافي لابن قدامة (2/756)، ومجموع الفتاوى (30/209)، واقتضاء الصراط المستقيم (1/247)، وزاد المعاد (5/782)، والإنصاف (11/212)، وكشاف القناع (6/317).
(42) مجموع الفتاوى (28/666)و (29/291-292) و(29/308-309) و(30/209)، واقتضاء الصراط المستقيم ص(265).
(43) زاد المعاد في هدي خير العباد (5/778)، وأحكام أهل الذمة (1/574)، ومدارج السالكين (1/390).
(44) زاد المعاد في هدي خير العباد (5/779).
(45) هكذا في مجموع الفتاوى، ولعل الصواب: (إن كان عيناً أو منفعةً مباحة).
(46) يلاحظ هنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يُفْتِ بملكية هذا المال الخبيث مع كونها جاهلة وقد تابت وحافظت على حدود الله، وذكر في موضع آخر(22/8) أن من تاب على أموال محرمة قبضها في حال الفسق أنه يملكها؛ لأن التوبة تهدم ما كان قبلها وأنه ليس بأولى من الكافر، والفرق بين القولين - والله أعلم - أن وجوب التخلص إنما هو في العين والمنفعة المحرمة في أصلها كمهر البغي ... أوكان المال موجوداً وأمكن التخلص منه، وقوله الآخر محمول على ماكان محرماً في وصفه دون أصله أو حرم لكسبه أو كان المال المحرم قبض في حال الفسق منذ زمن بعيد ولم يمكن تمييزه، أو يكون هذا رأي آخر له في المسألةوالله أعلم.
(47) رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ (كتاب المساقاة -باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي) (3/1199).
(48) مجموع الفتاوى (29/308).
(49) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/247).
(50) أحكام أهل الذمة(1/575).
(51) مدارج السالكين (1/390).
(52) زاد المعاد (5/779) بتصرف يسير، وانظر مدارج السالكين (1/390).
==============
الأسهم النقية والمختلطة
خالد بن سعودالرشود 25/12/1427
15/01/2007
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن من المعاملات التي ظهرت وانتشرت في المجتمع المسلم: بيع وشراء أسهم الشركات المساهمة حتى قلما تجد أحداً لا يتعاطى مثل هذه المعاملات وبناءً عليه توجهت أسئلة المستفتين إلى طلبة العلم فاجتهدوا فيها، وتعددت آراؤهم، واختلفت اجتهاداتهم حسب ما يأتي بيانه. ولكن مع ذلك ما زال السؤال مستمرًّا عن حكمها مع سابق علم المستفتي بأقوال المفتين، وكأنه لم يجد الجواب الذي يشفي ويكفي، خصوصاً مع ظهور التناقص في هذه الفتاوى. فبينما تحرم إحدى الشركات في وقت، إذا بها تحل في وقت آخر والعكس صحيح، فقد يشتري وقت الإفتاء بالجواز ثم تحرم. وخاصة مع كثير ممن يتحرى في أمر دينه، ويخاف على نفسه من المحرم أيًّا كان قدره.(5/147)
وكنت إلى وقت قريب معرضاً عن الخوض في أحكام هذه الأسهم؛ لأن هناك من يقوم ببيان الحكم الشرعي فيها وله سابق فضل وعلم، كما أن طالب العلم لا يتجرأ على الفتوى مع أن غيره قد كفاه، ولكن ما فتئت هذه المسائل تعرض عليّ فأحيل الجواب على من تصدى لذلك من طلبة العلم، ولكن لاحظت إقبال عدد كبير من الناس على هذه الأسهم بناءً على هذه الفتوى، فلما تملكوا فيها حدث أمران عظيمان أوجبا إشكالاً عند كثير من المتعاملين ممن يتحرى الحلال في ما يكتسب، وهذان الأمران مرتبطان ببعضهما وأحدهما مترتب على الآخر:
الأول: الانهيار الشديد في سوق الأسهم مما ترتب عليه خسارة كثير من أهل الخير ممن شجعتهم تلك الفتاوى على دخول السوق المالي. فأشاروا تلميحاً أحياناً، وتصريحاً أحياناً أخرى إلى تلك الفتوى التي دفعتهم وسهلت لهم دخول هذا المجال. وبعضهم أظهر استنكاره الشديد من هذه الفتاوى التي تسببت في خسارته -في ظنه- مما دفعه إلى كيل التهم -في ضمن عدة جهات- إلى هؤلاء المفتين وتلك الفتاوى؛ خصوصاً مع وجود الأمر الثاني: ألا وهو اختلاف الفتوى في نفس الشركة، وانقلابها من الجواز إلى التحريم أو العكس فجعله يتأخر في بيعها حتى قل سعرها، أو يبادر إلى البيع وهي في طور ارتفاع السعر. فإن خسر فيها أوجب عليه ذلك إمساك أسهم هذه الشركة مع علمه بتحريمها بناءً على هذه الفتوى وإن لاح له المكسب فيها اضطر لبيعها قبل تحققه؛ خشية الوقوع في المحرم.
ولما سبق فقد رأيت -ولله الأمر من قبل ومن بعد- أن أكتب في هذه المسألة رأيي القاصر إبراءً للذمة ونصحاً للأمة وخروجاً من العهدة -خاصة مع تعلق حكم هذه المسألة بأحد الضروريات الخمس وهو المال- فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وبيان هذه المسألة يكون بأمور:
أولاً: يجب على المسلم ألا يتساهل فيما يكتسب وليعلم أنه مسؤول عن هذا المال؛ من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ لما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..." وذكر منها: "وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" رواه الترمذي وحسنه. كما أن أكل المال الحرام من المسائل الخطيرة والعياذ بالله التي ورد بشأنها الوعيد الشديد. روى الإمام أحمد (13919) بسند حسن عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: "يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت؛ النار أولى به. يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها". وهذا وعيد عظيم لمن تهاون في أكل المال الحرام فعلم من هذا أن على المسلم أن يراعي الله جل وعلا في هذا المال، وألا يتبع في كسبه هواه، بل يطلب الحق في تحليله وتحريمه، ولا يكن كالذي يبحث لنفسه غطاءً من زلة عالم أو خطأ مجتهد لأجل اكتسابه من غير حله.
ثانياً: علينا أن نعلم أن الحق في كل مسألة واحد لا يتعدد باتفاق أهل العلم -ممن يعتد بخلافه- كما علينا أن نعلم أن البشر خلقهم الله تعالى مختلفين في ألوانهم وأجسامهم ولغاتهم وتفكيرهم وعقولهم والاختلاف فيهم حاصل وهذا واقع لا مفر منه قال تعالى: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" ولكن لا بد أن نعتقد بالضرورة -مع هذا- أن الحق مع أحد هؤلاء المختلفين علمه من علمه، وجهله من جهله. وإذاً لا يجوز أن تكون أقوالهم كلها حق، ولا يجوز أيضاً أن يخلو قول أحدهم من الحق إذ لا بد لكل عصر من قائم الله بالحجة. وأقرب الناس إلى الحق أقربهم إلى الكتاب والسنة وفهم السلف رضوان الله عليهم وأعملهم بالدليل الصحيح وليس العبرة في تمييز الحق كثرة العاملين أو القائلين بالقول أو قلتهم. يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "لا يغرك من الحق قلة السالكين ولا من الباطل كثرة الهالكين". وذلك لأن بعض الناس يعتبر الحق بفعل الأكثرية فيقول أكثرهم فعل كذا وأغلبهم عمل بكذا وهذا غير صحيح. فالعبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن عمل غيره. فإذا تساهل المستفتي في طلب الحق كان عليه من الإثم بقدر تساهله.
ثالثاً: أن معنى السهم اصطلاحاً هو: جزء مشع من شركة تضم أعياناً ونقداً وعملاً أو بعضها؛ على الراجح من أقوال الفقهاء المعاصرين. وبناءً عليه يكون التملك في أي سهم من هذه الأسهم يعني أن يكون للمالك حصة مشاعة في جميع أعيان ونقود وأعمال وودائع الشركة المساهم بها.
رابعاً: أن الحكم على سهم شركة ما أنه نقي أو غير نقي لأجل تحديد جواز شراء أسهمها من عدمه مبدأ لا يصح من وجوه:
الأول: أن الشركة قد تقترض أموالاً طائلة بالربا فتبني بها أصولاً تجارية لها؛ كمصانعها ومنشآتها خلال سنين ماضية من عمرها إلا أنها قد تمر عليها سنة -أو ربع سنة- مالية لا تحتاج فيها إلى الاقتراض وبناء عليه تصدر قوائمها المالية الربع سنوية خالية من الاقتراض المحرم فهل يصح أن يطلق على هذه الشركة نقية لمجرد أنها لم تحتج إلى الاقتراض في ربع السنة الذي أصدرت فيه قوائمها المالية؟
الثاني: أنها قد تحصل على فوائد ربوية من ودائع مالية ثم تضخها في أرباح الشركة ثم بعد ذلك تضخ هذه الأرباح في رأس مال الشركة لتؤسس منشآت أو لتطوير عمل الشركة ونحوه وذلك خلال سنين من عمر الشركة، إلا أنها قد تمر عليها سنة مالية أو ربع سنة لا يوجد لديها ودائع مالية ذات فوائد فكيف يقال إن هذه الشركة نقية؟
الثالث: أن السهم المشترى هو عين تمثل حصة مشاعة من الشركة -كما سبق- ولا يصح اعتبار السهم يمثل فترة سنة واحدة أو ربع سنة، بل هو يمثل هذه الحصة لجميع أعمال وموجودات وأصول وودائع الشركة منذ تأسيسها وحتى وقت الشراء، وذلك لأن الإنسان إذا اشترى عيناً فلا يصح اعتبار هذا الشراء مخصوصاً بوقت، بل هو شامل للعين المباعة بعمرها الماضي ولهذا لو اشترى دابة أو دارا فبات مستحقة في أي وقت سابق للشراء فللمشتري ردها بهذا العيب. (انظر المغني4/319-320) فلو كان الشراء يمثل فترة معينة لم يكن للمشتري ردها بهذا العيب. وهذه مسألة من أوضح الواضحات لا تحتاج لمزيد بيان، وبناء عليه فإطلاق وصف النقاوة على الشركة لمجرد أن قوائمها المالية الربع سنوية خلت من تعاملات محرمة غير صحيح؛ لأن هذا الوصف لو صح فهو ينطبق على فترة من عمر الشركة، ولا ينطبق على الشركة ككل.
الرابع: أن عمل التاجر قد لا يخلو من الشبهة أحياناً ومن المحرم أحياناً أخرى بقصد أو بغير قصد وهذا يتعارض مع لفظ النقاوة.(5/148)
الخامس: أنه من خلال عملي في القضاء واطلاعي على كثير من ميزانيات الشركات والمؤسسات التجارية، وجدت أن هذه الميزانيات الصادرة عن مكاتب محاسبية قد لا تعبر بالضرورة عن جميع العمليات المالية كما هي في الواقع، ولو افترضنا أنها تعبر عن الواقع بصدق فإن المحاسب القانوني ليس له دراية بالشريعة وبالتالي. فإن الألفاظ التي يطلقها تمثل بصورة أساسية مصطلحات محاسبية تختلف بالمفهوم الشرعي بين محاسب ومحاسب آخر في كونها تمثل ربا أو لا؟ وهي أمور دقيقة لا تظهر في القوائم المالية الربع سنوية، ومثالها: كأن يكتب في الميزانية مثلاً: غرامات تأخير بمبلغ كذا وهذه الغرامات عند التمحيص ليست على تأخير أعمال، بل على تأخير سداد أموال مستحقة للشركة فهي فوائد أو ربا صريح بينما تظهر هذه الغرامات في القوائم المالية على أنها مطلوبات على الغير في ضمن ديون صحيحة للشركة على الغير وهذه من المسائل الشائعة لدى الشركات المساهمة، وعلى هذا فهي لا تحتسب من الأموال الربوية نتيجة لعدم التمحيص في الميزانيات المالية لكل شركة ومراقبتها من قبل عالم بالشريعة أضف إلى ذلك أن استيفاء فحص الميزانيات لهذه الشركات لكل بند وتمحيصه أمر عسير جداً ويحتاج لفرق محاسبية وشرعية خاصة مع كبر تعاملات الشركات المساهمة في المملكة، وبهذا يتبين أن إطلاق وصف النقاوة لمجرد الاطلاع على القوائم المالية الربع السنوية الأولية للشركات المساهمة غير صحيح.
الخامس: أنه من المعلوم شرعاً أن الله تعالى إذا حرم شيئاً أوجب اجتنابه كليًّا قليله وكثيره يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" وأيضاً في المحرمات نهى عن اقترابها فضلاً عن فعلها قال تعالى" ولا تقربوا مال اليتيم" "ولا تقربوا الزنا" وقال صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا إن لكل ملك حمى ألا إن حمى الله محارمه" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ففي هذا الحديث أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدم الاقتراب من المحرم حذراً من الوقوع فيه. وعليه فالربا قليله وكثيره سواء في الحرمة يدل لذلك ما رواه أحمد في المسند بسند صحيح عن عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية" وفي رواية في الخطيئة "وبناء عليه كيف يجوز شراء أسهم شركة جزء منها ربا ولو كان قليلاً فقليل المحرم وكثيره سواء؛ للحديث. وبالتالي فالشركة التي يمثل الربا فيها نسبة قليلة لا يجوز شراء أسهمها لأن السهم يشمل جميع أجزاء الشركة وتجويزه -ولو كان قليلاً- إقرار به ورضا وتعاطي للمحرم وهذا من المعلوم تحريمه.
السادس: أنه لا يصح القول بأنه يمكن تطهير هذا السهم أو ذاك؛ لأسباب منها: أن النهي متوجه لعدم المقاربة فضلاً عن المقارفة ومتوجه لأخذه مع العلم بأنه ربا -كما مر- وهذا قد اشترى سهماً وأخذ مالاً مع علمه بما فيه من الحرمة فكيف يصح شراؤه والحالة هذه فضلاً عن تطهيره. ومنها أنه على التسليم بصحة هذا المبدأ وهو التطهير فإن السهم جزء من الشركة التي هي عبارة عن أعيان ونقود وهذه الأعيان والنقود المشاعة تمثل المعاملات المحرمة جزءاً مشاعاً منها أيضاً والمشاع لا يمكن تطهيره إلا إذا تعين والتعيين متعذر والحالة هذه -في الشركات المساهمة- فيتعذر تطهيره، كما لو تيقن النجاسة في ثوب وجهل موضعها فإنه يحرم الصلاة في هذا الثوب حتى يغسله جميعاً فهو هنا كذلك؛ فإذا اختلط المحرم اليسير بالحلال على وجه الشيوع حرم الحلال حتى يتميز الخبيث منه تميزاً يمكن إخراجه منه.
السابع: على التسليم بأن هذه الشركة أو تلك قد خلت معاملاتها من الربا جميعه سواء بالاقتراض أو الإيداع بالفوائد منذ بداية الشركة وحتى إصدار المفتي فتواه بأنها نقية، فإن خلوها من الربا لا يلزم منه خلوها من المعاملات المحرمة الأخرى غير الربا كالتأمين التجاري وخطابات الضمان غير المغطاة مع دفع الرسوم على تلك الخطابات بالنسبة والتناسب وبيوع الديون والبيع وشرط، والبيوع ذات الشروط الفاسدة وغيرها كثير مما يتعارض مع لفظ النقاوة المعبر عنه في الفتوى؛ علماً أن التحقق من صحة البيوع وعدم مخالفتها لا يمكن إلا بمباشرتها والاطلاع على عقودها، حيث إنه لا القوائم المالية ولا حتى الميزانيات التفصيلية تبين طريقة تعاطيها حتى يتسنى بيان حلها من حرمتها، والمقصود أنه لا يصح هذا الإطلاق (لفظ نقية) مع وجود ذلك.
الثامن: أن عبارة: شركة نقية تفيد القطع بذلك مع وجود احتمالات بإخفاء مجلس الإدارة بعض المعاملات المحرمة، أو أن المجلس يجهل تحريمها وكيف تفيد هذه العبارة القطع وعمل المفتي إنما يفيد الظن على أحسن الأحوال؟.
التاسع: أن مما يدل على اضطراب الفتوى بالنقية وعدمها هو تحول الشركات المستمر من وصف النقاوة إلى المختلطة والعكس بالعكس. وعلماء الأصول نصوا على أن من صحة العلة اطرادها، وهنا لم تطرد؛ إذ لا يوجد سبب لتحويلها من النقية إلى غيرها سوى ما يظهر في قوائمها المالية ربع السنوية وقد سبق بيان بطلان هذا العلة.
العاشر وهو أهمها: أنه إذا كان نظام الشركة الأساسي يبيح لمجلس الإدارة التعامل بالقروض التجارية والإيداع لدى البنوك بالفوائد المحرمة، كما هو حال كثير من الشركات المساهمة كيف يصح القول بأن هذه نقية؟ وهي عندها الاستعداد على تعاطي الربا بالقوة؛ هذا إذا سلمنا بأنها لم تقع فيه بالفعل.
ولهذا فإن العقود تبطل بالشروط المحرمة على القول الصحيح (الموسوعة الفقهية 30/239) ومما يزيد هذا القول قوة أن القائلين بصحة هذه العقود أوجبوا إبطال هذه الشروط على كل حال، ولكن الواقع أن المساهم العادي لا يمكنه ذلك. وبالتالي اجتمع القول على حرمة هذه الشركات مع وجود هذه الشروط.
الحادي عشر: أنه بناءً على حديث حنظلة رضي الله عنه السابق ذكره أن العبد لا يؤاخذ بعمل المحرم إلا بعد علمه بحرمته عند أخذه، فلذلك إذا قلنا بجواز هذه الشركات لأنها نقية وقد تصمن النظام الأساسي للشركة تجويز تعامل مجلس الإدارة بالربا أو بالمعاملات المحرمة عموماً، ثم أظهرت قوائمها المالية عدم تعاطيها الربا -وحكم بأنها نقية- بينما أخفى مجلس الإدارة المعاملات الربوية خاصة والمحرمة عامة، ثم تبين بعد الدخول فيها تلك المعاملات المحرمة فإن المساهم يأثم بالمساهمة في هذه الشركة ابتداءً بتعاطي أسهمها بيعاً وشراءً؛ وذلك لأنه ولو لم يعلم بأن هذه الشركة قد وقعت في الحرام عند شراء أسهمها إلا أنه أقرها على فعلها بالدخول فيها مع وجود هذه الشروط -التي تجيز الربا- فيها.
خامساً: بناء على ما سبق فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم هذه الأسهم على أقوال أبرزها ثلاثة أقوال:
القول الأول: التفصيل بين الشركات النقية وغيرها.
فالتنقية تعتبر جائزة والمختلطة بعضهم أجازها إذا كانت نسبة الربا يسيره يمكن تطهيرها، وبعضهم منعها مطلقاً وهذا القول قد تضمنت الأوجه السابقة الجواب عليه.
القول الثاني: الجواز بشروط:
1- أن يكون النشاط مباحا.
2- ألا تكون نسبة القروض الربوية التي أخذتها الشركة أكثر من 30%.
3- ألا تكون نسبة الفوائد الربوية التي تتقاضاها الشركة من الودائع المصرفية أكثر من 5%.(5/149)
4- ألا تكون نسبة النقود أكثر من 50% من رأس مال الشركة.
والرد التفصيلي على هذا القول قد يطول، ولكن أجمل الرد في حديث عبد الله بن حنظلة السابق ففيه أبلغ رد على هذا القول، حيث دل على أنه لا فرق بين قليل الربا وكثيره كما سبق بيانه.
القول الثالث: أنه يجوز التعامل بالأسهم مضاربة في كل الشركات المساهمة بشرط أن يكون النشاط مباحاً. وهذا القول وإن كان أضبط في العلة لكنه أوهى من ناحية الدليل حيث إن النهي إذا توجه إلى شيء كان النهي عن التملك عموما سواء اشتراه لأجل البيع والمضاربة فيه أو اشتراه لأجل غلته ولو صح هذا القول لجازت كثير من المحرمات أو التي بعضها محرم إذا كان شراؤها لأجل البيع.
الرأي الذي أرجحه في هذه المسألة:
إن العقد الذي يحكم بين المشتري للسهم والبائع له والشركة محل الشراء هو النظام الأساسي للشركة لذا فإن شراء السهم لا يخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأول: أن يكتتب في شركة جديدة بشراء أسهم التأسيس ففي هذه الحالة يجوز بشروط:
1- أن يكون النشاط مباحاً.
2- ألا يتضمن النظام الأساسي للشركة إعطاء مجلس الإدارة صلاحية التعامل المحرم.
وذلك لأن هذه الأسهم -المكتتب فيها في الشركات الجديدة التي لم يسبق لها مزاولة العمل- ليست شراء لعين قائمة، بل هي في الحقيقة دفع مال لأجل المتاجرة به. ويمثل هذا المال المدفوع حصة مشاعة من الشركة، بدليل أن هذه الأموال المكتتب بها تضخ في رأس مال الشركة الذي هو النواة لأعمالها.
وبناء عليه فإذا لم يوجد شرط يجيز لمجلس الإدارة تعاطي المعاملات المحرمة بقي الأمر على الأصل في أن المسلم الأصل فيه الأمانة، وأن المضاربه أمين بينما لوجد هذا الشرط أدى إلى إقرار المكتتب بالمحرم، فيحرم من هذا الوجه. لكن لو علم من أراد الاكتتاب بأن مجلس الإدارة ينوي الاقتراض الربوي فإنه في هذه الحالة يحرم الاكتتاب فيها بناء على عمله بنقض المضارب (مجلس الإدارة) للأصل المشار إليه أعلاه.
الحال الثاني: الاكتتاب في شركة قائمة (سبق لها العمل، وكانت مقفلة ثم طرحت جزءاً من أسهمها للاكتتاب –البيع-): فهذا يجوز بشروط ـ إضافة إلى الشروط السابقة:
1- أن ينص النظام الأساسي للشركة على أنه يجب أن تكون معاملات الشركة لا تخالف الشريعة الإسلامية، وذلك لما يأتي:
أ- إبراء لذمة المساهم من جميع أعمال الشركة السابقة والتي تخالف الشرع المطهر.
ب- يترتب عليه أنه لا يلزم المساهم التنقيب في ميزانيات الشركة ومتابعتها لأنه.
أولاً: قد يجهل التعامل مع هذه الميزانيات.
ثانياً: من العسير جدًّا أن يطالب كل مساهم ببحث شرعية كل ميزانية للشركة.
ثالثاً: إن الشركة المساهمة تعلن القوائم المالية مختصرة، ولا تعلن الميزانيات التفصيلية ففي ذلك إبراء لذمة المساهم عما يكون في الميزانيات التفصيلية من أمور محرمة.
ج- أنه بموجب هذا الشرط فإن أي عمل يقوم به مجلس الإدارة مخالف لهذا الشرط فإنه يتحمل إثمه كاملاً؛ لأنه -أي مجلس الإدارة- خان الأمانة بإخلاله بهذا الشرط. وبالتالي فلا يلحق المساهم من الأعمال المخالفة أي إثم قبل علمه بها
د- أنه بموجب هذا الشرط يكون للمساهم -ولو بسهم واحد- دور إيجابي في الشركة؛ حيث إن المساهم إذا نما إلى علمه مخالفة مجلس الإدارة لهذا الشرط فإنه يحق له مقاضاة مجلس الإدارة على هذا الإخلال، حتى لا يكون مقرًّا لهم على ما فعلوه.
2- أن يكون السعر عادلاً من جهة القيمة الدفترية للسهم: بمعنى أن يعكس القيمة الحقيقية للسهم بناء على القيمة الدفترية أي التي أظهرتها الميزانيات الصحيحة فلو كان فيه كذب أو خداع أو تدليس فإنه يحرم على بائع السهم أخذ الزيادة على القيمة الفعلية للسهم (لأن الأسهم المطروحة للاكتتاب كانت مملوكة لأحد الشركاء في الشركة ثم قام بيبعها بنظام الاكتتاب) كما أنه يثبت للمساهم إذا علم بالغبن خيار الغبن.
الحال الثالث: تداول الأسهم في السوق المالي بيعاً وشراء بقصد المضاربة أو الاستثمار فإنه يجوز بشروط ـ إضافة إلى الشروط السابقة - :
1- أن يكون السعر عادلاً من جهة القيمة السوقية للسهم، بحيث تكون القيمة السوقية للسهم مقاربة للقيمة الدفترية أو أعلى منها بشرط ألا يكون هذا العلو فاحشاً بحيث يظهر فيه المخاطرة بالبيع والشراء الذي يخرج هذا التعامل من التجارة إلى المقامرة. وهذه مسألة مهمة لا بد من التفطن لها؛ لأن المقامرة هي نوع من المخاطرة رغبة في الكسب الكثير والسريع في الوقت القصير، ويترتب عليها الخسارة السريعة والكثيرة في الوقت القصير، أيضاً قال ابن حجر المكي: سبب النهي عن الميسر وتعظيم أمره أنه من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}- ثم ذلك حديث: {من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق}. وقال: فإذا اقتضى مطلق القول –بالمقامرة- طلب الكفارة والصدقة المنبئة عن عظيم ما وجبت له أو سنت، فما ظنك بالفعل والمباشرة.
فأي مخاطرة أعظم من أن تشتري سلعة تعرف في قرارة نفسك أن سعرها هذا يفوق سعرها الحقيقي مرات عديدة، وأي أكل أموال بالباطل أعظم من إيهام الناس بالربح لأجل أن يشتري غيره السهم وهو في حال ارتفاع، ثم يضطره لأن يبيعه بأقل. ولو اشتراه بسعره الحقيقي (القيمة الدفترية) أو قريباً منها على أقل الأحوال لم يترتب عليه مخاطرة أنه حتى لو انخفض فسيعود إلى ما كان عليه بناء على العرض والطلب أما إذا كان السعر مبالغاً فيه فهذا سيؤدي إلى خسارة فادحة عند الانخفاض -الوصول إلى السعر الحقيقي- وهو الذي حدث في الآونة الأخيرة عندما انخفضت أسعار الأسهم ورجعت إلى قريب من أقيامها الحقيقية، حيث خسر كثير من المساهمين جزءاً كبيراً من أموالهم، بل إن بعضهم خسر روحه، بل تسبب بظهور العداوة وقتل بعض الناس لبعض بسبب هذه الأمور؛ لذلك فإنه عند ارتفاع السعر فوق القيمة الحقيقة بكثير فشراء السهم نوع من القمار الذي هو نوع من الميسر قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون".
ويقول ابن القيم رحمه الله ـ في كلام معناهـ : إذا اشتبه عليكم حكم مسألة فانظر إلى ما تنتهي إليه. فإنه سيتبين لك حكمها.
ومن ينظر إلى نهايات سوق الأسهم يعلم مقدار المخاطرة فيها التي تتضمن المقامرة ولو قلنا إنها ليست بميسر أو قمار فهي على أقل الأحوال فيها شبهة القمار مما ينبغي الحذر منه.
2- ألا يكون الشراء -أو طلب الشراء- بقصد رفع السعر والتغرير بالناس؛ لأن هذا نوع من الخداع والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "الخديعة في النار" كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش وهو الزيادة في سعر السلعة بقصد التغرير والخداع لغيره، وقال ابن أبي أوفى رضي الله عنه: "الناجش آكل ربا خائن" رواه البخاري. وهذا حق. فالناجش إنما يريد رفع سعر السلعة لأجل الزيادة الناتجة عن هذا الارتفاع فهذا رباها. وأما الخيانة فهو مؤتمن على إعطاء الحقيقة في قيمة السلعة إلا أنه خان الأمانة، وأعطى السلعة قيمة تخالف حقيقتها.
وختاماً: فلا بد من التنبيه إلى أمور:(5/150)
1- قد يقول قائل بأن هذه الفتوى فيها تضييق على الناس أو نحوه... وأقول بأن الواجب معرفة الحق بدليله، ولذلك لا يجوز للمفتى اعتقاد الحكم ثم بناء الدليل عليه بل الواجب اتباع الدليل للوصول إلى الحق. لذلك فإن المفتي إذا نظر لما قد يدعيه البعض من أنه حاجة لا بد منها فإنه سينظر للحكم على أنه جائز قبل النظر في الدليل، وهذا خطأ في مبدأ النظر يخل بالوصول إلى معرفة الحق.
لهذا أولاً يجب أن نعرف حكم المسألة بناء على الأدلة ثم ننظر هل هناك ضرورة تبيحها إن كان محرماً؟ فإن لم يكن ثمة ضرورة فلم تأتي الشريعة بإباحة الحاجات إذا كانت محرمة، بل لم يجعل الله تعالى للناس حاجة للمحرم ولو تفكرنا في تداول الأسهم فليس للناس بها حاجة، بل ربما يكون بها ضرر بالغ عليهم. وإنما يستفيد منها المتنفذون وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة الذين يوهمون الناس بتحقيق الربح وهم في الحقيقة الرابحون الحقيقيون، كالربا الذي يستفيد منه أصحاب رؤوس المال ويظلم به المدينين، وبالتالي فلا حجة لمن يدعي الحاجة وغيرها.
2- على هيئة سوق المال إلزام الشركات المساهمة بنشر النظام التأسيسي للشركة بأي وسيلة كانت، فأقل حقوق المساهم هو أن يطلع على النظام التأسيسي للشركة التي يريد أن يساهم بها.
3- على رؤساء مجالس الإدارات في الشركات مراقبة الله تعالى في أعمال هذه الشركات، والحذر من المعاملات المحرمة التي توجب محق بركة العمر والمال والولد والعياذ بالله.
4- ليعلم المسلم أنه مأمور باتباع الحق الذي ظهر له وليحذر من اتباع الهوى، فإن ترك الدليل الشرعي يوجب اتباع الهوى لا محالة قال تعالى: "فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم" (القصص).
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
أضرار الربا
الفصل الأول : (تعريف الربا)
وسنذكر التعريف اللغوي ثم التعريف الاصطلاحي عند الفقهاء وما يلاحظ على هذه التعريفات الاصطلاحية:-
المبحث الأول:-
التعريف اللغوي:-
الراء والباء والحرف المعتل وكذلك المهموز منه يدل على أصل واحد، وهو الزيادة والنمو والعلو…والرِّبا تثنية رِبوان و رِبَيَان([1]).
فالربا هو الفضل والزيادة([2]) . وتقول: ربا الشيء يربوا رُبُوَّاً ورِباءاً أي: زاد ونما، وأربيته: نميته ، وفي التنزيل العزيز:
"ويربي الصدقات" [ البقرة : 265 ] .
ومنه أخذ الرِّبا المحرم ([3]).
المبحث الثاني:-
التعريف الاصطلاحي للربا
اختلفت تعريفات المذاهب للربا وسنذكر تعريف كل مذهب على حده ثم نبين-إن شاء الله- وجه اختلاف تعريفات العلماء للربا:-
q تعريف الربا في المذهب الحنفي:-
هو عندهم :- (فضلُ مالٍ بلا عوض في معاوضة مال بمال) ([4]).
وقيل هو:- (الفضل الخالي عن العوض المشروط في البيع) ([5]).
q تعريفه في المذهب المالكي:-
هو:- (كل زيادة لم يقابلها عوض) ([6]).
q تعريفه في المذهب الشافعي:-
هو:- (عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما) ([7]).
q تعريفه في المذهب الحنبلي:-
هو:- (الزيادة في أشياء مخصوصة) ([8]).
ــ والمتأمل في هذه التعريفات وغيرها من تعريفات العلماء للربا يجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي كما يلي:-
1) تعريفات مقصورة على ربا القروض:-
فمن العلماء من حصر تعريفه للربا في نطاق ربا القروض ومنهم الإمام ابن الأثير حيث يقول:-
" وهو في الشرع : الزيادة على أصل المال من غير عقد تبايع "([9]).
ـ ومنهم الإمام الواحدي فقد عرفه بقوله:-
" الربا اسم للزيادة على أصل المال من غير بيع " ([10]).
ومما هو واضح في تعريف هذين الإمامين أنهما عرفا ربا القروض فقط، وأما ربا البيوع فأخرجاه من نطاق التعريف بقولهما: (من غير عقد تبايع) و: (من غير بيع) ولعلهما اقتصرا على تعريف ربا القروض مراعين أنه هو الربا الجلي المتفق عليه([11]).
2) تعريفات مقصورة على ربا البيوع:-
فمن العلماء من اقتصر على تعريف ربا البيوع أثناء تعريفه للربا وهذه هي تعريفات الحنفية والشافعية السابقة.
ويلاحظ أن تلك التعريفات تتحدث عن الربا في نطاق البيوع، ولعل سبب الاقتصار على تعريف ربا البيوع يرجع إلى أنهم أرادوا معالجة ربا البيوع فحسب([12]).
3) تعريفات للربا باعتبار مفهومه الشامل:-
ومن العلماء من عرف الربا باعتبار مفهومه الشامل كالإمام ابن العربي في قوله:- (كل زيادة لم يقابلها عوض) ([13]).
وكذلك تعريف الحنابلة السابق إنما هو باعتبار مفهومه الشامل.
ويظهر من هذه التعريفات شمولها ربا القروض وربا البيوع، حيث توجد الزيادة فيهما، إلا أن تعريف الإمام ابن العربي غير مانع، حيث تدخل زيادات ليست من الربا([14]).
([1]) معجم مقاييس اللغة : 2 / 483 - 484 . مادة ( ربى أ ) .
([2]) المصباح المنير : 217 .
([3]) لسان العرب : 14 / 307 . مادة ( ربا ) .
([4]) البحر الرائق شرح كنز الرقائق : 6 / 135 . وعمدة القارئ : 11 / 199 .
([5]) المبسوط : 12 / 109 .
([6]) أحكام القرآن : 1 / 242 .
([7]) نهاية المحتاج : 3 / 409 . ومغني المحتاج : 2 /21 .
([8]) المغني : 6 / 51 .
([9]) النهاية في غريب الحديث و الأثر : 2 / 192 .
([10]) نقل ذلك عنه الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات القسم الثاني : 2 / 118 مادة ( ربو ) .
([11]) التدابير الواقية من الربا في الإسلام : 24 - 25 .
([12]) السابق : 25 .
([13]) أحكام القرآن : 1 / 242 .
([14]) التدابير الواقية : 26 . بتصرف .
الفصل الثاني : أدلة تحريم الربا
لقد حرم الله الربا وقرر أنه من أكبر الكبائر كما بَيَّن أنه سبب لعقوبات عديدة في الدنيا والآخرة.
ولم يقف عند هذا الحد ، بل منع الاسلام من تقديم أي مساعدة للتعامل الربوي ([1]).
وتنوعت أدلة تحريمه فقد جاء ذلك في الكتاب والسنة وأجمع المسلمون على ذلك وسنذكر -إن شاء الله تعالى- الأدلة من الكتاب ثم من السنة ثم الإجماع على ذلك:-
المبحث الأول:- أدلة تحريم الربا في القرآن الكريم:-
لا شك أن القرآن قد نهى عن كثير من المنكرات وشدد الوعيد في بعضها، ولكن الكلمات التي جاء بها لإعلان حرمة الربا أشدُّ وآكد من الكلمات التي أوردها للنهي عن سائر المنكرات والمعاصي([2]).
وذكر الله -عز وجل- تحريم الربا في آيات من كتابه الكريم منها:-
1. قوله تعالى:-" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسِّ ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" [ البقرة : 275 ] .
ويستدل بهذه الآية على تحريم الربا من عدة وجوه هي:-
q الوجه الأول : ذكر حال المرابي في قوله "الذين يأكلن الربا " وحتى قوله "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا":-
روى الإمام الطبري -رحمه الله- عن سعيد بن جبير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية قوله:- (يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً يخنق) ([3]).
ونقل عن قتادة قوله:- (وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة، بعثوا وبهم خبل من الشيطان) ([4]).
ومعنى الآية:-
أن الذين يربون الربا لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يخنقه الشيطان فيصرعه من الجنون([5]).
والله سبحانه وتعالى إنما يرتب هذه العقوبات على المعاصي والموبقات لا على القربات والمباحات.(5/151)
وذكره سبحانه لحالهم هذا وأنهم كما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين، عوقبوا في البرزخ والقيامة ، بأنهم لا يقومون من قبورهم، أو يوم بعثهم ونشورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون والصرع يدل على الترهيب من هذا العمل الذي يكون مصير فاعله في الآخرة هذا الحال.
ــ تنبيه:-هذا الوعيد ليس خاصاً بالأكل فليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا فذكرهم بصفتهم معظماً بذلك عليهم أمر الربا ومقبحاً إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم ويدل لهذا القول قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" الآية [ البقرة : 278 ] فالتحريم من الله في ذلك لكل معاني الربا وهي تدل على أن العمل به وأكله وأخذه وعطاؤه سواء([6]).
q الوجه الثاني:- في قوله تعالى :- (وأحل الله البيع وحرم الربا)
وهذا تحريم صريح جازم في كتاب الله([7]).
ومعنى الآية:-
أن الله تعالى أحل البيع وحرم نوعاً من أنواعه وهو البيع المشتمل على الربا.
q الوجه الثالث:- في قوله تعالى:- (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).
ففي هذا أن الربا موجب لدخول النار والخلود فيها، وذلك لشناعته ما لم يمنع من الخلود مانع الإيمان([8]).
2. الدليل الثاني من القرآن:- قوله تعالى:- (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفّار أثيم) [ البقرة : 286 ] .
وهذه الآية أيضاً تدل على تحريم الربا ويستدل بها على ذلك من أربعة وجوه هي:-
q الوجه الأول:- أنَّ الله تعالى يذهب الربا إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به بل يعدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة([9]).
وهذا يدل على تحريمه لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً كما ورد ذلك في عدة أحاديث([10]).
q الوجه الثاني:- في قوله تعالى:- "والله لا يحب كل كفار أثيم"
فحرمانه([11]) من محبة الله يستلزم بغضه ومقته له([12]) ، وهو يدل على تحريم عمل المرابي الذي بسببه استحق غضب الله ومقته.
q الوجه الثالث:- تسميته كفاراً، أي مبالغاً في كفر النعمة بقسوته على العاجز عن القضاء، واستغلاله لما يعرض له من الضرورة بدلاً من إنظاره وتأخير دينه إلى الميسرة وإسعافه بالصدقة ، أو كفاراً الكفر المخرج من الملَّة إن استحلَّه([13]).
q الوجه الرابع:- تسميته أثيماً وهي صيغة مبالغة من الإثم ، وهو كل ما فيه ضرر في النفس أو المال أو غيرهما ([14]).
3. الدليل الثالث من القرآن الكريم:- قوله تعالى:- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظْلمون ولا تُظْلمون" [ البقرة : 278 - 279 ]. وهاتان الآيتان تدلان على تحريم الربا من عدة وجوه هي:-
q الوجه الأول:- من قوله:- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا" :-
حيث أمر الله تعالى عباده المؤمنين بتقواه نهياً لهم عمَّا يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه، أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون "وذروا ما بقي من الربا" أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هذا الإنذار([15]).
وهذا يدل على أن الربا من أسباب سخط الله تعالى لأن الله نهى المؤمنين عنه وأمرهم بالتخلص مما بقي منه ومن خالف أمر الله تعالى فقد عرَّض نفسه للهلاك والعقاب إن لم يتب إلى الله تعالى فيتوب الله عليه.
q الوجه الثاني:- من قوله تعالى:- "إن كنتم مؤمنين" :- أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك([16]).
ومما يفهم من الآية الكريمة أن من مقتضيات الإيمان ترك الربا ([17])، وهذا يدل على تحريمه.
q الوجه الثالث:- من قوله تعالى:- "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" :-
وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار([18])، وأذان الحرب من الله ورسوله بسبب هذه الجريمة يدل على أنها من الكبائر([19]).
يقول الإمام القرطبي- رحمه الله- :(دلت هذه الآية على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر) ([20]).
q الوجه الرابع:- من قوله تعالى:- "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون".
فوصَفَه بالظلم وهو ظلم محقق لأن فيه تسلط الغني على الفقير ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم من ظلم غير المحتاج ([21])، وقد قال تعالى في الحديث القدسي - محرماً الظلم- :"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" رواه مسلم([22]).
4. الدليل الرابع من القرآن الكريم:- قوله تعالى:- "وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون".
ومعنى (لا يربوا عند الله): أي لا يحكم به بل هو للمأخوذ منه، وهذه الآية تدل على تحريم الربا على القول بأنها في الربا المحرم وهو أحد الأقوال في تفسير هذه الآية([23]).
*هذا ما تيسر من ذكر الأدلة من كتاب الله تعالى على تحريم الربا، ومَنْ تأمّل بعض ما تقدم حصل له العلم اليقيني بأنه من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها نهياً أكيداً ورتب عليها العقوبة في الدار الآخرة، وننتقل الآن لذكر الأدلة على ذلك من سنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المبحث الثاني:- أدلة تحريم الربا في السنة المطهرة:-
إنَّ الأحاديث في تحريم الربا كثيرة ومشهورة، وقد توعَّد الله آكل الربا بضروب من الوعيد مما يدل على عظم إثمه وفحش ضرره فقد تنوع الوعيد عليه في النصوص القرآنية - كما سبق بيانه- والأحاديث النبوية، فعدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المرابي من أهل الموبقات وهي أكبر الكبائر ووردت عدة أحاديث صحيحة في لعن آكل الرِّبا وموكله وكاتبه وشاهديه، ووردت عدة أحاديث في الوعيد الشديد عليه وسنذكر فيما يلي بعض هذه الأحاديث ونجملها في العناوين التالية:-
1) ما ورد من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لآكل الربا ومن عاونه على هذا الباطل:-
; عن جابر رضي الله عنه قال:" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء" رواه مسلم([24]).
; وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله" رواه مسلم([25]).
; وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة: آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والحالّ والمحلَّل له ومانع الصدقة، والواشحة والموستوشحة " رواه الإمام أحمد([26]).
2. ما ورد من نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن آكل الربا وعدِّه من الموبقات:-
; عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم ، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور" رواه البخاري([27]).
; وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هي يا رسول الله، قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق عليه([28]).
3. ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم من تقريره - في خطبته في حجة الوداع - لتحريم الربا ووضعه:-(5/152)
عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول:-
" ألا إنَّ كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلغت؟ قالوا: نعم. ثلاث مرات.قال:- " اللهم اشهد" . ثلاث مرات. رواه أبو داود ومسلم نحوه([29]).
4. ذكره صلى الله عليه وسلم لعقوبة من يظهر فيهم الربا:-
; عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب" رواه الإمام أحمد([30]).
; وعن أبي أمامة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:- " يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير ، وليصبنهم خسف وقذف حتى يصبح الناس فيقولون خسف الليلة بدار فلان ، ولترسلن عليهم حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط على قبائل فيها، وعلى دور بشربهم ، ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عاداً على قبائل ، وعلى دور شربهم الخمر ولبسهم الحرير واتخاذهم القينات وأكلهم الربا، وقطيعة الرحم.." رواه الإمام أحمد مختصراً([31]).
5. ما ورد في حديث الإسراء وغيره من ذكر عقوبة المرابي يوم القيامة:-
; عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرَّجل الذي في النهر ، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردَّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع حيث كان ، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر : آكل الربا ". رواه الإمام أحمد مختصراً والبخاري بهذا اللفظ([32]).
; وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- " أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا" . رواه الإمام أحمد([33]).
6. ما ورد من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه أشد من الزنا والعياذ بالله:-
; عن عبد الله بن حنظلة الراهب "مرفوعاً" : " درهم ربا يأكله الرجل – وهو يعلم – أشد عند الله من ست وثلاثين زنية " رواه الإمام أحمد والدارقطني ([34]).
; وعن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً : " الربا اثنان وسبعون باباً ، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أدنى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه " رواه الطبراني([35]) .
; وعن وهب بن الأسود خال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دخلت على رسول الله فقال لي: ألا أنبئك بشيء من الربا؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: " الربا سبعون باباً ، أدنى فجرة منها كاضطجاع الرجل أمه" ([36]).
7. ما ورد من الأحاديث الدالة على محق البركة من المال الذي رابى فيه صاحبه ، وأن عاقبته إلى زوال:-
; عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الربا وإن كَثُر فإن عاقبته إلى قل" رواه الإمام أحمد([37]).
قال ابن كثير – رحمه الله - : (وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود) ([38]).
وقال معمر: (سمعت أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق)، وقاله الثوري ، وقال عبد الرزاق : قد رأيته. رواه عبد الرزاق([39]).
8. ما ورد من إنكار الصحابة رضي الله عنهم على من تعامل بالربا أو أذن في ذلك:-
; عن سليمان بن يسار : " أن صكاك التجار خرجت فاستأذن التجارُ مروانَ في بيعها فأذن لهم، فدخل أبو هريرة – رضي الله عنه- عليه فقال له: " أذنت في بيع الربا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري الطعام ثم يباع حتى يُستوفى " .
قال سليمان : فرأيت مروان بعث الحرس فجعلوا ينتزعون الصكاك من أيدي من لا يتحرج منهم" رواه الإمام أحمد([40]).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وكتب الفقه والحديث والتفسير وغيرها مليئة بالنقول عن كبار العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب وغيرهم…
وفي هذا القدر من أدلة السنة على تحريم الربا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد([41]).
المبحث الثالث:- دليل الإجماع على تحريم الربا :-
لقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع الأمة على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في بعض صوره، وممن نقل ذلك :-
1. الإمام النووي :- حيث يقول رحمه الله- : ( أجمع المسلمون على تحريم الربا وأنه من الكبائر وقيل إنه كان محرماً في جميع الشرائع وممن حكاه الماوردي) ([42]).
2. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:- يقول رحمه الله:- ( المراباة حرام بالكتاب والسنة والإجماع) ([43]).
3. الإمام الصنعاني:- حيث قال:- (وقد أجمعت الأمة على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في التفاصيل) ([44]).
; ومن راجع أقوال العلماء في الربا علم يقيناً أن الربا محرم مجمع عليه، فهو من المحرمات التي لا يسع جهلها…. ولا تجد أحداً من أهل العلم إلا قال لك: الربا حرام، ولا تجد باحثاً مسلماً يخشى الله إلا وهو يحكي التحريم عمن قبله.
v هذا ما تيسر جمعه من أدلة تحريم الربا، وهي كما سبق تدل دلالة قطعية على ذلك لمن تأملها.
([1]) التدابير الواقية : 47 .
([2]) الربا للمودودي : 101 .
([3]) جامع البيان : 3 / 103 وروى ابن أبي حاتم معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما انظر تفسير ابن كثير : 1/308 .
([4]) جامع البيان : 3 / 103 .
([5]) جامع البيان : 3 / 103 .
([6]) جامع البيان : 3 / 103 ، والربا خطره وسبيل الخلاص منه : 11 – 12 بتصرف وستأتي الأحاديث في ذلك .
([7]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 47 .
([8]) تيسير الكريم الرحمن : 1 / 245 ، وجامع البيان : 3 / 105 .
([9]) تفسير ابن كثير : 1 / 310 . بتصرف .
([10]) انظرها في جامع البيان : 3 / 105 – 106
([11]) أي المرابي .
([12]) الفرق بين البيع والربا : 11 .
([13]) الفرق بين البيع والربا : 11 .
([14]) الفرق بين البيع والربا : 11 .
([15]) تفسير ابن كثير : 1 / 312 .
([16]) تفسير ابن كثير : 1 / 312 .
([17]) التدابير الواقية من الربا : 18 .
([18]) تفسير ابن كثير : 1 / 312 .
([19]) التدابير الواقية : 49 .
([20]) الجامع لأحكام القرآن : 3 / 364 .
([21]) فقه وفتاوى البيوع : 150 –151 .
([22]) صحيح مسلم بشرح النووي : 16 / 108 رقم ( 2577 ) .
([23]) فتح القدير : 4 / 284 – 285 .
([24]) صحيح مسلم بشرح النووي : 11 / 22 رقم ( 1598 ) .
([25]) صحيح مسلم بشرح النووي : 11 / 22 رقم ( 1597 ) .
([26]) المسند بتحقيق أحمد شاكر : 2 / 53 رقم ( 635 ) وفي إسناده ضعف كما ذكر ذلك الشيخ أحمد شاكر لكن الجملة الأولى منه إلى قوله : ( وشاهديه ) صحيحة كما في حديث مسلم السابق .
([27]) صحيح البخاري مع الفتح : 4 / 368 رقم ( 2086 ) .
([28]) صحيح البخاري مع الفتح : 5 / 462 رقم ( 2766 ) وصحيح مسلم بشرح النووي : 2 / 70 رقم(89)
([29]) أبو داود : 3 / 628 رقم ( 3334 ) وصحيح مسلم بشرح النووي : 8 / 138 رقم ( 1218 ) .(5/153)
([30]) مرويات الإمام أحمد في التفسير : 1 / 242 – 243 رقم ( 508 ) قال أحمد البنا : لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده لا بأس به . ( الفتح الرباني :15 / 70 . لكن الحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم (5211 ) .
([31])مسند الإمام أحمد : 5 / 259 .
([32]) مرويات الإمام أحمد في التفسير : 1 / 238 رقم ( 494 ) والبخاري مع الفتح : 4 / 367 رقم (2085).
([33]) مرويات الإمام أحمد في التفسير : 1 / 238 رقم ( 496 ) قال ابن كثير : وفي إسناده ضعف . ( تفسير ابن كثير : 1 / 309 ) وضعفه أيضاً الشيخ الألباني كما في الجامع الصغير رقم ( 133 ) .
([34]) مرويات الإمام أحمد في التفسير : 1 / 238 رقم ( 495 ) وسنن الدارقطني : 3 / 16 رقم ( 48 ) وهو في السلسلة الصحيحة : 3 / 29 رقم ( 1033 ) .
([35]) المعجم الأوسط : 7 / 158 رقم ( 7151 ) وهو في السلسلة الصحيحة : 4 / 488 رقم ( 1871 ) .
([36]) السلسلة الصحيحة : 4 / 490 . حيث ذكر الشيخ رحمه الله أن إسناده رجاله كلهم ثقلت وذكر أن الحديث أخرجه ابن مندة في المعرفة .
([37]) المسند بتحقيق أحمد شاكر : 5 / 283 رقم ( 3754 ) وصحح إسناده الشيح أحمد شاكر ورواه أيضاً ابن ماجة : 2 / 765 رقم ( 2279 ) وحسنه ابن حجر في الفتح : 4 / 369 .
([38]) تفسير ابن كثير : 1 / 311 .
([39]) مصنف عبد الرزاق : 8 / 316 رقم ( 15353 ) .
([40]) المسند بتحقيق أحمد شاكر : 16 / 156 رقم ( 7347 ) وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح .
([41]) الربا وأنواعه : 17 .
([42]) المجموع شرح المهذب : 9 / 487 .
([43]) مجموع الفتاوى : 29 / 418 .
([44]) سبل السلام : 3 / 65 .
00000000000
الفصل الثالث : التدرج في تحريم الربا
ذكر بعض الباحثين أن الربا في القرآن الكريم تدرجت الآيات في تحريمه كما تدرجت في تحريم الخمر ([1]). ويمكن ترتيب هذه التدرج كما يلي:-
1. المرحلة الأولى:- ما جاء في سورة الروم وهي مكية نزلت قبل الهجرة ببضع سنين مقروناً بذم الربا ومدح الزكاة وذلك قبل فرض الزكاة كما في قوله تعالى:- " وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من الزكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"[ الروم: 39 ] .
وقد جاء في السور المكية أصول الواجبات والمحرمات بوجه إجمالي كما في هذه الآية([2]).
2. المرحلة الثانية:- وهي في قوله تعالى في سورة النساء:- " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً، وأخذهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً". [ النساء : 160 –161 ] .
أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه([3]).
وهذا تلميح بالتحريم لأنه جاء على سبيل الحكاية عن بني إسرائيل وأن الربا كان محرماً عليهم، فاحتالوا على أكله، فهو بذلك تمهيد ، وإيماء إلى إمكان تحريم الربا على المسلمين كما هو محرم على بني إسرائيل…
وفيه إيماء آخر ، وهو أنه إذا حرم عليكم الربا فلا تفعلوا مثل فعلهم، فتلقوا من العذاب الأليم مثل ما لقوا لأن هذا السلوك ليس إلا سلوك الكافرين والعياذ بالله([4]).
3. المرحلة الثالثة:- في سورة آل عمران حيث يقول تعالى:- " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين ، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"[ آل عمران : 130 –132 ] .
أي: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم([5]).
وهذا مفيد لتحريم الربا- كما سبق بيانه – إلا أنه لم يكن فيه من التهديد والوعيد ما كان في آخر مراحل التحريم.
4. المرحلة والأخيرة :- وفي هذه المرحلة جاءت الآيات الكريمة بالحكم الشرعي:- " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم" إلى قوله:- " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" [ البقرة : 275 – 279 ].
وهذه الآيات من آخر ما نزل من القرآن الكريم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:- " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" إلى قوله " وهم لا يظلمون" [ البقرة : 278 – 279 ] قال:- (هذه آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم([6]).
v ويستمر تحريمه إلى يوم القيامة ، هذا تاريخ الربا عبر التاريخ، وكابوسه الثقيل على الأمم وموقف الشرائع السماوية منه ومحاربته لإنقاذ البشرية من ويلاته ولكنْ يأبى الذين استحوذ عليهم الشيطان واستولى عليهم الشحُّ إلا عتواً ونفوراً ليستمروا على التحكم بأموال الناس بغير حق([7]).
([1]) الفائدة والربا : 30 .
([2]) فقه وفتاوى البيوع : 152 .
([3]) تفسير ابن كثير : 3 / 553 .
([4]) الفائدة والربا : 30 .
([5]) جامع البيان : 3 / 34 .
([6]) البخاري مع الفتح : 4 / 368 باب موكل الربا .
([7]) فقه وفتاوى البيوع : 152 . وانظر في التدرج في تحريم الربا : فقه السنة : 3 / 156 والفائدة والربا الصفحات السابقة في الفصل . هذا وبعض العلماء لم يذكر هذا التدرج .
000000000000000
الفصل الرابع : آثار الربا الاجتماعية
تمهيد
إن الربا عمل يتنافى مع الشرع الإسلامي ، إنه يقوم على الاستغلال ، والمرابي لا يجعل الله في حسابه ولا يراعي المبادئ والغايات والأخلاق، وإنما الغاية عنده هي تحصيل المال بأي طريق وأية وسيلة، ويؤدي هذا إلى إنشاء نظام يسحق البشرية ويشقيها أفراداً وجماعات، دولاً وشعوباً، لمصلحة شرذمة قليلة من المرابين لا يرعون عهداً ولا ذمة لأحد من الناس([1]).
وللربا في المجتمعات التي تتعامل به آثارٌ وخيمة على الفرد وحده وعلى المجتمع بأسره ويمكن أن نبحث في آثار الربا الاجتماعية من ناحيتين:-
الناحية الأخلاقية والنفسية والناحية الجماعية وهي كما يلي:-
المبحث الأول:- آثار الربا من الناحية الأخلاقية والنفسية:-(5/154)
أنزل الله دينه ليقيم العباد على منهج العبودية الحقة التي تعرج بهم إلى مدارج الكمال، وتسموا بهم إلى المراتب العليا، وبذلك يتخلصون من العبودية([2])، لِيقَصروا أنفسهم على عبادة رب الخلائق، ويتخلصون بذلك من الدخن والفساد الذي يخالط النفوس في تطلعاتها ومنطلقاتها،إنّ الإسلام يريد أن يطهر العباد في نفوسهم الخافية المستورة، وفي أعمالهم المنظورة، وتشريعات الإسلام تعمل في هذين المجالين، وهذا الذي نشير إلى أنّ الإسلام يريده بنا هو الذي سمّاه القرآن التزكية والتطهير: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " [ التوبة : 103 ] . وقد أقسم الرب تبارك وتعالى في سورة الشمس أقساماً سبعة على أنّ المفلح من زكَّا نفسه، والخائب من دسَّاها:- " قد أفلح من زكاها، وقد من دساها " [ الشمس : 9 –10 ] . والربا واحد من الأعمال التي تعمق في الإنسان الانحراف عن المنهج السوي، ذلك أنّ المرابي يستعبده المال، ويعشي ناظريه بريقُه، فهو يسعى للحصول عليه بكل سبيل، وفي سبيل تحقيق المرابي لهدفه يدوس القيم، ويتجاوز الحدود، ويتعدى على الحرمات([3]).
والربا ينبت في النفس الإنسانية صفات ذميمة ويصرف عنه ما يحصل للمؤمنين المتقين من السعادة، وفيما يلي استعراض لأهم هذه الآثار الملاحظة على من يتعامل بالربا:-
1. الربا ينبت في النفس الإنسانية الجشع كما ينبت الحرص والبخل:-
وهما مرضان ما اعتورا نفساً إلا أفسدا صاحبها([4]) فبالنظر إلى العمل بالربا نجد أنه يبدأ من رغبة في جمع المال منطبعاً بالأثرة والبخل وضيق الصدر والعبودية للمال والتكالب عليها… وهذا على العكس مما يأمر به الشرع الاسلامي القائم على الزكاة والصدقات وعلى الكرم والسخاء والإيثار … وغير ذلك من الصفات الشريفة([5]).
2. الشَّره والكسل غير المريح:-
وإنَّ هذه الآفة([6]) تظهر آثارها جلية واضحة في الشره الذي يخيم على نفوس المرابين، ويجعلهم يستغلون كل قوى غيرهم وإنتاجه في كسب يعود عليهم، فإنَّ من السَّهل على مَنْ عنده عشرة آلاف درهم أن يعرضها بفائدة خمسة في المائة أو ستة في المائة فيجيء إليه وهو جالس في عقر داره خمسمائة درهم كل عام، من غير جهد ولا عمل ومن غير أن يتعرض لخسارة ، إلا أن تجتاح المقترض جائحة تأكل الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر… وفي غالب الأحيان قد احتاط الدائن لماله فينقض عند نكبة المدين على ما عساه يكون قد بقي من ماله…
; وإنّ ذلك الكسل الذي يكون فيه الدائن ليس هو الكسل المريح، بل هو الكسل الذي يصحبه الوسواس الدائم والاضطراب المستمر لأنه قد أودع ثروته بين أيدي الناس يراقبهم، ويتتبعهم، لا ليشركهم في خسارتهم ومغارمهم كما يشركهم في كسبهم ومغانهم، بل يترقبهم ليحافظ على ماله وفائدته التي تتضاعف عاماً بعد عام.. ([7])
3. الإسراف وعدم الادخار:-
وإن تسهيل القرض بفائدة شجع الكثيرين على الإسراف وعدم الادخار، فإنه إذا كان يشجع على الادخار الآثم عند بعض الناس، فهو يشجع على عدم الادخار عند الآخرين، لأنه إذا كان المسرف يرى مَنْ يقرضه بالفائدة في أي وقت فأنه لا يرعوي، ولا يحسب حساب المستقبل بحيث يدخر في حاضره ما يحتاج إليه في قابله، وإن اضطرته حاجته يجد المصرف الذي يقرضه بفائدة الضامن الذي يضمنه([8]).
4. الاضطراب النفسي المستمر:-
إن التعامل بالربا يوجد اضطراباً نفسياً مستمراً بالنسبة لآكل الربا وموكله على السواء، وإنه فوق ما يحدثه من اضطراب في النظام الاقتصادي يوجد قلقاً نفسياً مستمراً للمتعاملين، وهو بالنسبة لآكله ينبعث من جشعٍ أساسه الكسب من جهود غيره، وبالنسبة للآخر المستغل ينبعث من جشعٍ في كسبٍ ليس في مقدوره.
والجشع من طبيعته أن يحدث اضطراباً مستمراً في قلب الجاشع، وأحاسيسه ومشاعره، ولذلك قرر بعض الأطباء المتدينين أنّ كثرة الأمراض التي تصيب القلب – فيكون من مظاهرها ضغط الدم المستمر أو الذبحة الصدرية أو الجلطة الدموية أو النزيف بالمخ أو الموت المفاجئ – سببها ذلك الاضطراب الاقتصادي الذي ولَّد جشعاً لا تتوافر أسبابه الممكنة… ولو اسْتُبدل بذلك النظام الاقتصادي – الذي يجعل المقرض آكلاً دائماً، والمقترض مأكولاً غارماً في أكثر الأحوال أو كثير منها – نظامٌ اقتصادي أساسه التعاون بين المقرض والمقترض في المغنم والمغرم لكان أجلب للاطمئنان وأعدل وأقوم وأهدى سبيلاً([9]).
5. تخبط المرابي:-
قال تعالى:- " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" [ البقرة : 275 ].
وهذه الآية وإن كانت – كما يقول كثير من المفسرين- تتحدث عن حال المرابي عندما يقوم من قبره وأن حاله يكون كالذي يتخبطه الشيطان من المس، إلا أن النظرة المتأملة تهدينا إلى أن الحال التي يبعث عليها المرابي مناسبة للحالة التي كان عليها في الدنيا، فالجزاء من جنس العمل، فلما كان المرابي في دنياه يتخبط خبط عشواء، ويتصرف تصرفات خرقاء، كان خاله في الآخرة على الخط نفسه، قال الحرالي:-
(في إطلاقه إشعار بحالهم في الدنيا والبرزخ والآخرة، ففي إعلامه إيذان بأن آكله يُسلب عقله، ويكون بقاؤه في الدنيا بخُرْقٍ لا بعقل، يُقبل في محل الإدبار، ويدبر في محل الإقبال) ([10]).
وقد عقب البقاعي على مقال الحرالي بقوله:-
(وهو مؤيد بالمشاهدة فإنا لم نر ولم نسمع بآكل ربا ينطق بالحكمة ولا يشهر بفضيلة، بل هم أدنى الناس وأدنسهم) ([11]).([12]).
6. الجبن والكسل:-
فالمرابي جبان يكره الإقدام، ولذلك يقول المرابون والذين ينظرون لهم: إنّ الانتظار هو صنعة المرابي فهو يعطي ماله لمن يستثمره، ثم يجلس ينتظر إنتاجه لينال حظّاً معلوماً بدل انتظاره، وهو كسول متبلد لا يقوم بعمل منتج نافع، بل تراه يريد من الآخرين أن يعملوا ثم هو يحصل على ثمرة جهودهم([13]).
7. قسوة القلب:-
إنَّ قلوب المرابين في بعض الأحيان تكون أقسى من الحجارة :- " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإنّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله "[ البقرة : 74 ] .
لقد وصف الله آكل الربا بأنه كفار أثيم في قوله:- " يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم" [ البقرة : 276 ].
وكفار وأثيم صيغتان من صيغ المبالغة تدلان على أن المرابي بلغ الغاية في الكفر([14]) والإثم، وذلك أن المرابي كما يقول ابن كثير- رحمه الله-:-
(لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل) ([15]).([16]).
وإنّ اهتمامات المرابي وتطلعاته وغاياته تدور حول أمر واحد هو مصالحه الذاتية، فلا تراه يحزن لدموع الثكالى، ولا لأنات الحزانى، ولا لأوجاع اليتامى، يرى البؤساء والفقراء، فلا يعرف من حالهم إلا أنهم صيد يجب أن تُمتص البقية الباقية من دمائهم.
ألم يصل الحال بالمرابين قساة القلوب إلى أن يستعبدوا في بعض أدوار التاريخ أولئك المعسرين الذين لم يستطيعوا أن يفوا بديونهم وما ترتب عليها من ربا خبيث؟.
8. أن أكل الربا والتغذي به من جملة موانع إجابة الدعاء:-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(5/155)
" إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:- "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً" [ المؤمنون : 51 ] وقال تعالى:- " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " [ البقرة : 172 ] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب ، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي والدارمي([17]).
فيؤخذ من هذا الحديث أن التوسع في الحرام والتغذي به من جملة موانع الإجابة…. وقد يكون ارتكاب المحرمات مانع من الإجابة أيضاً وكذلك ترك الواجبات…. وعن عمر- رضي الله عنه- قال:- (بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح)…. وقال مالك بن دينار : (أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجاً فأوحى الله تعالى إلى نبيه أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون إليّ أكُفًّا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعداً).
وقال بعض السلف: (لا تستبطئ الإجابة، وقد سددت طرقها بالمعاصي) ([18]).
; ولا شك إن من أعظم المحرمات ومن أكبر الكبائر أكل الربا والتعامل به فيكون داخلاً في معنى هذا الحديث، لأن من ملء بيته من الربا وكان مطعمه ربا وملبسه ربا ومشربه الربا وغذي بالربا فقد عرض نفسه لهذه العقوبة من الله تعالى وهي عدم إجابة الدعوة.
المبحث الثاني:- آثار الربا على المجتمع بأسره:-
إنه لا يكاد يختلف اثنان في أنَّ المجتمع الذي يتعامل أفراده فيما بينهم بالأثرة، ولا يساعد فيه أحد غيره إلا أن يرجو منه فائدة راجعة على نفسه، ويكون فيه عوزُ أحد ما وضيقُه وفقرُه فرصةً يغتنمها غيره للتمول والاستثمار، فتكون مصلحة الطبقات الغنية الموسرة فيه مناقضة لمصلحة الطبقات المعدمة، لا يمكن أن يقوم ويظل قائماً مثل هذا المجتمع على قواعد محكمة أبداً، ولا بد أن تبقى أجزائه مائلة إلى التفكك والتشتت في كل حين من الأحيان.
ثم إذا عاونت على هذه الوضعية الأسباب الأخرى أيضاً، لا تلبث هذه الأجزاء تتحارب وتتشابك فيما بينها.
وبالعكس من ذلك، إن المجتمع الذي يقوم بناؤه على التعاون والتناصح والتكافل ويتعامل أعضاؤه فيما بينهم بالكرم والسخاء، ولا يكاد يحس فيه أحد أن أحداً من إخوانه في حاجة إلى مساعدته، إلا سارع إلى الأخذ بيده، وعامل فيه الأغنياء إخوانهم الفقراء بالإعانة متطوعين أو بالتعاون العادل على الأقل، لا بد أن تنشأ وتنمو صعداً عواطف التحاب والتناصر والتناصح في قلوب أفراد مثل هذا المجتمع وتبقى أجزاؤه متكافلة متساندة فيما بينها ولا تتطرق إليه عوامل التنازع والتصادم الداخلي أبداً، وأن يكون أسرع كذلك إلى الرُّقي والكمال والازدهار من المجتمع الأول([19]).
والآثار التي تظهر في المجتمع الذي يتعامل بالربا آثار كثيرة نذكر بعضها فيما يلي:-
1. فقدان التآلف وحصول الكراهية والحقد والبغض بين أفراد ذلك المجتمع:-
لا يمكن أن تقوم المجتمعات الإنسانية ما لم يترابط الناس فيما بينهم بروابط الود والمحبة القائمة على التعاون والتراحم التكافل، ومنبعُ الود والمحبة والتكافل والتعاون والتراحم الأخوةُ بين أفراد الأمة الواحدة . والأفراد في الجماعة، أو القطاع من الأمة الذين لا تؤرقهم آلام إخوانهم وأوجاعهم ومصائبهم كالعضو الأشل، الذي عدم فيه الإحساس وانقطعت روابطه بباقي الجسد،…. كيف ينعم مجتمع إذا انبث في جنباته أكلة الربا الذين يقيمون المصائد والحبائل لاستلاب المال بطريق الربا وغيره من الطرق!! وكيف يتآلف مجتمع يسود فيه النظام الربوي الذي يسحق القويُّ فيه الضعيف!! كيف نتوقع أن يحب الذين نُهبت أموالهم، وسُلبت خيراتهم ناهبيهم وسالبيهم!! إنّ الذي يسود في مثل هذه المجتمعات هو الكراهية والحقد والبغضاء، فترى القلوب قد امتلأت بالضغينة، والألسنة قد ارتفعت بالدعاء على هؤلاء … الذين سلبوهم أموالهم([20]).
فالربا ينمي الضغائن والأحقاد بين الناس لعدم اقتناع المقترض بما أُخذ منه مهما كانت حاجته، ورغبته فيه([21]) فينشأ الحقد والغضب في قلبه ضد صاحب المال، حيث يشاهده يأخذ منه ما كسبه بعرق جبينه ظلما وباطلاً بدل أن يواسيه أو يقرضه قرضاً حسناً في ظروفه الحرجة… وهذا ليس كلاماً نظرياً فحسب، بل يشهد على ذلك التاريخ ويصدقه الواقع([22]).
وكثيراً ما يتعدى الأمر ذلك – الحقد والبغض- عندما يقوم المقترض بثورات تعصف بالمرابين وأموالهم وديارهم، وتجرف في طريقها الأخضر واليابس([23]).
2. اختلال توزيع الثورة المؤدي إلى خلل يصيب المجتمع:-
إذا أصبح المال دولة بين الأغنياء، شقي أغنياء ذلك المجتمع وفقراؤه، والربا يركز المال في أيدي فئة قليلة من أفراد المجتمع الواحد، ويحرم منه الجموع الكثيرة، وهذا خلل في توزيع المال … وهو الذي يجعل اليهود يصرون على التعامل بالربا، ونشرِه بين العباد، كما يحرصون على تعليم أبنائهم هذه المهنة، كي يسيطروا على المال ويحوزوه إلى خزائنهم.
وهذا الخلل الذي يُحدثه الربا في المجتمعات الإنسانية- وهو خلل توزيع الثروة- داءٌ يعجز علاجه الأطباء، وقد اعترف رجال الاقتصاد في العالم الغربي بعجزهم عن علاج هذا الخلل الذي أصاب العالم الغربي … يقول أحدهم:- (إنني وقد قاربت سنَّ التقاعد، أريد أ، أوصي الجيل الأصغر مني سنّاً في هذه القضية: لقد أصبحنا الآن بعد هذه الجهود الطويلة في بلبلة مستمرة، فكلنا يشقى بسبب توزيع الثروة، وتوزيع الدخل، سواء منها ما كان جزئياً، مثل قضية الفائدة والربا، أم ما كان مثل تفاوت الطبقات، تعبنا في هذا ولم نصل إلى شيء).
وهذا تصريح منه بالنتيجة الحتمية التي يصير إليها كل معرض عن هدي السماء: (لقد أصبحنا في بلبلة مستمرة)…(كلنا يشقى بسبب توزيع الثروة)…وتعبنا ولم نصل إلى شيء)….
إنه الشقاء ، شقاء الحياة الدنيا، وشقاء الآخرة أشد وأبقى " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى"[ طه : 124 – 126 ] ([24]).
ومن ظواهر هذا الأثر تضخم المال بطريق غير مشروعة، لأنه تضخم على حساب سلب مال الفقير وضمه إلى كنوز الغني، وحسبك بهذا داءاً فتاكاً في المجتمعات وسبباً في الخصومات والعداوات…([25])
3. تدمير الربا للمجتمعات:-(5/156)
إن الربا بما يحدثه في النفوس من أمراض، وبما يوجده في الاقتصاد من بلايا، وبما يصنعه من خلل يصيب المجتمعات الإنسانية بالدمار…وقد لعب الربا دوراً هاماً في انهيار المجتمعات..وظهور الاقتصاديات القائمة على الرق منظراً لأن القرض قبل زمن كان مضموناً بشخص المقترض نفسه إلى جانب ضمانات أخرى كانت النتيجة نزع ملكية صغار المزارعين، وتحويل عدد منهم إلى رقيق، مما أدى في النهاية إلى تركيز الملكية العقارية في أيد قلائل، هذا ما فعله الربا في الماضي، وقد استطاع الكُتَّاب الذين لم يتعمقوا في باطن الأمور أن يدركوا آثاره في تلك المجتمعات، ولكن كثيراً من هؤلاء يظنون أن الفائدة الربوية اليوم لا تحدث في المجتمعات الإنسانية ما أحدثته في تلك المجتمعات، لقد حول المرابون في القديم البشرَ إلى عبيد يعملون في المزارع التي سرقوها من أولئك العبيد، ولا يزال المرابون إلى اليوم يسعون إلى السيطرة على ثمار جهود البشر وسرقة عَرَقِهم وأموالهم….وقد يقال إن الحال اليوم قد تغير، والفائدة أصبحت محدودة، وهي لا ترهق الأفراد ولا المؤسسات ولا الحكومات، وهذا قصور في النظر وخطل من القول، فإن فوائد البنوك الربوية وبيوتات المال في أوائل القرن لم تكن تتعدى الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة أو الستة أو السبعة في المائة على أكثر تقدير، أما اليوم فإن الفائدة التي كانت تعلنها البنوك الربوية قد بلغت (18)أو(20) في المائة، وقد بلغ الربا في بعض المعاملات في إحدى الدول في أزمة من الأزمات (800) في المائة وكان حجم الأموال التي سببت الأزمة بلغ (27) ملياراً منها (9) مليارات تراكمت بسبب الربا والذين لا يأكلون الربا كانوا أبعد الناس عن التأثر بتلك الأزمة.
ومما يدل على أن هذا البلاء لا يزال آخذاً بأنفاس الناس، ولا يزال رابضاً على قلوبهم، أن ما يسمى بدول العالم الثالث اليوم مثقلة بديون لا تستطيع صادراتها كلها أن تفي بسداد خدمة الديون الربوية([26]).
4. عدم استخدام المواهب في نهضة البلاد واستغلال خيراتها:-
فهو يربي الإنسان على عدم استخدام مواهبه التي أنعم الله بها عليه في العمل النافع والإنتاج المثمر، فيقعد عن العمل والسعي في الأرض وإذا وجد أن إيداعه لنقوده في بنك مثلاً يمكنه من الأكل من ربحها، فيفعل ذلك ويترك العمل ويصبح عضواً فاسداً في المجتمع حيث أفسد تعامله بالربا خلقه وشعوره تجاه أخيه فتفسد بذلك حياة الجماعة…([27])
5. التعامل بالربا يؤدي إلى خَلْق طبقة مترفة لا تعمل:-
حيث تعتمد هذا الطبقة على ما يعود لها من الأرباح الربوية، فتتعطل المكاسب والتجارات والحرف والصناعات التي لا تنتظم مصالح العالم إلا بها، إذ من يحصل على درهمين بدرهم كيف يتجشم مشقة كسب أو تجارة([28]).
6. استغلال حاجة المحتاجين:-
فالربا يستغل حاجة المحتاجين ويلحق بهم الكثير من الأضرار دون اختيار منهم([29]) ، فالمجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمع منحل، متفكك لا يتساعد أفراده فيما بينهم، ولا يساعد أحد غيره إلا إذا كان يرجو من ورائه شيئاً([30]).
7. الربا يلغي معاني الفضيلة:-
فهو يلغي معاني الفضيلة، والتعاون على البر والتقوى([31]) ، فالمرابي الذي قد أعشى نظره بريقُ المال لا يعرف إلا مصالحه وهو يبغض كل ما يؤدي إلى انقطاع أرباحه الربوية، وبهذا تتربى عنده تلك الخصال الذميمة من الشَّره والبخل والكسل والجبن هي مضادة تماماً لمعاني الفضيلة من الكرم والشجاعة والتعاون وحب الخير لعموم المسلمين.
8. انقطاع المعروف بين الناس من القرض:-
لعل من الحكم في تحريم الربا أنه يؤدي إلى انقطاع المعروف والإحسان الذي في القرض، إذْ لو حَلَّ درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله([32]).
9. أنه وسيلة الاستعمار:-
يقول السيد سابق رحمه الله :- (وهو وسيلة الاستعمار، ولذلك قيل: الاستعمار يسير وراء تاجر أو قسيس، ونحن قد عرفنا الربا وآثاره في استعمار بلادنا) ([33]).
هذه بعض الآثار التي تظهر في ذلك المجتمع الذي يتعامل بالربا، وهذا بعض ما يلاقيه من استبدل أوامر الله تعالى ومنهجه السوي بغيره من المناهج الأرضية ولو التزم الناس بأوامر دينهم التي منها ترك الربا وتحريمه، لعاشوا حياة سعيدة بعيدة عن الشقاء والضرر، ولكن الله سبحانه جعل السعادة لأهل الإيمان، والشقاء لمن أعرض عن الله وعن ذكره، والله المستعان.
([1]) الربا وخطره وسبيل الخلاص منه : 29 .
([2]) أي عبودية البشر .
([3]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 101 – 102 .
([4]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 102 .
([5]) الربا وخطره وسبيل الخلاص منه : 29 – 30 . وانظر أيضاً الربا أضراره وآثاره : 52 .
([6]) أي آفة الربا وهي آفة اجتماعية واقتصادية .
([7]) تحريم الربا تنظيم اقتصادي : 14 – 15 .
([8]) السابق : 17 .
([9]) تحريم الربا تنظيم اقتصادي : 18 – 19 . والربا وأثره على المجتمع الإنساني : 104- 105 .
([10]) تفسير القاسمي : 3 / 701 .
([11]) السابق .
([12]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 107 –108 .
([13]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 102 – 103 . وقد تقدم أن هذا الكسل تصحبه آثار أخرى من الاضطراب وغيره مما يجعل المرابي ليس مرتاحاً في حياته .
([14]) سبق المراد بالكفر هنا .
([15]) تفسير ابن كثير : 1 / 312 .
([16]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 108 –109 .
([17]) مسلم بشرح النووي : 7 / 88 رقم ( 1015 ) والترمذي : 8 / 174 رقم ( 2992 ) وأحمد : 2 / 2328 . والدارمي : 2 / 210 رقم ( 2720 ) .
([18]) جامع العلوم والحكم : 1 / 275 – 277 . وفيه الآثار عن عمر ومالك بن دينار وبعض السلف .
([19]) الربا للمودودي : 50 –51 .
([20]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 108 – 109 .
([21]) الاقتصاد الإسلامي : 85 .
([22]) التدابير الواقية : 90 –91 .
([23]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 109 –110 .
([24]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 111 – 114 . بتصرف . والربا خطره وسبيل الخلاص منه : 30 .
([25]) تيسير العلام : 2 / 198 .
([26]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 114 – 118 . بتصرف .
([27]) الربا خطره وسبيل الخلاص منه : 30 .
([28]) فقه وفتاوى البيوع : 154 . ومن محاسن الدين الإسلامي : 81 .
([29]) الاقتصاد الإسلامي : 85 .
([30]) الربا أضراره وآثاره : 52 .
([31]) الاقتصاد الإسلامي : 85 .
([32]) فقه وفتاوى البيوع : 154 . ومن محاسن الدين الإسلامي : 81 .
([33]) فقه السنة : 3 / 157 .
00000000000000
الفصل الخامس : آثار الربا الاقتصادية
تمهيد
إن الربا آفة من الآفات، إذا أصابت الاقتصاد فإنها تنتشر فيه انتشار السرطان في جسم الإنسان، وكما عجز الأطباء عن علاج السرطان فإن المفكرين ورجال السياسة والاقتصاد عجزوا عن علاج بلايا الربا.
ومن العجيب أن بعض الناس ظنوا أن الربا يحدث خيراً للناس، ومثلهم في ذلك مثل الذين يظنون أن التورم في بعض الأجساد الناشئ من المرض صحةً وعافيةً، فليس كل تضخم في الجسم صلاحاً، إن السرطان إنما هو تكاثر غير طبيعي لخلايا الجسم، وهذا التكاثر ليس في مصلحة الإنسان، بل هو مدمر لحياته، وفاتك به.(5/157)
وكذلك ما يولد الربا ليس صلاحاً للاقتصاد بل هو مدمر للاقتصاد، والمشكلة أنَّ بلايا الربا لا تظهر مرة واحدة في كيان المجتمع وكيان الاقتصاد، يقول الرازي: (الربا وإن كان زيادة في الحال إلا إنه نقصان في الحقيقة) ([1]). وهذا مستفاد من النص القرآني: " يمحق الله الربا " [ البقرة :276 ] فالمحق نقصان الشيء حالاً بعد حال … فالذين يتعاملون بالربا يظنون أن فيه كسباً، والحقيقة التي أخبر بها العليم الخبير، والتي كشف عنها واقع البشر الذي دمره سرطان الربا أن الربا ممحقةٌ للكسب مدمرٌ للاقتصاد، ذلك أنه يطيبه بعلل خبيثة يعي الطبيبَ…. دواؤُها، الربا ليس بركة ورخاء بل هو مرض عضال يُذهب المال ويقلله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل"([2]). أي: قلة.
وعلماؤنا الذين أبصروا الحقائق من خلال النصوص القرآنية والحديثية أدركوا هذه الحقيقة، يقول الرازي: (إن الربا وإن كان زيادة في الحال إلا أنه نقصان في الحقيقة، وإن الصدقة وإن كانت نقصاناً في الصورة فهي زيادة في الحقيقة) ([3]).
ويقول المراغي: (إن عاقبة الربا الخرابُ والدمار، فكثيراً ما رأينا ناساً ذهبت أموالهم، وخربت بيوتهم بأكلهم الربا) ([4]).
ويقول القاسمي: (المال الحاصل من الربا لا بركة له، لأنه حاصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة) ([5]).
والآفات الاقتصادية التي يجلبها الربا كثيرة([6]) ، وسنذكر بعضها فيما يلي مبتدئين بالآثار العامة لهذه الآفة الاقتصادية – آفة الربا- :-
المبحث الأول:- الآثار الاقتصادية العامة للربا
والآثار العامة للربا على الاقتصاد كثيرة منها ما يلي:-
1. الربا من أسباب غلاء الأسعار:-
يشكو العالم اليوم من غلاء الأسعار، وسببه يرجع إلى حدٍّ كبير إلى النظام الربوي السائد اليوم، لا يرضى صاحب المال، إذا استثمر ماله في صناعة أو زراعة أو شراء سلعة، أن يبيع سلعته أو الشيء الذي أنتجه إلا بربح أكثر من نسبة الربا، وذلك لأنه يفكر بأنه استثمر المال وبذل الجهد واستعد لتحمل الخسارة فلا بد أن تكون نسبة الربح أكثر من نسبة الربا، وكلما زادت نسبة الربا غلت الأسعار أكثر منها بكثير، هذا إذا كان المنتج أو التاجر صاحب مال.
وأما إذا كان المنتج أو التاجر ممن يقترض الربا، فرفعُه أسعار منتجاته وسلعته أمرٌ بدهي، حيث سيضيف إلى نفقاته ما يدفعه ربا…. يقول أحد علماء الغرب: (لعله يلزم أن تكون نسبة الربح من (15) إلى (20%) لترغيب الناس في مخاطرة الاستثمار عندما يكون سعر الفائدة الخالص(5) أو(6%)، وتُحدث تلك النسبة من الربح تفاوتاً في توزيع الدخل الفردي، وعند انخفاض السعر الخالص إلى (2) أو (3%) تحت تأثير نظام المصارف أو الوسائل المالية الأخرى سيكون ممكناً للمبادلة الاجتماعية أو السلطات المباشرة خفض نسبة الربح إلى (5) أو (10%) ) ([7]).
ولا يقف الأمر عند غلاء الأسعار، بل يحدث اضطراب في حياة الناس حيث لا يتمكنون من شراء حاجاتهم الأساسية بسبب غلاء الأسعار([8]).
هذا لأن الربا والفائدة سبب في رفع تكاليف الإنتاج التي يترتب عليها رفع الأسعار وهذا يؤدي إلى أضرار محققة على الناحية الاقتصادية([9]).
2. الربا من أسباب البطالة:-
يتسبب الربا في انتشار البطالة، وذلك لأن أصحاب الأموال يفضلون أموالهم بالربا على استثمارها في إقامة مشروعات صناعية أو زراعية أو تجارية، وهذا- بالتالي- يقلِّل فرص العمل، فتنتشر البطالة في المجتمعات التي يسود فيها التعامل الربوي، ويؤكد هذا ما نشاهده من معاناة الدول الغربية من مشكلة البطالة رغم تقدُّمها فنياً وتطورها في الصناعة…
وتبذل حكومات تلك الدول الجهد لتشغيل الناس والسيطرة على مشكلة مع إبقاء سبيلها؟ وقد بَيَّن علماء الغرب الارتباط الوثيق بين البطالة والتعامل الربوي، يقول أحدهم: (من مصلحتنا أن نخفض سعر الربا إلى درجة يتمكن من تشغيل الناس جميعاً) ([10]).([11]).
3. التضخم:-
التضخم يقصد به: وجود اتجاه صعودي في الأثمان بسبب وجود طلب زائد أو فائض بالنسبة إلى إمكانية التوسع في العروض.
والتضخم له أسباب طبيعية وأسباب غير طبيعية، ومن الأسباب غير الطبيعية الربا، فالمرابي بما يقرضه من فائدة مرتفعة يجبر أصحاب السلع والخدمات على رفع أثمان هذه السلع والخدمات، ولا شك أن التضخم يسيء إلى الناس كثيراً خاصة أصحاب الدخول النقدية الثابتة كالموظفين والعمال، ومن ثمَّ تنخفض دخولهم الحقيقية، وإذا اضطرت الحكومات إلى مواجهة الأمر برفع دخول الموظفين والعمال فالملاحظ أن تقرير الزيادة لا يتم بسرعة وفي الوقت المناسب، ولذلك يجب أن يعمل المفكرون ورجال السياسة والاقتصاد على محاربة التضخم، خاصة ذلك النوع الذي يُسمِّيه الاقتصاديون بالتضخم الجموح والذي ترتفع فيه الأثمان ارتفاعاً غير طبيعي، ومن أعظم الأسباب التي تؤدي إليه الربا، فمنعه إنما هو علاج لمرض خطير([12]).
4. الربا يسبب شقاوة المقترضين لحاجاتهم الشخصية:-
يبدو أن النظام الربوي يساعد المقترضين، حيث يتمكنون من تلبية حاجاتهم بالمال الذي ينالونه بالقرض، لكن إذا نظرنا إلى ما يترتب على هذا الاقتراض وجدنا أنه سبب دمارهم وشقاوتهم،…. إنَّ نسبة الربا التي يتقاضاها المرابون من هؤلاء عالية جداً … ونتيجة لذلك، إذا وقع أحدٌ فريسةً للمرابين، فلا يكاد يخرج من شباكهم، يدفع المقترض ربا الدَّين، في كثير من الأحيان أكثر من أصل الدَّين، في حين يبقى الدَّين في ذمته كاملاً غير ناقص، وقد قيل عن حالة المدين المزارع في الهند:- (يولد الفلَّاح وهو مدين، ويعيش وهو مدين، ويموت وهو مدين) ([13]) ، وقد بين هذا علماؤنا قبل الغرب أثناء ذكرهم حكمة تحريم الربا، يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- أثناء بيانه حكمة تحريم ربا القروض:- (فأما الجلي فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال وكلما أخره زاد في المال، حتى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفة، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج، فإذا رأى أن المستحقَّ يؤخر مطالبته، ويصبر عليه بزيادة يبذلها له، تكلَّف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره، وتعظم مصيبته، ويعلوه الدَّين حتى يستغرق جميع موجوده، فيربوا المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخيه على غاية الضرر، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرم الربا) ([14]).
5. منع الربا من الاستثمار في المشروعات المفيدة للمجتمع:-
يجد صاحب المال في النظام الربوي فرصة للحصول على نسبة معينة من الربا على ماله، وهذا يصرفه عن استثمار ماله في مشروعات صناعية وزراعية وتجارية مهما كانت مفيدة للمجتمع، إلا إذا اعتقد حصول نسبة ربح أكثر من تلك المشروعات من نسبة الربا،(5/158)
وقد لا يرغب مع ذلك في تلك المشروعات، حيث إنها تتطلب بذل الجهد واستعداداً لتحمل الخسارة، في حين يتمكن فيه صاحب المال من الحصول على الربا بدون مشقة ومخاطرة، وقد بَيَّن العلماء هذه الحقيقة أثناء ذكرهم حكمة تحريم الربا، يقول الفخر الرازي:- (قال بعضهم : الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنّه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقداً كان أو نسيئة، خفَّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمَّل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة) ([15]).
ويؤثر إعراض الناس عن استثمار أموالهم في المشروعات المختلفة على نمو رأس مال المجتمع…
فهكذا يحرم الربا أصحاب الأموال من استثمار أموالهم في المشروعات ويجعلهم كسالى، ويترتب على هذا الانخفاض في الإنتاج، ويظهر تأثير الربا في انخفاض الإنتاج من جانب آخر، وذلك أن نفقات المشروع الذي يقترض صاحبه مالاً له بالربا تزداد، فتقل نسبة الأرباح وبالتالي تضعف الرغبة في تنفيذ المشروع، وهذا يؤدي إلى انخفاض الإنتاج([16]).
6. تعطيل الطاقات البشرية:-
الربا يعطل الطاقات البشرية المنتجة، ويُرغِّب في الكسل وإهمال العمل، والحياة الإنسانية إنما ترقى وتتقدم إذا بذل الجميع طاقاتهم الفكرية والبدنية في التنمية والإعمار، والمرابي الذي يجد المجال رحباً لإنماء ماله بالربا يسهل عليه الكسب الذي يؤمن له العيش، فيألف الكسل، ويمقت العمل، ولا يشتغل بشيء من الحرف والصناعات، يقول الرازي:( حرم الربا من حيث إنّه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقداً كان أو نسيئة، خفَّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمَّل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والعمارات) ([17]). ثم إنَّ تعطيل الربا للطاقات المنتجة لا يتوقف على تعطيل طاقة المرابي، بل إنّ كثيراً من طاقات العمال ورجال الأعمال قد تقل أو تتوقف، ذلك أن الربا يوقع العمال في مشكلات اقتصادية صعبة، فالذين تصيبهم المصائب في البلاد الرأسمالية لا يجدون إلا المرابي الذي يقرضهم المال بفوائد عالية تعتصر ثمرة أتعابهم، فإذا أحاطت هذه المشكلات بالعمال أثرت في إنتاجهم.
هذا جانب، وجانب آخر أن الربا يسبب الركود الاقتصادي والبطالة وهذا يعطل الطاقات العاملة في المجتمعات الإنسانية([18]).
7. تعطيل المال:-
وكما يعطل الربا جزءاً من الطاقات البشرية الفاعلة، فإنه كذلك يعطل الأموال عن الدوران والعمل، والمال للمجتمع يعد بمثابة الدم الذي يجري في عروق الإنسان، وبمثابة الماء الذي يسيل إلى البساتين والحقول، وتوقف المال عن الدوران يصيب المجتمعات بأضرار فادحة، مثله كمثل انسداد الشرايين، أو الحواجز الذي تقف في مجرى الماء.
وقد رهب الله تبارك وتعالى الذين يكنزون المال وتهددهم بالعذاب الأليم الموجع:- " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" [ التوبة : 34 –35 ]
وقد شرع الله من الأحكام ما يكفل استمرار تدفق المال إلى كل أفراد المجتمع، بحيث لا يصبح المال دولة بين الأغنياء دون غيرهم:" كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" [ الحشر : 7 ].
والمرابي بجبنه وتطلعاته إلى الكسب الوفير لا يدفع ماله إلى المشروعات النافعة والأعمال الاقتصادية إلا بمقدار يضمن عودة المال وافراً كثيراً، وهو يحبسه إذا ما أحس بالخطر، أو طمع في نسبة أعلى من الفائدة في المستقبل، وعندما يقل المال في أيدي الناس يقع الناس في بلاء كبير.
ثم إن مقترضي المال بالربا لا يُسهمون في الأعمال المختلفة إلا إذا ضمنوا نسبة من الربح أعلى من الربا المفروض على الدَّين([19]).
8. الربا يشجع على المغامرة والإسراف:-
الحصول على المال بالربا سهل ميسور، ما دام المرابي يضمن عودة المال إليه، ولذا فإنّ الذين ليس لهم تجربة، وليس عندهم خبرة، يغريهم الطمع، فيأخذون القروض بالربا، ثم يدخلون في أعمال هي إلى المقامرة أقرب منها إلى الأعمال الصالحة، ومتى كَثُر هذا النوع من الأعمال فإنه يضر باقتصاد الأمة، والمرابي لا يمتنع من إمداد هؤلاء بالمال، لأنه لا يشغل باله الطريقة التي يوُظَّف المال بها، وكل ما يشغله عودة المال برباه، وقد أوجب علينا الإسلام منع السَّفيه من التصرف في ماله حفاظاً على ثروة الأمة من الضياع:- " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي يجعل الله لكم قياماً" [ النساء : 5 ] ولاحظ قوله: "أموالكم"، فقد جعل مال السفيه مالاً للأمة بها قوام أمرها فالربا يسهل وضع الكثير من مال الأمة بين أيدي المغامرين والجهلاء الذين قد يبددون هذه الأموال، ويزداد الأمر سوءاً عندما يستولي المرابي على بيوتهم ومزارعهم والبقية الباقية من مصانعهم ومتاجرهم.
وسهولة الاقتراض بالربا تشجع على الإسراف وإنفاق المال فيما لا يفيد ولا يغني..يقول المراغي([20]):-
(فالسر في هذا أن المقترضين يسهل عليهم أخذ المال من غير بدل حاضر ويزين لهم الشيطان إنفاقه في وجوه الكماليات التي كان يمكن الاستغناء عنها، ويغريهم بالمزيد من الاستدانة، ولا يزال يزداد ثقل الدّين على كواهلهم حتى يستغرق أموالهم، فإذا حل الأجل لم يستطيعوا الوفاء وطلبوا التأجيل، ولا يزالون يماطلون ويؤجلون، والدّين يزداد يوماً بعد يوم، حتى يستولي الدائنون قسراً على كل ما يملكون، فيصبحون فقراء معدمين، صدق الله :" يمحق الله الربا ويربي الصدقات"[ البقرة : 276 ] ([21]).
9. الكساد والبطالة:-
إذا ارتفعت أثمان الأشياء ارتفاعاً عالياً فإن الناس يكفون عن الإقبال على السلع والخدمات المرتفعة الأثمان، إما لعدم قدرتهم على دفع أثمانها، أو لأنها ترهق ميزانيتهم، وإذا امتنع الناس عن الشراء كسدت البضائع في المخازن والمتاجر، وعند ذلك تقلل المصانع من الإنتاج، وقد تتوقف عنه، ولا بد في هذه الحالة من أن تستغني المصانع والشركات عن جزء من عمَّالها وموظفيها في حالة تخفيض إنتاجها، أو تستغني عن جميع عمّالها وموظفيها إذا توقفت عن الإنتاج، وعندما يحس المرابين بما يصيب السوق من زعزعة يزيدون الطين بلَّة، فيقبضون أيديهم، ويسحبون أموالهم، فعند ذلك تكون الهزات الاقتصادية. الأمر العجيب لأن الأموال في المجتمع كثيرة، ولكنها في خزائن المرابين، والناس بحاجة إلى السلع، ولكنهم لا يشترونها لعدم وجود المال بين أيديهم، والعُمَّال يحتاجون إلى عمل، ولكن المصانع والشركات تمتنع من تشغيلهم لحاجتها إلى المال من جانب وإلى تصريف بضاعتها من جانب.
إن الربا يحدث خللاً في دورة التجارة، والإسلام في سبيل إصلاح هذا الخلل وغيره حرَّم الربا، وشرع تشريعات كثيرة تمنع تركز المال في أيدي طائفة من أفراد المجتمع…(5/159)
واليوم تعاني أمريكا زعيمة الرأسمالي من أزمة بطالة مخيفة حيث زاد عدد العاطلين عن العمل في أمريكا عن اثني عشر مليوناً، وعدد الشركات التي أعلنت إفلاسها في عام 1982م ربا على (25000) شركة، وهذه النسبة تُعدُّ رقماً قياسياً لم تبلغه تلك الديار منذ سنة 1933م، وأظهرت إحصاءات رسمية أذيعة في بون ألمانيا الغربية أن عدداً قياسياً من شركات ألمانيا الغربية قد أفلست في عام 1982م بسبب الكساد والركود الاقتصادي وأسعار الفائدة المرتفعة ونقص رأس المال الاستثماري …([22]) إن تكبيل الأمم بهذه القيود الرهيبة يجعلها تعمل وتعمل وتعمل ولا تستفيد من عملها شيئاً، كل عملها يذهب إلى خزائن المرابين،وعند ذلك لا يستطيع الأفراد الحصول على حاجياتهم، ومع ذلك فإن الدولة تفرض المزيد من الضرائب، وترفع الأسعار لمواجهة العجز في مدفوعاتها، فتقوم الثورات وتحصل الاضطرابات وتزهق الأرواح،… وقد يصل الأمر إلى درجة تعجز الدولة عن السداد وعند ذلك تلغي الدولة ديونها…([23])
10. توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة:-
ومن بلايا الربا أنه يُوجه الاقتصاد وجهة منحرفة، فالمرابي يدفع لمن يعطيه ربحاً أكثر، وأخذ القرض الربوي لا يوظف المال الذي اقترضه إلا في مجالات تعود عليه بربح أكثر مما فرضه عليه المرابي.
إذن القضية تكالبٌ على تحصيل المال، وفي سبيل ذلك تتجاوز المشروعات النافعة التي تعود بالخير على المجتمع، ويوظف المال في المشروعات الأكثر إدراراً للربح.
فإذا كانت نوادي القمار ونوادي العهر والفسق تعطي عائداً أكثر من المشروعات الصناعية والتجارية فإن المال الربوي يجري إليها جرياً، في حين تحرم المشروعات التي يحتاج إليها الإنسان من تلك الأموال([24]).
11. التسبب في الأزمات الجائحة:-
إن الربا في ذاته يسهل على الناس أن يدخلوا في مغامرات لا قبل لهم باحتمال نتائجها – كما سبق بيانه- فالتاجر بدل أن يتجر في قدر من المال يتكافأ مع قدرته المالية على السداد، يأخذ مالاً بفائدة ليزيد في متجره، وقد يكسب من ذلك….، ولكن العاقبة غير محمودة إن نزلت البضائع، فإنه لا يكون في قدرته البيع في الوقت الذي يريد، إذ أن الفائدة التي تلاحقه، والديون التي تركبه تضطره للبيع في الوقت الذي لا يناسبه، فتكون الخسارة الفادحة، أو يكون الإفلاس المدمِّر، والديون تحيط بذمته، كما تحيط الأغلال بعنقه.
وقد ثبت أن الأزمات الجائحة التي تعتري الاقتصاد العالمي تكون من الديون التي تركب الشركات المقلة، فإن عجزها عن السداد عند الكساد يدفعها إلى الخروج عن بضاعتها بأقل الأثمان إن وجدت من يشتري، ولذلك كانت تعالج هذه الأزمات الجائحة بتقليل الديون بطرق مختلفة، كإحداث تضخم مالي من شأنه أن يضعف قيمة النقد فيقل الدين تبعاً لذلك…. أو بتنقيص الديون مباشرة([25]).
12. إضعاف القوة الشرائية عند الطبقة الفقيرة والعمال مما يعرقل ترقية التجارة والصناعة:-
إن المرابي يسلب مَنْ يقرضه من ذي الحاجة آخرَ ما يبقى عنده من قوة الشراء.
إن بطالة مئات الألوف من البشر، والدخل الزهيد لملايين منهم سبب عرقلة شديدة في سبيل ترقية تجارة البلاد وصناعتها،…. وإذا حصلت بعض القوة الشرائية عند هؤلاء الملايين من الفقراء بدخلهم القليل وأجورهم غير الكافية، فإنهم لا يستطيعون أن يشتروا بها أدوات الحاجة ومرافق الحياة اللازمة، فإن المرابي يسلبهم معظمها ثم لا يستهلكها في اشتراء البضائع والخدمات ولكن ليزيد على المجتمع قروضاً تجلب مزيداً من الربا إلى خزانته، فلو أنه إذا كان في الدنيا كلها خمسون مليون رجل ممن وقعوا في مخالب المرابين يؤدي كل واحد منهم جنيهاً فقط في كل شهر، فمعناه أن الدنيا يبقى فيها في كل شهر من البضائع ما قيمته خمسون مليوناً دونما استهلاك، وينصرف هذا القدر من المال في كل شهر في خلق قروض ربوية جديدة بدل أن يرجع إلى إنتاج البلاد الاقتصادي([26]).
13. وضع مال المسلمين بين أيدي خصوم الإسلام:-
من أخطر ما أصيب به المسلمون أنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر، وهذا الإيداع يجرد المسلمين من أدوات النشاط الاقتصادي ومن القوة الظاهرة في المبادلات، ثم يضعها في أيدي أباطرة المال- اليهود- الذين أحكموا سيطرتهم على أسواق المال وهذه والفوائد الخبيثة التي يدفعها لنا المرابون هي ثمن التحكم في السيولة الدولية([27]).
المبحث الثاني:- من أضرار الربا في قروض التجار والصناع (القروض الإنتاجية) ([28]) :
هذه القروض هي التي يأخذها التجار والصناع وأصحاب الحرف الأخرى لاستغلالها في شؤونهم المثمرة([29]).
إنَّ مما تقتضيه مصلحة التجارة والصناعة والزراعة وما إليها من الأعمال الاقتصادية الأخرى، أن الذين يشتركون فيها من أي وجه من الوجوه ينبغي أن تكون مصالحهم وأغراضهم وميولهم متحدة متجهة إلى ترقيتها والارتفاع بها، وأن تكون خسارتها خسارتهم جميعاً حتى يسعوا مجتمعين للسلامة من خطرها وإنقاذ أنفسهم من الوقوع فيه، وأن يكون ربحها ربحهم جميعاً ليستفيدوا في ترقيتها.
فكان مما تُجبه المصلحة الاقتصادية من هذه الناحية أن الذين يشتركون في التجارة أو الصناعة أو الزراعة لا بقواهم الذهنية أو البدنية ولكن برؤوس أموالهم فقط، ينبغي أن تكون مشاركتهم أيضاً من هذا النوع نفسه حتى يكونوا على اتصال بها كغيرهم، ويسعوا معهم في ترقيتها وإنقاذها من الوقوع في الخسارة، لكن لما انفتح على وجوه المرابين من أصحاب الأموال أن يستغلوا أموالهم في التجارة والصناعة لا من حيث هم شركاء فيها بل على أن يكون منهم ديناً فيها، وألا يزالوا يحصلون كذلك من التجارة أو الصناعة على ربحهم حسب سعر معين سنة فسنة أشهراً فشهر…
فالذين بأيديهم الوسائل لجمع المال واستغلاله في أعمال الإنتاج الاقتصادي لا يستغلونه في التجارة أو الصناعة بأنفسهم ولا يشاركون به غيرهم بل الذي يتمنونه ويسعون له دوماً أن ينصرف رأس مالهم في تجارة غيرهم أو صناعتهم أو زراعتهم بصورة الدين حتى يضمن لهم ربح مالي معين على تقلبات الأحوال وحدوث الكوارث، ويودُّون أن يكون هذا الربح المالي المعين على أرفع ما يكون من السعر السنوي أو الشهري مما له مضار فادحة عديدة نشير إلى بعضها فيما يلي([30]):-
1. ركز المال في موضع واحد دون أن يتقلب في شأنٍ نافع مثمر وتعذر وسائل الإنتاج:
لا يزال معظم رأس المال بل كله أكثر الأحيان، مدخراً مرتكزاً في موضع واحد دون أن يتقلب في شأن نافع مثمر لا لشيء إلا لأن الرأسماليين يرجون ارتفاع سعر الربا في السوق.
نعم، تكون في الدنيا وسائل كافية قابلة للإنتاج، وكذلك يكون في الدنيا عدد غير يسير من طلاب المعاش يهيمون على وجوههم ملتمسين العمل المرتزق لأنفسهم، وكذلك يكون الطلب على أدوات الحاجة ومرافق الحياة موجوداً في الناس، ولكن على كل ذلك لا تكون في الدنيا وسائل الإنتاج ولا يجد العاطلون عملاً يرتزقون منه ولا تستهلك البضائع في الأسواق حسب الطلب الحقيقي.
وما كل ذلك إلا لأن الرأسمالي لا يعطي ماله لتجارة أو صناعة مادام لا يرجوا أن يعود عليه ماله بذلك السعر المرتفع الذي يود أن يناله بماله([31]).
2. عدم الاستفادة من الأموال إلا وفق مصلحة ذلك المرابي:-(5/160)
إن الطمع في السعر المرتفع شيء يجعل الرأسمالي يمسك ماله عن جريانه إلى تجارة البلاد وصناعتها وزراعتها، أولا يفتحه لها إلا وفق مصلحته الشخصية ، لا وفق حاجة البلاد، ومضرة ذلك على البلاد كمضرة من لا يفتح ماء ترعته، أو لا يفتحه إلا وفق ما تقتضيه مصلحته الذاتية لا وفق ما تقتضيه حاجة المزارع والبساتين.
يستعد لفتح الماء بسعر رخيص على أوسع قدر إذا كانت المزارع والبساتين لا تحتاج إليه، ويرفع سعره على قدر ما تشتد إليه حاجة المزارع والبساتين، ولا يزال يرفعه ويرفعه حتى لا تعود لأصحاب المزارع والبساتين منفعة ما في إرواء أراضيهم بمائه بهذا السعر([32]).
3. اتجاه رأس المال إلى أعمال لا تحتاج إليها المصلحة العامة:-
إنه من آثار الربا أن رأس المال لا يرضى أن يتجه إلى أعمال نافعة تشتد إليها الحاجة للمصلحة العامة مادامت لا ترد على صاحبه بالربح حسب سعر الربا في السوق، ويجري – على العكس من ذلك- متدفقاً إلى أعمال لا تحتاج إليها المصلحة العامة مادامت تعود على صاحبها بربح مغدق.
وبالجانب الآخر إن الربا هو الذي يحمل التجار والصناع ويدفعهم إلى الاستعانة بكل ما تصل إليه أيديهم من الطرق المشروعة وغير المشروعة ليكسبوا أكثر من سعر الربا([33]).
4. إرغام أصحاب الصناعة والحرف على سلوك طريق ضيق النظر وعلى عدم الجرأة في أعمالهم:-
يأبى الرأسماليون أن يقرضوا العمال والصناع أموالهم لأجل طويل لأنهم يريدون، في جانب أن لا تخلوا أيديهم أبداً من مقدار كبير من المال قابل للاستغلال في القمار، ويرتؤون في الجانب الآخر أنه إذا ارتفع سعر الربا في السوق فيما بعد فإنهم سيخسرون بما يكونون أقرضوا من أموالهم لأجل طويل من قبل.
فينتج من كل ذلك أن أصحاب الصناعة والحرف الأخرى يُرغمون طبعاً على سلوك طريق ضيق النظر، وعلى عدم الجرأة في أعمالهم، فلا يأخذون من هؤلاء الرأسماليين إلا ديوناً قصيرة الأجل ويكتفون بأعمال موقتة محدودة النطاق مكان أن يعملوا شيئاً للمصلحة العامة الدائمة والتوسيع في نطاقها.
ففي مثل هذا الوضع يستعصي عليهم أن يصرفوا ثروة عظيمة في شراء الآلات والماكينات المستحدثة، بل لا يجدون لأنفسهم بُدَّاً أن يظلوا يستخدمون ما بأيديهم من الآلات والماكينات القديمة المستعملة وألاّ يوردوا إلى السوق إلا منتجات رديئة، حتى يتمكنوا من الوفاء بما عليهم من الدين ورباه ويولدوا مع ذلك شيئاً من الربح لأنفسهم، ثم إن من آثار هذه الديون القصيرة الأجل نفسها أن أصحاب المصانع يقللون من إنتاج البضائع في مصانعهم بمجرد ما يحسون بقلة الطلب عليها من السوق، ولا يجدون من أنفسهم جرأة ـ ولو إلى مدة قصيرة ـ على أن يبقوا ينتجون البضائع في مصانعهم على ذلك النطاق نفسه الذي كانوا ينتجونها عليه من قبل، لأنهم يجدون أنفسهم مهددين بالخطر الداهم قائمين على شفا حفرة من الإفلاس إذا انخفضت قيمة بضائعهم في السوق([34]).
5. إفلاس أكثر المدينين أو إتيانهم بحيل غير مشروعة مخلة بالنظام الاقتصادي في البلاد:-
إن المال الذي يستقرضه التجار والصناع لمشاريعهم التجارية والصناعية لأجل طويل، يسبب أخذ الربا عليه منهم حسب سعر معين كثيراً من المفاسد.
فمثل هذه الديون تؤخذ عامة لعشرة أعوام أو عشرين أو ثلاثين عاماً ويتفق فيها الفريقان على سعر مخصوص يوفيه المدين إلى الدائن سنوياً، ولا يراعي فيها ولا يمكن أن يراعي مادام لا يرى الفريقان من ظهر الغيب ما سيتقلب على أثمان البضائع من تطورات الارتفاع أو الانخفاض وأنه إلى أي حد سوف تزيد أو تقل أو تنعدم بتاتاً فرص الربح للمدين خلال مدة العشر سنين أو العشرين أو الثلاثين سنة الآتية.
وهَبْ أن رجلاً يستقرض اليوم مقداراً عظيماً من المال لعشرين سنة بسعر (70%) سنوياً ثم ينشئ على أساسه عملاً كبيراً مهماً، فهو مضطر بطبيعة الحال ألا يزال يؤدي إلى الدائن سنة فسنة إلى سنة(2017م) قسطاً من أقساط دينه وما عليه من الربا، ولكن إذا انخفضت الأثمان في السوق سنة (1999م) إلى شطر ما هي عليه اليوم مثلاً، فمعناه أن هذا المدين مادام لا يبيع في تلك السنين القادمة أضعاف ما يبيعه اليوم من بضائع، فإنه لن يستطيع أن يؤدي إلى الدائن قسطه من الدين ولا من الربا وستكون النتيجة اللازمة لذلك أن يفلس أكثر مدينين هذا الدائن أو يأتوا بحيل غير مشروعة مخلة بنظام بلادهم الاقتصادي لينقذوا أنفسهم من الإفلاس.
ومما لا يكاد يقوم فيه أدنى ارتياب عند كل عاقل أن الرأسمالي الذي يقرض التجار والصناع بين الأثمان المرتفعة والمنخفضة في مختلف الأزمان، ليس ربحه الذي لا يتبدل مع انخفاض الأثمان وارتفاعها في شيء من العدل والإنصاف ولا يمكن إثبات تمشيه مع مبادئ الاقتصاد، ومساعدته على الرفاهية الاجتماعية.
أوقد سمعتم في الدنيا بمقاول إذا كان يعاهد زبائنه على أن يهيأ لهم شيئاً من أدوات حاجتهم، يقطع أن لن يهيأ لهم هذا الشيء في العشرين سنة القادمة إلا بهذا السعر الذي يهيئه لهم به الآن.
فإن كان هذا الوضع الغريب لا يمكن في نوع من أنواع البيع الطويلة الأجل في الدنيا، فما للرأسمالي المرابي وحده دون غيره مع مدينه على قيمة مخصوصة لدينه، ثم لا يزال يتقاضاه إياهم إلى مدة غير قصيرة من السنين! ([35]).
المبحث الثالث:-
من أضرار الربا في قروض الحكومات من أهالي بلادها
وهذه القروض هي التي تأخذها الحكومات من أهالي بلادها لأغراض مثمرة أو غير مثمرة.
فهي على قسمين: نوع يكون لأغراض غير مثمرة ونوع يكون لأغراض مثمرة([36]).
ونتناول الآن كل قسم بالبحث لنعرف مضار الربا فيه:-
المطلب الأول
في قروض الحكومات من أهالي بلادها لأغراض غير مثمرة:-
كالحروب: أما هذا النوع فإن الربا عليه لا يختلف في شكله من الربا الذي يتقاضاه المرابون من مدينيهم الأفراد، بل هو شر منه وأكثر قذراً لأنه ليس معنى هذا النوع من الربا إلا أن ثمة رجلاً من كفله المجتمع ورباه وأخذ بيده حتى أصبح قادراً على الكسب ودافع عنه الأخطار وحماه من المضار والخسائر، وقام نظامه المدني والسياسي والاقتصادي بجميع الخدمات التي تيسر له أن يكسب معاشه وهو آمن وداع فأصبح يأبى أن يقرض مجتمعه شيئاً من ماله بغير الربا، حتى ولا عند الحاجات التي ليس من شأنها أن ترجع بشيء من الربح المالي، والتي تتوقف على تحققها مصلحته نفسه مع مصلحة غيره من أبناء المجتمع.
تراه يقول لمجتمعه الذي كفله ورباه : لا بد لي أن اتقاضاك أجري سنوياً على ما تقترض مني من المال، سواء أكسبت منه ربحاً أم لم تكسب.
أَقْذِرْ بهذا الوضع من المعاملة وأَبْشِعْ عندما تتعرض البلاد لحرب، ويمسي نفس هذا المرابي وماله وعرضه مع نفوس غيره من أفراد المجتمع وأموالهم وأعراضهم عرضة للخطر.
ومن المعلوم أن كل شيء في الخزانة ينفق في مثل هذه الحالات، وأنه لا ينفق لغرض ينحصر في نجاحه أو إخفاقه موت هذا المرابي وحياته أيضاً مع موت سائر أفراد المجتمع وحياتهم.(5/161)
ومن أجل ذلك يكون جميع أفراد المجتمع يضحون فيه بمهجهم وأرواحهم وأوقاتهم وجهودهم ولا يتساءل أحد منهم عما سينال من الربح سنوياً على ما يبذل من روحه وأوقاته وجهوده للدفاع عن البلاد، إلا هذا المرابي فإنه يرفع رأسه من جمعهم ولا يرضى بإقراض شيء من ماله إلا على شرط أن ينال الربح على ماله بحساب كذا وكذا في المائة سنوياً، وألا يزال يناله مادامت الأمة بجميع أفرادها لا تصفيه حسابه وتؤدي إليه آخر قرش من رأس ماله ولو طالت هذه المدة إلى قرن كامل بل إلى عدة قرون، ويصر على أن ينهال هذا الربح على خزنته حتى من جيوب أولئك الذين يجرحون لدفاعهم عن بلادهم في أيديهم وأرجلهم ورؤوسهم، ويصابون في أولادهم وإخوانهم وأزواجهم عبثاً فهل تستحق مثل هذه الفئة أن يكفلها المجتمع ويسمنها بإيكالها الربا؟!!([37]).
المطلب الثاني
من أضرار الربا في قروض الحكومات من أهالي بلادها لأغراض مثمرة:-
يتسبب الربا في هذا النوع من القروض في مضار وخيمة في اقتصاد البلاد منها ما يلي:-
1. إصابة الحكومات بأزمات مالية شديدة:-
إن القروض التي تأخذها الحكومات لأغراضها المثمرة، تأخذها عامة لآجال طويلة، ولكن لا تكون أي حكومة، عندما تأخذ هذه القروض بسعر سنوي معين، على علم بما سيطرأ على أحوال بلادها الداخلي والشؤون الدولية الخارجية من التطورات والحوادث خلال العشرين أو الثلاثين سنة الآتية، ولا تدري هل ستعود عليها هذه الأغراض التي تأخذ لها هذه القروض بشيء من الربح أم لا؟.
وكثيراً ما تخطئ هذه الحكومات في مقاييسها وقلما تعود عليها مشاريعها وأعمالها بالربح على حسب سعر الربا فضلاً عن أن تعود عليها بربح أكثر.
فكل هذا من الأسباب الهامة والعوامل الأساسية التي تصيب الحكومات بأزمات مالية شديدة يستعصي عليها معها إيفاء رأس المال الديون السالفة وأقساط الربا فضلاً عن أن تنفق مزيداً من المال على مشاريع مثمرة جديدة([38]).
2. عدم إنفاق الحكومة الأموال في مشاريع مفيدة إن كانت نسبة ربحها أقل من الربا المفروض عليها:-
إن سعر الربا في السوق يقرر حداً للربح من المال، لا تستعد أي حكومة أن تنفق أموالها في عمل يرجع عليها بربح دونه، ولو كان ذلك العمل في منتهى الإفادة والنفع بالنسبة للجمهور في البلاد، فعمارة البقاع غير العامرة وإصلاح الأراضي القاحلة، وتهيئة الماء للري في البقاع الجدبة، وإنشاء الشوارع في القرى وحفظ صحة سكانها… وما إلى هذا من الأعمال النافعة الأخرى بالنسبة للبلاد وعامة سكانها، فمهما تكن بالغة في أهميتها في حد ذاته ومهما يلحق بالبلاد من الضرر بعدم وجودها، فإن أي حكومة لا تكاد تنفق فيها شيئاً من مالها مادامت لا ترجوا منها ربحاً مساوياً لسعر الربا في السوق أو أكثر منه([39]).
3. فرض الضرائب والمكوس على أهالي البلاد:-
إن الحقيقة في باب مثل هذه الأعمال والمشاريع التي تستقرض الحكومة المال بالربا للإنفاق فيها أن الحكومة إنما تلقي وزر رباها على عامة أهالي البلاد وتستجلبه من جيب كل واحد منهم بفرض الضرائب والمكوس عليهم ولا تزال تؤدى إلى الرأسماليين إلى مدة مديدة من الزمن آلافاً مؤلفة من الليرات في كل سنة.
فإذا كانت الحكومة تشرع اليوم مثلاً في مشروع كبير للري، وتنفق فيه خمسين مليون ليرة باستقراضها بسعر (6%)، فعليها – بحكم هذا الحساب- أن تؤدي في كل سنة ثلاثة ملايين من الليرات إلى الرأسماليين.
ومن الظاهر أن ليس بيد الحكومة ينبوع ينفجر لها بمثل هذا القدر الكبير من المال فهي تلقي وزره على الفلاحين الذين ينتفعون من هذا المشروع، ولا بد –على هذا- أن يكون هناك في كل ما يؤدي هؤلاء الفلاحون إلى الحكومة من المال جزء لأداء هذا الربا.
كما أن الظاهر كذلك أن هؤلاء الفلاحين لا يؤدون هذا الربا من جيوب أنفسهم، بل يلقون وزره على قيمة حاصل أراضيهم كأن هذا الربا يُؤخذ على وجه غير مباشر من كل من يشتري الغلة من السوق ليعد منه الخبز في بيته من أهالي البلاد([40]).
4. جريان الأموال من الفقراء إلى الأغنياء:-
وتتمة للأثر السابق: إذا عجزت الحكومة مثلاً، عن تسديد هذا الدين إلى خمسين سنة فإنها لن تنفك إلى نصف قرن تقوم بواجب جمع "الاكتتاب" من الفقراء وتساعد به الأغنياء في بلادها، ولن تكون منزلتها في هذا الشأن مختلفة عن منزلة كاتب الحسابات المرابي فكل هذا مما يجعل الثروة في الاقتصاد الاجتماعي تجري من الفقراء إلى الأغنياء، مع أن الذي يقتضيه فلاح الجماعة ومصلحتها هو أن يكون جريان الثروة من الأغنياء إلى الفقراء([41]).
وأخيراً إن هذه المضار والمفاسد لا توجد في الربا الذي تؤديه الحكومة على قروض تأخذها لأغراضها المثمرة فحسب، بل هي توجد أيضاً في جميع المعاملات الربوية التي يتعامل بها أصحاب التجارة والصناعة والحرف الأخرى، لأن من الظاهر أن كل تاجر أو صانع أو زارع لا يؤدي الربا إلى المرابي من جيبه، بل يلقي وزره على أثمان بضائعه ومنتجاته وحاصلات أرضه ويجمعه فلساً فلساً من جيوب عامة الأهالي "اكتتابا" منهم لمساعدة أصحاب الملايين وعشرات الملايين.
الحق أن أكثر من يستحق المساعدة في هذا النظام المنكس الغاشم هو أغنى من في البلاد من أصحاب الثراء والأموال، وأن أكثر من يجب عليه أن يساعد هذا "المسكين" هو من لا يكسب بعرق جبينه ووصله سواد ليله ببياض نهاره إلى ليرة أو بعض ليرة حيث الحرام عليه أن يشتري بها رغيفاً يمسك به رمق حياته وحياة أهله وأولاده المتضورين جوعاً قبل أن يُخرج من هذا الرغيف حق ذلك "المسكين" المتمول الذي يستحق المرحمة والمعونة أكثر من غيره([42]).
المبحث الرابع:-
من أضرار الربا في قروض الحكومات من الخارج
وهي القروض التي تأخذها الحكومات من المرابين من خارج بلادها([43]).
إن مثل هذه القروض تكون عامة لمبالغ عظيمة قد تبلغ أحياناً آلاف الملايين… والحكومات عامة تأخذ هذه القروض في أحوال تهجم فيها على بلادها أزمات غير عادية لا تكاد تكفي وسائل البلاد المالية لتقوم في وجهها وتكشف غمتها، فتتجه إذن للاستقراض من الخارج طمعاً في ترقية وسائلها بمزيد من السرعة إذا أنفقت مقداراً عظيماً من المال في مشاريعها وأعمالها الإنشائية، ثم إن هذه القروض تؤخذ عامة بسعر يتراوح بين(6-7) و(9-10%) سنوياً، أي أن الربا عليها كثيراً ما يبلغ مئات الملايين سنوياً…!!
إن المتمولين والمرابين في سوق المال الدولية يقرضون مثل هذه الحكومات أموالهم بتوسيط حكوماتهم بينهم وبينها ويرتهنون منها إحدى وسائل دخلها المهمة كالجمرك أو التنبول أو السكر أو الملح، ضماناً منها بوفاء قروضها إليهم.
إن هذا النوع من القروض الربوية يحمل في نفسه جميع المفاسد والسيئات والمضار التي سلف فيها القول آنفاً…
ولكن بالإضافة إلى جميع هذه المفاسد والمضار يحمل هذا النوع في نفسه مفسدةً هي أشد خطراً وأكثر مضرة على الإنسانية من سائرها هي:-
" أن الأمم بجميع ما تشتمل عليه من الأفراد والطوائف تختل ميزانيتها وحالتها الاقتصادية لأجل هذا النوع من القروض"
مما يؤثر تأثيراً غير محمود في الوضع الاقتصادي للدنيا كلها، ويغرس بذور العداوة والبغضاء بين أمم الأرض وشعوبها، وليس إلا من فضل هذه القروض أن شباب الأمم البائسة عندما تتكسر قلوبهم في آخر الأمر يبدءون بالإقبال على فلسفات سياسية واجتماعية واقتصادية متطرفة والبحث عن الحل لمصائبهم وكوارثهم .. بطريق ثورات دامية وحروب ضارية.(5/162)
من الظاهر أن كل حكومة إذا لم تكن وسائلها المالية كافية في رفع مصائبها وقضاء حاجاتها، فإن لها أن تؤدي كل سنة ربا مقداره عشرات ومئات الملايين… مع أدائها قسطاً من أقساط دينه، ولا سيما إذا كان دائنها ارتهن منها وسيلة كبيرة من وسائلها المالية وضيق نطاق دخلها عما كان عليه من قبل.
ومن ثَمَّ إن حكومةً تستقرض مبلغاً عظيماً من المال بهذا الطريق، قلما تزول مصائبها في معظم الأحيان، لأنها كثيراً ما تلتجئ لتصفية أقساط قروضها ورباها إلى فرض الضرائب الفادحة على رؤوس سكان بلادها والإقلال من نفقاتها، مما يزيد من قلق الأهالي ويسعر نار اضطرابهم في جانب لأنهم لا يستعيضون عما ينفقون من المال مالاً يعادله، وفي الجانب الآخر يستعصي على الحكومة أن تبقى مؤدية أقساط القروض والربا في الميعاد على ما تكلف به الجمهور وفوق طاقتهم في أداء الضرائب.
ثم إذا بدأ التقصير عن البلاء في أداء قروضها، بدأ قارضوها يرمونها بقلة الأمانة وأكل مال الغير بالحرام وبدأت جرائدهم …. بإيماء منهم، تطعن فيها، حتى يؤول الأمر إلى أن تتوسط حكومتهم بينهم وبينها ولا تقتصر على الضغط والإرهاب السياسي عليها لمصلحة رأسمالها فقط، بل تستغل مصائبها ونكباتها لمصالحها السياسية أيضاً، فتحاول حكومة البلاد المدينة النجاة من هذه الأزمة بالزيادة من ضرائبها على سكان بلادها وتقل من نفقاتها ولكن ذلك يؤثر تأثيراً لا تحمد عواقبه في أهاليها ويحدث في طبيعتهم النزق والطيش لأجل ما يتقبلون فيه بصفة دائمة من الأوزار المالية والأزمات الاقتصادية المتصاعدة، فيزيدهم طعن المقترضين في الخارج وضغطهم السياسي غضباً وزمجرة، مما يفضي بهم أخيراً إلى عدم الثقة بالمدبرين المعتدلين في بلادهم ويستعر في صدورهم نار الغضب والحنق ويجعلهم يتبعون المتطرفين الذين يتبرءون إلى الميدان يتحدون أصحاب تلك الديون يقولون: (أنزلونا عن مطالبكم واستردوا منا أموالكم إن كنتم على ذلك من القادرين).
وهنا يبلغ شر الربا وفتنته منتهاها، فهل لرجلٍ من ذوي الفهم والتعقل بعد كل هذا، أن يشك في فداحة شرور الربا ومفاسده وويلاته على المجتمع الإنساني، ويتردد في الاعتراف بأن الربا سيئة يجب تحريمها بتاتاً؟.
وهل لرجلٍ بعد أن شاهد مضار الربا ونتائجه، على ما بيناها آنفاً، أن يرتاب في صدق قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:-
"الربا سبعون جزءاً أيسرها أن ينكح الرجل أمه" ([44]) . ([45]). والحمد لله رب العالمين .
([1]) تفسير الرازي : 7 / 94 .
([2]) سبق تخريجه .
([3]) تفسير الرازي : 7 / 94 . بتصرف .
([4]) تفسير المراغي : 3 / 58 .
([5]) محاسن التأويل : 3 / 710 .
([6]) انظر ما سبق في الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 118 – 120 .
([7]) نقلاً من كتاب التدابير الواقية : 58 .
([8]) التدابير الواقية من الربا : 84 – 85 . بتصرف يسير .
([9]) الربا خطره وسبيل الخلاص منه : 33 . بتصرف .
([10]) نفلاً عن التدابير الواقية من الربا : 87 .
([11]) انظر هذا الأثر في التدابير الواقية من الربا : 85 – 87 .
([12]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 123 – 124 .
([13]) نقلاً من التدابير الواقية : 89 .
([14]) إعلام الموقعين : 2 / 103 . وانظر هذا الأثر في التدابير الواقية : 87 – 89 .
([15]) تفسير الرازي : 7 / 87 .
([16]) انظر هذا الأثر في التدابير الواقية : 82 – 84 .
([17]) تفسير الرازي : 7 / 87 .
([18]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 120 –121 .
([19]) السابق : 122 – 123 .
([20]) تفسير المراغي : 3 / 58 – 59 .
([21]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 129 –130 .
([22]) كتب هذا الكلام بتاريخ 1408 هـ .
([23]) السابق : 124 – 128 .
([24]) السابق : 128 – 129 .
([25]) تحريم الربا تنظيم اقتصادي : 16 .
([26]) الربا للمودودي : 58 – 59 . بتصرف .
([27]) الربا وأثره على المجتمع الإنساني : 132 .
([28]) هذا المبحث اعتمدت فيه على كتاب الربا للمودودي وقمت بترتيبه وتقسيمه على النقاط التي سأذكرها .
([29]) الربا للمودودي : 59 .
([30])الربا للمودودي : 59 – 60 .
([31]) السابق : 61 – 62 .
([32]) السابق : 62 .
([33]) السابق : 63 . بتصرف يسير .
([34]) السابق : 63 – 64 .
([35]) السابق : 64 – 66 . بتصرف .
([36]) السابق : 66 . بتصرف .
([37]) السابق : 66 – 67 .
([38]) السابق : 68 .
([39]) السابق : 68 – 69 .
([40]) السابق : 69 – 70 .
([41]) السابق : 70 .
([42]) السابق : 70 –71 .
([43]) السابق : 71 .
([44]) سبق تخريجه .
([45]) الربا للمودودي : 71 – 74 . مختصراً .
000000000000000
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين… والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد…..
فإنه قد كان لهذا البحث فوائد بالنسبة لي ولعل من أهم النتائج التي توصلت لها هي ما يلي:-
1. أن السبب في تخلف الأمم والشعوب هو بعدها عن الدين الإسلامي فهو مصدر عزة الأمم وسبب رقيها.
2. كمال الدين الإسلامي وأنه لا ينهى عن أمر إلا لما فيه من المفسدة ولا يأمر بفعل إلا لما فيه من المصلحة.
3. أن الكتاب والسنة قد دلاً دلالة قاطعة على تحريم الربا وكذا جاء تحريمه في الجماع.
4. أن الربا من كبائر الذنوب وأنه من الموبقات كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
5. أن للربا آثاراً سيئة على المجتمعات التي تتعامل به منها ما يلي:-
q أن الربا ينبت في النفس الإنسانية الجشع والحرص والبخل.
q الشره والكسل غير المريح.
q الإسراف وعدم الادخار.
q الاضطراب النفسي المستمر.
q تخبط المرابي.
q الجبن والكسل.
q قسوة القلب.
q أنه من جملة موانع الدعاء.
q فقدان التآلف وحصول الكراهية والحقد والبغض.
q اختلال توزيع الثروة.
q تدمير الربا للمجتمعات.
q عدم استخدام المواهب في نهضة البلاد.
q التعامل به يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل.
q استغلال حاجة المحتاجين.
q الربا يلغي معاني الفضيلة.
q انقطاع المعروف بين الناس من القرض.
q أنه وسيلة الاستعمار.
6. أن الربا آفة من الآفات الاقتصادية وهو سرطان الدول ومن آثاره على الاقتصاد ما يلي:-
* الربا من أسباب غلاء الأسعار.
* الربا من أسباب البطالة.
* التضخم.
* يسبب شقاوة المقترضين لحاجتهم الشخصية.
* منع الربا من الاستثمار في المشروعات المفيدة.
* تعطيل الطاقات البشرية.
* تعطيل المال.
* الربا يشجع على المغامرة والإسراف.
* الكساد والبطالة.
* توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة.
* التسبب في الأزمات الجائحة.
* إضعاف القوة الشرائية عن الطبقة الفقيرة والعمال مما يعرقل ترقية التجارة والصناعة.
* وضع مال المسلمين بين أيدي خصوم الإسلام.
* تركيز المال في موضع واحد وتعذر وسائل الإنتاج.
* عدم الاستفادة من الأموال إلا وفق مصلحة المرابي.
* اتجاه رأس المال إلى أعمال لا تحتاج إليها المصلحة العامة.
* إرغام أصحاب الصناعة والحرف على سلوك طريق ضيق النظر وعلى عدم الجرأة في أعمالهم.
* إفلاس أكثر المدينين أو إتيانهم بحيل غير مشروعة مخلة بالنظام الاقتصادي في البلاد.
* إصابة الحكومات بأزمات مالية شديدة.
* عدم إنفاق الحكومة الأموال في مشاريع مفيدة إذا كانت نسبة ربحها أقل من الربا المفروض عليها.
* فروض الضرائب والمكوس على أهالي البلاد.
* جريان الأموال من الفقراء إلى الأغنياء.
* اختلال ميزانية الأمم والشعوب والحالة الاقتصادية.(5/163)
7. أن الرقي والتقدم الذي يزعمه أعداء الإسلام في بلادهم إنما هو في الحقيقة انحطاط بمستوى البشرية إلى أنزل الدركات في العيش وسلب الإنسان فطرياته التي يحفظها له الإسلام.
إلى غير ذلك من الفوائد والنتائج العديدة.
هذا واسأل الله العظيم أن ينفعني بهذا البحث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين….
كتبه / فهد بن مبارك الحربي
===============
الربا والفساد الاقتصادي (275-281)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ اِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَاُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوْا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَاتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَآ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ * فإِن لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُواْ يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (البقرة/275-281)
rule1.jpg (1308 bytes)
الربا و الفساد الاقتصادي
هدى من الآيات :
من الناس من ينفق في سبيل الله على الضعفاء ، و منهم من يعكس تماما فيستغل الضعفاء ، و يبني كيانه الاقتصادي على انقاض ثرواتهم المحدودة ، هؤلاء هم المرابون الذين يتحدث عنهم القرآن هنا ، لانهم الوجه المتناقض مع المنفقين الذين تحدث عنهم الدرس السابق .
و الآية الاولى تحدثت عن النتائج المرة للخلط بين البيع و الربا ، و بينت الاية الثانية الفرق بين المنفق في سبيل الله و المرابي ، فالاول يضاعف له الله و الثاني يمحقه .
و بعد ان وجه القرآن الانظار الى الصلاة والزكاة باعتبارهما وسيلتي خلاص للمؤمن من ضغط الشهوات ومنها شهوة الاثراء السريع بالربا ، بعدئذ وجه نداءا آخرا للمؤمنين بترك الربا والاكتفاء فقط برأس المال ، ولم يكتف القرآن بذلك . بل امر في الآية التالية بأن يعطي مهلة كافية لمن لا يستطيع تسديد ديونه ، اما الآية الاخيرة فقد ذكرتنا بالتقوى ، تلك الصفة النفسية التي يكون تجنب الربا واحدا من مظاهرها .
بينات من الآيات :
آثار الربا :
[ 275] التجارة تزيد العقل ، لانها تحمل بين طياتها مخاطر الخسارة ، فيفكر صاحب التجارة بكل اسلوب ينجح تجارته و يجنبها الخسارة ، و بالتفكر المستمر ينمو العقل اما لو اطمأن الانسان الى مصدر ثابت من الربح يأتيه بلا تعب فلماذا يفكر ؟!
انه يعطل عقله لانه لا يحتاج اليه شيئا فشيئا يضمر العقل حتى ينتهي ، و الربا هو ذلك المصدر الثابت الذي ينتظره كل الكسالى حيث يأملون ان تكون لديهم ثروة معينة يقرضونها للفقراء مقابل جزء من جهدهم ، سواء خسر اولئك الكادحون ام ربحوا ، و بذلك فان اخطر اضرار الربا هو تشجيعه على تكوين طبقة من المترفين و المعتوهين في المجتمع .
[ الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ]
لا يجهدون انفسهم انما يقومون و يتحركون لمجرد اللهو حيث يخالطهم خبل من الشيطان .
ان هذا الخبل نتيجة طبيعية لاختيارهم السيء منذ البداية ، حيث انهم اختاروا الربا ، و خلطوا بينه وبين البيع ، فخالطهم الخبل واصبحوا معتوهين طبيعيا ، لخلطهم .
الباطل بين البيع و الربا .
[ ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا ]
و زعموا انه كما يجوز التعامل بالبيع و الاكتساب به ، كذلك يجوز الاكتساب بالربا ، فالبيع عندهم هو الربا بالضبط ، ولكن بصورة اخرى : انت في البيع تعطي سلعة وتأخذ ثمنا ، وهنا تعطي قرضا و تأخذ ايجاره . كلا ..
[ و احل الله البيع وحرم الربا ]
بالطبع ليس عبثا انما الهدف محدد هو : منافع البيع و اضرار الربا .
[ فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف و امره الى الله ]
له ما سلف من رأس امواله ، وهو مرجو لامر الله ان يشأ يعذبه او يتوب عليه .
[ ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ]
[ 276] و الربا يسبب تكوين طبقة من المترهلين و العاطلين عن العمل المنتج ، فيؤخر اقتصاد المجتمع ، وهو في ذات الوقت يمتص جهود الفقراء ، ولا يشجعهم على العمل الجاد ، بينما الانفاق في سبيل الله ، و اعطاء الفقراء صدقات لرفع عوزهم ، و تهيئة رأٍس مال لهم ، سوف يسبب في تدوير الثروة ، و تحريك عجلة الاقتصاد و تشجيع العاطلين على العمل من هنا تقع الصدقات ، في مواجهة الربا تماما .
[ يمحق الله الربا و يربي الصدقات ]
و الصدقات دليل على ايمان المنفقين وشكرهم لنعمه الثروة ، بينما الربا دليل كفر المرابين الحقيقي ! بالله ، بالرغم من تظاهرهم بالايمان كما انه عمل اجرامي
و اثيم .
[ و الله لا يحب كل كفار اثيم ]
و ربما جاءت كلمة الكفار بصيغة المبالغة للدلالة على ان المرابي يكفر مرتين ، مرة حين لا يدفع للفقراء الصدقة ، و مرة حين يمتص جهود الفقراء بالربا .
ما هو العلاج ؟
[ 277] كيف نتخلص من الربا ؟ ان القلب البشري يهوى الثروة ، ومن الصعب التخلص من هذا الهوى ؟
يقول القرآن الحكيم : ان طريقة الخلاص من شهوة الثروة هي الايمان بالله ، و العمل الصالح ، و الصلاة ، و الزكاة .
[ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ]
[ 278] ان تنمية التقوى في النفس هي مسؤولية المسلم نفسه ، فعليه الا ينتظر شيئا يربيه ، او شخصا يعظه ، بل ليكن واعظ نفسه و مربيها ، و ليتخلص من السلبيات وفي طليعتها الربا .
[ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين ]
فاذا كانت بينكم وبين الناس ربا ، فارضوا منهم فقط برأسمالكم ، و اعفوهم عن الربا .
[ 279] اذا لو لم تتقوا الله ، فان الله يعلن عليكم حربا تتمثل في تخلف إقتصادكم ، واشاعة الخلاف بينكم ، و تسلط العدو عليكم ، و نزول الكوارث الطبيعية بكم . و غيرها .
[ فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ]
[ 280] يمكنكم استعادة رؤوس اموالكم التي دفعتموها للمقترضين دون اخذ الربا منهم ، و لكن لا يجوز لكم الضغط عليهم .
[ وان كان ذو عسرة ]
الذي استدان منكم .
[ فنظرة الى ميسرة ]
فلابد من اعطاء مهلة حتى يقدر على الوفاء ، و الافضل من اعطاء المهلة هو التغاضي رأسا عن الدين ، و اعتباره صدقة .
[ وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون ]
[ 281] صحيح ان من الصعب عليكم ذلك ، ولكن يجب على الانسان ان يتجاوز الدنيا في سبيل الحصول على الآخرة ، فغدا لا تنقذ الانسان من عذاب الله ثروته او شهرته .(5/164)
[ و اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ]
===============
شبهات وردود حول الربا
بسبب تأثير ثقافة المترفين في الشعوب المستضعفة، وبسبب ضغط المستكبرين على مراكز القرار في الدول النامية وبالذات على بعض المراكز الاعلامية والدينية، فقد راجت ثقافة المرابين الذين قالوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا( وقد تحدث الدكتور الزحيلي عن تأثيرات هذه الثقافة على بعض المراكز الدينية ومع الأسف فقال: ومن هذه الهجمة (ضد حرمة الربا) ما كتبه السيد فهمي هويدي في مجلة العربي العدد/341/ أبريل، نيسان 1987م شعبان 1407 هـ ناقلاً عن بعض العلماء القول في إباحة فوائد الإيداع في البنوك، وعدم الاعتماد على مبدء "كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا" لعدم ثبوت كونه حديثاً، وبالتالي عدم جواز الاستدلال به. ومنها فتوى هذا العالم، وهو الدكتور عبد المنعم النمر بإباحة فوائد المصارف في جريدة الاهرام (القاهرية) يوم الخميس 27 من شوال 1409 هـ الموافق 1/6/1989م، ومنها فتوى مفتي مصر الدكتور محمد سيد طنطاوي بإباحة شهادات الاستثمار بتاريخ 7/5/1410 هـ 7/12/1989 م.
والطامة الكبرى بيان مفتي مصر المذكور قبل ربيع سنة 1410 هـ وقبل نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 الذي أحل فيه الفوائد الربوية لشهادات الاستثمار والبنوك المتخصصة، وأعقبه عام 1991 بأن فوائد المصارف حلال في جميع أنحاء الأرض. (1)
هكذا تسربت ثقافة الربا حتى إلى المناطق المحرمة عليها؛ أي إلى حيث ينبغي أن يبدء الحرب منه ضده. ولكن ما هي الأدلة التي يعتمدها مثل هذا الفريق من الناس؟
1/ يقولون إن الله إنما حرّم الربا أضعافاً مضاعفة، والفوائد التي تؤخذ دون ذلك بكثير.. والجواب:
أولاً: كل الربا يتسبب في تكدس الثروة عند طبقة معينة وتتضاعف لديهم.
ثانياً: الأدلة الشرعية على تحريم الربا لا تختص بالآية التي نهت عن أكله أضعافاً مضاعفة. (2) إذ هناك آيات أخرى تحرمه مطلقاً، وتصرح بأن الذي يرجع من الدين إنما هو رأسمال المالك، حيث يقول سبحانه: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ( (البقرة/279)
وهذه الآية تدل على أن الربا ظلم وهو كذلك؛ والظلم قبيح وحرام، كثيره وقليله.
2/ ويقولون ما الفرق بين أن يؤجر المالك داره لأحد، أو يؤجره قدراً من المال يستطيع به تأجير دار لنفسه، فالثروة هنا وهناك ذات قيمة، سواءً كانت متمثلة في دار أو في ثمنها؟ وهكذا يقولون (3) إن الربا المحرم هو ربا القروض الاستهلاكية - أي التي يقترضها ذوو الحاجة الملحة ويؤدونها أضعافاً مضاعفة، أما القروض الإنتاجية التي يقترضها الموسرون للتشغيل في مشروعات إنتاجية- صناعية أو تجارية أو زراعية تدر عليهم ربحاً وفيراً، فليست الفائدة المؤداة ربا محرماً لعدم توافر معنى إستغلال حاجة المحتاج. (1)
والجواب عن ذلك:
أولاً: إن الأحكام الشرعية لا تعتمد على الحالات الخاصة والمضطربة؛ ولأن أضرار الربا كثيرة، فان الشريعة لم تحرمه فقط، بل وحرمت كل الأبواب التي تفضي إليه..
والربا كما الزنا، وأخطر منه، إذا سمح له المجال إكتسح الساحة. ألا ترى كيف حرّم الدين الحنيف التبرج والنظر الى النساء، وأوجب الحجاب والاستيذان وسنّ عشرات الأحكام التي تساهم في منع إنتشار الزنا وزعزعة الكيان الأسري؟
ثانياً: ليس الرأسمال كل شيء في الإستثمار، وإنما عمل الإنسان والتوفيق يلعبان دوراً أساسياً فيه. ونعني بالتوفيق؛ الظروف المساعدة التي لا يستطيع حتى أفضل الخبراء معرفتها مسبقاً والتنبؤ بها، فكيف بعامة الناس. فأنت تقترض مثلاً عشرة آلاف دولار بفائدة ثابتة لكي تستثمره في إستصلاح أرض وزراعتها، وتجتهد نفسك في هذا السبيل. فهل تضمن أن يكون الموسم موسماً زراعياً حسناً؟ كلاّ؛ فإذا منعت السماء قطرها وتحطمت آمالك فإنك لست فقط مديون بعشرة آلاف دولار، بل وأيضاً بفائدتها. حسناً أنت والذي أقرضك تعيشان في بلد واحد، والجفاف يضرب هذا البلد وأنت عملت وهو قد أعطاك ثروته، فلماذا تتحمل أنت دونه ضرر الجفاف، أما هو فيبقى يجني الثروة ويضاعفها دونك؟
من هنا عجزت المدارس الاقتصادية في تبرير الفوائد الثابتة، واختلفت الأنظمة في العالم في تحديدها..
وأقوى تبرير قدمه البعض للربا ما يذكره الكاتب الشهير أبو الأعلى المودودي في كتابه الربا، حيث يقول: إن تحريم الربا شيء يتعلق بالعواطف أكثر مما يتعلق بالحقيقة، بل لا علاقة له بالحقيقة أصلاً، وأن ليس إقراض أحد غيره شيئاً من المال دونما شيء من الربا إلاّ سماحة خلقية قد شط الدين وجاوز حد الفطرة، إذ طالب بها الناس بمثل هذه الشدة والتأكيد. وإن الربا شيء معقول من الناحية المنطقية، وأمر نافع لا مندوحة عنه للإنسانية، وإنه لا يقبل أي إعتراض من الناحية الاقتصادية. (1)
هذه خلاصة التبرير الذي يقدمه النظام الاقتصادي القائم على أساس الربا اليوم، ولنا عليه ملاحظات شتى:
أولاً: لا يمكن فصل الاقتصاد عن سائر شؤون البشر، حيث إن الإنسان كل لا يتجزأ، ونظرتنا الى الإنسان تؤثر في نظرتنا الى الاقتصاد..
وأهم ميزة للانسان حياته الاجتماعية، وإنما قامت الحضارات الشامخة في تاريخه على قاعدة القيم الاجتماعية، فإذا نزعناها فإن أسس بقاء الإنسان فوق هذا الكوكب يتزعزع، بل وينهار. واليوم مع تقدم العلم وتنوع وسائل الفتك الجماعي وازدياد وسائل القهر والابتزاز، تزداد الحاجة إلى الخلق الكريم. والإحسان صفة إنسانية لا يمكن بقاء البشر من دونه.
والإحسان يبدء من إهتمام الوالدين بالطفل، وينتهي الى إحساس كل فرد بضرورة مساعدة المحتاج. وإذا كنت تملك فائض الثروة (ويسمى بالعفو في لغة القرآن) وكان غيرك يحتاجها، فمن واجبك الإنساني أن تعطيه؛ سواءً إنفاقاً أو قرضاً.
ومن العجب إن الدول الرأسمالية تفرض على رعاياها مبالغ طائلة من الضرائب، وهي لا تعترف بواجب الإحسان.
ثانياً: في مجتمع يحرم الربا تبقى ثروات عائمة كثيرة، فإما تجد طريقها الى التجارة أو المضاربة، أو تختزن لحين الحاجة. فما أجملها أن نقضي بها حاجة الفقراء والمنكوبين، لماذا لا؟ وهم نعم الحفظة للثروة، أوَ ليسوا أفضل من صناديق الحديد؟
قد يقال إذاً نخاطر بها عندهم، إذ قد تذهب أدراج الرياح. نقول: بلى؛ ولكنها لا تذهب عند الله الذي قال سبحانه: (يَمْحَق الله الرِّبا وَيَرْبي الصَّدَقَات(. والإنسان إذا دفع لأخيه قرضاً ثم لم يستطع الوفاء به، يمكنه أن يعتبره زكاة ماله. أوَ ليس الواجب عليه دفع شيء من ماله زكاة؟
ثم يمكن للمقرض أن يستوثق من المدين قبل دفع الدين له بالرهن أو الضامن أو أي نظام آخر.
ثالثاً: لقد إستمرت الحضارة الإسلامية قروناً متطاولة، وقد إتسعت رقعة نفوذها حتى شملت شعوباً كثيرة في أربعة قارات، وكان اقتصادها خالياً من الربا، بل ومما يؤدي الى الربا من الذارئع المختلفة، وكان اقتصاداً مزدهراً مما دلّ على أن الربا لم يكن ضرورة في البنية الاقتصادية.
رابعاً: لقد سبق الحديث أن الربا يوقف حركة النمو في المجتمع، لأنه يكرس الطبقية، ولأن الفقراء يزدادون بسببه فقراً، ولذلك فهم يفقدون القوة الشرائية، وبالتالي لا يساهمون في النمو الاقتصادي. بينما القرض يسبب في تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، ويزداد الفقراء غنى، ولا يبخس الأغنياء حقهم.(5/165)
وكلمة أخيرة؛ الحديث عن الربا ودوره السلبي، والقرض الحسن ودوره الإيجابي، حديث مفصّل ونكتفي في هذه الدراسة بما أسلفنا، عسى الله أن يوفقنا للمزيد من البحث في مناسبات أخرى، والله المستعان.
=================
الإعجاز في تحريم الربا
مقدمة:
كل دارس للشريعة الإسلامية وفقهها، يعلم علم اليقين: أن هناك دائرتين متمايزتين، لكل منهما خصائصها وأحكامها.
الأولى: دائرة مفتوحة وقابلة لتعدد الأفهام، وتجدد الاجتهادات، ومن شأنها أن تختلف فيها الأقوال، وتتنوع المذاهب. وهذه الدائرة تشمل معظم نصوص الشريعة وأحكامها, فهي دائرة مرنة منفتحة. وهذا من رحمة الله بعباده، لتتسع شريعته للعقول المتباينة، والمشارب المختلفة، والوجهات المتعددة. ولا غرو أن وسعت الظاهري والأثري وصاحب الرأي.
الثانية: دائرة مغلقة، لا تقبل التعدد ولا الاختلاف، لأنها تقوم على نصوص قطعية الثبوت والدلالة، لا تحتمل إلا وجهاً واحداً، ومعنى واحداً، لأنها تجسد وحدة الأمة الفكرية والشعورية والعملية، ولولاها لانفرط عقد الأمة وتحولت إلى أمم شتى، لا تربطها رابطة عملية, وقد حافظت الأمة طوال العصور الماضية على أحكام هذه الدائرة، وانعقد الإجماع عليها علماً وعملاً.
والمؤامرة اليوم تتجه إلى هذه الدائرة، تريد اختراقها وإذابتها، لتتمزق الأمة وتنحل، ولا يبقى لها شيء تجتمع عليه, وهذا سر ما نراه من تشكيك في البديهيات واليقينيات وما علم من الدين بالضرورة، من مثل التشكيك في تحريم الخمر، أو تحريم الربا.
وربما يمكن أن يفهم هذا حين يصدر من العلمانيين واللادينيين والشيوعيين وأمثالهم. أما الذي لا يفهم ولا يعقل فهو أن يحطب في هذا الحبل بعض من يتحدثون باسم الدين، ويروجوا بغبائهم بضاعة أعداء الدين؛ لأن من أعظم الفتن الفكرية، ومن أخبث المؤامرات على العقل الإسلامي المعاصر، تلك المحاولات الجريئة لتحويل المحكمات إلى متشابهات، والقطعيات إلى محتملات، قابلة للقيل والقال، والنقاش والجدال، مع أن هذه المحكمات والقطعيات هي التي تمثل (ثوابت الأمة) التي انعقد عليها الإجماع المستيقن، واستقر عليها الفقه والعمل، وتوارثتها الأجيال جيلاً إثر جيل(1). ولكن الذي يطمئننا، هو: وضوح الحق، بنصاعة أدلته، وقوة رجاله، ووهن الباطل، وتهافت منطقه، وتناقض أصحابه، وكما قيل: الحق أبلج، والباطل لجلج، وكما قال تعالى: ? وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً?[الإسراء:81]، ? فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ? [الرعد:17], الآن حصحص الحق، وتبين الرشد من الغي، فليختر كل امرئ لنفسه الطريق الذي يريد. ولعل ما يسمى الإعجاز اليوم نوع من أنواع الحفظ لهذه الثوابت حيث يثبت الإعجاز قطعية الثبوت والدلالة للنصوص من خلال تجانس الفكرة والمضمون، واتحاد الهدف والغاية.
تعريف الربا لغة:
الربا في اللغة: هو الزيادة. قال الله تعالى: ?فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ?[الحج:5], وقال تعالى: ?أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ? [النحل:92]، أي أكثر عدداً يقال: "أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه"(2) وأصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء وإما في مقابله كدرهم بدرهمين، يقال: ربا الشيء إذا زاد, ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: ?يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ? [البقرة: 276] . وأربى الرجل: عامل بالربا أو دخل فيه ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً (3).
تعريف الربا في الشرع:
الربا في الشرع: هو الزيادة في أشياء مخصوصة. وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة(4).
والربا في اصطلاح الفقهاء له عدة معان منها:
عرفه الحنفية بأنه: فضل خالٍ عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة(5) .
وعرفه الشافعية بأنه: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما(6).
وعرفه الحنابلة بأنه: تفاضل في أشياء, ونسء في أشياء, مختص بأشياء، ورد الشرع بتحريمها- أي تحريم الربا فيها- نصاً في البعض, وقياساً في الباقي منها(7).
وأما المالكية فقد عرفوا كل نوع من أنواع الربا على حدة وسأقتصر على ما تقدم للإيجاز.
النصوص الواردة في تحريم الربا:
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع, وهو من الكبائر, ومن السبع الموبقات, ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصياً بالحرب سوى آكل الربا, ومن استحله فقد كفر - لإنكاره معلوماً من الدين بالضرورة - فيستتاب, فإن تاب وإلا قتل, أما من تعامل بالربا من غير أن يكون مستحلاً له فهو فاسق.
ودليل التحريم من الكتاب قول الله تبارك وتعالى : ?وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا?[البقرة:275], وقوله عز وجل: ?الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس ...? [البقرة:275].
ودليل تحريم الربا من السنة أحاديث كثيرة منها: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»(8).
وما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه»(9), وقال: هم سواء. وأجمعت الأمة على أصل تحريم الربا. وإن اختلفوا في تفصيل مسائله وتبيين أحكامه وتفسير شرائطه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِن الحلال أم مِنَ الحرام»(10)، وأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا تحذيراً من فتنة المال، فهو من بعض دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذّمّ من جهة التّسوية بين الأمرين وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو والله أعلم(11).
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا»(12).
وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا خمساً من العقوبات:
إحداها: التخبط . . قال الله تعالى: ? لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس?
الثانية: المحق . . قال تعالى: ?يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا? والمراد الهلاك والاستئصال , وقيل : ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع به, ولا ولده بعده.
الثالثة: الحرب . . قال الله تعالى: ? فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه? [البقرة : 279] .(5/166)
الرابعة: الكفر . . قال الله تعالى: ? وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ? [البقرة : 278] وقال سبحانه بعد ذكر الربا: ?وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ? [البقرة : 276] أي: كفار باستحلال الربا, أثيم فاجر بأكل الربا.
الخامسة: الخلود في النار قال تعالى: ? وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ? [البقرة : 275], وكذلك - قول الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [آل عمران : 130],
وقوله سبحانه: ?أضعافا مضاعفة? ليس لتقييد النهي به, بل لمراعاة ما كانوا عليه من العادة توبيخاً لهم بذلك, إذ كان الرجل يربي إلى أجل, فإذا حل الأجل قال للمدين: زدني في المال حتى أزيدك في الأجل, فيفعل, وهكذا عند محل كل أجل, فيستغرق بالشيء الطفيف ماله بالكلية, فنهوا عن ذلك ونزلت الآية.
حكم الربا:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه"(13).
ونص النبي صلّى الله عليه وسلّم على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح.
قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة، بناء على أصلهم في نفي القياس.
وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة.
واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة:
فقال الشافعية: العلة في الذهب، والفضة كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات، وغيرها لعدم المشاركة، والعلة في الأربعة الباقية: كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم.
ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة.
أما في الأربعة الباقية فقال: العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له.
وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: فهو أن العلة في الذهب، والفضة الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون... وإلى كل مكيل.
ومذهب أحمد، والشافعي في القديم، وسعيد بن المسيب: أن العلة في الأربعة كونها مطعومة موزونة، أو مكيلة، بشرط الأمرين(14).
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "اتفق جمهور الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة على أنه لا يباع الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، بجنسه إلا مثلاً بمثل، إذ الزيادة على المثل أكل للمال بالباطل"(15).
وأجمع العلماء كذلك على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب، وأجمعوا على أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه-كالذهب بالذهب، أو التمر بالتمر- أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير(16). وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله - في حكم الربا: "وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع"(17).
والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة: هو مطلق الثمنية، أما الأربعة الباقية فكل ما اجتمع فيه الكيل، والوزن، والطعم من جنس واحد ففيه الربا، مثل: البر، والشعير، والذرة، والأرز، والدخن.
وأما ما انعدم فيه الكيل، والوزن، والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه وهو قول أكثر أهل العلم، مثل: القت، والنوى(18).
كيف بدأ الربا وانتشر؟..
لننظر أولاً في حكم الربا في الشرائع السابقة كاليهودية والنصرانية قبل الانتقال عن بدايتة وكيف نشأ، قال الماوردي وغيره: إن الربا لم يحِل في شريعة قط لقوله تعالى: ?وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ? [النساء: 161] يعني في الكتب السابقة, لقد حرم الله الربا على اليهود، وهم يعلمون ذلك، وينهون عنه فيما بينهم، لكنهم يبيحونه مع غيرهم، جاء في سفر التثنية: الإصحاح الثالث والعشرين:
" للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بالربا". ومنشأ هذا أنهم ينظرون إلى غيرهم نظرة استعلاء واحتقار، والتوراة وإن كانت قد حرفت إلا أن شيئاً منها بقي كما هو لم يحرف، منها تحريم الربا، لكنهم حرفوا النص حينما أباحوه مع غير اليهودي…(19)، قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "إن الله قد نهاهم - أي اليهود - عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل"(20)وقد صرف اليهود النص المحرِّم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا، فجعلوه جائزاً لا بأس به. ويقول أحد رهبانييهم: "عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه - غريمه - وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه"(21) فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل، ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً.
والدين النصراني كذلك يحرمه، ففي إنجيل لوقا: " إذا أقرضتم الذين ترجون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟…ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدتها… وإذاً يكون ثوابكم جزيلا" . وقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها كما اتفقت مجامعها على تحريم الربا تحريماً قاطعاً، حتى أن الآباء اليسوعيين وردت عنهم عبارات صارخة في حق المرابين، يقول الأب بوني:" إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة، إنهم ليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم .. " ولم يكن تحريم الربا قاصراً على أرباب الديانتين، بل كذلك حرّمه من اشتهر في التاريخ بالعلم والفهم والحكمة كبعض الفلاسفة، منهم أرسطو، وأفلاطون الفيلسوف اليوناني الذي قال في كتابه القانون: " لا يحل لشخص أن يقرض بربا" ..(22)
وأما العرب في جاهليتهم على الرغم من تعاملهم به إلا أنهم كانوا ينظرون إليه نظرة ازدراء، وليس أدل على ذلك أنه عندما تهدم سور الكعبة وأرادت قريش إعادة بنائه حرصت على أن تجمع الأموال اللازمة لذلك من البيوت التي لا تتعامل بالربا، حتى لا يدخل في بناء البيت مال حرام، فقد قال أبو وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم: " يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس".(5/167)
ومهما كان فالربا كان منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله –أنه قال: ”كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“(23)وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال (من هو له) (لمن هو عليه): أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين، وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه(24)، فهذا قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [آل عمران:130].
وإذا كان الأمر على هذا النحو، وأصحاب الديانات كلهم يحرمون الربا، كيف إذن بدأ وانتشر في العالم؟
لقد كانت الجاهلية تتعامل بالربا قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحرمه كما هو معلوم بالنصوص، وسد كل أبوابه ووسائله وذرائعه ومنافذه، حتى ما كان فيه شبهة من ربا منعه وحرمه، كمنعه عليه الصلاة والسلام من بيع صاعين من تمر رديء بصاع من تمر جيد .. فامتثل الناس لذلك، وتلاشى الربا، وحل محله البيع والقرض الحسن والصدقة والزكاة..
وكما قلنا كانت أوربا التي تدين بالنصرانية تحرم الربا وتنهى عن التعامل به، أما اليهود ـ والذين كانوا يمتنعون من التعامل بالربا فيما بينهم ـ كانوا ممنوعين من التعامل به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه.. ولكن ومنذ أواخر القرن السادس عشر ميلادي بدأت أوربا بالتمرد على هذا الحكم الإلهي..ففي عام 1593م وضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين، فصار يباح تثميرها بالربا، بإذن من القاضي، فكان هذا خرقاً للتحريم.. ثم تبع ذلك استغلال الكبار لنفوذهم، فقد كان بعض الملوك والرؤساء يأخذون بالربا علناً، فهذا لويس الرابع عشر اقترض بالربا في 1692م، والبابا التاسع تعامل كذلك بالربا في سنة 1860م.
كانت تلك محاولات وخروقات فردية.. لكن الربا لم ينتشر ولم يقر كقانون معترف به إلا بعد الثورة الفرنسية، فالثورة كانت ثورة على الدين والحكم الإقطاعي والملكي..وكان من جملة الأحكام الدينية في أوربا كما علمنا تحريم الربا، فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخر، وكان لا بد أن يحصل ذلك، إذ إن اليهود كانت لهم اليد الطولى في تحريك الثورة الفرنسية واستغلال نتائجها لتحقيق طموحاتهم، من ذلك إنشاء مصارف ربوية، لتحقيق أحلامهم بالاستحواذ على أموال العالم، وجاءت الفرصة في تلك الثورة، وأحل الربا وأقر. فقد قررت الجمعية العمومية في فرنسا في الأمر الصادر بتاريخ 12 أكتوبر سنة 1789م أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون(25).
أصدرت فرنسا التمرد على الدين وعزله عن الحياة إلى كل أوربا، ومن ذلك التمرد على تحريم الربا، وقد كان اليهود في ذلك الحين من أصحاب المال، وبدأت الثورة الصناعية، واحتاج أصحاب الصناعات إلى المال لتمويل مشاريعهم، فأحجم أصحاب المال من غير اليهود عن تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسارة..أما اليهود فبادروا بإقراضهم بالربا، ففي قروض الربا الربح مضمون، ولو خسر المقترض، وقد كانت أوربا في ذلك الحين مستحوذة على بلدان العالم بقوة السلاح، فارضة عليها إرادتها، فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في إرادتها كان معنى ذلك السيطرة والتحكم في العالم أجمع، ومن ثم فرضوا التعامل بالربا على جميع البلاد التي تقع تحت سيطرة الغرب، فانتشر الربا وشاع في كل المبادلات التجارية والبنوك، فاليهود كانوا ولا زالوا إلى اليوم يملكون اقتصاد العالم وبنوكه..إذن.. اليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم(26) .
شبه حول تحريم الربا:
مما يروج له المماحكون في موضوع الربا عدة أمور:
1- أنّ الزيادة في القرض حق للمرابي، لأن المال الذي يدفعه للمقترض يتيح له الفرصة للعمل وللربح تماماً كما هو حال صاحب الدار الذي يتيح للمستأجر فرصة الانتفاع بالسكنى فيأخذ الأجرة في مقابل ذلك فالقضية في مجملها، هي أن تكون الزيادة في مقابل المنفعة، فكيف يكون ذلك أكلاً للمال بالباطل.
ونجيب على ذلك، بأنّ المنفعة في الدار هي أمر حقيقي قائم بالدار، وهي ملك لصاحبها كما هي الدار ملك له فيستحق العوض عليها من مستثمرها الذي لا يتحمل أيّة مسؤولية فيما يحدث للدار إذا لم يكن هناك اعتداء من قبله فإذا تلف شيء من الدار من دون تعدّ ولا تفريط فإن المالك هو الذي يتحمله وحده، أما رأس المال في القرض فأن العامل يتحمل مسؤوليته، بالإضافة إلى الزيادة، من دون أن يتحمل صاحب المال شيئاً، فهو رابح دائماً بينما يكون العامل معرّضاً للربح والخسارة، مما يعني أن القضية ليست انتفاعاً بمال الآخرين في مقابل أجرة، بل القضية هي الانتفاع بماله الذي يتملكه بالقرض في مقابل ضمانه له ... وتحمّله لمسؤوليته ... مما يجعل بين الأمرين فرقاً كبيراً.
2- أن الزيادة المأخوذة في معاملة الربا، ليست زيادةً في الحقيقة، بل هي تعويض لصاحب المال عن الخسارة الطارئة بسبب ضعف القوّة الشرائية للعملة على مرور الزمن ... وربما تكون الخسارة أكثر من التعويض، كما نشاهده في العملات التي تهبط إلى أكثر من النصف، بينما تكون الزيادة بنسبة خمسة بالمائة أو أكثر أو أقل قليلاً ... وذلك من خلال الأوضاع الاقتصادية المرتبكة.
ونجيب على ذلك: أن القضية إذا كانت على هذا الأساس، فكيف نصنع بالحالة الاقتصادية التي تساهم في رفع سعر العملة، فهل يتوقف الدائن عن طلب الزيادة، أم يظل على موقفه في حالة الزيادة والنقصان ... إن فكرة التعويض لا تنسجم مع طبيعة قانون الربا الذي لا يراعي الدقّة في هذا الجانب فيما يفرضه من زيادة ثابتة في جميع الأحوال ...
3- إن بعض الناس قد يحتاجون إلى أن يحركوا أموالهم في اتجاه الربح من دون أن يقدّموا عملاً عضوياً أو فكرياً في ذلك، إمّا لعجزهم عن العمل وإمّا لظروف ذاتية خاصة ... فما هي الطريقة إلى تحقيق ذلك، بدلاً عن الرّبا ... وقد يضيف هؤلاء، إننا نعرف أن الربح لا يتحرك من خلال العمل، بل ينطلق من عنصرين ... رأس المال، والعمل، فلولا المال لما تمكن العامل من التجارة، ولما استطاع صاحب المصنع أن يصل إلى ما يريده من مستوى الإنتاج، فلابد من أن يكون لرأس المال حصة من أجل تحقيق العدالة والتوازن في هذا المجال.
ونجيب على ذلك ... بأن الإسلام قد وضع حلاً عملياً يرتكز على المزاوجة بين رأس المال وبين العمل وهو المضاربة، التي تمثل الشركة بين صاحب المال وبين العمل بحيث تكون النتيجة لهما على حسب الاتفاق بينهما في مقدار الحصّة لأيّ منهما، في حالة الربح، كما أن الخسارة في حالة حدوثها تلحق رأس المال تماماً كما يخسر العامل عمله ... وبذلك يتم التوازن في حركة المال نحو الربح من دون عمل، وحركة العمل نحو الربح من دون رأس مال ... فيتحمل كل منهما خسارة الجانب الذي يقدّمه في حالة الخسارة، كما يحصل كل منهما على الربح في حالة الربح ...(5/168)
4- هناك من يقول: إن تحريم الربا يؤدي إلى شلل في الاقتصاد على مستوى الفرد والمجتمع، لأن معنى ذلك هو إلغاء المصارف، والعلاقات الاقتصادية القائمة في حياة الناس على أساس الربا ... مما يجعل من التحريم، أمراً غير واقعي، ولا عملي، فلا يكون صالحاً للتطبيق، فلابد من تجميده في هذه الظروف من أجل مصلحة الإنسان التي قد تواجه بعض السلبيات في مقابل الكثير من الإيجابيات ..
ونجيب على ذلك، بأن كل حكم إسلامي، تحريماً أو إيجاباً أو إباحة، لا يمكن أن نعرف واقعيته وعلاقته بالحل الشامل لمشكلة الإنسان، إلا من خلال مقارنته بالأحكام الأخرى التي تلتقي معه في إيجاد الحل؛ لأن الإسلام يمثل في أيّة مشكلة من مشاكل الواقع، كلاّ مترابط الأجزاء، أو هيكلاً متناسق الخصائص فيما يطلقه من تشريعات لتحقيق الحل الأفضل الشامل ... وهذا هو ما نفهمه في موضوع تحريم الربا فأننا لا نستطيع معرفة سلبياته وإيجابياته في نطاق النظام الرأسمالي الذي يمثل الربا العمود الفقري له ولا يمكن أن نفكر في إلغاء الربا، مع إبقاء العلاقات الاقتصادية على ما هي عليه، لأننا لا نتحدث عن التحريم على أساس الأمر الواقع بل من موقع العمل على تغيير النظام في قواعده وأسسه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، الأمر الذي نعرف فيه الإيجابيات العملية لتحريم الربا في الخطة الإسلامية المتكاملة(27).
5- وقال بعضهم: إن البنك ليس شخصاً مكلفاً، يتوجه إليه الأمر والنهي، وزعم أن الشرع لا يعرف (الشخصية المعنوية) وهو جهل قبيح. فقد عرض الشرع الشخصية المعنوية في (بيت المال) وفي (المسجد) و(الوقف) وغيرها, وجاء في أحاديث الزكاة في الصحاح اعتبار الخليطين في الماشية؛ بمثابة شخص واحد، وطرده بعض الفقهاء في كل الأموال، وهو ما أخذ به مؤتمر الزكاة المنعقد بالكويت، في اعتبار الشركات كالشخص الواحد. وكأن هذا القائل يبيح للشركات أن تروج الخمر، وتتاجر في الدعارة، وغيرها، لأنها ليست شخصاً مكلفاً!!
6- وقال من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لقي ربه ولم يبين ما هو الربا، ورووا في ذلك أثراً عن عمر، وهم عادة لا يعنون بالآثار ولا يعتمدونها، وإن صح هذا فهو في صور ربا البيوع الجزئية, أما ربا النسيئة أو ربا الديون، فهو مما لا ريب فيه، ولا يختلف فيه اثنان.
وإني لأعجب لهؤلاء كيف يتصورون أن يحرم الله شيئاً، وينزل فيه من الوعيد الهائل ما لم ينزله في غيره، كما في قوله تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ? [البقرة:275-279].
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: «ما ظهر الزنى والربا في قرية إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله»(28)؛ فكيف سمع الصحابة رضي الله عنهم هذا كله، ولم يعرفوا ما هو الربا؟ ولم يسألوا عنه؟ وكيف لم يبينه لهم الرسول الكريم؟ والبيان–كما يقول العلماء– لا يجوز أن يتأخر عن وقت الحاجة؟ وكيف يكتمل الدين وتتم به النعمة إذا لم يتبين أهله المحرمات الكبيرة المتصلة بحياة الناس؟ وما معنى قوله تعالى: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً? [المائدة:3]، لأن فقه المعاملات بصورة عامة إنما جاءت نصوصه بصفة عامة بصورة أوامر شاملة ليست تفصيلية، وهذا ما يراه كل مطلع، وعموماً فإن القطعيات والثوابت لا يرد فيها نصوص تفصيلية أو ما يبين كل جزئيات المسائل، كما بينا ذلك في مقدمة هذا البحث.
ومما اتفق عليه هؤلاء المماحكون في تحريم الفوائد البنكية: ادعاؤهم أنه لا يوجد دليل على تحريم التحديد المقدم للأرباح في عقد المضاربة, ونقول لهؤلاء: بل هناك دليلان شرعيان مؤكدان:
أولهما: الإجماع الذي نقله ابن المنذر والنووي وابن قدامة وغيرهم على عدم جواز التحديد المقدم؛ ولم يشذ عن ذلك فقيه واحد، ولا مذهب من المذاهب.
وثانيهما: الأحاديث الصحاح التي جاءت في منع المزارعة بشيء معين، مثل ثمار قطعة معينة من الأرض، أو مقدار معين من الثمرة، خشية أن تسلم هذه القطعة ويهلك غيرها، أو العكس، فيكون لأحدهما الغنم يقيناً، وللآخر الغرم، وهذا ينافي العدالة المحكمة التي ينشدها الإسلام.
قال العلامة ابن قدامة: والمضاربة مزارعة في المعنى. وصدق رحمه الله، فالمضاربة مزارعة في المال، كما أن المزارعة مضاربة في الأرض.
الحق أني لم أجد للممارين المماحكين في الباطل في تحريم الفوائد أي منطق قوي، أو حجة مقنعة، إلا دعاوى أوهن من بيت العنكبوت. وحسبنا أن المجامع العلمية والفقهية الإسلامية، والمؤتمرات العالمية للاقتصاد الإسلامي والفقه الإسلامي كلها قد أجمعت على أن الفوائد البنكية هي الربا الحرام(29).
مضار الربا من الناحية الاقتصادية:
إن مضار الربا من الناحية الاقتصادية تتجسد في صور من القروض، كالاستهلاكية والقروض الإنتاجية والقروض الحكومية من الداخل، ومنها:
أ – القروض الاستهلاكية: وهي قروض يطلبها الفقراء المتوسطون نتيجة لوقوعهم في مصيبة أو شدة لقضاء حاجاتهم الضرورية. ومن المعلوم فداحة السعر الربوي في هذا النوع من القروض، لأن المتصدي لهذا النوع هو المرابي الذي لا رقيب عليه في تقرير الفائدة، فالذي يقع في شرك هذا المرابي مرة لا يتخلص منه طول حياته، بل يكون العبء على أبنائه وأحفاده في سداد دينه.
وهذه العملية هي التي تمكن الرأسمالي من دخل العمال وتجعله مستبداً به دونهم. ونتيجة لذلك تفسد أخلاقهم، ويقترفون الجرائم والدنايا، وهو يحط من مستوى المعيشة، ويقلل من كفاءاتهم ونشاطهم الذهني والبدني، وهذا ليس ظلماً فحسب بل إنه ضرر على الاقتصاد الاجتماعي, على أن المرابي يسلب قوة الشراء من الفقير، وإذا فترت قوة الشراء تكدست البضائع في الأسواق ونتيجة لهذا التكدس تتوقف بعض المعامل من الإنتاج أو تقلله على الأقل، وبهذه العملية تنشأ البطالة لمئات من البشر، وهذه البطالة تعرقل نمو التجارة والصناعة.
ب – القروض الإنتاجية: وهذه القروض يأخذها التجار وأصحاب الصناعة والحرف لاستغلالها في الإنتاج المثمر.(5/169)
إن هذه العملية التي يأخذ المرابي الربا من دون أن يتعرض لشيء إذا خسر المعمل أو التاجر تؤدي إلى تحرك الميزان الاقتصادي من جانب واحد دائماً وهو جانب المرابي فهو رابح دائماً، أما صاحب المعمل أو التاجر فليس كذلك، فيتضرر جميع العمال وصاحب العمل إلا المرابي فإنه لا يتضرر بذلك حيث أن ربحه مضمون, بالإضافة إلى أن معظم رأس المال مدخر عند الرأسماليين، لأنهم يرجون ارتفاع سعر الربا، فلا يعطي ماله للتجارة أو الصناعة لانتظاره ارتفاع سعر الربا على أن السعر المرتفع يجعل المرابي ممسكاً لماله إلاّ وفق مصلحته الشخصية لا وفق حاجة الناس أو البلاد، وقد يكون السعر المرتفع مانعاً للأعمال النافعة المفيدة للمصلحة العامة مادام ربحها لا يسدد سعر الربا، في حين أن المال يتدفق نحو الأعمال البعيدة عن المصلحة العامة لأنها تعود بربح كثير.
وقد يستعمل التجار الذين هم مطالبون بالربا الطرق المشروعة وغير المشروعة المؤدية إلى اضطراب المجتمع الإنساني والحط من الأخلاق الإنسانية وما يترتب عليها من جرائم في سبيل كسب سعر الربا.
ج – القروض الحكومية من الداخل: وهي القروض التي تأخذها الحكومة من أهالي البلاد، فهناك القروض المأخوذة لأغراض غير مثمرة كالحروب ، وهناك القروض المأخوذة لأغراض إنسانية اجتماعية كالتجارة مثلاً، وهذان النوعان يشابهان القروض الاستهلاكية والقروض الإنتاجية.
والملاحظ هنا أن الحكومة تلقي ضغطاً على عامة أهل البلاد بفرض الضرائب والمكوس حتى تستطيع أن تؤدي إلى الرأسماليين (أصحاب القروض) الربا، والتجار أيضاً لايؤدون هذه الضرائب والمكوس من عندهم وإنما يرفعون قيمة السلع فيؤخذ الربا على وجه غير مباشر من كل من يشتري من السوق وهو الفقير والمتوسط الحال. إذن الذي يتضرر تضرراً كاملاً هو الفقير فحسب، لأن صاحب الغلة وأصحاب المصانع والتجار يرفعون من سعر نتاجهم(30).
الربا يمنع من إنشاء المشروعات المفيدة للمجتمع، لأن الربا: يعني أن المال يولد المال من دون أعمال، أما الأعمال إذا ولدت المال، فهذا يعني أن صاحب العمل استفاد وكذلك المجتمع استفاد, وإذا طرحت هذه المواد أو تلك المنتجات أو هذه الخدمات انخفضت الأسعار لإن توافر المواد يخفض سعرها، وإذا انخفض السعر اتسعت شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عم الرخاء، لأن كل شيء يرفع السعر يضيق دائرة الاستفادة، والمشكلة أنّ الدائرة إذا ضاقت يقل الإنتاج والبضائع تتكدس في المستودعات مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج، وهذا بدوره يؤدي إلى الاستغناء عن العمال فتزداد البطالة(31).
وانقسم المجتمع إلى طبقتين طبقة تملك ولا تعمل وطبقة تعمل ولا تملك ، طبقة عاطلة عن العمل وهي طبقة المرابين وطبقة تعمل ولا تملك وكل جهدها لا يكفيها قوت يومها.
أضرار الربا من الناحية الاجتماعية:
للربا أضرار عديدة من الناحية الاجتماعية، منها:
1ـ الربا له أضرار أخلاقية وروحية، لأننا لا نجد من يتعامل بالربا إلا إنساناً منطبعاً في نفسه البخل، وضيق الصدر، وتحجر القلب، والعبودية للمال، والتكالب على المادة وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة.
2ـ المجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمع منحل، متفكك، لا يتساعد أفراده فيما بينهم، ولا يساعد أحد غيره إلا إذا كان يرجو من ورائه شيئاً، والطبقات الموسرة تعادي الطبقات المعدمة. ولا يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته، ولا استتباب أمنه، بل لا بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكك، والتشتت في كل حين من الأحيان حيث بالربا تزرع بوادر الحقد والعداوة وهذا ما نشاهده اليوم بين أطراف الربا سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الدولي.
3ـ الربا إنما يتعلق في نواحي الحياة الاجتماعية لما يجري فيه التداين بين الناس، على مختلف صوره وأشكاله. وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة، والتعاسة مدة حياته، سواء كانت تلك القروض لتجارة، أو لصناعة، أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول الغنية، فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسارة الكبيرة التي لا يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات، وما ذلك إلا لعدم اتباع المنهج الإسلامي، الذي يدعو إلى كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات، قال الله تعالى: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?[المائدة: 2]. وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(32), فلا نجاة، ولا خلاص، ولا سعادة، ولا فكاك من المصائب، إلا باتباع المنهج الإسلامي القويم واتباع ما جاء به من أحكام وتعاليم.
4ـ تعطيل الطاقة البشرية، فإن البطالة تحصل للمرابي بسبب الربا وتقاعسه عن العمل الجاد، والإنتاج المؤدي إلى صلاح الفرد والمجتمع؛ بما يوفره من توفير فرص أكبر للأيدي العاملة.
5ـ وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم، وهذا من أخطر ما أصيب به المسلمون، وذلك لأنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر، وهذا الإيداع يجرّد المسلمين من أدوات النشاط، ويعين هؤلاء الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين، والاستفادة من أموالهم(33).
6ـ آكل الربا يحال بينه وبين أبواب الخير في الغالب، فلا يقرض القرض الحسن، ولا ينظر المعسر، ولا ينفس الكربة عن المكروب، لأنه يصعب عليه إعطاء المال بدون فوائد محسوسة، وقد بيّن الله فضل من أعان عباده المؤمنين ونفّس عنهم الكرب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»(34) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»(35) .
وثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله»(36) .
7ـ الربا يقتل مشاعر الشفقة عند الإنسان، لأن المرابي لا يتردد في تجريد المدين من جميع أمواله عند قدرته على ذلك، ولهذا جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي»(37), وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس»(38) وقال عليه الصلاة والسلام: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»(39) .
8ـ الربا يسبب العداوة والبغضاء بين الأفراد والجماعات، ويحدث التقاطع والفتنة ويجرّ الناس إلى الدخول في مغامرات ليس باستطاعتهم تحمّل نتائجها.
وأضرار الربا لا تُحصى، ويكفي أن نعلم أن الله تعالى لا يحرم إلا كلّ ما فيه ضرر ومفسدة خالصة أو ما ضرره ومفسدته أكثر من نفعه(40).
وجه الإعجاز:(5/170)
لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم, ولا شكّ أنّ للرّبا أضرار جسيمة، وعواقب وخيمة، والدين الإسلامي لم يأمر البشرية بشيء إلا وفيه سعادتها، وعزّها في الدنيا والآخرة، ولم ينهها عن شيء إلا وفيه شقاوتها، وخسارتها في الدنيا والآخرة، ثم إن المصلحة هي بتحريم الربا لأن أضراره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أكثر من منافعه, ومن ثم فإنه لا يصح القول بأن العلة في تحريم الربا هي الاستغلال أو الظلم؛ لأن الظلم أو الاستغلال هو الحكمة من تحريم الربا، وهناك فرق بين الحكمة والعلة، فالحكم الشرعي يدور مع العلة لا مع الحكمة وجوداً وعدماً(41).
الخلاصة:
إن الربا ثروة من الفقراء إلى الأغنياء، تصور إنساناً لا يعمل، يستيقظ الساعة الثانية عشرة ظهراً، لأن أمواله مستثمرة في مشروع ربوي وربحه ثابت لا يهمه نزول مطر أو لا، ولا يهمه كساد ولا يهمه رواج، لا يهمه تقدم الأمة، فربحه ثابت، لذلك فإن أقسى قلب هو قلب المرابي أو الذي يستثمر ماله عن طريق الربا لأنه انتهازي لا يهمه شيء سوى نفسه(42). وما شرعت الزكاة والصدقة وتحريم الربا إلا ليعم المال جميع الناس بالعدل والقسط قال الله تعالى: ?مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?[الحشر: 7], إنه مع ضيق المكاسب وقلة الأعمال ارتفعت نسبة الإجرام إلى عشرة أضعاف تقريباً، والعالم الغربي يعاني أخطر ما يعاني من البطالة، بسبب استثمار الأموال عن طريق الربا, فالمرابي كأنه مصاص الدماء يأخذ دماء الناس وتعبهم وعرقهم وكل جهدهم ولا يكفي ذلك كله لسداد ما عليهم.
لقد جاء تحريم الربا بنص القرآن على لسان النبي الأمي الأمين الذي لا ينطق عن الهوى؛ بل هو من عند الله العظيم، وهذا ما أكدته اليوم نتاجات الحضارة وخبرات البنوك وتجارب المرابحين والتجار؛ أن الربا مرض سرطاني يجب أن يُستأصل من جذوره لكي تعيش الشعوب بأمان ويعم الرخاء وتنتهي البطالة ويحيى الناس على الحب والتآخي والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، حتى ننال السعادة في الدارين ونعيش معيشة لا نضل فيها ولا نشقى امتثالاً لأمر الله القائل: ? فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى^وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى? [طه: 123-124].
إعداد: قسطاس إبراهيم النعيمي
مراجعة: علي عمر بلعجم
(1) - أخذا من موقع:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.aspx?cu_no=2&item_no=2926&version=1&template_id=6&parent_id=12
(2) - انظر المغني لابن قدامة 6/51.
(3) - انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/8، وفتح الباري لابن حجر، 4/312.
(4) - انظر المغني لابن قدامة 6/52 وفتح القدير للشوكاني 1/294.
(5) - البحر الرائق شرح كنز الرقائق: 6 / 135, وعمدة القارئ : 11 / 199 .
(6) - نهاية المحتاج: 3 / 409, ومغني المحتاج: 2 /21 .
(7) - المغني: 6 / 51 .
(8) - صحيح البخاري 3/1017, برقم: 2615, وصحيح مسلم 1/92, برقم: 89.
(9) - صحيح مسلم 8 / 288، برقم: 2995
(10) - البخاري مع الفتح 4/313 برقم 2083 و4/296، برقم 2059 باب من لم يبال من حيث كسب المال.
(11) - انظر الفتح 4/297.
(12) - البخاري 3/11, برقم: 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313.
(13) - شرح النووي على مسلم 11/9.
(14) - انظر شرح النووي 11/9.
(15) - فتاوى ابن تيمية 20/347، وانظر: الشرح الكبير، 12/11، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، 12/11، وشرح الزركشي 3/414.
(16) - انظر شرح النووي 11/9.
(17) - المغني 6/51.
(18) - انظر المغني لابن قدامة 6/53، ونيل الأوطار للشوكاني 6/346-358.
(19) - http://saaid.net/Doat/abu_sarah/98.htm
(20) - تفسير ابن كثير 1/584.
(21) - الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص31.
(22)- أخذا من موقع: http://www.thenewlibya.com/libyaeconmic.htm
(23) - جامع البيان في تفسير آي القرآن 3/67.
(24) - انظر جامع البيان في تفسير آي القرآن 4/59، وفتح القدير للشوكاني 1/294، وموطأ الإمام مالك 2/672، وشرحه للزرقاني 3/324.
(25) - أخذاً من موقع: http://www.thenewlibya.com/libyaeconmic.htm
(26) - المرجع السابق
http://www.balagh.com/mosoa/eqtsad/rf1059h8.htm23 - (27)
(28) - أخرجه الحاكم في المستدرك 2/43, برقم: 2261, والطبراني في الكبير 1/178, برقم: 460, والبيهقي في شعب الإيمان 4/363, برقم: 5416, وقال الألباني: حسن لغيره, انظر: صحيح الترغيب والترهيب 2/179, برقم: 1859, وهو في صحيح الجامع برقم: 679.
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.aspx?cu_no=2&item_no=2926&version=1&template_id=6&parent_id=12 -(29)
(30) - الإسلام والربا: قرشي ص220 - 221.
(31) - مضار الربا: فضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي.
(32) - البخاري 7/77، برقم: 6011، ومسلم 4/1999, برقم: 2586 واللفظ له.
(33) - ينظر الربا، وآثاره على المجتمع الإنساني، للدكتور عمر بن سليمان الأشقر.
(34) - مسلم 4/2074, برقم: 2699.
(35)- البخاري 2/862, برقم: 2442، ومسلم 4/1996, برقم: 2580.
(36)- مسلم 4/2302, برقم: 3006.
(37)- أبو داود 4/286, برقم: 4942، والترمذي 4/323, برقم: 1923، وقال الترمذي: حديث حسن, وفي بعض النسخ حسن صحيح, قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2 / 273, برقم:2261, حسن.
(38) - متفق عليه: البخاري 8/208, برقم: 7376، ومسلم 4/1809, برقم: 2319.
(39) - أبو داود 4/285, برقم: 1941، والترمذي 4/324, برقم: 924، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 2/ 594, برقم: 925, صحيح
(40) - كتاب الربا / أضراره وآثاره / في ضوء الكتاب والسنة فضيلة الشيخ الدكتور / سعيد بن علي بن وهف القحطاني
(41)- http://www.arriyadh.com/Economic/LeftBar/Researches/------/----------------------3.doc_cvt.asp
(42) - مضار الربا: فضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي.
===============
أضرار الربا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا أرحم الراحمين.
أما بعد:(5/171)
لما تعاظم أمر الربا وانتشر وباؤه، حتى كاد أن يدخل كل بيت وتعامل به كثيرون ممن لم يدركوا خطره، بل لما استباحه بعض المسيسين زوراً وبهتاناً، كان لا بد من تبيين المسائل الربوية حتى يتجنبها الناس و أصبح لزاماً على العقلاء النابهين أن يظهروا البديل الشرعي الذي اختاره الله عز وجل لإسعاد البشرية لذلك تقدمت بين يدي هذه الضرورة الملحة ببيان مضار الربا و بجملة من الأحكام مبينا فيها الفرق بين مسائل البيع ومسائل الربا، فنسأل الله التوفيق والسداد في مبتغانا.
فالشريعة الإسلامية اعتبرت الربا من أكبر الجرائم الاجتماعية والدينية، فالربا في نظر الإسلام من أفظع الجرائم وهو أساس المفاسد وهو الوجه النقيض للصدقة والبر والإحسان، فالصدقة عطاء وسماحة ، وهي التعاون والتكافل والطهارة ... والربا شح وقذارة ودنس وجشع وأنانية. ويمكننا أن نجمل بعض أضرار الربا في ثلاث فقرات:
1- ضرر الربا من الناحية النفسية .
2- ضرر الربا من الناحية الاجتماعية0
3- ضرر الربا من الناحية الاقتصادية.
1- فمن الناحية النفسية فإن الربا يولّد لدى الإنسان حب الأثرة والأنانية، فلا يهمه إلا مصلحته ونفعه ، فبذلك تنعدم المروءة والإيثار، وتنعدم معاني البر و الإحسان ومحبة الخير للآخرين، وتحل مكانها الأنانية والأثرة وحب الذات، وتتلاشى الروابط الأخوية بين الإنسان وأخيه فيغدو الإنسان المرابي مصاص دماء لا يهمه سوى استلاب ما في أيدي الناس ومص دمائهم، ويصبح ذئبا ً في صورة إنسان وديع ، وتجد أن معاني الخير والنبل والمروءة ٌ قد انعدمت في قلوب الناس وحل مكانها الجشع والطمع.
2- وأما ضرر الربا من الناحية الإجتماعية : فإنه يولد الكراهية والعداوة بين أفراد المجتمع ويكون معول هدمٍ يهدم الروابط الإنسانية والاجتماعية بين طبقات الناس، ويقضي على كل مظاهر الشفقة والحنان، والتعاون والإحسان في نفوس البشر، بل إنه ليزرع في القلب الحسد والبغضاء، ويدمر قواعد المحبة والإخاء ، ومن المقطوع به أن الإنسان الذي لا تسكن قلبه معاني الشفقة والرحمة، ولا يعرف معنى للأخوة الإنسانية سوف يعدم كل إحترام أو عطف من أبناء مجتمعه وينظرون إليه بعين الإزدراء والإحتقار، وكفى بمن يتناولون مرض الربا مقتاً أنهم أعلنوا على أنفسهم الحرب من الله عز وجل، بما كسبت أيديهم من مص لدماء البشر عن طريق استغلالهم حاجتهم واضطرارهم.
3- وأما ضرر الربا من الناحية الاقتصادية: فهو جلي واضح لأنه يقسم الناس الى طبقتين، طبقة مترفة تعيش منعمة مرفهة على حساب الآخرين، وطبقة معدمة تعيش على الفاقة والحاجة، والبؤس والحرمان.
فالله عز وجل يخبر أولئك المتعاملين بالربا فيمتصون دماء الناس، بأنهم لا يقومون من قبورهم يوم القيامة، إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، فيتعثر ويسقط ولا يستطيع المشي سوياً، لأن به مساً من الشيطان، فهذه الحالة تلبَّستهم لما استحلوا الربا الذي حرمه الله، فقالوا الربا مثل البيع فلماذا يكون حراماً؟ وقد رد الله عليهم قولهم السقيم بأن البيع تبادل منافع وقد أحله الله، أما الربا فهو زيادة مقتطعة من جهد المدين أو لحمه وقد حرمه الله فكيف يتساويان ؟!
الله جعل البيع حلالاً وجعل الربا حراماً فقال سبحانه وتعالى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَِ " ( سورة البقرة : 275 )
فقد رد الله عليهم هذه الشبهة فالمغايرة واضحة بين البيع وبين الربا وهذا ما دلت عليه الواو التي تفيد المغايرة فهي كالواو في قوله تعالى ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسنا )، فالرزق الحسن غير السكر.
ثم توجه خطاب الله عز وجل إلى المؤمنين الذي يتخذون من شرع الله منهجاً وسلوكاً، ينهاهم الله عز وجل فيه عن أكل الربا فيقول سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة....) .فماذا على المؤمنين التائبين أن يفعلوا ؟! ( فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ....).
ثم يأتي تهديد الله عز وجل بمحق أموال المرابين ووعده سبحانه وتعالى بتنمية أموال التائبين فقال سبحانه وتعالى ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ....) . ثم يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بالتقوى وترك الأموال الربوية {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 2/278-279].
أما أولئك الذين أرادوا أن يستمروا في أكل أموال الربا والتعامل فيه فقد جاء إعلان الله عز وجل بالحرب عليهم فقال سبحانه وتعالى {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. وهذا سيد الخلق وحبيب الحق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم - الذي كان ولا يزال قدوة المؤمنين الذين آمنوا بالله واليوم الآخر- يقول: (( ألا إن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس وكل دم من دم الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب)).
ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، فالربا من الكبائر كالزنا وشرب الخمر ويدل على سوء الخاتمة كإيذاء أولياء الله الصالحين ولو أمواتاً فإنه سبحانه وتعالى لم يأذن بالمحاربة إلا فيهم.
وحرمة الربا تعبدية ولم يحل في شريعة قط لقوله تعالى ( وأكلهم الربا وقد نهوا عنه ) أي في الكتب السابقة.
الربا من الكبائر فكل من يقول إن الربا جائز فقد حلل الحرام ومن حلل الحرام متعمداً فهو كافر .
والربا لغة الزيادة قال الله تعالى ( وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) أي زادت ونمت.
وأما الربا شرعاً فهو عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما وسمي الربا عقداً لأن فيه تبادل الأموال، ومعنى على عوض مخصوص أي الأموال الربوية من ذهب وفضة وبر وشعير وغير ذلك، أما المقصود من عبارة غير معلوم التماثل أي بأن يكون أحد العوضين متفاضلاً مع العوض الآخر أو أنه مجهول التساوي معه، وأما قوله في معيار الشرع فهو المكيل في المكيلات والموزون في الموزونات، وأما قوله حالة العقد فلا بد للعوضين أن يكونا متساويين حالة العقد فلو كان العوض مجهولاً عند العقد فلا يجوز وإن كيل بعد العقد فخرج العوضان متماثلين لأن التماثل كان مجهولاً حالة العقد.
وأم المراد بالتأخير في البدلين أو أحدهما أي فيم لو كان العوضان متماثلين عند العقد لكن لم يتم التقابض في المجلس بين المتعاقدين والمراد بالتأخير كذلك اشتراط الأجل في العقد. وبعد شرح تعريف الربا نبين أن الربا على ثلاثة أنواع.(5/172)
النوع الأول هو ربا الفضل وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر كبعتك ديناراً بدينارين، وقد روى هذا التحريم البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا ُتشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض أي لا تفضلوا بعضها على بعض، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تشفوا بعضها على بعض (أي لا تفاضلوا ).
كما أنه لا عبرة للصنعة في هذا، كأن بيع خاتم ذهب ووزنه خمسة عشر غراما بخمسة عشر غراماً من الذهب ومائة ليرة للصنعة فهذا ربا، إذ لا عبرة للصنعة وإن ذلك سيؤدي إلى زيادة أحد العوضين وانتفاء التماثل، ومن هذا النوع ربا القرض وهو أن يشترط ما فيه نفع للمقرض وجعل من ربا القرض لأنه لما شرط فيه نفع للمقرض كان بمنزلة أنه باعه ما أقرضه بما يزيد عليه، كأن قال مقرض لمقترض أقرضتك ألف ليرة على أن تعيدها إلي بعد شهر ألفاً و خمسين فكأنه باعه ألف ليرة بألف وخمسين ليرة فأشبه البيع مع زيادة أحد العوضين.
وأما النوع الثاني فهو ربا اليد وهو البيع مع تأخير العوضين أو أحدهما كأن بيع مال ربوي بمال ربوي فيه نفس العلة دون أن يشترط لذلك أجل بنفس العقد، ولكن يحصل التأخير في قبض البدلين أو أحدهما عن مجلس العقد بالفعل والدليل على تحريم هذا النوع الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء. وكلمة هاء هي اسم فعل أمر بمعنى خذ، والمراد أن يعطي كل من المتعاقدين ما بيده من العوض فيحصل التقابض في المجلس كبعتك هذا المدَ بهذا المدِ وأسلمك المد الذي بيدي ثم تسلمني المد الذي بيدك ويتم التقابض في المجلس.
أما إذا تم تأخير تسليم العوضين أو أحدهما عن مجلس العقد فإن ذلك هو ربا اليد.
وأما النوع الثالث من أنواع الربا فهو ربا النَساءِ وهو البيع لأجل والنساء معناه التأخير وهو بيع مال ربوي بمال ربوي آخر فيه نفس العلة إلى أجلٍ
ومثاله: بعتك عشرين غراماً ذهباً بعشرين ذهباً وأسلمك العشرين بعد يومين.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال مثلاً بمثل و يدا بيد سواءً بسواء.
وبعد أن استعرضنا نصوصاً واضحةً من القرءان الكريم والسنة المطهرة في تحريم الربا وبينا أنواعه الثلاثة وهي :
- ربا الفضل
- ربا اليد
- ربا النساء
فلا بد أن نتعرف على الأشياء التي يحصل فيها و يتحقق الربا.
فالربا لا يكون إلا في الذهب والفضة ولو غير مضروبين وفي المطعومات لا في غير ذلك.
والمراد بالمطعومات ما قصد لطعم تقوتاً أو تفكهاً أو تداوياً كما يؤخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ِمثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد. فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد . أي مقابضة، فقد نص الحديث الشريف على أن الربا إنما يكون في الذهب والفضة وإن كانا غير مضروبين كحلي وتبر وسبائك أي ولو كان الذهب أو الفضة مكسراً ويطلق على الذهب والفضة اسم النقدين وإنما يكون الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة ويعبر عنها بجوهرية الأثمان غالباً، وهي منتفية عن العروض. وأيضاً نص الحديث الشريف على البر والشعير والمقصود منهما التقوت فألحق بهما ما في معناهما كالأرز والحمص والذرة والماء العذب فإنه مطعوم قال الله تعالى (ومن لم يطعمه فإنه مني) وأيضاً نص الحديث الشريف على التمر والمقصود منه التفكه والتأدم فألحق به ما في معناه كالذبيب والتين، وأيضاً نص الحديث الشريف على الملح والمقصود منه الإصلاح فألحق به ما في معناه من الأدوية كالزعفران والزنجبيل وحب الحنظل والكزبرة. فالملح لإصلاح الطعام والأدوية لإصلاح البدن.
أما المطعومات الخاصة بالبهائم فقط فلا ربا فيها كالحشيش والتبن.
أما ما اشترك فيه البهائم والآدميون ففيه الربا وإن أكلته البهائم كثيراً.
أما الطعام المشترك بين الآدميين والبهائم ففيه التفصيل الآتي
فالمطعوم المختص بالآدميين وما يغلب اختصاصهم فيه وما يستوي فيه الآدميون وغيرهم ففيه الربا، أما ما يختص بغير الآدميين وما يغلب في غير الآدميين فلا ربا فيه.
أما التفكه فالمراد به ما يؤكل للالتذاذ به كالتحلي بحلوى لا أكل الفاكهة وبعد أن تعرفنا على الأجناس الربوية التي نص عليها الحديث الشريف فلا بد أن نتعرف على كيفية بيع بعضها ببعض وبيع بعضها بغيره.
والمراد بالجنس كل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة، فهم جنس واحد فالذهب في كل أنواعه يعتبر جنساً واحداً والحنطة في كل أنواعها تعتبر جنساً واحداً وكل ما يتفرع عن الأصل يعتبر جنسا تابعاً لأصله فالبرغل والطحين يعتبران جنساً واحدا ًتابعاً لأصليهما وهو البر. فإذا بيع ربوي بجنسه ُشرِطَ لصحة البيع ثلاثة أمور حلول و تقابض قبل تفرق ومماثلة يقيناً ومعنى الحلول أي لا يصح بيع جنس ربوي بجنسه ديناً، وأما التقابض ففي المجلس ، ولا بد من المماثلة يقيناً وتكون المماثلة فيما يكال كيلاً ويوزن وزناً وهذه الأمور الثلاثة أخذناها من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الوَرِقَ بالوَرِقَ ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إن كان يداً بيد) . فلا بد من المماثلة يقينا في البدلين كيلاً في المكيلات كمد بمد ووزنا في الموزونات كرطلٍ برطلٍ وعدداً في المعدودات كخمسة بخمسة.
والجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، فلو بيعت صبرة[1]حنطة بصبرة أخرى لا يعلم قدر كل منهما فهذا ربا ولو علم تساويهما بعد ذلك، لأن الجهل بالمماثلة سبق البيع فالجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة أي كبيع مد بمدين وهذا حرام لكن لو بيع مدان من هذه الصبرة بمدين من تلك الصبرة جاز وذلك للعلم بالتماثل حالة البيع.
والتفصيل في مسألة المكيل والموزون أنه إذا كان المبيع أصغر من تمرة فمكيل وإن كان أكبر من تمرة فموزون، أما إذا كان مثل التمر فبعادة بلد المبيع حالة البيع، وقال أبو يوسف من الحنفية: المعتبر هو العرف مطلقاً وفي هذا رفع للحرج.
وإذا بيع ربوي بربوي غير جنسه واتحدا علة كبر بشعير وذهب بفضة شرط حلول و تقابض قبل التفرق لا مماثلة. فإذا بيع مد قمح بمدي شعير أو بيع مائة غرام من الذهب بألف غرام من الفضة فهذا جائز وذلك للاختلاف في الجنس، كمشتقات أصول مختلفة الجنس وخلولها وأدهانها ولحومها وألبانها أي أن حكم مشتقات الجنس كحكم أصولها، فلو بيع طحين قمح بطحين شعير يشترط الحلول و التقابض فقط كأصلهما تماماً، وكذا في الخلول و الأدهان واللحوم والألبان والبيض فيباع خل العنب بخل التمر متفاضلاً بشرط الحلول و التقابض فقط، وكذا بقية مشتقات الأصول المختلفة لاختلاف الأجناس واتحاد العلة.
والعلة إما أن تكون علة طعم كما في البر والشعير وإما أن تكون علة ثمنية كما في الذهب والفضة، وخرج بمختلفة الجنس متحدته كمشتقات أنواع البر فهي جنس واحدٌ أي لا يجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة لعدم تأتي المماثلة، أما إذا بيع جنس ربوي بجنس ربوي مختلف مع الجنس الآخر في العلة كبيع طعام بذهب أو بيع طعام بثوب أو بيع ثوب بثوب لم يشترط شيء من الشروط الثلاثة السابقة للاختلاف في الجنس والعلة، فالطعام علته الطعم والذهب علته الثمنية.(5/173)
وتعتبر المماثلة في الثمر والحب واللحم بجفاف لها والثمر هو العنب والتمر والحب هو الحنطة والشعير وما يلحق بهما من ذرة وأرز وعدس فلا يصح بيع الحبوب بعضها ببعض رطبة بل لا بد من الجفاف وكذا الثمار واللحم فلا يصح بيع رطب برطب أي ولا بجاف أي لا يصح بيع رطب بجاف وكما لا يصح بيع حنطة رطبة بحنطة رطبة ولا يصح بيع شعير رطب بشعير رطب كذلك لا يصح بيع حنطة رطبة بحنطة جافة ولا شعير رطب بشعير جاف فلا بد من المماثلة في الثمر ولا بد من المماثلة في الحب ولا بد من المماثلة في اللحم ويعتبر كل ذلك بجفافها. وقد استثنى النبي من ذلك بيع العرايا ولكن بشرط أن لا يزيد المبيع عن خمسة أوسق، فيقول البائع للمشتري بعتك الرطب على النخيل بتمر على الأرض، ولا بد من تقدير المماثلة حالة الجفاف، وقدرة الخمسة أوسق بسبع مائة وخمسين كيلو غرام وجاء في مشروعية ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن أبي حتمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العَرِيَةِ أن تباع بخرصها[2] يأكلها أهلها رطباً، وفي حديث آخر يرويه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا لخمسة أوسق أو دون خمسة أوسق والأصل في ذلك سؤل النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا نعم فنهى عن ذلك. رواه الترمذي وغيره وصححه .
وفيه إشارة إلى أن المماثلة تعتبر عند الجفاف وألحق بالرطب فيما ذكر طري اللحم فلا يباع بطريه ولا يباع طري اللحم بقديده من جنسه.
فبيع 10ك.غ لحم بقر طري بـ10ك.غ لحم بقر قديد لا يصح .
لكن صح أن يباع قديده بقديده بلا عظم ولا ملح يظهر في الوزن فبيع 10ك.غ لحم قديد بـ10ك.غ لحم قديد بلا ملح أو عظم يظهر في الوزن فإنه يصح.
ويمتنع بيع بر ببر مبلول وإن جف أي لا يصح بيع بر مسلوق ببر مسلوق وإن جف كبيع الفريكة بالفريكة وبيع البرغل بالبرغل فإنه لا يصح وإن جف فلا تكون المماثلة فيما يتخذ من حب كدقيق وخبز فلا يباع بعضه ببعض ولا حبه به للجهل بالمماثلة بتفاوت الطحين في النعومة و الخبز في تأثير النار ويجوز بيع ذلك بالنخالة لأنها ليست ربوية فلا يجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة ولا يجوز بيع الخبز بالخبز لأن الخبز أثرت فيه النار كما أن الماء في الرغيف الأول يختلف عن الماء في الرغيف الثاني ولا يجوز بيع حب الحنطة بطحين الحنطة للجهل بالمماثلة ويجوز بيع ذلك بالنخالة لأنها ليست ربوية تقول السيدة عائشة أول بدعة دخلت في الإسلام النخل وقد ثبت الآن علميا فوائد النخالة فيصح بيع النخالة بالحنطة مفاضلة وتكون المماثلة في دهن السمسم فيجوز بيع دهن السمسم بدهن السمسم متماثلاً ولا يجوز بيع دهن السمسم بحب السمسم لعدم المماثلة، وتكفي المماثلة في العنب أو الرطب عصيراً أو خلاً فيجوز بيع عصير عنب بعصير عنب وعصير الرطب بعصير الرطب وكذا خل العنب بخل العنب وخل الرطب بخل الرطب لكن لا بد من المماثلة لأن ما ذكر حالات كمال وكعصير العنب والرطب عصير ثائر الفواكه كعصير الرمان وعصير قصب السكر وتعتبر أي المماثلة في لبن لبناً بحاله (أي لم يخالطه الماء) أو سمناً أو مخيضاً صرفاً أي خالصاً من الماء ونحوه ويجوز بيع بعض اللبن ببعض سواء فيه الحليب وغيره ما لم يغلى بالنار، ويجوز بيع بعض السمن ببعض، واللبن يطلق على الحليب فلا يجوز بيع حليب مخلوط بماء بحليب آخر لوجود الماء في الحليب كذلك لا يجوز بيع سمن فيه نوع من اللبن بسمن آخر، ويصح بيع المخيض بالمخيض و المخيض هو ما نزع زبده أي يباع المخيض بالمخيض الصرف والسمن بالسمن ما لم يخلط السمن باللبن. فلا تكون المماثلة في باقي أحواله كجبن و أقط ومصل وزبد لأنها لا تخلو عن مخالطة شيء فالجبن يخالطه الأنفحة[3]، والأقط يخالطه الماء ،والمصل يخالطه الطحين، والزبد لا يخلو عن قليل مخيض، فلا تتحقق فيها المماثلة فلا يباع بعض كل منها ببعض فبيع لبن بلبن يصح وبيع لبن بحليب يصح أما بيع جبن بجبن فلا يصح ، ولا يصح بيع مصل بمصل ولا يصح بيع أقط بأقط و الأقط هو ما يتخذ من اللبن المخيض ثم يطبخ ثم يترك، والمصل ما سال من ماء الأقط إذا طبخ فلا يباع المصل بالمصل، ولا يباع الزبد بالزبد، لأنها لا تخلو عن مخالطة شيء فلا يباع كل منها ببعض لعدم تحقق المماثلة ، ولا تكفي المماثلة فيما أثرت فيه نار كنحو طبخ وقليً وشيٍ وعقد ودبس فلا يباع بعضه ببعض للجهل بالمماثلة باختلاف تأثير النار قوة وضعفاً فلا يباع لحم مشوي بلحم مشوي ولا لحم مقلي بلحم مقلي ولا يباع معقود بمعقود ولا يباع دبس بدبس
ولا يضر تأثير تمييز ولو بنار كعسل وسمن مذاب عن الشمع واللبن فيباع بعض كل منهما ببعض حينئذ لأن نار التمييز لطيفة أما قبل التمييز فلا يجوز ذلك للجهل بالمماثلة إذا يصح بيع العسل بالعسل والسمن بالسمن ولو أتهما عرضا على النار لأنه لا بد من ذلك لحصول التمييز أي تمييز الشمع عن العسل وتمييز السمن عن اللبن ويباع بعض كل ببعض حينئذ لأن نار التمييز لطيفة أما قبل التمييز فلا يجوز ذلك للجهل بالمماثلة.
وإذا جمع عقد جنسا ربوياً من الجانبين فاختلف المبيع جنساً أو نوعاً أو صفة منهما أو من أحدهما، بأن أشتمل أحدهما على جنسين أو نوعين أو صفتين أشتمل الآخر عليهما أو على أحدهما فقط كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين ودرهمين أو كمد عجوة وثوب بمثلهما أو بمدين وكجيد ورديء متميزين بمثلهما أو بأحدهما وقيمة الرديء دون قيمة الجيد كما هو الغالب فباطل.
إذا فإذا جمع عقد جنساً ربوياً من الجانبين و اختلف المبيع جنساً المد جنس والدرهم جنس آخر، فإذا بيع هذان الجنسان بمثلهما كأن بيع مد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم أو مدين كأن بيع مد عجوة ودرهم بمدين أو بدرهمين وكأن بيع مد عجوة ودرهم بمدين وهذه الصور الثلاثة السابقة في اختلاف الجنس فلا يصح، أما في اختلاف النوع كأن بيع مد عجوة برني ومد عجوة صيحاني بمثلهما أي مد عجوة برني بمد عجوة صيحاني أو بمدين كأن بيع مد عجوة برني ومد عجوة صيحاني بمدي عجوة صيحاني أو بمدين برنييين فلا يصح.
ومثال اختلاف الصفة كأن بيع دينار صحيح ودينار مكسر بمثلهما أي بدينار صحيح ودينار مكسر أو بدينارين كأن بيع دينار صحيح ودينار مكسر بدينارين صحيحين أو مكسرين، فلا يصح بيع تمر جيد ورديء بتمر جيد ورديء ولا يصح بيع تمر جيد ورديء بتمر جيد ولا يصح بيع تمر جيد ورديء بتمر رديء وقيمة الرديء دون قيمة الجيد كما هو الغالب فباطل، أما إذا كانت قيمة الرديء تساوي قيمة الجيد فإن البيع يكون صحيحاً.
كأن باع تمراً جيداً ورديءً ولكن قيمة الرديء تساوي قيمة الجيد بتمر جيد ورديء صح البيع.
وكذا لو باع مداً جيداً ومداً رديءً بمدين جيدين لأن قيمة الرديء تساوي قيمة الجيد فيصح كذا لو باع مداً جيداً ومداً رديءً بمدين رديئين صح كذلك إذا كانت قيمة الرديء تساوي قيمة الجيد والدليل على ذلك ما رواه مسلم عن فضالة بن عبيد قال أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها خرز والقلادة ذهب والخرز غير الذهب تباع بتسعة دنانير فأمر النبي بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال الذهب بالذهب وزنا بوزن وفي رواية لا تباع حتى تفصل.
و لو لم يشتمل أحد جانبي العقد على شيء مم اشتمل عليه الآخر كبيع درهم ودينار بصاع بر وصاع شعير أو بصاعي بر أو شعير وبيع دينار صحيح وآخر مكسر بصاع تمر برنياً و صاع معقلي أو بصاعين برني أو معقلي جاز.(5/174)
أما اذا كان الربوي تابعاً بالإضافة الى المقصود كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها فيصح.
ولا يصح بيع اللحم بالحيوان كأن بيع لحم شاة بشاة للنهي عن ذلك رواه الترمذي مسندا وأبو داوود مرسلاً بالنهي عن بيع الشاة باللحم رواه الحاكم والبيهقي وصحح إسناده.
وأخيرا إنما مر من تفصيل في الأحكام ليبين الفرق الطحين بين المسائل التي تتعلق بالربا ومقارنتها بالمسائل التي تتعلق بالبيع، وإن الساحة الاجتماعية اليوم لتشهد وللأسف بعضاً من أدعياء العلم يعودون الى الجاهلية الأولى فيبيحون التعامل مع المصارف الربوية على أنها مصارف عمل، وليس فيها إلا الربا و إلا الذي حاربه الله وحرمه، ويبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل.
وبدلاً من أن يظهر الدعاة خطورة الربا على الناس وعلى مجتمعاتهم راح بعضهم يبحث عن تسهيلات للمصارف الربوية وكأنه لم يسمع الى قول الله عز وجل وجوابه المسكت المخرس كما ورد في قوله تبارك وتعالى : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَِ " ( سورة البقرة : 275 )
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء.
و كأني بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يحذر أمته فيقول يا أمة محمد اجتنبوا كل جانب من جوانب الربا.
و إذا كان علماء المذاهب الأربعة قد اختلفوا في شرع من قبلنا أهو شرع لنا ؟!
فعند الإمام الشافعي شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، إلا إذا أتى ما يؤيده من كتاب الله عز وجل وأما الآخرون يقولون شرع من قبلنا هو شرعٌ لنا إذا لم يأت ما يخالفه؛ على كل حال وعلى القولين فقد ورد في كتاب الله عز وجل أن الربا كان محرماً على الأمم السابقة وحرم الله علينا الربا وهو شرع لمن قبلنا وهو شرع لنا، فلم يختلف أحد في مسألة تحريمه سابقاً أو لاحقاً، فالله عز وجل عندما أنزل تحريم الربا أمرنا بالتقوى فقال {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 2/278-279].. فالمؤمن الذي أمره الله بالتقوى لا يقرب من عقد الربا على الإطلاق، لما في هذا العقد من تجرد من القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة، وبناءاً على ما تم إيضاحة أخي المسلم الكريم من تفصيلات فقهية في جميع فروع الربا صغيرها وكبيرها يتبين لك زيف وبطلان ادعاء من يقول أن ربا البنوك مباح وهو ما يسمى بالفائدة في عصر قلبت فيه المصطلحات فسميت الخمر مشروبا روحيا و سميت الربا فائدة أو عائداً ربحياً و الرد على ذلك واضح يستطيع أي مسلم قد أولى دينه شيئاً من اهتماماته أو تعلم ما هو واجب عليه مما علم من الدين بالضرورة التي يجب على كل مسلم الإلمام و الاهتمام بها و الإحاطة بكل جوانبها فهي من ضمن أخطر القضايا التي يحارب الإسلام من خلالها ويتهم بالتخلف و الرجعية وعدم مواكبة العصر، وأنهم يزعمون استحالة وجود نظام اقتصادي دولي لا يقوم على الربا، فالأعداء الذين يمكرون بالإسلام والمسلمين في كل زمان و مكان يركزون و يضعون جُلَّ طاقاتهم من أجل تسويق النظام الربوي الى العالم، و يستخدمون شتى أساليب الخداع و الحيل من أجل ذلك، و من بعض هذه الأساليب إيجاد صنائع لهم يربونهم على أيديهم و يشترونهم عن طريق الأموال والمناصب ثم يضعونهم على منابر رسول الله ليتصدروا الإفتاء، كفتوى إباحة التعامل مع البنوك الربوية،وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المتفيهقين وحذر منهم في قوله (أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلين ) ويا للأسف نرى أنه خرج من بني جلدتنا ومن كليات شريعتنا أناس يفتون بإباحة الربا فيضلون السواد الأعظم من المسلمين لأنه لا يوجد من يرد عليهم جهاراً، لأنهم محميون بمزيد من الإرهاب الفكري فينخدع بهم كثير ممن لم يتفقه بأحكام الشريعة الغراء ويتبعهم أصحاب النفوس المريضة الذين يعتقدون أن أموالهم ستزيد بالربا وتنقص بالصدقات،زاعمين أن ما يقولونه وما يقدمونه من نظريات هو الحق وهو الحضارة و الانفتاح وأن ما عداه هو التخلف و التقوقع على أحكامٍ أكل الدهر عليها و شرب وليس ذلك .
فهؤلاء يريدون نسف النص ونسف الدين فقد خرجوا عما اجتمعت عليه الأمة سابقاً ومجمع الفقه الإسلامي لاحقاً من تحريمٍ للتعامل مع البنوك الربوية ولا نشك في أنهم منافقون يظهرون ولائهم للإسلام و أيديهم بأيدي أعداء الإسلام الذين يدعمونهم بالمال و المناصب والشهرة و قد أخرجوهم على أنهم فقهاء و مجددون ومستنيرون و يجعلون علماء الأمة سلفاً و خلفاً أنهم ظلاميون ومتخلفون وهذا أيضا ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أخاف عليكم كل منافق عليم اللسان ) فهؤلاء يَفُتُّون في عضد الأمة أكثر من ألف فاسق .
والحمد لله نحن المسلمين لا نستقي أحكامنا من رئيس المجمع الفلاني ولو كان أكبر مجمع إسلامي و لا الدكتور الفلاني ولا الشيخ الفلاني نحن نستقي أحكامنا من كتاب الله و سنة رسوله وإجماع الأمة، فالأمة معصومة بمجموعها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ).
وان ما تردد في الآونة الأخيرة هو ليس بجديد اذا علمت أخي القارئ أن أكثر من 90% من الاقتصاد العالمي هو بيد اليهود و إن أكثر من 99% من الاقتصاد اليهودي قائم على الربا، فتصور أن يتوقف أكثر من مليار مسلم أي حوالي سدس سكان الأرض عن التعامل مع البنوك الربوية فسوف يحدث ذلك ضربة قاصمة لليهود و أعوانهم.
فالنظام الربوي يجعل اليهود أكثر قوة في محاربة الإسلام و المسلمين، و يشكل دعماً قوياً للحملات التنصيرية في افريقية و جنوب شرق آسيا وهذا يشكل معولاً هداماً لبناء المسلمين و مجتمعاتهم من جراء النظام الربوي، وبهذا علمت أخي المسلم خطورة الأمر وفظاعته وعرفت لماذا أعلن الله الحرب على الربا وآكليه.
أخي المسلم عندما علمنا ما هي المضار التي يحدثها النظام الربوي فسوف نتسائل عن الحلول الاقتصادية، وهي كثيرة نوهنا الى كثير منها في التفريق بين مسائل الربا و مسائل البيع السابقة وإنك لتجد نظاماً اقتصادياً دقيقاً رحيماً كشركة المضاربة و المرابحة و البيع و الشراء المبنية على الرحمة بين الناس، بينما تجد أن النظام الربوي يزيد الفقير فقراً و يزيد الغني غنى على حساب إفقار الآخرين، و يبني الكراهية و الحقد بين الناس وما تراه اليوم من تصدع في البناء الاجتماعي وتردي في الأخلاق إنما هو نتيجة لهذا النظام البغيض الذي دبره اليهود بليل، ولهذا كان لابد من إيجاد مؤسسات اقتصادية يقيمها الغيارى على الدين والأخلاق والأعراض، تقوم على النظام الإسلامي الذي يجعل المرابحة بين الناس تقوية لشوكة المسلمين ورفعاً لشأن دينهم وإعزازاً لمجتمعاتهم بدلاً من أن يصبح المجتمع تبعاً ذليلاً لليهود وأعوانهم الذين يلهثون وراء جمع المال وتوظيفه في تقويض دعائم الإسلام.(5/175)
والمسلمون عن ذلك نيام ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإليك فتوى مفتي الجمهورية المصرية رحمه الله في تحريم فوائد البنوك عام 1989
[1] الصبرة (كومة) بمعنى كمية غير معلومة.
[2] بخرصها أي مقدرة بما يقابلها جاف
[3] الأنفحة هي خترة الجبن وهي
===============
مضار الربا
لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الأكارم :
لا زلنا في موضوع دقيق ألا و هو "الربا" لقد بينت لكم في الدرس الماضي، و هذا هو الدرس الثاني بينت لكم في الدرس الماضي أن تسعة أعشار المعاصي تأتي من كسب الرزق . واذكروا أنّ العلم نور و العلم حارس ، و الإنسان عليه أن يتفقه ، لأنه إذا تفقه عرف الحق من الباطل والخير من الشر و الحلال من الحرام ، لكن الدرس اليوم محوره مضار الربا، و قبل أن نتحدث عن مضار الربا لا بد من مقدمة قصيرة و هي : أن المؤمن الحق إذا علم أن كل أمر تلقاه عن الله عز وجل أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ثبت لديه أن هذا أمر الله و أن هذا أمر النبي عليه الصلاة و السلام فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تقنعه بالكف عن كل ما هو حرام ، لكن إذا بحثنا عن حكمة التشريع و عن مضار المعاصي و عن فوائد الطاعات فهذا من أجل الدعوة إلى الله بشفافية ووضوح ، المؤمن ما دام أن الله عز وجل قد أمره و نهاه، فالأمر والنهي علة كافية لاتباع الأمر و لاجتناب النهي ، لأن الأمر تنبع قيمته من قيمة الآمر ، و الآمر هو الله و الآمر هو الخالق ، على كل ليس هناك من مانع أن نبحث في الحكم ليزداد الإيمان قال تعالى:
(سورة البقرة )
ليس هناك من مانع أن نبحث في الحكم لنستطيع أن ندعوَ إلى الله لأن الدعوة المعللة التي تدعمها الأدلة و الشواهد الواقعية أجدى وأقوى ، فيمكن أن تأمر الناس بأمر الله عز وجل وأن تنهاهم عما نهى الله عنه أما حينما تقدم التحليل الدقيق و الفوائد العظيمة المترتبة على طاعة الله عز وجل و النتائج الخطيرة التي تنتج من معصية الله عز وجل فهذا من شأنه أن يقنع الناس بأحقية هذا الدين .
وبعد ، فمضار الربا أيها الإخوة أكثر من أن تحصى كما بينت لكم في درس سابق ، فالمعصية يكبر حجمها إذا كبر خطرها هناك صغائر و هناك كبائر . فكلما ازداد الخطر الذي ينتج عن المعصية يزداد حجم المعصية ، وكلما قل الخطر الذي ينجم عن المعصية يقل حجم المعصية ، فما من آية بالقرآن الكريم وما من معصية ذكرت في القرآن الكريم توعد الله مرتكبيها بحرب من الله ورسوله كمعصية الربا ، المعصية الوحيد التي توعد الله مرتكبها بحرب من الله ورسوله هي معصية الربا ، لماذا ؟ لأن هذه المعصية لها آثار سيئة في المجتمع بأكمله، يعني مجتمع بأكمله يمكن أن يضطرب ، يمكن أن يدمر ، يمكن أن ينسحق من خلال هذه المعصية الخطيرة التي تفشت بالعالم كله .
أول نتيجة خطيرة من نتائج معصية الربا ، أن الربا يمنع من إنشاء المشروعات المفيدة للمجتمع، والإنسان بالأساس يريد أن يستثمر ماله ليأخذ منه عائداً يعود عليه ، فهذا الاستثمار إما أن يكون في مشروعات نافعة وإما أن يكون عن طريق الربا .
الأصل أن المال إذا ولّدته الأعمال فهذه مشروعات بناءة ومفيدة وتعود بالخير على المجتمع كله، أما المال إذا ولده المال فقط فهذا هو الربا .
الربا : يعني أن المال يولد المال من دون أعمال ، أما الأعمال إذا ولدت المال ، فهذا يشير إلى أن صاحب العمل الذي ولد المال استفاد وكذلك المجتمع استفاد .
أيّ مشروعٍ زراعي ، أيّ مشروعٍ صناعي ، أي مشروع تجاري ، أي مشروع خدمات مع أن أصحابه يربحون لكن هم يطرحون خدماتهم أو بضائعهم أو منتجاتهم على تنوعها في المجتمع وإذا طرحت هذه المواد أو تلك المنتجات أو هذه الخدمات انخفضت الأسعار وهذه قاعدة صحيحة ، والشواهد كثيرة جداً ، عندنا قاعدة وهذه القاعدة أشرت إليها في الدرس الماضي تصور مخروطاً ومحوراً . هذا المخروط هو مؤشر الأسعار ، والدوائرمتعاقبة وأوسع دائرة في القاعدة ثم تصغر هذه الدوائر إلى أن تتلاشى في القمة ، الدوائر تمثل الشرائح المستفيدة من هذه السلعة أو هذه المادة المُنتَجة أو هذه الخدمة ، والمحور يمثل ارتفاع السعر ، وكلما ارتفع السعر ضاقت شريحة المستفيدين منه ، وهذه قاعدة ذهبية .
توافر المواد يخفض سعرها ، وإذا انخفض السعر اتسعت شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عم الرخاء ، هناك بعض المواد حينما كانت ممنوعة كان سعرها مضاعفاً فلما سُمح باستيرادها وأصبحت مبذولة بين أيدي الناس انخفض سعرها إلى النصف .
الإنسان حينما يوظف أمواله في مشروعات إنتاجية يسهم بشكل أو بآخر بخفض الأسعار ، والأسعار إذا انخفضت اتسعت شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عم الرخاء .
فلو أن إنساناً أسس مشروعاً بقرض ربوي هل يستطيع أن يبيع سلعته بسعر يساوي سعر مشروع أسس من دون قرض ربوي ، سؤال دقيق ؟ فهذان مشروعان بحجم واحد ، في اختصاص واحد ، بسلعة واحدة .
مشروع أسس بقرض ربوي بحسب التكاليف وأحد هذه التكاليف الفائدة ، وَضَعَ التكاليف ووضَع هامشَ ربحٍ وطرحَ السلعة في السوق .
المشروع الثاني القرض حسن غير ربوي ، وضعَ التكاليف ووضَع هامش الربح وطرحَ السلعة في السوق أيّ السلعتين أعلى سعراً ؟ سلعة المشروع الربوي . هذا بشكل مبسط.
أيّ مشروع بني على قرض ربوي يطرح سلعه بأسعار مرتفعة ، الربا من هذه الزاوية يسهم برفع السعر وإذا أسهم برفع السعر قلت نسبة المنتفعين وإذا قلت نسبة المنتفعين اضطر المنتج أن يخفض إنتاجه ، انظروا إلى هذه الحلقة المفرغة ، انخفض الإنتاج .
هناك قصة ترويها كتب الاقتصاد ، الكساد الخطير الذي كان في عام ألف وتسعمئة وثمانية وثلاثين والذي كان في أوربا ، طفل صغير كادَ يموت من البرد سأل أباه : أين الفحم يا أبتِ ؟ فوالده فصل من عمله لماذا ؟ لأنه يوجد كساد بالفحم في المناجم ولا يوجد بيع فاستغنوا عن العمال ، فلما سأل الابن أباه لماذا لا يوجد عندنا فحم ؟ قال يا بني لكثرة الفحم ، ليس عندنا فحم نتدفَّأ به لوفرة الفحم في المعامل ، فالفحم متوافر لأنَّ سعره مرتفع فصار كساد وصارت بطالة ، والذي ترك عمله ليس في إمكانه أن يشتري فحماً يتدفَّأ به .
القضية خطيرة جداً قضية قوانين اقتصادية ، هذا المحور المخروط ؛ انتبهوا إليه ، كل شيء يرفع السعر يضيق دائرة الاستفادة ، والمشكلة أنّ الدائرة إذا ضاقت يقل الإنتاج والبضائع تتكدس في المستودعات ويخفضون الإنتاج وإذا خفض الإنتاج استغنوا عن العمال ووقعت بطالة.(5/176)
أخطر شيء في الربا أنه يصرف الناس إلى استثمار أموالهم بطريقة الربا المريحة ويبعدهم عن استثمارها بالمشروعات الناجحة هذا أول شيء ، كانوا قبل سنوات عديدة يقيسون قوة الدولة الاقتصادية بمدى التغطية الذهبية لعملتها الورقية وهذا المقياس أصبح فاسداً ، أما الآن فالقوة الاقتصادية في أمة هي القدرة على الإنتاج ، إذا كان عندها منتجات وتصدر أكثر مما تستورد فهذا البلد أو هذه الأمة قوية ، إذاً الربا يسهم في صرف الأموال لا إلى مشروعات إنتاجية نافعة، بل إلى الاستثمار عن طريق الفائدة وهذا يسهم في رفع الأسعار وفي قلة المستفيدين من منتجات زراعية أو صناعية أو خدمات وهذا يؤدي إلى البطالة .
أحد العلماء الاقتصاديين في العالم الغربي يقول : إن ارتفاع سعر الربا يجعل الناس كسالى .
تصور إنساناً لا يعمل ، يستيقظ الساعة الثانية عشرة ظهراً ، لأن أمواله مستثمرة في مشروع ربوي وربحه ثابت لا يهمه نزول مطر أو لا . ويقول بلا مطر أفضل ولا يهمه كساد ولا يهمه رواج ، لا يهمه تقدم الأمة ، فربحه ثابت ، لذلك أقسى قلب هو قلب المرابي أو الذي يستثمر ماله عن طريق الربا لأنه لا يوجد عنده مشكلة .
أما المزارع ؛ فقد أقسم لي بعضهم أن بعض المزارعين حينما هطلت الأمطار انهمرت مع الأمطار دموعهم فرحاً بهذه الأمطار ، ترى المزارع متعلقاً برحمة الله ، التاجر يشتري البضاعة ويقول : يا جبار تخرج من أعماق قلبه ، مرة قلت لتاجر هذا القماش جميل فقال لي : ليس القماش جميل ولكن الذي يباع هو الجميل .
المرابي بما أن ربحه ثابت ودخله لا يهزه شيء ، لا قحط السماء ولا كساد البضاعة ولا قانون ولا شيء آخر ، فقلبه قاسٍ .
فلو فرضنا أنك ممنوع بمجتمع مسلم أن تستثمر مالك إلا في الأمور الإنتاجية ، وأنك ممنوع عليك استثمار المال بالربا ، فعندئذ ليس لديك إلا منفذ واحد وهو المشاريع ، وكل مشروع يعين على الرخاء ويعين على توافر الحاجات ، لأن أصحاب المال استثمروا أموالهم في مشاريع نافعة ، دمشق تعاني أزمة مواصلات حادة جداً يقول المواطن : انتظرت ساعة ولم أجد سيارة ، هذه الأموال الضخمة التي استثمرت بالنقل ، هذه الحافلات الصغيرة أصحابها ربحوا أو لم يربحوا ، لكنَّهم حلوا مشكلة وأصبح تنقُل الناس ببساطة وسهولة ، قال لي واحد : على بعض الخطوط مئتان وسبعون حافلة وإذا اصطفت وراء بعضها تملأ الخط بكامله ، ، عندما المال يستثمر في مشروعات إنتاجية أو خدمات يعم الخير على الناس كلهم، تكاد تكون أزمة المواصلات حلت في دمشق نهائياً عن طريق هذه السيارات ، تصوروا أصحاب هذه السيارات لو أخذوا أموالهم ووضعوها في بنوك أجنبية وجاءتهم الحوالات كل شهر بالعملة الصعبة وأنفقوها على حاجاتهم الشخصية من دون أن يشعروا أن لهم علاقة فالأزمة تزداد إحكاماً.
المال إذا ولد المال عم الشقاء والأعمال إذا ولدت المال عم الرخاء ، عندنا خياران : إما أن تستثمر هذا المال بالطرق الربوية وإما أن تستثمرها بالمشاريع الإنتاجية ، تقول لي : أعمال العِمارة جيدة ، وتاجر العمار يقدم بيوتاً للناس وكلما كان متجاوباً مع حاجاتهم أفاد واستفاد ، والشابُ يحتاج إلى غرفتين ويريد أقل سعر ممكن ، وأنا أرجو الله عز وجل أن يتجه تجار البناء إلى إنشاء وحدات سكنية صغيرة جداً تلبي حاجة الشباب الفقراء يعني بأقل تكلفة ممكنة ، إنشاء مشاريع سكنية وإنشاء مشاريع زراعية وتجارية ومشاريع صناعية ومشاريع خدمية ، كلّها تنهض بالأمة ونحن عندنا قاعدة يجب الأخذ بها ، لا يجوز أن يلد المال المال ، والمال لا يولد إلا من خلال الأعمال ، وإذا اتجه المال إلى أن ينمو من خلال الربا والفوائد تعطلت الأعمال وقلّت الخدمات وقلت السلع وقلت المنتجات وارتفعت الأسعار وانقسم المجتمع إلى طبقتين طبقة تملك ولا تعمل وطبقة تعمل ولا تملك ، طبقة عاطلة عن العمل وهي طبقة المرابين وطبقة تعمل ولا تملك و كل جهدها لا يكفيها قوت يومها ، لذلك الأجانب حكموا عقولهم وقالوا : إن ارتفاع سعر الربا يجعل الناس كسالى في مهنهم ويصيرون مرابين . أما انخفاض سعر الربا فإنه يتيح فرصة لتطوير الأعمال والصناعة والزراعة وينفخ الروح في صناعتنا الميتة .
مفكر غربي لا علاقة له بالقرآن ولا بالربا ولا بالتحريم لكن من زاوية موضوعية رأى أن الربا إذا عم المجتمع أوقعنا في شر أعمالنا .
أحد الشيوخ العلماء يقول : إذا جرى نمو المال عن طريق الربا أفضى إلى ترك الصناعات و الزراعات التي هي أصول المكاسب ، فلدينا بديلان إما أن تستثمر المال عن طريق الربا ، ويتخلف فينا كل شيء ، وإما أن تستثمره عن طريق مشاريع نافعة فنرقى جميعاً بها .
الإمام الفخر الرازي يقول : الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنّه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب وذلك لأن صاحب الدراهم إذا تمكن عن طريق عقد الربا من تحصيل الدراهم الزائدة نقداً أو نسيئة خف عليه اكتساب المعيشة فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة الشاقة .
والإنسان إذا كان غير مؤمن فليس معقولاً أن يبذل جهداً شاقاً ويتحمل مخاطر شديدة حتى يربح بالمائة خمسة عشر أو عشرين في حين أنّ أيّ بنك أو أيّ مصرف في بعض الدول الأجنبية يقدم له هذا الربح نظير إيداع أمواله عنده ، ثم يقول لك أأنا مجنون لكي أعمل ، أجل ؛ هكذا يقول .
المجتمع الذي تثمَّر أمواله عن طريق الربا مجتمع متخلف بينما المجتمع التي تثمر أمواله عن طريق المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية مجتمع متطور ومجتمع ينمو ، والقاعدة كلما توافرت السلعة انخفض سعرها وإذا انخفض سعرها كثر المنتفعون بها وإذا كثر المنتفعون بها عم الرخاء في المجتمع وفي القرآن الكريم آيات دقيقة قال تعالى {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر
المال أخطر ما فيه أن يتجمع في أيدٍ قليلةٍ ، ويمكن أن نقول إذا تجمعت الكتلة النقدية بين أيدي الناس ولا أعرف كم هي ، قد تقول لي خمسة آلاف مليون أو أكثر، والرقم كبير جداً فالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية تطغى لكن هذه الكتلة إذا كانت موزعة في أوسع شريحة فنحن بخير ، أما إذا تجمعت في أقل شريحة فالشقاء يعم ، أمن العدل انّ واحداً يملك مليوناً ومليون لا يملكون واحداً ، وهذا سبب كل المشكلات والاضطرابات والثورات وأعمال العنف .
حدثني أخ كريم يعمل في الأمن الجنائي أنه مع ضيق المكاسب وقلة الأعمال ارتفعت نسبة الإجرام إلى عشرة الأمثال تقريباً ، والعالم الغربي يعاني أخطر ما يعاني من البطالة ، بأرقام دقيقة جداً خمسة ملايين أو عشرة ملايين إلى درجة أن النسبة بالمائة ثلاثَ عشرةَ من القوى العاملة بلا عمل بسبب استثمار الأموال عن طريق الربا .
أما إذا استثمرت عن طريق المشروعات عم الرخاء ، وهذه أول نقطة ، المال إما أن تستثمره عن طريق الربا أو عن طريق المشاريع الإنتاجية ، في الحالة الأولى يؤدي الربا إلى تخلف الأمة وبالحالة الثانية تتقدم الأمة عن طريق الرخاء الاقتصادي .
بعض علماء الغرب يقول : إلغاء نظام الربا يوسع نطاق الاستثمار .(5/177)
الشيء الثاني أن الربا أحد أسباب البطالة وهذه أشرت إليها في الدرس الماضي ، فلا تتصور مشروعاً تجارياً أو صناعياً إلا وآلاف المصالح متعلقة به ، عندك محل صغير فلا بد من فواتير إذاً فلا بد من مطبعة و المطبعة تحتاج إلى خطاط والخطاط يريد زنغوغراف والمطبعة تحتاج إلى ورق ، فلا بد من الاستيراد والمستورد يريد محاسباً والمحاسب يحتاج قرطاسية والقرطاسية... عمل متسلسل ، عندما أنت تقيم مشروعاً يجب أن تُشغّل عشرات الألوف وأنت لا تدري فأنت مضطر أن تشتري حاجات ، وخدماتٍ ، تريد شاحنة والشاحنة لها من يصلحها من حين إلى آخر وتحتاج زيتاً وقطع غيار والذي يصلحها لك عنده موظفون يعطيهم معاشات ، فالدولاب إذاً دائم الحركة .
ذات مرة قلت لكم إنه لفت نظري شخصان في مكان ، أحدهما صاحب معمل تطريز ، قال للآخر : بعنا السنة الماضية بيعاً مذهلاً ، فسأله : ما السبب ؟ قال له : كانت أمطارٌ غزيرة في الحسكة و في الجزيرة ، وهو يصنع قماش تطريز و هذا بيعه قليل جداً ، و لكن لأن الإنتاج الزراعي وفير جداً فالفلاح عندما اغتنى اشترى لزوجته أقمشة من الدرجة العالية ، إذاً الحركة عبارة عن عجلة إذا دارت فكل شيء يدور معها ، فأول أضرار الربا أنه يسهم في البطالة ، المرابي لا يوجد عنده غير حركة واحدة أن يضع المال بالمصرف و يأخذ إيصالاً و يقبع في بيته ، لا يريد محاسباً و لا يريد شاحنة و لا يريد مطبعة و لا يريد فواتير ولا يريد أي شيء آخر ، حينما أودع ماله في المصرف و قبع في بيته يتقاضى الفوائد وقد يقول لك و الله : الحمد لله عندي دخل أعلى من حاجتي بكثير ، و هناك نقطة هامة ، هي نقطة خطيرة جداً وهي : أن الإنسان عندما يعمل يحقق وجوده ، والقابع في بيته تجده في خلاف مع زوجته ، وكل يوم هناك عراك طوال النهار ، تطلب منه مغادرة البيت ، وأن يتغيب عن المنزل لتتفرغ للعمل من دون تدخلاته ، فالعمل يحقق ذات الإنسان وعندئذ كل إنسان يأخذ دوره الحقيقي بالمجتمع .
إذاً الربا يسهم في انتشار البطالة وهناك أرقام مخيفة في بريطانيا فعدد العاطلين عن العمل ثلاثة ملايين شخص بنسبة أربعة عشر بالمائة من مجموع العمال ، طبعاً هذه الإحصاءات كثيرة جداً والآن الغرب يعاني من مشكلات كثيرة ، وأسبابها :
أولاً ـ الربا .
وثانياً ـ حلول الآلة محل الإنسان .
فمثلاً كنا لكل نول نريد عاملاً يراقبه . وبالآلة تم الاستغناء عن آلاف العمال .
حدثني أخ كان بفرنسا قال لي مائة نول تراقبها كاميرا تلفزيونية واحدة فإذا كان في معمل ألف نول ، عوضاً عن ألف عامل يكفي خمسة عمال و مراقب على الشاشة فقط ، وكذلك التقدم التكنولوجي الحديث جداً ساهم بالبطالة ، يقولون إن أحد الكتاب عمل عملاً فنياً أدبياً مفاده أن التقدم العالي جداً في الصناعة له منعكس اجتماعي خطير ساهم بالبطالة أيضاً ، أيْ بما أن كل شيء يحل عن طريق أجهزة التحكم الآلية فلم يعد هناك دور للإنسان ، فإنسان خارج الفضاء مثلاً وعاد بعد ألفي سنة فيجد الأمر تبدل تبدلاً جذرياً . كل شيء عن طريق الآلة و الإنسان لم يعد له عمل ، فنحتاج إلى موظفاً من بني البشر فيتقدم ملايين يأخذون شخصاً واحداً ، والباقي ينتحرون مللاً ، فالعمل يحقق وجود الإنسان . و من دون عمل تفسد حياة الإنسان أي أنّ الفراغ أحد أسباب الفساد الفكري و الخلقي .
إذاً الربا يسهم أيضاً في البطالة الاجتماعية ، و البطالة خطيرة جداً والفراغ خطير بالنسبة للشباب وإذا كان الآباء قد أكرمهم الله بأبناء صالحين ، فالابن الصالح أحد أسباب صلاحه انهماكه في عمل أو دراسة ويكون وقته مليئاً أما إذا كان بلا عمل أو بلا دراسة فهذا الفراغ أحد أسباب الفساد ، والربا بشكل أو بآخر يسهم بفساد الإنسان ، والعاطل إنسان فاسد ، بالمناسبة لكي لا أتجنى على بعض الإخوة ، فكل إنسان يطلب علماً دينياً أو غير ديني فهذا ليس عاطلاً والذي يطلب العلم هذا إنسان عامل من أعلى درجة ، فطلب العلم أعلى درجة ، فإذا كان إنسان لا يعمل لكنه يدرس أو يطلب العلم لا يجوز أن يسمى هذا عاطلاً أبداً .
النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه شريك يشكو شريكه طالب العلم ، قال له : لعلك ترزق به.
عندنا شيء آخر أن الربا يسبب شقوة المقترضين لحاجاتهم الشخصية ، أنت عندك حالان وأنت بحاجة للمال ، فلديك طريق رحماني وطريق شيطاني ، الطريق الرحماني أساسه القرض الحسن والطريق الشيطاني أساسه القرض الربوي ومع انتشار القرض الربوي تضعف همة الناس للقرض الحسن ، أول كلمة يقولها لك : أمعقول أن أجمد مالي ؟
كلما انتشر القرض الربوي تضاءل القرض الحسن ، فالقرض الربوي عرّفوه : أنه يساعد المدين كما يساعد حبل المشنقة على إنهاء حياة هذا الإنسان ، كلما مضى يوم يدفع فقط الفوائد لا غير ويبقى الدين كما هو وهذه المشكلة تعانيها الدول الصغيرة مع الدول الكبرى فلو كانت قروضها كلها ربوية فإنك ترى خلال عشر سنوات أوعشرين سنة يسددون فقط الفوائد وأصل القروض ثابت ، إذاً الناس يطلبون المساعدة عن طريق الربا ، وهذا القرض لا يساعد بل يسحق ، لأن المطلوب أن يوفي أصل الدين وعليه أن يوفي الفوائد المركبة والإنسان بالأساس فقير وحَمَّلْته فوق طاقته ، فقد تقترض مائة ألف وتجد أربعين ألفاً فوائدها وقَّع العقد على مائة وأخذ ستين ، انتفع بستين وعليه أن يدفع المائة ، فلو أراد أن يعمل بها عملاً صار رأس ماله قليل والمطالب كثيرة جداً ، فالقرض يسبب شقاوة للمقترض وليس مساعدةً له ، لذلك تجد في بعض البلاد ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمثل هذا ، يعني هناك مؤسسات للإقراض الحسن ، مؤسسة للزكاة والإقراض الحسن والقرض له فائدة كبيرة جداً وليس كل إنسان يأخذ مساعدة ، بل قد تجد إنساناً له قيمته وكرامته وعزته لا يحتاج إلا إلى قرض حسن أما القرض مع فائدة ففوق طاقته ، يجب أن يسدّد ، أصل الدين والفوائد المركبة . أما القرض الحسن فيحل مشكلة كبيرة جداً ، لذلك نرى القرآن الكريم شَجّع على القرض الحسن وعدّه عملاً صالحاً وشدد على القرض الربوي وعدّه معصية كبيرة .
في بعض بلاد شرق آسيا الفلاح يولد الإنسان وهو مدين ويعيش وهو مدين ويموت وهو مدين لأن القروض كلها تتنامى بفوائد مركبة ، فولد مديناً وعاش مديناً ومات مديناً .
المرابي كأنه مصاص الدماء يأخذ دماء الناس وتعبهم وعرقهم وكل جهدهم ولا يكفي ذلك كله لسداد ما عليهم .
قرأت في الجاهلية قبل الإسلام أحياناً كانت تصل نسبة الربا إلى ألف وثلاث مائة بالمائة، ثلاثة عشر مِثلاً ، فالقرض الربوي أساسه الاستغلال والقرض الحسن أساسه الإحسان ، بين أن تستغل حاجة الناس وبين أن تحسن إليهم فبينهما مسافة كبيرة جداً .(5/178)
ابن القيم وهو من كبار العلماء المجددين يقول : الربا جلي وخفي فأما الجلي فربا النسيئة وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيد في المال وكلما أخر زاد في المال حتى تصير المائة آلاف مؤلفة وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج ، فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر بزيادة ما يبذله له تكلف لذلك ليفتدي من أثر المطالبة والحبس ويدافع من وقت إلى آخر فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوداته ، لذلك قال الله تعالى : يمحق الله الربا . إن الفوائد قد تستغرق كل الممتلكات وكل شيء تملكه فيربو المال على المحتاج من غير نفع يجنيه ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، المستقرض سُحق ومص دمه والمرابي سَحق ماله ومُحق من دون أن يفعل خيراً فيأكل مال أخيه بالباطل ثم يمحق ، ويقع أخوه في غاية الضرر ، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أنه حرم الربا .
لا تستغرب أحياناً أجر القرض الحسن عند الله سبحانه ؛ لا يقل عن أجر الصدقة ، لأن القرض الحسن له أصحابه والصدقة لها أصحابها فالذي لا يقبل صدقةً تُحل مشكلته بالقرض الحسن .
الإمام الفخر الرازي يقول : السبب في تحريم عقد الربا أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض .
مادام يوجد قرض بفائدة فلا تجد معروفاً بين الناس ، لأن الذي يأخذ فائدة على قرضه شعر أنه كسب ، أما الذي يقرض قرضاً حسناً فإن كان ضعيف الإيمان شعر أن ماله تجمد بلا فائدة .
فكلما شاع القرض الربوي قل القرض الحسن ، شاع الاستغلال وقل الإحسان وشاع التحكم وقل التواصل ، شاعت القسوة وقل التراحم وربنا عز وجل قال إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، وإذا رآنا يقسو بعضنا على بعض إذاً نحرم رحمة الله عز وجل .
الربا إذا حُرِّم هذا قول الفخر الرازي : الربا إذا حُرِّم طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله ، ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان .
بالمناسبة هناك موضوع حساس فقد شاع بالبلد الاستثمار بنسب ثابتة ، وهذه تشبه الربا تماماً يعطيه مائة ألف ويقول له أريد عليها ثلاثة آلاف بالشهر ، تحت كلام لا نريد حسابات ومشاكل وكل اثني عشر شهراً يتقاضى ستة وثلاثين ألفاً ، يا ترى الذي أخذ هذا المبلغ ربح ستة وثلاثين بالمائة ، إذا ربح السبعين بالمائة فممكن أن يكون مرتاحاً بالدفع وإذا ربح ستين بالمائة أعطى أصحاب الأموال أكثر مما ربح ، وإذا ربح ستةً وثلاثين صار خادماً مجاناً .
أيها الإخوة الكرام :
القضية خطيرة ومنتشرة جداً حتى إن أناساً يصلون ورواد مساجد ، يقول أريد على المائة ألف ثلاثة آلاف بالشهر ، ويرفض ألفين وخمسمائة مثلاً .
هذا هو الربا ، النسبة الثابتة ، فأي استثمار للمال بنسب ثابتة يلتقي مع الربا تماماً ، أحياناً بشكل آخر يقول لك : أنا أريد أن أشتري بيتاً وأملك نصف ثمنه فيأخذ قرضاً من شخص يساوي نصفه الآخر ويعدّه مؤجراً ويعطيه على القرض مبلغاً ، الصورة عقد إيجار لكنه عملياً ربا متى يصح أن تعطي إنساناً مائة ألف وتساهم معه في شراء بيت وتأخذ أجرة ؟ هذا البيت لو صار ضمن مشروع تنظيمي وأموالك ذهبت لأنك أنت مالك ، وكذلك لو صارت مشكلة والأسعار هبطت ومبلغك قَلَّ ، أما أنت تريد مبلغك كما هو وتريد أن تأخذ عليه أجراً في هذه المدة ، الصورة عقد إيجار أما الحقيقة عقد ربوي ، وكلكم يعلم أنه في بلاد كثيرة أن المرابين يأخذون شكلاً آخر ، المرابي في دولة تمنع الربا يضع سجادة على باب المحل أي إنسان مقترض للربا يقول له : أتبيعني هذه وهناك عبارة مشهورة أتبيعني هذه السجادة بألف ، يقول له: بعتك إياها ، أتبيعني إياها ديناً يقول له : بعتك إياها ، يكتب في دفتر الذمة من فلان ألف ليرة ثمن سجادة وانتهى العقد ، ثم يقول له : أتشتريها مني بثمان مائة يقول له : اشتريتها ويعطيه ثمنها نقداً .
ما الذي حصل ؟ دفع الثمان مائة وسجلت ألفاً ، فهذا عقد ربوي ، أما في الصورة فسجادة تباع شكلاً وتشترى وهماً.
خالق الكون ألا يعرف هذا ؟ أتنطلي عليه هذه الحيلة وأحياناً تكون الحيلة على شكل صندوق شاي ومرة على شكل سلعة ما ، لا يوجد غيرها يبيعها باليوم مائة مرة ، يبيعها ديناً ويسجلها ويشتريها نقداً ويدفع ثمنها ، ففي دفتر الحسابات سجل ألفاً ودفع صاحبه ثمان مائة ، وهذا عقد ربوي .
الإنسان حينما يسلك سبيل الحيلة الشرعية فهذا إيمانه بالله صفر لا يعرف الله أبداً ولكني أقول لكم وأكرر : أكثر شيء شائع بين المسلمين وبين رواد المساجد الاستثمار بنسب ثابتة وهذا يلتقي مع الربا تماماً من دون شك.
واستئجار البيوت ؛ ساعدته في شراء بيت وأخذت أجرة إلى حين أن يوفيك القرض فهذه الأجرة هي فائدة في الحقيقة ، أما إذا ساعدته في شراء بيت وكتب باسمك وأخذت أجرة فهذا حلال وبعد أن ينتهي وبعد حين يمكنك أن تبيع حصتك بسعر السوق ، أو أن البيت إذا صدر بحقه قرار تنظيم وصار مستملكاً ونزل سعره أو غلا سعره وأنت مالك والمالك ضامن ، فلك ذلك .
والإمام الفخر الرازي يقول أيضاً : إن الفقراء الذين يشاهدون أنه أُخذتْ أموالهم بسبب الربا يلعنون المرابي ويدعون عليه .
شيء طبيعي جداً المال شقيق الروح ، وكل إنسان أخذ من أموالك فوق طاقتك تلعنه وتتمنى دماره ، أما الذي أعانك بقرض حسن تدعو له ، شتان بين من يدعو لك وبين من يدعو عليك . شتان .
وهناك من يقول : إن الربا أحد أسباب الحروب بين الدول ، القروض الربوية التي أرهقت كاهل بعض الدول الفقيرة هي سبب حروب طاحنة و سفك دماء كثيرة ، إذاً ، اجتماعياً ، الربا يجعل تقاطع الصلات بين أفراد المجتمع ، ويسبب البطالة ويسهم في غلاء الأسعار ويحرم البلاد قيمة المشاريع الإنتاجية ولهذه العلل كلها : البطالة والغلاء والعداوة وعدم إعمار الأرض ، لهذه الأسباب كلها حرّم ربنا جل جلاله الربا ، قال تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (275) سورة البقرة
الملخص أن المال لا ينبغي أن يلد المال والأعمال وحدها هي التي يمكن أن تلد المال وبهذا تتوزع الكتلة النقدية بين أفراد المجتمع جميعاً ويعم الرخاء وتنهض الأمة وما هذا الوعيد الخطير في القرآن الكريم للمرابين إلا بسبب أن الربا يعم ضرره الأمة كلها ويؤدي هوانها وذلها .
والحمد لله رب العالمين
============
دراسة فقهية تعترض على فتوى مجمع البحوث الإسلامية في إباحة الفوائد البنكية (1 ـ 2)(5/179)
قبل الدخول في مناقشة مضامين الفتوى يجب ان نحدد محل النزاع والخلاف أو مناط الحكم في الفتوى، فإن الفتوى قد خلطت بين محل الوفاق والخلاف ولم تحرر مناط الحكم، فليس الخلاف في تحديد الربح مقدما منفصلا عن غيره، بل الخلاف في ضمان واشتراط الربح، وفي ضمان رأس المال، وفي صفة يد البنك على المال هل هي صفة امان أو ضمان، واذا قيل بأن البنك وكيل فما هي الآثار المبنية على هذه العلاقة؟ هذا ما كان الواجب جعله محور واساس الفتوى لتكون الفتوى سليمة من الناحية المنهجية العلمية. بعد هذا نبدأ بمناقشة هادئة علمية فقهية للفتوى.
أولاً: عنوان الفتوى «استثمار الاموال في البنوك التي تحدد الربح مقدماً»: العنوان يوحي بأن محل الخلاف في تحديد الربح مقدما وكأن الاستثمار ذاته حلال مفروغ منه، وعناصر السؤال المتعددة اغفلها العنوان، وصحة العنوان ان يكون «حكم استثمار الاموال في البنوك التقليدية» ليشمل عناصر السؤال، وما اذا كان الربح محددا مقدما أو غير محدد. ويشمل البنك الذي يحدد الربح مقدما والذي لا يحدد لئلا يكون للعنوان مفهوم مخالف.
ثانياً: السؤال: «إن عملاء بنك الشركة المصرفية العربية الدولية يقدمون اموالهم ومدخراتهم للبنك الذي يستخدمها ويستثمرها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدما في مدد يتفق مع العميل عليها، نرجو الافادة عن الحكم الشرعي لهذه المعاملة». رئيس مجلس الادارة توقيع الدكتور حسن عباس زكي وقد أرفق مع الخطاب نموذجا لمستند التعامل الذي يتم بين المستثمر والبنك، ونص هذا النموذج كالآتي:
* البنك الشركة المصرفية العربية الدولية
* التاريخ: / /2000م
* السيد/
* حساب رقم:
* تحية طيبة وبعد:
نحيط سيادتكم علما بأنه قد تم تجديد رصيدكم طرفنا وقدره 100000 جم (فقط مائة ألف جنيه مصري لا غير) عن الفترة من 2002/1/1 حتى 2002/12/31 بعائد 10% سنويا والعائد قدر 10000 جنيه مصري.
اجمالي المبلغ + العائد في تاريخ الاستحقاق.
110000 جنيه مصري.
المبلغ الجديد مضافا اليه العائد حتى 2002/12/31.
110000 جنيه مصري.
* المناقشة: وتتناول السؤال ذاته والجدول المرفق مع السؤال:
أ ـ كان من الواجب ان يحرر المجمع محل السؤال، ولا يمكن اصدار حكم مع هذا الاجمال، فينبغي ان يستفصل ويستفسر المجمع عن بعض الامور التي لا يكتمل الجواب والفتوى الا بها وهي: ما هي صفة البنك القانونية حين يستلم اموال العملاء، هل هو مقترض او مضارب أو وكيل، ومحل هذا السؤال ودواعيه ان معرفته هي مناط الحكم ومبناه، اذ من المعلوم ان تسلم البنك الاموال انما هو على صفة الاقتراض.
الاستفسار عن المقصود بعبارة الاستخدام والاستثمار وفي معاملاته المشروعة. ما هي هذه الاستثمارات التي وصفها البنك بأنها مشروعة؟ ولفظ مشروعة هذا حكم شرعي يصدره السائل، وهو مصادرة على الحكم والفتوى، فالبنك لا يملك وصف افعاله من الناحية الشرعية، والا فلا محل للسؤال ابتداء. وما الفرق بين الاستخدام والاستثمار، هل المراد ان البنك يستخدم هذه الاموال في شؤونه الادارية، ومقار عمله، والاستثمار شيء آخر.
ب ـ الجدول المرافق للسؤال لا يطابق السؤال، ولا يكشف عن مضمونه فمضمون السؤال: استثمار الاموال اي ان هناك مجالات استثمار محددة، ومعاملات وصفها بالمشروعية، والجدول يتضمن شيئا آخر، وكان من المفروض ان يثير تساؤلات بديهية فإن الجدول صيغة بنكية ربوية صريحة، تحمل الجواب على ان البنك لا صلة له بالاستثمار، الا الاستثمار النقدي الربوي حيث يلد النقد النقد، وهذه واضحة في الجدول لا تحتاج الى عميق نظر.. فالعميل اودع مبلغ 100000 جم (مائة الف جنيه مصري) لفترة من 1/1/2002 حتى 31/12/2002 اي بعائد 10% سنويا، وتم حسابه باجمالي المبلغ + العائد في نهاية السنة ليصبح 110000 جنيه مصري. فالجدول ربوي صرف غاية ما فيه تسمية الفوائد بالعوائد، والعبرة للمعاني لا للألفاظ كما هو متفق عليه عند أهل العلم.
* ثالثاً: الفتوى ومناقشتها فقرة فقرة:
أ ـ الفقرة الأولى: «الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية الدولية ـ أو مع غيره من البنوك ـ ويقومون بتقديم اموالهم ومدخراتهم الى البنك ليكون وكيلا عنهم في استثمارها في معاملاته المشروعة، مقابل ربح يصرف لهم، ويحدد مقدما في مدد يتفق مع المتعاملين عليها».
لقد تضمنت هذه الفقرة ثلاثة أمور: أولها: انها ضمت للجواب، بالاضافة الى البنك السائل، بقية البنوك، وثانيها: وصف البنك بأنه وكيل عن عملائه، وثالثها: وصف استثماراتها انها في معاملات مشروعة. ونتناول هذه الثلاثة وخاصة الثاني والثالث منها محل الاشكال ومحزه. أما الامر الاول: وهو تعميم الحكم ليشمل مع البنك السائل غيره من البنوك الربوية. وهذا يفيد انه لا خصوصية للبنك السائل وان كان مسماه قد يوحي باختلاف عن البنوك وانه قد يستثمر في غير المعهود في استثمارات البنوك. فالتعميم قطع بأنه بنك مثل غيره من البنوك لذا كان الحكم واحداً.
أما الأمر الثاني: اضفاء صفة الوكيل على البنك وهذا هو مناط الفتوى فإذا استقام استقامت الفتوى في هذه الجزئية وهي اساسية جدا، وهي التي تكشف عن التكييف الشرعي لصفة البنك. صفة الوكالة هذه لا تصح البتة، لأن الفقهاء مجمعون على ان الوكيل يعمل لمصلحة وبتوجيه الموكل، وللموكل ان يعفيه ويقيله من الوكالة، لأن الوكالة عقد جائز غير لازم، ويد الوكيل على المال يد أمانة لا يضمن الخسارة وتلف المال الا اذا ثبت تعديه أو اهماله وتقصيره تقصيرا لا يحدث من امثاله. ثم ان الوكيل اما ان يعمل في مال موكله متبرعا أو بأجر، وان كان بأجر فيلزم تحديد اجرته مبلغا مقطوعا، ويجيز بعض الفقهاء ان تكون أجرته نسبة من رأس المال، كما اجمعوا على ان ربح المال في يد الوكيل كله للموكل، وخسارته التي لا يد للوكيل فيها على الموكل. وليس شيء من ذلك يصح في هذا العقد، فإن البنك يستثمر أموال العملاء بطريقته، ثم يعطيهم ربحا ـ حسب عبارة الفتوى ـ وهذا يعني ان ما زاد عن الربح المحدد كله للبنك ـ كما صرحت الفتوى في فقرة لاحقة ـ وهذا المقدار من الربح غير محدد، ولا يطلع عليه العملاء ارباب المال الموكلون، ثم ان البنك وهو الوكيل ضامن للخسارة بل ضامن صراحة لرأس مال الموكل وربحه المحدد مقدما. وهذا كله قلب لمفهوم عقد الوكالة رأسا على عقب، فلا يمكن البتة ان يكون هذا عقد وكالة، ولم يقل، ولا يقول احد عنده مسحة من فقه ان هذا عقد وكالة.
كما لا يصح ان يكون العقد عقد مضاربة، بحيث يكون البنك مضاربا بأموال العملاء، وهم ارباب المال، لأن شرط المضاربة المتفق عليه عند جميع الفقهاء: ان يكون الربح معلوم القدر، فيحدد نصيب المضارب من الربح، والباقي من الربح لرب المال. وان يكون الربح نسبة شائعة كالنصف والثلث والربع، فإذا شرط مبلغ معين مقطوع من الربح أو نسبة محددة من رأس المال بطلت المضاربة لأنها تؤدي الى احتمال قطع الشركة في الربح، لاحتمال الا يربح المضارب غير المبلغ الذي تم تحديده في عقد المضاربة. ثم ان هذا كله اذا وجد ربح من عمل المضارب، فإن لم يحصل الربح، يضع على المضارب جهده، ويضع على رب المال الربح، وإذا خسر المال فخسارته على رب المال، ولا يتحمل المضارب منه شيئا.(5/180)
وهذا كله غير متحقق في العلاقة محل النظر، فإن البنك هنا يضمن رأس المال كما يضمن الربح، ويتحمل المخاطرة والخسارة. فتكييف العلاقة على انها مضاربة بعيد كل البعد. وإذا بطلت المضاربة يبطل تكييف العلاقة بالشركة، اذ لا يصح ان يكون البنك شريكا مع العملاء، فإن الشركة تبطل باجماع الفقهاء متى ضمن احد الشركاء لغيره من الشركاء الربح لما يؤدي اليه من قطع الشركة في الربح ـ كما سبق ـ فلم يبق الا ان العلاقة بين البنك وعملائه ارباب المال الا علاقة اقراض واقتراض فالبنك مقترض اموالهم وهم مقرضون والمسمى ربحا أو عائدا هو نصيب ارباب العمل، وهو الفائدة الربوية المضمونة والمنسوبة لرأس المال والمدة. وهذا عين الربا، ربا الجاهلية الذي يربط فيه المقرض الفائدة برأس المال والمدة، فكلما زاد رأس المال أو المدة زادت الفائدة. وإذا كنا نتلمس سندا أو دليلا لتكييف العلاقة بالوكالة أو المضاربة أو المشاركة، فإنا لا نحتاج الى دليل على كونها علاقة قرض واقتراض، فهذا ظاهر من السؤال ومن الجدول المرافق له فكان من الواجب ان يقول المجمع : «ان هذه المعاملة محرمة لأنها تضمنت الربا الصريح بدليل الجدول المرافق للسؤال».
أما الأمر الثالث: وصف استثمارات البنك بأنها في معاملاته المشروعة. إن الفتوى لا تستقيم فقها حتى تبين ما هي هذه الاستثمارات البنكية المشروعة، وقد اصدر البنك هذا الحكم الشرعي، فوصف عمله بذاته بأنه مشروع، والفتوى قبلت هذا الوصف واقرته، ومن واجب المفتي ان يسأل عن طبيعة هذه الاستثمارات حتى ولو ظن انها فعلا مشروعة، فهي مشروعة في نظر المستفتي، فلا بد من الاستفصال عن طبيعتها ونوعها ليكون الحكم الشرعي على وفقها، فهي من مناطات الحكم التي لا تصح الفتوى دون تحريره. ولا يعقل ان أحدا من العلماء الافاضل، ومن بينهم ثلاثة من الفقهاء المتخصصين في الفقه والاصول لم يسأل عن طبيعة هذا الاستثمار. ولعلها لم تبين لأنه لا يمكن الا ان تكون استثمارات غير مشروعة، وهي التي لا يملك البنك غيرها بنصوص القوانين، سواء القانون المصري أو بقية قوانين البلاد العربية وغيرها التي تقر اعمال البنوك الربوية، وكلها تعتبر اموال العملاء قرضا على البنك ويجب ان يعطي عليه فائدة وهناك بعض نصوص القانون المصري فالمادة 726 من القانون المدني تنص على الآتي: «اذا كانت الوديعة مبلغا من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع عنده مأذونا له في استعماله، اعتبر العقد قرضا». وتنص المادة 301 من القانون رقم 17 لسنة 1999م على ان وديعة النقود عقد يخول البنك ملكية النقود المودعة، والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه مع التزامه برد مثلها للمودع طبقا لشروط العقد». وتحظر المادة 39 على «البنك التجاري التعامل في المنقول والعقار بالشراء والبيع أو المقايضة». كما تنص المادة 45 على انه: «يحظر على البنوك العقارية والبنوك الصناعية والبنوك الاستثمارية الاعمال المحظورة على البنوك التجارية».
وازاء هذه النصوص الواضحة فإن مقولة ان البنك يستثمر اموال العملاء في استثمارات مشروعة غير صحيح، ولو صح لم يسمح بها القانون، ولمنع هذه المعاملة وأوقع العقوبة على البنك المخالف لاختصاصه المحدد، وهو الاقراض والاقتراض فحسب.
ب ـ الفقرة الثانية: «هذه المعاملة بتلك الصورة حلال ولا شبهة فيها، لأنه لم يرد نص في كتاب الله أو السنة النبوية يمنع هذه المعاملة التي يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدما، ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) «سورة النساء الآية 29». أي: يا من آمنتم بالله حق الايمان، لا يحل لكم، ولا يليق بكم ان يأكل بعضكم مال غيره بالطرق الباطلة التي حرمها الله تعالى كالسرقة، أو الغصب، أو الربا، أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى، لكن يباح لكم ان تتبادلوا المنافع فيما بينكم عن طريق المعاملات المشروعة الناشئة عن التراضي الذي لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، سواء أكان هذا التراضي فيما بينكم عن طريق التلفظ أم الكتابة أم الاشارة أم غير ذلك مما يدل على الموافقة والقبول بين الطرفين.
ومما لا شك فيه ان تراضي الطرفين على تحديد الربح مقدما من الامور المقبولة شرعا وعقلا حتى يعرف كل طرف حقه.
هذه الفقرة تضمنت عدة أمور الاول: ان هذه المعاملة حلال لا شبهة فيها لأنه لم يرد نص في الكتاب أو السنة النبوية يمنع هذه المعاملة. والثاني: ان رضا الطرفين يكفي في وصف هذه المعاملة بأنها حلال والاستشهاد على صحة ذلك بالآية الكريمة.
الأمر الأول: ان هذه المعاملة حلال لا شبهة فيها لأنه لم يرد نص من الكتاب أو السنة النبوية يمنع هذه المعاملة. هذا مبني على صحة المعاملة، وان تكييفها وكالة صحيحة، وان الاستثمار قد تم في مجالات مشروعة، وهذا كله لم يصح بالبيان السابق. والقول الصحيح المدعوم بالأدلة السابقة يشير الى انها معاملة محرمة لا تختلف في شيء عن عمل البنوك الربوية في اعتبار المال قرضا واعطاء الفائدة المضمونة عليه. ولا يخفى ان اشد آية نزلت في كتاب الله هي في حرمة الربا وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة واجماع الامة على حرمة الربا وهو عينه الصورة المذكورة في السؤال والجدول المرافق له. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون)، (البقرة: 278 ـ 279)، وقال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)، (البقرة: 275)، ومن السنة احاديث كثيرة منها: ما رواه: جابر بن عبد الله الانصاري قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» وقال: «هم سواء» (مسلم 3/219) حديث رقم 1598. والربا اعظم ذنبا من الزنى لقوله صلى الله عليه وسلم: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية» (مشكاة المصابيح 90/2)، حديث صحيح كما قال الشيخ ناصر الدين الالباني).
وأما الاجماع فقد قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك ان أخذ الزيادة على ذلك ربا، وقال القرطبي: «اجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ان اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف ـ كما قال ابن مسعود ـ أو حبة واحدة» تفسير القرطبي 241/3» وهذه المعاملة بذاتها شكلا وموضوعا، وهو القرض الذي جر نفعا نظير الاجل هو ربا النسيئة المعروف في الجاهلية الذي نزلت الآيات بتحريمه، قال الامام الرازي: «ربا النسيئة هو الامر الذي كان مشهورا متعارفا عليه في الجاهلية، وذلك انهم كانوا يدفعون المال على ان يأخذوا كل شهر قدرا معينا، ويكون رأس المال باقيا، ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال، فإن تعذر عليه الاداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به «تفسير الرازي 92/4. وقال ابن قدامة: «كل قرض شرط فيه ان يزيده فهو حرام بغير خلاف».(5/181)
الأمر الثاني: وهو ان تحديد الربح أو العائد مقدما حلال ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة. فإن من المقطوع به فقها ان التراضي على المحرم لا يحل الحرام، ولو كان هذا القول صحيحا لانخرمت الاحكام، ولأصبح الزنا والفجور حلالا إذا تم بالتراضي. وهل كان ربا الجاهلية إلا بالتراضي كما قال الإمام الجصاص: «الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرضه على ما يتراضون به» أحكام القرآن 465/1. فتحديد الربح أو العائد ـ اي الفائدة ـ مقدما مع اشتراط ضمانها هو الربا المقطوع بحرمته، فكيف يحله التراضي، فالرضا محله العقود المباحة والجائزة الخالية من المحرمات.
وأما الاستشهاد بالآية على ان التراضي يحل المعاملة وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (النساء: 29). هذه الآية التي يستدل بها على الجواز، هي دليل منع إذ الآية هنا لها دلالة نص وظاهر، فهي نص في حرمة أكل أموال المسلمين بينهم بالباطل، وظاهر في حرمة الربا لأنه من أكل أموال الناس بالباطل قطعا، بل هو من أظهر أنواع أكل أموال الناس بالباطل.
والتجارة هنا هي التجارة الصحيحة التي لا باطل ولا ظلم فيها، ولا ريب ان التراضي على التجارة الحرام باطل، ولا يحل التراضي ما حرمه الشرع، ومعنى الآية: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» يعني: بالحرام الذي لا يحل في الشرع، وقوله: «إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم» هذا استثناء منقطع و«إلا» هنا بمعنى «لكن» والمعنى: لكن ان كانت تجارة أي أموال تجارة صادرة عن تراض منكم وطيب نفس فكلوها حلالا، فأكل الأموال بالتجارة جائز بالإجماع، ولأن التجارة ليست من جنس أكل المال بالباطل. فالتراضي ليس مطلقا كما أوردته الفتوى فنصت على: «ان يباح لكم ان تتبادلوا المنافع فيما بينكم عن طريق المعاملات الناشئة عن التراض «فالآية قاصرة هنا على التجارة التي فيها أكل الاموال لكن بالتراضي والربح الحلال، وليس كل معاملة دخلها الرضا فهي حلال، والتراضي في المعاملة محل الفتوى يحل حراما فهي خارجة عن موضوع الآية.
ج ـ الفقرة الثالثة: «ومن المعروف ان البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الارباح أو العوائد مقدما، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة لأحوال الاسواق العالمية والمحلية والاوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط ارباحها. ومن المعروف كذلك ان هذا التحديد قابل للزيادة والنقص، بدليل ان شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد 4% ثم ارتفع هذا العائد الى أكثر من 15% ثم انخفض الآن الى ما يقرب من 10%. والذي يقوم بهذا التحديد القابل للزيادة أو النقصان، هو المسؤول عن هذا الشأن طبقا للتعليمات التي تصدرها الجهة المختصة في الدولة».
إن صدر هذه الفقرة يفيد ان البنك يضمن الربح لعملائه، ولا يضيره ان يحدد لهم الربح المعين مقدما، لأنه يأمن الخطأ في التحديد ان يكون سببا لخسارة ما، فإن البنك مطمئن الى دراسته الدقيقة للاسواق المحلية والعالمية، وأوضاع المجتمع الاقتصادية. ثم ان البنك لم يحدد ربحا معينا مضمونا الا وهو ضامن ربحا أكبر، فيأخذ أموال العملاء قرضا، ثم يقرضها لبنوك أخرى بنسبة ربح أعلى مما ضمنه لعملائه وهذا شأن البنوك، وهذا مفهوم الاستثمار فيها، لا انها تستثمره في العقار أو المنقول او الاسهم او غير ذلك فإنه محظور عليها قانونا كما سبق البيان، بل عمل البنوك توليد النقود بالنقود، وقد نبه فقهاؤنا على خطورة اتخاذ النقود سلعة تباع وتشترى، فقال الشاطبي وغيره: النقود خلقت اثمانا وقيما للسلع ومتى استعملت سلعة دخل على الناس الفساد. النابهون من الاقتصاديين اليوم يؤكدون هذا المعنى الاقتصادي الدقيق فالبنك انما يتحصل على الفائدة لعملائه وله ايضا عن طريق بيع النقود والمضاربة الربوية فيها بالاقراض والاقتراض.
والقول بأن تحديد البنك قابل للزيادة والنقص، هذه العبارة تشعر بمناقضة الفقرة السابقة التي يحدد فيها البنك الفوائد تحديدا دقيقا. وهي عبارة توهم بأن الربح متغير وهي سمة التجارة المشروعة، وليس المراد ذلك قطعا فإن البنك يحدد لكل عملية ربحها المحدد المضمون الثابت الذي لا يزيد ولا ينقص، ولكن المراد ان الزيادة والنقص في العقود المختلفة وفي ازمنة مختلفة فهي تزيد وتنقص تبعا للظروف والزمان والاحوال. والبنك المركزي هو الذي يتدخل ويفرض نسبة الفوائد التي قد تختلف من وقت لآخر وفق معطيات اقتصادية وسياسية مختلفة.
د ـ الفقرة الرابعة: «ومن فوائد هذا التحديد ـ لا سيما في زماننا هذا الذي كثر فيه الانحراف عن الحق والصدق ان في هذا التحديد منفعة لصاحب المال، ومنفعة ايضا للقائمين على ادارة هذه البنوك المستثمرة للاموال» فيه منفعة لصاحب المال، لانه يعرفه حقه معرفة خالية من الجهالة، وبمقتضى هذه المعرفة ينظم حياته. وفيه منفعة للقائمين على ادارة هذه البنوك، لأن هذا التحديد يجعلهم يجتهدون في عملهم وفي نشاطهم حتى يحققوا ما يزيد على الربح الذي حددوه لصاحب المال، وحتى يكون الفائض بعد صرفهم لاصحاب الاموال حقوقهم، حقا خالصا لهم في مقابل جدهم ونشاطهم، هذه الفقرة تركن الى الدليل الاضعف وهو بناء الحل على المنافع والمصالح، والمقرر عند علماء الاصول ان شرط الاخذ بالمصلحة وبناء الحكم عليها اذا لم تصادم نصا، وقد اجمع الفقهاء والاصوليون على ان المصلحة لا تقدم على النص عند التعارض ـ ومن قال بخلافه وهو الطوفي، فقول شاذ لا يخرق الاجماع ـ ولذا كانت المصالح المصادمة للنصوص غير معتبرة، وما بني عليها باطل، وكانت الفائدة الربوية وان كان فيها مصلحة للمرابين الا انها مال خبيث لا يحل، ولا يعتبر طريقا من طرق الملكية ولذا لم تجب الزكاة في الفائدة الربوية لخبثها، ومن قال ان الربا فيه مصالح حقيقية، بل الصحيح ان مصالحه موهومة بل هي مفاسد حقيقية. ولذا سماه الله ظلما فقال تعالى: «وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون» (البقرة: 279)، فالزيادة على رأس المال ربا وظلم، يقول الامام ابن تيمية: «الربا فيه ظلم محقق لمحتاج، ولهذا كان ضد الصدقة، فإن الله لم يدع الاغنياء حتى اوجب عليهم اعطاء الفقراء فإن مصلحة الغني والفقير في الدين والدنيا لا تتم إلا بذلك، فإذا اربى معه فهو بمنزلة من له على رجل دين فمنعه وظلمه زيادة أخرى، والغريم محتاج الى دينه. فهذا من اشد انواع الظلم، ويعظمه: لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكله وهو الآخذ، وموكله وهو المحتاج المعطي للزيادة، وشاهديه، لإعانتهم عليه «(القواعد النورانية 117).(5/182)
وإذا كان ربا الجاهلية ظلمه ظاهر على المقترض المحتاج للمال ضرورة، فيعجز عن السداد فيزداد عليه حتى يباع عليه ما يملك او يستعبد هو نفسه، فإن ربا البنوك في المعاملة محل الفتوى، الضعيف فيها هو المقرض المغلوب على امره الذي لا يستطيع ان ينمي امواله ويستثمرها، فيعطلها اذ يدفعها الى المقترض يتقوى بها على الباطل والحرام فيستثمرها في الربا وهذا ضرره ابلغ، فإن ضرر المدين المضطر على نفسه والظلم واقع عليه ابتداء، لكن ضرر البنك خاصة اكبر لأنه ضرر على المجتمع بأسره في تعطيل المال، وحرمان المجتمع من التنمية. ولا يخفى ان الظلم ظلم سواء من الدائن او المدين، فالبنك المدين هنا يظلم الدائن اذ يعطيه القليل فهذه الفائدة بحد ذاتها ظلم ومانحها ظالم، ثم يتحول بمال المدين الذي ملكه ليصبح دائنا قويا يأخذ اكثر مما اعطى، فضرره ثنائي مضاعف. ولقد بحت اصوات الاقتصاديين في التنبيه على اضرار الربا المدمرة للافراد والمجتمعات والدول وانها السبب الرئيسي في تباعد طبقات المجتمعات في المجتمع الواحد بين فئاته وبين الدول الغنية والفقيرة، حيث يكبل القوي الضعيف بالديون وفوائدها فيستغل خيراته ويستعبد اهله.
ولسنا هنا في معرض بيان آثار الربا ومساوئه على الفرد والاسرة والمجتمع والدول والاقتصاد العالمي برمته، فهذا قد خصصت له بحوث مطولة من علماء الاقتصاد قبل علماء الشريعة. والفتوى تشير بوضوح الى ان للبنك مطلق الحرية في استثمار المال كله لصالحه بعد ان يتفضل بالقليل لاصحاب الاموال، وتعلل الفتوى حل ريع هذا الاستثمار لاموال المودعين «بانه حق خالص لهذه البنوك مقابل جهدهم ونشاطهم» فكيف يكون هذا الظلم حقا وهو استغلال لأموال اصحاب الاموال؟ وكيف يكون حقا خالصا؟ وهو انما يستثمره في الحرام البين، لان من سطر هذه الفتوى ووافق عليها يعلم قبل غيره ان البنك انما يستثمرها في بنوك أخرى بطريق الربا لا غير.
هـ ـ الفقرة الخامسة: «وقد يقال ان البنوك قد تخسر فكيف تحدد هذه البنوك للمستثمرين اموالهم عندها الارباح مقدما؟ والجواب: اذا خسرت البنوك في صفقة ما فإنها تربح في صفقات أخرى، وبذلك تغطي الارباح والخسائر». هذه الفقرة تؤكد ان اصحاب الفتوى العلماء (حفظهم الله) يدركون ان البنوك ضامنة للربح لانها لن تخسر فان البنك ضامن ربحه في صفقته مع البنوك الأخرى، وعلى فرض الخسارة فإن البنك يوزع المخاطر فيعقد عدة صفقات مع بنوك أخرى. فالخسارة ان وقعت محدودة ونادرة. والارباح تغطي الخسائر لو وقعت، والصفقات المشار اليها معلوم لدى من يفتي بانها صفقات ربا لا ريب. اذ البنوك ممنوعة من اي صفقات في غير الربا. ولا تمتنع البنوك من اعطاء الفائدة لاصحاب الاموال. والا فالقضاء ينصفهم لان القضاء يعتبر الفائدة المحرمة حقا للمقرض وواجبا لا ينفك اداؤه عن المقترض.
و ـ الفقرة السادسة: «والخلاصة ان تحديد الربح مقدما للذين يستثمرون اموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك او غيرها حلال لا شبهة في هذه المعاملة فهي من قبيل المصالح المرسلة وليست من العقائد او العبادات التي لا يجوز التغيير او التبديل فيها. وبناء على ما سبق فان استثمار الاموال لدى البنوك التي تحدد كالربح او العائد مقدما حلال شرعا ولا بأس به».
هذه الفقرة تكرر المعاني السابقة فتقر بأن تحديد الربح او بالمعنى الصحيح اشتراط ضمان الربح حلال ما دام مبنيا على الوكالة الاستثمارية ـ المقصود الوكالة بالاستثمار ـ في البنوك او غيرها، وهنا يدخل في الفتوى غير البنوك من الشركات والمؤسسات المالية، واعتقد ان المراد هو البنك السائل وهو «بنك الشركة المصرفية العربية الدولية وغيره من البنوك» ولكن سرعة الصياغة ربما اوقعت في هذا اللبس غير المراد. وتؤكد الفقرة بأن هذه المعاملة حلال لا شبهة فيها. وهذا ايماء لوجود الشبهة، والا لا كتفى بأن المعاملة حلال، وتضيف الخلاصة دليلا آخر لم يسبق ذكره وهذا عيب في الفتوى ان تذكر دليلا في الخلاصة لا ذكر له في اصل ادلة الفتوى، ويحشر في الفتوى حشرا. وهو قول الفتوى بأن «هذه المعاملة من قبيل المصالح المرسلة» واظن ان من بين اعضاء المجمع الحاضرين ثلاثة من الفقهاء المختصين المتعمقين في الفقه واصول الفقه، وهم الوحيدون الذين اعترضوا على الفتوى. وهم يعلمون يقينا ما معنى المصالح المرسلة. ولا اظن ذلك يخفى ايضا على بقية العلماء الكرام. فالمصلحة المرسلة هي المصلحة التي لم يرد نص باعتبارها فينص على انها جائزة، ولم يرد نص بالغائها فينص على انها غير معتبرة وملغاة. وقد اوردت الفتوى نصا قرآنيا ادعت انه دليل اعتبار هذه المعاملة وهي قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم» فتكون مصلحة معتبرة لا مصلحة مرسلة بناء على هذه الآية. وقد بينا ان الاستشهاد في غير محله ولم يبق الا ان هذه المعاملة محرمة وهي من الربا، وهي حينئذ مصلحة ملغاة بالنص القاطع وهي اي من التحريم من القرآن واحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واجماع فقهاء الامة. فهي مصلحة يتحقق فيها شرط الالغاء، ثم ان عبارة «انها من قبيل المصالح المرسلة وليست من العقائد او العبادات التي لا يجوز التغيير او التبديل فيها» عبارة غير سليمة علميا، فإن العقائد والعبادات لا تقابل بالمصالح المرسلة، وانما تقابل بالمصالح المرسلة المصلحة المعتبرة التي ورد النص باعتبارها، والمصلحة الملغاة التي ورد النص بالغائها والمصلحة العامة والخاصة التي وردت النصوص باعتبارها، فمحل المصالح والمصالح المرسلة هو في المعاملات، ومن المعاملات المحققة للمصالح ما لا يجوز فيه التبديل او التغيير بادخال شروط او الغاء بعضها كعقد السلم والاستصناع والمضاربة ونحوها مما بني اصلا على المصالح. وانما العبادات والعقائد يمكن ان تقابل المصلحة بالمعنى العام، لان المصلحة تتغير بتغير الزمان والمكان، ولكنها وفق ضوابطها بألا تخالف نصا من الكتاب او السنة او الاجماع او القياس، والا تفوت مصلحة اكبر.
وبناء على ما سبق من هذا البيان المستقرئ للفتوى بالرد والتصحيح فإنه يسعنا القول: ان هذه الفتوى مردودة لمصادمتها نصوص الشرع القاطعة بحرمة الربا، وخرقها لاجماع الفقهاء قديما وحديثا وانها قول شاذ لا يدخل في باب الاجتهاد. اذ لا اجتهاد مع النص. وانها لا تستند الى تكييف او دليل شرعي، بل هي صريحة في ابتنائها على اقراض البنك واعطاء فائدة محددة مقدما ومضمونة ومنسوبة لرأس المال ويعيد البنك مع الفائدة رأس مال المقرض وهذا عين الربا المقطوع بحرمته نصا واجماعا. ولو لم يكن في هذه الفتوى الا شبهة للربا لبطلت اذ شبهة الربا ربا.
وتبطل هذه الفتوى بتضافر اجماع مجامع الفقه في هذا العصر بدءا بقرار مجمع البحوث الاسلامية وقد سبق ذكر فتواه والتي شارك فيها قرابة مائة وخمسين فقيها من خمس وثلاثين دولة، ومجمع الفقه الاسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي الذي يضم الدول الاسلامية كلها ممثلة بأبرز علمائها وبحضور زهاء مائة واربعين فقيها ومجمع الفقه برابطة العالم الاسلامي، وفيما يلي ذكر هذه الفتاوى، وتذييلها بفتوى فضيلة شيخ الازهر عينه ونفسه الشيخ محمد سيد طنطاوي. وكل هذه الفتاوى في الموضوع نفسه اقراض البنك ومنح البنك فائدة على هذا الاقراض.
جريدة الشرق الأوسط 04/02/2003
===============
الربا.. آثام وأضرار(5/183)
بناء النفس والأسرة، وبناء المجتمع والأمة لا يكون إلا باكتساب، ولا اكتساب إلا بعمل. والعمل لا يكون إلا بالتعامل مع الآخرين، سواء كان العمل والاكتساب مشروعاً أم غير مشروع، أخلاقياً أم غير أخلاقي.
وأحكام الإسلام لم تكن كنظريات الاشتراكيين التي ألغت الملكية الفردية، وقتلت أبناءها، وأدت بهم إلى العطالة والبطالة. وهي كذلك ليست رأسمالية تعطي الحرية المطلقة في الأموال ليسحق الأقوياء الضعفاء، ويكونوا بمثابة العبيد والخدم لهم، والعمال لديهم. كلاَّ! ليست أحكام الإسلام في التعاملات كذلك؛ إذ وازنت بين حق الفرد في الملكية الخاصة وبين حاجة المجتمع بما يحقق التقارب والألفة والأمن، فأعطت الفرد حق تنمية ماله بالكسب المشروع، ولم تحرمه من ابتكارات في التجارة ما دامت في حدود الحلال. وفي الوقت ذاته أغلقت تشريعات الإسلام منافذ الاستبداد المالي، والاحتكار التجاري، واستغلال الطبقات الفقيرة وحاجتها إلى المال، وفتحت أبواب الإحسان والقرض والصدقة، والمضاربة المشروعة.... إلخ.
وفي هذه المقالة عرض لبعض آثام الربا الشرعية، وأضراره الدينية والدنيوية؛ تلك الكبيرة من الذنوب التي عمت وطمت في العصر الرأسمالي، وتمت عولمتها قبل عولمة أي شيء آخر؛ إذ إن الربا انتشر في كل بلاد العالم انتشار النار في الهشيم منذ عشرات السنين، أي قبل أن يتحدث الناس عن العولمة.
ومع بالغ الأسف فإن انتشار هذه الجريمة النكراء هُوِّن وقعها على القلوب؛ حتى ألفتها فلم تعد تنكرها؛ بل صار الإنكار على من ينكرها في عصر أصبح الباطل فيه حقاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن كان يظن أن هذه الكبيرة المقيتة ستوجد لها المسوغات وتوضع لها المبررات؟ وممن؟! من شيوخ معممين يحملون أعلى الإجازات العلمية في الدراسات الإسلامية، ويتربعون على سدة مناصب الإفتاء في بلادهم.
وأضحت اليوم كثير من المعاملات المحرمة بالأمس تصنع لها المخارج الشرعية، وتتحول تدريجياً من دائرة الحرمة المغلظة إلى الأخف إلى المشتبه، إلى مسائل خلافية يجيزها بعض ويحرمها الأكثر، ثم العكس يجيزها الأكثر ويحرمها بعض، حتى يخفت صوت المُحرِّم لها شيئاً فشيئاً فتصبح حلالاً.
ولإقناع جمهور الأمة التائه في غابة تلك التعاملات التي تخرج لنا الآلة الرأسمالية كل يوم منها عشرات الصور، عمدت كثير من صروح الربا المشهورة التي تحاد الله ورسوله وتعلن الربا صراحة إلى إقناع الواقفين على عتباتها مترددين بفتاوى تجيز بعض أساليبهم وتعاملاتهم. تصورها وتوزعها وتعلقها على جدران الصرح الربوي الشامخ؛ وإنها لمهزلة أن يكون سند من يجاهر بحرب الله ورسوله فتوى خطتها أنامل من يدعو إلى الله تعالى وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم !!
أضرار الربا الشرعية:
1 الربا من معاملات اليهود والمشركين:
كان من أعظم أمور الجاهلية، وتعاملاتهم المالية ممارسة الربا وكسب الأموال عن طريقه؛ ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن إلغاءه على مسمع من الناس في حجة الوداع حينما خطبهم فقال: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ثم قال: وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا العباس ابن عبد المطلب فإنه موضوع كله"(1).
واليهود يتعاملون بالربا حتى كان أكلهم له سبباً من أسباب عقوبتهم كما قال الله تعالى : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما.
{النساء: 160، 161}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : "أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع الحيل وصنوف من الشبه"(2).
ولم يفارق اليهود عادتهم القديمة؛ فأباطرة الربا في هذا العصر وملاك كبريات مؤسساته ومصارفه هم من اليهود، وهم الذين أفسدوا اقتصاد العالم، ونشروا المعاملات المحرمة، وحطموا أسعار كثير من العملات، وأفقروا كثيراً من الشعوب.
فمن تعامل بالربا فقد تشبه بأعداء الله تعالى من المشركين واليهود، وكفى بذلك إثماً وخسراناً.
2 أنه محاربة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم :
جاء الزجر عن الربا في كتاب الله تعالى عنيفاً شديداً؛ إذ هو من الذنوب العظائم القلائل(3) التي وصف اقترافها بمحاربة الله ورسوله.
وإذا كان قطاع الطريق يحاربون الله تعالى بإشهار السلاح، وإزهاق الأرواح، واغتصاب الأموال، وترويع الآمنين، وقطع السبيل؛ فإن أكلة الربا يحاربون الله تعالى بدمار المجتمعات، والإفساد في الأموال مما يؤدي إلى الفساد في الأرض، وتوسيع الهوة بين الطبقات مما يلزم منه حدوث الجرائم وكثرة الخوف، وقلة الأمن.
إن أَكَلَةَ الربا لا يرفعون السلاح كما يرفعه قطاع الطريق، ولا يأخذون المال عنوة؛ ولكنهم يمتصون دماء الفقراء وهم يبتسمون لهم!! وينتهبون أموال الناس وهم يربتون على أكتافهم!!
إنها محاربة ماثلت في بشاعتها محاربة قطاع الطريق؛ ولكنها أوسع نطاقاً، وأكثر تنظيماً ومخادعة؛ ففاقت في انتشارها وقبحها رفع السلاح وانتهاب الأموال بالقوة؛ وقد قال الله تعالى محذراً منها: يا أيها الذين آمنوا \تقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين 278 فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون {البقرة: 278، 279}.
وويل ثم ويل لمن حارب الله تعالى وهو يمشي على أرضه، ويأكل رزقه، وينعم بفضله. قال ابن عباس رضي الله عنهما : "يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب"(1). وعنه رضي الله عنه قوله في معنى الآية: "فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله"(2).
وقال قتادة السدوسي رحمه الله تعالى : "أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون؛ فجعلهم بهرجاً أينما ثقفوا"(3) ويرى بعض المفسرين أن هذه الآية قد أومأت إلى سوء خاتمة أكلة الربا(4).
3 أن فيه كفراً لنعمة المال:
لم يكتف المتعامل بالربا بما رزقه الله من مال، ولم يشكر نعمة الله تعالى به عليه؛ فأراد الزيادة ولو كانت إثماً، فكان كافراً لنعمة ربه عليه؛ فمآل ماله إلى المحق ونزع البركة، كما قال الله تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم {البقرة: 276}. قال ابن كثير رحمه الله تعالى : "أي لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بآكل أموال الناس بالباطل"(1).
4 أن الربا مخل بالإيمان:
كل معصية تخل بإيمان العبد، وعلى قدر المعصية يكون اختلال الإيمان؛ إذ إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هو مذهب السلف الصالح وأتباعهم بإحسان، وقد قال الله تعالى في شأن الربا: وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين {البقرة: 278}، قال القاسمي رحمه الله تعالى : "فبيّن أن الربا والإيمان لا يجتمعان"(2).
ولذا كان المتعامل حقيقاً باللعن والطرد من رحمة الله تبارك وتعالى. قال جابر رضي الله عنه : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء"(3).
5 أنه من المهلكات للأفراد والأمم:
أما الأفراد فقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم الربا من التسع الموبقات(4)، ثم عده في السبع الموبقات(5) التي حذّر منها وأمر باجتنابها.(5/184)
وأما على مستوى الأمم فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله"(6) وكفى بذلك زاجراً عنه للأمم التي تود المحافظة على اقتصادها، وتخشى الكوارث والنوازل.
6 الربا أعظم إثماً من الزنا:
ورد في السنة النبوية أحاديث كشفت حقيقة تلك الجريمة النكراء، وأبانت بشاعتها وقبحها بما يردع كل مؤمن بالله تعالى والدار الآخرة عن مقاربتها بَلْهَ مقارفتها؛ ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم"(7).
وكذا حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"(1).
قال الشوكاني رحمه الله تعالى : "قوله: أشد من ست وثلاثين... إلخ" يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي؛ لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور، بل أشد منها؛ لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح"(2).
ومن نظر في هذين النصين وشواهدهما من السنة النبوية تبين له أن قليل الربا أعظم من كثير الزنا، مع ما في الزنا من فساد الدين والدنيا؛ حيث سماه الله تعالى فاحشة وساء سبيلاً، ونهى عن الاقتراب منه كما قال تعالى : ولا تقربوا الزنى" إنه كان فاحشة وساء سبيلا {الإسراء: 32}، وحرمت الشريعة الطرق المفضية إليه، وسدت الذرائع الموصلة له. وفيه خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها وأسرتها. ويؤدي إلى فساد الأخلاق، وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، وفشو الأمراض، وحصول الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسبة ابن زوجته الزانية وملاعنتها على ذلك، وربما حصل عنده شك في أولاده من زوجته قبل زناها إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي استوجبت أن يكون حد الزناة المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت. وحد غير المحصنين الجلد والتغريب، ورد شهادتهم ووصفهم بالفسق إلا أن يتوبوا، ومصيرهم في البرزخ إلى تنور مسجور تشوى فيه أجسادهم.
رغم ما تقدم كله فإن الدرهم من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية؛ فإذا كان هذا في درهم واحد فكيف بحال من يأكلون الألوف من الربا بل الملايين والمليارات؟!
وكم هي خسارة من أسس تجارته على الربا، ومن كان كسبه من فوائد الربا الخبيثة، ومن كانت وظيفته كتابة الربا، أو الدعاية له، أو حراسة مؤسسته؟!
وما هو مصير جسد ما نبت إلا من ربا، وأولادٍ ما أطعموا إلا من كسبه الخبيث وما غُذّيت أجسادهم إلا عليه، فما ذنبهم أن تبنى أجسادهم بالسحت؟
الصلة بين الربا والزنا:
إن المتأمل للحديثين السابقين وما في معناهما يجد أن ثمة علاقة وثيقة بين جريمتي الربا والزنا، وأن الربا أشد جرماً من الزنا؛ فما هو السر في ذلك يا ترى؟!
إن الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى أن من أهم أسباب انتشار الزنا في الأمم تعامل أفرادها بالربا، ودرهم الربا ضرره على الأمة كلها، أما الزنا فضرره مقصور على الزاني والزانية وأسرتها وولدها ولا يتعدى ذلك في الغالب إذا لم يكن ثمة مجاهرة به، وإقرار له(1).
إن الطبقية التي يصنعها الربا بين أبناء الأمة الواحدة، والفجوة بين الفقراء والأغنياء التي تزداد اتساعاً وانتشاراً كلما تعامل الناس بالربا تجعل الفقير كلما اقترض تضاعفت ديونه، وازداد فقره واشتد جوعه؛ حتى يُضْعِفَ الفقر والجوع والحاجة غيرته على عرضه، فلا يأبه إن زنت محارمه إذا كان من وراء ذلك عائد مالي يقلل فقره ويشبع بطنه. وما زنت الزانية المحتاجة أول ما زنت إلا لما جاع بطنها، وصاح رضيعها واحتاج أهلها، ولربما أمرها وليها بالزنا عوذاً بالله من أجل أن تطعم أسرتها. وإذا انكسر حياؤها مرة فلن ينجبر أبداً حتى تتخذ الزنا مهنة لها إلا أن يشاء الله تعالى؛ والواقع يشهد ذلك في كل البلاد التي عمّ فيها الربا، وزال من أفرادها الإحسان؛ حتى أصبح المال في أيدي عدد قليل من عصابات المرابين، وأما بقية الناس فيغرقون في ديونهم، ويموتون جوعاً وفقراً. فالربا ليس سبباً في وقوع الزنا فحسب؛ بل هو سبب لانتشاره في الأمم، وإذا كان الزنا جريمة أخلاقية؛ فإن الربا جريمة أخلاقية مالية تجر إلى كوارث عدة من انتشار البطالة والفقر والجوع والأحقاد بين أبناء الأمة الواحدة.
7 المتعامل بالربا يُعذَّب في قبره وعند نشره:
الربا من المعاملات التي أجمعت الشرائع السماوية كلها على تحريمه، الآخذ والمعطي فيه سواء.
وآكل الربا يُبعَث يوم القيامة وهو يتخبط في جنونه كما قال تعالى : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.
{البقرة: 275}.
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى : "يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً يخنق"(2)، وقال وهب ابن منبه: "يريد إذا بُعِثَ الناس من قبورهم خرجوا مسرعين لقوله: يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى" نصب يوفضون {المعارج: 43} إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس؛ وذلك لأنهم آكلوا الربا في الدنيا، فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم؛ فهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع ولا يقدرون"(2).
ويشهد لهذا المعنى حديث مرفوع فيه ضعف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها حيات تُرى من خارج بطونهم؛ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أَكَلَةُ الربا"(1).
وأما عذابه في البرزخ فكما جاء في حديث المنام عن سمرة بن جندب رضي الله عنه وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، فيأتي ذلك السابح إلى ذلك الذي جمع الحجارة عنده، فيفغر له فاه فيلقمه حجراً حتى يذهب به سباحة إلى الجانب الآخر" وذكر في تفسيره في آخر الحديث أن ذلك السابح الناقل للحجارة آكل الربا(2).
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى : "إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر. وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئاً، وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه يمحقه"(3).
8 أن المتعامل به ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء"(4).
قال النووي رحمه الله تعالى : "هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل"(5).
وقال الصنعاني: "أي دعا على المذكورين بالإبعاد عن الرحمة، وهو دليل على إثم من ذكر وتحريم ما تعاطوه، وخص الأكل؛ لأنه الأغلب في الانتفاع، وغيره مثله"(6).
أضرار الربا الدنيوية:(5/185)
إذا تلوثت الأجواء أصاب كلَّ من يتنفس الهواء نصيبٌ من هذا التلوث، وإذا تكدرت المياه دخل شيء من كدرتها جوف كل شارب منها، وهكذا يقال في كل شيء متلوث يباشره الناس، حتى الأموال إذا داخلها الكسب الخبيث أصاب المتعاملين بها بيعاً وشراءً، وأخذاً وعطاءً شيء من خبثها وسحتها؛ فكيف إذا كانت بنية الاقتصاد العالمي على الكسب الخبيث؛ وفقاً للنظرية الرأسمالية المبنية على الحرية المطلقة في الأموال، والمقررة أن الغاية تسوِّغ الوسيلة؟ فلا شك والحال ما ذكر أن تتلوث الأموال عالمياً بالكسب الخبيث؛ حتى إن من حاول الاحتراز والتوقي يصيبه رذاذ خبث الأموال، وغبار الربا المتصاعد منها، مصداقاً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتين على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره"(1).
وإذا كان الأمر كذلك فإن حصول أضرار دنيوية اقتصادية واجتماعية وغيرها متحقق ولا مفر منه في كل أمة انتشر فيها الربا وما يتبعه من كسب خبيث كما دلت على ذلك النصوص والعقل وواقع حال البشر في هذا العصر الذي علا فيها شأن الاقتصاد المبني على الربا على الشؤون الأخرى.
ومن تلكم الأضرار الدنيوية ما يلي:
1 أن الربا سبب للعقوبات ومحق البركات:
قال الله تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم {البقرة: 276}، ونظير هذه الآية قوله تعالى : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون {الروم: 39}.
والآيتان دالتان على مباركة المال بالصدقة لترغيبهم فيها، ومحقه بالربا لترهيبهم وتنفيرهم منه، لا سيما أن النفوس البشرية تحب تملك المال وتنميته وتموله؛ فقد تتقاعس عن الصدقة شحاً به، وتتعامل بالربا تنمية له؛ فبين الله تعالى أن البركة تحصل بالصدقة، والمحق يحصل بالربا.
قال الرازي: "لما بالغ في الزجر عن الربا وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات ذكر ههنا ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الصدقات وفعل الربا، وكشف عن فساده؛ وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات، والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخير؛ فبين تعالى أن الربا وإن كان في زيادة في الحال إلا أنه نقصان في الحقيقة، وأن الصدقة وإن كانت نقصاناً في الصورة إلا أنها زيادة في المعنى، ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل ألا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف؛ بل يعول على ندبه الشرع إليه من الدواعي والصوارف"(2).
والظاهر أن محق الربا للمال يكون في الدنيا والآخرة؛ لعموم النصوص وعدم تخصيصها المحق بدار دون أخرى:
ومن صور محقه في الدنيا: عدم بركته، وإنفاقه فيما لا يعود على صاحبه بالنفع بل فيما يضره؛ ليقينه أنه كسب خبيث فينفقه في خبيث أيضاً، فيكتسب به إثمين: إثماً في الاكتساب، وإثماً في الإنفاق؛ ذلك أن كسب المال من حرام لا يجيز إنفاقه في الحرام كما يظن كثير ممن يتخوَّضون في الحرام. ثم إن من استغل حاجة الفقراء وأكل أموال الناس بالربا فإنهم يبغضونه ويلعنونه ويدعون عليه؛ مما يكون سبباً لزوال الخير والبركة عنه في نفسه وماله، وإذا جمع مالاً عظيماً بالباطل توجهت إليه أطماع الظلمة والغاصبين، ويشجعهم على ذلك أنهم لا يرون أحقيته بالمال، فيسوِّغون لأنفسهم أخذه منه أو مشاركته فيه.
ومن صور محقه في الآخرة: عدم تسخيره في الطاعة لعلمه أنه محرم، ولو تصدق به أو حج أو أنفق في وجوه البر لكان حرياً بالرد وعدم القبول؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم إن ما يحصل له من شدة الحساب والعذاب المرتب على الربا في البرزخ وعند النشر من أعظم المحق؛ ذلك أن الأصل في المال منفعة ينفع صاحبه، والمرابي عاد عليه ماله بالضرر.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلٍّ"(1).
قال المناوي رحمه الله : "أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلاً يؤول إلى نقص ومحقٍ آجلاً بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك؛ فهو مما يكون هباءً منثوراً. قال الطيبي: والكثرة والقلة صفتان للمال لا للربا؛ فيجب أن يقدر: مال الربا؛ لأن مال الربا ربا"(2).
ولا يشك مؤمن أن القليل المبارك من المال خير من الكثير الممحوق البركة ولو كان الكثير محل إعجاب الناس وتطلعاتهم ورغباتهم؛ ولذا قال الله تعالى : قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث {المائدة: 100}.
والواقع المشاهد يؤكد هذه الحقيقة التي قررتها نصوص الشريعة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي والأممي.
أما على المستوى الفردي فإن أكثر الناس في هذا العصر عصر الربا يشكون من قلة بركة أموالهم رغم كثرة دخولاتهم وتعدد سبل كسبها.
أما على المستوى الأممي العالمي فرغم اختراع الآلة، واستغلال ثروات الأرض، وتنوع الصناعات، وتعدد الزراعات التي أصبح الإنسان المعاصر ينتج منها في اليوم ما لم يستطع إنتاجه من قبل في سنوات؛ حتى صارت أرقام الإنتاج الزراعي والصناعي أرقاماً عالية جداً؛ رغم ذلك كله فإن أكثر سكان الأرض يعيشون فقراً، ولا يجدون كفافاً، وفي كل يوم يموت منهم جموع من الجوع والمرض؛ فأين هي المنتجات الزراعية والصناعية؟ لِمَ لمْ تسدَّ جوع الملايين من البشر وهي تبلغ ملايين الملايين من الأطنان؟ فما كانت إذن قلة إنتاج؛ ولكنها قلة بركة فيما ينتجون ويزرعون ويصنعون!!
وأما حلول العقوبات، فإن المحسوس المشاهد منها الذي يعاني منه البشر في عصر الربا من التنوع والكثرة بما لا يعد. وهناك عقوبات معنوية يعاني منها أكثر الناس ولم يكتشفوا سر تلك المعاناة ومنها: استعباد المادة للإنسان بحيث تحولت من كونها وسيلة لراحته وهنائه إلى غاية ينصب في تحصيلها، ثم يشقى بحفظها، ويخشى فواتها. وتلك عقوبة أيُّ عقوبة!!
إن الإنسان في العصر الرأسمالي الذي أساسه الربا يريد الاستغناء بالأشياء، فإذا ما استغنى بها سيطر عليه هاجس زوالها فيظل شقياً في تحصيلها، شقياً في الحفاظ عليها. وهل يجد لذة الحياة من نعّم جسده، وعذّب قلبه، وأي عذاب أعظم من عذاب القلب؟!
وقد كان الإنسان قبل العصر الرأسمالي يستغني عما لا يستطيع تحصيله، ويقنع بما كتب له؛ فيرتاح باله، ويطمئن قلبه.
2 الربا سبب لازدياد الفقر:
سيطرة المادة على الناس، وخوفهم من الفقر والحاجة، وانعدام قناعتهم بالضروري من العيش، وتطلعهم إلى كماليات لا يحتاجونها، إلى غير ذلك انتشر وساد في العصر الرأسمالي الربوي. وكل ذلك وتوابعه ليست أخلاقاً ذميمة فحسب؛ بل هو عقوبات وعذاب يتألم الناس من جرائها في زمن انتشار الربا؛ حتى أصبح الفقير يريد الغنى، والغني يريد أن يكون أكثر ثراء، وصاحب الثراء الفاحش يريد السيطرة على أسواق المال في سلسلة لا تنتهي من الجشع وحب الذات وكراهية المتنافسين، وغير ذلك من الأخلاق الرديئة، وصار في الناس مستورون لا يقنعون، وأغنياء لا يحسنون ولا يتصدقون إلا من رحم الله تعالى.(5/186)
وإذا ما استمر العالم على هذا النحو من تفشي الربا، وارتباط المعاملات المالية به فإن النهاية المحتومة ازدياد الفقر والجوع حتى يهلك أكثر البشر، واجتماع المال في خزائن فئة معدودة من كبار المرابين، وهذا ما جعل أحد كبار الاقتصاديين الأوروبيين يطلق على الربا: تجارة الموت؛ فيقول: "الربا تجارة الموت، ومن شأنه أن يشعل الرأسماليون الحرب وإن أكلت أكبادهم في سبيل مضاعفة رأس المال ببيع السلاح"(1).
وما حطم قيمة الأوراق النقدية، وقضى على أسعار العملات إلا الربا الذي يقوم عبره عصابة من المرابين بضخ المال في عملة من العملات ثم سحبه من رصيدها لتقع قيمتها من القمة إلى الحضيض، فيصيب الفقر شعوباً وأمماً لا تملك سوى عملتها التي ما عادت تساوي شيئاً، وليس ببعيد عن الأذهان ما حصل لبعض دول شرق آسيا.
3 الربا سبب لرداءة النقود وضعفها:
المتخصصون في الاقتصاد يقررون أن النقود هي دماء الاقتصاد، والنقود السليمة هي التي تجعل الاقتصاد سليماً؛ ولكن نقود العالم الحالية مريضة بالتضخم الناتج عن الربا، ولا يمكن علاجها إلا بمعالجة التضخم، ولن يتم علاجه إلا بإلغاء فوائد الربا. ويشخِّص هذه الحقيقة الاقتصادي الألماني: (جوهان فيليب بتمان) مدير البنك الألماني (فرانكفورت) فيقول: "كلما ارتفعت الفائدة تدهور النقد، فكما يؤدي الماء إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليب فإن الفائدة تؤدي إلى رداءة النقود. قد يبدو الأمر أننا نسوق تعبيرات أدبية، أو أننا نبسط المسألة ونسطحها؛ ولكن الحقيقة أن هذه العبارة السهلة البسيطة هي في الواقع معادلة سليمة وصحيحة تدل عليها التجربة، ويمكن إثباتها؛ فالفائدة العالية تدمِّر قيمة النقود، وتنسف أي نظام نقدي ما دامت تزيد كل يوم، وتتوقف سرعة التدمير وحجمه على مقدار الفائدة ومدتها"(1).
وهكذا صارت عاقبة الربا وإن كثر إلى قِلٍّ. وهذه صورة من صور المحق التي يسببها الربا للأموال المتعاملين به.
وبسبب انتشار الربا في المعاملات المالية أضحت البورصات العالمية وكأنها صالة قمار واسعة، ليس الأمر فيها يتصل بالمقامرات غير المحسوبة فحسب؛ بل إن هناك من يبيع دائماً ما لا يملك، ومن يشتري من دون أن يدفع ثمناً. ومن يتظاهر بأن هناك أسهماً لشركات وما هي في الواقع بشركات، ومن يقيد بالدفاتر مليارات كبيرة دون أن يراها، ودون أن يقابلها رصيد من أي نوع، إنها الفائدة الملعونة المسؤولة عن المصائب الكبرى في النظام النقدي العالمي، وهي المسؤولة عن التضخم، وعن ضياع الأموال، وعن عجز دفع المدينين ديونهم، كما قرر حقيقة ذلك الاقتصادي الغربي (موريس آليه) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد(2).
4 الربا سبب لرفع الأمن وانتشار الخوف:
تسود الأنانية وحب الذات وانعدام الرحمة كل المجتمعات التي ينتشر فيها الربا؛ فالموسرون المرابون يقرضون الفقراء المحتاجين بفوائد الربا التي تزداد مع طول المدة وشدة الحاجة، مما يجعلهم عاجزين عن السداد. والنتيجة النهائية: إما أن يسرقوا لسداد القروض الربوية، وإما أن تصادر أملاكهم وتباع للمقرضين؛ ليعيشوا وأسرهم بقية أعمارهم على قارعة الطريق يتكففون الناس، أو في الملاجئ والدور الاجتماعية مما يكون سبباً في قتل كرامتهم، وحرمان المجتمع من عملهم وإنتاجهم.
إن الربا هو السبب الرئيس في انتشار الجريمة والانتقام بين أصحاب رؤوس الأموال وكبار المرابين، مما يكون سبباً في رفع الأمن، وبسط الخوف والذعر في المجتمعات.
وواقع كثير من البلدان التي ينتشر فيها الربا شاهد على ذلك، وهل يستطيع إنسان بِيعَ بيتُه، وشُرِّدَ هو وأولاده لسداد ما عليه من قروض الربا أن يصبر عن الانتقام؟ وماذا يبقى له في الدنيا إذا كان يريد العيش لها إلاَّ أنه فقدها فجأة؟!
وأخيراً.. اجتناب الربا أهون من التخلص منه:
إن المتعامل بالربا يعز عليه الخلاص منه بعد الغرق فيه؛ ولا سيما إذا كانت تجارته كلها مؤسسة عليه. ولا ينجو من ذلك بعد الانغماس فيه، ويبادر بالتوبة والخلاص منه إلا من هدي للرشاد ووفق للخير.
قد يغتر المبتدئ في حياته الوظيفية أو التجارية بالقروض الربوية الميسرة أو بالفوائد المركبة والبسيطة التي تعلن عنها بين حين وآخر البنوك الربوية؛ بقصد أكل أموال الناس بالباطل، ويتولى إثم الإعلان عنها، والدعاية لها المؤسسات الإعلامية المختلفة من مشاهد ومسموع ومقروء؛ ولكن ذلك المسكين الذي اغتر بها حين يفرق في الربا ربحاً أو خسارة فلن ينجو بسهولة، وكان الأسهل عليه أن يجتنب طريقها أولاً.
إنه قد يربح الفوائد من الإيداع ولكنه سيخسر بركة ماله، ولقمة الحلال ودينه وآخرته، وإن كان مقترضاً فسيجني أغلال الديون مع الإثم والفقر.
والشاب الذي يغريه راتب الوظيفة الربوية وسيارتها وبعثاتها وميزاتها عليه أن يتذكر أن عاقبة ذلك خسران في الدنيا والآخرة، والرضى بالقليل الحلال خير وأعظم بركة من الكثير الحرام، ولن يندم عبد تحرى الحلال في كسبه وإن فاته الكثير من المال؛ لكنه سيندم أشد الندم إن أدخل في جوفه حراماً، وقد يكون ندمه متأخراً لا ينفعه.
والله تعالى قال: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون {البقرة: 275}.
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه (147).
(2) تفسير ابن كثير (1-889 890).
(3) لم يأت إطلاق لفظ المحاربة في الشريعة حسب علمي إلا على ثلاث من الكبائر: =
= أ - أكل الربا وفيه قول الله تعالى : فأذنوا بحرب من الله ورسوله {البقرة: 279}.
ب - قطع الطريق وفيه قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا .... {المائدة: 33}.
ج - معاداة أولياء الله تعالى وفيه الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب..." أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وجمع الذنوب والمعاصي فيها نوع محاربة لله ورسوله؛ لكن نص الشارع على هذه الثلاث من الكبائر لعظيم جرم مرتكبها، فهو مستحق لسخط الله ومقته.
(1) انظر: هذه الآثار في جامع البيان، للطبري 3-108.
(2، 3) انظر: هذه الآثار في جامع البيان، للطبري، 3-108.
(4) انظر: محاسن التأويل، للقاسمي، 1-631.
(1) تفسير ابن كثير، 1-493. (2) محاسن التأويل، 1-631.
(3) أخرجه مسلم في المساقاة، باب لعن آكل الربا وموكله (1598).
(4) كما في حديث عبيد بن عمير الليثي عن أبيه أخرجه أبو داود في الوصايا (2875) وفيه: (هن تسع) وذكر زيادة على السبع المذكورة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الشيخين: (وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (898) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1-95.
(5) أخرجه الشيخان البخاري في الوصايا (2766)، ومسلم في الإيمان (89) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) أخرجه أحمد، 1-402، وأبو يعلى كما في المقصد العلي (1859) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وجوّد إسناده الهيثمي في الزوائد 4-118، والمنذري في الترغيب 3-194، وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً، وصححه ووافقه الذهبي، 2- 37.(5/187)
(7) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2-37، وأخرجه ابن ماجة في التجارات باب التغليظ في الربا مختصراً بلفظ: "الربا ثلاثة وسبعون باباً" (2275) وصححه البوصيري في الزوائد 2- 198، وأخرجه البزار في البحر الزخار (1935) وقال الهيثمي في الزوائد: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح 4- 116 117، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1851)، وله شاهد عند البيهقي في الشعب (2761) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي سنده عبد الله بن زياد، قال البخاري: منكر الحديث كما في ميزان الاعتدال 2-424، وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه عزاه الألباني للطبراني وصححه في صحيح الجامع (1531).
(1) أخرجه أحمد 5-225، والطبراني في الأوسط (2682)، والدارقطني (92819)، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح 4 -117، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1033).
(2) نيل الأوطار، 6-278.
(1) هذا إذا لم ينتشر الزنا في المجتمع، والغالب أنه لا يخلو مجتمع كبير من حالات زنا، وقد وقع ذلك في الزمن الأول من الإسلام وهو أفضل العصور. ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية رضي الله عنهما، ولاعن هلال بن أمية زوجته رضي الله عنهما ولعل السبب في ذلك أن الزنا تدفع إليه غريزة قد يضعف العبد حيالها في وقت من الأوقات، وتحجب عقله فيقع المحظور. بخلاف الربا فإنه متعلق بغريزة حب المال وهي أقل تمكناً من غريزة الشهوة الفطرية. ولذلك لم تقع حالات رباً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم بعد ورود النهي عنه رغم أنه كان من معاملاتهم المشهورة في الجاهلية.
(2) وجاء نحوه عن قتادة والربيع والضحاك والسدي وابن زيد، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله، وهو قول جمهور المفسرين، وانظر آثارهم في جامع البيان، 3-103، وتفسير ابن كثير 1-487، 488.
(3) التفسير الكبير للرازي، 7-79.
(1) أخرجه ابن ماجه (2273)، والبيهقي مطولاً وابن أبي حاتم وأحمد كما في تفسير ابن كثير، 1- 488، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.
(2) رواه البخاري، ح- 7047.
(3) فتح الباري، لابن حجر 12-365، وفيه: "والله من ورائه محقه" ولعله خطأ مطبعي.
(4) أخرجه مسلم (1598).
(5) شرح النووي على صحيح مسلم، 11-37.
(6) سبل السلام، 5- 109.
(1) أخرجه أبو داود (3331)، والنسائي 7-243، وابن ماجه (2278)، والحاكم 2-11 كلهم من رواية الحسن عن أبي هريرة. وسماع الحسن رحمه الله من أبي هريرة رضي الله عنه مختلف فيه؛ ولذا قال الحاكم بعد روايته: "قد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريرة؛ فإن صح سماعه منه فهذا الحديث صحيح" ا ه. والذهبي يرى سماع الحسن لهذا الحديث من أبي هريرة؛ حيث قال: "سماع الحسن من أبي هريرة بهذا صحيح" انظر التلخيص (2162). وتبع الذهبي في تصحيح الحديث السيوطي في الجامع الصغير فرمز له بالصحة 2-444. والظاهر أن الألباني رحمه الله لا يرى سماع الحسن هذا الحديث من أبي هريرة ولذا ضعفه في ضعيف الجامع (4874). وبكل حال فإن وقوع ذلك في هذا الزمن مما يشهد للحديث ويقويه وهو من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
(2) التفسير الكبير، 7-83، وانظر: محاسن التأويل للقاسمي، 1-630.
(1) أخرجه أحمد 1-395، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي، 2-37، وصححه السيوطي في الجامع الصغير، 2-22، وأحمد شاكر في شرحه على المسند (3754)، والألباني في صحيح الجامع (3542) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) فيض القدير، 4-50.
(1) مجلة الاقتصاد الإسلامي، عدد (91)، جمادى الآخرة، 1409ه، ص 7.
(1) ذكر ذلك في دراسة له عنوانها: كارثة الفائدة، ترجمها الدكتور أحمد النجار، ونشرت في مجلة الاقتصاد الإسلامي، عدد (194)، ص 54.
(2) مجلة الاقتصاد الإسلامي، عدد (184)، ص 68.
=============
من المعاملات المحرمة في الإسلام
1-الربا
2-الميسر
3-الاحتكار
أولا:الربا
تعريف الربا لغة:الزيادة،وشرعاً:الزيادة في المال مقابل الأجل.
* والدليل على حرمة الربا قال تعالى((يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين))
أضرار الربا و آثاره:
* يؤدي إلى تضخم المال بطريقة غير مشروعه.
* داء فتاك في المجتمع،وسبب في الخصومات والعداوات.
* المرابي يكسب المال دون جهد أو تعب مما يجعله كسولاً مترفاً فاسد الأخلاق...
أنواع الربا:
* ربا الفضل:
وهو الزيادة التي تحصل عند تبادل النقد بنقد،وطعام بطعام،وقد حرم الإسلام أخذها.
وصورته :أن يبيع،أو يقرض نقداً أو غيرها على أن يرد من جنسه،ذهبا بذهب،أو حبا بحب،مع الزيادة على المثل،أو منفعة تعود عليه...
* ربا النسيئة:
هو الزيادة التي يأخذها الدائن من المدين في مقابل الأجل.
وصورته:ان يكون لواحد دين على آخر-سواء أكان قرضاً أم ثمن شيء فإذا حل الأجل،ولم يستطع الأداء،يقول المدين للدائن:آخر في الأجل وأزيدك في الثمن..
* قال((لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين،فإني أخاف عليكم الرِما))
ما المقصود بالرِما:الربا..
حديث عن الرسول((ص))
ثانيا:الميسر
تعريف الميسر:هو القمار،وهو كسب محرم،وكل لعب يعتمد على المصادفة وليس على الجهد،ويشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب مالاً..
تعريف الأزلام:قطع خشب كالسهام كتب على بعضها افعل وعلى بعضها لا تفعل....
تعريف الأنصاب:حجارة كان العرب في الجاهلية ينصبونها ويذبحون عندها قرابينهم...
كثر في هذه الأيام التعاطي بما يسمى اليانصيب،فما هو حكمه؟
حكمه هو حرام.
أضرار الميسر كثيرة هذه بعض منها:
الآية التي حرمت الميسر هي:
قال تعالى:((يأيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلم رجسٌ من عمل الشيطن فاجتنبوه لعلكم تفلحون))
* إنفاق المال في طرق الشر والفساد.
* ارتكاب المعاصي والآثام.
* نشر الكراهية بين الناس وإثارة العداوة بينهم.
* الاعتماد على المصادفة،والقعود عن العمل والكسب،وانتظار المال.
الاحتكار:هو كسب غير مشروع،وهو حبس أقوات الناس في أوقات الشدائد والأزمات طمعاً في زيادة السعر.
لماذا يتعامل بعض الناس بالاحتكار؟
لقساوةٍ في قلوبهم،وضعف في نفوسهم فيدفعهم طمعُهم وأنانيتُهم إلى استغلال حاجة الآخرين للسلع الضرورية.
ثالثا:الاحتكار
ما حكم الاحتكار مع ذكر الدليل؟
ما العقوبة التي رتبها الإسلام للمحتكر في الدنيا والآخرة؟
العقوبة الدنيوية:مصادرة البضاعة وبيعها لحساب صاحبها بسعر المثل.
والعقوبة الأخروية:الوعيد بالعذاب يوم القيامة وانقطاع عهد الطاعة بينه وبين الله تعالى.
* الاحتكار حرام وهو خطيئة ومعصية قال الرسول(e ):
((لا يحتكر إلا خاطىء))(مسلم).
والخاطىء:الآثم،هو الذي تعمد الوقوع في الخطأ.
ما أضرار الاحتكار وآثاره؟
* يثقل على الناس تكاليف الحياة.
* يؤدي إلى بغض المحتكر وكراهيته.
* يقطع الصلة بين المحتكر وربه جل وعلا.
* ينشر الحقد والضغينة.
ما واجب الحاكم اتجاه المحتكر؟
للحاكم أن يجبر المحتكر على بيع السلع التي يحتكرها بسعر المثل،فإذا امتنع عن ذلك باعها جبراً عنه بسعر المثل.
عمل الطالب:
محمد حسن كامل أبو سكر
بإشراف:
الأستاذ عصام فرغلي
==============
الربا وأثره على المجتمع الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
http://www.ibtesama.com/vb/showthread-t_13241.html
الجامعة الإسلامية - غزة
عمادة الدراسات العليا
كلية التجارة
الربا وأثره على المجتمع الإسلامي
إعداد
الطالبة/ سيرين سميح أبو رحمة
مايو 2007م
المقدمة :(5/188)
إن الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره, وأعوذ بالله العظيم من شر نفسي وسيء عملي, وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا ورسولنا وحبيبنا محمداً "صلى الله عليه وسلم" إمام المتقين, أما بعد:
إن الربا محرم في جميع الرسالات السماوية, والله تبارك وتعالى لا يحرم إلا خبيثاً, وقد استباحه اليهود وحدهم في معاملة غيرهم كما قال تعالىوأخذهم الربا وقد نهوا عنه) ]النساء: 116[.
وقد ورث هذه الرذيلة عنهم العرب قبل الإسلام, وجاء الإسلام ليؤكد حرمة الربا ويشدد في تحريمه بنصوص بينة قاطعة في القرآن والسنة.
ولا شك أن موضوع الربا, وأضراره وآثاره الخطيرة جديرة بالعناية, ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه, لأن من تعامل بالربا فهو محارب الله وللرسول "صلى الله عليه وسلم".
ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي ولمن أراد مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا وبينت أضراره, وآثاره على الفرد والمجتمع.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلاث أبواب وخاتمة على النحو التالي:
الباب الأول: الربا قبل الإسلام واشتمل على فصول
الفصل الأول: تعريف الربا لغةً وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا ويشمل :
الفصل الأول: تحريم الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- تعريفه وحكمه.
ب- أسرار تحريم ربا الفضل.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ - تعريفه
ب - بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص
الفصل الرابع: ربا اليد.
الفصل الخامس: ربا القرض.
الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة
الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون. وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر.
الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره.
الباب السادس: عقوبات المتعاملين بالربا.
الخاتمة.
___________
_____
الباب الأول
الربا قبل الإسلام
الفصل الأول: تعريف الربا: لغة، وشرعاً.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية.
الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعاً
أ - الربا في اللغة:
معناه الزيادة والنمو قال الله تبارك وتعالى: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) ]الحج:5[. أي زادت ونمت.
وقال تعالى أنت تكون أمة هي أربى من أمة) ]النحل:92[. أي أكثر عدداً.
وأصل الربا الزيادة إما في نفس الشيء وإما مقابلة كدرهم بدرهمين, ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً.
ب - تعريف الربا شرعاً:
هي الزيادة في أشياء مخصوصة.
وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة.
الفصل الثاني: الربا عند اليهود
لا شك أن اليهود لهم حيل، وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها، ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام. ومن تلك الحيل الباطلة، احتيالهم لأكل الربا وقد نهاهم الله عنه وحرَّمه عليهم.
قال الله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً، وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ) ]النساء 161,160[.
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "إن الله قد نهاهم - أي اليهود - عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل" ]تفسير ابن كثير 1/584[.
وقد صرف اليهود النص المحرِّم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا؛ فجعلوه جائزاً لا بأس به.
يقول أحد ربانييهم واسمه راب: "عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه أو حتى يضاهي المال مع فائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه - غريمه - وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه" ]الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر ص31.[
فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً.
الفصل الثالث: الربا في الجاهلية
لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الأرباح العظيمة - في زعمهم - التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري - رحمه الله- بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: "كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه" ]جامع البيان في تفسير آي القرآن 3/67[.
وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تربي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين، وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً. وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل. فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوله إلى السّنِّ التي فوق سنه من تلك الأنعام التي هي دين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضَى، جعلها حقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه ] انظر جامع البيان في تفسير آي القرآن 4/59، وفتح القدير للشوكاني 1/294، وموطأ الإمام مالك 2/672، وشرحه للزرقاني 3/324[.
فهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}] آل عمران: 130[.
فالربا في الجاهلية كان يُعدّ - كما ذكرت آنفاً - من الأرباح التي يحصل عليها ربّ المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر، أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدّى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغيّر فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقّر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون. ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدعي الإسلام، وتدعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله...! فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر الله وينفذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدعي الإسلام فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونحذره من هذا الجرم الكبير: إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الباب الثاني(5/189)
موقف الإسلام من الربا
الفصل الأول: تحريم الربا.
الفصل الثاني: ربا الفضل.
أ- تعريفه وحكمه.
ب- أسرار تحريم ربا الفضل.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه.
الفصل الثالث: ربا النسيئة.
أ - تعريفه.
ب - بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
الفصل الرابع: ربا اليد.
الفصل الخامس: ربا القرض.
الفصل الأول: تحريم الربا
لقد بدت رحمة الله تعالى لعباده في رسالة الإسلام في وجوه عدة, منها التدرج في التشريع, فقد جاء الإسلام والعرب الذين اختارهم الله تعالى لحمل رسالته يكرهون كل ما يقيد حريتهم ويحدد من شهواتهم, وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة سيئة, وغرائز متنوعة لا يستطيعون التحول عنها دفعة واحدة, فاقتضت حكمة الله العليم الخبير ألا يفاجأوا بالتكاليف, وفي التحريم وفي المنع جملة, فتثقل بها كواهلهم, وتنفر منها نفوسهم, فلذلك سلك بهم مسلك الأناة والتدرج ليهيئ النفوس للقبول, فأنزل القرآن منجماً مدة ثلاث وعشرين عاماً, فبعد أن رسّخ العقيدة في النفوس للقبول, وردت الأحكام شيئاً فشيئاً, ليكون السابق من الأحكام معداً للنفوس ومهيأً لقبول اللاحق, وخاصّة حينما يكون الأمر بصدد محاربة بعض الرذائل التي تأصّلت في النفوس, وتوارثتها الأجيال خلفاً عن سلف, في أحقاب متطاولة.
فالإسلام في معالجته لهذه الأمراض المزمنة لا يأخذها بالعنف والمفاجأة, بل يتلطّف بالسير بها إلى الصلاح على مراحل مترتبة, متصاعدة, حتى يصل بها إلى الغاية المنشودة.
ومن هذه الرذائل والعادات التي كانت متأصلة في النفوس, وحاربها الإسلام وقضى عليها تدريجياً, شرب الخمر, وأكل الربا.
فلم يكن تحريم الربا في القرآن الكريم مفاجأة على دفعة واحدة, ولكنّه كان تدريجياً على مراحل أربع, كما حصل بالنسبة لتحريم الخمر.
فلقد ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة في شأن الربا:
1. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ]البقرة:275[.
2. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ]البقرة:278/279[.
3. وقال عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُواْ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} ]الروم:39[.
4. وعن جابر رضي الله عنه قال: ”لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ ]مسلم 3/1218 برقم 1597[.
5. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا“]البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313.[
6. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ”الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات“]البخاري مع الفتح 5/393 برقم 2015، ومسلم برقم 89[.
7. عن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول: ”ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات“]سنن أبي داود 3/244 برقم 3334[.
8. وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وكسب الأمة، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر“]البخاري مع الفتح 4/426 برقم 2228[.
9. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم، وقال: ”إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله“]أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37[.
الفصل الثاني: ربا الفضل
أ- تعريفه وحكمه:
هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر. كمبادلة صاع تمر جيد بصاعين من الرديء. أو بيع درهم بدرهمين.
وقد ثبتت حرمته في السنة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم :
"الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواء بسواء, يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد".
"لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين".
والحكمة من تحريمه هي: اشتماله على زيادة بغير عوض. والتعامل بمثل هذا النوع من الربا نادر الحصول في أيامنا.
ب- أسرار تحريم ربا البيوع (ربا الفضل):
أبرز العلماء في بحثهم تحريم ربا البيوع (الذي أسموه ربا الفضل) حكمة هامة ترجع إلى سد ذرائع ربا الديون, لكن جاءت الأبحاث الاقتصادية تبين لتحريم هذا النوع من الربا حكماً وهي حكم جليلة تلفت النظر لإعجاز هذه الشريعة ودقة أحكامها ونلخص أهم هذه الأسرار فيما يلي:
•سد ذرائع الربا, وأحكام الغلق أما كل حيلة قد تسلك للتوصل إلى الربا, تطبيقاً للقاعدة الشرعية الجليلة (سد الذرائع) وهي مما امتازت به هذه الشريعة, حيث جاءت كاملة محكمة في تشريعها فلا تحرم شيئاً إلا وتسد منافذ الوصول إليه.
وبهذا الاعتبار فإن تحريم هذا الربا (ربا الفضل) يشتمل على الحكم السابقة لتحريم الربا, إضافة لأمور أخرى نذكر منها بعضاً فيما يلي.
•حماية عامة المسلمين الذين يذهب ربا الفضل بقيمة سلعهم الحقيقية, بسبب جهلهم بقيم السلع السوقية لكل نوع, وبسبب تفضيل كل واحد من المستهلكين نوعاً معيناً.
•إذا باع شخص شيئاً بجنسه مؤجلاً فهو بمثابة دين للمشتري, ويجب عليه مراعاة أحكام الديون في هذه الصورة,حتى لا يظلم أحد الطرفين الآخر, مثل أن يعطيه رديئاً ويشترط عليه أن يرد إليه جيداً, أو يعطي في زمان رخصه ويشترط أن يرد إليه في زمن غلائه.
•إذا بيع جنس بآخر نساءً أي مؤجلاً, فإنه قد يلحق أحد الطرفين غبن كبير نتيجة للتقلبات المفاجئة في أسعار هذه السلع, أم البيع بالذهب أو الفضة مؤجلاً فيرجع أساساً إلى ثبات قيمتها وقيمة النقود وبهذا الاعتبار أصبح النقد قادراً على قياس الدفع المؤجل.(5/190)
•القصد من منع التفرق قبل التقابض هو إنجاز عملية التبادل بالسرعة التي تؤمن الطرفين من التقلبات أو المفاجئات, ومن خبر السوق بصفة عامة وسوق أوراق النقد بصفة خاصة أدرك لذلك حكماً كثيرة.
•إصباغ صفة التجانس على الذهب والفضة, وهي صفة يلزم توفرها في النقود والذهب والفضة خلقاً ثمنين, فلذلك جعل كل واحد منهما مع جنسه شيئاً واحداً في القيمة إذا تساوت الكمية, ولذلك ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين جميع أحوال أي منهما عندما يبادل بجنسه من مضروب, ومنقوش, وجيد ورديء, وصحيح ومكسر,وحلي وتبر....... فتحقق ببذلك التجانس.
ج- أسباب تحريم الربا وحكمه:
لا يشك المسلم في أن الله عز وجل لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن علمنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يطلب منا هو أن ننفذ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1. الربا ظلم والله حرم الظلم.
2. قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.
3. الربا فيه غبن.
4. المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.
5. الربا مضاد لمنهج الله تعالى.
الفصل الثالث: ربا النسيئة
أ- تعريفه: هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مؤجلاً مع زيادة في أحد العوضين بسبب الأجل.
مثاله: إعطاء شخص لآخر ألف دينا ليرده بعد عام ألفاً ومائة.
وهذا النوع من الربا هو أشهر أنواعه وأكثرها شيوعاً قديماً وحديثاً. فهو الربا الذي كان العرب في الجاهلية يتعاملون به, وهو الربا الذي أنشئت على أساسه المصارف الربوية ويمثل المحور الرئيس لمعاملاتها.
فجميع السلف, أو القروض التي تقدمها المصارف الربوية إلى أجل مقابل الفائدة السنوية كسبعة في المائة أو نحو ذلك تمثل صورة من صور ربا النسيئة المحرم.
وهو محرم بنص القرآن, فجميع الآيات القرآنية التي تحدثت عن تحريم الربا المراد بذلك هو ربا النسيئة وهو ربا الجاهلية.
والحكمة من تحريمه: هي ما فيه من استغلال للمحتاجين وإرهاق لهم وقطع لعوامل الرفق والرحمة بين الناس, ونزع لفضيلة التعاون والتناصر بينهم.
ب- بعض ما ورد في ربا النسيئة من نصوص:
لا شك أن ربا النسيئة لا خلاف في تحريمه بين الأمة جمعاء، إنما الخلاف في ربا الفضل بين الصحابة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل.
أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل. فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا. فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت له: أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا في النسيئة“.]مسلم 3/1217 برقم 1596، وانظر: شرح النووي 11/25[.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ألا إنما الربا في النسيئة“.]البخاري 3/31 برقم 2178 ورقم 2179، ولفظ البخاري (لا ربا إلا في النسيئة) وانظر الفتح 4/381، ومسلم 3/1218، وشرح النووي 11/24.[
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة ابن زيد ”إنما الربا في النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض، متفاضلا حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً، وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه.
وأما حديث أسامة ”لا ربا إلا في النسيئة“ فقال قائلون: بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“.]شرح النووي 11/25[.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ”اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد. فقيل: منسوخ. لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقيل: المعنى في قوله: (لا ربا) الربا الأغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما تقدّم. والله أعلم“.]فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/382[.
فاتّضح مما تقدّم تحريم: ربا الفضل، وربا النسيئة فلا إشكال في ذلك ولله الحمد.
الفصل الرابع: ربا اليد
تعريفه: هو بيع أو مبادلة الربوي بجنسه أو بغير جنسه مع تأخير قبض أحد البدلين أو كليهما عن مجلس العقد.
مثاله: مبادلة القمح أو الشعير بالتمر مع تأخير قبض أحد البدلين أو كليهما.
ومنه أيضاً صرف النقود بجنسها أو بغير جنسها مع تأخير التقابض لأحدهما أو كليهما كصرف عدد من الدنانير بالدولار أو قطعة نقد من فئة العشرين بدنانير من فئة الدينار الواحد ففي جميع هذه الحالات يشترط التقابض في مجلس العقد فإذا تأخر القبض لأحدهما أو كليهما وقع المتبادلان في الربا.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (الذهب بالذهب ...يداً بيد, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا زيادة بينهما ولا نظرة). فقوله (ولا نظرة) يدل على اشتراط التقابض في المجلس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفّوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز). فقوله (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) يدل على اشتراط التقابض في المجلس.
ويتعلق بهذا النوع من الربا مسألة نفيسة هي حكم بيع حلي الذهب نسيئةً وهو ما يعرف عند الناس ببيع وشراء الذهب بالتقسيط.
الفصل الخامس: ربا القرض
تعريفه: هو كل قرض جر نفعاً مشروطاً, كمن يقرض شخصاً ألفاً لطباعة كتابه بشرط أن يرد الألف وخمسين نسخة من الكتاب زيادة.
والأصل في ذلك تحريمه المأثور والمعقول: أما من المأثور فما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في باب: قرض جر نفعا. عن ابن سيرين قال: استقرض رجل من رجل خمسمائة دينار على أن يفقره ظهر فرسه (أي بشرط رد المبلغ وركوب ظهر الفرس زيادةً) فقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما أصبت من ظهر فرس فهو ربا. والأثر أخرجه البهيقي بطرق مختلفة.
وعن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم أنهم نهوا عن قرض جر نفعاً.
ومثل هذه الآثار قد يكون لها حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما من المعقول: فلأن عقد القرض عقد إرفاق (أي إحسان) وقربة فإذا شرط فيه منفعة كان الشرط مخالفاً لمقتضى العقد, ومعلوم أن الشرط المخالف لمقتضى العقد شرط باطل, فيبطل الشرط ويصلح العقد, ولأنه لما شرط فيه نفع للمقرض كان بمنزلة أنه باع ما اقرضه بما يزيد عليه من جنسه ولذلك اعتبره بعض الفقهاء كالرملي من الشافعية من ربا الفضل.(5/191)
ولا يستدل على حرم ربا القرض بخبر: كل قرض جر نفعا فهو ربا لأن هذا الخبر ليس له إسناد صحيح ولا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في المغني لابن قدامة رحمه الله: (كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف, قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادةً أو هدية فاسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك يكون ربا).
أم المنفعة التي تجعل عقد القرض المشتمل عليها أحد أنواع الربا فيشترط فيها ما يلي:
• أن تكون مادية: كما في المثال السابق في التعريف, أم المنفعة المعنوية كالشكر والذكر الحسن في عقد القرض فلا تجعله الربا.
• أن تكون مشروطة: فالمنفعة الغير مشروطة التي هي من باب حسن القضاء فلا تخرجه من القرض إلى الربا.
• أن تكون خاصة: فالمنفعة المشتركة في جمعيات القروض الحسنة لا تؤثر في مشروعية عقد القرض وتبقى المعاملة في دائرة القرض الحسن.
والمراد بجمعيات القروض الحسنة هي أن يتفق مجموعة من الأشخاص على تشكيل جمعية تعاونية يدفع بموجب هذا الاتفاق كل مشترك مبلغاً متساوياً من المال على أساس القرض الحسن, بحيث يعطى مجموع القروض لأحدهم كل شهر. فمثل هذه الجمعيات مباحة شرعاً لأن منفعة الاستقراض فيها عامة وليس خاصة.
الباب الثالث
ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة
الفصل الأول: ما يجوز فيه التفاضل والنساء.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه.
الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات.
الفصل الأول: ما يجوز فيه التفاضل والنساء
أ جواز التفاضل إذا انتفت العلة:
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ”أجمع العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً، ومؤجلاً؛ وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير، وغيره من المكيل.
وأجمعوا كذلك على أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يداً بيد؛ كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا“.]شرح النووي ببعض التصرف 11/9[.
ب جواز التفاضل في غير المكيلات، والموزونات:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب بيع العبد، والحيوان بالحيوان نسيئة).] البخاري 3/41، وانظر: الفتح 4/419[.
قلت: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فذهب الجمهور من علماء الأمة إلى الجواز واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، فعنه رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي، قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم قال: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ابتع علينا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذ هذا البعث“ قال: فكنت أبتاع البعير بالقلوصين والثلاث من إبل الصدقة إلى محلها. حتى نفذ ذلك البعث قال: فلما حلت الصدقة أداها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.] مسند الإمام أحمد 2/216، وانظر سنن أبي داود 3/250 برقم 3357[.
وعن جابر رضي الله عنه قال: جاء عبد فبايع النبي صلّى الله عليه وسلّم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”بعنيه“ فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحداً بعد، حتى يسأله (أعبد هو)؟ ]مسلم 3/1225 برقم 1602، وانظر: شرح النووي 11/39[.
وهذا فيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة، وهذا مجمع عليه إذا بيع نقداً، وكذا حكم سائر الحيوانات.] انظر: شرح النووي 11/39[.
فإن باع عبداً بعبدين، أو بعيراً ببعيرين إلى أجل فالراجح الجواز كما سبق. وهذا هو مذهب الشافعي والجمهور.] انظر: شرح النووي 11/39[.
فظهر مما تقدم أن الراجح في بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً، ونسيئة هو الجواز. والآثار عن بعض الصحابة والتابعين تدلّ على جواز ذلك. قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه:
1 ”اشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة“ ]مكان بين مكة والمدينة معروف بالربذة[.
2 واشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين، أعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غداً رهواً إن شاء الله.
3 وقال ابن عباس: ”قد يكون البعير خير من البعيرين“.
4 وقال ابن المسيب: ”لا ربا في البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل“ ]انظر صحيح البخاري 3/41، والفتح 4/419 فكل هذه الآثار هناك[.
الفصل الثاني: الصرف وأحكامه
أ المراطلة:
المراطلة: مفاعلة من الرطل.
وهي عرفاً: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضلة وزناً.]انظر شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/284[.
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ”الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق مراطلة.
إنه لا بأس بذلك؛ أن يأخذ أحد عشر ديناراً بعشرة دنانير، يداً بيد؛ إذا كان وزن الذهبين سواء عيناً بعين، وإن تفاضل العدد، والدراهم أيضاً في ذلك بمنزلة الدنانير“.]موطأ الإمام مالك 2/638[.
فعلى هذا فالمعتبر في بيع الذهب بالذهب، وبيع الورق بالورق هو الوزن لا العدد. فلو كان عند رجل عشر قطع من الذهب ثم باعها بخمس قطع من الذهب، والوزن لعشر القطع يساوي وزن خمس القطع، فهذا جائز وهذا ما قصده الإمام مالك بالمراطلة.
ب الصرف:
لا شك أن الصرف مما يحتاج إليه الناس، لتحويل العملات من عملة إلى عملة أخرى، فلما كان الأمر كذلك لم يغفله الإسلام؛ بل أوضحه للناس، الجائز منه وغير الجائز.
عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم. قال طلحة بن عبيد الله – وهو عند عمر بن الخطاب – أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك، فقال عمر ابن الخطاب: كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الورق بالذهب ربا إلا هاء، وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء، وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء، وهاء“.]البخاري 3/30 برقم 2174، والموطأ 3/636، ومسلم 3/1210 برقم 1586[.
قال الإمام النووي رحمه الله: ”قال العلماء: ومعناه التقابض ففيه اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي إذا اتفقا في علة الربا. سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب، أم اختلف كذهب بفضة، ونبّه صلّى الله عليه وسلّم بمختلف الجنس على متفقه... وأما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عندما أراد أن يصارف صاحب الذهب، فيأخذ الذهب ويؤخّر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم، فإنما قاله؛ لأنه ظن جوازه كسائر المبيعات وما كان بلغه حكم المسألة، فأبلغه إياه عمر رضي الله عنه فترك المصارفة“.]شرح النووي 11/13[.
وعن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً بنسيئة إلى الموسم، أو إلى الحج، فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصلح قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك عليّ أحد. فأتيت البراء بن عازب فسألته. فقال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، ونحن نبيع هذا البيع، فقال: ”ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا“ وائت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته، فسألته، فقال مثل ذلك.]البخاري 3/31 برقم 2180، 2181، ومسلم 3/1212 برقم 1589[.
قال البخاري رحمه الله (باب بيع الذهب بالورق يداً بيد) ثم ذكر حديث أبي بكرة رضي الله عنه ”نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء. وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا“.]البخاري 3/31 برقم 2182[.(5/192)
وروى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً“.]البخاري 3/31 برقم 2180، 2181، وانظر شرح الموطأ للزرقاني 3/282[.
ومن الأحاديث السابقة اتضح لنا ما يأتي:
1 أن صرف الفضة بالفضة، والذهب بالذهب جائز. على أن يكون الصرف مثلاً بمثل، وسواءً بسواء، ويكون ذلك يداً بيد أثناء وقت المصارفة.
2 أن صرف الذهب بالفضة، والفضة بالذهب جائز، على أن يكون الصرف يداً بيد في وقت المصارفة، أما المفاضلة بين الذهب والفضة بحيث يكون الذهب أكثر من الفضة وزناً، أو الفضة أكثر من الذهب وزناً فلا مانع من ذلك، لكن بشرط أن يكون يداً بيد في لحظة المصارفة.
3 أن شراء وبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو الذهب بالفضة، أو الفضة بالذهب، لا يجوز الدين في ذلك مطلقاً، فلو أراد شخص أن يصرف من المصرف عملة من الذهب بعملة من الذهب، وسلّم أحدهما عملته والآخر أجل تسليم عملته إلى أجل فهذا لا يجوز، لأنه فقد شرط المقابضة يداً بيد. وكذلك الفضة بالفضة والذهب بالفضة والعكس كل ذلك لا يجوز فيه الدين مطلقاً.
الفصل الثالث: الحث عن الابتعاد عن الشبهات
لا شك أن المسلم دائماً ينبغي أن يكون حريصاً على التزام أمور الشرع كلها، فيعمل الواجبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، ويأخذ بالمستحبات، ويأخذ ويترك من المباحات على حسب حاله، وحاجته، ويبتعد عن الشبهات، لعلمه بأن الشبهات تؤدي إلى المحرمات.
عن النعمان بن بشير قال: (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول – وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه -: ”إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيها، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب“.]البخاري 1/19 برقم 52، ومسلم 3/1219 برقم 1599[.
قال الإمام النووي رحمه الله: ”أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث: ”الأعمال بالنية“,وحديث ”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه“.]موطأ الإمام مالك 3/903[.
وقال أبو داود: الإسلام يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة، وحديث: ”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“.]البخاري 1/9 برقم 13، ومسلم 1/67 برقم 45[.
وقيل حديث: ”ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس“.]سنن ابن ماجه 2/1374 برقم 4102، قال النووي: رواه ابن ماجه بأسانيد حسنة، انظر شرح النووي 11/28[.
قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه صلّى الله عليه وسلّم نبه فيه على إصلاح المطعم، والمشرب، والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية دينه، وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل: بالحمى. ثم بيّن أهمّ الأمور وهو مراعاة القلب... فبيّن صلّى الله عليه وسلّم أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”الحلال بيّن والحرام بيّن“ فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام:
حلال بيّن واضح. لا يخفى حله كالخبز، والعسل...
وأما الحرام البيّن فكالخمر، والخنزير، والكذب...
وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحل، ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها، بنصّ أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك...).] شرح النووي ببعض التصرف 11/28[.
وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم:
عمدة الدين عندنا كلمات
مسندات من قول خير البرية
اترك الشبهات، وازهد، ودع
ما ليس يعنيك، واعملن بنية
نسأل الله أن يعصمنا مما يغضبه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
الباب الرابع
فتاوى في مسائل من الربا المعاصر
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية.
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية.
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها.
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى.
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق.
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً.
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين.
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية.
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها.
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية.
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك.
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية.
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية.
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية.
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى.
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة.
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي.
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية:
صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نصه على النحو الآتي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدّم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرّر ما يلي:
أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سرّ مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرّر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسياً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي:(5/193)
( أ ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئة أو يداً بيد.
(ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يداً بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثاً: وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعاً: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات.
والله أعلم: وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، جمع محمد المسند، 2/379-380.[
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية:
س: عندي كمية من أكياس الأرز وهو بمستودع لنا ويأتي إليّ أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عداً في محله فهل في هذه الطريقة إثم أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
ج: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا. الربا المغلظ الجامع بين التأخير والفضل، أي بين ربا الفضل وربا النسيئة، وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة. وأحياناً يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا من الدراهم، العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل، ثم يأتيان على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ الإسلام ابن تيمية: الحيلة الثلاثية، وهي بلا شك حيلة على الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، فهي حرام ومن كبائر الذنوب، وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه، بل إن التحايل عليه يزيده خبثاً ويزيده إثماً، ولهذا ذُكِرَ عن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين قال: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، وصدق رحمه الله، فإن المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلال. ]فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/382[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها
س: ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي في مكانها وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكاً لها وقد قبضها لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم، لحكيم بن حزام: ”لا تبع ما ليس عندك“، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ”لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك“ رواه الخمسة بإسناد صحيح، وهكذا الذي يشتريها، ليس له بيعها حتى يقبضها أيضاً للحديثين المذكورين.
ولِمَا رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.] أبو داود 3/282، برقم 3499، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/668[.
وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ”لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبتاعون جزافاً – يعني الطعام – يُضْرَبون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم“ ] البخاري 3/30، برقم 2131[، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.] فتاوى إسلامية 2/383-384[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى:
س: أريد أن أشتري عشرة آلاف دولار أمريكي من شخص معين بسعر 40 ألف ريال سعودي، وسيكون التسديد على أقساط شهرية، كل قسط ألف ريال، وأريد أن أبيع هذه الدولارات في السوق بسعر 37.500 ألف ريال، فما الحكم في ذلك علماً بأنني محتاج لهذه النقود؟
ج: الحكم في هذا هو التحريم، فيحرم على الإنسان إذا صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إلا بعد قبض العوضين، وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض الثاني الذي هو قيمة الدولارات، وعلى هذا فيكون فاسداً وباطلاً، فإذا كان قد نفذ الآن فإن الواجب على هذا الذي أخذ الدولارات أن يسددها دولارات، ولا يجوز أن يبني على العقد الأول، لأنه فاسد، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق“.]فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/386، والحديث أخرجه البخاري برقم 456[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق
س: رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات، فيأتي إليه شخص معه ذهب مستعمل فيشتريه منه وتعرف قيمته بالريالات، وقبل دفع القيمة في المكان والزمان، يشتري منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهباً جديداً، وتعرف قيمته، ويدفع المشتري الباقي عليه، فهل هذا جائز أم أنه لا بد من تسليم قيمة الأول كاملة إلى البائع ثم يسلم البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو من غيرها؟
ج: في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب المستعمل، ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء يشتري ممن باع عليه ذهباً جديداً أو من غيره، وإن اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى لا يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس الربوي بجيده متفاضلاً، لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب (جيد) فقال: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: ”لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً“، ولأن المقاصة في مثل هذا البيع ولو كانت في زمان ومكان البيع، قد تؤدي إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، وذلك محرم، لما روى مسلم رحمه الله تعالى عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“. وفي رواية عن ابن سعيد: ”فمن زاد أو استزاد فقد أربا، الآخذ والمعطي سواء“.]فتاوى إسلامية 2/389، والحديث تقدم تخريجه ص34[.
اللجنة الدائمة(5/194)
س: ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة ثم وَزَنَها وقال إن ثمنها 1500 ريال واشتريت منه حلي جديد بمبلغ 1800 ريال هل يجوز أن أدفع له 300 ريال فقط (الفرق) أم آخذ 1500 ريال ثم أعطيه 1800 ريال مجتمعة؟
ج: لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل سواء بسواء وزناً بوزن يداً بيد بنص النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة ولو اختلف نوع الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الاختلاف وهكذا الفضة بالفضة.
والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب بذهب، ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العمل الورقية ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته من الذهب بسعره من الفضة أو العملة الورقية يداً بيد؛ لأن العملة الورقية منزَّلة منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها.
أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود كالسيارات والأمتعة والسكر ونحو ذلك فلا حرج في التفرق قبل القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية والورقية وبين هذه الأشياء المذكورة وأشباهها.
ولا بد من إيضاح الأجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}.] سورة البقرة، الآية: 282[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً:
س: إنسان أخذ مني مصاغ ذهب، وثمن المصاغ ألف ريال، وقلت له لا يجوز إلا نقداً، وقال سلفني ألف ريال، وسلفته الألف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟
ج: لا يجوز لأنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين، عقد سلف وعقد بيع، وهو ممنوع أيضاً.] فتاوى إسلامية 2/390[.
اللجنة الدائمة
س: إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات من الذهب ولَمّا وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه لا يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه لا يجوز لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إلا جزء من القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثلاً وقال لي أترك الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل الدراهم وأستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه حتى يحضر لاستلامه أم يلزمني أن ألغني العقد وهو إن حضر فهو كسائر المشترين وإلا فلا شيء بيننا؟
ج: لا يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه حتى يأتي بالدراهم، بل لم يتم العقد تخلصاً من ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية الدراهم ابتدأتما عقداً جديداً يتم في مجلسه التقابض بينكما.] فتاوى إسلامية 2/353[.
اللجنة الدائمة
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين:
س: أنا من سكان الكويت، وعندنا شركات مساهمة خاصة بالأعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول، ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد عائلته، فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه الشركات.
ج: يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا، فإن كان تعاملها بالربا فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع، وكذلك لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأن عقود التأمين مشتملة على الغرر والجهالة والربا، والعقود المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرمة في الشريعة الإسلامية.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/392[.
اللجنة الدائمة
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية:
صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي الإسلامي الآتي نصه:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب عام 1406ه إلى يوم السبت 29 رجب 1406ه قد نظر في موضوع تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل عنها، وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيسي المجلس.
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع.
وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً.
وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي مستحيل؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد، ومما جاء في القرار كذلك أنه:
أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله عنه من التعامل بالربا أخذاً وعطاء، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور.
ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح إلى قيام المصارف الإسلامية بديلاً شرعياً للمصارف الربوية. ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل الأقطار الإسلامية وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.
ثالثًا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل والخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا.
خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم (مودع المال) لنفسه أو لأحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنما من باب التطهر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز الاستمرار في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.] فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/393[.
مجلة الدعوة، 1037
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها
س: ما الحكم الشرعي في كل من:
1 الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة.
2 المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟
3 الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟
4 الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟
5 صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟
ج: لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة؛ لأن كل ذلك من الربا الصريح.(5/195)
ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ]البقرة: 275[. ويقول سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات} ] البقرة: 276[. ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} ] البقرة: 278[. ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ]البقرة: 280[. ينبه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدين ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم.
أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ] المائدة: 2[.
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ”لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“. وقال: ”هم سواء“. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة، ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية.
نسأل الله أن يمنّ على الجميع بالهداية وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه.] فتاوى إسلامية، 2/397[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية:
س: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول فهل يجوز ذلك أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
ج: لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لِمَا في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله للضرورة، والله سبحانه يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ]الأنعام: 119[، ومتى وجد بنكاً إسلاميّاً أو محلاًّ أميناً ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه لم يجز له الإيداع في البنك الربوي.] فتاوى إسلامية، 2/397[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك:
س: ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث يصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟
ج: لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها لكونها بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء لقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}]المائدة: 2[.
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ”لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“، وقال: ”هم سواء“ رواه الإمام مسلم في صحيحه ] مسلم 3/1218 برقم 1597[، وليس لك إلا رأس مالك.
ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية، والتحذير منها، والتوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك، لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} ]البقرة: 275، 276[. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}]البقرة: 278، 279[.ولِمَا تقدّم من الحديث الشريف ]فتاوى إسلامية، 2/399-400[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية:
س: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
ج: لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه، أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال بل ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”لعن آكل الربا وموكله وشاهديه“ وكاتبه وقال: ”هم سواء“ ]مسلم 3/1218 برقم 1597[] فتاوى إسلامية 2/401[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية:
س: بعض البنوك تعطي أرباحاً بالمبالغ التي توضع لديها من قبل المودعين، ونحن لا ندري حكم هذه الفوائد هل هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة الإسلامية؟
ج: أولاً: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا. ولا يحلّ له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربوية، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق عامة ونحو ذلك.
ثانياً: يبحث عن محل لا يتعامل بالربا ولو دكاناً ويوضع المبلغ فيه على طريق التجارة، مضاربة، على أن يكون ذلك جزءاً مشاعاً معلوماً من الربح كالثلث مثلاً، أو بوضع المبلغ فيه أمانة بدون فائدة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]فتاوى إسلامية 2/404[.
اللجنة الدائمة
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية:
س: المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟
ج: يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره، لأنه ربا وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.]فتاوى إسلامية 2/412[.
اللجنة الدائمة
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى:(5/196)
س: أقرضني أخي في الله (حسن. م) ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقداً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض – وهي سنة – ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته.
فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا؟ لا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا؟
ج: ليس للمقرض (حسن. م) سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن خيار الناس أحسنهم قضاء“. رواه مسلم في صحيحه ]مسلم برقم 1600[، وأخرجه البخاري بلفظ: ”إن من خيار الناس أحسنهم قضاء“.]البخاري برقم 2306[.
أما العقد المذكور فلا عمل عليه ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلّت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً.]فتاوى إسلامية 2/414[.
سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
س: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500 جنيه مصري، وقد أرسلت له مبلغ 2000 دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً، ويرغب حالياً في سداد الدين، علماً بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حالياً 1800 دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800 جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300 جنيه مصري)؟
ج: الواجب أن يردّ عليك ما اقترضته دولارات، لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء“]أبو داود 3/250، برقم 3345، والنسائي في كتاب البيوع، الباب رقم 50، 52[، فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به.]فتاوي إسلامية 2/414-415[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة:
س: رجل اقترض مالاً من رجل لكن المقرض اشترط أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ، يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها، والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يرجع المدين المال كاملاً كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده، ما حكم الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟
ج: إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه، وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}]البقرة: 195[. فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب، وبالنسبة للمقترض جائز مباح.
وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استسلف من رجل بَكراً وردّ خيراً منه، وإذا كان هذا العقد أي القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحول إلى عقد معاوضة وربح، أعني الربح المادي الدنيوي؛ لأنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع والمعاوضات، ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر: بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة، أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض، فإنه في الصورتين يكون بيعاً حراماً ورباً، لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لتغليب جانب الإرفاق.
وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد خرج بالقرض عن موضوع الإرفاق فيكون حراماً.
والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا، وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضاً ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع؛ لأن ذلك جر منفعة إلى المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان.]فتاوى إسلامية 2/415-416[.
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وبعد..
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام، والمقيد برقم 1100 في 28/7/1400ه ونصّه:
لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك، حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامناً حسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد) وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه، ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع)، فوقعنا في حيرة من أمرنا، وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترناً بالأدلة الشرعية، فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لِمَا بلغنا عنكم من العلم والتقوى والورع، لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترناً بالأدلة الشرعية، هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان؟
وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضدّ الحوادث، والتأمين على الحياة، وما رأي الشرع في مثل هذه العقود؟
وأجابت بما يلي:
أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز؛ لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة، والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثانياً: التأمين التجاري حرام لِمَا يأتي:
1 عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش، لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً، وذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم النهي عن بيع الغرر ]أخرجه مسلم برقم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه[. رواه مسلم.(5/197)
2 عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة، لِمَا فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}]المائدة:90[.
3 عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما محرّم بالنّصّ والإجماع.
4 عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلّى الله عليه وسلّم رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل“. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ابن حبان.
وليس التأمين من ذلك ولا شبيهاً به فكان محرماً.
5 عقد التأمين في أخذ مال الغير بلا مقابل هو أخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرّم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.
6 في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن، على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية، مع العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتاباً مناسباً في الموضوع نرشدكم إليه.
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة لا يجوز لأدلة، منها:
1 فيه ربا؛ لأن الفائدة تعطى في بعض أنواعه – وهو التأمين على الحياة – لأنها تتضمن التزام المؤمن بأن يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافاً إلى ذلك فائدته الربوية، فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ الكثير.
2 التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل.
3 يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لأنه عقد معلق على خطر، فتارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنىً.
4 التأمين فيه غرر وجهالة.
5 التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام، وذلك أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الآخر الخسائر التي حصلت، ويترتب على ذلك نزاع ومشاكل، ومرافعات قضائية.
6 لا ضرورة تدعو إلى التأمين، فقد شرع الله الصدقات في الإسلام، وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين والغارمين، والحكومة الإسلامية مسؤولة عن رعاياها.
الباب الخامس
أضرار الربا
إن الإسلام الحنيف لم يحرم شيئاً على المسلمين إلا إذا غلب ضرره على نفعه, بل إذا تساوى ضرر الشيء مع نفعه حرمته, لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع. وإن للربا أضرار كثيرة تغلب على منفعته, وهي تشمل سائر نواحي الحياة.
أ- من أضرار الربا الخلقية والاجتماعية:
• ظلم صاحب المال المقرض للمقترض, فإن أخذ الربا ظلم بنص القرآن الكريم, مهما كانت حالة المقترض أو جنسه أو دينه, قال الله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).
• إن الربا يطبع نفوس المرابين بطابع الأثرة والأنانية, وعبادة المال والتكالب على جمعه, ويقتل في نفوسهم الشفقة والرحمة للفقراء والمحتاجين.
• إن الربا يؤدي إلى عدم وجود القرض الحسن بين أفراد المجتمع, مما يسيء إلى روح التعاون بين أفراده, وبالتالي يسيء إلى الروابط والعلاقات العائلية والاجتماعية, فتصبح العلاقة بين الناس علاقة مادية بحتة, وليست علاقة إنسانية تعاونية.
ب – من أضرار الربا الاقتصادية:
• يزيد فقر المقترضين الفقراء فقراً إلى فقرهم, وهلاكاً إلى هلاكهم, فكل فقير يقع في شرك المرابين لا يكاد يتخلص من الدين طوال حياته, وقد ينتقل الدين إلى ورثته, وقد يؤدي به الدين إلى بيع بيته الذي يؤويه مع عياله , فتصبح حالته المادية أسوأ مما كانت عليه قبل القرض.
• يجعل المال متداولا بين طائفة خاصة من المجتمع, ويقسم المجتمع إلى طبقات, طبقة أغنياء مرفهين منعمين, وطبقة عاملين كادحين منتجين, وطبقة فقراء محرومين.
• إن تسهيل القروض الاستهلاكية بفائدة من قبل البنوك شجع الكثيرين على الإسراف وعدم الادخار, لأن المسرف إذا كان يرى من يقرضه بالفائدة في أي وقت فإنه لا يراعي عن الإنفاق على شهواته ورفاهيته ولا يحسب حساب المستقبل ليدخر في حاضره ما يحتاج إليه في قابله.
ج - أضرار الربا الإنتاجي:
• غلاء أسعار السلع التي ينتجها المقرض, إذ يضيف المنتج أو المستورد فائدة القرض إلى رأس مال السلعة التي يشتريها المستهلكون, فكأن المجتمع لا المنتج ولا المستورد هو الذي يدفع الفائدة الربوية, فالظلم في القرض الإنتاجي أشمل وأعم من القرض الاستهلاكي.
• إذا تقلصت دورة الرخاء, أو إذا نقص الطلب على السلعة المنتجة بسبب ارتفاع ثمنها نتيجة لإضافة الفائدة الربوية يبقى فائض من المنتجات بغير تصريف, وهذا الفائض له عواقبه الوخيمة, إذ قد يؤدي إلى تخفيض أجر العمال أو الاستغناء عن بعضهم.
• يمنع الأغنياء من الاشتغال بالمكاسب, وذلك لأن صاحب المال إذا تمكن بواسطة وضع ماله في البنوك من الحصول على الفائدة الربوية, لم يغامر في تجارة أو صناعة, فيعيش عالة على غيره.
والمجتمع الصالح هو الذي يكون كل فرد من أفراده عضواً عاملاً منتجاً فيه.
الباب السادس
عقوبات المتعاملين بالربا
العقوبات الناتجة عن التعامل بالربا منها ما يكون جماعياً ومنها ما يكون فردياً.
والعقوبات الفردية منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في الآخرة.
أما العقوبات الجماعية, فإن انتشار التعامل بالربا يف المجتمع بين أعداد كبيرة من أفراده وبناء اقتصاد البلد على الربا يجر على المجتمع الويلات لأن أهله قد عرضوا أنفسهم لحرب من الله ورسوله, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)]البقرة: 278، 279[.
فالمجتمع الذي يتعامل أهله بالربا مجتمع مغضوب عليه من قبل الله عز وجل وتظهر ثمار الغضب الرباني فيه بصور متعددة كارتفاع الأسعار, وانتشار الفقر ومحق البركة من المال,وتسليط الأعداء, وتفشي الجرائم كالسرقة والقتل, وضعف الثقة والاضطراب,وعدم الاستقرار المعيشي والنفسي وانقطاع المعروف بين الناس فلا يقرض أحد أحداً ولا يواسيه إلا بالربا وغير ذلك.(5/198)
أما العقوبات الفردية, فبالإضافة إلى ما يلحق الفرد من آثار العقوبات الجماعية بصفته أحد أفراد المجتمع فإن من يتعامل بالربا يعاقب عقوبات خاصة وهي على نوعين: عقوبات دنيوية وعقوبات أخروية.
أما العقوبات الدنيوية فأهمها:
• محق المال : فإن المال الربوي وإن كثر فإن مصيره إلى الزوال والفناء, وإن مآل أصحابه الفقر والذل. لقوله تبارك وتعالى: (يمحق الله الربا).
• نكد العيش المتمثل بعدم الاستقرار النفسي والاضطراب الأسري وتعثر أسباب الكسب من التجارة أو الصناعة أو الزراعة.
• إن من يتعامل بالربا مرتكب كبير وهو في نظر الشرع الشريف فاسق, ساقط العدالة, وقد يؤدي أكل الربا والتعامل به إلى كفر صاحبه إن استحله أو سوء الخاتمة إن هو واظب على أكله ولم يتب.
وأما العقوبات الأخروية فأهمها:
• الفضيحة والخزي يوم القيامة, فإن من يأكل الربا يبعث يوم القيامة وقد انتفخ بطنه لا يستطيع أن يمشي مع الناس إلى أرض المحشر لثقل بطنه فهو يمشي لكنه كلما قام سقط. فيجمع الله عليه عذابين عذاب السقوط على الأرض, وعذاب لفح النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر. قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ]البقرة: 275، 276[.
• العذاب في جنهم, لأن من يتعامل بالربا مرتكب كبير من الكبائر وعليه من الإثم ما يستحق بسببه الدخول في جهنم وأخذ نصيبه من العذاب. (وذلك إن لم يتب قبل موته وتحسن توبته).قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون, واتقوا النار التي أعدت للكافرين).
وهو من السبع الموبقات, والمتعامل به ملعون من قبل الله تبارك وتعالى كما تقدم.
ولما روي: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه), (الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام).
الخاتمة والنتائج
أعد هذا البحث بعد التّحرّي، والعناية، على قدر المستطاع، والموضوع له أهمية كبيرة، وجدير بالعناية من الباحثين والعلماء المخلصين، وما ذلك إلا لأن الربا آفة خطيرة على الأمة الإسلامية؛ لأن الربا مضاد لمنهج الله تعالى فيجب على جميع المسلمين التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ففيهما الخير كله، وفيهما سعادة البشرية - لمن تمسّك بهما وعمل بما فيهما من أحكام وتوجيهات - في الدنيا والآخرة.
أما بالنسبة لهذا البحث المتواضع فقد بذلت فيه جهداً طيباً إن شاء الله تعالى، ومن نتائج هذا البحث استعراض بعض المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حرّم الله تعالى عليه ومنها:
1 الوقوف على الأدلة القطعية في تحريم الربا، وأن من خالف هذه النصوص فقد أذن الله بمحاربته سبحانه وتعالى، ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟
2 ذكر موقف اليهود من الربا عندما حرمه الله عليهم، فاحتالوا بشتى الحيل، حتى أكلوا الربا مجاهرة، وخداعاً لله، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.
3 الوقوف على عادات الجاهلية قبل الإسلام، وأنهم كانوا في حالة يرثى لها، من تكالب على المال، ولو كان طريقه محرماً وضارّاً. كما وقفنا على فساد عقولهم، وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها.
4 إن الإسلام عندما حرّم الربا فإنه لم يترك البشرية بدون تعويض عنه، بل أحلّ البيع، وجميع أنواع المضاربات المشروعة، التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، والبركة، والسعادة.
5 إن آكل الربا ملعون، ومطرود من رحمة ربه تعالى، كما دلّت على ذلك السنة الصحيحة.
6 الوقوف على أنواع الربا، وأنه ينقسم إلى قسمين: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكلاهما محرّم بالكتاب والسنة والإجماع.
7 جواز بيع الحيوان بالحيوان، وجواز التفاضل، والنساء في الطعام غير المكيل، والموزون، وغير الذهب والفضة.
8 عدم جواز الدين في الصرف، بل لا بد من المقابضة الحالة بين المتصارفين، وكذلك بيع الذهب بالفضة ديناً أو الفضة بالذهب ديناً إلى أجل.. وهذا أمر لا يجوز لوجود الأدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك.
9 عدم جواز بيع ما يسمى (بمد عجوة) وهذا الاسم معروف عند الفقهاء.
10 بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة، وقد وقع فيه أكثر أهل هذا العصر، إلا من عصم الله.
11 استعراض بعض النصوص التي تأمر بالابتعاد عن الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، وأن الجسد كله تابع للقلب؛ فبصلاح القلب تصلح جميع الأعضاء وبفساده تفسد كلها.
12 الوقوف على مضار الربا وآثاره، ومفاسده، وأنه لا صلاح ولا سعادة ونجاة ولا خلاص إلا باتباع المنهج الإسلامي في جميع شئون الحياة.
13 تحذير المسلمين من المعاملة بالربا، أو إيداع الفائض من أموالهم في بنوك دول الكفر، التي تستفيد من هذا الفائض، أو تستخدمه ضدّ المسلمين.
14 تبيين بعض محاسن الإسلام، وأنه دين السعادة، والهداية ودين الرحمة والعطف، والتراحم بين المسلمين، وقد مثلتهم السنة في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً"]البخاري 1/122، برقم 481، ومسلم 4/1999، برقم 2585[فهذا فضل عظيم امتن الله به على المسلمين المخلصين الصادقين في إسلامهم.
15 ذكر أسباب تحريم الربا، وأن الله عز وجل له الحكمة البالغة، ومعرفة الحكمة من الأحكام الشرعية لسنا ملزمين بمعرفتها ولله الحمد. فإن عرفنا الحكمة في بعض الأمور فزيادة علم وخير، وإن لم نعرف عملنا بما أمرنا ربنا، وانتهينا عمّا نهانا سبحانه ونقول: سمعنا وأطعنا، وربنا هو الحكيم فيما شرع، الخبير بذلك سبحانه وتعالى.
16 بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية.
17 عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل.
18 بيان حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد ودفع الفرق وأنه لا يجوز.
19 عدم جواز التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
20 عدم جواز بيع أسهم البنوك ولا شرائها، لأنها بيع نقود بنقود.
21 عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة.
22 تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة، لما في ذلك من الغرر، والجهالة، وأكل أموال الناس بالباطل.
وختاماً أسأل الله العلي العظيم أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن يزيد من قرأ هذا الكتاب، أو نشره، أو طبعه، علماً وهدى، وتوفيقاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا جهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
==============
أضرار الربا الشرعية:
1 الربا من معاملات اليهود والمشركين:(5/199)
كان من أعظم أمور الجاهلية، وتعاملاتهم المالية ممارسة الربا وكسب الأموال عن طريقه؛ ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن إلغاءه على مسمع من الناس في حجة الوداع حينما خطبهم فقال: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ثم قال: وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا العباس ابن عبد المطلب فإنه موضوع كله"(1).
واليهود يتعاملون بالربا حتى كان أكلهم له سبباً من أسباب عقوبتهم كما قال الله تعالى : فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما.
{النساء: 160، 161}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : "أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع الحيل وصنوف من الشبه"(2).
ولم يفارق اليهود عادتهم القديمة؛ فأباطرة الربا في هذا العصر وملاك كبريات مؤسساته ومصارفه هم من اليهود، وهم الذين أفسدوا اقتصاد العالم، ونشروا المعاملات المحرمة، وحطموا أسعار كثير من العملات، وأفقروا كثيراً من الشعوب.
فمن تعامل بالربا فقد تشبه بأعداء الله تعالى من المشركين واليهود، وكفى بذلك إثماً وخسراناً.
-------------------------
2 أنه محاربة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم :
---------------------------------------
جاء الزجر عن الربا في كتاب الله تعالى عنيفاً شديداً؛ إذ هو من الذنوب العظائم القلائل(3) التي وصف اقترافها بمحاربة الله ورسوله.
وإذا كان قطاع الطريق يحاربون الله تعالى بإشهار السلاح، وإزهاق الأرواح، واغتصاب الأموال، وترويع الآمنين، وقطع السبيل؛ فإن أكلة الربا يحاربون الله تعالى بدمار المجتمعات، والإفساد في الأموال مما يؤدي إلى الفساد في الأرض، وتوسيع الهوة بين الطبقات مما يلزم منه حدوث الجرائم وكثرة الخوف، وقلة الأمن.
إن أَكَلَةَ الربا لا يرفعون السلاح كما يرفعه قطاع الطريق، ولا يأخذون المال عنوة؛ ولكنهم يمتصون دماء الفقراء وهم يبتسمون لهم!! وينتهبون أموال الناس وهم يربتون على أكتافهم!!
إنها محاربة ماثلت في بشاعتها محاربة قطاع الطريق؛ ولكنها أوسع نطاقاً، وأكثر تنظيماً ومخادعة؛ ففاقت في انتشارها وقبحها رفع السلاح وانتهاب الأموال بالقوة؛ وقد قال الله تعالى محذراً منها: يا أيها الذين آمنوا \تقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين 278 فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون {البقرة: 278، 279}.
وويل ثم ويل لمن حارب الله تعالى وهو يمشي على أرضه، ويأكل رزقه، وينعم بفضله. قال ابن عباس رضي الله عنهما : "يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب"(1). وعنه رضي الله عنه قوله في معنى الآية: "فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله"(2).
وقال قتادة السدوسي رحمه الله تعالى : "أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون؛ فجعلهم بهرجاً أينما ثقفوا"(3) ويرى بعض المفسرين أن هذه الآية قد أومأت إلى سوء خاتمة أكلة الربا(4).
---------------------
3 أن فيه كفراً لنعمة المال:
------------------------
لم يكتف المتعامل بالربا بما رزقه الله من مال، ولم يشكر نعمة الله تعالى به عليه؛ فأراد الزيادة ولو كانت إثماً، فكان كافراً لنعمة ربه عليه؛ فمآل ماله إلى المحق ونزع البركة، كما قال الله تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم {البقرة: 276}. قال ابن كثير رحمه الله تعالى : "أي لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بآكل أموال الناس بالباطل"(1).
-----------------------
4 أن الربا مخل بالإيمان:
---------------------
كل معصية تخل بإيمان العبد، وعلى قدر المعصية يكون اختلال الإيمان؛ إذ إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هو مذهب السلف الصالح وأتباعهم بإحسان، وقد قال الله تعالى في شأن الربا: وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين {البقرة: 278}، قال القاسمي رحمه الله تعالى : "فبيّن أن الربا والإيمان لا يجتمعان"(2).
ولذا كان المتعامل حقيقاً باللعن والطرد من رحمة الله تبارك وتعالى. قال جابر رضي الله عنه : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء"(3).
----------------------
5 أنه من المهلكات للأفراد والأمم:
----------------------
أما الأفراد فقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم الربا من التسع الموبقات(4)، ثم عده في السبع الموبقات(5) التي حذّر منها وأمر باجتنابها.
وأما على مستوى الأمم فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله"
وكفى بذلك زاجراً عنه للأمم التي تود المحافظة على اقتصادها، وتخشى الكوارث والنوازل.
----------------------
6 الربا أعظم إثماً من الزنا:
----------------------
ورد في السنة النبوية أحاديث كشفت حقيقة تلك الجريمة النكراء، وأبانت بشاعتها وقبحها بما يردع كل مؤمن بالله تعالى والدار الآخرة عن مقاربتها بَلْهَ مقارفتها؛ ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم"(7).
وكذا حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"(1).
قال الشوكاني رحمه الله تعالى : "قوله: أشد من ست وثلاثين... إلخ" يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي؛ لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور، بل أشد منها؛ لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح"(2).
ومن نظر في هذين النصين وشواهدهما من السنة النبوية تبين له أن قليل الربا أعظم من كثير الزنا، مع ما في الزنا من فساد الدين والدنيا؛ حيث سماه الله تعالى فاحشة وساء سبيلاً، ونهى عن الاقتراب منه كما قال تعالى : ولا تقربوا الزنى" إنه كان فاحشة وساء سبيلا {الإسراء: 32}، وحرمت الشريعة الطرق المفضية إليه، وسدت الذرائع الموصلة له. وفيه خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها وأسرتها. ويؤدي إلى فساد الأخلاق، وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، وفشو الأمراض، وحصول الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسبة ابن زوجته الزانية وملاعنتها على ذلك، وربما حصل عنده شك في أولاده من زوجته قبل زناها إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي استوجبت أن يكون حد الزناة المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت. وحد غير المحصنين الجلد والتغريب، ورد شهادتهم ووصفهم بالفسق إلا أن يتوبوا، ومصيرهم في البرزخ إلى تنور مسجور تشوى فيه أجسادهم.
رغم ما تقدم كله فإن الدرهم من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية؛ فإذا كان هذا في درهم واحد فكيف بحال من يأكلون الألوف من الربا بل الملايين والمليارات؟!
وكم هي خسارة من أسس تجارته على الربا، ومن كان كسبه من فوائد الربا الخبيثة، ومن كانت وظيفته كتابة الربا، أو الدعاية له، أو حراسة مؤسسته؟!(5/200)
وما هو مصير جسد ما نبت إلا من ربا، وأولادٍ ما أطعموا إلا من كسبه الخبيث وما غُذّيت أجسادهم إلا عليه، فما ذنبهم أن تبنى أجسادهم بالسحت؟
الصلة بين الربا والزنا:----------------------
----------------------
إن المتأمل للحديثين السابقين وما في معناهما يجد أن ثمة علاقة وثيقة بين جريمتي الربا والزنا، وأن الربا أشد جرماً من الزنا؛ فما هو السر في ذلك يا ترى؟!
إن الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى أن من أهم أسباب انتشار الزنا في الأمم تعامل أفرادها بالربا، ودرهم الربا ضرره على الأمة كلها، أما الزنا فضرره مقصور على الزاني والزانية وأسرتها وولدها ولا يتعدى ذلك في الغالب إذا لم يكن ثمة مجاهرة به، وإقرار له(1).
إن الطبقية التي يصنعها الربا بين أبناء الأمة الواحدة، والفجوة بين الفقراء والأغنياء التي تزداد اتساعاً وانتشاراً كلما تعامل الناس بالربا تجعل الفقير كلما اقترض تضاعفت ديونه، وازداد فقره واشتد جوعه؛ حتى يُضْعِفَ الفقر والجوع والحاجة غيرته على عرضه، فلا يأبه إن زنت محارمه إذا كان من وراء ذلك عائد مالي يقلل فقره ويشبع بطنه. وما زنت الزانية المحتاجة أول ما زنت إلا لما جاع بطنها، وصاح رضيعها واحتاج أهلها، ولربما أمرها وليها بالزنا عوذاً بالله من أجل أن تطعم أسرتها. وإذا انكسر حياؤها مرة فلن ينجبر أبداً حتى تتخذ الزنا مهنة لها إلا أن يشاء الله تعالى؛ والواقع يشهد ذلك في كل البلاد التي عمّ فيها الربا، وزال من أفرادها الإحسان؛ حتى أصبح المال في أيدي عدد قليل من عصابات المرابين، وأما بقية الناس فيغرقون في ديونهم، ويموتون جوعاً وفقراً. فالربا ليس سبباً في وقوع الزنا فحسب؛ بل هو سبب لانتشاره في الأمم، وإذا كان الزنا جريمة أخلاقية؛ فإن الربا جريمة أخلاقية مالية تجر إلى كوارث عدة من انتشار البطالة والفقر والجوع والأحقاد بين أبناء الأمة الواحدة.
----------------------
7 المتعامل بالربا يُعذَّب في قبره وعند نشره:
----------------------
الربا من المعاملات التي أجمعت الشرائع السماوية كلها على تحريمه، الآخذ والمعطي فيه سواء.
وآكل الربا يُبعَث يوم القيامة وهو يتخبط في جنونه كما قال تعالى : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.
{البقرة: 275}.
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى : "يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً يخنق"(2)، وقال وهب ابن منبه: "يريد إذا بُعِثَ الناس من قبورهم خرجوا مسرعين لقوله: يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى" نصب يوفضون {المعارج: 43} إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس؛ وذلك لأنهم آكلوا الربا في الدنيا، فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم؛ فهم ينهضون ويسقطون ويريدون الإسراع ولا يقدرون"(2).
ويشهد لهذا المعنى حديث مرفوع فيه ضعف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها حيات تُرى من خارج بطونهم؛ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أَكَلَةُ الربا"(1).
وأما عذابه في البرزخ فكما جاء في حديث المنام عن سمرة بن جندب رضي الله عنه وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، فيأتي ذلك السابح إلى ذلك الذي جمع الحجارة عنده، فيفغر له فاه فيلقمه حجراً حتى يذهب به سباحة إلى الجانب الآخر" وذكر في تفسيره في آخر الحديث أن ذلك السابح الناقل للحجارة آكل الربا(2).
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى : "إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر. وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئاً، وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه يمحقه"(3).
8 أن المتعامل به ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء"(4).
قال النووي رحمه الله تعالى : "هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل"(5).
وقال الصنعاني: "أي دعا على المذكورين بالإبعاد عن الرحمة، وهو دليل على إثم من ذكر وتحريم ما تعاطوه، وخص الأكل؛ لأنه الأغلب في الانتفاع، وغيره مثله"(6).
أضرار الربا الدنيوية:
----------------------
إذا تلوثت الأجواء أصاب كلَّ من يتنفس الهواء نصيبٌ من هذا التلوث، وإذا تكدرت المياه دخل شيء من كدرتها جوف كل شارب منها، وهكذا يقال في كل شيء متلوث يباشره الناس، حتى الأموال إذا داخلها الكسب الخبيث أصاب المتعاملين بها بيعاً وشراءً، وأخذاً وعطاءً شيء من خبثها وسحتها؛ فكيف إذا كانت بنية الاقتصاد العالمي على الكسب الخبيث؛ وفقاً للنظرية الرأسمالية المبنية على الحرية المطلقة في الأموال، والمقررة أن الغاية تسوِّغ الوسيلة؟ فلا شك والحال ما ذكر أن تتلوث الأموال عالمياً بالكسب الخبيث؛ حتى إن من حاول الاحتراز والتوقي يصيبه رذاذ خبث الأموال، وغبار الربا المتصاعد منها، مصداقاً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتين على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره"(1).
وإذا كان الأمر كذلك فإن حصول أضرار دنيوية اقتصادية واجتماعية وغيرها متحقق ولا مفر منه في كل أمة انتشر فيها الربا وما يتبعه من كسب خبيث كما دلت على ذلك النصوص والعقل وواقع حال البشر في هذا العصر الذي علا فيها شأن الاقتصاد المبني على الربا على الشؤون الأخرى.
ومن تلكم الأضرار الدنيوية ما يلي:
1 أن الربا سبب للعقوبات ومحق البركات:
قال الله تعالى : يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم {البقرة: 276}، ونظير هذه الآية قوله تعالى : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون {الروم: 39}.
والآيتان دالتان على مباركة المال بالصدقة لترغيبهم فيها، ومحقه بالربا لترهيبهم وتنفيرهم منه، لا سيما أن النفوس البشرية تحب تملك المال وتنميته وتموله؛ فقد تتقاعس عن الصدقة شحاً به، وتتعامل بالربا تنمية له؛ فبين الله تعالى أن البركة تحصل بالصدقة، والمحق يحصل بالربا.
قال الرازي: "لما بالغ في الزجر عن الربا وكان قد بالغ في الآيات المتقدمة في الأمر بالصدقات ذكر ههنا ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الصدقات وفعل الربا، وكشف عن فساده؛ وذلك لأن الداعي إلى فعل الربا تحصيل المزيد في الخيرات، والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقصان الخير؛ فبين تعالى أن الربا وإن كان في زيادة في الحال إلا أنه نقصان في الحقيقة، وأن الصدقة وإن كانت نقصاناً في الصورة إلا أنها زيادة في المعنى، ولما كان الأمر كذلك كان اللائق بالعاقل ألا يلتفت إلى ما يقضي به الطبع والحس من الدواعي والصوارف؛ بل يعول على ندبه الشرع إليه من الدواعي والصوارف"(2).
والظاهر أن محق الربا للمال يكون في الدنيا والآخرة؛ لعموم النصوص وعدم تخصيصها المحق بدار دون أخرى:(5/201)
ومن صور محقه في الدنيا: عدم بركته، وإنفاقه فيما لا يعود على صاحبه بالنفع بل فيما يضره؛ ليقينه أنه كسب خبيث فينفقه في خبيث أيضاً، فيكتسب به إثمين: إثماً في الاكتساب، وإثماً في الإنفاق؛ ذلك أن كسب المال من حرام لا يجيز إنفاقه في الحرام كما يظن كثير ممن يتخوَّضون في الحرام. ثم إن من استغل حاجة الفقراء وأكل أموال الناس بالربا فإنهم يبغضونه ويلعنونه ويدعون عليه؛ مما يكون سبباً لزوال الخير والبركة عنه في نفسه وماله، وإذا جمع مالاً عظيماً بالباطل توجهت إليه أطماع الظلمة والغاصبين، ويشجعهم على ذلك أنهم لا يرون أحقيته بالمال، فيسوِّغون لأنفسهم أخذه منه أو مشاركته فيه.
ومن صور محقه في الآخرة: عدم تسخيره في الطاعة لعلمه أنه محرم، ولو تصدق به أو حج أو أنفق في وجوه البر لكان حرياً بالرد وعدم القبول؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم إن ما يحصل له من شدة الحساب والعذاب المرتب على الربا في البرزخ وعند النشر من أعظم المحق؛ ذلك أن الأصل في المال منفعة ينفع صاحبه، والمرابي عاد عليه ماله بالضرر.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلٍّ"(1).
قال المناوي رحمه الله : "أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلاً يؤول إلى نقص ومحقٍ آجلاً بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك؛ فهو مما يكون هباءً منثوراً. قال الطيبي: والكثرة والقلة صفتان للمال لا للربا؛ فيجب أن يقدر: مال الربا؛ لأن مال الربا ربا"(2).
ولا يشك مؤمن أن القليل المبارك من المال خير من الكثير الممحوق البركة ولو كان الكثير محل إعجاب الناس وتطلعاتهم ورغباتهم؛ ولذا قال الله تعالى : قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث {المائدة: 100}.
والواقع المشاهد يؤكد هذه الحقيقة التي قررتها نصوص الشريعة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي والأممي.
أما على المستوى الفردي فإن أكثر الناس في هذا العصر عصر الربا يشكون من قلة بركة أموالهم رغم كثرة دخولاتهم وتعدد سبل كسبها.
أما على المستوى الأممي العالمي فرغم اختراع الآلة، واستغلال ثروات الأرض، وتنوع الصناعات، وتعدد الزراعات التي أصبح الإنسان المعاصر ينتج منها في اليوم ما لم يستطع إنتاجه من قبل في سنوات؛ حتى صارت أرقام الإنتاج الزراعي والصناعي أرقاماً عالية جداً؛ رغم ذلك كله فإن أكثر سكان الأرض يعيشون فقراً، ولا يجدون كفافاً، وفي كل يوم يموت منهم جموع من الجوع والمرض؛ فأين هي المنتجات الزراعية والصناعية؟ لِمَ لمْ تسدَّ جوع الملايين من البشر وهي تبلغ ملايين الملايين من الأطنان؟ فما كانت إذن قلة إنتاج؛ ولكنها قلة بركة فيما ينتجون ويزرعون ويصنعون!!
وأما حلول العقوبات، فإن المحسوس المشاهد منها الذي يعاني منه البشر في عصر الربا من التنوع والكثرة بما لا يعد. وهناك عقوبات معنوية يعاني منها أكثر الناس ولم يكتشفوا سر تلك المعاناة ومنها: استعباد المادة للإنسان بحيث تحولت من كونها وسيلة لراحته وهنائه إلى غاية ينصب في تحصيلها، ثم يشقى بحفظها، ويخشى فواتها. وتلك عقوبة أيُّ عقوبة!!
إن الإنسان في العصر الرأسمالي الذي أساسه الربا يريد الاستغناء بالأشياء، فإذا ما استغنى بها سيطر عليه هاجس زوالها فيظل شقياً في تحصيلها، شقياً في الحفاظ عليها. وهل يجد لذة الحياة من نعّم جسده، وعذّب قلبه، وأي عذاب أعظم من عذاب القلب؟!
وقد كان الإنسان قبل العصر الرأسمالي يستغني عما لا يستطيع تحصيله، ويقنع بما كتب له؛ فيرتاح باله، ويطمئن قلبه.
----------------------
2 الربا سبب لازدياد الفقر:
----------------------
سيطرة المادة على الناس، وخوفهم من الفقر والحاجة، وانعدام قناعتهم بالضروري من العيش، وتطلعهم إلى كماليات لا يحتاجونها، إلى غير ذلك انتشر وساد في العصر الرأسمالي الربوي. وكل ذلك وتوابعه ليست أخلاقاً ذميمة فحسب؛ بل هو عقوبات وعذاب يتألم الناس من جرائها في زمن انتشار الربا؛ حتى أصبح الفقير يريد الغنى، والغني يريد أن يكون أكثر ثراء، وصاحب الثراء الفاحش يريد السيطرة على أسواق المال في سلسلة لا تنتهي من الجشع وحب الذات وكراهية المتنافسين، وغير ذلك من الأخلاق الرديئة، وصار في الناس مستورون لا يقنعون، وأغنياء لا يحسنون ولا يتصدقون إلا من رحم الله تعالى.
وإذا ما استمر العالم على هذا النحو من تفشي الربا، وارتباط المعاملات المالية به فإن النهاية المحتومة ازدياد الفقر والجوع حتى يهلك أكثر البشر، واجتماع المال في خزائن فئة معدودة من كبار المرابين، وهذا ما جعل أحد كبار الاقتصاديين الأوروبيين يطلق على الربا: تجارة الموت؛ فيقول: "الربا تجارة الموت، ومن شأنه أن يشعل الرأسماليون الحرب وإن أكلت أكبادهم في سبيل مضاعفة رأس المال ببيع السلاح"(1).
وما حطم قيمة الأوراق النقدية، وقضى على أسعار العملات إلا الربا الذي يقوم عبره عصابة من المرابين بضخ المال في عملة من العملات ثم سحبه من رصيدها لتقع قيمتها من القمة إلى الحضيض، فيصيب الفقر شعوباً وأمماً لا تملك سوى عملتها التي ما عادت تساوي شيئاً، وليس ببعيد عن الأذهان ما حصل لبعض دول شرق آسيا.
الربا سبب لرداءة النقود وضعفها:
----------------------
المتخصصون في الاقتصاد يقررون أن النقود هي دماء الاقتصاد، والنقود السليمة هي التي تجعل الاقتصاد سليماً؛ ولكن نقود العالم الحالية مريضة بالتضخم الناتج عن الربا، ولا يمكن علاجها إلا بمعالجة التضخم، ولن يتم علاجه إلا بإلغاء فوائد الربا. ويشخِّص هذه الحقيقة الاقتصادي الألماني: (جوهان فيليب بتمان) مدير البنك الألماني (فرانكفورت) فيقول: "كلما ارتفعت الفائدة تدهور النقد، فكما يؤدي الماء إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليب فإن الفائدة تؤدي إلى رداءة النقود. قد يبدو الأمر أننا نسوق تعبيرات أدبية، أو أننا نبسط المسألة ونسطحها؛ ولكن الحقيقة أن هذه العبارة السهلة البسيطة هي في الواقع معادلة سليمة وصحيحة تدل عليها التجربة، ويمكن إثباتها؛ فالفائدة العالية تدمِّر قيمة النقود، وتنسف أي نظام نقدي ما دامت تزيد كل يوم، وتتوقف سرعة التدمير وحجمه على مقدار الفائدة ومدتها"(1).
وهكذا صارت عاقبة الربا وإن كثر إلى قِلٍّ. وهذه صورة من صور المحق التي يسببها الربا للأموال المتعاملين به.
وبسبب انتشار الربا في المعاملات المالية أضحت البورصات العالمية وكأنها صالة قمار واسعة، ليس الأمر فيها يتصل بالمقامرات غير المحسوبة فحسب؛ بل إن هناك من يبيع دائماً ما لا يملك، ومن يشتري من دون أن يدفع ثمناً. ومن يتظاهر بأن هناك أسهماً لشركات وما هي في الواقع بشركات، ومن يقيد بالدفاتر مليارات كبيرة دون أن يراها، ودون أن يقابلها رصيد من أي نوع، إنها الفائدة الملعونة المسؤولة عن المصائب الكبرى في النظام النقدي العالمي، وهي المسؤولة عن التضخم، وعن ضياع الأموال، وعن عجز دفع المدينين ديونهم، كما قرر حقيقة ذلك الاقتصادي الغربي (موريس آليه) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد(2).
----------------------
4 الربا سبب ----------------------لرفع الأمن وانتشار الخوف:(5/202)
تسود الأنانية وحب الذات وانعدام الرحمة كل المجتمعات التي ينتشر فيها الربا؛ فالموسرون المرابون يقرضون الفقراء المحتاجين بفوائد الربا التي تزداد مع طول المدة وشدة الحاجة، مما يجعلهم عاجزين عن السداد. والنتيجة النهائية: إما أن يسرقوا لسداد القروض الربوية، وإما أن تصادر أملاكهم وتباع للمقرضين؛ ليعيشوا وأسرهم بقية أعمارهم على قارعة الطريق يتكففون الناس، أو في الملاجئ والدور الاجتماعية مما يكون سبباً في قتل كرامتهم، وحرمان المجتمع من عملهم وإنتاجهم.
إن الربا هو السبب الرئيس في انتشار الجريمة والانتقام بين أصحاب رؤوس الأموال وكبار المرابين، مما يكون سبباً في رفع الأمن، وبسط الخوف والذعر في المجتمعات.
وواقع كثير من البلدان التي ينتشر فيها الربا شاهد على ذلك، وهل يستطيع إنسان بِيعَ بيتُه، وشُرِّدَ هو وأولاده لسداد ما عليه من قروض الربا أن يصبر عن الانتقام؟ وماذا يبقى له في الدنيا إذا كان يريد العيش لها إلاَّ أنه فقدها فجأة؟!
----------------------
وأخيراً.. اجتناب الربا أهون من التخلص منه:
إن المتعامل بالربا يعز عليه الخلاص منه بعد الغرق فيه؛ ولا سيما إذا كانت تجارته كلها مؤسسة عليه. ولا ينجو من ذلك بعد الانغماس فيه، ويبادر بالتوبة والخلاص منه إلا من هدي للرشاد ووفق للخير.
قد يغتر المبتدئ في حياته الوظيفية أو التجارية بالقروض الربوية الميسرة أو بالفوائد المركبة والبسيطة التي تعلن عنها بين حين وآخر البنوك الربوية؛ بقصد أكل أموال الناس بالباطل، ويتولى إثم الإعلان عنها، والدعاية لها المؤسسات الإعلامية المختلفة من مشاهد ومسموع ومقروء؛ ولكن ذلك المسكين الذي اغتر بها حين يفرق في الربا ربحاً أو خسارة فلن ينجو بسهولة، وكان الأسهل عليه أن يجتنب طريقها أولاً.
إنه قد يربح الفوائد من الإيداع ولكنه سيخسر بركة ماله، ولقمة الحلال ودينه وآخرته، وإن كان مقترضاً فسيجني أغلال الديون مع الإثم والفقر.
والشاب الذي يغريه راتب الوظيفة الربوية وسيارتها وبعثاتها وميزاتها عليه أن يتذكر أن عاقبة ذلك خسران في الدنيا والآخرة، والرضى بالقليل الحلال خير وأعظم بركة من الكثير الحرام، ولن يندم عبد تحرى الحلال في كسبه وإن فاته الكثير من المال؛ لكنه سيندم أشد الندم إن أدخل في جوفه حراماً، وقد يكون ندمه متأخراً لا ينفعه.
والله تعالى قال: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون {البقرة: 275}
============
يمحق الله الربا
د. أحمد بلوافي
"إننا خسرنا في ليلة واحدة أتعاب وتضحيات عشرات السنين". [الرئيس الأندونيسي سوهارتو]
"لا يمكننا منافسة العالم على أساس نظامنا الحالي الذي يعتمد على الإفراط في الاقتراض ويتركز على التوسع الخارجي". [كيم يونغ سام - رئيس كوريا الجنوبية].
عند تصفح كتاب الله وبعض أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي ذكرت العقوبات أو الوعيد المتعلقة بكبائر الذنوب بعد الشرك بالله لا نجد كبيرة تحدث عنها المولى - جل وعلا - بمثل هذه الألفاظ القوية وهذا الوعيد الشديد، "المحق"(1)، "حرب من الله ورسوله"(2)، "الخلود في النار"(3)، إلا جرم الربا. وحديث المولى عن هذا الإثم المبين بهذه الصفة، قصد منه - والله أعلم -تنفير النفوس المؤمنة منه لكي تحترز أشد الاحتراز في الاقتراب منه أو تعاطيه؛ كما أريد منه تحذير الناس من العواقب الوخيمة للوقوع في حمأته.
وقد كان لهذه القوة في الأسلوب والتشديد في الوعيد تأثير على استنباطات علمائنا الأجلاء وتشديدهم في مسألة التعاطي بالربا، فعلى سبيل المثال، نقل القرطبي في تفسيره(4) عن ابن بكير قوله: "جاء رجل إلى مالك بن أنس، فقال: يا أبا عبد الله، إني رأيت رجلاً سكران يتعاقر يريد أن يأخذ القمر. فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشر من الخمر. فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد فقال له: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد فقال له: امرأتك طالق، إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئاً أشر من الربا؛ لأن الله أذن فيه بالحرب" اهـ.
نعم إن الله أذن فيه بالحرب، وتوعد ما يحقق عن طريقه من كسب بالاستئصال وذهاب البركة، وأوردنا أثراً يوضح أن عاقبته إلى قل وإن ظهر أنه نما وترعرع، ويعلل ابن القيم - رحمه الله -هذا الأمر قائلاً(5): "فأما الجلي [من أنواع الربا]، فربا النسيئة وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال، كلما أخره زاد في المال، حتى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفة؛ وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج؛ فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره، وتعظم مصيبته، ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرم الربا ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، وآذن من لم يدعه بحربه وحرب رسوله، ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر" اهـ.
إن الذي ذكره ابن القيم - رحمه الله -من مضار الربا يمثل قمة التحليل الاقتصادي لمخاطر بناء الاقتصاد على هذا الأساس المعوج، وإن كان المثال الذي ذكره يدور حول آثار ذلك على الفرد، وهو ما يعرف في الاقتصاد بالتحليل الجزئي، فإن الصورة تكون أكثر وضوحاً لو طبقنا ذلك على مستوى الدول أو الشركات الكبيرة أي التحليل الكلي، وهذا ما سنقوم به من أجل تسليط الضوء على الاضطرابات المالية التي شهدتها اليابان وكوريا الجنوبية وقبلهما دول جنوب شرق آسيا الأخرى(6).
فمن خلال النظر في الكلام الذي ساقه ابن القيم يمكن الخروج بنتيجتين منطقيتين لآثار الربا، وهما: دفع المال من وقت إلى آخر واستغراق أموال الربا لجميع موجودات المدين.
الأثر الأول: دفع المال من وقت إلى آخر.
وهو ما كان يعرف في الجاهلية بعبارة "زدني وأربِ"، أي زدني في أجل الدين وارفع من سعره؛ فيستفيد المدين من الوقت والدائن من زيادة المال، وهذا الصنف من المعاملة وما يدور في فلكه يطلق عليه اسم "ربا النسيئة" حسب تصنيف الفقهاء، وهو محرم بالإجماع(7). وهو نفس التقنية التي تطبق اليوم وعلى نطاق واسع في جميع الاقتصاديات سواء على مستوى الأفراد أو الشركات بل وحتى الحكومات والدول. وما إعادة الجدولة التي تطلبها دول العالم الثالث من نادي باريس للحكومات الدائنة أو نادي لندن للبنوك التجارية العالمية إلا إحدى أساليبها. فعندما تعجز هذه الدول عن الوفاء بالأقساط المطلوبة منها كل سنة فإنه يمنح لها زيادة في الوقت مع تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي للإصلاحات الاقتصادية ويزاد في أسعار الفوائد (الربا) ثم تمنح لها قروض ربوية لتسديد ما اقترضته من قبل. وهكذا الحال بالنسبة للشركات الكبيرة أو الحكومات بشكل عام؛ فإن طرق تمويل نفقاتها أو مشروعاتها لا يخرج عن نطاق الشراكة أو الاقتراض الربوي. ويمثل الطريق الأول الأسهم والثاني السندات الربوية بمختلف أشكالها. وما يلاحظه الدارس لأوضاع الدول المتقدمة والشركات فيها بل وحتى الأفراد هو الاعتماد على الطريق الثاني بدل الأول، وهذا نتيجة لعوامل عدة ليس هذا مجال بحثها.(5/203)
هذا الوضع بالنسبة لليابان في الثمانينيات والدول الآسيوية الأخرى في التسعينيات أدى إلى انتشار ظاهرة اقتصاد الفقاعة ويقصد بها المبالغة في التفاؤل باستمرار أيام الازدهار وما صاحبها من إقدام الناس على شراء البيوت وغيرها من العقارات أو المنقولات بأسعار مرتفعة وتمويل ذلك عن طريق الإقراض الربوي. فبدأت الأموال الربوية تتراكم سنة بعد أخرى حتى تعرض قطاع العقارات في اليابان وأسواقها المالية إلى هزة عنيفة عام 1990 بسبب كبر حجم القروض التي لا يستطيع أصحابها سدادها مما أثر على النظام المالي، وخاصة البنوك، وظهر ما كان مخفياً لعدة سنوات من أن النظام المالي في اليابان يعاني من مشكلات ولابد له من إصلاحات لتجاوزها.
وكان من بين الحلول المطروحة أن تدع الحكومة اليابانية المؤسسات المعسرة تلاقي مصيرها المحتوم - وهو الإفلاس وإغلاق الأبواب - غير أنها لم تر العمل بتلك السياسة وأن لديها من الأموال ما يكفي لتغطية تلك الديون المعدومة وإنقاذ المؤسسات التي سيؤثر انهيارها على عملية استقرار النظام المالي برمته.
استمر الوضع على هذا المنوال حتى جاءت عملية إفلاس شركة ياماييشي في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1997، وهي رابع أكبر شركة سمسرة مالية في اليابان ويعد سقوطها أكبر حدث سلبي شهده الاقتصاد الياباني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تزامن سقوط ياماييشي مع انهيار مؤسستين ماليتين أخريين وهما: شركة سانيو للسمسرة المالية وبنك هوكايدو طاكوشوكو(8). وقد قدرت المستحقات التي على هذه الشركة عند إغلاقها(9) بـ 3509 مليار ين (27.8 مليار دولار) مع تسريح آلاف العمال في اليابان وخارجها.
وإذا كان سقوط ياماييشي لن يؤثر كثيراً على أداء الاقتصاد الياباني الذي لديه من الاحتياطات المالية ما يغطي مثل تلك المبالغ المستحقة عليها؛ غير أن هذه الجزئية لا يجب فصلها عن وضع النظام المالي في اليابان الذي أظهرت التقارير والتحاليل الرسمية وغيرها عن وضعه الأمور التالية:
1 - من المتوقع أن يعلن 13 مصرفاً من مجموع الـ 19 مصرفاً كبيراً عن خسائر في تقاريرها المالية هذا العام، وذلك نتيجة إسقاط القروض المعدومة الكبيرة من ميزانيتها. وإذا كان بنك اليابان - البنك المركزي - مستعداً لدفع مبالغ لأية مصرف يمكن أن يؤثر سقوطه على استقرار النظام المالي فإن حل مشكلة القروض المعدومة في التسعة عشر بنكاً الكبيرة سيكلف مبالغ تتجاوز قيمتها 8 تريليون ين (62.5 مليار دولار)(1).
2 - مجموع القروض التي قدمها بنك اليابان للنظام المصرفي ازدادت من مستوى 373 مليار ين (2.8 مليار دولار) إلى مستوى 3.6 تريليون ين (27.3 مليار دولار) مع نهاية شهر 11 عام 1997 (2).
3 - ولا يقتصر تأثير القروض المعدومة على البنوك لوحدها بل يتعداه إلى شركات التأمين على الحياة التي قدمت ما مجموعه 434 مليار ين (3.4 مليار دولار) من القروض غير المضمونة من قبل وزارة المالية (Subordinated Loans) لشركات السمسرة المالية، وما مقداره 14 تريليون ين (111 مليار دولار) للبنوك التجارية، فإذا ما أفلست البنوك أو شركات السمسرة معنى هذا أن شركات التأمين على الحياة ستتبعها في ذلك.
4 - نظراً للحصة الكبيرة، 320 مليار دولار حتى نهاية 8/1997، التي تملكها البنوك اليابانية في سوق السندات الأمريكية، فإن تعرضها لأزمة قد يضطرها إلى بيع تلك السندات، مما قد يؤدي إلى حدوث انخفاض في أسعار السندات والأسهم في سوق نيويورك ثم باقي الأسواق العالمية الكبرى.
وإذا انتقلنا إلى كوريا الجنوبية التي يحتل اقتصادها المركز الحادي عشر على المستوى العالمي، فإن الصورة أكثر وضوحاً وجلاء مما عليه وضع اليابان، وذلك لأن قاعدة الاقتصاد وهذا الازدهار الذي شهده بني على الاقتراض الربوي، بل الإفراط فيه وفي الاستثمارات الخارجية، وقد ذكرنا مقولة رئيسها في بداية المقال، هذه التركيبة جعلت وضعها الاقتصادي يخضع لرحمة مستوى أسعار الفائدة العالمية. وعلى المستوى الداخلي فإن الحكومة المركزية(3) ألزمت البنوك التجارية بإعطاء قروض للشركات الصناعية الكبيرة - وهي لا تستحق ذلك في كثير من الأحيان عند تطبيق المعايير المالية والاقتصادية - ومع مرور الأيام بدأت بعض هذه الشركات تعجز عن سداد ما عليها مما اضطرها إلى إعلان إفلاسها مثل شركة هانبو(HANBO) (صناعة الحديد)، وكيا KIA)) (قطاع السيارات) تاركتين البنوك بقروض ربوية معدومة كبيرة، مما أثر على وضع هذه الأخيرة التي كان يتطلب الوضع الذي آلت إليه في نهاية 1996 إلى إغلاق العديد منها بسبب حجم القروض المعدومة وخسائر الشركات الكبيرة التي تستحوذ على النصيب الأكبر في قطاع الاقتصاد، لكن هذا لم يحدث.
فبدأ الوضع يزداد سوءاً حتى وصلت نسبة القروض التي لا يمكن استردادها إلى مستوى 18% من مجموع القروض التي قدمتها تلك البنوك، ومع انهيار قيمة الوون (العملة الكورية) لم تجد الدولة بداً من التوجه إلى صندوق النقد الدولي وأخذ قرض مشروط بقيمة 20 مليار دولار من أجل عدم ترك الأمور تصل إلى وضع أسوأ مما هي عليه الآن، أما عملية إصلاح النظام المالي المتعفن على حد قول مجلة الإكونوميست فإنها تكلف ما بين 60 إلى 100 مليار دولار، ومن جهة أخرى فإن الديون الخارجية لكوريا تقدر الآن بـ 122 مليار دولار معظمها قصيرة الأجل - أي تستحق السداد في أجل لا يزيد عن السنة.
وما يدهش حقاً في مسألة كوريا الجنوبية هو أن اقتصادها نما بمعدل 8.6% خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن صادراتها نمت من مستوى 33 مليون دولار عام 1960 إلى مستوى 130 مليار دولار العام الماضي، أي أن قطاع الصادرات نما بمعدل 3939% من عام 1960 إلى 1996. ومع كل هذا فإن هذه التطورات لم تصمد في وجه حقيقة الربا؛ لأن أصل البناء أقيم على جرف هار توعد الله بمحقه واستئصال بركته.
وبشكل عام فإن الأنظمة المالية - خاصة البنوك - في الدول الآسيوية تعاني من مشاكل جمة لعل أبرزها مشكلة القروض المعدومة التي تتراوح نسبها بالنسبة إلى مجموع القروض التي قدمتها بين 10 و 20% بينما في أمريكا لا تتعدى هذه النسبة مستوى 1%.
هذه هي النتيجة الحتمية والعاقبة المنطقية بالنسبة لمعالجة مشاكل الربا عندما تتفاقم كما يراها الذين يدافعون عنها والذين يقعون في حمأتها، وذلك بدفع الأموال المتراكمة من وقت إلى آخر حتى تحين اللحظة التي يتضح فيها أن عملية التأخير لا تسمن ولا تغني من جوع، فتحدث الاضطرابات والهزات كتلك التي شهدها العالم عام 1982 في ما عرف بأزمة ديون العالم الثالث، وشهدتها أمريكا في الثمانينيات بسقوط مئات المؤسسات المالية للقروض والمدخرات(4)، والمكسيك عام 1994، وغيرها من الدول الأخرى.
الأثر الثاني: استغراق أموال الربا جميع الموجود.(5/204)
وهذا أمر بدهي؛ لأن المرابي يطالب بدفع أمواله كاملة غير منقوصة، وتحميها القوانين الآن، بينما الحقيقة التي لا فكاك منها هي أنه في الواقع العملي وفي الجانب الحقيقي من الاقتصاد هناك ربح وخسارة، فكيف نضمن دفع أموال مع زيادة تحت مسمى القرض أو السند؟ ونفصلها عن الأموال التي تدفع تحت مسمى الشراكة أو السهم ونفرق بينهما في المعاملة فنضمن الأول ونخضع الثاني لمبدأ الغنم بالغرم، من شأن هذا الوضع المقلوب أن يعطي السلطة للمقرضين للاستحواذ على ممتلكات الدائن العقارية وغيرها حتى يتمكنوا من تسديد جزء من الأموال وليس كلها، فيتعرض أصحاب المهن والمهارات والأفكار إلى الظلم والحيف الشديد نتيجة هذه القوانين الجائرة ويتعرض الاقتصاد إلى الاضطراب والهزات على الدوام، وهذا أمر ملاحظ ومشهود.
فالجانب المالي - أي قطاع المال - من الاقتصاد الآن طغى ونما بمعزل عن الجانب الحقيقي: أي قطاع السلع والخدمات، فجميع الأسواق المالية مقومة بأكثر من الواقع الذي يجب أن تكون عليه. أي ما هو مسجل على الأوراق أو بواسطة الأجهزة الإلكترونية يفوق كثيراً قيمة السلع والخدمات الحقيقية التي كان يفترض أن يكون عمل الجانب المالي مثل المرآة يعكس صورة الحركة والمعاملات فيها. ولهذا يعزو كثير من المحللين حدوث الهزات المفاجئة إلى هذا الأمر ويقولون أن: قيمة الأسواق مرتفعة Overvalued Markets)) ولابد أن يصحح وضعها، إلا أن عملية التصحيح هذه لا يمكن التأكد من مفعولها وأثرها الإيجابي وذلك بسبب وجود العلة التي توجدها وتساهم في تفاقمها وهي الربا.
ونتيجة لتعارض الفلسفة التي يقوم عليها الربا مع بدهية الربح والخسارة فمن شأن ذلك مع وجود القوانين التي تحمي أموال الدائنين أن يؤدي إلى أن الأموال التي يجب سدادها للمرابين تفوق الممتلكات التي لدى المقترضين. فإذا كان الأمر شديد الوضوح بالنسبة للشخص الذي يقترض لغرض الاستهلاك - أي الاستخدام النهائي - فإنه لا يصعب إدراكه بالنسبة للذي يقترض لأغراض الاستثمار والاتجار. فلو افترضنا أن المستثمر الذي يقترض على أساس الربا ناجح وشديد الحذر والحيطة في عدم الوقوع في مشكلة تأخير سداد الدين، فإنه يستطيع أن يفعل ذلك لمدة سنة أو عشر سنوات، لكن لا بد أن يحين الموعد الذي يعجز فيه عن الوفاء بجميع ما عليه من أموال دون اللجوء إلى الاقتراض مرة أخرى. لأن الأموال الربوية تزداد وبأضعاف مضاعفة على الدوام، بينما المشروع الاستثماري ليس كذلك. فحتى في حال تحقق الأرباح بصفة مستمرة إلا أن نموها ليس مطرداً على الدوام. وما عدم قدرة الحكومات في دول العالم الثالث على الوفاء بديونها في الأوقات والتواريخ المحددة وسقوط كثير من الشركات المالية وغيرها في البلاد المتقدمة مع تطور مستويات ديونها بصورة مرعبة إلا دليل على ذلك، ثم جاءت هذه الأحداث التي تعصف بنمور آسيا لتعضد هذا القانون البدهي.
وكما ذكرت في غير هذه المناسبة(5) فإن فرض سعر الفائدة (الربا) على النقود التي هي معيار لتقويم السلع والخدمات ابتداء يؤدي إلى كل هذه الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي تشهده الاقتصاديات المعاصرة وما سبقها من اقتصاد دول وإمبراطوريات بني على أساس الربا. وقد وقعت على كلام نفيس لابن القيم - رحمه الله -(6)، يؤكد هذه المسألة، فيقول مرجحاً سبب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - للذهب والفضة مع باقي الأصناف الأربعة التي تحدثت عن ربا الفضل(7) بعلة الثمنية، أي أنها أثمان للمبيعات: ".. فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء، ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخلف، ويشتد الضرر كما رأيت من فساد معاملاتهم والضرر اللاحق حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم [وكما هو واقع في عالمنا اليوم تحت مسمى المضاربات المالية]، ولو جعلت ثمناً واحداً لا يزداد ولا ينقص بل تقوم به الأشياء ولا تقوم هي بغيرها لصلح أمر الناس.. فالأثمان لا تقصد لأعيانها، بل يقصد التوصل بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعاً تقصد لأعيانها فسد أمر الناس، وهذا معنى معقول يختص بالنقود لا يتعدى إلى سائر الموزونات" اهـ.
هذه بعض أضرار الربا وآثاره كما نشاهدها ونعايشها، فما بال أناس من بني جلدتنا يفرضون علينا الربا في عقر دارنا ويجعلونه ركناً أساسياً لا يتصورون قيام اقتصاد ولا إحداث نهضة تنموية من غير الاعتماد عليه، وما بال بعض المشايخ يبيح الربا لولي أمره أو لا ينكر عليه ذلك لأنه – حسب تصوره - ليس هو الربا الذي كان سائداً أيام جاهلية العرب عند بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاعتبر البنوك الربوية وأعمالها حلالاً مائة بالمائة، وتهاون في القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيال هذا الجرثوم العظيم الذي أضاع الكثير من مقدرات الأمة وثرواتها وكبل نمو اقتصادياتها. ولن نقف طويلاً عند ترهات الذين قدموا تجارب الغرب والدول الآسيوية ونهضتها الاقتصادية بحلوها ومرها نموذجاً يجب تتبع خطاه في كل صغيرة وكبيرة دون النظر إلى ما عند الأمة من ثوابت ثم عواقب ومآلات الأضرار التي يحدثها تطبيق الربا في اقتصاديات هذه الدول، فهذا الصنف من الناس لشدة ولوعهم وتقليدهم لنموذجهم المفضل لا نظن أنهم سيستخدمون عقولهم لإدراك ما نكتبه أو يكتبه غيرنا إلا إذا حدث تغيير جذري في طريقة تفكيرهم وتعاملهم مع مثلهم الأعلى.
وأخيراً ما بال آخرين بدأوا يتساهلون في مسألة الإفتاء بجواز بعض صور الربا المحرمة، مثل القروض العقارية (Mortgage) أو "المورغج" اللعين على حد تعبير الدكتور علي السالوس - حفظه الله -، وخاصة في بلاد الغرب بحجة الضرورة أو أن أبا حنيفة - رحمه الله -أباح التعامل بالعقود الفاسدة في غير دار الإسلام.
لهؤلاء وأولئك نقول: اتقوا الله في هذه الأمة وفي ثوابتها في مسألة الربا وغيرها من المسائل العظام فإن طريقكم هذا أحدث بلبلة عظيمة وهز كثيراً من المسلمات والقناعات لدى فئات كثيرة من الناس. فإن كنتم تتصورون أن في الأمر تيسيراً وتسهيلاً لحل المشاكل التي تعاني منها الجالية في بلاد المهجر نقول: ما هكذا يا سعد تورد الإبل، فإن كان ظاهر الأمر مثل ما تتصورون فإن حقيقته وعاقبته ومآله غير ذلك، لأن مصير الربا إلى قل ومحق وإن علا وانتفش. فلا يزال في الأمر متسع وبدائل وإن كان كثير منها فيه مشقة وعنت كما يظهر لنا بتقديرنا نحن البشر المتأثرين بضغوط الواقع من حولنا، فهذا أقل ما يمكن أن نصبر على مشاقة وتبعاته في زمن أصبح المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر. وعلى أية حال لي عودة إن شاء الله لهذا الموضوع لزيادة بيانه وتفصيله، فلعل الله ييسر أمر تنقيح ما عندي من مادة وإخراجها في كتيب تعميماً للفائدة وإبراء للذمة، ولا أملك إلا أن أختم هذا الموضوع بما ختم الله به الآيات التي تحدثت عن الربا في سورة البقرة، فيقول عز من قائل: ]واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون[ [البقرة:280]...(5/205)
----------------------------------------
(1) - المحق: النقص وذهاب البركة، ومنه محاق القمر وهو انتقاصه، و ] يمحق الله الربا[، أي يستأصل الله الربا فيذهب ريعه وبركته، وعن ابن عباس قال عند هذه الآية: "لا يقبل الله منه صدقة ولا حجاً ولا جهاداً ولا صلة"، وروى ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قُل" اهـ [لسان العرب: 10/338، القرطبي: 2/364].
(2) - نقل القرطبي في تفسيره عن خُويز منداد قوله: "ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالاً كانوا مرتدين، والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة، وإن لم يكن ذلك منهم استحلالاً جاز للإمام محاربتهم، ألا ترى أن الله - تعالى - قد أذن في ذلك فقال: ]فأذنوا بحرب من الله ورسوله[.." اهـ [القرطبي: 2/364]
(3) - قال - تعالى -: [فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون] [البقرة: 274].
(4) - الجامع لأحكام القرآن، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص 364.
(5) - إعلام الموقعين، 2/154، طبعة دار الجيل - بيروت.
(6) - حول اضطرابات هذه الدول يراجع مقالنا: "وجهة نظر"، السنة، العدد 70، ص: 42 - 47.
(7) - نقل ابن القيم عن الإمام أحمد - رحمه الله -أنه سئل عن الربا الذي لاشك فيه فقال: "هو أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل" اهـ [إعلام الموقعين: 2/154].
(8) - يحتل هذا البنك المركز العاشر ضمن التسعة عشر بنكاً الكبرى في اليابان، وقد أظهرت سجلاته المالية حتى مارس 1997 أن مجموع المبالغ المودعة عنده تصل إلى 6.8 تريليون ين (52.3 مليار دولار)، أما مجموع القروض المشكوك في تحصيلها فقد بلغ 934 مليار ين (7،18 مليار دولار).
(9) - الفايننشيال تايمز [FT]، 25/11/1997.
(1) - مجلة الإكونوميست 22/11/1997، وقد ذكرت الفايننشال تايمز بتاريخ 25/11/1997، أن نتائج نصف السنة المالية لثمانية مصارف قد تظهر أن قيمة القروض المشكوك في تحصيلها تصل إلى 9862 مليارين (75.9 مليار دولار).
(2) - نفس المرجع، 29/11/1997.
(3) - الإكونوميست، 29/11/1997.
(4) - هذه العملية أدت إلى إغلاق 747 مؤسسة قروض ومدخرات (Savings & Loans)، وقد كلفت هذه العملية دافعي الضرائب 91 مليار دولار، وهو مبلغ أقل بكثير مما كان يتوقعه المسؤولون الماليون.
(5) - السنة، الأعداد: 29، 31، 32.
(6) - إعلام الموقعين: 2/156.
(7) - هو أحد أنواع الربا كما قسمها الفقهاء في غالب تصنيفاتهم.
================
البنوك الإسلامية V.s البنوك الربوية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة ولسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد
فإن في هذه الدراسة البسيطة ردود على تساؤلات بعض الإخوة الأفاضل حول الفرق بين البنوك الإسلامية والربوية
بالإضافة إلى شرح لبعض المفاهيم في فقه البيوع لنتعرف على أسباب التحريم في بعض المعاملات المالية المعاصرة
لذلك سنقسم الموضوع كالتالي:
المبحث الأول: الربا
*الربا في الفقه الإسلامي
*الربا في الدراسات الاقتصادية
*المضاربة
المبحث الثاني: معاملات البنوك
*طبيعة عمل البنك
*هل تتدخل البنوك التجارية في العملية الإنتاجية؟
*ودائع البنوك عقد قرض (شرعاً وقانوناً) مهم جداً
المبحث الثالث: بعض العقود البديلة للقروض الربوية
*المضاربة
*الاستصناع
*صكوك المقارضة
*المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك
المبحث الأول: الربا
الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات وأصلي وأسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد ...
سوف نناقش في هذا المبحث مفهوم الربا والأدلة عليه وبعض أضراره الاقتصادية، بالإضافة إلى مفهوم المضاربة في الفقه الإسلامي (وليس مضاربة البورصة) والفرق بينها وبين القرض الإنتاجي الربوي
نبدأ على بركة الله
الربا في الفقه الإسلامي
أولاً: في الكتاب الكريم
من المعلوم أن الربا لم يحرم إلا في العهد المدني، إلا أن الآيات في الكاتب الكريم منها ماهو مكي.
فقد جاء ذكر الربا في سورة الروم (مكية) من باب التدرج في تحريم الربا
يقول تعالى: ((وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُواْ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)) [سورة الروم:39]
ثم جاء التحريم في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [سورة آل عمران:130]
وجاءت ئسورة البقرة بختام هذا التشريع وبينت سوء المنقلب لمن يتعامل بالربا واعتبرته عدواً لله ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم
يقول تعالى: ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)) [سورة البقرة:275-279]
وكما رأينا فإن في هذه الآيات الشريفات ما يقشعر له البدن من سوء العاقبة لمن يأكل الربا
تدبر أخي الكريم مرة أخرى في قوله عز وجل: ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))
لم يؤذن بحرب من الله ورسوله لا في الزنا ولا في شرب الخمر ولا في القتل ولا في السرقة
لم يأتي ذكر ذلك إلا في الربا
وبعد ذلك
يا عبد الله أتجرؤ على محاربة الله ورسوله؟
يا عبد الله ألا زلت تحل الربا بحجة أن مثله مثل البيع؟
ثانياً: في السنة الشريفة
جاءت السنة النبوية الشريفة لتؤكد أن الربا من الكبائر ومن الجرائم التي تهلك صاحبها
نجد في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري ثلاثين حديثاً في الترهيب من الربا
منها ما رواه الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))
وما رواه مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء))(5/206)
ومن هنا يتوجب علينا كمسلمين أن نجتنب الربا وكل ما يتعلق به ... ليس هذا فحسب بل كل مافيه شبهة ربا لعظم عقوبته عند الله تعالى وخصوصاً في زمننا هذا
تأمل أخي الكريم أختي الكريمة في هذين الحديثين الشريفين والذان يصفان حال الأمة اليوم
يقول صلى الله عليه وسلم: ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء يما أخذ المال أمن الحلال أم من الحرام)) رواه البخاري وأحمد وغيرهما
وتدبر معي هذا الحديث الذي يصف ما فعلته بنا البنوك الربوية في هذا الزمان
يقول صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره)) وفي رواية ((من بخاره)) أخرجه أحمد والنسائي
وبعد ذلك ... هل من مجال لأكل الربا؟
مفهوم الربا المحرم
وهنا نأتي على مفهوم الربا المحرم من المصادر التالية:
في الكتاب
في السنة
في الإجماع
لنكون صورة واضحة عن مفهوم الربا لمن يحهله أو يحاجج بغير علم بأن الربا المحرم هو خلاف ما عند البنوك الربوية
وسنتناول ذلك بصورة سريعة
الربا في الكتاب
يقول الجصاص في أحكام القرآن (1\465) عند قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [سورة البقرة:278]
الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل، بزيادة على مقدار ما استقرض، على ما يتراضون له.
الربا في السنة
جاءت السنة المطهرة لتؤكد تحريم ربا الديون الذي حرمه القرآن الكريم وتبين أنه من أكبر الكبائر، وأن اللعنة تنزل على كل من اشترك في ارتكابه
طبعاً كل ما سبق كان عن ربا النسيئة أي التأجيل بالدفع كما يحصل في القروض الربوية في البنوك اليوم (تسديد القرض بالأقساط وخلافه)
كما أن السنة بينت تحريم ربا الفضل أي الزيادة
يقول صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد))
مثال:
شخص عنده دينار ورق ويبي خردة من فئة 100 فلس
أعطيه الخردة وآخذ منه الدينار ولكنني أعطيه 900 فلس بحجة أن المئة الفلس الأخرى فائدة لي
وقس على ذلك الذهب والفضة والتمر والأصناف الستة الموجودة في الحديث
الربا في الإجماع
أقوال العلماء كثيرة بهذا الصدد سواء من المتقدمين أو المتأخرين
ويكفيني أن أذكر لكم قرار المجمع الفقهي سنة 1965 م :
((الفائدة على أنواع القروض كلها رباً محرم لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي))
و أقتبس من شيخي الدكتور علي السالوس هذه العبارة تعليقاً على قرار المجمع أعلاه:
وبعد هذه الفتوى الجماعية يجب أن تتوقف الفتاوى الفردية، وألا نبرر لأنفسنا التعامل بالربا لأن فلاناً من الناس قال: إنه ليس ربا وإنه حلال!
الربا في الدراسات الاقتصادية
" أشار بعض من كتب عن فوائد البنوك وشهادات الاستثمار إلى ضرورة الأخذ برأي رجال الاقتصاد -ما دمنا نبحث في مسألة إقتصادية- فلا يكفي أن نسمع الآراء الفقهية. والواقع أن هذه المسألة فيها جانبان:
*جانب الحكم الشرعي؛ وهذا من اختصاص فقهاء الشريعة، سواء أوافقهم رجال الاقتصاد أم لم يوافقهم.
*والجانب الآخر إقتصادي؛ فهو من اختصاص علماء الاقتصاد، يؤخذ برأيهم مادام لا يخرج عن دائرة الحلال. فإذا ثبت من الحكم الشرعي أن نظاماً اقتصادياً ما يعتبر حراماً، فعلى علماء الاقتصاد المسلمين أن يبحثوا عن البديل الإسلامي حتى ولو رأوا صلاح هذا النظام المحرم."
وفي هذا الجزء من المبحث الأول (الربا) نتناول مفهوم الربا عند الاقتصاديين
من المعروف أن الربا عند الاقتصاديين يسمى بالفائدة (أو بسعر الفائدة)
وياللعجب !! فإن هذا المصطلح والذي هو جزء لا يتجزأ من أي إقتصاد وضعي لطالما ارتبط بالمخاطر والسلبيات.
إليك ما يقوله الدكتور محروس أحمد حسن والدكتور رمضان علي الشراح في كتابهم (الاستثمار: النظرية والتطبيق) بخصوص مخاطر سعر الفائدة:
تشير مخاطر سعر الفائدة إلى إمكانية انخفاض القيمة السوقية للأوراق المالية كنتيجة لتغير أسعار الفائدة في السوق.
ناهيكم عما تسببه الفائدة من تضخم ومن سلبيات ومخاطر إقتصادية مترتبة عن هذا التضخم.
وهنا سنتناول وبشكل مختصر جداً خلاصة دراستين إقتصاديتين بخصوص الربا (الفائدة)، إحدى هذه الدراستين للدكتور رفعت العوضي -الأستاذ بكلية التجارة بجامعة الأزهر- والأخرى هي لجوهان فيليب مزايهرفون بتمان -مدير بنك ألماني في فرانكفورت- وقد رشح لجائزة نوبل في الاقتصاد.
رؤية إقتصادية لتحريم الربا (د. رفعت العوضي)
يري الدكتور رفعت العوضي أنه لابد من تقديم بديل للاقتصاد الربوي بدلاً من مجرد تسجيل الانتقادات عليه، كما أنه يرى بأن الاقتصاديين الذين انتقدوا فعالية الفائدة كان انتقادهم به ثغرتين:
الثغرة الأولى: أنهم ساقوا هذه الانتقادات مبعثرة ومفرقة وغير مربوطة معاً.
وقد عالج ذلك في دراسته وبشكل شمولي.
الثغرة الثانية: التي كانت في عمل الاقتصاديين هي أنهم -مع تسجيلهم للانتقادات على الفائدة- لم يضعوا الاقتصاد الربوي كله موضع تساؤل ولهذا لم يقدموا البديل.
أما في دراسته فقد أتاحت لها النظرة الكلية أن تضع الاقتصاد الربوي كله موضع تساؤل.
وهنا نلخص دراسة الدكتور العوضي في خمس نقاط:
1- أن التحليل الاقتصادي قد تخلى عن الفائدة. ويعني ذلك أننا في مجال التحليل الاقتصادي النظري لا نرتبط بالفائدة. وإذا أشرنا إليها فإن ذلك إنما يجيء في تعليم المعلومة الاقتصادية.
2- أن الاقتصاديات حين تواجه أزمة إقتصادية، فإن الاقتصاديين لا يزيدون في المطالبة بإلغاء دور الفائدة، وقد حدث هذا لمواجهة أكبر أزمة إقتصادية مرت بالعالم الرأسمالي وكان ذلك في عام 1930 م.
3- أنه ثبت أن إقتصاديات البلاد لا تستجيب فيها المتغيرات الاقتصادية للمتغيرات في الفائدة، ويعني ذلك عدم فعالية الفائدة في هذه الاقتصاديات.
4- أثبتت الدراسات التطبيقية أن رؤوس الأموال التي تتعامل بالربا تنقص قيمتها الحقيقية. وثبت ذلك في الدراسات التي عملت عن الادخارات النفطية. وقد اقترح الاقتصاديون أنفسهم أنه لضمان عدم تناقص القيمة الحقيقية لرؤوس الأموال هذه أن يكون أسلوب استثمارها هو المشاركة. وهم -بذلك- وصلوا إلى ما قال به الإسلام منذ خمسة عشر قرناً.
5- استنتجنا في الدراسة عناصر إقتصادية للمنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال، وهي عناصر تجعل الاقتصاديات التي تدار وفق المنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال تتقدم تقدماً إقتصادياً حقيقياً.
كارثة الفائدة (جوهان فليب بتمان)
قدم جوهان فليب بتمان دراسة متكاملة عن كارثة الفائدة في كتاب يحمل الأسم ذاته، وقد شرح في الأبواب الستة لهذا الكتاب شرحاً علمياً مفصلاً عما سببه الاقتصاد المرتبط بالفائدة من كوارث لن نلاحظها إلا في وقت يكون قد فات فيه الأوان.
أقتبس وباختصار ماجاء على لسانه وبترجمة الأستاذ الدكتور أحمد النجار رحمه الله تعالى بتصرف بسيط مني:
كارثة الفائدة: ماهيتها
على غرابة التشبيه فإنني أقول أنه كما تقلل المياه من صفاء وقوة وتركيز عصير البرتقال أو الحليب، فإن ارتفاع الفائدة يقلل من قيمة العملة.
كلما ارتفعت الفائدة كلما تدهور النقد، فكما يؤدي الماء إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليب، تؤدي الفائدة إلى رداءة النقود.(5/207)
قد يبدو الأمر أننا نسوق تعبيرات أدبية أو أنن نبسط المسألة ونسطحها، ولكن الحقيقة أن هذه العبارة السهلة البسيطة هي في الواقع معادلة سليمة وصحيحة تدل عليها التجربة ويمكن إثباتها، وهذا هو موضوع الدراسة.
الفائدة العالية تدمر قيمة النقود وتنسف أي نظام نقدي ما دامت تزيد كل يوم، وتتوقف سرعة التدمير وحجمه على مقدار الفائدة ومدتها.
ولكن ما هي الفائدة العالية؟ ومتى يمكن اعتبارها عالية؟
من البديهي أن 12% أعلى من 10% ولكن هل الـ10% رقم عال؟ أم أنه عال جداً؟ أم أنه يتجاوز المعقول؟
سؤال لا يمكن الإجابة عليه إلا إذا وجدنا مقياساً فما هو المقياس لمقدار الفائدة المناسب؟
المقياس هو إنتاجية الاقتصاد القومي، أي: هو القيمة المضافة، أو الزيادة في الإنتاج، أو قيمة الأصول الموجودة في المجتمع، والناشئة عن تشغيل رأس المال النقدي (النقود) في هذا المجتمع. أي الربح الناشئ عن استخدام النقود في نشاط منتج.
فكل الفوائد تعتبر عالية إذا زادت عن معدل الإنتاجية في المجتمع، أي إذا زادت عن القيمة المضافة أو عما أضافه استخدام النقود من زيادة حقيقة في الإنتاج.
فحيثما يحدث ذلك؛ فمقدار الفائدة يعتبر مرتفعاً، ومعنى ذلك أن النقود تتكلف أكثر مما تحققه من ناتج إستخدامها.
من المسؤول؟
المسؤول هو السياسة، وصانعو السياسة بقراراتهم غير المسؤولة التي أساءوا من خلالها إلى النقود واستعمالاتها، هم السبب وهم الذين يتحملون المسؤولية. ولكن آثار الكارثة التي سببوها غير موزعة بالتساوي.
لقد تعب الاقتصاديون من محاولات امتصاص وتقليل كمية النقود. فالكمية تزداد بالرغم من المحاولات المستمرة للحد منها وعلى الأخص مع استمرار زيادة الفائدة.
إن ارتفاع الفائدة مثل تدفق الماء الذي يعقب انهيار السد، والذي يزيد من آثار الفيضان الناشئ عن انهياره، والذي نعنيه اليوم هو فيضان نقدي وكارثة غرق في النقود الرديئة.
والسبب هو الفائدة، فهي أساسا الانهيار، إنهيار السد وزيادة كارثة الغرق. فالكارثة كان من الممكن تفاديها لو اتبعنا سياسة إقتصادية أخرى. سياسة نقدية أسلم وأصوب.
المضاربة
للمضاربة في الفقه الإسلامي معنى مختلف تماماً عن معناها الدارج عند المضاربين في أسواق المال.
وتسمى أيضاً بالقِراض (بكسر القاف)، وتسمى أيضاً بمعاملة.
وجاءت تسمية المضاربة من الضرب في الأرض (وهو السفر للتجارة)
يقول تعالى: ((وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ)) [المزمل:20]
والمضاربة أحلها الإسلام وجاء فيها إجماع السلف وإجماع المجامع الفقهية ويتجلى ذلك بقرارهم الخاص بصكوك المقارضة بديلاً عن السندات الربوية.
يقول ابن حزم عن الإجماع حول المضاربة:
"إجماع صحيح مجرد، والذي يقطع به أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره ولولا ذلك لما جاز."
كما أكد على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (19\192)
مفهوم المضاربة
تعريف المضاربة باختصار كما جاء في (الروض المربع -شرح زاد المستقنع) هو كالتالي:
دفع مال معلوم (لمُتَجِر) أي لمن يتجر به (ببعض ربحه) أي بجزء معلوم مشاع منه كما تقدم.
وبصورة أبسط:
تصور أنك تملك مالاً، وتعطي هذا المال لمن يتاجر به وتقتسمون الربح بينكم بنسبة متفق عليها.
فإذا كانت نتيجة هذه التجارة هي الخسارة أو عدم الربح، فإن المضارب (الذي يتاجر بالمال) لا يأخذ أجراً، ولكنه لا يعوض صاحب رأس المال أيضاً.
أي أن صاحب رأس المال هو الضامن طالما أن المضارب لم يقصر ولم يفرط ولم يخن الأمانة ولم يخالف الشروط (إن كانت هنالك شروط).
القرض الإنتاجي الربوي وشركة المضاربة
وأقتبس هنا ما جاء في (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي)
"الفرق بين القرض الإنتاجي الربوي وشركة المضاربة، أن القرض يحدد له فائدة ربوية للمبلغ المقترض، والزمن الذي يستغرقه القرض، كأن يكون 10% من رأس المال سنوياً بغض النظر عما ينتج عن هذا القرض من كسب كثير أو قليل أو خسارة.
أما في المضاربة فالربح الفعلي يقسم بين صاحب رأس المال والمضارب بنسبة متفق عليها، والخسارة من رأس المال وحده، ولا يأخذ العامل شيئاً في حالة الخسارة، ولا في حالة عدم وجود ربح.
والعلاقة بين صاحب القرض وآخذه ليست من باب الشراكة، فصاحب القرض له مبلغ معين محدد، ولا شأن له بعمل من أخذ القرض، ومن أخذ القرض يستثمره لنفسه فقط، حيث يملك المال ويضمن رد مثله مع الزيادة الربوية، فإن كسب كثيراً فلنفسه، وإن خسر تحمل وحده الخسارة.
أما المضاربة فهي شركة فيها المغنم والمغرم للإثنين معاً. فالمضارب لا يملك المال الذي بيده وإنما يتصرف فيه كوكيل عن صاحب رأس المال، والكسب -مهما قل أو كثر- يقسم بينهما بالنسبة المتفق عليها، وعند الخسارة يتحمل صاحب رأس المال الخسارة المالية، ويتحمل العامل ضياع جهده وعمله، ولا ضمان على المضارب كما ذكرنا."
المضاربة أساس العمل المصرفي الإسلامي
فجميع العقود الخاصة بالودائع وحسابات التوفير هي عقود مضاربة، وما هذه الأرباح المحققة من قبل البنوك الإسلامية على الودائع (كبيت التمويل مثلاً 8.4%) إلا نتاج المضاربة
فالعقد هنا يتم بين طرفين، الطرف الأول هو العميل، والطرف الثاني هو البنك الإسلامي بصفته شخصية إعتبارية.
وقد جاء تعريف الشخصية الاعتبارية في كتاب: المدخل إلى فقه المعاملات المالية للأستاذ دكتور محمد عثمان شبير، كما يلي:
"الشخصية الاعتبارية تعني اعتبار المنشأة التي ترمي إلى هدف معين شخصاً مستقلاً عن أشخاص المكونين لها أو القائمين عليها. بحيث تكون لها ذمة مالية خاصة ومستقلة عن هؤلاء الأشخاص، تستطيع بواسطتها أن تتملك وتتعاقد، وأن تكون دائنة ومدينة، وأن تلتزم بالحقوق، وتلتزم بالواجبات مثل الشخص الطبيعي."
فتوى مجمع البحوث الإسلامية بإباحة فوائد المصارف
الصادرة في 23 من رمضان 1423هـ الموافق 28 من نوفمبر 2002م
الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية الدولية أو مع غيره من البنوك، ويقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلا عنهم في استثمارها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدما في مدد يتفق مع المتعاملين معه عليها؛ هذه المعاملة بتلك الصورة حلال ولا شبهة فيها؛ لأنه لم يرد نص في كتاب الله أو من السنة النبوية بمنع هذه المعاملة التي يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدما، ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة.
قال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" سورة النساء: الآية 29.
أي: يا من آمنتم بالله حق الإيمان لا يحل لكم ولا يليق بكم، أن يأكل بعضكم مال غيره بالطرق الباطلة التي حركها الله – تعالى – كالسرقة، أو الغصب، أو الربا، أو غير ذلك مما حرمه الله – تعالى – لكن يباح لكم أن تتبادلوا المنافع فيما بينكم عن طريق المعاملات الناشئة عن التراضي الذي لا يحل حراما ولا يحرم حلال، سواء كان هذا التراضي فيما بينكم عن طريق التلفظ أم الكتابة أم الإشارة أم بغير ذلك مما يدل على الموافقة والقبول بين الطرفين.
ومما لا شك فيه أن تراضي الطرفين على تحديد الربح مقدما من الأمور المقبولة شرعا وعقلا حتى يعرف كل طرف حقه.(5/208)
ومن المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح أو العوائد مقدما، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها.
ومن المعروف كذلك أن هذا التحديد قابل للزيادة والنقص، بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد 4% ثم ارتفع هذا العائد إلى أكثر من 15% ثم انحف الآن إلى ما يقرب من 10%.
والذي يقوم بهذا التحديد القابل للزيادة أو النقصان، هو المسئول عن هذا الشأن طبقا للتعليمات التي تصدرها الجهة المختصة في الدولة.
ومن فوائد هذا التحديد – لاسيما في زماننا هذا الذي كثر فيه الانحراف عن الحق والصدق – أن في هذا التحديد منفعة لصاحب المال ومنفعة – أيضا – للقائمين على إدارة هذه البنوك المستثمرة للأموال، فيه منفعة لصاحب المال، لأنه يعرفه حقه معرفة خالية عن الجهالة، وبمقتضى هذه المعرفة ينظم حياته.
وفيه منفعة للقائمين على إدارة هذه البنوك، لأن هذا التحديد يجعلهم يجتهدون في عملهم وفي نشاطهم حتى يحققوا ما يزيد على الربح الذي حددوه لصاحب المال، وحتى يكون الفائض بعد صرفهم لأصحاب الأموال حقوقهم، حقا خالصا لهم في مقابل جدهم ونشاطهم.
وقد يقال: إن البنوك قد تخسر فكيف تحدد هذه البنوك للمستثمرين أموالهم عندها الأرباح مقدما؟
والجواب: إذا خسرت البنوك في صفقة ما فإنها تربح في صفقات أخرى، وبذلك تغطي الأرباح الخسائر.
ومع ذلك فإنه في حالة حدوث خسارة فإن الأمر مره إلى القضاء.
والخلاصة أن تحديد الربح مقدما للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال ولا شبهة في هذه المعاملة فهي من قبيل المصالح المرسلة وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها. وبناء على ما سبق فإن استثمار الأموال لدى البنوك التي تحدد الربح أو العائد مقدما حلال شرعا ولا بأس به والله أعلم.
أولاً إليك أخي الفاضل أسماء الذين كانوا أعضاء المجمع في اجتماعهم الذي أقروا فيه بالربا:
اقتباس:
1 ـ الدكتور محمد سيد طنطاوي، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، وشيخ الأزهر الحالي.
2 ـ الدكتور محمود حمدي زقزوق، أستاذ الفلسفة، خريج ألمانيا، ووزير الأوقاف.
3 ـ الدكتور عمر هاشم، أستاذ الحديث بالأزهر، ورئيس جامعة الأزهر.
4 ـ الدكتور أحمد الطيب، أستاذ الفلسفة وخريج جامعة سوربون، مفتي مصر.
5 ـ الدكتور محمد الراوي، أستاذ التفسير والحديث.
6 ـ الدكتور عبدالمعطي بيومي، أستاذ الفلسفة، وعميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر.
7 ـ الدكتور طه أبو كريشة، نائب رئيس جامعة الأزهر.
8 ـ الدكتور عبدالرحمن العدوي، عميد كلية أصول الدين السابق وعضو مجلس الشعب.
9 ـ المستشار بدر المنياوي، عضو مجمع البحوث الإسلامية.
10 ـ الدكتور محمد إبراهيم الفيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية.
11 ـ الدكتور محمد رجب الفيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية.
12 ـ الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن، وعميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر سابقاً (عارض الفتوى ورفضها).
13 ـ الدكتور عبدالفتاح الشيخ، أستاذ الفقه والأصول وعميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر سابقاً (عارض الفتوى ورفضها).
14 ـ الدكتور حسن عباس زكي، رئيس مجلس إدارة بنك الشركة المصرفية العربية الدولية، والمستفتي.
ولاحظ آخر إسم ....
رئيس مجلس إدارة بنك ربوي والأهم من ذلك هو نفسه المستفتي
هذا أولا
ثانياً
جميع أعضاء المجمع في تاريخ القرار والمذكورة أسماؤهم أعلاه من دولة واحدة مما يفتح المجال لتسييس قرار المجمع.
والأصل في المجامع الفقهية أنها تجمع الفقهاء من شتى الأقطار الإسلامية وهم بالفعل أعضاء ... فلماذا تم استبعادهم عن هذا القرار
ثالثاً :
لاتجد في قرار المجمع أي نص من الكتاب والسنة ما يبيح الربا
النص الوحيد المذكور من القرآن الكريم هي الآية 29 من سورة النساء ولا علاقة لها بالربا
بينما الآيات التي تكلمت عن الربا كانت واضحة لاتقبل الجدال
رابعاً: وهذي مهمة جداً
قرار المجمع الفقهي استند بالكامل على كتاب الدكتور سيد محمد طنطاوي الذي ترأس المجمع آنذاك
وقد احتج بكتابه على تسعة أدلة رد عليها الأستاذ محمد عبد اللطيف البنا مشكوراً رداً علمياً بحجة دامغة
اقتباس:
الربا.. سجالات التحريم والإباحة
مناقشة أدلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي
محمد البنا
20/12/2002
سبق أن ذكرنا الظروف التي دعتنا إلى الوقوف على ورقة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي.. حيث إنها وفرت الأساس الذي استندت إليه جلسة المجمع في الخروج بفتواها المنصوص عليها سالفًا.
ولما كانت معالجة الدكتور محمد سيد طنطاوي أشمل وأوفر دليلاً، كان من الأفضل التعاطي معها هي؛ إذ في تناولها تناول لفتوى الجلسة المذكورة لمجمع البحوث الإسلامية. ولنبدأ بفحص الأدلة التي وفرها الدكتور محمد سيد طنطاوي.
الدليل الأول:
المقولة الأولى لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي هي: إن مسألة تحديد الربح مقدمًا أو عدم التحديد ليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها، وإنما هي من المعاملات الاقتصادية التي تتوقف على تراضي الطرفين.
إذا كانت مسألة تحديد الربح مقدمًا من المعاملات التي يجوز فيها التغيير والتبديل؛ فلا بد من تحديد بعض النقاط أولا من خلال هذا الدليل:
* المقصود بتحديد الربح مقدمًا.
* المعاملات التي يجوز فيها التغيير والتبديل.
* تراضي الطرفين.
(أ) المقصود بتحديد الربح مقدمًا:
إذا كان فضيلته يقصد به التحديد الذي يتم في عقد المضاربة أو القراض؛ بمعنى أن يحدد له من الربح مثلا النصف أو الثلث أو على ما يتراضون به فنعم.
وإن كان يقصد به تحديد نسبة قدرها مثلا (10%) أو (15%) أو أكثر أو أقل، يأخذها من إنسان أو مصرف أو دولة أو أي أحد مع ضمان رأس المال، فهذه الزيادة على رأس المال جاءت دون مقابل ودون ضمان.(1) فهذا المبلغ قرض جر نفعا بشرط مسبق، فهو ربا، ويؤكد هذا أن المقرض لا يعنيه فيم يستثمر المصرف ماله؟ ولكن الذي يعنيه أنه سيأخذ في السنة، أو في مدة معينة زيادة قدرها كذا، خسر ماله أم ربح، وتحديد الربح بهذه الكيفية ربا.
وهذه الزيادة -الناتجة عن تحديد الربح مقدمًا- شرط بين المقرض والمستقرض، وهو ربا، والأدلة على ذلك كثيرة؛ فالله تعالى يقول في كتابه: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.(2) أي لكم رءوس أموالكم دون زيادة مشروطة أو غير مشروطة.
وهذا ما قاله الجصاص في أحكام القرآن: "معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة؛ فكانت الزيادة بدلا من الأجل، فأبطله الله تعالى".(3) وقال أيضًا: "ربا الجاهلية هو القرض المشروط فيه الأجل وزيادة المال على المستقرض".(4)
وحكى ابن قدامة في "المغني" الإجماع على تحريم الزيادة المشروطة، فقال: "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف".
وقال ابن المنذر: "أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة على ذلك ربا".(5)
وهذا يدل على أن تحديد الربح مقدمًا يعني اشتراط المسلف "المقرض" على المستسلف "المقترض" زيادة على رأس المال في مدة معينة قدرها كذا من الأيام أو السنوات بنسبة كذا، وهذا هو عين الربا المحرم شرعا.
(ب) المعاملات التي يجوز فيها التغيير والتبديل:(5/209)
وهي كل معاملة لم يرد فيها نص شرعي بإلغائها أو تحريمها، ونحن مع فضيلة الدكتور طنطاوي تماما في هذا طالما أنها لم تخرج عن روح الشريعة؛ بمعنى ألا يشوبها غش ولا ظلم ولا سرقة ولا ربا، ولا غير ذلك مما حرمه الله تعالى.
(ج) تراضي الطرفين:
وهو القيد الذي وضعه فضيلته لكي تصح المعاملات الاقتصادية بين الناس، ولنا أن نتساءل: هل كل معاملة يتراضى بها الطرفان يبيحها الشرع؟ هل كل عقد من العقود يرضى به الطرفان يعتبر جائزا، طالما أن الأمر ليس عقيدة أو عبادة؟ الإجابة بالطبع لا.
إن الشريعة تهتم بالصيغة أو الصورة التي يتم بها العقد وتحكم عليه، وللدكتور يوسف القرضاوي مثل يوضح ذلك جيدا، وهو: أن صورة الاتفاق مهمة جدا في حكم الشرع فيقول: "لو قال رجل لآخر أمام ملأ من الناس: خذ هذا المبلغ، واسمح لي أن آخذ ابنتك لأزني بها –والعياذ بالله- فقبل، وقبلت البنت لكان كل منهما مرتكبا منكرا من أشنع المنكرات، ولو قال له: زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهرا فقبل، وقبلت البنت لكان كل من الثلاثة محسنا".(6)
والذي يتدبر تعريفات الفقهاء والعلماء للربا يوقن أن التراضي بالزيادة على رأس المال لا يغير في حقيقة أنه ربا، فيقول الجصاص: "والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به".(7) فهل التراضي مع مصرف من البنوك بوضع مبلغ معين لديه مقابل فائدة أو عائد معين في الشهر أو العام زيادة على رأس المال يخرج عن هذا؟
وإذا كان فضيلته يخصص هذا التراضي "بحدود شريعة الله تعالى التي شرعها سبحانه لرعاية مصالح الناس"(8) فهل الشريعة تبيح هذا النوع من التعامل حتى مع التراضي؟ ويجدر بنا أن نذكر هنا أن فضيلته ذكر نص الإمام الجصاص في كتابه معاملات البنوك.(9) كنص من النصوص التي نقلها من كتاب "الربا والمعاملات في الإسلام" للشيخ محمد رشيد رضا كدليل على أن هذا هو ربا الجاهلية.
أليس معنى هذا النص هو القرض أو الاقتراض إلى أجل معين بزيادة معينة على رأس المال المقترض بتراضي الطرفين؟ وهذا هو ما تفعله البنوك الربوية.
الدليل الثاني:
قياسه بجواز تحديد الربح مقدمًا بأمر من ولي الأمر على ما قاله الفقهاء في التسعير، وذلك إذا اقتضت مصلحة الناس هذا؛ وذلك رعاية لمصالح الناس، وحفظا لأموالهم وحقوقهم، ومنعا للنزاع والخصام بين البنوك والمتعاملين معها.(10)
لقد بدأ فضيلته هذا الدليل بمقولة لا يجادل فيها أحد، وهي أن الشريعة الإسلامية تقوم على رعاية مصالح الناس في كل زمان ومكان.(11) وقد تبدو هذه الرعاية في ظاهرها مخالفة لبعض النصوص الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستشهد في ذلك بحديث التسعير، حيث لم يسعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن بعض الفقهاء رعاية لمصالح الناس ودرءًا لمفسدة (جشع) التجار أباحوا التسعير، وهذا كلام جيد، ولكن أن يصل إلى فرض نسبة معينة من الربح كعائد على الأموال عن طريق الحاكم قياسا على كلام الفقهاء هذا درءا للظلم والمفسدة، فالقياس هذا لا ينقاس، لأن المقيس عليه ليس نصا من القرآن والسنة، فالقياس الذي يتوسعون فيه أحيانا مقيد بأن يكون المقيس عليه نصا من الشارع، أي من الوحي كتابا أو سنة، أما أن يقاس على مقيس؛ يعني أن تأتي على أمر أجزناه قياسا على شبيهه بجامع العلة بينهما، فتأتي على أمر آخر لا يجتمع مع الأصل المقيس عليه في علته.(12) ولكن له شبه من بعض الوجوه بالمقيس فنجعل هذا المقيس أصلا، ونقيس عليه مقيسًا آخر لوجه شبه بينهما، ولا يكفي ولا يرقى إلى مستوى العلة الجامعة بين المقيس الثاني وبين المقيس عليه الأول.(13)
ولو أجرينا أركان القياس على موضوعنا لوجدنا أن الأصل الذي اعتمد عليه فضيلته هو كلام كثير من الفقهاء في إباحة تحديد السعر رفعا للظلم، والفرع هو إباحة أن يحدد الحاكم أرباح البنوك، والعلة -كما يقول- هي رفع الظلم، والحكم هو الإباحة.
وإذا نظرنا إلى الركن الثالث، وهو العلة، لوجدناها مختلفة، يقول أستاذنا الدكتور/ محمد بلتاجي حسن: "إننا مهما تأملنا آيات القرآن الكريم الواردة في الربا، وما يتصل بها من أحاديث السنة، وأسباب النزول؛ فلن نجد فيها ما يشير من قرب أو بعد إلى ما قام في أذهانهم من أن الله حرم ربا الجاهلية لمحض ما كان يتضمنه من استغلال الفقير وظلمه. وقد يرى العقل البشري أن هذا كان من جملة الحكم التي روعيت في التحريم، ولكن لا يستطيع أحد الجزم بأن مناط علة التحريم في منع استغلال حاجة الفقير وظلمه. ومن يراجع كتب التفسير سيجد أن الظلم الوارد في الآيات إنما هو مطلق الزيادة على الحق بصرف النظر عن حال الدائن والمدين، ورغبة كل منهما ومصلحته في الصفقة الربوية، (ويحدد ما سبق مؤكدا) أن الظلم يكمن في مطلق الزيادة على الحق مقابل تأجيل الزمن.(14)
ويقول الدكتور فتحي لاشين (المستشار بمحاكم مصر سابقا): "إذن فعلة الربا أنه زيادة متولدة من دين، ويتميز الدين أنه ثابت في الذمة مضمون الرد بمثله".(15)
يثبت بهذا اختلاف العلة التي قاس عليها الدكتور طنطاوي تحديد الفوائد بفعل ولي الأمر، بإجازة التسعير بفعل الفقهاء، وذلك بعلة الاستغلال والظلم، وإذا ثبت أنه لا بد من اتحاد العلة في الأصل والفرع حتى يصح القياس وإلا فلا -وهذا ثابت-، فمن شروط العلة المقبولة: "ألا تكون علة الحكم في الأصل المقيس عليه غير العلة التي علق عليها الحكم في الفرع؛ فلا بد من أن تكون العلة في الأصل الذي ثبت حكمه بنص أو إجماع هي العلة التي علق عليها الحكم في الفرع حتى يتحقق الوصف الجامع بين الأصل والفرع، فإذا كانت علة حكم الفرع لم يعلل بها الحكم في الأصل، ولم يتعلق بها فلا يجوز القياس، وهذا هو رأي الجمهور، وحتى أصحاب الرأي يشترطون تحقق المماثلة في العلة(16).
وإذا ثبت هذا -وهو ثابت- استطعنا أن نحكم أن قياس الدكتور طنطاوي هنا لا يجوز، أو كما يقول الأصوليون قياس لا ينقاس.
ولأن الضرورة في مسألة التسعير تبدو واضحة وملحة؛ حيث إن الاحتكار وغلاء السلع أمر يتعلق بأقوات الناس ومعاشهم، أباح الفقهاء التسعير رفعا للضرر الذي يقع على الناس، ولكن أين الضرورة في أن يضع الإنسان ماله في مصرف من البنوك ليزداد دون تعرضه لضمان النقصان أو لمخاطر الخسارة؟
رعاية مصالح الناس:
في قوله: "فإن لولي الأمر إذا رأى -بعد استشارة أهل الخبرة- أن مصلحة الناس تقتضي أن تحدد البنوك الأرباح مقدمًا لمن يتعاملون معها، فله أن يكلفها بذلك رعاية لمصالح الناس... ".(17)
فنرى هنا نظرة تتجه نحو المعتزلة وفكرها الذي يقدم العقل على الشرع، فلا يصح مطلقا أن تحكم خبرات الناس والعلماء في الشريعة أو الأحكام، بل هي التي تتحكم فيما يصلون إليه، وتحكم بصحته وفساده "فلا يجوز الاعتماد على ما قد يراه علماء الاقتصاد وخبراء التجارة من أن الربا لا بد منه لتنشيط الحركة التجارية والنهوض بها، إذ لو صح ذلك لكانت الشريعة محكومة بخبرات الناس وأفكارهم وتجاربهم الشخصية، ولما صح أن المصلحة فرع عن الدين فهي محكومة به ضبطا بل متوقفة عليه وجودا".(18)
فمهما ظن إنسان أن مصلحته في أمر من الأمور، فلا بد أن يقيس هذا الأمر على نصوص الشريعة ومقاصدها، فإن وافقها فيقدم وإلا فلا.(5/210)
وليس معنى هذا أن الشريعة تقف حائلا دون خبرات الناس وتجاربهم فيما يظنون فيه مصلحة البشرية، بل كثير من نصوص الشريعة تدعو الناس للعلم والتفكر، ولكن الشارع سبحانه يعلم ما لا نعلم؛ فقد يظن العلماء أن مصلحة الناس سوف تتحقق في أمر من الأمور، يختلفون في إثباته ويتفقون، ويعلم الله تعالى غير ذلك فجعل –سبحانه- من قواعد الشريعة ما ينهى عنه رعاية للمصالح وإصلاحا للنفوس، فنحن لا نتهم نصوص الشريعة بل نتهم إفهام الناس التي كثيرا ما تتعرض للهوى أو النظرات الجانبية، وليست الكلية.
الدليل الثالث:
يقول الدكتور طنطاوي لا يوجد نص شرعي يمنع من أن يقوم أحد المتعاقدين في المضاربة بتحديد ربح مقدمًا، وبناء على ذلك لا مانع من أن يقوم المصرف المستثمر للمال بتحديد ربح معين في عقد المضاربة، الذي يكون بينه وبين صاحب المال الذي يضعه في المصرف بنية وبقصد الاستثمار فيما أحله الله تعالى.(19)
نوضح أولا أن ما يحدث بين المصرف وصاحب المال ليس عقد مضاربة؛ لأن حقيقة المضاربة تختلف عن القرض الذي يحدث بين المصرف كجهة وغيره من جهة أخرى؛ فالمصرف يتعامل بالربا على القرض الذي يأخذه أو يمنحه، والمضاربة تختلف عن ذلك، ولكي تتضح المسألة جيدا ينبغي أن أوضح طبيعة الفرق بين القرض والمضاربة.
فمن حيث الطبيعة:
نجد أن القرض يُحدد له فائدة ربوية تبعا للمبلغ المقترض والزمن الذي يستغرق القرض، كأن يكون (10%) أو أكثر أو أقل من رأس المال سنويا، بغض النظر عما ينتج عن هذا القرض من كسب كثير أو قليل أو خسارة، وهو ما يفعله المصرف.
أما في المضاربة، فالربح الفعلي يقسم بين صاحب رأس المال والمضارِب بنسبة متفق عليها، والخسارة من رأس المال وحده، ولا يأخذ العامل شيئا في حالة الخسارة ولا في حالة عدم وجود ربح، هذا من ناحية طبيعة العقد.
ومن حيث العلاقة بين طرفي العملية الاقتصادية:
في القرض نجد العلاقة بين صاحب القرض وآخذه ليست من باب الشركة؛ فصاحب القرض له مبلغ معين محدد، ولا شأن له بعمل من أخذ القرض، ومن أخذ القرض يستثمره لنفسه فقط؛ حيث يملك المال، ويضمن رد مثله مع الزيادة الربوية، فإن كسب كثيرا فلنفسه، وإن خسر فيتحمل وحده الخسارة.
أما المضاربة فهي شركة فيها الغُنْم والغرم للاثنين معا؛ فالمضارب لا يملك المال الذي بيده، وإنما يتصرف فيه كوكيل عن صاحب رأس المال والكسب مهما قل أو كثُر، يقسم بينهما بالنسبة المتفق عليها، وعند الخسارة يتحمل صاحب المال الخسارة المالية، ويتحمل العامل ضياع جهده وعمله، ولا ضمان على المضارب(20) إلا إذا ثبت إهماله وتسببه في هلاك ما بيده.
ويمكن مناقشة هذا الدليل من خلال نقطتين:
الأولى: أن الشرع لا يمنع من تحديد الربح مقدمًا في عقد المضاربة.
الثانية: أن يضع الإنسان ماله في المصرف، ويقصد بذلك الاستثمار.
مناقشة النقطة الأولى:
الشرع لا يمنع من تحديد الربح مقدمًا في عقد المضاربة: نص كثير من الفقهاء على عدم جواز المضاربة إذا تم تحديد أو اشتراط جزء معين من الربح، بل وحكى ابن المنذر الإجماع على بطلان المضاربة إذا اشترط كل واحد منهما لنفسه أو أحدهما شيئا دون الآخر، فقال: "أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة".(21) وهذا الإجماع نجده في كلام الفقهاء كما يقول الإمامان مالك(22) والشافعي(23).
النقطة الثانية:
أن يضع الإنسان ماله ويقصد الاستثمار: إن ما يحدث بين المصرف وصاحب المال تحت أي مسمى طالما أنه بفائدة محددة سلفا مقابل أجل محدد فهو ربا؛ وذلك لأن: "علة التحريم منصبة على كونها زيادة محددة سلفا مقابل أجل محدد سواء كان أصل المعاملة قرضا أو دينا أو بيعا؛ فمتى وجدت الزيادة المحددة مقابل الأجل المحدد، فذلك هو الربا بصرف النظر عن أصل هذه المعاملة ولا تأثير لأمرين:
الأول: كون أصل هذه المعاملة قرضا أو دينا أو استثمارا.
الثاني: كون الزيادة مقابل الأجل شيئا متفقا عليه من أول المعاملة، أو هو شيء يستحدث بين الطرفين عند عدم الدفع حين يأتي أجله.(24)
فلا ينفع هنا تغير النية طالما أن العلة وهي الزيادة مقابل الأجل موجودة.
الدليل الرابع:
يرى الدكتور محمد سيد طنطاوي ضمن أدلته أن المصرف -وهو الطرف الذي يدفع الفائدة، ويقع عبئها على عاتقه- لم يحدد الربح مقدمًا إلا بعد دراسة مستفيضة ودقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها... إلخ.
وهذا التحديد فضلا عن كل ذلك، يتم بتعليمات وتوجيهات من المصرف المركزي الذي يعد بمنزلة الحكم بين البنوك وبين المتعاملين معها.(25)
إن هذه الدراسة المستفيضة التي تحدد الربح مقدمًا، حيث يأخذ صاحب المال المكسب ولا يخسر شيئا قول لا تسنده الحقائق؛ فالبنوك المركزية نفسها، وهي التي تعطي تعليمات وتوجيهات بنسبة الفائدة لا تستطيع دفع ودائع مصرف بأكمله إذا ما تعرض للإفلاس. فمعلوم أن قوانين البنوك المركزية تمنعها من الاستثمار المباشر إلا بنسب ضئيلة جدًّا في بعض البلدان. وهي تأخذ من البنوك الأخرى نسبة احتياطي للودائع لا تزيد في غالب الأحوال عن (25%). فمن أين تدفع البنوك المركزية ودائع مصرف بأكمله إذا ما تعرض للإفلاس، وإن الواقع يؤكد ذلك حتى في أمريكا ذاتها معقل النظام الرأسمالي القائم على الربا. فالمصرف المركزي يضع الخطط ويحدد الفوائد، ولا يستطيع جبر خسارة مصرف واحد من البنوك الأخرى؛ لأنه -قانونًا- ممنوع من الاستثمار المباشر، كما أنه يعتمد على الوساطة المالية وعلى نسبة (25%) من احتياطي الودائع في البنوك الأخرى، فإن كان لا يستطيع جبر خسارة مصرف واحد فكيف نثق في قدراته وتعليماته؟
ثم هل هذه التعليمات والتوجيهات والدراسات الدقيقة، التي تتعهد بوجود الربح لا الخسارة.. هل هذه التعليمات وهذا الربح يغير من حقيقة المعاملة وحقيقتها في كونها من الربا؟
ثم إن هذه الدراسة المستفيضة الدقيقة التي يتحدد في إطارها الربح ليست دائمًا دقيقة؛ فكثير من البنوك الربوية لم تستطع ضمان الودائع مع أرباحها، ونضرب مثلا على عدد من البنوك الربوية التي أغلقت وأشهرت إفلاسها في أمريكا وحدها.
عدد البنوك التي أغلقت وأشهرت إفلاسها
العام
أربعة آلاف مصرف
سبعة وسبعون مصرفا
تسعة عشر مصرفا
مائة وعشرون مصرفا
مائة وواحد وثلاثون مصرفا
مائة وواحد وأربعون مصرفا
1933م
1983م
1984م
1985م
1986م
1987م
وعن الخسائر في بعض البنوك الأمريكية وحدها في 1987م وحده ما يلي:
اسم المصرف أو المؤسسة
احتياطي الديون المعدومة
ستيركوربوريشن
مصرف أمريكا
تشيس مانهاتن
مانوفكتشرهانوفر
ستيكورب (أكبر مؤسسة مصرفية أمريكية)
3 مليارات دولار
1.1 مليار دولار
1.6 مليار دولار
1.7 مليارات دولار
3 مليارات دولار، 3 مليارات دولار، وذلك في النصف الأول من عام 1987.(26)
وفي مصر الكثير والكثير من الخسائر المصرفية، وأشهرها ما حدث في مصرف التنمية والتجارة عام 1995م، ومن هنا يتبين أن هذا الدليل الذي أقام عليه فضيلته وجهة نظره من ناحية أن البنوك أرباحها مضمونة، وأنها لا تفلس لأنها تقوم على دراسات مستفيضة، دعوى يسقطها الواقع بل ويثبت نقيضها.(5/211)
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإننا نرى في أدلة الدكتور طنطاوي ما يثير العجب؛ إذ يبدو التناقض واضحا بين هذا الدليل والدليل السادس؛ فهنا يقول: إن الدراسات المستفيضة والدقيقة تحقق الربح الأكبر؛ حيث تنتفي الخسارة، وهذا ما يفهم من كلامه، وفي الدليل السادس يقول: إن هذا التحديد للربح لا يتعارض مع احتمال الخسارة.
الدليل الخامس:
يرى الدكتور محمد سيد طنطاوي أن تحديد الربح مقدمًا في زمننا هذا فيه منفعة لصاحب المال، وفيه منفعة –أيضًا- لصاحب العمل المستثمر لهذا المال.
ففيه منفعة لصاحب المال؛ لأنه يعرفه حقه معرفة خالية من الجهالة، وبمقتضى هذه المعرفة ينظم أمور حياته.
وفيه منفعة لصاحب العمل؛ لأنه يحمله على أن يجد ويجتهد في عمله وفي نشاطه حتى يحقق ما يزيد على الربح الذي قرره لصاحب المال، وحتى يكون الفائض على نصيب صاحب المال حقا خالصا لصاحب العمل في مقابل جده ونشاطه واجتهاده مهما بلغ هذا الفائض.(27)
فإذا كان فضيلة د. طنطاوي يقصد بالتحديد ما هو وارد في عقد المضاربة من تحديد نسبة الربح من صافي الربح فنعم، ولكن الواضح أن فضيلته يقصد به ما يحدث بين البنوك والأفراد من تحديد نسبة معينة يأخذها صاحب المال بعد مدة معينة زيادة على رأس ماله، وهذا هو عين الربا.
ثم يقول هذا التحديد فيه منفعة لصاحب المال ولصاحب العمل؛ فهل كل مصلحة يرى فيها الناس منفعة لهم يبيحها الشرع؟
الواقع أن هناك كثيرا من الأشياء التي نص الشارع على أن فيها منافع للناس، ومع ذلك نص على تحريمها مثل الخمر والميسر، قال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" (البقرة: 219). فقوله تعالى: "ومنافع للناس" يدل على تحقق المنفعة لهم، ومع هذا لا يستطيع أحد أن يقول: إنها حلال.
ثم يقول: هذا التحديد يعرف صاحب المال حقه؛ فهل يصير الربا حقًا يبني عليه الإنسان حياته ويرتب عليه معايشه؟ فما إن يأخذ المال يجعل نصب عينه الدين الذي عليه، بالإضافة للزيادة التي اشترطت عليه؛ فهي كلها من الدين، وعليه سدادها في مدة معينة، ثم يجتهد ويعمل مرة أخرى في المال ليحقق مكسبًا له أيضًا، وهو وحده يضمن المال إن خسر؛ لأنه لا شأن لصاحب المال به؛ لأنه يأخذ الربح ولا يتحمل الخسارة، وذلك هو الربا.
الدليل السادس:
يرى الدكتور محمد سيد طنطاوي أن هذا التحديد للربح مقدمًا، لا يتعارض مع احتمال الخسارة من جانب المستثمر وهو المصرف أو غيره؛ لأنه من المعروف أن الأعمال التجارية المتنوعة إن خسر صاحبها في جانبٍ رَبِح في جوانب أخرى، وبذلك تغطي الأرباح الخسائر. واستشهد بقول ابن قدامة في المغني: إن العامل في المضاربة إذا اشترى سلعتين فربح في أحدهما وخسر في الأخرى، جُبرت الوضيعة (أي الخسارة) من الربح.(28)
هذا الدليل -كما وضحنا- يتناقض مع الدليل الرابع، ونحن الآن بصدد مناقشته في قوله: إن خسر صاحبها في جانب ربح في جوانب أخرى، وبذلك تغطي الأرباح الخسائر. فمعنى هذا أن النقود في المصرف مختلطة؛ فمن دفع كثيرًا يتساوى مع من دفع قليلاً في مقدار النسبة على رأس المال؛ فما ذنب من ربحت أمواله حتى يؤخذ من ربحه لتغطية خسارة غيره؟
ثم إن المقطوع به في الدراسات الاقتصادية: "أنه لا صلة بين سعر الفائدة وربح المدين أو خسارته، ولا بين سعر الفائدة والتضخم، بل إن الفائدة من أهم عوامل التضخم".(29) وهذه الفائدة لا تتحدد بنسبة الربح والخسارة بل يتأثر تحديدها بعدة عوامل، منها: "القوانين التي تضعها الدولة، والمصالح الشخصية لأصحاب المصارف، والمؤسسات المالية، والمضاربون في سوق الأوراق المالية الذين يخلقون تغييرات مفتعلة في السوق، وحالات الرواج والكساد، وكمية العرض والطلب".(30)
فالفائدة التي تُحدد لا شأن للمقرض خسر ماله أم ربح فيها، إذن هي لا تخضع لمعيار الربح والخسارة، وإنما تخضع للقوانين والمصالح الشخصية وغيرها، فربما تكون نسبة شخص مرتفعة ونسبة الآخر منخفضة، وهذا تحدده العوامل السابقة.
وإذا قلنا: إن الأموال كلها تصب في مصرف واحد مثلا، يضع فلان مبلغا يختلف عن مبلغ الآخر؛ فهل يميز المصرف مبلغ كل منهما أم أنه لا شأن له بهذا التمييز؟ الحقيقة أن المصرف توضع لديه المبالغ فيخلطها في مشروع أو في إقراض آخر دون تمييز.
وهنا يأتي السؤال: هل يجوز عدم التمييز في المال الذي يقارض فيه اثنان واحدًا بنسبة من الربح متفاوتة؟ يرى الفقهاء أن هذه المعاملة غير جائزة إلا بتعيين الأموال المحددة لأشخاص محددين وبتعيين ومعلومية النشاط الذي اشتغلت به الأموال(31).
فقوله "وإن عينا": يعني أن يعلم أن هذا المال الذي تاجر به في كذا هو مال فلان، وأن ربحه كذا وله فيه ما يتفقان عليه، وأن المال الآخر الذي تاجر به في كذا هو مال فلان، وله من ربحه ما يتفقان عليه.
وينبغي التميز في الشركتين، كما أنه إن خلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة.(32)
واستشهاد د. طنطاوي بابن قدامة الواضح أنه في حالة المضاربة من فرد واحد إلى العامل، أما في حالتنا هذه فيقول "ابن قدامة" تحت عنوان "والوضيعة على قدر المال": "يعني الخسران على كل واحد منهما بقدر ماله، فإن كان مالهما متساويا في القدر، فالخسران بينهما نصفين، وإن كان أثلاثا فالوضيعة أثلاث لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم".(33) وهذا النص أولى بالصواب في حالة البنوك؛ فإذا ما ثبت أن المال فيها مبهم فهي تجمع الأموال كلها، ولا ندري في أي تجارة أو استثمار.(34) وضع مال هذا أو ذاك؛ لأنها لا تقسم الربح بين الأفراد بل تحدد نسبا معينة لهم يأخذونها في حال الربح أو الخسارة، فإذا ما ثبت هذا ثبت فساد هذا النوع من المضاربة؛ لعدم تعيين مال كل واحد من المضاربين.
الدليل السابع:
يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي: خراب الذمم مما يجعل صاحب المال تحت رحمة صاحب العمل المستثمر للمال، وهو المصرف أو غيره، والذي قد يكون غير أمين، فيقول مثلا: "ما ربحت شيئا"، وقد ربح الكثير مما يوقع في الظلم الذي تنهي عنه الشريعة.(35) ولدينا هنا تعليقان:
وتقرر القواعد الفقهية أن الأصل براءة الذمة.(36) فلماذا نفترض عدم الأصل؟
وإذا افترضنا جدلا أن المصرف غير أمين، فأيهما أولى الامتناع عن الذهاب إليه والمخاطرة بالمال أم الذهاب إليه؟
الدليل الثامن:
يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي: كما تدخل الحكام والفقهاء في تضمين الصناع لما يهلك تحت أيديهم بسبب إهمالهم؛ فلولي الأمر أن يتدخل في عقود المضاربة بتحديد نسبة الربح مقدمًا، وأن يكون رأس المال مضمونًا، وهذا اللون يندرج تحت باب المصالح المرسلة.(37)
نقول: لقد تدخل الفقهاء فعلاً في تضمين الصناع لما تحت أيديهم، وجعلوا علة ذلك الإهمال، فأوجبوا عليه بسبب إهماله ضمان المال. وهذا ضمان لصاحب المال من عبث العابثين من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل الصانع يعمل بجد، ويحافظ على ما في يده دون ظلم. فإن كان الهلاك بسبب خارج عن إرادته دون إهمال منه فلا شيء عليه.(38)
ومسألة وضع المال في المصرف وغيره بعيدا عن هذا الوضع؛ فهو يحدد الربح مقدمًا، ويضمن رأس ماله كاملاً، لا يعرضه للهلاك؛ فهو يضعه في مصرف، ويعلم علم اليقين أنه سوف يأخذ أصل ماله مع زيادة متفق عليه.(5/212)
فهذا الكلام وإن ظن أن فيه مصلحة لبعض الناس إلا أنه يتعارض بنص قطعي الثبوت والدلالة من كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى: "وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون".(39) فالله سبحانه وتعالى يقول: "فلكم رءوس أموالكم لا تَظلمون" أي بأخذ الزيادة، "ولا تُظلمون" أي بوضع رءوس الأموال أيضًا، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه.(40) د. طنطاوي يقول بتحديد نسبة من الربح مقدمًا تكون زيادة على رأس المال مع ضمان رأس المال؛ فبأي القولين نأخذ؟ بأمر الله وكلامه أم بأمر الدكتور محمد سيد طنطاوي؟
ثم يقول هذا من باب المصلحة المرسلة، ومعلوم أنه "إذا اتضحت قطعية دلالة النص من كتاب أو سنة؛ اتضح سقوط احتمال المصلحة المظنونة في مقابله، حتى ولو كان لها شاهد من أصل تقاس عليه".(41) فهذه المصلحة مصطدمة بنص قطعي الثبوت والدلالة فاحتمالها أصلاً غير قائم.
والأصل الذي قيست عليه هو تضمين الصناع لما يهلك تحت أيديهم بسبب الإهمال، ثم يقيس "خراب الذمم" في هذا الزمان على الإهمال؛ فهل هذه العلة (خراب الذمم) تتفق مع علة الإهمال من كل الوجوه؟ بالطبع لا. ونضيف إلى ذلك أن الأصل في الذمة البراءة لا غيرها.
وإذا جئنا لشروط العلة نجد أنها تختلف هنا عما أورده العلماء من شروط للعلة الصحيحة؛ فمثلا من الشروط: سلامة العلة عن الرد والمعارض الراجح "والذي يبطل الوصف الذي هو علة ويرده هو النص أو الإجماع".(42) وليس هناك نص أوضح مما ذكرناه من كتاب ربنا، حيث يقول: "وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون" (43)، بالإضافة إلى إجماع من المجامع والبحوث الفقهية.
ومن شروط العلة أيضًا التي ينتفي معها هذا القياس ألا تكون علة الحكم في الأصل المقيس عليه غير العلة التي علق عليها الحكم في الفرع.(44)
وكذلك من الشروط التي ينتفي معها القياس هنا "ألا توجب العلة في الفرع حكمًا آخر غير حكم الأصل".(45) فخراب ذمة المصرف يوجب الابتعاد عنه والانتظار حتى تبرأ ذمته وينصلح حاله بما يوافق الشرع، أما تضمين الصناع بسبب الإهمال لا يوجب الابتعاد عنهم بل القرب منهم لأخذ الضمان على الأقل بوجه حسن، أما في المصرف فأخذ المال بدون وجه حق بل وزيادة عليه.
وكذلك لا بد من وضوح العلة، وهو ما يتنافى هنا؛ لأن خراب الذمم شيء عام ليس محددا ولا معينا، والأصل في العلة أن يكون الوصف المعلل به معينا (46).
الدليل التاسع:
قال الشيخ محمد سيد طنطاوي: لم يقل أحد من الأئمة: إن تحديد الربح مقدمًا في عقد المضاربة يجعله معاملة ربوية يحرم فيها الربح الناشئ عن العمل في المال المستثمر؛ فالفقهاء أجمعوا على فساد عقد المضاربة بسبب تحديد الربح.(47)
ونقول: إذا كان الفقهاء قد أجمعوا على فساد عقد المضاربة.. فهل المقصود أن يستمر ذلك العقد مع فساده؟ ففساد العقد دليل على انتهائه، ومن ثم لا يكون هناك ربا أو غيره؛ لأن العقد قد انتهى، ولذلك حكموا بفساد كل عقد للمضاربة اشترط فيه أحد المتعاقدين زيادة معينة.
ولم يتعرض أحد من الفقهاء -فيما نعلم- لاستمرار العقد على هذا النحو؛ لأنه من المعروف أن آراءهم أحكام يعمل بها، فليس من المعقول أن يخالفها أحد؛ لأنها مستمدة من الشريعة.
فإذا كان العقد فاسدًا فهل نبيحه، ثم نجعل منه أصلا نقيس عليه فرعا -وهو أرباح البنوك مع ضمان سلامة رأس المال- ونحكم بصحته أيضًا؟! كان من الأولى على أقل تقدير أن نحكم بفساده وإلغائه وتحريمه بدلاً من الحكم باستمراره والقياس عليه.
وهذا هو المصدر
http://www.islamonline.net/Arabic/co...ticle05a.shtml
خامساً:
بين الدكتور حسين حامد مشكوراً الإشكال المتعلق بسؤال المستفتي وبالإشكال المتعلق بمجمع البحوث:
اقتباس:
إباحة الربا.. السؤال الملغوم والفتوى المغلوطة
د. حسين حامد
25/12/2002
في الثاني والعشرين من شهر أكتوبر من عام 2002 أرسل الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي عضو مجمع البحوث الإسلامية، وزير الاقتصاد الأسبق، رئيس مجلس إدارة بنك الشركة المصرفية العربية الدولية كتابًا إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر (اضغط هنا لتطالع نص الاستفسار) ، يعيد فيه السؤال عن حكم استثمار الأموال في المصارف التي تقوم على تحديد الربح مقدمًا. وقد أحال فضيلة الإمام الأكبر الكتاب للعرض على مجلس مجمع البحوث الإسلامية. وانعقدت جلسة مجلس المجمع في يوم الخميس 25 من شعبان سنة 1423 هـ الموافق 31 من أكتوبر سنة 2002م (اضغط هنا لمطالعة أسماء أعضاء مجلس المجمع في هذه الآونة) ، وعرض عليه الموضوع المذكور. وبعد مناقشات الأعضاء ودراستهم قرر مجلس المجمع في جلسة الخميس 23 من رمضان 1423هـ الموافق 28 من نوفمبر 2002م.. الموافقة على أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدمًا حلال شرعًا ولا بأس به. وقد صدرت الفتوى ممهورة بتوقيع.
فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي (اضغط هنا لمطالعة نص الفتوى)
غير أن هناك عدة محاذير تطال كلا من السؤال والفتوى الرادَّة عليه؛ بحيث يمكن القول بوجود تجاوز في السؤال، جعله يخالف حقيقة الوضع؛ مما هيأ الفرصة لحدوث لبس أو سوء فهم حيال السؤال المقدم.. وبالتالي في الفتوى المجيبة على هذا الاستفتاء. وهذا ما جعل هذه الورقة تتطلع لفحص كل من السؤال والإجابة.
سؤال مخالف للإطار القانوني للمعاملات المصرفية
حين بدأنا بمطالعة السؤال محل التناول، وهو طلب الفتيا المقدم من الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي، وهو عضو مجمع البحوث الإسلامية قبل أن يكون مقدم الاستفتاء محل التناول، وجدنا أن هذا السؤال لا ينطبق على ما يجري عليه العمل في البنوك التجارية والبنوك المتخصصة. ولنلق نظرة على ما يدعونا للتنادي للنظر إلى السؤال قبل الفتوى. والاعتبارات التي لدينا يمكن تناولها وفق الطرح التالي:
1- هذه المعاملة بهذه الصورة لا يجري عليها العمل في البنوك التجارية ولا المتخصصة، لا في مصر، ولا في البلاد العربية، بل تناقض ما نصت عليه القوانين المدنية وقوانين التجارة وقوانين الجهاز المصرفي في هذه البلاد. فإن هذه الفتوى لا تطبق على ودائع البنوك.
2- قد يكون البنك مقدم السؤال يطبق هذه الصيغة، ويتلقى الودائع بصفته وكيلاً عن المودعين في استثمار هذه الودائع في معاملاته المشروعة، وهذه مسألة ادعاء على واقع، وتحتاج إلى إثبات. ومع ذلك فإن هذه الوكالة باطلة بالإجماع؛ لأن جميع عوائد وأرباح المال المستثمر بعقد الوكالة تكون للموكل؛ لأنه المالك للمال المستثمر، كما أنه يتحمل جميع خسائره التي تحدث بسبب لا يد للوكيل فيه ولا قدرة له على دفعه ولا تلافي آثاره، وللوكيل أجر معلوم يجب النص عليه في عقد الوكالة، وهو يحدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من المال المستثمر، وهو ما لم يتحقق في الصورة المسئول عنها، بل إن الوكيل هو الذي يستحق أرباح استثمار الوديعة، ويتحمل خسائرها، ويحدد للموكل مالك الوديعة قدرًا أو نسبة من رأس المال، ويسميها ربحًا.(5/213)
والبنوك الإسلامية تمارس هذه الصورة بمقتضى قوانين ونظم إنشائها؛ فهي تتلقى الودائع وتستثمرها لحساب أصحابها وعلى مسئوليتهم؛ فلهم أرباح ويتحملون خسائرها التي تحدث بسبب لا يد للبنك فيه، وهو ما يسمى في القانون بالقوة القاهرة والسبب الأجنبي. ويستحق البنك أجرًا محددًا في عقد الوكالة في الاستثمار، بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المستثمرة. وبالقطع فإن هذه الودائع مملوكة لأصحابها وليست قرضًا للبنك ولا دينًا في ذمته.
3- والدليل على أن المعاملة موضوع السؤال والفتوى لا يجري عليها العمل، ولا تسمح بها القوانين المطبقة في البنوك، وأن المطبق إنما معاملة أخرى مختلفة عنها جملة وتفصيلا، يأتي وفق عدة اعتبارات، هي:
الاعتبار الأول: الفتوى تفترض وجود بنك يتلقى الودائع والمدخرات من المتعاملين معه؛ "ليكون وكيلاً عنهم في استثمارها؛ وهو ما يعني وجود عقد وكالة مستوفٍ لشروطه، وتترتب عليه أحكام الشريعة، ينظم العلاقة بين البنك والمودع. وهذا القول مناقض لحكم القوانين المطبقة، ولا وجود له في واقع البنوك.
إن الذي ينظم علاقة البنك بمودعيه هو عقد وديعة النقود، أو الوديعة الناقصة بلغة القانون. وحكم هذا العقد أنه ينقل ملكية الوديعة إلى البنك، ويخوله استخدامها لحسابه وعلى مسئوليته؛ فله وحده ربحها وعليه خسارتها، وهو يدفع للمودع فائدة وهي نسبة من رأس المال مرتبطة بالمدة ويسميها "ربحًا". والبنك يلتزم برد الوديعة؛ لأنه مدين بها، وهذه المعاملة قرض بالقطع، وفقًا لنصوص القانون وحكم الشريعة؛ وهو ما يجعل الزيادة المشروطة عليها ربا بالإجماع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل قرض جر نفعًا فهو ربا"، وكان الواجب أن تصدر الفتوى على المعاملة حسبما يقررها القانون ويجري عليها العمل دون افتراض صورة خيالية غير واقعة، حتى لا يقع اللبس لدى العامة بأن حكم هذه الصورة المتخيلة ينطبق على ما يجري عليه العمل في البنوك.
فالمادة رقم 726 من القانون المدني الجديد تنص على أنه "إذا كانت الوديعة مبلغًا من النقود، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع عنده مأذونًا له في استعماله؛ اعتبر العقد قرضًا". وهذا هو الحكم في بقية القوانين العربية[1].
ويقول الدكتور السنهوري: "وأكثر ما ترد الوديعة الناقصة على ودائع النقود في المصارف؛ حيث تنتقل ملكية النقود إلى المصرف، ويرد مثلها بعد الطلب أو بعد أجل، بل ويدفع المصرف في بعض الأحيان فائدة عنها؛ فيكون العقد في هذه الحالة قرضًا، وقد أحسن المشرع المصري في اعتبار الوديعة الناقصة قرضًا"[2]، ثم يقول: "لا محل للتمييز بين الوديعة الناقصة (وديعة النقود) والقرض؛ حيث إن المودع في الوديعة الناقصة ينقل ملكية الشيء المودع إلى المودع عنده، ويصبح هذا مدينًا برد مثله"[3].
وتنص المادة 301 من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة المصري على أن "وديعة النقود عقد يخول البنك ملكية النقود المودعة، والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه، مع التزام برد مثلها للمودع، طبقًا لشروط العقد".
وتنص المادة 300 من نفس القانون على أن أحكام الباب الثالث منه، الخاص بعمليات البنوك، ومنه المادة 301 "تسري على العمليات التي تعقدها البنوك مع عملائها، تجارًا كانوا أم غير تجار، وأيًا كانت طبيعة هذه العمليات".
فهذه النصوص القانونية تقطع بأن وديعة النقود في البنوك قرض. وقد أكد فقهاء القانون هذا بما لا يدع مجالاً للشك. وحيث إن هناك إجماعًا على أن "كل قرض جر نفعًا فهو ربا" كما جاء في الحديث الشريف، فإن ما يصرف للمودع يعد ربا وإن سُميَ ربحًا أو عائدًا.
يقول ابن قدامة المقدسي[4]: "وكل قرض شُرط فيه أن يزيد فهو حرام بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة، أو هدية فأسلف على ذلك؛ فإن أخذ الزيادة على ذلك فهو ربا".
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة بن أبي موسى، قال: "قدمت المدينة، فلقيت عبد الله بن سلام، فقال لي: إنك بأرض فيها الربا فاشٍ، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا". وروى البخاري في تاريخه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقرض فلا يأخذ هدية".
وإني لأعجب كيف غاب عن العلماء الأفاضل أعضاء المجمع هذه الحقائق مع سعة علمهم وغزارة اطلاعهم؟ غير أن عذرهم هو أنهم يجيبون على سؤال يعرض صورة محددة، هي "تلقي البنك للودائع لاستثمارها بطريق الوكالة في صيغ استثمار مشروعة"، وكان الجواب على قدر السؤال وإن بصورة افتراضية غير متحققة في الواقع.
وإن كنا سنرى أن تحديد مبلغ مقدمًا للمودع بصفته موكلاً لا يجوز شرعًا، ولو سمي ربحًا؛ لأنه يناقض أحكام الوكالة في الاستثمار التي أجمع عليها الفقهاء، وهي: أن ربح الوديعة المستثمرة كله للمودع، وأن خسارتها التي لا يد للوكيل فيها عليه. وأن أجر الوكيل يجب تحديده عند توقيع عقد الوكالة بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المستثمرة. وهذا كله يقتضي أن يمسك الوكيل (البنك) حسابًا مستقلاً للوديعة أو مجموع الودائع، يقيد فيه الإيرادات والمصروفات حتى يتحدد الربح الذي يستحقه المودع أو مجموعة المودعين، وذلك على النحو الذي تمارسه البنوك الإسلامية في عمليات الاستثمار بطريق الوكالة.
الاعتبار الثاني: أنه على فرض أن العقد الذي ينظم علاقة البنك والمودعين فيه هو عقد وكالة في الاستثمار، وهو فرض يناقض حكم القوانين وينافي الواقع العملي؛ فإن البنوك التجارية والمتخصصة لا تملك استثمار الودائع بنفسها استثمارًا مباشرًا؛ بمعنى الاتجار فيه، بل تملك إقراضه للغير بفائدة. فالقانون المصري رقم 163 لسنة 1957 والقوانين المعدلة له تنص على ما يأتي:
المادة رقم 26 مكررًا[5] تنص على أنه "تخضع جميع البنوك التي تمارس عملياتها داخل جمهورية مصر العربية لأحكام هذا القانون".
والمادة رقم 38 من نفس القانون تنص على أنه "يُعتبر بنكًا تجاريًا كل منشأة تقوم بصفة معتادة بقبول ودائع تدفع عند الطلب أو بعد أجل لا يجاوز سنة" (عدلت مدة الوديعة بالزيادة).
والمادة رقم 39 من نفس القانون تنص على أنه "يحظر على البنك التجاري أن يباشر العمليات الآتية:
( أ) التعامل في المنقول أو العقار بالشراء أو البيع أو المقايضة فيما عدا:
1- العقار المخصص لإدارة أعمال البنك أو للترقية عن موظفيه.
2- المنقول أو العقار الذي تئول ملكيته إلى البنك وفاء لدين له قبل الغير قبل أن يقوم البنك بتصفيته خلال سنة من تاريخ أيلولة الملكية بالنسبة للمنقول وحتى سنوات بالنسبة للعقار، ويجوز لمجلس إدارة البنك المركزي مد هذه المدة عند الاقتضاء.
(ب) امتلاك أسهم الشركات المساهمة، ويشترط "ألا تجاوز القيمة الاسمية للأسهم التي يملكها البنك في الشركة مقدار رأسماله المصدر واحتياطياته".
والمادة رقم 45[6] تنص على أنه "يحظر على البنوك العقارية والبنوك الصناعية وبنوك الاستثمار نفس الأعمال المحظورة على البنوك التجارية".(5/214)
فهذه النصوص تقطع بأنه يحظر على البنوك التجارية وغير التجارية العاملة في مصر الاستثمار عن طريق الاتجار بالشراء والبيع بصفة مطلقة، إلا إذا كان التملك وفاء لدين، وبشرط التصرف في العقار أو المنقول خلال مدة محددة، أو كان العقار مستخدمًا لإدارة البنك أو لأماكن ترقية موظفيه. وحتى في حالة المشاركة في تأسيس الشركات وشراء أسهم، يحظر على البنك أن يمس الودائع مطلقًا، بل إن له أن يتصرف في حدود حقوق المساهمين.
فافتراض الفتوى محل النظر أن البنوك تقوم باستثمار الودائع بالاتجار فيها بالبيع والشراء بصفة مباشرة، أو حتى شراء أسهم الشركات افتراض غير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل. وإذا كنا نتكلم عن أمر واقع.. فأين هو؟ وأي بنك يقوم باستثمار الودائع بنفسه استثمارًا مباشرًا؟ وأين يعمل؟ أيعمل في مصر أم في الخارج؟؟
ولا أدري كيف غاب عن أعضاء المجمع -مع سعة علمهم، وكثرة اطلاعهم، ومعرفتهم بواقع الجهاز المصرفي المصري والعربي والعالمي وطريقة عمله، وفقًا للقوانين المنظمة له- أن البنوك في مصر ليست حرة في القيام باستثمار الودائع بنفسها استثمارًا مباشرًا في الاتجار بالبيع والشراء للعقارات والمنقولات، أو المساهمة في الشركات، وإنما الأصل أنها تُقرض الودائع بسعر فائدة أعلى من سعر الفائدة الذي تدفعه على الودائع، ويكون الفرق بين الفوائد الدائنة والمدينة هو ربح المساهمين، بعد خصم المصروفات العمومية والإدارية، وذلك بالإضافة إلى مقابل الخدمات المصرفية.
وعلى كل حال فإن الفتوى لا يتحقق مناط تطبيقها في البنوك التجارية أو المتخصصة؛ لأن الفتوى تفترض قيام البنوك التي تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، باستثمار هذه الودائع بنفسها استثمارًا مباشرًا بالاتجار فيها بالبيع والشراء وغيرهما، وهذا محظور على هذه البنوك.
والذي يقوم باستثمار الودائع بصيغ وعقود استثمار شرعية، وبطريقة مباشرة على أساس عقد الوكالة أو المضاربة أو المشاركة، أو المرابحة أو السلم أو الاستصناع.. هي البنوك الإسلامية. فإذا استثمرت بطريق الوكالة فإن الربح كله لمالك الوديعة والخسارة التي لا يد للبنك فيها عليه؛ لأنه المالك للوديعة، ويستحق البنك أجرًا محددًا بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المستثمرة.
وإذا كان الاستثمار بطريق المضاربة؛ فإن البنك يستحق النسبة المتفق عليها من ربح استثمار الودائع، والباقي يوزع على أصحاب الودائع؛ وذلك وفق نسبة ودائعهم ومدد استثمار هذه الودائع، وذلك بحكم أن المودعين يملكون هذه الودائع، ولا يقرضونها للبنك.
وإذا كان البنك يستثمر الودائع بطريق المشاركة؛ فإن البنك يستحق حصة في الربح بنسبة مشاركته، والباقي للمودعين مقابل استثمار ودائعهم. والشريك المودع يملك حصة في المشاركة وهي الوديعة.
الاعتبار الثالث: وعلى فرض أن البنوك تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، وعلى فرض أنها تملك استثمار الودائع بنفسها استثمارًا مباشرًا بالاتجار فيها بالبيع والشراء وشراء الأسهم، وهو فرض غير جائز قانونًا وغير واقع عملاً وممارسة، على فرض ذلك كله.. فإن الفتوى تنص على أن استثمار الودائع يكون في "عمليات البنوك المشروعة". وهذا الفرض غير واقع؛ ذلك أن البنوك تملك استخدام الودائع في عمليات الإقراض بفائدة، وهي ربا محرم باتفاق. والفتوى نفسها لم تتعرض لحكم استخدام البنك لودائعه في إقراضها بفائدة برغم كونه ربا محرَّما باتفاق.
وتنص المادة الرابعة من القانون رقم 37 لسنة 1992 على أن تُستبدَل بكلمة "الفائدة" أينما وردت في القانون رقم 163 لسنة 1957 أو القانون رقم 120 لسنة 1975 كلمة "العائد"، وهو لا يغير من الحكم الشرعي، وهو حرمة كل زيادة عن مبلغ القرض؛ ذلك أن الحكم الشرعي مرتبط بكلمة "النفع" بكل صوره وجميع أشكاله، بصرف النظر عن التسمية التي تُطلق عليه، ربحًا كانت أو عائدًا أو هدية أو منحة أو مكافأة أو جائزة؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "كل قرض جر نفعًا فهو ربا". فالعبرة هنا بكون المدفوع نفعًا، بصرف النظر عن تسميته.
وإذا ثبت أن الودائع تستخدم بطريق الإقراض بفائدة أو عائد -كما يسميه القانون-، كان افتراض الفتوى أن البنك "يستثمر الودائع في معاملاته المشروعة" افتراضا غير واقع وغير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل، ولو فرض أن هناك بنكًا يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، ويستثمرها في معاملاته المشروعة استثمارًا مباشرًا بصيغ وعقود استثمار مشروعة ولا يقرضها للغير بفائدة؛ لكانت الفتوى منطبقة على هذا البنك (أي يتحقق فيه مناط الفتوى).
فالفتوى التي بين أيدينا أُنيطت وارتبطت وتعلقت ببنك يتلقى الودائع وفق عقد وكالة في الاستثمار، وليس وفق عقد وديعة تأخذ حكم القرض، ويقوم باستثمار هذه الودائع، والاتجار فيها بنفسه (وهذا محظور على البنوك القائمة)، ويتم التعامل فيها بصيغ وعقود استثمار شرعية، وليس بإقراضها بفائدة كما هو الوضع في البنوك العادية. فإذا ما اختل أو انعدم أحد هذه العناصر التي تشكل مناط الفتوى فإن الفتوى لا تطبق.
ولقد ذكرنا أن الفتوى تنطبق على البنوك الإسلامية، مع ملاحظة أن البنوك الإسلامية تلتزم بشروط وأحكام الوكالة الشرعية، وأهمها حرمة اشتراط ربح محدد للمودع بصفته موكلاً؛ لأن هذا باطل بالإجماع، وصرف الربح كله للمودع بعد خصم أجرة البنك المحددة في عقد الوكالة، وتحميل المودع بصفته موكلاً جميع مخاطر استثمار الوديعة، وخسائرها التي لا يد للبنك فيها، ولا قدرة له على توقعها أو تلافي آثارها (أي: إذا كانت بسبب قوة قاهرة، أو بسبب أجنبي بلغة القانون).
ولو وُجد بنك يتلقى الودائع بعقد وكالة مستوفية لشروطها، وتترتب عليها أحكامها الشرعية؛ لكانت معاملاته صحيحة. ولكن الوكالة المذكورة في الفتوى، على الرغم من أنها مجرد اختراع وخيال يناقض أحكام القوانين وواقع العمل؛ فإنها وكالة باطلة بالإجماع؛ لأن الوكيل (البنك) يأخذ أرباح الوديعة، وليس أجرًا محددًا في عقد الوكالة، ويتحمل خسائرها، ويشترط للمودع (الموكل) مبلغًا محددًا مقدمًا أسماه ربحًا، وهذه وكالة باطلة بإجماع الفقهاء طوال 14 قرنًا من الزمان، ولا أظن أن هذا يغيب عن علم أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع، وهم من المشهود لهم بالعلم والفضل والورع.
وخلاصة الرد على هذا الجزء من الفتوى أنها فتوى في معاملة افتراضية؛ حيث هذه المعاملة المستفتى فيها غير جائزة قانونًا، وغير واقعة عملاً، بالنسبة للبنوك العاملة في مصر، بل وفي غيرها من البلاد العربية وغيرها. وهي صورة بنك يتلقى الودائع بصفة وكيل استثمار، ويستثمر هذه الودائع بنفسه في معاملات وبصيغ وعقود استثمار مباشرة، وهذه المعاملات وتلك الصيغ تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وإذا فرضنا جدلاً أن البنوك تقبل الودائع بصفتها وكيلاً عن المودعين لاستثمارها بنفسها والاتجار فيها استثمارًا مباشرًا؛ فإن هذا الاستثمار يجب أن يكون بصيغ استثمار شرعية كالبيع والشراء والاستصناع والمرابحة والسلم والمشاركة وغيرها من الصيغ والعقود الشرعية، وليس بصيغة الإقراض بفائدة، كما أنه يجب أن تكون الوكالة في الاستثمار مستوفية لشروطها الشرعية، وتترتب عليها الأحكام والآثار التي ترتبها الشريعة الإسلامية؛ من كون الربح كله للمودعين، وللبنك الأجر المحدد المتفق عليه في عقد الوكالة، على أن تكون خسارة الودائع التي لا يد للبنك فيها على أصحابها؛ لأنهم المالكون لها.(5/215)
وهذا يقتضي أن يُفِرد البنك للودائع التي يستثمرها بطريق الوكالة حسابًا مستقلاً منتظمًا مُدقَّقًا، تقيد فيه إيرادات ومصروفات جميع المعاملات الشرعية التي يقوم بها البنك، حتى يتحدد الربح المستحق للمودعين، بعد أن يخصم البنك الأجرة المتفق عليها عند الإيداع.
والبنوك الإسلامية تقوم بهذا العمل على الوجه السابق، وذلك بجانب قيامها باستثمار الودائع بصيغة المضاربة التي يستحق فيها البنك نسبة محددة من الربح بدلاً من الأجرة المحددة بمبلغ مقطوع أو نسبة من الودائع المستثمرة، وقد تستثمر البنوك الإسلامية الودائع بصيغة المشاركة؛ فيستحق البنك حصة من الربح تناسب مساهمته في المشاركة، ويأخذ المودعون نسبة من الربح تناسب مساهماتهم.
وأما استخدام الودائع فالبنوك الإسلامية تستثمرها استثمارًا مباشرًا بعقود وصيغ شرعية كالمرابحة والبيع المؤجل وبيع السلم والاستصناع والمشاركات، ولا تدفع البنوك الإسلامية هذه الودائع بصيغة القرض لمن يقوم باستثمارها؛ فالبنوك الإسلامية لا تقوم بالإقراض والتمويل النقدي ومنح التسهيلات الائتمانية، بل إنها بنوك استثمار منتج للسلع والخدمات، وبنوك تنمية حقيقية، وتلك رسالتها، حسب قواعد الشريعة، وقوانين ونظم إنشائها، والتراخيص التي منحتها الدول التي توجد فيها هذه البنوك لها؛ فإن قصرت أو أخطأت كانت مسئولة أمام الله، ثم الدولة التي منحتها هذه التراخيص، والمجتمع الذي منحها ثقته.
وقد يحدث هذا التقصير بسبب عدم كفاية العناصر المؤهلة، أو عدم العناية بتدريبها، ولكنها في جميع الأحوال يجب أن تجمع المدخرات، وتوجهها للاستثمار المنتج بصيغ شرعية مساهمة في خطط التنمية. ويجب على الدولة والمجتمع أن يعيناها على ذلك، ويحكما الرقابة عليها؛ إذ إن الذين يتعاملون مع هذه البنوك يعتمدون على أنها تلتزم بأحكام الشريعة في ترك الربا الذي يؤذن بحرب الله ورسوله ويمحق البركة في المجتمع، وأن هذه البنوك تسهم في نفس الوقت في تمويل خطط التنمية. ذلك أن البنك الإسلامي لا يتقاضى فائدة على قرض؛ لأنه لا يُقرض الودائع، وإنما يستحق حصة من ربح العملية أو المشروع، ولا يتحقق الربح إلا إذا كان ثمة مشروع منتج ومحقق للربح وفق دراسة الجدوى، وبذلك يواكب كل تمويل لعملية إنتاج ينتج عنها ربح، وهذا يساعد على تخفيف حدة التضخم، ويوجه استخدامات الموارد في المجتمع توجيهًا صحيحًا.
إن دعم ومساندة البنوك الإسلامية تلبي أشواق ورغبات شريحة كبيرة من المجتمع التي آمنت بحرمة الربا، وبكونه يمحق البركة من الرزق، ويعرض المرابي لحرب من الله ورسوله لا قبل له بها، ولهم حق ممارسة أحكام دينهم، ويفيد الجهاز المصرفي من ودائع يمتنع أصحابها عن إيداعها في البنوك الربوية، بدلاً من أن تتسرب هذه الودائع، ويُحرم منها المجتمع.
ولا يضير البنوك التقليدية وجود بنوك إسلامية؛ لأن الملتزمين بأحكام دينهم إذا لم توجد بنوك إسلامية لا يودعون في البنوك التقليدية. لذا فإن إثارة هذا الموضوع لا يفيد المجتمع بحال.
إشكاليات تتعلق بفتوى مجمع البحوث الإسلامية
إن كان التناول النقدي السابق يتعلق بالإشكال الذي انطوى عليه السؤال من توصيف غير حقيقي لطبيعة النشاط الاقتصادي الذي تمارسه المصارف، ومن ثم سوء الفهم المترتب على هذا التوصيف الخاطئ؛ فإن الجزء الذي بين أيدينا يتناول تجاوزات في فتوى مجمع البحوث نفسها ( اضغط هنا لمطالعة نص الفتوى).
لقد ذكرت الفتوى بعض الأدلة على ما توصلت إليه من حكم بأن تحديد الأرباح مقدمًا لأصحاب الودائع في البنوك حلال لا شبهة فيه. واستكمالاً للبحث فإني أذكر هذه الأدلة، أو بالأحرى التعليلات والمناسبات التي ذكرت لتأكيد هذه الفتوى:
أولاً: جاء في الفتوى أنه "من المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح أو العوائد مقدمًا، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة للأسواق المالية أو المحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة أو نوعها ومتوسط أرباحها".
وهذا التعليل أو التدليل ليس في محل النزاع؛ لأن الخلاف ليس في طريقة تحديد ما يُعطى للمودع، بل في الحكم الشرعي لما يُعطى، بصرف النظر عن مقداره وطريقة تحديده. وقد تقدم أن الوديعة تُعد قرضًا بنص القوانين وبإجماع الفقهاء، و"كل قرض جر نفعًا فهو ربا" بنص الحديث الشريف؛ ذلك أن واقع البنوك أنها تتلقى الودائع وتملكها، وتستقل باستخدامها في إقراض الغير بفائدة، مع التزامها بردها مع الفائدة، وهذا هو حكم القرض بنص القانون، ولا دخل بعد ذلك في كيفية أو طريقة تحديد هذا النفع أو مقداره أو مسماه؛ فقد تُسمى هذه النتيجة نفعًا أو ربحًا أو عائدًا أو فائدة أو مكافأة أو هدية؛ لأن العبرة بما يرتبه العقد من آثار بين عاقديه. والأحكام تُبنى على الواقع لا على الخيال. ودعوى أن البنك وكيل استثمار، وأنه يستثمر الودائع بنفسه في معاملات مشروعة، تقدم تفنيده وإبطاله، وتوضيح مخالفته للقانون والشرع والواقع.
ثانيًا: جاء في الفتوى أنه "من المعروف أن هذا التحديد (للربح الذي يعطى للمودع) قابل للزيادة أو النقص؛ بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد، ثم ارتفع إلى أكثر من 15%، ثم انخفض الآن إلى ما يقارب 10%.
وهذا التعليل أو التعديل في غير الموضوع الذي نتحدث عنه؛ إذ الحديث عن الصفة الشرعية لما يعطيه البنك للمودِع؛ وقد تقدم أنه ربا؛ لأنه منفعة يمنحها المقترض للمقرِض (زيادة عن الدين؛ لأنها نسبة من رأس المال مقابل الأجل). ولا يجادل أحد في أن هذا هو حقيقة الربا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل قرض جر نفعًا فهو ربا"، ولإجماع الأمة على أن الزيادة على الدين في مقابل الأجل هي الربا، سواء تحددت وشُرطت مقدمًا كما جاء في السؤال والفتوى، أو كانت العادة جارية في البنوك بذلك.
وإذا ثبت أن الوديعة النقدية قرض يفيد ملك البنك للوديعة، وحقه في استخدامها مع رد مثلها، وأن ذلك قرض بحكم القانون والشرع؛ فإن كل زيادة على القرض تُعطى للمودع تكون ربا مهما كان قدرها، أو طريقة تحديدها، أو التسمية التي تُطلق عليها، أو تغييرها بالزيادة والنقصان. ودعوى أن البنك يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، وأنه يستثمرها بنفسه في معاملاته المشروعة بالاتجار والبيع والشراء وغير ذلك من عقود وصيغ الاستثمار الشرعية، دعوى يكذبها الواقع، ويحظرها القانون، كما سبق شرحه وإثباته..
ثالثًا: جاء في الفتوى أن "الخلاصة أن تحديد الربح مقدمًا للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال، ولا شبهة في هذه المعاملة؛ فهي من قبيل المصالح المرسلة، وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز فيها التغيير أو التبديل".
والرد على ذلك يكون بتناول عدة جزئيات على النحو التالي:
أولاً: الحكم الشرعي إذا ثبت بالدليل، وعُرف مناطه؛ فلا يجوز تغييره ولا تبديله بحال، يستوي في ذلك العقائد والعبادات وغيرها من المعاملات. غير أن تفسير النصوص الشرعية، وتحديد مجال إعمالها، يُرجع فيه إلى المصلحة التي شُرع الحكم لتحقيقها، وذلك في المعاملات بخلاف العبادات التي يقف فيها المجتهد عند النص ولا يتوسع في تفسيره. وهذا أصل أكده الإمام الشاطبي وغيره، غير أنه في جميع الحالات إذا توصل المجتهد بهذا المنهج إلى حكم شرعي فإنه لا يحل تغييره أو تبديله.(5/216)
وثمة فرق بين العبارتين؛ إذ إن عبارة التغيير والتبديل لأحكام الشريعة تُوهم أنها غير ملزمة للمكلف، وهذا رأي نسب إلى الطوفي الحنبلي، وهو منه بريء (راجع نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي – ص: 533، وما بعدها لكاتب التعليق)، إذ لم يقل بذلك أحد في تاريخ الاجتهاد الإسلامي. فقد نسب بعض المحدثين إلى الطوفي أنه يقدم المصلحة على النص والإجماع في المعاملات، ورموه بأنه أول من فتح باب الشر، وأن ما قاله "باطل" صادر عن "مضل" "فاجر" "ساقط"، ولا يقول بقوله إلا من هو "أسقط منه"، وأن رأيه في المصلحة "إلحاد مكشوف"، من أعار له سمعًا لم يكن له نصيب من العلم ولا من الدين، وأن مذهبه ليس غلطًا فقط من عالم حسن النية يحتمل التأويل، بل فتنة فتح بابها قاصد شر ومثير فتن. ويقول الغمام أبو زهرة عن الطوفي: "إن مهاجمته للنصوص وفكرة نسخها بالمصالح أسلوب شيعي"[7]، ويدافع الدكتور مصطفى زيد عن العلامة الطوفي، ويقول: "إن خطأه في الاجتهاد لا يعني أنه كان متلاعبًا بالمذاهب والعقائد"[8].
ثانيًا: هذه المعاملة ليست من باب المصالح المرسلة؛ لأنها وكالة في الاستثمار كما جاء في الفتوى. وقد بينت الشريعة الإسلامية شروط الوكالة وأحكامها. فليست مما سكتت عنه النصوص الشرعية، وهذه الأحكام باتفاق الفقهاء، هي:
1- وجوب النص على أجر الوكيل في عقد الوكالة، سواء كان مبلغًا مقطوعًا أو نسبة من المال المستثمر.
2- أن أرباح المال المستثمر كلها للموكل، وخسارته عليه بحكم أنه المالك للمال.
3- وجوب إمساك الوكيل حسابًا مستقلاً عن عمليات الوكالة تقيد فيه إيرادات العمليات ومصروفاتها؛ حتى تتحدد الأرباح التي يستحقها الموكل بعد خصم أجرة الوكيل.
والوكالة المُدَّعاة في الفتوى، رغم أنها مجرد خيال غير واقع، فهي وكالة باطلة؛ لأنها لم تستوفِ شروطها الشرعية، ولم يترتب عليها الأحكام التي رتبها الشارع عليها.
وخلاصة ردنا على الفتوى أنها لا تطبق على البنوك التي تعمل في مصر، ولا في غيرها من البلاد العربية؛ لأن مناط الفتوى غير متحقق في هذه البنوك؛ فهي ليست وكيلة في الاستثمار، ولا تملك الاستثمار والاتجار في الودائع بطريقة مباشرة بحكم القوانين المنشئة لها، كما أن توظيفها للمال غير مشروع؛ لأنها تقرضها بفائدة محرمة.
وإذا فُرض وجود نظام مصرفي يقوم على أساس الوكالة في الاستثمار؛ فإن هذه الوكالة يجب أن تتوافر شروطها الشرعية، وأن تترتب عليها أحكامها التي لا تُنافي مقتضاها.
إن البنوك الإسلامية تقوم بتلقي الودائع، واستثمارها بطريق مباشر، وبصيغ وعقود شرعية في عقد الوكالة في الاستثمار بجانب صيغ أخرى.
المصدر:
http://www.islamonline.net/Arabic/co...rticle06.shtml
سادساً:
فإنه من المعلوم أن قرار مجمع البحوث المتأخر (سنة 2002) قرار شاذ
فقد أجمع الكل في مجمع رابطة العالم الإسلامي على تحريم فوائد البنوك
وأجمع الكل في مجمع منظمة المؤتمر الإسلامي على تحريم فوائد البنوك
بل أن مجمع البحوث أقر بالإجماع بأن فوائد البنوك هي عين الربا المقطوع بتحريمه عام 1965 وبحضور 85 عضو من 35 دولة
وليس 14 عضوا من دولة واحدة بينهم رئيس مجلس إدارة بنك ربوي
يرأسهم الدكتور سيد طنطاوي المعروف توجهه ولا يحتاج أن أزيد
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشامري
مشاهدة المشاركة
من أجابك بأنه ليس بالضرورة أن تعرف لماذا تم التحريم قد أصدقك القول
فتسمية الواحد منا بمسلم؛ أي أنه أسلم أمره لله عز وجل
بمعنى إذا حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أمراً، فإننا نسلم بالأمر دون جدال.
من الممكن أن أكتب لك مقالاً مطولاً أو بحثاً مفصلاً فيه الكثير من النظريات الاقتصادية لنستخلص أضرار الربا من وجهة نظري الشخصية
إلا أن كلامي لن يكون إلا كلاماً قلته بناءً على بحث واجتهاد لمعرفة سبب التحريم ومع ذلك لن يكون بالضرورة كلاماً حاسماً، "فكل قول يرد إلا صاحب هذا القبر"
لذلك لن تجد أفضل من التسليم بأمر الله تعالى.
تقول ليس بالضروره أن نعرف لماذا تم التحريم .. طيب كيف سنفصل في موضوع معاملات البنوك الدينيه إن كانت ربا أم لا ؟؟ ألا يفترض أن نأخذ النتائج المترتبه عليها بعين الإعتبار ؟ و إلا ما هو المقياس برأيك ؟ إذا كنت تقصد الطريقه .. فأعطيتك مثال على -أهل السبت- حين تحايلوا على أوامر الله في طريقة صيد السمك في اليوم المحرم عليهم , و في ذلك نسخه مطابقه .
أضف إلى ذلك حديث الرسول عليه الصلاة و السلام " إنما الأعمال بالنيات و ان لكل إمرئ ما نوى "
ثم أننا لسنا معترضين حتى تقول : نسلم !
لاحظ أنك تريدنا ان نسلم برأي الفقهاء المختلفين فيما بينهم أصلا .. و ليس برأي الدين .
و قلت في موضع سابق -فيما معناه- أن على الإقتصاديين إتباع راي الفقهاء حتى لو رأوا : عدم الصلاح !
أعرف أن لديك إجابه كافيه و وافيه عن سؤالي لكنك لم تفعل .. و لا أريد إجابه حاسمه .
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
تقول ليس بالضروره أن نعرف لماذا تم التحريم .. طيب كيف سنفصل في موضوع معاملات البنوك الدينيه إن كانت ربا أم لا ؟؟
نعم ليس بالضرورة أن تعرف لماذا حرم هذا ولماذا أٌبيح ذاك وهذا هو الأصل في الإسلام
أن نسلم بما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
عدا ذلك فإنه يترتب علينا أن نتجه فيما أُبيح وأن نمضي به
أما موضوع معاملات البنوك الإسلامية ((وليست الدينية ... لأنني لم أسمع بأي بنك ديني)) فهذا ما سيوضحه لك المبحث الثاني والثالث من هذا البحث
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
ألا يفترض أن نأخذ النتائج المترتبه عليها بعين الإعتبار ؟ و إلا ما هو المقياس برأيك ؟
لا طبعاً ... لايفترض أن نأخذ النتائج المترتبة على ذلك إلا إذا أردنا نناقش بها من هم على غير دين الإسلام لأنهم لا يقرون بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما المقياس؛ فالأصل فيه أن نبتعد عن البيوع المحرمة أولاً:
كالبيوع المنهي عنها باعتبر وصف الغرر:
كبيع الحصاة
وبيع الملامسة والمنابذة
والبيعتان في بيعة
وبيع ماليس عند البائع
وبيع المجهول
وبيع الولاء
وغيرها
والبيوع المنهي عنها باعتبار الضرر:
كبيع المضطر
والبيع على البيع
وبيع المعيب والمغشوش
وبيع المحرمات
وغيرها
والبيوع المنهي عنها باعتبار عينها:
كبيع الميتة والخنزير والأصنام
وبيع الخمر
وبيع الدم
وغيرها
والبيوع المنهي عنها باعتبار المكان والزمان:
كالبيع داخل المسجد
وبيع السلاح في الفتنة
وغيرها
بعد ذلك إذا ما استشكل أمر في المعاملات المعاصرة، فإن القاعدة الفقهية واضحة:
"فساد العقود مرده إلى أمران: الربا وما يؤدي إليه، والميسر وما هو في معناه كالغرر الفاحش"
وما يحتاج أقول لك إن الربا والميسر حرام لأن هذا الأمر معلوم ... بل وقد فصلت الأدلة على تحريم الربا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
إذا كنت تقصد الطريقه .. فأعطيتك مثال على -أهل السبت- حين تحايلوا على أوامر الله في طريقة صيد السمك في اليوم المحرم عليهم , و في ذلك نسخه مطابقه .
أضف إلى ذلك حديث الرسول عليه الصلاة و السلام " إنما الأعمال بالنيات و ان لكل إمرئ ما نوى "
سامحك الله أخي الفاضل على ما كتبت ... ففي هذا اتهام مبطن للبنوك الإسلامية بهيئاتها الشرعية المكونة من علماء أفاضل
لا أقول لك بأن جميع البنوك الإسلامية تطبق تطبيقاً صحيحاً ولا أقول أنها أخفقت بمجملها(5/217)
فنحن هنا نتكلم عن الأصول ولم نتطرق إلى الفروع ... وإلا لاحتجنا إلى مجلدات من البحوث لتغطية هذا الجانب
وحتى لو تناولنا الفروع فإن ذلك لايتعارض أبداً مع الحقيقة التي تقول بأن نظام البنوك الإسلامية هو النظام الصحيح والأجدر بالتطبيق
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
ثم أننا لسنا معترضين حتى تقول : نسلم !
وهذا جيد ... إذا ما المشكلة؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
لاحظ أنك تريدنا ان نسلم برأي الفقهاء المختلفين فيما بينهم أصلا .. و ليس برأي الدين .
أولا أقتبس من كلامي لأبين لك ما قلته بدقة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشامري
لذلك لن تجد أفضل من التسليم بأمر الله تعالى.
ثانياً بينت لك فيما سبق أنه لا اختلاف بين الفقهاء حول هذه المسألة
أما قرار مجمع البحوث الإسلامية فقد أثبت لك بأنه قرار شاذ وأعيد لك الأسباب:
أولاً:
مجمع البحوث الإسلامية أصدر قراراً في وقت سابق يحرم الربا ويبين أن معاملات البنوك الربوية هي من الربا المقطوع بتحريمه، وقد صادق على ذلك 85 عالماً من 35 دولة
ثانياً:
القرار الشاذ الذي أتي لاحقاً في 2002 أقره 14 شخص من 6 فلاسفة ورئيس مجلس إدارة بنك ربوي
وكلهم من بلد واحد ... وهذا ما لم نعهده من أي مجمع فقهي ... فالأصل في الانتساب في المجامع الفقهية لجميع الدول الإسلامية حتى لا تسيس قرارات المجامع الفقهية
وإلا فإنه في تونس قد منعوا تعدد الزوجات وضغط أبو رقيبة على مشايخ تونس ليفتوا بأن صيام رمضان ليس بالأمر الواجب
ثالثاً:
لم يسبق بأن أقر بمثل هذا القرار أي مجمع فقهي
فكما قلت فإن مجمع البحوث الإسلامية كان قد أقر بنفسه سابقاً وبحضور 85 عالم من 35 دولة بحرمة معاملات البنوك الربوية
كما أن فتوى جبهة علماء الأزهر الشريف التي تضم العشرات من العلماء الأفاضل أدانت هذا القرار
كما أن المجامع الفقهية التالية حرمت معاملات البنوك الربوية:
المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي (وقد ذكرت لك ذلك من قبل)
المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (وقد ذكرت لك ذلك من قبل)
وأزيد عليهم:
المجمع الفقهي في السودان
المجمع الفقهي في الهند
والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث
هيئة كبار العلماء في السعودية
وقرارات عدد من مؤتمرات الاقتصاد الإسلامي التي ضمت عدداً كبيراً من الفقهاء والاقتصاديين على مستوى العالم الإسلامي
وغيرهم الكثير
أوليس ذلك إجماعاً؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
و قلت في موضع سابق -فيما معناه- أن على الإقتصاديين إتباع راي الفقهاء حتى لو رأوا : عدم الصلاح !
نعم هذا صحيح ... فالفتوى لأهل الفتوى وليست للاقتصاديين أو الفلاسفة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sprite
مشاهدة المشاركة
أعرف أن لديك إجابه كافيه و وافيه عن سؤالي لكنك لم تفعل .. و لا أريد إجابه حاسمه .
إن كنت محتاج لهذه الدرجة أن تعرف أضرار الربا (وقد أقررت بنفسك ضمنيا بأن للربا أضرار حين قلت أنك لست معترضاً) فتستطيع أن تطلع بنفسك على البحوث والدراسات التي بينت مضار الربا
قد جئتك بخلاصة دراستين حول هذا الموضوع، إحداها للدكتور رفعت العوضي، والأخرى لجوهان فليب بتمان
فإن لم يكفك هذا فبإمكانك أن تبحث ... وسوف أساعدك على هذا بأن أبين لك منهجية البحث:
الأصل هو أن تثبت الحقائق (وفي حالتنا هذه تحريم الربا) ومن ثم أن تكون النتائج والاستنتاجات تدور حول هذه الحقائق
المبحث الثاني: معاملات البنوك
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعين به، ونصلى ونسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
وبعد ...
سوف نناقش في هذا المبحث طبيعة عمل البنوك الربوية، وإذا ما كانت تساهم في العملية الإنتاجية، بالإضافة إلى ماهية ودائع البنوك من وجهة نظر الشرع والقانون.
نبدأ على بركة الله
طبيعة عمل البنك
"جاء في المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية هذا التعريف للبنك:
البنك: مؤسسة تقوم بعمليات الائتمان بالإقراض والاقتراض.
وفي الموسوعة العربية الميسرة:
مصرف أو بنك: تطلق هذه الكلمة بصفة عامة على المؤسسات التي تتخصص في إقراض واقتراض النقود."
أما تعريف البنك كما جاء في موقع www.investopedia.com (أشهر موسوعة إقتصادية على الشبكة):
"A commercial institution licensed as a receiver of deposits. Banks are mainly concerned with making and receiving payments as well as supplying short-term loans to individuals."
أي:
"مؤسسة تجارية مسجلة كمستقبلة للودائع. وظيفة البنوك الرئيسية تعنى بخلق واستقبال المدفوعات كما أنها توفر القروض قصيرة الأجل للأفراد"
هذه التعريفات السابقة تلخص طبيعة عمل البنك.
ما ذكر أعلاه هو التعريف الاصطلاحي، فماذا عن مفهوم البنك عند أساتذة الاقتصاد؟
مفهوم البنك عند الاقتصاديين
"يقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم في كتابه مذكرات في النقود والبنوك (ص43):
((يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسلف)).
ويقول الدكتور محمد زكي شافعي في كتابه مقدمة في النقود والبنوك (ص197):
((يمكن تلخيص أعمال البنوك التجارية في عبارة واحدة هي: التعامل في الائتمان أو الاتجار في الديون؛ إذ ينحصر النشاط الجوهري للبنوك في الاستعداد لمبادلة تعهداتها بالدفع لدى الطلب بديون الآخرين، سواء أكانوا أفراد أم مشروعات أم حكومات، ويقبل الأفراد هذه التعهدات المصرفية -وهي التي تعرف باسم الودائع الجارية- في الوفاء بما تزودهم به البنوك من اعتمادات وسلف؛ نظراً لما يتمتع به التعهد المصرفي بالدفع لدى الطلب من قبول عام في تسوية الديون. وهكذا تتوسل البنوك التجارية إلى مزاولة نشاطها الذي تبرز به وجودها، وتستمد من القيام به أرباحها، بالاضطلاع تارة بمركز الدائن، وتارة بمركز المدين)).
ويقول الدكتور محمد يحيى عويس في كتابه محاضرات في النقود والبنوك (ص233):
((تتلخص الوظيفة الرئيسية للبنوك في المجتمعات الحديثة في الجملة التقليدية: أن البنوك تقترض لتُقرض)).
ويقول الدكتور محمد عبدالعزيز عجمية في كتابه مبادئ علم الاقتصاد (ص271):
((يعرف البنك التجاري أو بنك الودائع عموماً بأنه المنشأة التي تتعامل في الائتمان أو الدين)).
ومن المعروف أن الائتمان والدَين مظهران لشيء واحد وهو: القرض؛ فالدين هو إلتزام بدفع مبلغ معين من النقود، والائتمان هو حق تسلم مبلغ معين من النقود، ولذلك فالمبلغ المتداول بين متعاملين يعد ديناً من وجهة نظر المدين أو المقترض، وائتماناً أو حقاً من وجهة نظر الدائن أو المُقرض."
بعد أن استعرضنا مفهوم البنوك من الناحية الاصطلاحية ومن الناحية الاقتصادية، أصبحت مهمة شرح طبيعة عمل البنك من خلال تبيان وظائفه الرئيسية أسهل.
وظيفتا البنك
للبنك وظيفتين رئيسيتين
الأولى: تتمثل في المتاجرة في الديون (الإقتراض بهدف الاقراض)
وقد استعرضنا ذلك من خلال التعريفات الاصطلاحية والاقتصادية للبنك على حد سواء
والثانية: تتمثل في خلق الائتمان (أو ما يعرف بخلق النقود)
"وهي وظيفة يمارسها النظام المصرفي في مجموعه، وتعني باختصار وتبسيط أن تلك البنوك تقوم بإقراض مالم تقترضه فعلاًمن أحد أو تحزه"
وهنا نتيقن بخصوص البنوك الربوية:(5/218)
"إننا بصدد مؤسسة محل نشاطها وتعاملاتها النقود: تحصلها أو تدفعها، والديون: تلتزم بها أو تلزم بها، والقروض: تقترضها، وهذا هو محل نشاطها ومحوره، وتلك هي بضاعتها، ولا نظن نزاعاً في ذلك بين المفكرين"
وهنا يفسر موقع www.howstuffworks.com الشهير (من أكبر المراجع على الشبكة) كيف تحقق البنوك التقليدية (الربوية) أرباحها:
"Banks are just like other businesses. Their product just happens to be money. Other businesses sell widgets or services; banks sell money"
"البنوك حالها حال أي مشروع تجاري. إلا أن بضاعتها هي النقود. المشاريع التجارية الأخرى تبيع التطبيقات أو الخدمات؛ البنوك تبيع النقود"
خلق النقود
أيمكن أن نتصور أن شخصاً يقترض ألفاً، ومن الألف يقرض بضعة آلاف ويبقى في رصيده نقود؟
"هذا ما تفعله الربوية تخلق النقود وتُقرضها! تقرض ما ليس عندها، وما لاتملكه، وتأخذ ربا!"
وهنا مثال لخصته دراسة اقتصادية بعنوان "ماهي المصارف" قدمت من قبل "المعهد الوطني للإدارة العامة" في الجمهورية العربية السورية:
"ويمكن تفسير عملية خلق الائتمان بالمثال التالي:
لنفرض أن مودعاً أودع مئة وخمسون ألف ليرة سورية في المصرف التجاري السوري، وأن هذا المصرف يرغب بالاستفادة من هذه الوديعة بإقراضها للغير مقابل فائدة لتعظيم ربحه فإنه سيقوم بفتح حساب جاري للمقترض ولن يقدم له القرض مبلغاً كدفعة واحدة وهو بذلك كأنما خلق وديعة للمقترض يسحب منها المبالغ التي يحتاجها وهكذا يكون قد تولدت وديعة جديدة زادت من أصوله، فإذا كانت الخبرة العملية والشروط التي تفرضها السلطة النقدية {نسب الاحتياطي القانوني} جعلت المصرف التجاري السوري يقدر أن نسبة الاحتياطيات السائلة المتوجب الاحتفاظ بها تقدر بـ 30 % من مجموع التزاماته فإن السياسة الائتمانية تقتضي منح قروض جديدة تستند إلى هذه الوديعة موضوع المثال تبلغ خمسمائة ألف ليرة سورية"
ويجدر بالذكر بأن عملية خلق النقود تتم تحت مظلة البنك المركزي مع وجود القوانين التي تسمح بهذا الأمر.
.................................................. ....................
أحبتي في الله ...
لا زلنا في المبحث الثاني (معاملات البنوك) وسوف نكمل غداً بإذن الله الجزء الثاني من المبحث الثاني إذاما سمحت الظروف
لذلك أرجو أن يؤجل النقاش بما يخص هذا المبحث لحين الانتهاء منه
علماً بأن باب النقاش لازال مفتوحاً فيما يتعلق بالمبحث الأول (الربا)
هل تتدخل البنوك التجارية في العملية الإنتاجية؟
في ندوة جمعية الاقتصاد الإسلامي قدم أحد الباحثين الاقتصاديين بحثاً في موضوع طبيعة البنوك التقليدية والوظائف التي تؤديها ومصادر أموالها و وجوه استخدامها.
أنقل ما لخصه الأستاذ دكتور على السالوس من هذه الدراسة للباحث الاقتصادي سمير عبدالحميد رضوان حين تسائل بعد أن قدم دراسته بشكل تفصيلي بهذا السؤال الذي يلخص الدراسة:
هل تتدخل البنوك التجارية في العملية الإنتاجية؟
"نلخص مما تقدم، ومن دراستنا لطبيعة أعمال البنوك التقليدية، إلى أن البنوك التجارية مؤسسات للوساطة المالية، لا تتدخل بطريقة مباشرة في العملية الإنتاجية، وإنما تتوسط بين المقرضين والمقترضين، فتقوم بتحويل الفوائض المالية من القطاعات ذات الطاقة التمويلية الفائضية -المقرضين و المودعين- إلى القطاعات ذات العجز في الموارد المالية (المقترضين).
ويتمثل دخل هذه البنوك في الفرق بين ما تحصل عليه من فوائد من المقترضين، وما تدفعه من فوائد للمقرضين. أما العمولات التي تتقاضاها مقابل الخدمات التي تقدمها فتمثل جزءاً يسيراً نسبياً. أ.هـ.
ثم قدم الباحث بعض النماذج التطبيقية من الواقع العملي، وقام بتحليلها، مؤكداً ما انتهى إليه من الدراسة.
وعلى سبيل المثال عرض المركز المالي الإجمالي للبنوك التجارية في مصر قي مارس سنة 1987م، وتبين من وجوه الاستخدام أن نسبة ما تقرضه بلغ 81.78% من جملة الاستخدامات، و أن 9.37% كان للاستثمار في الأسهم والسندات، ومعلوم أن السندات قروض ربوية، أي أن الاستخدامات كانت أساساً في الإقراض بفائدة.
وختم الباحث دراسته بعرض صورة لميزانية بنك الإسكندرية التجاري والبحري.
من استقراء المركز المالي لبنك الإسكندرية التجاري والبحري في 30/12/1987م وكذا حساب الأرباح والخسائر عن السنةالمنتهية في 31/12/1987م استبان لنا الآتي:
نسبة إجمالي الودائع إلى إجمالي الموارد 67%.
1. نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الموارد 18.3%.
2. نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الودائع 27.1%
3. نسبة الاستثمارات المالية إلى إجمالي الاستخدامات 0.5%.
4. نسبة القروض (والسلفيات) إلى إجمالي ودائع العملاء 146%.
حساب الأرباح والخسائر:
1. نسبة الفوائد المحصلة إلى جملة الإيرادات 85.8%.
2. نسبة عائد الخدمات المصرفية والإيرادات الأخري إلى إجمالي الإيرادات 14.2%.
3. نسبة الفوائد المدفوعة إلى الفوائد المحصلة 55%.
والمؤشرات على الوجه المتقدم ليست في حاجة إلى مزيد من التعليق. بهذا أنهى الباحث دراسته."
الإيضاحات التي أضافها الأستاذ دكتور علي السالوس لهذه الخلاصة
"
1. حقوق المساهمين لا تعني رأس المال، وإنما يضاف إليه ما حصلوه من إيرادات العام، وما بقي من إيرادات الأعوام السابقة؛ ولذلك فإن من ملك أسهم بنك ربوي، وأراد التوبة، فليس له - بعد التخلص من هذه الأسهم- إلا رأس ماله والإيرادات غير الربوية، وهي نسبة قليلة كما نرى؛ أما نصيب أسهمه من الفوائد الربوية فهي مال خبيث حرام. وعند بيان حكم التعامل في الأوراق المالية -وهي الأسهم والسندات- لا يكفي القول بأن السندات قروض ربوية فهي حرام، وأن الأسهم هي حصص شائعة في شركة فهي حلال؛ فنشاط الشركة إذا كان محرماً فأسهمها حرام بلا شك، وإن لم تكن قروضاً ربوية كالسندات. فمن اشترى أسهماً في بنك ربوي فهو من الذين يأكلون الربا، ويأذنون بحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن اشترى أسهماً لشركة صناعة الخمور فهو ملعون مطرود من رحمة الله تعالى.
2. نسبة الاستثمارات المالية (0.5%)، وهي أساساً في السندات، وقل أن تكون في الأسهم. وهذا يعني أن الاستثمار ليس من طبيعة عمل البنك.
3. الودائع التي اقترضها البنك أقرضها كاملة (100%) وأقرض أيضاً 46% زيادة على هذه الودائع، فمن أين جاءت هذه الزيادة؟! تذكر ما قيل عن خلق النقود أو الائتمان!
4. في حساب الأرباح والخسائر نلاحظ ضخامة الفرق بين الفوائد التي أخذها من المقترضين، والفوائد التي أعطاها المودعين المقرضين، فلم يعط إلا 55% من الفوائد التي حصلها، وأخذ البنك لنفسه 45%، وهذا هو الدخل الأساسي للبنك حيث أنه يمثل 85.8% من جملة الإيرادات.
وبعد
كنت من قبل احتفظت ببعض ما نشر من ميزانيات البنوك الربوية لأبين طبيعة عمل هذه البنوك، ولكن بعد ما سبق من عرض ودراسة أظن أن الأمر أصبح واضحاً جلياً، لا يحتاج إلى المزيد.
"
.................................................. ............
وهنا أوجه دعوة لإخواني في المنتدى:
من أراد أن يساهم في هذا البحث عن طريق عمل دراسة مماثلة للدراسة الآنفة أعلاه حول البنوك الربوية في الكويت فليفعل وله الأجر من رب العزة والجلالة.
.................................................. ............
أحبتي في الله
لازلنا في المبحث الثاني (طبيعة عمل البنوك) وسوف نكمل الجزء الثالث من المبحث متى ما سمحت الظروف.(5/219)
لذلك أرجوا أن يؤجل النقاش في هذا المبحث، علماً بأن باب النقاش مفتوح فيما يتعلق بالمبحث الأول (الربا)
ودائع البنوك الربوية عقد قرض (شرعاً وقانوناً) مهم جداً
أكثر من تكلم عن ودائع البنوك اعتبرها قرضاً، والبعض يقول عن فوائد هذه الودائع بأنها أجراً لاستعمال النقود أي أنها ببساطة إجارة! بينما الشائع عند المتعاملين العاديين مع البنوك الربوية أنها وديعة "حيث يقال: نحن لانقرض البنك وإنما نودع لديه."
ما هي حقيقة ودائع البنوك الربوية؟
هل هي قرض؟ أم وديعة؟ أم هي عقد إجارة؟
قبل أن نبين ذلك، فلنستعرض الفرق بين هذه العقود الثلاثة في الفقه الإسلامي، من حيث الحقوق والواجبات والضمان.
عقد القرض
عقد القرض ينقل الملكية للمقترض، وله أن يستهلك العين، ويتعهد برد المثل لا العين.
والمقترض ضامن للقرض إذا تلف أو هلك أو ضاع، يستوي في هذا تفريطه وعدم تفريطه.
الوديعة
الوديعة هي أمانة تحفظ عند المستودع. وإذا هلكت إنما تهلك على صاحبها لأن الملكية لا تنقل إلى المستودع، وليس له حق الانتفاع بها، ولذلك فهو غير ضامن لها؛ إلا إذا كان الهلاك أو الضياع بسبب منه.
الإجارة
عقد الإجارة لا ينقل الملكية للمستأجر وإنما يعطيه حق الانتفاع مع بقاء العين لصاحبها، ويدفع أجراً مقابل هذا الانتفاع، ولذلك يطلق على الإجارة: بيع المنافع فتجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقاء العين بحكم الأصل، ولا تجوز إجارة ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالطعام، فلا ينتفع به إلا باستهلاكه.
والإجارة عقد على المنافع، فلا تجوز لاستيفاء عين واستهلاكها، ومثل الطعام النقود، فلا يمكن الانتفاع بها إلا بإنفاقها في الشراء أو غيره، أي باستهلاك العين. والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها.
تسمية بغير حقيقتها
وهنا بعد أن عرفنا العقود الثلاثة آنفة الذكر في الفقه الإسلامي، فإنه يتوجب علينا أن نسأل:
من هو الضامن في عقد الوديعة مع البنك الربوي؟
إنه البنك، سواء بتفريط منه أو بغير تفريط.
هل يستهلك البنك الربوي العين (الأموال)؟
نعم
هل يتعهد البنك بِرَد العين أم بِرَد المثل؟
إنه يتعهد برد المثل لا العين، حيث أنه لا يرجع الأموال عينها إلى العميل بنفس الأرقام التسلسلية، بل يرجع ما يماثلها من أموال.
والآن ... أي العقود السابقة ينطبق على عقد ودائع البنوك الربوية على ضوء الإجابات السابقة؟
إنه قطعاً عقد القرض.
فمن يودع لدى البنوك الربوية ودائع ذات فائدة، إنما هو يُقرض البنك الربوي قرضاً ربوياً.
ومن يودع لدى البنك الربوي وديعة دون فائدة (أو أي حساب بدون فوائد) إنما هو يقرض البنك الربوي قرضاً حسناً، أي كأنما يقرض مُرابياً قرضاً حسناً ليرابي بهذه الأموال.
وهنا يتبين لنا أن الودائع البنكية في البنوك الربوية سميت بغير حقيقتها، وهذا ما يقطع الشك باليقين عن حكم هذه الودائع وخصوصاً إذا ما ربطنا هذه الحقيقة بالجزء السابق والذي أثبت لنا قطعاً أن مصدر الدخل الرئيسي للبنوك الربوية هو الإقراض بالربا.
ودائع البنوك الربوية في القانون
بعد أن عرفنا حقيقة الودائع البنكية لدى البنوك الربوية في الشرع، فإننا سنبين حقيقتها في القانون.
علماً بأننا لانحتاج إلى القانون الوضعي ليفتي لنا، إلا أن ذلك جاء من باب زيادة الحجة على من يستحل ودائع البنوك الربوية أو فتح حساب لديها.
"يقول الأستاذ دكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه: الوسيط في شرح القانون المدني:
((ويتميز القرض عن الوديعة في أن القرض ينقل ملكية الشيء المقتَرض إلى المقرض على أن يرد مثله في نهاية القرض إلى المُقرض، أما الوديعة فلا تنقل ملكية الشيء المودَع إلى المودَع عنده، بل يبقى ملك المودٍع ويسترده بالذات. هذا إلا أن المقترض ينتفع بمبلغ القرض بعد أن أصبح ملكاً له، أما المودَع عنده فلا ينتفع بالشيء المودَع بل يلتزم بحفظه حتى يرده إلى صاحبه.
ومع ذلك فقد يودع شخص عند آخر مبلغاً من النقود أو شيئاً آخر مما يهلك بالاستعمال ويأذن له باستعماله، وهذا ما يسمى بالوديعة الناقصة.
وقد حسم التقنين المدني الجديد الخلاف في طبيهة الوديعة الناقصة، فكيفها بأنها قرض. وتقول المادة 726 مدني في هذا المعنى: إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودَع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً.
أما في فرنسا فالفقه مختلف في تكييف الودائع الناقصة. والرأي الغالب هو الرجوع إلى نية المتعاقدين؛ فإذا قصد صاحب النقود أن يتخلص من عناء حفظها بإيداعها عند الآخر فالعقد وديعة. أما إن قصد الطرفان منفعة من تسلم النقود عن طريق استعمالها لمصلحته فالعقد قرض. ويكون العقد قرضاً بوجه خاص إذا كان من تسلم النقود مصرفاً.)) "
وهنا تتجلى الحقيقة، فتسمية الأمور بغير مسمياتها قد تخدع البعض، إلا أنها لايمكن أن تمحو الحقيقة.
المبحث الثاني: معاملات البنوك
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعين به، ونصلى ونسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
وبعد ...
سوف نناقش في هذا المبحث طبيعة عمل البنوك الربوية، وإذا ما كانت تساهم في العملية الإنتاجية، بالإضافة إلى ماهية ودائع البنوك من وجهة نظر الشرع والقانون.
نبدأ على بركة الله
طبيعة عمل البنك
"جاء في المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية هذا التعريف للبنك:
البنك: مؤسسة تقوم بعمليات الائتمان بالإقراض والاقتراض.
وفي الموسوعة العربية الميسرة:
مصرف أو بنك: تطلق هذه الكلمة بصفة عامة على المؤسسات التي تتخصص في إقراض واقتراض النقود."
أما تعريف البنك كما جاء في موقع www.investopedia.com (أشهر موسوعة إقتصادية على الشبكة):
"A commercial institution licensed as a receiver of deposits. Banks are mainly concerned with making and receiving payments as well as supplying short-term loans to individuals."
أي:
"مؤسسة تجارية مسجلة كمستقبلة للودائع. وظيفة البنوك الرئيسية تعنى بخلق واستقبال المدفوعات كما أنها توفر القروض قصيرة الأجل للأفراد"
هذه التعريفات السابقة تلخص طبيعة عمل البنك.
ما ذكر أعلاه هو التعريف الاصطلاحي، فماذا عن مفهوم البنك عند أساتذة الاقتصاد؟
مفهوم البنك عند الاقتصاديين
"يقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم في كتابه مذكرات في النقود والبنوك (ص43):
((يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسلف)).
ويقول الدكتور محمد زكي شافعي في كتابه مقدمة في النقود والبنوك (ص197):
((يمكن تلخيص أعمال البنوك التجارية في عبارة واحدة هي: التعامل في الائتمان أو الاتجار في الديون؛ إذ ينحصر النشاط الجوهري للبنوك في الاستعداد لمبادلة تعهداتها بالدفع لدى الطلب بديون الآخرين، سواء أكانوا أفراد أم مشروعات أم حكومات، ويقبل الأفراد هذه التعهدات المصرفية -وهي التي تعرف باسم الودائع الجارية- في الوفاء بما تزودهم به البنوك من اعتمادات وسلف؛ نظراً لما يتمتع به التعهد المصرفي بالدفع لدى الطلب من قبول عام في تسوية الديون. وهكذا تتوسل البنوك التجارية إلى مزاولة نشاطها الذي تبرز به وجودها، وتستمد من القيام به أرباحها، بالاضطلاع تارة بمركز الدائن، وتارة بمركز المدين)).
ويقول الدكتور محمد يحيى عويس في كتابه محاضرات في النقود والبنوك (ص233):(5/220)
((تتلخص الوظيفة الرئيسية للبنوك في المجتمعات الحديثة في الجملة التقليدية: أن البنوك تقترض لتُقرض)).
ويقول الدكتور محمد عبدالعزيز عجمية في كتابه مبادئ علم الاقتصاد (ص271):
((يعرف البنك التجاري أو بنك الودائع عموماً بأنه المنشأة التي تتعامل في الائتمان أو الدين)).
ومن المعروف أن الائتمان والدَين مظهران لشيء واحد وهو: القرض؛ فالدين هو إلتزام بدفع مبلغ معين من النقود، والائتمان هو حق تسلم مبلغ معين من النقود، ولذلك فالمبلغ المتداول بين متعاملين يعد ديناً من وجهة نظر المدين أو المقترض، وائتماناً أو حقاً من وجهة نظر الدائن أو المُقرض."
بعد أن استعرضنا مفهوم البنوك من الناحية الاصطلاحية ومن الناحية الاقتصادية، أصبحت مهمة شرح طبيعة عمل البنك من خلال تبيان وظائفه الرئيسية أسهل.
وظيفتا البنك
للبنك وظيفتين رئيسيتين
الأولى: تتمثل في المتاجرة في الديون (الإقتراض بهدف الاقراض)
وقد استعرضنا ذلك من خلال التعريفات الاصطلاحية والاقتصادية للبنك على حد سواء
والثانية: تتمثل في خلق الائتمان (أو ما يعرف بخلق النقود)
"وهي وظيفة يمارسها النظام المصرفي في مجموعه، وتعني باختصار وتبسيط أن تلك البنوك تقوم بإقراض مالم تقترضه فعلاًمن أحد أو تحزه"
وهنا نتيقن بخصوص البنوك الربوية:
"إننا بصدد مؤسسة محل نشاطها وتعاملاتها النقود: تحصلها أو تدفعها، والديون: تلتزم بها أو تلزم بها، والقروض: تقترضها، وهذا هو محل نشاطها ومحوره، وتلك هي بضاعتها، ولا نظن نزاعاً في ذلك بين المفكرين"
وهنا يفسر موقع www.howstuffworks.com الشهير (من أكبر المراجع على الشبكة) كيف تحقق البنوك التقليدية (الربوية) أرباحها:
"Banks are just like other businesses. Their product just happens to be money. Other businesses sell widgets or services; banks sell money"
"البنوك حالها حال أي مشروع تجاري. إلا أن بضاعتها هي النقود. المشاريع التجارية الأخرى تبيع التطبيقات أو الخدمات؛ البنوك تبيع النقود"
خلق النقود
أيمكن أن نتصور أن شخصاً يقترض ألفاً، ومن الألف يقرض بضعة آلاف ويبقى في رصيده نقود؟
"هذا ما تفعله الربوية تخلق النقود وتُقرضها! تقرض ما ليس عندها، وما لاتملكه، وتأخذ ربا!"
وهنا مثال لخصته دراسة اقتصادية بعنوان "ماهي المصارف" قدمت من قبل "المعهد الوطني للإدارة العامة" في الجمهورية العربية السورية:
"ويمكن تفسير عملية خلق الائتمان بالمثال التالي:
لنفرض أن مودعاً أودع مئة وخمسون ألف ليرة سورية في المصرف التجاري السوري، وأن هذا المصرف يرغب بالاستفادة من هذه الوديعة بإقراضها للغير مقابل فائدة لتعظيم ربحه فإنه سيقوم بفتح حساب جاري للمقترض ولن يقدم له القرض مبلغاً كدفعة واحدة وهو بذلك كأنما خلق وديعة للمقترض يسحب منها المبالغ التي يحتاجها وهكذا يكون قد تولدت وديعة جديدة زادت من أصوله، فإذا كانت الخبرة العملية والشروط التي تفرضها السلطة النقدية {نسب الاحتياطي القانوني} جعلت المصرف التجاري السوري يقدر أن نسبة الاحتياطيات السائلة المتوجب الاحتفاظ بها تقدر بـ 30 % من مجموع التزاماته فإن السياسة الائتمانية تقتضي منح قروض جديدة تستند إلى هذه الوديعة موضوع المثال تبلغ خمسمائة ألف ليرة سورية"
ويجدر بالذكر بأن عملية خلق النقود تتم تحت مظلة البنك المركزي مع وجود القوانين التي تسمح بهذا الأمر.
.................................................. ....................
أحبتي في الله ...
لا زلنا في المبحث الثاني (معاملات البنوك) وسوف نكمل غداً بإذن الله الجزء الثاني من المبحث الثاني إذاما سمحت الظروف
لذلك أرجو أن يؤجل النقاش بما يخص هذا المبحث لحين الانتهاء منه
علماً بأن باب النقاش لازال مفتوحاً فيما يتعلق بالمبحث الأول (الربا)
ودائع البنوك الربوية عقد قرض (شرعاً وقانوناً) مهم جداً
أكثر من تكلم عن ودائع البنوك اعتبرها قرضاً، والبعض يقول عن فوائد هذه الودائع بأنها أجراً لاستعمال النقود أي أنها ببساطة إجارة! بينما الشائع عند المتعاملين العاديين مع البنوك الربوية أنها وديعة "حيث يقال: نحن لانقرض البنك وإنما نودع لديه."
ما هي حقيقة ودائع البنوك الربوية؟
هل هي قرض؟ أم وديعة؟ أم هي عقد إجارة؟
قبل أن نبين ذلك، فلنستعرض الفرق بين هذه العقود الثلاثة في الفقه الإسلامي، من حيث الحقوق والواجبات والضمان.
عقد القرض
عقد القرض ينقل الملكية للمقترض، وله أن يستهلك العين، ويتعهد برد المثل لا العين.
والمقترض ضامن للقرض إذا تلف أو هلك أو ضاع، يستوي في هذا تفريطه وعدم تفريطه.
الوديعة
الوديعة هي أمانة تحفظ عند المستودع. وإذا هلكت إنما تهلك على صاحبها لأن الملكية لا تنقل إلى المستودع، وليس له حق الانتفاع بها، ولذلك فهو غير ضامن لها؛ إلا إذا كان الهلاك أو الضياع بسبب منه.
الإجارة
عقد الإجارة لا ينقل الملكية للمستأجر وإنما يعطيه حق الانتفاع مع بقاء العين لصاحبها، ويدفع أجراً مقابل هذا الانتفاع، ولذلك يطلق على الإجارة: بيع المنافع فتجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقاء العين بحكم الأصل، ولا تجوز إجارة ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالطعام، فلا ينتفع به إلا باستهلاكه.
والإجارة عقد على المنافع، فلا تجوز لاستيفاء عين واستهلاكها، ومثل الطعام النقود، فلا يمكن الانتفاع بها إلا بإنفاقها في الشراء أو غيره، أي باستهلاك العين. والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها.
تسمية بغير حقيقتها
وهنا بعد أن عرفنا العقود الثلاثة آنفة الذكر في الفقه الإسلامي، فإنه يتوجب علينا أن نسأل:
من هو الضامن في عقد الوديعة مع البنك الربوي؟
إنه البنك، سواء بتفريط منه أو بغير تفريط.
هل يستهلك البنك الربوي العين (الأموال)؟
نعم
هل يتعهد البنك بِرَد العين أم بِرَد المثل؟
إنه يتعهد برد المثل لا العين، حيث أنه لا يرجع الأموال عينها إلى العميل بنفس الأرقام التسلسلية، بل يرجع ما يماثلها من أموال.
والآن ... أي العقود السابقة ينطبق على عقد ودائع البنوك الربوية على ضوء الإجابات السابقة؟
إنه قطعاً عقد القرض.
فمن يودع لدى البنوك الربوية ودائع ذات فائدة، إنما هو يُقرض البنك الربوي قرضاً ربوياً.
ومن يودع لدى البنك الربوي وديعة دون فائدة (أو أي حساب بدون فوائد) إنما هو يقرض البنك الربوي قرضاً حسناً، أي كأنما يقرض مُرابياً قرضاً حسناً ليرابي بهذه الأموال.
وهنا يتبين لنا أن الودائع البنكية في البنوك الربوية سميت بغير حقيقتها، وهذا ما يقطع الشك باليقين عن حكم هذه الودائع وخصوصاً إذا ما ربطنا هذه الحقيقة بالجزء السابق والذي أثبت لنا قطعاً أن مصدر الدخل الرئيسي للبنوك الربوية هو الإقراض بالربا.
ودائع البنوك الربوية في القانون
بعد أن عرفنا حقيقة الودائع البنكية لدى البنوك الربوية في الشرع، فإننا سنبين حقيقتها في القانون.
علماً بأننا لانحتاج إلى القانون الوضعي ليفتي لنا، إلا أن ذلك جاء من باب زيادة الحجة على من يستحل ودائع البنوك الربوية أو فتح حساب لديها.
"يقول الأستاذ دكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه: الوسيط في شرح القانون المدني:(5/221)
((ويتميز القرض عن الوديعة في أن القرض ينقل ملكية الشيء المقتَرض إلى المقرض على أن يرد مثله في نهاية القرض إلى المُقرض، أما الوديعة فلا تنقل ملكية الشيء المودَع إلى المودَع عنده، بل يبقى ملك المودٍع ويسترده بالذات. هذا إلا أن المقترض ينتفع بمبلغ القرض بعد أن أصبح ملكاً له، أما المودَع عنده فلا ينتفع بالشيء المودَع بل يلتزم بحفظه حتى يرده إلى صاحبه.
ومع ذلك فقد يودع شخص عند آخر مبلغاً من النقود أو شيئاً آخر مما يهلك بالاستعمال ويأذن له باستعماله، وهذا ما يسمى بالوديعة الناقصة.
وقد حسم التقنين المدني الجديد الخلاف في طبيهة الوديعة الناقصة، فكيفها بأنها قرض. وتقول المادة 726 مدني في هذا المعنى: إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودَع عنده مأذوناً له في استعماله اعتبر العقد قرضاً.
أما في فرنسا فالفقه مختلف في تكييف الودائع الناقصة. والرأي الغالب هو الرجوع إلى نية المتعاقدين؛ فإذا قصد صاحب النقود أن يتخلص من عناء حفظها بإيداعها عند الآخر فالعقد وديعة. أما إن قصد الطرفان منفعة من تسلم النقود عن طريق استعمالها لمصلحته فالعقد قرض. ويكون العقد قرضاً بوجه خاص إذا كان من تسلم النقود مصرفاً.)) "
وهنا تتجلى الحقيقة، فتسمية الأمور بغير مسمياتها قد تخدع البعض، إلا أنها لايمكن أن تمحو الحقيقة.
هل تتدخل البنوك التجارية في العملية الإنتاجية؟
في ندوة جمعية الاقتصاد الإسلامي قدم أحد الباحثين الاقتصاديين بحثاً في موضوع طبيعة البنوك التقليدية والوظائف التي تؤديها ومصادر أموالها و وجوه استخدامها.
أنقل ما لخصه الأستاذ دكتور على السالوس من هذه الدراسة للباحث الاقتصادي سمير عبدالحميد رضوان حين تسائل بعد أن قدم دراسته بشكل تفصيلي بهذا السؤال الذي يلخص الدراسة:
هل تتدخل البنوك التجارية في العملية الإنتاجية؟
"نلخص مما تقدم، ومن دراستنا لطبيعة أعمال البنوك التقليدية، إلى أن البنوك التجارية مؤسسات للوساطة المالية، لا تتدخل بطريقة مباشرة في العملية الإنتاجية، وإنما تتوسط بين المقرضين والمقترضين، فتقوم بتحويل الفوائض المالية من القطاعات ذات الطاقة التمويلية الفائضية -المقرضين و المودعين- إلى القطاعات ذات العجز في الموارد المالية (المقترضين).
ويتمثل دخل هذه البنوك في الفرق بين ما تحصل عليه من فوائد من المقترضين، وما تدفعه من فوائد للمقرضين. أما العمولات التي تتقاضاها مقابل الخدمات التي تقدمها فتمثل جزءاً يسيراً نسبياً. أ.هـ.
ثم قدم الباحث بعض النماذج التطبيقية من الواقع العملي، وقام بتحليلها، مؤكداً ما انتهى إليه من الدراسة.
وعلى سبيل المثال عرض المركز المالي الإجمالي للبنوك التجارية في مصر قي مارس سنة 1987م، وتبين من وجوه الاستخدام أن نسبة ما تقرضه بلغ 81.78% من جملة الاستخدامات، و أن 9.37% كان للاستثمار في الأسهم والسندات، ومعلوم أن السندات قروض ربوية، أي أن الاستخدامات كانت أساساً في الإقراض بفائدة.
وختم الباحث دراسته بعرض صورة لميزانية بنك الإسكندرية التجاري والبحري.
من استقراء المركز المالي لبنك الإسكندرية التجاري والبحري في 30/12/1987م وكذا حساب الأرباح والخسائر عن السنةالمنتهية في 31/12/1987م استبان لنا الآتي:
نسبة إجمالي الودائع إلى إجمالي الموارد 67%.
1. نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الموارد 18.3%.
2. نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الودائع 27.1%
3. نسبة الاستثمارات المالية إلى إجمالي الاستخدامات 0.5%.
4. نسبة القروض (والسلفيات) إلى إجمالي ودائع العملاء 146%.
حساب الأرباح والخسائر:
1. نسبة الفوائد المحصلة إلى جملة الإيرادات 85.8%.
2. نسبة عائد الخدمات المصرفية والإيرادات الأخري إلى إجمالي الإيرادات 14.2%.
3. نسبة الفوائد المدفوعة إلى الفوائد المحصلة 55%.
والمؤشرات على الوجه المتقدم ليست في حاجة إلى مزيد من التعليق. بهذا أنهى الباحث دراسته."
الإيضاحات التي أضافها الأستاذ دكتور علي السالوس لهذه الخلاصة
"
1. حقوق المساهمين لا تعني رأس المال، وإنما يضاف إليه ما حصلوه من إيرادات العام، وما بقي من إيرادات الأعوام السابقة؛ ولذلك فإن من ملك أسهم بنك ربوي، وأراد التوبة، فليس له - بعد التخلص من هذه الأسهم- إلا رأس ماله والإيرادات غير الربوية، وهي نسبة قليلة كما نرى؛ أما نصيب أسهمه من الفوائد الربوية فهي مال خبيث حرام. وعند بيان حكم التعامل في الأوراق المالية -وهي الأسهم والسندات- لا يكفي القول بأن السندات قروض ربوية فهي حرام، وأن الأسهم هي حصص شائعة في شركة فهي حلال؛ فنشاط الشركة إذا كان محرماً فأسهمها حرام بلا شك، وإن لم تكن قروضاً ربوية كالسندات. فمن اشترى أسهماً في بنك ربوي فهو من الذين يأكلون الربا، ويأذنون بحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن اشترى أسهماً لشركة صناعة الخمور فهو ملعون مطرود من رحمة الله تعالى.
2. نسبة الاستثمارات المالية (0.5%)، وهي أساساً في السندات، وقل أن تكون في الأسهم. وهذا يعني أن الاستثمار ليس من طبيعة عمل البنك.
3. الودائع التي اقترضها البنك أقرضها كاملة (100%) وأقرض أيضاً 46% زيادة على هذه الودائع، فمن أين جاءت هذه الزيادة؟! تذكر ما قيل عن خلق النقود أو الائتمان!
4. في حساب الأرباح والخسائر نلاحظ ضخامة الفرق بين الفوائد التي أخذها من المقترضين، والفوائد التي أعطاها المودعين المقرضين، فلم يعط إلا 55% من الفوائد التي حصلها، وأخذ البنك لنفسه 45%، وهذا هو الدخل الأساسي للبنك حيث أنه يمثل 85.8% من جملة الإيرادات.
وبعد
كنت من قبل احتفظت ببعض ما نشر من ميزانيات البنوك الربوية لأبين طبيعة عمل هذه البنوك، ولكن بعد ما سبق من عرض ودراسة أظن أن الأمر أصبح واضحاً جلياً، لا يحتاج إلى المزيد.
"
.................................................. ............
وهنا أوجه دعوة لإخواني في المنتدى:
من أراد أن يساهم في هذا البحث عن طريق عمل دراسة مماثلة للدراسة الآنفة أعلاه حول البنوك الربوية في الكويت فليفعل وله الأجر من رب العزة والجلالة.
.................................................. ............
أحبتي في الله
لازلنا في المبحث الثاني (طبيعة عمل البنوك) وسوف نكمل الجزء الثالث من المبحث متى ما سمحت الظروف.
لذلك أرجوا أن يؤجل النقاش في هذا المبحث، علماً بأن باب النقاش مفتوح فيما يتعلق بالمبحث الأول (الربا)
- - - - - - - - - - - - - - -
...
... الفهرس العام
الأحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية 1/2 ... 2
حرب الأمس واليوم ... 42
ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة (1/2) ... 47
ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة(1/2) ... 75
الحرب الصليبية الثالثة أمريكية ... 95
الجذور الاقتصادية للحرب على العراق ... 105
أولويات المرحلة القادمة ! ... 114
المخالفات الشرعية في بطاقتي الخير والتيسير الائتمانية ... 134
الحرب على الله ورسوله ... 157
النقود: أثمان أم سلع؟ ... 160
الرأسمالية بأبشع صورها ... 164
المضاربة بالأسهم: متاجرة، أم مقامرة؟ ... 166
موقف العامة من خلاف المفتين ... 175
سوق الأسهم..على شفا انهيار ... 184
زكاة الأسهم المتعثرة ... 189
المساهمة في الشركات التي أعلنت توقفها عن الأنشطة المحرمة ... 215
تحريم العينة ، وجواز التورق بلا قيد ولا شرط ... 229(5/222)
قرار رقم : 64 ( 2/7) بشأن البيع بالتقسيط ... 242
السندات ... 243
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها ... 245
حكم شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في غير بلاد الإسلام ... 247
الورق النقدي ... 254
استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات الربوية ... 259
تغير قيمة العملة ... 260
قضايا العملة ... 261
نظرات حول الاشتراك في القنوات الإسلامية الفضائية ... 263
بين الثبات والتجديد (1/3) ... 272
بيع التقسيط وأحكامه ... 297
حكم الاكتتاب في الشركة المتحدة الدولية للمواصلات (بدجت السعودية) ... 302
دعاوى الإصلاح ... 306
صناعة الفتوى وفقه الأقليات [14/21] ... 308
صناعة الفتوى وفقه الأقليات[15/21] ... 320
سوق المال , وصورة طبق الأصل ! ... 329
نهاية التاريخ أم نهاية الرأسمالية ؟ ... 334
تعقيب على فتوى "شراء البيوت بالقرض الربوي" ... 339
الفقه والتجديد ... 342
المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ... 363
منهجية التيسير في الفتوى ... 366
أحكام صرف النقود والعملات في الفقه الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة ... 387
الأمن المائي لبلدان المغرب العربي في خطر ... 389
الخدمات المصرفية وموقف الشريعة الإسلامية منها ... 392
ركب المنهزمين ... 398
التورق ... والتورق المنظم ... 402
عقد الكالئ بالكالئ: تدليلاً وتعليلاً ... 404
تقويم نظام "هبة الجزيرة" ... 407
موقف السلف من التورق المنظم ... 419
المنفعة في القرض ... 434
حول سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) ... 442
السَّلم وتطبيقاته المعاصرة ... 447
صكوك التمويل ... 450
البنك الإسلامي (الإسرائيلي)!! ... 453
حكم تداول أسهم الشركات التي في مرحلة التأسيس ... 456
بطاقة (سعودي تك) ... 494
رأي في تأجيل العوضين في عقد التوريد ... 501
الشركات النقية والأسهم المختلطة! ... 511
توجيهات لمضاربي المساهمات ... 517
بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها ... 526
حكم تداول أسهم شركة الصحراء ... 530
الغزالي: أعطوا النظرية الاقتصادية الإسلامية الفرصة ... 540
الاقتصاد الإسلامي والتحديات المعاصرة ... 543
حول العملة الورقية ... 552
بشأن حكم شراء أسهم الشركات والمصارف ... 555
إذا كان في بعض معاملاتها ربا ... 555
بشأن موضوع بيع الدين ... 556
بشأن حكم بيع التورُّق ... 558
حكم التعامل المصرفي بالفوائد ... 559
أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة ... 561
استفسارات البنك الإسلامي للتنمية ... 561
المشاركة في أسهم الشركات المساهمة المتعاملة بالربا ... 564
بطاقة الائتمان ... 565
الأسواق المالية ... 566
بيع الوفاء ... 573
حكم التراجع عن الوفاء بالعقد بعد توقيعه ... 574
الأسواق المالية ... 576
حكم الاكتتاب في بنك البلاد ... 578
بيع الدين بالدين أقسامه وشروطه ... 582
سوق الأسهم بين المصالح والمفاسد ... 614
الحلال والحرام في الأسهم والشركات ... 626
البنوك الإسلامية .. ما الفرق؟ ... 629
التورق والعينة ... 633
تعقيب على فتوى (اشتراط الغرامة المالية لأجل التأخير) ... 639
موقف الشريعة الإسلامية من الدَّين ... 642
صورة من بيع التورق المنظم ... 644
أحكام الأسهم [1/2] ... 665
أحكام الأسهم [2/2] ... 674
حكم تملك الأوراق المالية الربوية وأرباحها بالقبض ... 685
الأسهم النقية والمختلطة ... 702
أضرار الربا ... 717
الربا والفساد الاقتصادي (275-281) ... 778
شبهات وردود حول الربا ... 783
الإعجاز في تحريم الربا ... 788
أضرار الربا ... 814
مضار الربا ... 832
دراسة فقهية تعترض على فتوى مجمع البحوث الإسلامية في إباحة الفوائد البنكية (1 ـ 2) ... 848
الربا.. آثام وأضرار ... 865
من المعاملات المحرمة في الإسلام ... 886
الربا وأثره على المجتمع الإسلامي ... 889
أضرار الربا الشرعية: ... 942
يمحق الله الربا ... 958
البنوك الإسلامية V.s البنوك الربوية ... 971(5/223)
المفصل في أحكام الربا (6)
الباب السادس
أحكام التأمين
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السادس - أحكام التأمين
حكم التأمين التجاري والصحي
السؤال :
ما حكم التأمين التجاري المنتشر اليوم ؟ .
الجواب :
الحمد لله
1) جميع أنواع التأمين التجاري ربا صريح دون شك ، فهي بيع نقود بنقود أقل منها أو أكثر مع تأجيل أحد النقدين ، ففيها ربا الفضل وفيها ربا النسأ ، لأن أصحاب التأمين يأخذون نقود الناس ويعدونهم بإعطائهم نقودا أقل أو أكثر متى وقع الحادث المعين المؤمن ضده . وهذا هو الربا ، والربا محرم بنص القرآن في آيات كثيرة .
2) جميع أنواع التأمين التجاري لا تقوم إلا على القمار ( الميسر ) المحرم بنص القرآن : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون "
فالتأمين بجميع صوره لعب بالحظوظ ، يقولون لك ادفع كذا فإن وقع لك كذا أعطيناك كذا ، وهذا هو عين القمار ، وإن التفرقة بين التأمين والقمار مكابرة لا يقبلها عقل سليم ، بل إن أصحاب التأمين أنفسهم يعترفون بأن التأمين قمار .
3) جميع أنواع التأمين التجاري غرر ، والغرر محرم بأحاديث كثيرة صحيحة ، من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر " رواه مسلم .
إن التأمين التجاري بجميع صوره يعتمد على الغرر ، بل على الغرر الفاحش ، فجميع شركات التأمين ، وكل من يبيع التأمين يمنع منعا باتا التأمين ضد أي خطر غير احتمالي ، أي أن الخطر لا بد أن يكون محتمل الوقوع وعدم الوقوع حتى يكون قابلا للتأمين ، وكذلك يمنع العلم بوقت الوقوع ومقداره ، وبهذا تجتمع في التأمين أنواع الغرر الثلاثة الفاحشة .
4) التأمين التجاري بجميع صوره أكل لأموال الناس بالباطل ، وهو محرم بنص القرآن : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " .
فالتأمين التجاري بجميع أنواعه وصوره عملية احتيالية لأكل أموال الناس بالباطل ، وقد أثبتت إحدى الإحصائيات الدقيقة لأحد الخبراء الألمان أن نسبة ما يعاد إلى الناس إلى ما أخذ منهم لا يساوي إلا 2.9% .
فالتأمين خسارة عظيمة على الأمة ، ولا حجة بفعل الكفار الذين تقطعت أواصرهم واضطروا إلى التأمين اضطرارا ، وهم يكرهونه كراهية الموت .
هذا طرف من المخالفات الشرعية العظيمة التي لا يقوم التأمين إلا عليها ، وهناك مخالفات عديدة أخرى لا يتسع المقام لذكرها ، ولا حاجة لذكرها فإن مخالفة واحدة مما سبق ذكره كافية لجعله أعظم المحرمات والمنكرات في شرع الله .
وإن مما يؤسف له أن بعض الناس ينخدع بما يزينه لهم ويلبسه عليهم دعاة التأمين كتسميته بالتعاوني أو التكافلي أو الإسلامي أو غير ذلك من المسميات التي لا تغير من حقيقته الباطلة شيئا .
وأما ما يدعيه دعاة التأمين من أن العلماء قد أفتوا في حل ما يسمى بالتأمين التعاوني فهو كذب وبهتان ، وسبب اللبس في ذلك أنه قد تقدم بعض دعاة التأمين إلى العلماء بعرض مزيف لا علاقة له بشيء من أنواع التأمين وقالوا إن هذا نوع من أنواع التأمين وأسموه بالتأمين التعاوني ( تزيينا له وتلبيسا على الناس ) وقالوا إنه من باب التبرع المحض وأنه من التعاون الذي أمر الله به في قوله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى " ، وأن القصد منه التعاون على تخفيف الكوارث الماحقة التي تحل بالناس ، والصحيح أن ما يسمونه بالتأمين التعاوني هو كغيره من أنواع التأمين ، والاختلاف إنما هو في الشكل دون الحقيقة والجوهر ، وهو أبعد ما يكون عن التبرع المحض وأبعد ما يكون عن التعاون على البر والتقوى حيث أنه تعاون على الإثم والعدوان دون شك ، ولم يقصد به تخفيف الكوارث وترميمها وإنما قصد به سلب الناس أموالهم بالباطل ، فهو محرم قطعا كغيره من أنواع التأمين ، لذا فإن ما قدموه إلى العلماء لا يمت إلى التأمين بصله .
وأما يدعيه البعض من إعادة بعض الفائض ، فإن هذا لا يغير شيئا ، ولا ينقذ التأمين من الربا والقمار والغرر وأكل أموال الناس بالباطل ومنافاة التوكل على الله تعالى ، وغير ذلك من المحرمات ، وإنما هي المخادعة والتلبيس ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى رسالة ( التأمين وأحكامه ) وإنني لأدعو كل مسلم غيور على دينه يرجو الله واليوم الآخر أن يتقي الله في نفسه ، ويتجنب كل التأمينات مهما ألبست من حلل البراءة وزينت بالأثواب البراقة فإنها سحت ولا شك ، وبذلك يحفظ دينه وماله ، وينعم بالأمن من مالك الأمن سبحانه .
وفقني الله وإياكم إلى البصيرة في الدين والعمل بما يرضي رب العالمين .
المرجع : خلاصة في حكم التأمين للشيخ الدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالقصيم . (www.islam-qa.com)
نص السؤال :
ما حكم الدين في التأمين الصحي وهو أن يدفع الشخص أقساطاً إلى شركة التأمين مقابل قيامها بدفع تكاليف العلاج ؟
نص الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فالتأمين الصحي كغيره من أقسام التأمين ، ولا يخفى أنها ليست من الإسلام في شيء ، لما تشتمل عليه من الغرر وأكل أموال الناس بالباطل فمثلاً هب أنك أخذت منك هذه الأقساط سنوات طويلة ولم تحتج إلى علاج فبأي وجه أخذ هذا المال ؟
أو أنّك أصبت فور انبرام عقد التأمين بمرض عضال يكلف علاجه أقساط عشر سنين ، وقام المؤمِّنُ بدفع تكاليف العلاج أليس هذا هو القمار المحرم ؟
فعلى السائل الكريم أن يبتعد عن مثل هذه العقود المحرمة، وأن يسأل الله تعالى العافية .
تنبيه :
لنا بعض الاستدراك على الصيغة التي طرح بها السؤال وهي : ( ما حكم الدين ) ؟
فلا ينبغي أن يوجه للشخص مثل هذا السؤال لأن الواحد من الناس لا يعبر عن الدين إذ قد يخطيء وقد يصيب ، ونحن إذا قلنا إنه يعبر عن الإسلام فمعناه أنه لا يخطيء لأن الإسلام لا خطأ فيه فالأولى في مثل هذا التعبير أن يقال :
ما ترى في حكم كذا أو ما ترى في من فعل كذا؟
والعلم عند الله .
مركز الفتوى بإشراف د . عبدالله الفقيه
نص السؤال :
فضيلة الشيخ في موقع وزارة الأوقاف في قطر وإن أمكن فالشيخ علي السالوس ...نفع الله بعلمكم الإسلام والمسلمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...................أما بعد:
فسؤالي عن التأمين الصحي وسبق أن إطلعت على فتاوى كثير من العلماء في بيان حرمته وأنه من الميسر وأفتى المجمع الفقهي بذلك........؟
ولكن الوضع هنا في أمريكا يختلف عن الوضع في البلاد الإسلامية ،حيث أن العلاج فيها مرتفع الثمن ولا يستطيع آحاد الناس دفع كافة التكاليف وبخاصة العمليات الجراحية وعمليات الولادة فقد تكلف عملية الولادة على سبيل المثال مابين 5000 إلى 8000 دولارأوأكثرهذة الولادة الطبيعية..؟ أما العملية القيصرية فقد تتجاوز 12000 دولار وقس علىذلك بقية العلاجات فيندر أن تكون هناك كشفية لطبيب بأقل من 50دولار فإن استدعى الأمر إلى تحاليل أو أشعة أو....إرتفع السعر أكثر فأكثر،لذا تجد أن دخل الطبيب من أعلىالدخول في أمريكا بل يكاد يكون على مستوى العالم. فإن كان الحال ما ذكر فهل يجوز للمقيمين فى هذا البلد من المسلمين سواء كانت الإقامة للدراسة أو للعمل أو ..أو..الحصول على التأمين الصحي من باب الإضطرار والحاجة كما قال تعالى"فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه.."(6/1)
أرجو منكم ياشيخنا الفاضل بيان الحكم فى هذة المسألة المعضلة خصوصا لأهل الدخل المحدود....وجزاكم الله خير وأحسن إليكم .
نص الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
نود أن يعرف السائل أن المجمع الفقهي لا يصدر قراراته بالنظر إلى بلد معين أو حالة مخصوصة ، وإنما يراعي اختلاف البيئات ، وتنوع الأحوال وينص على ذلك .
وما قرره المجمع في تحريم ذلك التأمين هو الصواب .
وعلى المسلم أن يتوكل الله ويعتمد عليه ويفوض الأمر إليه ، وعلى المسلمين أن يسعوا لإنشاء صناديق تعاونية لدفع الأخطار ، ومواجهة الأزمات ، والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
نص السؤال :
هل بالإمكان تزويدي بفتوى المجمع الفقهي عن التأمين الصحي وجزاكم الله خيرا .
نص الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فلم نقف على قرار للمجمع الفقهي بخصوص التأمين الصحي ، لكن صدر للمجمع قراران بشأن التأمين عموما، ومنه يعلم حكم التأمين الصحي . وإليك نص القرارين :
قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة
القرار الخامس :
التأمين بشتى صوره وأشكاله .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فإن مجمع الفقه الإسلامي قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضاً على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/ 1397هـ من التحريم للتأمين بأنواعه .
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك، قرر المجلس بالأكثرية: تحريم التأمين بجميع أنواعه سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك من الأموال .
كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء من جواز التأمين التعاوني بدلاً من التأمين التجاري المحرم، والمنوه عنه آنفاً، وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة .
تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين :
بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الأربعاء 14 شعبان 1398هـ المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن باز ، والشيخ/ محمد محمود الصواف ، والشيخ/ محمد بن عبد الله السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله .
وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فإن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضاً على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/ 1397هـ بقراره رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه .
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع عدا فضيلة الشيخ/ مصطفى الزرقاء تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك للأدلة الآتية :
الأول :
عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش، لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي، أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً، أو قسطين، ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمِن، وقد لا تقع الكارثة أصلاً، فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئاً، وكذلك المؤمِن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر .
الثاني :
عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل، أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين، ثم يقع الحادث، فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: (يآ أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) الآية والتي بعدها .
الثالث :
عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسأ، فإن الشركة إ ذا دفعت للمستأمن، أو لورثته، أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها، فهو ربا فضل، والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة، فيكون ربا نسأ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع .
الرابع :
عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم، لأن كلا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام، وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل" وليس التأمين من ذلك، ولا شبيهاً به فكان محرماً .
الخامس :
عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، وأخذ المال بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم، لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) .
السادس :
في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، و المؤمن لم يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً .
وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقاً، أو في بعض أنواعه فالجواب عنه ما يلي :
1 / الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح ، فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام :
قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة .
وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة، وهذا محل اجتهاد المجتهدين .
والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه .
وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار وربا، فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة .
2 / الإباحة الأصلية لا تصلح دليلاً هنا ، لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة .
والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها، وقد وجد فبطل الاستدلال بها .
3 / " الضرورات تبيح المحظورات " لا يصح الاستدلال به هنا ، فإن ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافاً مضاعفة مما حرمه عليهم ، فليس هناك ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين .
4 / لا يصح الاستدلال بالعرف فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام ، وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام وفهم المراد من ألفاظ النص وص ، ومن عبارات الناس في إيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال ، فلا تأثير له فيما تبين أمره وتعين المقصود منه ، وقد دلت الأدلة دلالة واضحة على منع التأمين فلا اعتبار به معها .(6/2)
5 / الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة ، أو في معناه غير صحيح ، فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه ، وما يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به نظام التأمين ، وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته ، وفي التأمين قد يستحق الورثة نظاماً مبلغ التأمين ، ولو لم يدفع مورثهم إلا قسطاً واحداً، وقد لا يستحقون شيئاً إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته ، وأن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين نسباً مئوية بخلاف التأمين فربح رأس المال وخسارته للشركة، وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين ، أو مبلغ غير محدد .
6 / قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة عند من يقول به غير صحيح ، فإنه قياس مع الفارق ، ومن الفروق بينهما أن عقود التأمين هدفها الربح المادي المشوب بالغرر وبالقمار وفاحش الجهالة ، بخلاف عقد ولاء الموالاة ، فالقصد الأول فيه التآخي ف ي الإسلام والتناصر ، والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال ، وما يكون من كسب مادي ، فالقصد إليه بالتبع .
7 / قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به لا يصح ، لأنه قياس مع الفارق ومن الفروق ، أن الوعد بقرض ، أو إعارة ، أو تحمل خسارة مثلاً من باب المعروف المحض ، فكان الوفاء به واجباً ، أو من مكارم الأخلاق بخلاف عقود التأمين ، فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي ، فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر .
8 / قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول ، وضمان ما لم يجب قياس غير صحيح لأنه قياس مع الفارق أيضاً، ومن الفروق أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض بخلاف التأمين، فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد منها أولاً الكسب المادي، فإن ترتب عليه معروف، فهو تابع غير مقصود إليه، والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع ما دام تابعاً غير مقصود إليه.
9 / قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق لا يصح فإنه قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله .
10 / قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح ، فإنه قياس مع الفارق أيضاً ، لأن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي الأ مر باعتباره مسئولاً عن رعيته ، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة ، ووضع له نظاماً راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف ، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم ، فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها ، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين ، والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة .
لأن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقاً التزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها ، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة كفاء لمعروفه ، وتعاوناً معه جزاء تعاونه ببدنه ، وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة .
11 / قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة لا يصح ، فإنه قياس مع الفارق ، ومن الفروق أن الأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ وشبه العمد ما بينها وبين القاتل خطأ ، أو شبه العمد من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف ، ولو دون مقابل ، وعقود التأمين التجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة لا تمت إلى عاطفة الإحسان ، وبواعث المعروف بصلة .
12 / قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحرا سة غير صحيح ، لأنه قياس مع الفارق أيضاً .
ومن الفروق أن الأمان ليس محلاً للعقد في المسألتين ، وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين ، وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس ، أما الأمان فغاية ونتيجة ، وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس .
13 / قياس التأمين على الإيداع لا يصح لأنه قياس مع الفارق أيضاً ، فإن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلاف التأمين ، فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن ، ويعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة ، وشرط العوض عن الضمان لا يصح ، بل هو مفسد للعقد وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جعل فيها مبلغ التأمين، أو زمنه ، فاختلف في عقد الإيداع بأجر .
14 / قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة لا يصح . والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني ، وهو تعاون محض والمقيس تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فلا يصح القياس .
كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (51) وتاريخ 4/4/ 1397 ه من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأ مين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفاً للأدلة الآتية.
الأول :
أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار ، والاشتراك في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث ، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر ، فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ، ولا ربحاً من أموال غيرهم ، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر .
الثاني :
خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسأ، فليست عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية .
الثالث :
أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع، لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة بخلاف التأمين التجاري ، فإنه عقد معاوضة مالية تجارية .
الرابع :
قيام جماعة من المساهمين ، أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون ، سواء كان القيام بذلك تبرعاً، أو مقابل أجر معين .
ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة للأمور الآتية :
أولاً :
الالتزام بالفكر الاقتصادي ا لإسلامي الذي يترك للأفراد مسئولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية، ولا يأتي دور الدولة إلا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به، وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها .
ثانياً :
الالتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله من حيث تشغيله، ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسئولية إدارة المشروع .
ثالثاً :
تدريب الأهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإيجاد المبادرات الفردية والاستفادة من البواعث الشخصية، فلا شك أن مشاركة الأهالي في الإدارة تجعلهم أكثر حرصاً ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني، إذ أن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل، كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطاً أكبر في المستقبل .
رابعاً :
صورة الشركة المختلطة لا يجعل التأمين كما لو كان هبة، أو منحة من الدولة للمستفيدين منه ، بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية ، وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة ، ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسئولية .
ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني الأسس الآتية :
الأول :(6/3)
أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز له فروع في كافة المدن، وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الأخطار المراد تغطيتها، وبحسب مختلف فئات، ومهن المتعاونين، كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي، وثان للتأمين ضد العجز والشيخوخة.. الخ .
أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين، وآخر للتجار، وثالث للطلبة، ورابع لأصحاب المهن الحرة كالمهندسين والأطباء المحامين..الخ. الثاني :
أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة، والبعد عن الأساليب المعقدة .
الثالث :
أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل، ويقترح ما يلزمها من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة .
الرابع :
يمثل الحكومة في هذا المجلس من تختاره من الأعضاء، ويمثل المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف الحكومة عليها، أو اطمئنانها على سلامة سيرها ، وحفظها من التلاعب والفشل .
الخامس :
إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة الأقساط، تقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة .
ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من الخبراء المختصين في هذا الشأن .
والله ولي التوفيق . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
نائب الرئيس الرئيس
محمد علي الحركان ، عبد الله بن حميد
الأمين العام رئيس مجلس القضاء الأعلى لرابطة العالم الإسلام في المملكة العربية السعودية
الأعضاء :
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام للإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية .
محمد محمود الصواف ، صالح بن عثيمين ، محمد بن عبد الله السبيل ، محمد رشيد قباني ، مصطفى الزرقاء ، محمد رشيدي ، عبد القودس الهاشمي الندوي ، أبو بكر جومي .
قرار رقم 2
بشأن التأمين وإعادة التأمين :
أما بعد :
فإن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 - 16 ربيع الثاني 1406هـ/22-28 ديسمبر 1985م .
بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء المشاركين في الدورة حول موضوع " التأمين وإعادة التامين".
وبعد أن ناقش الدراسات المقدمة .
وبعد تعمق البحث في سائر صوره وأنواعه ، وا لمبادئ التي يقوم عليها ، والغايات التي يهدف إليها .
وبعد النظر فيما صدر من المجامع الفقهية والهيئات العلمية بهذا الشأن .
قرر :
1 - أن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعاً .
2 - أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون . وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني .
3 - دعوة الدول الإسلامية للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين، حتى يتحرر الاقتصاد الإسلامي من الاستغلال، ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة. والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
السؤال :
ماذا حكم الإسلام في الحصول على تأمين صحي في بلد مثل الولايات المتحدة ؟
العلاج الصحي غالي جدا وإذا لم أحصل على التأمين الصحي فلن يعالجوني وإذا أردت أن ادفع لعلاجي فإنني سوف أفلس .
الجواب :
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
العلاج الصحي في الولايات المتحدة حيث أقيم مرتفع جدا وإذا لم أحصل على التأمين الصحي فلن يعالجوني ، وإذا أردت أن أدفع علاجي فسوف أفلس وربما أسجن ، فهل هذا يعتبر عذرا في الدخول في التأمين الصحي الذي هو نوع من الميسر نظرا لأنه لا يوجد تأمين شرعي ولا قدرة لي على معالجة نفسي وأولادي وزوجتي في الحالة الاعتيادية الموجودة في بعض البلدان؟
فأجاب - حفظه الله - بما يلي :
مادام الرجل يعلم أن هذا من الميسر فإنه لا يحل لأنه من عمل الشيطان فليعتمد على الله ويتوكل عليه فإن من يتوكل على الله فهو حسبه ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فلا يجوز له أن يدخل في التأمين . انتهى كلامه حفظه الله .
وقد سبق بيان أنّ وجه كون التأمين الصحّي من الميسر أنّ الشّخص يدفع مبلغا من المال تمتلكه شركة التأمين فإذا مرض أو حصل له حادث استفاد وإلاّ ذهب ماله ثمّ قد تكون الاستفادة بمثل أو أقلّ أو أكثر مما دفع وفي هذا من الجهالة والغرر وأكل المال بغير حقّ أو الخسارة لأحد الطّرفين ما لا يخفى .
وليت بعض المسلمين أو العقلاء يقومون بإنشاء مؤسسات تأمين تعاونية تقرّها الشّريعة الإسلامية ، تكون فكرتها الأساسية أن يتضامن دافعوا الأموال لصندوق معيّن ( لا يمتلكه طرف آخر ) أنّه إذا حصل لأحدهم مرض أو حادث أنْ يعوّض برضاهم ، ثمّ لا بأس أن يُعطى القائمون على هذا الصّندوق من الموظّفين رواتب ، ولا بأس أن تستثمر الأموال شركة أخرى بنسبة معينة من الأرباح ، والله الموفّق .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
عبد الله زقيل
==============
حقيقة شركات التأمين
د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان
عضو هيئة التدريس في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم،
وهو أستاذ متخصص في التأمين.
قلة من الناس هم أولئك الذين يعرفون شركات التأمين على حقيقتها، ويطَّلعون على خباياها وأسرارها. ويُرجِع الباحثون ذلك إلى أمور عدة أهمها: الدعاية التي تُظهِر شركات التأمين على غير حقيقتها؛ حيث تظهرها للناس حسب ما يحبون ويرغبون ويتمنون أن تكون عليه، وتخفي عنهم حقيقتها وواقع أمرها الذي لو عرفه الناس لربما نفروا منها، ولما استجابوا لها، كما يقول باحث التأمين الألماني ديترميز. هذا أمر، وهناك أمر آخر أعجب منه وأغرب، أمر أدهش كبار الباحثين وحيَّرهم، وهو: أن مجمل الناس لا يهتمون بمعرفة التأمين على حقيقته، ولا معرفة الشركات القائمة عليه رغم ارتباط الناس به وبشركاته، ورغم ما يدفعون من أموال طائلة إلى صناديق هذه الشركات. هذه الظاهرة العجيبة لم يجد لها كثير من الباحثين حلاً أو تفسيراً معقولاً. ولكن المتمعنين في حقيقة التأمين يردُّون ذلك إلى ما يحتويه التأمين من تعقيدات ـ مقصودة في الغالب ـ وإلى ما يكتنف شركاته من عدم الوضوح في المنهج والسلوك في أعمالها وتعاملها. كما يردُّون ذلك أيضاً إلى عدم اقتناع الناس بالتأمين أصلاً أو بوجود حاجة إليه؛ حيث ثبت بالاستطلاع الإحصائي الدقيق أنه لا يُقْدِم كثير من الناس على التأمين بدافع الحاجة والاقتناع، وإنما يُقدِمون عليه بدافع الدعاية الواسعة إليه وبدافع التقليد، كما يقول هنز ديترمير.
وقد أجريتُ استطلاعاً عاماً في مدن ألمانية مثل: فرانكفورت، وكلونيا، وميونيخ، وشتوت قارت حول ما يدفع الناس إلى التأمين فوجدت أن ما يقرب من 58% ممن وُجِّه إليهم السؤال لا جواب لديهم سوى قولهم: كذا أو مثل الناس، أو نحو ذلك.
وتتضح لنا حقيقة شركات التأمين، وطبيعة تفكيرها، وتعاملها من خلال الأمور الهامة الآتية:
أولاً: شروط شركات التأمين:
ليس لشركة في العالم ماضية وحاضرة ما لشركات التأمين من شروط عامة وخاصة، ظاهرة وخفية. وإن أخص ما تختص به هذه الشروط الصفة التعسفية، مما اضطر كل دولة في العالم أن تفرض رقابة خاصة على شركات التأمين لديها لتخفف شروطها على المواطنين.(6/4)
وشروط شركات التأمين متنوعة: فمنها ما يخص القسط، ومنها ما يخص مبلغ التأمين، ومنها ما يخص الخطر المؤمَّن ضده، ومنها ما يخص التعويض عن الحادث، ومنها العام الذي تشترك فيه جميع شركات التأمين، ومنها الخاص بشركة معينة، ومنها الظاهر الذي يعلمه أكثر الناس، ومنها الخفي الذي لا تعلمه إلا الخاصة من أصحاب الخبرة والممارسة ـ كما يقول صاحب كتاب: (الأمن الخادع) برند كرشنر ـ. وإن من أبرز الشروط الخاصة بالتأمين ما يسمى بشرط الحلول. ومقتضاه: أن تحل شركة التأمين محل المؤمن له في مطالبة الغير بما تسبب من أضرار بممتلكات المؤمَّن له لحسابها الخاص، وأن يسقط حق المؤمَّن له في مطالبة المتسبب، وبهذا قد تأخذ شركة التأمين من المتسبب أكثر مما تدفعه تعويضاَ للمؤمَّن له، وذلك حينما يكون التلف أكبر من مبلغ التأمين، بل إنها قد تأخذ العوض كاملاً من المتسبب وتحرم المؤمن له من أي تعويض. كما أنه ليس للمؤمَّن له حق في أخذ ما يزيد على مقدار تعويض الضرر الذي لحق به. ومنها سقوط حق المطالبة بمبلغ التأمين في الظروف غير العادية كالحروب، والزلازل،والاضطرابات العامة. وشروط شركات التأمين كلها شروط إذعان، أي أنه على المؤمَّن له قبولها دون مناقشة، كما أن هذه الشروط تحمي شركات التأمين؛ حيث تُحكِم القبضة على المؤمَّن لهم في الانتظام في دفع القسط، في الوقت الذي تضع فيه العراقيل دون حصولهم على مبلغ التأمين، كما يقول خبير التأمين هنز ديترمير.
ثانياً: أهداف شركات التأمين:
لا تهتم شركات التأمين بشيء يضاهي اهتمامها بالربح؛ لذا نجد تركيزها الشديد عند التخطيط ووضع نظامها الأساس ينصبُّ على الأخذ بكل وسيلة تجلب الربح وتجنِّب الخسارة؛ بغضِّ النظر عما قد تسببه هذه الوسائل من إحراجات، أو معارضة للدين أو الخلق أو السلوك الحسن. ويشاهد ذلك جلياً فيما تنطوي عليه شروطها من تعسف واستغلال، وخاصة في التأمينات التي تفرضها بعض الدول على مواطنيها. كما يشاهد ذلك جلياً أيضاً في استثماراتها الربوية لما تجمعه من أقساط دون المساهمة في أي مشروع خيري. كل هذه مؤشرات إلى أنه ليس لها هدف في التعاون وخدمة الناس، وإن ألح بعض دعاتها في إقناع الناس بذلك، وإنما هدفها المحقق المعلوم هو الربح والثراء السريع على حساب المؤمَّن لهم، كما يقول أنتون أندرياس في كتابه (فخ التأمين).
ثالثاً: عقود التأمين بين الظن والحقيقة:
يعتقد كثير من الناس أن من وقَّع عقداً مع إحدى شركات التأمين ضد حادث معين فقد أمِنَ شر هذا الحادث، ونسي همه إلى الأبد. وهذا خطأ فاحش وفهم قاصر لحقيقة عقود التأمين؛ فعقود التأمين ليست إلا أوراقاً عارية تهددها سهام موجهة يندر أن لا تصاب بأحدها. هذه السهام المعروفة بنظام شركات التأمين، بشروطها ورجالها المأمورين المدافعين عنها من التابعين، والموالين، والمقررين، والمستشارين، والمحامين، والأطباء، والخبراء، وغيرهم من المختصين في حماية شركات التأمين، وإبطال أي دعوى تقام ضدها. نعم! تلك الشركات استمالت واشترت بالمادة ذمم كثير من أولئك الناس الذين يتولون التحقيق في الحوادث، وتقويمها، وبيان وجهة القانون فيها، وما يترتب عليها من مسؤوليات وتعويضات.
إنه ليس شيء أيسر على شركات التأمين من إيجاد السبب لإبطال عقد من العقود، والتحلل من التزاماته؛ فالظروف غير العادية ـ حسب نظامها ـ تجعلها في حل من جميع التزاماتها، وزيادة الخطر من مبطلات الالتزام ما لم يزد المؤمن له في قيمة القسط. والإخلال بشرط من شروطها مهما خفي أمره يعتبر لديها من أهم المحللات. وقد وضعت شروطها وأحكمتها بحيث لا يأتي بها كاملة إلا قلة من الناس، فيندر أن يسلم أحد من المؤمن لهم من شر هذه الشروط التي تجد شركات التأمين فيها أعظم مجال لتصيُّد الثغرات والتحلل من الالتزامات.
والحاصل أن شركات التأمين تعقد الكثير، ولا تفي إلا بالقليل، كما يقول صاحب كتاب (الأمن الخادع). وكما يقول خبير التأمين الألماني أنتون جوها: إنه طبقاً لإحصائيات المكتب الفيدرالي الألماني فقد وقع في عام 1984م مليونا حادث عمل كلها مؤمَّن ضدها، ولم تعوض شركات التأمين منها إلا 2.9% فقط .
بهذا نرى أن شركات التأمين لها عقود وشروط لا تلتزم بشيءٍ منها إلا وهي راغمة، ومن يستطيع أن يرغم جيوشها الجرارة من المحامين والعملاء والقضاة وسائر المنتفعين؟!.
آثار التأمين في حياة الناس:
قد يعتقد بعض من لا يعرف حقيقة التأمين، وخاصة أولئك الذين يصغون أسماعهم لما تروِّجه شركات التأمين من دعاية جذابة، ويقرؤون ما تنشره أقلام أتباعها من مؤلفين وصحفيين وغيرهم قد يعتقد أولئك أن التأمين خير لا شر فيه. ولكن الأمر عند من يعرف حقيقة التأمين يختلف؛ فإن كانت للتأمين بعض المحاسن، فمساوئه تطغى على كل أثر حسن وسأبيِّن ذلك من خلال بيان إيجابيات التأمين، وسلبياته، والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات من واقع الحياة.
الآثار الإيجابية في التأمين:
يقول أصحاب التأمين: إن من إيجابياته الأمور الآتية:
1 - تكوين رؤوس الأموال:
يُجْمِعُ رجال الأعمال والمال على أن أعظم سبب لتكوين رؤوس الأموال التي عرفها العالم في القديم والحديث نظام التأمين؛ ذلك أنه ما من شيء يُتَصَوَّر في حياة من يأخذون بالتأمين إلا وللتأمين فيه حظ وافر ونصيب جزل، سواء كان ذلك مقابل تأمين الأنفس أو الأموال أو الممتلكات أو الحقوق أو مجرد الآمال والأحلام؛ حتى إن الفرد والجماعة والدولة في العصر الحديث يخصصون بنداً ضخماً في ميزانياتهم السنوية لتكلفة التأمين، ويُعِدُّون لذلك العدة الصعبة، بل إن الأمر قد بلغ أن التكلفة التأمينية أجَّلت بعض المشاريع؛ وذلك لأن التأمينات لا تقف عند حد؛ فبقدر ما تنتجه قريحة أصحاب التأمين من تصنيع للأخطار بقدر ما تمتد يد التامين لتحصيل الأموال. ولدى شركات التأمين موهبة فائقة في تجسيم الأخطار، وإبرازها، وتقريبها من الناس. فأيسر الأخطار وأندرها بل وبعيدُ التصور منها تنفخ فيه شركات التأمين حتى تجعله الشبح المخيف الذي لا يصح تجاهله، والذي ينبغي الإسراع إلى فعل ما يقي منه ويدفعه. وبهذا انهالت على أصحاب التأمين الأموال الطائلة والثروات الفاحشة. ويقول أصحاب التأمين: إن هذه الثروات مفيدة للناس؛ حيث إنها تستخدم وتستثمر في المشاريع العامة المفيدة للجميع، كما يقولون: إنها مفيدة للدولة؛ حيث إنها سندها عند الأزمات الاقتصادية، كما يقرر ذلك خبير التأمين ( هنز مير).
2 - المحافظة على عناصر الإنتاج:
إذا احترق المصنع، أو انفجر، أو تهدَّم، أو مرض العامل، أو توفي أو تعطل، ولم يكن ما يعوض ذلك أو يصلحه فإنه قد تنحط عناصر الإنتاج البشرية والآلية، فيضعف إنتاجها أو يتوقف. ويقول أصحاب التأمين: إنه بالتأمين يستطاع منع ذلك، فلا تضعف عناصر الإنتاج، ولا تتوقف؛ ذلك أنه إذا احترق المصنع أو انفجر، أو تهدم فإن شركات التأمين تعوض أصحاب المصانع بدفع قيمة التأمين الذي يستطاع به إعادة بناء هذا المصنع. وإذا مرض العامل فإنها تعالجه، وإذا تعطل تعوضه، وإذا توفي تصرف لأسرته. ويعدون ذلك حسنة من حسنات التأمين وواحدة من إيجابياته.
3 - التحكم في التوازن الاقتصادي:(6/5)
تعاني كثير من الدول ـ وخاصة الصناعية منها ـ من عدم التوازن الاقتصادي بين العرض والطلب؛ فقد تكثر النقود في أيدي الناس مع قلة السلع المعروضة في الأسواق، فيرتبك الاقتصاد، وهو ما يعرف بحالة التضخم. وقد تكثر السلع المعروضة في الأسواق مع قلة النقود في أيدي الناس فتبور السلع، وهو ما يعرف بالكساد. ويعتبر الاقتصاديون كلا هاتين الحالتين الاقتصاديتين غير صحيتين.
ويقول رجال التأمين: إنه يمكن بالتأمين تفادي هاتين الحالتين المضرتين بالاقتصاد؛ فإنه يمكن في حالة التضخم الاقتصادي التوسع في التأمينات الإجبارية لتعم أكثر قدر ممكن من الناس، وخاصة التأمينات الاجتماعية، وبذلك يمكن سحب قدر كبير مما في أيدي الناس من النقود، فتقل القدرة الشرائية، فيتزن العرض والطلب. وفي حالة الكساد يمكن للدولة أن تزيد من مخصصات المرضى، والعاطلين عن العمل، ونحوهم، فتكثر النقود في أيدي الناس، فتزيد القدرة الشرائية، ويزول الكساد، ويعتبرون ذلك إحدى إيجابيات التأمين؛ كما يقول خبير التأمين بول برس في كتابه: (أثر التأمين في الاقتصاد القومي).
4 - اتقاء الأخطار:
ترغب شركات التأمين في عدم حلول المصائب والأحداث في الأمور المؤمَّن ضدها حتى لا تضطر إلى دفع مبلغ التأمين الذي تعهدت به، ولذا فهي تضغط على المؤمَّن لهم وتشدد عليهم ليجتنبوا الأخطار ويبذلوا الجهد في المحافظة على الأموال المؤمن عليها؛ ويقول أصحاب التأمين إن ذلك يؤدي إلى المحافظة على قوة الاقتصاد للبلد؛ فهو من إيجابيات التأمين كما يقول بول برس.
5 - زيادة الائتمان:
لا توافق المصارف ولا أصحاب الأموال على إقراض أحد الناس قرضاً ربوياً ما لم يوثق هذا القرض بوثيقة ائتمان تضمن لهم حقوقهم، وهو ما يعرف بالرهن. وهم لا يقبلون هذه الرهون ما لم تكن مؤمنة ضد الفناء والهلاك. لذا فأصحاب الأموال يطالبون من يقرضونهم قروضاً ربوية بتوثيق ديونهم برهون معينة من عقار وغيره، ويطالبونهم أيضاً بالتأمين على وثائق الائتمان هذه، حتى إذا هلكت العين المرهونة قام التأمين مقامها.
ويقول أصحاب التأمين: إن ذلك ينشط التجارة ويخدم الاقتصاد؛ فهو كما يرون من إيجابيات التأمين.
6 - بث الأمن والطمأنينة:
يذكر رجال التأمين أن التأمين يجلب الأمن والطمأنينة والراحة والهدوء للجميع؛ فأصحاب المصانع مطمئنون إلى سير مصانعهم ونجاحها، وأصحاب الأموال واثقون من سلامة أموالهم، وأصحاب البيع والشراء والتعامل مع البضائع مطمئنون إلى سلامة بضائعهم، وكذلك رجال الأعمال والموظفون والعمال، وغيرهم ممن يتعامل مع التأمين جميعهم يتاجر ويعمل بهدوء نفس وأمن واستقرار. ويعدون ذلك من إيجابيات التأمين. (مبادئ التأمين).
آثار التأمين السلبية:
يقرر أصحاب البصيرة في حقيقة التأمين أن للتأمين سلبيات ومساوئ كبيرة وكثيرة، ويحسبون من أخطرها وأضرها بالناس الأمور الآتية:
أولاً: الوقوع فيما حرمه الله ـ تعالى ـ:
ليس شيء في الدنيا أضر بالإنسان من معصية الله ـ تعالى ـ ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ذلك أن أثر هذه المعصية لا يقف عند حد حساً ولا معنى؛ فهو نزع للخير والبركة في الدنيا، وذل وهوان وعذاب شديد في الآخرة. وليس شيء كذلك إلا معصية الله ـ تعالى ـ. وإذا كان التأمين يقوم على الربا والقمار وغيرها مما حرمه الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما يثبته علماء الشريعة؛ فهو معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو الخطر الذي يهون دونه أي خطر.
ثانياً: التأمين خسارة اقتصادية:
إن الكثرة الكاثرة هي الجماعة الخاسرة في عملية التأمين، والقلة النادرة هي الفئة الرابحة؛ فإنَّ قدْراً لا يستهان به من أموال الأفراد والجماعات والجهات والدول يُرمى به في صناديق التأمين في العالم دون سبب حقيقي لهذا التصرف. والجميع خاسرون لهذه الأموال دون فائدة ظاهرة ملموسة، ولا يستثنى من هؤلاء سوى قلة نادرة لا تُعَدُّ شيئاً إلى جانب الأعداد الهائلة من المؤمَّن لهم، هذه القلة النادرة هم أولئك الذين يقع لهم الحادث المؤمن ضده ممن تدفع لهم شركات التأمين التعويضات، ولا فائدة لهم في ذلك إلا إذا جاوزت تكاليف الحادث ما دفعوه من أقساط مع اعتبار زمن استثمار هذه الأقساط لو لم يدفعوها، واستثمروها بأنفسهم حتى ذلك الحين. وأكثر من يقع لهم الحادث يكادون ألاَّ يذكروا بالنسبة لمجموع المؤمن لهم؛ فالرابحون الحقيقيون من وراء خسارة المجموع في عملية التأمين قلة من الناس تكاد تُعد على الأصابع أولئك هم قادة التأمين في العالم. لذا فخسارة الأمة بالتأمين باهظة، وهي عامة شاملة، وتعتبر من أنكى الخسائر الاقتصادية التي منيت بها الشعوب في العصور المتأخرة، وأشدها غبناً؛ فإن مجموع المؤمن لهم بمثابة الشاة الحلوب التي لا تعلف إلا بجزء يسير من قيمة لبنها؛ فهي الخسارة الجلية الواضحة كالشمس في رابعة النهار مهما تستَّر عليها المستفيدون المستغلون لمصائب الناس. ولزيادة الوضوح والتيسير في فهم هذه العملية الخاسرة وضعتُ معادلة رياضية عرضتها على عدد من الاقتصاديين الغربيين، وخاصة من كان منهم وثيق الصلة بالتأمين، ولم يستطع أحد منهم أن يردها، أو أن يدافع عن التأمين إلا بقوله: (إنه ضرورة بالنسبة لنا)، أي بالنسبة للغرب، لتقطُّع الصلة فيما بينهم.
ويقول منطوق هذه المعادلة الرياضية:
إن مجموع ما يدفعه المؤمَّن لهم = أرباح الشركة + جميع مصاريفها + ما يعاد للمؤمن لهم عند الحادث.
ويتبين من هذه المعادلة الرياضية الرهيبة مدى الخسارة العظمى التي تُمْنَى بها الأمة من جرَّاء التأمين؛ فمعلوم أن أرباح شركات التأمين لا تضاهيها أرباح؛ حتى إنها لتكفي لإقامة دول كاملة، ومصاريفها أدهى وأمرُّ؛ فهي تشمل جميع ما تبذله من عطاء سخي لمديريها، ووسطائها، وموظفيها، وسماسرتها، وبائعي الذمم من عملائها الذين لهم علاقة بتقدير الحوادث ونتائجها، ومختلف صورها. كما تشمل جميع ضرائب الدولة المفروضة عليها، وإيجارات مكاتبها الفخمة، ومنشآتها المتنوعة، وتكلفة مبانيها الشاهقة، ودعاياتها الواسعة، إلى غير ذلك مما لا يحصى من النفقات الباهظة. كل ذلك تستنزفه من جيوب المؤمن لهم دون مقابل. أما ما تعيده إلى المؤمن لهم في حالة وقوع الحادث فهو نزر يسير لا يكاد يذكر بالنسبة للأرباح والمصروفات. يقول خبير التأمين (ملتون آرثر): إن نسبة ما يعاد إلى المؤمن لهم في التأمين على الحياة 1.3% من قيمة الأقساط . وما مثل المؤمن لهم في هذه العملية الخاسرة إلا كمن يبيع ماله بجزء يسير منه. ثم إن ما تدفعه شركات التأمين إلى المؤمن لهم من هذا النزر اليسير لا تدفعه إلا بمرارة؛ حيث تضع العقبات لتحول دون صرفه؛ فهي تُنصِّب أمهر المحامين، وتشتري ذمم القضاة من القانونيين، وتضع الشروط الخفية المعقدة التي لا يكاد يسلم من شرورها أحد.
هذه حقيقة التأمين الاقتصادية المرة، وواقعه الخفي، فهل يقول عاقل عارف بحقيقة التأمين ناصح لأمته إن التأمين مصلحة اقتصادية؟!
ثالثاً: إنهاك الاقتصاد بنزيف الأموال خارج البلاد:
تنقسم دول العالم بالنسبة إلى التأمين إلى فئتين:(6/6)
فئة مصدِّرة للتأمين، وفئة مستوردة. ولا شك أن الرابحة في هذه العملية هي المصدرة، وأن الخاسرة هي المستوردة؛ وذلك أن المصدر لهذه البضاعة لا يصدر ما ينفع الناس، وإنما ما يسلبهم أموالهم في لعبة معروف فيها سلفاً من الرابح ومن الخاسر، وهي ما يعرف بلعبة الذئب مع الغنم. إن الدول المصدرة للتأمين تأخذ الكثير ولا ترد منه إلا النزر اليسير. تلك الدول التي تمتلك شركات التأمين الكبرى، وخاصة منها شركات إعادة التأمين التي تصب أموال العالم في مشارق الأرض ومغاربها في أحواضها. إن التأمين بما فيه إعادة التأمين إنهاك للاقتصاد العالمي، وخاصة الدول الفقيرة منه؛ حيث تسحب به الدول القوية المصدرة للتأمين مبالغ طائلة من ثروة الدول الفقيرة مما يربك ميزانية مدفوعاتها .
رابعاً: عجز بعض المشاريع عن القيام بسبب الكلفة التأمينية:
تمنع أكثر دول العالم من إقامة أي مشروع صناعي أو تجاري، أو غيره مما ما لم يؤمن عليه صاحبه مسبقاً. وقد تكون التكلفة التأمينية من الجسامة بحيث تكون عبئاً ثقيلاً على مثل هذه المشاريع، وخاصة الصغيرة منها؛ بل إنها تحول دون قيامها اصلاً. وهذه حقيقة في الدول التأمينية على وجه الخصوص. وقد أجريتُ في مصر مقابلة مع عدد من الأشخاص من أصحاب المهارات الخاصة في الحرف والصناعات والكفاءات المتميزة ممن كان بإمكانهم إقامة معامل إنتاج ذات قدرات محدودة تقضي حاجات كثير من الناس وتثري الإنتاج الفني، وكان سؤالي يتوجه حول السبب في عدم إقامتهم لمثل هذه المشاريع، فكانت إجابة حوالي 55% منهم بأن المانع هو ارتفاع نفقة الإنشاء وخاصة التأمين. ويصرح حوالي 45% بأنه ما منعه إلا تكلفة التأمين، ويقول بعضهم: إنه قد أنشأ شيئاً من ذلك فأجهضه التأمين واضطره إلى توقيفه. وتسمع كثيراً لهجة مستنكرة تقول: ما ندري: هل نشتغل لتحصيل لقمة العيش، أو لشركات التأمين؟!
خامساً: الإغراء بإتلاف الأموال عدواناً:
يتعمد بعض المؤمن لهم إتلاف ماله المؤمن عليه بحريق، أو غيره ليحصل على مبلغ التأمين، وخاصة إذا كانت البضاعة المؤمن عليها كاسدة في الأسواق، أو فات وقتها، أو اكتشف فيها عيباً. وقد لا يتلفها فعلاً، ولكنه يصرِّفها، ويصطنع تلفها بحريق أو نحوه بما يوافق شروط استحقاق مبلغ التأمين، ويتم ذلك بإغراء الاستفادة من مبلغ التأمين، وخاصة إذا كان الشخص قد دفع مبالغ كبيرة لشركة التأمين دون أن يستفيد منها شيئاً، فيقدم على هذا العدوان بدافع التشفي. وهذه الحوادث مشهورة ومنتشرة في بلاد التأمين أجمع، وهي أشد ما تخشاه شركات التأمين، وتشدد في التحقيق منه عند وقوع الحادث ومثل هذا التصرف خسارة على اقتصاد الأمة، وعدوان بغير حق، وهي إحدى سلبيات التأمين.
سادساً: تكدس الأموال في أيدي قلة من الناس:
عرف الإنسان منذ قديم الزمان أن تكدس الأموال وتجمعها في أيدي قلة من الناس أمر خطير ينتج عنه كثير من الشرور والتسلطات والآثار السيئة، ويعبَّر عن ذلك في العصور المتأخرة بنظام الطبقات في المجتمع. وقد أجمع علماء الإصلاح الاجتماعي على أنه لا شيء أسوأ على الأمم من انقسام مجتمعها إلى طبقات الأغنياء والفقراء. وأن من الآثار السيئة لتكدس الأموال في أيدي قلة من الناس تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة، وتسخيرهم لخدمتهم بغير حق، وتوجيه أمور الأمة في جميع جوانبها وفقاً لمصالحهم. وقد نهى الإسلام عن تكدس المال في أيدي فئة قليلة تفسد في الأرض وتتعالى على الناس؛ والتأمين بجميع أنواعه هو الركن الركين لمثل هذا التكدس المشين.
سابعاً: التسبب في كثير من الجرائم:
بسبب إغراء المال والطمع في الحصول على مبالغ التأمين يُقْدِمُ عدد من المؤمن لهم بهذه المبالغ، أو المستحقين لها بعد أصحابها على ارتكاب جرائم شنيعة مروعة من القتل والبتر والتصرفات المنكرة النابية عن أدنى شعور بالرحمة والشفقة واعتبار الآخرين: فهذا يفجر الطائرة بمن فيها في الجو، ليقتل أمه لكي يحصل على تأمينها، وهذا يخنق أباه، وهذا يغرق الباخرة بمن فيها ليحصل على التأمين الكبير لبضاعته، وهذه تسقي زوجها السم ثم ولدها لتستأثر بمبلغ التأمين؛ وهذا يقتل زوجته للغرض نفسه، وهكذا سلاسل الجرائم المنكرة التي لا يعرفها عصر غير عصر التأمين.
هذا وإن جرائم التأمين من أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية وأشدها وحشية منذ فجر التاريخ؛ ذلك أن هذه الجرائم تستهدف أكثر ما تستهدف الأقرباء؛ فقد أخرج الباحث (شيفر ماكس) بحثاً علمياً دقيقاً رتب فيه جرائم التأمين حسب ما رصدته ملفات مخابرات الشرطة الدولية ودراساتها، ودفاتر الضبط في محاكم العالم فوجد أنه يأتي في المرتبة الأولى من جرائم القتل بسبب إغراء التأمين قتل الزوجة لزوجها، ويأتي في المرتبة الثانية قتل الزوج لزوجته، وفي المرتبة الثالثة يأتي قتل سائر الأقرباء من أم وأب وغيرهم، وفي المرتبة الرابعة قتل الأولاد من قِبَل والديهم، ولا يأتي قتل الأجانب إلا في المرتبة الخامسة. وإنه لمنتهى العجب أن يكون التأمين ـ الذي يقصد به اتقاء الأخطار ورفعها ـ أعظم سبب لأفظع الأخطار وأشنعها!
وليس أدل على ذلك من أن (جاك جراهام) وهو أحد مجرمي التأمين وضع في طرد الهدايا الذي حملته أمه معها في الطائرة لغماً هائلاً مزق أمه أشلاءاً، ودمر الطائرة بمن فيها في الجو. وأن (ألفريدي تلتمان) قتلت زوجها بالسم، ثم ابنها تخلصاً منهما لتنفرد بمبلغ التأمين من بعدهما. وأن (جوفياني فينا رولي) قتل زوجته بالخدعة شر قتلة. وأن (جوليان هرفي) قتل بالرصاص جميع من كان على ظهر إحدى البواخر بمن فيهم زوجته، ثم أغرق الباخرة لكي يحصل على تأمين زوجته الضخم. قصص وقصص تكاد ألاَّ يصدقها العقل. هذه حقيقة التأمين.
ثامناً: إبطال حقوق الآخرين:
تستخدم شركات التأمين أعداداً كبيرة من أشهر المحامين في العالم ليتولوا الدفاع بالحق أو الباطل لإبطال حجج خصومها من المؤمَّن لهم، وهي لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تستميل بالمال الأطباء المقررين، وقضاة المحاكم القانونيين وكل من له أثر في تقرير الحوادث. إنها تفعل ذلك لإيجاد أي ثغرة تخرج معها من المسؤولية، فتتحلل من دفع مبالغ التأمين المستحقة بوقوع الحادث المؤمن ضده. وما أيسر إيجاد الثغرات، وخاصة مع شروطها المعقدة الخفية التي يصعب الإلمام بها على كثير من الناس، فضلاً عن الإتيان بها على الوجه المطلوب.
تاسعا: إفساد الذمم:
من شروط شركات التأمين شرط يقول: «إنه لا يحق للمؤمن له الذي يقع له الحادث مع غيره أن يعترف بخطئه للآخر مهما كان الخطأ، وإلا فإن الشركة بريئة من التزاماتها بدفع أي مستحقات تترتب على الحادث. ليس هذا فقط بل عليه أن ينكر خطأه، ولو أمام المحكمة، وحتى لو كان خطؤه لا يحتمل الإنكار.
وبهذا الشرط يدفع نظام التأمين المتعاملين معه إلى الكذب وإفساد الذمم، ويملأ المحاكم بالقضايا التي تشغلها الدهر، ولا تنتهي إلا إلى حلول مجحفة تحصل بها شركات التأمين على أموال المؤمن لهم بالباطل دون أن تدفع لهم ما يقابلها من تعويضات عندالأحداث» .
عاشراً: ضياع المحافظة الفردية على الممتلكات:(6/7)
يتسبب التأمين في وقوع كثير من الإهمال لدى المؤمن لهم الذين لا يعتنون ولا يحافظون على أموالهم وممتلكاتهم كمحافظتهم على أموالهم غير المؤمن عليها، بل قد يصل الأمر بهم إلى حد الرغبة في تلف بعض الأعيان المؤمن عليها طمعاً في مبلغ تأمينها الذي قد يفوق قيمتها. وإن عدم العناية وترك المحافظة على الممتلكات والأموال ضد الأخطار من أفراد المجتمع خسارة عظيمة على الأمة؛ لأن قوة المحافظة الفردية لا تعوضها أي قوة محافظة أخرى مهما بلغت. والخسارة الناتجة عن الإهمال لا تضر بالفرد وحده، ولا بالجماعة، ولا بالشركة المعوضة وحدها، وإنما يمتد ضررها ليشمل أبعد من ذلك؛ حيث يضر بكامل اقتصاد الأمة؛ لأن اقتصاد الأمة هو مجموع اقتصاد أفرادها. وعليه، فعدم المبالاة وترك الحراسة الفردية المشددة على الأموال والممتلكات بسبب التأمين إهدار لأعظم أسباب الأمن والسلامة، وإغراء بارتكاب الجرائم والنهب والاختلاس، وتعطيل لغريزة الوقاية التي خلقها الله في الإنسان.
الحادي عشر: تخويف الناس والتغرير بهم:
إذا كان السبب والأصل الذي دفع الناس إلى الأخذ بالتأمين هو الخوف من المستقبل المجهول، وعدم ثقتهم في مواجهة الأحداث بأنفسهم؛ فإن شركات التأمين قد استغلت هذا الدافع أسوأ استغلال، فجسمت أمامهم المخاطر، وعظَّمت في أعينهم الأحداث، وحفَّت الحياة بألوان من المفاجآت والتوقعات غير السارة، وربت الناس على عدم قدرة الفرد أو الجماعة على مواجهة هذا المستقبل المكفهر بأنفسهم، بل إن الأمر قد بلغ بها أن أخافت الدول نفسها، وزينت لها وللناس اللجوء إلى شركات التأمين التي جعلتها أمامهم هي وحدها القادرة على مواجهة هذه الأمور العظام، وعلى التصدي لتجنيب الناس أضرار الكوارث ومساوئ الأحداث؛ فهي وإن كانت تسمى شركات التأمين إلا أنها تخيف الناس وترعبهم وتدمر ثقتهم بأنفسهم أولاً، ثم تدعوهم ثانياً إلى تأمين أنفسهم ضد ما أخافتهم منه؛ وهذا هو المرتكز والمبدأ الأول في سياستها الدعائية، وهو مبدأ تغرير وخداع لا يقره دين، ولا عقل ولا خلق (كرشنر، هنز ملر، كابل).
الثاني عشر: سلب الناس القدرة على مواجهة الحياة:
يؤدي ارتماء الناس في أحضان التأمين، وهروبهم من تحمل مسؤوليات الحياة إلى سلبهم القدرة على مجابهة أدنى المخاطر وتحمل أقل المفاجآت، والحياة كلها مسؤوليات وكلها مفاجآت. ومن الذي يستطيع أن يؤمن نفسه ضد جميع أخطارها وتقلباتها؟ ثم ما هو طعم الحياة وأين لذتها لمن لا يصادمها ويكابدها، ويخوض غمارها بنفسه؟ وأين إشباع غريزة حب التغلب والانتصار التي خلقها الله في الإنسان؟ ولكن ليس الأمر مجرد حرمان من إشباع الغرائز وتحقيق الملذات، وإنما هو الخطر من فقدان تحمل الحياة أصلاً؛ وخاصة في هذا العصر الذي تمدين أهله وتعقدت حياتهم، وطغى الشر فيه على الخير.
الثالث عشر: ضياع الروابط وتفكك المجتمع:
يحتاج الإنسان في حياته إلى الآخرين، وخاصة إلى أقاربه وذويه. وتشتد هذه الحاجة كلما حل العوز، أو وقعت كارثة، أو خوف. لذا فقد ساد الناس منذ العصور الأولى الالتفاف والائتلاف، وقام بينهم التعاون والتناصر وإغاثة المعوزين والمحتاجين، وتكونت بذلك الروابط الأسرية، وتكافل المجتمع، وقامت الألفة والمحبة بين الجميع، فكانت الأسرة التي هي وحدة العائلة ونواة المجتمع قوية متماسكة لا تهتز، وكذلك المجتمع. ولما حل الخراب بالأسر وبدأ التفكك في المجتمع جاؤوا بالتأمين ليحل محل الأسرة ويعوض الناس عما فقدوه، ويغني الفرد ـ بزعمهم ـ عن الآخرين، ولجؤوا إليه في كل أمر كانوا يرجونه من الأسرة، فضاعت بذلك الأسرة، وتهدم بناء المجتمع، ولم يعوض التأمين الناس عما فقدوه، وإنما زاد الطين بلة، فقطع ما تبقى من روابط، وباعد بين الناس وأسرهم، فوقف كل فرد وحيداً بعيداً منقطعاً، لا مغيث له ولا معين .
موازنة بين الإيجابيات والسلبيات من واقع الحياة:
بالموازنة بين السلبيات والإيجابيات في جوانب ثلاثة هامة، وهي: الجانب الديني، والاجتماعي، والاقتصادي يتبين لنا الفرق الهائل بين خير التأمين وشره:
أ - الجانب الديني:
لم أرَ من أهل العلم من قال: إن للتأمين إيجابيات في الدِّين. وأما سلبياته في هذا الجانب فقد قال أهل العلم المعتد بقولهم في بلاد المسلمين: إن التأمين محرم بجميع أنواعه؛ وذلك لأنه لا يقوم إلا على الربا، والقمار، والغرر، وغير ذلك، كما هو موضح في موضعه. وإذا لم تكن للتأمين إيجابيات في الدين، وقد قال أهل العلم بتحريمه، فلا مجال للموازنة بين الإيجابيات والسلبيات في هذا الجانب.
ب - الجانب الاجتماعي:
إن كان بعض أصحاب التأمين يعدون من إيجابياته تحقيق الأمن والاطمئنان في المجتمع، كما سبق ذكره؛ فلو سلمنا لهم بذلك فرضاً فإن تسلُّط فئة قليلة من أثرياء التأمين في المجتمع وتحكُّمهم، وانتشار الجرائم بالتأمين، وإفساد ذمم الناس، وأكل أموال الناس بالباطل، وإشاعة الخوف من المستقبل، وسلب الناس القدرة على مواجهة الحياة بأنفسهم، وقتل الروابط الأسرية، وتفكُّك المجتمع بالتعاملات التأمينية تقضي على هذه الدعوى غير المحققة.
ج - الجانب الاقتصادي:
يقولون: إن من إيجابيات التأمين أنه يساعد على تكوين رؤوس الأموال، والمحافظة على عناصر الإنتاج، والتحكم في التوازن الاقتصادي، ويعدون من سلبياته أنه خسارة اقتصادية وقعت في شعوب العصور المتأخرة، وإنهاك للاقتصاد الوطني بنزيف ثروات البلاد إلى الخارج، ويحول دون قيام الصناعات الخاصة والمشاريع، وهو مغرٍ بإتلاف الأموال عدواناً، وتكديس لأموال الفقراء بأيدي قلة من الأغنياء، وضياع للمحافظة الفردية على الممتلكات. وبهذا يتبين طغيان السلبيات على الإيجابيات، وتهافت دعوى المحافظة على عناصر الإنتاج وهي جوانب اسمها وسمعتها أكبر من حقيقتها، ويمكن أن يستعاض عنها بالتأمين الذاتي، وهو أن يخصص صاحب المشروع أو نحوه مبلغاً من المال، وهو ما يسمى احتياطي الحوادث، ويستثمر هذا الاحتياطي، وقد عُمِلَ بهذا في بعض المصانع الأمريكية والأوروبية فنجحوا نجاحاً كبيراً، ووفروا أموالاً طائلة كانت تذهب عليهم هباء في صناديق التأمين.
وفي ختام هذا المقال أسجل هذا الاستطلاع في الرأي العام الذي قمت به في مصر، وألمانيا، وأوروبا، وأمريكا، وكانت نتيجته ما يلي:
55% تقريباً ـ بعد التوعية والتثقيف لبعض الفئات منهم ـ يقولون: إن شر التأمين يغلب خيره.
و25% يقولون: إنه شر لا خير فيه.
و15% يقولون: إن خيره يساوي شره.
و5% فقط هم الذين يُغَلِّبون خيره على شره.
المصدر مجلة البيان
القولُ المبينُ في شَرِكاتِ التأمينِ
حكم التأمين التجاري والصحي
================
بين التأمين التجاري والتعاوني.. محاور فاصلة
د. يوسف الزامل * 28/3/1424
29/05/2003
المقدمة:
لا يزال النقاش والحوار يدور في المجتمع حول الفروق بين التأمين التعاوني والتجاري، ليس بين المختصين
والمهتمين بثقافة و فكر التأمين و ممارساته العملية فحسب، بل بين العامة من الناس الذين تطلَّب التأمين المروري الإلزامي دخولهم في تصرفات وقرارات تأمينية تقتطع من نفقاتهم الاستهلاكية من ناحية، وتدعوهم إلى افتعال سلوك تأميني لم يعتادوا عليه، و لم يعوا بأهدافه و أهميته من ناحية أخرى .
تساؤلات:(6/8)
وتتبطن دوائر النقاش و الحوار الكثير من الحيرة و التردد بين العام و الخاص حول الإجابة عن تساؤلات شتى منها: ما هو النوع من التأمين المقبول، و ما هو النوع المرفوض؟ وهل هناك -حقيقة- فروق جوهرية أو أساسية بين النوعين من التأمين التعاوني والتجاري، بحيث تؤثر على حكمها الشرعي؟ وأي أنواع التطبيقات الواقعة على مستوى الشركات يمكن أن تمثل حلاً قريباً واختياراً صحيحاً يعكس التوافق مع القيم والمبادئ التي يتبناها جماهير الناس؟ وعلى أسوأ الأحوال لو لم يوجد تأمين شرعي مقبول، فهل يجب الالتزام بالتأمين المروري عبر أية شركة تأمين من مبدأ طاعة أولياء الأمور؟ أم أنة (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فيجب الضن بالاشتراك؛ خشية الوقوع في الحرام؟.
فروق جوهرية:
يمكن أن توضح في هذه المقالة -كمرحلة أولى- أهم المحاور الرئيسة التي يمكن من خلالها رؤية حدود و فوارق مؤثرة في الحكم بين شركات التأمين التجاري والتعاوني، أو الخروج بانطباع عن تجانس في القواعد و الأسس بين هذين النوعين من الشركات، إلى حد لا يمكن معه تصنيفها بين الحظر والإباحة.
1- الجهة في التأمين التجاري من حيث المؤمن والمؤمن له جهة منفكة، إذ هما طرفان مستقلان يمثلان جهتين بينهما عقد معاوضة، جهة المؤمن له (وهو المشترك)، وجهة الشريك المؤمِّن (وهي الشركة)؛ فيتوجه حينئذ النظر إلى هذا العقد من حيث دورانه بين الغنم والغرم والغرر لكل من طرفي العقد، بينما في التأمين التعاوني فإن الجهة متحدة، فهما طرفان متحدان متعاونان، مؤمن له وهو المؤمِّن نفسه، فليسا طرفا عقد معاوضة لجهتين منفكتين، فلا يتوجه النظر إلى هذا على أنه عقد بين طرفين مستقلين، يدور كل منها بين الغنم والغرم .
2- قد يقول بعض الفقهاء: -ومنهم الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله- إنه في هذه الحالة التبادلية التعاونية (غير التطوعية البحتة) قد يستفيد أحد الشركاء بتعويضات كبيرة (نتيجة حوادث وقعت له)، بينما الشريك الآخر الذى لم تقع له حوادث لا يستفيد، بل قد ينقص رأسماله المساهم فيه، فصار غرراً بين الشركاء فأشبه التأمين التجاري، فيقال إنهما (الشريكان) ليسا طرفا عقد معاوضة، وإنما هما طرفا عقد تعاون وإحسان (أشبه ما لو كان كل من الشركاء يخرج من ماله قرضاً بإذن؛ ليستخدمه من يحتاجه أو يعوض بجزء منه لمن أصابته جائحة أو نازلة، وأما لو زادت قيمة الأسهم عن قيمتها الاسمية مع تكاليف تغطية الحوادث، فإن هذه الزيادات لم تكن مشروطة من المتشاركين، فترجع السهم -حسب نسبة رؤوس أموالهم- مع رؤوس أموالهم، فلا تعد رباً؛ لأنها ليست معقوداً عليها، بل تكون أشبه بالمكافأة التطوعية الجائزة شرعاً من المدين، إن لم ينتظرها الدائن عرفاً، ولم يشرطها عقداً.
3- في الشركة التعاونية المؤمِّنون هم المؤمَّن لهم، فهم طرف واحد، و بالتالي فهم لا يخططون لتحقيق مكاسب تأمينية من وراء دفعهم للأقساط وتغطيتهم للتكاليف؛ وذلك بالسعي لتكوين فرق بين اشتراكاتهم (مساهماتهم)، وتكاليف تغطية الحوادث الحاصلة لهم، وإلا لكانوا يريدون أن يربحوا من وراء أنفسهم وهذا لا يتوجَّه، بل تخطيطهم أن يكون متوقع التكاليف بسب الحوادث مساوياً للاشتراكات . و لو خططوا لعمل فائض -وسلمنا أنه ربح- فإنهم في الواقع إنما يعملون فائضاً لأنفسهم من أنفسهم، وأما ما يحصل من فائض مخطط أو غير مخطط (أي لم يتم استهدافه)، فإنه لو وزِّع على الشركاء لكان بمثابة إعادة لزيادة غير مقصودة، نعم قد يستفيد أحد الشركاء أكثر بكثير من الآخرين؛ لأنه تمت بواسطة الصندوق تغطية تكاليف باهظة لحادث طرأ عليه، لكن هذه الاستفادة وهذه الزيادة أو الفائض لأحد الشركاء لا يعتبر غرراً ولا رباً؛ لأنه مع بقية الشركاء في عقد إحسان وتعاون لا عقد معاوضة، فلا يتوجه إليه الربا ولا الغرر المحرم . ولو قلنا: إن في ذلك غرراً محرماً لتوجه نفس القول للصندوق التعاوني التطوعي المحض(الذي لا يعود فيه رأس مال إلى صاحبه لأنه متبرع)، إذ إنه يستفيد أحد المشاركين فيه من دفع تكاليفه الباهظة لحادث، ولا يستفيد الآخر مثله إذا لم يقع له حادث . والفرق بين الصندوق أو الشركة التأمينية التعاونية، والصندوق أو الشركة التطوعية هو أن الأول من قبيل القرض(السلف) للإحسان و التعاون، بينما الثاني من قبيل الصدقة والتبرع للإحسان والتعاون. فليس التأمين التعاوني بمعنى البيع أو المتاجرة بين الشركاء، ولهذا لا يدخل في أصله وجذره تحت بيوع الغرر المنهي عنها.
التأمين من عقود المواساة لا من عقود المسابقات:
وأما حديث (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) فإن الجوائز والمكافآت تبذل من المتسابقين؛ ليفوز بها من هو في مجال سباقهم الذي هو بفعلهم أنفسهم أعلى وأكبر وأكثر، فيتوجه إليها مصطلح الغرر، وتحرم إلا إذ كانت بمعنى الجهاد؛ لأنها بفعل المتسابقين والمتنافسين أنفسهم، وأما الأثمان التي تبذل بواسطة الشركاء في التأمين التعاوني، فلأجل مواجهة ضرر ونقص وجائحة تُفعَل بهم من غيرهم، وليست بفعلهم أنفسهم، ثم إن الغرض منها مواساة وجبر المخفق والمصاب والمتضرر، لا مكافأته على تفوقه وزيادته و علوه و ارتفاعه، ولا شك أن غرض المواساة و تغطية المضاربات في الأزمات تختلف عن غرض المنافسة للوصول إلى الجوائز على المناسبات و المسابقات.
قانون الإحصاءات الكبيرة:
وبخلاف (شركة التأمين التعاونية)فإن شركة التأمين التجارية تخطط لتحقيق مكاسب (أرباح) تأمينية، من وراء تحصيلها للأقساط من المشتركين. فشركة التأمين التجارية التي يكون المشترك فيها(طرف تعاقد) هو المؤمِّن له؛ وتكون الشركة المملوكة لآخرين. (طرف التعاقد الآخر) هو المؤمِّن، وهما طرفان مستقلان بينهما عقد معاوضة لا عقد تعاون وتبرع، وفي هذه الحالة من الشركات التجارية فإنها تخطط للاستفادة من الفائض بين رسوم وأقساط المشاركين، وبين تكاليف تغطية حوادثهم، ويعتمد حجم أرباح أو (خسائر) مثل هذه الشركات التجارية للتأمين على عدة عوامل رئيسة هي :
1- درجة المنافسة في صناعة التأمين، فكلما زادت المنافسة قلَّت الأرباح غير العادية، حتى لا يبقى إلا تكاليف الفرصة البديلة لرأس المال والإدارة.
2- درجة استقرار الحقل الاقتصادي الذي يتناوله موضوع التأمين، فقد يتعرض التأمين في المجال الصحي لتذبذب من ناحية الحوادث وتكاليفها، أكبر من تذبذب الحوادث في المجال المروري .
3- درجة دقة حسابات احتمالات الحوادث في مجال التأمين المتعلق.
4- درجة أمانة الشركة في القيام بمسؤولياتها تجاه المؤمنين، أو تنحيها عنهم .
5- درجة تعرض الاقتصاد -ككل أو أحد مجالاته- لموجات من التذبذب تؤثر على الحوادث التي تقع فيه، أو في أحد مجالاته .(6/9)
6- درجة قوة النظام القضائي ونظام المحاماة الذي يؤمن للشركة أو عملائها الحصول على حقوقهم، وتدخل شركات التأمين التجارية في عقود تأمين مع شركات أخرى، تؤمن عقودها مقابل نسبة في هذه العقود؛ لتقلل تعرضها للهزات التي يسببها اختلال أو عدم استقرار أحد -أو بعض أو كل- العوامل أعلاه . فلو قلنا: إن الظروف والدرجات المتوقعة ستكون مثالية ومستقرة عند متوسط معين، وقلنا -أيضاً- إن العملاء المؤمن لهم شكلوا اتحاداً قوياً أمام هذه الشركات فإنه يتمثل الطرفان وكأنهما فردان أو شخصان أو شركتان يمثل أحدهما مؤمِّن و الآخر مؤمَّن له أمام أحداث عشوائية (احتمالات) قد تحدث و قد لا تحدث طوال مدة العقد، وإن حدثت خلال العقد فقد تكون نادرة أو متكررة أو قد تكون كبيرة ضخمة أو صغيرة بسيطة، وكل من المؤمِّن والمؤمَّن له يدور في هذا بين الغنم والغرم، والذي قد يكون فاحشاً أو هائلاً أو خيالياً، وقد يكون معتدلاً متواضعاً معقولاً، ولكن في كلتا الحالتين فهو غرر وقمار محرم باطل .
وهنا يتَّضح أن احتجاج بعض الفقهاء بقانون الإحصاءات الكبيرة لا يقوم؛ لأن المشترك(طرف المؤمن عليهم) في التأمين التجاري، و إن كان يمارس جزءاً يسيراً من الغرر؛ فإنه في الواقع يمثل مع المشتركين الآخرين الغرر كله . و لو أورد علينا مورد أن صغر نسبة الغرر بالنسبة لكل مشترك ستجعل عقد التأمين عقداً جائزاً، قياساً على تضمن بعض العقود الجائزة للغرر اليسير، فإن هذا الإيراد مردود، و ذلك لأن الغرر أولاً متحقق في جانب الشركة (المؤمِّن)، وأما طرف (المؤمن عليهم) فإنه وإن لم يتحقق أو لم يقبل أن غرر أي منهم مما يعتد به، فإن الغرر في جانبهم متحقق قائم إذا نظرنا إلى واقعهم ككل؛ ثم إن كلاً منهم يسهم بغرره الصغير على أحداث الغرر الكبير مع الشركة (المؤمِّن).
التأمين التعاوني هل هو التأمين التطوعي ؟
يقصد بالتأمين التطوعي: الخروج من المال المتبرع به على هيئة أقساط لا يرجع إلى المؤمِّن عليه شيء منها، لا رأس مال ولا ربح . و هذا النوع من شكل التأمين هو أكثر أشكال التأمين الثلاثة (تجاري- تعاوني- تطوعي) وضوحاً من حيث تصور حله وجوازه، وهو المجمع على جوازه من الفقهاء والمفتين بلا خلاف، وذلك لأنه ببساطة خروج عن ملك المال وانتهاء العلاقة مع المال، إلا أن الدافع لقسط التبرع يكون أولى بتغطية الأخطار التي يتعرض لها، مادام أنها تتعلق بها جهة التبرع، من حيث نوع الحقل الذي يتوجه إليه التأمين التطوعي .
ولكن المشكلة في التأمين التطوعي، هو ما ينادي به بعض الفقهاء، بأنه الحل الوحيد و الحلال الأوحد الذي ليس بعده إلا الحرام، ويدخل في هذا الإطار -أيضاً- فتاوى هيئة كبار العلماء في السعودية، وفتاوى البارزين من أهل العلم : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز و فضيلة الشيخ محمد العثيمين -رحمهما الله جميعاً-،هذا النوع من التأمين التطوعي لا شك أنه أفضل وأطوع من التأمين التعاوني، ولا ريب أن مثل هذا النوع من التأمين يكون الأجر فيه أرفع والثواب أعظم. لكن التساؤل الذي يتوجه: هل ينحصر الحل والجواز فيه، وتكون الحرمة و الخطر فيما سواه؟ أم أن الفقهاء لم يتم تصورهم أو إدراكهم لأوجه التعاون والإحسان في الشركات التأمينية التعاونية؟ أم أن الفقهاء يصورون أياً من هذه الشركات على أنها عبارة عن شركاء متميزين مستقلين عن بعضهم البعض، بينهم عقود معاوضات لا تبرعات، أو غير ذلك؟. ويبقى أن نقول: إن من يطلق التحريم على شركات التأمين التعاونية بناءً على علل شرعية يراها، فإنه قد يجد بعض هذه العلل أو غيرها مرتسمة أيضاً في صناديق وهيئات التأمين التطوعية التي تمثل لها فيما يلي :
1- أن الغرر فيها موجود؛ لاحتمال حصول حوادث لبعض المتبرعين، فيدفع لهم مقابلها، وعدم حصول حوادث للبعض الآخر من المشتركين فلا يدفع لهم، ويزداد هذا الغرر إذا قلنا: إن المسؤولية تمتد إلى الشركاء إن لم تكف المبالغ الموجودة في الشركة التأمينية التطوعية لتغطية تكاليف الحوادث، لكن يبيح هذا الغرر كون المشاركات على سبيل التعاون و الإحسان، وهذا يماثله قبول مثل هذا الغرر في شركات التأمين التعاونية .
2- أن نية من يشارك في التأمين التطوعي ليس المقصود منه محض الصدفة والوقف، بل تغطية حوادث تتعلق به في مجال معين، و بالتالي فإن المشترك في مثل هذه الشركة قد يكون ألزم بما لا يلزم، وأوجب عليه إخراج مال بغير وجه حق يقوم عليه.
3- أنه من الناحية العملية، فلن ينشط الناس للقيام بتغطية ما يلزم من التكافل و التضامن و التأمين في المجالات التي أخذت تدعو إليها الضرورة و الحاجة في هذا العصر؛ لأنه ليس كلٌ يقدر على ملكة الصدقة والتبرع والوقف بعين ماله، ولأن هذا سيزيد من إرهاق أصحاب الدخول المنخفضة، بدلاً من مساعدتهم.
هذه العلل وأمثالها قد تجنح بالرأي عند طائفة أخرى من الفقهاء، لإيصاد كل أبواب النظم والمشاركة والتعاون في أي هيئة أو شركة أو مؤسسة، و يذهبون بالتالي إلى القول بضرورة التزام الأسلوب الأول، وذلك بأن الضرر أياً كان نوعه إذا وقع لأي من الناس فلينفر بعض الناس -أو أغنياؤهم- لسد و مواساة المحتاج و المعاق والمصاب، وهذا مما لا يمكن تصوره في هذا العصر و الزمن الذي أصبحت فيه المجتمعات معقدة التركيب، مشتتة الأجزاء متنوعة الصناعات .
رؤية في واقع تطبيقات شركات التأمين التعاونية :
لم تقم شركات تأمين تعاونية عديدة -حتى الآن- في العالم العربي والإسلامي، وفي مقدمتها منطقة الخليج، ولكن يعرف أن هناك ثلاث شركات تأمينية تعاونية أو إسلامية معروفة هي: الشركة الوطنية للتامين التعاوني، والشركة العربية الإسلامية للتأمين، وشركة التأمين الإسلامية العالمية. فما هو نصيب كل منها من تطبيق مبادئ وأسس الشركات التعاونية، والتي تعطي مثل هذه الشركات مصداقية و شرعية على أحقيتها بمثل هذه الأسماء؟ لا شك أن كلاً من هذه الشركات تريد أن تمثل الأسس التعاونية و الإسلامية في التكافل والتأمين، ولكن يبدو أن هناك صعوبات تطبيقية وواقعية، وكذلك تنظيمية و معرفية، ابتداء من كيفيات وضع الأسس و القوانين المشروعة التي تنظِّم وتحكم الشركات التعاونية، ثم كيفيات التطبيق السليم و الصحيح لهذه النظم و الأسس في الممارسات العلمية، مع ما تصطدم به هذه الشركات التأمينية التعاونية من عدم وجود هيئات رسمية منظمة في بعض الدول، أو عدم عمل تلك الهيئات الرسمية على تشجيع تطور مثل هذه المؤسسات، و تمييزها بقواعد و مراسيم توافق طبيعتها المختلفة عن شركات التأمين التجارية، و لذلك فإن هذه الشركات التأمينية التعاونية يمكن أن تنتعش كثيراً في قبولها وأعمالها لو أخذت بالتوصيات التالية:
1- أن تدعم -بشكل كافٍ- إدارات كل من التطوير والرقابة الشرعية داخلها، أو تنشئ مثل هاتين الإدارتين، أن لم تكونا موجودتين .
2- أن تعمل هذه الشركات في التعاون فيما بينها، في إطار الأبحاث الشرعية و تطوير الممارسات .
3- أن تعمل كل شركة من هذه الشركات على إقناع المسؤولين الحكوميين في بلادها، لإنشاء لجنة أو قسم شرعي و قانوني في إطار هيئة التأمين الحكومية. * أستاذ مشارك قسم الاقتصاد جامعة الملك سعود
===============
شركات التأمين التعاونية:
هيكلة قانونية حديثة للأسس التجارية المتوافقة مع المبادئ الإسلامية
د. يوسف الزامل * 12/4/1424
12/06/2003(6/10)
مع ازدياد الوعي التأميني في الخليج والعالم العربي والإسلامي، وتزايد وتيرة الشعور بالحاجة إلى التأمين من قبل رجال المال والأعمال والمؤسسات العامة والحكومية والأفراد، يساور الكثير من الأشخاص القلق والشكوك حول الأبعاد الشرعية لعمليات وعقود التامين، ويطرح بين الحين والآخر -في وسائل الإعلام المختلفة- مقالات ودراسات وبحوث تتضارب دعواتها بين )القبول المطلق( لكافة أشكال التأمين، )والرفض المطلق( أيضاً لهذه الأشكال.
والذي لاريب فيه أن دين الإسلام مبني على الوسطية واليسر، فيعطي حلولاً عديدة ويفتح آفاقاً واسعة، مع الابتعاد عن المحرمات الرئيسية المحدودة والمعدودة، فهو معتدل يقوم على أن الأصل في المعاملات الحل ما لم يرد ما يمنعها.
وفي هذه المقالة سيتم البدء في طرق الأسباب الرئيسية والعلل الجوهرية لتفسير مصادر هذه البلبلة الفكرية، والتي تعتري ليس فقط التأمين أو القضايا الاقتصادية، بل تبرز أيضاً في قضايا رئيسية تتعلق بمختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها… إذ تظل مثل هذه القضايا -التي تؤثر على مسارات المجتمع وازدهاره لتطوره، بل قد تعمل على انهياره وتدهوره- حائرة تائهة بين تضارب مختلف الآراء الأولية غير الرصينة، لتترك بعد حين مهمشة وجانبية تنمو في إشكالاتها وتناقضاتها . وبعد تناول المعلومة العامة يتم تناول قضية التأمين بطرح العلة والأساس الجوهري أو المحوري الذي يتبين به اختلاف التأمين التجاري التقليدي عن التأمين التجاري التعاوني اختلافا يؤثر في هيكل علاقاته وثمراته، ومن ثم حكمه الشرعي.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى بيان أهم الثغرات التي وجدت عند كل من الفريقين (المؤيد المطلق والرافض المطلق)، والتي أدت بهما إلى عدم رؤية هذا الفرق الأساسي الجوهري بين النوعين (التأمين التجاري التقليدي والتأمين التجاري التعاوني)، حتى ساوى أحد الفريقين بينهما في الحل والإباحة، بينما ساوى الفريق الآخر بينهما في الحظر والحرمة. ويختم الحديث بتناول بعض المسائل التفصيلية والتي يطرحها كل من الفريقين، وهي في عامتها تتولد نتيجة عدم رؤية الفرق الأساسي الجوهري بين النوعين. وكقضية التأمين فكثيراً ما يواجه مجتمعنا المعاصر قضايا محيرة في كثير من الحقول المتعلقة خاصة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وهي في الغالب قضايا متخمة وربما مصيرية، إذ يقع الباحثون والدارسون لها -ومن ثم الممارسون والمتعاملون- في تردد كبير، وحيرة واسعة وتناقض صارخ. ويعود ذلك -حتماً- إلى عدم نضج في المقدرات والخبرات، وندرة -أو عدم وجود الراسخين- في التحصيل العلمي والتطبيقي والشرعي في الحقول العلمية المختلفة.. ولا شك أن قضايا عصرنا الحاضر غدت متطورة بشكل كبير، تتداخل وتتشابك فيها الكثير من العوامل والأبعاد التي تتطلب من الباحث والمؤلف والكاتب أن يكون متخصصاً بارزاً في عدة حقول، ولذلك فإني أنادي -قبل الدخول في طرح منهج هذه الورقة في تحليل قضية التأمين- طلبة العلم والدارسين، بل والمشهورين بالإفتاء الفقهي في جانب المعاملات إلى الأمور التالية:
أولاً: سلوك درب التخصص في مجال معين وفي حقل واحد؛ وذلك نتيجة لما يتطلبه العصر الحاضر من تخصصات دقيقة لمواجهة النقص الواضح في المقدرة على الرسوخ في التخصص الواحد، فضلاً من الجمع بين عدة تخصصات .
ثانياً: إذا تتطلب المجتمع التوجه والتصدي لمناقشة أو دراسة قضايا حيوية ضخمة كالتأمين وكتحديد النسل وعمل المرأة … وغيرها، فإن الطريق الأسلم والأكثر موضوعية وجدوى أن يتم إتمام وتكامل الرؤية عبر المجموعات المختلفة المتعددة، وورش العمل التي تشمل المتخصص الفقيه في القضية والمتخصص المنظر في الحقل والمتخصص والممارس. ومن ثم تخرج الدراسات والبحوث والمقالات أكثر إيجابية، وأعظم فائدة وأقرب إلى الصواب.
وبعد هذا النداء(وريثما تتواجد مثل تلك المجموعات ولجان الدراسات) فإن استخدام المنهج التحليلي في قضية دراسة التأمين التعاوني التجاري في مقابل التأمين التجاري التقليدي -والذي يتطلب الجمع بين التخصص الشرعي والاقتصادي- قد يسهم سريعاً في توضيح الرؤية الاقتصادية الفقهية لسد جزء من الفجوة المتَّسعة بين الفريقين المتباعدين، وهذا ما تصبو إليه هذه المقالة التي تستهل هذا العرض بطرح النتيجة والخلاصة البحثية التالية.
إن العلة الجوهرية في رفض التأمين التجاري والتقليدي يعود إلى علة الغرر التي ترجع إلى أن الشركة طرف مستقل، والعملاء طرف آخر كلاهما يريد الاستفادة والمصلحة من الآخر عبر استخدام نظرية الاحتمالات العشوائية وقوانين الإحصائيات الكبيرة، وهذا شرط كافٍ يجعل هذا التأمين التقليدي التجاري ممنوعاً من الناحية الشرعية، ومع ذلك فإن الشركة التأمينية التجارية التقليدية تتعدى ذلك، إذ لا تكتفي بأن تجعل نفسها مع عملائها (50/50)، والتي يطلق عليها (Zero Sum Game) بل تسعى لجعل الميزان بعد ذلك لصالحها على الدوام. فتصبح 60/50 أو 70/50 أو غير ذلك. فتزيد في الأقساط عن متوسط الاحتمالات العشوائية؛ لتحقق فائضاً مستمراً مؤكداً، وهذا ممنوع محظور آخر تقدم عليه الشركة التأمينية التجارية بفعل قوتها الاحتكارية، وذلك لأنها -بحكم قوتها الانفرادية الكبيرة أمام العملاء الكثيرين المتنافسين- تستطيع الزيادة عليهم، وهذا ما يجعلها مرابية أيضاً؛ لأنها تأخذ على الأموال زيادة مقابل الأجل دون أي مشاركة في الإنتاج، وذلك بعد أن دفعت جميع عوائد عناصر الإنتاج قبل حساب الفائض الربوي..
وبعد بيان علة الغرر المانعة من قبول شركات التأمين التجاري التقليدية نوضح الآن أن هذه العلة منتفية وغير موجودة وغير متوجهة في شركات التأمين التعاونية التجارية، ويعود ذلك إلى أن هذه الشركات ليست أطرافاً (مجموعة المساهمين)، تعمل في مواجهة ومقابلة أطراف أخرى (مجموعة المتعاملين)، بل يمثل كل من هذه الشركات التعاونية التجارية شخصية واحدة، المساهمون فيها هم المتعاملون معها، فمن تعمل لحسابهم وعلى ضمانهم هم أنفسهم الذين تسعى لتحقيق المكاسب التجارية لهم مع الغير، وتحمل تكاليف الأخطار والحوادث التي تخصهم في أحد الحقول المتعلقة بهم، فتكون حقيقة الشركة التأمينية التعاونية جهة واحدة ومؤسسة واحدة وشخصية واحدة . فالمساهمون (الذين هم المتعاملون) عبارة عن خلايا في الوجهين من عملة واحدة، فلا يتوجه القول إذاً إلى أن هناك وجوداً أو مجالاً لنظرية الاحتمالات العشوائية للربح والخسارة مادامت الجهة واحدة، فالشركة التأمينية التجارية التعاونية لها حسابات واحدة وميزانية واحدة، وهي وحدة واحدة تمثل عملاءها المساهمين المتحدين، فما تتحمله هذه الوحدة من مكاسب وإيرادات، أو مغارم ونفقات تعود إلى الجميع وعلى الجميع. فالمساهمون هم المتعاملون، وهم جميعاً المستفيدون والغارمون في حالات انخفاض الحوادث، أو تحقيق المكاسب الرأسمالية أو التجارية، وهم جميعاً الخاسرون والغارمون في حالات ارتفاع الحوادث أو الإخفاق في الأصول الرأسمالية والتجارية، فلهم جميعاً الأصول، وعليهم جميعاً الخصوم.
والتساؤل الذي يُطرح هو: ما الذي جعل هذا الفرق الجوهري والعلة الرئيسية والمحور الفاصل بين النوعين من التأمين (التأمين التجاري التقليدي والتأمين التجاري التعاوني) لا يكاد يأبه به أو يلتفت إليه كلا الفريقين(المؤيد المطلق والرافض المطلق)؟! والجواب عن هذا التساؤل يأتي من عدة زوايا:(6/11)
الزاوية الأولى: عدم الاعتراف بالشخصية القانونية المستقلة للشركات، وعدم اعتبار أن لها ذمة مالية مستقلة.. بل ينظر إليها كثير من المتفقهين وطلبة العلم على أنها (تجمع)، لكنه مع ذلك عبارة عن أشخاص طبعيين مستقلين بعضهم عن بعض، لا تنبثق عنهم شخصية اعتبارية (معنوية) جديدة قائمة بذاتها، بل تنعكس تصرفات الشركة المالية وغير المالية مباشرة على الشخصية والذمة المالية المستقلة، فلا يتولد إذاً من مجموع ذممهم المالية ذمة مالية جديدة مستقلة عن أشخاصهم الطبعيين. لذلك فإن كلاً من الفريقين المتقابلين يفترض تساوي التأمين التعاوني التجاري مع التأمين التجاري التقليدي من حيث القابلية للغرر أو عدمها. فكلا النوعين من الشركات -في نظر الفريقين- عبارة عن مجموعة شركاء يجري بينهم التقابل والمواجهة، إما مع شركائهم أو مع عملائهم، إذ إن كل شريك طرف مستقل في شركته عن شركته، فهو على ذلك إما غانم وإما غارم -في نظر من يرى الغرر فيها- (المانع المطلق)، وإما متاجر منتفع متكسب في نظر من لا يرى الغرر (المؤيد المطلق). لذلك يقوم الفريق (المؤيد المطلق) -لإباحة جميع أنواع التأمين- بسرد جميع أوجه الشبه بين التأمين التجاري والتقليدي، والتامين التجاري التعاوني، ولا يرى فرقاً مؤثراً للقول في اختلاف الحكم بينهما، وفي ذات الوقت يقوم الفريق (الرافض المطلق) لجميع أنواع التأمين التجاري التقليدي والتعاوني بسحب حكم الغررية على كل منها، مادام أنه يرى كل شركة عبارة عن هيئة شركاء يجتمعون لا على أنهم منصهرون في شخصية اعتبارية واحدة، بل على أنهم مجموعة شخصيات مستقلة في ذواتها ومالياتها، (وإن ظهرت في شكل هيئة واحدة) يسعى كل منهم للتبادل المالي والمادي مع الأطراف الآخرين (الشركاء) ، فهو إما غانم أو غارم.
فعدم قبول الشخصية القانونية المستقلة هو السبب الجوهري في عدم رؤية الفرق الجوهري والعلة المؤثرة من قبل (الفريق المؤيد المطلق)، وهو أيضا السبب الرئيس في عدم قبول شركات تأمين تعاونية من قبل (الرافض المطلق)، إلا إذا قامت على التطوُّع البحت الخالص الذي يتخلى فيه المتطوعون عن أموالهم التي يخرجونها كأقساط تبرع لا يعود إليهم شيء منها، فضلاً عن أن يحصل لهم منها أرباح تجارية. وبالتالي فلا ينبغي أن يحقق أي من الشركاء أي مكاسب إلا تغطية حوادثهم، أو حوادث غيرهم من الشركاء في الحقل الذي أرادوا تغطيته.
والخلاصة أنه لو قبل رأي كل من الفريقين هذا المبدأ في الشخصية المعنوية (الاعتبارية) -المستقلة عن الشركاء، وذات الذمة المالية المستقلة عنهم أيضاً، وهو الذي لا يسع الناس إلا قبوله في العصر الحاضر، (وكما أفتى بذلك العديد من المؤتمرات والمجامع الفقهية)- لأصبح الفرق بين التأمين التعاوني التجاري والتأمين التعاوني التقليدي جلياً واضحاً، ولأمكن إقامة شركات التأمين على أسس تجارية تعاونية تتحرك بفعاليات وكفاءة القطاع الخاص، ولا يترتب عليها مفاسد الظلم والغرر والربا الذي تقع فيه شركات التأمين التجارية التقليدية.* أستاذ مشارك قسم الاقتصاد جامعة الملك سعود
===============
التأمين بين المشروع والممنوع
6/11/1423
09/01/2003
الورقة الأولى:التأمين بين المشروع والممنوع
لجنة البحث العلمي في الموقع
الورقة الثانية:التأمين التعاوني الإسلامي
معالي الشيخ/صالح بن عبد الله بن حميد
رئيس مجلس الشورى وخطيب الحرم المكي
الورقة الثالثة:تأملات فقهية..حول موضوع التأمين
د/مسفر بن علي القحطاني
أستاذ الفقه وأصوله /جامعة الملك فهد
الورقة الرابعة: التأمين بين الحلال والحرام
فضيلة الشيخ/عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
التأمين بين المشروع والممنوع
لجنة البحث العلمي في الموقع
بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا يخفى على من لديه معرفة بأوليات الدين الإسلامي اهتمام هذا الدين بالتكافل الاجتماعي ، وحثه على تخفيفه واقعاً عملياً في حياة الناس ، ويتجلى هذا الأمر في الكثير من نصوص الكتاب والسنة ، ومن الواقع العملي الذي عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، فالزكاة ركن من أركان الإسلام رتب عليها الشارع الثواب والعقاب ، وهي تكافل اجتماعي محض ، بل إن الكتاب العزيز قد ذم من منع الناس ما يحتاجون إليه في أمور الحياة الأساسية واعتبر ذلك من صفات النفاق ، فقد قال تعالى في المنافقين : " الذين هم يراءون ويمنعون الماعون " الماعون /6-7 ، والماعون هو ما يحتاج إليه الناس من ضروريات الحياة كالأواني والقدور والمحراث ونحوها ، حسب أعراف الناس ، بل اعتبر من أبرز صفات المنكرين لليوم الآخر عدم الرأفة باليتيم وعدم إطعام المسكين والحض على إطعامه : " أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين "الماعون / 1-3 ، والسنة مليئة بالأدلة على ذلك ففي الحديث : " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من بات شبعان وجاره جائع " وحديث : " ... أطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام " وواقع الصحابة العملي خير دليل على ذلك والسيرة طافحة ببيان ذلك فتآخي الأنصار مع المهاجرين وإشراكهم في أموالهم و تمليكهم وتزويجهم وغير ذلك ظاهر ومتواتر في السيرة العطرة للجيل النبوي القدوة.
ومن مظاهر التكافل الاجتماعي توزيع الأخطار وتفتيتها على من أصيب بخطر لا قدرة له على دفعه ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح ، وكذا جعل دية الخطأ وشبه العمد على العاقلة وهم عصبة القاتل خطأ ، والتكافل الاجتماعي في الإسلام لا يحتاج إلى مزيد بحث واستدلال فأمره ظاهر ولا ينكره إلا جاهل أو مكابر ،وهذا التكافل الإسلامي يقوم على مبدأ الإحسان المحض وحب الخير للآخرين مانعاً طرق الاستغلال لهذا الإحسان وامتصاص أموال الآخرين باسمه ، فقد أرشد الكتاب الكريم إلى ذلك بقوله : " ولا تمنن تستكثر " ، أي لا تحسن إلى غيرك منتظراً منه المقابل والمزيد .
ومنع الاتجار بذلك ( فكل قرض جر نفعاً فهو رباً ) ، كما منع اشتراط الانتفاع بالرهن.
وهذه وغيرها تدل على أن مبنى التكافل الاجتماعي في الإسلام على الإحسان والإرفاق وطهارة النفس وتزكيتها لا على الجشع واستغلال حاجات الآخرين واستثمارها ، والتأمين إما أن يكون من التكافل المشروع المبني على الإحسان والإرفاق وزكاة النفس وطهارتها, وإما أن يكون من باب استغلال حاجات الآخرين واستثمارها ، وهو ما نهى عنه الشارع وجعله سحتاً يأخذه المرء بغير حق ، والتكافل الاجتماعي وتوزيع الأخطار ومساعدة الضعفاء من الأهداف الأساسية التي يسعى التأمين إلى تحقيقها ، لكن مما ينبغي التنبيه إليه أن يدرك المستفيد من التأمين أنه بأهدافه المشار إليها إما أن يتحقق بصورة مشروعة بحيث تكون الأهداف صحيحة والوسيلة إليها صحيحة ، وإما أن يتحقق بصورة غير مشروعة, بحيث تكون الأهداف صحيحة والوسيلة إليه محرمة. لأن التأمين في جملته نوعان : تأمين تجاري ، وتأمين تعاوني .
فما هو التأمين التجاري وما هو التأمين التعاوني ؟ وما الجائز منهما وما الممنوع ؟ هذا ما سنحاول إيضاحه في هذا البحث ليكون المرء على بينة من أمره ,فلا يلتبس عليه الممنوع بالمشروع, لا سيما في وقت قل فيه المتورعون فصاروا يطلقون اسم المشروع على الممنوع مستخدمين أساليب عامة وألفاظاً محتملة, ليضللوا بذلك على عامة الناس .
تمهيد :(6/12)
التأمين بمعناه الحقيقي المتعارف عليه عقد حديث النشأة في العالم, فهو لم يظهر إلا في القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا حيث وجد بعض الأشخاص الذين يتعهدون بتحمل جميع الأخطار البحرية التي تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين ( التأمين البحري ) ، ثم ظهر بعده التأمين من الحريق ، ثم التأمين على الحياة ،ثم انتشر بعد ذلك وتنوع حتى شمل جميع نواحي الحياة.
تعريف التأمين :لغة:
التأمين : من مادة أمن يأمن أمناً ، إذا وثق وركن إليه ، وأمّنه إذا جعله في الأمن فكان بذلك آمناً ، يقال أمّن على ماله عند فلان تأميناً أي جعله في ضمانه ، وهو ضد الخوف قال الله تعالى : ( وآمنهم من خوف )سورة قريش /4 .
واصطلاحاً :
نظام التأمين , وفقاً لنظريته العامة في نظر الاقتصاد هو : نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة ، غايته التعاون على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بوساطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية قائمة على أسس وقواعد إحصائية .
وينقسم التأمين من حيث الشكل إلى قسمين :
التأمين التجاري ويسمى : ذا القسط الثابت : وهو عقد بين طرفين أحدهما يسمى المؤمِّن - بكسر الميم المشددة - والثاني المؤمَّن له - بفتح الميم المشددة- أو المستأمِن ، يلتزم فيه المؤمِّن بأن يؤدي إلى المؤمَّن لمصلحته مبلغاً من المال ، أو إيراداً مرتباً ، أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث ، أو تحقق خطر مبيّن في العقد ، وذلك في مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له إلى المؤمِّن .
وهذا النوع من التأمين ( التجاري ) محرم ولا يجوز، وسبب تحريمه أنه لا يخلو من:
أولاً- الربا: لأن ما تدفعه الشركة من تعويض للعميل الذي وقع عليه الضرر قد يكون أقل أو أكثر من الأقساط التي دفعها العميل للشركة، وقد يكون مساوياً لها وهذا نادر ، كما أن الشركة يكون دفعها متأخراً عن القسط المدفوع لها، فإن كان التعويض أكثر من الأقساط أو أقل كان فيه ربا الفضل والنسيئة ، وإن كان مساوياً ففيه ربا النسيئة وكلاهما حرام .
ثانياً - الغرر: وهو عنصر لازم لعقد التأمين, لأن التأمين لا يكون إلا من حادث مستقبل غير محقق الوقوع ، أو غير معروف وقوعه .
ثم إن الغرر في التأمين كثير وليس بيسير أو متوسط, لأن من أركان التأمين الخطر ، وهو حادث محتمل لا يتوقف على إرادة العاقدين ، والمؤمن له لا يستطيع معرفة ما يأخذ ويعطي وقت العقد .
ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضاً على الجهالة, والجهالة في البدلين ظاهرة في التأمين, وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد ( المؤمِّن والمستأمِن ) للآخر، وهو قابل للكثرة والقلة، وكل هذا يجعل الجهالة فاحشة كثيرة تؤدي إلى إبطال العقد.
فائدة:
الغرر المؤثر في العقود: كونه في عقد المعاوضة، وكونه كثيراً، وكون المعقود عليه أصالة، وألا تدعو إلى العقد الحاجة المتعينة, عامة أو خاصة. والتأمين التجاري عقد معاوضة والغرر فيه كثير، والمعقود عليه أصالة، ولا تدعو إليه الحاجة المتعينة لأنه يمكن الاستغناء عنه بالتأمين التعاوني.
ثالثاً - ومن أسباب التحريم اشتماله على القمار, لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل، أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمِن قد يدفع قسطاً من التأمين، ثم يقع الحادث، فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، فيغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) سورة المائدة / 90-91
رابعاً - أخذ مال الغير بلا مقابل، وأخذ المال بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم، لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) سورة النساء / 29
خامساً - لما فيه من الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه ، ولم يتسبب في حدوثه ، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمِن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له ، والمؤمن لم يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً .
ولهذه الأسباب وغيرها قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع ، كما قرر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بالقرار رقم (51) وتاريخ 4/4/1397هـ ، تحريم هذا النوع من التأمين ، وجواز التأمين التعاوني .
التأمين التعاونيإن المتأمل في أكثر بلاد المسلمين لا يرى أثراً لوجود بيت مال المسلمين، أو أنه موجود ولكنه لا يقوم بواجبه في مجال التأمين ، فماذا يفعل المسلم ؟ وهل يظل يعيش تحت ضغط الخوف من كل مفاجأة ؟ وهل كتب على المسلم إذا أراد أن يكون ملتزما بالإسلام أن يظل في قلق دائم حتى إذا حلت به مصيبة لم يستطع التغلب عليها وعاش في ضيق شديد ، وربما شغلته عن عبادته فضلاً عن واجباته الإسلامية الأخرى ..
فهل يتحمل المسلم سيئات عدم تطبيق النظم الإسلامية في كل شؤون الحياة..؟ لا نريد الاستطراد, ولكننا نريد أن نتحدث في هذا المجال عن التأمين التعاوني ليس باعتباره حلاً بديلاً مؤقتا يمكن أن يلجأ إليه المسلمون ، ولكن أيضاً باعتباره وسيلة من وسائل تنظيم التكافل الإسلامي على أسس تتوافق تماماً مع الأسس الشرعية للتكافل والتعاون.
فما هو التأمين التعاوني؟يقوم هذا النوع على فكرة التعاون بين مجموعة من الأفراد يكوّنون جمعية ما ، حيث يتحملون جميعاً مخاطر الكوارث والتعويض عنها ، عن طريق توزيع ذلك التعويض بينهم بما يخفف من آثاره وعبئه على الفرد ، وبمعنى آخر هو اتحاد يقوم بموجبه المؤمن لهم أنفسهم بالتعهد بدفع اشتراكات دورية وفق جدول متفق عليه لتغطية الخسائر التي يتعرض لها بعضهم في حالات معينة محتمل حدوثها في المستقبل , ويكون هذا على سبيل التبرر والتبرع .
فقد يقوم أهل حرفة واحدة أو أهل نمط واحد من أنماط العيش كأصحاب السيارات الخاصة مثلاً ، أو أصحاب السيارات الأجرة أو أهل النقابة حيث تضمن هذه الفئة أو هذه النقابة درء الخطر النازل على أحد المشتركين فيها .
ومعنى ذلك أن يكون المستأمن هو في الوقت نفسه مؤمِّن بالميم المشددة المكسورة, فهو يؤمن غيره ونفسه، وغيره يصنع صنيعه ، ولذلك سمي بالتأمين التبادلي التعاوني ، ويكون جميع المشتركين هم أصحاب الجمعية، أو الاتحاد، أو الشركة فيحافظ كل منهم عليها ، ويعمل على تقويتها ، وقد يتبرع الرجل بعمله في تنظيم الدفاتر وقيد الحسابات ، وهذا المناخ يمنع التحايل للابتزاز وأخذ مال غير مستحق, كما يحصل في شركات التأمين التجاري .
ويمكن أن يقوم هذا التأمين في كل موقع عمل أو تجمع بين الزراع ، أو بين مالكي المصانع، أو بين العمال، أو التجار، أو أصحاب العقارات وهكذا ،بحيث يؤلف كل جماعة فيما بينهم اتحاداً يؤمنهم تأميناً شاملاً ، حسب النظام الذي يرتضونه .
هل لهذا النوع من التأمين أصل شرعي؟(6/13)
ج /التأمين بصورته التي نتحدث عنها أسلوب جديد في التعاون,قد يُستأنس له بما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الأشعريين إذا أرملوا – أي نفد زادهم- في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسوية, فهم مني وأنا منهم)
ويمكن أن تقتصر جمعيات أو اتحادات التأمين التبادلي على جمع الأقساط وسداد التعويضات ، ويمكن استثمار المال المجمع في عمليات مشروعة مربحة وهذا الربح يمكن أن يمد رواقه على جوانب شتى تحتاج إلى التأمين ، فيغني غناء كاملاً عن التعامل مع شركات التأمين التجاري (1).
وبناءً على ما سبق يمكن تأسيس شركة مساهمة ، أو محدودة المسؤولية ، ويفضل أن يكون البنك الإسلامي من مؤسسيها ، يكون غرضها مزاولة أعمال التأمين التعاوني وإعادة التأمين ، وللشركة أن تستثمر فائض رأسمالها وأموالها في المشروعات التجارية أو الصناعية أو الزراعية بأي طريق مشروع كالمضاربة مثلاً .
ويسير نشاط الشركة في خطين متوازيين ، هما :
1-القيام بأعمال التأمين ، اعتماداً على أقساط التأمين المحصلة . ومنها تدفع التعويضات .
2-استثمار فائض الأموال ، في أوجه الاستثمار الجائزة شرعاً .
ولما كان فائض الأموال،قد ينسحب إلى زيادة الأقساط المحصلة عن التعويضات المدفوعة واحتياطي العمليات السارية ، فإن الأرباح الناشئة عن الاستثمار يجب أن تعود إلى المساهمين وإلى المؤمنين ، كل بقدر مساهمة أمواله في الاستثمار .
ونظراً لأن مصروفات الإدارة تكون مشتركة – أي غير مفروزة – بين ما يتعلق بالمساهمين وما يتعلق بالمؤمنين ، سواء في النشاط الاستثماري أو خدمات التأمين فيتعين النص في القانون النظامي للشركة على ما يلي:-
1-الأساس الذي يتبع في توزيع الاستثمار بين فريقي المساهمين والمؤمنين .
2-قواعد تقسيم المصروفات المشتركة ، أو تركها لمجلس الإدارة في ختام السنة المالية .
3-كيفية التصرف في صافي الفائض الذي يخص المؤمنين . إما بتوزيع جزء عليهم وعمل احتياطي خاص بهم بالباقي ، أو تحويله كله إلى ذلك الاحتياطي ، وذلك على هدى ما تقرره الجمعية العمومية ووفق نسب أقساط التأمين التي دفعوها .
4-كيفية التصرف في صافي الفائض الذي يخص المساهمين ، على أن التوزيع بينهم على حسب عدد الأسهم التي يتملكها كل مساهم من رأس المال (2) .
متى يكون التأمين التعاوني شرعيا؟
تقدم أن التامين التعاوني بديل شرعي عن التأمين التجاري، ولكن الأمر التبس على الناس حتى أصبح إضافة اسم التعاوني إلى شركات التأمين التجاري يعني شرعيتها أمام المساهمين ، وحقيقة الأمر ليس كذلك، فهناك ضوابط للتأمين التعاوني في حال اختلالها يفقد التأمين صفة التعاونية الشرعية ومصداقيته , كما أن هناك فروقاً بين التأمين التعاوني والتجاري .
1- ضوابط التأمين التعاوني :
أ- لابد أن يكون المقصود من التأمين التعاوني التبرع لا الاتجار والربح, وذلك أن النية تفرق بين معاملتين صورتهما واحدة فتكون إحداهما مشروعة والأخرى ممنوعة , ومثال ذلك تحريم مبادلة نقد بنقد إلا تقابضاً ولا يجوز التأخير، وإلا كان ربا, بخلاف القرض فإنه مبادلة نقد بنقد مع التأخير , وإنما جازت الصورة الأخيرة لأن النية فيها الإرفاق، بينما الأولى النية فيها المعاوضة، ففرقت النية بين معاملتين صورتهما واحدة
ب- أن يكون المساهمون شركاء حقيقيين في شركة التأمين التعاوني، فيعود عليهم الربح والخسارة، وإلا عادت الصورة إلى التأمين التجاري .
ج – أن يكون القيام بأعمال التأمين اعتماداً على أقساط التأمين المحصلة ,وريع استثماراتها ومنها تدفع التعويضات .
د – أن يكون استثمار أموال الشركة التعاونية في أمور مشروعة خالية من الربا أو المعاملات المحرمة.
الفروق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني
التأمين التجاري
…التأمين التعاوني
1) المقصود منه الاسترباح والاستغلال وابتزاز الأموال، فالفكرة الاسترباحية هي الأساس ، فالتأمين التجاري إذن من عقود المعاوضات المالية . …1) المقصود منه التبرع، وتفتيت الخطر ، وتخفيف الخسائر ، فهو من عقود التبرعات المبنية على التعاون والتسامح ، ولا يستهدف تحقيق الأرباح .
2) بما أن التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية فإن:
الغرر والجهالة عنصران لازمان لعقد التأمين التجاري يؤثران فيه تأثيرهما في عقود المعاوضات ، وإنما يغتفر اليسير منهما إلا أنهما في هذا النوع من التأمين يصلان إلى إبطال العقد لكثرتهما وفحشهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع الغرر، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. …2) بما أن التأمين التعاوني من عقود التبرعات فلا يؤثر فيه الغرر والجهالة.
3) الفائض من التزامات صندوق التأمين التجاري يعتبر ربحاً لشركة التأمين التجارية ، وكذلك في حال عدم حصول الخطر . …3) الفائض من التزامات صندوق التأمين التعاوني يعود إلى المشتركين كل بحسب نسبة اشتراكه .
4) في حال وجود عجز في الصندوق يعتبر خسارة على شركة التأمين التجارية وعليها الالتزام بتغطية هذا العجز من رأسمالها أو من احتياطاتها حيث تعتبر هذه الخسارة ديناً على الشركة .…4) في حال وجود عجز يتعين
على المشتركين سداده كلٌ بقدر نسبة اشتراكه .
5) لشركة التأمين التجارية رأس مال تضع القوانين حداً أدنى له غير ما يدفعه المساهمون.…
5) رأس مالها هو اشتراكات الأعضاء.
6) يكون في الشركة التجارية مساهمون يتقاضون أرباحاً على أسهمهم ويكونون هم المؤمِّنين والعملاء هم المؤمَّن لهم. …6) ليس فيها مساهمون فأعضاؤها يمثلون، ( المؤمِّن _ والمؤمَّن لهم ) في نفس الوقت .
إشكالات ترد على التأمين التعاوني في صورته الحالية :
الإشكال الأول: من المعلوم ان المساهم في التأمين التعاوني متبرع فكيف يعود عليه ما تبرع به إذا وقع الخطر ؟
والجواب _ أن المتبرع إذا تبرع لجماعة وصفت بصفة معينة فإنه يدخل في الاستحقاق مع هذه الجماعة إذا توافرت فيه هذه الصفة, كمن تبرع لطلاب العلم فإنه يستحق نصيباً في هذا التبرع إذا طلب العلم ومن تصدق أو وقف على فقراء مكة دخل فيهم واستحق معهم إذا صار فقيراً وعلى ذلك فتبادل القسط أو الاشتراك في هذه الجمعيات لا يعارض مبدأ التبرع.
الإشكال الثاني: يوجد غرر في التأمين التعاوني حيث إن المساهمين لا يعلمون مقدار ما قد يعود عليهم من النفع عند وقوع الخطر ؟
والجواب _ لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بمقدار ما يعود عليهم من النفع, لأنهم متبرعون, فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة, لأن المتبرع أصلاً لا ينتظر عوضاً على تبرعه فتزول هذه الإشكالية.
الإشكال الثالث: كيف نقول إن المساهم في التأمين التعاوني متبرع مع:
أ) عدم تمكنه من العدول بما تبرع به.
ب) إلزامه بسداد ما عجز الصندوق عن الوفاء به.
والجواب : أنه لا إشكال فيهما لأن المتبرع التزم ابتداء بالتبرع, وسداد العجز الذي قد يحصل, فيلزمه الوفاء بذلك ، وهذا أصل معمول به شرعاً أصله النذر والوفاء بالوعد في التبرعات ، ومن مكارم الأخلاق ما هو لازم(3)(6/14)
كما أن نظير هذا التزام الإنسان بجبر الضرر الذي يقع على غيره من باب المواساة ، فإن لحقه ضرر بعدم معرفة القدر الذي قد يلزمه فإن ما يلحقه من الضرر يلحق الجميع ، والضرر في هذه الحالة متوقع أو قليل يحتمل في دفع الضرر عن الغير, وهذا ليس فيه محذور شرعي من أجل المصلحة العامة (4). كما أننا يمكننا الخروج من الالتزام بسداد العجز بما يلي :
أ) أن يعطى المتضرر المال الموجود في الصندوق ، وفي حالة عجز الصندوق عن الوفاء لا يلتزم المشتركون بتكميل هذا العجز وإنما يتحمله المتضرر .
ب) في حالة الالتزام بسداد العجز تجعل الشركة سقفاً محدداً لجبر العجز الذي قد يلحق بالصندوق مقابل ضرر ما ، حتى لا يكون الضرر كبيراً على المشتركين ، فيكون المشتركون قد دخلوا ابتداء على علم بالقدر الذي قد يلزمهم حال عجز الصندوق عن تعويض الضرر ، فكان القدر المحدد لسداد العجز معلوماً وكأنه جزء من الاشتراك ابتداء .
كما أن على الشركة تقدير هذه الأمور حسب ما عندها من الأموال وما تتوقعه من الأضرار التي قد تلحق بالمشتركين بحيث لا تحتاج إلى استدعاء أموال زائدة على الاشتراكات .
مسألة: التأمين الإلزامي
إذا قررت الدولة إلزام الناس على التأمين في مجال من المجالات فما هو موقف المسلم ؟
الجواب: إذا قررت الدولة إلزام الناس على التأمين في مجال من المجالات فهي حالة ضرورة مشروعة، إلا إذا كان يستطيع التهرب من التعامل في ذلك المجال فليتهرب ما لم يلحقه عنت أو مشقة.
مسألة: في حالة دخول الإنسان في التأمين الإلزامي الذي فرضته الدولة ، هل يحل له أخذ التعويض من شركة التأمين إذا لحقه ضرر يوجب دفع التعويض له من قبل شركة التأمين ؟
الجواب : اختلف العلماء في جواز أخذ التعويض على قولين :
*
من العلماء من يقول: لا يجوز له أخذ التعويض إلا بقدر الأقساط التي دفعها لشركة التأمين فقط, لأن ما أخذ من الإنسان ظلماً يجوز له استرداده فهو حق له متى وجد إلى ذلك سبيلا ولا يزيد على ما هو حق له
*
ومن العلماء من يقول: إن للإنسان أخذ التعويض كاملاً ولو زاد على ما أخذ منه, وعللوا ذلك بأن ما تأخذه شركات التأمين من مجموع الناس تأخذه ظلماً، ولا يعود إلى أصحابه. فإما أن يأخذ الشخص التعويض أو تستأثر به شركات التأمين ظلماً فيكون من باب: هو لك أو لأخيك أو للذئب.وهذا فيما اذا كان التأمين الإلزامي تجارياً , أما اذا كان التأمين الإلزامي تعاونياً فلابأس أن يأخذ زيادة على ما دفع من الأقساط لأنه مباح في حال الاختيار فعند الإلزام من باب أولى.
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(1)- انظر المجموع ج 13 / ص 281 وما بعدها
(2) - انظر المعاملات المالية المعاصرة للشيخ علي السالوس ص 383
(3) - انظر الموافقات5/246
(4) - انظر الموافقات 3/64-65 .
=============
التأمين بين الحلال والحرام
فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع عضو هيئة كبار العلماء 19/11/1423
22/01/2003
الحمد لله رب العالمين مفهم سليمان ومعلم إبراهيم ، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ، اللهم صلّ وسلم على سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإن التأمين على الأموال والمنافع وغيرها وسيلةٌ من وسائل حفظ المال ورعايته والتعويض عنه في حال تلفه أو ضياعه ، والحديث عن التأمين من هذا المنطلق والتصور يقتضي التمهيدَ له بما يعطي العلم عن مفهوم الإسلام للمال ونظرته إليه من حيث قيمتُه، والحفاظ عليه وتحصيله . وهل هو وسيلة أو غاية ؟ ومن حيث توجيه الإسلام إلى الأخذ بأسباب إثباته والضمانات الكافية لأدائه وتنظيم الإجراءات لمنع تكاثره في أيدي قلة من الناس ، وذلك بسَنِّ التشريعات الإلهية لتوزيع الثروات بين مستحقيها ولينتفع بالمال مجموعةٌ من المحتاجين إليه من المسلمين .
التأمين:
التأمين في اللغة من مادة أمِن يأمَن أمناً إذا وثق وركن إليه وأمَّنه إذا جعله في الأمن فكان بذلك آمناً وفي المنجد: يقال أمّن على ماله عند فلان تأميناً أي جعله في ضمانه.
وأما في الاصطلاح : فقد اختلفت تعريفاته لدى الباحثين إلا أن الاختلاف في الغالب اختلافٌ لفظي ، ولعل أقرب تعريف إلى الجمع والمنع والشمول هو :
أنه عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي للمؤمَنِ له أو من يعينه مستفيداً مبلغاً من المال أو إيراداً دورياً أو تعويضاً عن ضرر إثر حادث مُغطى ضرره في العقد وذلك نظير قسط مالي يؤديه المؤَمَّن له للمؤمِن بصفة دورية أو دفعةً واحدة .
والتأمين من المسائل المستجدة حيث لم يكن لفقهائنا السابقين ذكرٌ له لعدم وجوده في عصورهم . ويذكر أن أول من ذكره من الفقهاء ابن عابدين رحمه الله .
التأمين التعاوني ومستندُ القول بجوازه لدى القائلين به
لا شك أن التأمين التعاوني يعتمد في إجرائه - وترتيب أحكامه على ذلك الإجراء - على ما يعتمد عليه التأمين التجاري من إجراءات حيث إن التأمين مطلقاً يعتمد على خمس ركائز هي :المؤمن ، المؤمنُ له ، محلُ التأمين ، القسطُ التأميني ، التعويضُ في حال الاقتضاء .
حجة القائلين بالتفريق بين التأمين التجاري والتعاوني
1- أن التأمين التعاوني يختلف عن التأمين التجاري في أن الفائض من التزامات صندوق التأمين التعاوني يعود إلى المشتركين فيه كل بحسب نسبة اشتراكه ، وهذا أثر من آثار وصف هذا النوع من التأمين بالتعاوني . فهو تعاون بين المشتركين فيه على الصدوع وجبر المصائب وما زاد عن ذلك رجع إليهم وما ظهر من عجز تعيّن عليهم سداده من أموالهم كل بقدر نسبة اشتراكه .
وأما التأمين التجاري فليس فيه هذا التوجه حيث يعتبر الفائض في صندوقه ربحاً لشركة التأمين التجارية ، وفي حال وجود عجزٍ في هذا الصندوق فيعتبر خسارةً على شركة التأمين التجارية الالتزامُ بتغطية هذا العجز من رأسمال الشركة أو من احتياطياتها حيث تعتبر هذه الخسارة ديناً على الشركة.
ويجاب عن هذا: أن دعوى اختلاف التأمين التعاوني عن التأمين التجاري في موضوع الفائض دعوى غيرُ صحيحة فالفائض ُ في القسمين ربحٌ والعجز في صندوق كل منهما خسارة .
وبهذا يتضح أن التأمينَ التعاوني يتفق مع التأمين التجاري من حيث الإجراء التطبيقي في جميع المراحل التنفيذية وفي العناصر الأساسية وليس بينهما اختلاف يقتضي التفريقَ بينهما في الحكم إباحةً وتحريماً ، فكلا القسمين يشتمل على خمسة شروط هي : المؤمن والمؤمن له ومحل التأمين والقسط التأميني والتعويض في حال الاقتضاء . وأن الإلزامَ والالتزام فيهما يتم بإبرام عقد بين الطرفين - المؤمَّن والمؤمن له - يكون في العقد بيانُ أحوال التغطية ومقاديرها والالتزام بها بغض النظر عن ربح أو خسارة.(6/15)
2- أن التأمين التجاري يشتمل على الربا والغرر الفاحش والقمار والجهالة ، وأن التأمين التعاوني يخلو من ذلك حيث إنه ضربٌ من التعاون المشروع فهو تعاون على البر والتقوى وأن القسط التأميني يدفعه المؤمَّنُ له للمؤمن على سبيل التبرع وأن التعويضَ في حال الاقتضاء يدفع من صندوق المشتركين وأنهم بحكم تعاونهم ملتزمون بالتعويضات سواءٌ وُجِد في الصندوق ما يفي بسدادها أم حصل في الصندوق عجز عن السداد فهم ملزمون بتغطيته من أموالهم كل بنسبة اشتراكه ، وإذا وجد في الصندوق فائض تعيّن إرجاعه إليهم بخلاف التأمين التجاري فما في الصندوق فائض يعتبر ربحاً لشركة التأمين التجارية فهي شركة ربحية قائمةٌ على المتاجرة وطلب الربح لا على التعاون . كما قيل بان التأمين التجاري مبني على الربا والقمار والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل بخلاف التأمين التعاوني فهو مبني على التبرع والتعاون المطلوب شرعاً وعلى المسامحة وانتفاءِ عنصر المعاوضة.
مناقشة هذا القول:
هذا التوجيه لتسويغ القول بجواز التأمين التعاوني وحرمة التأمين التجاري تحتاج مناقشته إلى وقفات حتى يتضح لنا وجه قبول هذا التوجيه أو رده:
الوقفة الأولى:فيما يتعلق بدعوى التعاون المحمود في التأمين التعاوني وانتفائه عن التأمين التجاري.
القول بأن التعاون المحمود والمشروع في التأمين التعاوني مقصودٌ عند الدخول من قبل المشتركين قول غير صحيح فليس لواحد من المشتركين فيه قصدُ تعاون بينه وبين إخوانه المشتركين بل إن الغالب لا يعرفهم أو أنه يجهل أكثرهم ، ولكن هذا التعاون تم بغير قصد كالحال بالنسبة للمشتركين في التأمين التجاري ، ولا شك أن التأمين بصفة عامة يحصل منه تعاون غير مقصود من المشتركين فيه كما يحصل ذلك في جميع الأعمال المهنية ومن جميع العاملين فيها . فرغيف الخبر مثلاً لا يصل إلى يد آكله حتى يمر بمجموعة من مراحل إعداده- زراعة وحصاداً وتنقية وطحنا وعجناً وخبراً - دون أن يكون لعمال كل مرحة قصدٌ في التعاون مع الآخرين على إعداد هذا الرغيف . فهذا نوع من التعاون فهل هو تعاون مقصود أم هو تعاون تم بحكم بواعثه ونتائجه والحاجة إليه . وهذا يعني أن التأمين بقسميه تم بطريق تعاوني غير مقصود كالحكم في تأمين الحاجات البشرية بين مجموعة من الأفراد على سبيل المراحل التنفيذية من غير قصد تعاون في تحصيلها .
ولا أظن أحداً يدعي التفريق بين مشترك في التأمين التعاوني ومشترك في التأمين التجاري فيقول : بان المشترك في التأمين التعاوني يقصد التعاون على البر والتقوى محتسباً الأجر في ذلك عند الله بخلاف المشترك في التأمين التجاري فليس له قصد في التعاون . لا شك أن القول بذلك دعوى موغلةٌ في الوهم وعدم الانفكاك عما يكذبها من حيث الحسُّ والعقل . بهذا يظهر أن وصف التأمين التعاوني بالتعاون المقصود قولٌ لا حقيقة له وأن الصحيح أنه تعاون غير مقصود كالتعاون التجاري فبطل القول بذلك كفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني .
الوقفة الثانية:مع القول بأن القسط التأميني في التأمين التعاوني تم تقديمه من قبل المؤمن له على سبيل التبرع.
هذا القول قرين لدعوى التعاون المقصود والذي تبين بطلانُه . فمن خصائص التبرع أن المتبرعَ له حقُّ العدول عن التبرع بكامل ما يتبرع به أو بجزئه فما على المحسنين من سبيل ،كما أن له حقَّ الامتناع عن الاستمرار بما وعد به من تبرع بالأقساط أو بالمشاركة في سد عجز الصندوق . فهل يقبل من المشترك في التأمين التعاوني هذا الحكم على اعتبار أن مشاركته كانت على سبيل التبرع ؟ أم أن امتناعه عن الاستمرار في دفع الأقساط أو الامتناع عن المشاركة في تغطية عجز الصندوق يسقط حقَّه في التعويض وفي المطالبة بما مضى منه دفعه ويعطي القائمين على إدارة التأمين التعاوني حقَّ فسخ العقد معه؟
إن الإجابة على هذا التساؤل من باحثٍ عن الحقيقة يبطل القول بدعوى التبرع ويلزم بالقول بأن المؤمن والمؤمن له تعاقدُ معاوضةٍ توجب الإلزام كالحال بالنسبة للتأمين التجاري ؛ وأن القول بالتبرع بدون أن تثبت له أحكامه ضربٌ من الوهم والخيال.
الوقفة الثالثة:
مع القول بان توزيع الفائض في الصندوق بعد دفع المستحقات عليه يخرج التأمينَ التعاوني من أن يكون طريقاً من طرق المتاجرة وطلب الربح.
وجه الوقوف مع هذا القول من جانبين :
أحدهما : أن طلب الربح والأخذ بأحوال وأنواع التجارة ليس أمراً محرماً أو مكروهاً حتى يُعَدَّ ذلك من مسوغات القول بتحريم التأمين التجاري لكونه يستهدف ذلك . والقول بإباحة التأمين التعاوني لانتفاء الربح فالضربُ في الأسواق والسعي في طلب الرزق والربح أمر مشروع.
الجانب الآخر: يتلخص في أن التأمين التعاوني في واقعة شركةُ تأمين مكونة من مشتركين أعضاءً فيها . فكل مشترك يحمل في الشركة صفتين ، صفة المؤمن باعتباره باشتراكه فيها عضواً له حقُّ في الفائض بقدر نسبة اشتراكه وعليه الالتزامُ والمشاركة في سداد عجز صندوق الشركة عن الالتزام بالتعويضات بنسبة مشاركته . وله صفة المؤمن له باعتباره باشتراكه أحد عملاء الشركة ملتزماً بدفع قسط التأمين وتلتزم الشركة له بدفع تعويضه عما يلحقه من ضرر مغطى بموجب عقده مع الشركة . وبهذا ينتفي وجه التفريق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري فكلاها شركة تأمين تتفق إحداهما مع الأخرى في جميع خصائص التأمين من حيث عناصره ومن حيث الإلزامُ والصفة القانونية لكلا القسمين . فشركة التأمين التجارية شركة قائمة على الإلزام والحقوق والواجبات وكذلك الأمر بالنسبة لشركة التأمين التعاونية فهي شركة قائمة على الإلزام والالتزام والحقوق والواجبات . ومعلوم أن لكل شركة من الشركتين إدارةُ مسؤولةً عن الجانب التنفيذي لأعمال كل شركة سواء أكانت هذه الإدارة من أهل الشركة نفسها أم كانت إدارة أجنبية مستأجرة للإدارة.,كما أن شركة التأمين التجارية ملزمةٌ بدفع التعويضات المستحقة عليها للمشتركين عند الاقتضاء والوجوب سواء أكانت الشركة رابحة أم خاسرة فكذلك الأمر بالنسبة لشركات التأمين التعاونية فهي ملزمة كذلك بدفع التعويضات المستحقة عليها للمشتركين عند الاقتضاء والوجوب وإذا كان صندوق الشركة فيه عجزٌ يحول دون كامل التزاماته أو بعضها تعين الرجوعُ إلى المشتركين فيها لسد عجز الصندوق ، حتى يكون قادراً على الوفاء بتغطية كامل التزاماته حيث إنهم أصحاب الشركة وملاكها فيجب على كل واحد منهم أن يسهم في تغطية العجز كل بقدر نسبة اشتراكه فهيا.
وقد جاء النص على ذلك في الأنظمة الأساسية لشركات التأمين التعاونية وصدرت قراراتُ وفتاوى الهيئات الشرعية الرقابية بذلك ، كما صدرت قرارات مجموعة من المجالس والمجامع الفقهية والندوات العلمية بإلزام المشتركين في شركات التأمين التعاونية بسد عجز صناديقها . وهذا مما تزول به الحواجزُ المفتعلة بين شركات التأمين التجارية وشركات التأمين التعاونية.
الوقفة الرابعة: مع القول بان التأمين التجاري يشتمل على الربا والقمار والغرر والجهالة وان التأمين التعاوني لا يشتمل على ذلك وإنما هو ضرب من ضروب التعاون والتسامح والتبرعات.
مناقشة هذا القول:(6/16)
على افتراض بأن التأمين التجاري ينطوي على الربا والقمار والغرر والجهالة فإن التأمين التعاوني يصب في نفس هذا الحوض مع التأمين التجاري . فأهل هذا القول يقولون عن التأمين التجاري بأن المؤمَن له يدفع أقساطاً تأمينية هي أقل بكثير مما قد يُدفع له تعويضاً في حال الاقتضاء . وليس تقابض العوضين في مجلس واحد وإنما أحد العوضين يُستلم قبل تسلم العوض الآخر إن كان بوقت طويل ، وهذا هو عين الربا بقسميه ربا الفضل وربا النسيئة . ويمكن أن يقال في بلة هذا القول : بأن التأمين التعاوني يسلك هذا المسلك حذو القذة بالقذة ومن فرق بينهما بدعوى التبرع أو التعاون فتفريقه مردود عليه بما سبق . والقول بأن التأمين التجاري يشتمل على القمار حيث إن القمار يعتمد على غرم محقق وغنم محتمل حيث إن المشترك يدفع أقساط اشتراكه قطعاً ولا يدفع له التعويض عن الضرر إلا في حال وقوعه . ووقوع الضرر محتملٌ فقد يقع فيُدفع له مبلغ يفوق ما سبق منه دفعه وقد لا يقع الضرر فتضيع مبالغُه التي دفعها في شكل أقساط ،وهذا هو القمار – غرم محقق وغنم محتمل – ويمكن أن يناقش هذا القول بأن التعاوني يتفق مع التأمين التجاري في هذا التصور . فالمشترك في التأمين التعاوني يلتزم بدفع أقساط التأمين بكل حال وقد ينتهي عقد التأمين معه دون أن يقع عليه ما يقتضي التعويض ، فاتفق مع التأمين التجاري في دعوى اشتماله على القمار – غرم محقق وغنم محتمل – والقول بأن التأمين التجاري يشتمل على الغرر الفاحش حيث إن المؤمن له لا يدري هل ينتهي عقده دون أن يقع عليه ما يوجب التعويض فما مقداره ؟ فهذا عين الغرر . ويمكن أن يناقش هذا القول بأن التأمين التعاوني يتفق مع هذا التصور ، ويسير بهذا مع التأمين التجاري جنبا إلى جنب . ولا يدفع هذا دعوى أن التأمين التعاوني مبني على التبرع والتعاون والتسامح . فهو قول موغل في الوهم والخيال ، وبمثل ما ذكرنا في دعوى الربا والقمار والغرر نقول في دعوى الجهالة فما يقال في التأمين التجاري من أوصاف تقتضي القول بحرمته يلزم أن يقال لك في التأمين التعاوني فليس بينهما فروق تقتضي التقسيم والتفريق في الحكم .
شرعية التأمين بنوعيه
أن التأمين بنوعيه لو تحقق فيه القول باشتماله على الربا والقمار والغرر الفاحش والجهالة ، لو تحقق فيه ذلك أو اشتمل على واحدة ما ذكر لكان ذلك كافياً في القول بحرمته ولا نعلم في القول ببطلان أي عقد يشتمل على الربا أو الغرر الفاحش أو القمار أو الجهالة خلاف بين أهل العلم في البطلان ، والنصوص الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسوله محمد e متوافرة في ذلك ، فهل التأمين بنوعيه يشتمل على ما ذكر من ربا وقمار وغرر وجهالة ؟ إننا نستطيع أن نتبين ذلك عن طريق التعرف على محل العقد في التأمين . هل محل ذلك المعاوضة بين نقد ونقد كما هو الحال في المصارفة ؟ أم أن محل ذلك عنصر الرهان والمقامرة بحيث يربح أحد المتقامرين ويخسر الآخر ؟ أم أن محل العقد أمر مجهول لا نعلم حقيقته ولا قدره ولا وجه حصوله ؟ أم أن الغرر متحقق حصوله لدى أطرافه ؟ الواقع أن محل العقد في التأمين بقسميه ليس ما ذكر وإنما هو ضمان الأمن والأمان والسلامة من ضياع المال أو تلفه ، فالأقساط التأمينية ثمن للضمان ، فليس لدينا نقود بنقود ، وليس لدينا غارم وغانم ، وإنما كل طرفيه غانم ، فالمؤمن غانم للأقساط التي هي ثمن ضمانه السلامة . والمؤمن له غانم السلامة سواء سلمت العين المؤمن عليها حيث كسب الطمأنينة والارتياح النفسي أثناء مدة عقد التأمين عليها ، وفي حال تلفها فهو كاسب التعويض عنها ، فهو سالم في حال السلامة أو التلف .
إيرادات على القول بأن محل العقد ضمان الأمن والجواب عنها
أحدها :أن الأمن شيء معنوي لا يصح أن يكون محلا للمعاوضة .
والجواب عن هذا الإيراد : أن الأمن مطلب يسعى لتحقيقه الأفراد والجماعات فالأموال تبذل في سبيل الحماية والحراسة والحفظ وذلك لتحقيق الأمن والسلامة من النقص والتلف والضياع والغصب واضطراب الأمن وانتفاء الاستقرار يستوي في استهداف ذلك الأفراد والجماعات والدول . ولو نظرنا إلى ميزانيات الدول لوجدنا أن وزارات الداخلية تختص بنسب كبيرة من الميزانية ثمنا لتحقيق الأمن والأمان الاستقرار في البلاد وهذا يعني أن الأمن والسلامة والأمان والاستقرار أمور معنوية تبذل في سبيل تحقيقها وتوفيرها للبلاد وأهلها أموال كثيرة قد تتجاوز ثلث ميزانية الدولة.وغني عن البيان القول بأن هناك حقوقا معنوية صالحة لأن تكون محلا للمعاوضات بيعا وشراء وتنازلا وصلحا ، مثل حقوق الطبع والنشر والإنتاج والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والتنازل عن الاختصاصات والمعاوضة عن الرغبات الثابتة بالاختصاص كل ذلك من الحقوق المعنوية القابلة لتنقل الأيدي على تملكها بالمعاوضة عنها .
الأمر الثاني : أن من شروط البيع أن يكون المبيع مملوكا للبائع وقت العقد، والأمن والأمان ليسا مملوكين للمؤمن وقت إبرام عقد التأمين بينه وبين المؤمن له .
والجواب عن هذا الإيراد : أن المؤمن وهو شركة التأمين باع من ذمته أمناً جرى وصفه وصفا تنتفي منه الجهالة ، وجرى ذكره في العقد وهو قادر على تحقيقه للمؤمن له وقت الاقتضاء وذلك بدفعه التعويض الجالب للطمأنينة والسلامة والأمان . وهذا من أشباه ضمان الأسواق وضمان أمن الطرقات التي جرى ذكرها واعتبارها لدى بعض الفقهاء ومنهم فقهاء الحنفية فقد ذكروا : ( لو قال شخص لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن وإن أصابك شيء فيه فأنا ضامن، فسلكه وأخذ اللصوص ماله ضمن القائل تعويضه عما أخذ منه ) اهـ. فهذا نوع من التأمين وهذا القائل : اسلك هذا الطريق وأنا ضامن ما يحصل عليك ، لا يملك الضمان وإنما ضمن له من ذمته مما يغلب على الظن قدرته على حصوله عليه وقت حلول أجل التسليم . وبهذا ينتفي رد هذا القول بأن بائع الأمان لا يملكه وقت العقد .
الأمر الثالث : أن القول ببيع الضمان-الأمن والأمان- باعتباره محل العقد يعني القول بأخذ الأجرة على الضمان وهذا القول قد رفضه جمهور أهل العلم بل حكى ابن المنذر الإجماع ممن يحفظ عنه من أهل العلم على منع أخذ الأجرة على الضمان حيث جرى تخريج محل العقد في التأمين على شراء الضمان –أي ضمان حصول الأمن والسلامة للمؤمن له- وأن ذلك غير جائز .
والجواب عن هذا ما يلي : إن القول بمنع أخذ الأجرة على الضمان ليس محل إجماع بين أهل العلم وإن ذكر ذلك ابن المنذر –رحمه الله – فقد قال بجوازه الإمام إسحاق بن راهويه أحد مجتهدي فقهائنا الأقدمين وهو سابق لابن المنذر . وقال بجوازه من فقهاء العصور المتأخرة من علماء الأزهر الشيخ علي الخفيف والشيخ عبد الرحمن عيسى والشيخ عبد الحليم محمود ، ومن علماء المملكة الشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ عبد الله البسام .
الأمر الرابع : إن الضمان في التأمين وقع على أمر مجهول قدره وغير واقع وقت حصول التعاقد بين الطرفين والعقد على أمر مجهول قدره وغير واقع وقته مما تفسد به العقود .(6/17)
والجواب عن هذا : أن جمهور أهل العلم يجيزون ضمان المجهول وضمان المعدوم ، لأن مآله العلم إذا وقع ، والإلزام بأثر الضمان لا يتم إلا بوقوع مقتضاه ، ومتى وقع حصل العلم بمقداره ، وقد نص على جواز ضمان المعدوم والمجهول مجموعة من أهل العلم منهم : شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين من الفقهاء ، فقد جاء في الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية جمع علاء الدين البعلي صفحة 132 ما نصه :" ويصح ضمان المجهول ومنه ضمان السوق -إلى أن قال- ويصح ضمان حارس ونحوه وتجار حرب بما يذهب من البلد أو البحر وغايته ضمان مجهول وما لم يجب وهو جائز عند أكثر أهل العلم مالك وأبي حنيفة وأحمد" أهـ .
وخلاصة القول فيما ذكر ما يلي :
1- التأمين نازلة اقتصادية من نوازل العصر اقتضاها حماية المال وحفظه .
2- التأمين موضوع جديد لا عهد لفقهائنا الأقدمين به وقد جرى بحثه والنظر في حكمه من حيث الجواز أو المنع لدى مجموعة من المجالس والمجامع الفقهية والندوات والحلقات العلمية ولدى مجموعة من الفقهاء ومن مجموعة من الهيئات الرقابية للمؤسسات المالية الإسلامية .
3- اختلف العلماء في حكمه فمنهم من حرمه مطلقا ومنهم من أجازه مطلقاً ومنهم من فصل في ذلك فأجاز بعضه وحرم البعض الآخر .
4- ذهب جمهور فقهاء العصر إلى تقسيم التأمين إلى تأمين تعاوني جائز وتأمين تجاري محظور وذكر القائلون بهذا التقسيم وجه القول بجواز التأمين التعاوني ووجه القول بحرمة التأمين التجاري ، وممن قال بهذا هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة ،ومجمع الفقه الإسلامي بجدة .
5- استند القائلون بإجازة التأمين التعاوني على أنه تبرع وتعاون وليس من عقود المعاوضات فهو تأمين خال من الربا والقمار والغرر والجهالة وجرى نقاش ذلك بما أزال جسور التفريق بينه وبين التأمين التجاري .
6- أن محل العقد ضمان الأمن والسلامة للمؤمن له وليس معاوضة نقود بنقود حيث انتفى بهذا التوجيه القول بأن التأمين يشتمل على الربا والقمار والغرر والجهالة .
7- الجواب على الإيرادات على القول بضمان الأمن من حيث إن الأمن أمر معنوي ليس محل معاوضة وفي نفس الأمر لا يملكه المؤمن كما لا يجوز أخذ الأجرة على الضمان . وضمان المجهول وما لم يقع محل خلاف بين أهل العلم.
وبعد فرأيي في أن موضوع التأمين موضوع ذو أهمية بالغة من حيث حصول البلوى به في غالب مجالات حياتنا ، وأنه نازلة عصرية يجب تكثيف الجهود لبحثه من قطاعات علمية ومهنية مختلفة ، ومن جهات ذات اختصاص ، وممن هم أهل لبحثه من حيث المقدرة الفقهية والتمكن الاقتصادي وبُعد النظر من حيث التدبر والاعتبار والتصور والقدرة على تطبيق الأحداث والنوازل على أحكامها الشرعية ، وأن يكون ذلك في محيط قواعد الإسلام العامة وثوابته الجلية وفي محيط التطبيقات الميدانية مع الأخذ في الاعتبار والنظر أن الأصل في المعاملات الإباحة استئناساً بقوله e :( أنتم أعلم بشؤون دنياكم) . وأن ما تتحقق به مصالح المسلمين وحفظ أموالهم أمر مشروع . مع التقيد بآداب النقاش والبحث عن الحقيقة بحيث يلتزم الباحث التجرد عن التعصب لقول معين حتى تظهر وجاهته واعتبار صحته انطلاقاً من مبدأ : الحكمة ضالة المؤمن ، ومن مبدأ : الرجال يعرفون بالحق لا أن الحق يعرف بالرجال .
والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
==============
التأمين التعاوني الإسلامي
معالي الشيخ/صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى وخطيب الحرم المكي 6/11/1423
09/01/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد فهذا بحث مختصر في التأمين التعاوني الإسلامي ، اقتصرت فيه على الكلام على التأمين التعاوني وما يتعلق به، أما ما يتعلق بأصل التأمين من حيث تعريفه ، وأركانه ، وعناصره، وأنواعه ، وأغراضه ، وغير ذلك من مباحثه الطويلة ، فقد اكتفيت بما قدمته اللجنة الدائمة الموقرة في بحثها المستفيض وقصدت أن يكون هذا استكمالاً وبسطاً لمسألة التأمين التعاوني ، تحريراً ، وبياناً للأوصاف المؤثرة في الحكم بإذن الله ، مع إبراز الفوارق بينه وبين التأمين التجاري ، ذلك أن الهيئة في قرارها ذي الرقم 51 والتاريخ4/4/1397هـ لم تتطرق إلى تعريف التأمين التعاوني ولم تفصل القول فيه ، فرأيت البحث فيه بما يبين ضوابطه ، وشروطه وأوصافه التي تميزه عن أنواع التأمين الأخرى.
وسوف يشتمل البحث على مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة:
المبحث الأول : التعريف وفيه مسألتان.
-المسألة الأولى : تعريف التأمين بصفة عامة.
-المسألة الثانية : تعريف التأمين التعاوني .
المبحث الثاني :المؤثرات في الحكم وفيه ثلاثة مسائل.
-المسألة الأولى : مبدأ التعاون.
-المسألة الثانية : الغرر.
-المسألة الثالثة: القصد التجاري .
المبحث الثالث: في توصيف التأمين التعاوني وتكييفه الفقهي وفيه مسألتنا.
-المسألة الأولى : في توصيف التأمين التعاوني .
-المسألة الثانية: في تكييفه الفقهي
المبحث الرابع: في خصائص نوعي التأمين والفروق بينهما وفيه ثلاث مسائل.
-المسألة الأولى : خصائص التأمين التجاري .
-المسألة الثانية: خصائص التأمين الإسلامي .
-المسألة الثالثة: الفروق بين التأمينين .
الخاتمة: وتتضمن توصيات ونتائج.
مقدمة :
تقول الدراسات المعاصرة : إن مما تقاس به درجة التقدم الاقتصادي لأي دولة يعتمد في المقام الأول على درجة تقدم صناعتي المصارف والتأمين وتطورهما ، فثمّت ارتباط وثيق وعلاقة قوية بين الصناعتين، وازدهارهما ينعكس على توازن ميزان المدفوعات الخاص بكل دولة ، باعتبارهما من الخدمات غير المنظورة التي لها أثر إيجابي ملموس على اقتصاد الدولة ومركزها المالي.
ولقد أصبحت خدمات التأمين في الوقت الحاضر تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام رجال الأعمال في الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية وغيرها ، نظراً لاعتمادهم الكبير عليها في تهيئة حالة الطمأنينة والأمان لمشروعاتهم بمختلف أنواعها ، وللعاملين لديهم ولأسرهم ، ولأنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها مثل : الحريق ، والسرقة ، والسطو ، وخيانة الأمانة ، والاختلاس ، والتلف ، والغرق ، والانهيار(1).
ومن ذلك يتبين أن التأمين هو أحد الوسائل الحديثة الكبرى المهمة الداخلة في منظومة التنظيم الاقتصادي والمالي، فله دوره المتعاظم في التطور الصناعي ، والزراعي ، والتجاري ، وسائر الأنشطة الاقتصادية ، بل لقد أصبحت صناعة التأمين تضاهي إن لم تفق العمل المصرفي .
وفي نظرة تاريخية فإن التأمين قام على اكتشاف مبدأ اجتماعي علمي نافع ، يتمثل في أن الأفراد بكلفة قليلة يمكنهم أن يتخلصوا من عبء الخسارة الناجمة عن الكوارث التي يمكن قياس احتمال حدوثها على وجه الدقة أو التقريب إذا كانت المجموعة البشرية كثيرة العدد ، وهذا ليس مرغوباً الانتفاع به فحسب ، بل إنه أمر متعين من أجل تحقيق التقدم والصدارة(2).
وفيما يتعلق بالمسلمين في الوقت الحاضر وتوجههم نحو استعادة قوتهم وموقعهم باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس ، فإن النظر في طريق المعاش وعمارة الأرض التي استعمرهم ربهم فيها واحد من هذه الميادين الذي يتعين أن يحظى بحقه من الإحياء والتنظيم والعناية بعد عنايتهم بأصل دينهم وعقيدتهم .(6/18)
ومن البدهي أن النظر في حكم التأمين هو نظر جزء من كل ، ذلك أن التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية يحقق التعاون والتكافل على أساس محكم لم يسبق له نظير، وإن توسع الدول الإسلامية في التأمينات الاجتماعية حتى تشمل جميع فئات الرعية التي تعجز مواردها عن مواجهة الأخطار أمر لا بد منه ، فإن الدولة الإسلامية في حكم الإسلام تلتزم بتأمين فرصة العمل لكل قادر عليه ، وبتأمين العاجز عن العمل بإعطائه ما يكفيه في أكله ، وشربه ، وملبسه ، وسكنه ، حتى مركبه وعلاجه ، كما يرى بعض الفقهاء ، ولها في مورد الزكاة ما يقوم بذلك ، وإن لم تفِ الزكاة بذلك فلها أن تضع من المعالجات المشروعة ما يسد حاجة الفقراء ، و إعانة العجزة(3).
المبحث الأول : في التعريف :
المسألة الأولى : تعريف عقد التأمين بصفة عامة.
يعرف عقد التأمين بصفة عامة باعتبارين:
1.باعتباره عقداً :
" عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال ، أو إيراداً مرتباً ، أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث ، أو تحقق الخطر المبين في العقد ، نظير قسط ، أو أي دفعة مالية يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن.
2.ويعرف باعتبار أثره الاقتصادي والاجتماعي :
نظام تقوم به هيئة منظمة ، على أساس المعاوضة أو التعاون وتديره بصورة فنية قائمة على أسس الإحصاء وقواعده ونظرياته ، تتوزع بمقتضاه الحوادث أو الأخطار وترمم به الأضرار(4).
-المسألة الثانية : تعريف التأمين التعاوني :
اشتراك مجموعة من الناس بمبالغ بغير قصد الربح على جهة التبرع تخصص لتعويض من يصيبهم الضرر منهم ، وإذا عجزت الأقساط عن التعويض دفع الأعضاء أقساطاً إضافية لتغطية العجز ، وإن زادت فللأعضاء حق استرداد الزيادة(5) .
وهو تأمين تعاوني لأن غايته التعاون في دفع الأخطار وليس الربح والكسب المادي.
كما يسمى بالتأمين التبادلي لأن الأعضاء المشتركين مؤمنون ومؤمَّن لهم في آن واحد ، فليس بينهم وسيط ، أو مساهمون يتقاضون أرباحاً على أسهمهم.
ويسمى أيضاً التأمين بالاكتتاب : لأن ما يدفعه العضو هو اشتراك متغير وليس قسطاً ثابتاً (6).
ومن التعريف السابق يتبين أن التأمين التعاوني نوع من التأمين يقوم به أشخاص يتعرضون لنوع من المخاطر ، يكتتبون على سبيل الاشتراك بمبالغ نقدية تخصص لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه منهم الضرر ، فإن لم تف الأقساط المجموعة طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز ، وإن زادت عما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استرداد هذه الزيادة ، وكل واحد من أعضاء هذه الجمعية يعتبر مؤمِّنا ومؤمناً له.
والغرض من ذلك درء الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء بتعاقدهم على توزيعها بينهم .
وهي أشبه بجمعية تعاونية تضامنية لا تهدف إلى الربح(7).
وهو يدخل في كل النشاطات التأمينية في مختلف الأخطار المحتملة من الحريق ، والحوادث ، وفي النقل البري والبحري والجوي ، وفي كل أنواع الأموال ، ما عدا التأمين على الحياة.
وقد تطور التوسع فيه بحيث أصبح يجمع أعداداً غفيرة تتعرض لأخطار متعددة دون أن يعرف بعضهم بعضاً .
ولئن كان التأمين في مبدأ نشأته يقوم على اكتتاب يحصل من المشاركين فقد تطور على أساس قسط ثابت نسبياً يدفع مقدماً وبانتظام.
وبعد إيراد تعريف التأمين التعاوني يحسن إيراد تعريف خاص بالتأمين الإسلامي.
أولاً : تعريف التأمين الإسلامي باعتباره نظاماً :
"تعاون مجموعة من الناس يسمون : ( هيئة مشتركة يتعرضون لخطر أو أخطار معينة من أجل تلافي آثار الأخطار التي يتعرض لها أحدهم أو بعضهم بتعويضه عن الضرر الناتج من وقوع هذه الأخطار ، وذلك بالتزام كل منهم على سبيل التبرع (8) وبغير قصد الربح بدفع مبلغ معين ( يسمى القسط) أو (الاشتراك) تحدده وثيقة التأمين أو عقد الاشتراك ، أو تتولى شركات التأمين الإسلامية إدارة عمليات التأمين واستثمار أمواله نيابة عن هيئة المشتركين في مقابل حصة معلومة من عائد استثمار هذه الأموال باعتبارها مضارِباً ، أو مبلغاً معلوماً باعتبارها وكيلاً ، أو هما معاً بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية"(9).
ثانياً : تعريف التأمين الإسلامي باعتباره عقداً :
" اتفاق بين شركة التأمين الإسلامي باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين وشخص " ( طبيعي أو اعتباري) على قبوله عضواً في هيئة المشتركين ، والتزامه بدفع مبلغ معلوم يسمى " القسط" على سبيل التبرع منه ومن عوائد استثماره لأعضاء الهيئة بغير قصد الربح ، على أن تدفع الشركة نيابة عن هذه الهيئة من أموال التأمين التي تجمع منه ومن غيره من المشتركين ، التعويض عن الضرر الفعلي الذي أصابه من وقوع الخطر المعين ، وذلك في التأمين على الأشياء والتأمين من المسؤولية المدنية ، أو مبلغ التأمين ، وذلك في التأمين على الأشخاص على النحو الذي تحدده وثيقة التأمين ويبينه أسس النظام الأساسي للشركة حسب ما تقضى به أحكام الشريعة(10).
-لقب "التأمين الإسلامي" بدلاً من "التأمين التعاوني ".
من المستحسن أن يسمى التأمين الذي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية بـ(التأمين الإسلامي) بدلاً من التأمين التعاوني أو التبادلي أو غيرها من التسميات التي قصدها الأساس التعاون والتكافل وليس الربح والتجارة ذلك أن هذه الأسماء من ( التبادلي أو التعاوني وأمثالها): موجودة لدى غير المسلمين ولاسيما في بلاد الغرب التي هي أصل منشأ هذا النوع من التأمين ، وليست متطابقة مع الصيغة الإسلامية ذلك أن الشريعة تتطلب في هذا النوع من التعاون أو التكافل شروطاً وخصائص لا تتوافر في أنواع وصيغ التأمين التعاوني والتبادلي في الغرب(11) على ما سوف يتبين إن شاء الله.
المبحث الثاني : المؤثرات في الحكم.
ومن أجل استجلاء الحكم الشرعي للتأمين التعاوني يحسن الإشارة إلى مسائل ثلاث :
المسألة الأولى : مبدأ التعاون .
المسألة الثانية: الغرر .
المسألة الثالثة: القصد التجاري .
المسألة الأولى: مبدأ التعاون:
التأمين باعتباره فكرةً ونظاماً يقوم على التعاون والتضامن ، وذلك يجعله محققاً لمقاصد الشريعة متفقاً مع غاياتها وأهدافها ، غير أن الشريعة إذ جعلت التعاون غاية مطلوبة فقد بينت الطرق التي يتحقق بها هذا التعاون والتضامن ، ولم تترك ذلك لهوى الناس ، ومن ثم يخطئ من يستدل بمشروعية الغاية والهدف على جواز الوصول إلى هذه الغاية أو تحقيق ذلك الهدف بأي طريق ، فالشريعة الإسلامية عندما بينت الغايات والمقاصد حددت الوسائل المشروعة لهذه الغايات والمقاصد (12).
وعلى هذا فإن التأمين بفكرته ونظامه هو تعاون منظم تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعاً لخطر واحد حتى إذا تحقق الخطر في حق بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضراراً جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به لولا هذا التعاون . فهو تضامن يؤدي إلى تفتيت أجزاء المخاطر والمصائب وتوزيعها على مجموع المستأمنين عن طريق التعويض الذي يدفع للمصاب من المال المجموع من حصيلة أقساطهم ، بدلاً من أن يبقى الضرر على عاتق المصاب وحده(13).(6/19)
ولا شك أن هذا القدر غير مختلف في حكمه ، ولكن يخطئ بعض الباحثين حين يقولون إن التأمين الذي يقوم عليه التأمين التجاري ليس إلا انضماماً إلى اتفاق تعاوني نظم تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس يتعرضون جميعاً للخطر ، وأن ما يدفع إلى شركة التأمين من أقساط ما هي عليه إلا وصية وراعية ، وأن المعاوضة في عقد التأمين واقعة بين القسط المدفوع والأمان المبذول بمقتضى العقد ، وأن المستأمن يحصل على العوض بمجرد عقد التأمين دون توقف على وقوع الخطر .
هذه كلها افتراضات غير واقعة ، وليس لها سند من الأنظمة التي تنظم العلاقة بين الشركة وطالب التأمين(14).
فشركات التأمين في وضعها الحالي لا تعمل إلا لحساب نفسها ، ومصالحُها تتعارض مع مصالح المستأمن ، فهي تسعى للحصول على أكبر ربح ، وتحدد قدر الأقساط على النحو الذي يمكنها من ذلك . وتحاول التخلص من تعهداتها بأسباب وعلل تغص بها قاعات المحاكم(15).
إن الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات في باب المعاملات هي عقود التبرعات ، حيث لا يقصد المتعاون ربحاً من تعاونه ، ولا يتطلع إلى عوض مالي مقابلاً لما بذل ، ومن ثم جازت هذه العقود مع الجهالة والغرر ، ولم يدخلها القمار والمراهنة والربا، ذلك أن محل التبرع إذا فات على من أحسن إليه به بسبب هذه الأمور لم يلحقه بفواته ضرر ، لأنه لم يبذل في مقابل هذا الإحسان عوضاً ، بخلاف عقود المعاوضات ، فإن محل المعاوضة إذا فات على من بذل فيه العوض لحقه الضرر بضياع المال المبذول في مقابلته(16) .
وبين يدينا حديث جليل فيه من فقه الباب ما لا ينقضي منه العجب يتجسد فيه صورة التعاون والمواساة والتكافل الذي ترمي إليه الشريعة .
جاء في الصحيحين خبر الأشعريين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد،ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية،فهم مني وأنا منهم "(17).
ومن لطائف هذا الحديث الشريف وفوائده مما نحن بصدده:
التضامن عند الحاجة في الغزو أو في الإقامة.
ما يأتي به الواحد يختلف مقداراً عما يأتي به الآخر.
يخلطون ما يجمعون خلطاً يزيل التمييز .
كل فرد يأخذ من المجموع ( مالاً أو طعاماً ) ما يكفيه.
ما يفضل من طعامهم لا يتفاضل فيه واحد عن غيره، ذلك أن المال قد خلط خلطاً يزيل صورة الملكية الأصلية ومقدارها(18).
صورة التعاون في التأمين
يقوم الراغبون في التأمين من أجل تحقيق هدف معين وهو اتقاء المخاطر المتوقعة عليهم بقبولهم تحمل ما قد يقع من هذه المخاطر موزعاً بينهم لإذابة عبء الخطر عليهم ، وتفتيت آثاره ، إذ يدفع كل واحد مبلغاً من المال يتفق مع نسبة الخطر الذي يخشى وقوعه إلى صندوق هيئة التأمين أو شركة التأمين ، فيتكون منه رصيد تغطى منه الأضرار التي تقع على الأفراد المشتركين فيه، ومن ذلك يتبين أن التأمين يستند إلى الأسس التالية:
1-قيام تعاون بين هؤلاء الأفراد المهددين بالخطر تحت إشراف شركة التأمين
2-المقاصة بين المخاطر إذ تتولى شركة التأمين تنظيم توزيع الأخطار بين المشتركين بطرق حسابية إحصائية منضبطة(19) .
3- التأمين لا يمنع الأخطار ، ولا يسعى في تأمين وسائل دفعها ، ولكنه يدفع تعويضاً مالياً عند حدوثها ، كما يعني بتصميم وسائل الدفع وطرق حسابها(20).
المسألة الثانية : الغرر :
من المسائل المؤثرة في الحكم بين التأمينَين التجاري والتعاوني مسألة الغرر ، وهذا بيان موجز لها .
الغرر هو : الخطر والمخاطرة التي لا يدرى أتكون أم لا تكون كبيع السمك في الماء ، والطير في الهواء ن وبيع المجهول ، وما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول ، وبيع ما لا يملك ، فالغرر هو المجهول العاقبة(21) والذي لا يدري أيحصل أو لا يحصل (22).وهو يكون في المبيع وفي ثمنه.
والغرر يغتفر فيما بابه البر والإحسان ، ويؤثر فيما بابه المعاوضات.
والغرر في المعاوضات المالية ثلاثة أقسام:
1-غرر كثير : وهذا يؤثر في عقود المعاوضات فيفسدها إجماعاً كبيع الطير في الهواء.
2-غرر يسير : وهذا لا تأثير له إجماعاً كالقطن المحشوة به الجبة ، وأساس الدار.
3-غرر متردد بين الكثير واليسير :وهذا محل خلاف واجتهاد ، فمن ألحقه بالكثير أعطاه حكمه ، ومن ألحقه باليسير أعطاه حكمه.والغرر في التأمين ليس باليسير جزماً ، بل هو متردد بين الكثير والمتوسط ، وهو إلى الكثير أقرب(23).
وبه يتبين أن عقد التأمين من عقود المعاوضات التي يؤثر فيها الغرر
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول : والغرر ثلاثة أنواع:
إما المعدوم كحبل الحبلة .
وإما المعجوز عن تسليمه كالعبد الآبق.
وإما المجهول المطلق ، أو المعين المجهول جنسه أو قدره(24).
الفرق بين الغرر والجهالة:
الغرر هو الذي لا يدري أيحصل أو لا يحصل .
أما الجهالة فتكون فيما علم حصوله وجهل صفته.
فالغرر والجهالة بينهما عموم وخصوص مطلق فيوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه .فوجود الغرر بدون الجهالة كشراء العبد الآبق المعلوم قبل الإباق ، فلا جهالة فيه لكن فيه غرر .
والجهالة بدون غرر كشراء مادة يراها ولا يدري حقيقتها أزجاج أو ياقوت ، فالحصول متحقق ولكن معرفة الحقيقة مجهولة ، واجتماع الغرر مع الجهالة كالعبد الآبق مجهول الصفة.
والغرر والجهالة يقعان في تسعة أشياء: في الوجود والحصول ، ولجنس والنوع ، والمقدار ، والتعيين والبقاء ، والأجل ، والصفة(25).
قاعدة من كلام شيخ الإسلام:
"إذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء ، وأكل أموال الناس بالباطل فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها ، كما أن السباق بالخيل والسهام والإبل لما كان فيه مصلحة شرعية جاز بالعوض،وإن لم يجز غيره بعوض .
ومعلوم أن الضرر على الناس بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف فيها من تباغض أو أكل مال بالباطل لأن الغرر فهيا يسير والحاجة إليها ماسة والحاجة الشديدة فيدفع بها يسير الغرر ، والشريعة مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم ..."الخ كلامه ...مع حذف يسير(26) .
وبالنظر بين التأمينين التعاوني والتجاري ، يظهر أنه ليس هناك حاجة إلى الأخذ بهذه القاعدة في الغرر المعلوم في التأمين التجاري ، لأن السلامة منه متحققة في التأمين التعاوني ، فالتأمين التعاوني معاملة أساسها التعاون والتبرع ، فهي خالية من معنى المعاوضة، وإذا عدم معنى المعاوضة ،فقد انتفى عنها مفسدة الجهالة والغرر والغبن وشبهة الربا(27).
المسالة الثالثة:
أ-القصد التجاري في عقد التأمين:
تحرير هذه المسألة هو من الحدود الفاصلة بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني :
فالأصل في نشأة عقد التأمين التجاري أن قصد التجارة فيه ظاهر وبخاصة من قبل شركات التأمين ، والقصد في حق المؤمَّن له هو التعويض عن الخطر ، أو تقليل آثاره ، أو تقليل أضراره.
ولمزيد من الإيضاح يقال : إن التأمين بالنسبة للمؤمِّنين عملية تجارية محضة يهدف أصحابها إلى الربح ، أما في حق المؤمَّن لهم فقد يكون تصرفهم تجارياً كالتأمين على المستودعات التجارية والبضائع المنقولة ونحو ذلك ، وقد يكون مدنياً كالتأمين على الحياة أو حوادث الحريق والسرقة .
والأصل ألا يربح المؤمَّن له من التأمين ولكنه يحفظ بالتأمين ماله على نفسه (28).(6/20)
ولمزيد من التكييف الفقهي لمسألة القصد ، يحسن بيان أثر النية في الأحكام واختلاف الحكم في الشيء ذي الصورة الواحدة باختلاف النية فيه مع اتحاد الصورة، فإخراج المال يختلف فيه الحكم حسب نية المخرج ما بين هبة ،أو صدقة تطوع ، أو زكاة ، والصورة واحدة ، والذبح يكون بقصد القربة لله ، ويكون للضيافة ، كما أنه قد يكون شركاً وكفراً إذا كان ذبحاً لغير الله والصورة واحدة ، ودخول المسجد يكون للعبادة وللراحة ، والغسل يكون لواجب ، أو سنة ، أو بقصد التبرد ... وهكذا (29).
ومنه يتبين أن الصورة بين التأمين التجاري والتعاوني قد تتحد ويفرق بينهما في قصد الربح والتجارة من عدمه.
ب-القصد التجاري في التأمين التعاوني:
الذي يذهب إليه كثير من الباحثين المعاصرين من رجالات القانون والاقتصاد القول بأن التأمين التعاوني ليس تأميناً تجارياً بل هو إجراء تعاوني لا يهدف إلى الربح بل يهدف إلى تبديد الأخطار وتوزيعها بين أكبر عدد ممكن .
وذهب بعضهم إلى اعتباره تجارياً لأنه يؤدي إلى تجنب الخسارة (30).
والذي يقال هنا أن تحقيق ربح في التأمين التعاوني لا يؤثر في حكمه ما دام انه لم يكن مقصوداً في الأصل ، بل جاء تبعاً ، أو جاء أثراً للحفاظ على الأموال المجموعة ، ذلك أن الغرض الأصلي هو التعاون على درء آثار المخطر ، وتأمين مبالغ كافية لتغطية ما يحتمل وقوعه من أخطار ، ولم يكن الربح مقصوداً بالقصد الأول . وحصول الربح تبعاً من غير أن يكون مقصوداً بالقصد الأول لا يؤثر في الحكم.
المبحث الثالث: في توصيف التأمين الإسلامي وتكييفه الفقهي وفيه مسألتان:
المسألة الأولى : توصيف التأمين الإسلامي .
المسألة الثانية : تكييفه الفقهي .
المسألة الأولى: توصيف التأمين الإسلامي.
1-أساسه عقد التبرع الشرعي وهو تبرع يلزم(31) بالقول على رأي الإمام مالك رحمه الله.وعلى هذا يكون العضو ملتزماً بدفع القسط بمجرد توقيعه على العقد ، وبالتالي يكون الأعضاء متبرعين بالأقساط التي يدفعونها ، وبعوائد استثمار هذه الأقساط ، في حدود المبالغ اللازمة لدفع التعويضات عن الأضرار التي تصيب أحدهم . كما يتضمن التوقيعُ على وثيقة التأمين قبولَ العضو للتبرع من مجموع أموال التأمين أي الأقساط وعوائدها الاستثمارية وفقاً لأحكام وثيقة التأمين والنظام الأساسي للشركة حسب أحكام الشريعة الإسلامية ، والعضو لا يتبرع بالأقساط وعوائدها جملة ، بل يتبرع منها بما يكفي لدفع التعويضات.
2- يقوم على مبدأ التعاون من أجل تلافي آثار الأخطار التي تحددها عقود التأمين . فيعوض المشترك عن الأضرار الناجمة عن هذه الأخطار .
3- أموال التأمين ملك لهيئة المشتركين ، وليس لشركة التأمين ، وهم يدفعون منها ما يكفي لدفع التعويض عن الأضرار.
4- شركات التأمين التعاوني شركات خدمات ، أي أنها تدير عمليات التأمين وتستثمر أمواله نيابة عن هيئة المشتركين ، وعلاقة الشركة بهيئة المشتركين علاقة معاوضة ، فهي الأمينة على أموال التأمين ، وتقوم بالإدارة نيابة عن هيئة المشتركين ، والعوض الذي تأخذه الشركة مبلغ مقطوع ، أو نسبة من الأقساط التي تجمعها ، أو التعويضات التي تدفعها باعتبارها وكيلاً ، أو في نسبة معلومة من عائد الاستثمار باعتبارها مضارباً ، أو هما معاً.
5- طرفا العقد هما: المشترك وشركة التأمين ، فالمشترك هو المستأمن أو المؤمِّن له من جهة ، وشركة التأمين باعتبارها ممثلة لهيئة المشتركين وهي هيئة اعتبارية أو حكمية لازمة لترتيب أحكام عقد التأمين.
6- هيئة المشتركين : وهي تمثل المشتركين ، وهي هيئة اعتبارية يدفع أعضاؤها الأموال الطائلة للشركة التي تدير عمليات التأمين وتستثمر أموالهم نيابة عنهم.
ووجود هذه الهيئة الحكمية مهم من الناحية الشرعية حتى ولو لم يكن لها وجود في الخارج ولم تفرغ في الصيغ القانونية .
ويمكن التمثيل لذلك بعقد المضاربة فإنه يمثل شركة مضاربة بين ربّ المال والمضارب ، فتترتب أحكام المضاربة باعتبارها شخصية معنوية لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة المضارب وربّ المال ، حتى جاز لهما البيع والشراء مع المضاربة وكانت مسئوليتهما محددة برأس المال لا تتعداها إلى أموالهما ، وهناك مصروفات تتحملها المضاربة وأخرى يتحملها المضارب ، وشركة المضاربة قد لا تُوجد قانوناً في الخارج ،ومع ذلك يقال بمشروعية عقد المضاربة ، والأحكام المترتبة عليها تفترض وجود مثل هذه الشخصية المعنوية ، ومثل ذلك بيت المال والوقف(32).
وبمنظور آخر فإنه يجب أن يكون في شركات التأمين هيئتان : هيئة المشتركين ، أي حملة وثائق التأمين باعتبارهم متبرعين من أموال التأمين المملوكة لهذه الهيئة لا تشاركها فيها شركة التأمين.
وهيئة المديرين أو المضاربين وهو مساهمو شركة التأمين التي تدير عملية التأمين وتستثمر أمواله نيابة عن هيئة المشتركين في مقابل أجرة الوكالة أو حصة المضاربة، أو هما معاً بأن تأخذ أجراً على إدارة عمليات التأمين باعتبارها وكيلاً ، وحصة من عوائد استثمار أموال التأمين باعتبارها مضارباً (33).
7 – العلاقة بين المشترك وشركة التأمين الإسلامية:
تتمثل هذه العلاقة في عقد إدارة مع ((هيئة المشتركين )) شركة التأمين الإسلامية، ويترتب على هذه العلاقة قيام شركة التأمين بإبرام عقود التأمين، وجمع الأقساط ودفع التعويضات نيابة عن هيئة المشتركين، وهي تستثمر أموال التأمين لحسابهم وعلى مسؤوليتهم باعتبارها مملوكة لهم في مقابل حصة من عوائد استثمارها، فالعقد إذن عقد إدارة ومضاربة بين شركة التأمين والهيئة الاعتبارية.
والعقد الذي تبرمه شركة التأمين مع المشترك عقد تبرع، يقوم فيه المشترك بالتبرع، يجسد ذلك قبوله لنظام الشركة، وحينئذ يكون عضواً في هيئة المشتركين، وبتوقيع العقد من قبله تكون شركة التأمين قبلت عضويته وتبرعه باعتبارها نائبة عن هيئة المشتركين التي تملك الأقساط.
8- محل عقد التأمين.
محل عقد التأمين شيئان :
أ- القسط: وهو التبرع الذي يدفعه المشترك مرة واحدة أو على أقساط ليستفاد منه في الغرض الذي قامت له الشركة وهو دفع الأخطار المحددة حسب نظام الشركة، وهذا القسط يحدده عقد التأمين الذي يوقعه العضو مع شركة التأمين.
والقسط يتناسب مع نوع الحظر المؤمن منه ومبلغ التأمين، والعضو لا يتبرع بكامل القسط وعوائد استثماره، بل بما يكفي لدفع التعويضات المطلوبة من الشركة خلال المدة، والباقي باق على ملك المشترك، ويمكن توزيعه على أفراد جماعة المشتركين على شكل فوائض تأمين، وذلك بعد خصم بعض الاحتياطات لصالح أفراد المشتركين في المستقبل ويجوز في بعض أنواع التأمين أن ينص في وثيقة التأمين على أن المشترك يعفى من القسط في حالات وظروف خاصة، وتعفى ورثته بعد موته من دفع القسط، ولا يؤثر ذلك في استحقاق مبلغ التعويض في حالة وقوع الخطر كالحريق أو العجز ونحوهما، أو تحقق المسؤولية مثلاً، لأن مبنى التعاون الإسلامي على التعاون القائم على التبرع، وللمتبرع أن يضع من الشروط ما يراه مناسباً لتبرعه إذا كانت هذه الشروط مشروعة وهذه الشروط يتضمنها النظام الأساسي لشركة التأمين الإسلامية.
ويعتبر العضو قابلا لذلك بتوقيعه على العقد ويجب أن يطبق ذلك على جميع المشتركين بعدالة ومن غير تميز ولا محاباة.(6/21)
ب- التعويض : وهو التعويض عن الأضرار الفعلية التي تصيبهم حين تتحقق الأخطار المؤمن عليها. وهو يستحق هذا التعويض مع أنه متبرع ، لأنه شرطه في تبرعه ، والشروط في التبرعات جائزة ، فمن تبرع بمال لطائفة موصوفة بصفة معينة كالفقر أو العلم أو المرض ، فإنه يستحق الأخذ مما تبرع به إذا كان من أهل هذه الصفة(34) .
9- توزيع الفائض التأميني على المشتركين: وهو يتمثل في المبلغ المتبقي بعد دفع التعويضات والالتزامات مضافاً إليه عوائد الاستثمار الشرعي فيوزع على المشتركين بنسب اشتراك كل منهم.
10-المشاركة في الخسارة: ذلك لأن مبنى التأمين الإسلامي على التعاون والتكافل، فهو تضامن في السراء والضراء، فإذا كان رأس المال، والاحتياطات، وجملة الأقساط لا تكفي للوفاء بحجم الخسارة فيوزع القدر الزائد من الخسارة على المشتركين كل على حسب نسبة ما دفع، ولكن بالممارسة العملية لشركات التأمين الإسلامية يكاد يكون هذا نظرياً، إذ أن فكرة إعادة التكافل خير سند في تحمل الخسارة.
11-فصل أموال حملة الأسهم عن أموال حملة العقود ( الوثائق ):
تلتزم شركة التأمين الإسلامي بهذا الفصل، وتستثمر المالين بصورة منفصلة، وتضيف لكل وعاء عائد استثماراته، وإذا تحمل حملة الوثائق مصروفات الاستثمار تضاف لهم نسبة معينة من عوائد استثمار رأس المال، والعكس بالعكس، وذلك كله بطريق المضاربة(35)
وفي سبيل تحقيق ذلك والاطمئنان فيه يجب على شركة التأمين الإسلامية أن تمسك حسابين منفصلين:
أحدهما: لأموال التأمين وهي الأقساط وعوائدها لحملة الوثائق.
ثانيهما: لأموال الشركة أي حقوق المساهمين وعوائدها، وما تستحقه الشركة من حصة في الأرباح مقابل استثمار أموال حملة الوثائق أو أجر مقابل الوكالة.
والسبب في هذا الفصل وجود ذمتين ماليتين مستقلتين :
الأولى ذمة جماعة حملة الوثائق الذي يملكون أموال التأمين على الشيوع.
الثانية : ذمة جماعة حملة الوثائق الذي يملكون رأس مال الشركة وغيره من حقوق المساهمين ويستثمرونها لحسابهم في وعاء خاص بهم أو مشترك مع أموال التأمين(36).
وهذا العقد الأخير ليس محل اتفاق بين الفقهاء المعاصرين الذين قالوا بجواز التأمين التعاوني الإسلامي، فقد جاء في كل من قراري هيئة كبار العلماء في المملكة والمجمع الفقهي في الرابطة بأنه إذا حصل العجز فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة، وبخاصة أنه قد يكون من المشتركين حديثو الانضمام إلى الشركة والعجز قد حدث قبل انضمامهم(37).
ولكن إذا ضمن ذلك في نصوص العقد المبرم بين الشركة والمستأمن فلعل في ذلك ما يرفع الأشكال.
المسألة الثانية : التكييف الفقهي للتأمين الإسلامي :
ينتظم التأمين الإسلامي خمسة عقود تتداخل فيما بينها لتحقيق العملية التأمينية:
العقد الأول:عقد تأميني جماعي: ويتمثل بالاتفاق التعاوني التكافلي الذي يجمع المؤمن لهم، وتنشأ به علاقة حكمية بين المستأمنين تقوم على أساس التعاون والالتزام، وتبادل التضحية، وتقاسم آثار الأخطار.
العقد الثاني :عقد هبة : وهو عقد التبرع الذي يقوم به المستأمن ليدفع لمستحقه التعويض من المتضررين وفي ذات الوقت هو متبرع له بما يأخذ من تعويض عند حلول الضرر به.
العقد الثالث: عقد الوكالة: وهو عقد بين شركة التأمين ( وكيل ) وبين المستأمنين ( موكلين ) وبموجبه تقوم الشركة بإدارة العمليات التأمينية نيابة عن المستأمنين .
العقد الرابع:عقد المضاربة: حيث تقوم الشركة ( المضارب ) باستثمار المتوفر من أقساط التأمين من المستأمنين ( رب المال ) ومن ثم تقسم الأرباح بينهم حسب الاتفاق بما يتوافق مع أحكام الشريعة.
العقد الخامس: عقد الكفالة: ويكون ذلك حين يكون إجمالي أموال المستأمنين لا تكفي لدفع حصتهم من التعويضات للمتضررين فتقوم الشركة بدور الكفيل عن المستأمنين فتتكفل بتحمل الالتزامات المالية المستحقة للمتضررين من أموال الشركة قرضاً حسناً لتستردها من أموال المستأمنين بعد ذلك (38).
تعليق : ليس من المتعين في أي عقد جديد أن يبحث له عن مشابه من عقد أو عقود سابقة من العقود المسماة ، بل يكفي في العقد الجديد أن يكون خالياً من الموانع الشرعية من الغرر والجهالة والربا ، أما أن يكون من المتحتم مشابهته أو مطابقته مع عقد أو عقود من العقود المعروفة ، فلا يبدو هذا لازماً لا شرعاً ولا فقهاً.
المبحث الرابع : في خصائص نوعي التأمين والفروق بينهما : وفيه ثلاثة مسائل : المسألة الأولى : خصائص التأمين التجاري .
المسألة الثانية : خصائص التأمين الإسلامي
المسألة الثالثة : الفروق.
المسألة الأولى : خصائص التأمين التجاري :
هذا إيراد لبعض الخصائص التي تبين فيها طبيعة التأمين التجاري ويتميز بها مما يساعد على تجلية الحكم الشرعي في التأمين التعاوني.
1-التأمين عقد إلزامي ليس من باب الإعانات ولا التبرعات
2-يغلب على عمليات التأمين القصد التجاري، وإن وجد فيه التعاون فالغالب أنه جاء بطريق التبع لا بطريق القصد الأول.
3-ليس لشركة التأمين ( المؤمن ) مجهود في اتفاق المخاطر، بل مجهودها محصور في استقصاء المعلمومات عن احتمال وقوع الخطر بملاحظات المؤثرات والظروف ودراسة الأحوال المحيطة لا لأجل دفع الخطر ولكن لتقدير احتمالات وقوعه لتحيد قيمة التعويض لتجنب نفسها الخسارة.
4-التأمين في حق الشركة ( المؤمّن ) التزام احتمالي أي معلق قيامه على وقوع الخطر المؤمن عنه. وأما بالنسبة للمؤمن له فالتزامه بدفع الأقساط التزام منجز ليس للاحتمال فيه مجال.
5-من عقود الإذعان : لإذعان المؤمن له لقبول شروط المؤمن .
6-عقد معاوضة لالتزام المؤمن بمبلغ التأمين مقابل الأقساط التي يدفعا المؤمن له(39).
7-المؤمنون قد يعانون ضد المستفيدين ليؤلفوا جماعات احتكارية ، فيرفعون رسوم التأمين
أضعافأً مضاعفة ، مما يؤكد القول بأن غاية التأمين التجاري هو الكسب وليس التعاون لرفع الأخطار(40)، بل يفرضون شروطاً تعسفية استغلالاً لحاجة الناس إلى التأمين ، فضلاً عن مطالبتهم باقساط تأمين مبالغ فيها جرياً وراء الكسب الفاحش (41).
8-في التجاري : ليس للمؤمن له حق في استرجاع الأقساط التي دفعها أو شيئاً منها.
9-ليس له حق في الأرباح التي تحققها الشركة ( المؤمّن ).
10-ليس للشركة ( المؤمن ) حق في اقتطاع جزء من مبلغ التعويض عند وقوع الخطر على محل التأمين عند استكمال قيام التزامه بدفع كامل مبلغ التأمين.
المسألة الثانية: خصائص التأمين التعاوني:
1- اجتماع صفتي المؤمن المؤمن له لكل عضو في التأمين : من أظهر خصائص التأمين التعاوني وجود تبادل في المنافع والتضحيات فيما بين أعضاء التأمين. فتدفع التعويضات لمن يصيبه الخطر منهم من حصيلة الاشتراكات المدفوعة من الأعضاء ، فمجموعة الاشتراكات تكون الرصيد في الحساب المشترك.
2-تضامن الأعضاء : أعضاء هذا التأمين متضامنون في تغطية المخاطر التي تصيب أحدهم أو بعضهم.
3- تغير قيمة الاشتراك : وهذه إحدى خصائص هذا التأمين ، نظراً لأن كل واحد منهم مؤمن ومؤمن عليه ، من أجل هذا كان الاشتراك المطلوب من كل واحد عرضة للزيادة أو النقص تبعاً لما يتحقق من المخاطر سنوياً، وما يترتب على مواجهتها من تعويضات فإذا انقضت التعويضات كان للأعضاء حق استرداد الزيادة ، وإذا حصل العكس أمكن مطالبة الأعضاء باشتراكات إضافية.(6/22)
وهذا يبين بوضوح أن الربح ليس من مقصود النوع من التأمين ، ومع هذا فإن إدارة هذه الشركات تحرص على حسن الإدارة والتوجه إلى عدم مطالبة أعضائها بمزيد من الاشتراكات ، كما تحرص على إنشاء احتياطي لمواجهة الطوارئ عن طريق استثمار رؤوس الأموال المجتمعة لديها . وقد تقوم بإدارة المال بنفسها ، أو تسنده إلى جهة متخصصة تديره بمقابل(42).
ولا يؤثر على التعاوني في غايته وحكمه أن يتبع الأساليب الفنية الحديثة التي تتبعها شركات التأمين التجاري ، بما في ذلك الأقساط الثابتة المحسوبة ، والعقود الفردية ، ما دام أن المعاملات والنشاطات التي يتعاطاها لا تخالف الشرع، وما دام أنه لم يقصد إلى الربح أو الاتجار بالتأمين ، ولا الاستغلال والشروط التعسفية ، بحيث تبقى غايته وهدفه تعاونياً إنسانياً بحتاً (43).
ولا مانع أن يحقق التأمين التعاوني أرباحاً من خلال استثمار الأرصدة المجتمعة لديه استثماراً مشروعاً ، والممنوع هو أن تكون الغاية المعاوضة والاسترباح لا مجرد تحقيق الأرباح(44).
وتجدر الإشارة إلى أن التأمين التعاوني تطور من حيث التعاقد فقد كان في أول نشأته تعاقداً جماعياً بين جميع المؤمّنين ثم أصبح عقوداً فردية تعقدها هيئة التأمين مع كل مؤمن باعتبارها ممثلة لجميع المؤمّنين(45).
وهذه التطورات لا تؤثر في غايته وحكمه.
ولقد بلغ في تطوره ونجاحه أن أصبح ينافس التأمين التجاري حتى قال الأستاذ مصطفى الزرقا وهو من أنصار التأمين التجاري ومن القائلين بحله ورافعي لواء التدليل على ذلك والمدافعين عنه يقول:
والتأمين التبادلي قد أقض مضاجع شركات التأمين وأزعجها، لأنه نافسها لمقاومة استغلالها منافسة قوية وفنية صالحة لأن تحل محل شركات التأمين التجارية في النطاق الواسع الذي تعمل فيه ولكن على أساس تعاوني وتبادلي محض يقدم للمستأمنين حماية رخيصة بسعر الكلفة(46).
المسألة الثالثة : الفروق بين التأمين التعاوني والتجاري :
1-في التأمين التعاوني المؤمّنون هم المستأمنون وأقساطهم لا تستغل لشركة التأمين إلا بما يعود عليهم جميعًا بالفائدة ، أما في التأمين التجاري فالمستأمن عنصر خارجي عن شركة التأمين وتقوم شركة التأمين التجاري ، باستغلال أموال المستأمنين بما يعود بالنفع عليها وحدها.
2-هدف التأمين التعاوني تحقيق التعاون بين أعضائها المستأمنين ، فليس الهدف الأهم للشركة هو الربح ، ولكنها تقصد إلى تغطية التعويضات والمصاريف الإدارية.
أما التأمين التجاري فهدفه تحقيق الأرباح على حساب المستأمنين.
3-المؤمن في التأمين التعاوني شريك له نصيب من الأرباح الناتجة من الاستثمار. والمؤمن في التأمين التجاري ليس شريكا وتنفرد الشركة بالأرباح(47)
4-المال ملك للجميع في التأمين التعاوني وهو ملك للشركة في التجاري(48).
5-التعاون الحقيقي أن تكون الجماعة كلها تنتفع من الثمرات ، وكلها يسهم فيه، وتكون المكاسب والخسائر متكافئة ، وتكون في مجموعها ذمة واحدة(49).
6-التأمين التعاوني يمنع الاحتكار ، إذ المؤمن هم جموع المستأمنين ، أما التأمين التجاري فهو يؤدي إلى الاحتكار ، إذ المؤمن شركات خاصة تسيطر عليها فئة قليلة تتحكم في مدخرات الناس وأموالهم ووسائل الإنتاج.
خاتمة:
وفي خاتمة هذا البحث الموجز أشير إلى بعض التوصيات و الخلاصات والملاحظات التي ينبغي رعايتها ليأخذ التأمين التعاوني موقعه.
أولا : ينبغي أن يتقرر أن التأمين التعاوني لا يمكن أن ينتشر أو يحقق أهدافه – كغيره من المشروعات والنظم – إلا مع توافر كثير من الوعي العلمي والاقتصادي والكفاية الفنية في علم الرياضيات والإحصاء ، كما يحتاج إلى إحسان في جمع مدخرات المستأمنين واستثمارها فهو صناعة تتطلب أجهزة متخصصة فنية ومالية وإدارية (50)
ثانياً : التأمين التعاوني الخالي من المخالفات الشرعية تأمين إسلامي بديل عن التأمين التجاري ، لأنه يقوم عل التبرع ، ولا يضر فيه حصول المستأمن عند حدوث الخطر على تعويض عما لحقه من ضرر.
ثالثاً :يجب النص في وثيقة التأمين على صيغة التبرع.
رابعاً :لا بد من جهة حكومية تشرف على شركات التأمين وأنظمتها ، وتراقب علاقتها بالمستأمنين ، حتى لا يؤدي إهمال ذلك إلى انفلات سوق التأمين والتلاعب بأموال الناس ، وبخاصة الراغبين الصغار ، فيدخل السوق شركات صغيرة ، ومكاتب وسطاء مما يتسبب في ضياع ثروات الأمة.
خامساً : يذكر كثير من المتخصصين والباحثين أن شركات التأمين الإسلامية على تفاوت بينها تغفل في أنظمتها وأسسها أموراً لا بد من ذكرها من أجل صحة الشركة ، ومن أجل حفظ حقوق الناس من ذلك على سبيل المثال :
1-عدم النص على التبرع وهو أمر لا بد من النص عليه من أجل صحة عقد التأمين التعاوني.
2-إجازات بعض العقود ردّ جزء من الاشتراك ( القسط ) إذا طلب المشترك فسخ العقد ، في حين لم تجز بعض العقود استرداد جزء من القسط إلا إذا كان الفسخ من جانب الشركة.
3-عدم إعلام حملة الوثائق بالمبلغ أو النسبة التي تستقطع من الأقساط لمقابلة المصاريف الإدارية للشركة عند بدء التعاقد.
4-لم ينص في العقود على كيفية التعامل مع أرباح استثمار الاشتراكات وكيفية معالجة العجز في صناديق التأمين إذا زادت تكاليف المخاطر عن موارد الصندوق مما قد يخل بصحة العقود.
5-أن تكون التزامات المؤمن والمستأمن مفصلة ، وواضحة بعيداً عن الغموض الذي قد يؤدي إلى التنازع ، أو بخس الناس حقوقهم
6-تنمية روح التعاون والمواساة والتكافل(51).
7-يلاحظ الفصل بين حقوق حملة الوثائق وحقوق الماساهمين ، فينفرد كل نوع بحساب مستقل.
8-يكون لكل شركة تأمين هيئة رقابة شرعية ، وتكون قراراتها ملزمة ، ويكون لها سلطة رقابية مطلقة ، فتطلع على كل ما ترى الاطلاع عليه من دفاتير وسجلات وحسابات وعقود ومعاملات وتعاملات.
9-إيجاد آلية أو صيغة نظامية يتمكن معها حملة الوثائق من حق الرقابة وحماية مصالحهم.
10-ضرورة المتابعة في تطوير الأنظمة والقوانين ذات العلاقة بعمل شركات التأمين الإسلامية بما يساعد على حسن الأداء لرسالتها ، والتمشي مع المستجدات من المعاملات ومتطلبات السوق والمجتمع ، وحماية جميع الأطراف ذوي العلاقة ويمكنها من المنافسة.
11-عقد ندوات وحوارات ومؤتمرات عن التأمين بين العلماء وتكثيف مشاركة العلماء والفقهاء لضبط الالتزامات التعاقدية(52).
12-قيام العلماء وأهل الاختصاص ومراكز البحوث وخبراء التأمين الإسلامي بتقديم مزيد من البحوث والدراسات لتطوير مشروعات وثائق التأمين التعاوني الإسلامي وتنويعها ومراجعة شروطها بما يحقق التطبيق الأمثل والصحيح لصيغ التأمين التعاوني من خلال حلقات عمل متخصصة وتقديم بحوث ودراسات متعمقة(53).
(1) –بحث المشكلات العملية التي تواجهها شركات التأمين الإسلامية / أحمد محمد صباغ . مقدم لحلقة (حوار حول عقود التأمين الإسلامي) معهد البحوث البنك الإسلامي بجدة.
(2) –التأمين في الاقتصاد الإسلامي / د. محمد نجاة الله صديقي ص 2-1.
(3) –حكم الشريعة في عقود التأمين د. حسين حامد ص 519.
(4) –بحث اللجنة / مجلة البحوث / العدد 19 ص 50.
(5) –بحث اللجنة / مجلة البحوث / العدد 19 ص 51 مع إضافة قيد (بغير قصد الربح) ، ( على جهة التبرع).
(6) –الإسلام والتأمين /د. محمد شوقي الفنجري ص36.
(7) –راجع : بحث اللجنة الدائمة / مجلة البحوث عدد 19ص22.(6/23)
(8) -لا يوجد تعارض بين التبرع والالتزام ، لأن التبرع يعني الدفع من غير مقابل أو عوض ، أما الالتزام فيتعلق بتعهد المتبرع أو المحسن بالوفاء ما تبرع به وهذا لا يعارض التبرع لأن جهة اللزوم غير جهة التبرع.
(9) -التأمين على حوادث السيارات د/ حسين حامد حسان ص 2-3 بحث مقدم لحلقة العمل حول عقود التأمين الإسلامي / معهد البحوث / البنك الإسلامي بجدة .
(10) - التأمين على حوادث السيارات في الشريعة الإسلامية /د.حسين حامد حسان 4-5.
(11) -التأمين على حوادث السيارات في الشريعة الإسلامية /د. حسين حامد ص 1.
(12) -حكم الشريعة في عقود التأمين /د. حسين حامد حسان ، ص 416. بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي.
(13) -المرجع السابق ص 418-419.
(14) -حكم الشريعة في عقود التأمين / د. حسين حامد حسان ص417.
(15) -المرجع السابق ،ص 444.
(16) -حكم الشريعة في عقود التأمين د. حسين حامد ص 518.
(17) - البخاري مع فتح الباري 5/153 ح 2486، صحيح مسلم 4/1994 ح 2500 .
(18) -التأمين على الحياة بين التأمين التجاري والتأمين الإسلامي / محمد المختار السلامي ص 15 بحث مقدم إلى حلقة الحوار.
(19) - بحث اللجنة (مجلة البحوث) العدد 19 ص 29-30.
(20) - التأمين في الاقتصاد الإسلامي د. محمد نجاة الله صديقي ص 15-16.
(21) - بحث اللجنة / مجلة البحوث/ العدد 20 ص 94.
(22) - بحث اللجنة ( مجلة البحوث ) العدد 19 ص 71-72 باختصار.
(23) - بحث اللجنة (مجلة البحوث ) العدد 19 ص 77-78.
(24) - بحث اللجنة ( مجلة البحوث ) العدد 20ص 96.
(25) - بحث اللجنة ( مجلة البحوث ) العدد19ص72-73.
(26) - بحث اللجنة ( مجلة البحوث) العدد 20ص 114.
(27) - الإسلام والتأمين د. محمد شوقي الفنجري ص 64.
(28) - بحث اللجنة ( مجلة البحوث) العدد 19ص 39.
(29) -مقاصد المكلفين د. عمر الأشقر ص 69-70 ،مكتبة الفلاح ، وانظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 24 تحقيق / محمد مطيع الحافظ
(30) - بحث اللجنة ( مجلة البحوث) العدد 19ص 39.
(31) -أشرنا في تعليق سابق ص (8) إلى أنه لا تعارض بين التبرع واللزوم ، فالتبرع يفيد بذلك المال من غير انتظار عوض ، أما اللزوم فيتعلق التزام المتبرع بالدفع أو الوفاء بما تبرع به فجهة اللزوم غير جهة التبرع فهما جهتان منفكتان.
(32) - التأمين على حوادث في الشريعة الإسلامية د/ حسين حامد حسان ص 7.
(33) - التأمين على حوادث السيارات في الشريعة الإسلامية د/ حسين حامد حسان ص 3-6 باختصار .
(34) التأمين على حوادث السيارات في الشريعة الإسلامية د/ حسين حامد حسان 11- 12
(35) -بحث : الإطار الشامل لنماذج التكافل المختلفة المتعامل بها وخطوات التطبيق د/ أحمد علي عبد الله ، السيد / حامد حسن ص 3-5 مقدم لمعهد البحوث ، بك التنمية الإسلامي.
(36) التأمين على حوادث السيارات في الشريعة الإسلامية د/ حسين حامد ص 17
(37) - المشكلات القانونية التي تواجهها شركات التأمين مع عملائها، سراج الهادي قريب الله ورقة بحث مقدمة إلى حلقة حوار حول عقود التأمين الإسلامي ( معهد البحوث ) بنك التنمية الإسلامي بجدة.
(38)- المشكلات التطبيقية والعملية غير القانونية التي تواجهها شركات التأمين ، أحمد محمد صباغ ص 12 مقدمة لحلقة حوار حول عقود التأمين الإسلامي ( معهد البحوث ) بنك التنمية الإسلامي بجدة.
(39) بحث اللجنة ( مجلة البحوث ) العدد 19 ص 48 - 49
(40) - نظام التأمين وموقف الشريعة منه ، فيصل مولوي ص 16
(41) -الإسلام والتأمين ، محمد شوق الفنجري ص 39
(42) - التأمين في الشريعة الإسلامية والقانون / غريب الجمال ص 171 - 174 باختصار وتصرف.
(43) - الإسلام والتأمين / د. محمد شوقي الفنجري ص 41
(44) -الإسلام والتأمين / د. محمد شوقي الفنجري ص74.
(45) -الإسلام والتأمين / د. محمد شوقي الفنجري ص 43-44.
(46) - نظام التأمين موقعه في الميدان الاقتصادي بوجه عام وموقف الشريعة الإسلامية منه د. مصطفى الزرقا ص 394 / بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للإقتصاد الإسلامي
(47) -نشرة عن ( شركة التأمين الإسلامية - إنجازات وآمال) إعداد / إدارة البحوث والتسويق والإعلام ص
10 - 11
(48)- نظام التأمين وموقف الشريعة منه / فيصل مولوي ص 136.
(49) -التأمين في الشريعة الإسلامية والقانون ، غريب الجمال ص 73 نقلأ عن أبي زهرة.
(50) -الإسلام والتأمين د. محمد شوقي الفنجري ص 85.
(51) - بحث الالتزامات التعاقدية في عقود وشركات التأمين د / محمد الزحيلي ص 38 ، مقدم إلى حلقة الحوار.
(52) -بحث الالتزامات التعاقدية في عقود وشركات التأمين د / محمد الزحيلي ص 38 ، مقدم إلى حلقة الحوار.
(53) - من توجيهات حلقة ( عقود التأمين الإسلامية ) نظمها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، بنك التنمية الإسلامي ( 28 - 30 شوال 1422 هـ ) جدة.
=============
تأملات فقهية..حول موضوع التأمين
د. مسفر بن علي القحطاني أستاذ الفقه وأصوله / جامعة الملك فهد 23/11/1423
26/01/2003
أثيرت ضجة حول موضوع التأمين في الآونة الأخيرة بين مبيح ومحرم لهذا العقد واضطربت الآراء في حكمه الشرعي بعد ما ألزمت الدولة بتطبيق التأمين التعاوني الإلزامي على رخص القيادة والذي بدأ تطبيقه في 15/9/1423هـ وتعالت الأصوات بين من يشنع على المبيحين وأنهم أضاعوا الدين واتبعوا لشهوات ومن يرمي المانعين بالغلو والتشدّد وتناقلت بعض الصحف ومواقع الإنترنت أخبار هذه الردود والخلافات . وكم كنا نود أن يكون لهيئاتنا العلمية صوت يعلو على كل تلك الأصوات يدعو للنظر المتجرد المبني على نصوص الشرع ومقاصده الكلية .
فأحببت أن أبعث بهذا المقال إلى كل عالم أو طالب علم ليجلى لنا الموقف الصحيح أمام هذه النازلة ويزيل كل التباس وقع في نفوس كثير من الناس ، ويبين حقيقة النظر الشرعي الذي ينبغي أن يسير عليه المفتى أو المجتهد في مثل تلك المسائل .
ولعلي أن أساهم بالدعوة إلى بحث هذه المسألة والنظر فيها مرة أخرى وعدم التردد وترك الناس في الحيرة والاضطراب الذي صنعته تلك الأصوات المحرمة والردود عليها والاختلافات الضيقة التي أنتجت حرجاً لكثير من المسلمين .
ومن مبررات مطالبتي بإعادة النظر في بحث المسألة و علاج هذه النازلة ما يلي :
1- إن السماحة واليسر من أعظم أوصاف الشريعة .(6/24)
كل من نظر في الشريعة الإسلامية أصولها وفروعها ظهر له وبشكل قطعي أن مبتنى أحكامها على السماحة واليسر وقد دلت على ذلك الكثير من النصوص والدلالات الشرعية من الكتاب والسنة والآثار المختلفة . ومن ذلك قولة تعالى : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " [البقرة 185 ] والوجه الذي تحمل عليه هذه الآية هو عموم اللفظ في جميع أمور الدين الدينية والأخروية وهو ما ذهب أليه جماعة من المفسرين (1) وأكد المولى عز وجل المعنى الوارد في الآية السابقة ، بقوله : " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " [الانشراح 5-6 ] وقد قال صلى الله عليه وسلم في تفسيرها : " لن يغلب عسر يسرين "(2). إن الإسلام دين الفطرة ومعلوم أن الفطرة في الجملة راجعة إلى الجبلة ، وهي مضادة للشدّة والعنت وتنفّر منها فكان على الشريعة حتى تلائم هذا الوصف في النفوس أن تكون سهلة سمحة ، وهذا هو الضمان القويّ لنفوذها في الخلق . يقول الإمام الشاطبي رحمة الله : " إن الله وضع هذه الشريعة المباركة حنيفية سمحة سهلة حفظ فيها على الخلق قلوبهم وحببها لهم بذلك ، فلو عملوا على خلاف السماح والسهولة لدخل عليهم فيما كلّفوا ما لا تخلص به أعمالهم "(3) .
وموضوع التأمين من العقود التي استجدت في عصرنا الحاضر ولا يختلف اثنان أن الغاية منه هو تفتيت الأخطار عن المشتركين فيه وأن يتحملوا مسؤولية تخفيف الأضرار عمن نزلت به الكارثة منهم وأصابه هلاك في ماله او تجارته . وهذه الغاية محمودة شرعاً وحاجة الناس إليها ماسة وعظيمة ، فإن كان تحقيقها من خلال عقد معاوضة يحصل فيها المؤمّن على قسط ثابت من المال في مقابل تحمله كلا الأضرار التي تقع على المومّن كان هذا العقد ممنوعاً (4) .
أما اذا كان العقد يقصد به التبرع والتعاون بين المؤمنين فهذا جائز بناء على رأي كثير من الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية (5) فما دام أن الحاجة إليه ماسة ونفعه كبير لكثير من الناس فما المانع أن يُبحث له عن صيغة مقبولة شرعاً وتعمم على الجهات ذات النفع المشترك من هذه العقود .
إن التباطؤ في أيجاد الصيغ الشرعية المقبولة لهذه العقود قد يُفهم منه إما عجز في الشريعة _ وحاشاها ذلك _ أو عجز في العلماء انهم لم يستطيعوا إيجاد مثل هذه الصيغ_ ولا أظنه كذلك _ و الذي ينبغي في هذا المقام أن يبادر العلماء في علاج هذه النازلة وذلك أن شريعة السماحة واليسر لا يمكن أن تترك الناس في حرج وضيق لعقد من العقود التي يحتاجونها حاجة ماسة وفيها مقومات السعة والتخفيف على الناس .
2-إيجاد المخرج الشرعي المخلص من الأثم في المستجدات المعاصرة ضرورة واقعية.
من الدواعي لتكرار النظر في مسألة التأمين التعاوني الذي أصبح أمراً ملزماً للناس في البلاد هو أيجاد المخرج الشرعي لهم إذ لو أغلق المفتي الباب في مثل هذه المسألة المترددة بين الإباحة والحظر- عند البعض -وشددّ فيها القول سداً للذريعة المتوقعة مع وقوع الاحتياج الظاهر لها لأدى هذا إلى انفضاض الناس من حول الدين وربما يؤدي إلى غرقهم في مسائل أكثر شناعة وحرمة من غير حاجة إلى سؤال أهل العلم أو معرفة رأي الشرع فيها ، ولذلك كان من المهم سد الذرائع المفضية إلى مفاسد راجحة وإن كانت ذريعة في نفسها مباحة ، كما ينبغي فتح الذرائع إذا كانت تفضي إلى طاعات وقربات مصلحتها راحجة (6)
إن البحث عن المخارج الشرعية المخلصة من المآثم منهج شرعي معتبرقد يحتاج إليه المفتي أو الفقيه في بعض المسائل النازلة بالناس وليس ذلك من التحايل المذموم .
وقد فصّل الإمام ابن القيم في هذه المسألة حيث قال :"لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه ، فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه ، فإن حسن قصده في حيلة جائزة لاشبهة فيها ولا مفسدة ؛ لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك ، بل أستحب ، وقد أرشد الله نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثاً فيضرب به المرأة ضربة واحدة ، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً إلى بيع التمر بدراهم ، ثم يشتري بالدراهم تمراً آخر فيخلص من الربا0
فأحسن المخارج ما خلّص من المآثم وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم والله الموفق للصواب "(7) .
3-فقه العقود والمعاملات هو فقه الضرورات (8).
إن من المسلمات فقهاً أن عقود المعاملات ضرورية للحياة الاجتماعية وتختل بدونها الحياة ، ولا تسير أمور المجتمع الإنساني على استقامة واعتدال ؛ ذلك أن علاقة البشر بعضهم ببعض علاقة تكامل واحتياج متبادل ، ولذلك تنوعت صور العقود والمعاملات المالية من بيع وإجارة وسلم واستصناع وكفالة و غيرها ، ولو جرت المعاملات على نمط واحد دون تنوع وتعدد لأدى إلى مشقة بالغة ولما نمت الحياة وتطورت 0
يقول الامام السيوطي رحمة الله : " ومن التخفيف جواز العقود الجائزة ، لأن لزومها يشق ، ويكون سبباً لعدم تعاطيها ومن التخفيف أيضاً : لزوم اللازم وإلا لم يستقر بيع ولا غيره "(9)
فالشرع قد نظر إلى مصلحة العباد واحتياجاتهم الضرورية ، فرفع عنهم المشقة والحرج بإباحته لهم ضروباً من المعاملات ، وأصنافاً من المشاركات ، والمضاربات وبلأخص تلك العقود التي يحتاجها أغلب المجتمع و لا ينفك من التلبس بها الا القليل من الناس ، فجعل الشرع السبب في ذلك التخفيف هو :
( العسر وعموم البلوى ) والمقصود بهذا المصطلح : حين يبلغ الأمر من الصعوبة حداً لا يستطيع أحد في (10)المجتمع لأن يتفاداه ، فينجم عن هذا عفو الشارع ، والسماح به ، وعدم المؤاخذة عليه . وقال الفقهاء في مثل هذا : " إن ما عمت بليته خفت قضيته "(11) ومعظم العقود المالية على مذهب الحنفية وغيرهم هي ضرورة(12) ، وأجيزت على خلاف القياس فبيع الموصوف في الذمة كالسلم جوّز على خلاف القياس ؛ دفعاً لحاجة المفاليس ، والإكتفاء برؤية ظاهر الصبرة ، والأنموذج ومشروعية خيار الشرط دفعاً للندم ، ومنه الرد بالعيب ، والإقالة ، والحوالة، والرهن ، والضمان ،والإبراء ، والقرض والشركة ، والصلح ، والحجر ، والوكالة ، والإجارة ، والمزارعة ، والمساقاة وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقهاء ، بل هناك من القضايا المعاصرة التي أجيزت على خلاف الراجح نظراً للحاجة العامة لها كالشرط الجزائي وبيوع الوفاء وبيع التورق وبيع المرابحة للآمر بالشراء . واعتقد والله أعلم أن عقد التأمين التعاوني الإلزامي لا يبتعد عما سبق ذكره من عقود صححتها الشريعة نتيجة لحاجة الناس إليها وإن خالفت القياس والقاعدة المطردة في عقود المعاملات ، وإن طرأ فيها ما يخل بالعقد فاعتقد أيضاً أن مجال تصحيحه ممكن ومعلوم لأهل العلم 0 هذا مع علمنا أن الأصل في العقود الصحة إلا ما أبطله الشرع أو نهى عنه .
4- فتح المجال للبديل المباح عند المنع من المحظور :
وهذا الأدب في الفتيا له من الأهمية القصوى في عصرنا الحاضر القدر العظيم ، وذلك أن كثيراً من المستجدات الواقعة في مجتمعنا المسلم قادمة من مجتمعات كافرة أومنحلة لا تراعي القيم والثوابت الاسلامية ، فتغزو مجتمعنا بكل قوة مؤثره ومغرية كحال كثير من المستجدات في العقود المالية وغيرها ولعل التأمين مثال حيٌّ لها .(6/25)
فيحتاج الفقيه إزاءها أن يقر ما هو مقبول مباح شرعاً ويمنع ما هو محظور أو محرم مع بيانه لحكمة ذلك المنع وفتح العوض المناسب والاجتهاد في وضع البدائل المباحة شرعاً حماية للدين وإصلاحاً للناس . وهذا من الفقه والنصح في دين الله عز وجل .
كما قال ابن القيم رحمة الله : " من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعو إليه ، أن يدله على ما هو عوض له منه ، فيسّد عليه باب المحظور ويفتح له باب المباح وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر مع الله وعامله بعلمه ، فمثالة من العلماء : مثال الطبيب العالم الناصح في الأطباء ، يحمي العليل عما يضره ، ويصف له ما ينفعه ، فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم "(13)وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم " (14)
إن البحث عن البديل المباح عند المنع من المحظور هو مهمة العالم الثقة وإذا لم يقم بهذا الدور العظيم فلربما يُعتلى من قبل خلاق لهم في العلم أو الورع فيسيروا بهم نحو الانحلال هروباً من العنت والحرج زعموا.
وما أحسن ما قاله الإمام سفيان الثورى رحمة الله : " إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشدد فيحسنه كل أحد "(15)
5- حكم الحاكم يرفع الخلاف
قال الزركشي رحمه الله : " قالوا حكم الحاكم في المسائل المختلف فيها يرفع الخلاف ، وهذا مقيد بما لا ينقض فيه حكم الحاكم ، أما ينقض فيه فلا "(16) ومدار نقض الحكم على تبين الخطأ، والخطأ إما في اجتهاد الحاكم في الحكم الشرعي حيث تبين النص أو الاجماع أو القياس الجلي بخلافه ويكون الحكم مرتباً على سبب صحيح ، وإما في السبب كأن يكون الحكم مرتباً على سبب باطل كشهادة الزور مثلاً .
والتأمين التعاوني الإلزامي فيه خلاف قوي بين العلماء فلماذا لا يترجح جوازه بناءً على ترجيح الحاكم له والإلزام به .
هذه بعض التأملات التي جالت في خاطري حول مسألة التأمين وأهمية الإجتهاد في معرفة حكمه بما يحقق مقاصد التشريع من طاعة الخالق وإسعاد الخلق بأحكام الله الباهرة والله أعلم وصلى الله على نبيه وآله وسلم .
(1) - انظر : البحر المحيط 2/ 48 ، الدر المنثور 1 / 350 ، المحرر الوجيز 1 / 255 .
(2) - رواه مالك في الموطأ، كتاب الجهاد ، باب الترغيب في الجهاد 2/443 .
(3) - المرافقات 2 / 233 .
(4)- انظر: قرار هيئة كبار العلماء في دورته العاشرة 4/4/1397هـ ؛ قرار المجمع الفقهي التابع للرابطة في دورته الأولى 1398م وقرار المؤتمر الثاني للمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي 1406هـ .
(5) - انظر ما سبق من قرارت المجامع والهيئات السابقة الذكر ، الاقتصاد الإسلامي للسالوس 1 / 455 ؛
مجلة المجمع الفقهي للرابطة العدد ( 11 ) ص 243 ، 256 ؛ مجلة الفقه الإسلامي العدد الثاني 2 /457 - 731
(6) - انظر : شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 449 ؛ إعلام الموقعيين لاين القيم 3/109 .
(7) - اعلام الموقعين 4/170 ، 171 .
(8) - فقة الضرورة وتطبيقاته المعاصرة ، آفاق وأبعاد . د. عبدالوهاب أبوسليمان ص 140 .
(9) - الأشباه والنظائر ص 71 .
(10) - انظر: رفع الحرج لابن حميد ص 261 .
(11) - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 92 .
(12) - انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 88 ، 89 .
(13) - أخرجه البخاري في صحيحه ينحوه ، كتاب الاحكام ، باب بطانة الإمام وأهل مشورته رقمه ( 6659 ) .
(14) - إعلام الموقعين 4 /122 ؛ انظر:المجموع للنووي 1 / 87 ،83 ؛ الفتوي في الاسلام للقاسمي ص 83(15) - جامع بيان العلم وفضله 1/784 .
(16) - المنثور في القواعد 2/69.
==============
التأمين أنواعه وأحكامه (1/2)
منصور بن تركي المطيري 11/3/1423
23/05/2002
خلال السنوات العشر المنصرمة وأنا في بداية التكوين العلمي سواء من خلال الدراسة النظامية في المعهد العلمي والكلية ثم المعهد العالي للقضاء أو من خلال الدراسة على الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله -، ما زلت مقتنعا بجوانب من الكلام على موضوع التأمين التجاري، لكن كنت أعتقد أن هناك جوانب تمثل خللا يحتاج إلى مزيد بحث ونظر.
وبعد مدة من إمعان النظر - خاصة وقد تزايدت الحاجات إلى النظر المباشر في مسألة التأمين، وتغيرت كثير من الظروف التي تدعو إلى بيان شاف في حكم التأمين - وجدت أن كثيرا من القضايا المتعلقة بحكم التأمين لا يزال فيها أخطاء علمية لم أجد من وضحها، كما أن هناك بعض المسائل والأدلة لم يشر إليها ولم يمعن النظر فيها لذا سعيت إلى إظهارها وإبرازها، ولا شك أن مسألة التأمين مسألة حادثة في العصور المتأخرة وفي الوقت نفسه شائكة ومشكلة نوعا ما.
والتأمين يأخذ ثلاث صور وأنواع رئيسة هي التأمين الخيري، والتأمين التعاوني، والتأمين التجاري (1)، حيث يقوم الخيري على مبدأ الزكاة والصدقة، والدافعون له هم الأغنياء، والمستفيدون منه هم الفقراء. وأما التعاوني فيقوم على اشتراك جماعة من الناس في دفع أقساط يؤديها الجميع ومن خلالها يمكن استفادة أي منهم بهذه المبالغ عند حصول الحادث أو الضرر، وتدير هذا التأمين جمعية تعاونية، أما التجاري فهو مثل التعاوني إلا أنه يهدف إلى الربح، وتديره شركة ربحية تجارية.
فالتأمين الخيري متفق على مشروعيته على تفاصيل أحكامه المعروفة في كتب الفقه، والتعاوني أجازه الكثيرون ومنعه البعض - وممن أجازه هيئة كبار العلماء. والتجاري وهو موضوع حديثنا مختلف فيه بين العلماء، ومن الأمور التي لاحظتها في الكلام على هذا النوع من التأمين هو التزايد في التدليل من كلا الطرفين المبيحين مطلقا والمانعين مطلقا، كما أني لاحظت وجود حق في أدلة كل فريق، وعليه سأظهر الرأي الوسط في هذا المقال المختصر والذي يأخذ بكل حق عند الآخر وتبيين ما عنده من خطأ بقدر الإمكان، والذي أعتقد أن الاهتمام به وتفعيله سيؤدي إلى تقريب كبير لوجهات النظر المتباينة.
حقيقة التأمين التجاري
أريد أن أبين هنا أن كلامي في هذا المقال منصب على حكم جوهر التأمين وذاته، ولست أقصد الكلام على عقود شركات التأمين الحالية التي يتضمن كثير منها مخالفات شرعية سواء في الشروط أو في بعض أنواع التأمين التي يقول بمخالفتها للشريعة حتى القائلون بإباحة التأمين مطلقا، والتأمين اصطلاح عربي حديث، يقابل في الاصطلاح الفرنسي (Assurance) والإنجليزي: (Insurance) ويعني تحقيق الأمان، والأمان بالفرنسية (Securite) وبالإنجليزية (Security) ومن هذين اللفظين دخلت كلمة (سوكرة) أو (سوكرتاة) إلى بعض الجهات العالمية في مثل الشام (2) وقد استخدمت في بعض البحوث القديمة.
وتعريفه القانوني كما عرفه بعض الباحثين فقال: هو التزام طرف لآخر بتعويض نقدي يدفعه له أو لمن يعينه عند تحقيق حادث احتمالي مبين في العقد مقابل ما يدفعه له هذا الآخر من مبلغ نقدي في قسط أو نحوه (3).
التأمين التجاري قمار وغرر ولكن…(6/26)
كثير من القائلين بحرمة التأمين مطلقا يصوغون ثلاثة أدلة أو أكثر وهي عند التحقيق وفي الحقيقة تعود إلى دليل واحد (4)، فيقولون: التأمين حرام لأنه ميسر وقمار، ولأنه غرر وجهالة، ولأنه رهان ومخاطرة، ولأنه أكل لأموال الناس بالباطل، وهذا الأخير من آثار ما سبقه من تعليلات وليس مستقلا عنها، وكل ما سبق في الواقع دليل واحد، وأنا أستغرب من محاولة التعداد والتكاثر لمعاني مترادفة، أو على الأقل معاني متقاربة جدا، بل ومن المؤكد هو اتفاقها وتطابقها في أغلب القضايا المعينة، فإنها وإن تفاوتت في المفهوم، فقد تطابقت في كثير من المصادقات التي منها التأمين، وإظهار التباين في موطن الاتفاق خلل وعيب.
والقمار في اللغة من قمر يقمر مقامرة وقمارا وقمرا من باب نصر، يقال: قمر الرجل الثلج: تحير بصدره من الثلج، وتقمر الصيد: خدعه، وتقمر المرأة خدعها وطلب غرتها، وتقمر عدوه: تعاهد غرته ليوقع به، وتقمره: راهنه فغلبه (5)، ففي معنى القمار في اللغة التغرير بالشخص لجهالة عاقبة أمره، وهذا مقارب للمعنى الاصطلاحي الذي سيأتي.
ويبحث معنى القمار في لغة الفقهاء واستعمالاتهم، وهل هو خاص باللعب بالمال، كما يقول الدكتور رفيق المصري عازيا ذلك إلى أبي عبيد صاحب كتاب الأموال (6)، أو هو عام لكل غرر اشتمل على مخاطرة بين حصول الغنم أو الغرم؟. نجد بعد التتبع لأقوال العلماء والفقهاء واستعمالاتهم للفظ القمار أنهم يعممون معناه: فقد أطلق الإمام مالك على بعض بيوع الغرر قمارا (7) وتبعه في ذلك أصحابه، كما أطلق الشافعي القمار على معاملات ليس فيها لعب مثل قوله المعروف في شركة المفاوضة بأنها قمار (8)?، وكذلك كثير من الأحناف (9)، وأما الحنابلة فهم أيضا يوسعون معنى القمار، ودليل على ما ذكرنا: كلام السلف عند قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم وكبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما (10)، حيث قال كثير منهم: "الميسر هو القمار كله"، وقالوا أيضا: "القمار الميسر"، وقال بعضهم: "كل شيء له خطر فهو من الميسر" ورد مثل ذل بمعان متقاربة عن ابن عباس، والحسن، وقتادة ومعاوية بن صالح، وابن سيرين، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم (11).
يقول ابن تيمية: "لفظ الميسر هو عند أكثر العلماء يتناول اللعب بالنرد والشطرنج ويتناول بيوع الغرر التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم، فإن فيها معنى القمار الذي هو ميسر، إذ القمار معناه أن يؤخذ مال الإنسان وهو على مخاطرة هل يحصل له عوضه أو لا يحصل… وعلى هذا فللفظ الميسر في كتاب الله يتناول هذا كله، وما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر يتناول كل ما فيه مخاطرة (12)، وقال أيضا: "الغرر هو المجهول العاقبة فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار" (13). وقال ابن القيم: "الجهالة المانعة من صحة العقد التي تؤدي إلى القمار والغرر" (14)، وقال ابن مفلح: "الغرر ما تردد بين الوجود والعدم فهو من جنس القمار الذي هو الميسر وهو أكل المال بالباطل" (15).
وبهذا يتبين أن معاني الميسر والقمار والرهان والمخاطرة والغرر متقاربة إن لم تكن متطابقة هنا من حيث المقاصد، وعليه فإنه وبالنظر إلى التأمين وحقيقته نجد أنه مشتمل على وجود المقامرة والمخاطرة لأن المؤمن عليه الذي دفع قسطه قد يحصل عليه حادث أو حوادث فيحصل على التعويض المناسب فيكون رابحا وقد لا يحصل عليه شيء فيكون خاسرا، والتأمين مبني على عنصر الخطر والاحتمال، فلا يكون التأمين أبدا على حادث محقق الوقوع، ووجود الغرر والقمار في التأمين أمر معترف به عند الغربيين، فهو يدخل عند رجال القانون الفرنسي فيما يسمى : (Contrats aleatoirs) وهي عقود الغرر، أو العقود الاحتمالية، وهو عندهم مستثنى من القمار المحرم (16).
تساؤلات وأجوبة:
لكن … 1- هل تحريم القمار (الميسر) أو الغرر كان سدا للذريعة فيباح حينئذ للحاجة؟
2- وهل تحريم الميسر كله في درجة واحدة من التحريم أو في درجات متفاوتة؟
3- هل تحريم القمار (الميسر) أو الغرر مثل تحريم الربا؟ وعليه، ما موقف التأمين من كل ذلك؟.
1- بالنظر في كثير من الأدلة والأحكام وكلام العلماء نجد أن القمار (الميسر) والغرر مما حرم سدا للذريعة، وقد توسع في ذلك ابن تيمية في كتابه (القواعد النورانية) وفي بعض أجوبته كما في المجموع له، ويدل عليه قوله تعالى: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" (17)، فأخبر سبحانه أن الميسر يوقع العداوة والبغضاء، فإن المطالبة بلا فائدة وأخذ المال بلا حق يوقع في النفوس ذلك (18)، وأيضا ما جاء في الحديث الذي رواه زيد بن ثابت: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع (أي المشتري): إنه أصاب الثمر دمان، أصابه مرض، أصابه قشام عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله - لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: "وايم والله فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر" كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم، فقد أخبر أن سبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما أفضت إليه من خصام.
2- القاعدة الفقهية تقول: ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة أو للمصلحة الراجحة" كما قرر ذلك جمهور العلماء كالعز بن عبدالسلام، والقرافي، وابن تيمية، وابن القيم، والمقري، وغيرهم (19)، وضابط الحاجة هو كونها متضمنة لمصلحة راجحة على المفسدة المفضية إليها الوسيلة.
3- يجدر الإشارة هنا - للإجابة على التساؤل الثالث- إلى أن الذريعة أو الوسيلة تتفاوت من وسيلة إلى أخرى، فقد تكون الوسيلة مقصدا وغاية لما دونها، وقد تكون الوسيلة تفضي إلى شرور ومفاسد قطعية وكثيرة، وقد تفضي إلى مفاسد وشرور ظنية أو محتملة وقليلة، وعليه فالحاجة التي تبيح الأخيرة لا تبيح التي قبلها للاختلافات، بل قد تصل تلك إلى كونها أشد في جنسها من بعض ما حرم تحريم مقصد من غيرها، والميسر بخصوصه يشمل أنواعا من المسائل التي يتفاوت إفضاؤها إلى الشرور والمفاسد قوة وضعفا، وقلة وكثرة، لذا يقول ابن تيمية: "الميسر اشتمل على مفسدتين: مفسدة في المال وهي أكله بالباطل، ومفسدة في العمل وهي ما فيه من مفسدة المال وفساد القلب وفساد ذات البين، وكل من المفسدتين مستقلة بالنهي فينهى عن أكل المال بالباطل مطلقا، ولو كان بغير ميسر كالربا، وينهي عما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع بالعداوة والبغضاء ولو كان بغير أكل مال، فإذا اجتمعا عظم التحريم فيكون الميسر المشتمل عليها أعظم من الربا ولهذا حرم ذلك قبل تحريم الربا (20)، ويقول في موضع آخر: "وهذا أصل مستمر من أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها، وبينا أن كل فعل أفضى إلى ذلك المحرم كثيرا كان سببا للشر والفساد فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة نهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد، ولهذا نهي عن الخلوة بالأجنبية، وأما النظر لها فقد كانت الحاجة تدعو إلى بعضه وخص منه فيما تدعو له الحاجة، لأن الحاجة سبب الإباحة، كما أن الفساد والضرر سبب التحريم فإذا اجتمعا رجح أعلاهما (21).(6/27)
4- الأصل في الميسر أنه أقل حرمة من الربا إلا أنه قد يزيد عليه إذا اجتمعت فيه الشرور والمفاسد القطعية والكثيرة، لذا قال ابن تيمية: "فتبين أن الربا أعظم من القمار الذي ليس فيه إلا مجرد أكل المال بالباطل" (22)، وقال أيضا: "فالربا في ظلم الأموال أعظم من القمار… فلو لم يكن في الميسر إلا مجرد القمار لكان أخف من الربا لتأخر تحريمه، وقد أباح الشارع أنواعا من الغرر للحاجة" (23)، وفي موضع آخر يقول: "وتحريم الربا أشد من تحريم الميسر الذي هو القمار لأن المرابي قد أخذ فضلا محققا من محتاج، وأما القمار فقد يحصل فضل وقد لا يحصل" (24)، ويقول: "ومفسدة الغرر أقل من الربا فلذلك رخص فيما تدعو الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا (25)، وبهذا يتبين أن القمار الذي ليس فيه إلا مجرد القمار أقل حرمة من الربا. بهذا السياق نصل إلى نقطة مهمة وهي: ما موقف التأمين مما سبق؟: عند تأملنا للتأمين نجد أنه مجرد مخاطرة بالمال مبنية على استفادة المؤمن عليه عند حصول الحادث المحتمل وقوعه، وخسارته قسطه عند عدم هذا الحادث وربح المؤمن في هذا الحال، فإذا علمنا خلو التأمين من المفاسد المنصوص عليها في الآية وهي الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وعدم وقوع العداوة والبغضاء به، خاصة إذا قام عقد التأمين على قواعد بنود واضحة وغير مجملة، وكان محررا من جهة (شرعية أنواعه). لم تكن مشكلته حينئذ إلا مجرد القمار الذي يغمر في جانب الحاجة الماسة والمصلحة الراجحة، والقاعدة الفقهية تقول: لا يجوز تعطيل المصالح الغالبة خوفا من المفاسد النادرة، والقاعدة الأخرى: أغلب ما بني عليه الشرع جلب المصالح الظاهرة ودرء المفاسد البينة" (26).
فكان النظر وقتها محصورا في مدى "الحاجة للتأمين" ومدى أرجحية مصلحته بالنسبة لمفسدته بناء على القاعدة التي ذكرتها وهي أن ما حرم سدا للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة.(1) الحظر والتأمين، د. رفيق المصري ( ص 57).
(2) نفس المرجع (ص 33).
(3) التأمين وأحكامه للدكتور سليمان الثنيان (ص 40).
(4) نفس المرجع (ص 212 - 240)، وبحث لبعض أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء كما في مجلة البحوث (عدد 19) (ص 71 - 126).
(5) القاموس المحيط (ص 598).
(6) د. المصري - مرجع سابق - (ص 73).
(7) المدونة، كتاب الغرر (255/3).
(8) الإمام الشافعي (237/3).
(9) انظر المبسوط للسرخسي (101/15)، وتبيين الحقائق للزيلعي (132/4).
(10) سورة البقرة (آية 219).
(11) انظر تفسير الطبري (370/2)، وأحكام القرآن للجصاص (450/1)، والمصنف لابن أبي شيبة (280/5) (194/6).
(12) مجموع الفتاوى (283/19)، وانظر القواعد النورانية (ص 194).
(13) المجموع (22/29).
(14) إعلام الموقعين (266/3).
(15) الفروع (430/4).
(16) د. المصري - مرجع سابق - (ص66).
(17) سورة المائدة (آية 91).
(18) انظر الفتاوى الكبرى (30/4).
(19) انظر القواعد الكبرى للعز بن عبدالسلام (123/1)، (77/2)، والفروق للقرافي (62/2) الفرق (58)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (298/22)، و(46/29)، و (228/32)، وزاد المعاد لابن القيم (242/2) و بدائع الفوائد له (722/3) والقواعد للمقري (ق 146).
(20) الفتاوى الكبرى (473/4).
(21) نفس المرجع (472/4).
(22) نفس المرجع.
(23) نفس المرجع.
(24) مجموع الفتاوى (341/20)
(25) القواعد الكبرى للعز (138/1)، و (83/1).
(26) انظر الهامش رقم (2).
==============
وقفات في قضية التأمين
د.سامي بن إبراهيم السويلم 6/5/1426
13/06/2005
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فبالرغم من كثرة ما كتب عن التأمين، إلا أن الفرق بين التأمين التجاري والتعاوني قد التبس على كثيرين، إلى درجة التسوية بينهما ونفي الفارق المؤثر. وقد أدى ذلك إلى موقفين متناقضين، فمن جهة يرى البعض أنه إذا كان التأمين التعاوني جائزًا، ولا فرق بينه وبين التجاري، فالتجاري إذن جائز. وذهب البعض إلى العكس: فإذا كان التأمين التجاري محرمًا، ولا فرق بينه وبين التعاوني، فالجميع إذن ممنوع. و "كلا طرفي قصد الأمور ذميم" كما قال الشاعر.
ولذلك عنيت هذه الورقة بإبراز أهم الفروق، الفقهية والاقتصادية، بين التأمين التجاري والتعاوني، وتتبع أسباب تحريم التأمين التجاري ومفاسده، وبيان انتفائها من التأمين التعاوني، مما يؤكد النتيجة التي قررها جماهير الفقهاء المعاصرين، من حرمة الأول ومشروعية الثاني. وتحدد الورقة عددًا من الضوابط للتأمين التعاوني تنأى به عن مفاسد التأمين التجاري. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
==============
رؤية شرعية اقتصادية في الشركات التأمينية التعاونية التجارية
د: يوسف الزامل * 9/1/1425
29/02/2004
حيث لايزال الحوار قائمًا بين المهتمين المختصين حول شرعية الشركات التأمينية التي تجمع بين هدف الربح والتعاون في آن واحد؛ فيمكن أن نضع بعض المبادئ التي يمكن أن تكون جوهرية في تطوير التفاعل العلمي حول هذا المجال الحيوي كما في الفقرات التالية:
1- إن الشريعة لاتمنع أن يكون في عقد واحد (أوعقدين في مؤسسة واحدة) بيع (متاجرة) وإحسان وتعاون (كسلف أوهبة أوتعويض).. وأما حديث النهي عن سلف وبيع؛ فحمله المحققون على أنه يتوجه إلى البيع المشروط بانتفاع أحد أطراف العقد (وهو البائع) بسلف إلى المشتري مع كسبه من البيع؛ فيدخل الربا.. وأما الانتفاع من كل الأطراف بيوع وأسلاف مشتركة المنافع بينهم بالتساوي مع عدم اشتراط إتمام السلف بالبيع أوالبيع بالسلف؛ فلا وجه لمنعه، ولذلك فالتأمين التعاوني التجاري لا يتطرق اليه المنع من هذا الوجه، ولا يلزم أن يكون التأمين تبرعًا محضًا لا تجارة فيه للمؤمن عليهم أو من يضارب معهم برأسماله.
2- أن الذين يمنعون التأمين التعاوني التجاري ويقيدونه بأنه يجب أن يكون تطوعيًّا محضًا لايرجع فيه إلى المؤمن عليهم ولا غيرهم رأس مال ولاربح؛ بل يخرجون كل ما يدفعونه من أقساط على أنه صدقة مرتبة … هذا الرأي مبني على مبدأ النظر إلى الشركاء على أنهم مستقلون عن بعضهم البعض وأنهم ( كل واحد منهم ) يعتبر في حالة معاوضة مع الآخر بشكل مستمر، وأن الشركة ليست إلا مظله لهذه المعارضات … وبالتالي فينتج من هذه النظرة إلى أنه يتحتم ألا يستفيد أي شريك من هذه المعاوضات من الشريك الآخر بأي زيادة وإلا صارت ربًا ، فلا تحل إلا إذا كانت على وجه التبرع المحض والخروج المطلق عن رأس المال والتخلي عن الملكية..
هذا المبدأ السائد بين الفقهاء يقابله مبدأ الشخصية المعنوية المستقلة للشركة والتي ينصهر فيها الشركاء؛ فلا تكون التصرفات تحتها ممثلة لأحد أو بعض الشركاء؛ بل للشركة بشخصيتها الاعتبارية الكلية المستقلة عن الشخصيات الطبيعية لكل شريك … وظاهر فتوى الفقهاء تدل على عدم قبول مبدأ الشخصية المعنوية المستقلة ذات الذمة المالية المتميزة عن ذمم الشركاء، ولعل السبب في عدم قبوله (ظاهرًا) هو أنه مبدأ جديد ارتبط بظهور الشركات الحديثة، بينما تقوم الفتاوى على أشكال الشركات في الفقه الاسلامي التاريخي ، والتي وإن كان لا يظهر في أي منها على حدة مبدأ الذمة والشخصية المعنوية المالية المستقلة. فإنه يستنبط من مجموعة قواعد عدد من هذه الشركات (1).(6/28)
والقبول للشخصيه المعنوية للشركات مهم جدًّا للاقتصاديات الحديثة، ورده لا يتصور معه انسياب الأعمال المعاصرة؛ بل قبول هذا المبدأ هو الذي عليه عمل الناس في قطاعاتهم الخاصة والعامة. والشركة ذات الشخصية المعنوية المستقله عن شخصيات الشركاء تنهي قضية الربا والقمار بين الشركاء في الشركة التأمينية لأنهم في هذه الحالة ليسوا أطرافًا متعاوضة وإنما هم طرف واحد يكفل أعضاءه المشاركين والمشتركين كما يتاجر لهم.
3- الشركة التأمينية التعاونية التجارية يمكن أن يكون فيها شركاء مؤمن عليهم وشركاء مضاربون مع الشركاء المؤمن عليهم، وحتى تكون الشركة سليمة من الريا والغرر والظلم؛ فلا بد أن تكون حقوق المشاركين من المؤمن عليهم عادلة مع الشركاء المضاربين معهم من حيث كفالة المؤمن عليهم وأرباحهم المتوقعة بأنصبة عادلة، مع تمثيلهم بحجم مشاركاتهم في رؤوس الأموال في مجالس الجمعيات العمومية ومجلس الإدارة.
4- الشركات التأمينية التعاونية في السعودية مثل التعاونيه وميثاق وغيرها تخلط بين أسس الشركات التأمينية التجارية التقليدية (الرأسمالية) ذات الغرر والربا وبين شيء من الأسس التعاونيه بتقسيم جزء بسيط من الأرباح إلى المشاركين المؤمن عليهم ، ولكن النصيب للشركاء المضاربين يكون احتكاريًّا استغلاليًّا ، وبالتالي يكون متضمنًا للغرر والربا؛ لأن المشاركين المؤمن عليهم لم يندمجوا تمامًا مع الشركاء المضاربين برأس المال فلا يكونون حينئذ شخصية معنوية واحدة متجانسة في الشركة وبالتالي بعيدة عن بروز شخصيات مستقلة للشركاء المتعاوضين المتبادلين داخل الشركة.* أستاذ مشارك قسم الاقتصاد جامعة الملك سعود
(1)- انظر تحليلاًمفصلاًعن هذا في بحث د. يوسف الزامل An Islamic Institutionalization of Joint Stock Company and Stock Exchange جارى نشرة بمجلة البحوث والاقتصاد الإسلامي
==============
رؤية شرعية في شركة التأمين التعاونية
خالد بن إبراهيم الدعيجي 3/11/1425
15/12/2004
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه الورقات محاولة لبيان حقيقة الشركة التعاونية للتأمين، وهل هي تزاول التأمين التعاوني أو التجاري.
وينتظم عقد هذه المحاولة في النقاط الآتية:
أولاً: التعريف بالشركة.
ثانياً:أنواع التأمين.
ثالثاً: حكم التأمين.
رابعاً: الفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني.
خامساً: هل شركة التعاونية للتأمين تمارس التأمين التعاوني أم التجاري؟
سادساً: حكم الاكتتاب بشركة التعاونية للتأمين.
وهذه المحاولة عبارة عن مفاتيح لطلبة العلم لمعرفة حقيقة الشركة، ومن ثم الإدلاء برأيهم فيها.
وأسأل الله عز وجل أن ينفع بها، وأن تكون خير معين لمن تصدر للإفتاء.
والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1. التعريف بالشركة.
تأسست الشركة الوطنية للتأمين التعاوني في عام 1986م كشركة مساهمة سعودية مغلقة ، وهي مملوكة بالكامل لمؤسسات حكومية سعودية مبينة كما يلي:
صندوق الاستثمارات العامة 50%، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 25%، صندوق معاشات التقاعد 25%. والغرض من إنشاء الشركة مزاولة أعمال التأمين التعاوني، ويتمثل النشاط الرئيسي للشركة في تقديم كافة خدمات التأمين من سيارات ، بحري، حريق، طاقة، طبي، هندسي، طيران، وتأمين حوادث متنوعة.
وتدير الشركة أعمال التأمين بالإنابة عن المؤمن لهم ،كما تقوم بتقديم التمويل لعمليات التأمين عند الحاجة.
وتتقاضى الشركة أتعاباً مقابل إدارة استثمارات عمليات التأمين تعادل 10% من صافي إيرادات استثمارات عمليات التأمين.
بيع 70% من أسهم الشركة للمواطنين.
وقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم 112 وتاريخ 5/4/1425هـ، القاضي ببيع كامل الأسهم المملوكة للدولة من صندوق الاستثمارات العامة في الشركة التعاونية للتأمين ونسبته 50%، ونسبة 10% من مساهمات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ونسبة 10% من مساهمات المؤسسة العامة للتقاعد. فيكون إجمالي النسبة 70% .
وحدد يوم الثلاثاء التاسع من ذي القعدة من عام 1425هـ لطرح الاكتتاب للمواطنين (1).
2. أنواع التأمين:
ينقسم التأمين من حيث شكله إلى قسمين:
القسم الأول: التأمين التعاوني، أو التبادلي.
مفهومه: "أن يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة، ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز، وأعضاء شركة التأمين التعاوني لا يسعون إلى تحقيق ربح، ولكنهم يسعون إلى تخفيف الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء، فهم يتعاقدون ليتعاونوا على تحمل مصيبة قد تحل ببعضهم"(2).
حكمه: أفتى بجوازه كل اللقاءات الفقهية التي تناولت التأمين وأهمها:
أسبوع الفقه الثاني المنعقد في دمشق سنة 1961م وهو المعروف بمهرجان ابن تيمية، وكذلك مؤتمر العلماء الثاني المنعقد بالقاهرة عام 1385هـ، والمؤتمر السابع المنعقد أيضاً في القاهرة عام 1392هـ، والمؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد في مكة عام 1396هـ، والمجمع الفقهي السابع لرابطة العالم الإسلامي في عام 1398هـ ، وقرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في قرارها رقم 300/2/1399، وقرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1406هـ.
ولهذا نقل الإجماع على جوازه عدد من الهيئات الشرعية كهيئة الراجحي الشرعية في فتواها رقم (40)، وكذلك الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا " رحمه الله" (3).
ولكن في هذا الإجماع نظر إذ يوجد من فقهاء العصر من يخالف في هذه المسألة ويرى التحريم، ومنهم الدكتور سليمان الثنيان في كتابه التأمين وأحكامه(4).
القسم الثاني: التأمين التجاري أو ذي القسط الثابت.
مفهومه: وفي هذا ينفصل المؤمن (وهو شركة التأمين) عن المستأمنين الذين تتعاقد مع كل واحد منهم على حدة ويقوم المؤمن بتوزيع المخاطر على المؤمن لهم في صورة أقساط دورية ثابتة يحددها طبقاً لما تقتضيه الأسس الفنية التي يعتمد عليها والمتمثلة في قواعد الإحصاء. ويلتزم المؤمن طبقاً لهذا العقد بدفع مبلغ التأمين عند تحقق حدوث الواقعة التي يتوقف عليها استحقاقه ويتعهد المؤمن (وهو شركة التأمين) بدفع هذا المبلغ بدون التضامن ولا التنسيق مع المستأمنين وما يزيد لديه من مبالغ فإنه يستأثر بها المؤمن ويتحمل الخسارة (5).
حكمه: اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم هذا التأمين على قولين:
القول الأول: التحريم وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 51 وتاريخ 4/4/1397هـ. وكذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى شعبان 1398، وكذلك المجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، القرار رقم 9(9/2) سنة 1406هـ=1985م.
القول الثاني: الجواز،وبه صدر قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي لمصرفية رقم 40 (6)وانتصر له من الفقهاء المعاصرين الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله (7).
والذي يترجح للباحث حرمة التأمين التجاري، لقوة أدلة المحرمين وضعف أدلة المجيزين. ولا يمكن خلال هذه العجالة عرض الأدلة ومناقشتها.
3. الفرق بين التأمين التجاري والتعاوني.(6/29)
لقد ذكر الفقهاء المعاصرون عدة فروق، وتكمن أبرزها فيما يلي:
الفرق الأول: أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار ، فالأقساط المقدمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني تأخذ صفة الهبة (التبرع) (8).
أما التأمين التجاري فهو من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية .
الفرق الثاني: أن التعويض في التأمين التعاوني يصرف من مجموع الأقساط المتاحة.فإذا لم تكن الأقساط كافية في الوفاء بالتعويضات طلب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم لتعويض الفرق. وإذا لم يمكن زيادة الاشتراكات للوفاء بالتعويض لم يقع التعويض ، إذ ليس هناك التزام تعاقدي بالتعويض. أما التأمين التجاري فهناك التزام بالتعويض مقابل أقساط التأمين. ويترتب على هذا الالتزام تحمل الشركة لمخاطرة الأصل المؤمن عليه دون سائر المستأمنين. ولذا كان الهدف من العقد هو المعاوضة، ولكن هذه المعاوضة لا تسمح بربح الطرفين، بل إن ربحت الشركة خسر المستأمن وإن ربح المستأمن خسرت الشركة. فهي معاوضة تتضمن ربح أحد الطرفين مقابل خسارة الآخر ولابد وهذا أكل المال بالباطل (9).
الفرق الثالث: في التأمين التجاري لا تستطيع الشركة أن تعوض المستأمنين إذا تجاوزت نسبة المصابين النسبة التي قدرتها الشركة لنفسها، أما في التأمين التعاوني، فإن مجموع المستأمنين متعاونون في الوفاء بالتعويضات التي تصرف للمصابين منهم، ويتم التعويض بحسب المتاح من اشتراكات الأعضاء.
فالمستأمن في التأمين التعاوني لا ينتظر مقداراً محدداً سلفاً إذا وقع الخطر، وإنما ينتظر تضافر قرنائه بتعويضه بحسب ملاءة صندوق التأمين وقدرة الأعضاء على تعويضه. فالطمأنينة التي يشعر بها المستأمن تعاونياً نابعة من شعوره بوقوف الآخرين معه، وليس من عوض محدد بمقتضى التزام تعاقدي غير صادق في حقيقته، كما هو الحال في التأمين التجاري (10).
الفرق الرابع: أن التأمين التعاوني لا يقصد منه الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين التي يدفعها المستأمنون وتعويضات الأضرار التي تقدمها الجهة المؤمِّن لديها بل إذا حصلت زيادة في الأقساط المجبية عن التعويضات المدفوعة لترميم الأضرار ترد الزيادة إلى المستأمنين (11).
بينما الفائض التأميني في التأمين التجاري يكون من نصيب الشركة.
الفرق الخامس:المؤمِّنون هم المستأمنون في التأمين التعاوني، ولا تستغل أقساطهم المدفوعة لشركة التأمين التعاوني إلا بما يعود عليهم بالخير جميعاً. أما في شركة التأمين التجاري فالمؤمِّن هو عنصر خارجي بالنسبة للشركة، كما أن شركة التأمين التجاري تقوم باستغلال أموال المستأمنين فيما يعود عليها بالنفع وحدها (12).
الفرق السادس: شركة التأمين التعاوني هدفها هو تحقيق التعاون بين أعضائها المستأمنين، وذلك بتوزيع الأخطار فيما بينهم، أي بمعنى ما يشتكي منه أحدهم يشتكون منه جميعاً. وبمعنى آخر أنها لا ترجو ربحاً وإنما الذي ترجوه تغطية التعويضات والمصاريف الإدارية. وعلى العكس من ذلك فإن شركة التأمين التجاري هدفها الأوحد هو التجارة بالتأمين والحصول على الأرباح الطائلة على حساب المستأمنين (13).
الفرق السابع: في شركة التأمين التعاوني تكون العلاقة بين حملة الوثائق وشركة التأمين على الأسس التالية:
1. يقوم المساهمون في الشركة بإدارة عمليات التأمين، من إعداد الوثائق وجمع الأقساط، ودفع التعويضات وغيرها من الأعمال الفنية، في مقابل أجرة معلومة وذلك بصفتهم القائمين بإدارة التأمين وينص على هذه الأجرة بحيث يعتبر المشترك قابلاً لها .
2. يقوم المساهمون باستثمار( رأس المال) المقدم منهم للحصول على الترخيص بإنشاء الشركة، وكذلك لها أن تستثمر أموال التأمين المقدمة من حملة الوثائق، على أن تستحق الشركة حصة من عائد استثمار أموال التأمين بصفتهم المضارب.
3. تمسك الشركة حسابين منفصلين، أحدهما لاستثمار رأس المال، والآخر لحسابات أموال التأمين ويكون الفائض التأميني حقاً خالصاً للمشتركين ( حملة الوثائق).
4. يتحمل المساهمون ما يتحمله المضارب من المصروفات المتعلقة باستثمار الأموال نظير حصته من ربح المضاربة، كما يتحملون جميع مصاريف إدارة التأمين نظير عمولة الإدارة المستحقة لهم
5. يقتطع الاحتياطي القانوني من عوائد استثمار أموال المساهمين ويكون من حقوقهم وكذلك كل ما يتوجب اقتطاعه مما يتعلق برأس المال(14).
بينما العلاقة بين حملة الوثائق وشركة التأمين، في التامين التجاري، أن ما يدفعه حملة الوثائق من أموال تكون ملكاً للشركة ويخلط مع رأس مالها مقابل التأمين. فليس هناك حسابان منفصلان كما في التأمين التعاوني.
الفرق الثامن: المستأمنون في شركات التأمين التعاوني، يعدون شركاء مما يحق لهم الحصول على الأرباح الناتجة من عمليات استثمار أموالهم.
أما شركات التأمين التجاري فالصورة مختلفة تماماً؛ لأن المستأمنين ليسوا بالشركاء، فلا يحق لهم أي ربح من استثمار أموالهم، بل تنفرد الشركة بالحصول على كل الأرباح (15).
الفرق التاسع: شركات التأمين التعاوني لا تستثمر أموالها في النواحي التي يحرمها الشرع.
وعلى النقيض من ذلك فشركة التأمين التجاري لا تأبه بالحلال والحرام (16).
الفرق العاشر: في التأمين التعاوني لابد أن ينص في العقد على أن ما يدفعه المستأمن ما هو إلا تبرع وأنه يدفع القسط للشركة لإعانة من يحتاج إليه من المشتركين (17). أما في التأمين التجاري لا ترد نية التبرع أصلاً، وبالتالي لا يذكر في العقد.
4. هل الشركة التعاونية للتأمين تمارس التأمين التجاري أم التعاوني؟.
من خلال رجوع الباحث إلى قوائم الشركة المالية، تبين له ما يلي:
(أ) أن الشركة قامت بفصل الذمة المالية لحملة الوثائق عن ذمتها المالية، فهناك حسابان مستقلان أحدهما لحملة الوثائق وآخر للشركة، ، وكذلك قامت باستثمار أموال حملة الوثائق بجزء من صافي الأرباح قدره 10%، وكذلك قامت بإدارة عمليات التأمين بمبلغ مقطوع، وهي بهذه الطريقة طبقت قرار الندوة الاقتصادية الثانية عشرة لدلة البركة.
وإليك بيان المبالغ التي حصلت عليها الشركة جراء هذا العمل:
أولاً: رواتب تشغيل وإدارة + مصاريف عمومية وإدارية أخرى:
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
المبلغ [آلاف الريالات]…38.383…40.090…50.094…68.376…72.366…92.373
ثانياً: أتعاب إدارة .
وجاء في إيضاح هذه الأتعاب بقولهم:" تتقاضى الشركة أتعاباً مقابل إدارة استثمارات عمليات التأمين تعادل 10% من صافي إيرادات استثمارات عمليات التأمين".
وإليك بيان مبالغ هذه الأتعاب:
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
المبلغ [آلاف الريالات]…2.084…2.204…3.446…2.441…4.249…6.763
(ب) كذلك قامت الشركة بتطبيق قرار بعض الهيئات الشرعية القاضي بأنه إذا حصلت زيادة في الأقساط المجبية عن التعويضات المدفوعة لترميم الأضرار ترد الزيادة إلى المستأمنين.
وإليك بيان بهذه المبالغ المرجعة للمستأمنين، ونسبتها لإجمالي أقساط التأمين المكتتبة،
المبالغ المرتجعة لحملة الوثائق ونسبتها لإجمالي أقساط التأمين: (المبلغ بآلاف الريالات)
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
إجمالي أقساط التأمين…683.765…682.742…716.983…1.023.206…1.081.173…1.545.797
المبلغ المرتجع ونسبته لإجمالي أقساط التأمين …18.200
2.66%
…لا يوجد …22.000
3.06%
…15.800
1.54%
…10.000
0.92%
…18.000
1.16%(6/30)
هذا ما قامت به الشركة خلال الأعوام الست الماضية، وهي بذلك تطبق ما جاء في قرارات بعض الهيئات الشرعية.
ولكن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز له فتوى محررة بعدم جواز إرجاع شيء من الأموال للمشتركين في التأمين التعاوني وقال رحمه الله : " صدر قرار من هيئة كبار العلماء بجواز التأمين التعاوني وهو الذي يتكون من تبرعات من المحسنين ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب ولا يعود منه شيء للمشتركين - لا رؤوس أموال ولا أرباح ولا أي عائد استثماري - لأن قصد المشترك ثواب الله سبحانه وتعالى بمساعدة المحتاج ولم يقصد عائداً دنيوياً " (18).
(ج) إن من أهم الفروق بين التأمين التعاوني والتجاري ما قال سماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله وهو أن التأمين التعاوني قائم على التبرع، وهذا هو بيت القصيد، وليس في وثائق الشركة أو سياستها أو عقودها ما يفيد هذا المعنى.
(د) و من الفروق بين التأمين التعاوني والتجاري أنه في التأمين التعاوني لا تلتزم الشركة بالتعويض كما سبق بيانه. وليس في وثائق الشركة ولا سياستها ما يدل على ذلك أيضاً. بل واقع الحال أن الشركة تلتزم بالتعويض مطلقاً.
ولهذا نجد شركات التأمين التجاري تلجأ إلى إعادة التأمين مع شركات أخرى بسبب التزامها بالتعويض.
فالتعاونية للتأمين طبقت هذا المبدأ، ولهذا عقدت عدة عقود إعادة التأمين مع شركة ألمانية، وإليك قيمة هذه العقود:
قيمة عقود إعادة التأمين خلال الأعوام السابقة:
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
المبلغ [آلاف الريالات]…487.352…424.671…498.845…735.523…663.152…716.584
فلو كان ما تمارسه الشركة تأميناً تعاونياً لما التزمت بالتعويض،لأنه لو قدر وان زادت التعويضات عن قيمة الصندوق فإن لها أن تطالب المشتركين بالتبرع، أو أنها تدفع نسبة من التعويض.
(هـ) أجمع الفقهاء المعاصرون، سواء منهم من أجاز التأمين التجاري أو منعه، على وجوب اجتناب المحرمات في معاملاتها مطلقاً .
ولكن نجد القائمين على هذه الشركة - عفا الله عنهم - قد استثمروا أموال الصندوق بالسندات المحرمة قطعاً، وإليك بيان المبالغ المقتطعة من الصندوق للاستثمار في السندات ونسبته لموجودات الصندوق.
قيمة استثمار الشركة لأموال المستأمنين بالسندات، ونسبته لموجودات الصندوق:
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
المبلغ [آلاف الريالات]…336.110
42.88%
…399.550
46.23%
…338.172
33.95%
…343.346
29.06%
…419.417
31.19%
…430.525
24.34%
وهناك استثمارات أخرى بالأوراق المالية لم تفصح الشركة عن نوعيتها، فلم يتعرض الباحث لها ولم يستفصل عنها.
5. بماذا يستثمر المساهمون أموالهم؟.
ذكرنا فيما سبق أن الشركة جعلت حسابين منفصلين:
حساب لحملة الوثائق، وحساب لأموال المساهمين الذين ذكرناهم في النقطة الأولى، علماً أن الشركة عندما أسست كان المبلغ المدفوع (250.000) ألف ريال . ومن ثم استثمر هذا المال في استثمارات متنوعة، وإليك حصيلة هذه الاستثمارات وما آلت إليه:
موجودات صندوق المساهمين خلال السنوات السابقة:
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
المبلغ [آلاف الريالات]…406.436…387.879…385.711…353.755…354.619…428.686
وقد تنوعت استثمارات المساهمين لأموالهم، ولكن سوف أذكر أهم استثمارين يؤثران في حكم الاكتتاب بهذه الشركة:
الاستثمار الأول: الاستثمار بسندات ربوية.
العام…1998…1999…2000…2001…2002…2003
المبلغ [آلاف الريالات]…لا يوجد…لا يوجد …121.595
31.52%
…88.161
24.92%
…72.397
20.41%
…34.981
8.16%
ومن المعلوم أن الفقهاء المعاصرين اتفقوا على أنه إذا نصت الشركة في نشرة الاكتتاب أنها سوف تقترض أو تقرض بالربا فلا يجوز الاكتتاب فيها ، وعليه فهذه الشركة قد أعلنت هذا صراحة لجميع الناس، ومارست هذا الفعل المحرم عملياً، فمن يقدم على الاكتتاب فقد وافقهم وأقرهم على هذا الفعل المحرم، ويعتبر شريكاً معهم على هذا الفعل المحرم.
علماً أن الشركة لها استثمارات في أوراق مالية لكنها لم تفصح عن نوعيتها وطبيعتها.
الاستثمار الثاني: الاستثمار في شركات تأمين تجارية:
وقد أعلنت الشركة في قوائمها أنها تملك ما نسبته 50% من شركة تأمين زميلة، وقد استفسر الباحث عن اسم هذه الشركة، وهي: الشركة المتحدة للتأمين، ومقرها في البحرين، وتمارس التأمين التجاري، وقيمة هذه الاستثمار (24.097) ألف ريال، ويمثل نسبة 5.86 % من موجودات الشركة.
6. حكم الاكتتاب بشركة التعاونية للتأمين.
مما سبق بيانه الذي يظهر للباحث أنه لا يجوز الاكتتاب بهذه الشركة للأسباب الآتية:
أولاً: أن التأمين الذي تمارسه الشركة لا يختلف كثيراً عن التأمين التجاري. وبالرغم من محاولة الشركة لفصل حسابات المستأمنين عن حملة الأسهم إلا أن عنصر الالتزام بالتعويض مطلقاً يناقض هذا الفصل، ويجعل الشركة تتصرف كما لو كان الحسابان حساباً واحداً.
ثانياً: أن الشركة تستثمر مبلغاً لا يستهان به في السندات الربوية، وقد أصدر مجمعان فقهيان قرارين يقضيان بتحريم هذا النوع من المساهمات، وهما المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
ثالثاً: أن الشركة تستثمر جزءا من أموالها بشركات تأمين تجارية محرمة.
رابعاً: أن الشركة لا تعلن التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، ولا تلتزم الرقابة الشرعية على جميع نشاطاتها المالية.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) صحيفة الاقتصادية، الاثنين 25 رمضان 142هـ، عدد 4064.
(2) الغرر وأثره في العقود ص 638، للدكتور الضرير، الطبعة الثانية. من ضمن مطبوعات مجموعة دلة البركة.
(3)فتاوى في التأمين ص 88، من مطبوعات دلة البركة.
(4) ص 282-283.
(5)دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، د محمد مصطفى الشنقيطي 2/475.
(6) قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية 3/357.
(7) فتاوى التأمين ص45.
(8) قرار مجلس هيئة كبار العلماء، رقم (51)وتاريخ 4/4/1397هـ.
(9) وقفات في قضية التأمين، ص 20، للدكتور سامي السويلم.
(10) وقفات في قضية التأمين، ص 21، للدكتور سامي السويلم.
(11) الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية، رقم الفتوى 42.
(12) فتوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي ، نقلاً من فتاوي التأمين ص 99.
(13) المرجع السابق.
(14) ندوة البركة الثانية عشرة للاقتصاد الإسلامي، قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي ص212.
(15) فتاوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً من فتاوى التأمين ص 105.
(16) فتاوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً عن فتاوى التأمين ص 105.
(17) فتاوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً عن فتاوى التأمين ص91.
(18) بيان من الشيخ رحمه الله في تاريخ 22/2/1417هـ.
=============
التأمين بشتى صوره وأشكاله
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 6/11/1425
18/12/2004
نص القرار: التأمين بشتى صوره وأشكاله:(6/31)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.... أما بعد: فإن المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضًا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، في دورته العاشرة المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1398هـ من التحريم للتأمين بأنواعه. وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك، قرر المجلس بالأكثرية: تحريم التأمين بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك من الأموال. كما قرر مجلس المجمع بالإجماع: الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء جواز التأمين التعاوني، بدلاً من التأمين التجاري المحرَّم والمنوه عنه آنفًا وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة. تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين:
بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الأربعاء 14 شعبان 1398هـ المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد محمود الصواف، والشيخ محمد بن عبد الله السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله. وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي: الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه... أما بعد: فإن المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الأولي المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي، نظر في موضوع التأمين بأنواعه، بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضًا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1379هـ. بقراره رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه. وبعد الدراسة الوافية، وتداول الرأي في ذلك، قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع- عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا- تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، سواء كان على النفس، أو البضائع التجارية، أو غير ذلك للأدلة التالية:
الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، المشتملة على الغرر الفاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد، مقدار ما يعطي، أو يأخذ، فقد يدفع قسطًا أو قسطين، ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة أصلاً، فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئًا، وكذلك المؤمِّن، لا يستطيع أن يحدد ما يعطي، ويأخذ، بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر.
الثاني: عقد التأمين التجاري: ضرب من ضروب المقامرة، لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغُرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة، كان قمارًا ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90) والآية بعدها.
الثالث: عقد التأمين التجاري: يشتمل على ربا الفضل والنسأ: فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن، أو لورثته، أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها، فهو ربا فضل والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة فيكون ربا نسأ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.
الرابع: عقد التأمين التجاري: من الرهان المحرم، لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان، إلا ما فيه نصرة للإسلام، وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله: "لا سبقَ إلاَّ في خُفٍّ أو حَافَرٍ أو نَصْلٍ". وليس التأمين من ذلك ولا شبيهًا به فكان محرمًا.
الخامس: عقد التأمين التجاري: فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، وأخذ المال بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم، لدخوله في عموم النهى في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)[النساء:29].
السادس: في عقد التأمين التجاري: الإلزام بما لا يلزم شرعًا، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المؤمَّنُ له، والمؤمِّن لم يبذل عملاً للمستأمن فكان حرامًا. وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقًا، أو في بعض أنواعه؛ فالجواب عنه بما يلي:
(أ) الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح، فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة. وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة، وهذا محل اجتهاد المجتهدين. والقسم الثالث: ما شهد الشرع بإلغائه، لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.
(ب) الإباحة الأصلية: لا تصلح دليلاً هنا، لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة. والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها، وقد وجد فبطل الاستدلال بها.
(ج) الضرورات تبيح المحظورات لا يصح الاستدلال به هنا، فإن ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافًا مضاعفة مما حرمه عليهم، فليس هناك ضرورة معتبرة شرعًا تلجئ إلى ما حرَّمته الشريعة من التأمين.
(د) لا يصح الاستدلال بالعرف، فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام، وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام، وفهم المراد من ألفاظ النصوص، ومن عبارات الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال، فلا تأثير له فيما تبين أمره، وتعين المقصود منه، وقد دلت الأدلة دلالة واضحة على منع التأمين فلا اعتبار به معها.
(هـ) الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة، أو في معناها غير صحيح، فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه، وما يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة، حسبما يقضي به نظام التأمين، وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته، وفي التأمين قد يستحق الورثة نظامًا مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إلا قسطًا واحدًا، وقد لا يستحقون شيئًا، إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته، وأن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين، نسبًا مئوية مثلاً، بخلاف التأمين فربح رأس المال وخسارته للشركة، وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين أو مبلغًا غير محدد.
(و) قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة عند من يقول به غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق بينهما: أن عقود التأمين هدفها الربح المادي المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة، بخلاف عقد ولاء الموالاة، فالقصد الأول منه التآخي في الإسلام، والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال، وما يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع.(6/32)
(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به، لا يصح، لأنه قياس مع الفارق، ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثلاً، من باب المعروف المحض، فكان الوفاء به واجبًا، أو من مكارم الأخلاق، بخلاف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية، باعثها الربح المادي، فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.
(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول، وضمان ما لم يجب، قياس غير صحيح، لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق: أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض، بخلاف التأمين، فإنه عقد معاوضة تجارية، يقصد منها أولاً الكسب المادي، فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه، والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع، مادام تابعًا غير مقصود إليه.
(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق لا يصح، فإنه قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.
(ى) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق أيضًا؛ لأن ما يعطى من التقاعد، حق التزم به ولي الأمر، باعتباره مسئولاً عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم، فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين، الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة، لأن ما يعطى في حالة التقاعد، يعتبر حقًّا التُزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها، وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة كفاء لمعروفه، وتعاونًا معه جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره، وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة.
(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة لا يصح، فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق أن الأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ وشبه العمد ما بينها وبين القاتل- خطأ أو شبه العمد- من الرحم والقرابة، التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون، وإسداء المعروف، ولو دون مقابل، وعقود ا لتأمين التجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة، لا تمت إلى عاطفة الإحسان وبواعث المعروف بصلة.
(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح، لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق أن الأمان ليس محلاًّ للعقد في المسألتين، وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين، وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس، أما الأمان فغاية ونتيجة، وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس. (م) قياس التأمين على الإيداع لا يصح، لأنه قياس مع الفارق أيضًا، فإن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه، بخلاف التأمين فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن، ويعود إلى المستأمن بمنفعة، إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة، وشرط العوض عن الضمان لا يصح، بل هو مفسد للعقد، وإن جعل مبلغ التأمين فيه مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جهل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف عن عقد الإيداع بأجر.
(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجَّار البَزِّ مع الحاكة لا يصح، والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني، وهو تعاون محض، والمقيس تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية، فلا يصح القياس.
* كما قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (15) وتاريخ 4/4/1379هـ من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفًا للأدلة التالية:
الأول: أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسئولية، عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية، تخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني، لا يستهدفون تجارة، ولا ربحًا من أموال غيرهم، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم، والتعاون على تحمل الضرر.
الثانى: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسأ، فليست عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية.
الثالث: أنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع، لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة، ولا غرر، ولا مقامرة، بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.
الرابع: قيام جماعة من المساهمين، أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون، سواء كان القيام بذلك تبرعًا أو مقابل أجر معين.
ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة، للأمور التالية:
أولاً: الالتزام بالفكر الاقتصادي الإسلامي، الذي يترك للأفراد مسئولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية، ولا يأتي دور الدولة إلا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به، وكدور موجه ورقيب، لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها.
ثانيًا: الالتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله من حيث تشغيله، ومن حيث الجهاز التنفيذي، ومسئولية إدارة المشروع.
ثالثًا: تدريب الأهالي على مباشرة التأمين التعاوني، وإيجاد المبادرات الفردية، والاستفادة من البواعث الشخصية، فلا شك أن مشاركة الأهالي في الإدارة، تجعلهم أكثر حرصًا ويقظة، على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها، مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني إذ إن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل، كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطًا أكبر في المستقبل.
رابعًا: إن صورة الشركة المختلطة، لا تجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة من الدولة للمستفيدين منه، بل بمشاركة منها معهم فقط، لحمايتهم ومساندتهم، باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية، وهذا موقف أكثر إيجابية، ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة، ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسئولية.
ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني الأسس التالية:
الأول: أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز له فروع في كافة المدن، وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الأخطار المراد تغطيتها، وبحسب مختلف فئات ومهن المتعاونين، كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي، وثان للتأمين ضد العجز والشيخوخة... إلخ. أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين، وآخر للتجار، وثالث للطلبة، ورابع لأصحاب المهن الحرة كالمهندسين والأطباء والمحامين.... إلخ.
الثاني: أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة والبعد عن الأساليب المعقدة.
الثالث: أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل، ويقترح ما يلزمها من لوائح وقرارات، تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة.(6/33)
الرابع: يمثل الحكومة في هذا المجلس من تختاره من الأعضاء، ويمثل المساهمين من يختارونه، ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف الحكومة عليها، واطمئنانها على سلامة سيرها، وحفظها من التلاعب والفشل. الخامس: إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة الأقساط، فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة. ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من الخبراء المختصين في هذا الشأن. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
* مخالفة الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء:
إخواني الأساتذة الفضلاء أعضاء المجمع الفقهي.... إني أخالف ما ذهبتم إليه من اعتبار التأمين الذي أسميتموه تجاريًّا بمختلف أنواعه وصوره حرامًا، وميزتم بينه وبين ما أسميتموه تعاونيًّا، وأرى أن التأمين من حيث إنه طريق تعاوني منظم لترميم الأضرار التي تقع على رؤوس أصحابها من المخاطر التي يتعرضون لها، هو في ذاته جائز شرعًا بجميع صوره الثلاث وهي: التأمين على الأشياء، والتأمين من المسئولية المسمى (تأمين ضد الغير)، والتأمين المسمى- خطأً- بالتأمين على الحياة. وإن أدلتي الشرعية من الكتاب العزيز والسنة النبوية، وقواعد الشريعة ومقاصدها العامة، والشواهد الفقهية، بالقياس السليم عليها، ودفع توهم أنه يدخل في نطاق القمار أو الرهان المحرَّمَين، ودفع شبهة أنه ربا، كل ذلك موضح تمام الإيضاح في كتابي المنشور بعنوان (عقد التأمين، وموقف الشريعة الإسلامية منه) وأنتم مطلعون عليه، مع بيان حاجة الناس في العالم كله إليه. وقد بينت لكم في هذه الجلسة أيضًا، أن التمييز بين تأمين تعاوني وتجاري لا سند له، فكل التأمين قائم على فكرة التعاون على تفتيت الأضرار وترميمها، ونقلها عن رأس المصاب، وتوزيعها على أكبر عدد ممكن، بين عدد قليل من الأشخاص الذين تجمعهم حرفة صغيرة، أو سوق، ويتعرضون لنوع من الأخطار فيساهمون في تكوين صندوق مشترك، حتى إذا أصاب أحدهم الخطر والضرر، عوَّضوه عنه من الصندوق الذي هو أيضًا مساهم فيه، هذا النوع الذي يسمى في الاصطلاح تبادليًّا وسميتموه (تعاونيًّا) لا تحتاج إدارته إلى متفرغين لها، ولا إلى نفقات إدارة وتنظيم وحساب... إلخ. فإذا كثرت الرغبات في التأمين، وأصبح يدخل فيه الألوف، عشراتها أو مئاتها أو آلافها من الراغبين، وأصبح يتناول عددًا كبيرًا من أنواع الأخطار المختلفة، فإنه عندئذ يحتاج إلى إدارة متفرغة، وتنظيم ونفقات كبيرة، من أجور محلات وموظفين ووسائل آلية وغير آلية ...إلخ. وعندئذ لابد لمن يتفرغون لإدارته وتنظيمه من أن يعيشوا على حساب هذه الإدارة الواسعة، كما يعيش أي تاجر أو صانع أو محترف أو موظف على حساب عمله. وعندئذ لابد من أن يوجد فرق بين الأقساط التي تجبى من المستأمنين، وبين ما يؤدى من نفقات وتعويضات للمصابين عن أضرارهم، لتربح الإدارة المتفرغة هذا الفرق، وتعيش منه، كما يعيش التاجر من فرق السعر بين ما يشتري ويبيع. ولتحقيق هذا الربح يبنى التأمين الذي أسميتموه تجاريًّا على حساب إحصاء دقيق، لتحديد القسط الذي يجب أن يدفعه المستأمن في أنواع من الأخطار، هذا هو الفرق الحقيقي بين النوعين. أما المعنى التعاوني فلا فرق فيه بينهما أصلاً من حيث الموضوع. كما إني أحب أن أضيف إلى ذلك: أن هذه الدورة الأولى لهذا المجمع الفقهي الميمون، الذي لم يجتمع فيها إلا نصف أعضائه فقط، والباقون تخلفوا أو اعتذروا عن الحضور لظروفهم الخاصة، لا ينبغي أن يتخذ فيها قرار بهذه السرعة، بتحريم موضوع كالتأمين من أكبر الموضوعات المهمة اليوم خطورة وشأنًا، لارتباط مصالح جميع الناس به في جميع أنحاء المعمورة، والدول كلها تفرضه إلزاميًّا في حالات، كالتأمين على السيارات ضد الغير، صيانة لدماء المصابين في حوادث السيارات من أفئدة تذهب هدرًا إذا كان قائد السيارة أو مالكها مفلسًا. فإذا أريد اتخاذ قرار خطير كهذا، وفي موضوع اختلفت فيه آراء علماء العصر اختلافًا كبيرًا في حله أو حرمته، يجب في نظري أن يكون في دورة يجتمع فيها أعضاء المجمع كلهم أو إلا قليلاً منهم، وعلى أن يكتب لغير أعضاء المجمع من علماء العالم الإسلامي، الذين لهم وزنهم العلمي، ثم يبت في مثل هذا الموضوع الخطير في ضوء أجوبتهم، على أساس الميل إلى التيسير على الناس عند اختلاف آراء العلماء، لا إلى التعسير عليهم. ولا بد لي ختامًا من القول بأنه إذا كانت شركات التأمين تفرض في عقودها مع المستأمنين شروطًا لا يقرها الشرع، أو تفرض أسعارًا للأقساط في أنواع الأخطار غالية بغية الربح الفاحش، فهذا يجب أن تتدخل فيه السلطات المسئولة لفرض رقابة وتسعير لمنع الاستغلال، كما توجب المذاهب الفقهية وجوب التسعير والضرب على أيدي المحتكرين لحاجات الناس الضرورية، وليس علاجه تحريم التأمين، لذلك أرجو تسجيل مخالفتي هذه مع مزيد الاحترام لآرائكم.
دكتور مصطفى الزرقاء
===============
عقد التأمين نظرة فقهية موجزة لأبرز مسائله
د. هاني بن عبد الله الجبير 22/2/1428
12/03/2007
تعريف التأمين وحقيقته
حكم عقد التأمين التجاري
البديل الشرعي لعقد التأمين التجاري
الإلزام بالتأمين
الحمد لله وحده والصَّلاةُ والسَّلامُ على من لا نبي بعده.. وبعد:
فإن من نوازل هذا العصر وقضاياه المستجدة عقد التأمين الذي نشأ وانتشر بفعل القوانين التجارية والمدنية التي جعلته واقعاً في كثير من التشريعات وحيث إنه سبق أن بحث في عدد من اللقاءات والندوات وصدرت حوله كثير من المؤلفات والأبحاث والرسائل.
وحيث حصل مؤخراً في هذا العقد مناقشات ومداولات فقد أحببت أن أكتب معتصراً عن هذا العقد ورأي الباحثين فيه في هذه الأكتوبة الموجزة وذلك من خلال أربع نقاط .
تعريف التأمين وحقيقته:
التأمين في اللغة مصدر أمَّن يؤمَّن مأخوذة من الاطمئنان الذي هو ضد الخوف ومن الأمانة التي هي ضد الخيانة . يقال أمَّنهُ تأميناً وائتمنه واستأمنه(1).
وعند الفقهاء التأمين قول آمين .
وصار يستخدم التأمين للدلالة على عقد خاص تقوم به شركات التأمين تدفع بموجبه مبلغاً في حال وقوع حادث معين لشخص يدفع لها قسطاً من المال(2).
لا بد للناظر للتأمين أن يتنبه إلى الفرق بين تناول التأمين كفكرة ونظريَّة وبين تنظيمه في عقد .
فالتأمين كنظرية ونظام مقبول إذ انه تعاون بين مجموعة بين الناس لدفع أخطار تحدق بهم بحيث إذا أصابت بعضهم تعاونوا على تفتيتها مقابل مبلغ ضئيل يقدمونه(3).
ولا شك أن هذه الفكرة فكرة مقبولة تقوم عليها كثير من أحكام الشريعة مثل الزكاة والنفقة على الأقارب , وتحميل العاقلة للدية . إلى أمثلة كثيرة تدعو إلى التعاون على البر والإحسان والتقوى والتكافل والتضامن .
هذه فكرة التأمين وهي فكرة تتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية و أحكامها وليس في هذا إشكال بحمد الله وإنما الإشكال في صياغة هذه الفكرة في عقد معاوضة أي في كونه علاقة بين المؤمن من جهة والمستأمن من جهة أخرى .
وسيكون هذا هو محل البحث في هذه الأوراق .
نشأة التأمين التجاري :(6/34)
كان أول ظهور التأمين التجاري تأميناً للمخاطر التي تتعرض لها السفن المحملة بالبضائع وذلك في شمال إيطاليا في القرن الثاني عشر الميلادي . حيث كان صاحب البضاعة يدفع قسطاً معيناً على أنه في حال تلف البضاعة يقبض مبلغاً من المال ثم بدأ التأمين التجاري بالرواج ولكنه لم ينتقل إلى الدول العربية إلا في القرن التاسع عشر بدليل أن فقهاء المسلمين حتى القرن الثالث عشر الهجري لم يبحثوه مع أنهم بحثوا كل ما هو محيط بهم في شئون حياتهم العامَّة . فتناوله العلاَّمة محمد أمين ابن عابدين ( 1252هـ ) في كتابه رد المحتار (4) على الدر المختار وسماه سوكوه(5).
وقد تزايد التعامل به بعد ذلك حتى دخل كثيراً من المجالات الاقتصادية وغيرها(6).
ويرى بعض الباحثين أن التأمين التجاري يتجه إلى الانكماش فالزوال وذلك أن دول العالم الغربي تتجه إلى الأخذ بالتأمين التعاوني وأن أكبر المنظمات التأمينية في سويسرا هي منظمات تعاونية . كما أن إحصائيات التأمين في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1972م تذكر أن التأمين التعاوني أصبح يغطي أكثر من 70% من نشاط التأمين فيها(7).
تعريف عقد التأمين التجاري :
تنوعت تعريفات هذا العقد في القوانين المدنية ولدى الباحثين المهتمين ويمكن منها أن يستخلص تعريف له بأنه : عقد معاوضة يلتزم أحد طرفيه وهو المؤمِّن أن يؤدي إلى الطرف الآخر وهو المؤمَّن له أو من يعينه عوضاً مالياً يتفق عليه . يدفع عند وقوع الخطر أو تحقق الخسارة المبينة في العقد وذلك نظير رسم يسمى قسط التأمين يدفعه المؤمَّن له بالقدر والأجل والكيفيَّة التي ينص عليها العقد المبرم بينهما(8).
ومن خلال هذا التعريف وما ذكره القانونيون نجد أن من أبرز خصائص(9) عقد التأمين:
1- أنه عقد ملزم لطرفيه فيلتزم المؤمَّن له بدفع الأقساط حسب الاتفاق ويلتزم المؤمِّن بدفع التأمين عند حصول حادث محتمل .
2- كما أنه عقد مفاوضة لأن كلا المتعاقدين يأخذ مقابلاً لما أعطى فالمؤمِّن يعطي قسط التأمين والمؤمَّن له يعطي مبلغ التأمين عند تحقق ما يوجبه . وليست المعاوضة مقابل أمان محض يحصل عليه المؤمن .
3- كما أنه عقد احتمالي لأن كل طرف لا يعرف كم سيدفع وكم سيعطى على وجه التحديد لأن ذلك يتوقف على وقوع الخطر أو عدم وقوعه .
4- أنه عقد تجاري يهدف المؤمِّن منه إلى الربح والفائدة من خلال الأقساط المتجمعة لديه .
حكم عقد التأمين التجاري:
لم يكن هذا العقد معروفاً عند السلف , فلم يرد فيه نص شرعي ولم يوجد من الصحابة والأئمة المجتهدين من تعرَّض لحكمه . ولمَّا انتشر في هذا العصر درسه الباحثون واختلفوا في حكمه على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن التأمين التجاري عقد غير جائز .
وقال به ابن عابدين الحنفي(10), ومحمد بخيت المطيعي(11) (1354هـ) مفتي الديار المصريَّة , والشيخ محمد رشيد رضا(12), ومحمد أبو زهرة(13), وعبد الله القلقيلي مفتي الأردن(14), ومحمد أبو اليسر عابدين مفتي سوريا(15), والدكتورصديق الضرير(16), وشيخ الأزهر الشيخ جاد الحق(17), والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ(18) وجماعة كثيرون . كما أنه الرأي الذي أفتت به عدة هيئات كهيئة كبار العلماء في المملكة العربيَّة السعودية(19) والمجمع الفقهي الإسلامي(20) التابع لرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه الدولي بجدة (21) التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي(22) وهيئة رقابة بنك فيصل الإسلامي(23) إلى غيرها من الجهات العلميَّة .
القول الثاني : أن التأمين التجاري عقد جائز .
وقال به مصطفى الزرقا(24) و علي الخفيف(25) و محمد يوسف موسى(26) و عبد الوهاب خلاف(27) وصدر به قرار الهيئة الشرعيّة لشركة الراجحي المصرفيّة(28).
القول الثالث : وهو التفصيل بجواز أنواع من التأمين وتحريم أنواع .
فمنهم من أجاز التأمين على الأموال دون التأمين على الحياة وهو قول محمد الحسن الحجوى(29), ومنهم من أجاز التأمين من الخطر الذي من أفعال العباد كالسرقة وحرّم التأمين من الخطر الذي سببه آفة سماوية وهو قول نجم الدين الواعظ مفتي العراق(30), ومنهم من أباح التأمين على حوادث السيارات والطائرات والسفن والمصانع وحرّم ما عداه وهو قول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود(31).
أدلّة أصحاب القول الأول :
استدل أصحاب هذا القول بجملة أدلّة منها :
الدليل الأول : أن عقد التأمين عقد معاوضة وهو مع ذلك مشتمل على غرر , والغرر يفسد عقود المعاوضات .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر(32). والنهي يقتضي الفساد .
والغرر هو ما تردد بين الحصول والفوات أو ما طُوِيت معرفته و جُهلت عينه(33).
فكل عقد بني على أمر محتمل مشكوك فيه فهو غرر .
والغرر المؤثر هو ما كان في عقود المعاوضات المالية . وكان غالباً على العقد حتى يصح وصف العقد كله بأنه غرر .
ولا شك أنَّ عقد التأمين مشتمل على الغرر في أكثر من موضع منه :
فالجهالة حاصلة في صفة محل التعاقد فالعوض لا يُعْرف مقداره حتى يقع الخطر المؤمن عليه .
كما أنها حاصلة في أجل العوض الذي لا يعرف متى يحل .
كما أن حصول العوض نفسه مجهول مشكوك فيه فلا يعرف المتعاقدان ذلك لتوقفه على وقوع الخطر أو عدم وقوعه .
فالغرر في الحصول وصفته وأجله وهي أمور مقصودة عند التعاقد وهذا يفسد العقد .
وقد نوقش هذا الدليل بأمرين الأوَّل : أنه لا يوجد غرر في عقد التأمين لأن غايته حصول الأمان وقد حصل بمجرد العقد سواء وقع الخطر أو لا والثاني أنّه على فرض حصوله فهو غرر يسير لا يؤثر في العقد(34).
والجواب أن النظر الشرعي في عقود المعاوضات إنما يكون لمحلها لا إلى غاياتها فإن الغاية أمر غير منضبط ولكلٍّ أن يجعل غاية عقده بما يراه فيصح لنا أن نقول إن غايته عقد التأمين أكل المال بالباطل . ويمكن لمن يبيح الفوائد الربويّة أن يتذرع بأن غايتها تحريك المال وتنميته واستثماره . وعليه فلا تعلق توصيف الأحكام بالمقاصد والحكم منها دون النظر لمحلها . ومحل عقد التأمين هو قسط التأمين وعوضه وهذا العِوَض مجهول الحصول والمقدار والأجل .
وخروجاً من هذا اضطر بعض الباحثين إلى القول بأن محل عقد التأمين هو نفس ضمان الأمن والأمان .
وقرر أن الأمن والأمان حق معنوي متفق مع الحقوق المحسوسة في اعتباره محل معاوضة ومحلاً لتداول الأيدي على تملكه ولذا فلا مانع من أن يكون الأمان هو محل المعاوضة في عقد التأمين(35).
ويناقش هذا القول بما يلي :
1- أن الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً(36). ( والحق المعنوي سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو نشاطه ) و الأمان ليس اختصاصاً بل هو شعور داخلي وطمأنينه نفسيَّة كالحب والبغض لا يمكن تداوله ولا المعاوضه عليه .
2- أن عقد التأمين لا يحقق للشخص الذي يرغب في توقي نتائج الخطر أماناً حقيقياً لأنه مهدد بإعسار المتعاقد معه .
3- أن جعل الأمان محلاً لعقد التأمين مخالف للنظرة القانونية التي نشأ هذا العقد في ظلالها ومخالف للنظر الفقهي حتى لدى من أجاز عقد التأمين كالشيخ مصطفى الزرقا(37).
4- أن الأمان إذا كان هو محل عقد التأمين فإنه ينبغي أن يكون منحه للمستأمن كافياً عن بذل عوض التأمين . وإذا قيل إن الأمان لا يحصل إلا ببذل عوض التأمين علمنا أن محل العقد هو المال وأن الأمان هو الباعث عليه أو الغاية منه .(6/35)
5- ثم إن الأمان المجعول محلاً لعقد التأمين مجهول المقدار غير معلوم الصفة تحديداً وهذا غرر أيضاً .
الدليل الثاني : أن عقد التأمين يتضمن الميسر والقمار وقد حَرَّم الله الميسر بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة: من الآية90) .
والميسر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( أخذ مال الإنسان وهو على مخاطرة هل يحصل له عوض أو لا يحصل ) (38).
وهذا الوصف متحقق في عقد التأمين باعتراف رجال القانون وذلك لأن الشخص الذي يأخذ على عاتقه ضمان الخطر يراهن على تحقق الخطر فإذا لم يتحقق كسب المبلغ الذي دُفع له , وإذا تحقق دَفع مبلغاً يزيد كثيراً عما قبضه وهذا هو الرهان(39).
وقد نوقش هذا الدليل بأن التأمين جد والقمار لعب وأن المؤمن إنما دفع ماله لمن يدفع عنه ضرراً كما يدفع التاجر لمن يحرس القافلة مبلغاً لحفظها من الخطر(40).
الجواب أن عقد التأمين يدخل تحت تعريف الميسر وتوجد فيه خصائصه .
وأما الخفارة التي تُدفع لمن يحرس القافلة ونحوها فهذا المبلغ إنما يُدفع أجرةً للحارس مقابل تسليمه نفسه وقت العقد ليقوم بمقتضاه ولم يأخذ المبلغ دون تسليمه نفسه . ثم إنه لا يضمن ما سرق أو تلف إذا لم يفرط في واجبه .
الدليل الثالث : أن عقد التأمين يتضمن الربا بل هو أصيل فيه والربا محرم مفسد للعقد المشتمل عليه . وذلك أن التأمين كما عَرَّفه القانون : عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له مبلغاً من المال ... في نظير مقابل نقدي ... فهو معاوضة مال بمال دون تقابض ولا تماثل وهذا هو الربا .
أدلة أصحاب القول الثاني :
استدل أصحاب هذا القول بأقيسةٍ مختلفةٍ من أبرزها ما يلي :
الأول : القياس على العاقلة : فإنَّ العاقلة تتحمَّل شرعاً دية قتل الخطأ عن القاتل وتتقاسمها بين أفرادها لأجل تفتيت أثر المصيبة عن الجاني . وكذلك الحال في شركات التأمين فإنها تعمل على ترميم الأخطار , وتخفيف المصاب(41).
ويناقش هذا القياس بأمور :
1- أن العاقلة تتحمل الدية لما بينها وبين القاتل من قرابة ورحم التي تدعو للتعاون ولو دون مقابل, وعقود التأمين تجارية تقوم على المعاوضة الماليَّة المحضة لا إلى عاطفة الإحسان فهذا قياس مع الفارق .
2- أن ما تتحمله العاقلة يختلف باختلاف أحواله من غنى وفقر أما أعضاء شركات التأمين فيتحملون على السواء ولا يُنظر إلى ثروتهم الخاصة في تقدير ما يتحمله كل فرد .
الثاني : تخريج عقد التأمين على مسألة ضمان خطر الطريق وقد نَصَّ الحنفيَّة على جوازها وصورتها أن يقول رجل لآخر : اسلك هذا الطريق فإنّه آمن وإن أصابك فيه شيء فأنا ضامن فإذا سلكه فأخذه اللصوص ضمن القائل .
وعقد التأمين يشبه هذه المسألة من حيث التزام الضمان فالشركة التزمت الضمان كما أنَّ القائل التزم الضمان(42).
ونوقش بوجود الفارق بين المسألتين من وجوه :
1- ففي مسألة الضمان كان الالتزام من طرف واحد في حين أن الالتزام في عقد التأمين من الطرفين(43).
2- ولأن الضمان من عقود التبرعات التي يراد بها المعروف , والتأمين عقد معاوضة مالية فلا يصح القياس بينهما .
3- ثم إن مسألة ضمان خطر الطريق مبعثها تغريره للسالك وإخباره بأنه آمن لا لمجرد الضمان , أما شركات التأمين فهي تقرر التضمين مطلقاً(44).
4- كما أن للضامن أن يرجع على المضمون بما دفع عنه وليس الحال كذلك في التأمين لكونه معاوضة لا ضماناً .
الثالث : قياس عقد التأمين على نظام التقاعد وأشباهه . وذلك أن نظام التقاعد عقد معاوضة يقوم على اقتطاع جزء ضئيل من مرتب الموظف شهرياً ليصرف له تعويض في نهاية خدمته وهذا يشبه أقساط التأمين وعوضه وفي كليهما لا يدري الشخص كم يستمر دفعه ولا كم يبلغ مجموعه ثم قد يستلم ما يزيد كثيراً على مجموع الأقساط وقد لا يستلم شيئاً فإذا جاز نظام التقاعد فليكن الحكم مثله للتأمين(45).
ونوقش : بأن التقاعد ليس عوضاً عما اقتطع من الموظف شهرياً و إلا لوجب توزيعه على سنن الميراث ولم يجز أن يحرم منه الموظف ولا ورثته بعده وإنما التقاعد مكافأة التزم بها ولي الأمر باعتباره مسئولاً عن رعيته وراع في احتسابها ما قام به الموظف من خدمة ومصلحة أقرب الناس إليه ومظنّة الحاجة فيهم . فليس التقاعد معاوضة بين الدولة وموظفيها ولا يقوم على أساس التجارة وتحصيل الأرباح .
هذا وقد استدل أصحاب هذا القول بأقيسة أخرى تشترك جميعها في أنها لا يصح التخريج عليها لعدم توافر شروط القياس وأهمها أن يكون المقيس عليه متفقاً عليه لئلا يمنع المخالف حكم الأصل وهذا ممكن في جميع الأقيسة .
كما أنه يوجد الفارق بين عقد التأمين وبين المقيس عليه وأما القول الثالث فاستدل على ما منع بأدلة المانعين وعلى ما أباح بأدلة المبيحين وقد سبق ذلك .
القول الراجح :
القول الراجح مما سبق بعد تأمل الأدلة هو القول بتحريم هذا العقد لكون أدلتهم أقوى استنباطاً وأتم دلالة , فمن أباح التأمين اعتمد على أقيسة مأخوذة من استنتاجات الفقهاء بينما المحرِّم له استند إلى نصوص شرعيَّة وقواعد أساسيَّةٍ أجمع المجتهدون على الأخذ بها .
كما أن التأمين لا يتضمن مصلحة غالبة وسبق أن نشر تفسير ذلك جلياً(46).
وليس فيه مصلحة للمجتمع في النهاية بل كل ما يترتب عليها هو نقل عبء الخطر برمته من عاتق شخص إلى عَاتِق شخص آخر وهذا ليس فيه أيَّة فائدة للمجتمع(47). وله خطورة على اقتصاد الدولة من حيث سيطرة شركات التأمين ممثلة في أفراد قلائل على مدخرات المواطنين وتوجيهها وفق هواها ومصالحها الخاصة مما اضطر بعض الدول إلى تأميم شركات التأمين(48).
البديل الشرعي لعقد التأمين التجاري.
لا شك أن التعاون في تفتيت الأخطار ومواجهة الظروف والتكافل في حلها مما يدعو إليه الإسلام وقرره في تشريعات مختلفة كالزكاة التي هي مظلة التأمين الكبرى لجميع المواطنين في المجتمع الإسلامي وكواجب الإنفاق على القرابة والضيف وكواجب بيت المال في تأمين حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي .
ومن وسائل التعاون التي أفتت المجامع الفقهية المعاصرة بجوازها ما يسمى بالتأمين التعاوني(49).
والمراد به في ضوء القرارت المشار إليها : قيام جماعة يتفق أفرادها على تعويض الأضرار التي قد تنزل بأحدهم نتيجة خطر معين وذلك من مجموع الاشتراكات التي يتعهد كل فرد منهم بدفعها .
فهذا عقد تبرع يقصد به التعاون ولا يستهدف تجارة ولا ربحاً كما أنه يخلو من الربا ولا يضر جهل المساهمين فيه بما يعود إليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة .
وأبسط تصوير لهذا التأمين هو أن تكون أسرة أو جماعة صندوقاً ويدفعوا مبالغ يؤدى من مجموعها تعويض لأي فرد منهم يقع عليه الخطر فإن لم تفي المبالغ التي دفعوها سَدَّدوا الفرق المطلوب وإن زاد شيء بعد التعويضات أُعيد إليهم أو جُعل رصيداً للمستقبل ويمكن أن يوسَّع هذا التصور المبسط ليطور هذا الصندوق ليكون هيئة أو مؤسسة يتفرغ لها بعض العاملين لتحصيل المبالغ وحفظها وصرف التعويضات ويكون لها مجلس إدارة يقرر خطط العمل وكل ذلك بمقابل أجر معين أو تبرعاً منهم .
بشرط أن يكون مبناه التبرع ولا يقصد منه تحصيل الأرباح وغاية جميع أطرافه التعاون(50).
تطبيقات التأمين التعاوني:(6/36)
طرح عدد من المهتمين بالاقتصاد الإسلامي عدة نماذج وتصورات للتأمين الإسلامي وتبنت جهات مالية إنشاء شركات تقوم بالتأمين من منظور إسلامي سُمّي أكثرها بالتعاوني وذلك في عدد من البلاد الإسلاميّة استفيد أكثرها من فكرة التأمين التعاوني لدى الغرب(51) إلا أن واقع هذه المؤسّسات ليس بالضرورة مطابقاً لمقصود المجامع العلميّة التي أفتت بإباحة التأمين التعاوني وإنما هو تطبيق لنظريته لدى الهيئة الشرعيّة المؤسّسة له .
فقد يكون منها ما هو فكرة مطورة للتأمين التعاوني ومنه ما يكون تأميناً تجاريَّاً بضوابط معينة أو حتى بصورته المعروفة(52).
ولذا صدر البيان المعروف من اللجنة الدائمة للبحوث العلميَّة والإفتاء بالمملكة العربية السعوديَّة حيال بعض المؤسسات والشركات المتسمية بالتأمين التعاوني بأنها لا تمثل التأمين التعاوني التي أباحته هيئة كبار العلماء وإنما هو تأمين تجاري وتغيير اسمه لا يغير حقيقته(53).
والحقيقة أن المؤسسات القائمة بالتأمين والساعية لتصحيح وضعها ومطابقته للبديل الإسلامي تواجه أموراً صعبة من أبرزها إعادة التأمين(54) وهو أن تدفع شركة التأمين جزءاً من أقساط التأمين التي تحصل عليها من جمهور المستأمنين لشركة إعادة تأمين تضمن لها في مقابل ذلك جزءاً من الخسائر .
فإذا وقع الخطر المؤمن ضده لجأ المستأمن إلى شركة التأمين التي تدفع له ثم تطالب شركة إعادة التأمين بدفع جزء من التعويض حسب الاتفاق المبرم بينهما .
فتكون شركة التأمين المباشر كوسيط بين المستأمن وشركة إعادة التأمين وتعترف شركات التأمين الإسلامية بأنه لا قيام لها ولا ازدهار لصناعتها إلا بترتيبات إعادة التأمين(55) وشركات إعادة التأمين الضخمة جميعها تجارية وقد بدأت الآن شركات إعادة تأمين تتبنى المنهج الإسلامي فيه(56).
الإلزام بالتأمين:
من جملة ما طرح من أفكار في موضوع التأمين ما رآه الأستاذ محمد البهي حيث قرر حل التأمين بجميع أنواعه ورأى أنه يجب على الدولة الإلزام به لما فيه مصلحة.
أمَّا الدكتور محمد شوقي الفنجري فإن بعد أن قرر معارضته للتأمين التجاري وعدم شرعيته وأن التأمين التعاوني هو بديله المثالي قال: (ونرى لضمان نجاح التأمين التعاوني, في مثل ظروف المجتمعات العربيَّة والتي تعاني من عدم كفاية الوعي التأميني مع ترامي مساحاتها الشاسعة وارتفاع إمكانياتها الماليَّة؛ أن يكون التأمين إلزامياً في الأصل واختيارياً في الحالات التي يقررها .
وهو يكون إلزامياً بالنسبة للفئات التي يكثر لديها وقوع الخطر كأصحاب السيارات وأصحاب المصانع , وبالنسبة للحالات المؤكد وقوعها كالمرض والشيخوخة والوفاة ..) (57).
ولي مع هذا الرأي وقفات:
1- عقد التأمين عقد رضائي , والعقود في الشريعة الإسلامية أساسها التراضي بين طرفي العقد . قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" [النساء:29].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: (لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفس) (58).
وقد اتفق جمهور أهل العلم على أن من أُكره على قول أو عقد لم يترتب عليه حكم من الأحكام وكان لغواً(59).
وإذا ألزم أحد بعقد فات شرط التراضي فانعدمت الصِّحَة فيه . والتأمين التعاوني أساسه التبرع ولا يُتَصَوَّر تبرع من مُكْرَه ! .
مع أنه قد يصح تخريج ذلك بالنسبة للتأمين التجاري عند القائل به على نزع ملكية العقارات للصالح العام والتسعير وإلزام المحتكر على البيع بسعر المثل وإلزام أرباب المهن على العمل بأجرة المثل إذا امتنعوا عن العمل إلا بأُجور فاحشة والناس بحاجة إلى منافعهم .
إلا أن القول بهذا يحتاج إلى إثبات أن الحاجة إلى هذا النوع من التعاقد ضرورة عامة يصح أن تكون سبباً لإلغاء أساس العقود الذي هو الرضا من طرفيه .
وأن هذا العقد فعلاً سبب لرفع هذه الضرورة .
ثم إن صح هذا في التأمين التجاري وقد تقدم بيان حكمه فلا يصح في التعاوني الذي تقدَّم أن أساسه التبرع والمسامحة ولا يتصور تبرع إلا برضا البَاذِل .
2- أن في الإلزام بأمر هو محل خلاف بين أهل العلم نظراً واضحاً . وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عمّن ولي أمراً من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز شركة الأبدان فهل يجوز له منع الناس ؟ . فأجاب : [ ليس له منع الناس من مثل ذلك , ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد , وليس معه بالمنع نَصٌّ من كتاب , ولا سنة , ولا إجماع , ولا ما هو في معنى ذلك ؛ لاسيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك وهو مما يعمل به عامَّة المسلمين في عامَّة الأمصار .
وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل , ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس بإتباعه في مثل هذه المسائل ؛ ولهذا لما استشار الرشيد مالكاً أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه من ذلك . وقال إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرّقوا في الأمصار , وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم . وصَنَّف رجلٌ كتاباً في الاختلاف , فقال أحمد : لا تسمّه كتاب الاختلاف ولكن سمّه : كتاب السُّنة .
ولهذا كان بعض العلماء يقول : إجماعهم حجَّةٌ قاطعة واختلافهم رحمة واسعة . وكان عمر بن عبد العزيز يقول : ما يسرّني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا ؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً . وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا , ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة . وكذلك قال غير مالك من الأئمة : ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه .
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره : إن مثل هذه المسائل الاجتهاديّة لا تنكر باليد , وليس لأحد أن يلزم الناس بإتباعه فيها ؛ ولكن يتكلم فيها بالحجج العلميَّة فمن تبين له صحّة أحد القولين تبعه ومن قَلّد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه ونظائر هذه المسائل كثيرة ] (60).
وليس هذا من الحكم الذي يرفع الخلاف , فإن ذلك في الأمور المعينة والمسائل الخاصّة بموطنها . قال شيخ الإسلام : ( الأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة , ليس لأحدٍ أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ .. وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة لا يحكمون في الأمور الكليّة .. ) (61).
وبناء على هذين الأمرين فإنه لا يظهر لي وجاهة ما قرره الأستاذان الفاضلان والله الموفق .
وبعد! فهذا آخر ما تهم معرفته عن حكم هذا العقد أسأل الله تعالى أن يوفق للصواب لا إله إلا هو.
(1) مختار الصحاح (ص26)مادة (أ م ن) , المنجد الأبجدي ص 223 .
(2) المعجم الوسيط (1/28) مادة (أمن) . ورمز له مج وهو اللفظ الذي أقرّه مجمع اللغة العربيّة .
(3) الوسيط في شرح القانون المدني للسنهودي (7 / 1080) , نظام التأمين مصطفى الزرقا (ص 33) .
(4) حاشية ابن عابدين (4 / 170) .
(5) لفظ ( سوكوه ) لفظ شائع بمعنى عقد التأمين وهو مأخوذ من اللفظ الفرنسي ( سيكورتيه ) ومعناه الأمان والاطمئنان . نظام التأمين للزرقا (ص 23) .
(6) انظر في النشأة التاريخية للتأمين بحث هيئة كبار العلماء بالسعودية له (ص 38) , المعاملات المالية المعاصرة د. محمد شبير (97) , التأمين في الشريعة والقانون د. غريب الجمال (ص 11) .(6/37)
(7) الإسلام والتأمين د. محمد شوقي الفنجري (ص46 , 47) , الاقتصاد الإسلامي مذهباً ونظاماً د. إبراهيم الطحاوي [1 / 445] .
(8) معجم المصطلحات الاقتصادية نزيه حماد (ص 106) , وانظر القوانين العربيّة المعرفة للتأمين وهي 747القانون المصري , و 713 سوري , و 950 لبناني , و 983 عراقي , و920 أردني , والوسيط للسنهوري (7 / 1079) .
(9) انظر الوسيط للسنهوري (7 / 1136) , بحث عقود التأمين الدكتور محمد الفرفوز لمجلة مجمع الفقه الإسلامي (2 / 577) , دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة د. محمد مصطفى (2 / 470) .
(10) مجموعة رسائل ابن عابدين (2 / 175) .
(11) له في ذلك رسالة مستقلة باسم أحكام السوكرتاه
(12) فتاوى المنابر (4 / 164) , (3 / 964)
(13) بواسطة نظام التأمين للزرقا (ص 67) .
(14) عقد التأمين ضمن أعمال مهرجان ابن تيمية (ص 420) .
(15) أعمال المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي (ص 553) .
(16) الغرر وأثره في العقود (ص 650) .
(17) بواسطة رؤية شرعية في التأمين للشيخ عبد الله المنيع .
(18) فتوى رقم 570 / 2 في 18 / 8 / 1388هـ .
(19) القرار رقم (5 / 10) في 4/ 4/ 1397هـ .
(20) في 4/4/1399هـ .
(21) في 16/4/1406هـ .
(22) في عام 1396هـ .
(23) انظر : التأمين التجاري والبديل الإسلامي د. غريب الجمال .
(24) نظام التأمين (ص 57) .
(25) بواسطة الغرر للفرير (ص 656) .
(26) الإسلام ومشكلاتنا المعاصرة (ص 64) .
(27) التأمين د. غريب الجمال (ص 202) .
(28) في 1411هـ .
(29) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (2/504) .
(30) دراسة شرعية لأهم العقود (2/499)
(31) التأمين وإعادة التأمين مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/618) العدد الثاني .
(32) صحيح مسلم 1513 .
(33) زاد المعاد (5/822) .
(34) نظام التأمين 165 .
(35) رؤية شرعية في التأمين للشيخ عبد الله المنيع .
(36) المدخل الفقهي العام (3/10) .
(37) نظام التأمين 166 .
(38) مجموع الفتاوى (28/76) .
(39) التأمين وفقاً للقانون الكويتي د. جلال إبراهيم (ص 30) , وانظر : الوسيط للسنهوري (7 / 1086) .
(40) نظام التأمين (ص47) , التأمين جائز مقال للشيخ عبد المحسن العبيكان جريدة الرياض عدد 12567 في 15/9/1423هـ .
(41) نظام التأمين (ص 62) .
(42) نظام التأمين للزرقا (ص 58) .
(43) المعاملات المالية المعاصرة محمد شبير (ص 118) .
(44) التأمين بحث أعدّته اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية (ص 294) .
(45) التأمين نظرة شرعية للشيخ عبد الله المنيع .
(46) بمجلة البيان بعنوان حقيقة شركات التأمين د. سليمان الثنيان .
(47) انظر : شرح القانون المدني الجديد د. محمد علي عرفة (ص 67) .
(48) الإسلام والتأمين د. محمد الفنجري (ص 70) .
(49) المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة عام 1385هـ وقرار هيئة كبار العلماء رقم 51 في 4/4/1397هـ وقرار المجمع الفقهي الإسلامي في 10/8/1398هـ وغيرها .
(50) المعاملات المالية المعاصرة (ص 135) .
(51) حيث نشأت الفكرة في ألمانيا في ظل حكم بسمارك . انظر التأمين د. غريب الجمال (ص 276) .
(52) ومن أسباب ذلك أن جملة من الشركات المالية وبيوت التمويل الإسلامية تمادت في تقليد النظام الربوي بل واستعارت هياكله التنظيم فأفرغت العمل المالي الإسلامي من مضامينه الحيوية وأهدافه الاستثماريّة .
وقد أشار كثير من هذا وأبان سببه الشيخ صالح الحصين في بحثه : الهيئات الشرعيَّة الواقع وطريق التحول لمستقبلٍ أفضل .
(53) مجلة البحوث الإسلامية العدد 50 ص 359
(54) التأمين وإعادة التأمين د. وهبة الزحيلي بمجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثاني (2/553) . وبنفس المجلة التأمين في الفقه الإسلامي د. محمد الفرفور (2/602) .
(55) انظر مثلاً : مجموعة فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني , أعمال الندوة الفقهيّة لبيت التمويل الكويتي (ص201) , التأمين التجاري د. غريب الجمال 340 , 344 .
(56) انظر التأمين على الحياة د. علي محيي الدين القره داغي ضمن بحوثه في فقه المعاملات (ص 263) .
(57) الإسلام والتأمين (ص 92) .
(58) السنن الكبرى للبيهقي (6/100) بإسنادٍ حسن وروى عن أنس وعمر بن يثربي وأبي حميد , انظر إرواء الغليل للألباني (5/ 279) مجمع الزوائد (4/ 171) .
(59) زاد المعاد (5/205) , جامع العلوم والحكم (ص 376) . وفرق فقهاء المذهب الحنفي بين ما يحتمل الفسخ ومالا يحتمله فانظره في تكملة فتح القدير (8/166) .
(60) مجموع الفتاوى (30/ 79 , 80) وانظر أيضاً مجموع الفتاوى (35/387 , 388) مهم .
(61) بواسطة طريق الوصول للشيخ عبد الرحمن بن سعدى ص 209 .
- - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب السادس – أحكام التأمين ... 2
حكم التأمين التجاري والصحي ... 2
حقيقة شركات التأمين ... 22
بين التأمين التجاري والتعاوني.. محاور فاصلة ... 42
شركات التأمين التعاونية: ... 51
هيكلة قانونية حديثة للأسس التجارية المتوافقة مع المبادئ الإسلامية ... 51
التأمين بين المشروع والممنوع ... 58
التأمين بين الحلال والحرام ... 74
التأمين التعاوني الإسلامي ... 87
تأملات فقهية..حول موضوع التأمين ... 120
التأمين أنواعه وأحكامه (1/2) ... 128
وقفات في قضية التأمين ... 138
رؤية شرعية اقتصادية في الشركات التأمينية التعاونية التجارية ... 139
رؤية شرعية في شركة التأمين التعاونية ... 142
التأمين بشتى صوره وأشكاله ... 158
عقد التأمين نظرة فقهية موجزة لأبرز مسائله ... 170(6/38)
المفصل في أحكام الربا (7)
الباب السابع
فوائد البنوك
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السابع
فوائد البنوك
وفي فتاوى الأزهر :الموضوع (1249) ربا النسيئة.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.30 ربيع الأول 1400 هجرية - 17 مارس 1980 م.
المبادئ:
1 - فقهاء الشريعة الإسلامية عرفوا البيع بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلاف بينهم فى التعبير عن هذا المعنى.2 - اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد مفسد للعقد.3 - اشتراط هيئة الأوقاف المصرية فى عقد التمليك ومحلقاته دفع المشترى للوحدة السكنية 5 % من جملة الثمن المؤجل كريع نظير باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها.هو عقد آخر على المشترى يدخل فى نطاق الشرط الفاسد، وهو من ربا النسيئة.سئل : نشرت جريدة الأهرام فى عددها يوم الجمعة الموافق 21 ربيع الأول سنة 1400 هجرية 8 فبراير سنة 1980 المقيد برقم 107 لسنة 1980 فى شأن ما تتقاضاه هيئة الأوقاف المصرية من المتعاملين معها فى تمليك العقارات وأطلقت عليه اسم فائض الريع إذ قالت رسالة المواطن / ع - ع - م إن الهيئة تأخذ فائدة سنويا فوق الثمن المتعاقد عليه مقدارها 5 % فى المائة على باقى ثمن الشقق التى تعرضها للتمليك.بينما أجاب السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة - كما هو منشور فى ذات هذا العدد - بأن هذا فائض ريع وليس تحصيل فوائد، ذلك لأن مشترى الشقة بالتقسيط يدفع مقدما 25 % فى المائة من ثمنها ويسدد الباقى على 40 سنة وبذلك يكون له منطقيا 25 % فى المائة من الملكية وللهيئة الباقى 75 % فى المائة حتى تمام السداد، وخلال فترة التأجيل ينتفع المشترى بكامل الشقة رغم أنه لم يملك سوى 25 % فى المائة فقط، ولا تنتفع هيئة الأوقاف بشىء ولها 75 % فى المائة من الملكية.ومن هنا ومحافظة على استثمار أموال الأوقاف لجأت الهيئة إلى حساب دخل الشقة لو كانت مؤجرة طوال مدة الأجل 40 عاما مثلا ، ثم خصمت من جملة الدخل 25 % فى المائة ويكون للهيئة الباقى، وكان هذا الحساب على أساس 10 % من التكلفة، فوصلت حصة الهيئة إلى 25 ألفا من الجنيهات عن الشقة المكونة من حجرتين وصالة وفقا لقانون الإيجارات، ولكن الهيئة لم تجر المحاسبة على هذا واكتفت بحساب 5 % فى المائة فقط كفائض ريع.كما اطلعنا بعدد الأهرام يوم الجمعة 13 ربيع الآخر 1400 هجرية الموافق 29 فبراير 1980 على كلمة السيد المستشار فتحى لاشين المفتش القضائى الأول بوزارة العدل تعليقا على ما سبق من أقوال السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة، حيث جاء بها أن عقد البيع ورد على كامل الوحدة السكنية موضوع العقد، وأن الرابطة تبعا لهذا بين بائع وبين مشتر وأن هذا استمرار فى التعامل الربوى مع رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية فى المجال الاقتصادى.هذا وقد ورد إلى دار الإفتاء من السيد المستشار فتحى لاشين نسخة من نص كلمته إلى الأهرام.وبناء على طلب دار الإفتاء ورد من هيئة الأوقاف المصرية صورة طبق أصلها من عقد التمليك الذى تبرمه الهيئة مع المشترين لوحداتها السكنية، وأحد عشر كشفا ببيان الأقساط والريع المستحق سنويا والتى يقتضى سدادها طبقا لنوع الشقة وحجراتها وبذلك مع كتابيها رقم 1620 فى 10/3/1980 ورقم 1686 فى 12/3/1980.أجاب : إنه لما كان ما نشرته الأهرام وما جاء بالأوراق الواردة من هيئة الأوقاف المصرية وبأوراق السيد المستشار فتحى لاشين يفيد أن المشترى لوحدة سكنية من هيئة الأوقاف يتملك مبانيها فقط بمجرد التوقيع على العقد، وأن هناك جداول ملحقة بالعقد، ومعتبرة جزءا لا يتجزأ منه وتجرى المحاسبة طبقا لها.وقد جاء بهذه الجداول بيان الأقساط بدون ريع، وبيان الريع المستحق بواقع 5 % فى المائة وجملتهما ، وبيانات أخرى مفصلة تبعا لعدد حجرات الوحدة.ولما كان البين من صورة العقد الواردة من هيئة الأوقاف أنه عقد بيع بالشروط المبينة فى مواده وبالجداول الملحقة به ، ومن هذه الشروط استحقاق الهيئة لنسبة 5 % فى المائة من جملة المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية موضوع التعاقد.وبما أن البيع قد عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلاف بينهم فى التعبير عن هذا المعنى، وهو مشروع بنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين.وقد اتفق الفقهاء جميعا على أن اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد مفسد للعقد، وتكاد عباراتهم تتفق على أن الشرط الفاسد هو ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه أو يضر بالعقد، وأن من قبيل الشروط الفاسدة أن يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر، ومن أمثلتهم للشرط الفاسد إذا قال البائع للمشترى بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح لأن المشترى ملك منافع الدار بعقد البيع، فإذا أجره إياها فقط شرط أن يكون له بدل فى مقابلة ما ملكه المشترى فلم يصح.ولما كان اشتراط هيئة الأوقاف المصرية فى عقد التمليك وملحقاته أن يدفع مشترى الوحدة السكنية 5 % من جملة الثمن المؤجل، وفسر هذا السيد الأستاذ رئيس مجلس إداراتها بأن هذا ريع مستحق نظير إيجار باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها، فيكون هذا الشرط بهذا المعنى عقدا آخر على المشترى يدخل فى نطاق الشرط الفاسد بالمعيار، بل وبالمثال السابق الذى نص الفقهاء على عدم صحته.وعلى ذلك يكون واقع الأمر على ما تفيده نصوص العقد وملحقاته أن نسبة الخمسة فى المائة جاءت فائدة مقررة على المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية المباعة، لأن البيع قد تم بالعقد وتسلم المشترى المبيع برضا البائع، فله الانتفاع به جميعه شرعا بدون مقابل غير الثمن المسمى بالعقد، وأخذ نسبة 5 % على المؤجل من الثمن يكون فى نظير التأجيل، وهذا هو ربا النسيئة الذى حرمه الله تعالى فى القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.من هذا قول الله سبحانه فى سورة البقرة { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } البقرة 275 ، لما كان ذلك وكانت تلك النسبة 5 % إما فى مقابلة تأجيل الدين وإما فى مقابلة تأجير باقى العين كما جاء بتفسير رئيس مجلس الإدارة لهذا الشرط وإن كان هذا التفسير لا تدل عليه بنود العقد ولا ملحقاته التى تقررت بها هذه النسبة فتخلص تلك النسبة إما ربا نسيئة لا محالة لا يخرجها أى اسم أو وصف يطلق عليها عن هذه الحقيقة، أو عقد إجارة فاسد لا تستحق به الأجرة، لأنه ورد على ما ملكه المشترى بعقد البيع مع تأجيل بعض الثمن، وفى كل حال لا تقع هذه النسبة 5 % فى المائة فى نطاق نص مبيح شرعا لاشترطها ، بل وقعت فى نطاق المحرمات على الوجه المبين.هذا ومما ينبغى تبيانه للناس أن الأصل فى البيع أن يكون بثمن حال، ويجوز أن يكون بثمن مؤجل كلا أو بعضا إلى أجل معلوم حتى لا يؤدى تجهيل الأجل إلى النزاع، والزيادة فى الثمن عند البيع مؤجلا اختلف الفقهاء فى حلها والجمهور على صحة البيع مع تأجيل الثمن والزيادة فيه عن الثمن الحالى.كما أن من صور البيع التى أجيزت شرعا بيع المرابحة.وصورته أن يبيع الشىء بربح.فيقول ثمن هذا المبيع مائة جنيه وأبيعه بمائة وعشرين جنيها مثلا، وهذا جائز لا خلاف فى صحته شرعا.ولما كان ذلك فإن لهيئة الأوقاف المصرية أن تسير فى هذه العقود على هذا الوجه امتثالا لقوله سبحانه { وأحل الله البيع وحرم الربا } فتضيف فوق التكاليف الفعلية للمبانى الربح المناسب، ثم تبيع الوحدة بثمن محدد لا تتقاضى أكثر منه بهذا الوصف فائض الريع أو(7/1)
إجارة باقى الوحدة السكينة لمشتريها حيث دخل فى نطاق الربويات المحرمات شرعا.ولقد حذرنا رسول الله بتسميتها بغير اسمها فقال ليشربن أناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير اسمها وفى رواية لتستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها إياه.وهذا هو الواقع الآن مع الخمر ومع الربا وغيرهما من المحرمات يسميها المسلمون بغير اسمها ويستحلونها.وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد توعد المتعاملين فى الربا بما لم يتوعد به فى غير هذه الكبيرة فقال سبحانه فى سورة البقرة { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } البقرة 278 ، 279 ، نقل القرطبى فى تفسير هذه الآية أن الإمام مالكا قال إنى تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا، لأن الله أذن فيه بالحرب.هذا وقد روى الشيخان عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1252) عائد شهادات الاستثمار
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.10 صفر 1400 هجرية - 9 ديسمبر 1979 م.المبادئ:1 - الإسلام حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة وهذا التحريم ثابت بالقرآن الكريم والسنة الشريفة وإجماع أئمة المسلمين منذ صدور الإسلام حتى الآن.2 - الوصف القانونى الصحيح لشهادات الاستثمار بأنها قرض بفائدة.يدخلها فى نطاق الفائدة المحددة مقدما التى حرمتها نصوص الشريعة وجعلتها من ربا الزيادة، فلا يحل للمسلم الإنتفاع بها وكذا فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة.3 - القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى الأمر قول غير صحيح بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما.4 - الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد تدخل فى نطاق الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء.سئل : بالطلب المتضمن الإفادة عما إذا كان عائد شهادات الاستثمار حلالا أو حراما وهل يعتبر هذا العائد من قبيل الربا المحرم، أو هو مكافأة من ولى أمر فى مقابل تقديم الأموال للدولة لاستغلالها فى إقامة المشروعات التى تعود على الأمة بالنفع.أجاب : إن الإسلام حرم الربا بنوعيه - ربا الزيادة وربا النسيئة - وهذا التحريم ثابت قطعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين منذ صدر الإسلام حتى الآن.ولما كان الوصف القانونى الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة ، وكانت نصوص الشرعية فى القرآن والسنة تقضى بأن الفائدة المحددة مقدما من باب ربا الزيادة المحرم، فإن فوائد تلك الشهادات وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل فى نطاق ربا الزيادة لا يحل للمسلم الانتفاع به، أما القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى الأمر فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما لاسيما وقد وصف بأنه فائدة بواقع كذا فى المائة، وقد يجرى هذا النظر فى الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد، وتدخل فى نطاق الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1255) التعامل مع البنوك بفائدة محرم شرعا
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.4 ربيع الأول 1400 هجرية - 22 يناير 1980 م.المبدأ : الفائدة المحددة التى تصرفها البنوك نظير إيداع الأموال بها هى من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا ولا فرق فى حرمة التعامل بالربا بين الأفراد والجماعات أو بين الإفراد والدولة.سئل : بالطلب المتضمن أن المصارف فى مصر تعطى فائدة سنوية لكل مائة مبلغا قدره 7.5 % أو 8.5 أو 13 وقد أفتى بعض العلماء بجواز ذلك، حيث أن التعامل ليس مع الأفراد ولكن مع المصارف التى تتبع الحكومة، وطلب السائل الإفادة عن حكم هذه الفائدة.أجاب : قال الله تعالى فى سورة البقرة { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب يدا بيد والفضل ربا) ومن هذه النصوص الشرعية وغيرها يكون الربا محرما، سواء أكان ربا نسيئة أو ربا زيادة، ولما كان إيداع المال بالبنوك نظير فائدة محددة مقدما قد وصفه القانون بأنه قرض بفائدة فإن هذه الفائدة تكون من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا، وبالتالى تصبح مالا خبيثا لا يحل للمسلم الانتفاع به وعليه التخلص منه بالصدقة.أما القول بأن هذا التعامل ليس بين الأفراد ولكن مع المصارف التى تتبع الحكومة فإن الوصف القانونى لهذه المعاملات قرض بفائدة لا يختلف فى جميع الأحوال ولم يرد فى النصوص الشرعية تفرقة بين الربا بين الأفراد وبين الربا ينهم وبين الدولة، وعلى المسلم أن يكون كسبه حلالا يرضى عنه الله والابتعاد عن الشبهات.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1256) شهادات الاستثمار.(7/2)
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.21 رمضان 1400 هجرية - 2 أغسطس 1980 م.المبادئ:1 - الربا بقسميه ربا الزيادة وربا النسيئة.محرم شرعا بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين.2 - شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة مقدما من قبيل القرض بفائدة، وكل قرض بفائدة محرم شرعا.(3) شهادات الاستثمار من الفئة (ج -) ذات الجوائز تدخل دون الفائدة فى نطاق الوعد بجائزة.وقد أباحه بعض الفقهاء.سئل : بالطلب المتضمن أن السائل قام بشراء شهادات استثمار من النوعين ( ا، ج - ) ذات الجوائز، وطلب الإفادة عن رأى الدين والشرع فى كل نوع منهما، لأنه قرأ فى الجرائد أن شهادات الاستثمار من النوعين ( ا،ب ) أحلها فريق وحرمها آخرون، وأن النوع ( ج - ) ذات الجوائز حلال.فما هو رأى الشرع فى ذلك.أجاب : يقول الله فى كتابه الكريم { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم الآيتان } البقرة 275 ، 276 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب الذهب.والفضلة بالفضلة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء ) رواه أحمد والبخارى.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه - ربا النسيئة وربا الزيادة - محرم شرعا بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.لما كان ذلك وكانت شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة مقدما من قبيل القرض بفائدة، وكان كل قرض بفائدة محددة ربا محرما.ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدما لشهادات الاستثمار فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص الشرعية.أما شهادات الاستثمار من الفئة (ج -) ذات الجوائز دون الفائدة، فتدخل فى نطاق الوعد بجائزة الذى أباحه بعض الفقهاء، ومن ثم تصبح قيمة الجائزة من المباحات شرعا.لما كان ذلك كان مباحا للسائل أن يحصل على الجائزة من شهادات الاستثمار فئة (ج -) إن جاءت إليه نتيجة القرعة الشرعية ، أما فوائد شهادات الاستثمار الأخرى فهى من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا دون ضرورة أو حاجة.ويجب على المسلم أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم دع ما يريب إلى ما لا يريبك والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1257) الأموال المودعة فى البنوك وبنك فيصل الإسلامى.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.29 ذو القعدة 1400 هجرية - 8 أكتوبر 1980 م.المبدأ : تحديد الفوائد عن الأموال المودعة بالبنوك مقدما من قبيل القرض بفائدة وهو محرم شرعا.وعدم تحديدها مقدما هو من قبيل المضاربة فى المال وهى جائزة شرعا.سئل : بالطلب المتضمن الإفادة بيان حل أو حرمة الحصول على الفائدة عن المبالغ المودعة بالبنوك التجارية، وكذلك فوائد المبالغ المودعة ببنك فيصل الإسلامى من وجهة نظر الشريعة الإسلامية.أجاب : جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وروى البخارى وأحمد عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب.والفضة بالفضلة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء).بهذه النصوص وأمثالها فى القرآن الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين ثبت تحريم الربا سواء كان ربا الزيادة أو ربا بالنسيئة.لما كان ذلك وكان إيداع النقود بالبنوك التجارية بفائدة محددة مقدما من قبيل القرض بفائدة، كانت هذه الفائدة من باب ربا الزيادة المحرم بتلك النصوص الشرعية - وإذا كانت الفوائد التى يؤديها بنك فيصل الإسلامى محددة مقدما كانت من هذا القبيل المحرم شرعا، أما إذا كان طريقها الاستثمار دون تحديد سابق للفائدة، وإنما يبقى العائد خاضعا لواقع الربح والخسارة كل عام أو فى كل صفقة كان هذا التعامل داخلا فى نطاق عقد المضاربة الشرعية، والربح واستثمار الأموال بهذه الطريقة حلال لشدة الحاجة إليها فى التعامل، لأن من الناس من هو صاحب مال ولا يهتدى إلى التصرف، ومنهم من هو صاحب خبرة ودراية بالتجارة وغيرها من طرق الاستثمار ولا مال له، فأجيز عقد المضاربة الشرعية لتنظيم وتبادل المنافع والمصالح.هذا وإن الله سائل كل مسلم ومسلمة عن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1258) ايداع الأموال فى البنوك بدون فائدة مباح.(7/3)
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.7 ربيع الأول 1401 هجرية - 13 يناير 1981 م.المبادئ:1 - الإسلام حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة.وهذا التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين.2 - إيداع الأموال السائلة (النقود) فى البنوك عامة بدون فائدة بقصد حفظها مباح.لأنها لا تتعين بالتعيين. واختلاطها بأموال ربوية لا يجعل الإيداع محرما.3 - استثمار الأموال فى البنوك دون تحديد فائدة محددة مقدما مشروع فى الإسلام.سئل : بالطلب المتضمن الإفادة عن بيان الحكم الشرعى فيما يلى : 1 - فوائد البنوك عامة والتى تعطى بنسب ثابتة على المبالغ المودعة طرفها.2 - هل إيداع الأموال فى البنوك دون أخذ فوائد عليها حلال أو حرام.3 - الإفادة عن بنك فيصل الإسلامى وبنك ناصر الاجتماعى، وهل إيداع المبالغ بهما بالطرق المختلفة سواء أكانت حسابا جاريا أو وديعة أو دفتر توفير.حلال أم حرام وهل الفوائد من البنك الأخير (بنك ناصر الاجتماعى) حلال أم حرام.مع العلم بأنه يتم خصم نسبة الزكاة المفروضة شرعا من فوائد الحسابات المذكورة سابقا.أى فوائد خالصة الزكاة.أجاب : إن الإسلام حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة.كأن يقترض من إنسان أو من جهة مبلغا معينا بفائدة محددة مقدما أو ربا النسيئة.وهو أن يزيد فى الفائدة، أو يقدرها إن لم تكن مقدرة فى نظير الأجل أو تأخير السداد.وهذا التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين.قال تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب يدا بيد والفضل ربا).ومن هذه النصوص الشرعية وغيرها يكون الربا محرما، سواء أكان ربا الزيادة أو النسيئة.فإذا كانت الفوائد المحددة مقدما على المبالغ التى تودع فى البنوك عامة أو بدفاتر البريد قد وصفها القانون بأنها قرض بفائدة فتكون من أنواع ربا الزيادة المحرم فى الإسلام بالنصوص السالفة وإجماع المسلمين.أما إيداع الأموال السائلة (النقود) فى البنوك عامة بدون فائدة، وإنما بقصد حفظها فهو مباح، لأن النقود لا تتعين بالتعيين فاختلاطها بأموال ربوية لا تجعل الإيداع محرما.هذا والمعروف عن نظام الاستثمار المعمول به فى بنك فيصل الإسلامى وبنك ناصر الاجتماعى.أنه لا يجرى على نظام الفوائد المحددة مقدما وإنما يوزع أرباح عملياته الاستثمارية المشروعة بمقادير غير ثابتة، بل خاضعة لمدى ما حققه المشروع من كسب.والتعامل على هذا الوجه مشروع فى الإسلام، باعتباره مقابلا لما جرى عليه فقهاء المسلمين فى إجازة عقود المضاربة والشركات التى يجرى فيها الكسب والخسارة.وإذ كان ذلك كان على أصحاب الأموال من المسلمين استثمار أموالهم بالطرق المشروعة التى لا تجلب الحرام، لأن الله سبحانه سائل كل إنسان عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، كما جاء فى الحديث الشريف لا سيما إذا كانت هذه البنوك تتعامل وتستثمر الأموال وتخرج زكاتها كما يقضى الإسلام.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1259) شهادات الاستثمار والعائد منها والزكاة فيه
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.27 ربيع الأول 1401 هجرية - 2 فبراير 1981 م.المبادئ:1 - شهادات الاستثمار ( أ، ب ) ذات الفائدة المحددة المشروطة مقدما زمنا ومقدارا.داخلة فى الربا المحرم شرعا. 2 - شهادات استثمار (ح-) ذات الجوائز.تدخل فى باب الوعد بجائزة.وقد أباحه بعض الفقهاء. 3 - الأرباح الناتجة عن الشهادات ذات العائد المحدد مقدما ربا محرم ويتخلص منه بالتصدق به.4 - إذا بلغ المال النصاب الشرعى وجبت فيه الزكاة بشروطها.سئل : بالطلب المقدم من السيد / عوض ح.الذى يطلب فيه بيان الحكم الشرعى فى شهادات استثمار البنك الأهلى المجموعة (ب) ذات العائد الجارى، وهل هى حلال أم حرام كما يطلب الإفادة عن كيفية الزكاة فيها، وكيفيه التصرف فى العائد منها والمستحق له الآن، وما سبق أن أخذه من البنك من هذا العائد.أجاب : جرى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الربا هو زيادة مال بلا مقابل فى معاوضة مال بمال، وقد حرم الله سبحانه وتعالى الربا بالآيات الكثيرة فى القرآن الكريم، وكان من آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، ومحرم كذلك بما ورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب بالذهب والفضة بالفضلة ،والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء ).ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا بكل صورة محرم شرعا وأنه يدخل فيه كل زيادة فى المال المقترض بالشرط والتحديد بلا مقابل.وأجمع المسلمون على هذا التحريم. ولما كانت شهادات الاستثمار ( ا، ب ) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة فى ربا الزيادة المحرم بهذه النصوص الشرعية باعتبارها قرضا بفائدة مشروطة.أما شهادات الاستثمار (ج -) ذات الجوائز، فإنها تدخل فى باب الوعد بجائزة إذ ليست لها فائدة مشروطة ولا محددة زمنا ومقدارا، فتدخل فى باب المعاملات المباحة عند بعض فقهاء المسلمين الذى أجازوا الوعد بجائزة أما عن الأرباح التى حصل عليها السائل فائدة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما فهى ربا محرم، وسبيل التخلص من المال الحرام هو التصدق به - أما عن الزكاة فى هذا المال فإذا كان رأس المال يبلغ النصاب الشرعى وجبت عليه الزكاة فيها، ولكن بشروط وهى أن تكون ذمة مالكها خالية من الدين، وأن تكون فائضة عن حاجته المعيشية وحاجة من يعوله.وأن يمضى عليها سنة كاملة. والنصاب الشرعى الذى يجب فيه الزكاة بعد استيفاء باقى الشروط.هو ما تقابل قيمته بالنقود الحالية 85 جراما من الذهب عيار 21 - ويجب عليه إخراج الزكاة بمقدار ربع العشر أى 2.5 % فى المائة وتصرف هذه الزكاة للأصناف التى حددها الله تعالى فى قوله { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل } التوبة 60 ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1260) نقص قيمة الشهادات مع أرباحها عن قيمتها لا يحل الفائدة(7/4)
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.5 محرم 1402 هجرية - 2 نوفمبر 1981.المبادئ:1 - شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات الفائدة المحددة مقدما زمنا ومقدارا.داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا. 2 - نقصان قيمة الشهادات الشرائية مع أرباحها عن قيمتها وقت شرائها لا يكون مبررا لحل فوائدها الربوية.سئل : بالطلب المتضمن أن السائل أهديت له شهادات استثمار من الفئة (ب) ذات العائد الجارى من والده بمناسبة زواجه وهى فى حوزته إلى الآن.وقد استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته لها.والسؤال هل هى حلال بأرباحها.علما بأن قيمتها الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الإهداء والشراء.أجاب : اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا الزيادة هو زيادة مال بلا مقابل فى معاوضة مال بمال.وقد حرم الله الربا بالآيات الكثيرة فى القرآن الكريم.وكان آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وحرمه كذلك بما ورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما.عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء).ولما كان مقتضى هذه النصوص أنا الربا يدخل فيه كل زيادة على المال المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بلا مقابل، وقد أجمع المسلمون على تحريمه إعمالا لنصوص القرآن والسنة الشريفة.ولما كانت شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص، باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت إهدائها إلى السائل أو وقت الشراء فلا يصلح مبررا لاستحلال هذه الفوائد الربوية، فقد نقل الإمام الإسبيجابى فى شرح الطحاوى اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو نقصت، فعلى المقترض مثل ما قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا (رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود من رخص وغلاء وكساد وانقطاع للعلامة ابن عابدين ج - 2 مجموع الرسائل ص 58 - 67).وإذ كان ذلك كانت القيمة الاسمية لهذه الشهادات حلالا باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب حلال فى الغالب حملا لحال المؤمنين على الصلاح، كما هو الأصل.أما الفائدة التى استحقت عليها طبقا لنظام إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم، باعتبارها محددة زمنا ومقدارا، ولا يحل للمسلم الانتفاع بهذه الفائدة باعتبارها من الأكساب المحرمة، وله قبضها وتوجيهها إلى أى طريق من طرق البر ( انظر كتاب احياء علوم الدين للامام الغزالى ص 882، 883 مسلسل ج - 5 ص 92، 93 تحت عنوان الحلال والحرام - النظر الثانى فى المصرف طبعة لجنة الثقافة الإسلامية 1356 هجرية ) كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التصرف فى الكسب الحرام، إبراء لذمة المسلم من المسئولية أمام الله.فقد ورد فى الحديث الشريف عن أبى برزة الأسلمى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه ) ( صحيح الترمذى ج - 9 ص 253 ) والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1263) تحديد فوائد التجارة.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.26 صفر 1400 هجرية - 14 أبريل 1981 م.المبادئ:1 - تحديد مبلغ معين شهريا من قبل الشريك لشريكه مبطل للشركة وهو من باب ربا الزيادة ولا يحل الانتفاع به.2 - الفائدة المحددة سلفا لبعض أنواع شهادات الاستثمار أو التوفير ربا وحرام شرعا.سئل : بالطلب المقدم من السيد / أ م ل المتضمن الإفادة عن الآتى أولا إن له صديقا مخلصا يتصف بالأمانة وحسن الخلق وصدق المعاملة، يعمل لحسابه فى نقل البضائع بواسطة سيارة نقل يمتلكها.وقد عرض على صديقه هذا أن يكون شريكا له فى عمله بمبلغ خمسة آلاف جنيه على أن يقسم صافى الربح أو الخسارة بينهما فى نهاية كل سنة بنسبة رأس مال كل منهما، إلا أنه رفض هذه المشاركة بحجة أنه تعود أن يزاول عمله ويديره بنفسه، كما أن هذه المشاركة تضطره إلى إمساك دفاتر حسابية مما يزيد عبء العمل عليه وتزداد مسئولياته أمام شريكه وأخيرا وبعد إلحاح قبل مبدأ المشاركة على أساس أن يعطيه مبلغا من المال محددا شهريا وعلى مدار السنة، وقد قبل هذا العرض.ويقول السائل إن تعاملى مع هذا الصديق على هذا النحو الذى يريده وقبلته منه.هل يجيزه الدين الإسلامى أم أنه يعتبر تعاملا بالربا ثانيا شهادات الاستثمار قسم (ب) التى يصدرها البنك الأهلى المصرى ذات العائد الجارى والتى يدفع عنها البنك أرباحا سنوية قدرها 9 من قيمتها.هل هذه الأرباح حلال أم حرام.أجاب : أولا - إن التعامل مع هذا الصديق على هذا النحو الذى ذكره وهو تحديد مبلغ محدد قدره بمعرفته وقبله منه السائل مبطل لهذه الشركة إن كانت فى نطاق أحكام المضاربة الشرعية، ويكون المبلغ المحدد من قبل الشريك من باب ربا الزيادة المحرم شرعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين، منذ صدر الإسلام حتى الآن، إذ أن هذا التعامل من قبيل القرض بفائدة، وكل قرض جر نفعا فهو حرام.وعلى ذلك فإن المبلغ المحدد الذى يدفعه الصديق للسائل يدخل فى هذا النطاق ويكون ربا لا يحل للمسلم الانتفاع به.ثانيا - لما كان واقع شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة والعائد الجارى وتكييفها قانونا أنها قرض بفائدة، وكان مقتضى نصوص الشريعة الإسلامية أن الفائدة المحددة من قبيل ربا الزيادة المحرم، فإن الفوائد المحددة سلفا لبعض أنواع شهادات الاستثمار أو للتوفير تدخل فى هذا النطاق وتكون ربا لا يحل للمسلم الانتفاع بها ومن ذلك يتبين أن التعاملين على الوجه المشروع غير جائز شرعا ويحرم التعامل به.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1301) القرض بفائدة حرام شرعا(7/5)
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.9 ربيع الآخر 1400 هجرية - 25 فبراير 1980 م.المبادئ:1 - الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.2 - الاقتراض من المؤسسات التى تملكها الدولة والاستدانة من البنوك مقابل فائدة محددة مقدما 3% يعتبر قرضا بفائدة.وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام.ويدخل فى ربا الزيادة. 3 - الاقتراض بالفائدة لتشييد بناء لاستغلاله بالتأجير أو التمليك للغير كسب مشوب بالربا الذى يحرم على المسلم التعامل به.سئل : بالطلب المتضمن ما يلى أن الدولة اعتمدت مبلغ مائتين وخمسين مليونا من الجنيهات لأعمال الإسكان والبناء بواقع 3% براحة ثلاث سنوات وتحصل المبلغ على ثلاثين عاما.ويقول السائل. هل يمكن أن أقترض مبلغا من هذا المال لإقامة مسكن على قطعة أرض أملكها لينتفع بها مسلم ليس له مسكن فى شقة من هذه على أن يسدد هذا المال بالشروط والضمانات التى تراها الدولة.أجاب : يقول الله تعالى فى سورة آل عمران { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } آل عمران 130 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح.مثلا بمثل يدا بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى. الآخذ والمعطى فيه سواء) رواه أحمد والبحارى وأجمع المسلمون على تحريم الربا.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا النسيئة، وربا الزيادة محرم شرعا بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، ولما كان الاقتراض من مؤسسات التى تملكها الدولة والاستدانة من البنوك مقابل فائدة محددة مقدما مثل 3% يعتبر قرضا بفائدة وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام.ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدما فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى النصوص الشرعية.لما كان ذلك فإن اقتراض السائل من الأموال المذكورة فى السؤال بالفائدة المحددة 3% يكون محرما شرعا، لأنه تعامل بالربا دون ضرورة أو حاجة ذاتية للسائل، لأن الظاهر من سؤاله أنه يريد الاقتراض بالفائدة لتشييد بناء لاستغلاله بالتأجير أو التمليك للغير فيكون كسبه على هذا الوجه مشوبا بالربا الذى يحرم على المسلم التعامل به ويجب عليه أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1303) الفوائد وتعليق الصور فى المنازل
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.25 رمضان 1400 هجرية - 6 أغسطس 1980 م.المبادئ:1 - الفوائد هى من قبيل الربا المحرم شرعا لا يباح الانتفاع بها.2 - طريق التخلص من الكسب المحرم هو التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية.3 - تعليق الصور فى المنازل لا بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة أو التحريض على الفسق والفجور وارتكاب المحرمات.سئل : بالطلب المتضمن أولا كان للسائلة مبلغ من المال وضعته فى البنك بفائدة وقد صرفت قيمة هذه الفائدة وهى معها، وتطلب الإفادة عن كيفية التصرف يها بعد أن عرفت أنها تعتبر ربا محرم.ثانيا تطلب الإفادة عن الصور التى تعلق بحوائط المنازل بقصد الزينة.هل هى حلال أم حرام وهل تمنع دخول الملائكة المنازل وبيان الحكم الشرعى فى ذلك.أجاب : عن السؤال الأول يقول الله تعالى فى كتابه الكريم { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر.والشعير بالشعير.والتمر بالتمر. والملح بالملح، مثلا بثمل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه) رواه أحمد والبخارى.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.لما كان ذلك فلا يباح للسائلة الانتفاع بهذه الفائدة، لأنها من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا.وطريق التخلق من الكسب المحرم هو التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية.وعلى كل مسلم ومسلمة أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).عن السؤال الثانى اختلف الفقهاء فى حكم الرسم الضوئى بين التحريم والكراهة، والذى تدل عليه الأحاديث النبوية الشريفة التى رواها البخارى وغيره من أصحاب السنن وترددت فى كتب الفقه، أن التصوير الضوئى للإنسان والحيوان المعروف الآن والرسم كذلك لا بأس به، إذا خلت الصور والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة وخلت كلذلك عن دوافع تحريك غريزة الجنس وإشاعة الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات.ومن هذا يعلم أن تعليق الصور فى المنازل لا بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة، ولم تكن من الصور أو الرسوم التى تحرض على الفسق والفجور وارتكاب المحرمات.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ( 615 ) الدين بفائدة محرم شرعا.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.27 شعبان 1348 هجرية - 27 يناير 1930 م.المبادئ:1 - شراء المورث لبعض ورثته عقارا بثمن مقسط بفائدة معينة على أقساط معينة، ثم إيداعه لبعض ورثته المذكورين مبلغا بأحد البنوك بفائدة معينة، ثم مات فالعقد الأول فاسد شرعا، ويجب إزالة المفسد شرعا خروجا من معصية الربا بقضاء الدين المقسط من الأموال المودعة بأحد البنوك.2 - يحرم شرعا استثمار المال المودع بفائدة معينة بأحد البنوك مادام الاستثمار المذكور بطريق الربا المحرم شرعا.سئل : رجل توفى وكان قد اشترى فى حياته لبنتى ابنه المتوفى قبله عشرين فدانا وعليها سبعمائة جنيه دين، أمن على هذه الأطيان بفوائد سبعة فى المائة مقسطة إلى أربع عشرة سنة وظهر بعد وفاة جدهما أنه أودع لهما فى بنك آخر مبلغ ألفى جنيه بفوائد المائة أربعة ونصف وقد تعين عمهما وصيا عليهما.فهل بموت الجد تحل الأقساط المؤجلة ويدفع الدين كله من الألفى جنيه المودعة على ذمتهما فى البنك تفاديا من الربا المحرم شرعا، أم يبقى الدين المقسط على حالة ليدفع فى مواعيده مع فوائده كما يبقى المبلغ المودع فى البنك باسمهما على حاله بفوائده أيضا.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد بأنه متى كان الدين المذكور على القاصرتين فإنه يجب شرعا قضاؤه من الألفى جنيه خروجا من معصية الربا الذى هو من العقود الفاسدة التى يجب فسخها شرعا، ويحرم التمادى والإصرار عليها، كما يحرم استثمار ما للقاصرتين من المال بطريق الربا المحرم.هذا واللّه تعالى أعلم.
الموضوع ( 617 ) فوائد السندات محرمة.(7/6)
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.29 ربيع الأول 1362 هجرية - 4 ابريل 1943 م.المبدأ : فوائد السندات حرام لأنها من الربا.سئل : ورث شخص عن والده بعض سندات قرض القطن التى تدفع عنها الحكومة فوائد فهل هذه الفوائد تعتبر من أنواع الربا التى حرمها المولى عز وجل فى كتابه الحكيم.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد أن هذه الفوائد من الربا الذى حرمه اللّه سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز.وبهذا علم الجواب عن السؤال.واللّه تعالى أعلم.
الموضوع ( 618 ) التصدق بالفوائد المحرمة غير جائز.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.16 جمادى الأولى 1362 هجرية - 20 مايو 1943 م.المبادئ:1 - أخذ الفوائد على الأموال المودعة فى البنوك حرام لأنه من قبيل أخذ الربا.2 - التصدق بفوائد الأموال المودعة بالبنوك لا يقبلها اللّه تعالى ويأثم صاحبها.سئل : لى مبلغ من النقود أودعته فى بنك بدون فائدة لأنى أعتقد أن الفائدة حرام مهما كانت قليلة وأعلم أن اللّه تعالى يمحق الربا.وقد من اللّه على بحب التصدق على الفقراء والمساكين. وقد أشار على بعض الناس بأنى آخذ الفائدة من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء ولا حرمة فى ذلك.فأرجو التكرم بإفتائى عما إذا كان أخذ الفائدة من البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم لا.وهل وضعها فى جيبى أو فى ببتى إلى أن يتم توزيعها على الفقراء فيه إثم وحرمة أم لا.أرجو الإفادة.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد أن أخذ فوائد على الأموال المودعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعا، ولا يبيح أخذه قصد التصدق به لإطلاق الآيات والأحاديث على تحريم الربا.ولا نعلم خلافا بين علماء المسلمين فى أن الربا محرم شرعا على أى وجه كان، هذا ولا يقبل اللّه تعالى هذه الصدقة بل يأثم صاحبها كما تدل على ذلك أحاديث كثيرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.فقد جاء فى كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب مانصه (وأما الصدقة بالمال الحرام فغير مقبولة.كما فى صحيح مسلم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما عن النبى صلى اللّه عليه وسلم.لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب - ولا يقبل اللّه إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه إلى آخر الحديث.وفى مسند الإمام احمد رحمه اللّه عن ابن مسعود رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال لا يكتسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيتقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار.إن اللّه لا يمحو السيىء بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث ويروى من حديث رواح عن ابن حجيرة عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ما كسب مالا حراما فتصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره (إثمه وعقوبته ) عليه.أخرجه ابن حيان فى صحيحه ورواه بعضهم موقوفا على أبى هريرة وفى مراسيل القاسم ابن مخيمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه وتصدق به (لعلها أو تصدق به) أو أنفقه فى سبيل اللّه جمع ذلك جميعا ثم قذف به فى نار جهنم ) وروى عن أبى الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مثل من أصاب مالا من غير حله فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة وسئل ابن عباس رضى اللّه عنهما عمن كان على عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق، ويتصدق منه فقال إن ا لخبيث لا يكفر الخبيث وكذا قال ابن مسعود رضى اللّه عنه إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث.وقال الحسن أيها المتصدق على المسكين ترحمه.ارحم من قد ظلمت. وبما ذكرنا يعلم الجواب عن السؤال.واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ( 620) الاعانة فى عمل الريا محرمة شرعا.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.28 رمضان 1363 هجرية - 16 سبتمبر 1944 م.المبدأ : مباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم.وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا.سئل : شخص يعمل كاتبا ببنك التسليف الزراعى.فهل عليه حرمة فى هذا، أو الدين يحرم عليه الاشتغال، علما بأنه محتاج إليه فى معيشته وأن جميع أعمال البنك تقوم على الفوائد والربا وذلك مما حرمه الشرع.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد أن الربا محرم شرعا بنص الكتاب والسنة وبإجماع المسلمين.ومباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا.وروى مسلم عن جابر رضى اللّه عنه والبخارى من حديث أبى جحيفة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه.واللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث الشريف.وبهذا علم الجواب عن السؤال.واللّه تعالى أعلم.
الموضوع ( 621 ) استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.27 ربيع الأول 1364 هجرية - 12 مارس 1945 م.المبادئ:
1 - استثمار المال فى المصارف من الربا المحرم شرعا.2 - استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا كذلك.سئل : من عمر ب.من عمان شرق الأردن قال تأسست فى مدينة عمان جمعية باسم (جمعية الثقافة الإسلامية) غايتها إنشاء جامعة لتدريس العلوم العربية والشرعية ، وقد جمعت مبلغا من المال أودعته فى أحد البنوك المحلية ولما لم يتيسر لها البدء فى العمل حتى الآن وكانت أموالها معطلة بلا فائدة وكان من الممكن الحصول على فائدة من المصرف الموجودة به الأموال بحيث ينمو هذا المال إلى أن يتيسر إنفاقه فى سبيله لذلك رأت الجمعية أن تسترشد رأى سماحتكم مستعملة عما إذا كان يجوز لها تنمية المال المذكور بالصورة المذكورة أسوة بأموال الأيتام التى تنمو بمعرفة الموظف المخصوص لدى المحكمة الشرعية.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة غير جائز لأنه من قبيل الربا المحرم شرعا كما لا يجوز استثمار أموال اليتامى بالطريق المذكورة.هذا وأن فيما شرعه اللّه تعالى من الطرق لاستثمار المال لمتسعا لاستثمار هذا المال كدفعه لمن يستعمله بطريق المضاربة الجائزة شرعا أو شراء ما يستغل من الأعيان إلى أن يحين الوقت لاستعماله فيما جمع من أجله فيباع حينئذ وبهذا علم الجواب. واللّه أعلم.
================
طواف الافاضة والمبيت بمنى
فتاوى الأزهر - (ج 1 / ص 210)
المفتي
عبد اللطيف حمزة .
19 ذو القعدة سنة 1402 هجرية - 7 سبتمبر سنة 1982 م
المبادئ
1 - طواف الافاضة ركن من أركان الحج وهو سبعة أشواط غير أن الأحناف يرون أن الركن أربعة أشواط فقط والثلاثة الباقية واجبة .
2 - يدخل وقت طواف الافاضة بطلوع فجر يوم النحر عند الحنفية والمالكية - ويدخل وقته بنصف ليلة النحر عند الشافعية والحنابلة .
3 - لا آخر لوقت طواف الافاضة وفعله يوم النحر أفضل .
4 - الموالاة بين أشواط الطواف شرط عند الامامين مالك وأحمد .
فان فرق بين أجزائه استأنف إلا أن يكون يسيرا ولو لغير عذر أو كثيرا لعذر .
5 - يرى الحنفية والشافعية أن الموالاة بين أشواط الطواف سنة فلو فرق تفريقا كثيرا بغير عذر لا يبطل طوافه ويبنى على ما مضى منه .(7/7)
6 - المبيت بمنى لرمى الجمرات سنة عند الأئمة ليلة الحادى عشر والثانى عشر من ذى الحجة ويجوز أن يبقى بمكة إلى منتصف الليل ثم يتم الليل بمنى كما يجوز أن يستمر بمنى إلى مثل ذلك ويتم الليل بمكة - ثم يعود لرمى الجمرات فى وقتها
السؤال
من السيد / أ م م بطلبه المتضمن أنه أثناء تأديته لفريضة الحج وأداء مناسكه طاف طواف الافاضة ظهر يوم النحر ثلاثة أشواط وبعدها شعر بالتعب والاعياء فلم يتمكن من اتمام الأشواط السبعة ثم عاد ليلا فى نفس اليوم وأتم الأشواط الباقية ويسأل عن حكم ذلك شرعا .
ومتضمن كذلك أنه لم يبت بمنى بعد رجوعه من عرفة فما حكم ذلك شرعا ويسأل أيضا عن حكم فوائد البنوك وهل يجوز أخذها واعطاؤها للفقراء والمساكين
الجواب
من أركان الحج طواف الزيارة المسمى بطواف الافاضة وهو مجمع على ركنيته قال تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } وهو سبعة أشواط غير أن الأحناف يرون أن الركن أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجب ويدخل وقت هذا الركن بطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك .
وقال الشافعى وأحمد يدخل وقته بنصف ليلة النحر ولا آخر لوقته وفعله يوم النحر أفضل لحديث ابن عمر رضى الله عنهما ان النبى صلى الله عليه وسلم ( أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبهيقى - فيسن للحاج النزول من منى إلى مكة يوم النحر لطواف الركن وشروط هذا الطواف الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة، والنية والطواف لجميع البيت سبعة أشواط وداخل المسجد ووراء حجر اسماعيل ومحاذات الحجر الأسود بجميع بدنه والترتيب وهو أن يطوف على يمينه والموالاة وبالنظر إلى الشرط الأخير وهو المولاة بين الأشواف السبعة قال بذلك مالك وأحمد فان فرق بين أجزائه استأنف إلا أن يكون التفريق يسيرا ولو لغير عذر أوكثيرا لعذر وقال الحنفيون الموالاة بين أجزاء الطواف سنة وهو الصحيح عند الشافعى وعلى ذلك فلو فرق تفريقا كثيرا بغير عذر لا يبطل طوافه بل يبنى على ما مضى منه .
على ذلك فان ما فعله السائل من تفريق بين أجزاء الطواف لتعبه وشدة الحرارة ثم استئنافه الطواف وتكملته صحيح ولا شىء فيه .
أماب النسبة للمبيت بمنى لرمى الجمرات فهو سنة عند الأئمة فللحاج أن يبيت بها بعد الطواف والسعى أو بعد الطواف ان لم يكن عليه سعى يبيت بها ليلة الحادى عشر والثانى عشر من ذى الحجة ويجوز أن يبقى بمكة الى منتصف الليل ثم يتم الليل بمنى كما يجوز أن يستمر بمنى الى مثل ذلك وينم الليل بمكة أعنى يجوز للحاج أن يجمع بين منى ومكة فى كل ليلة يطلب فيها المبيت بمنى وله ألا يبيت بمنى وأن كره ذلك لكن يلزمه ان لم يبت بها أن يجىء اليها لرمى الجمرات فى وقته من أيام التشريق لأن المبيت بها لذلك وعلى ذلك فليس على الحاج السائل شىء فى عدمه مبيته بمنى .
أما بالنسبة للسؤال الثالث - وهو فوائد البنوك فقط اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الفائدة المحددة التى تعطيها البنوك على الايداع أو الاقتراض من قبيل ربا الزيادة المحرمة شرعا فلا يباح للسائل أن ينتفع بها وله أن أخذها أن يوزعها على الفقراء والمساكين تخلصا منها ولكن لا يثاب عليها لأنه مال حرام والله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبا والا تركها للبنك ليتولى صرفها حسبما يرى والله سبحانه وتعالى أعلم
==============
تنظيم النسل وفوائد البنوك المحددة
فتاوى الأزهر - (ج 2 / ص 319)
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1401 هجرية - 29 ديسمبر 1980 م
المبادئ
1 - العزل مباح باتفاق الزوجين أما تنظيم النسل فأمر لا تأباه الشريعة قياسا على العزل، ويقصد بالتنظيم المباعدة بين فترات الحمل .
2 - منع الحمل نهائيا غير جائز شرعا .
3 - فوائد البنوك محرمة شرعا ما دامت محددة المقدار
السؤال
بالطلب المقيد برقم 182 سنة 1980 وقد رغب فيه السائل بيان حكم الشرع فى الأمور الآتية : 1 - مسألة تحديد النسل .
وهل هناك نص فى كتاب الله يبيحها من حيث إنه المصدر الرئيسى للتشريع لأن كل من يتصدى للكلام فى هذا الموضوع يأتى مستندا إلى حديث شريف فقط - وأيضا موقف الآية الكريمة، وهى قوله الله تعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } من مسألة تحديد النسل .
2 - مكان تواجد الوادى المقدس طوى حيث اختلفت الآراء فيه أهو بسيناء أم بفلسطين .
3 - مسألة الفوائد التى تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا
الجواب
عن السؤال الأول إن مصدر الأحكام فى الإسلام أصلان أساسيان .
هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، يدل على هذا القول الرسول صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتى، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) - أخرجه الحاكم عن أبى هريرة رضى الله عنه ( كتاب البيان والتعريف فى أسباب ورود الحديث الشريف ج - 2 ص 248 و 249 ) وباستقراء آيات القرآن الكريم، نرى أنه لم يرد فيها نص صريح يحرم الإقلال من النسل، أو منعه وإنما جاء فيه ما جعل المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية للأحكام الشرعية ( الموافقات للشاطبى ج - 2 ص 8 وما بعدها فى مقاصد الشريعة ) لكن ورد فى كتاب السنة الشريعة أحاديث فى الصحيح وغيره تجيز العزل عن النساء، بمعنى أن يقذف الرجل ماءه خارج مكان التناسل من زوجته، بعد كمال اتصالهما جنسيا وقبل تمامه .
من هذه الأحاديث ما رواه جابر قال (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) متفق عليه - وروى مسلم (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا) .
( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 6 ص 195 و 196 ) وقد اختلف الفقهاء فى إباحة العزل - بذلك المعنى - كوسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهيته، وفى هذا يقول الإمام الغزالى فى كتاب إحياء علوم الدين فى آداب النكاح فى حكم العزل ما موجزه إن العلماء اختلفوا فى إباحة العزل وكراهيته على أربعة أقوال فمنهم من أباح العزل بكل حال، ومنهم من حرمه بكل حال ، وقائل منهم أحل ذلك برضاء الزوجة، ولا يحل بدون رضائها، وآخر يقول إن العزل مباح فى الإماء (المملوكات) دون الحرائر (الزوجات) - ثم قال الغزالى إن الصحيح عندنا - يعنى مذهب الشافعى - أن ذلك مباح .
ويكاد فقهاء المذاهب يتفقون على أن العزل - أى محاولة منع التقاء منى الزوج ببويضة الزوجة - مباح فى حالة اتفقا الزوجين على ذلك، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، والدليل على هذه الإباحة ما جاء فى كتب السنة من أن الصاحبة رضوان الله عليهم كانوا يعزلون عن نسائهم وجواريهم فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأن ذلك بلغه ولم ينه عنه، كما جاء فى رواية مسلم عن جابر .(7/8)
وإذ كان ذلك كانت إباحة تنظيم النسل أمرا لا تأباه نصوص السنة الشريفة قياسا على العزل الذى كان معمولا به وجائزا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء فى رواية الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر قال (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) كما جاء فى رواية الإمام البخارى فى صحيحه - والمقصود بتنظيم النسل بهذا المفهوم هو المباعدة بين فترات الحمل، محافظة على صحة الأم وحفظا لها من أضرار كثرة الحمل وقف الصلاحية للإنجاب نهائيا، فإن ذلك أمر يتنافى مع دعوة الإسلام ومقاصده فى المحافظة على إنسال الإنسان إلى ما شاء الله وقول الله سبحانه وتعالى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم } الإسراء 31 ، لا يتنافى مع ما قال به جمهور فقهاء المسملين من إباحة العزل عن الزوجة قصدا لتأخير الحمل، أو وقفه مؤقتا لعذر من الأعذار المقبولة شرعا - ذلك أن هذه الآية جاءت فى النهى عن قتل الأولاد، ومنع حدوث الحمل بمنع التلقيح الذى هو النواة الأولى فى تكوين الجنين لا يعد قتلا لأن الجنين لم يتكون بعد إذا ما تم العزل، ولم يلتق منى الزوج ببويضة الزوجة إذ لم يتخلقا ولم يمرا بمراحل التخلق التى جاءت - والله أعلم - فى قوله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين .
ثم جعلناه نطقة فى قرار مكين } المؤمنون 12 ، 13 ، وبينها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما وأربعين ليلة أو أربعين ليلة ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث الله إليك الملك، فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله ، وشقى أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) ( كتاب الأحاديث القدسية ج - 1 و 2 ص 107 طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة ) أخرجه البخارى مواضع من صحيحه .
ومن ثم فلا يعد العزل أو استعمال أى مانع حديث قتلا للولد، وإلا لنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعن السؤال الثانى قوله سبحانه وتعالى فى سورة طه { إنك بالواد المقدس طوى } طه 12 ، جاء فى تفسير ابن جرير الطبرى فى رواية ابن وهب ذلك الوادى هو طوى حيث كان موسى، وحيث كان إليه من الله ما كان .
قال وهو نحو الطور وفى تفسير ابن كثير رواية عن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذا اسم لهذا الوادى ومثله فى تفسير الألوسى .
وفى تفسير فتح القدير للشوكانى وطوى اسم موضع بالشام .
وفى لسان العرب فى مادة (ودى) قال ابن سيده الوادى كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام، سمى بذلك لسيلانه، يكون مسلكا للسيل ومنفذا .
وفيه فى مادة (طوى) طوى جبل بالشام، وقيل هو واد فى أصل الطور ويكون هذا اللفظ اسما لهذه البقعة كما قال تعالى { فى البقعة المباركة من الشجرة } القصص 30 ، ومن قرأ طوى بالكسر، فعلى معنى المقدسة مرة بعد مرة، وقال بعضهم إن كوى بالضم مثل طوى بالكسر وهى الشىء المثنى، وقوله تعالى { إنك بالواد المقدس طوى } طه 12 ، أى طوى مرتين أى قدس، وهذا الوادى غير ذو طوى بالقصر ، لأن هذا واد بمكة، وذو طواء ممدود موضع بطريق الطائف، وقيل واد
وفى مختصر ( مختصر كتاب البلدان لأبى بكر أحمد بن محمد الهمزانى المعروف بابن الفقيه طبع لندن .
سنة 1302 هجرية - ص 57 و 99 ) كتاب البلدان وطول مصر من الشجرتين اللتين بين رفع والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة وفى موضع آخر
والطور الذى كلم الله عز وجل فيه موسى وهو فى صحراء التيه فيما بين القلزم وأيلة ( جاء فى كتاب تاريخ سيناء القديم والحديث لنعوم شقير طبع دار المعارف سنة 1916 م .
ص 18 و 20 أن القلزم هى السويس الحالية وأن أيلة هى التى عرفت باسم العقبة على رأس خليج العقبة الحد الفاصل بين مصر والحجاز (ولعلها ايلات الاسرائيلية الآن )) والظاهر من هذا ومما أورده ابن منظور فى كتاب لسان العرب فى مادتى ودى وطوى - أن المعنى بهذه الآية - والله أعلم - الوادى الذى فى أصل جبل الطور الذى كلم الله عز وجل فيه موسى عليه السلام، فهو فى أرض مصر بسيناء
وكما عبر مختصر كتاب البلدان وهو (فى صحراء التيه بين القلزم وأيلة) وهذا ما قال بان جرير الطبرى فى تفسيره - حسبما تقدم - وليس صحيحا أنه بالشام أو فلسطين، لأن الوحى لموسى كان فى أرض سيناء بمصر .
وعن السؤال الثالث إن الربا فى اصطلاح الفقهاء هو زيادة مال بلا مقابل فى معاوضة مال بمال وبهذا يكون ما يؤديه المدين إلى الدائن زيادة على الدين نظير مدة معلومة من الزمن مع الشرط والتحديد من الربا ن كما تكون الزيادة عند مقايضة شيئين من جنس واحد من الربا أيضا، والربا محرم فى الإسلام بالآيات الكثيرة فى القرآن الكريم، سواء منها ما حكت تحريمه فى الشرائع السابقة أو ما جاء تشريعا للإسلام، وكان من آخر القرآن نزولا على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله سبحانه { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين .
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } البقرة 278 ، 279 ، وروى البخارى ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن عن أبى سعيد الخدرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى المعطى والآخذ منه سواء) وهذا للفظ لمسلم .
وبهذه النصوص وغيرها فى القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدين، أو زيادة فى نظير تأجيل الدين وتأخير سداده، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة فى التعاقد مع ضمان رأس المال .
لما كان ذلك .
وكانت الفوائد المسئول عنها التى تقع فى عقود الودائع فى البنوك، وفى صناديق التوفير فى البريد، وفى البنوك، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة، ودخلت فى نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم فى الإسلام بعموم الآيات فى القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الترمذى ونصه (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) ( صحيح الترمذى ج 9 ص 253 فى أبواب صفة القيامة والرقائق والورع ) والله سبحانه وتعالى أعلم
============
حكم فوائد البنوك وشهادات الاستثمار(7/9)
فتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 153)
الموضوع:.
السؤال:
اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت - المقيد برقم 1757لسنة 2003م المتضمن :-ما حكم فوائد البنوك وشهادات الاستثمار ؟
المفتي : فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
فقد اختلف الفقهاء منذ ظهور البنوك في العصر الحديث في تصوير شأنها طبقاً لاختلاف أهل القانون والاقتصاد في ذلك التصوير فيما إذا كانت العلاقة بين العملاء والبنك هي علاقة القرض كما ذهب إليه القانونيون أو هي علاقة الاستثمار كما ذهب إليه الاقتصاديون والاختلاف في التصوير يُبنى عليه اختلاف في تكييف الواقعة حيث إن من كيّفها قرضاً عده عقد قرض جر نفعاً فكان الحكم بناء على ذلك أنه من الربا المحرم ، ثم اختلفت الفتوى فرأى بعضهم أن هذا من قبيل الضرورات التي يجوز للمسلم عند الاضطرار إليها أن يفعلها بناء على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " أخذاً من عموم قوله تعالي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (البقرة:173) . ورأى بعضهم أنه ليس من باب الضرورة حيث إن الضرورة تعرف شرعاً بأنها ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قرب على الهلاك وبعض هؤلاء رأي الجواز من قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ومن سلك في التكييف مسلك الاستثمار فبعضهم عدها من قبيل المضاربة الفاسدة التي يمكن أن تصحح بإجاره وبعضهم ذهب إلى أنها معاملة جديده وعقد جديد غير مسمى في الفقه الإسلامي الموروث فأجتهد فيه اجتهاداً جديداً كما أجتهد فقهاء سمرقند في عقد بيع الوفاء باعتباره عقداً جديداً وكما أجتهد شيخ الإسلام أبو السعود في عقد المعاملة وحكم بحلها كما حكم الأولون بحل الوفاء وذلك لمراعاة مصالح الناس ولشدة الحاجة إليها ولاستقامة أحوال السوق بها ولترتب معاش الخلق عليها ولمناسبتها بمقتضيات العصر من تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة وزيادة السكان وضعف الروابط الاجتماعية وتطور علوم المحاسبة وإمساك الدفاتر واستقلال الشخصية الاعتبارية عن الشخصية الطبعيه وغير ذلك كثير
فالحاصل أن الخلاف قد وقع في تصور مسألة التعامل في البنوك ومع البنوك وفي تكييفها وفي الحكم عليها وفي الإفتاء بشأنها والقواعد المقررة شرعاً :-
أولاً : أنه إنما ينكر ترك المتفق على فعله أو فعل المتفق على حرمته ولا ينكر المختلف فيه .
ثانياً : أن الخروج من الخلاف مستحب .
ثالثاً : أنه من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز .
ومن المعلوم من الدين بالضرورة حرمة الربا حيث وردت حرمته في صريح الكتاب والسنة وأجمعت الأمة على تحريمه قال تعالي : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( 275 من سورة البقرة )
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه " رواه البخاري ومسلم
ولكن الخلاف حدث فيما إذا كان هذا الحاصل في واقع البنوك من قبيل الربا المحرم شرعاً أو أنه من قبيل العقود الفاسدة المحرمة شرعاً أيضاً أو أنها من قبيل العقود المستحدثة والحكم فيها الحل إذا حققت مصالح أطرافها ولم تشتمل على ما حرم شرعاً .
وبناء على ما سبق : فإنه يجب على كل مسلم أن يدرك أن الربا قد حرمه الله سبحانه وتعالى وأنه متفق على حرمته ويجب عليه أن يدرك أن أعمال البنوك أختلف في تصويرها وتكييفها والحكم عليها والإفتاء بشأنها العلم وأنه يجب عليه أن يدرك أن الخروج من الخلاف مستحب ومع ذلك فله أن يقلد من أجاز ولا حرمة عليه حينئذ في التعامل مع البنك بكافة صوره أخذاً وإعطاءً وعملاً وتعاملاً ونحوها .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
(( قلت : كلامه ليس صحيحا ))
=============
فوائد البنوك
.فتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 192)
الموضوع:
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 2002 لسنة 2003 المتضمن : لدي 10 شركات ومؤسسات تزاول أنشطة متنوعة تجارية وعقارية وكما تعلمون في الوقت الحاضر لابد للشركات أن تتعامل مع البنوك فلدى هذه الشركات حسابات بنكية عديدة في بنوك مختلفة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها سواء في الدول العربية أو الأجنبية وكما تعلمون تقوم هذه البنوك بإضافة فوائد على الأرصدة الدائنة كما إنها تقوم بخصم فوائد على أرصدة الحسابات المدينة
ونظراً لحرصي على نقاء أموالي من الفوائد البنكية أرجو من فضيلتكم أن تفتوني أي الرأيين التاليين أصح شرعاً .
أولاً : أن أقوم بالتبرع للجمعيات الخيرية بما تم حسابه وإضافته من فوائد على الأرصدة الدائنة وأن أتحمل كل ما تخصمه البنوك من فوائد على الأرصدة المدينة .
ثانياً : أن أقوم بحساب الفوائد البنكية المستلمة على الأرصدة الدائنة ثم أقوم بطرح الفوائد البنكية المخصومة على الأرصدة المدينة منه ونتاج الطرح أقوم بالتبرع للجمعيات الخيرية .
وطبقاً لهذا الرأي لن يدخل في أموالي أي ريال من هذه الفوائد البنكية .
المفتي : فضيلة الأستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
أولاً : بالنسبة للعمل في البنوك فقد اختلف الفقهاء منذ ظهور البنوك في العصر الحديث في تصوير شأنها طبقاً لاختلاف أهل القانون والاقتصاد في ذلك التصوير فيما إذا كانت العلاقة بين العملاء والبنك هي علاقة القرض كما ذهب إليه القانونيون أو هي علاقة الاستثمار كما ذهب إليه الاقتصاديون والاختلاف في التصوير يُبنى عليه اختلاف في تكييف الواقعة حيث إن من كيّفها قرضاً عده عقد قرض جر نفعاً فكان الحكم بناء على ذلك أنه من الربا المحرم ، ثم اختلفت الفتوى فرأى بعضهم أن هذا من قبيل الضرورات التي يجوز للمسلم عند الاضطرار إليها أن يفعلها بناء على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " أخذاً من عموم قوله تعالي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (البقرة:173) ورأى بعضهم أنه ليس من باب الضرورة حيث إن الضرورة تعرف شرعاً بأنها ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك وبعض هؤلاء رأي الجواز من قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ومن سلك في التكييف مسلك الاستثمار فبعضهم عدها من قبيل المضاربة الفاسدة التي يمكن أن تصحح بإجاره وبعضهم ذهب إلى أنها معاملة جديده وعقد جديد غير مسمى في الفقه الإسلامي الموروث فأجتهد فيه اجتهاداً جديداً كما أجتهد فقهاء سمرقند في عقد بيع الوفاء باعتباره عقداً جديداً وكما أجتهد شيخ الإسلام أبو السعود في عقد المعاملة وحكم بحلها كما حكم الأولون بحل الوفاء وذلك لمراعاة مصالح الناس ولشدة الحاجة إليها ولاستقامة أحوال السوق بها ولترتب معاش الخلق عليها ولمناسبتها بمقتضيات العصر من تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة وزيادة السكان وضعف الروابط الاجتماعية وتطور علوم المحاسبة وإمساك الدفاتر واستقلال الشخصية الاعتبارية عن الشخصية الطبعيه وغير ذلك كثير
فالحاصل أن الخلاف قد وقع في تصور مسألة التعامل في البنوك ومع البنوك وفي تكييفها وفي الحكم عليها وفي الإفتاء بشأنها والقواعد المقررة شرعاً :-(7/10)
أولاً : أنه إنما ينكر ترك المتفق على فعله أو فعل المتفق على حرمته ولا ينكر المختلف فيه .
ثانياً : أن الخروج من الخلاف مستحب .
ثالثاً : أنه من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز .
ومن المعلوم من الدين بالضرورة حرمة الربا حيث وردت حرمته في صريح الكتاب والسنة وأجمعت الأمة على تحريمه قال تعالي : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( 275 من سورة البقرة )
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه " رواه البخاري ومسلم
ولكن الخلاف حدث فيما إذا كان هذا الحاصل في واقع البنوك من قبيل الربا المحرم شرعاً أو أنه من قبيل العقود الفاسدة المحرمة شرعاً أيضاً أو أنها من قبيل العقود المستحدثة والحكم فيها الحل إذا حققت مصالح أطرافها ولم تشتمل على ما حرم شرعاً .
وبناء على ما سبق : فإنه يجب على كل مسلم أن يدرك أن الربا قد حرمه الله سبحانه وتعالى وأنه متفق على حرمته ويجب عليه أن يدرك أن أعمال البنوك أختلف في تصويرها وتكييفها والحكم عليها والإفتاء بشأنها العلم وأنه يجب عليه أن يدرك أن الخروج من الخلاف مستحب ومع ذلك فله أن يقلد من أجاز ولا حرمة عليه حينئذ في التعامل مع البنك بكافة صوره أخذاً وإعطاءً وعملاً وتعاملاً ونحوها .
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال :
إذا أخذ السائل بالرأي القائل بحل أموال البنوك فلا مانع شرعاً أن يستفيد بفوائد أمواله المودعة بالبنوك ويتصرف فيها كيف يشاء .
أما إذا أخذ السائل بالرأي القائل بحرمة العائد من البنوك فللسائل أن يتبرع بفوائد هذا المال لأي من جهات الخير .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
(( قلت : كلامه مليء بالمغالطات ))
=============
فوائد البنوك.
فتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 197)
الموضوع:
السؤال:
الفتوى رقم 1777 بتاريخ 30 / 9 / 2003 م
افيدونا عن أخر ما توصلتم إليه من فتوى عن فوائد البنوك هل هي حلال أم حرام ؟
المفتي : فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
اختلف الفقهاء منذ ظهور البنوك في العصر الحديث في تصوير شأنها طبقاً لاختلاف أهل القانون والاقتصاد في ذلك التصوير فيما إذا كانت العلاقة بين العملاء والبنك هي علاقة القرض كما ذهب إليه القانونيون أو هي علاقة الاستثمار كما ذهب إليه الاقتصاديون والاختلاف في التصوير يُبنى عليه اختلاف في تكييف الواقعة حيث إن من كيّفها قرضاً عده عقد قرض جر نفعاً فكان الحكم بناء على ذلك أنه من الربا المحرم ، ثم اختلفت الفتوى فرأى بعضهم أن هذا من قبيل الضرورات التي يجوز للمسلم عند الاضطرار إليها أن يفعلها بناء على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " أخذاً من عموم قوله تعالي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (البقرة:173) ورأى بعضهم أنه ليس من باب الضرورة حيث إن الضرورة تعرف شرعاً بأنها ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك وبعض هؤلاء رأي الجواز من قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ومن سلك في التكييف مسلك الاستثمار فبعضهم عدها من قبيل المضاربة الفاسدة التي يمكن أن تصحح بإجاره وبعضهم ذهب إلى أنها معاملة جديده وعقد جديد غير مسمى في الفقه الإسلامي الموروث فأجتهد فيه اجتهاداً جديداً كما أجتهد فقهاء سمرقند في عقد بيع الوفاء باعتباره عقداً جديداً وكما أجتهد شيخ الإسلام أبو السعود في عقد المعاملة وحكم بحلها كما حكم الأولون بحل الوفاء وذلك لمراعاة مصالح الناس ولشدة الحاجة إليها ولاستقامة أحوال السوق بها ولترتب معاش الخلق عليها ولمناسبتها بمقتضيات العصر من تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة وزيادة السكان وضعف الروابط الاجتماعية وتطور علوم المحاسبة وإمساك الدفاتر واستقلال الشخصية الاعتبارية عن الشخصية الطبعيه وغير ذلك كثير
فالحاصل أن الخلاف قد وقع في تصور مسألة التعامل في البنوك ومع البنوك وفي تكييفها وفي الحكم عليها وفي الإفتاء بشأنها والقواعد المقررة شرعاً :-
أولاً : أنه إنما ينكر ترك المتفق على فعله أو فعل المتفق على حرمته ولا ينكر المختلف فيه .
ثانياً : أن الخروج من الخلاف مستحب .
ثالثاً : أنه من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز .
ومن المعلوم من الدين بالضرورة حرمة الربا حيث وردت حرمته في صريح الكتاب والسنة وأجمعت الأمة على تحريمه قال تعالي : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( 275 من سورة البقرة )
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه " رواه البخاري ومسلم
ولكن الخلاف حدث فيما إذا كان هذا الحاصل في واقع البنوك من قبيل الربا المحرم شرعاً أو أنه من قبيل العقود الفاسدة المحرمة شرعاً أيضاً أو أنها من قبيل العقود المستحدثة والحكم فيها الحل إذا حققت مصالح أطرافها ولم تشتمل على ما حرم شرعاً .
وبناء على ما سبق : فإنه يجب على كل مسلم أن يدرك أن الربا قد حرمه الله سبحانه وتعالى وأنه متفق على حرمته ويجب عليه أن يدرك أن أعمال البنوك أختلف في تصويرها وتكييفها والحكم عليها والإفتاء بشأنها العلم وأنه يجب عليه أن يدرك أن الخروج من الخلاف مستحب ومع ذلك فله أن يقلد من أجاز ولا حرمة عليه حينئذ في التعامل مع البنك بكافة صوره أخذاً وإعطاءً وعملاً وتعاملاً ونحوها .
والله سبحانه وتعالى أعلم
(( هذه الفتوى باطلة ))
============
فوائد البنوك.
فتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 207)
الموضوع:
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 1933 لسنة 2003 المتضمن : نحن شركة تتعامل في مجال التجارة والصناعة وطبيعة عملها تتطلب التعامل مع البنوك في أمور شتى وفي الآونة الأخيرة استفتي بعض الشركاء بعض العلماء في معاملات البنوك فأفتوا بأنها تدخل ضمن معاملات الربا .
ونريد أن نستوضح بيان الحكم الشرعي في الأسئلة الآتية :-
أولاً : نقوم بشراء بضاعة ويقوم البنك التجاري بسداد قيمتها للمورد نقداً ثم يتم سدادها للبنك بعد ستة أشهر بفائدة نرتضيها .
ثانياً : نقوم بشراء بضاعة من المصرف الإسلامي من خلال مرابحة يقوم فيها المصرف بمنحنا المال اللازم للبضائع ويفوضنا في شرائها من المورد ونقوم بالسداد بعد ستة أشهر مقابل عائد من المصرف نرتضيه .
ثالثاً : نقوم بسحب نقدية من البنوك التجارية والإسلامية لحاجة العمل لها وسدادها بعد فترة مقابل عائد أو فائدة على فترة السداد نرتضيها .
رابعاً : أحياناً تتوفر سيولة لدينا فنقوم بإيداعها بالبنوك كوديعة والحصول على عائد مقابل فترة الإيداع .
المفتي : فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.(7/11)
الجواب:
المرابحة شرعاً هي بيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم للبائع والمشتري وهي بذلك تفترض تملك البائع للسلعة وقبضها قبل بيعها مرة أخرى بربح معين .
وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال :
أولاً : قيام البنك التجاري بسداد ثمن البضاعة التي اشترتها الشركة للبائع _ المورد _ نقداً ثم سداد الشركة هذا الثمن للبنك بعد ستة أشهر بفائدة فإذا كان دور البنك لا يتعدى دور المقرض بفائدة للشركة بصورة غير مباشرة تتمثل في أن البنك يدفع للبائع _ المورد _ مبلغاً معجلاً بدلاً من الشركة يحصل عليه بفائدة معينة بعد ستة أشهر ولأن البنك لا يمتلك السلعة بأي صورة كانت ولا في أي مرحلة من مراحل التعامل فهو من باب الربا المحرم شرعاً في ما إذا كانت هذه العملية تتم تحت عنوان المرابحة بحيث يمتلك البنك السلع ثم يعيد بيعها إلى العميل بزيادة فهذا من باب المرابحة
ثانياً : طالما أن المصرف لا يمتلك السلعة بأي صورة ولا في أي مرحلة من مراحل التعامل فهذه ليست مرابحة ولا عبرة بالتفويض المذكور لأنه تفويض شكلي فقط وعليه أن يتم عملية المرابحة بصورتها الشرعية .
ثالثاً ، رابعاً : بالنسبة للتعامل مع البنوك إيداعاً واقتراضاً .
اختلف الفقهاء منذ ظهور البنوك في العصر الحديث في تصوير شأنها طبقاً لاختلاف أهل القانون والاقتصاد في ذلك التصوير فيما إذا كانت العلاقة بين العملاء والبنك هي علاقة القرض كما ذهب إليه القانونيون أو هي علاقة الاستثمار كما ذهب إليه الاقتصاديون والاختلاف في التصوير يُبنى عليه اختلاف في تكييف الواقعة حيث إن من كيّفها قرضاً عده عقد قرض جر نفعاً فكان الحكم بناء على ذلك أنه من الربا المحرم ، ثم اختلفت الفتوى فرأى بعضهم أن هذا من قبيل الضرورات التي يجوز للمسلم عند الاضطرار إليها أن يفعلها بناء على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " أخذاً من عموم قوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (البقرة:173) ورأى بعضهم أنه ليس من باب الضرورة حيث إن الضرورة تعرف شرعاً بأنها ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك وبعض هؤلاء رأى الجواز من قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة .
ومن سلك في التكييف مسلك الاستثمار فبعضهم عدها من قبيل المضاربة الفاسدة التي يمكن أن تصحح بإجارة وبعضهم ذهب إلى أنها معاملة جديدة وعقد جديد غير مسمى في الفقه الإسلامي الموروث فاجتهد فيه اجتهاداً جديداً كما اجتهد فقهاء سمرقند في عقد بيع الوفاء باعتباره عقداً جديداً وكما اجتهد شيخ الإسلام أبو السعود في عقد المعاملة وحكم بحلها كما حكم الأولون بحل عقد بيع الوفاء وذلك لمراعاة مصالح الناس ولشدة الحاجة إليها ولاستقامة أحوال السوق بها ولترتب معاش الخلق عليها ولمناسبتها لمقتضيات العصر من تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة وزيادة السكان وضعف الروابط الاجتماعية وتطور علوم المحاسبة وإمساك الدفاتر واستقلال الشخصية الاعتبارية عن الشخصية الطبعية وغير ذلك كثير
فالحاصل أن الخلاف قد وقع في تصور مسألة التعامل في البنوك ومع البنوك وفي تكييفها وفي الحكم عليها وفي الإفتاء بشأنها والقواعد المقررة شرعاً :-
أولاً : أنه إنما ينكر ترك المتفق على فعله أو فعل المتفق على حرمته ولا ينكر المختلف فيه .
ثانياً : أن الخروج من الخلاف مستحب .
ثالثاً : أنه من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز .
ومن المعلوم من الدين بالضرورة حرمة الربا حيث وردت حرمته في صريح الكتاب والسنة وأجمعت الأمة على تحريمه قال تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( 275 من سورة البقرة )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه " رواه البخاري ومسلم
ولكن الخلاف حدث فيما إذا كان هذا الحاصل في واقع البنوك من قبيل الربا المحرم شرعاً أو أنه من قبيل العقود الفاسدة المحرمة شرعاً أيضاً أو أنها من قبيل العقود المستحدثة والحكم فيها الحل إذا حققت مصالح أطرافها ولم تشتمل على ما حرم شرعاً .
وبناء على ما سبق : فإنه يجب على كل مسلم أن يدرك أن الربا قد حرمه الله سبحانه وتعالى وأنه متفق على حرمته ويجب عليه أن يدرك أن أعمال البنوك اختلف في تصويرها وتكييفها والحكم عليها والإفتاء بشأنها وأنه يجب عليه أن يدرك أن الخروج من الخلاف مستحب ومع ذلك فله أن يقلد من أجاز ولا حرمة عليه حينئذ في التعامل مع البنك بكافة صوره أخذاً وإعطاءً وعملاً وتعاملاً ونحوها .
والله سبحانه وتعالى أعلم
(( قلت : وهذه الفتاوى الصادرة عن الدكتور علي جمعة هي تقليد أعمى لشيخ الأزهر سيد طنطاوي الذس يبيح ربا البنوك بهذه الحيل التي ساقها على جمعة ، وأن المسألة من قبيل المختلف فيه ، وهذا باطل ، فهي مصادمة للنص والإجماع ، فهي مردودة على أصحابها كائنا من كانوا )) انتهى علي بن نايف الشحود
================
ربا المصارف :
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 400)
وربا المصارف أو فوائد البنوك: من ربا النسيئة، سواء أكانت الفائدة بسيطة أم مركبة، لأن عمل البنوك الأصلي الإقراض والاقتراض، فتدفع للمقرض فائدة 4% أو 5% وتأخذ فائدة من المقترض 9% أو 12%، ولا يصح القول بأن البنك مجرد وسيط بين المودع والمقترض، يأخذ عمولة مقابل وساطته، لأن البنك ممنوع من القيام بنشاط استثماري، ولا يتقاسم المودع مع البنك الربح والخسارة، ولا يتقاسم البنك مع المقترض في مشروعه الأرباح والخسائر، والنسبة مع ا لطرفين محددة مشروطة سلفاً سواء بالنسبة للمودع أو المقترض، وإن مضار الربا في فوائد البنوك متحققة تماماً، وهي حرام حرام حرام كالربا وإثمها كإثمه، لقوله تعالى: {وإن تُبْتُم فلكم رؤوسُ أموالِكم} [البقرة:279/2] وقد أصبح الربا في عرف الناس اليوم لا يطلق إلا على ربح المال عند تأخيره، وهو مشابه لربا الجاهلية المضاعف مع مرور الزمن. فربا النسيئة الواقع في عقدي الصرف والقرض هو الواقع الآن، كشراء نقد، (دولارات) بنقد (دراهم) دون تقابض، واقتراض أو استلاف دنانير على أن يرد زيادة عليها بنسبة معينة 5% مثلاً، أو مبلغاً مقطوعاً كمئة دينار أو ألف. وأما ربا الفضل فهو نادر الحصول، لكنه حرام سداً للذرائع إلى ربا النسيئة.(7/12)
ويكون تحريم ربا المصارف بنص القرآن والسنة وإجماع الصحابة، أما القول بأن «كل قرض جر نفعاً» ليس حديثاً فهو صحيح، ولكن ذلك ثبت عن جماعة من الصحابة أنهم نهوا عن قرض جر نفعاً، ونهيهم مستمد من السنة النبوية وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلم «نهى عن سلف وبيع» والسلف هو القرض في لغة الحجاز، مثل أن يقرض شخص غيره ألف درهم على أن يبيعه داره أو على أن يرد عليه أجود منه أو أكثر، والزيادة حرام كما تقدم إذا كانت مشروطة أو متعارفاً عليها في القرض، فإن لم تكن مشروطة ولا متعارفاً عليها فلا بأس بها، ويمكن فهم قاعدة «كل قرض جر نفعاً فهو ربا » على أنه في القرض الذي شرط فيه النفع أو جرى عليه العرف، كما قرر الكرخي وغيره.
وكذلك إيداع المال في المصارف والتعاقد على أن تدفع منها ضرائب الدولة أو تؤخذ الفوائد وتدفع للفقراء حرام أيضاً، لأن الله طيِّب لا يقبل إلا طيباً، جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يكتسب عبد مالاً من حرام، فينفق منه، فيبارك فيه، ولا يتصدق به، فيتقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث» ولكن لو كان المال مودعاً في بنوك دولة أجنبية، وسجلت له نظامياً فوائد، فلا مانع كما جاء في فتوى لجنة الإفتاء بالأزهر في الستينات ونشرتها مجلة الوعي الإسلامي من أخذ هذا المال وصرفه في مصالح عامة في ديار المسلمين كتعبيد الطرق وبناء المدارس والمشافي ولا تترك للأجانب يتقوون بها علينا، أوتبنى بها الكنائس، وهذا من قبيل ( اختيار أهون الشرين) و ( الأخذ بأخف الضررين).
============
الفوائد في قوانين الدول العربية :
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 402)
تتفاوت عبارات القوانين في البلاد العربية بالنص على تحريم الفوائد أو إباحتها من الناحية النظرية الظاهرية فقط، ولكن لا تخلو دولة عربية مع الأسف الشديد من إقرار النظام المصرفي والتعامل بالفائدة. فهناك اتجاه يجيز الفائدة مطلقاً كمجلة الالتزامات والعقود التونسية وقانون الموجبات والعقود اللبناني، ففيهما النص على سريان الفائدة من تاريخ الإعذار، وليس للفائدة حد أقصى، وهكذا فعلت تركيا حيث أطلقت حديثاً على لسان رئيس الوزراء الحالي حرية أسعار الفائدة، واتجاه ثان يجيزها بقيود كالقانونين المدني المصري والسوري حيث جاء فيهما: لا يجوز أن تتجاوز الفائدة رأس المال ولا أن تتجاوز الحد الأقصى ولا تسري إلا اعتباراً من المطالبة القضائية، وقد نص القانون المصري (م 226) ومثله العراقي (م 171) على الفائدة 4% في المسائل المدنية و 5% في المسائل التجارية كالقانون المغربي (م 870) الذي نص على أن اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه، والقانون المدني الجزائري لعام 1975 (م 455، 456) الذي نص على أن القرض بين الأفراد يكون دائماً بدون أجر، ويقع باطلاً كل نص يخالف ذلك، ولكنه أجاز التعامل بالفائدة للمؤسسات المالية (البنوك) في حال إيداع أموال لديها، وكذلك القانون الليبي رقم 74 لعام 1972 (م 1 الذي أباح الفائدة بين الأشخاص الاعتباريين (كالدولة) ومصارفها، وحرمها على الأشخاص الطبيعيين الأفراد العاديين. وهذه تفرقة ليست في شرع الله ولا دينه، فلا فرق في التحريم بين الفرد المسلم والدولة، والخطاب الشرعي للجميع، وإلا جاز للدولة باعتبارها شخصاً معنوياً كل ما حرمه الإسلام من الظلم والغبن والقتل بغير حق وأكل الأموال بالباطل، وقد قال أبو يوسف رحمه الله للخليفة هارون الرشيد في كتاب الخراج «لايجوز لولي الأمر أن يأخذ شيئاً من يد أحد إلا بحق ثابت معروف» .
ومن هذا الاتجاه القانون الأردني (بموجب نظام المرابحة العثماني 1304 هـ مارس 1903م) حيث نص على حد أقصى للفائدة 9% ونص القانون المدني الأردني (م 640) على بطلان شرط المنفعة في القرض وصحة العقد. وكذلك المعمول به في دولة الإمارات، الذي سوِّى فيه بين المعاملات المدنية والتجارية في قانون الاجراءات المدنية لإمارة أبو ظبي، وقضت المحكمة الاتحادية العليا في تفسيرها رقم 14 لسنة 1979 بدستورية نص المادتين 61، 62 من هذا القانون، إلا أنه لا يجوز أن يزيد سعر الفائدة التي تحددها المحكمة عن السعر الذي اتفق عليه الأطراف أو تعاملوا به في أي مرحلة قبل رفع الدعوى، ونص القانون الإماراتي (م714) على بطلان شرط المنفعة الزائدة في القرض وصحةالتعاقد. لكن نص قانون العقوبات لدولة الإمارات في المادة (409) على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن ألفي درهم كل شخص طبيعي تعامل مع شخص طبيعي آخر بربا النسيئة في أي نوع من أنواع المعاملات المدنية والتجارية، ويدخل في ذلك كل شرط ينطوي على فائدة ربوية صريحة أو مستترة» وهذا يعني بالمفهوم المخالف إعفاء الأشخاص الاعتبارية (البنوك) من العقوبة.
أما القانونان المدنيان في كل من السودان (م1/279، 281) والكويت (م1/547) فقد نص كلاهما على منع الربا أو الفائدة ظاهراً. «يكون الإقراض بغير فائدة، ويقع باطلاً كل شرط يقضي بغير ذلك » لكن نص القانون التجاري في الكويت ( م 102) على أن «للدائن الحق في اقتضاء فائدة في القرض التجاري» وكان العمل على هذا أيضاً في السودان، والسعودية وغيرهما.
شبهات القائلين بإباحة فوائد البنوك :
1 - يزعم المبيحون للفوائد المصرفية (البنكية) أنها ليست أضعافاً مضاعفة، وإنما هي نسبة قليلة 4% أو 7% أو 9%، فلم يشملها النص المحرم للربا: «وحرَّم الربا» وليست مما عهدته العرب. والرد على ذلك أن الربا في الآية ليس هو ربا العهد المذكور في سورة آل عمران فحسب، وهو ربا الجاهلية المضاعف، بل كل ما ذكر في القرآن والسنة الثابتة المفصلة لأنواع الربا وهي ربا الفضل وربا النسيئة الشامل لربا البيوع وربا القروض، وليس مجرد الربا المضاعف، وإنما كل زيادة قليلة أو كثيرة، لقوله تعالى: {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم} [البقرة:279/2] وأكد الله تعالى هذا مباشرة بقوله: {لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمُون} [البقرة:279/2] كما أن اللام في قوله تعالى: {وحرم الربا} [البقرة:275/2] للجنس، أي حرم جنس الربا، ثم أبانت السنة النبوية في الأحاديث الصحيحة المراد من هذا الجنس، أي الزيادة في أموال مخصوصة، وعقود معينة هي البيع والقرض والصرف، لكن الفقهاء اختلفوا في علة الربا بين موسع ومضيق ومتوسط، والفريق الأول هم الحنفية والحنابلة الذين جعلوا العلة هي الكيل والوزن، فشمل الربا كل ما يباع كيلاً كالقمح والشعير، وكل ما يباع وزناً كالقطن والحديد، والذهب والفضة.(7/13)
والفريق الثاني هم المالكية الذين حصروا علة ربا المطعومات في القوت والادخار أي كل مقتات غالباً قابل للادخار مدة سنة مثلاً، أي لا يفسد بتأخيره مدة من الزمن لا حد لها في ظاهر المذهب، وإنما بحسب الأمد المبتغى منه عادة في كل شيء بحسبه، فالمرجع فيه إلى العرف، والفريق الثالث وهم الشافعية الذين جعلوا العلة هي الطُّعْم وهو يشمل كل مايتناول الإنسان اقتياتاً أوتفكهاً أو تداوياً، واتفق الفريقان الثاني والثالث على أن العلة في النقدين وما يحل محلهما من النقود الورقية هي النقدية أو الثمنية، أي كونهما ثمناً للأشياء. ليست العلة في الربا هي الاستغلال والظلم وإنما هذه حكمة لا يربط الحكم الشرعي بها،ولا يصح القياس عليها لعدم انضباطها واختلافها من شخص لآخر، حتى يقال بأنه إذا لم يتوافر الاستغلال والظلم، كالقروض الإنتاجية لإصلاح أرض أو إقامة مصنع أو تشييد بناء أو غير ذلك من مختلف مجالات الإنماء، كانت الفائدة أي الربا جائزة. ثم إن ربا المصارف كما تقدم يصبح بنظام الفائدة المركبة من ربا الأضعاف المضاعفة، وليس صحيحاً ما ينقل عن ابن عباس أنه كان يحرم فقط ربا الجاهلية، ولا يحرم ربا الفضل وربا النسيئة حسبما زعم السنهوري.
2 - يزعم المبيحون أيضاً بأن لفظ «الربا» في الشريعة مجمل، عرف العرب بعضه ولم يعرفوا البعض الآخر، ويؤيدون رأيهم بقول عمر رضي الله عنه: «أن آية الربا من آخر ما نزل من القرآن، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم قبض قبل أن يبينه لنا، فدعوا الربا الريبة» . وهذا خطأ لأن الشريعة تتمثل بالقرآن والسنة الصحيحة، والقرآن حرم جنس الربا، بدليل آخر قول عمر: «فدعوا الربا والريبة» وجاءت السنة الثابتة بمجموع الأحاديث الصحيحة مبينة المراد من قوله تعالى: {وحرَّم الربا} [البقرة:275/2] واعتبر النبي صلّى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر المتأخر حدوثه (وهو سنة سبع بعد الحديبية) مبادلة الصاع الجيد من التمر بالصاعين من الرديء «عين الربا» مما يدل على وجود هذه المعاملة بين العرب، وأنها بيع في ظنهم، فكان إرشاد النبي صلّى الله عليه وسلم دالاً على أن ذلك العقد ربا حرام وليس بيعاً حلالاً، كما أن لفظ الربا الوارد في القرآن شامل لهذا النوع من المعاملة. وعلى هذا فلا يصح القول بحصر الربا بربا الجاهلية (الأضعاف المضاعفة)، وبأن غيره من أنواع الربا مشكوك في حرمته، وإن اعتبرناه حراماً فهو أقل حرمة من ربا الجاهلية، كما يقول السيد رشيد رضا.
3 - يزعم بعض المعاصرين كالدكتور معروف الدواليبي أن الربا المحرم هو ربا القروض الاستهلاكية أي التي يقترضها ذوو الحاجة الملحة ويؤدونها أضعافاً مضاعفة، أما القروض الإنتاجية التي يقترضها الموسرون للتشغيل في مشروعات إنتاجية صناعية أو تجارية أو زراعية تدر عليهم ربحاً وفيراً، فليست الفائدة المؤداة ربا محرماً لعدم توافر معنى استغلال حاجة المحتاج. ويلاحظ أن أول من أعلن هذا في أسبوع الفقه الإسلامي عن الربا سنة 1951 م في باريس قد تأثر بالنظريات الرأسمالية وبالفكر اليهودي.وقد رددت على هذا بأن الحكم الشرعي يرتبط بالعلة المنضبطة لا بالحكمة المضطربة المختلفة من شخص لآخر، وربط الربا بالاستغلال والظلم بيان للحكمة التشريعية لا لعلة الحكم. ثم إن الشريعة بنصوصها القاطعة حرمت كما تقدم جنس الربا، ولم تفرق بين قرض استهلاكي وقرض إنتاجي، كما أن الإسلام حرم كل أنواع الربا مبتدئاً بالموسرين كالعباس.
4 - يزعم هؤلاء المبيحون بأن الفائدة في القروض الإنتاجية تقتضيها مصلحة متحققة فتجوز ولو عارضتها مفسدة، والقاعدة المنقولة في مقال العربي السابق عن عالم أن المفسدة إذا عارضتها مصلحة راجحة قدمت المصلحة،وتتمثل المصلحة هنا في توظيف الأموال لمضاعفة الدخل القومي، وفتح مجالات العمل أمام العمال، وإفادة كل من المقرض والمقترض. أما المفسدة فهي الربا فقط. وهذا خطأ بيِّن لأن القاعدة الشرعية الصحيحة أن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» وأن المصلحة يعمل بها إذا لم تعارض النص الشرعي، ومجال العمل بالمصلحة عند فقدان الدليل من نص أو إجماع أو قياس، وأن مفاسد القروض الإنتاجية أكثر وأخطر من المصالح الوهمية المشار إليها، لأن المنتج يضيف مقدار الفائدة على تكاليف الإنتاج التي يتحملها المستهلك في نهاية الأمر، ولأن ارتفاع سعر السلع فيه مضرة بمجموع الناس، ولأن الفائدة الربوية تسخر العمل لخدمة رأس المال دائماً، ولأن إقراض الموسرين يحصر الثروة في أيديهم، ويؤدي إلى التضخم النقدي والتفاوت الصارخ بين الأغنياء والفقراء.
5 - يزعم المبيحون بأن المصارف (البنوك) في العصر الحديث ضرورة اقتصادية لا يستغنى عنها، وهذا أيضاً تمويه وخداع، فإن النظام الاشتراكي لا يقر نظام الفوائد المصرفية، كما أن نجاح المصارف الإسلامية التي زادت عن خمسين مؤسسة في عصرنا، في غضون ثلاث عشرة سنة فقط برهان واضح على إمكان قيام نظام اقتصادي خال من الفوائد البنكية أو المصارف الربوية. ولايصح القول أيضاً بأن فوائد المصارف مما تعارف عليها الناس، والعرف مصدر تشريعي؛ لأن هذا عرف فاسد مصادم للنصوص الشرعية.
6 - إن تسويغ (تبرير) الربا بالتضخم النقدي أي بجعل الفائدة تعويضاً عن القيمة المفقودة من النقد غير صحيح، لأن الفائدة في الحقيقة هي سعر استعمال النقدية مع مرور الزمن، وليست تعويضاً عن فقد قيمة النقد، كما أن الربا من مسببات التضخم فعلاً، وليس نتيجة له، كما يقرر الاقتصاديون.
7 - إن من مظاهر انحطاط الفكر ودواهي العلم أن يقال: ( إن الأوراق النقدية لا توزن، فلا تعتبر من الربويات، بل تأخذ حكم العروض التجارية )، أو يقال: إن الأوراق النقدية كالفلوس لايجري فيها الربا. وهذا جهل واضح بحقيقة النقود، فإنها ثمن اصطلاحي للأشياء، سواء أكانت معادن أم أي شيء آخر، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «لا تبيعوا الدينار بالدينارين» (نيل الأوطار: 303/5) والفلوس ليست لها قوة النقود ولا بديلاً عن النقود، وإنما هي كالسلع التجارية، فلا تقوَّم بها السلع والأعيان وإنما تقوَّم بالذهب والفضة، وكان سلخ وجود صفة الربا فيها لتفاهتها، كتفاهة بيع الحفنة بالحفنتين، والتفاحة بالتفاحتين، وإنما سمح بتداولها في الماضي لتسهيل شراء ما رخص ثمنه من الحاجيات.
8 - أن الفائدة البنكية المعطاة لصاحب المال، المحددة بمقدار معين حرام، لأنها قدر مقطوع لا زيادة فيها ولا نقص ولا تتأثر بحقيقة الأرباح، ولا تساهم في تحمل شيء من الخسارة إذا قيل: إنها عائد استثمار رأس المال المودع في المشروعات الاستثمارية من صناعة وتجارة وزراعة وغيرها.(7/14)
وعلى هذا فلا يصح القول خلافاً لما جاء في مقال مجلة «العربي» السابق وغيره من الفتاوى الضالة بإباحة أرباح صناديق التوفير التي تعتمدها بعض الحكومات لتشجيع الناس على الادخار، ولا القول بإباحة أرباح شهادات الاستثمار المصرفية حيث يودع بعض الناس أموالهم، ويحصلون على شهادات أو صكوك بقيمتها، تحقق أرباحاً أو جوائز بعد فترة زمنية معينة؛ لأن هذه الصناديق والشهادات ما هي إلا قرض جر نفعاً، وليست عارية؛ لأنه يجب رد العين المعارة بذاتها، ولأن عارية النقود قرض، ولا وديعة، لأن الودائع لا يجوز للوديع تشغيلها، فإن استعملها ضمنها، وليست هي أيضاً من قبيل شركات المضاربة بتقديم رأس المال من جانب والعمل من جانب آخر؛ لأن المصارف تحدد نسبة معينة من الربح بمقدار نسبة رأس المال، لا بحسب نسبة الربح الفعلي، مما يجعل المعاملة ربا نسيئة، والمضارب في شركة المضاربة شريك لرب المال، والشريك لا يضمن إلا بالتعدي أو بالتقصير في العمل، مع أن رأس المال مضمون من قبل المصرف كالمقترض تماماً، فإنه ضامن بالشرط والتعهد والاتفاق لا تبرعاً لما يقترضه من مال. ثم إنه لا بد من الاشتراك في الربح دون تحديد نسبة مقطوعة، وتكون الخسارة على رب المال في المضاربة، ولا خسارة على أصحاب هذه الأموال، وقد يقرض المصرف بعض الأموال المودعة لديه، وليس هذا جائزاً في المضاربة. ولا يجوز تخصيص حظ معين، لأنه قد أجمع الفقهاء في الشركات وعقود استثمار الأراضي (المساقاة، والمزارعة، والمغارسة)على عدم جواز تخصيص مقدار مقطوع من الربح أو الغلة والناتج لوجود الغرر، أي احتمال وجود ربح أو عدم وجوده، واحتمال تفاوت نسبة الربح، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث رافع بن خديج نهى عن كراء الأرض بما على السواقي وأمر بكرائها بذهب أو ورق (فضة) معين. ولا عبرة لما يقال بأن المشروع رابح دائماً، وأن الخسارة نادرة فتكون غرراً يسيراً لا يبطل العقد فإن الكلام في مقدار الغرر، ومقدار الغرر فاحش، وليس الكلام في ندرة وقوعه أو عدم وقوعه، لأن الخسارة للمصرف إذا حدثت تكون فاحشة وليست يسيرة.
والكلام عن الغرر يقتضينا الإشارة إلى أن مقال العربي السابق الذي ينقل عن عالم جواز التأمين على الحياة خطأ أيضاً، لأنه بالرغم مما يقال عن أن نسبة الاحتمال أو الغرر في شركات التأمين تخضع لحسابات دقيقة، وهي يسيرة مسموح بها، فهو كلام مناقض للواقع، لأن مقدار الغرر فاحش، واحتمال حدوث الحادث أو عدم حدوثه بيد الله تعالى: {وما تدري نفس ماذا تَكْسِبُ غداً، وما تدري نفس، بأي أرض تموت، إن الله َ عليمٌ خبيرٌ} [لقمان:34/31].
والخلاصة:
إن فوائد المصارف حرام شرعاً بنص القرآن والسنة وإجماع الصحابة والأمة، والقول بإباحتها مصادم بداهة للأدلة الشرعية كلها النصية (القرآن والسنة) والاجتهادية (كالإجماع والقياس) ولا عبرة بقول من غير فقه وورع، أو جهل بحقيقة أعمال المصارف.
هذا مع العلم بتناقض فتاوى مفتي مصرالدكتور سيد طنطاوي حيث صدرت له فتاوى سابقة تصرح بتحريم فوائد البنوك وشهادات الاستثمار (1) .
__________
(1) انظر كتاب الدكتور محمد علي السالوسي «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» وكتابه أيضاً «حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي» جزاه الله خيراً حيث دافع بورع وحق عن حياض شرع الله القائم على تحريم الفوائد وكل ربح ثابت.
===============
أحكام التعامل مع المصارف الإسلامية
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 412)
المصرف الإسلامي: هو مؤسسة مالية تقوم بتجميع الأموال واستثمارها وتنميتها لصالح المشتركين، وإعادة بناء المجتمع المسلم، وتحقيق التعاون الإسلامي، على وفق الأصول الشرعية.
وأهم تلك الأصول: اجتناب المعاملات الربوية والعقود المحظورة شرعاً، وتوزيع جميع الأرباح بحسب الاتفاق دون استغلال حاجة المضطر أو المحتاج، ومساعدة أهل الحاجة عن طريق القرض الحسن، والدعوة إلى الإسلام اقتصادياً واجتماعياً.
مميزات المصارف الإسلامية :
تمتاز المصارف الإسلامية عن المصارف التجارية الربوية القائمة على أساس الفائدة المصرفية إيداعاً وإقراضاً، بميزات واضحة، مستمدة من الشريعة الإسلامية وفقهها الخصب غير الملتزم بمذهب معين، بحيث يمكن أن تحقق هذه التجربة نجاحاً ملحوظاً بارزاً، تستطيع به الصمود أمام المصارف الأخرى، ومنافستها، وإقناع المسلم بأنها قادرة على تلبية حاجاته، وتحقيق مطالبه في ظل أحكام القرآن، والحد من غطرسة النظام الرأسمالي القائم أساساً على الاستغلال والطبقية والفائدة الربوية.
وأهم هذه الميزات التي يبين منها أوجه الفرق بين المصارف الإسلامية والمصارف التجارية هي ما يأتي:
1 - ارتباطه بالعقيدة الإسلامية: المسلم في كل تصرفاته ملتزم بأصول الحلال والحرام في شريعته، فهو يقْدم على الحلال الواضح المعالم الذي يطمئن إليه قلبه، ويجتنب الحرام الذي يمنعه دينه ويحظره عليه شرعه، فلا يجرؤ على مخالفة حكم من أحكام قرآنه وسنة نبيه، وقد نص القرآن الكريم على تحريم الربا تحريماً قطعياً أبدياً، سواء أكان ربا نسيئة ومنها ربا المصارف، أم ربا فضل، وسواء أكان الربا في البيع أم في القرض، وسواء أكان القرض استهلاكياً أم إنتاجياً.
وذلك في قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة:275/2] أي حرم جنس الربا بمختلف أنواعه، وأنذر تعالى بمحق فوائد الربا فقال: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة:276/2] وأوجب تعالى ترك كل آثار الربا وتصفيته ولو كانت الفائدة قليلة مثل 1% بقوله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة:278/2] وأعلن الحق تبارك وتعالى الحرب والعداوة على أكلة الربا، فقال: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم، لا تَظْلمون ولا تُظلمون} [البقرة:279/2] وهذا أشد عقاب في الإسلام، وأدل على أن الربا أشد الأحكام حرمة وأفظعها وأشنعها جرماً عند الله تعالى، لاستحقاقه عداوة الله والرسول.
وينبني على قاعدة الحلال والحرام هذه أنه لا يجوز للمصرف الإسلامي إنتاج أوتمويل أو استيراد أو تصنيع السلع المحرمة شرعاً كالخمر، أو التعامل بالربا، أو الاحتكار، أو التغرير أو الغش في التعامل. أما المصارف الربوية فتعتمد على الفائدة أخذاً وعطاء، وعلى دعم الاحتكارات.
ويتعين على المصرف الإسلامي توجيه الموارد واستثمارها في مجال السلع والخدمات المشروعة دون إسراف.
ويراعي المصرف في مشروعاته حاجات المسلمين ومصلحة الأمة.
2 - الأخذ بمبدأ الرحمة والتسامح واليسر: إن مبدأ الإخاء الإسلامي يوجب على عاملي المصرف الإسلامي الأخذ بيد المسلم لإنقاذه من عسر أوضيق طارئ أو أزمة ألمت به، فلا إرهاق ولا إعنات في المطالبة، ويعتمد في معاملته النصح والإرشاد، والأمانة والصدق، والإخلاص والتسامح، ويتعامل بالقرض الحسن، ويمهل المدين الغريم عند العسر، أخذاً بنظرية الميسرة المقررة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنَظِرة إلى مَيْسَرة، وأن تصدَّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة:280/2].
أما المصارف التجارية غير الإسلامية فنظرتها مادية محضة، لا تعنى بالأخلاق، ولا ترعى ظروف المقترض، وإنما يهمها مصلحتها وتحقيق أرباحها، بغض النظر عن أوضاع العميل مع المصرف، فإذا لم يقم بتسديد ما عليه من فوائد متراكمة تبادر إلى الحجز على ممتلكاته التي قدمها رهناً بالقرض.(7/15)
3 - النزعة الاجتماعية الإنسانية: إن هدف المصارف الربوية هو الربح، وتحقيق أكبر ربح ممكن، بينما هدف المصارف الإسلامية هو التعاون، ودرء الضرر، ودفع الحاجة، من طريق القروض الحسنة التي لا تأخذ فائدة عليها، وصرف الزكاة إلى الأسر الفقيرة، وطلبة العلم، وبناء المساجد، ودعم الجمعيات الخيرية التي تعنى برعاية الفقراء طعاماً وغذاء وكساء ومأوىً وعلاجاً، وبتحفيظ القرآن، وإعداد الجيل على منهج التربية الإسلامية في سيرتها السلفية الأولى، مع الأخذ بما تقتضيه المعاصرة والحداثة والتطور النافع المفيد.
وتعنى المصارف الإسلامية بربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية في أُطر متوازنة وتنسيق متكامل صحيح، فيسير العمل من أجل توفير الرخاء الاقتصادي، مع التهذيب الاجتماعي القائم على الالتزام بآداب الإسلام وقِيَمه وأخلاقه الاجتماعية في كل مناحي الحياة ومسيرة المعاملات، فلا غش ولا خداع، ولا تغرير ولا تدليس، ولا مقامرة ولا غبن في المعاملات، منعاً لأكل أموال الناس بالباطل، وحفاظاً على شيوع روح الود والحب والطمأنينة، ومنع المنازعات بين الناس، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار في الحياة والأوطان الإسلامية، وتقوية وازع الدين، وخشية الله تعالى ورقابته في السر والعلن، حتى يكون المواطن عضواً أميناً صالحاً منتجاً، يعمل بوحي من دينه وضميره الذي لا رقيب عليه إلا الله تعالى، ويتقن أعماله ويضاعف جهوده في الإنتاج، والتصنيع، وتحسين الثمار والزروع وغير ذلك من الأنظمة الاقتصادية وتقوية التجارة القائمة على الثقة، وإفادة الأمة الإسلامية.
4 - المساواة بين طرفي التعامل، والوضوح في العمل، والثقة في الاستثمار: لا تعرف المصارف الربوية هذه المبادئ، وإنما المهم تشغيل الأموال بمعرفة إدارة المصرف، وإعادة الإقراض إلى غير المودعين بسعر فائدة أعلى من سعر فائدة الودائع. بينما المصارف الإسلامية لا غموض فيها، وكل أعمالها واضحة، ويهمها توفير ثقة المتعاملين مع إدارة المصرف، ولا تعتمد على الإقراض بالفائدة، وتلتزم بعقد المشاركة (شركة العنان في الفقه الإسلامي) مع العميل أو صاحب رأس المال، فيساهم الشريك والمصرف في رأس المال والإدارة، ويقسم الربح بنسبة يتفقان عليها بالتراضي مقدماً. أما الخسارة فتكون بنسبة رأس المال، إلا إذا كانت الخسارة بسبب التعدي أو التقصير.
وفي مجال تشغيل الأموال أو استثمارها يعتمد المصرف على نوع آخر من الشركات هو شركات القراض أو المضاربة التي يقدِّم فيها المصرف كل التمويل، بينما يقوم الشريك المضارب بالإدارة والعمل، وفقاً لشروط محددة يعينها المصرف حسبما يعرف في الفقه الإسلامي بالمضاربة المقيدة. ويحدد نصيب المضارب في الربح بالتراضي بين الجانبين مقدماً، أما الخسارة فيتحملها المصرف وحده، ويفقد الشريك المضارب مجهوده الذي بذله في إدارة المشروع، ما لم تكن الخسائر بسبب التعدي أو التقصير.
أما في نطاق الاستيراد كشراء السيارات والسلع التجارية سواء من داخل البلاد أو خارجها، فيلجأ المصرف الإسلامي إلى نوع من البيوع يسمى بيع المرابحة: وهو البيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح، وهو من بيوع الأمانة، فإن ظهرت خيانة كان للمشتري الخيار بنقض الصفقة. ويستطيع المصرف أن يأخذ ربحاً معقولاً على شراء السلعة، سواء أكان البيع حالا (نقدياً) أم مقسطاً أم مؤجلاً لأجل معين، ويجوز في رأي جمهور الفقهاء أن يكون سعر التقسيط أو المؤجل أعلى من السعر الحالّ أو النقدي، بشرط تحديد السعر تحديداً نهائياً عند الاتفاق على البيع.
ويمكن للمصرف بناء بيت أو منزل في أرض بمبلغ معين يراعى فيه التكاليف زائداً الربح، يدفع عند التسليم، أو على أقساط يتفق عليها، ولا مانع من اختلاف الثمن باختلاف الأجل.
أما التحاويل والحوالات التي هي وسائل تؤدي إلى سداد مبالغ نقدية في داخل البلد أو خارجه، فيجوز شرعاً وكما هو معمول به في المصارف التجارية أن تكون بأجر أو بغير أجر.
وأما خطابات الضمان (وهي التعهدات الكتابية التي يتعهد بمقتضاها المصرف بكفالة أحد عملائه في حدود مبلغ معين تجاه طرف ثالث، بمناسبة التزام ملقى على عاتق العميل المكفول) فهي كفالة جائزة شرعاً. أما أخذ المصرف الأجرة على هذه الكفالة فيجوز إذا كان خطاب الضمان بغطاء كامل أو جزئي (أي بتعهد بالدفع الكلي أو الجزئي ويرصد مقابلها ما يوازيها)؛ لأن العقد هنا عقد كفالة ووكالة معاً: كفالة بالنسبة لعلاقة المصرف مع الطرف الثالث ووكالة بالنسبة لعلاقة المصرف مع العميل.
ولا يجوز للمصرف أخذ الأجرة إذا كان خطاب الضمان بغير غطاء (أي لا يرصد مقابله شيء) لأن العقد هنا عقد كفالة، ولايجوز أخذ الأجر على الكفالة؛ لأنها من عقود التبرعات، وأخذ الأجر على ذات الضمان غير جائز عند جمهور الفقهاء، خلافاً لما عليه المصارف التجارية من أخذ عوائد على خطابات الضمان التي تصدرها. وهذا الحكم الشرعي هو ما أخذ به المؤتمر الأول للمصارف الإسلامية، وهيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني. وأجازت هذه الهيئة أخذ أجر حالة الكفالة المجردة شريطة أن يكون محسوباً نظير ما يقوم به البنك من خدمة فعلية يتكبدها في سبيل إصدار خطاب الضمان، من غير أن يمتد ذلك إلى الضمان نفسه.
5 - مناط الربح تشغيل رأس المال والعمل :
الاسترباح في المصارف الإسلامية يعتمد على تشغيل رأس المال والعمل من جانب المصرف أو وكلائه، فلا يحقق إيداع المال نظير فائدة ثابتة، وإنما صاحب رأس المال شريك بناء على شركة العنان أو شركة المضاربة، ويجوز اجتماع شركة المضاربة مع شركة أخرى كشركة العنان، كما يجوز تعدد أرباب المال وتعدد المضارب، فللمضارب الواحد أو جماعة المضاربين الاشتراك مع آخرين في شركة عنان. والمضاربة مبنية على الأمانة، فلا يجوز أن يضمن المضارب المال، وإلا فسخ العقد.
ويطبق المصرف مبدأ المضاربة المطلقة فيما يتعلق بالودائع الاستثمارية، والمضاربة المقيدة فيما يتعلق بعمليات الاستثمار. أما المستفيد من المصارف فيقترض منها بالقرض الحسن الذي لا فائدة فيه، ومصدر أموال القروض من بعض مؤسسي المصرف؛ لأن الفقهاء اتفقوا على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، أي اشترط فيه النفع وهو الربا أو الفائدة أو المنفعة كالسكنى في بيت الغريم المدين. ولا يجوزفي أي تعامل للمصرف أن ينص على دفع فائدة منه أو إليه، وليس له أخذ فائدة مقابل دفع مبلغ مؤجل حالاً؛ لأن ذلك ربا حرام داخل في قاعدة «ضع وتعجل» .
وبناء عليه لا يصح للمصرف في تعامله مع المصارف الأجنبية أن ينص على أخذ فائدة أو دفع فائدة، كأن يشترط المصرف الإسلامي على المصرف الأجنبي أن يقرضه عندما ينكشف حسابه نظير فائدة، والحل هو الاتفاق على إيداع المصرف الإسلامي مبالغ في المصرف الأجنبي لحسابه من غير فائدة، وإذا احتاج المصرف الإسلامي تغطية عجزه، لا يدفع فائدة للمصرف الأجنبي إذا صار دائناً له، وقد قبلت المصارف الربوية هذا التعامل.
ويلاحظ أن المصارف التجارية لا تتعامل مع عملائها أو مع المصارف الأخرى إلا بفائدة ربوية في حالتي الأخذ والعطاء. ونظام الفوائد سلباً وإيجاباً يؤدي إلى تضخم التكاليف: وارتفاع الأسعار؛ لأن كل فائدة تضم في النهاية على سعر السلعة، ويدفعها المستهلك مع ثمن البضاعة.(7/16)
وهناك عبء إضافي ثقيل على المقترض من المصارف الربوية وهو مضاعفة الفائدة أو ما يسمى بالفائدة المركبة مع مرور الزمن ومضي السنوات،وإذا عجز عن تسديد هذه الفوائد وهو الغالب، فإن أرضه أو بستانه أو منزله الذي قدمه رهناً سيباع بالمزاد العلني، ويأخذ المصرف من الثمن كامل حقه غير منقوص.
ًً6 - سعة رقعة التعامل مع العملاء :
ليس كل أحد يستطيع التعامل مع المصارف التجارية الربوية، وإنما الأمر مقصور غالباً على الأغنياء، فتعطى القروض لكبار العملاء والذين يستطيعون تقديم ضمانات عقارية أو عينية كالبضائع والمعدات والآلات.
أما المصارف الإسلامية فتتعامل مع جميع الناس، حتى أبسط الحرفيين وصغار الكسبة وصغار التجار، وحديثي التخرج من الجامعات، فتمول المشروعات الصغيرة، وتساعد في توفير المسكن والمأوى للشاب الذي يريد الزواج والاستقرار في حياته العائلية.
7 - العدالة في تقدير العمولة :
تتقاضى المصارف التجارية عمولة على جميع أوجه نشاط التعامل معها، أما المصارف الإسلامية فتتقاضى عمولة مطابقة تماماً للجهد المبذول أو السعي في تحقيق مصلحة العميل، فيأخذ المصرف النفقات الفعلية التي أنفقها على قرض معين بذاته، كما يأخذ مصاريف القرض الحسن مرة واحدة في بداية القرض، ومبلغاً موحداً على القرض غير مرتبط بقيمته. وبعض هذه المصارف مثل «بنك دبي الإسلامي» لا يأخذ أية مصاريف على القرض الحسن وإنما يأخذ فقط مبلغ القرض دون أي مصاريف أو زيادة.
================
هل التعامل مع المصارف الإسلامية حلال أو حرام؟
الفقه الإسلامي وأدلته - (ج 5 / ص 419)
يتبين مما تقدم أن المصرف الإسلامي يلتزم جانب الحلال في أعماله ومعاملاته كلها ، و يجتنب الحرام فيما يقوم به من مشاركة واستثمار وتنمية الأموال المدفوعة إليه، ويساهم في سد حاجة المحتاج عن طريق القروض الحسنة غير المقترنة بشرط دفع فائدة ربوية أو تحقيق منفعة على حساب المقترض، فليطمئن المسلم على سلامة تعامله مع المصارف الإسلامية شرعاً أخذاً وعطاء، إنتاجاً واستثماراً، على أساس المشاركة المنتهية بالتمليك أو المساهمة.
إذ من المعلوم شرعاً أن العقد الجائز يصح للإنسان المسلم إبرامه، والأصل في المعاملات والعقود: الإباحة، وأما التعامل أو العقد المحظور شرعاً كالعقد الفاسد أو الباطل، مثل البيع المشتمل على الربا فيحرم الاقتراب منه، ويلزم اجتنابه، حتى ولو كان عقداً صحيحاً في الظاهر لكنه يستهدف غاية محظورة أو ممنوعة شرعاً؛ إذ من المبادئ الشرعية أو الأصولية: مبدأ سد الذرائع إلى الحرام، فكل ما أدى إلى الحرام أو كان وسيلة إليه، فهو حرام محظور شرعاً.
والإسلام يجيز كل ما يحقق حاجات الناس، ولا يحجر على أحد الربح المعقول شرعاً وهو ما كان دون الخمس أوالثلث، وربما اشتبه على بعض الناس الوقوع في معنى الحرام أو الربا في بعض المعاملات، وهذا صحيح، ولكن الإسلام يمنع التصريح بالربا أو اشتراط الفائدة، ولكنه لا يمنع التوصل إلى المقصود بأسلوب شرعي، فمثلاً البيع بالتقسيط أو بثمن مؤجل أكثر من السعر الحال أو النقدي، قد يقال: إنه حرام لما فيه من زيادة في السعر على الثمن الحالّ، ولكن فقهاء الإسلام أجازوه رعاية للحاجة، ولأنه لا يقصد به الاستغلال والتضييق على المضطر أو المحتاج، وإنما على العكس فيه رعاية لحاجة المشتري الذي لا يملك الثمن الكلي للسلعة، وهو بحاجة إليها.
والعمولة على الخدمات المصرفية قد يتوهم أنها فائدة أو ربا حرام، مع أنها أجر على عمل ما لم ينص صراحة على الفائدة، ومعظم الخدمات المصرفية التي يقوم بها المصرف للعملاء جائزة على أساس الإجارة والوكالة بأجر، والإجارة نوعان: إجارة منافع الأعيان، وإجارة الأشخاص، فإيجار الخزائن الحديدية أو المخازن تتضمن منافع الأعيان، وقيام موظفي المصرف بالعناية بهذه الأماكن يتضمن إجارة الأشخاص. وما عدا إيجار الخزائن الحديدية والاعتمادات المستندية من الخدمات المصرفية مثل كتابة الوثائق وتدوين الحسابات وفتحها وتشغيل الأموال ورصد الأرباح جائز أيضاً لا شبهة فيه.
=================
حكم فوائد الوديعة وشهادة الاستثمار
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 109)
رقم الفتوى 1220 حكم فوائد الوديعة وشهادة الاستثمار
تاريخ الفتوى : 03 ذو الحجة 1424
السؤال
هل يجوز أخذ فوائد البنوك على الودائع وشهادات الاستثمار؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله الربا، وجعل آكله محاربا لله ملعونا مطرودا من رحمة الله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) [البقرة: 278، 279]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وقال: هم سواء"روه مسلم. وعنه صلى الله عليه وسلم: "الربا سبعون بابا أيسرها نكاح الرجل أمه" قال في كنز العمال: سنده صحيح.
واستناداً لما تقدم فإنه لا يجوز لمسلم أن يضع أمواله في بنوك ربوية إلا أن يكون مضطرا لذلك، كأن لا يوجد في بلده مصارف إسلامية ويخشى على أمواله الضياع والهلكة أو أن يكون له مرتب أو مستحقات لا يمكنه استلامها إلا من خلال البنك، فيضطر إلى فتح حساب في البنك الربوي، ففي هذه الحالة يجوز له ذلك لكن يجب عليه أن يفتح حساباً جارياً بغير فوائد، فإن كان نظام البنك لا يسمح إلا بصرف فائدة على كل حساب، فحينئذ له أن يأخذ هذه الفوائد، لكن يأخذها ولا يتمولها، بمعنى لا ينفقها على نفسه ولا على عياله، بل ينفقها على الفقراء والمحتاجين، أو المصالح العامة، لا على سبيل الصدقة، ولكن على سبيل التخلص من المال الحرام.
وأما شهادات الاستثمار، فحكمها حكم الودائع لا يجوز شراؤها من البنوك الربوية، ولا فرق بين أنواعها: أ، ب، ج، ..الخ مادام رأس المال مضموناً من قبل البنك، وموضوع الاستثمار هو ما جرت عادة البنك الربوي بالاستثمار فيه وهو: الإقراض والاقتراض بالفائدة. وعلى هذا فالواجب على المسلم التخلص من هذه الشهادات فلايأخذ إلا رأس ماله فقط، أما ما زاد على ذلك فلا ينتفع به، بل يصرفه في مصالح المسلمين مثلما تقدم بشأن الفائدة. قال تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) [البقرة: 279]. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 2639 حكم فوائد البنوك وهل تخرج عنها الزكاة؟
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
جمدت جزءاً من مرتبي لدى شركتنا التى نمتلكها أنا وإخوتي بغية استثماره، علماً بأننا نكتسب عائدا جيدا ولكن محبة مني قررت أن آخذ مقدار عائد البنك من استثمار هذه المبالغ، وعلما بأن شركتنا ليست في حاجة دائمة إلى هذه الأموال إلا في حالات شراء أصول لمشروعاتنا فهل العائد على هذه المبالغ التي أتقاضاها من الربا المحرم، وهل أخرج عنها زكاة، علما بأننا ندفع الزكاة في شركتنا على أي مبالغ يحول عليها الحول وأخيرا أشكركم جزيلا وآسف إن كنت أثقلت عليكم ولكن كل هذه الأمور تؤرقني خشية لله سبحانه وتعالى جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد:(7/17)
فإذا كانت هذه العوائد من المبلغ المجمد من حساب شركتكم لحسابك الخاص من استثمار البنك لأموالك، ولم يكن نسبة مئوية محددة من رأس المال، وكان هذا البنك غير ربوي، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وعليك فيه الزكاة إن بلغ نصاباً بنفسه أو بانضمامه إلى أصله أو إلى مالك الذي هو من جنسه، وأما إن كان من جراء الربا فلا زكاة فيه، بل الواجب عليك التخلص منه لأنه مال غير مباح، وذلك بعد أن تتوب إلى الله جل وعلا. هذا والله نسأل أن يبارك فيك وفي أمثالك، والله أعلم .
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 3272 لا يتغير الحلال والحرام بتغير الزمان
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
هل يجوز أن تصبح المرأة المتزوجة ملكاً لليمين كما ورد في سورة النساء؟ وهل ملك اليمين حلال أم حرام في هذا الزمان لأن هناك من يقول عن الإسلام ما كان حلال في الماضي لايجوز حله الآن وما كان محرماً في الماضي يمكن أن يحل الآن مثل فوائد البنوك؟ وشكرا لكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يكون حلالاً بتغيير الزمان وما كان حلالاً فإنه لا يحرمه تغيير الزمان كذلك، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) [النحل:116]. وأما ملك اليمين فهو أن تصبح المرأة أمة رقيقة لدى سيدها وله وطؤها بملك اليمين، قال تعالى: (فإن خفتم ألاّ
تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم).[النساء: 3]. وإذا وطئها سيدها فحملت منه فإنها تصبح أم ولد تعتق بموت سيدها ولا يجوز له أن يتزوجها بحيث تصبح زوجة له، ولكن إن أرادها زوجة له فإنه يعتقها ويتزوجها. وأما غير سيدها فإن كان عبدا فله أن يتزوجها مطلقا لأنه رقيق مثلها وأما إن كان حرا فلا يجوز له ذلك إلا إذا لم يستطع - طولاً - أن ينكح الحرائر المحصنات المؤمنات لعجزه عن صداقهن أو نفقتهن، فله أن يتزوج من الأمة المؤمنة إذا خشي الوقوع في الزنا، قال تعالى: (ومن لم يستطع منك طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانك من فتياتكم المؤمنات … إلى قوله … ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيراً لكم والله غفور رحيم ) .[ النساء: 25]. والله أعلم .
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 5773 لا يجوز إيداع المال في بنك ربوي؛ وإن تخلصت من الربا.
تاريخ الفتوى : 29 ذو الحجة 1421
السؤال
السؤال عن فؤاد البنوك.
هل إذا أودعت مبلغا ما ببنك يتعامل بالفؤاد وقمت بالتبرع بمبلغ الفائدة كل شهر . هل بهذا العمل نتجنب شبهة الربا التى تتمثل فى فوائد البنوك. و هل يصح التصدق بمال مشكوك في كونه حلالا أم حراما؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب أولاً أن نسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة ليكون حكمها بيناً وواضحاً، فنقول (الربا) بدلاً من (الفوائد)، لأن الربا هو الاسم الصحيح لما تنتهجه هذه البنوك، وقد لجأ المتعاملون بالربا إلى تغيير اسمه ليخف وطؤه لدى من عندهم دين وخشية لله، فظن هؤلاء أن تغيير الاسم يغير من الحقيقة شيئاً، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "يأتي على الناس زمان يستحلون فيه الحِرَ والحرير والخمر والمعازف، يسمونها بغير اسمها" رواه البخاري، وتغيير اسم هذه المحرمات لا يبعدها عن حقيقة التحريم.
وهذه البنوك قائمة على الربا المحرم وهي بذلك تحارب الله جهرة. قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) [البقرة:278-279] وعلى هذا فإنه لا يجوز الإيداع فيها أصلاً، لأنه إعانة لهذه البنوك على معصية الله، ومن أعان صاحب معصية على معصيته اشترك معه في الإثم، قال تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) [المائدة:2].
ولا يجوز للمسلم أن يرتكب الحرام ويسعى إليه بحجة أنه بعد ذلك يتخلص من إثمه وعاره فإن السلامة لا يعدلها شيء، أو يتوهم أنه يتصدق به ، وهو كسب خبيث ، والله طيب لايقبل إلا طيبا . فهذا من تلبيس الشيطان وتزيينه . بل وما يدريك لعل الشيطان يزين لك هذا المال، بحجة أنك محتاج، أو يحدث أمر ما فيفضي المال إلى ورثتك فيأخذونه جميعاً وتحاسب أنت عليه كله. وحتى لو كنت متأكداً من نفسك فلا يجوز أن تورد نفسك المهالك ثم بعد ذلك تبحث سبل النجاة منها، ويكفى من فعل ذلك أنه قد أعان مبارز الله بالمعاصي.
إذا تبين هذا فتبقى حالة واحدة يجوز فيها الإيداع في هذه البنوك، وهي ما إذا كنت مضطراً إلى حفظ مالك، ولم تجد مكاناً أميناً أو بنكاً إسلامياً، وكنت تخشى على مالك الضيعة، فعندئذ يجوز لك وضعه فيه حتى تجد المكان الآمن، وما يخرج منه من رباً خلال فترة جعله في البنك الربوي فعليك أن تتخلص منه بوضعه في السبيل العام ومصالح المسلمين.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 7036 تحسب كمية الربا وتنفق في أوجه البر
تاريخ الفتوى : 28 ذو القعدة 1421
السؤال
مات جدي وله بعض الأموال في البنك فأراد أولاده أن يطهروا أمواله من الربا ولكن تعذر إخراج المال الربوي من المال الأصلي لكثرة إيداعه وسحبه فماذا يفعل أولاده هل يقدرون المبلغ ثم يتصدقون به
وهل يعذب الجد حتى ولو أخرجوا المبلغ التقديري مع العلم بأنه كان لا يعلم أن فوائد البنوك ربا
وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى أولاد هذا الميت أن يُخرجوا من المال الذي ترك ما يعتقدون أنه يفي بما قد يكون حاصلاً من الفوائد الربوية، ثم يصرفون ذلك في أوجه البر، ويكون ذلك بمعرفة أصل الوديعة، سواء كان الإيداع مرة واحدة، أو مرات متعددة. وعليهم أن يطلبوا من البنك كشفاً يبين الودائع من الفوائد.
أما السؤال عن حال الميت: فالمرجو من الله تعالى أن يشمله بواسع مغفرته، وأن يتغمده بواسع رحمته، وأن يعفو عنه ما كان يفعله جهلاً منه.
ثم إن عملكم هذا مما ينفعه إن شاء الله، وهو من جنس قضاء الدين، ورد الحقوق المترتبة في ذمته.
وعلى أولاده أن يكثروا من الترحم عليه، وسؤال الله أن يغفر له، ويتجاوز عنه، فإن العبد أنفع ما ينفعه بعد موته دعاء أولاده له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاَّ من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" أخرجه مسلم وغيره.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 7500 فوائد البنوك المستفادة من طريق ربوية حرام
تاريخ الفتوى : 03 ذو الحجة 1424
السؤال
هل فوائد البنوك حلال أم حرام ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن فوائد البنوك المستفادة من طريق ربوية حرام، لأنها هي عين الربا، وذلك مثل ما يستفاد منها عن طريق الإيداع، أو عن طريق القرض، فلا يجوز للمودعين فيها أخذ فوائد على رؤوس أموالهم المودعة.
كما لا يجوز أيضا الاقتراض من البنك مقابل دفع مال للبنك المقرض، لأن هذا كله من القرض بمنفعة، والقاعدة الفقهية أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا. والله تعالى أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(7/18)
=============
رقم الفتوى 8114 لا وجه للمقارنة بين أرباح البنوك الإسلامية وفوائد البنوك الربوية
تاريخ الفتوى : 23 صفر 1422
السؤال
ما الحكم فى العائد على المال المودع فى البنك ؟ وهل هناك اختلاف بين البنك الإسلامى وغيره ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من الخطأ بمكان الخلط بين العائد المالي المستفاد من البنك الإسلامي، وبين العائد المالي المستفاد من البنك الربوي، وذلك لأن العقد الواقع بين العميل والبنك الإسلامي هو في حقيقته عقد مضاربة، إذ يقوم العميل بدفع مبلغ من المال إلى البنك، على أن يقوم البنك باستثمار هذه الأموال، في مقابل حصوله على نسبة ( من الربح) إن حصل ، يتفقان عليها سلفاً، ولايضر كونها متغيرة من سنة إلى أخرى أو ثابتة .
وهذه هي صورة المضاربة التي ينص العلماء على جوازها، ويختلف الحال تماماً في البنوك الربوية، إذ يقوم العميل بإيداع مبلغ من المال في البنك على أن يعطيه البنك نسبةً مئوية على (رأس ماله) تقدر بـ 5% مثلاً تزيد أو تنقص، دون أن يكون عليه نصيب من الخسارة، فهو في حقيقة الأمر قد أقرض البنك مالاً لأجلٍ بفائدة معينة، وهذا هو صريح الربا.
ومما يجدر التنبه له أن وقوع القائمين على بعض البنوك الإسلامية في بعض المخالفات الشرعية لا يساوي ولا يقارب ما تقوم به البنوك الربوية، لأن البنوك الإسلامية قامت على أساس إيجاد البديل المباح شرعاً في باب الأعمال المصرفية.
والبنوك الربوية قامت على أساس التعامل الربوي، والله جل وعلا يقول: (وأحل الله البيع وحرم الربا) [البقرة: 275]، ثم إن معظم الأخطاء الواقعة في البنوك الإسلامية ناتج عن الأخذ بأقوال ضعيفة لبعض أهل العلم في بعض المعاملات، ولا شك أن الواجب - أصلاً - هو عدم الأخذ بقول قام الدليل على خلافه، ولو بلغ قائله ما بلغ من العلم.
هذا هو المنهج الصحيح، والصراط القويم، وإن عدل عنه بعض لجان المراقبة في البنوك الإسلامية بحجة طلب التيسير على الناس، وهذا التيسير إن كان منضبطاً بضوابط الشرع، منسجماً مع قواعده وأصوله، لا يؤول إلى مناقضة ما ثبت من النصوص، فهو التيسير المطلوب شرعاً، فإن خرج عن ذلك فهو مسلك خاطئ، وإن سمي تيسيراً.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
رقم الفتوى 8329 حكم سداد إيجار الشقة من الفوائد
تاريخ الفتوى : 04 ربيع الأول 1422
السؤال
رجل لديه مبلغ أودعه في بنك لغرض استخدام فوائده في سداد إيجار الشقة وليس لديه مورد آخر
فهل هذا حلال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد:
فإن فوائد البنوك : إن كانت ربوية - لا يجوز للمسلم أن ينتفع بها لأنها مال محرم على العبد المسلم أكله ، قال صلى الله عليه وسلم : "درهم من ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية في الإسلام " رواه أحمد والدارقطني من حديث عبد الله بن حنظلة وقال " ست وثلاثين" .
والواجب على المسلم أولاً أن يتوب إلى الله جل وعلا فخطر الربا عظيم وقد أعلن الله الحرب على متعاطيه فقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله …) [البقرة: 278-279] ثم إن من توبته أن يأخذ رأس ماله ويتخلص من الباقي برده لصاحبه إن كان معيناً قال تعالى: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) [البقرة: 279] فإن كان غير معين فعليه التخلص من هذا المال بأن يعطيه للفقراء والمساكين، ولا يجوز له أن يضعه في بناء مسجد ونحوه، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً كما صح في الحديث ، فلك أن تضعه في التبرعات للمصلحة العامة، كالفقراء والمجاهدين، غير مسجد ونحوه كما تقدم .
وكونك تسدد منه الإيجار، فإن ذلك لا يجوز أيضاً لأنك بذلك تكون قد استفدت منه لمصلحتك، وهذا ينافي التخلص من المال الحرام .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
رقم الفتوى 9695 حكم التخلص من الربا عن طريق المؤسسات الخيرية
تاريخ الفتوى : 24 جمادي الأولى 1422
السؤال
هل يجوز لمؤسسة خيرية إسلامية أن تستلم فوائد البنوك من متبرعين مسلمين يريدون التخلص من تلك الفوائد. وما هي مصارف تلك الفوائد إن كانت مقبولة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن فوائد البنوك ونحوها من الأموال المحرمة التي لا مالك لها، يجب أن تصرف في مصالح المسلمين، فتدفع لمن علمت منه الأمانة والانضباط من مؤسسات خيرية أو أفراد ليصرفها في تلك المصارف.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 12995 حكم صرف الفوائد كإيجار للمسجد
تاريخ الفتوى : 12 ذو القعدة 1422
السؤال
1- السلام عليكم و شكرا على هذا الموقع الرائع
أولا عندي سؤال بخصوص كيفية التخلص من فوائد البنوك الربوية فأنا مقيم فى الخارج و مضطر لوضع نقودي في البنك للحفاظ عليها و أقوم بالتخلص من الفوائد بل أكثر منها بالتبرع بهاللمساعدة في إيجار المسجد الذى نصلي فيه هنا. هل يجوز هذا أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتخلص من الفوائد الربوية واجب، ويتم ذلك بصرف هذه الفوائد في مصالح المسلمين العامة، كبناء المدارس أو المستشفيات أو صرفها للفقراء والمحتاجين، ونحو ذلك، ولا يحل الانتفاع بها لصاحبها مطلقاً، وصرفك للفوائد في إيجار المكان الذي جعلتموه مسجداً تصلون فيه أمر حسن.
ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
1220
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 12999 حكم صوم آكل الربا
تاريخ الفتوى : 12 ذو القعدة 1422
السؤال
1- ارتكاب كبيرة من الكبائر مثل الزنا أو شرب الخمر في نهار رمضان يفسد الصوم. فما قولكم فيمن يرتكب كبيرة مثل الربا وحلق اللحية في نهار رمضان؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الربا من أكبر الكبائر وأبشع الجرائم في كل وقت، وفي كل زمان، وحلق اللحية أيضا من المحرمات، ولا شك أن ارتكاب المعاصي جميعاً -صغيرة كانت أو كبيرة- مناف ومناقض للصوم، فالله تبارك وتعالى ذكر أن الحكمة من الصوم وفرضه هي التقوى، فقال عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة: 183] فالصوم الكامل لا يتحقق إلا لمن اتقى الله تعالى، وامتثل أوامره واجتنب نواهيه، أما الذي يرابي في رمضان، أو يرتكب فيه أي معصية مثل حلق اللحية أو الكذب أو نحو ذلك، فإن صيامه ناقص، بل قد يكون حظه منه الجوع والعطش فقط. روى أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"رواه أحمد وغيره، ومع هذا فصيامه صحيح لا يطلب منه قضاؤه، وراجع الفتوى رقم:
2265
ففيها مزيد بيان.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 15131 الفوائد المصرفية ليست حراماً كلها
تاريخ الفتوى : 26 محرم 1423
السؤال
ما هو السبب الرئيسي لتحريم الفوائد المصرفية سواء للفرد المودع أو للمصرف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(7/19)
فإن الفوائد المصرفية ليست كلها حراماً، بل منها ما هو حلال وهي فوائد البنوك الإسلامية، ومنها ما هو حرام وهي فوائد البنوك الربوية.
والسبب الرئيس في ذلك هو الربا، فإن البنوك الربوية تحدد فائدة ثابتة لا تتغير بتغير الربح والخسارة.
أما البنوك الإسلامية، فإن الفائدة فيها تتغير بتغير الربح والخسارة وهو ما يسمى بالمضاربة، والمضاربة داخلة في البيع، وفوائد البنوك الربوية داخلة في الربا، والله جل وعلا يقول: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة: 275] .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==================
رقم الفتوى 16212 غبار الربا...هل أصاب رواتب الموظفين
تاريخ الفتوى : 24 صفر 1423
السؤال
قرأت أكثر من مرة أن فوائد البنوك حرام ولكن أنا موظف أتقاضى راتبي من الحكومة كل شهر وأعلم أن هذا المال من البنوك وفوائدها هل هذا المال يعتبر حراماً لأنه جاء عن طريق البنك وفوائده على الرغم من أن المفتي حلل فوائد البنوك ببلدي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره" رواه النسائي ، وأبو داود ، والإمام أحمد في المسند .
قال الإمام السندي يرحمه الله : (قلت: هو زماننا هذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وفيه معجزة بينة له صلى الله عليه وسلم) انظر شرح سنن ابن ماجه للإمام السندي .
فهذا الكلام يقوله هذا الإمام في زمانه، فما بالك بزماننا الذي سيطر الربا فيه على اقتصاديات الدول بأجمعها. فنسأل الله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا، والذي نقوله للسائل الكريم: إنك أجير وما تحصل عليه من الدولة أجرة مقابل عمل تؤديه، فإذا كان عملك في المجالات غير المحرمة وقمت بأداء الواجب المكلف به - قدر المستطاع - فأجرك الذي تحصل عليه حلال -إن شاء الله- نسأل الله تعالى أن يبارك لك فيه .
وينبغي أن ننبه هنا إلى أن موارد الدولة - خاصة الدول الإسلامية - نسبة الربا والكسب الخبيث منها أقل من نسبة الموارد الحلال، فلا حرج -إن شاء الله- على من يعمل موظفاً في المؤسسات الحكومية، ولا على راتبه الذي يحصل عليه مادام العمل مباحاً، ومادام مصدر الراتب أكثره حلال كما أسلفنا .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 16604 فوائد البنوك لا زكاة فيها
تاريخ الفتوى : 03 ربيع الأول 1423
السؤال
لدي مبلغ من المال مستثمر في أحد البنوك . فهل يجوز لي أن أدفع زكاة هذا المال من فائدته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان ذلك البنك لا يتقيد في معاملاته بأحكام الشريعة الإسلامية فلا يجوز لك أصلا أن تستثمر أموالك فيه، ولا أن تودعها، ولا أن تتعامل معه بأي نوع من أنواع التعامل، ويجب عليك أن تسحب أموالك منه فوراً. وتخرج زكاة أموالك من خالص مالك، وليس من الفوائد التي أعطاك البنك إياها، وذلك لأن تلك الفوائد ليست ملكاً لك، وإنما لك رأس مالك فقط، لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين*فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) [البقرة: 278-279] وأما الفوائد فيجب عليك أن تتخلص منها بإنفاقها في مصالح المسلمين العامة، ولا تتركها للبنك ليستفيد منها. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 17806 لا يجوز الإهداء والهبة من الفوائد
تاريخ الفتوى : 09 ربيع الثاني 1423
السؤال
أتخلص حاليا من فوائد البنوك الربوية في بعض مشروعات الخير وسؤالي هل أستطيع حساب الهدايا المقدمة مني لبعض الأهل والأصدقاء خصما من هذه الأموال الخبيثة علماً بأني أعمل خارج بلدي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سبيل التخلص من أموال الحرام مثل فوائد البنوك وغيرها هو صرفها في مشاريع الخير العامة مما فيه مصلحة المسلمين حتى لا يبقى بيد صاحب المال إلا رأس ماله الحلال، قال الله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].
وإنما يطلب منه التخلص من فوائد ما عنده من المال الموجود فيأخذ رأس ماله ويتخلص من الباقي الذي هو الفوائد.
أما ما أنفق هو قبل ذلك أو أهدى أو تصدق أو نحو ذلك فلا يمكن خصمه من الفوائد لأنه أخرجه وأعطاه على أنه من ماله، والفوائد ليست مالاً له، ولا يجوز له إهداؤها ولا هبتها لأنها ليست ملكاً له حتى يهبها، وإنما تلك الهدايا والعطايا تحسب من ماله الخاص فهو الذي تقبل منه صدقته إذا تصدق منه، أما الحرام فلا يقبل لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 18184 لا يلزم إخراج مبلغ معين كل شهر زكاة من الراتب
تاريخ الفتوى : 17 جمادي الأولى 1423
السؤال
أود أن أستفتي في مسألة فقهية خاصة تتألف من شقين:
- إنني والحمد لله أعمل بوظيفة لها راتب يعتبر كبيراً قياساً على مستوى الرواتب في بلدي والحمد لله هداني الله إلى أن أخرج شهرياً مبلغاً من المال بنية الزكاة في المصارف الشرعية، وهذا المبلغ حوالي 7.5% من الراتب بعد خصم الضرائب وقبل دفع أي التزامات أخرى مثل إيجار الشقة أو أي تكاليف معيشية، فهل هذه النسبة كافية؟ وهل إذا توفرت لدي أي نقود بعد ذلك وتجمعت حتى بلغ النصاب فهل تجب فيها الزكاة عندما يحول عليها الحول؟ وإذا وجبت فيها الزكاة حينئذ تم تزايدت شهرياً فمتى يتم حساب الزكاة إذا كانت الأموال تتزايد شهرياً؟ وهل هناك فارق إذا كانت هذه الأموال في صورة ذهب؟
- أنا على يقين أن فوائد البنوك هي الربا الحرام، ولكن هل يجوز الاستثمار في البنوك الإسلامية في بلد نظامها المصرفي إجمالاً ربوي؟ وبصورة أوضح هل يجوز الاستثمار في بنك فيصل بمصر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان كيفية زكاة الراتب في الفتوى رقم: 3922 ،
وبناء على ما ذكرناه في الفتوى نقول: لا يلزمك أن تخرج مبلغاً معيناً كل شهر، وإنما تنظر إلى ما توفر لديك بالفعل في كل شهر بحسبه، وتسلك في زكاته إحدى الطريقتين المذكورتين في الفتوى المحال عليها.
وإن طابت نفسك بالتبرع بما زاد عن الواجب، فهذا مما لا يضيع أجره عند الله تعالى، فإن التمرة وما يعادلها يضاعفها الله تعالى حتى تكون مثل الجبل، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بان لك أن القدر الواجب إخراجه هو 2.5% وليس 7.5%، وإذا كانت أموالك ذهباً اشترط بلوغها نصاباً بنفسها أو بما انضافت إليه من فضة أو نقود أو عروض تجارة، واشترط حولان الحول أيضاً، وإن كان هذا يدخل في ملكك على التدريج (كالراتب) فأنت مخير في زكاته في اتباع إحدى الطريقتين المذكورتين في الفتوى المحال عليها.
وأما عن الاستثمار في البنوك الإسلامية، فلا حرج في ذلك إذا انضبطت معاملاتها بالضوابط الشرعية، وليس لدينا علم واف بطبيعة المعاملات في بنك فيصل الإسلامي.
ونسأل الله أن يبارك في مالك، وأن يرزقك العلم النافع، والعمل الصالح.
والله أعلم.(7/20)
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 19205 كيف التصرف بالمال المكتسب من القمار
تاريخ الفتوى : 08 جمادي الأولى 1423
السؤال
أحد المسلمين لعب عن طريق الحاسوب لعبة ـ اللوطاري- فربح مبلغا كبيرا معتبرا من أستراليا. فما حكم التصرف في هذا المبلغ؟ هل يجوز سحبه للمنفعة الخاصة وإذا لم يجز في المنفعة الخاصة هل يجوز سحبه وصرفه في معونة المعوزين من المسلمين؟ إذ أن هذا المبلغ إذا لم يسحب سيبقى في حوزة الكفار كما معلوم لديكم.
أرجو من فضيلتكم إجابة شافية كافية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لعبة اللوطاري التي تديرها بعض الأندية عن طريق الحاسوب نوع من القمار، ولا يجوز الاشتراك فيها، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90].
والمبلغ الذي يتم الحصول عليه كسب محرم لا يجوز أكله، لكن ما دام هذا المبلغ قد جاء عن طريق من إذا ترك لهم فسوف تستفيد منه بعض الجهات التي لا تتوقى الحرام، فيكون عوناً لها على ما تقترفه من منكرات.
فالذي نراه هو ألا يرد المال، بل يصرف في مصلحة المسلمين العامة، ومنها معونة المعاقين ونحوهم، ولا يجوز أخذه للمنفعة الشخصية. كما هو الحال في فوائد البنوك الربوية، فإنها لا تترك وتؤخذ ويتصدق بها إذا اضطر أحد للإيداع في البنوك الربوية.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 21510 فوائد البنوك من المحرمات الغليظة
تاريخ الفتوى : 16 جمادي الثانية 1423
السؤال
ماحكم الإسلام في فوئد البنوك ؟ هل فوائد البنوك حرام أم حلال ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حكم فوائد البنوك الربوية هو الحرمة لأنها من الربا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].
ولمزيد من التفصيل والفائدة نرجو من السائل الكريم الاطلاع على الفتوى رقم:
1220 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 22230 الفوائد المباحة والفوائد المحرمة
تاريخ الفتوى : 04 رجب 1423
السؤال
ما هو حكم الفوائد البنكية ؟ حيث إنني وجدت في موقع على الإنترنت فتوى بجوازها لذلك أود الإيضاح ؟
وبارك الله فيكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الفوائد البنكية نوعان:
الأول: فوائد البنوك الإسلامية وتسمى أرباحاً، وهي حلال لأن هذه البنوك تتعامل بنظام المضاربة الإسلامي.
والثاني: فوائد البنوك الربوية، وهي حرام بل من عظائم الذنوب لأن هذه البنوك تتعامل بالربا، وراجع التفاصيل في الفتوى رقم:
7500 والفتوى رقم:
1220 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 23869 كيف تنمي مالك؟
تاريخ الفتوى : 10 شعبان 1423
السؤال
نص السؤال : :
بسم الله الرحمن الرحيم إذا كان الإسلام قد حرم فوائد البنوك فماذا يفعل المسلم الذى يملك مالاً تجب عليه الزكاة مع كل حول؛ وبالتالي يتناقص المال لأن صاحبه ليست لديه خبرة بالتجارة علما بأن الزكاة تنمي المال ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إخراج الزكاة ينمي المال، ويزكي النفس في المعنى، كما قال ابن تيمية رحمه الله: نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو، يطهر ويزيد في المعنى. انتهى
وقال الأزهري: إنها تنمي الفقير، وهي لفتة جميلة إلى أن الزكاة تحقق نمواً مادياً ونفسياً للفقير أيضاً، بجانب تحقيقها لنماء الغني نفسه وماله. انتهى
وقد أوجب الله تعالى الزكاة في المال إذا بلغ نصاباً، وكان مملوكاً ملكاً تاماً وحال عليه الحول، وكان المال نامياً حقيقة أو حكماً، ولذلك أمر الشرع بالمتاجرة في المال بغرض تثميره وزيادته لئلا تأكله الصدقة، فقد روى الترمذي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم -خطب الناس فقال: ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة. وضعفه الألباني.
لكن قال ابن قدامة في المغني: وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أصح من المرفوع. انتهى، وراجع الفتوى رقم:
1408 .
فإذا عجز المرء عن تثمير ماله بنفسه دفعه إلى من هو أهل لذلك من ذوي الخبرة والديانة، وهذا موجود في كل زمان ومكان، فالأرض لا تخلو من الصالحين المصلحين.
أما وضع الأموال في البنوك الربوية بغرض تثميرها، فهذا ما لا يجوز بحال، ولا خير فيه ولا زيادة، قال عز وجل: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276].
وقال تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّه [الروم:39].
وإننا لننصح السائل بأن يشتري بماله هذا عقاراً يدر عليه ربحاً دورياً سواء كان ذلك العقار بيتاً أو أرضاً زراعية أو غير ذلك.
ولمعرفة خطر التعامل مع البنوك الربوية راجع الفتاوى التالية أرقامها:
21528
20883
331 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
رقم الفتوى 25521 حكم دفع الفوائد للأخت الفقرة
تاريخ الفتوى : 20 رمضان 1423
السؤال
لدي مال من فوائد البنك وأريد أن أساعد أختي في اقتناء ملابس لزواجها,هل يجوز لي أن أعطيها بعض هذا المال لتشتري به الملابس ? مع العلم أنها تعيش معنا فى العائلة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا خلاف في أن فوائد البنوك الربوية هي من الأموال المحرمة التي يجب على المسلم التوبة منها، والتخلص مما بيده منها، وعدم الانتفاع بها، وذلك بإعطائها إلى الفقراء والمساكين وتشييد الطرق وبناء المساجد وما شابه ذلك من المصالح العامة.
وعليه فإن كانت أختك فقيرة، فلا حرج في مساعدتها بما ذكرت، وإلا فلا يجوز لأنها حينئذ ليست من مصارف الأموال العامة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 26154 ضيق ذات اليد هل يبيح التعامل بشهادات الاستثمار
تاريخ الفتوى : 17 شوال 1423
السؤال
أحوالي المالية ليست على ما يرام ودخلي من العمل تلتهمه متطلبات المعيشة وكثيراً لا يكفي وأنا أمتلك مالا على هيئة شهادات لها ربح يصرف كل 3 شهور أستعين به على الوفاء بالمصاريف وعلمت أن فوائد البنوك حرام وليس أمامي من سبيل سوى هذا أو أن أتاجر بالنقود مع صديقي وهذا يتطلب دفع عمولة لبعض الأشخاص حيث أن سوق العمل الآن لا يسير بدون هذا فماذا أفعل؟ مع العلم أنني متزوج ولي طفلة صغيرة وأعاني من ضيق الرزق في عملي الأساسي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(7/21)
فالفوائد المأخوذة من شهادات الاستثمار ومن الودائع المودعة في البنوك الربوية، حرام بغير شك، وهي من الربا الذي قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
وعلى هذا فالواجب عليك التخلص من هذه الشهادات، وذلك بأخذ رأس مالك فقط، أما ما زاد على ذلك، فلا يجوز لك تملكه أو الانتفاع به، بل يصرف على الفقراء والمساكين، أو في مصالح المسلمين العامة كالمشاريع الخيرية، بنية التخلص من المال الحرام، وليس بنية الصدقة، لقوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].
وأما ما ذكرت من حالتك المادية، فذلك لا يبيح لك التعامل بالربا، فعليك أن تبحث عن مجال تستثمر فيه أموالك بالطرق الشرعية كالتجارة أو التعامل مع بنك إسلامي، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3].
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 26616 هل يجوز التعامل مع البنك فيصل الإسلامي
تاريخ الفتوى : 12 شوال 1423
السؤال
سمعت أن بنك فيصل الإسلامي يستثمرأمواله في البنوك العادية التي يسمونها الربوية. فماذا نفعل؟ وهل يمكن أخذ فوائد الأموال التي كانت موضوعة في البنك العادي لتسديد فوائد بنك آخر لشراء سلعة منه بالتقسيط كالسيارة مثلا؟ لأن شراء أي سيارة الآن بالقسط لا بد أن يخضع لفوائد البنوك ونحن في منتهى الحيرة لحاجتنا الشديدة للسيارة. نرجو سرعة الرد وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد سبقت لنا فتوى حول حكم التعامل مع بنك فيصل الإسلامي برقم: 9860 ، وفيها قررنا أننا لا نستطيع الحكم عليه نظراً لعدم اطلاعنا على حقيقة ما يجري فيه، وعلى أي حال فإذا ثبت على وجه الجزم والقطع أن البنك المذكور يستثمر أمواله في البنوك الربوية فلا يجوز التعامل معه والحالة هذه، وأما إذا لم يثبت ذلك، أو كان الذي يتم هو فتح البنك حسابات جاريه بلا فوائد في البنوك الربوية لضرورة إجراء المعاملات المصرفيه، على ما أجازه كثير من أهل العلم، فلا بأس من هذه الناحية، وينظر في تعاملاته الأخرى فإن كانت تجري وفق أحكام الشرع وضوابطه جاز التعامل معه، وإلا فلا.
وأما بالنسبة للفوائد الربوية فلا تصرف إلا للفقراء أو في مصالح المسلمين العامة على سبيل التخلص من الربا، ولا يجوز صرفها في المصالح الخاصة كمثل ما ذكرت، وننبه على أن حاجه المرء لاستعمال سيارة لا تبيح له شراءها عن طريق الربا، لاسيما وأن المعضلة ليست في مجرد كون البنك ربوياً وهي معضلة كبرى في حد ذاتها، بل أكثر من ذلك حيث إن الغالب على البنوك الربويه أنها تبيع السيارات من غير أن تتملكها ملكاً حقيقياً وهو أمر لا يجوز، فالأمر إذن ظلمات بعضها فوق بعض، لذا عليكم أن تتقوا الله ولا تشتروا تلك السيارة لا بالفوائد الربوية ولا عن طريق بنك ربوي، ويمكنكم شراء السيارة عن طريق بنك إسلامي أو أحد المعارض مع التقيد بحكم الشرع في ذلك، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
15 - والفتوى رقم: 1608 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 27554 لا مانع من شراء كتب لطلاب العلم للتخلص من الفوائد
تاريخ الفتوى : 13 ذو القعدة 1423
السؤال
قد علمت أنه يجب عليّ التخلص من المال المكتسب من فوائد البنوك وأن أصرفه في أوجه الخير سؤالي: هل يجوز شراء بعض الكتب والشرائط الدينية على سبيل هدايا الغرض منها الدعوى والهداية في رمضان وأقوم بتوزيع هذه الشرائط والكتب على من أعرفهم من الأهل والأصدقاء ولن أشتري بالمبلغ شيئا لي ولا لزوجتي؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من أودع أمواله في البنوك الربوية لضرورة اقتضت ذلك أو لجهل منه أو غفلة، ونشأ عن هذا الإيداع فوائد، فإنه يصرفها في مصالح المسلمين، ولا مانع من شراء كتب مفيدة وتوزيعها على طلاب العلم، ويكون ذلك على سبيل التخلص لا على سبيل الصدقة، وللإفادة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 2664 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 28330 العمل بتقييد حسابات شركة لها تعلق بالمعاملات الربوية
تاريخ الفتوى : 04 ذو الحجة 1423
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيكم على هذا الموقع...
سؤالي:
1- إذا عمل الشخص في مجال المحاسبة في شركات لا يكون نشاطها الأساسي حراماً وإنما كما تعلم أن وظيفة المحاسب هو تسجيل جميع المصاريف والإيرادات التي تتحقق على الشركة وتسجيلها بالدفاتر حتى تعلم الشركة ما هو جميع مصاريفها مقارنة بإيراداتها لمعرفة الربح أو الخسارة ومن ضمن هذه المصاريف فوائد البنوك على القروض الربوية ومن ضمن الإيرادات فوائد الودائع البنكية،فهل وظيفة المحاسب بتسجيل تلك الفوائد يدخل في الحديث الملعون ( كاتبة ) أم هي تتعلق في كاتب العقد الربوي علما أنني لا أتعامل بالربا وكثير من الشركات تتعامل به وأنا أنكر ذلك في قلبي ؟؟
أين أعمل في مجال المحاسبة إذا كان حراماً؟ في بنوك إسلامية فهي قليلة وفي حالة عدم قبولي ماذا أعمل أضيع دراسة 4 سنوات جامعة أرشدوني إلى طريق الحلال أثابكم الله عن ماذا أبحث؟
2- إذا عملت في شركات تدقيق الحسابات فإنني ممكن أن أدقق على شركات تتعامل بالحلال ويمكن أن أدقق أيضا على بنوك وفنادق وشركات تتعامل بالربا وأنت تعلم ما فيها من حرام وإذا رفضت التدقيق ممكن أن أطرد من الوظيفة فهل تعتبر مهنة تدقيق الحسابات حلال على النحو المذكور؟
علما أنه قد حصلت حديثا على شهادة cpa وهي من أعلى شهادات المحاسبة من أمريكا
اعتبروني كابنكم ماذا تنصحوني؟ وجزاكم الله كل خير ووضعها في ميزان حسناتكم يوم القيامة...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على حرصك في السؤال لتتعلم أمور دينك، وتتعبد ربك بترك معصيته والإقبال على طاعته، ولتعلم أيها الأخ السائل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
ولم يتوعد الله تعالى على فعل معصية، كما توعد المتعاملين بالربا، فآذنهم بحرب من الله ورسوله إن هم فعلوه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].
هذا هو موقف الإسلام من الربا.. والسؤال هنا يتعلق به أمران:(7/22)
الأول: العمل في شركة تتعامل بالربا أخذاً وإعطاء بالإقراض والاقتراض من وإلى البنوك الربوية، والعمل في مثل هذه الشركة جائز -على الراجح عندنا- بشرط أن يغلب على رأس مالها الحِلُّ وأن لا يباشر العامل فيها العقود الربوية بنفسه بأي صورة من الصور، وإن كنا نرى أن الأفضل له البحث عن عمل آخر مع استمراره في هذا العمل حتى يجد غيره، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3].
وراجع في هذا الفتاوى التالية:
11095 -
23355 -
25061 -
20833 .
الثاني: الذي يظهر لنا -والله أعلم- أنك بتقييد حسابات الشركة ما لها وما عليها لا تكون كاتباً للربا ولا شاهداً عليه، لأن العملية الربوية بكاملها قد تمت بعيداً عنك، ولست كاتباً له ولا آكلا ولا مؤكلاً له ولا شاهداً عليه، لكنك معاون للمتعامل بالربا بتقييد الصادر والوارد وحساب ذلك، وهذا التعاون محرم لقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وإننا ننصح الأخ السائل بالاجتهاد في البحث عن عمل آخر مباح مع اليقين بأن الأمر من عند الله تعالى، وأن من اتقاه رزقه وكفاه، وأنعم عليه، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وهو مع عباده المؤمنين، وكم من رجل ترك العمل المحرم وظن في بادئ الأمر أنه لن يجد قوت يومه، ثم ما لبث أن فتح الله عليه ورزقه من حيث لا يحتسب، ولا غرابة في ذلك، فهذا وعد الله، والله لا يخلف الميعاد.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 28960 الحرام لا يصير مباحاً بفتوى
تاريخ الفتوى : 20 ذو الحجة 1424
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
ماهوالحكم الشرعي في فتوى علماء الأزهر في إباحة الفوائد من البنوك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل حرم الربا في نصوص شرعية كثيرة قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا مجال للتشكيك فيها ولا الشك فيها.
فتحريم الربا من المعلوم في الدين بالضرورة لا يشك في ذلك مسلم، ولكن لما كثر الجهل بالدين وانتشرت بنوك الربا التي جاء بها الاستعمار وأعوانه، التبس الأمر على بعض العوام، ولكن الأغلبية من عموم المسلمين تعرف الحقيقة وتعلم أن الربا محرم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أن علماء الأزهر الشريف قديماً وحديثًا أفتو بتحريم الربا، فقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فتوى بتاريخ 20/2/1989م بتحريم فوائد البنوك، وكذلك أصدر كثير من علماء الأزهر على انفرادهم فتاوى بتحريم فوائد ا لبنوك.
ولعل السائل الكريم يقصد الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر ورد عليه كثير من علماء المسلمين من داخل الأزهر نفسه ومن خارجه.
والحاصل أن فتوى أي عالم مهما كانت منزلته لا يمكن أن تحل ما حرم الله تعالى من فوائد البنوك الربوية التي حرمها الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم:
26870 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 29433 لا عبرة لقول من خالف الكتاب والسنة والإجماع .
تاريخ الفتوى : 27 ذو الحجة 1423
السؤال
قبل فترة ليست ببعيدة تم نشر موضوع في جريدة الوطن يتعلق بالفوائد البنكية وعن كونها ربا أو ليست كذلك وكان رأي علماء الأزهر أنها حلال وقال د.القرضاوي بأنها حرام، وبطبيعة الحال اختلف الناس في هذا الموضوع أي رأي يأخذون به، وأنا أعمل في شركة في قطر وطُلب مني فتح حساب في البنك وقمت بفتح حساب توفير، فهل ذلك حرام أم لا أفيدونا أفادكم الله؟ وجزاكم عنا كل خير؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففوائد البنوك الربوية هي عين ربا الجاهلية المحرم بالكتاب والسنة والإجماع، وقد نصت على ذلك المجامع والمؤسسات الفقهية في العالم الإسلامي ولا عبرة لمن خالف ذلك كائناً من كان، وانظر الفتوى رقم:
16491 ، والفتوى رقم: 15734 .
وعليه فلا يجوز لك التعامل مع البنوك الربوية بأي وجه من الوجوه والبلد الذي تعمل فيه توجد فيه بنوك إسلامية ولا عذر لك في أن تفتح حساباً في غيرها من البنوك الربوية إلا إذا ألزمت بذلك من جهة العمل وتعذر عليك فتح حساب في بنك إسلامي، فلا حرج أن تفتح حساباً في بنك ربوي لكن يكون حساباً جارياً ارتكاباً لأخف الضررين ويكون بقدر الضرورة فقط.
وبمجرد نزول راتبك في البنك في أول الشهر تقوم بسحبه حتى لا ينتفع البنك به وتوفر له سيولة، إذ في ذلك إعانة له على منكره.
وإن اضطررت لفتح حساب توفير فكل ما يخرج من فائدة لا تتركه للبنك بل تأخذه ولا تنتفع به بل تصرفه في مصالح المسلمين وأوجه البر، وكلما استطعت أن تسحب من أرصدتك سحبت حتى لا يبقى في البنك من مالك إلا ما لا تستطيع سحبه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 29440 البنوك التي تضارب في الأموال مضاربة شرعية أرباحها حلال .
تاريخ الفتوى : 28 ذو الحجة 1423
السؤال
أرجو التكرم بإفادتي عن فوائد البنوك التي تعطى على الأموال المودعة سواء كانت استثمارية أو دفاتر توفير أو حسابات جارية، فهل هي حرام أم حلال؟ علماً بأن هذه البنوك بعضها يحدد الفوائد مسبقا والبعض الآخر يحددها في نهاية كل عام ؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت هذه البنوك تضارب في هذه الأموال المضاربة الشرعية بشروطها المقررة والمبينة في الفتاوى التالية: 17902 ، 22507 ، 5160 .
فيجوز لك أخذ هذه الأرباح الناتجة عن تلك الأموال ، وأما إن كانت البنوك لا تراعي تلك الأحكام فلا يجوز أخذ الفوائد ولا الإيداع فيها أصلاً، ونحن نعلم أن البنوك الربوية لا تتعامل بالمضاربة الشرعية، وإنما تقوم على القرض والإقراض الربوي المعلوم حرمته في الإسلام، وإنما الذي يقوم باستثمار أموال المودعين عن طريق المضاربة هي البنوك الإسلامية، وعليه فلا يجوز للمسلم التعامل مع البنوك الربوية بأي نوع من أنواع المعاملات، لأنه لا يخلو من أكل الربا أو إيكاله أو إعانتهم عليه، وراجع الفتوى رقم: 23892 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===========
رقم الفتوى 30543 الحرام لا يصير مباحاً بفتوى
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
ماهوالحكم الشرعي في فتوى علماء الأزهر في إباحة الفوائد من البنوك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل حرم الربا في نصوص شرعية كثيرة قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا مجال للتشكيك فيها ولا الشك فيها.
فتحريم الربا من المعلوم في الدين بالضرورة لا يشك في ذلك مسلم، ولكن لما كثر الجهل بالدين وانتشرت بنوك الربا التي جاء بها الاستعمار وأعوانه، التبس الأمر على بعض العوام، ولكن الأغلبية من عموم المسلمين تعرف الحقيقة وتعلم أن الربا محرم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(7/23)
والصحيح أن علماء الأزهر الشريف قديماً وحديثًا أفتو بتحريم الربا، فقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فتوى بتاريخ 20/2/1989م بتحريم فوائد البنوك، وكذلك أصدر كثير من علماء الأزهر على انفرادهم فتاوى بتحريم فوائد ا لبنوك.
ولعل السائل الكريم يقصد الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر ورد عليه كثير من علماء المسلمين من داخل الأزهر نفسه ومن خارجه.
والحاصل أن فتوى أي عالم مهما كانت منزلته لا يمكن أن تحل ما حرم الله تعالى من فوائد البنوك الربوية التي حرمها الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم:
26870 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 33082 البنوك الإسلامية هي التي تلتزم بأحكام الشريعة في معاملاتها
تاريخ الفتوى : 02 ربيع الثاني 1424
السؤال
عندي مبلغ من المال وأريد أن أستثمره قمت بسؤال دار الإفتاء المصرية عن فوائد البنوك العادية فقالوا إنها حلال لو أن نيتي الاستثمار فهل هذا صحيح؟ وإذا كان حراماً فما حكم الفوائد التي أخذتها قبل ذلك؟ وهل البنوك الإسلامية حلال؟ إن كانت كذلك أرجو شرح كيفية عملها وذكر أحدها لي كي أودع نقودي بها.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحب ه أما بعد: فقد سبق بيان ما هو الحق في مسألة فوائد البنوك الر بوية في الفتويين: 26870 28960 ومن ذلك تعلم أن هذه الفوائد ربا محرم يجب على المس لم أن يتوقاه ويبتعد عنه، وما أخذته من هذه الفوائد يجب عليك أن تتخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين كبناء المستشفيات وعلاج المرضى وسد حاجة الفقراء، ونحو ذلك. وراجع الفتوى رقم: 942 لمعرفة المزيد عن كيفية التخلص من المال الحرام. والبنوك الإسلامية هي التي تلتزم بأحكام الشريعة في استثمار المال وتنميته، وهذه البنوك يجوز للمسلم أن يضع بها أمواله، وأن يستثمرها عن طريقها. أما البنوك التي تدعي أنها إسلامية، ولا تتقيد بأحك ام الشريعة فليست في الحقيقة بنوكاً إسلامية، ولا يجوز التعامل معها. ونعتذر عن تعيين اسم واحد من البنوك الإسلامية التي تلتزم بأحكام الشريعة في معاملاتها، وشرح كيفية عملها، لخروج ذلك عن مجال تخصصنا م ن جهة، وعدم علمنا الكافي بذلك من جهة أخرى. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 33523 فوائد البنوك ربا وإن سماها الناس فوائد
تاريخ الفتوى : 18 ربيع الثاني 1424
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته هناك كلام كثير عن هل الفوائد من البنوك حلال أم حرام؟ هل يصح أن أخرج زكاة بأكثر من قيمة هذه الفوائد وإن كانت هي زكاة رمضان؟ وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق أن بينا أن فوائد البنوك الربوية حرام لأنها ربا وإن سماها الناس فوائد، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1220 ، 27960 ، 24357 . وبينا كذلك أنه لا تجب الزكاة في تلك الفوائد الربوية لأنها مال حرام يجب التخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين العامة، كتعبيد الطرق وبناء المستشفيات، ونحو ذلك من أوجه التخلص من المال الحرام، وذلك في الفتوى رقم: 27503 ، والفتوى رقم: 8157 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
رقم الفتوى 34285 حكم دفع الجمارك من الفوائد الربوية
تاريخ الفتوى : 05 جمادي الأولى 1424
السؤال
هل الجمارك وليس الضرائب التي تفرض عل السلع التي يشتريها الشخص لنفسه لا لتجارة ملزمة شرعا، وماذا عن مرجعها فى السنة وخلافة التابعين أليس قوم سيدنا شعيب كانوا يفرضون الجمارك على القوافل مع العلم بأنها بنسبة 10% وليست 200% ومع ذلك كان ذلك حراما كما ، وهل يجوز دفعها من فوائد البنوك افتني لتهدني وجزاك الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالأصل في الجمارك والضرائب الحرمة، لأنها من أكل أموال الناس بالباطل، لكنها تجوز في بعض الحالات، وقد تقدمت لنا عدة فتاوى في هذا، فراجع مثلا الفتاوى التالية: 592 / 5107 / 5458 وما ذكرناه يشمل ما يشتريه الشخص لنفسه أو للتجارة، وسواء كانت الضرائب قليلة أو كثيرة. أما عن دفعها من الفوائد الربوية، فإنه لا يجوز، لأن الدافع يفتدي بذلك ماله وحقه، والشرط في التخلص من الفائدة ألا ينتفع هو بها. وراجع الفتوى رقم: 1983 والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===========
رقم الفتوى 34993 هدية صاحب المال الحرام أو المختلط
تاريخ الفتوى : 17 جمادي الأولى 1424
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا أود أن أسألكم عن حكم قبول هدية من شخص اختلط ماله بفوائد البنوك، علما بأن هذه الهدية هي عبارة عن شرائط إسلامية لأحد الدعاة، وهو أتى بها من السعودية أثناء الحج.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق حكم قبول الهدية من صاحب المال الحرام أو المختلط في الفتوى رقم: 32526 والفتوى رقم: 6880 . ولا أثر لكون الهداية شرائط إسلامية أو غيرها، فالمهم أن يكون المال حلالاً والهدية مباحة. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 35037 الزكاة نقص في الظاهر وبركة ونماء ودفع ضر
تاريخ الفتوى : 19 جمادي الأولى 1424
السؤال
قرأت ما أفتيتم به سيادتكم حول فوائد البنوك الربوية وقمت والحمد لله بتحويل أموالي لبنك إسلامي لكن سؤالي هو: إذا كان عندي مبلغ من المال يقدر بـ 1000 جنيه مثلا، وحال عليه الحول فلن أخذ فائدة عليه وبالتالي استحقت زكاة مال عليه فأخرجت 2.5% منه لهذا العام فأصبح المبلغ 975 وهكذا في العام التالي 2.5% أيضا وبالتالي ينخفض أصل رأس المال علما بأني موظف ولا أجيد التجارة وسؤالي خاص بي شخصيا وبأمي بعد أن توفي والدي وترك لنا طفلا ولا نثق بأحد لنسلمه مالنا ما الحل فلو تركت المال هكذا نقص أصله من الزكاة ولو أخذت عليه فائدة كانت حراما؟ علماً بأن البنوك الإسلامية تعطي فائدة على الأموال المودعة. أفيدوني أفادكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله تعالى خيرًا على تخليك عن الربا، ونسأل الله تعالى أن يبارك لك في رزقك.
واعلم أن الله جل وعلا وعد المتقي بالرزق من حيث لا يحتسب، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق:2، 3].
وليكن في كريم علمك أن الله جل شأنه لا يشرع لعباده حكمًا إلا كان لهم فيه الخير والرشاد، سواء علمنا ذلك أو جهلناه، ومما شرع الحكيم الخبير وجوب إخراج الزكاة عند توافر شروط وجوبها المبينة في الفتوى رقم: 4007 ، والفتوى رقم: 3922 .(7/24)
وإذا كانت الزكاة تنقص المال في الظاهر، إلا أن الله تعالى يعوض المزكي بركة في ما بقي ويدفع عنه المضرات، فينجبر نقص الصورة بذلك، هذا إلى الجانب كون الإنسان ينال الأجر على طاعته لله تعالى وامتثال أمره في ذلك، ويشهد لهذا ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 23869 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===========
رقم الفتوى 35196 علة تحريم الفوائد كونها مستفادة بعقد ربوي
تاريخ الفتوى : 26 جمادي الأولى 1424
السؤال
ما حكم فوائد البنوك؟ ملاحظة: بالنسبة للبنوك فدائما في الدين الإسلامي يجب أن نقدم النية الحسنة على السيئة، إن البنك عموما يشتغل بالحلال والحرام معا، فلماذا لا يتم تغليب الحلال على الحرام بأن أحتفظ بـ75%من الفائدة والتبرع بالباقي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد تقدم الكلام عن فوائد البنوك في الفتاوى التالية: 26870 ، 28960 ، 1220 ، 9557 . أما عن قول السائل: إن البنك عمومًا يشتغل بالحلال والحرام... الخ. فهو غير صحيح؛ لأن هذه الفوائد مستفادة بعقد ربوي، فهي كلها حرام، ومع ذلك لو فرض أن البنك يستثمر الأموال وفقًا للمضاربة - وليس هذا هو الواقع - لكن هذا الاستثمار يكون بالحلال الغالب والحرام النادر؛ فإنه لا يجوز التعامل مع البنك بذلك؛ لأن فيه إعانة على الإثم والعدوان، وفيه كذلك أكل للمال الحرام، ولو كان قليلاً؛ لأن الحرام صار شائعًا في المال. والتصدق بجزء من الفائدة لا ينفع. ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية: 33082 ، 1873 ، 5773 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 35474 لا بأس بإعطاء الإخوة الفقراء من الفوائد
تاريخ الفتوى : 27 جمادي الأولى 1424
السؤال
سمعت في التلفزيون أن فوائد البنوك حلال، لذلك طرحت فلوسي في البنك ولمدة سنوات، والآن عرفت أن فوائد البنوك تعتبر ربا، لذلك سحبت فلوسي ووضعتها في بنك إسلامي وفصلت الفوائد من أصل المبلغ وطرحتها في البنك الإسلامي إلى أن تفتوني في أمرها، مع العلم بأنني لم أستطع تحديد المبلغ بالضبط. هل الفوائد التي أخذتها في السنوات الماضية حرام أم حلال؟ وإذا كانت حراما هل يجوز أن أعطي جزء منها إلى أخي المريض الذي لا عمل له؟ والجزء الآخر أعطيه إلى أخي الذي يريد أن يتزوج ولا يستطيع، بسبب إمكانياته المادية. أفيدونا جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق أن بيَّنَّا أن فوائد البنوك ربًا محرم، وذلك في الفتوى رقم: 4023 . وبناء على هذا، فهذه الفوائد مال حرام يجب التخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 3739 . أما بالنسبة لإعطاء أخويك من هذا المال، فإن كان أخوك المريض الذي لا عمل له فقيرًا، فلا بأس بإعطائه من هذا المال الحرام، وكذلك لا بأس بإعطاء الأخ الآخر الذي يريد الزواج ولا يستطيع الحصول على تكاليفه. وراجع الفتوى رقم: 25521 والفتوى رقم: 23765 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 36269 حكم دفع الفوائد الربوية لدفع ظلم مالي
تاريخ الفتوى : 19 جمادي الثانية 1424
السؤال
تطالبني مصلحة الكهرباء بدفع مبلغ 28 ألف جنيه والمبلغ بدون وجه حق وقد قال بعض العاملين هناك إنه لولا أن الموضوع عُرف في هيئة الكهرباء كان من الممكن تمشية الموضوع دون دفع أي مال فهل يجوز لي دفع جزء من هذا المبلغ من فوائد البنوك التي أريد أن أتخلص منها؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالواجب عليك هو السعي لرفع الظلم الواقع عليك بكل ما تستطيع من سبل مشروعة، فإذا تعذر عليك ذلك، فلتكل أمرك إلى الله، والله تعالى يعوضك عن ذلك خيرًا، أما عن دفع الفوائد البنكية في تسديد المبالغ التي تطالبك بها مصلحة الكهرباء ظلمًا بحجة أن هذا حرام وهذا حرام، فلا يجوز لك؛ لأن الفوائد الربوية مال محرم عليك، إذ هو من الكسب المحرم الذي لا يحل لمكتسبه الانتفاع به، ودفعك له في هذا السبيل انتفاع؛ لأنك لو لم تدفعها من هذه الفوائد لكنت ملزمًا بدفعها من مالك الحلال، فتكون بدفعها قد افتديت ما لا تملكه، والأصل أنه لا يحل لك الانتفاع به، والواجب عليك أيها الأخ السائل أن تخرج أموالك من البنوك الربوية إلى البنوك الإسلامية، أو حيث شئت من أماكن إيداع الأموال التي لا تشتمل على ربا، وأن تتخلص من الفوائد الربوية بدفعها في أحد مصارف الأموال العمومية. وراجع الفتويين التاليتين: 13176 ، 8936 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 36682 لا دليل في حديث صخرة الغار على إباحة الربا
تاريخ الفتوى : 02 رجب 1424
السؤال
هل يعتبر أخذ الفوائد على الودائع من البنوك التي تستثمر في العقارات أو الزراعة أو الصناعة ولا تستثمر في الإقراض بفائدة مماثلاً لحديث الرسول عن الرجل الثالث من الثلاثة الذين انحدرت عليهم صخرة في الغار الذي استثمر ونمى مال أجيره الذي تركه عنده وإذا كان الجواب ليس مماثلا فما وجه التناقض؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن فوائد البنوك الربوية محرمة لأسباب كثيرة، ومنها: - أنها تقرض وتقترض بالفائدة. - وأنها تستثمر أموالها في الحرام. - ولو فرض أنها تستثمر أموالها في الحلال، كالعقارات والصناعات والتجارات المباحة، فإن ذلك لا يحل الفائدة، والسبب في ذلك أنهم يتفقون مع العميل على أن الفائدة هي نسبة من رأس المال لا تتغير، مع ضمانهم لرأس المال، وبهذا تكون المعاملة قرضاً جر نفعاً فهي ربا. أما البنوك الإسلامية، فإنها تتفق مع العميل على أن الفائدة هي نسبة من الربح تتغير بتغير الأحوال، مع عدم ضمان رأس المال، وبهذا تكون المعاملة مضاربة إسلامية. وراجع التفاصيل في الفتاوى التالية: 29440 ، 22230 ، 15131 ، 8114 ، 13533 . أما الحديث المذكور في السؤال، فليس فيه دليل لما تفعله البنوك الربوية، لأنه في رجل نّمى وديعة أجيرٍ له بغير مقابل، وأين هذا مما تفعله البنوك الربوية، بل ولو فرض أن فيه دلالة مطابقة على ذلك، فإنه في شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا إذا خالف شرعنا فلا يؤخذ به باتفاق، كما هو مقرر في كتب الأصول، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48]. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 38716 يريد أن يعطي خطيبته اليتيمة فوائد بنكية
تاريخ الفتوى : 16 شعبان 1424
السؤال
السلام عليكم هل يجوز أن أقوم بإعطاء خطيبتي الفائدة التي أحصل عليها من البنك، علما بأن خطيبتي يتيمة الأب وتعيش مع عائلتها ظروفا مادية صعبة، وأنا لا أريد إبلاغها بأن هذا المال هو من الفائدة؟
الفتوى(7/25)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن فوائد البنوك الربوية يحرم اكتسابها، وتمولها والاستفادة منها واستخدامها في ما يرجع على المرء بمصلحة شخصية، ويجب التخلص منها فوراً بإعطائها للفقراء والمساكين. ولا بأس بإعطاء هذه اليتيمة الفقيرة منها، لأنها أحد مصارف الأموال العامة لفقرها. ولكنه لا يحق لك أن تجعل هذه الصدقة كافية عما يلزمك عرفا أن تقدمه للخطيبة من الهدايا وغيرها، وللتوسع في الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3098 ، 2664 ، 13325 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 44437 فتوى شيخ الأزهر بشأن فوائد البنوك لا تبيح ما حرم الله
تاريخ الفتوى : 02 محرم 1425
السؤال
قرأت لكم كثيرا عن تحريم فوائد البنوك وأنا مقتنعة رغم أنني امرأة ولا أملك سوى جزء محدود من المال ولا يتوافر لدي أي أحد يستثمره لي ولكن عندما أخاطب أهل زوجي الذين يملكون الكثير ومنهم مدرسة دين تقول إنها حلال وعلى مفتي مصر الوزر لا علينا فهو عندما يقول صوموا نصوم. فأناشدكم الله كيف لمفت يحل الحرام ألا يخاف الله فينا ولماذا لا تقنعوه بالصحيح كي لا يضلنا وهو مفت وكيف لا يطلع على هذه الفتاوى كي يفتي بالعلم ولماذا لا تصححوا له خطأه افتونا يرحمكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الفائدة الربوية وفتوى شيخ الأزهر، وذلك في الفتوى رقم: 30453 ، والفتوى رقم: 30198 .
وأما عن مناصحته فقد دارت حول هذه المسألة نقاشات طويلة بين شيخ الأزهر وغيره من المشايخ، وعلى العموم فالحق أحق أن يتبع، ولا يجوز اتباع زلة العالم مهما كان قدره وعلمه.
نسأل الله أن يهدينا جميعاً سواء السبيل.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 45513 قول الشيخ الألباني رحمه الله في فوائد البنوك
تاريخ الفتوى : 23 محرم 1425
السؤال
أرجو ذكر رأي الشيخ الألباني في فوائد البنك بإسهاب وتفصيل، وكذلك رأيكم الكريم بإسهاب وتحقيق وتفصيل وذكر كلا الرأيين، وتحري الحق كما هو عهدنا بكم دائما؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففوائد البنوك الربوية هي الربا الحرام، وهذا ما بيناه وفصلناه في كثير من الفتاوى، كالفتاوى ذات الأرقام التالية: 1873 ، 460 ، 1220 ، 43614 .
وأما رأي الشيخ الألباني رحمه الله في فوائد البنوك، فالذي وقفنا عليه من فتاواه هو التحريم القاطع لها، ومن كلامه رحمه الله عندما سئل عن هذا الموضوع كما جاء في كتاب فتاوى الألباني 2/374، قال: بديهي أنه لا يجوز للمسلم أن يتعامل مع البنك الذي يتعاطى الربا، ثم ذكر أدلة تحريم ذلك... إلى أن قال: أما ما جاء في آخر السؤال: هل يجوز إيداع المال في البنك مع عدم أخذ الفائدة؟ قال الشيخ: أستغفر الله، لا أريد أن أدعوها فائدة لأنه يدخل فيما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: ليكونن في أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها. هذه إشارة إلى الاحتيال على أحكام الله بتسمية هذه الأمور المحرمة بغير اسمها. انتهى.
فالشيخ الألباني تحاشا أن يسمي الفائدة الربوية بالفائدة لأن هذا احتيال على أحكام الله، فكيف يكون حكم أخذها عند الشيخ.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 46053 هل يعطي الأب ابنه من الفوائد
تاريخ الفتوى : 02 صفر 1425
السؤال
أنا شاب في السادسة والعشرين من عمري مقدم على الزواج خطبت إحدى الفتيات، وذلك بناء على مبلغ من المال كنت قد ادخرته من عملي ومبلغ آخر كان والدي قد أخبرني أنه وديعة بنكية (وهو عبارة عن ثلاث شهادات استثمار المجموعة ب وأنه اشتراها بمبلغ 3000 جنيه، ويستحق صرفها في 1/4/2004 بقيمة 10000 جنيه)، المهم أن صديقاً لي أخبرني أن هذا المال يعتبر من فوائد البنوك أي أنه مال ربا وهو حرام شرعاً، وأنني لو أخذت المال واستعملته في زواجي سيكون الله غاضباً علي وسوف تصيبني بسبب هذا المال كوارث لا حصر لها لأن الله يمحق مال الربا، أنا الآن حائر وخائف وموقفي صعب، وأحتاج لهذا المال الآن لشراء منزل من أجل إتمام زواجي، وأنا الآن مرتبط أمام أهل خطيبتي بموضوع الخطبة وربما إن لم آخذ هذا المال ينتهي أمر الخطبة، هل هذا المال حرام، حتى ولو كان والدي لا يعلم بحرمته حتى هذه اللحظة فهو تائه مع فتاوى الشيخ طنطاوي مع التائهين، إن كان حراماً فهل هو حرام على والدي فقط لأنه هو واضعه أصلاً، وهل يمكن أن آخذه منه ولو على سبيل الهبة ويكون هو مسؤولاً عنه، إن كان هذا أيضاً لا يحل لي فهل أرفض وديعته الربوية وأطلب منه أن يعطيني من أصل ماله الحلال مبلغاً آخر لمساعدتي، أم هل يمكنني أن أستعين بهذا المبلغ الآن على سبيل الدين من والدي على أن أرده على أقساط، وآخذه منه على سبيل الدين أمام الله وأخرجه للمحتاجين على أقساط حينما يتيسر لي، أنا حائر وتائه ولا أدري ماذا أفعل، أفتوني بالله عليكم في أمري هذا، وفقكم الله لما فيه الخير للناس؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم شهادات الاستثمار تابع للبنك الذي يستثمر فيه المال، فإن كان ربويا فهي ربا، وإن كان بنكا شرعياً فهي شرعية، والظاهر أن شهادات الاستثمار التي اشتراها أبوك هي من النوع الربوي لأنك ذكرت أنه اشتراها بثلاثة آلاف وسيستحق صرفها في 1-4-2004 بقيمة عشرة آلاف، أي أن الربح محدد مسبقاً، وهذا محض ربا، وما قاله لك صديقك من أن الربا يسبب كوارث لا حصر لها صحيح، بل هو أخطر من ذلك لأنه حرب مع الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].
واعلم أن فوات شراء المنزل وانتهاء أمر الخطبة لا يساويان شيئاً في مقابلة الحرب مع الله.
وإن لم يكن والدك يعرف حرمة الموضوع فلا إثم عليه فيما مضى، ولكنه لما علم بالحرمة وجب عليه التخلص من جميع الفوائد الربوية، وله الحق فقط في رأس ماله، قال الله تعالى: وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ، وراجع الفتوى رقم: 23078 ، في كيفية التخلص من فوائد شهادات الاستثمار، ثم إن لم تكن نفقتك واجبة على والدك وكنت فقيراً فلوالدك الحق في أن ينفق عليك هذه الفوائد أو بعضها، وأما إذا لم تكن من الفقراء فليس لك فيها الحق لا على سبيل الهبة ولا غيرها لأنها خارجة عن ملك والدك.
ولا مانع من أن يعطيك شيئاً من أصل ماله الحلال، سواء كنت غنياً أو فقيراً، فلا تتوان في إقناع والدك بالتخلص من الحرام، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 48059 حكم الفوائد المركبة وغيرها
تاريخ الفتوى : 08 ربيع الأول 1425
السؤال
هل فوائد البنوك حرام ؟ و ما هى الفوائد المركبة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(7/26)
فقد سبق بيان حكم فوائد البنوك وأنها حرام، وذلك في الفتوى رقم: 7500 ، ولمعرفة ما هي الفوائد المركبة انظر الفتوى رقم: 41044 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 48442 حكم العمل في حراسة الشركات الأجنبية
تاريخ الفتوى : 20 ربيع الأول 1425
السؤال
الرجاء من فضيلتكم سرعة الرد على الفتوى نظراً لوجود مشاكل متعلقة بالموضوع ولكم الشكر، والإثابة من الله عز وجل:
1- حكم العمل بالتحديد في الأمن والحراسة لدى الفنادق الخمسة نجوم، القرى السياحية، الشركات الأجنبية، البنوك الأجنبية.
2- حكم العمل لدى شركة أصحابها يقال عنهم (تقريباً دول ناس ضربوا ضربة زمان وتابوا وأنشئوا هذه الشركة وقاموا ببناء مسجد)، مع العلم بأن أصحاب هذه الشركة نراهم ملتزمين دينياً ولا نستطيع أن نسألهم عن مصدر شركتهم أو أموالهم.
3- حكم قبول الهبة المالية أو المادية من الوالدين هداياهم من الحلوى لأحفادهم (أبنائي) إذا كانوا يضعون أموالهم في بنوك ربوية، مع العلم بإعطائهم نسخة من الفتوى الخاصة بالربا والمعاملات الربوية، ولكن الجميع ببلدي يقول: مفتي دولتنا أباح فوائد البنوك لدرء الضرر الناتج عن ضياع الأموال لدى الغير، والذي انتشر في هذه الأيام ونظراً لارتفاع معدل التضخم عن سعر الفائدة وايضاً يقولون الدنيا كلها كدة دلوقتي يبقى الواحد يشوف دنيا تانية يعيش فيها، وبعدين البنوك من الأمور المستحدثة التي لم تكن على عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، والناس زادت ما إلى ذلك من أسباب.
4- حكم قبول هدية من شخص يزورني لمرضي أو لصلة الرحم إذا كنت أعلم أنه يضع أمواله في بنوك ربوية أو إذا كان يعمل في بنك ربوي.
5- الجميع يضع أمواله في البنوك بفوائد ربوية أو يتعامل مع البنوك الربوية بأي شكل من أشكال التعامل أين أعمل ومع من أتعامل وقد نصحت لهم هل أجلس في البيت ولا أعمل، هل أرفض التعامل الإنساني الاجتماعي الذي لا يخلوا من هدايا ومجاملات مع الجميع، هل أنا عليهم بوكيل، الرجاء منكم سرعة الرد لأنني في هم، ولكم الدعاء بالسداد والخير عند الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم 40719 ، حكم العمل في حراسة القرى السياحية ومثلها الفنادق فتراجع، وراجع في حكم حراسة البنوك الربوية الفتوى رقم: 38505 .
وأما حراسة الشركات الأجنبية فلا مانع من ذلك إذا كان أصل عملها مباحاً في الشرع، فإن الفقهاء قد نصوا على جواز أن يؤجر المسلم نفسه للكافر في عمل معين في الذمة، لأن علياً رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره.
وأما حكم التعامل مع أناس مختلطة أموالهم من حلال وحرام كحال من ذكرهم السائل فجائز، وانظر تفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 7707 ، وراجع في دفع شبهة جواز الفوائد الربوية الفتوى رقم: 30198 .
هذا ولتعلم أن الأصل في أموال الناس التي بأيديهم أنها ملك لهم وأن التعامل معهم مباح إلا أن يعلم أن هذا المال مال حرام، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعاملون مع اليهود بيعاً وشراءاً وهبة واقتراضاً مع ما حكاه الله عنهم من أكلهم الربا والسحت، يقول الشافعي : ... وإن بايع رجل رجلاً لم أفسخ البيع لأن هؤلاء قد يملكون حلالاً فلا يفسخ البيع، ولا تحرم حراماً بينا إلا أن يشتري الرجل حراماً يعرفه أو بثمن محرم يعرفه وسواء في هذا المسلم والذمي والحربي . انتهى، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 33891 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
رقم الفتوى 48983 الاحتيال لأجل الحصول على ميراث المسلم من بلاد الكفر، ولمن يؤول
تاريخ الفتوى : 04 ربيع الثاني 1425
السؤال
اتصل بي موظف بأحد البنوك بدولة أوربية وأخبرني بأن لدى البنك مبلغ من المال لرجل من بلدي كان يعمل في هذه الدولة وأنه مات في حادث هو وزوجته وأولاده منذ 4 سنوات وحاول البنك خلال هذه السنوات العثور على أحد الورثه من خلال السفارة دون جدوى والمبلغ سوف يؤول لحكومة الدولة الأوربية وهو يطلب مني التقدم بصفتي وارثا لهذا الرجل وسوف يساعدني في ذلك والسؤال إذا أخذت هذا المبلغ وتصدقت به لصالح هذا الميت فهل هذا جائز وهل لي أن أحتفظ لنفسي بجزء من هذا المال أفيدوني
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا مات المسلم وترك مالا ولم يوجد له وارث أو لم يعلم له وارث فإن العلماء اختلفوا إلى من يؤول هذا المال، فقال قوم: يذهب إلى ذوي الأرحام، وقال آخرون: يذهب إلى بيت المال، وتجد هذين القولين لأهل العلم في الفتوى رقم: 19739 .
وفي هذه المسألة المعروضة نقول: إنه لا ينبغي للمسلمين ترك أموال المسلم تؤول إلى غير المسلمين، وعليهم أن يسعوا لاستخلاصها من تحت أيديهم ولو بحيلة كهذه الحيلة المذكورة، فإذا صار المال في أيدي المسلمين نظر في هذا المال، فإن كان مالا حلالا فهو ملك للورثة إن وجدوا، فإن عدموا صار لذوي أرحامه، فإن عدموا صرف المال في مصالح المسلمين العامة.
وإن كان مالا حراما كفوائد البنوك فمصرفه ابتداء مصالح المسلمين العامة، لأنه مال خبيث لا يطيب لوارثه منه إلا رأس ماله.
كما أننا نقول للأخ السائل: إنه لا بأس أن يأخذ مبلغا محددا كأجرة له مقابل عمله هذا، وهذا المبلغ تحدده طبيعة الإجراءات وتكلفتها، وليس له في مال الرجل غير هذا ما لم يكن هو نفسه ممن يشملهم أن لهم الحق في هذا المال لعدم وجود ورثة أو ذوي أرحام -مثلا- وكان فقيرا فله أن يأخذ منه بهذا الوصف.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 49918 تعقيب على من يفتي بجواز شراء المنازل بالربا في دار الكفر
تاريخ الفتوى : 25 ربيع الثاني 1425
السؤال
الرجاء إيفادنا بالإجابة على هذه الأسئلة أفادكم الله
أنا مقيم في المملكة المتحدة منذ 9سنوات وأسكن بالإيجار وأرغب في شراء منزل لي ولكنني لم أفعل ذلك لأن القرض من المصرف الربوي حرام ثم ذهبت إلى المصرف الإسلامي ولكني صدمت بأنهم يستغلون الموقف و يطلبون أكثر من المصرف الربوي بكثير جدا.
ماهو رأيك في هذه المسألة؟
المسألة الثانية هي الاستثمار في المصارف الربوية وهي عبارة عن الودائع المصرفية وتسمى بالإنجليزي بوند الشير في المصارف مع العلم أن المصرف أكد لي بأنهم لن يستعمل في أي شيء محرم إسلاميا كالخمر والدخان
شاكرا لكم حسن تعاونكم
صلاح التويجري
لقد قمت بسؤال أحد أعضاء الإفتاء بأوروبا وأفتى بجواز ذلك وقد أرسل لي نسخة من هذه الفتوى، أفيدونا أفادكم الله
الأخ المكرم صلاح التويجري
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ج1 بخصوص شراء منزل للسكن عن طريق البنك الربوي، فأحيلك على فتوى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث بهذا الخصوص والتي ترى نسخة مرفقة منها، وأنا مع خلاصة الفتوى في جواز شراء السكن عن هذا الطريق مع مراعاة عدم قدرتك على الشراء نقداً.
وقضية ما أشرت إليه بخصوص المصارف التي تتعامل بصيغة شرعية، فأنا شخصياً لا أراها البدائل الحقيقية للمعاملة الربوية، لما أشرت إليه من الاستغلال، ولذا لا أرى وجودها يمنعك من الشراء عن طريق القرض العقاري.(7/27)
ج2 بحسب ما شرحته عن طبيعة الاستثمار، وأنا كانت لي بعض المداولات مع بعض البنوك بهذا الخصوص ولم يظهر لي إشكال شرعي في التعامل مع البنك في ذلك، فلا أرى مانعاً من الإقدام عليه إذا كنت ترى مصلحتك فيه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا حكم شراء منزل عن طريق قرض ربوي في الفتوى رقم: 1986 ، والفتوى رقم: 6689 ، والفتوى رقم: 15092 ، وقلنا هناك بحرمة هذا الأمر، لحديث جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه . رواه مسلم . وأدلة أخرى تجدها في الفتاوى المشار إليها.
وسبق أن بينا أيضا أن حرمة الربا في ديار الكفار كحرمته في ديار الإسلام كما في الفتوى رقم: 20702 ، وسبق كذلك أن بينا أنه لا يجوز للمسلم أن يتعامل مع البنوك الربوية عن طريق الودائع المصرفية ، لأن ذلك عين ربا الجاهلية الذي حرمه الله ورسوله، وراجع الفتوى رقم: 36738 .
أما بخصوص الفتوى المذكورة في السؤال بجواز شراء المنازل عن طريق الربا، والفتوى الأخرى الخاصة بجواز التعامل مع البنوك الربوية بالودائع المصرفية، فكل عالم من العلماء مهما كانت منزلته في العلم والفضل يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كل من عدا النبي صلى الله عليه وسلم من أهل العلم حسبه أن يجتهد ويستفرغ وسعه في الوصول إلى الحق، فيصيب ويخطئ وهم يترددون بين الأجر والأجرين، للمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد، إذا كان مهيأ للاجتهاد، فإن لم يكن مستوفيا الشروط فقد عرض نفسه لخطر عظيم، ونحن نرى أن ما جاء في هذين الفتويين اجتهاد غير صحيح، لأن الربا حرام ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن المحرم لا يستباح إلا لضرورة؛ لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [سورة الأنعام: 119] وليس من الضرورة عدم قدرتك على الشراء النقدي أو أن بعض البنوك الإسلامية يستغل حاجة الناس، ما دمت تستطيع الاستغناء عن شراء هذا المنزل بالاستئجار.
وأما التعامل مع البنوك الربوية بالودائع المصرفية، فقد تتابعت المجامع الفقهية على القول بحرمته، وأول مجمع صرح بحرمة ذلك هو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في سنة 1965، وقد حضره عدد من كبار العلماء وجاء فيه: أن فوائد البنوك هي الربا الحرام .
والحكم ذاته أقره مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياك وجميع المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 50816 مسائل تتعلق بأعمال الجمعيات الخيرية
تاريخ الفتوى : 19 جمادي الأولى 1425
السؤال
نحن مؤسسة خيرية أهلية محلية (أردنية) لدينا أكثر من 60 فرعاً موزعاً في كافة المناطق والمدن ونقوم بجمع الأموال النقدية والعينية من المحسنين ونقدمها على شكل مشروعات خيرية لمستحقيها من الفقراء والأيتام وغيرهم، ولدينا أنظمة ولوائح تنظم جميع نواحي عمل المؤسسة، نرجو تكرمكم بإفتائنا حول جملة من القضايا المتعلقة بعملنا كمؤسسة خيرية وهي كالآتي:
السؤال الأول: تقوم الفروع باستقطاع نسبة من المبالغ التي تردها من المحسنين لتغطية المصاريف الإدارية للفرع كما تقوم الإدارة العامة للمؤسسة باستقطاع مبلغ آخر لمصروفات إدارية من نفس المبلغ، فما هو الحكم الشرعي لهذا الإجراء، وهل هناك حد أعلى للمبلغ المستقطع من التبرعات سواء كانت صدقات أو كفالة يتيم أو صدقات عامة... إلخ.
السؤال الثاني: عطفاً على السؤال الأول، هل يلزمنا إبلاغ كل متبرع بمقدار النسبة المتقطعة من المبلغ الذي تبرع به، فإن كان يلزمنا فهل يكفي الإبلاغ عن طريق المنشورات والإصدارات العامة للمؤسسة أم يجب الإبلاغ لكل متبرع على حدة، وهل يكفي إبلاغ المتبرع بأننا نقوم باقتطاع جزء من المبلغ لتغطية المصروفات الإدارية دون تحديد مقدار المبلغ المقتطع؟
السؤال الثالث: تقوم بعض فروع المؤسسة بالاتفاق مع بعض جامعي التبرعات على أن تعطيهم نسبة من أي مبلغ يحصلون عليه من المحسنين، كما تقوم بعض الفروع الأخرى بإعطائهم نسبة من التبرعات بالإضافة إلى مبلغ شهري من صندوق المصروفات الإدارية للفرع، فما الحكم الشرعي في ذلك، وهل تعتبر النسبة التي تعطى لجامع التبرعات جزءً من النسبة الإدارية التي سوف تقتطع أصلا من المبلغ المتبرع به؟
السؤال الرابع: هل هناك ضوابط شرعية لاستثمار أموال الصدقات والزكوات غير الضوابط المتعلقة باستثمار أموال الغير، وهل يجوز إقراض هذه الأموال بالربا أو وضعها في بنوك ربوية لأخذ ما يعرف بـ (الفائدة )، وهل يجوز إقراضها للموظفين أو لغيرهم كقروض حسنة، وهل يجوز تقديمها كقروض تعليمية للطلاب غير القادرين على دفع الرسوم الجامعية؟
السؤال الخامس: بعض الناس يقومون بأخذ الفائدة البنكية (الربوية) وإعطائها لنا، فهل لنا أخذها وهل هناك تحديد معين لمصارفها، وهل لنا أن قبل تبرعات البنوك الربوية، وهل نقبل تبرعات أهل الكتاب وغيرهم من غير المسلمين؟
السؤال السادس: بعض التجار يشترطون علينا تحرير سند قبض بالمواد العينية التي يودون التبرع بها بمبلغ أكبر من القيمة الفعلية لتلك المواد للاستفادة من الإعفاءات الضريبية، فهل يجوز هذا؟
السؤال السابع: نقوم باستقطاع نسبة من مبلغ كفالة اليتيم أو كفالة الطالب أو كفالة أسرة فقيرة... بهدف تقديم رعاية صحية وتعليمية ودعوية لهم، تقدم لهم على شكل دروس، رحلات، دورات مهنية، مخيمات كشفية؛ دروس تقوية، علاج مجاني في عياداتنا وخدمات وأنشطة أخرى متنوعة فهل هذا الإجراء جائز وهل يتوجب علينا إبلاغ الكافلين بالنسبة المقتطعة، وهل نكتفي بالإبلاغ عبر النشرات العامة للمؤسسة أم يتوجب علينا إبلاغ كل كافل على حدة، وهل هناك حد معين لهذه النسبة، وهل يجوز وضع نظام داخلي في المؤسسة يتضمن إيقاع عقوبات على الذين يتخلفون عن حضور الأنشطة دون عذر مقبول، كتجميد مبلغ الكفالة لمدة معينة، أو إيقاع عقوبة مالية عليهم، أو قيامنا باستبدال المكفول بآخر، وفي حال استبداله بآخر هل يتوجب علينا إبلاغ كافله بذلك أم نكتفي بوجود النظام الداخلي للمؤسسة؟
السؤال الثامن: هل يجوز تقديم جوائز للأيتام والطلاب المتفوقين أو الفائزين بالمسابقات الثقافية أو القرآنية من أموال الزكاة؟
السؤال التاسع: هل يجوز تقديم جزء من المواد العينية عند توزيعها على الفقراء لموظفي المؤسسة وبخاصة الفقراء منهم، وهل يجوز صرف مبالغ للموظفين كمكافآت أو بدل عمل إضافي؟
السؤال العاشر: في حال حصول خطأ من المسؤول في اتخاذ قرار مالي ضمن اجتهاده والذي يؤدي إلى إهدار المال، أو في حال تهاون الإدارة في إجراءات حفظ المال وترتب على ذلك إضاعة المال أو فقده أو سرقته فهل يترتب عليه حكم شرعي؟
السؤال الحادي عشر: تردنا من المحسنين مبالغ لصالح مشروع كفالة اليتيم دون تحديد يتيم معين فهل يجوز الاحتفاظ بها كاحتياط لكفالات الأيتام القائمة فعلا في حال انقطاع كافلها يتم التعويض بالمبالغ المحتفظ بها من أجل استمرار الكفالة؟(7/28)
السؤال الثاني عشر: هل يجوز استبدال الكفالة النقدية بشراء مواد عينية بقيمتها وصرفها لبعض الأسر حتى لا تقوم الأسرة المكفولة بصرفها على أشياء مذمومة كالدخان مثلا، وفي حال توفر كميات من المواد العينية في المؤسسة هل لنا أن نقوم بتوزيعها على المكفولين مقابل مبلغ الكفالة النقدي، وهل يجوز الاستفادة من المواد العينية بعمل إفطارات جماعية للمحسين بهدف جمع التبرعات أو الصرف من أموال المؤسسة لهذه الغاية، وهل يمكن تقديمها لضيوف المؤسسة أو استهلاك جزء منها في الاجتماعات الإدارية للعاملين أو المتطوعين في المؤسسة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الجمعية الخيرية الأصل فيها أنها وكيل في التصرف فيما يرد إليها من أموال، والأصل في الوكيل أن لا يتصرف إلا في حدود ما أذن له موكله، فإذا شرط الموكل شرطاً وجب عليه الالتزام بشرطه ولم تجز له مخالفته، وتراجع الفتوى رقم: 10139 .
وإذا لم يشترط الموكل شرطاً معيناً، جاز للوكيل التصرف بما تقتضيه المصلحة، وهذه القاعدة ينبغي التنبه لها، وكذا ينبغي التنبه إلى أن الواجب اختيار من عرف عنهم الدين والورع للعمل في هذه الجمعية والقيام عليها حتى تراعى الضوابط الشرعية في إنفاق أموالها.
وبخصوص ما ورد من أسئلة حول بعض المسائل المتعلقة بالجمعية الخيرية، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: استقطاع نسبة من المبلغ المتبرع به لتغطية المصاريف الإدارية، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله، إذا لم يكن بالإمكان تحصيله من غيرها، على أن يكون ذلك بقدر الحاجة، ولا يلزم إخبار المتبرع بذلك، وتراجع الفتوى رقم: 3699 .
ثانياً: إعطاء العاملين على جمع التبرعات أجرة من هذا المال أو نسبة منه، وهذا لا حرج فيه أيضاً، وتراجع الفتوى السابقة.
ثالثاً: استثمار الأموال، فإن كانت أموال زكاة فلا يجوز استثمارها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 10019 ، وإن كانت أموال تبرعات فيجوز استثمارها إذا كان ذلك أصلح للفقراء والمحتاجين ولم يكن هنالك من الفقراء من هو في حاجة لها.
رابعاً: إقراض هذه الأموال بفائدة ربوية، وهذا لا يجوز وكذا لا يجوز وضعها في بنوك ربوية من أجل الفوائد، أو لأجل غرض آخر من غير ضرورة، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 942 .
وأما إقراضها قرضا حسناً لبعض الموظفين أو لدفع الرسوم الدراسية لبعض الطلاب فلا يجوز، لأن من كان محتاجاً منهم، فهو مستحق لها بلا قرض، ومن لم يكن محتاجاً لها فلا يجوز إعطاؤه منها.
خامساً: قبول تبرعات البنوك الربوية، يجوز، لأن المال المحرم سبيل التخلص منه إنفاقه في أعمال البر، وأما أخذ فوائد البنوك الربوية ممن تاب وأراد التخلص منها فلا حرج فيه إن شاء الله، والواجب صرفها في وجوه الخير المختلفة، وكذا يجوز أخذ ما يتبرع به الكفار من أهل الكتاب أو غيرهم، إذا أمنت المفسدة في ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 12267 .
سادساً: كتابة سند قبض للتجار المتبرعين بأكبر من القيمة الفعلية، وهذا لا يجوز، لأن في ذلك إخباراً بخلاف الواقع، وهذه هي حقيقة الكذب.
سابعاً: الاستقطاع من أموال التبرعات لإقامة أنشطة، وهذا يجوز ما دامت تتحقق به مصلحة، ولا يفوت مصلحة أعظم، ولا يلزم إخبار المتبرع بذلك، ما دام لم يشترط شرطاً معيناً.
ثامناً: وضع لوائح تنظم العمل الداخلي، وهذه لا حرج فيها إن شاء الله ما دام ذلك يؤدي إلى تحقيق المقصود، وأما العقوبة المالية فلا ينبغي الإقدام عليها في حق من غاب عن الأنشطة، إذ الغالب حاجة المكفول لهذا المال.
تاسعاً: دفع جوائز للفائزين من أموال الزكاة لا يجوز، لأن للزكاة مصارف محددة من قبل الشرع، فلا يجوز تعديها، وتراجع الفتوى رقم: 3962 .
عاشراً: إعطاء جزء من المواد العينية لموظفي الجمعية، لا حرج فيه إن شاء الله إن كان أحدهم محتاجاً، وكذا إن لم يكن محتاجاً، ما دام ذلك تتحقق به مصلحة العمل، ويجوز كذلك صرف مكافآت للموظفين، أو بدل عمل إضافي، لنفس التعليل السابق.
الحادي عشر: هلاك بعض مال الجمعية بسبب بعض الموظفين، فإن كان ذلك دون تعد أو تفريط فلا يضمن، وإن كان بتعد أو تفريط فإنه يضمن، لأن يده في ذلك يد أمانة، وتراجع الفتوى رقم: 31745 .
الثاني عشر: الاحتفاظ بكفالة أيتام غير مشروطة، فالأصل فيه عدم الجواز، إذ الغالب أن حاجة المتبرع المبادرة بإنفاق المال، ولكن إن وجدت مصلحة راجحة فلا حرج إن شاء الله في الاحتفاظ بها.
الثالث عشر: استبدال الكفالة النقدية بمواد عينية، وهذا جائز إذا كان أصلح للفقير أو اليتيم، وما دام لا يخالف شرط المتبرع، وقد قال الله تعالى عن الإيتام: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:220].
الرابع عشر: عمل إفطارات جماعية للمحسنين بهدف جمع التبرعات منهم، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله، ما دام تترتب عليه مصلحة أعظم.
الخامس عشر: إكرام ضيوف المؤسسة من أموالها، فيجوز بما جرى به العرف دون مغالاة، وكذا القول في إنفاق جزء منها في الاجتماعات الإدارية التي تقتضيها مصلحة العمل، وحاصل الأمر في أمر هذه الجمعية أن ينظر القائمون عليها ما هو أصلح للمتبرعين بهذه الأموال، وما هو أصلح للفقراء والمحتاجين وأن يتقوا الله تعالى فيما ولاهم الله تعالى عليه.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 52879 تؤخذ الفوائد مع الإنكار وتصرف في المصالح العامة
تاريخ الفتوى : 17 رجب 1425
السؤال
أنا فتاة من فلسطين أعمل بشركة كبيرة قررت إدارة الشركة إعطاء الموظفين أرباح صندوق الادخار والتي هي عبارة عن فوائد من البنك، السؤال هوالاستفادة من هذه الأرباح حرام أم حلال؟ ثانيا هل يجوز توزيعها على الأقارب المحتاجين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن فوائد البنوك حرام شراعاً لأنها ربا، وحرمة هذه الفوائد تكاد تكون محل إجماع عند أهل العلم المعاصرين. وعليه فإنه لا يجوز لك أخذ هذه الأرباح للتملك لأنها مال خبيث لا يملك، ولكن تأخذينها منهم مع الإنكار عليهم وتصرفينها في مصالح المسلمين العامة، ومن هذه الجهة الفقراء والمساكين، والأقارب أولى من غيرهم بإيصال الإحسان إليهم إذا كانوا فقراء. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
رقم الفتوى 54028 ماهية الحرب من الله ورسوله لآكل الربا
تاريخ الفتوى : 15 شعبان 1425
السؤال
أعرف بحرمة الربا ولكني غير معترف بأن الفوائد هي الربا المحرم، وفي الإفتاء يقرر الحرمة ولا يعطي الحل، هل آخذ المال وأخزنه ولا أحد يستفيد منه وتأكله الزكاة، وهل أترك فوائد مالي للبنك تحت أي مسمى، وهل أنفق الفوائد ولا يكون لي بها أجر، ثم ما هي نوعية الحرب، تعبان وأريد أرتاح، ولم أجد من البنوك الإسلامية ما يريحني، ما الحل؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(7/29)
ففوائد البنوك هي الربا المحرم، ولمعرفة تفصيل ذلك راجع كتاب فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي (فوائد البنوك هي الربا المحرم) لأن وظيفة البنك الأساسية هي المتاجرة في الديون: الاقتراض والإقراض نظير نسبة معلومة مقابل الزمن، وهذا هو عين الربا، وقد حرم الإسلام الربا لأنه يقضي على الاقتصاد ويزيد من مشاكله، ولذا قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة:275}.
فأحل الله تعالى ما ينفع، وحرم ما يضر، وهذا يعني أن سبل استثمار المال كثيرة، وليس الربا واحداً منها، وعلى المرء أن يختار من هذه السبل المباحة ما يتناسب مع قدراته لتنمية ماله وعدم تركه للزكاة تأكله، كأن يتاجر به أو يضارب به ونحو ذلك.
فإذا تقرر هذا، فلا يجوز وضع الأموال في البنوك الربوية، فإن حصل ووضعها صاحبها، وجب عليه التوبة من هذا الفعل، وذلك بسحب أمواله من البنك والندم على ما صنع والعزم على عدم العودة إليه أبداً، ولا يترك هذه الفوائد للبنك، بل يأخذها بنية إنفاقها في سبل الخير ووجوه البر، ولا أجر له في إنفاق ذلك المال لأنه لا يملكه، وبالنسبة له هو خبيث لا يقبله الله، وإن كان يؤجَر من وجه آخر، وهو امتثال أمر الشرع بالتخلص منها، والتوبة إلى الله تعالى من غائلتها.
والمقصود بالحرب في قوله تعالى: فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ {البقرة:279}، اختلف فيه العلماء، فقد ذكر المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه، كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه . اهـ
وعنه قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب . اهـ
وقد ورد لفظ الحرب هنا نكرة، وهذا يفيد التعظيم لها والتحذير الشديد منها، قال الشوكاني في فتح القدير: وتنكير الحرب للتعظيم، وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله الأعظم، وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته . انتهى، وللفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4546 ، 5773 ، 15734 ، 20883 ، 27248 ، 942 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 54469 البنوك الإسلامية في مصر وحكم شهادات الاستثمار للضرورة
تاريخ الفتوى : 27 شعبان 1425
السؤال
أحوالي المالية ليست على ما يرام ودخلي من العمل تلتهمه متطلبات المعيشة وكثيراً لا يكفي وأنا أمتلك مالا على هيئة شهادات لها ربح يصرف كل 6 شهور أستعين به على الوفاء بالمصاريف وعلمت أن فوائد البنوك والتعامل بشهادات الاستثمار حرام، وليس أمامي من سبيل سوى هذا، مع العلم بأنني متزوج ولي طفل صغير وطالبان في الجامعة (صيدلة، هندسة) وأعاني من ضيق الرزق في عملي الأساسي، فماذا أفعل، هل أشتري ذهباً وأخرج زكاته وما مقدارها، وهل أكون بذلك ممن يكنزون الذهب، وأرجو من سيادتكم إفادتي بأسماء البنوك الإسلامية (بجمهورية مصر) التي ترونها مناسبة للتعامل معها، مع العلم بأنه توجد فتوى ترى التعامل بشهادات الاستثمار ليس بحرام (نرجو الرد على هذه الفتوى بالتفصيل) وإنني أرسل نداءا إلى جميع العلماء المسلمين في الاقتصاد، الفقه، التعاملات المالية بالدراسة وإعطائنا البدائل وحسب ظروف كل بلد وأرجو عدم الرد (تراجع الفتوى رقم....) أرجو إعطاء حل يتناسب مع ظروف جميع الدول والبلدان العربية وخاصة جمهورية مصر العربية أم أكون تحت ما يسمى المضطر هذه مشكلة كبيرة؟ مع جزيل الشكر، وبارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1- فإن قسم الفتوى بالشبكة الإسلامية درج على إفادة المستفتي من كل ما سبق من فتاوى في الشبكة، لئلا تتكرر الإجابات، وفي ذلك من توفير الجهد وسرعة الفائدة ما لا يخفى، وقد سبق وبينا حكم شهادات الاستثمار في الفتوى رقم: 1220 ، والفتوى رقم: 6013 ، والفتوى رقم: 10092 .
وننبه السائل إلى أن ضيق الدخل لا يبيح التعامل في المجال الربوي ما لم يصل المرء إلى حد الضرورة، وقد بينا حد الضرورة المبيح للتعامل بالربا في الفتوى رقم: 6501 .
2- فشراء الذهب مباح في الجملة إذا خلا من الصور الربوية فالواجب أن يتم القبض للعوضين (الذهب والثمن) في مجلس العقد لئلا يقع المشتري في ربا النسيئة، وسواء كان ذلك للاستعمال أو للاقتناء، بشرط أن يكون الاستعمال فيما يباح كالحلي للنساء، والزكاة واجبة في الذهب إذا كان للاقتناء وبلغ 85 جراماً فأكثر وحال عليه الحول، والواجب إخراجه منه حينئذ 2.5%، أما إذا كان الذهب للحلي فللعلماء في وجوب الزكاة فيه اختلاف وقد بيناه في الفتوى رقم 979 ، والفتوى رقم: 6237 .
3- فيمكنك معرفة ما إذا كانت البنوك الإسلامية في مصر تسير في تعاملاتها حسب الشريعة أم لا، بسؤال أهل الخبرة في بلدكم، وممن ننصحك بسؤاله فضيلة الدكتور أسامة عبد العظيم حمزة رئيس قسم الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر، أو غيره من العلماء أهل الثقة كالشيخ محمد إسماعيل المقدم بالاسكندرية، أو الشيخ محمد سعيد رسلان بالمنوفية.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 55407 ارتفاع الدولار وانخفاضه لا يغير من جريان أحكام الربا عليه
تاريخ الفتوى : 25 رمضان 1425
السؤال
لدي سؤال يتعلق بالفائدة الإيداعية والإقراضية للودائع أو القروض الدولارية وحكمها أود الإيضاح أولاً أن سؤالي ليس عند فوائد البنوك على الجنيه المصري أو العملة المحلية ولكن على الفائدة الخاصة بالودائع والقروض الدولارية أو بعملة أجنبية، والتي لاحظت اختلافا بينها وبين الجنيه المصري وددت أن أعرضه عليكم للاستبيان، سأبدأ بوضع بعض الأمثلة استعين بها على شرح ما جال بخاطري، ثم أتبعها الأسئلة، المثال الأول: لي 625 جنيها، قمت بشراء 100 دولار بهذا المبلغ، ثم قمت بإقراض هذا المبلغ لأحد الأشخاص بالشروط الآتية: 1- يقوم المدين بتسديد أصل المبلغ بالدولار أو بقيمته بالجنيه بعد ثلاثة أشهر، 2- يقوم المدين بتسديد فائدة قدرها 1% لكل شهر على الـ 100دولار بالجنيه المصري أو بالدولار في الشهر الأول أصبح سعر الدولار 6 جنيهات وبالتالي أصبحت الفائدة المستحقة هي 6*100*1%=6، في الشهر الثاني ارتفع سعر الدولار إلى 6.20 جنيها لتصبح الفائدة: 6.20*100*1%=6.20 جنيه في الشهر الثالث عاد الدولار إلى الانخفاض ليصبح سعره 5.90 جنيه فأصبحت الفائدة 5.90 جنيه، إذا في نهاية الشهر الثالث قام المدين برد مبلغ 5.90 جنيه أو 100 دولار كما قام بدفع فائدة على مدار ثلاثة أشهر قدرها: 6+6.20+5.90=18.10 ليصبح إجمالي ما قام المدين برده 608.10 جنيه وكان أصل المبلغ 6.25 جنيه، عن تراض بيننا، المثال الثاني: لي 6.25 جنيها، قمت بشراء جهاز حاسب آلي بهذا المبلغ، ثم قمت بإعطائه لأحد الأشخاص ليستخدمه في أعماله بالشروط الآتية: 1- يقوم الشخص بإعادة الجهاز بعد ثلاثة أشهر، 2- يقوم الشخص بتسديد قيمة إيجارية قدرها 1% من ثمن الجهاز وقت حساب الإيجار في نهاية كل شهر من الأشهر الثلاث، في الشهر الأول أصبح سعر الجهاز 600 جنيه، وبالتالي أصبح الإيجار المستحق هو 6 جنيهات، في الشهر الثاني ارتفع سعر الجهاز إلى 620 جنيها ليصبح الإيجار 6.20 جنيه في الشهر الثالث(7/30)
انخفض سعر الجهاز إلى 590 جنيه ليصبح الإيجار 5.90 جنيه، إذا في نهاية الشهر الثالث قام المدين برد الجهاز وقيمته 590 جنيه كما قام بدفع إيجار على مدار ثلاثة أشهر قدرها: 6+6.20+5.90= 18.10 لتصبح قيمة الجهاز تساوي 608.10جنيه وكان أصل الثمن في البدية 625 جنيه عن تراض بيننا، والآن أرجو الإجابة على الأسئلة الآتية:
1- في المثال الثاني هل تتعارض تلك المعاملة مع أي من أحكام الإسلام، وإذا كانت الإجابة بنعم فأرجو بيان أسباب التعارض؟
2- هل يمكن اعتبار الدولار (أو أي عملة أخرى) بشرط تحرير سعر الصرف، سلعة، حيث إنها تتبع قوانين السوق من عرض وطلب وليست كالعملة المحلية تخضع قيمتها لاعتبارات اقتصادية عديدة؟
3- قرأت أن تعريف الربا هو إقراض مبلغ من المال ثم رد أصل المال مصحوبا بالزيادة، هل هذا هو التعريف الصحيح للربا؟
4- في المثال الأول لم يتم اشتراط أن يرد أصل المال ولكن تم التراضي على أن تسدد القيمة الدولارية أياً كانت زادت أم نقصت، كما أن الفائدة لم تكن ترتبط بأصل المبلغ وإنما ارتبطت بشيء آخر وهو الدولار في المثال الأول وبالتالي فعي متغيرة، أيضا كانت المعاملة في المثال الأول عرضة للربح أو الخسارة كما رأينا، السؤال هو: هل تدخل تلك المعاملة تحت طائلة المعاملات الربوية.
5- لي 1000 جنيه أودعتها وديعة دولارية، هل يمكن لأحد أن يضمن لي أن عند استردادي للمبلغ أسترد 1000 جنيه؟
6- لي 1000 جنيه أودعتها وديعة دولارية، هل يمكن لأحد أن يضمن لي دخلا ثابتا قدره 50 جنيه شهرياً؟
7- هل يجوز اعتبار الدولار بديلا للعملة المحلية (أي أن تكون فائدته ربا، والله أعلم) في حين أن الدولار لا يمثل القيمة الحقيقة للجنيه، وإنما يخضع كما أسلفنا لقوانين العرض والطلب، وأضرب مثالاً لإيضاح عدم تماثلهما: لدي 1000 جنيها وهي اليوم تكفي لشراء جمل، استريت بالـ 1000 جنيه دولارات وبعد 6 أشهر صارت قيمة الدولارات 900 جنيه وكان سعر الجمل لا يزال 1000 جنيه حيث إنه سلعة محلية لا يتم استيرادها وبالتالي لا يؤثر على سعرها الدولار، أو صارت قيمة الدولارات 2000 جنيه وهو ما يكفي لشراء جملين، وبالتالي لا يمكن اعتبار الدولار بديلا للجنيه حيث إنه لم يظهر قيمة الجنيه الحقيقية (1000 جنيه= جمل 200 دولار= جمل أو لا جمل أو أكثر من جمل)؟
8- يحدثنا علم السياسة الدولية عن نشأة وزوال الأمم وبالتالي نشأة وزوال عملاتها، هل لأحد أن يضمن أن لن تزول قيمة الدولار غداً، أرجو ألا أكون قد أسهبت عليكم في شرح المسألة، إنما أردت أن أضع أمامكم كل ما جال بخاطري كي يطمئن قلبي، رجاء عرض تلك المسألة على أحد المتخصصين في المعاملات التجارية الإسلامية، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير للمسلمين، وأسأل الله لي ولكم الرحمة والمغفرة والهداية، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
1- فالمعاملة بصورتها الثانية غير صحيحة، لأنها إجارة ويشترط في الإجارة أن يكون العوض (الأجرة) معلوما وهو هنا مجهول، حيث ارتبط بسعر الجهاز (المؤجر) والسعر قد يزداد وقد ينقص مما يؤدي إلى جهالة الأجرة.
2- فالدولار ونحوه من العملات غير المحلية، لا تخضع في أحكامها عند التبادل لما تخضع له السلع، بل تخضع لأحكام الصرف في الشريعة الإسلامية، والعملات المختلفة أجناس تأخذ حكم اختلاف الجنسين الربويين عند التبادل، فلا بد فيها من التقابض في مجلس العقد ولا يشترط التساوي لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. رواه مسلم وغيره، وراجع الفتوى رقم: 3702 .
3- فقد سبق تعريف الربا وأنواعه في الفتوى رقم: 13533 .
4- فالمعاملة في الصورة الأولى لا شك أنها تدخل ضمن المعاملات الربوية المحرمة، لأنها زيادة مشروطة لأحد المتعاقدين (المقرض) ولا ينفي عنها وصف الربا انخفاض قيمة الدولار أو زيادته، لأن الديون تسدد بأمثالها، والحاصل أنه يتم إقراض مائة دولار بشرط زيادة شهرية تؤدى معها عند السداد.
5- فالديون (القروض) تقضى بأمثالها وقت السداد ولا عبرة بانخفاض قيمتها أو ارتفاعها، علماً بأن رد القيمة وقت السداد يجوز إذا لم يكن بشرط مسبق، فلا يجوز اشتراط السداد بعملة أخرى غير التي تم بها القرض، كأن يقرضه دولاراً ويشترط السداد بالجنية أو العكس، وذلك لأسباب بيناها في الفتوى رقم: 45096 .
6- فإن ما يوضع في البنوك الربوية باسم الودائع، ليس وديعة في عرف الشرع الإسلامي، بل هو قرض ربوي يقترضه البنك بفائدة ثابتة (زيادة ربوية)، فالوديعة هي بـ دفع المال إلى من يحفظه، أما القرض فهو: تمليك الشيء على أن يرد بدله. والفرق بينهما أن الوديعة ترد عينها، والقرض يُرد مثله، فإن كان بدون شرط الزيادة فهو قرض مشروع، وإن كان بشرط الزيادة فهو قرض ربوي ممنوع، وبناء على هذا فإن ما أسميته بالوديعة هو في عرف الشرع قرض، والزيادة المترتبة عليه ثابتة منصوصة في العقد.
7- فلا يضر الانخفاض أو الارتفاع في سعر الدولار، ولا يغير ذلك من جريان أحكام الربا عليه عند الصرف والقرض ونحو ذلك، بل تنطبق عليه أحكام الربا كما تنطبق على العملات المحلية.
8- فإذا حصل للدولار أو غيره كساد عام، فإن سداد الديون يتم بالمثل لا بالقيمة، فإذا تعذر المثل وقت القضاء تم السداد بالقيمة يوم الوفاء، دون الالتفات إلى انخفاض السعر أو ارتفاعه، وراجع في هذا الفتوى رقم: 31724 ، للفائدة راجع الفتوى رقم: 39555 ، والفتوى رقم: 30198 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 57393 العمل في البنك الإفريقي للتنمية
تاريخ الفتوى : 15 ذو القعدة 1425
السؤال
ما هو حكم العمل بالبنك الإفريقي للتنمية؟ إذ لا يمكن لأحد إيداع نقود به فهو لا يتعامل مع الأشخاص ولا الشركات وإنما مع الدول. مثلا شخص يريد أن ينجز مشروعا لفائدة بلده يمده البنك بقرض ثم يعيده على المدى الطويل. وفي دولة البنين سيمول البنك مشروع شركة طيران داخلية...هل تلك القروض محرمة ؟ وكما سألت أعلاه ما حكم العمل بهذا البنك ؟
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أن هذا النوع من البنوك يتعامل بالقروض الربوية، وقد ثبت بالأدلة المتظاهرة المتكاثرة أن فوائد البنوك هي الربا المحرم بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا فرق بين البنوك التي يتبناها الأفراد والتي تتبناها الدولة مادام التعامل الذي يتم في الجميع هو الإقراض أو الاقتراض بالربا.
وللفائدة والتفصيل راجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1009 ، 4862 ، 1820 ، 1725 ، 20883 .
أما بالنسبة للبنك المسؤول عنه، فلا علم لنا به، لكن الغالب على الظن أنه بنك تجاري لا يقرض إلا بفائدة ربوية.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================
رقم الفتوى 58307 فوائد البنوك هي الربا الصريح الذي نهى عنه القرآن
تاريخ الفتوى : 14 ذو الحجة 1425
السؤال(7/31)
فتوى مجمع البحوث الإسلامية بإباحة فوائد المصارف الصادرة في 23 من رمضان 1423هـ الموافق 28 من نوفمبر 2002م. الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية الدولية أو مع غيره من البنوك، ويقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلا عنهم في استثمارها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدما في مدد يتفق مع المتعاملين معه عليها؛ هذه المعاملة بتلك الصورة حلال ولا شبهة فيها؛ لأنه لم يرد نص في كتاب الله أو من السنة النبوية بمنع هذه المعاملة التي يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدما، ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) سورة النساء: الآية 29.
أي: يا من آمنتم بالله حق الإيمان لا يحل لكم ولا يليق بكم أن يأكل بعضكم مال غيره بالطرق الباطلة التي حرمها الله - تعالى - كالسرقة، أو الغصب، أو الربا، أو غير ذلك مما حرمه الله - تعالى - لكن يباح لكم أن تتبادلوا المنافع فيما بينكم عن طريق المعاملات الناشئة عن التراضي الذي لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، سواء كان هذا التراضي فيما بينكم عن طريق التلفظ أم الكتابة أم الإشارة أم بغير ذلك مما يدل على الموافقة والقبول بين الطرفين. ومما لا شك فيه أن تراضي الطرفين على تحديد الربح مقدما من الأمور المقبولة شرعا وعقلا حتى يعرف كل طرف حقه. ومن المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح أو العوائد مقدما، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها. ومن المعروف كذلك أن هذا التحديد قابل للزيادة والنقص، بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد 4% ثم ارتفع هذا العائد إلى أكثر من 15% ثم انحفض الآن إلى ما يقرب من 10%. والذي يقوم بهذا التحديد القابل للزيادة أو النقصان، هو المسؤول عن هذا الشأن طبقا للتعليمات التي تصدرها الجهة المختصة في الدولة. ومن فوائد هذا التحديد - لاسيما في زماننا هذا الذي كثر فيه الانحراف عن الحق والصدق - أن في هذا التحديد منفعة لصاحب المال ومنفعة - أيضا - للقائمين على إدارة هذه البنوك المستثمرة للأموال، فيه منفعة لصاحب المال، لأنه يعرفه حقه معرفة خالية عن الجهالة، وبمقتضى هذه المعرفة ينظم حياته. وفيه منفعة للقائمين على إدارة هذه البنوك، لأن هذا التحديد يجعلهم يجتهدون في عملهم وفي نشاطهم حتى يحققوا ما يزيد على الربح الذي حددوه لصاحب المال، وحتى يكون الفائض بعد صرفهم لأصحاب الأموال حقوقهم، حقا خالصا لهم في مقابل جدهم ونشاطهم. وقد يقال: إن البنوك قد تخسر فكيف تحدد هذه البنوك
للمستثمرين أموالهم عندها الأرباح مقدما؟ والجواب: إذا خسرت البنوك في صفقة ما فإنها تربح في صفقات أخرى، وبذلك تغطي الأرباح الخسائر. ومع ذلك فإنه في حالة حدوث خسارة فإن الأمر مرده إلى القضاء.
والخلاصة أن تحديد الربح مقدما للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال ولا شبهة في هذه المعاملة فهي من قبيل المصالح المرسلة وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها. وبناء على ما سبق فإن استثمار الأموال لدى البنوك التي تحدد الربح أو العائد مقدما حلال شرعا ولا بأس به والله أعلم.
ما رأيكم في ما تقدم ؟
أرجوا الإفادة والرد على كل عنصر من الفتوى فقد اختلط علي الأمر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن وضع الأموال في البنوك الربوية مقابل فائدة محددة سلفاً مع ضمان رأس المال هو الربا الصريح الذي نزل القرآن بتحريمه، ومحاولة البعض تصوير ذلك بأنه استثمار حلال محاولة باطلة تبطلها أدلة الكتاب والسنة والإجماع والواقع.
ويجدر هنا ذكر قول ابن المنذر رحمه الله ناقلاً إجماع علماء المسلمين إذ يقول: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة . اهـ
فهذا إجماع على أن اشتراط ربح محدد بدراهم معدودة في معاملة الاستثمار (المضاربة) حرام شرعاً، ولمعرفة الفروق بين المضاربة الشرعية وبين القرض بفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 25960 ، 1873 ، 28960 ، 30198 ، 30543 ، 39555 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 58413 التعامل مع المصارف الربوية
تاريخ الفتوى : 19 ذو الحجة 1425
السؤال
التعامل مع المصارف التي تتعامل بالربا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أما التعامل مع البنوك الربوية بالاقتراض والإقراض فقد ذهب أكثر العلماء إلى أن فوائد البنوك هي الربا المحرم بنصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، كما بيناه في الفتوى رقم: 13533 ، والفتوى رقم: 17223 ، والفتوى رقم: 21062 ، والفتوى رقم: 14786 .
وهذه المسألة من المسائل التي لا يعتد فيها بمخالفة الغير ويعتبر خلاف المخالف فيها شاذاً.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 30543 ، والفتوى رقم: 44437 ، والفتوى رقم: 30198 ،
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 59399 الربا من أسباب محق المال
تاريخ الفتوى : 18 محرم 1426
السؤال
سؤالي لكم أعزكم الله، توفي والدي منذ عشرة أعوام وتركني وأختا لي وأمنا (الأم) وليس لنا إخوة ذكور وترك لنا مبلغاً من المال قدره سبعة وعشرون ألف جنيه مصري هذا كل ما نمتلكه، وكان عند وفاته ما يقرب من واحد وعشرين ألف جنيه، ولما كنا إناثاً لا خبرة لنا بالحياة خشينا أن ندفعهم لمن يتاجر بهم فيضيع مالنا في ظل خراب الذمم، ولنا خصوصية أن هذا كل ما نمتلكه وسنستعين به بعد الله في تجهيز عرسنا إن أمر الله، ولا يخفى ما تحتاجه العروس الآن من متطلبات، غاية الأمر أننا لم ندفعهم لأحد خوفاً على مستقبلنا فقمنا بوضعهم في البنك لنستفيد من ربحهم في المعيشة فصاروا الآن ما يقرب من سبعة وعشرين ألف جنيه، والسؤال هو: نحن لم نخرج لهم زكاة لأني قد قرأت في موقع على ما أذكر والله أعلم أن حالتنا هذه من الضرورات التي تبيح المحظورات وأنه يجوز لنا أكل فوائد البنوك مع تحريمها لغيرنا ويجوز لنا ألا نخرج الزكاة لأنا خاصة لو أخرجناها لنفذ مالنا وأكرر لفضيلتكم لا يوجد من نأتمنه على أن يتاجر بها، فما رأيكم خاصة وأنني وأختي قد تجاوزنا الحادية والعشرين من العمر، وأنا الآن أعمل مدرسة راتبي ما يقرب من مائة وخمسين جنيها كل شهر، آسفة على الإطالة وأتمنى أن تدرسوا حالتنا جيداً وأن يكون الرد وافياً شافياً من كل شبهة؟ وجزيتم خيراً، وشكر الله لكم صبركم على قراءة سؤالي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(7/32)
فإن استخدام المال في المعاملات الربوية من أسباب محق المال، وإخراج الزكاة من المال من أسباب نمائه وزيادته، وهي التي يعبر عنها القرآن أحياناً بالصدقة، قال الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم {التوبة:103}، كما قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {البقرة:276}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال . رواه مسلم .
وعليه فإنا ننصح بسحب المال من البنك الربوي والتوبة الصادقة من إيداعه فيه لأنه محرم شرعاً، وبإخراج زكاة السنوات الماضية والتخلص من الفوائد الربوية بصرفها في مصالح المسلمين.
ولا تقنطوا من إمكانية استثمار المال بطريقة مشروعة فيمكن إيداعه في بنك إسلامي أو إحدى الشركات الإسلامية، كما يمكن أن تشتريا به ذهبا ومجوهرات وتشرفان على بيعها، وللمزيد في الموضوع نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9537 ، 6407 ، 14985 ، 38847 ، 56975 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 61384 دفع الفوائد للأخ المدين وإنفاقها في المنفعة العامة
تاريخ الفتوى : 12 ربيع الأول 1426
السؤال
ما حكم الشرع في .الأموال الناتجة عن الفوائد البنكية (إسلامية وغير إسلامية ) خاصة إذا كان من يأخذها ليقضي بها دينا يرفض أن يستدين من أشخاص مقربين(الأشقاء) لتسديد الديون للمعارف.وأيضا السائل يقول ما رأي الشرع أن تؤخذ الفوائد البنكية لقضاء منفعة عامة (إدخال غاز أو كهرباء للحي) .علما أن صاحب أو من يأخذ هذه الفوائد يقطن الحي يعني المنفعة العامة تشمله هو أيضا وأتمنى أن تنال رسالتي قدرا من الاهتمام لأن صاحب السؤال هو شقيقي.وهو في ضائقة مالية ناتجة عن بناء بيت للسكن و كان جزءا منه قد تم بالديون
فلا تحرمونا من الاهتمام.
وجزاكم الله كل خير.
و أتمنى أن يكون الجواب بأدلة وأراء العلماء في هذا الميدان حتى نستطيع أن نصل لما نصبو إليه عن قناعة و اعتقاد.و حتى نواجه إغراءات وفتن هذا الزمان
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من إعطاء الفوائد البنكية لأخيك من أجل سداد دينه، إذا كان فقيراً مستحقاً لهذا المال، سواء كانت من البنوك الإسلامية أو غيرها، علماً بأن فوائد البنوك الربوية محرمة لا يجوز تملكها لصاحب المال التي نتجت عنه، بل يجب التخلص منها بإنفاقها في وجوه الخير وسبل البر. أما أرباح البنوك الإسلامية فإن الحكم عليها يختلف باختلاف ما يجرى فيها، فإن كان فيها لجان شرعية معروفة بالعلم والورع والمراقبة الصارمة فلصاحب المال تملكها والتصرف فيها كيف يشاء، أما إذا كانت الرقابة الشرعية غير دقيقة أومتهاونة بحيث يتم في البنك المسمى بالإسلامي ما يتم في البنك الربوي، كان حكم الفوائد فيهما واحداً وهو الحرمة، وننبه السائل إلى أنه لا يجوز لمكتسب الفوائد المحرمة أن ينتفع بها، بل يجب عليه إنفاقها كما بينا، إلا إذا كان فقيراً محتاجاً فإنه يجوز له أن يأخذ منها بقدر حاجته لا أكثر، قال الإمام النووي نقلاً عن الغزالي في معرض كلامه عن التصرف في المال الحرام: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أول من يتصدق عليه . اهـ. وما ذكرناه ينطبق على ما إذا أنفقت هذا المال في مصلحة الغاز والكهرباء، إذ لا يجوز لك إن كنت غنياً أن تنتفع بهما، ولكن يجب عليك التصدق بقدر حصتك من تكاليف إدخال الغاز والكهرباء، أما إذا كنت فقيراً فلا مانع من الانتفاع بهما، وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2489 ، 1220 ، 7500 ، 1986 . والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 62645 حكم صرف فوائد البنك للبنت المتزوجة
تاريخ الفتوى : 21 ربيع الثاني 1426
السؤال
فوائد البنك هل يمكن لأم أن تعطي فوائد البنك لابنتها مع العلم أنها متزوجة ولها أولاد ولكن الزوج تركها في بيت أمها منذ أكثر من عام ونصف لا يصرف عليها ولا على أولادها ؟ وما هي الطريقة للتخلص من هذه الأموال؟ وما حكم هذا الزوج الذي ترك زوجته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفقة هذه الزوجة ونفقة أولادها واجبة على الزوج. قال تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 233} ولا يحل للزوج تضييع قوت زوجته وأولاده، فإن فعل فقد ارتكب إثما عظيما، وفي الحديث: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت . رواه أبو داود .
هذا، وإذا أنفقت الأم على ابنتها المتزوجة وأولادها فإن كان ذلك على سبيل القرض فإن لها أن تعود بما أنفقت على الزوج وتطالبه بالسداد وترفع أمره إلى القضاء ليلزمه بالواجب عليه تجاه زوجته وولده.
وأما فوائد البنوك الربوية فإنها مال خبيث يجب صرفه في مصالح المسلمين العامة ومنها صرفه للفقراء والمساكين المحتاجين، فإذا كانت هذه البنت وأبناؤها فقراء محتاجين فلا مانع من دفع الفوائد إليهم، ويجب سحب رأس المال من البنوك الربوية فورا.والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 64605 استثمار مال بنسبة محددة لا تحتمل الربح أو الخسارة عين الربا
تاريخ الفتوى : 05 جمادي الثانية 1426
السؤال
أشكر القائمين على هذا الموقع لأني لم أتوقع أن تكون الإجابة على سؤالي بهذه السرعة جعلكم الله من أهل الجنة بإذن الله.
1- ما الفرق بين فوائد البنوك وفوائد البوسطة؟
2- إذا أعطيت شخصا مالي ليدخله في أحد مشروعاته وحدد لي نسبة فوائد ثابتة ولتكن 10 % لكل 1000 جنيه ولا أتاثر بنجاح أو فشل المشروع أي إذا زاد ربحه هو أو خسر المشروع فإن نسبتي تكون كما هي فهل هذا نوع من أنواع الربا؟
وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فوائد البنوك هي نفسها فوائد البوسطة من حيث الحكم، ولا فرق لأن المال في الجهتين يعتبر قرضاً مشروطاً بفائدة، وراجع الفتوى رقم: 5942 .
وبالنسبة لجواب السؤال الثاني، فلا شك أن استثمار مالك عند شخص واشتراط نسبة لا تتأثر بربح أو خسارة هو عين الربا، فكأنك أقرضته مبلغاً مضموناً تأخذ عليه فائدة، وهذا ما يفعله من يضع ماله في البنك الربوي.
وراجع في المضاربة الشرعية وضوابطها الفتوى رقم: 50252 .
والله أعلم.المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 67070 الاقتراض بالربا لسداد الدين
تاريخ الفتوى : 10 شعبان 1426
السؤال
ترتبت علي ديون أسأل الله أن يقضيها وليس في بلدي بنوك إسلامية أقترض منها رغم أنني موظف وأستطيع أن أسدد الدين على أقساط الأمر الذي لم يقبل به الدائن. أرشدوني لما يرضي الله في حالتي هذه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك الاقتراض بفائدة ربوية ولو كان لسداد الدين، وذلك لحرمة التعامل بالربا أخذاَ وإعطاء، وهذا أمر لا شك فيه ولا حاجة للاستدلال عليه، وفوائد البنوك الربوية هي الربا المحرم.
والواجب على دائنك في حالة إعسارك أن ينظرك إلى ميسرة، كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة: 280}.(7/33)
فإن لم ينظرك ولم تخش منه ضرراً في نفسك أو أهلك، فعليك بالصبر عليه في مطالبته لك حتى يقضي الله تعالى عنك.
أما إذا كان تأخرك في السداد مع عدم إنظاره لك سيتسبب لك في ضرر محقق كالسجن ونحوه، فلا مانع حينئذ من الاقتراض بالربا لسداد الديون إذا لم تجد وسيلة مباحة غيرها، وذلك لقول الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}.
وقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة: 173}.
والله أعلم.المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 75300 مناقشة القائلين بجواز تحديد الربح مقدما
تاريخ الفتوى : 16 جمادي الأولى 1427
السؤال
فى الكتاب المرفق بمجلة الأزهر عدد ربيع الأخر 1427هـ جاء فيه فتوى للشيخ محمد عبده نقلها الشيخ محمد رشيد رضا حول فوائد البنوك قال فيها ( والخلاصة أن تحديد الربح مقدما للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها حلال ولا شبهة في هذه المعاملة فهي من قبيل المصالح المرسلة وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها) فنرجو توضيح ذلك وبيان أين الحق وسط خضم خلاف العلماء حول فوائد البنوك وكلهم من العلماء ذوي المكانة العلمية المرموقة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود بتحديد الربح مقدما في المضاربة هو تحديد مبلغ محدد لا نسبة شائعة من الربح كالنصف أو الربع أو الثلث ...إلخ فإن هذا لا يجوز إجماعا؛ كما نقل ذلك الإمام ابن المنذر فقال: أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة اهـ. وإذا صح الإجماع فلا عبرة بمخالفه مهما بلغ من العلم, بل يحرم عليه مخالفته, فإنه كما تقرر أن إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. كما أن هذه المسألة ليست من المصالح المرسلة والتي تعني فيما تعني ما أرسل الشرع حكمها فلم يأت فيه ما يحلها أو يحرمها. فهذه المسألة قد ثبت الإجماع على تحريمها, ولا يخفى أن الإجماع إذا ثبت أنه من الأدلة الشرعية.
هذا وعلى فرض أن تحديد الربح مقدما مصلحة فهي مصلحة ملغاه ألغاها الشرع. فقد يكون فيما نهى الله عنه شيء من المصالح فتلغى هذه المصالح لغلبة المفاسد كمصالح الخمر والميسر ونحوهما , وللاطلاع على فتاوى الأزهر في مسألة فوائد البنوك نرجو مراجعة الفتوى رقم: 28960 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب السابع ... 2
فوائد البنوك ... 2
وفي فتاوى الأزهر :الموضوع (1249) ربا النسيئة. ... 2
الموضوع (1252) عائد شهادات الاستثمار ... 6
الموضوع (1255) التعامل مع البنوك بفائدة محرم شرعا ... 8
الموضوع (1256) شهادات الاستثمار. ... 9
الموضوع (1257) الأموال المودعة فى البنوك وبنك فيصل الإسلامى. ... 10
الموضوع (1258) ايداع الأموال فى البنوك بدون فائدة مباح. ... 11
الموضوع (1259) شهادات الاستثمار والعائد منها والزكاة فيه ... 13
الموضوع (1260) نقص قيمة الشهادات مع أرباحها عن قيمتها لا يحل الفائدة ... 15
الموضوع (1263) تحديد فوائد التجارة. ... 18
الموضوع (1301) القرض بفائدة حرام شرعا ... 19
الموضوع (1303) الفوائد وتعليق الصور فى المنازل ... 21
الموضوع ( 615 ) الدين بفائدة محرم شرعا. ... 22
الموضوع ( 617 ) فوائد السندات محرمة. ... 23
الموضوع ( 618 ) التصدق بالفوائد المحرمة غير جائز. ... 23
الموضوع ( 620) الاعانة فى عمل الريا محرمة شرعا. ... 25
الموضوع ( 621 ) استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم. ... 26
طواف الافاضة والمبيت بمنى ... 27
تنظيم النسل وفوائد البنوك المحددة ... 30
حكم فوائد البنوك وشهادات الاستثمار ... 36
فوائد البنوك ... 39
فوائد البنوك. ... 43
فوائد البنوك. ... 45
ربا المصارف : ... 49
الفوائد في قوانين الدول العربية : ... 51
أحكام التعامل مع المصارف الإسلامية ... 60
هل التعامل مع المصارف الإسلامية حلال أو حرام؟ ... 68
حكم فوائد الوديعة وشهادة الاستثمار ... 69
رقم الفتوى 2639 حكم فوائد البنوك وهل تخرج عنها الزكاة؟ ... 71
رقم الفتوى 3272 لا يتغير الحلال والحرام بتغير الزمان ... 72
رقم الفتوى 5773 لا يجوز إيداع المال في بنك ربوي؛ وإن تخلصت من الربا. ... 73
رقم الفتوى 7036 تحسب كمية الربا وتنفق في أوجه البر ... 75
رقم الفتوى 7500 فوائد البنوك المستفادة من طريق ربوية حرام ... 76
رقم الفتوى 8114 لا وجه للمقارنة بين أرباح البنوك الإسلامية وفوائد البنوك الربوية ... 77
رقم الفتوى 8329 حكم سداد إيجار الشقة من الفوائد ... 79
رقم الفتوى 9695 حكم التخلص من الربا عن طريق المؤسسات الخيرية ... 80
رقم الفتوى 12995 حكم صرف الفوائد كإيجار للمسجد ... 80
رقم الفتوى 12999 حكم صوم آكل الربا ... 81
رقم الفتوى 15131 الفوائد المصرفية ليست حراماً كلها ... 82
رقم الفتوى 16212 غبار الربا...هل أصاب رواتب الموظفين ... 83
رقم الفتوى 16604 فوائد البنوك لا زكاة فيها ... 85
رقم الفتوى 17806 لا يجوز الإهداء والهبة من الفوائد ... 85
رقم الفتوى 18184 لا يلزم إخراج مبلغ معين كل شهر زكاة من الراتب ... 86
رقم الفتوى 19205 كيف التصرف بالمال المكتسب من القمار ... 88
رقم الفتوى 21510 فوائد البنوك من المحرمات الغليظة ... 89
رقم الفتوى 22230 الفوائد المباحة والفوائد المحرمة ... 90
رقم الفتوى 23869 كيف تنمي مالك؟ ... 91
رقم الفتوى 25521 حكم دفع الفوائد للأخت الفقرة ... 92
رقم الفتوى 26154 ضيق ذات اليد هل يبيح التعامل بشهادات الاستثمار ... 93
رقم الفتوى 26616 هل يجوز التعامل مع البنك فيصل الإسلامي ... 95
رقم الفتوى 27554 لا مانع من شراء كتب لطلاب العلم للتخلص من الفوائد ... 96
رقم الفتوى 28330 العمل بتقييد حسابات شركة لها تعلق بالمعاملات الربوية ... 97
رقم الفتوى 28960 الحرام لا يصير مباحاً بفتوى ... 100
رقم الفتوى 29433 لا عبرة لقول من خالف الكتاب والسنة والإجماع . ... 101
رقم الفتوى 29440 البنوك التي تضارب في الأموال مضاربة شرعية أرباحها حلال . ... 102
رقم الفتوى 30543 الحرام لا يصير مباحاً بفتوى ... 103
رقم الفتوى 33082 البنوك الإسلامية هي التي تلتزم بأحكام الشريعة في معاملاتها ... 105
رقم الفتوى 33523 فوائد البنوك ربا وإن سماها الناس فوائد ... 106
رقم الفتوى 34285 حكم دفع الجمارك من الفوائد الربوية ... 107
رقم الفتوى 34993 هدية صاحب المال الحرام أو المختلط ... 107
رقم الفتوى 35037 الزكاة نقص في الظاهر وبركة ونماء ودفع ضر ... 108
رقم الفتوى 35196 علة تحريم الفوائد كونها مستفادة بعقد ربوي ... 110
رقم الفتوى 35474 لا بأس بإعطاء الإخوة الفقراء من الفوائد ... 110
رقم الفتوى 36269 حكم دفع الفوائد الربوية لدفع ظلم مالي ... 112
رقم الفتوى 36682 لا دليل في حديث صخرة الغار على إباحة الربا ... 113
رقم الفتوى 38716 يريد أن يعطي خطيبته اليتيمة فوائد بنكية ... 114
رقم الفتوى 44437 فتوى شيخ الأزهر بشأن فوائد البنوك لا تبيح ما حرم الله ... 115
رقم الفتوى 45513 قول الشيخ الألباني رحمه الله في فوائد البنوك ... 116(7/34)
رقم الفتوى 46053 هل يعطي الأب ابنه من الفوائد ... 117
رقم الفتوى 48059 حكم الفوائد المركبة وغيرها ... 119
رقم الفتوى 48442 حكم العمل في حراسة الشركات الأجنبية ... 119
رقم الفتوى 48983 الاحتيال لأجل الحصول على ميراث المسلم من بلاد الكفر، ولمن يؤول ... 122
رقم الفتوى 49918 تعقيب على من يفتي بجواز شراء المنازل بالربا في دار الكفر ... 123
رقم الفتوى 50816 مسائل تتعلق بأعمال الجمعيات الخيرية ... 126
رقم الفتوى 52879 تؤخذ الفوائد مع الإنكار وتصرف في المصالح العامة ... 133
رقم الفتوى 54028 ماهية الحرب من الله ورسوله لآكل الربا ... 133
رقم الفتوى 54469 البنوك الإسلامية في مصر وحكم شهادات الاستثمار للضرورة ... 135
رقم الفتوى 55407 ارتفاع الدولار وانخفاضه لا يغير من جريان أحكام الربا عليه ... 137
رقم الفتوى 57393 العمل في البنك الإفريقي للتنمية ... 142
رقم الفتوى 58307 فوائد البنوك هي الربا الصريح الذي نهى عنه القرآن ... 143
رقم الفتوى 58413 التعامل مع المصارف الربوية ... 146
رقم الفتوى 59399 الربا من أسباب محق المال ... 147
رقم الفتوى 61384 دفع الفوائد للأخ المدين وإنفاقها في المنفعة العامة ... 149
رقم الفتوى 62645 حكم صرف فوائد البنك للبنت المتزوجة ... 150
رقم الفتوى 64605 استثمار مال بنسبة محددة لا تحتمل الربح أو الخسارة عين الربا ... 151
رقم الفتوى 67070 الاقتراض بالربا لسداد الدين ... 152
رقم الفتوى 75300 مناقشة القائلين بجواز تحديد الربح مقدما ... 153(7/35)
المفصل في أحكام الربا (8)
الباب الثامن
شهادات الاستثمار
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثامن - شهادات الاستثمار
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 44)
رقم الفتوى 1092 إذا كان البنك ربوياً فشهادات الاستثمار فيه حرام
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
ما حكم الشرع فى شهادات استثمار البنوك وجوائزها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : حكم شهادات استثمار البنوك وجوائزها تابع للبنك نفسه فإن كان البنك ربويا يتعامل بالربا فكل شيء يستفاد منه يكون حراما فالتعامل مع البنك الربوي عمل غير صحيح. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لعن الله جل وعلا آكل الربا وموكله وشاهديه" وقال:"هم سواء" فلا يجوز الأخذ منهم بأي شكل من الأشكال. وكذلك أخذ الجوائز منهم غير جائز لأن كل مال حرام لا يجوز الاستفادة منه. يقول الله جل وعلا :" : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ). [ البقرة : 278-279] . والله أعلم .
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 1220 حكم فوائد الوديعة وشهادة الاستثمار
تاريخ الفتوى : 03 ذو الحجة 1424
السؤال
هل يجوز أخذ فوائد البنوك على الودائع وشهادات الاستثمار؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله الربا، وجعل آكله محاربا لله ملعونا مطرودا من رحمة الله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) [البقرة: 278، 279]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وقال: هم سواء"روه مسلم. وعنه صلى الله عليه وسلم: "الربا سبعون بابا أيسرها نكاح الرجل أمه" قال في كنز العمال: سنده صحيح.
واستناداً لما تقدم فإنه لا يجوز لمسلم أن يضع أمواله في بنوك ربوية إلا أن يكون مضطرا لذلك، كأن لا يوجد في بلده مصارف إسلامية ويخشى على أمواله الضياع والهلكة أو أن يكون له مرتب أو مستحقات لا يمكنه استلامها إلا من خلال البنك، فيضطر إلى فتح حساب في البنك الربوي، ففي هذه الحالة يجوز له ذلك لكن يجب عليه أن يفتح حساباً جارياً بغير فوائد، فإن كان نظام البنك لا يسمح إلا بصرف فائدة على كل حساب، فحينئذ له أن يأخذ هذه الفوائد، لكن يأخذها ولا يتمولها، بمعنى لا ينفقها على نفسه ولا على عياله، بل ينفقها على الفقراء والمحتاجين، أو المصالح العامة، لا على سبيل الصدقة، ولكن على سبيل التخلص من المال الحرام.
وأما شهادات الاستثمار، فحكمها حكم الودائع لا يجوز شراؤها من البنوك الربوية، ولا فرق بين أنواعها: أ، ب، ج، ..الخ مادام رأس المال مضموناً من قبل البنك، وموضوع الاستثمار هو ما جرت عادة البنك الربوي بالاستثمار فيه وهو: الإقراض والاقتراض بالفائدة. وعلى هذا فالواجب على المسلم التخلص من هذه الشهادات فلايأخذ إلا رأس ماله فقط، أما ما زاد على ذلك فلا ينتفع به، بل يصرفه في مصالح المسلمين مثلما تقدم بشأن الفائدة. قال تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) [البقرة: 279]. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 1873 لا يجوز استثمار المال في البنك الربوي
تاريخ الفتوى : 18 جمادي الأولى 1422
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بعد التحيه أرجو من سيادتكم التفضل بالإجابة عن ما إذا كانت شهادات الاستثمار بالبنوك والتى لاتزيد قيمتها مع الوقت أي بدون فائدة ولكن يتم عمل سحب على أرقامها ومنح الفائز جائزة مالية تختلف قيمتها حسب ترتيب الفائزين. هل هي حلال أم حرام؟ وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيشترط لجواز الاستثمار في البنوك وغيرها:
1. أن تستثمر الأموال في أعمال مباحة، كإقامة المشاريع النافعة وبناء المساكن وغير ذلك. ولا يجوز استثمار المال في بناء بنوك الربا أو دور السينما أو شواطئ السباحة المختلطة ونحوها، ولا أن يستخدم المال لإقراض المحتاجين بالربا. وعليه فلابد من معرفة النشاط الذي يزاوله البنك في عملية الاستثمار.
2. عدم ضمان رأس المال. بأن تكون الشهادة معرضة للربح والخسارة، فإذا كان رأس ماله مضموناً وليس هناك احتمال لخسارته، فهذا عقد قرض في الحقيقة وما جاء منه من جوائز أو فوائد يعتبر ربا محضا.
3. كما يشترط في عقد المضاربة والشركة أن يكون الربح محدداً متفقا عليه في البداية، لكنه يحدد كنسبة شائعة من الربح وليس من رأس المال، فمثلاً: يتفق الطرفان على أن لأحدهما الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، وليس من رأس المال. ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولاً غير محدد، كما هو الحال في هذا النوع من الشهادات محل السؤال.
4. وينبغي أن يعلم أن البنوك التي لا تتبع الطريقة الإسلامية في الاستثمار والمضاربة تحدد فائدة ربوية على قيمة الشهادات ابتداء، ثم منهم من يصرح بالفائدة ويوزعها بعد ستة أشهر أو ثلاثة أو غير ذلك، ومنهم من يخفي ذلك ويوزعها بالقرعة على بعض المستثمرين، وهذا أسوأ من الأول، لأنه جمع بين الربا والقمار. والحاصل أن هذه الشهادات التي لا يعلم الوجه الذي تستثمر فيه ولم يحدد فيها ربح معلوم، ليست من صور الاستثمار الجائزة، بل هي قرض، وما ترتب عليه من فائدة هو عين الربا. وقانا الله وإياكم شر الربا وخطره.
والله تعالى أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 1890 جوائز الأموال المودعة دون فوائد
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
ما حكم الإسلام في المال المكتسب عن طريق السحوبات البنكية، علماً بأن الشخص يدخل السحب اذا أودع مبلغاً من المال في البنك وهذا المال المودع بدون فوائد. وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: هذه المسألة مسألة السحوبات سواءً كانت من بنكٍ أو غيره قد تكلم فيها أهل العلم وبينوا أنها من الميسر المحرم عافانا الله. فكيف إذا اجتمع إلى هذا الفعل كونه من بنك ربوى فقد اجتمع فيها أمران أمر السحب وأمر مشاركة البنوك الربوية في معاملاتها. ثم أعلم أخي الموفق أنه قد يظن أنه ما دام واضعاً ماله في بنك ربوي ولا يأخذ عليه فوائد أنه سالم من العقوبة والإثم. وليس الأمر كذلك بل إن مجرد وضع المال في مثل هذه البنوك يعتبر تعاوناً معهم على الإثم والله جل وعلا يقول: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". [ المائدة:2]ومن أشد الآثام وأكبرها الربا نسأل الله السلامة فلتجتنب أخي السائل الكريم المعاملة مع البنوك الربوية في أي صورة كانت سواءً كانت إيداعاً أو سحباً أو غير ذلك ومن يتق الله يجعل له مخرجاً نسأل الله أن يكفينا وإياك بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه. والله الموفق.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 5942 حكم دفتر التوفير
تاريخ الفتوى : 06 شوال 1421
السؤال
ما هو حكم الشرع في وضع الأموال في البوستة (البريد) هل هذا ربا؟ مع الشرح المفصل وشكراً.
الفتوى(8/1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم وضع المال في حساب ما يسمى بدفتر التوفير، لأن ذلك يعد من قبيل الربا المحرم، حيث يقطع لصاحب المبلغ المودع نسبة معلومة تضاف إلى رأس المال، وهذا هو عين الربا، ويزيد على ذلك أن البريد يضع أموال مودعيه في البنوك الربوية فيأخذ عليها نسبة معلومة، ومن هذه النسبة يوزع جزءاً على المودعين، ويحجز الباقي لحسابه لأنه لا يجازف بالاستثمار، فيفضل وضعها في بنك تجاري. ولو فرض أنه يستثمر الأموال المودعة فيحرم استقطاع مبلغ معلوم على رأس المال.
إذا تبين ذلك فعلى المسلم أن يتجنب التعامل مع دفاتر التوفير والبنوك الربوية، ويبحث عما أحل الله له. فقد توعد الله آكل الربا بالحرب. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمون) [البقرة: 278، 279].
وقال صلى الله عليه وسلم : "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية" رواه أحمد.
وروى مسلم من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء" يعني في الإثم. والأحاديث في بيان الوعيد على التعامل بالربا وعقوبة آكله كثيرة جداً. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
رقم الفتوى 6013 معنى ( شهادات الاستثمار) وحكم الاستثمار فيها.
تاريخ الفتوى : 14 جمادي الثانية 1422
السؤال
ما مشروعية عائد شهادات الاستثمار للبنك الأهلي المصري السنوي أو الشهري؟
وإني وضعت نقودي في أحد البنوك الغربية في الولايات المتحده التي تعطيني عائداً شهريا أيضا ..
فما مشروعية هذا العائد.
مع جزيل الشكر وبارك الله فيكم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فشهادات الاستثمار التي يصدرها البنك الأهلي المصري (ومثلها شهادات الادخار بالنقد الأجنبي التي يصدرها بنك مصر بالدولار الأمريكي) يجدر بنا أن نعرِّف بها قبل الحكم عليها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. فشهادة الاستثمار هي الورقة التي تثبت الحق في المبلغ المودع لدى المصرف، والتي تخضع لنظام القرض وللنظم والقوانين الخاصة بها. وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:
الأول: شهادات ذات القيمة المتزايدة ومدتها عشر سنوات، وتستحق فوائدها كل ستة أشهر، ولكن لا يحصل صاحب الشهادة على فوائدها أولا فأول، وإنما تضاف إلى أصل قيمة الشهادة إلى أن تنتهي مدتها، ويحق لصاحب الشهادة استرداد قيمتها بعد مضي خمسة أشهر، وإذا تركها إلى نهاية المدة فإنه يأخذها مضافا إليها الفوائد المركبة التي استحقت على هذه الشهادة.
الثاني: شهادات ذات عائد جار، ومدتها عشر سنوات أيضا، ويتحصل صاحبها على الفوائد المستحقة كل ستة أشهر أولا فأول، وتظل قيمة الشهادة ثابتة كما هي إلى نهاية المدة التي تبقى فيها.
الثالث: شهادات ذات جوائز وهي ما يعرف بالمجموعة (ج) ونظراً لانخفاض قيمة هذه الشهادة يلجأ إليها كثير من الناس الذين لا يجدون أي إغراء في سعر الفائدة على المجموعتين: (أ) (ب) لضآلة مدخراتهم، وصاحب هذه الشهادة لا يحصل على فوائد دورية، ولا على فوائد في نهاية مدتها ـ وهي عشر سنوات أيضا ـ وإنما تحتسب الفائدة المستحقة على جملة رصيد المدخرات لمجموع هذه الفوائد الموظفة بما يتداول لدى الأشخاص - كل ربع سنة مثلا- ويجري سحب علني بالقرعة على أرقام الشهادات، ويصرف لأصحاب الشهادات الفائزة جوائز سخية. وهذا النوع الأخير من الميسر المحرم ولا شك في ذلك، مع اشتماله على الربا أيضا ، وهو ليس محل السؤال.
وأما النوعان الأولان ـ وهما محل السؤال ـ فإن المدخِر يدفع نقوداً للمصرف على أن يسترد نقوده التي دفعها للمصرف مضافاً إليها ما استحقه من فوائد خلال مدة بقائها لدى البنك، وأقرب العقود لهذه المعاملة هو عقد القرض، والقرض: هو إعطاء مال إلى من ينتفع به ثم يرد بدله. فإذا كيفت شهادات الاستثمار (ذات القيمة المتزايدة وذات العائد الجاري) على أنها قرض فلا يعتبر الربح الذي يأخذه صاحب هذه الشهادات إلا فائدة له، والفوائد التي يأخذها المقرض زيادة على رأس المال تعتبر ربا يدخل تحت قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) [البقرة: 275] وعن جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء" يعني في الإثم. رواه مسلم.
وأما القول بأن شهادات الاستثمار هذه هي من قبيل شركة المضاربة الشرعية، بدعوى أن المضاربة عقد يقدم فيه أحد الطرفين المتعاقدين المال، والثاني العمل على أن يكونا شريكين في الربح على ما شرطا. وشهادات الاستثمار هذه قدم فيها صاحبها المال على أن يسترده ويأخذ ربحا زيادة عليه، لأنه يحتمل أن الحكومة ستعمل في هذا المال أي عمل من الأعمال المربحة، كالتجارة أو الصناعة أو الزراعة، ثم يعطيه جزءاً من الربح فهذا غير صحيح، لأننا لو افترضنا أنها مضاربة كانت فاسدة محرمة، والربح المستفاد منها محرم لأن الربح المتفق عليه في شهادات الاستثمار ربح محدد سلفا وغير مشاع، إذ من شروط المضاربة الصحيحة أن يكون الربح شائعاً بين المضارب ورب المال، بمعنى أن لا يشترط لأحدهما جزء معلوم من الربح، وهذا الشرط نص عليه جميع الفقهاء من المذاهب الأربعة المعتمدة.
وعللوا ذلك بأن المقصود من المضاربة هو: الشركة في الربح، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يكون نصيب كل واحد منهما مشاعاً من ربح رأس المال، كنصف الربح أو ثلثه أو ربعه ونحو ذلك. فإذا شُرط لأحدهما مقدار مقطوع من الربح، أو نسبة معلومة من رأس المال فإن المضاربة غير صحيحة، والبنوك لا تجازف بالمال المدخر لديها بعمل مشروعات قد تربح وقد تخسر، فتلجأ غالباً إلى إقراض المال الذي لديها من المودعين والمدخرين للشركات الكبرى والمشروعات الحديثة بفائدة مرتفعة، ثم تعطي المودعين جزءاً منها وتأخذ الباقي. ولا شك في حرمة هذا التعامل لكل ذي بصيرة يخشى الله تعالى . وبهذا التقرير يظهر للسائل حرمة ما يأخذه من العوائد الشهرية على نقوده التي وضعها في أحد المصارف الأمريكية، وأنها من الربا الصريح.
ولمزيد من التفصيل في موضوع الاستثمار من الوجهة الشرعية يرجع إلى كتاب الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة للدكتور على السالسوس وكتاب أحكام الأسواق المالية للدكتور محمد صبري هارون. والله تعالى أعلم
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 6756 شراء الأوراق من البنوك للدخول في السحب غير جائز
تاريخ الفتوى : 29 شوال 1421
السؤال
هل حلال أم حرام إذا قمت بدفع 1000 درهم لشراء ورقة من البنك وهذه الورقة بها رقم أحتفظ بهذه الورقة لدي وبعد مرور أربعة أشهر أدخل سحبا أسبوعيا وشهريا وإذا فاز رقمي تكون الجائزة عبارة عن مبلغ من المال ولي الحق في أي وقت أن أسترجع قيمة الورقة التي عبارة عن 1000 درهم وهذا ما يسمى بشهادة الادخار؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحقيقة هذه المعاملة أنها قرض ربوي أضيف إليه القمار المحرم.
وبيان ذلك: أن المضاربة إذا شرط فيها ضمان رأس المال لصاحبه خرجت عن كونها مضاربة، وصارت قرضا.
والمقرر عند جماهير الفقهاء أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا.(8/2)
فشهادة الادخار أو الاستثمار التي يضمن فيها رأس المال لصاحبها لها حالتان:
الأولى: أن يعود هذا القرض على صاحبه بشيء من المال الثابت الذي يؤخذ في نهاية المدة، كما هو الحال في شهادة الاستثمار من النوع (أ)، أو يؤخذ أولاً بأول كما هو الحال في شهادات الاستثمار ذات العائد الجاري من النوع (ب).
الثاني: أن يقوم البنك بجمع الفائدة الربوية المستحقة للمقرضين وعدم توزيعها عليهم واحداً واحداً.
وإنما يقسمها إلى مبالغ مختلفة لتشمل عدداً أقل بكثير جداً من عدد المقرضين، ثم يوزع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة (السحب).
وفي هذا يقول الدكتور علي السالوس (وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئاً. فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيب مجموعة كبيرة غيره، والثاني ذهب نصيبه لغيره، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون، يخرج هذا فرحاً بما أصاب، ويحزن ذاك لما فاته، وهكذا في انتظار مرة تالية. أليس هذا هو القمار؟! فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا).انتهى من كتاب: معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام ص 38.
وعليه فلا يجوز المشاركة في هذا الاستثمار والادخار المحرم. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 8285 تحويل مكافأة نهاية الخدمة إلى سندات لا يجوز
تاريخ الفتوى : 29 صفر 1422
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أعمل منذ خمس سنوات فى إحدى شركات القطاع الخاص وتركت العمل ولم أحصل على مكافأة نهاية الخدمة، وبعد مرور أربع سنوات ( منذ سنة ) علمت من الموظف المسئول عن الخزينة هناك أن الشركة قد اشترت بعض السندات باسم بعض الموظفين ومنهم أنا لغرض التكريم ( كما يقول )، وإن السند قد استحق كوبونات أوأرباحاً ، كما استفسرت عن إمكانية بيع هذا السند وأن أحصل على قيمته، ولكن عنده تعليمات بعدم بيع السند بل تسليمى قيمة الكوبونات المستحقة سنويا فقط .
فهل قيمة الكوبونات المستحقة هذه حلال أم حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كنت لم تحصل على مكافئة نهاية الخدمة فيمكنك مطالبة الشركة بذلك، وأن تعطيك المبلغ نقداً بعيداً عن السندات أو الكوبونات الخاصة بها؛ إذا كانوا يريدون تكريمك حقاً - كما يقولون-، لأن شراء السندات لا يجوز. وقد تقدم جواب مفصل بخصوص ذلك نحيلك عليه للفائدة وعدم التكرار وهو برقم: 2699
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 8557 زكاة شهادات الاستثمار عن رأس المال والربح
تاريخ الفتوى : 15 ربيع الأول 1422
السؤال
ما هو رأي الدين في استخراج الزكاة على شهادات الاستثمار الموضوعة بالبنوك؟
هناك رأي يعتبر أنها أصول حيث أن صاحبها يعيش على أرباحها
وبالتالي تتخرج الزكاة على الأرباح .
ماهو الرأي الصحيح --أفادكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان استثمارك في بنك تنضبط معاملاته بأحكام الشريعة، فالواجب إخراج الزكاة عن رأس المال وربحه.
وإذا كان استثمارك في بنك ربوي، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وقطع هذه الاستثمار والتخلص من الأرباح الربوية بدفعها إلى الفقراء والمساكين، ولا زكاة إلا على رأس المال الحلال.
وقد سبق بيان حكم شهادات الاستثمار وأنواعها تحت الفتوى رقم 6013 6756
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 8558 طريقة إخراج الزكاة عن شهادات الاستثمار
تاريخ الفتوى : 15 ربيع الأول 1422
السؤال
ما هو رأي الدين في استخراج الزكاة على شهادات الاستثمار الموضوعة بالبنوك؟
هناك رأي يعتبر أنها أصول حيث أن صاحبها يعيش على أرباحها
وبالتالي تتخرج الزكاة على الأرباح .
ماهو الرأي الصحيح --أفادكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان استثمارك في بنك تنضبط معاملاته بأحكام الشريعة، فالواجب إخراج الزكاة عن رأس المال وربحه.
وإذا كان استثمارك في بنك ربوي، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وقطع هذه الاستثمار والتخلص من الأرباح الربوية بدفعها إلى الفقراء والمساكين، ولا زكاة إلا على رأس المال الحلال.
وقد سبق بيان حكم شهادات الاستثمار وأنواعها تحت الفتوى رقم 6013 6756
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============
رقم الفتوى 9204 الأرملة كغيرها في حرمة التعامل بالربا
تاريخ الفتوى : 25 ربيع الثاني 1422
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد رأى يقول إن الفوائد من شهادات الاستثمار أو الودائع في البنوك يشوبها الحرام ولقد سمعت مؤخراً أنه يجوز للأرملة التى لا عائل لها ولا ولد ولا إخوة أن تتعامل مع هذه المعاملات فى البنوك دون أى شبهه.. فما رأى الدين فى ذلك؟ أفيدونا أفادكم الله وأثابكم عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفوائد المستفادة من شهادات الاستثمار والودائع، المودعة في البنوك الربوية حرام لا شك في ذلك. وهذا الحكم لا فرق فيه بين الأرملة التي لا عائل لها، ولا ولد، ولا إخوة، وبين غيرها، فلا يجوز لها التعامل مع البنوك الربوية استثماراً أو إيداعاً، إلا إذا كانت مضطرة لذلك وانطبقت عليها حدود الضرورة التي تبيح المحظور. وقد سبق جواب مفصل بخصوص ذلك نحيلك عليه رغبة في عدم التكرار وهو برقم 6501
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============
رقم الفتوى 10092 حكم شهادات الاستثمار وفوائدها
تاريخ الفتوى : 16 جمادي الثانية 1422
السؤال
هل الشهادات الاستثمارية حرام أم حلال؟ أبي أودع لنا أنا وأخوتي كل واحد 1000جنيه منذ 10سنوات فى شهادة استثمارية فئة أ في البنك الأهلى المصري بحيث تتزايد وتصبح حوالى 7000 اآاف جنيه الآن هل هذه النقود حلال أم لا ، ماذا لوكان قد تم صرفها بالفعل؟ وكيف نتصرف بها مع العلم أن أبي عمل ذلك لتعيننا على الزواج عندما نكبر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن صفقات شهادات الاستثمار التي يصدرها هذا البنك وأمثاله من البنوك التي لا تراعي الضوابط الشرعية صفقات محرمة، لا يجوز للمسلم الدخول فيها لما تشتمل عليه من الربا المحض والميسر أحياناً. وراجع الجواب رقم: 6013 ، فإن فيه مزيد تفصيل وبيان.
وعلى ذلك، فعليكم أن تسحبوا أموالكم من هذا البنك مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحاً، ولكم رأس المال الذي دفعه أبوكم فقط، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279].
وأما الفوائد، فليس لكم أن تملكوها، ولكنها تؤخذ من البنك وتصرف في أوجه البر ومصالح المسلمين العامة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
رقم الفتوى 10558 تنفيذ مشروع بطريق السندات لا يجوز
تاريخ الفتوى : 08 رجب 1422
السؤال(8/3)