المفصل في أحكام الربا (4)
الباب الخامس
فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا وأحكامه
(3)
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
رسالة إلى كل تاجر:
"التجار هم الفجار"
* الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
* المعاملات:
** اعلم أن العبادات المقصود منها التحصيل الأخروى , والمعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي...بما يصلح الدنيا للدين وليس لعبادة الدنيا والهوى والشيطان وما يتفرع من عبادة الدينار والدرهم...والبيع أوسع باب من المعاملات...
* فالبيع:
* معناه لغة: فمطلق المبادلة وهو ضد الشراء ويطلق البيع على الشراء أيضا فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة.
* وشرعا: هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي.
* أركانه: إيجاب وقبول.
* شرطه: اهلية المتعاقدين.
* محله: هو المال.
* حكمه: هو ثبوت الملك للمشتري في المبيع وللبائع في الثمن إذا كان تاما وعند الاجازة إذا كان موقوفا.
* حكمته: على ما ذكره الحافظ في الفتح إن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج اهـ.... وقد ذكر العلماء للبيع حكما كثيرة منها اتساع أمور المعاش والبقاء. ومنها اطفاء نار المنازعات والنهب والسرقه والخيانات والحيل المكروهة. ومنها بقاء نظام المعاش وبقاء العالم لان المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل
والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش.(ذكره الشوكانى فى النيل).
* مشروعيته: ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
* أنواع البيوع.
1- فالمطلق ان كان ببيع بالثمن كالثوب بالدراهم.
2- المقايضة بالياء التحتية إن كان عينا بعين كالثوب بالعبد.
3- السلم إن كان بيع الدين بالعين.
4- الصرف إن كان بيع الثمن بالثمن.
5- المرابحة إن كان بالثمن مع زيادة.
6- التولية إن لن يكن مع زيادة.
7- الوضعية إن كان بالنقصان.
8- اللازم إن كان تاما .
9- غير اللازم إن كان بالخيار.
10- الصحيح والباطل والفاسد والمكروه.......... وغير ذلك مما هو مبسوط فى محله...
** التجار هم الفجار:
ثم ان البيع هو عمل التجار لأنه سبيل التجارة ولكن هل تعلم أن النيى صلى الله عليه وسلم قال: إن التجار هم الفجار ...فى المستدرك عن عبد الرحمن بن شبل يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن التجار هم الفجار). قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: (بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون)...وقال هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انظر حديث رقم : 1594 في صحيح الجامع .
* وفى الترمذى كتاب الطلاق واللعان .
باب مَا جَاءَ في التّجّارِ وَتَسْمِيَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِيّاهُم .
* عنْ أبي سَعِيدٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ "التّاجِرُ الصّدُوقُ الأمِينُ، مَعَ النّبِيّينَ والصّدّيِقينَ والشّهَداءِ"....لايصح مرفوعا ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 2499 في ضعيف الجامع .
* وعنْ إسْمَاعِيلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ، عنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّهُ خَرَجَ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلَى المُصَلّى. فَرَأى النّاسَ يَتَبَايَعُونَ فقَالَ "يَا مَعْشَرَ التّجّارِ" فَاسْتَجَابُوا لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ. فقَالَ "إنّ التّجّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجّاراً. إلاّ مَنِ اتّقَى الله وَبَرّ وصَدَقَ".
قوله: (التاجر الصدوق الأمين الخ) أي من تحرى الصدق والأمانة كان في زمرة الأبرار من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين قاله الطيبي....
* وعن ابن عمر: بلفظ التاجر الأمين الصدوق المسلم من الشهداء يوم القيامة.
* وعن أنس بن مالك بلفظ: التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة.
* وعن ابن عباس بلفظ: التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة.
*** فالتجار إما من الأبرار وإما من الفجار!!!!
* فمن اتقى الله بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة من غش وخيانة أي أحسن إلى الناس في تجارته أو قام بطاعة الله وعبادته وصدق أي في يمينه وسائر كلامه...واسمع هذا الحديث المبشر بحب الله: "إن الله تعالى يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء"... . أخرجه الترمذى عن أبي هريرة .( صحيح ) انظر حديث رقم : 1888 في صحيح الجامع ...وفى رواية عند البخارى دعاء من النبى بالرحمة حيث قال:" رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا قضى سمحا إذا اقتضى . أخرجه البخارى عن جابر .....وفى رواية البشرة بالمغفرة حيث يقول:" غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا إذا اقتضى .(أخرجه أحمد) عن جابر ....( صحيح ) انظر حديث رقم : 4162 في صحيح الجامع .
واسمع الى هذه البشرة فى الكسب:" أطيب الكسب عمل الرجل بيده و كل بيع مبرور . ....أخرجه أحمد عن رافع بن خديج .... ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1033 في صحيح الجامع .
* ومن سار على ما كان من ديدن التجار من التدليس في المعاملات والتهالك على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها من المخالفات فى البيع والتجارة حكم عليهم بالفجور، وكانوا من الفجار....
** فأنت أيها التاجر إما من الفجار والعياذ بالله وإما من الأبرار....فلماذا التجار من الفجار أو كادوا أن يكونوا من الفجار...أو كما قال لهم سيد الناس صلى الله عليه وسلم : "إنّ التّجّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجّاراً.... ) لماذا....لماذا؟؟؟
* هل تريد أن تعرف لماذا...نعم لابد أن تعرف...ثم لابد أن تعرف ...فلو عرفت أيها المسلم أيها التاجر لبكيت كثيرا ولضحكت قليلا ...لا بل لن تضحك لأن المصيبة كبيرة والمصاب في الدين عظيم....لقد صرنا بسبب التجارة فجار لماذا... أسمع:
أولا: لأننا نبيع بيوع فيها غرر:
* ففي الحديث عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"..... رواه الجماعة إلا البخاري.
قوله: "وعن بيع الغرر" ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء… ومن جملته بيع الطير في الهواء… وهو مجمع على ذلك والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه.
قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا.
ثانيا: نبيع ما يجوز بيعه وما لا يجوز:
* وقد جاءت النصوص تبين تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية.
* ففى الحديث عن أنس "لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له"... رواه الترمذي وابن ماجة.
* وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ " من حبس العنب أيام القطف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد نقحم النار على بصيرة" حسنه الحافظ في بلوغ المرام...وفى ذلك دليل على تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وتحريم كل بيع أعان على معصية قياسا على ذلك....أسمع!!!
ثالثا: نبيع مالا نملك:
فقد جاءت النصوص بالنهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه.(4/1)
* فعن حكيم بن حزام قال "قلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ياتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك".... رواه الخمسة. ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7206 في صحيح الجامع .
قوله: "ما ليس عندك" أي ماليس في ملكك وقدرتك... ويدل على ذلك معنى عند لغة أنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا.... فمعنى قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم "لا تبع ماليس عندك" أي ماليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك.... وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الأنسان ولا داخلا تحت مقدرته ....قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه...
رابعا: نبيع ما نملك قبل أن نقبضه ونحوزه:
* فالنصوص تنهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه:
* فعن جابر قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه"....... رواه أحمد ومسلم.* وعن أبي هريرة قال "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يشتري الطعام ثم يباع حتى يستوفي".... رواه أحمد ومسلم. ولمسلم "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله".
* وعن حكيم بن حزام قال "قلت يا رسول اللّه أني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم على قال إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه".
رواه أحمد.
* وعن زيد بن ثابت "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".... رواه أبو داود والدارقطني.
خامسا: أننا نبيع لأخر الذي بعناه اولا بسبب الطمع:
* لقد دلت النصوص على المنع من بيع سلعة من رجل ثم من آخر:
* فعن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "أيما إمرأة زوجها وليان فهي للأول منهما وأيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما".رواه الخمسة إلا ابن ماجه لم يذكر فيه فصل النكاح وهو يدل بعمومه على فساد بيع البائع للمبيع وإن كان في مدة الخيار.
سادسا: نستغل جهل المشترى لسعر السوق:
* فعن ابن عمر قال "نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد". رواه البخاري والنسائي.
* وعن جابر "ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض"... رواه الجماعة إلا البخاري.
* وعن أنس قال "نهينا أن يبيع حضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه".
متفق عليه . ولأبي داود والنسائي "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان اباه وأخاه".
* وعن ابن عباس "قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد فقيل لابن عباس ما قوله لا يبع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا".... رواه الجماعة إلا الترمذي.
* والأحاديث تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة.... وقالت الشافعية والحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر.
سابعا: اننا نقع فى النجش وهو محرم...[ المزادات]:
* عن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وان يتناجشوا".
* وعن ابن عمر قال "نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن النجش".
متفق عليهما.
* قوله: "النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة قال في الفتح وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكان ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الأثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك....وقال الشافعي النجش أن تحضر السلعة تباع فيعطى بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه. قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بموطأه البائع أو صنعته.
ثامن: نغرر بالتاجر الذى دخل فى التجارة حديثا:
* فعن ابن مسعود قال "نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع"... متفق عليه.... فيه دليل على أن التلقي محرم.
* وعن أبي هريرة قال نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يتلقى الجلب قال تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق". رواه الجماعة إلا البخاري وفيه دليل على صحة البيع.... وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وازالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه... وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة... والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق اهـ.
تاسعا: نبيع على بيع بعضنا:
* فعن ابن عمر "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا بيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه لا أن يأذن له".
رواه أحمد . وللنسائي "لا بيع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر" وفيه بيان أنه أراد بالبيع الشراء.
* وعن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه". وفي لفظ "لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه".... متفق عليه.
* وعن أنس "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد"... رواه أحمد والترمذي.
قوله: "ولا يسوم" صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو يقول للمالك إسترده لأشتريه منك بأكثر وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك تصريحا فقال في الفتح لا خلاف في التحريم.
العاشرة: نأكل الربا شئنا أم أبينا:
* فقد جاءت النصوص تبين ما يجري فيه الربا...[ بيع الذهب والصرف]:
* عن أبي سعيد قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز".... متفق عليه. وفي لفظ "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء" رواه أحمد والبخاري. وفي لفظ "لاتبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء" رواه أحمد ومسلم.
* وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل". رواه أحمد ومسلم والنسائي.
* وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن".... رواه مسلم والنسائي وأبو داود.
قوله: "الذهب بالذهب" يدخل في الذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش. وقد نقل النووي وغيره الاجماع على ذلك.(4/2)
قوله: "ولا تُشِفوا": الشف بالكسر الزيادة ويطلق على النقص والمراد هنا لا تفضلوا.
قوله: "بناجز" أي لا تبيعوا مؤجلا بحال.... وأخرج الشيخان والنسائي عن أبي المنهال قال سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا. وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال إلا يدا بيد قلت نعم قال فلا بأس....* وعن عمر بن الخطاب قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء والبر بالبر ربا الاهاء وهاء والشعير بالشعير ربا الاهاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء"... متفق عليه.
الحادي عشر: نبيع بالعينة والعياذ بالله:
* عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته "أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب".... رواه الدارقطني.
وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول إما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أيام فلا شك إن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة...
* عن ابن عمر"أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل اللّه أنزل اللّه بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم".
رواه أحمد وأبو داود. ولفظه "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللّه عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"... ( صحيح ) انظر حديث رقم : 423 في صحيح الجامع .....
قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر انتهى.
** وقد انتشرت صورة ربوية تعرف بالرجل المحفظة...يعنى يشتريلك فوري اللي أنت تريده...ويحصل منك قسط...وهذا ربا صريح والعياذ بالله
ثاني عشر: نحتكر البضاعة:
* فعن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد اللّه العدوي "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يحتكر الا خاطئ وكان سعيد يحتكر الزيت". رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
الثالثة عشر: القاصمة الغش وعدم تبيين العيب:
* فقد جاءت النصوص تدل على وجوب تبيين العيب:
* فعن عقبة بن عامر قال "سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له". رواه ابن ماجه.
* وعن واثلة قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يحل لاحد أن يبيع شيئا الا بين مافيه ولا يحل لأحد يعلم ذلك الا بينه"... رواه أحمد.
* وعن أبي هريرة "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مر برجل يبيع طعاما فادخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال من غشنا فليس منا"... رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.
*** فهذا غيض من فيض وبعض الأسباب التي يمكن أن تساعدك على إجابة السؤال ...لماذا التجار هم الفجار...وليكن معلوم أن هذه الصور والأسباب التى ذكرتها هى نسبة قليلة من صور كثيرة للمخالفات التى يقع فيها التجار... وقد تخيرت منها ما هو منتشر وكثير الحدوث بين المتبايعان في التجارات ...وإلا فهناك مخالفات التجارة فى الفاكهة والخضروات , وبيع الحقول والزروع والثمار وبيع الحيوان وصور كثيرة لعل من يسمعنى الأن ...لايقع فيها أو لاتمسه فأردت التنبيه على الضرورى...ولا يظن ظان أن هذا هو بيت القصيد وحسب...لا بل هذه امثلة وسوق التجارة فيه الويلات والويلات...فالربويات ...وحرق البضاعة... والغش التجاري... وضرب الأسعار... والكذب...والتدليس ..والبيع باليمين والحلف...وغير ذلك الكثير..
** أخى المسلم التاجر كن من الأبرار ولاتكن من الفجار...وأدخل الجنة من باب التجارة...وكن كما قال ابن عمر: "كالتاجر الأمين الصدوق المسلم من الشهداء يوم القيامة"....وكما قال ابن عباس بلفظ: "التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة"....اللهم لاتحجبنا عن الجنة ...أمين
*** وأذكر نفسى وإياك بما جاء عن عطية السعدي "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس".
رواه الترمذي...وفى ولفظ "تمام التقوى أن يتقي اللّه حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما".
* وعن أنس قال "ان كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليصيب التمرة فيقول لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها"... متفق عليه....
*** هذا وما توفيقى الا بالله العلى الكبير ...سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
* * وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين * *
جمعه ورتبه وكتبه الفقير
د/ السيد العربى بن كمال
==============
فقه التنمية في الإسلام
أولاً - تعريف التنمية :
- التنمية من (نما)؛ أي زاد وكثر، وهو مصطلح ارتبط في العصر الحديث بالجانب الاقتصادي والمالي والصناعي، وبقي ثابتًا في الذهن ضمن هذه الدائرة فقط..
- وكثيرًا ما تتردد عبارات (التنمية الزراعية، الاقتصادية، الصناعية، والمالية،..).
- أما النظرة الإسلامية لمفهوم التنمية، فتشمل كل جانب من جوانب الحياة؛ لأن الحياة في نظر الإسلام يجب أن تنمو نموًّا متكاملاً متوازنًا مضطردًا؛ لأن عدم النمو يعني التوقف والتخلف والتراجع، ثم الموت.
- ومن هنا كانت نظرة الإسلام إلى التنمية نظرة شاملة كاملة دافعة ومحرضة على تحقيقها.
- ففي القول المأثور من تساوى أمسه ويومه فهو مغبون.
- وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:(لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).
- وجاء في قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا).
- وعنف عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رجلاً بقي في المسجد، وقد انطلق الناس إلى أعمالهم التنموية المختلفة قائلاً: قم، لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
ثانياً- خصائص التنمية في الفقه الإسلامي :
- التنمية المتكاملة: المادية+ المعنوية.
- التنمية المؤسسية: الرسمية + الجماعية. (ضمان حقوق الإنسان) (الناس شركاء)
- التنمية الفردية: كلكم راع+ كل مواطن مسئول وحارس.
- التنمية المتوازنة: للفرد+ للمجتمع+ للمناطق.
- التنمية الوسطية: كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده.
- الأولوية في التنموية: تقديم التنمية الحاجية على الكمالية (غذائية+ طبية+ تعليمية+ أمنية+ بيئية).
ثالثاً - جوانب التنمية في الإسلام :
1- التنمية العلمية:
- الإسلام يُعنى بالتنمية العلمية عناية فائقة؛ لأن العلم هو الباب الأوسع إلى الإيمان، وإلى معرفة سنن الله تعالى، وإلى التفكير في خلق السموات والأرض، وإلى أعطاء الله حق قدره، ومن قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 28).
- ومن هنا قول الرسول الأعظم- صلى الله عليه وسلم-: (العلماء ورثة الأنبياء)، وقوله أيضاً:( فضل العالم على العابد كفضل الشمس والقمر).
- ومن الشواهد القرآنية التي تحض على التنمية العلمية:(4/3)
- قوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).
- وقوله سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).
- وقوله عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9).
- وقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 28).
- ومن الشواهد النبوية التي تحض على التنمية العلمية:
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب).
- وقال: (العلماء ورثة الأنبياء).
- وقال أيضًا: (أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد).
- وقال: (أطلبوا العلم ولو في الصين)، وفي هذا بيان واضح الدلالة على وجوب العناية بالتنمية العلمية.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم). (رواه أبو داوود).
- ويقول: (لن يشبع المرء من خير يسمعه.. حتى يكون منتهاه الجنة). (رواه الترمذي).
- ويقول: (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها). (رواه الترمذي).
- ويقول: (من تفقه في دين الله- عز وجل- كفاه الله تعالى ما أهمه، ورزقه من حيث لا يحتسب). (رواه الخطيب).
- ويقول: (باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها). (أخرجه الطبراني).
- ويقول ابن المبارك: عجبت لمن لم يطلب العلم.. كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟، وقال أبو الدرداء: من رأى أن الغدو في طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله.
2- التنمية الإيمانية:
- من ركائز التنمية في الإسلام ما يتصل بالإيمان.
- فالإيمان يجب أن ينمو باضطراد، وكل تعطل في عملية التنمية الإيمانية ينعكس سلبًا في حياة الإنسان وسلوكه ومجمل تصرفاته، كما ينعكس بالتالي على المجتمع كلّه.
• شواهد قرآنية :
- يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (التوبة: 124).
- يقول سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2).
- ويقول عز من قائل: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} (مريم: 76).
- ويقول جل جلاله: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء: 107- 109).
- وقال سبحانه: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب: 22).
- وقال عز وجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173).
• شواهد نبوية :
- يقول رسول الله- صلى الله عليه و سلم-: (ما من جرعة أحبّ إلى الله من جرعة غيظ كظمها عبد.. ما كظمها إلا ملأ بها جوفه إيمانًا).
- ويقول- صلى الله عليه و سلم-: (جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله). (رواه أحمد وغيره).
- ويقول: (إن لكل شيء صقالة.. وصقالة القلوب ذكر الله). (رواه البيهقي).
- ويقول: (لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلب كزرع يموت إذا كثر عليه الماء). (رواه الطبراني).
- ويقول: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن لا يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه).
- ويقول:(الإيمان يخلق كما يخلق الثوب؛ أي يبلى).
- ويقول: (الإيمان يزيد وينقص).
- ويقول: (يا معشر المسلمين، شمروا فإن الأمر جدٌّ، وتأهبوا، فإن الرحيل قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كئودًا لا يقطعها إلا المخففون.. أيها الناس، إن بين يدي الساعة أمورًا شدادًا، وأهوالاً عظامًا، وزمنًا صعبًا، يتملك فيها الظََلَمة، ويتصدر فيه الفسقة.. فيضطهد فيه الآمرون بالمعروف، ويضام الناهون عن المنكر، فأعدوا لذلك (الإيمان) عضوًا عليه بالنواجذ، والجئوا إلى العمل الصالح، وأكرهوا عليه النفوس، واصبروا على الضراء، تفضلوا إلى النعيم الدائم).
- ويقول: (لا يبلغ العبد درجة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
- ويقول: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط) (رواه مسلم).
- ويقول عن ربه- عز وجل- في حديث قدسي: (إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة). (رواه البخاري).
- ويقول عن ربه- عز وجل- في حديث قدسي:(من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه). (رواه البخاري).
- ويقول:(اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). (رواه الترمذي).
- ويقول: (إن الله تعالى يقول يا ابن آدم: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك). (رواه أحمد والترمذي).
- ويقول: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك). (من حديث طويل لمسلم).
- وصدق الشاعر إذ يقول:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانه
3- التنمية العبادية:
- ويتناول الإسلام الجانب العبادي (العبادات)، فيدعو إلى العناية بها (نوعًا)، والإكثار منها (كمًّا)، وبذلك تبقى العبادة في تجدد وتألق، وفي تنام دائم ومستمر.
• ومن الشواهد القرآنية :
- قوله تعالى: ?قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ? (المؤمنون: 1- 2).
- وقوله تعالى: ?إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ? (الأنبياء:90).
- وقوله تعالى: ?الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ? (الأنفال: 2).
- وقوله تعالى: ?وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ? (الأنبياء: 73).(4/4)
- وقوله تعالى: ?وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ? (الأنعام: 92).
- وقوله تعالى: ?وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ? (الحجر: 99).
- وقوله تعالى:?بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ? (الزمر: 66).
• ومن الشواهد النبوية :
- قول رسول الله- صلى الله عليه و سلم-: ( من أكثر الاستغفار.. جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب). رواه أحمد في مسنده.
- وقوله- صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة سبحانه وتعالى: (.. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.. إلى آخر الحديث).
- وقوله: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
- وقوله: (اللهم ارزقني عينين هطالتين، تشفيان القلب بذرف الدمع من خشيتك قبل أن تصير الدموع دمًا). (أخرجه الطبراني).
4- التنمية الأخلاقية:
- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.. فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). (رواه مسلم).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-:( إن أحبكم إلي وأقربكم مني منزلة يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون).
- وقال: ( ما من شيء بأثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء).
5- التنمية الوحدوية والأخوية:
• شواهد قرآنية :
- قال الله تعالى: ?اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ.. .? (آل عمران: 103).
- وقال سبحانه: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ? (الحجرات:10).
- وقال سبحانه: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ? (المؤمنون: 52).
- وقال سبحانه: ?وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ? (الأنفال: 46).
• شواهد نبوية:
- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-: (المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخدعه. كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). (رواه الترمذي).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميث العاطس). (متفق عليه).
- وقال- صلى الله عليه وسلم-: (حق المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده). (رواه مسلم).
6- التنمية الدعوية والرعوية:
- والإسلام يجعل كل مسلم خفيرًا ومسئولاً عن سلامة المجتمع وأمنه الأخلاقي، على قاعدة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومن خلال مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وبذلك ينعم المجتمع الإسلامي بنعمة العافية، وتتراجع فيه ظواهر الانحراف والانحدار والشذوذ.
• من الشواهد القرآنية:
- قول الله عز وجل: ?وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? (آل عمران: 104).
- وقول الله عز وجل: ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ? (فصلت: 33).
- وقوله عز وجل: ?لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا? (النساء: 114).
• من الشواهد النبوية:
- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس بعد ذلك حبة خردل من إيمان). (رواه مسلم).
- وقال- صلى الله عليه و سلم-:( لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم).
- وقال:( كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته).
- وقال: (الدين النصيحة).
- وقال: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها، وفي رواية: خير لك من حمر النعم).
7- التنمية الخيرية الاجتماعية:
- والإسلام حلق في مجال التنمية الخيرية والاجتماعية، إلى مستويات لا تبلغها المدارك والعقول البشرية؛ وهو ما جعل البنية الاجتماعية كالبيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا، فالجميع يعيش هَمَّ الجميع، وصفهم الرسول- صلى الله عليه و سلم- بقوله): مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
- وفي كتاب الله تعالى مئات الآيات التي تحض على الانفاق في سبيل الله؛ بل إن معظم الآيات تصف المسلمين بأنهم آمنوا: ?ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ? (البقرة: 3).
- ويقول الله تعالى: ?وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ? (الحديد: 7).
- ويقول تعالى: ?لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ? (آل عمران: 92).
- ويقول سبحانه: ?وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) (الرعد: 22).
- ويقول سبحانه: ?وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ? (البقرة: 272).
- ويقول سبحانه: ?قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً? (إبراهيم: 31).
- ويقول سبحانه: ?الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ? (البقرة: 3).
- ويقول سبحانه: ?آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ? (الحديد: 7).
- ويقول سبحانه: ?وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا? (الإنسان: 8).
- وفي سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشرات الأحاديث التي تحضُّ على مختلف أنواع البر والخير.. كالسير في حوائج الناس، ورفع الظلم عنهم، والمطالبة بحقوقهم، وتيسير عسرهم، وتنفيس كربهم، وكفالة أيتامهم، ورعاية أراملهم، وإيواء مشرديهم، وإطعام الجائعين منهم.
- من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم-:( إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم (رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية).
- وقوله: (على كل مسلم صدقة، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة). (متفق عليه).(4/5)
- وقال: (من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا). (متفق عليه).
- وقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). (متفق عليه).
- وقوله: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عنه كربة فرج عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ) .(متفق عليه).
- ومن ذلك قوله: (من حما مؤمنًا من ظالم بعث الله له ملكًا يوم القيامة يحمي لحمه من نار جهنم).
- وقوله: (من نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرب الآخرة).
- وقوله: ( من سر مؤمنًا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله).
- وقوله: (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته).
- وقوله: ( الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم الليل الصائم النهار).
- وقوله: (إن لله خلقًا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله).
- وهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول عام المجاعة، وقد أقسم على ألا يذوق سمنًا ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناس: بئس الوالي أنا إذا شبعت وجاع الناس، ولم إذن كنت إمامًا إذا لم يمسسني ما يمسهم؟!.
- وجاء في حق الجوار:
- في القرآن الكريم: ?وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا? (النساء: 36).
- وفي السنة النبوية الشريفة: قوله- صلى الله عليه و سلم-:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت). (متفق عليه).
- وقوله:(خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره). (رواه الترمذي).
- وقوله: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). (رواه مسلم).
8- التنمية الإنتاجية:
- والإسلام يوجب على كل مواطن أن يعمل، وأن يأكل من كسب يديه، فهو لا يرضى للناس أن يكونوا عاطلين عن العمل، عالة على الآخرين، يستجدون الناس أعطوهم أو منعوهم.
- وفقه التنمية في الإسلام يدعو إلى تحقيق التوازن بين عمارة الدنيا وعمارة الآخرة، على قاعدة قوله تعالى: ?وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ? (القصص: 77).
- ويوم رأى عمر بن الخطاب- رضي الله- رجلاً بقي في المسجد وقد خرج الناس، فخفقه بالدرة (العصا) وقال: قم، لا تمت علينا ديننا أماتك الله.
- ومن هديه- صلى الله عليه وسلم- قوله: (ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن داوود كان لا يأكل إلا من عمل يده).
- وعندما صافح أحد المسلمين وشعر بخشونة في يده قال: إن هذه يد يحبها الله، هذه يد لن تمسها النار أبدًا.
- وقال:(اليد العليا خير من اليد السفلى).
- ثم إن التشريعات التي تناولت الشئون التجارية المختلفة ووضعت أصولها وقواعدها
- وضوابطها.لتؤكد على مدى اهتمام الإسلام بالتنمية التجارية، من بيع وشراء ومرابحة ومشاركة.
9- التنمية الصناعية:
إن قاعدة الأخذ بكل أسباب القوة التي بينتها الآية الكريمة: ?وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ? (الأنفال: 60) لتؤكد وجوب الأخذ بكل مقومات التنمية الصناعية في شتى المجالات التي تعود على الناس بالخير وليس بالدمار والخراب، بسبب وجهة الاستعمال، وبسبب فائض الإنتاج الصناعي الذي أدى إلى تراكم النفايات والتلوث البيئي، الذي يتهدد العالم، بالكوارث الصحية والبيئية.
10- تنمية الإدارة والإتقان:
- والإسلام منهج حياة لتنظيم كل شيء، وهو في كل تشريعاته يعتبر التنظيم أساسًا للنجاح والجودة، نتيجة شفافية العمل وأخلاقيته، والتي عبر عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أدق تعبير حين قال:(إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه).
- في ضوء كل هذه المعطيات يتبين أن التنمية في الإسلام سياسة شاملة متوازنة متكاملة، تفرض على الفرد والمجتمع الأخذ بجميع أسباب النماء والارتقاء المادي والمعنوي.
- ووفق القاعدة النبوية الداعية إلى النمو والارتقاء ساعة بعد ساعة ويومًا بعد يوم، والتي تتجلى في القول المأثور: من تساوى يوماه فهو مغبون، وفي رواية: من تساوى يومه وأمسه فهو مغبون.
المرجع-فقه التنمية في الإسلام_موقع الرواق.
================
إعصار جونو
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
المحذر من شؤم المعصية اليوم غريب..!!..
لقد انتصر المنكرون؛ الذين ينكرون ربط الذنوب بالعقوبات والمصائب.. انتصروا، ليس لملكهم الحجة والحق، بل لأن من يملك الحجة، ويعرف الحق سكت ؟!!. أو تغير، وتطور، وتجدد!!.
كان التحذير من آثار المعاصي صوت لا يعلوه صوت.. يذكر الناس، ويردع المجاهرين والمستهترين، لكن اليوم علا صوت من يفلسف البلايا، والمصائب، والكوارث التي على تقع على الناس والبلاد، بأنها ظواهر طبيعية، أو حسابات اقتصادية، أو تحولات اجتماعية، أو تطورات عصرية.
وهذه خسارة، الخاسر فيها الإنسان، الذي لن يدرك بهذا سبيل الخروج من الأزمات التي تمر به أبدا. والخاسر فيها الأمة، التي لن تدرك الطريق لحل أزماتها الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والنفسية، والأمنية..
الصوت الذي يربط بين المعاصي والعذابات التي تلحق بالناس؛ أفرادا وجماعات، هو الصوت ينفع الناس.. والصوت الذين ينكر الربط هو الصوت يغر الناس ويضرهم.
* * *
العقوبات عموما أثر عن المخالفات المتعمدة خصوصا، وغير المتعمدة أحيانا. فأنت إذا كنت مسؤولا: تعاقب من خالف القانون والنظام.. لم ؟.
لأن المخالفة ضارة بالقانون والنظام، ومن ثم بالمصلحة العامة والخاصة، التي وضع القانون لأجلها، فمصلحة الناس لا تتحقق إلا بالخضوع للقانون والنظام، فهي متضررة بمخالفتها.
فالقانون، والمخالفات، والعقوبات. هذه الثلاثة إذا وجد واحد منها وجد الباقي، فوجود القانون يعني وجود المخالفات، ثم العقوبات؛ لذا فلا تجد قانونا يخلو من ذكر المخالفات والعقوبات المناسبة لها.
فهذا المثال مسلّم به عند الجميع، وعليه فلا إنكار على من ربط بين الذنوب والمصائب الخاصة والعامة؛ فأصل علة وسبب العقوبات ثابت بالمثال الآنف، وهو: المخالفات.
بقي إثبات ارتباط المصائب بالذنوب، أو بعبارة أخرى: إثبات أن الذنوب هو السبب المعين للمصائب العامة والخاصة. فنقول:
الشريعة قانون إلهي، وجودها يعني وجود المخالفات، ثم العقوبات، وهو كذلك، فالمخالفات هي المحرمات؛ هي: ترك العمل بالفرائض، وفعل المحرمات. فإذا وقعت المخالفات هذه استوجبت العقوبات الفردية والجماعية بحسبها؛ فكما أن مخالفة القانون يفضي إلى الضرر، وتعطيل المصلحة العامة والخاصة: كذلك مخالفة القانون الإلهي، لكن بزيادة أن الضرر هنا يشمل الدين والدنيا.
فالمقارنة وحدها كافية في إثبات: أن المخالفات الشرعية سبب العقوبات الإلهية. وعندنا زيادة أدلة: هي النصوص الصريحة، الصحيحة المخبرة أن فعل المخالفات يوجب العقوبات، هي على نوعين:
- عقوبات دينية، وهي على قسمين:(4/6)
o في الدنيا، كقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة..}، فهذا مثال لمخالفة استوجبت عقوبة دينية في الدنيا.
o وفي الآخرة، فالنصوص المخبرة بعذاب أهل الكبائر: آكل الربا، القاتل، الزاني.. إلخ.
- عقوبات دنيوية، هي المصائب تقع على الإنسان في: نفسه، وخاصته من أهله وماله. أو تقع على الأمة: في حرثها، ونسلها. هي الشاملة كالبراكين، والزلازل، والأعاصير، والفيضانات، والأمراض، والفقر.. إلخ، كما في قوله تعالى:
o {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.
o {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
فبحسب النصوص السابقة، فكل ما يقع من مصيبة فبذنب، وفي الأثر في دعاء العباس عام الرمادة، لما استسقى: (اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة)، وإذا كان المخالف للنظام والقانون في بلد عرضة للعقوبة، إلا إذا ارتحل إلى بلد آخر، فربما نجا، فإن المخالف للقانون الإلهي هو عرضة للعقوبة في كل وقت، وكل مكان، بأنواعها.
فالعلاقة بين الذنب والعقوبة ثابتة، وهناك من يثبت العقوبات الدينية، لكن يتساءل عن الدنيوية: ما علاقتها بالذنوب، ونحن نراها تقع على المؤمن والكافر.. البر والفاجر.. حتى على الأرض المباركة ؟!.
فهذا عنده شبهة، جلاؤها أن يقال: نعم، إن المصائب والعقوبات شاملة. فمن تأمل ما سبق: أدرك هذا. فقد تقرر: أن سبب العقوبات هو الذنب. وهو ليس حصرا على الكافر، كلا؛ لأن ذنب الكافر: شرك، وكفر، وكبائر، وصغائر، بينما المؤمن فذنبه كبائر، وصغائر، ليس فيها فوق ذلك، وليس من شرط العقوبة أن يكون الذنب كفرا، بل بالكبائر كذلك:
- قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..}.
- عن ابن عباس قال :" ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، و لا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، و ما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين، و ما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان البأس بينهم - أظنه قال - و القتل ". رواه البيهقي، قال الألباني: "و إسناده صحيح و هو موقوف في حكم المرفوع ، لأنه لا يقال من قبل الرأي". السلسلة الصحيحة 107
- وقد هزم المسلمون في أحد لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعصيان وعدم الثبات على مواقعهم في الجبل، فقال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من أنفسكم}.
- وفي حنين هزموا، لما تعاجبوا واغتروا بكثرتهم، وقالوا: "لن نغلب اليوم من قلة". والعجب والغرور من الذنوب، قال تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}.
فهذا عقوبات عامة دنيوية: أمراض، وجدب، وحرب الله ورسوله. وكذلك الهزيمة، والزلازل، والبراكين، والفيضانات، والأعاصير، والحروب، والدمار، والتشريد، وتغير مناخ الأرض، وفساد الطعام والشراب، وضيق الزرق وانتشار العوز والفقر. كلها كانت بسبب ذنوب هي كبائر، ليس بينها كفر، والكفر أكبر، والعقوبة عليه أعظم: تقع على المؤمنين كما تقع الكافرين أيضا، إذا استوجبوا ذلك، شاملة لجميع الناس، بغير فرق بين الديانات، وربما كانت على المسلمين أشد:
- إذ عندهم من العلم ما ليس عند غيرهم، ومن عنده علم فقد قامت عليه الحجة.
- ولأن الله تعالى جعل الدنيا للكافرين يقلبهم فيها في نعيم، والآخرة للمؤمنين.
فإذا ثبت الذنب على المسلم، كان معرضا للعقوبات بأنواعها كالكافر، إلا أن الكافر عقوبته أغلظ:
- فالمسلم إذا سرق، أو زنى، أو شرب الخمر، أو قتل، أو قذف يقام عليه الحد كالكافر.
- وإذا مات وعليه كبيرة، كانت تحت المشيئة، فقد يعذب بالنار، إلا أنه أخف ولا يخلد.
* * *
قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا قط، حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم. قالت: وكان إذا رأى غيما - أو ريحا - عرف ذلك في وجهه. قالت: يا رسول الله!، الناس إذا رأوا غيما فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟، فقال: يا عائشة!، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا). رواه أحمد
فإعصار كالإعصار المسمى بـ"جونو"، الذي ضرب سواحل عمان والأمارات وإيران، هو من العقوبات، والقحط والجدب العام، مع ضيق في الزرق وفي النفس، وظهور أمراض جديدة.. كل هذه سببها موجود في المسلمين، من المجاهرة بالعصيان. وفي أحوال كهذه، فإن العقوبات العامة ستأخذ الجميع، وتعم المفسد والمصلح، المرتكب للذنب وغير المرتكب، ما داموا جميعا في مكان واحد، قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.
فالمذنب معروف لم عوقب؟، فأما غير المذنب فذلك::
- إما لأنه ساكت، فقد ذكر تعالى نجاة الناهين عن المنكر في قصة أصحاب السبت، ولم يذكر نجاة الساكتين.
- أو راض بالمنكر، فهو أولى، وقد قال تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}.
- أو مغلوب على أمره، فهذا جاء فيه أن أمة تغزو الكعبة، وفيهم من المكره، فيخسف الله بهم الأرض جميعا، ثم يبعثون على نياتهم، عن صفية - وفي رواية أم سلمة - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت، حتى يغزو جيش حتى إذا كانوا بالبيداء - أو بيداء من الأرض - خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم. قلت: فإن كان فيهم من يكره؟!، قال: يبعثهم الله على ما فى أنفسهم ). رواه ابن ماجة
وقد دلت النصوص على نجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من عموم العقوبة في قوله تعالى:
- {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ..}.
لكن هذا في عذاب الاستئصال، وهو عذاب قد انتهى من الأرض. صورته ما حصل لقوم: نوح، وعاد، وثمود، ومدين، ولوط، وأصحاب السبت: صيحة، أو ريح فيها عذاب أليم، أو طوفان مغرق، أو حجارة من السماء، أو نار تقذف من السحاب. فيهلك الجميع، فلا يبقى أحد: {فأصبحوا لايرى إلا مساكنهم}، إلا المنكرون: ( أنجينا الذين ينهون عن السوء..}.
وهذا النوع من العذاب انتهى ببعثة موسى عليه السلام، قال تعالى:
- {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس }.
لأنه لم يكن جهاد، ومع موسى شرع الجهاد، وتوقف عذاب الاستئصال، الذي لا يبقي أحدا إلا الناهين عن المنكر، وصار بدلا عنه عذاب التذكير والتحذير، وفي هذا العذاب لا يأمن الناهون عن المنكر أن يصيبهم ما يصيب الظالمين: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.
وقد أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ومن معه، ما أصاب المخالفين أمره، وتعرضوا للقتل، وفي عام الرمادة عم البلاء الجميع، حتى عمر رضي الله عنه وسائر الكبار.
* * *
ليس لإنسان أن يبطل الذكرى والعظة بالعقوبات العامة، بدعوى أنها تصيب الكافر. فهذا في أحسن أحواله جاهل بسنة الله تعالى الشرعية والكونية؛ أي أمره وخلقه.. إن لم يكن من الزائغين، الذين قال تعالى فيهم:
- {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}.(4/7)
- {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}.
فهذا الإعصار "جونو" الذي ضرب سواحل جزيرة العرب، لا شك أنه بسبب المعاصي، وما أصاب وما يصيب الناس اليوم من جدب وقحط، وضيق في الرزق وفقر، وضيق في النفس، وبرودة في العلاقات.. كل هذه وغيرها عقوبات تحذير، لما الناس عليه من جرأة في المحرمات، والاستعلان بها.. من ربا، ومعاملات محرمة، وعري وفساد عريض، واتخاذ الكافرين أولياء..
فهل كان الله تعالى تاركنا ننعم بنعمه، ونحن نروح ونغدو في سخطه ؟!.
=============
الاكتتاب في شركة المساهمة
الاكتتاب: هو عبارة عن دعوة موجهة إلى أشخاص غير محددين للإسهام في رأس المال.
فتطرح الأسهم ويعلن عنها في الصحف، أن هذه الشركة تفتح باب المساهمة والاكتتاب، فيتقدم الناس ويدخلون في هذه الشركة، ويدفعون قيم هذه الأسهم، ويكونون شركاء في شركة المساهمة.
ذكرنا أن شركة المساهمة لا تخرج عن أنواع الشركة التي سبق أن بيناها، ويتضح هذا أن مجلس الإدارة في الشركة لا يخرج عن ثلاث حالات:
1- أن يكون المجلس مساهماً وعاملاً؛ وهذا هو الغالب، فهنا بذل مال وبدن.
البدن: من مجلس الإدارة، والمال الأول؛ من مجلس الإدارة، والمال الثاني من بقية المساهمين.
فهي تجمع بين العنان والمضاربة؛ شركة العنان: أن يشتركا في المال والبدن، وشركة المضاربة؛ أن يدفع إليه المال ويقوم بالعمل، فمن حيث أنه من كل منهما مال فهذه عنان، ومن حيث أن أحدهما عمل والآخر لم يعمل هذه مضاربة، وتقدم أن كلا من شركة العنان والمضاربة جائز.
2- أن يكون مجلس الإدارة عاملاً دون مساهمة، فهذه شركة عنان، لأن المال والعمل من جميع الشركاء، فالشركاء دفعوا المال، والعمل أيضاً منهم لأنهم استأجروا مجلس الإدارة.
3- أن يكون لمجلس الإدارة نسبة من الربح من المساهمين ومن مجلس الإدارة العمل، فمجلس الإدارة لم يساهم لكن منه العمل، فهذه شركة مضاربة.
فتلخص أن شركة المساهمة لا تخرج عن أنواع الشركات التي ذكرها العلماء رحمهم الله.
تعريف السهم :
السهم في اللغة: النصيب .
وأما في الاصطلاح: فهو وثيقة يمثل حقاً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول - يعني للبيع والشراء - ويعطي صاحبه حقوقاً خاصة.
أنواع الأسهم :
تتنوع الأسهم إلى عدة أنواع من ثلاث حيثيات:
أولاً : من حيث الحصة ؛ وتنقسم إلى قسمين :
1 - أسهم نقدية: وذلك أن يكون رأس مال الشركة أسهماً نقدية بحيث يدفع المساهمون نقوداً من الذهب أو الفضة، أو ما يقوم مقام النقود من الأوراق النقدية.
حكمها: العلماء متفقون على أنه إذا كان رأس مال الشركة أسهماً نقدية أنها شركة صحيحة.
2 - أسهم عينية: وذلك أن يكون رأس مال الشركة عروض تجارة، كأن يساهم الناس بأقمشة أو بآلات أو مواد غذائية ... إلخ.
حكمها: فيها خلاف بين العلماء:
أ- أكثر العلماء على أنه إذا كان رأس مال الشركة عروضاً فهذا لا يصح.
ب- ما ذهب إليه الإمام مالك وهو رواية عن الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم؛ أن هذا صحيح ولا بأس به، فلو تشارك اثنان أو أكثر وجعلوا رأس مال الشركة من السيارات أو من الأطعمة أو الألبسة أو غير ذلك مما يتفقان عليه فإن هذا جائز ولا بأس به، ويعرف نصيب كل واحد منهم من رأس مال الشركة.
التعليل: لأن الأصل في المعاملات الحل كما تقدم .
ثانياً : من حيث الشكل ؛ وتتنوع إلى نوعين :
1- أسهم اسمية: وهي الأسهم التي تحمل اسم صاحبها مدوناً عليها.
حكمها: جائزة بالاتفاق .
التعليل: لعدم الغرر فيها، فهذا زيد له هذا السهم واسمه مدون على هذه الوثيقة .
2- أسهم لحاملها: وهي الأسهم التي يكتب عليها أن السهم لحامله بدون ذكر اسم المالك.
حكمها: لا تجوز .
التعليل: لما فيها من الغرر والجهالة، فإن المالك غير معروف وهذا يؤدي إلى التنازع.
ومثل هذه الأسهم الآن - كما ذكر بعض الباحثين - الغالب أنها غير موجودة.
ثالثاً: من حيث الحقوق ؛ وتنقسم إلى أقسام :
1- أسهم امتياز تعطي صاحبها أولوية الحصول على شيء من الأرباح دون بقية الشركاء.
مثلاً: يخصص خمس بالمائة من الربح لهذه الأسهم، والباقي يوزع بالتساوي على الشركاء بما فيهم أصحاب الأسهم الممتازة.
الحكم: محرمة ولا تجوز .
التعليل: لأنه لا يجوز أن يأخذ بعض الشركاء زيادة في الربح بلا مقابل من زيادة عمل أو مال .
2- أسهم امتياز تخول أصحابها الحصول على فائدة سنوية ولو لم تربح الشركة.
حكمها: محرمة ولا تجوز .
التعليل: لأن حقيقة هذه الأسهم أنها قرض بفائدة وهذا من الربا.
3- أسهم امتياز تعطي أصحابها الحق في استعادة قيمة السهم بكامله عند تصفية الشركة قبل المساهمين ولو خسرت الشركة .
حكمها : محرمة ولا تجوز .
التعليل: لأن العلماء يذكرون إذا كان هناك خسارة فإن الوضيعة تكون على قدر المال، وعلى هذا يشترك جميع الشركاء في الوضيعة والخسارة، أما كونه يخصص لبعض الشركاء أن له أن يسحب أسهمه، ولا يدخل في الخسارة فهذا شرط باطل.
الشركة مبناها على العدل، وذلك بأن يشترك الجميع في المغنم والمغرم، كما أنهم يشتركون في الربح أيضاً يشتركون في الخسارة، وهذا هو أهم شروط الشركة، أن تقوم على العدل، وذلك بأن يشترك الجميع في المغنم والمغرم.
وأما كونه يوضع أسهم امتياز لبعض الشركاء بحيث إنه لا يدخل في الخسارة يستحق أن يسحب أسهمه عند تصفية الشركة قبل الآخرين، ولا يدخل في الخسارة فهذا لا يجوز، لأن العلماء يقولون : الشركة مبناها على العدل والوضيعة على قدر المال.
4- أسهم امتياز تعطي المساهمين القدامى الحق في الاكتتاب قبل غيرهم.
حكمها: جائزة ولا بأس بها .
التعليل:
1- لأنها تشمل الجميع .
2- لأن المساهمين لهم الحق في ألا يدخلوا أحداً معهم في الشركة .
3- الأسهم التي تعطي أصحابها أكثر من صوت .
حكمها: لا تجوز .
التعليل : لما فيها من التفاوت في الحقوق بدون مبرر شرعي .
مسألة : في حكم المشاركة في أسهم الشركات ذات الأعمال المشروعة في الأصل إلا أنها تتعامل بالحرام أحياناً .
مثالها : شركة مساهمة تدعو إلى الاكتتاب، وهذه الشركة أعمالها مباحة إلا أن لها أعمالاً محرمة في بعض الأحيان أو دائماً، لكن هذه الأعمال يسيرة، ومن ذلك ما حصل قبل أشهر فيما يتعلق بشركة الاتصالات؛ فهذه الشركة قائمة على أعمال مباحة من المنافع المعروفة في الاتصال وخدمة الهاتف وغير ذلك من الخدمات إلا أن لها أعمالاً محرمة أحياناً، فهل الدخول في مثل هذه الشركة وغيرها من الشركات التي قامت على أعمال مباحة إلا أنها تتعامل أحياناً بالحرام، فهل الاكتتاب في مثل هذه الشركة جائز أو غير جائز ؟
أشهر الأقوال في هذه المسألة ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الاشتراك في مثل هذه الشركات لا يجوز، وذهب إلى هذا القول جمع من الباحثين الذين بحثوا في هذه المسألة .
دليلهم :
1- عموم أدلة تحريم الربا، كقول الله عز وجل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (آل عمران:130).
وقوله تعالى: (( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)) (البقرة:275).
وحديث جابر أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال: ((هم سواء)) .
وجه الدلالة: أن المساهم في مثل هذه الشركات التي ترابي هو مراب سواء كان الربا قليلاً أو كثيراً، ولا يجوز للمسلم ذلك أو أن يستمر فيه ولو كان قليلاً.(4/8)
2- ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم- قال: )) إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) .
فقال: (( عن شيء)): وهذا يعم كل شيء سواء كان قليلاً أو كثيراً.
وجه الدلالة: أن هذه نكرة في سياق الشرط فتعم القليل والكثير .
3 - أنه ينظر إلى المصالح المترتبة على القول بالمنع، فهناك مصالح كثيرة تترتب على القول بالمنع من ذلك: التخلص من مفاسد الربا.
ومنها: منع المسلمين من المشاركة في الشركات التي تقع في الربا مما يشجع المؤسسات الربوية إلى ترك الربا.
ومنها: أن ذلك يؤدي إلى فتح الأبواب للأعمال المشروعة لكي يستثمر فيها المسلمون أموالهم .
4- قاعدة أنه: إذا اجتمع الحلال والحرام فإنه يغلب الحرام ولو كان قليلاً، إلا إذا كان الحرام غير منحصر فإنه يكون معفواً عنه، كما لو اختلط في هذا البلد حرام فهذا غير منحصر.
القول الثاني: أن الاشتراك في هذه الشركات جائز بشرط ألا ينص نظامها الأساسي على التعامل بالربا، مع تقدير عنصر الحرام واستبعاد نسبته من عائدات الأسهم، ويصرف في وجوه الخير.
دليلهم :
1- قاعدة : يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً ، وأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع.
فمثل هذا الحرام جاء تبعاً ولم يأت استقلالاً، وإذا كان تابعاً فإنه يكون مغتفراً.
وهذه القاعدة لها أمثلة في الشريعة؛ منها: أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم-حرق نخل بني النضير، هذا التحريق يؤدي إلى قتل شيء من الحشرات والطيور وغير ذلك بالنار، وهذا لا يجوز لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (( ولا يعذب بالنار إلا رب النار)) .
لكن هذا القتل بالنار إنما جاء تبعاً فلما كان تابعاً ولم يكن مقصوداً لذاته كان جائزاً ولا بأس به.
ومنها: الدود في التمر، فكون الإنسان يأخذ التمرة ويأكلها وفيها شيء من الدود فهذا جائز ولا بأس به، لأنه تابع ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، لكن لو أخرج هذا الدود ثم أكله قالوا: هذا لا يجوز لأنه لم يكن تابعاً وإنما أكله استقلالاً.
فقالوا : هذا نظير هذا، فهذه شركة أعمالها تسعين بالمائة حلال، وأما الربا فيها فتابع ولم يكن مقصوداً لذاته، ولهذا اشترط أصحاب هذا القول ألا ينص نظامها الأساسي على التعامل بالربا.
الجواب عن هذا الدليل :
أجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاستدلال فقالوا: إن الاستدلال بهذه القاعدة في مثل هذا خطأ، لأن هذه القاعدة ذكرها العلماء في الأمور التي تنتهي، فلا يستدل بها على أن الإنسان يستمر في فعل المحرم ، لكن في أمور تنتهي عقود أو أفعال .. إلخ ، فهنا يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع .
أما هذه الشركات التي تتعامل بالحرام فإنها تستمر، فلا نقول: للمسلم يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً واستمر في فعل المحرم .
2- قاعدة: الحاجة إذا عمت تنزل منزلة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات.
الجواب عن هذا الدليل :
أجاب أصحاب القول الأول عن هذه القاعدة بجوابين :
أ- أن أكثر العلماء على خلاف هذه القاعدة، ولهذا جاء في شرح الفرائد: الأكثر على أن الحاجة لا تقوم مقام الضرورة .
ب- أن هذه القاعدة ذكر لها العلماء قيوداً وشروطاً فليست على إطلاقها، ومن هذه القيود: ألا يأتي نص من الشريعة بالمنع، فإذا جاء نص من الشريعة بالمنع فإن الحاجة لا تنزل منزلة الضرورة، وهنا جاء النص من الشريعة بمنع الربا.
ومن القيود أيضاً أن هذه الحاجة إنما تكون في الأشياء التي ورد بها نص من الشريعة، من جواز عقد السلم، والإجارة، وجواز تضبي الإناء ولبس الحرير لدفع القمل والحكة.
3- قاعدة : ما لا يمكن التحرز منه فهو عفو، ومثل هذه الأشياء المحرمة لا يمكن التحرز منها .
الجواب عن هذا الدليل :
قالوا: إن الذي لا يمكن التحرز منه ويكون عفواً هو ما يترتب عليه حرج ومشقة، وكون الإنسان لا يدخل في مثل هذه الشركات لا يترتب عليه حرج ومشقة، فالآن أناس دخلوا وأناس لم يدخلوا، فالذين لم يدخلوا لم يصبهم حرج ومشقة، وبإمكانهم أن يستثمروا أموالهم في أشياء أخرى مباحة .
القول الثالث: التفصيل؛ حيث قسموا الشركات إلى ثلاثة أقسام :
أ- شركات أصل نشاطها محرم، كأن تقوم على بيع الخمر أو تصنيعه أو بيع الخنزير... إلخ .
فهذه لا يجوز الدخول فيها، ولا تداول أسهمها بيعاً ولا شراءً.
ب- شركات أصل نشاطها مباح لكن تتعامل بالمحرم أحياناً وهي صغيرة، فهذه أيضاً لا يجوز الدخول فيها .
ج- شركات أصل نشاطها مباح لكن تتعامل بالمحرم أحياناً، وهي شركات كبيرة، ذات خدمات عامة ضرورية للمجتمع قد تعجز عنها الدول، فهذه لا بأس بالدخول فيها .
التعليل: وجود المصلحة الكبيرة في قيام هذه الشركات التي تعنى بالخدمة العامة.
الجواب عن هذا التعليل :
أجاب المانعون عن هذا التعليل بجوابين :
1- أن المصلحة لكي تكون معتبرة لابد أن تتوفر فيها شروط منها: ألا تخالف النص فإذا كان فيها مخالفة للنص فإنها لا تجوز .
2- المنازعة في المصلحة فقد يقال: إن المصلحة تكون بعدم الاشتراك لما يترتب على ذلك من مصالح، وهي فتح الأبواب لشركات مباحة مشروعة، وأيضاً إلزام مثل هذه الشركات بالمعاملات المباحة المشروعة، حيث إن أصحاب هؤلاء الشركات يهمهم دخول الناس ومشاركتهم، فكون الناس يحجمون عن الدخول معهم هذا يدفعهم إلى تحسين أوضاعهم.
==============
قصة أصحاب السبت
د. ياسر برهامي
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
فهذه القصة العظيمة التي وردت في عدة مواضع من القرآن، وجعلها الله عز وجل موعظة للمتقين، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:65، 66]، فكل من اتقى الله عز وجل وعلم هذه القصة، فهو ينتفع بها ويتعظ، ويعلم أهميتها في حياة المسلمين عموماً وخصوصاً.
هذه القصة وإن وقعت لأمة غير أمتنا فقد وقعت في جماعة من بني إسرائيل وإن لم يكن زمنها هو زمننا، إلا أننا نتعلم من قصص القرآن دائما كما ذكر الله عز وجل أنه عبرة لأصحاب العقول (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، فلا بد أن نتعلم، ونستفيد، ونطبق هذه القصص علي واقعنا وعلي حياتنا، وليس فقط أن نجعلها مجرد حكاية للتسلية.
فالله عز وجل ليس بينه وبين خلقه نسب، بمعني أكان لأن من فعل مثلما فعل الأولون استحق مثل جزائهم فمن اتقي الله سبحانه وتعالي نال جزاء المتقين السابقين، ومن أعرض عن ذكر الله سبحانه وتعالي وترك ما أمره الله عز وجل به أو كفر أو فسق أو ابتدع، أو عصي الله عز وجل نال جزاء السابقين له الفاعلين ذلك.
ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستفيدون أعظم الاستفادة من قصص القرآن وخطابه عن السابقين، ولا يمنعهم أن نزول الآيات كان لأقوام غيرهم من أن يحذروا الشر الذي ذموا به وأن يقتدوا بالخير الذي مدحوا.(4/9)
فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتورع عن كثير من طيبات المآكل والمشارب ويتنزه عنها ويقول إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم و وبخهم وقرعهم (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [الأحقاف:21] مع أن الآية بلا إشكال في الكفار كما ينص على ذلك أولها (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ..)، ولكن الفهم العميق للصحابة رضي الله عنهم دلهم على أن الذم للكفار كان على أعمال وصفات معينة فمن شاركهم في بعضها استحق بعض جزائهم وغن لم يكن كافراً مثلهم.
وهذا حذيفة رضي الله عنه يسأل عن قول الله عز وجل: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] قالوا نزلت في بني إسرائيل؟ فقال متهكماً على من يريد تخصيصها بسب نزولها: "نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل أن تكون لكم كل حلوة ولهم كل مرة"، مع أن سياق الآيات وسبب نزولها في شأن اليهوديين الذين زنيا، وكذا قال الحسن رحمه الله: "نزلت في أهل الكتاب وهي لنا واجبة"، وكذا النخعي: "نزلت فيهم ورضيها الله لهذه الأمة"، فهذه أسباب عظيمة من أبواب الفهم في القرآن تميز به السلف رضوان الله عليهم وحرمه الكثيرون الذين قصروا أنفسهم على الانتفاع بما خوطبت به الأمة الإسلامية مدحاً أو ذماً أمراً أو نهياً فغاب عنهم خير عظيم لا يقدره.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في فوائد قصة ذات أنواط في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف: 138] لتتبعن سنن من كان قبلكم".
قال في فوائده أن ما ذم الله به اليهود والنصارى فهو لنا أي نحن مخاطبون به ومن فعله منا كان مذموماً مثلهم.
ذلك أن كثيراً من الناس قد يظن ما ذكره الله عن الماضيين أنه ليس لنا ويقول: وما لنا ولهؤلاء؟ وهذا باطل فإن أسلوب الصحابة رضي الله عنهم في القرآن وتطبيقه لم يكن أبداً كذلك فإنهم كانوا يرون أن ما خوطب به السابقون خطاب لنا كذلك ألم يتعلموا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له بعض الناس أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال: فمن".
فإذا علمنا أن هذه الأمة فيها من يتبع سنن السابقين علمنا أنه لابد أن نحذر من كل منكر قص الله علينا أن السابقين فعلوه لأنه سيوجد مسخ في هذه الأمة أمة الإسلام علمنا مدى الخطر الذي يتهدد من لا يفهم القرآن الفهم السوي الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ فإذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمور".
ويزداد الأمر خطورة في حق من يخشى عليهم اتباع سنن بني إسرائيل وذلك يزداد في آخر الزمان وسوف يوجد في الأمة من يقلد بني إسرائيل والنصارى حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحذر من مشابهة ما فعلته هذه الفئة من عصاة وغواة بني إسرائيل واجب وها نحن نرى كما سنبين إن شاء الله كيف انتشرت الحيل في الأمة الإسلامية مضاهاة لأهل الكتاب خصوصاً عند من يرى إن المسلمين لن يتقدموا إلا بمشابهتهم ومتابعتهم والعياذ بالله.
فمن هنا كان لابد ان نطبق ما نسمعه من قصص القرآن على واقعنا وحياتنا.
والأمر أن نعلم طبيعة الأمة التي ستظل المواجهة بيننا وبينها قائمة إلى قرب قيام الساعة، فإذا علمنا حقيقة هؤلاء ،وعلمنا صفاتهم التي بينها الله عز وجل في القرآن، وفضحهم بها،لم يغرنا غار أو مغرور، ويظن أنه يمكن أن تنطلي علي المسلمين دعاوى المحبة والسلام والوئام والصداقة بين المسلمين وبين أعداء الإسلام من اليهود خصوصا" وممن شابههم من النصارى كذلك .
فالمسلمون يعلمون أن عداوتهم مع اليهود لا تنتهي إلا بقتالهم ، كما أخبر النبي صلي الله عليه و سلم فقال :"لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون واليهود ، فيقتل المسلمون اليهود ، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر و الشجر، فينطق الله الحجر والشجر، فيقول: " يا مسلم ،هذا يهودي ورائي، فتعال فاقتله، إلا الغر قد فإنه من شجر اليهود.
و النبي صلي الله عليه و سلم أخبر أن أكبر الفتن و أعظم أمر ما بين أدم إلي قيام الساعة هو الدجال ، وهو منسوب أيضا إلي اليهود .فقد قال صلي الله عليه و سلم: "ما بين أدم إلي قيام الساعة أمر أكبر من الدجال" وثبت أن النبي صلي الله عليه و سلم أخبر أن الدجال يهودي .وقال عليه الصلاة و السلام :" يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة ." وهذا يدل علي أن الدجال هو ملك اليهود المنتظر الذي ينتظرونه لفرض سلطانهم علي العالم كله فيما يظنون ، وأن هلاكهم يكون مع هلاكه أو بعده مباشرة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، وإماما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية.
وأن عيسي عليه السلام يقتل المسيح الدجال بحربته وذلك بباب لد قرب بيت المقدس.
فالظاهر أن ملحمة قتل اليهود تكون بعد قتل الدجال ملكهم علي يد عيسي عليه السلام وقد سبقت ملحمة قتال النصارى من الروم (الأوربيين) قبل ظهور الدجال بالشام و بعدها تفتح القسطنطينية فتحا ثانيا كما أتت بذلك الأحاديث الصحيحة .
فإذا علمنا صفات هؤلاء القوم حذرنا علي أنفسنا منها ، وكذلك علمنا خطرهم ، وعلمنا حقيقتهم ، فلا يمكن أبدا أن نصدق في يوم من الأيام من يدعي صداقتهم ،ومن يريد موالاتهم ، والدوران في فلكهم ، ونعلم بذلك أن من أحبهم وودهم وسا في فلكهم، وحسب مخططاتهم فإنه منافق عدو للإسلام وإن صلي وصام وزعم أنه مسلم.
هذه القصة الكريمة ذكرها الله سبحانه وتعالي في مواضع كما ذكرنا، وتكررت، إلا أن أكثر المواضع تفصيلاً كان في سورة الأعراف، وحول آياتها يكون موضوعنا إن شاء الله.
(2)
قال تعالي : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (163- 167) سورة الأعراف"? .(4/10)
يأمر الله عز وجل نبيه صلي الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل عن هذه القرية ، وهذا سؤال توبيخ في الحقيقة ، لأن أولئك الذين عاصروا النبي صلي الله عليه وسلم شابهوا هؤلاء الذين جعلهم الله قردة خاسئين ، فلذلك أمر بالسؤال عن شي يكتمونه مما جرى لأسلافهم وهم شابهوهم فيه ، وساروا علي نهجهم .
لذا نجد أن خاتمة القصة ذكر الله عز وجل فيها أنه يبعث عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ، فمن المقصودون بعد هلاك المقصودون هم من كانوا علي شاكلتهم من بقية اليهود ، فهذا تأكد علي الارتباط بين الماضي والحاضر كما ذكرنا .
فهذه القصة توبيخ لبني إسرائيل في عهد النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم يفعلون مثل ما فعل أولئك من التحايل علي أمر الله وعدم الالتزام بشرعه قوله تعالي :?واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر?
أي علي ساحل البحر ،ما اسم القرية ؟ وما اسم البحر ؟ ومن كان رئيسها ؟ كل هذا لم يذكره القرآن ، مع أن كثيرا من الناس يبحثون في ذلك أثر البحث وذلك لأنهم لم يفقهوا جيدا طريقة القرأن إذ لا فائدة من الأسماء كثيرا ولا فائدة من الأماكن كثيرا، ولا في أي الأزمنة بالضبط ، لا يعود علينا كبير فائدة من هذا ، وربما لا فائدة علي الإطلاق .
فما العظة في أن نعرف : هل هذه القرية أيلة أم مدين أم منتنا -كما يقولون- بين مدين و عينونة أو غير ذلك ؟ ولذا لم يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم تحديد شيء من ذلك ، وإنما نقل ما نقل من ذلك عن أهل الكتاب ، المهم أنها كانت قرية علي ساحل بحر ، وكان عملهم صيد السمك .
والاختصار في الكلام القرآني بليغ غاية البلاغة ، فقد أوضح كل الأمور من غير إخلال علي الاطلاق بأي من المعاني المطلوبة .
قال سبحانه وتعالي:?إذ يعدون? أي : حين يعدون، و المعني و اسألهم عن القرية حين عدت في السبت، ما كان شأنها ؟
ذلك أن الله عز وجل حرم علي اليهود العمل في يوم السبت ،وقد كان هذا نوعا من الأصار والأغلال التي كانت عليهم ، والتي جعلها الله بسبب اختلافهم ، فإن اليوم الذي أمروا بتعظيمه -أصلا- هو يوم الجمعة ، لأنه أعظم الأيام عند الله سبحانه وتعالي فاختلفوا علي نبيهم ، ولم يطيعوه في أول الأمر عندما بلغهم ، فصرفهم الله عن يوم الجمعة، و جعلهم يعظمون يوم السبت حرمانا لهم يوم الجمعة . قال تعالي :?إنما جعل السبت علي الذين اختلفوا فيه ? .
وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال: "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم، فاختلفوا، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له، قال:يوم الجمعة، فاليوم لنا وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى" ولفظ البخاري "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة،بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصارى بعد غد"
يقصد صلي الله عليه وسلم أن يوم الجمعة كان اليوم المعظم ولكنهم صرفوا عنه وجعل الله عز وجل عليهم من الأغلال الأصار تحريم العمل يوم السبت، فلا يجوز أن يعملوا يوم السبت،ولابد أن يتفرغوا للعبادة، ولأنهم قوم لم يحافظوا علي العبادات اليومية، فأمروا أن يتفرغوا تفرغا" تاما" بترك العمل يوم العبادة الأسبوعية.
والمسلمون أمروا بيسير من ذلك ، وهو وقت أداء صلاة الجمعة ، قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ? فأمرهم الله أن يتركوا أشغالهم بمجرد سماع الآذان الذي يبدأ الخطيب بعده في الخطبة ، ويذهبوا للصلاة في المسجد "فاسعوا إلي ذكر الله " وأمرهم بعد أن ينصرفوا من الصلاة أن ينتشروا في الأرض و يبتغوا من فضل الله وذلك أن أمة الإسلام -بحمد الله تبارك و تعالي- أهل الالتزام منهم يحافظون علي عباداتهم اليومية ويؤدون الصلوات الخمس ، فلم يحتاجوا إلي ما احتاج إليه بنو إسرائيل من تفرغ كامل طول اليوم عن العمل للعبادة في ذلك اليوم ، وإنما لأجل محافظتهم علي العبادة اليومية فإنهم أكرموا ولم يحرم عليهم العمل يوم الجمعة ، وإنما أمروا ساعة الصلاة فقط بترك العمل للانصراف للصلاة .
وقد اخترع اليهود قصة قبيحة من باطلهم لتعليل تحريم العمل يوم السبت وهي : أن الله تعالي بعد ان خلق العالم ابتداء من يوم الأحد ، انتهي يوم الجمعة واستراح في اليوم السابع لأنه تعب : فوجب علي العباد أن يستريحوا ، أيضا ويتركوا العمل ويتفرغوا للعبادة :
وهذا من عظيم جهلهم و عظيم ظلمهم ، فرد الله عليهم : ولقد خلقنا السموات و الأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر علي ما يقولون .. الآية لغوب يعني : الإعياء الشديد .
فاخترعوا هذا الباطل ، وهم دائما يحرفون و يخترعون وهم طيلة أيام الأسبوع مشغولون بالكسب و المعاش ، فلهم الويل مما يضعون ويخترعون .
كان عمل هذه القرية صيد السمك ، وبدأ اعتداؤهم بصيد السمك يوم السبت _ بشيء عجيب ، قال سبحانه وتعالي : " إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ " في يوم السبت المحرم عليهم العمل فيه يجدون البحر مليئا بالأسماك ، والحيتان هنا معناها السمك ، وهي كذلك في كلام العرب ، كل سمكة تسمي حوتا ، فكانت الأسماك تأتيهم يوم السبت في البحر شارعه زعانفها وخراطيمها في المياه ، تظهر نفسها ، والأسماك - قطعا- لا تدرك أيام الأسبوع ، ولكن قدر الله هذا الأمر العجيب ويوم لا يسبتون لا تأتيهم باقي أيام الأسبوع لا تأتيهم ، لا يكون في البحر سمكة واحدة ، فسبحان الله .
(3)
الحرام قليل والحلال كثير
نلحظ من هنا أمرا من أصول التشريع وذلك باستقراء ما شرعه الله لعباده ، نجد أن الحرام في الأصل هو القليل ، وأن الحلال في الأصل هو الكثير ، فالمحرم يوم واحد و المباح ستة أيام في شريعتهم ، وكذلك أمرنا نحن ، فإن الله _عز وجل _ إينما أمرنا نترك العمل في وقت وجيز فقط ، وانظر في سائر ما حرم الله غلي عباده نجد هذا الأمر أيضا ، تجد الحرام قلة والجلال كثرة قال الله عز وجل ، هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا.. كل ما في الأرض حلال، ماذا استثني الله عز وجل ؟
استثني الميتة و الدم و لحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، يعني جميع بهائم الأنعام حلال إلا أن الجنزير محرم ، كل ما في الأرض جلال إلا الجمر .
وهذه المحرمات ، وما حرمه النبي صلي الله عليه وسلم كالحمار الأهلي وكل ذي نان من السباع وكل ذي مخلب من الطير .
ونجد المحرمات ، من النساء صنفا معدودا من الأقارب وأحل لكم ما وراء ذلكم .
وبالنسبة للمعاملات ، فالشركة و المضاربة و البيع و الشراء و الإجارة و المزارعة و المساقاة و أنواع المعاملات كلها مباحة ، وإنما حرم الله الربا و الميسر ، فتجد أن كل أنواع الأنشطة الإنسانية الأصل فيها الحل إلا ما حرمه الله ، فالأصل في التشريع أن الحلال أكثر من الحرام ليس إلا دائرة ضيقة .(4/11)
ومع ذلك نجد في واقع حياة الناس إن الحرام ينتشر جدا ، حتي يكاد يغلب الحلال ، ولا يكاد الإنسان يجد الحلال إلا بشق الأنفس ، وهذا هو الذي وقع لبني إسرائيل فالذي حدث لهم أن الحرام الذي هو ضيق أصلا اتسع جدا ، اتسع بمعني أنهم وجدوا السمك يوم السبت فقط ، والحلال الذي هم واسع ستة أيام يباح فيها الصيد ، لا تظهر سمك علي الإطلاق.
ومثاله ما يقع الناس فيه اليوم ، فمع أن أنواع المعاملات المباحة كثيرة جدا ، والربا والميسر المحرم تجد الربا ملأ السهل والوادي وملأ كل مكان ، فلا تكاد توجد معاملة إلا و فيها شبهة الربا ، أو ربا صريح أو ميسر - و العياذ بالله - فلماذا يحدث ذلك ؟
تجد الحرام هو الذي يتسع والحلال يضيق ، حتي في بعض الأماكن في بعض الأزمنة يكاد الحرام يملأ البلد كلها ، ولا يكاد يوجد رزق حلال صاف -والعياذ بالله من ذلك -
فلماذا يضيق الله علي الناس ما أحل لهم ويوسع عليهم ما حرم عليهم؟ يذكر الله عز وجل الحكمة في ذلك ويبينها فيقول : كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون "فهذا اختبار من الله عز وجل فالفسق يعني الخروج عن طاعة الله عز وجل ،هو الذي يؤدي إلي أن يحدث ذلك ، فيضيق الحلال علينا و يتسع الحرام ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فالإنسان لا بد أن يفهم أن هناك علاقة وطيدة بين الطاعة والمعصية من جانب ، وبين الرزق والكسب من جانب أخر ،فالرزق إذا كان واسعا وفتنة للإنسان ومن حرام ، فهذا يريد الله به الهلاك ، (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و أملي لهم إن كيدي متين ).
فمن وسع الله عز وجل عليه في رزق محرم وسهل له طريق الحرام، فهو يمتحن حتى ينظر ما يفعل ، فإن استمر علي الحرام الذي يكتسبه زاده الله سعة ثم أهلكه عز وجل _قال تعالي :"فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شي حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ."
بل المؤمن ينظر إلي ما هو أعمق من ذلك ، فهو يري أن هناك ارتباط بين طبيعة العمل وكثرة الشغل ؛ وبين الرزق الذي يصيبه الإنسان فكما قال النبي صلي الله عليه وسلم :"قال الله عز وجل " يا ابن أدم ، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غني وأملأ يدك رزقا ، يا ابن أدم لا تباعد مني ، أملأ يديك شغلآ"
فالعبد المؤمن ينظر إلي العلاقة بين الرزق و بين العمل الذي يعمله ، فالعمل الصالح ييسر للإنسان رزقا حلالا طيبا ،من غير أن يشغل حياته ووقته ،بل يجد بعد ذلك وقتا متسعا كي يعبد الله عز وجل و يتعلم العلم ، ويقرأ أقرأن ، ويجد أنواع الطاعات المختلفة .
أما الذي يتعلل بأنه لا يفعل شيئا من ذلك لأنه مشغول ، لماذا لا يقرأ أقرأن ؟ لماذا لا يحفظ القرأن ؟ لماذا لا يتعلم العلم الشرعي ؟ لماذا لا يدعو إلي الله ؟ لماذا لا يصاحب أهل الخير والتقوى و الصلاح ؟ يقول : مشغول ليس عنده وقت .
فلو كان هذا الرزق حلالا كله لكان من علامات بعده من الله أن يكون مشغولا عن ربه سبحانه و تعالي و عن طاعته كما قال عز و جل "يا بن أدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرا و أملا يديك شغلا "
وخصوصا إذا كان الرزق لا يشعره بالكفاية ، يعني أنه مشغول علي الدوام ليلا و نهارا و مع ذلك لا يجد أن ذلك الدجل يكفيه ، يريد أكثر ، كما قال النبي صلي الله عليه و سلم : (لو كان لابن أدم و أديا من ذهب أحب أن يكون له و أديان و لو كان له و أديان لابتغي لهما ثالثا ، ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله علي من تاب ).
فهذا حال الغني المط غي الذي لا يشبع صاحبه أبدا من الدنيا ، ينال منها ويظل يريد المزيد -والعياذ بالله- وكذلك الفقر المنسي ، علي الطرف الأخر المملوءة يدا صاحبه بالشغل ولا يجد الكفاية لتباعده عن الله ، لو أنه اقترب بإرادته وهمه من الله سبجابه وتعالي ليسر الله له ما يكفيه ، دون أن ينشغل الشغل الكثير .
قال :"ابن آدم تفرغ لعبادتي " وهل يعني ذلك أن نجلس في المسجد ونترك أعمالنا وأشغالنا ؟
ليس بالطبع هذا هو المقصود ، إنما التفرغ معناه أن يكون الهم و الإرادة هما واحدا ، ف (تفرغ لعبادتي ) معناه : اجعل همك طاعة الله وعبوديته ، العبادة بمفهومها الشامل الذي يشمل العبادات الظاهرة و الباطنة وكل مظاهر حياة الإنسان ،" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .لا شريك له وذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .
فالصلاة والنسك (الذبح) والحياة والموت كل ذلك لله عز و جل فلابد إن نسير في كل أمورنا وفق شرع الله وعلي سبيله وعلي صراطه المستقيم ، فمعني : "تفرغ لعبادتي " إن يكون هم الإنسان مرضاة الله عز و جل و أن يطيع الله عز و جل ، فيمكن أن يكون في زواجه في عبادة ، وفي عمله في عبادة ، وفي سيره في عبادة ، وذلك لأن نيته وإرادته انصرفت إلي تحقيق مرضاة الله سبحانه وتعالي ، وليس المقصود أن يترك أعمال الدنيا والتكسب و الرزق ، ويجلس في المسجد ، ويقول : أتفرغ للعبادة ، ليس هذا هو المقصود ، ولكن تفرغ لعبادتي بمعني اجعل الهم هما واحدا واصدق في أنك تريد مرضاة الله فإذا تعارض شىء من الدنيا مع مرضاة الله قدمت مرضاة الله سبحانه وتعالي قطعا ، ولم تقدم شيئا من الدنيا علي طاعة الله وطاعة رسوله صلي الله عليه وسلم.
فلا يتصور مسلم يقول: إنه يترك الصلاة في وقتها أو في الجماعة من أجل أنه مشغول بعمل ، فهذا نقص بلا شك و هذا ليس بالمسلم الكامل الذي يؤدى حق الله عز و جل ، فالذي يفرط في واجبات الشرع من أجل أنة مشغول بالدنيا بعيد عن الله.
والأشد بعدا المشغول بشغل حرام -والعياذ بالله- وعمل حرام ، يأكل الربا ، أو يغش الناس ،أو تعامل بالميسر و القمار ، ويتكسب المكاسب المحرمة أو يعمل أي عمل يعين فيه علي معصية الله -سبحانه وتعالي- فهذا في خطر عظيم ، وهذا هو البعيد … أبعد الناس عن الله سبحانه وتعالي.
نعود إلي قصتنا فنقول : كان هذا الابتلاء من عز وجل لهذه القرية لعلهم يتوبون،كان لابد لهم أن يفكروا لماذا ضاق الرزق ، لماذا وجدنا الفقر ، لابد أن هناك سبب ، كان لابد أن ينظروا هذه النظرة ويفكروا هذا التفكير ، وهو أن الفسق هو السبب ، كما قال سبحانه وتعالي :"وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "
وليس المطلوب أن يكون الإنسان ذا مال كثير، فحاجة الإنسان تحصل بالكفاية، أي أن يجد ما يكفيه كما دعا النبي صلي الله عليه وسلم "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "، القوت هو الذي يكفي ،دون أن يحتاج لأحد ،فهذا هو المطلوب ، وهذا مع طاعة الله هو أمثل الأحوال وهو أفضل ما يكون مع أن النفس الإنسانية بطبيعتها الجاهلة الظالمة تريد الزيادة علي الكفاية ، وتريد أكثر وأكثر ،ولكن النبي صلي الله عليه وسلم بين أن أفضل الرزق هو ما اختاره لنفسه ولأهله وهو القوت الذي لا يكون أنقص مما تحتاج فيضرك ذلك ، بأن تضطر إلي سؤال الناس ، ولا زائدا عن الحاجة فيشغلك فلذلك نقول أن الرزق عندما يضيق بالإنسان إلي درجة الفقر المنسي أو يتسع إلي الغني المطغي فلابد أن ينظر إلي أنه مقصر في طاعة الله.
فالفسق والمعاصي هي آلتي تجلب المصائب والبلاء ، كما قال سبحانه وتعالي لخير الناس بعد الأنبياء: "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا .."قل هو من عند أنفسكم إن الله علي كل شي قدير " فكل ما يصيبنا من مصائب فيما كسبت أيدينا ، فإذا وجدنا الأمر قد ضاق ،فلابد أن ننظر في أفعالنا فنتوب إلي الله عز وجل ليتسع مرة أخري.(4/12)
كان علاج هذه القرية أن يتوبوا إلي الله عز وجل من المعاصي والفسق الذي ارتكبوه ، فيعود الأمر كما كان ، يتسع الحلال ويضيق الحرام ،تأتي الأسماك كما تأتي لكل الناس في كل أيام الأسبوع .
كيف بدأ تصرف بني إسرائيل ، لم يفهموا معني الامتحان ومعني الابتلاء ، فالله ضيق عليهم ليرجعوا إلي الهدي فلو يستجيبوا ، إنما شرعوا يتحايلون علي شرع الله ،لم يعلموا أن السمك إنما يتحرك بأمر من الله عز وجل ، بل غفلوا عن ذلك ، فكأن السمك يعرف الأيام فيحتال عليهم ، فقالوا نحن نحتال عليه.
فبدأ أحدهم ينصب شبكة يوم الجمعة ، أي يجئ قبل السبت ، فيقع السمك في الشبك يوم السبت ، وياخذها هو الأحد ،فوجد بعض الناس رائحة السمك يشوى فيما يذكرون ، فتتبعوا الرائحة حتي وجدوها في بيت واحد منهم ، فجعلوا يسألون كيف أتي بالسمك وهم يشتاقون له جدا فقد مرت عليهم أيام ، أو أسابيع ، وربما شهور -والله أعلم- وهم يشتاقون للسمك ، فأخبرهم بما صنع ، فأخذوا يتدافعون علي فعل ما ويقولون "لم نصطد يوم السبت ، لم نعمل يوم السبت "وكذبوا، فمتي حصل الصيد في الحقيقة ؟ … يوم السبت.
(4)
التحايل على شرع الله
والتحايل علي شرع الله صفة من صفات اليهود ، ولكنها ورثت فيمن أشبههم ممن ينتسب إلي الإسلام وكما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "لا تشبهوا باليهود فتستحلوا الله بأدنى الحيل".
فاستحلال محارم الله بأدنى الحيل والتحايل على شرع الله سمة يهودية والعياذ بالله، وهناك من يفعلها من المسلمين، كمن يسمي الربا بغير اسمه ليضل الناس، كالاستثمار مثلاً، أو يسميه بالفائدة، أو عائداً أو نحو ذلك، وهو في الحقيقة ربا.
ومن يتعامل مع الناس بالإقراض والزيادة عليه أو بالإقراض الذي تشترط فيه شروط معينة كبيع أو إجارة أو عقد آخر كما يصنع كثيراً من الناس، يقرضهم قرضاً للصرف على ما يحتاجون من أرض وغيرها بشرط أن يبيعوا له إنتاج أرضهم، وهذا للأسف كثير.
أو مثل كثيراً من الناس الذين يتعاملون بأنواع من القروض بفائدة من البنوك أو صناديق الاستثمار أو رجال الأعمال وغيرها، كل ذلك من الربا المحرم، وإن سمي بغير اسمه، حتى ولو تبرع بفتوى باطلة بعض من ينتسب إلى أهل العلم، وهو ليس منهم وإن كان عند الناس يشار إليه بالبنان، فإن من احل ما أجمع العلماء على تحريمه، وإن كان متأولاً ويزعم إنه مجتهد، فهو مبطل، لن الاجتهاد لا يكون في خلاف الإجماع.
ومن الحيل المنتشرة نكاح التحليل، الذي يطلق امرأته ثلاثاً ثم يتفق مع رجل يحلها له، يسمى في الشرع الإسلامي التيس المستعار، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له"، وذلك بأن يتفق مع رجل بأن يتزوج امرأته ويطؤها أو لا يطؤها، ثم يطلقها بعد يوم أو يومين، يزعم بذلك أنه يحله للأول، فهذا من التحايل على شرع الله، بل ذلك يبطل العقد الثاني، ولا يحلها للزوج الأول.
وهناك أنواع من الحيل في البيوع، مثل بيع العينة وهو نوع من الربا لكن بحيلة على الربا، وذلك بأنه يقول لمن يريد أن يقترض مه مائة مثلاً والرجل لن يقرضه مائة إلا بمائة وعشرون، فيقول: اشترِ مني هذه السلعة بمائة، وهو يعرف ما سوف يتم، فيشتريها بمائة ويقبضها إياه، ثم يقول: أنا أشتريها منك بالتقسيط بمائة وعشرون، فرجعت له سلعته، وأصبح مديناً بمائة وعشرون، وهو قبض مائة فصارت المائة مائة وعشرون، ودخلت بينهما السلعة.
وقريب جداً من هذا مسألة التورق وصورته لو أن رجلاً لا يجد من يقرضه فيشتري سلعة من السوق بالتقسيط بسعر مائة وعشرون، وهو يعلم أنها تساوي مائة، فيبيعها بمائة، وهذا التورق بيع عينة من ثلاثة أطراف (1).
فالتعامل بالتقسيط بدون ضوابط شرعية يوقع الناس في الربا كثيراً والعياذ بالله بنوع من التحايل، فالتقسيط نفسه جائز ولكن بضوابطه الشرعية.
فما يتم في المعارض مثلاً من أنهم يأتون بسلع لا يملكونها، ولا يشترونها، ولكن يقولون: نحن نحضر لك السلعة التي تريدها، وسندفع لك الثمن، وسدد لنا أنت بعد ذلك، فهذا الوسيط الذي لا يمتلك السلعة، ولكن يبيعها قبل تملكها وقبضها، والواجب أن يستلم السلعة وتقع في ضمانه، ثم يبيعها بعد ذلك، وله الحق في أن يربح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، فأما أن يقول له اشتري ما تريد، وأنا أسدده لك وأنت تسدد لي بعد ذلك، فهذا هو القرض الذي جر نفعاً بلا شك وطالما أنه لم يحز السلعة ولم يمتلكها في يده، ويقبضها لا يجوز أن يربح فيها.
وهذا نوع من التحايل على ما حرم الله عز وجل، لذلك نقول: الحذر واجب من التحايل على الشرع، خصوصاً في باب الربا، فإنه من أخطر الأبواب التي يقع فيها كثيراً من الناس من التحايل على شرع الله كما فعل اليهود في هذه القصة.
بدأ الأمر كما ذكرنا بأنهم صاروا يعتادون في السبت بهذه الطريقة، وهو أنهم ينصبون الشباك يوم الجمعة، ويأخذون السمك يوم الأحد، وقيل إنهم حفروا حفراً يقع فيها السمك عندما يمد البحر، ثم إذا جاء الجذر عجز السمك عن الخروج من الحفر، فيتناولنه يوم الأحد فالله أعلم، لكنهم كانوا يتحايلون بطريقة معينة على عدم الصيد يوم السبت.
(5)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفوائد الدعوة إلى الله:
هنا انقسم المجتمع في هذه القرية إلى ثلاثة أقسام:
1- قوم معتدين يفعلون هذه الحيلة المحرمة.
2- قوم آخرون رفضوا ذلك، وأبوا، وهم قوم صالحون نهوا المسيئين عن ذلك، ودعوا إلى الله عز وجل وشرعوا ينهونهم عن الاعتداء في السبت.
3- أمة ثالثة سكتت عن الدعوة، وليس هذا فقط، بل شرعت تيئس الدعاة، قال تعالى: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]، فهذه الطائفة قالت للدعاة إلى الله نحو ما نسمع اليوم "لا فائدة"، "لا تتعبوا أنفسكم"، "هل أنتم الذين تصلحون الكون"، "الفساد مستمر"، "ولن تأتي الدعوة ثمرتها"، "بل لابد أن يهلك هؤلاء على ضلالهم".
وهذا الصنف نوع من الناس لا يريد المشاركة الإيجابية في تغيير الشر والفساد، فهو يعلم الخير من الشر، ويشعر بالتأنيب من نفسه اللوامة لأنه مقصر، ويود لو أن الناس كلهم مقصرون، ولذلك يقول لغيره دع عنك إتعاب نفسك، ودع عنك ما تبذل من دعوة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فإنه لا فائدة!!.
وهذا منه تبرير لموقفه السلبي في ثوب نصيحة، ولا شك أن هذا جهل كبير منهم بفوائد الدعوة إلى الله تعالى، على الداعي نفسه، وعلى المجتمع بصفة عامة.
وإن كان الدعاة إلى الله أفهم لوظيفتهم وواجبهم الذي افترض على الأمة من هؤلاء الذين يثبطون الدعاة دائماً، ذلك لأن الدعاة يعلمون أن الدعوة إلى الله لها هدفين أساسيين، ولا تخلوا من فائدة طالما وجد هذان الهدفان.
الهدف الأول وهو الأثر العام للدعوة:(4/13)
إبلاغ الحق للناس أعذاراً إلى الله عز وجل، فإنه يكون لنا عذر بين يدي الله سبحانه، إذا كان المنكر يفعل فقلنا للناس إنه منكر، وبلغناهم شرع الله عز وجل، وهذا الهدف يحصل بمجرد فعل الدعوة، وبمجرد إبلاغ الحق للناس سواء استجابوا أم لم يستجيبوا، التزموا أو لم يلتزموا، قبلوا الدعوة أو لم يقبلوها، فذلك حاصل بدون النظر إلى النتيجة، وهذا يثاب عليه العبد بين يدي الله في الآخرة ويثاب في الدنيا بمنع نزول العقاب العام ومنع تعذيب الجميع، وذلك أن تعذيب الجميع ونزول الفتن التي لا تخص الظلمة فقط، إنما يقع عندما يظهر المنكر ولا يغيره أحد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقاب"، فالإعذار هنا معناه إظهار كراهيتنا للمنكر، وعذرنا بين يدي الله أننا بلغنا الحق.
والحق أنه عند التأمل في الأدلة المتعلقة بشأن وجود الطائفة المؤمنة في مجتمع تظهر فيه المنكرات يمكننا أن نلاحظ أن هناك عدة مراتب وأحوال:
المرتبة الأولى:
أن تكون الدعوة ظاهرة وشعر الإسلام ظاهراً في مجتمع من المجتمعات وتكون كلمة الحق معلومة، فعند ذلك لا يعذب الله الجميع، بل إذا نزل عذاب نجى الله المؤمنين الدعاة، كما قال الله عز وجل: )وَمَا كَان للّهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ([الأنفال:33]، أي: وفيهم من يستغفر، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندهم لنزل فيهم العذاب، وذلك يدلنا على أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم كان أماناً لأمته وهكذا ظهور الدعوة إلى الله عز وجل، أمام لكل مجتمع من المجتمعات من العقاب العام، فإذا ضاعت الدعوة، فإن ذلك يؤذن بعذاب الجميع.
فإذا كانت لديهم قوة على التغيير باليد لم يكن الوعظ كافياً، بل لابد من إزالة المنكر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، لكن إذا ترتب على التغيير باليد مفاسد معتبرة أو إيذاء معتبر له أو لأهله أو لعموم المسلمين لم يكن له ذلك(2).
المرتبة الثاني:
أن يكون هناك من هو صالح في نفسه وعاجز عن أن يبلغ كلمة الحق للناس، لأن الناس يمنعونه ويكرهونه على تركها، فهؤلاء قد يقع العذاب عليهم جميعاً، ويبعثون على نياتهم، وقد يدفع الله العذاب عن الناس بهم، فهو سبحانه يفعل هذا وذاك، ولكنه سبحانه وتعالى لا يعذب أمة بأسرها مع ظهور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن العذاب يحدث مع عدم الاستجابة لأمر الله عز وجل لكن إذا وجد من يسكت لعجزه، مستضعف ساكت عن الحق لا يستطيع أن يقوله ولا أن يعلنه فهذا قد ورد فيه قول الله تعالى: ( وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:33].
فالله دفع عن أهل مكة العذاب الأليم على الجميع لوجود طائفة مستضعفة، وإن لم تكن تدعو إلى الحق وتظهره من أجل عجزها.
وورد في مثل هؤلاء أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وأخرهم"، وقالت عائشة رضي الله عنها قلت يا رسول الله: يخسف بأولهم وأخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم : "يخسف بأولهم وأخرهم ثم يبعثون على نياتهم".
وفي رواية أخرى قالت أم سلمة: إن الطريق تجمع فيهم المجبور والمستبصر وابن السبيل، قال صلى الله عليه وسلم : "يهلكون مهلكاً واحداً، ثم يصدرون مصادر شتى".
ومن عجز عن الدعوة يكون معذوراً، وإن احتمل أن ينزل العذاب العام بدرجات متفاوتة، ليس شرطاً أن يكون مستأصلاً، بل قد يكون أنواعاً من المحن العامة، لو قلنا مثلاً المجاعات، سوء الحال، الفقر الشديد، الأمراض المنتشرة، الزلازل، الأعاصير، وهذه يمكن أن تصيب الصالح والطالح، وهذا نوعاً من العذاب الذي يصيب الجميع إذا كانت هناك طائفة مستضعفة لا تستطيع ان تؤدي دورها في الدعوة إلى الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث لا تظهر شعائر الإسلام.
فربما عذب البعض من الأبرياء ويكون ثواباً لهم عند الله، ويكون نزول العذاب العام تكفيراً لسيئاتهم ويبعثون يوم القيامة على نياتهم، ومن هذا قوله تعالى: )وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً( [الأنفال:25].
قال ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: "أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب"، وهذا تفسير حسن جداً، ثم ذكر جملة من الأحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده"، فقلت: يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال: "بلى"، قلت: فكيف يصنع أولئك؟ فقال: "يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان"، وله شاهد من حديث ابن ماجه من حديث عائشة.
ويؤيد هذا حديث زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه (وعقد سفيان الراوي بيده عشرة أي حلق حلقة) قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: "نعم إذا كثر الخبث" متفق عليه.
وهذا الحديث يوضح الحالة التي نزل بها العذاب العام، مع وجود الصالحين وهو كثرة الخبث.
وهو الفسق والفجور وقيل الزنا خاصة، قال النووي: والظاهر أنه المعاصي مطلقاً. ويلاحظ أنه لا يكون الإنسان صالحاً إلا وهو يؤدي الواجب عليه، ولو كان قادراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجة من الدرجات ولم يقم به لم يكن صالحاً.
المرتبة الثالثة:
أن يوجد من يقدرون على الدعوة والتغيير فلا يفعلون، أو الوعظ فيسكتون ولا ينتقلون عن مكان المنكر فيكونون مستحقون للعذاب لتقصيرهم كما قال تعالى: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( [النساء:164].
فمن سمع آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها، وهو قادر على أن يغير ولم يغير، ولم ينتقل، فهو آثم بسكوته وبه يبدأ إذا نزل العذاب العام، كما في بعض الآثار، أن قرية أمر الله بهلاكها، فتقول الملائكة: "يا رب إن فيهم عبدك فلان فيقول: فبه فابدؤوا فإنه لم يتمعر وجه فيِّ قط"، أي لم يتغير وجه عند رؤية المنكر، ولذلك من كان يجلس على مائدة تدار عليها الخمر ملعون مثل من يشربها والعياذ بالله ذلك أنه مشارك لهم وهم يشربون.
وروى الإمام أحمد عن حذيفة ابن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم"، وفي رواية له قال: "أو ليبعثن الله عليكم قوماً ثم تدعونه فلا يستجيب لكم".(4/14)
وروى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعاً: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيه كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها وأصاب بعضهم أعلاها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً وإن اخذوا على أيديهم نجوا جميعاً" ورواه الترمذي في الفتن.
وهذه الأحاديث تختلف عن الأحاديث التي ذكرناها في المرتبة الثانية وذلك أن الساكتين عنا مقصرون آثمون مستحقون للعقاب في الدنيا والآخرة.
لأنهم غير صالحين لعدم قيامهم بالواجب، كما قال سعيد بن المسيب في قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ( [المائدة:105]. قال: "إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت" رواه ابن جرير عنه، وروى عن حذيفة وغير واحد من السلف مثل ذلك.
ومن هنا يظهر لنا أهمية الدعوة إلى الله في تحقيق الهدف الأول وهو الإعذار إلى الله وثمرته منع العقاب العام والفتنة الشاملة وهذا الهدف يتم تحقيقه إذا بلغ الحق للناس وظهر شعار الدين بين الناس كما قال تعالى: )وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ( [الكهف:29].
ومن اجل تحصيل هذه الغاية تجوز أو تستحب أو تجب الإقامة بين ظهراني الكفار والظلمة والفسقة كما أقام الرسل صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين في ديار الكفر ووسط الكفار للقيام بواجب الإبلاغ، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً في مكة والأصنام حول الكعبة يراها صباحاً ومساءاً في بيت الله الحرام صابراً محتسباً لكي يبلغ الحق لجميع الناس.
والأمة مكلفة بالقيام بهذا الواجب واجب الإبلاغ بالنيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: "بلغوا عني ولو آية"، وقال: "فليبلغ الشاهد منكم الغائب".
الهدف الثاني الأثر العاجل:
من أهداف الدعوة احتمال استجابة البعض، قالوا:
أولاً: ( قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ) ، ثانياً: ( وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) .
جزموا بالمعذرة، وتمنعوا أو رجوا التقوى، النتيجة التي نتمناها ونرجوها هي التقوى، وجزموا بالمعذرة، لم يقولوا: لعله معذرة وليتقوا، بل قالوا: معذرة أي ندعوا إلى الله معذرة، لعلهم يتقون، وذلك أن نتيجة الدعوة إلى الله ليست بيد الداعي، فهل يجزم أحد بأن المدعو سوف يستجيب أو يهتدي؟، لا يعلم ذلك إلا الله، فهؤلاء الدعاة رجوا أن يهدي الله طائفة منهم لعلهم يتقون مع تكرار الوعظ.
فالداعي إلى الله عز وجل من شفقته وحبه للخير يحب للناس الهداية أولاً، ولا يريد بدعوته أن يعذبوا أو يهلكوا، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يربِّ الصحابة على ذلك قط، بل يقول لعلي رضي الله عنه وقد أخبره أن خيبر ستفتح على يديه وخيبر من أغنى حصون اليهود الذين معهم من الأموال ما معهم... يقول: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، فادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجل واحداً خير لك من حمر النعم".
ولذلك يقول العلماء: إن من ضمن فوائد الدعوة ونفعها الأثر العاجل المباشر أن يستجيب المدعو مباشرة، كأن تقول له اتق الله، قم فصلِّ فيطيع ويقوم ويصلي، وتقول للمرأة: اتقي الله والبسي الحجاب الشرعي، فتقول سألبسه وتفعل فعلاً.
وهذا الأثر هو المحبوب المرجو لدى الداعية في أن يستجيب المدعو إلى الله تعالى مباشرة، ويتوب إلى الله عز وجل من معصيته وينجو من عذاب الله قبل أن يهلك بإصراره على معصيته، وهذا ولا شك قليل إلا أنه موجود، فقليل من يشبه أبا بكر الصديق في سرعة استجابته للحق، ورجوعه إليه، فعندما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام لم يتلعثم، ولم يتردد لحظة، وقبل مباشرة، والصحابة بعد ذلك تأدبوا بهذا الأدب، فتعلموا فكانوا واقفين ورجاعين عند كتاب الله تعالى.
وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، إذا ذكر يتذكر، وهذه علامة على حياة القلب وصحته، ذلك لأن الإنسان لا يخلوا من معصية، لكن إذا ذكر يتذكر وينيب، ويتوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
الهدف الثالث الأثر الآجل:
وهو داخل أيضا في قوله تعالى عن المؤمنين )وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(، وذلك لأن الدعوة إلى الله تؤدي إلى ما يسميه العلماء "إحداث نكاية" في القلب الفاجر والعاصي، وربما يؤثر ذلك في الكافر بتكرار الأمر والنهي بأن يرتكب المنكر وهو غير مطمئن إليه لتكرير التذكير: أنت على منكر، أنت على حرام، فيحدث نكاية فوق نكاية في قلبه، إلى أن يمن الله تعالى عليه في الوقت الذي يشاء عز وجل بالهداية فيهتدي، ويترك المنكر.
فتقول لمن لا يصلي: قم فصلي، فيقول: الله يهديني، وعندما يكبر ويعقل يصلي فعلاً، ونقول للمرأة: ارتدي الحجاب، فهو فرض، فتقول: إن شاء الله عندما أتزوج، وعندما تعقل تتحجب بالفعل.
وهذا أمر مشهود، وكثيراً جداً من الناس ينصح مرات، ثم في المرة بعد المائة يلتزم ويهتدي.
فمنذ خمسة وعشرين عاماً تقريباً لم تكن هناك امرأة واحدة ترتدي الزي الشرعي إلا نادراً جداً، ثم بدأت الصحوة الإسلامية منذ خمسة وعشرين عاماً، وكانت الملابس القصيرة آنذاك عادية جداً، وفي الريف والمدينة لم تكن امرأة تغطي شعرها، ثم بدأ الحجاب يظهر.
الآن من هن في سن الأربعين أو الخامسة والربعين لا تكاد توجد من تكشف عن شعرها في هذا السن إلا قليل جداً، كن من قبل متبرجات، وسمعن أن الحجاب واجب، وأن المرأة لابد أن ترتديه، وبعد سنين عندما من الله عليهن بالهداية استجبن.
فالهداية من عند الله، ونحن لا نعلم متى يستجيب المدعو، لكن على الأقل سيتأثر قلبه، ويعلم أنه مخطئ، هذه ثمرة من ثمرات الدعوة لكنها ثمرة مخفية لا تظهر في الحال ويرجى بإذن الله أن تثمر في المستقبل.
فالإنسان الذي يحس أنه مخطئ أفضل بلا شك من الذي يرى نفسه على صواب، فالأول قلبه متغير نحو هذا المنكر، لا يقر المنكر ويقول: أنا على خطأ، والثاني الأخطر والأشد جرماً الذي قلب المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، أصبح ما يفعله هو الصواب، وما تقوله له أنت هو الخطأ.
ولذلك يريد أعداء الإسلام أن يفعل الناس المنكر، وليس هذا فقط بل يفعلونه ويرونه صواباً، فالذي يأكل الربا وهو يعلم انه مخطئ، خير من الذي يأكله ولا يرى به بأساً، والمتبرجة التي تعلم خطأها خير من التي تقول: "هذه حرية، وهذا الذي ينبغي أن يكون، والناس كلها تتقدم وأنتم تتخلفون".
هذا من الممكن أن يوصلها إلى الكفر والعياذ بالله، بل هذا فعلاً من الكفر، إذا كانت قد بلغتها الحجة، واعتقاد القلب وعمله وانقياده من أعظم أركان الإيمان، فإحداث النكاية في قلب العاصي من أثر الدعوة، وهو يحافظ على قول القلب وعمله وإن كان ضعيفاً لا يستطيع التأثير في الجوارح.
فإذا نظرنا في تاريخنا الإسلامي، وبالتحديد في تاريخ الصحابة رضي الله عنهم، نجد خالد بن الوليد مثلاً أسلم بعد عشرين سنة، كان خلالها يحارب الإسلام، وكذلك عمرو بن العاص أسلما بعد صلح الحديبية وغيرهما كثير.
فبقاء الدعاة إلى الله في مثل تلك القرية يكون لأحد الهدفين:
الأول: أن يوجد أناس لم تبلغهم الدعوة، فبقاء الدعاة من أجل إبلاغهم الدعوة.
الثاني: استجابة قلوب البعض كلياً وبسرعة أو جزئياً ولو بعد مدة.(4/15)
والذي يجعل الصغير والكبير يفعل المنكرات، أنه يجد في كل الناس منكراً منتشراً بشكل عادي، فلو أن كل من شتم أو سب أو قذف وجد من يقول له: اتق الله، وهذا حرام، لن ينشأ الصغير متعوداً على سب الدين، أو سب الأم والأب واستعمال ألفاظ القذف والاتهام بالزنا والفواحش وكل منها يستوجب حداً، وربما يرتكب الواحد منهم عدة جرائم كبرى في لحظة واحدة مما يستوجب عدداً من الحدود، فإذا وجد من يقول: اتقوا الله، لن يكون الأمر بسيطاً وطبيعياً عند الناس ولن يهون في نظرهم.
مثلاً لا يوجد في مجتمعنا اليوم شاباً يقبل فتاة في الطريق، ولكن قد يحدث في بعض الأماكن الأخرى، فلو لم ينكر الناس عليهم فسنجد بعد عدة أعوام رجالاً يقبلون نساءً في الطرقات، أما لو قلنا لهم اتقوا الله، هذا حرام سيخجلون، أما سكوتنا نحن فهو الحياء المذموم والخجل غير الشرعي.
(6)
قال تعالى: ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ) [الأعراف:165]، عندما تركوا ما ذكروا به أنجى الله الذين ينهون عن السوء، فذكر ربنا نجاة الدعاة إلى الله من العذاب العام بسبب دعوتهم، )وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ(، يبين سبحانه أن الظلمة عذبوا عذاباً شديداً بفسقهم.
فأين الساكتون؟ أين الذين قالوا: لم تعظون قوماً الله مهلكهم؟ سكت عنهم القرآن كما سكتوا عن الدعوة، سكت الله عن الساكتين عن الحق، ولذلك اختلف العلماء فيهم، فمنهم من قال: نجوا لأنهم كرهوا المنكر، فمن كره المنكر وعرف أنه منكر فهذه أول خطوات النجاة، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجع عن القول بهلاكهم، قال حماد بن زيد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في الآية، قال: "ما أدري أنجا الذين قالوا )لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا(، أم لا؟"، قال: فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا فكساني حلة،
قال ابن كثير رحمه الله: "ولكن رجوعه أي ابن عباس إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى من القول بهذا (يعني قوله الأخر بهلاكهم). لأنه تبين حالهم بعد ذلك والله أعلم.
وقوله تعالى: )وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ...( الآية، فيه دلالة على ان الذين بقوا نجوا.
وواضح أن حكم الساكتين مما يفهم من الآية وليس صريحاً، لذلك فالاحتمال وارد أن يكونوا من الطائفة الهالكة لتركهم الواجب عليهم، ويحتمل أنهم نجوا بكرهيتهم والله أعلم.
وابن عباس كان يبكي رضي الله عنه عند سماع هذه الآية وتلاوتها، وهذا من تطبيق الصحابة للقرآن عملياً على واقعهم، قال ابن عباس: "رأينا أشياء وسكتنا"، فلنا أن نتخيل المنكرات أيام ابن عباس ماذا كان نوعها لكي يبكي ابن عباس؟، ولما أشار إليه عكرمة بأنهم ربما يكونون قد نجوا لأنهم كرهوا المنكر كساه ثوبين، ذلك أن الأمر المختلف فيه غير الذي نص عليه القرآن، فنحن نحلف بالله أنه من دعا إلى الله من هذه الطائفة نجا قال تعالى: )أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ (، ولا نستطيع أن نحلف ولا أن نجزم بشأن الطائفة الساكتة، ولذلك من أرد أن ينجو، فليدخل في ضمان النجاة بإذن الله تبارك وتعالى.
قال تعالى: )فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ(.
لما رأت الطائفة الواعظة عدم الاستجابة من الطائفة المعتدية في السبت، رحلوا وهذه كانت بداية النجاة لهم وبنوا سوراً بينهم وبين أهل المعصية كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما.
كيف كانت نجاة الدعاة إلى الله؟ انعزلوا بعد أن اكملوا بلاغ الحق إلى الناس وانعدمت الاستجابة، ولا يرجى أن يستجيب أحد لأن العتاة صاروا يقابلون الدعوة بالإباء والإعراض والتولي عن الذكر فالدعوة استنفدت كل أهدافها، فلابد من الرحيل إلى مكان آخر نستطيع أن نعبد الله فيه.
كما قال تعالى: )قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ( [الزمر:10]، وقال: )يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ( [العنكبوت:56]، فالله عز وجل أمرنا أن نعبده في مكان من الأرض، فلو لم توجد فائدة من الدعوة إطلاقاً فلا يجوز أن نبقى في هذه البلدة التي تنتشر فيها المنكرات، كما قال الإمام مالك بن انس: "لا يحل لأحد أن يبقى في بلدة يسب فيها السلف"، فإذا كان الرب يسب والدين يسب والعياذ بالله، فإذا كنت تبقى للدعوة إلى الله والإعذار إلى الله ولكي يستجيب أحد من أبناء المسلمين للحق، أو تستنقذ مسلماً من هلكة فلتقم، أما أن تبقى لمجرد الكل والشرب، ولمجرد تحصيل الأموال، فلا يجوز أن تبقى في مكان ينتشر فيه المنكر من أجل أغراض دنيوية.
فهذه الطائفة المعذبة "عتوا عما نهوا عنه" فبعد أن كانوا يتحايلون، استمروا في الإجرام اكثر، فشرعوا يصطادون يوم السبت مباشرة، ويعتدون في السبت مباشرة والعياذ بالله، وفي يوم من الأيام أمر الله عز وجل هذا الأمر الذي ذكره سبحانه وتعالى: )قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ(، أمر تكوين، أمر الله عز وجل بكن فكانوا قردة أذلاء خاسئين مسخوا قردة والعياذ بالله.
في يوم من الأيام أراد الصالحون أن يعرفوا ماذا فعل أصحابهم؟ فتسلقوا السور، أو فتحوا بينهم باباً، فلم يجدوا في القرية أحداً، ووجدوا قردة تتعاوى، فنزلوا ينظرون ما الشأن، فلم يجدوا أحداً منهم وكان القرد يعرف قريبه وجاره، ولا يعرفه ذلك القريب، فيأتيه ويشمه ويربت عليه فيقول: "ألم أكن أنهاك؟ فيشير أن نعم، ويبكي ولا يستطيع أن يتكلم والعياذ بالله، وقيل مسخ شبابهم قردة وشيوخهم خنازير وذلك أن الله ذكر مسخ الخنازير أيضاً والخنزير أقبح، قال تعالى: )قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ( [المائدة:60].
وهذا المسخ سيقع في هذه الأمة مثله عندما تشرب الخمور وتضرب المعازف على الرؤوس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقواماً إلى جانب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة، فيقولون ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله ويضع القلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير"، قيل: يا رسول الله ويشهدون ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ويصومون؟، قال: "نعم"، قيل: فما بالهم؟ قال: "يتخذون المعازف والقينات والدفوف ويشربون الأشربة، فباتوا على شرابهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير".
وعند ابن ماجة عن أبي مالك الأشعري قال: قا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالدفوف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".(4/16)
مع أن هذا قد انتشر والعياذ بالله، وهناك نوع آخر من المسخ، وهو نوع اخطر من المسخ الظاهر، هو مسخ الباطن، والعياذ بالله وهو أن يصير الإنسان عبداً لغير الله، أن يعبد الإنسان الطاغوت، كما قال عز وجل: )قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) المائدة:60]، عبد الطاغوت شر الأنواع الثلاثة، لأنه بدء بالقردة ثم ثنى بالخنازير ثم ثلث بعبدة الطاغوت فالقرد خير من الخنزير فالقرد أشبه بالإنسان والقرد يغار على أنثاه، يقول عمرو بن ميمون أحد ثقات التابعين: في الجاهلية رأيت قرداً شاباً وقردة شابة، والقردة الشابة معها قرد عجوز، فأشار القرد الشاب للقردة وكانت واضعة يدها تحت رأس العجوز، فنيمته، وسلت يدها من تحت رأسه، وذهبت مع القرد الشاب، قال: فوقع عليها (زنا بها)، وأنا أنظر، ثم رجعت فوضعت يدها تحت رأس القرد العجوز (زوجها) فانتبه فشمها فصاح، فاجتمعت القرود فأتى بالقردين الزانيين فرجمتهم القرود حتى ماتا"، فالقرد يغار والخنزير لا يغار على أنثاه، القرد يجوز بيعه إذا كان منه منفعة لحفظ المتاع مثلاً، والخنزير لا يجوز بيعه بحال، والقرد طاهر العين في الحياة، والخنزير نجس دائماً.
والأسوأ من هذين عبد الطاغوت، وهم كثيرون جداً، لكن شكلهم بشر يرتدون الحلل، وتعظمهم الناس، ولكنهم عبيد الشيطان وجنده من الكفار المشركين واليهود والنصارى وعبيد المنافقين، ينفذون كل مخططاتهم في الكفر والضلال، ويقولون: هي أوامر علينا، والذي يعرف أن هذا كفر وضلال وحرب للإسلام ومع ذلك ينفذه فهو عبد الطاغوت، عبد الشيطان، هؤلاء شر الثلاثة، مسخت قلوبهم وبواطنهم، فهذا الذي ذكر الله من مسخهم، ثم ماتوا بعد ذلك.
قال عز وجل: ( قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) أي أذلاء.
وفي الحديث الصحيح: "أن الله لم يجعل لمسخ نسلاً"، بعد أن مسخوا ماتوا ولم يتناسلوا، فيقال لليهود: أنهم إخوان القردة والخنازير، وليسوا أبناء القردة والخنازير لأنهم ليسوا أبنائهم لكنهم أشباههم وإخوانهم في صفاتهم وأفعالهم.
فهذه بعض فوائد هذه القصة العظيمة نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما فيها من موعظة، وأن يوفقنا للعمل بطاعته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ينجينا عن مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
---------------
(1) المنع من التورق مذهب عمر بن عبد العزيز ومالك ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أنه مذهب ابن عباس.
(2) راجع كتاب الأمر بالمعروف للمؤلف
===============
ضرورة تنمية ثروات المسلمين
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102). (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71).
أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أما بعدُ أيها المسلمون:
فقد عاشت الأمةُ قروناً طويلَة من الغفلةِ والضياع, والنومِ والسُباتِ العميق, حتى إذا ما أفاقت من غفلتِها وصحتْ من رقدتِها, إذا بها تجدُ نفسَها ممزقة العقائد, مبعثرةَ الأجزاء, منهكة القوى, ممَّا حدا ببعضِ المخلصين إلى محاولةِِ صُنعِ شيءٍ ما, يُُخلِّص أمتَهم من محنتِها, وينتشلُها من تخلفِها وتبعيتِها, فإذا بآمالهمِ وأحلامِهم تصدُم بعقبةٍ كؤود من قلةِِ الإمكاناتِ وشحِّ الموارد، وضُعف التمويل, إنَّ لديهم آمالاً في بناءِ المساجد, وإنشاءِ المدارسِ والمعاهد، لكنَّ المالَ شحيحٌ في أيديهم, إنَّ لديهم آمالاً في طباعةِ الكتبِ وكفالةِ الدعاة، لكنَّ المالَ شحيحٌ في أيديهم. إنَّ لديهم آمالاً في رعايةِ الأيتامِ والأرامل، وتعاهدِ الفقراءِ والمحتاجين، لكنَّّ المالَ شحيحٌ في أيديهم, إنَّ لديهم آمالاً في إطعامِ الجوعى, و إ رواءِ العطشِ وسترِ العُراة، لكنَّ المال شحيح في أيديهم. فما الحلُ يا ترى ؟! هل يكونُ الحلُ باستجداءِ أربابِ الأموال طلباً لإحسانِهم وصدقاتهم؟ أم يكونُ الحلُ باستعطافِ السحابِ أن يُمطرَ ذهباً وفضة ؟!أم يكون الحلُ برفع الرايةِ البيضاء, وإعلانِ الهزيمة والتراجع أمام ضغطِ الواقعِ ومرارتهِ ؟!أم يكونُ الحلُ فيما أرشدَ إليه النبيُ r بقوله (( لأن يغدوَ أحدُكم فيحطُب على ظهرهِ خيرٌ له من أن يسألَ رجلاً أعطاهُ أو منعه ذلك, فإنَّ اليدَ العُليا أفضلُ من اليدِ السفلى, وابدأْ بمنْ تعول)) [1].(4/17)
فهلْ فقهَ الخير ونَ هذا التوجيهَ النبويَ الكريم، فشمروا عن ساعدِ الجدِ والرجولة, ومشوا في مناكبِ الأرض يبتغونَ من فضل ِالله ويُعفُّون أنفسَهم, ويساهمونَ في مشروعاتِ الخير ِالمعطلة، يومَ بخلَ في تمويلِها عبدةُ الدينارِ والدرهم, هل فكَّر الشباب الخيِّر ون في استثمارِ طاقاتِهم, واستغلالِ إمكاناتِهم, وأصلحوا النيَّة والقَصد, ونزلوا الميدانَ بقوةٍ وذكاء، ليكونَ ما اكتسبوه من الرزقِ الحلال سبباً لنفعِهم, واستغنائِهم من جهة، ورافداً من روافدِ دعمِ الدعوةِ ومشروعاتِ الخيرِ من جهةٍ أخرى, أليس في توجيهِ النبيِ صلى الله عليه وسلم أكبرُ دليلٍ وأوضحهُ إلى ضرورةِ الأخذِ بأسبابِ الكسب، وتنميةِِ الموارد نصرةً للدين و إ عفافاً للنفس, وإحساناً للآخرين. تُرى لو امتلكَ الخير ونَ الثروة مع حسنِ القصدِ وسلامةِ التدبير، كيف ستكونُ عليه أحوالُ المسلمين؟! وكيف ستؤولُ إليه أوضاعُهم؟!وكم من المعاهدِ العلميةِ المنتجة سيرفُعونها ؟!كم من الكتبِ النافِعة المؤثرةِ سيطبعُونها؟! كم من الملاجئِ والمساجدِ سيبنُونها ؟!كم من الآبارِ سيحفُرونها؟ وكم من الأجسادِ العاريةِ سيكسُونها ؟!لو امتلك الخير ون الثروة مع حُسنِ القصدِ وسلامةِ التدبير. كم من أسرةٍ فقيرةٍ سيكفُلونها ؟وكم من أرملةٍ محرومةٍ سيسعدُونها ؟!وكم من فئةٍ مريضةٍ سيعالجُونها ؟!هاك - يرحمك الله - حديثاً صحيحاً تتبينُ من خلالِه كيفَ تكونُ رجاحةُ العقل, وسخاءُ النفس, وسلامةُ التدبير حين تقع الثروةُ في يد رجلٍ صالحٍ يتقي الله ويراقبُه, لم يستولْ الجشعُ عليه, ولم تعرفْ الأنانيةُ طريقاً إليه، فهو يشعُر بالآخرين ويدركُ حاجتَهم, ويحسُ بمعاناتِهم. استمعْ إلى حديثِ أبي هريرةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لترى كيفَ يتصرفُ الخير ونَ بأموالِهم، وكيف يديرونَ ممتلكاتِهم، لتشملَ ببركتها الأقربينَ والأبعدين (( بينما رجلٌ في فلاةٍ من الأرض فسمع صوتاً في سحابة، اسقي حديقةَ فُلان فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءَه في حرة فإذا شرجةٌ من تلك الشِراج قد استوعبتْ الماءَََ كلَّه, فتتبعَ الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقةِ يُحوِّلُ الماءَ بمساحاته, فقال له ما اسمك يرحمك الله ؟!قال : فلان فإذا به ذاتُ الاسمِ الذي سمعهُ في السحابِ قبلَ قليل فتعجب، وأردف سائلاً مرة أخرى !!إنِّي سمعتُ صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول أسقي حديقةَ فلان فما تصنعُ فيها ؟!قال : أمَّا إذ قلتَ هذا, فإنِّي أنظُر إلى ما يخرجُ منها فأتصدقُ بثلثهِ, وآكل أنا وعيالي ثلثَه, وأردُّ في الحديقةِ الثلثَ الباقي)) [2]!!
انظرْ - يرحمك الله - كيف يتصرفُ هذا الرجلُ الصالحُ بثروتِه؟ وكيف يقسمُُ مالَه إنَّّه أولاً ؟: رجلٌ حرٌ كريم يعفُ نفسََه وأولادَه, ويستغني عمَّا في أيدي الآخرين. وثانياً : هو جوادٌ سخي طاهرُ القلبِ, كريمُ النفس, يتعاهدُ الفقراءَ والمساكين وذوي الحاجةِ والفاقة، فيخصصُ لهم ثُلثَ أرضِه المباركة.
ثم هو ثالثاً : رجلٌ راجحُ العقل، حسنُ التدبير، يملكُ فكراً استثمارياً حياً, فهو يعيدُ استثمارَ ثُلْثَ نتاج حديقتِه فيها، لمضاعفةِ الإنتاجِ ورفعِ الكفاءة, ثم هو رابعاً : رجلٌ لم يتقوقعْ في صومعة أو يترهبنْ في مغارة, أو جلسَ مع عتباتِ اللئام يستجديْ فُتاتَ موائدِهم، ولكنَّه شمَّر عن ساعده، وأمسكَ بماسحاته, وجدَّ واجتهد، يأكُل من كسبِ يده، ويمسحُ العرقَ بطرفِ ثوبِه, فسُخِّر له السحاب يسقي حديقتَه ويروي زروعََه, وهذا البطلُ الشهيد، شهيدُ الإسلام - عُثمان رضي الله عنه - ماذا صنع بثروتهِ ؟ وكيفَ تصرفَ بأملاكهِ ؟!
أليس هو الذي حفَر بئرَ رُومة ؟ وسبَّل ماءَه للمسلمين. وأنفقَ فيه بلا حساب ؟! أليس هو الذي جهَّز جيشَ العُسرة بثلاثمائةِ بعيرٍ بأقتابها وأحلا سها ؟!وجاء بألفِ دينارٍ من ذهب، فصبَّها في حجرِ رسولِ صلى الله عليه وسلم
أيها الأحبةُ في الله : إنَّنا نتساءل أينَ ذهبت ثرواتُ العالم يوم زَهِدَ فيها الخيرون, واغتروا بدعوات الخاملين، التي رفع لوائَها المتصوفةُ وأذنابُهم.ألم يذهبْ شطرٌ كبيرٌ منها في أيدي اليهود؟!فماذا صنع اليهود؟ يوم امتلكوا الثروة, وسيطروا على عوامل الإنتاج, ورؤوسِ الأموال؟! ماذا صنع اليهود ألم يسخِّروا ثرواتِهم في تنفيذِ سياساتِهم التوسعية، وخططِهم الجهنمية؟ ألم يوظفوا ثرواتِهم في تطويعِ السياساتِ العالمية، لخدمة مآرِبهم وأهدافِهم, وتبني قضَاياهم وتوجهاتِهم ؟!
ألم يوظفْ اليهودُ ثروتَهم لبناءِ قوةٍ عسكريةٍ ضاربة، يرعبونَ بها المسلمين ويبتزونهم, ويُذلِّونهم؟ ألم يفرضْ اليهوُد من خلالِِ ثرواتِهم بنوكَ الربا، ويُفسدوا العالم بما أنشأوه من دور الفنِّ والخلاعة، وبيوت السُكر والعربدة ,
وماذا صنعَ النصارى يوم امتلكوا الثروة ؟! ألم يوظفوا ثروتَهم في تنصيرِ العالمِ وإضلالهِ, عبر ما جهزوه من الإرسالياتِ الضخمة، والبعثاتِ التنصيريةِ الهائلة؟! ألم يساوموا فقراءَ المسلمينَ خاصة على عقائدِهم, ويُدنِّسوا فطَرهم مقابل شربة ٍ من ماءٍ ملوث، أو لقمةٍ من طعامٍ فاسد؟
ألم يحملوا أطفالَ المسلمين في بواخرهِم كالقطيع، إلى حيثُ تُمسخُ العقيدة وتُدمرُ الأخلاق ؟! ألم يسخرْ النصارى ثروتَهم في بناءِ الكنائس وطباعةِ الإنجيل, ورفعِ الصليبِ في كلِّ مكان ؟!ويوم فاضتْ حقولهمُ بالمحاصيل، وضاقتْ مزارعهمُ من كثرة الإنتاج، هل أطعموها الفقراءَ والمساكين, والجوعى والمحرومين ؟! أم ألقوا بالفائض في عَرْض المحيط، خشيةَ هبوطِ الأسعار، وتفادياً لغضبِ الزارعينَ والتجار؟ فأين هم رسل الرحمة وملائكة الإحسان؟!ماذا صنعَ الروافض الكفرة يومَ امتلكوا الثروة, وتكدستْ في أيديهِم الأموالُ الطائلة؟! ماذا صنع الروافضُ بالثروة ؟! وبأي شيءٍ وظَّفوها, ولأي شيءٍ سخروها؟! ألم يؤججوا الفتنَ هُنا وهناك ؟!
ألم يمددوا الخلايا التخريبيةَ بالسلاح كما في أفغانستان ولبنان ؟! ألم يعيدُوا طباعةَ خُرافاتِهم التي طواها الزمانُ منذ عشراتِ السنينَ ؟! ألم ينافسوا النصارى الصليبين في غزوِ القارةِ السوداء، مستغلينَ فقرَ المسلمين وجوعَهم وجهلَهم، وغفلة أهل السنة عنهم, فلقنوهم الرفضَ كباراً وصغاراً حتى تشيعتْ قُرى بأكملِها, وارتدتْ قبائلُ عن بكرةِ أبيها ؟!ماذا صنع الروافضُ الأشقياء يوم امتلكوا المالَ والثروة، ألم يسخِّروا أبواقَهم وإذا عاتِهم في الإرجافِ وتأجيجِ الفتن، ونشرِ بدعهِم وخُزعبلاتهم, والكيدِ لأهلِ السُنَّة وحُماة الملة ؟! بل ماذا صَنعَ فُساقُ أهلِ السُنة يوم امتلكَ بعضهم الثروة ؟! أما أفسدوا أبناءَهم وأسرَهم بما هيئوه لهم مِن أسبابِ الشَّر والفتنة ؟!أما بددوا أموالَهم في إرواءِ شهواتِهم وإرضاءِ غرائزهِم ؟! وإشباعِ غرورهم؟! أما علموا أنَّ في أموالهمِ حقاً للسائلِ والمحروم؟ أما علموا أنَّ في أموالهمِ حقاً للأرملةِ واليتم ؟!أما علموا أنَّ في أموالهمِ حقاً للمجاهِدِ وابنِ السبيل؟!
فلماذا تُبعثرُ الأموال ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال؟!ومشروعاتُ الخيرِ معطلةٌ ومجمدة تشكو إلى ربها قسوةَ القلوب، وجفافَ الطباع, وبر ود المشاعر .
فمتى يستيقظُ الخيرون، ويسارعون إلى إعدادِ القوةِ التي أُمروا بإعدادِها يقول الباري جلَّ جلاله ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ..)) (الأنفال:60) .
وقد علموا أنَّ القوةَ الاقتصاديةََ اليوم هي القوةُ القاهرة, ذات الكلمةِ المسموعة, والضربةِ الموجعة !!(4/18)
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين .
أما بعد أيها المسلمون :
فمن الوسائل المثمرة والمفيدة في تنمية المال وزيادة بركته:
أولاً : تكوين الشركات بين الخيرين, ولو بروؤس أمول صغيرة, وعلى شكل أسهمٍ ميسورة, استعداداً لدخول الأسواق وميادين المنافسة المشروعة.
ثانياً : دراسةُ أحوال السوق، وتلمس حاجات الناس, ومحاولة تلبية المتطلبات المفقودة بأسعار معقولة.
ثالثاً : محاولةَ أيجادَ بدائل ذات جودةٍ عالية للسلع المعروضة, بأسعار مغرية لتحقيق النجاحات المأمولة .
رابعاً : محاولةُ فتحُ أسواقٍ جديدة لترويج البضائع في المدن الصغيرة، وتلبية احتياجاتها.
خامساً : حوضُ غمار المنافسات العقارية, عبر شراء المخططات الحديثة وتسويقها بأسعار منافسة.
سادساً : الاستثمار الصحي, بفتح المصحات وفق ضوابط شرعية, وتلافي المحاذير الموجودة الآن, من اختلاط وخلافه .
سابعاَ : الاستثمار الصناعي والإنتاجي, والزراعي بطرق مدروسة ومتأنية .
أيها المسلمون : إنَّ الإسلام دين الجهاد, والعبادة، ودين الاقتصاد والسياسة, ودين الاجتماع و الإدارة وغيرها. ومنابر الجمع والجماعات، لا ينفي بمعزل عن طرق كلّ هذه المصالح العظيمة, على أساس متين من العلم النافع والمنهج السديد.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
[1] رواه مسلم (1042) من حديث أبي هريرة t .
[2] رواه مسلم (2984) من حديث أبي هريرة t .
==============
الكسب الطيِّب
الخطبة الأولى
الحمد لله ، أمر بالأكل من طيبات الرزق ، كما أمر بشكره وهو الغفور الشكور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
{ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أسوةُ كل صبّارٍ شكور ،
صلواتُ الله وسلامُه عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور
أما بعد :
فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى وكلوا من طيبات ما رزقكم الله ، واعملوا صالحاً { وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } .
معشر المسلمين :
لقد شرع الإسلام طرائقَ لكسب المال , أَذِنَ للناس في إتباعها إذا أرادوا أن يشبعوا رغبتهم الفطريةَ في حب المال وجمعه , وكلُ مال يستفيدُه المسلم من خلال التزامه بطرائقِ الكسبِ الشرعية , يعتبر حلالاً طيبًا , لصاحبه الحقُ في تملكه والانتفاعِ به ، في غير سَرَفٍ ولا معصية ، أما المال الذي يحصل عليه الإنسانُ من وسائلَ أخرى غيرِ مشروعة , فهو مال خبيث , لا يجوز للمسلم أن يتملكه ولا أن ينتفع به ولقد حث الإسلامُ على تحري الكسب الطيب , ولو كان قليلاً ، وحذر من الكسب الخبيث , ولو أعجبَ الإنسانَ كثرتُه ، قال تعالى : { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } قال الحسن رحمه الله : (( الخبيث والطيب : الحلال والحرام )) وقال القرطبي رحمه الله : هو (( عامٌ في جميع الأمور ، يُتصورُ في المكاسب ، والأعمال ، والناس ، والمعارف من العلوم وغيرها ، فالخبيثُ من هذا كلِه لا يفلح ولا يُنْجِب ، ولا تحسنُ له عاقبة وإن كثر ، والطيب وإن قل ، نافعٌ ، جميلُ العاقبة )) .
عباد الله :
إن الطَيِّبَ سبب للقبولِ ، واستجابة الدعاء ، كما أن الخبيث بضد ذلك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } (51) سورة المؤمنون ، وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (172) سورة البقرة ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ )) رواه مسلم .قال بعض العلماء في قوله { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } : (( قدَّم الله الأكلَ على العمل ، لأن أكلَ الطيِّب يعين على كلِّ خير ، وأكلَ الخبيث يثبِّط عن كل خير ، ويفتح أبوابَ الشر والبلاء )) .والأكل من الطيب ـ أيها المسلمون ـ سبب لدخول الجنة ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا ، وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَكَثِيرٌ ، قَالَ وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي )) رواه الترمذي رحمه الله . قوله : ( بوائقه ) أي : شروره وفساده . ولقد كان السلف الصالح عليهم رحمةُ الله يتحرون الحلال ، ويتقون المتشابه ، طلبًا للسلامة في دينهم وأعراضهم ، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ ، لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ ، وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ )) رواه البخاري ومسلم ، واللفظ لمسلم .(4/19)
فهذا أبو بكر رضي الله عنه تقول عنه عائشةُ ابنه رضي الله عنها كما في صحيح البخاري : (( كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الْغُلامُ : أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلا أَنِّي خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِه )) . وذكر إن أبا حنيفة رحمه الله كان تاجر بَزّ ـ أي يبيع القماش والثياب ـ وكان له شريك ، فقال لشريكه يوماً : أخشى أن لا أكون حاضراً هذا اليوم ، ولكن البزّ الفلاني في بعضه خروق ، فإن بعتها فبيِّن للمشتري نقصَها حتى يكون على بينة من أمره ، وإن صاحبه باعها ولم يخبر المشتري بذلك ، فجاء أبو حنيفة فسأله ، فقال : بعتُه دون أن أخبر بما فيه من عيب ، قال : هل أطلعته ؟ قال : لا ، اشتراه مني وذهب ، قال : أتعرفه ؟ قال : لا ، قال : فإن نصيبي من هذا البزِّ صدقة لله ، لا أريد أن آكل ما أعلم أن فيه غشاً لأحد ، لأني أرشدتك أن تبيِّن له العيب فلم تبين له .هكذا كان الصالحون ، يطبقون على أنفسهم ما يعلمون قبل أن يقولوه للآخرين ، وهكذا بلغ بهم الصدق والأمانة والورع
مبلغاً نالوا به العزة في الدنيا ، والبركة في الرزق ، ولهم الثواب الحسن عند الله تعالى . عبادَ الله / بركةُ الرزق ليست بكثرتِه ، ولكن بركةَ الرزق أمرٌ يجعله الله في قلبِ العبد ، فيرضَى بما قسَم الله له ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (( قد أفلح من أسلم , ورزِق كفافا,ً وقنّعه الله بما آتاه )) رواه مسلم من أسباب بركةِ الرّزق ـ أيها المسلمون ـ تقوَى الله تعالى في كلّ الأحوال ، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [ الطلاق : 2 ، 3 ] ، وقال سبحانه : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ} [ الأعراف : 96 ] ، ومِن أسبابِ بركة الرزق صلةُ الرحم ، ففي الحديث : (( من أحبَّ أن يُنسَأ في أثره ويبسَط له في رزقه فليصِل ذا رحمِه )) رواه البخاري ومسلم .ومن أسباب بركة الرزق الإنفاقُ في وجوه الخير والصدقةُ على المساكين والمحتاجين ، قال تعالى : {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[ سبأ : 39 ] .فبركة الرزق في الدنيا ـ أيها المسلم ـ أن يخلفَ الله عليك عوضَه ، وبركته في الآخرة ما ينالك من الثواب العظيم ، في يومٍ أنت أحوج فيه إلى مثقال ذرّة من خير .نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا ، وأن يخلّص مكاسبنا من كل حرام وشبهة . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيأيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واكتفوا بالحلال عن الحرام والمتشابه لعلكم تفلحون.معشر المسلمين_ لو خلا المسلم بنفسه وتفكر في كسبه لبلغ منه العجب كل مبلغ كيف يسوقه الشيطان إلى طرائق الكسب الحرام ويغريه بها وقد علم أن الرزق مقسوم لا يزيد فيه الخوض في الحرام، كما لا ينقصه الوقوف عند حدود الحلال. فقد روي عن جابر رضي الله عنه مرفوعا : ( لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له ، فأجْملوا في الطلب : أخذ الحلال وترك الحرام ) رواه ابن حبان ، وجاء في الحديث ( لو فر أحدكم من رزقه أدركه كما يدركه الموت) رواه الطبراني .
لذا على المسلم أن يكتفي بالحلال ، وأن يتقي الشبهات ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان على جانب عظيم من الورع وترك الشبهات كيف لا وهو قدوة الصالحين وأسوة الأتقياء والورعين . فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال : ( لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها ) رواه البخاري ومسلم . فليجتهد المسلم والمسلمة في ترك كل ما فيه شبهة استبراء لدينه وعرضه .
فإن كان موظفا حافظ على ساعات دوامه كاملا ولم يتشاغل عن واجبه الوظيفي بعمل خاص حتى يكون راتبه آخر الشهر من الحلال الطيب، وإن كان تاجرا لم يغش ولم يغرر بالمشترين ولم يكتم العيب عنهم ليكون ربحه من الحلال الطيب، وإن كان مقاولاً حافظ على شروط العقد فنفذها جميعا واكتفى برقابة الله عن كل رقيب ووضع نصب عينيه قول الله تعالى:(يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة 1. وإن كان عاملاً لم يدخل في عمل لا يحسنه كما يفعل كثير من المسلمين فيفسدون أكثر مما يصلحون ولا يبالون بالأجر الذي يأخذونه أمن الحلال هو أم من الحرام؟.عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ أمن الحلال أم من الحرام) رواه البخاري . نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وأن يكفينا بالحلال عن الحرام والمتشابه .عباد الله إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وإحسانك وفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين وأذل الشرك واخذل المشركين ودمر أعداءك أعداء الدين . اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك المضطهدين في دينهم في كل مكان، اللهم انصرهم ، وكن لهم عونًا وظهيرًا، وهيئ لهم من لدنك وليًا ونصيرًا، اللهم ارحم ضعفه واجبر كسرهم واشف مرضاهم واغفر لموتاهم برحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم عليك باليهود المعتدين وسائر الكفرة الظالمين، اللهم ألق الرعب في قلوبهم، وفرق جمعهم وشتت شملهم ، وأنزل بهم بأسك الذي لايرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز .اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم . ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولاتنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون.فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
==============
حكم الاكتتاب في شركة سبكيم
فضيلة الدكتور محمد العصيمي: ما حكم الاكتتاب في شركة سبكيم؟ جزاكم الله خيرا
المجيب : االشيخ : محمد بن سعود العصيمي(4/20)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد اطلعت على نشرة الاكتتاب المفصلة للشركة السعودية العالمية البتروكيماويات (سبكيم)
المنشورة في موقع هيئة السوق المالية، وتبين لي أن أغراض الشركة الحالية أغراض مباحة وهي إنتاج البتروكيماويات وتصب في خانة دعم الاقتصاد الوطني، ونشد على يد القائمين عليها في أهمية تلك الأنشطة الاقتصادية النافعة. وهي شركة قابضة لمجموعة من الشركات هي: الشركة العالمية للميثانول وشركة الخليج للصناعات الكيميائية المتقدمة المحدودة، ومجمع الاسيتيل وهو عبارة عن عدة شركات.
وبدراسة القوائم المالية للفترة المنتهية في 31ديسمبر2005م تبين أنها تحتوي على بنود محرمة هي الاستثمار في سندات التنمية الحكومية بقيمة 259.5 مليون ريال، بالإضافة إلى قروض ربوية (باستثناء قرض صندوق التنمية الصناعي) تبلغ 1118 مليون ريال، وقد حصلت الشركة على ربا من السندات الحكومية قدره 36,9 مليون ريال.
وحيث إن ذلك الواقع هو واقع الشركة فلا يجوز الاكتتاب فيها. وفي الختام، أذكر للقائمين على الشركة وفيهم من أهل الخير والصلاح بتقوى الله سبحانه وتعالى باجتناب الربا تمويلا واستثمارا، وأن يؤمنوا على ممتلكات الشركة تأمينا تعاونيا بدل التأمين التجاري، كما أتمنى على القائمين على الشركة أن يتم تمويل مجمع الاسيتيل من صندوق الاستثمارات العامة بالطريقة الإسلامية وليس قرضا تجاريا كما ذكر في النشرة. ولا يفوتني أن أشكرهم على تغيير قروض الشركة العالمية للميثانول إلى تمويل إسلامي وأشكرهم كذلك على ودائع المرابحة التي تقارب المليار ريال وينتظر المساهمون المزيد من ذلك التحول في القريب العاجل.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي للاكتتاب في شركة سبكيم
المجيب : د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد
فإن نشاط شركة سبكيم -وهي الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات-في الصناعات البتروكيماوية. وهو نشاط مباح. وقد شرعت الشركة منذ العام الماضي في اتخاذ عددٍ من الإجراءات لتحويل ودائعها البنكية وقروضها إلى صيغٍ مجازة من بعض الهيئات الشرعية، إلا أن هذه الإجراءات لم تكتمل حيث لا يزال لديها بعض السندات والقروض التي لم تتخلص منها.
وبما أن الأغلب في نشاط الشركة الإباحة فالذي يظهر هو جواز الاكتتاب فيها، لاسيما وأن أموال المكتتبين لن توجه إلى شيء من أنشطة الشركة أو إلى سداد القروض المستحقة عليها بل ستدفع جميعها إلى المؤسسين البائعين. ومن اكتتب ثم باع أسهمه بربح قبل أن يستحق شيئاً من الأرباح التي توزعها الشركة فليس عليه تطهير شيء منها- أي من أرباح المضاربة-، أما من احتفظ بأسهمه إلى حين استحقاق الأرباح التي توزعها الشركة فقد يلزمه تطهير تلك الأرباح -أي أرباح الاستثمار-، وسيبين ذلك في حينه إن شاء الله.
وإني أحث القائمين على هذه الشركة وغيرها من الشركات المساهمة إلى المبادرة إلى تنقية جميع معاملاتها من العقود المحرمة أو المشبوهة؛ فإن جواز الاكتتاب في الشركة للمساهمين لا يعفي القائمين عليها من إثم أي معاملة محرمة يأذنون بها ولو قلّت، فالله قد حذرنا من الربا وتوعد من تعامل به بحرب منه ومن رسوله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله يوفقنا إلى ما يرضيه، وأن يجنبنا أسباب سخطه وعقابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
===============
جواز الاكتتاب في جبل عمر
المجيب : الشيخ : محمد بن سعود العصيمي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد كثر السؤال عن حكم الاكتتاب في (شركة جبل عمر للتطوير)، وحيث إن نشاط الشركة نشاط مباح، وهو تطوير بعض الأراضي المحيطة بالحرم المكي الشريف، ولم يظهر في القوائم المالية المنشورة في نشرة الاكتتاب المطولة قروض ولا استثمارات محرمة، فأرى جواز الاكتتاب بها.
وإني أسأل الله للقائمين على هذه الشركة المباركة التوفيق والسداد، وأن يستمروا على نهجهم القويم في التمويل والاستثمار الإسلامي، ويكونوا عند مستوى تطلعات المستثمرين خاصة أن اللجنة التأسيسية تتكون من رجالات عرفوا بحرصهم على التعاملات المالية الإسلامية. وإني أذكر كل مساهم أن الربا حرام في كل وقت وفي كل مكان، وهو أشد حرمة في مكة وعند بيت الله الحرام. وأذكرهم أن المشركين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لم يروا أن يجعلوا في تمويل بناء الكعبة إلا مالاً طيباً، فلم يدخلوا مهر بغي ولا بيعاً ربوياً ولا مظلمة أحد من الناس. والمسلمون أولى بذلك التقدير والاحترام لدين لله سبحانه وتعالى وللمشاعر المقدسة، [ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ].
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما حكم الاكتتاب في شركة جبل عمر؟
المجيب : د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن نشاط هذه الشركة في تطوير بعض الأراضي المحيطة بالحرم المكي الشريف، وهو نشاط مباح، ولم يظهر في القوائم المالية المنشورة في نشرة الاكتتاب المطولة قروض ولا استثمارات محرمة، فالذي يظهر جواز الاكتتاب بها.
وإني أسأل الله للقائمين على هذه الشركة التوفيق والسداد، وأن يستمروا على نهجهم في التمويل والاستثمار الإسلامي، ويكونوا عند مستوى تطلعات المستثمرين خاصة أن نشاط الشركة في أفضل بقعة في الأرض. وأذكرهم وجميع القائمين على الشركات بأن الربا حرام في كل وقت وفي كل مكان، وهو أشد حرمة في مكة وعند بيت الله الحرام. وقد كان المشركون في الجاهلية يعظمون بيت الله الحرام فلم يجعلوا في تمويل بناء الكعبة إلا مالاً طيباً، فلم يدخلوا مهر بغي ولا بيعاً ربوياً ولا مظلمة أحد من الناس. والمسلمون أولى بذلك التقدير والاحترام لدين لله سبحانه وتعالى وللمشاعر المقدسة، [ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
===============
كاتب يستحل ربا البنوك
اطلعت على ما كتبه الكاتب يوسف أبا الخيل بعنوان ( ضرورة مراعاة المقاصد عند إعمال الأحكام الشرعية) في العدد 13855، والذي انتهى فيه إلى استحلال فوائد القروض البنكية !! بحجّة مراعاة المقاصد !
وقد بنى مقاله على معلومة خاطئة - وما بُني على خطأ فهو خطأ - وهي كما يقول: (( أنّ الإسلام حرّم الربا أوّل ما حرّمه في بيئة فقيرة وصفها إبراهيم عليه السلام بأنّها (واد غير ذي زرع ، بيئة حوّلها الفقر إلى مجتمع طبقي..)) إلى آخر ما ذكر، وهو يقصد مكّة شرّفها الله. وما ذكره خطأ من وجوه، منها أنّ وصف إبراهيم - عليه السلام - لمكّة كان قبل دعوته لها، ولو أنّ الكاتب أكمل الآية لعرف معناها الصحيح، وتتمة الآية: ((فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) (إبراهيم: 37).
فاستجاب الله دعوة خليله عليه السلام، ورزقهم من الطيبات..(4/21)
والوجه الثاني - وهو المهم -: أنّ الربا إنّما حُرّم تحريماً قاطعاً في أواخر العهد المدني بعد أن بلغت دولة الإسلام كمال عزّها، وبعد أن أنزل الله: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) (المائدة : 3).
ولذا فإنّ آيات الربا هي آخر ما نزل من القرآن كما هو معلوم عند أهل العلم، فأين المجتمع الطبقي في زمن سيّد الخلق ـ عليه أفضل الصلاة والتسليم ـ ودولته، وهو الذي بُعث لإزالة مثل هذا المجتمع ؟!..
أمّا قوله تعالى: ((لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً)) (آل عمران: 130). فقد نزل - كما هو معلوم - في أعقاب غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة، قبل أن يحرّم الربا تحريماً قاطعاً، فلا مفهوم له كما يظنّ كثير من الناس، ممن لا علم له بنصوص الشريعة، ومقاصدها وتدرجها في بعض الأحكام.
ثمّ من الذي يحدد المقاصد الشرعية، هل يحددها كاتب صحفي غير متخصص، أم يحددها العلماء الراسخين في العلم ؟
أمّا احتجاج الكاتب بما تفعله شركات التقسيط أو البنوك من شراء السلع نقداً شراء صورياً ثم بيعها على الناس بفوائد كبيرة باسم التورق، فهذا وإن أجازه بعض أهل العلم، فالذي عليه أهل التحقيق أنّه لا يجوز، وقد نبّه إلى ذلك المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة بمكة المكرمة، وانتهى إلى تحريمه من وجوه، وأنّه لا يعدو أن يكون ضرباً من التحايل، وبيّن الفرق بينه وبين التورق الحقيقيّ، وقد قامت صحيفة الرياض مشكورة بنشر هذا القرار ضمن قرارات المجمع في عددها (12960) .
وممن نبّه إلى ذلك وحذّر منه شيخنا العلامة محمّد الصالح العثيمين رحمه الله، في محاضرة له بعنوان ( الحيل في المعاملات) ألقاها في مدينة الرياض، وقد سمعته بأذني وكنت من بين الحضور.
هذا، وإنّ من القواعد المهمة في موضوع المعاملات أنّ كلّ قرض جرّ نفعاً مشروطاً أو معلوماً فهو ربا.
وختاماً ، آمل من الكاتب أن يتنبّه إلى ذلك، وألا يستعجل في طرح مثل هذه القضايا الخطيرة قبل استشارة أهل العلم، والله ولي التوفيق.
=============
التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (1/2)
الدكتور/ سلمان بن صالح الدخيل
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
فهذا بحث في التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون وأحكامها.
وفيه تمهيد ومبحثان:
المبحث الأول: ضرر مجرد التأخير في المماطلة في الديون.
المبحث الثاني: الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون.
تمهيد:
المماطلة في الديون تعود بالضرر على أهل الحقوق من جهة تأخر ديونهم، ومنعهم من الانتفاع بها تلك المدة وعدم تمكنهم من التصرف فيها، وهذا التأخر في سداد الديون هو في نفسه ضرر، وقد يترتب عليه ضرر آخر من جهة فوات أرباح متوقعة أو متيقنة، وقد يكون الضرر فعلياً كأن يحمله هذا التأخر والمماطلة إلى تكبد الخسائر المادية لأجل استخلاص حقه والظفر به أو ببعضه فضلاً عن الضرر المعنوي الذي قد يتكبده الدائن من الحزن والابتذال بالمرافعة والمخاصمة وكثرة التردد، الأمر الذي يتنزه عن مثله أهل المروءات.
لذا فإن بحث التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون ، من جهة جواز التعويض المالي عنها أو عدمه، يعد من أهم مسائل هذا البحث، وهي من المسائل المعاصرة الملحة في كثير من الجهات ذات العلاقة، وقبل الشروع في بيان هذه الأضرار، يجدر بيان معنى الضرر، وشروط التعويض المالي عنه، وتحرير محل النزاع في التعويض عن أضرار المماطلة في الديون، والكلام في ذلك ينتظم في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الضرر.
والضُّر في اللغة: ضد النفع، ويطلق على سوء الحال، والفقر، والشدة في البدن والمرض(1)، ومنه قوله _تعالى_: "مَسَّنِيَ الضُّرُّ"(2).
والضرر في الاصطلاح: يطلق على"كل أذى يَلحقُ الشخص، سواء أكان في مال متقوم محترم، أو جسم معصوم، أو عرض مصون"(3).
المبحث الثاني: شروط التعويض المالي للضرر.
نص العلماء على قاعدة هي من القواعد الكبرى في الشريعة، وهي أن الضرر يزال، وقد يكون زوال هذا الضرر بالتعويض المالي، إلا أن التعويض أخص من الضرر، فليس كل ضرر يعوض بالمال كي يزول، وقد ذكر الفقهاء شروطاً لاستحقاق الضرر للتعويض المالي(4)، وهي ما يلي:
الشرط الأول: أن يكون الضرر في مال.
فلا ضمان على ما ليس مالاً كالكلب والميتة والدم المسفوح.(5)
الشرط الثاني : أن يكون المال متقوماً مملوكاً للمتلف عليه.
وهذا يشمل المباح، فلا يجب الضمان بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم؛ لسقوط تقوم الخمر والخنزير على حق المسلم(6).
الشرط الثالث: أن يكون في إيجاب التعويض فائدة.
بمعنى إمكان الوصول إلى الحق ودفع الضرر حتى لا يكون إيجاب التعويض عبثاً؛ لعدم القدرة على الوصول إلى الحق، فلا يضمن المسلم بإتلاف مال الحربي، ولا العكس.
الشرط الرابع: أن يكون المتلف من أهل الضمان.
وذلك بأن يكون له أهلية وجوب، وأهلية الوجوب تثبت لكل إنسان بدون قيد ولا شرط (7).
الشرط الخامس: أن يكون الضرر محقق الوقوع بصفة دائمة.
فلا يضمن بمجرد الفعل الضار دون حصول الضرر واستمراره، كمن حفر حفرةً في طريق، فسقط فيها إنسان، فلم يصب بشيء، أو قلع سناً فنبتت أخرى مكانها(8)، وكذا لا يضمن الضرر المحتمل وقوعه، أو ضرر تفويت الفرصة، أو الضرر المعنوي.
المبحث الثالث: تحرير محل النزاع في الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون، وحكم التعويض عنها:
التعويض عن أضرار المماطلة في الديون، هو أهم المسائل المتعلقة بهذا البحث؛ وذلك لأنها هي الصيغة المطبقة عالمياً في معالجة الديون المتعثرة، سواء كان هذا التعثر في السداد بسبب المطل أو غيره، وقد نصت القوانين الوضعية على مشروعية التعويض المالي ضد التأخر في وفاء الديون، ونظراً لانتشار البنوك الإسلامية وتضررها من المماطلة في الديون بشكل أوضح من البنوك الربوية، لكونها تحرم الربا في معاملاتها فقد أثيرت هذه المسألة في محيط هذه البنوك الإسلامية، وحصل فيها خلاف بين المعاصرين، وهو ما سنعرضه _بإذن الله_ في هذا الفصل .
وقبل الشروع في تفصيل الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون، تجدر الإشارة إلى تحرير محل النزاع في المسألة، وبيان أحكام اتفق عليها الفقهاء المعاصرون بمن فيهم القائلون بجواز التعويض، وهي كما يلي :
أولاً: اتفق الفقهاء المعاصرون على أن المدين المعسر لا يجوز إلزامه بدفع تعويض مقابل تأخيره في الوفاء؛ لأن المعسر مستحق للإنظار إلى الميسرة، والإلزام بالتعويض ينافي الإنظار المأمور به شرعاً.
وقد نص على هذا القائلون بجواز التعويض المالي عن ضرر مماطلة المدين:
قال الشيخ مصطفى الزرقاء: "واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بأن لا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئاً مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب" (9).
وقال الشيخ عبد الله بن منيع:" الغرامة لا يجوز الحكم بها، إلا بثلاثة شروط هي: ثبوت المطل واللي، وثبوت القدرة على السداد، وانتفاء ضمان السداد لدى الدائن كالرهن والكفالة المليئة" (10).
وقال الدكتور الضرير: " لا يجوز أن يطالب البنك المدين المعسر بتعويض، وعليه أن ينتظره حتى يوسر " (11).(4/22)
ثانياً: اتفق الفقهاء المعاصرون على منع اشتراط التعويض المالي عن التأخر في سداد الدَّين مع تحديد نسبة معينةٍ أو مبلغٍ محددٍ؛ لأن ذلك صورة من صور ربا الجاهلية المحرم( 12).
ثالثاً: يخرج من النزاع ما يحكم به الحاكم من عقوبة تعزيرية مالية إذا رأى المصلحة في ذلك، موردها بيت المال، ومصرفها مصالح المسلمين؛ لأن المال المأخوذ من باب الزواجر لا من باب الجوابر(13).
المبحث الأول: ضرر مجرد التأخير في المماطلة في الديون.
المطلب الأول: صورة ضرر مجرد التأخير في المماطلة في الديون. إذا تأخر المدين في وفاء دينه عن الوقت المحدد المتفق عليه مع الدائن ومضت مدة، فإن مجرد التأخير ضرر، وإن لم يفته به ربح مفترض، أو متيقن، أو تلحق به خسارة، أو يتأثر بشيء ولو معنوياً، فمجرد التأخير ضرر يستحق الدائن مقابله عوضاً مالياً، سواء كان المدين معسراً أولم يكن، بل يستحق التعويض المالي بمجرد التأخر عن المدة المتفق عليها ولو ليوم واحد.
ومثاله: أن يتعاقدا بيعاً مؤجلاً بعد سنة، أو مقسطاً يدفع كل شهر كذا من الثمن، فإذا تأخر المدين عن الوفاء بالتزامه في الموعد المحدد، فإن عليه عن كل يوم مبلغاً من المال قدره كذا،أو ما نسبته كذا من الثمن، تعويضاً عن التأخرفي السداد.
وهذه الصورة هي المطبقة في أكثر البنوك الربوية، والمشروطة في أكثر البطاقات المصرفية الإقراضية، ولها عدة أسماء، منها: الغرامة التأخيرية، والفوائد التأخيرية، أو بدل التأخير، أو خدمة الديون.
المطلب الثاني: حكم التعويض عن مجرد التأخر ذاته.
التعويض عن مجرد التأخر في وفاء الدَّين بصورته السابقة محرم قطعاً، إذ هو عين ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه، فقد كان المدين إذا حل عليه الدَّين قال له الدائن: إما أن تقضي وإما أن تربي.
وهو ما ابتليت به كثير من البنوك وأقرته كثير من الأنظمة،ويقوم عليه التعامل الدولي، وعليه أكثر المصارف في العالم.
وأدلة تحريم هذا التعويض هي أدلة تحريم الربا، وهي كثيرة متنوعة، وأشير إلى بعضٍ منها فيما يلي:
الدليل الأول:
قوله _تعالى_: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" (14)، إلى قوله في آخر الآية: "وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (15).
الدليل الثاني:
قوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ" (16).
و الدلالة من الآيات من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أن الله نص على تحريم الربا، وتوعد من فعله بعد علمه بالتحريم بعذاب النار، وأمر المؤمنين بترك الربا ووضعه، وآذن من لم يذره بالحرب، ومن حارب الله ورسوله فهو الخاسر المهزوم قطعاً.
الوجه الثاني:
دل عموم الآيات على أن الدائن لا يستحق على المدين إلا رأس ماله، وهذا العموم يشمل المدين الموسر والمعسر، والمماطل والباذل، والمدين المماطل داخل في هذا العموم من جهة أنه يجب عليه وفاء رأس المال فقط دون ربا، ولم يستثن من وجوب الأداء إلا المعسر العاجز فينظر إلى ميسرته، فالقول باستحقاق الدائن للتعويض المالي مقابل مماطلة المدين وتأخره في الوفاء مخالف لعموم الآيات.
الوجه الثالث:
أن الربا المحرم الذي كان العرب يأخذونه هو زيادة في مقدار الدَّين مقابل تأخير أدائه، فظهر أن التعويض المالي لأجل التأخر في وفاء الدَّين داخل في الربا المحرم، وتسميته بالغرامة التأخيرية، أو الفوائد التأخيرية، أو تعويضاً عن ضرر، أو أنه عقوبة مالية، لا ينقله من كونه رباً، ولا يؤثر في الحكم بشيء؛ لأن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
الدليل الثاني:
ما ورد عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟: قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " (17).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث على أن الربا من كبائر الذنوب، وذلك يقتضى الترهيب من أخذه ومقارفته، وإلزام المدين بتعويض الدائن مالياً مقابل التأخر في السداد أخذٌ للربا المحرم ومقارفة له، فيكون باطلاً.
الدليل الثالث:
ما ورد عن جابر _رضي الله عنه_ قال: "لعن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، و شاهديه، وقال: هم سواء " (18).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث على تحريم الربا أخذاً وإعطاءً وتعاوناً عليه، وإلزام المدين بدفع زيادة على رأس ماله مقابل تأخره في الوفاء هو من الربا المحرم، فيحرم وإن سُمِّيَ تعويضاً عن ضرر الدائن.
الدليل الرابع:
ما ورد عن جابر _رضي الله عنه_ في قصة حجة الوداع أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال:" ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله "(19).
وفي لفظ: " ألا وإن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون " (20).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث أن الربا موضوع وباطل، وذلك يقتضي تحريم أخذه، وعليه فليس للدائن على المدين إلا رأس ماله فقط، وإلزام المدين بدفع تعويض مالي زائد على أصل دينه مقابل مماطلته في الوفاء مخالف لمدلول الحديث.
الدليل الخامس:
إجماع العلماء على تحريم الربا، ومن الربا المحرم: الزيادة على أصل الدَّين لأجل تأخير وفائه، ومن أنواع الزيادة الربوية المحرمة: تعويض الدائن عن مماطلة المدين المماطل؛ لأنه زيادة في مقابل التأخر في الوفاء، والإجماع منعقد على تحريم الربا، ومن عبارات العلماء في ذلك ما يلي:
قال ابن المنذر: " وأجمعوا أن المسلف إذا شرط عند السلف هدية أو زيادة، فأسلف على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا " (21).
المبحث الثاني: الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون. .
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: صورة الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون.
إذا تأخر المدين في وفاء دينه عن وقته المحدد المتفق عليه مع الدائن ومضت مدة كان من المفترض أن يربح فيها الدائن من ماله لو أنه سُلِّم إليه في وقته، إذ بإمكانه أن يستثمره في تجارة أو مضاربة أو مزارعة ونحو ذلك، إلا أن المدين بمماطلته وعدم وفاء الدَّين في وقته قد فوت على الدائن تلك الأرباح المفترضة، فهل له المطالبة بتعويضه عن ضرر فوات هذا الربح الذي كان يتوقع حصوله لولا المماطلة في الديون أم لا؟
مثاله: باع رجل سيارة بيعاً مؤجلاً بمئة ألف ريال إلى سنة - بمرابحة قدرها العُشْر مثلاً- فماطل المدين في الوفاء سنتين، فلو أن ماله سدد في حينه ولم يماطل به لأمكنه تكرار هذه المرابحة مرتين خلال السنتين اللتين ماطل فيهما المدين، ولربح فيها ربحاً مقداره عشرون ألفاً تقريباً، فهل للدائن أن يطالب المدين المماطل بتعويضه عن ضرر فوات ربحه المفترض خلال سنتين أم لا؟
المطلب الثاني: حكم التعويض عن الضرر الناتج عن فوات الربح المفترض في المماطلة في الديون اختلف العلماء المعاصرون في حكم تعويض الدائن عن ضرر فوات منفعة المال وربحه بسبب مماطلة المدين القادر على الوفاء على قولين:
القول الأول:(4/23)
عدم جواز إلزام المدين المماطل القادر على الوفاء بتعويض مالي غير مشروط في العقد يدفعه للدائن مقابل فوات منفعة ماله وتضرره بذلك مدة التأخير.
وبهذا القول صدرت قرارات المجامع الفقهية، والهيئات العلمية، وهو قول جمهور العلماء المعاصرين (22).
جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشر عام 1409هـ ما نصه: " إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط أو قرض باطل، ولا يجب الوفاء به بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه " (23).
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة المتعلق ببيع التقسيط ما يلي:
" ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدَّين، بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم.
رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء" (24).
وجاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ما يلي: "(ب)لا يجوز اشتراط التعويض المالي...سواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة)، أم عن تغير قيمة العملة. (ج) لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي نقداً أو عيناً عن تأخير الدَّين" (25).
ومنعته أيضاً هيئة الرقابة لبنك التنمية التعاوني الإسلامي بالسودان بتأريخ 6/8/1406هـ(26).
القول الثاني:
جواز إلزام المدين المماطل القادر على الوفاء بتعويض مالي غير مشروط في العقد يدفعه للدائن مقابل فوات منفعة ماله مدة التأخير.
وقال به بعض المعاصرين (27).
قال الزرقاء:" مبدأ تعويض الدائن عن ضرره نتيجة لمماطلة المدين وتأخير وفاء الدَّين في موعده مبدأ مقبول فقهياً، ولا يوجد في نصوص الشريعة وأصولها ومقاصدها العامة ما يتنافى معه، بل بالعكس يوجد ما يؤيده ويوجبه واستحقاق هذا التعويض على المدين مشروط بأنه لا يكون له معذرة شرعية في هذا التأخير، بل يكون مليئاً مماطلاً يستحق الوصف بأنه ظالم كالغاصب " (28).
وقال الشيخ عبد الله بن منيع: " القول بضمان ما فات من منافع المال نتيجة مطل أدائه لمستحقه قول تسنده قواعد الشريعة وأصولها، والنصوص الصريحة والواضحة في ذلك من كتاب الله _تعالى_ وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ " (29).
وأصحاب هذا القول مختلفون أيضاً: في حقيقة هذا المال المدفوع للدائن، هل هو عقوبة تعزيرة زاجرة، أم أنها تعويض مالي جابر لضرر واقع؟ ويترتب عليه كيفية تقدير المال المدفوع. ومن له سلطة التطبيق؟ خلاف على رأيين:
الرأي الأول: أن غُرْمَ هذا المال بناء على أنه تعزيز بالمال، والتعويض إنما هو على سبيل التبعية، وعلى ذلك فمقدار التعزير بالمال لا يشترط أن يكون مساوياً للضرر الحقيقي الفعلي، أو الربح الفائت، وهو رأي الشيخ عبد الله بن منيع.
قال _حفظه الله_ تعقيباً على الشيخ مصطفى الزرقا: " ومع اتفاقي مع فضيلته في النتيجة إلا أنني أرى أن العقوبة المالية تعزيرية، وليست تعويضاً " (30).
وقال بعد ذلك: " ولكننا نقول بأنها عقوبة وليست تعويضاً إلا على سبيل التبعية"(31).
وقال في موضع آخر: " خلاصة هذه الوقفة: أننا إذا اعتبرنا ما يأخذه الدائن من المدين تعويضاً فقط، فهذا الاعتبار يحيل الأمر من حل إلى تحريم... وإن اعتبرنا ما يغرمه المدين من مال لقاء مطله عقوبة ليس لها ارتباط أو علاقة بحجم الضرر الواقع على الدائن من المطل، وإنما تكييفها وتقديرها راجع إلى ما يوجب الردع والزجر، فهذا الاعتبار صحيح"(32).
الرأي الثاني: أن غُرْمَ هذا المال بناء على أنه تعويض للدائن عن ضرره الذي أصابه بسبب مماطلة مدينه، وعليه فقد شرطوا أن يكون التعويض مساوياً للضرر الواقع.
ثم اختلف أصحاب هذا الرأي فيمن يتولى تقدير التعويض، وكيفية تقديره:
(1) يرى الشيخ مصطفى الزرقا: أن القضاء وحده هو صاحب السلطة الوحيد في تقدير التعويض، وتقدير ضرر الدائن، وتقدير عذر المدين في التأخر، ولا يجوز الاتفاق مسبقاً بين الدائن والمدين على تقدير معين لضرر تأخير الدَّين.
وتقدير الضرر يكون بمقدار ما فات من ربح معتاد في طريق التجارة العامة بأدنى حدوده العادية، فيما لو أنه قبض ماله واستثمره بالطرق المشروعة الحلال في الإسلام كالمضاربة والمزارعة ونحوهما ولا عبرة لسعر الفائدة المصرفية، وتعتمد المحكمة في هذا التقدير رأي أهل الخبرة في هذا الشأن، وبعد وجود البنوك الإسلامية يمكن للمحكمة أن تعتمد في تقدير التعويض بناء على ما توزعه البنوك الإسلامية من أرباح سنوية(33).
(2) يرى الدكتور الضرير: أنه يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين - العميل والبنك- على التعويض عن الضرر الحقيقي الفعلي مسبقاً.
ويكون تقديره على أساس الربح الفعلي الذي حققه الدائن – البنك - في المدة التي تأخر فيها المدين عن الوفاء(34).
(3) أن التعويض يكون بقدر الربح الذي حصل عليه المماطل من جراء متاجرته بالمال الذي ماطل فيه(35).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بعدم جواز إلزام المدين المماطل بدفع تعويض مالي للدائن عن ضرر فوات منفعة ماله وربحه خلال مدة المماطلة بمايلي:
الدليل الأول:
عموم أدلة تحريم الربا، ومنها:
قوله _تعالى_: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا"(36).
وقوله _تعالى_: "وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة"(37).
وجه الدلالة من الآيتين:
دلت الآيتين على تحريم الربا وإبطاله، ورد أصحاب الديون إلى رؤوس أموالهم بلا زيادة ولا تعويض عن تأخرٍ في الوفاء، ولم تفرق في ذلك بين موسر ومعسر، وبيان ذلك تفصيلاً من خمسة أوجه:
الوجه الأول: أن تعويض الدائن عن ضرر فوات منفعة المال مدة المماطلة إنما هو عوض عن تأخر أداء الدَّين، فهو زيادة في دين ثابت مقابل الأجل، وهو عين ربا الجاهلية الذي كانوا يفعلونه، وصورته: إما أن تقضي وإما أن تربي، واختلاف الاسم لا يغير في المعنى والحكم شيئاً، والعبرة بالمقاصد لا بالألفاظ (38).
الوجه الثاني: أن آيات تحريم الربا ورد الدائن التائب عن الربا إلى رأس ماله عامة،لم تفرق بين مدين معسر ومدين موسر باذل ومدين مماطل، فالزيادة على رأس المال ربا، سواء كان المدين موسراً أو معسراً، والفرق بين المعسر والموسر إنما هو في وجوب الإنظار إلى الميسرة وترك المطالبة (39).
الوجه الثالث: أن تخصيص المماطل بالتعويض دون المعسر مخالف لمدلول الآيات التي حرمت الظلم على الطرفين، فظلم الدائن هو أخذه زيادة على رأس ماله، وظلم المدين هو مماطلته بوفاء رأس مال الدَّين لصاحبه، ولم يخص المعسر إلا بوجوب إنظاره إلى الميسرة.
الوجه الرابع: أن التعويض المالي عن ضرر المماطل ظلم بنص الآية؛ لأنه زيادة على رأس المال، ولو كان المماطل ظالماً بمطله، فإنه لا يجوز رد الظلم بظلم آخر(40).(4/24)
الوجه الخامس: أن الله _عز وجل_ أبطل الربا ورد الدائن لرأس ماله فحسب، ولو كان يستحق تعويضاً عن ما فاته من منافع ماله المحتمل، لبين ذلك وأوضحه وفرق بين الصورتين.
المناقشة:
نوقش الاستدلال بالآيتين بعدم التسليم بأن التعويض عن ضرر المماطل من جنس الربا، وذلك من أربعة أوجه، وهي كالتالي:
الوجه الأول:أن الزيادة الربوية في مسألة ( أتقضي أم تربي ) في غير مقابلة عوض، فهي نتيجة تراض بين الدائن والمدين على تأجيل السداد مقابل زيادة في الأجل، أما التعويض فهو مقابل تفويت منفعة على الدائن بلا رضاً منه(41).
الإجابة:
أجيب عن ذلك بما يلي:
أولاً: عدم التسليم بأن الزيادة الربوية في غير مقابلة عوض، بل هي في مقابلة عدم الاستفادة من المال خلال مدة التأجيل، وحبس المال، وعدم انتفاع صاحبه به.
ثانياً: أن المرابين المعاصرين حللوا أخذ الربا بمثل هذا التعليل، وابتكروا نظرية الفرصة الضائعة لتبرير أخذ الربا المحرم، و هي نفسها حجة من يرى التعويض، ولو كان التعويض عن الربح الفائت على صاحب الدَّين جائزاً، لأباح الشارع الفائدة على الديون المأخوذة للاستثمار في التجارة والصناعة؛ لأن هذه الفائدة تعويض للدائن عن منافع ماله مدة بقائها عند المدين، وكذا المقرض بلا فائدة تلحق به مضار وتفوته منافع من جراء قرضه المجاني، ولم يُبَحْ له زيادةٌ أو نفعٌ يزيد على رأس المال إن وقع مشروطاً ونحوه، فدل ذلك على أن التعويض نوع من الربا (42).
الوجه الثاني:
أن الزيادة الربوية مشروطةٌ سلفاً، ومحددةٌ لأجل تأخير مستقبلي برضاً من الطرفين، أما التعويض فهو لأجل رفع الظلم الواقع على صاحب المال، ولأجل تأخير ماضٍ وقع بغير رضاً من صاحب المال (43).
الإجابة:
أجيب عن ذلك بما يلي:
أولاً: أن هذا التفريق نظري لا يصلح أن يكون مناطاً للحكم، ثم على القول بجواز التعويض يصبح الأمر معلوماً سلفاً بالعرف، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً (44).
ثانياً: نسلم أن المطل ظلم واقع على صاحب المال، إلا أنه ليس كل ظلم وضرر يلحق الإنسان من غيره يعد موجباً لتعويضه مالياً (45).
الوجه الثالث:
أن الزيادة الربوية الجاهلية لا تفرق بين مدين موسر ومدين معسر، فمتى حل الأجل طولب بالوفاء أو بالزيادة، أما التعويض فلا يلزم به إلا من كان موسراً مماطلاً، وإذا ثبت إعساره، فلا يلزم بأداء أي تعويض(46).
الإجابة:
أجيب عن ذلك بما يلي:
أولاً: النصوص في تحريم أخذ الربا عامة لم تفرق بين المعسر والموسر، فكلاهما لا يجوز أخذ الربا منه، إلا أن المعسر روعي في وجوب تأخيره وتحريم مطالبته حتى يوسر، فيبقى الموسر مطالباً برأس المال فقط دون زيادة.
ثانياً: أن أخذ مال زائد عن أصل الدَّين مقابل التأخير في وفاء الدَّين لا يخرج عن ثلاث حالات:
1- حالة المدين الذي لا يجد ما يقضي به، وهي محل اتفاق على منع التعويض؛ لكون الزيادة ربا محرماً، وتحرم مطالبته لعسرته، وحكمه التأجيل بلا زيادة.
2- حالة المدين الذي يتفق مع صاحب الدَّين على تأخيره مقابل الزيادة، وهي محل اتفاق على منع التعويض، لكونه نوع من ربا الجاهلية المحرم الصريح.
3- حالة المدين الممتنع الذي لا يقضي ما عليه، فيضع عليه صاحب الدَّين زيادة، وهي موضوع بحثنا، وحكم التعويض هنا محرم؛ لأنه زيادة على أصل الدَّين، فالعلماء لم يفرقوا بين الزيادة في الحالتين السابقتين وهذه الحالة، فالزيادة ولو سميت تعويضاً عن ضرر داخلة في ربا الجاهلية المحرم(47).
ثالثاً: أن هذا التعويض إن كان لأجل جبر ضرر الدائن وليس لعقاب المدين، فلا فرق بين أن يكون المدين موسراً أو معسراً؛ لأن المتضرر يستحق الجبر ولو كان المُضِر معسراً، كما يستحق الأرش على الجاني ولو كان فقيراً (48).
الوجه الرابع: أن نسبة الزيادة الربوية معلومة للطرفين في بداية العقد، أما التعويض فلا يمكن معرفة نسبته ابتداءً، وإنما يتحدد بناء على ما فات من ربح حقيقي خلال مدة المماطلة (49).
الإجابة:
أجيب عن ذلك بما يلي:
أولاً: أن هذا فرق غير مؤثر، وذلك أنه متى اشترطت الزيادة، أو قام عرف يدل عليها، أو أمكن فرضها للدائن، فهي ربا، سواء حددت في العقد، أو بعده، أو حددها القضاء، أو التحكيم، وسواء كانت كثيرة أو قليلة.
ثانياً: أن هذا الفرق نظريٌ ليس بعملي، إذ إن نسبة تحقيق الأرباح من العمليات الاستثمارية في البنوك والمصارف معلومة تقريباً، خصوصاً أن معظم عمليات المصارف الإسلامية تدور حول المرابحة المؤجلة، ونسبة أرباحها معلومة في الجملة، فآل الأمر إلى العلم بنسبة التعويض، إذا كان التعويض راجع إلى معدل الربحية خلال مدة المماطلة(50).
الدليل الثاني:
ما ورد عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " (51).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث على عدم مشروعية تعويض الدائن عن ضرر مماطلة غريمه، وذلك أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أحل عرض المماطل وعقوبته فقط ولم يحل ماله، فالمشروع في حق المماطل الواجد شكايته، وفضحه، وعقوبته بما يزجره ويردعه عن المطل، ولو كان التعويض الجابر لضرر المماطلة مشروعاً لبينه _صلى الله عليه وسلم_ ؛ لشدة الحاجة إليه، والسكوت في موضع الحاجة بيان (52).
المناقشة:
نوقش الاستدلال بالحديث بأن عموم لفظ العقوبة يشمل العقوبة المالية، والنصوص العامة في اعتبار العقوبة المالية ضرباً من التعزير صريحة وواضحة، ومن أنوع العقوبة المالية: تمليك الغير، وتعويض الدائن عن ضرر المماطلة داخل فيها (53).
الإجابة:
أجيب بأنه لا يصح اعتبار التعويض المالي للدائن عن ضرره من باب العقوبة المالية؛ لأمرين:
الأول: أن ولاية إيقاع العقوبات التعزيرة للحاكم، و التعويض هنا يقع بالشرط أو العرف، ويباشره الدائن، فخرج عن كونه تعزيراً بالمال، ولو فوض تنفيذ العقوبات إلى آحاد الناس أو صح لكونه مشروطاً في العقد، لأفضى ذلك إلى فوضى واضطراب لا يقرها الشرع (54).
الثاني: أن المراد من العقوبة الزجر والردع وليس الجبر، وإلا لوجب جبر ضرر الدائن من مماطلة مدينه المعسر.
الدليل الثالث:
أن مسألة المماطلة في الديون وتأخر الأموال المستحقة بيد من يجب عليهم أداؤها لأصحابها ليست مسألة نازلة تحتاج إلى اجتهاد جديد، بل هي من المسائل السابقة التي يكثر وقوعها، ويعاني منها الناس في سائر الأوطان والأزمان، وباستقراء ما ذكره العلماء في المدين المماطل بغير حق من العقوبات نجد أنه لم ينقل عن أحد منهم قبل هذا العصر أنه قضى أو أفتى بجواز التعويض المالي لأجل المماطلة في الديون، مع أن فكرة تعويض الدائن عن الأرباح الفائتة والمتوقعة مقابل ماله المحبوس عند المماطل قريبة إلى أذهانهم - لو كانت جائزة -؛ إذ هي جزاء من جنس العمل، ومعاملة بنقيض القصد، وقد نصوا على العقوبات الزاجرة عن المماطلة في الديون، كالسجن، والضرب، والمنع من فضول المباحات، وبيع المال ونحوه، ولم يذكروا التعويض المالي عن ضرر المماطلة، مما يدل على أنه متقرر لديهم أن التعويض المالي للدائن بسبب المطل أنه داخل في الربا المحرم، سواء كان مقابل التأخر، أو فوات الربح المتوقع، أو الضرر الفعلي؛ إذ هو زيادة في دين مقابل زيادة في أجل السداد(55).
المناقشة:(4/25)
نوقش بأن الفقهاء لم يبحثوا هذه المسألة في عصرهم؛ لعدم حاجتهم إليها، إذ لم يكن أمر التجارة من الأهمية والتأثير مثل ما أصبح عليه في العصر الحاضر، وكان وصول الدائن إلى حقه في عصرهم ميسوراً وسريعاً، بخلاف ما عليه الوضع الآن من طول الإجراءات وتأخرها (56).
الإجابة:
أجيب عن المناقشة بما يلي:
عدم التسليم بأن الفقهاء لم يبحثوا هذه المسألة، بل إنهم بحثوها إلا أنهم لم يُلِحُوا عليها، ولم يتوقفوا عندها كثيراً؛ لكونها في نظرهم من مسلمات الفقه، إذ هي مشمولة بعموم نصوص القرآن والسنة في تحريم الربا، ومنه: الزيادة في الدَّين مقابل التأخير (57).
وبياناً لذلك يقال: إن الفقهاء من خلال استقراء كلامهم في المماطلة، وما يشابهها من أحكام، يظهر أنهم لا يرون التعويض المالي مقابل تأخر المال، وأن المماطل ليس عليه إلا أداء المال لصاحبه، وأن المطل لا يوجب زيادة في الدَّين، ولا يستحق به غلة المال، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: أن أكثر العلماء فسروا العقوبة في الحديث: بأنها الحبس، وقد فسرها بذلك وكيع، وسفيان الثوري، وابن المبارك.
قال ابن المنذر:" أكثر من نحفظ قوله من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدَّين، وممن نحفظ ذلك عنه: مالك، وأصحابه، والشافعي، والنعمان، وأصحابهما، وأبو عبيد ، وبه قال سوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن، وقد روينا هذا القول عن شريح، والشعبي، وكان عمر بن عبد العزيز يقول:" يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس" (58).
وقال الجصاص: " جعل مطل الغني ظلماً، والظالم لا محالة مستحق للعقوبة، وهي الحبس؛ لاتفاقهم على أنه لم يرد غيره " (59).
وقال ابن تيمية: " يعاقب الغني المماطل بالحبس، فإن أصر عوقب بالضرب حتى يؤدي الواجب، وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، ولا أعلم في هذا خلافاً " (60).
وقال أيضاً:" ولو كان قادراً على أداء الدَّين وامتنع، ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك؛ إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره، إذا لم يتعد حدود الله " (61)، والقول بالتعويض المالي عن ضرر المماطلة في الديون تعدٍ على حدود الله، فيمنع منه؛ لأنه ربا.
فظهر بما سبق أن السابقين يرون زجر المماطل بالعقوبات الرادعة، وهم متفقون على عدم القول بجواز التعويض المالي للدائن على مدينه المماطل؛ إذ لو قيل به لنقل، فالقول بالتعويض اجتهاد جديد في مقابلة هذا الاتفاق (62).
قال الدكتور أحمد فهمي أبو سِنَّة: "لم يقل أحد من العلماء بتغريمه – أي المماطل- مالاً، فالفتوى بأن المدين تجوز عقوبته بتغريم المال....اجتهاد جديد في مقابلة الإجماع" (63).
ثانياً: أن الفقهاء تكلموا عن مسائل - أشد من المماطلة في الديون - تُمنَعُ فيها الأموال عن أصحابها أزماناً طويلة ظلماً وعدواناً، ولم يوجبوا فيها إلا ضمان المثل، ككلامهم في الأموال المسروقة، والمغصوبة، وأموال الأمانات المعتدى عليها، وربح المال المغصوب، فيقاس عليها تضمين المماطل رأس المال فقط وعدم تغريمه من باب أولى.
ومن أقوال الفقهاء في المال المغصوب ما يلي:
قال في الهداية: " ومن غصب شيئاً له مثل، كالمكيل والموزون، فهلك في يده، فعليه...ضمان مثله...؛ لأن الواجب هو المثل" (64).
وقال في المعونة: " الشيء المغصوب مضمون باليد، فمن غصب شيئاً فقد ضمنه إلى أن يرده، فإن رده كما غصبه، سقط عنه الضمان ولزم المالك قبوله " (65).
وقال في (روضة الطالبين): " ما كان مثلياً ضمن بمثله" (66).
وقال في (المغني):" وما تتماثل أجزاؤه وتتقارب صفاته كالدراهم والدنانير....ضمن بمثله بغير خلاف" (67).
ومن أقوالهم في المال المسروق ما يلي:
قال ابن المنذر: " وأجمعوا أن السارق إذا قطع ووجد المتاع بعينه، أن المتاع يرد على المسروق منه " (68).
وقال في الكتاب:" إذا قطع السارق والعين قائمة في يده، ردَّها " (69).
وقال في المعونة:" إذا قطع السارق ثم وجد الشيء المسروق عنده، لزمه رده إلى مالكه"(70).
وقال في الأم: " أُغرِم السارق ما سرق، قطع أو لم يقطع، والحد لله فلا يُسقِط حدُّ الله غُرمَ ما أتلف للعباد" (71).
وقال في المغني:" لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية، فأما إن كانت تالفة، فعلى السارق رد قيمتها، أو مثلها إن كانت مثلية، قطع أو لم يقطع، موسراً كان أو معسراً " (72). ومَنْعُ المال من صاحبه بسبب الغصب والسرقة أشد ظلماً من مَنْعِهِ بسبب المماطلة، ومع ذلك لم يوجبوا على الغاصب والسارق التعويضَ عن ضرر التأخر أو فوات منافع المال أو الضرر الحقيقي مقابل بقاء المال عنده تلك المدة، وحرمان صاحبه من الانتفاع به.
ثالثاً: نص بعض الفقهاء على عدم ضمان الغاصب للربح المفترض (الفرصة الضائعة)، والغاصب أشد ظلماً من المماطل، ومن ذلك ما يلي:
قال البهوتي:" ولا يضمن ربح فات على مالك بحبس غاصب مال تجارة مدة يمكن أن يربح فيها، إذا لم يتجر فيه غاصب " (73).
وأما غير الحنابلة، فهم لا يقولون بضمان الغاصب لربح المال المحقق، فضلاً عن ضمانه للربح المفترض (74).
رابعاً: نص بعض الفقهاء على أن المماطل ليس عليه إلا أداء رأس ماله، وأن المطل لا يوجب زيادة في الدَّين، ولا يغرم غلة المال، فمن ذلك:
ما قاله الشيخ عليش(75) -بعد ذكره قول الوانوغي بأن المماطل يضمن قيمة ما آلت إليه السكة الجديدة، فيما إذا بطلت الفلوس أو عدمت- ما يلي: " بحث بدر الدَّين القرافي مع الوانوغي بأن تقييده - أي المدين المماطل- لم يذكره غيره من شراح المدونة، وشراح ابن الحاجب، وللبحث فيه مجال ظاهر، لأن مطل المدين لا يوجب زيادة في الدِّين، وله طلبه عند الحاكم، وأخذه منه جبراً، كيف وقد دخل عند المعاملة معه على أن يتقاضى حقه منه كما دفعه.. وبحث فيه بعض أصحابنا: بأن غايته – أي: المماطل- أن يكون كالغاصب، والغاصب لا يتجاوز معه ما غصب ا.هـ...وقد ذكر في المعيار أن ابن لب: سئل عن النازلة نفسها،فأجاب: بأنه لا عبرة بالمماطلة، ولا فرق بين المماطل وغيره إلا في الإثم ".
وقد ذكر العدوي(76) في نفس المسألة ما نصه: " فإن قلت ما الفرق بينه –أي: المماطل- وبين الغاصب الذي يضمن المثلى - أي في هذه المسألة- ولو بغلاء، مع أنه أشد ظلماً من المماطل أو مثله؟ فالجواب: أن الغاصب لما كان يغرم الغلة في الجملة خفف عنه، ولا كذلك المماطل". وهذا نص واضح على أن المماطل لا يغرم شيئاً يزيد على أصل الحق.
خامساً: نص الحطاب المالكي على منع التعويض المالي إذا كان مشروطاً، فقال: " إذا التزم المدعى عليه للمدعي، أنه إن لم يوفه حقه في وقت كذا، فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه؛ لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدَّين أو غيره، وسواء كان شيئاً معيناً أو منفعة " (77)، والحكم بالتعويض بلا شرط يؤول إلى أن يكون مشروطاً بالعرف، فيصبح عرفاً لازماً، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
الدليل الرابع:
أن التعويض عن ضرر المماطلة إن لم يكن رباً في ذاته، فهو ذريعة موصلة إليه، وسدُّ الذرائع من القواعد الفقهية المعتبرة شرعاً(78)، والقول به يفتح باب الربا، والتواطؤ على أخذه، بحجة التعويض عن الضرر، أو فوات الانتفاع، وبنفس حجة التعويض عن الضررانتشر أخذ الربا، وبرَّرَ المرابون ظلم المدينين والمعسرين، وبيان هذا من أربعة أوجه:
الوجه الأول:(4/26)
أن النصارى قد استحلوا الربا المحرم في شريعتهم بسبب دعوى التعويض عن الضرر، إذ كان إجماعهم منعقداً على تحريم الربا، إلا أن الضعف بدأ يدب في صفوفهم خلال القرنين السادس عشر والثامن عشر، حتى وقع رجال الكنائس في الربا، بناء على فتوى مجمع انتشار الإيمان المقدس في روما، والتي أجازت أخذ الربا في مقابلة الخطر من فقد أصل المال، ثم أثَّرت الأحوال الاقتصادية على آراء رجال الدَّين النصراني حتى ضيقوا دائرة الربا، فأباحوا الفائدة استثناءً في الحالات الآتية:
1- إباحة التعويض للمقترض عن أي خسارة حصلت عليه بسبب القرض.
2- إباحة التعويض عن الربح الفائت.
3- إباحة الشرط الجزائي الذي يلتزم بسببه المقترض إذا لم يسدد القرض في الميعاد وتأخر في وفائه، بأن يدفع مبلغاً إضافياً، وقد ترددت الكنيسة في إباحة هذا الشرط بادئ الأمر، ثم أجازته (79).
قال أحد النصارى:" إذا لحق المقرض ضرر ناجم عن تأخير المقترض عن الوفاء في الميعاد المحدد للسداد، يصبح للمقرض الحق في مطالبة المقترض بالتعويض شريطة إثبات الضرر الذي انتاب المقرض " (80)، فالتعويض عن ضرر تأخر المدين هي حجة من أباح الربا من النصارى.
الوجه الثاني:
توسع بعض المصارف الإسلامية التي أخذت بفتوى جواز التعويض في تطبيق التعويض، إذ صار التعويض عن ضرر المماطلة كالفائدة الربوية، مما حمل بعض من أفتى بالتعويض أن يتراجعوا عن فتواهم؛ لعدم إمكان تطبيق شروطهم التي قيدوا بها الجواز(81).
الوجه الثالث:
أن صاحب المال لن يلح على المدين بتسديد دينه، ولن يحرص على متابعة مدينه، إذ إنه سيحصل من المماطل على أصل ماله مع عوضٍ مالي عن مماطلته، بل ربما يطمع في هذا العوض ويتطلع لتأخره ومطله، ومن جهة أخرى: فإن المدين المماطل لن يبالي في الوفاء في زمن السداد المحدد، بل سيستسهل التعويض، ويستصعب دفع المبلغ كاملاً لوفاء الدَّين، فينقلب التعويض مع مرور الزمن إلى اتفاق عرفي على التأخير بزيادة – تسمى تعويضاً عن ضرر – وهي ذريعة يجب سدها ومنعها.
الوجه الرابع:
أن تأخير تحديد مقدار التعويض يفضي إلى النزاع، مع ما فيه من صعوبة التقدير، فليس من المستبعد أن يتم تحديد التعويض في بداية العقد أو يربط بعدد الأيام، كما في الفوائد الربوية أو بنسبة معينة ونحوه، وهذا يؤدي إلى الربا المحرم بالاتفاق، ولذلك لزم القول بمنع التعويض؛ سداً للذريعة، وصوناً للشريعة (82).
الدليل الخامس:
أن جواز التعويض عن ضرر المماطلة في الديون - عند من يقول به - مقيد بشروط تخرجه عن الربا، وهذه الشروط نظرية يصعب تحقيقها في الواقع العملي، فمنها:
أولاً: شرط عدم كون المدين معسراً؛ لأن المعسر منظر بنص القرآن حتى يوسر، إلا أن التحقق من اليسار أو الإعسار أمر صعب في الوقت الحاضر، ويكاد يتعذر على الدائن التحقق من كل حالة بعينها، لا سيما في البنوك والمصارف التي يتعامل معها الآلاف، ولذا نجد أنه يُحتال على إسقاط هذا الشرط -وهو عدم كونه معسراً – بأن يكتب في العقد شرط آخر: وهو أن المدين يعتبر موسراً، ويعامل بناء على ذلك ما لم يحكم عليه بحالة الإفلاس قانوناً، وهي حالة نهائية لا توجد إلا نادراً، مما يدل على أن كثيراً من المدينين الذين يطالبون بالتعويض هم من المعسرين حقاً (83).
ثانياً: القول بالتعويض المالي على المدين المماطل مفروض بناء على أساس وقوع ضرر على الدائن بسبب المماطلة، وهو فوات فرصة الربح، إذ يفترض أن هذا المال لو دفع لصاحبه لأمكن أن يستثمر بتجارة، أو مضاربة، أو صناعة، أو مشاركة، فيربح كذا، وهذا إن جاز نظرياً، فهو بعيد عملياً؛ لأن الدائن لا يقطع بتنمية ماله واستثماره، ثم لو استثمره فإنه لا يقطع بحصول الأرباح، فضلاً عن تحديدها بمقدار معين، إذ ماله معرض للربح والخسارة، وهذا ظاهر في المصارف والبنوك، إذ لا تستفيد من كل ما لديها من أموال، بل إن نسبة السيولة غالباً ما تكون أكثر من النسبة المحددة التي يجب الاحتفاظ بها من قبل البنوك المركزية(84)، فإذا كان عند الدائن مال – فائض نقدي – يمكن أن يدفع به عن نفسه الأضرار الطارئة، ويستغل أي فرصة استثمارية يظن أنها تدر له ربحاً، فإن دعوى الضرر لا تقبل، ويبطل شرط حصول الضرر.
"أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بجواز إلزام المدين المليء المماطل بتعويض الدائن عن ضرر فوات منفعة ماله وربحه المفترض بتسعة أدلة، وهي ما يلي:
الدليل الأول:
الآيات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود، والأمانات، وتحريم أكل المال بالباطل، ومن ذلك:
قوله _تعالى_: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (85).
وقوله _تعالى_: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" (86).
وقوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" (87).
وجه الدلالة من هذه الآيات:
دلت الآيات على وجوب الوفاء بالعقد، وأداء الأمانة، وتحريم أكل المال بالباطل، وتأخير الوفاء عن ميعاده دون رضا صاحبه يعد من أكل المال أو منفعته بالباطل، وعليه فيكون المتخلف ظالماً لصاحب المال، ومسؤولاً عن الضرر الذي يلحقه من جراء مماطلته، فيضمن منفعة ماله تلك المدة (88).
المناقشة:
نوقش الاستدلال بالآيات من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أن مدلول هذه الآيات خارج عن محل النزاع، وهو التعويض عن منافع المال الفائتة بالمماطلة.
الوجه الثاني:
عدم تسليم كون التأخير في أداء الدَّين أكلاً لمنفعة المال بغير حق خلال تلك المدة التي ماطل فيها المدين؛ لأن قابلية النقود للزيادة أمر محتمل، فلا تعد منفعة محققة الوجود قد أكلها المدين المماطل عدواناً حتى يطالب بالتعويض المالي عنها (89).
الوجه الثالث:
أن اعتبار المدين المماطل بغير عذر ظالماً معتدياً أمر مسلم لا خلاف فيه لنص الحديث على ذلك، ومنشأ ظلمه إلحاقه الضرر بالدائن نتيجة تأخير الوفاء عن وقته بلا عذر، إلا أنه ليس كل ضرر يلحقُهُ الإنسانُ بغيره ظلماً يعد موجباً للتعويض المالي(90).
الدليل الثاني:
ما ورد عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: " لا ضرر ولا ضرار "(91).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث على تحريم الضرر ووجوب إزالته، والضرر الواقع على الدائن لا يزول إلا بتعويضه مالياً عما فاته من منافع ماله خلال مدة المماطلة، بل إن معاقبة المدين المماطل بغير التعويض المالي لا يفيد الدائن المتضرر شيئاً، فلا يرتفع ضرره إلا بذلك (92).
المناقشة:
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من أربعة أوجه:
الوجه الأول:
تسليم تحريم الضرر ووجوب إزالته بالطرق الشرعية، لكن من أين لكم أن زوال الضرر لا يكون إلا بالتعويض المالي؟؛ إذ إن إزالة هذا الضرر بالتعويض المالي ليس من مدلول النص صراحة ولا إشارة، ولو كان هذا النص يدل على أن ضرر المماطل يزال بفرض زيادة مالية تضاف لأصل الدَّين تعويضاً له عن ضرر فوات ربحه خلال مدة المماطلة لوجب الحكم بها، و لوجب على كل قاض ومفت أن يقضي ويفتي بالتعويض المالي، ولكن لم يوجد في التاريخ قاض أو مفت حكم أو أفتى بذلك مع كثرة قضايا المماطلة في الديون في كل عصر ومصر (93).
الوجه الثاني:
أن ضرر الدائن المعترف به شرعاً هو عدم حصوله على ماله في وقته المحدد، وإزالة هذا الضرر بأن يسلم إليه ذلك المبلغ الذي هو حقه، وليس من حقه أخذه ما يزيد عن مبلغ دينه؛ لأنه ربا (94).
الوجه الثالث:(4/27)
أن من فروع القاعدة الفقهية المستنبطة من هذا الحديث: ( الضرر يزال ) قاعدة مقيِّدة لها، وهي: ( أن الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أشد منه)، وفي إلزام المدين المماطل بالتعويض المالي إزالة للضرر بمثل الضرر الواقع بل أشد؛ إذ يفرض عليه الربا، وتُنَزَّل المنفعة المحتملة منزل المحققة المستوفاة، فهو مقابلة لظلم المطل بظلم من نوع آخر(95).
الوجه الرابع:
قولكم: "معاقبة المدين المماطل بغير التعويض المالي لا يفيد الدائن المتضرر شيئاً "، لا يعني جواز الحكم بالتعويض؛ لأن هذه المسألة -أي عقوبة المماطل- لا تعالجها أصلاً قاعدة الجوابر؛ لخروجها عن نطاقها، وانضوائها تحت قاعدة الزواجر، التي تكفل دفع هذه المفسدة واستئصالها من حياة الناس، والعقوبات الشرعية ليس من شأنها الجبر، ووظيفتها تنحصر في الزجر، فالسارق إذا قطعت يده، أو المحارب إذا أقيم عليه حد الحرابة، فإن هذه العقوبات لا تزيل الضرر المادي عن المتضرر المظلوم؛ لأن من شأن العقوبات زجر الناس عن الظلم، ومنعهم من اقتراف الذنوب الموجبة لها درءاً للمفسدة المتوقعة(96).
الدليل الثالث:
ما ورد عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال _صلى الله عليه وسلم_ : "مطل الغني ظلم " (97).
الدليل الرابع:
ما ورد عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ : " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته".
وجه الدلالة من الحديثين:
دل الحديثان أن المماطلة في أداء الدَّين من القادر على الوفاء ظلم يستحق فاعله الفضيحة والعقوبة، ومن أنواع العقوبة التعزيرية: التعزير بالمال، وهو مشروع كما قرر ذلك المحققين من أهل العلم، والتعزير بالمال أنواع:
النوع الأول: إتلاف.
النوع الثاني: تغيير.
النوع الثالث: تمليك للغير.
ومن النوع الثالث: تعويض الدائن عن فوات منافع ماله خلال مدة المماطلة (98).
ومن شواهده: مضاعفة الغرم على سارق مالا يوجب حداً (99).
المناقشة:
نوقش الاستدلال بالحديثين من ستة أوجه:
الوجه الأول:
عدم التسليم بأن العقوبة المالية داخلة فيما دل عليه الحديث من مشروعية عقوبة المماطل؛ بناء على فهم أهل العلم لها، إذ قصروا هذه العقوبة على الحبس، والضرب، وبيع المال، ونحو ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم تفسير العقوبة هنا: بتغريم المماطل مالاً عوضاً عن تأخره في الوفاء يدفع لصالح الدائن، بل نصوا على أن العقوبة هي الحبس، والضرب، وبيع المال، واتفاقهم على ذكر هذه العقوبات مع إعراضهم عن القول بالتعويض مع وجود المقتضي للقول به من كثرة حوادث المماطلة في الديون، دليل على أنه متقرر لديهم منعه؛ لاشتماله على الربا المحرم (100).
الوجه الثاني:
أن الحديث أحل أمرين من المماطل، هما: العرض والعقوبة، ولم يقل: (ويحل ماله)، فالعرض يعني: جواز شكايته وذمه وذكره بسوء المعاملة، والعقوبة كما سبق معناها: الحبس، والضرب، وبيع المال، ونحوه، مما شأنه الزجر والردع، وأما الجبر بالتعويض، فليس داخلاً فيها، وإلا لشرع التعويض في حق المعسر المتأخر في الوفاء متى ما أيسر ولم يقل به أحد (101).
الوجه الثالث:
أن مضاعفة الغرم على سارق ما لا يوجب حداً لا يصح الاستدلال به على ما نحن فيه من حكم إلزام المدين المماطل بدفع تعويض مقابل المماطلة؛ لأن هذا الحكم ثبت بالنص الشرعي، وذلك فيما رواه عمرو بن شعيب(102) عن أبيه عن جده أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سئل عن الثمر المعلق، فقال: " من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشي منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجَرِين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ".
ومثله الحديث الآخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ، قال: يا رسول الله جئت أسألك عن الضالة من الإبل؟ قال: معها حذاؤها وسقاؤها تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتى يأتيها باغيها، قال: الضالة من الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتيها باغيها، قال: الحريسة(103) التي توجد في مراتعها؟ قال: فيها ثمنها مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه، ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن "(104).
وجه الدلالة من الحديثين:
أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرق بين العقوبة والغرامة المالية، مما يدل على أن العقوبة يراد بها الجزاء البدني من حبس وضرب وتضييق ونحوه، ويؤيده: قوله _صلى الله عليه وسلم_ : " لا عقوبة فوق عشرة ضربات إلا في حد من حدود الله "(105)، كما يؤيده أيضاً: تفريقه _صلى الله عليه وسلم_ بين العرض والعقوبة فيما يحل من المماطل الواجد، مع أن الشكوى والتظلم وذكره بسوء المعاملة عقوبة بالمعنى العام، وبناء على ما سبق، يظهر أن العقوبة في الحديث يراد بها الجزاء الواقع على بدن المماطل دون ماله، والله أعلم (106).
الوجه الرابع:
أن الأصل في العقوبات الشرعية أن تكون زاجرة رادعة، وليس من شأنها أن تجبر الضرر، والعقوبات الزاجرة شرعت لكي ترفع المفسدة عن حياة الناس وتستأصلها، أما التعويض فإنه ربما حمل الطرفين على التواطؤ على المماطلة والتحايل لأخذه، فيصبح هذا التعويض ستاراً للربا المحرم(107)، فالتعويض لا يعالج مشكلة المطل بقدر ما يزيدها تعقيداً.
الوجه الخامس:
أن ولاية التعزير بالمال – على افتراض أن التعويض داخل في التعزير بالمال- للحاكم وليست للدائن، وقيام الدائن بتطبيق العقوبة على المدين وتنفيذها يؤدي إلى فوضى ونزاع لا يقره شرع ولا يقبله عقل، ولذا لم يقل أحد بأن للدائن أن يعاقب المدين بالحبس، أو الضرب، دون الحاكم الشرعي(108).
الوجه السادس:
أن هذا المال المأخوذ من المدين المماطل تعزيراً، لا يخلو إما أن يذهب إلى بيت المال، أو إلى الدائن، فإن ذهب إلى بيت المال كما هو الشأن في الغرامات المالية التعزيرية، فإن الغرض وهو تعويض الدائن لم يتحقق، - ولا ينفع الدائن تغريم المدين في هذه الحالة، فتبقى العقوبات الأخرى أنفع له؛ لكونها تضيق على المدين في عرضه وبدنه حتى يسدده-، وقد لا يلحق المدين ضرر من دفع الغرامة لبيت المال إن كان غنياً، أو كان يربح من المال الذي يماطل به أكثر مما يدفعه من الغرامة.
وأما إن ذهبت إلى الدائن، فإن الأمر يؤول إلى أن تكون زيادة في دين مقابل زيادة في أجل، وهو عين ربا الجاهلية المحرم، إذ لا فرق بينهما في النتيجة (109).
الدليل الخامس:
أن من أسس الشريعة ومقاصدها العامة عدم المساواة بين الأمين والخائن، وبين المطيع والعاصي، وبين العادل والظالم، وبين المنصف والجائر، ولا بين من يؤدي الحقوق إلى أصحابها ومن يؤخرها.
ولا شك أن تأخير الحق عن صاحبه عمداً ومطلاً بلا عذر شرعي ظلمٌ وجورٌ بشهادة النصوص الشرعية، وفيه ضرر لصاحب الحق بحرمانه منافع ماله مدة التأخير التي قد تطول كثيراً، فإذا لم يلزم المماطل بتعويض صاحب الحق عن ضرر هذا التأخير، كانت النتيجة أن هذا الظالم العاصي يتساوى مع الأمين العادل الذي لا يؤخر الحقوق ولا يلحق الأضرار، إذ كلاهما يؤدي مقدار الواجب فقط، بل إن ذلك يغري ويشجع المماطل على مماطلته، والجزاء الأخروي بمعاقبة هذا الظالم لا يفيد صاحب الحق المهضوم شيئاً في الدنيا، وحفظ المال مقصود للشارع، لذا جعل له ضمانات قضائية لتحصيله في الدنيا قبل الآخرة، ومنها هذا التعويض (110).
المناقشة:(4/28)
نوقش بعدم تسليم دعوى أن عدم تعويض الدائن عن ضرر المماطلة يستلزم مساواة المماطل بغيره، وأن ذلك يشجع على المماطلة، وذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
أن المسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يخاف كل الخوف من الوقوع فيما حرمه الله _تعالى_ من مماطلة أهل الحقوق بغير عذر؛ لأنه ظلم للعباد يترتب عليه ما أعده الله للظالمين من عقوبة حذرت منها النصوص الشرعية، فهو ظلمات يوم القيامة، وسبب لسخط الله ونقمته على الظالم، وهو فاتح لأبواب السماء لاستجابة دعوة المظلوم على ظالمه، وهذا الوازع الإيماني هو الحامل للمؤمن والزاجر له كيلا يقع في المماطلة قبل أن تفرض عليه غرامة تعويضية للدائن(111).
الوجه الثاني:
أنه في حال ضعف الوازع الإيماني في قلب المدين عن زجره عن الوقوع في المماطلة، فإن اقترفه للمماطلة بغير حق يصيره في حكم الشريعة ظالماً يستحق الشكوى الفاضحة، والعقوبة الزاجرة، وهما كافيتان بردع المماطل الظالم عن ظلمه، وكفه عن المخالفة بقوة لا تعدلها أية غرامة مالية (112).
الوجه الثالث:
أنه في حال ضعف الوازع الإيماني، وعدم وجود الرادع السلطاني المُطَبِقِ لأحكام الشريعة في المماطلين-كما يبرر بذلك من أجاز التعويض ضرورة-، فإن الواجب على أهل الأموال أن يحتاطوا بالأخذ بالجوانب التوثيقية التي تضمن حفظ حقوقهم، وذلك بعدم التوسع في عقود المداينات، وعمل الدراسات الجادة واللازمة للمشاريع الاستثمارية قبل الدخول فيها، وتقييم جدوها الاقتصادية، وأخذ الضمانات الكافية لحفظ الحق واستيفائه، كالرهن والضمان ونحوها، والتحري في المعاملة مع ذوي الأمانة والصدق والكفاءة، إذ كثيراً ما يكون من أسباب المطل حصول التفريط في هذه الأمور.
الترجيح:
بعد عرض القولين وأدلتهما وما ورد عليها من المناقشة والتوجيه، يتبين أن القول الأول هو الراجح، وهو عدم جواز إلزام المدين بتعويض مالي يدفعه للدائن مقابل ضرر فوات منفعة المال وربحه بسبب مماطلته بالوفاء بالدَّين، وذلك لما يلي:
1) قوة أدلة القائلين بالمنع، وتوجيه المناقشات الواردة عليها، مع مناقشة أدلة القول الثاني، وبيان أنها لا تدل على التعويض المالي.
2) اختلاف القائلين بالتعويض في تكييفه، هل هو تعزير أم تعويض؟ وفي كيفية تقديره؟ دليل على ضعف هذا القول.
3) أن النتيجة النهائية للتعويض هي نفس نتيجة الربا، والفرق بينهما في التخريجات فقط، فهو يأخذ مالاً زائداً بسبب التأخر في زمن الوفاء.
4) إن التعويض عن ضرر المماطلة إذا لم يكن رباً في ذاته، فهو ذريعة إلى الربا، فيمنع.
5) ما سبق نقله عن أهل العلم بأن المثلي يضمن بالمثلي، وأن المماطلة لا توجب زيادة في الدَّين، وأنه لا فرق بين المماطل وغيره إلا في الإثم، وأنه بالشرط يمنع اتفاقاً، فكذا بالإلزام القضائي، والله أعلم.
التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (2/2)
----------------------------------
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة ص (598)، لسان العرب ص (4/482)، القاموس المحيط ص (550)، المصباح المنير ص (136).
(2) سورة الأنبياء، جزء من الآية (83).
(3) التعويض عن الضرر في الفقه الإسلامي للدكتور محمد بوساق ص (68)، ينظر: معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص (219).
(4) ينظر في هذه الشروط: الضمان في الفقه الإسلامي للشيخ علي الخفيف (48)، التعويض عن الضرر للدكتور محمد بوساق ص (177-211)، ونظرية الضمان للدكتور وهبة الزحيلي ص (188) وما بعدها ا.هـ
(5) اختلف الفقهاء في ضمان المنافع؟ بناء على خلافهم في مالية المنافع، فقال الجمهور: " هي مضمونة؛ لأنها مال يمكن تقويمه وأخذ العوض عنه والمبادلة بينه وبين المال "، وخالف الحنفية فقالوا: بعدم مالية المنافع، والمال كل ما يمكن تملكه من أي شيء، والمنافع لا تملك ولا تدخر، ينظر: المبسوط (11/79)، الموسوعة الفقهية (13/37)، التعويض عن الضرر د. محمد المدني بوساق ص (180).
(6) ينظر: بدائع الصنائع (7/167)، الضمان للخفيف ص (169)، التعويض عن الضرر لبوساق ص (188).
(7) أهلية الوجوب: هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له وعليه معاً أو له أو عليه، ومبنى ذلك وجود ذمة صالحة، ينظر: بدائع الصنائع (7/168)، الشرح الكبير للدردير (3/443)، قواعد الأحكام (1/186)، الإقناع (2/354)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/152).
(8) ينظر: بدائع الصنائع (7/315)، الخرشي (8/42) المهذب (2/205)، المغني (12/133).
(9) حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض الدائن، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية. ع: 2، م:3، ص(20)، ينظر: تعليق زكي شعبان عليه ص (198)، مجلة الملك عبد العزيز مجلد ص (20).
(10) بحث في مطل الغني وأنه ظلم يحل عرضه وعقوبته ضمن مجموع فتاوى وبحوث الشيخ (3/239).
(11) الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل ص (112)، ينظر: التعويض عن الضرر من المدين المماطل لمحمد الزحيلي ص (82)، بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (37).
(12) التعويض عن الضرر من المدين الماطل د. محمد الزحيلي ص (82)، التعويض عن ضرر المماطلة في الدَّين بين الفقه و الاقتصاد د.محمد ابن الزرقاء ود. محمد بن علي القري ص (38).
(13) خروج هذه المسألة من النزاع لا لكون العقوبة بالتعزير بالمال مسألة متفق عليها، بل لأن الخلاف في التعويض ليس مبنياً على جواز التعزير بالمال، أما ما يتعلق بالتعزير بالمال، فيقال:
التعزير بأخذ المال محل إشكال، ومسألة تحتاج إلى تحرير، وذلك أن كثيراً من العلماء نصوا في مواضع على حرمة التعزير بالمال، وتحريم أخذه بدون حق وطيب نفس من صاحبه، ويعللون المنع بالخوف من تسلط الجبابرة على أموال الناس، وأخذها بالتشهي ظلماً وبغياً بدعوى التعزير بالمال .
قال ابن عابدين: " المذهب عدم التعزير بأخذ المال "، وقال قبل ذلك: " وعن أبي يوسف: يجوز التعزير للسلطان بأخذ المال، وعندهما وباقي الأئمة لا يجوز ا.هـ... ولا يفتى بهذا، لما فيه من تسليط الظلمة على أخذ مال الناس فيأكلونه، … وأفاد في البزازية: أن معنى التعزير بأخذ المال على القول به: إمساك شيء من ماله عنه مدة لينزجر ثم يعيده الحاكم إليه، لا أن يأخذه الحاكم لنفسه، أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة، إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي ".[ينظر: حاشية ابن عابدين (4/61-62) ].
وقال الإمام مالك: " لا يُحِلُ ذنبٌ من الذنوب مالَ إنسان ". [ ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد (9/359) ]، وقال الدسوقي: " ولا يجوز التعزير بأخذ المال إجماعاً ". [ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/355) ].
وقال الشافعي: " لا يعاقب رجل في ماله، وإنما يعاقب في بدنه، وإنما جعل الله الحدود على الأبدان، وكذلك العقوبات، فأما الأموال فلا عقوبة عليها". [ينظر: الأم (4/265) ].
وقال ابن قدامة: " التعزير يكون بالضرب، والحبس، والتوبيخ، ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه، ولا أخذ ماله؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدي به، ولأن الواجب أدب، والتأديب لا يكون بالإتلاف ". [ينظر: المغني (12/526) ].(4/29)
فهذه عبارات العلماء في تحريم التعزير بأخذ المال، حتى لا يُفتح الباب للظلمة لاستباحة أموال الناس المعصومة، قال في الإقناع (4/246): " قال الشيخ -يعني ابن تيمية-: وقد يكون التعزير بالنيل من عرضه، مثل أن يقال له: يا ظالم، يا معتدي، وبإقامته من المجلس، وقال: التعزير بالمال سائغ إتلافاً وأخذاً، وقول أبي محمد المقدسي - يعني الموفق ابن قدامة-: لا يجوز أخذ ماله، إشارة منه إلى ما يفعله الحكام الظلمة " ا.هـ.
وقد خرَّج ابنُ تيمية القولَ بالجواز على مسائل مخصوصة في مذاهب أهل العلم، وبين أن العلماء ممن نص على المنع يقول به في تفاصيل بعض المسائل، قال _رحمه الله_: "والتعزيرات بالعقوبات المالية مشروع أيضاً،في مواضع مخصوصة، في مذهب مالك في المشهور عنه، ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه، وفي مواضع فيها نزاع عنه، والشافعي في قول، وإن تنازعوا في تفصيل ذلك ". [ينظر: الحسبة ص (93)].
ولمزيد من البحث في التعزير بالمال، ينظر: الفتاوى الكبرى (5/530)، الطرق الحكمية ص (207)، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (12/125)، كتاب التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عوده (1/705)، والتعزير في الشريعة الإسلامية للدكتور عبدالعزيز عامر ص (394-409)، الحدود و التعزيرات عند ابن القيم للشيخ بكر أبو زيد ص (496-498)، التعزير بالمال لماجد أبو رخية ص255-270.
(14) سورة البقرة، جزء من الآية (275).
(15) سورة البقرة، جزء من الآية (275).
(16) سورة البقرة الآيتين (278)و(279).
(17) أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الوصايا باب قول الله _تعالى_: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً".[سورة النساء، جزء من الآية (10)] (5/462) برقم (2766)، ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (1/92).
(18) أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا (11/26).
(19) أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب الحج، باب حجة النبي _صلى الله عليه وسلم_ (8/182).
(20) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب وضع الربا (9/131)، ورقم الحديث (3332)، وابن ماجه في السنن، كتاب المناسك، باب الخطبة في يوم النحر (2/1015)، ورقم الحديث (3055).
(21) الإجماع (136)، أحكام القرآن (1/638)، المغني (6/52)، المجموع (9/391)، ينظر: القوانين الفقهية ص (165)، بداية المجتهد (2/128)، إعلام الموقعين (2/103).
(22) وممن اختاره من المعاصرين وكتب لنصرته:
الأستاذ الدكتور أحمد فهمي أبو سنة في مجلة الأزهر ص (754)، ج(7)، السنة (63) رجب 1411هـ
والدكتور نزيه كمال حماد في المؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء ص (295).
والدكتور علي السالوس كما في مجلة المجمع، العدد السادس (1/ 264).
والدكتور تقي العثماني في كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص (40).
والدكتور محمد شبير كما في الندوة الرابعة لبيت التمويل الكويتي ص (281).
والدكتور حسن الأمين كما في تعليقه على بحث الزرقا ص (41) في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية (م:3،ع:2).
والدكتور رفيق المصري كما في مجلة المجمع، العدد السادس (1/334).
والشيخ عبدالله بن بيه كما في تعليقه على بحث الزرقا ص (54) في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية (م:3-ع:2).
والدكتور زكي الدِّين شعبان كما في تعليقه على بحث الزرقا ص (99)، في مجلة جامعة الملك عبد العزيز (م:1) عام 1409هـ.
والدكتور محمد زكي عبد البر كما في تعليقه على رأي الضرير ص (61)، في مجلة جامعة الملك عبد العزيز (م:3) عام1411هـ.
والدكتور محمد القري كما في مجلة المجمع، العدد الثامن (3/679).
(23) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص (268).
(24) مجلة المجمع العدد (6) (1 / 447-448).
(25) المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص(34).
(26) الإجراءات المقترحة لمواجهة المماطلة، د. أحمد بن علي عبد الله ص(6).
(27) وممن اختاره من المعاصرين وكتب لنصرته:
الشيخ مصطفى بن أحمد الزرقاء رحمه الله في مقاله: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن، نشر في مجلة دراسات اقتصادية فقهية، ص (11-20)، مجلد (3 – ع:2) سنة 1417هـ.
والشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع في بحثه: مطل الغني ظلم وأنه يحل عرضه وعقوبته، نشر في مجموع فتاوى وبحوث الشيخ (3/191-266).
والدكتور محمد الزحيلي في بحث غير منشور بعنوان: التعويض عن الضرر من المدين المماطل، ص81- 82، مقدم لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين1421هـ.
والدكتور عبد الحميد البعلي في كتابه: أساسيات العمل المصرفي الإسلامي ص(57-59).
والشيخ محمد خاطر كما في ورقة: الإجراءات المقترحة لمواجهة المماطلة ص (5).
والدكتور عبد العزيز القصار في كتابه: مطل الغني ظلم ص (76).
(28) جواز إلزام المدين المماطل ص (20).
(29) بحث في أن مطل الغني ظلم (3/193).
(30) بحث في أن مطل الغني ظلم (3/240).
(31) بحث في أن مطل الغني ظلم (3/252).
(32) مطل الغني ظلم للمنيع (3/264).
(33) حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض الدائن ص (20)، وقد أكد الشيخ أن الاتفاق المسبق على تقدير ضرر الدائن له محذور كبير، وهو أن يصبح التعويض ذريعة لربا مستور بتواطؤ بين الدائن والمدين، كأن يتفقا على القرض على فوائد زمنية ربوية، ثم يعقد القرض لمدة قصيرة، وهما متفاهمان على أن لا يسدد المدين القرض في ميعاده، لكي يستحق الدائن عليه تعويض تأخير متفق عليه مسبقاً يعادل سعر الفائدة. ولذا قال: " لذلك لا يجوز في نظري إذا أقرت فكرة التعويض عن ضرر التأخير، أن يحدد هذا التعويض باتفاق مسبق، بل يجب أن يناط تقدير التعويض بالقضاء ". ينظر: حول جواز إلزام المدين ص (18-19).
(34) الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطل (112)، علماً أن الشيخ ليس ممن يقول بتعويض الضرر بفوات الربح المفترض كما سيأتي في المبحث القادم.
(35) المنهج المحاسبي لعمليات المرابحة ص (120)، الخدمات المصرفية للشبيلي (2/608).
(36) سورة البقرة، جزء من الآية (275).
(37) سورة البقرة، جزء من الآيتين (279)و(280).
(38) ينظر: تعليق ابن بيه على بحث الزرقاء ص (49).
(39) ينظر: تعليق ابن بيه على بحث الزرقاء ص (48).
(40) ينظر: المؤيدات الشرعية لحمل المدين على الوفاء ص (292).
(41) ينظر: بحث في مطل الغني للمنيع (3/249).
(42) ينظر: تعليق د.رفيق المصري ص (63)، تعليق زكي الدين شعبان ص (200).
(43) ينظر: بحث في مطل الغني ظلم (3/250)، ينظر: مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص (19).
(44) بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (42).
(45) المؤيدات الشرعية ص (209).
(46) بحث في مطل الغني (3/251)، بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (39).
(47) تعليق: ابن بيه في تعليقه على الزرقا ص (49).
(48) ينظر: تعليق محمد زكي عبد البر على بحث الضرر ص (62) مجلة الملك عبد العزيز (م:3) 1400هـ.
(49) ينظر: مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص(19)، بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (39).
(50) ينظر:بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (43).
(51) سبق تخريجه ص (43).
(52) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (40).
(53) ينظر: بحث في مطل الغني للمنيع (3/251).
(54) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (42).(4/30)
(55) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص (40)، مجلة الأزهر سنة 63 (جزء7) ص (754)، المؤيدات الشرعية ص (291)، تعليق ابن بيه على بحث الزرقا ص (51)، تعليق حسن الأمين على بحث الزرقا ص(43).
(56) مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص (12).
(57) ينظر: تعليق ابن بيه على مقال الزرقا ص (48).
(58) الإشراف (1/145-146).
(59) أحكام القرآن للجصاص (1/648).
(60)السياسة الشرعية ص (64).
(61) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي ص (202).
(62) مقال للدكتور أحمد فهمي أبو سنه، مجلة الأزهر ص( 754)، ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني(42).
(63) مجلة الأزهر ص (754) جزء (7) عام (63).
(64) الهداية مع فتح القدير (9/318).
(65) (2/1214).
(66) روضة الطالبين (5/18).
(67) المغني (7/362).
(68) الإجماع ص (160).
(69) للقدوري ص (194)، وقال شارحه في اللباب (3/210): "باتفاق".
(70) (3/1428).
(71) (8/371).
(72) (12/454).
(73) شرح منتهى الإرادات (3/873).
ولم أجد أحداً قال بتضمين الغاصب لربح المال المفترض إلا قولاً مرجوحاً لبعض المالكية، بل حكى بعضهم اتفاق المالكية على خلافه، وأن ربح الدراهم المغصوبة للغاصب.
قال القرافي في الذخيرة (8/317): " إذا غصب دراهم ودنانير فربح فيها -أي تحقق الربح- فثلاثة أقوال: قال مالك وابن القاسم: لا شيء لك إلا رأس المال....وعن ابن حبيب: إن تجر فيها موسراً فله-أي الغاصب- الربح لقبول ذمته الضمان أو معسراً فلك –أي للمغصوب منه-...وعن ابن سحنون: لك ما كنت تتجر فيها لو كانت في يديك ولم يتجر فيها الغاصب بل قضاها في دين أو أنفقها ". وحكى ابن رشد الاتفاق على أنها للغاصب، قال في المقدمات الممهدات (2/497):" ما اغتل منها بتصريفها وتفويتها وتحويل عينها كالدنانير يغتصبها فيغتلها بالتجارة فيها...فالغلة له –أي الغاصب- قولاً واحداً في المذهب"، قال العدوي في حاشيته على الخرشي(6/143) بعد ذكر الأقوال السابقة:" الراجح أن الربح للغاصب مطلقاً، كما أفاده بعض الشيوخ خصوصاً وقد علمت أنه كلام مالك وابن القاسم، وحكى الاتفاق عليه ابن رشد ".
(74) وهو مذهب الحنفية، والراجح عند المالكية، وأظهر الوجهين عند الشافعية، واحتمال عند الحنابلة، ينظر: المبسوط (11/78)، مجمع الضمانات ص (130)، الرسالة ص (233)، الخرشي على خليل مع العدوي(6/143)، المهذب (14/248)، روضة الطالبين (5/59)، المغني (7/399)، الفروع(4/494)، الإنصاف (15/277).
(75) ينظر: منح الجليل (4/532-533).
(76) ينظر: الخرشي مع حاشية العدوي (5/55)، والغلة عند المالكية تشمل المنافع والزوائد، ينظر: نظرية الضمان للخفيف ص (51).
(77) ينظر: تحرير الكلام على مسائل الالتزام ص (176).
(78) ينظر: الفروق للقرافي (2/32)، موسوعة القواعد الفقهية (6/30).
(79)ينظر: متأخرات البنوك الإسلامية ص (46)، عقد القرض في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لعلاء خروفة ص(201)، وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي في مكة رقم(5) في الدورة العاشرة، وهو بشأن الرد على من أباح الفائدة الربوية ما نصه: " المجمع يستنكر بشدة هذا البحث....لمخالفته النصوص الواضحة والإجماعات القاطعة، وترويجه للشبه والحجج الزائفة، بنقله عن الجهلة لمقاصد الشريعة: أن الربا تعويض عن حرمان المقرض بماله مدة القرض، وهي من شبه اليهود في إحلالهم الربا " [قرارات المجمع ص(224-225)].
(80) وهو توما الإكويني، ينظر: تعليق المصري على بحث الزرقا جواز إلزام المدين المماطل بالتعويض ص (62).
(81) وهو الشيخ الضرير، مجلة جامعة الملك عبد العزيز (م:5)، 1413 هـ ص (70)، الإجراءات المفترضة لمواجهة المماطلة ص (5).
(82) ينظر: الخدمات المصرفية (2/ 628).
(84) بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص (42).
(85) المنهج المحاسبي لعمليات المرابحة ص (115)، الخدمات المصرفية (2/626).
(86) سورة المائدة، جزء من الآية (1).
(87) سورة النساء، جزء من الآية (58).
(88) سورة النساء، جزء من آية (29).
(89) مقال: حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن (13-14).
(90) ينظر: المؤيدات الشرعية (290).
(91) ينظر: المؤيدات الشرعية (290).
(92) رواه ابن ماجة في سننه واللفظ له في كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2/784) حديث رقم (2340)، ورواه أحمد في المسند (5/327) عن عبادة _رضي الله عنه_.
ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب البيوع (2/57-58)، والدارقطني في السنن، كتاب الأقضية والأحكام (4/228) ورقم الحديث(85)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلح، باب لا ضرر ولا ضرار (6/69) عن أبي سعيد _رضي الله عنه_.
ورواه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرفوعاً في كتاب الأقضية، باب القضاء في المرافق (2/745) وهو مرسل قال النووي: " له طرق يقوي بعضها بعضاً "، وقال ابن رجب: " قال ابن الصلاح هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه وقد تقبله أهل العلم واحتجوا به " [جامع العلوم والحكم ص (329-330)]، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/408) حديث رقم (896)، وينظر: نصب الراية للزيلعي (4/384)، فيض القدير(6/432).
(93) ينظر: مقال حول جواز إلزام المدين المماطل بتعويض للدائن ص (15).
(94) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(40).
(95) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(40).
(96) ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(176)، موسوعة القواعد الفقهية (6/257)، المؤيدات الشرعية ص(291-292).
(97) المؤيدات الشرعية ص (292) ويؤيد هذا المعنى: أن الزواجر لا تقبل الجبر، فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ حينما رد على الأعرابي - والد العسيف الذي زنى بامرأة مؤجِّره - التعويض المالي الذي بذله لزوج المرأة، وهو مئة شاة ووليدة، وأمر بإقامة الحد الشرعي تحصيلاً لزجر الناس، وحتى لا يتواطأ الناس على الجرائم والذنوب، ويتراضوا بالمعاوضة عنها مالياً، قال _صلى الله عليه وسلم_ : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". [الحديث أخرج البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على جور فالصلح مردود (5/355) وقم الحديث(2695-2696)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الزنا (11/205) من حديث زيد بن خالد، وأبي هريرة ].
وأطال القرافي النَّفس في التفريق بين قاعدة الزواجر والجوابر في الذخيرة (8/289)، والفروق (1/213).
(98) ينظر: الحسبة ص (93)، ومجموع الفتاوى (28/109-119).
(99) ينظر: بحث في مطل الغني (3/200-206).
(100) ينظر: بحث في مطل الغني (3/200)، الحسبة ص (107).
(101) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(42).
(102) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(42).
(103) أخرجه أبو داود في سننه واللفظ له، كتاب الحدود باب ما لا قطع فيه (12/37) رقم الحديث (4380)، والنسائي في سننه، كتاب قطع السارق، باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين (8/85) رقم الحديث(4958)، وابن ماجه في السنن كتاب الحدود باب من سرق من حرز (2/865) رقم الحديث(2596)، وابن الجارود في المنتقى (1/210) رقم الحديث(827)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/153)، والحاكم في المستدرك في كتاب الحدود (4/381)، و حسنه الألباني كما في إرواء الغليل (8/69).(4/31)
(104) الحريسة: هي التي تؤخذ من المرعى، وليس فيه قطع لعدم الحرز، ينظر:: شرح السنة للبغوي(8/319).
(105) رواه الإمام أحمد في المسند واللفظ له (2/180)، والبغوي في شرح السنة في كتاب العطايا باب اللقطة (8/318) وقد حسن إسناده شعيب الأرنؤوط وأصحابه في تخريج المسند(11/274).
وقد روى البيهقي عن الشافعي أنه قال: " لا تضعف الغرامة على أحد في شيء، إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال، وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل، فهو ضامن على أهلها: قال: فإنما يضمنونه بالقيمة لا بقيمتين " [ ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (8/279)]، والقول بالتضعيف هو مذهب الإمام أحمد وهو من مفرداته، ينظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص (280)، شرح الزركشي (6/336).
(106) رواه البخاري في صحيحه عن أبي بردة _رضي الله عنه_، كتاب الحدود، باب كم التعزير والأدب (12/183) رقم الحديث (8648)و(8649).
(107) ينظر: موقف الشريعة من الدَّين للدكتور سامي السويلم ص (40).
(108) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني ص(42)، المؤيدات الشرعية (292-295).
(109) ينظر: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني(42).
(110) ينظر: مجلة الأزهر (ج:7)، عام:63 ص (754).
(111) ينظر: جواز إلزام المدين المماطل بالتعويض للزرقا، بتصرف ص (16).
(112) ينظر: المؤيدات الشرعية ص(293).
المصدر : موقع المسلم
==============
تأملات في بطاقات الصرف الآلي
عبد الله بن حميد الفلاسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
مع التطور المستمر للشبكات المالية Financial Networks وامتلاك بعض البنوك لشبكات خاصة بها ، قامت بإصدار بطاقات تمكن حاملها من الوصول إلى حسابه لدى البنك والسحب منه عن طريق أجهزة الصراف الآليAutomated Teller Machines واختصارها «ATM».
ويمكن تعريف هذه البطاقة بأنها: «أداة دفع وسحب نقدي ، يصدرها بنك تجاري ، تمكِّن حاملها من الشراء بماله الموجود لدى البنك ، ومن الحصول على النقد من أي مكان مع خصم المبلغ من حسابه فوراً ، وتمكنه من الحصول على خدمات خاصة» (1).
ولها نوعان (2) :
1. بطاقات الصراف الآلي الداخلية: وهي البطاقات التي تؤدي وظائفها داخل دولة واحدة، ومع تطور الاتصالات أمكن استعمالها في جهاز أي بنك من خلال شبكة تنظم العلاقة بين البنوك والعملاء.
2. بطاقات الصراف الآلي الدولية: وهي التي تتبع منطقة دولية ترعى هذه البطاقات، بحيث يستطيع حاملها استخدامها في جميع أنحاء العالم، ومن أمثلتها بطاقة (فيزا إلكترون) التابعة لفيزا، وبطاقة (مايسترو) التابعة لماستر كارد، ويتم التعامل بها من خلال شبكة دولية توفرها المنظمة الراعية للبطاقة.
ومما سبق يتضح لنا الفرق بين بطاقات السحب الجاري، وبطاقات الائتمان (3)، وهذه الفروق نوجزها فيما يلي (4) :-
أن بطاقات الحساب الجاري مرتبطة برصيد حاملها في البنك المُصْدِر لها، فلا يمكن لحاملها أن يسحب أو يشتري بأكثر من رصيده المودَع في البنك المصدر، أما البطاقات الائتمانية فإنها لا ترتبط برصيد حاملها، بل قد لا يكون له رصيد في البنك المصدر، وإنما تعتمد على ثقة المصدر بالملاءة المالية لحامل البطاقة وقدرته على السداد عند استحقاق الدفع .
أن البنك المصدر لبطاقة الحساب الجاري يُعد موفياً للقرض في حال السحب النقدي بها، والعميل (المقرض) إنما يقوم باستيفاء دينه أو بعضه، أما في البطاقة الائتمانية فإن البنك المصدر يُعد مقرضاً عند استعمال حامل البطاقة لها، ويكون مديناً للبنك بمقدار استعماله للبطاقة.
عند السحب النقدي بالبطاقات الائتمانية تُحسب نسبة مئوية من المبلغ المسحوب، أما السحب النقدي ببطاقات الحساب الجاري فهو مجاني أو يُحتسب رسوم مالية مقطوعة غالباً.
أن بطاقات الحساب الجاري تعد من بطاقات السداد الفوري، أما البطاقات الائتمانية فهي بطاقات تقسيط تعتمد على تدوير الائتمان في غالبها.
أن بطاقات الحساب الجاري تعد من البطاقات المجانية بالنسبة للبائع، أما البطاقات الائتمانية فيتكبد البائع فيها دفع رسم أو نسبة مئوية من قيمة الفاتورة.
أن البطاقات الائتمانية بطاقات ذات ربحية مباشرة ، إذ صدرت لأجل الربح المباشر بسبب كثرة الرسوم المفروضة عليها، أما بطاقات الحساب الجاري فهي ذات ربحية غير مباشرة ، فالربح ليس هدفاً لإصدارها في الأصل، لكن الخدمات التي تقدمها أصبحت تدر ربحاً على المصدر .
الغالب أن بطاقات الحساب الجاري لا يصدرها إلا البنوك لارتباطها برصيد حاملها لدى البنك المصدر، أما البطاقات الائتمانية فقد تصدرها البنوك أو المنظمات الدولية والمؤسسات المالية؛ لأنها لا ترتبط برصيد حاملها لدى المصدر .
يعتمد استعمال بطاقات الحساب الجاري على تطور الاتصالات الإلكترونية، ولا يمكن أن تُستعمل بشكل يدوي ، أما البطاقات الائتمانية فقد تستعمل بشكل يدوي خاصة في الدول غير المتقدمة.
والتكييف الشرعي لبطاقات الصرف الآلي أو السحب الجاري (5) :
هذا النوع لا يمكن اعتباره من بطاقات الائتمان؛ لاشتراط المصرف وجود رصيد عنده، على عكس بطاقات الائتمان، التي لا يشترط المصرف وجود رصيد عنده، ولذلك يمكن اعتبار هذا العقد من عقود الحوالة، على أساس أن المعاملة بين العميل والمصرف معاملة دين أو قرض، حيث أن رأس مال المصارف من إيداعات الناس، ولهذا فإن المصرف مدين لعميله.
والظاهر جواز التعامل مع هذا النوع، وخاصة أن كثير من المصارف الإسلامية تصدرها، وأما ما يصدر من المصارف الربوية لهذا النوع، فإنه غير جائز شرعاً؛ والسبب في ذلك يرجع لتعاملات هذه البنوك بالربا الصريح، الذي تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على تحريمه، رغم تغييرهم لمسمى الربا الحقيقي إلى (الفوائد البنكية)؛ إلا أن المضمون والمعنى واحد، وكم من الحقائق التي حرمة في الشريعة الإسلامية تم تغييرها لخداع الناس لترويجها.
ومن المسائل التي تثير شكوك كثير من الناس، مسألة السحب من أجهزة الصرف الآلي التي تعود ملكيتها إلى بنوك أخرى، حيث يتم أخذ مبلغ مقطوع - درهمان فقط - نظير هذه الخدمة، فهذا المبلغ المأخوذ لا يوجد مانع شرعي في أخذه؛ لأنه رسوم خدمة، لأنّه من باب الجعالة ، و يأخذ حُكم أجرة تحويل المال أو إيصاله إلا أن بعض البنوك تجعل الرسم نسبة مئوية بدلاً من المبلغ المقطوع، تتأثر هذه النسبة بالمبلغ المسحوب زيادةً و نُقصاناً ، فهذه صورة من صور الربا ، و لا يجوز التعامل بها البتة .
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------------
(1) عبد الرحمن الحجي، البطاقات المصرفية، ص57
(2) صالح محمد الفوزان، البطاقات الائتمانية تعريفها وأخذ الرسوم على إصدارها والسحب النقدي بها، موقع صيد الفوائد.
(3) لقد عرف مجمع الفقه الإسلامي بطاقات الائتمان بأنها: «مستند يعطيه مُصدره لشخص طبيعي أو اعتباري، بناء على عقد بينهما، يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف» أ.هـ انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (7/1/717) القرار رقم (65/1/7) عام 1412هـ.(4/32)
(4) انظر: محمد العصيمي، البطاقات اللدائنية، ص145،148،176،184. والحجي، مرجع سابق، ص60. نقلاً عن صالح الفوزان، مرجع سابق.
(5) عبد الله الحمادي، التكييف الشرعي لبطاقات الائتمان، ص 23-24. وبكر أبو زيد، بطاقة الائتمان، ص23. والبطاقات الائتمانية، من إعداد وزارة الأوقاف السعودية، أحمد عبد الكريم نجيب، فتوى بعنوان: (بطاقات الائتمان)، منشوره بموقع إسلام أون لاين بتاريخ 17/4/2002م..
==============
احفظ الله ؛ يحفظك !
تأليف :
أبي حمزة عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
حقوق الطبع محفوظة
إلاَّ لمن أراد طبعه وتوزيعه مجاناً لوجه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُمَّ هذه الأوراق منك ، فاجعلها لك ..
اللهُمَّ لا تجعلني ممن يدل عليك ثُمَّ يعرض عنك ، ويدعو إليك ثمَّ يفر منك..
اللهُمَّ فاجعلني عبداً لك وحدك ، وأغنني بفضلك عمن سواك ..
ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم !
الحمد لله الخافض الرافع ، القابض الباسط ، المعز المذل ، المحيي المميت ، لا إله إلاَّ هو ، إليه المصير .
والصلاة والسلام ، على البشير النذير ، والسراج المنير، محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه ، واستنَّ بسنته ، إلى يوم البعث والنشور .
أما بعد :
أخي الحبيب 1..
احفظ الله .. يحفظك !
هذا واجبك .. وذلك كرمه ..
هذه مهمتك .. وتلك منَّته وفضله ..
هذه رسالتك .. وذيّاك جوده وإحسانه وبرُّه ..
فأنت عبده ، وليس لك ربُّ سواه ..
وهو سيُّدك ومولاك ، ونجاتك في رضاه ..
وأنت الفقير إليه ، الحقير بين يديه ، وهو الغني عنك ، المقتدر عليك ..
فلن تعجزه في ملكه ، وأنت في قبضته ، وتحت سطوته وجبروته وقوَّته ..
ولن تغيب عن سمعه وبصره ، وأنت في علمه ، وتمضي بعنايته ورعايته ..
ولن تستغني عنه ، وأنت من خلقه ، وتأكل من رزقه ، وتتقلب في نعمته ..
فأنت إلى غضبه ونقمته .. وذلك من تمام عدله !
أو إلى رحمته ومنَّته .. وذلك من كمال فضله !
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال : " يا غُلامُ ، إنِّي أُعلمُك كلمات : احفظِ الله يحفظكَ ، احفظِ الله تجدهُ تُجاهكَ ، إذا سألتَ فاسأَلِ الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعت على أن ينفَعُوكَ بشيء لم ينفعوكَ بشيء إلاَّ قد كتَبَهُ الله لكَ ، وإن اجتمعُوا على أن يضُرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلاَّ بشيء قد كتَبهُ الله عليك ، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُفُ "2
فاحفظ الله .. يحفظك في العاجلة والآجلة ، وفي الدين والدنيا .
احفظ الله .. يحفظ قلبك من كلِّ شبهة وشهوة ، وعقلك من أيٍ شكٍ وحيرة .
احفظ الله .. يحفظك من كلِّ عادٍ وصائل ، وغادرٍ وفاجر ، ومن شرِّ كلِّ ذي شر .
احفظ الله .. يحفظك في أصلِك وعقِبِك ، وفي مالِك وكلِّ مكتسباتك ومدَّخراتك .
احفظ الله .. يحفظك .. { فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين }3
احفظ الله .. في إيمانك
احفظ الله في إيمانك ، وأعلم أنَّ الله تعالى لم يخلقك عبثاً ، ولن يتركك سُدى . قال تعالى :{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } 4
وإنَّما خلقك لغاية عظيمة ، ومهمَّة جسيمة ؛ ألا وهي عبادته التي هو في غاية الغنى عنها ، وأنت في أمسِّ الحاجة إليها . قال تعالى :{ وما خلقت الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } 5
وأيُّ شرفٍ أعظم ، وأيُّ مكانةٍ أكرم من أن تكون عبداً لله كما يحبُّ الله ؟!
ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرت أحمد لي نبياً
والعبادة ـ أيها الحبيب ـ اسم جامعٌ لكلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، وهي التعبد لله تعالى بفعل أوامره ، واجتناب نواهيه وزاجره ، حباً وخوفاً ورجاءً وذلَّةً .
فلا يُعبدُ إلاَّ الله تعالى ، ولا يُعبد سبحانه إلاَّ كما شرع عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن مقتضى هذه العبودية التي هي أشرف مقامات العبد ألاَّ يُصرف شيئاً من العبادات الشرعية لغير الله تعالى ، فتسوية غير الله تعالى مع الله عزَّ وجلَّ فيما هو من خصائص الله تعالى شركٌ لا يغفره الله تعالى ، ولا ينفع معه طاعةٌ أو عمل ٌ . قال تعالى : { إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً }6
ومن مظاهر الشرك التي ذاعت وشاعت في ديار المسلمين هذه القبور والأضرحة والمزارات التي تُقصدُ وتعبد وتدعى وترجى وتخشى من دون الله تعالى ، ويُتمسَّحُ بأركانها ، وتُقبلُ جدرانها ، ويعكف الناس عليها باكين داعين متضرعين ، فتراهم ـ ويا للأسف ـ حول القبر ركعاً سجداً ، يبتغون من الميت فضلاً ورضواناً ، ولمصائبهم عِوضاً وسلواناً ، وهم ـ ويا للحسرة ـ قد ملؤوا أكفَّهم خيبةً وخسراناً ، وذلَّةً وخذلاناً . قال تعالى :{ ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين }7
فإن تعجب ! فعجبٌ قولهم ، وغفلتهم عن ربهم وخالقهم ومولاهم الذي بيده مقاليد الأمور ، وتصريف الأحوال ، وتقدير ما كان ، وما سيكون ، وأمره بين (الكاف ) و (النون ) { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }8
وتعلَّقت قلوبهم بأمواتٍ مرتهنين بأعمالهم ، مجزيين بأفعالهم ، قد أفضوا إلى ما قدَّموا ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . قال تعالى :{ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الضالمين * وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلاّ هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم }9
فتأمل ـ زادنا الله وإيّاك بصيرة وهدى ـ كيف تُصرف العبادة التي لا يجوز صرفها إلاَّ لله تعالى لهذه القبور والأضرحة ، فترى صور الصلاة إليها ، والعكوف عليها ،والطواف بها ، وتقبيلها واستلامها ، وتعفير الخدود على ترابها ، وعبادة أصحابها ، والاستغاثة بهم ، وسؤالهم النصر والظفر ، والعافية في الجسد ، والبركة في الولد ، والأمن في البلد ، وقضاء الديون ، وتسلية المحزون ، وتفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإغناء ذوي الفاقات والحاجات ، ومعافاة أولي العاهات والبليَّات ...
نسوا الله ، فنسيهم ، ودعوا غيره ، فتركهم ، وأوكلهم إلى أنفسهم ، فباؤا بخسرانٍ عظيم ، قال تعالى :{ .....قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هنَّ كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هنَّ ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون }10
احفظ الله .. في شعائره .
ومن أعظمها وأجلِّها شعيرة الصلاة ، فإنها الفيصل بين الإسلام والكفر ، وأداؤها علامةُ الهداية ، وتركها علامة الضلال والغواية ، فهي الصلة بين العبد وربِّه ، فإذا تركت انقطعت الصلة ، ولا يبالي الله في أي وادٍ هلك تاركها .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة "11
وعن بريدة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " 12(4/33)
وقد توعَّد الله تعالى من تهاون في أدائها فأنقص من خشوعها ، وضيَّع من أركانها وواجباتها ، وأخرجها عن وقتها ـ مع أدائه لها ـ بالويل ! ، وهو شديد العقاب وأليم العذاب . قال تعالى : { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون }13.
فما بالك بمن تركها وهجرها وأصبح لا يؤديها إلاَّ في الجُمع والمناسبات ؟!!
قال تعالى عن المجرمين : " { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين }14
وهي ـ أيها الحبيب ـ أوَّل ما يُسأل العبد عليه من عمله يوم القيامة ، فإن صَلُحت وقُبلت ، فقد أفلح وأنجح ، وكانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن تهاون في أدائها وضيَّعها ، فلم يقم بها كما أمر الله تعالى فقد خاب وخسر ، وحشر مع هامان وفرعون وقارون وأميَّة بن خلف ، وهو في الآخرة من المقبوحين !
قال تعالى :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين }15
احفظ الله .. في بصرك .
احفظ الله في جارحة النظر ، فلا تقلِّب البصر فيما حرَّم الله ، ولا تتبَّع به عورة عبد مسلم ، فإنه من تتبع عورة عبد مسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في قعر داره !
ولا تنظر به إلى امرأة لا تحلُّ لك من أولئك النساء المتبرجات اللائى نزعن الحياء وكشفن الغطاء ، وعرَّين أجسادهنَّ كلَّها أو بعضها ، وأصبحن مبتذلات لكلِّ ناظر ، ومطمعاً لكلِّ فاجر ، فهنَّ كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهنَّ كأسنمة البُخت المائلة ، لا يدخلن الجنَّة ولا يجدن ريحها .
فلا تتبع النظرة النظرة ، فإنَّ لك الأولى وليست لك الثانية ، فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، قال تعالى :{ قل للمؤمنين يغضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنَّ الله خبير بما يصنعون }16
كلُّ الحوادث مبدؤها من النظر ومستعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد محفوف على الخطر
يسرُّ ناظره ما ضرَّ خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
احفظ الله في : سمعك .
فلا تسمع به ما حرَّم الله تعالى ، ونزهه عن كلِّ ساقطٍ من قولٍ ، وقبيحٍ من حديث ، فإنَّه عاريَّة مستردَّة ، ونعمةٌ مستوفاة ، وأنت مسئولٌ عنه يوم لقاء الله . قال تعالى :{ إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً }17
وأحذر ـ أخي ـ كلَّ الحذر أن تُصغي بسمعك للمعازف والغناء ، فإنها تصدُّ عن ذكر الله تعالى ، وتزين المحرمات ، وتُغري بارتكاب الموبقات ، وتُفقد الإنسان مروءته وعدالته ورجولته ، وتطمس على قلبه وتُنبتُ النفاق فيه ، وتجعل القلب ساهياً لاهياً غافلاً عن ربِّه ومولاه ، وتزيد في الشهوة وتوقع في الشقوة ، فهي رقية الزنا ، ومهاد الفاحشة ، تقود إلى البليَّة ، وتوقع في الرزيَّة ، فيسقط العبد بها فيما يغضب الله ، وتوقعه فيما لا تحمد عقباه!!
وصدق الله حين قال : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولىَّ مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم }18
ولهو الحديث كما عرَّفه ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ؛ بأنَّه الغناء . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحر والحرير والخمر والمعازف "19
احفظ الله في : فرجك .
فلا تقضي شهوتك ووطرك في فرجٍ لا يحلُّ لك . قال تعالى :{ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا }20
وأحذر الفواحش ودواعيها ، وكلّ ما يؤدي إليها من منظورٍ ومقروءٍ ومسموعٍ ، وكن من الحافظين لفروجهم . قال تعالى :{ والذين هم لفروجهم حافظون * إلاَّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون }21
وقال صلى الله عليه وسلم :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " 22.
قال تعالى :{ والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق ولا يزنون * ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلاّ من تاب ..}23
ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة عذاب الزناة وكيف يعاقبهم الله تعالى بشرِّ أعمالهم ،وقبيح أفعالهم ، والجزاء من جنس العمل ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :" رأيت الليلة رجلين أتياني ، فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض مقدسة .. " فذكر الحديث إلى أن قال :" فانطلقنا إلى ثُقبٍ مثل التنُّور أعلاه ضيِّقٌ وأسفلهُ واسعٌ ، يتوقَّدُ تحته ناراً ، فإذا اقتربَ ارتفعوا حتى كادَ أن يخرُجوا ، فإذا خَمدَت رجعوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُراةٌ ... " ثمَّ قال في آخر الحديث :" ... والذي رأيتَهُ في الثَّقبِ فهمُ الزُّناةُ "24
احفظ الله في : عقلك .
فلا تُغطِّه بالمسكرات ولا تحجبه بالمخدرات ولا تتلفه بالخمور .
قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون }25
لقد كرَّم الله تعالى بني آدم بهذا العقل ، وميَّزه به عن سائر المخلوقات ، فكيف يسعى في جنونٍ من عقل ؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تشربِ الخمر فإنَّها مفتاح كلِّ شرٍّ "26. وقال صلى الله عليه وسلم :" من شرِب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلاَّ أن يتوب "27. وقال صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنَّة مدمن خمر " 28
وقال صلى الله عليه وسلم :" من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، وإن مات دخل النار ، فإن تابَ تابَ الله عليه ، وإن عاد فشرب وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن مات دخل النار ، فإن تاب تاب الله عليه ، وإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن مات دخل النار ، فإن تاب تاب الله عليه ، وإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة ". قالوا : يا رسول الله ! وما ردغة الخبال ؟ قال :" عصارة أهل النار " 29
احفظ الله في : قدمك .
فلا تمشي إلى حرام ، ولا تخطو بها إلى خطيئة . وإيَّاك ! إيَّاك أن تحملك هذه الأقدام إلى كاهن أو ساحر أو مشعوذ أو دجال ممن يدعون علم الغيب ، فيستحوذ على مالك بالخداع ، ويهدم دينك بالكذب ، ويسلب كرامتك وعقلك بالمراوغة !
فإنَّهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجنَّ ليستعينوا بهم على ما يريدون ، فلا يجوز الذهاب إليهم ولا سؤالهم ، ولا تصديقهم ، ولا السكوت عليهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً "30
وقال صلى الله عليه وسلم :" من أتى كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد"31
فيا أيها الأخ المبتلى : إذا ألمَّ بك الألم ، أو مسَّك السَّقم ، أو أمضَّك المرض ، أو تغشَّاك السوء ، فالجأ إلى الذي بيده الشفاء ، وبأمره دفع البلاء ؛ وهو الله ! ولا أحد سواه . قال تعالى :{ أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلهٌ مع الله . قليلاً ما تذكرون }32 .
مع الأخذ بالأسباب ، والاعتماد أولاً وآخراً ، ظاهراً وباطناً على مسبِّب الأسباب ورب الأرباب ، فما مِن داءٍ إلاَّ وله دواء ، علمه من عمه ، وجهله من جهله ، وقل مقالة العبد الصالح والرسول الناصح :{ وإذا مرضت فهو يشفين } 33
احفظ الله في : بطنك .(4/34)
فلا تأكل أموال النَّاس بالباطل ، ولا تُغذيه إلاَّ بطريق مباح وسبيل حلال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” كلُّ جسدٍ نبت من السُّحت فالنَّار أولى به “34. والسحت هو الحرام . فالمؤمن ـ مثلك إن شاء الله ـ طيبٌ ، ولا يأكل إلاَّ طيباً . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إنَّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيباً ، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال :{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم }35 ، وقال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ..}36 ، ثمَّ ذكر الرجل يطيل السَّفر أشعث أغبر ، يمد يده إلى السماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه من حرام ، ومشربه من حرام ، وملبسه من حرام ، وغُذي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟! “37
فلا تأكل مال اليتيم . قال تعالى :{ إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }38
وتأخذ مالك عن طريق رشوة ، فلقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي المرتشي39 . والرائش بينهما .
ولا تكسب مالك من ربا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” الربا سبعُونَ حُوباً . أيسرها أن ينكح الرجل أُمَّه “40 والحوب هو الإثم ، والمراد أن أخفَّ تلك الدرجات أن يزني الرجل بأمِّه ـ عياذاً بالله ! ـ وما أحدٌ أكثر من ربا إلاَّ كان عاقبة أمره إلى قَلَّة ، وخاتمة حاله إلى خسارة . قال تعالى :{ يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم }41
فلا تكن محارباً لله تعالى فوق أرضه ، وتحت سمائه ، وفي ملكه ، وأنت عبدٌ من عبيده ، وتأكل من رزقه ، وتتقلَّب في نعمه . قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون }42
فأحذر ـ أخي الكريم ـ من سُبل الحرام ، وتجنَّب الشبهات ، وأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، مبارك الخطوة ، طيِّب الجسد ، قد أعددت الجواب للسؤال العظيم يوم تقف وحيداً فريداً بين يدي الرَّب العظيم ، فتُسأل عن هذا المال :
هل أخذته من طريق حلال ؟ وأجملت في الطلب ؟
وهل حفظته حين أتاك في مكان مباح ؟
وهل أنفقته ـ يوم أنفقته ـ في طريق جائز ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة مِن عندِ ربِّه حتى يُسأل عن خمس : عن عُمره فيما أفناه ماله من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته ؟ 43
احفظ الله في : لسانك .
فإنه صغير الجِرم عظيم الجُرم ، فقد أوكل الله بك ملائكة لا يفارقونك ، وشهوداً لا يُغادرونك ، يكتبون ما تقول ، ويستنسخون ما تفعل . قال تعالى :{ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين والشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد } 44
ولعلَّك تناسيتها ، وخلف ظهرك ألقيتها ، ولكنك سترى كلَّ ما قلت وفعلت أما ناظريك يوم القيامة . قال تعالى :{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاَّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً }45
فلا تتكلَّم بالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء ، ولا تطعن في مسلم ، ولا تلعن مؤمن ، فالمؤمن ليس بالطعان ، ولا باللعان ، ولا بالفاحش البذيء ، والمسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من توكَّل لي ما بين رجليه وما بين لحييه ، توكَّلتُ لهُ بالجنَّة "46
فتجنَّب سقطات الألسن ، وهفوات الحديث ، وكبوات الكلمات ، وهل يكب الناس في النَّار على وجوههم إلاَّ حصائد ألسنتهم ؟!
ومن أعظم زلاَّت اللسان أن تحلف بغير الله تعالى ، فإنه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى ، بل إنَّه من باب الشرك الأصغر ، وربما ارتقى إلى رتبة الشرك الأكبر عندما يعتقد الحالف في المحلوف أن له قدراً أو له منزلةً تساوي منزلة الله تعالى وقدره !
فلا تحلف بنبي أو وليٍّ ، ولا تقسم بحياة فلان أو برأسه ، ولا بالشرف ، ولا بالكعبة ، ولا بالذمَّة ، ولا بالأمانة ، ولا بالطلاق ، ولا بالحرام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "47
وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمُت "48
احفظ الله في : نسائك .
احفظ الله في زوجتك وبناتك وأخواتك وجميع نسائك ، فأنت راعٍ ومسئول عن رعيتك ، فألزمهنَّ بالحجاب الذي يستر كامل أجسادهنَّ ، وجنبهنَّ التبرج والسفور ، ومواطن الفتن ، وأماكن الرِّيب ، فالمرأة درَّةٌ مكنونةٌ ، ولؤلؤةٌ مصونةٌ ، فلا تمتد إليها يد عابث ، ولا تلامسها كفُّ ملامس ، ولا تنهشها عين مريض . قال تعالى :{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً }49
فالمرأة لابُدَّ أن تقرَّ في مملكتها ، متربعةً على عرشها داخل بيتها ، تؤدي حقوق ربها ، وتقوم بواجبات زوجها ، وترعى صغارها .
هذا شرفها الغالي ! وعزُّها السَّامي !
ولا تكون ولاَّجة خرَّاجة ، مخالطة للأجانب ، مزاحمة للرجال ، فتقع فريسة لذئاب البشر الذين ينهشون أغلى ما فيها ، ثمَّ يُلقونها تحت أقدامهم ، رخيصة مبتذلة ، وما ذلك إلاَّ لأنها خالفت أمر ربها ، وعصت رسولها ، ولم تحافظ على نفسِها !
قال تعالى :{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ...}50
وفي ذلك ـ أيها الكريم ـ سدٌّ لباب الفتنة ، وحسمٌ لمادة الرذيلة ، وصيانة للمجتمع ، ومزيد ترابط بين الأسر ، وطهرة للقلوب ، ومنع للذنوب ، ودفع للموبقات . قال تعالى :{ ...وإذا سألتموهنَّ متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ..}51
فهل نستجيب ـ أيها الحبيب ـ لنداء الله ورسوله ، ونحجِّب نساءنا ، ونحفظهنَّ من مواقع الزلل والخلل ، ونحجُبهنَّ عن مخالب العابثين ، وأنياب المعتدين ؟!
أم نسير على خطى الكفار والفجار الذين لا يرجون الله ولا الدار الآخرة ، ونعرِّي أجساد نسائنا ، ونحور بناتنا ، ونظهر أرجل وشعور أخواتنا ؟!
فنهدر ـ بأيدينا ـ كرامتنا ، ونقتل ـ بأنفسنا ـ مروءتنا ، ونلغي حيائنا وعفتنا؟!
ذلك ما لا نرجوه وما لا نأمله !!
قال تعالى :{ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما } 52 وقال تعالى :{ ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً }53
احفظ الله في : أولادك .
احفظ الله في أولادك ، وعلمهم آداب الإسلام ، وشمائل رسول الأنام صلى الله عليه وسلم ، فالله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيَّع ؟!
وجنبهم بؤر الفساد ، ومسببات الانحراف ، وأحطهم بسياج الرفقة الصالحة ، وحفظهم القرآن ، وعلمهم السنَّة ، وفقههم في الدين ، فهم ليسوا بحاجة لطعامٍ وشرابٍ ، كحاجتهم وشديد رغبتهم في الدين ، فإنَّهم يصبرون على الجوع والعطش ، لكنَّهم لا يصبرون على النَّار !
وينشأُ ناشئُ الفتيان فينا على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه
قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }54
الخاتمة
... وبعد :
أيها الحبيب .. المحفوظ بحفظ الله ...
علِّق القلبَ بالرَّب ، فلا دافع للسوء غيره ، ولا مانع للبلاء سواه ..(4/35)
وهو كافيك مما يؤذيك ، ولا يكفيك شيءٌ عن الله ..
قال تعالى : { أليس الله بكافٍ عبده ؟! ويخوفونك بالذين من دونه ..}55
واملأ قلبك برجاه ، واقطع رجاك ممن عداه ، فالأمر أمره ، والخلق خلقه ، والعبد عبده ، والقدر قدره ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولا قابض لما بسط ، ولا باسط لما قبض ، ولا إله إلاَّ الله ، فلا معبود بحقٍّ سوى الله !
واعلم أن مردَّك إليه ، ومآلك الوقوف بين يديه ، فيسألك عن كلِّ كبير وصغير ، وعظيم وحقير . قال تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون }56.
فأعِدَّ للسؤال جواباً ، وللجواب صواباً ، فإنَّ الله بكلِّ شيءٍ عليم ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير .
وكتبه
عبد اللطيف الغامدي
حفظه الله من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة
جدة (21468)
ص . ب ( 34416)
=============
مناقشة هادئة للقول بجواز ينساب
مناقشة علمية هادئة للقول بجواز الاكتتاب في ينساب
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد
فقد أخرجت قبل أسبوع رسالة بعنوان (ثلاث رسائل عاجلة حول الاكتتاب في شركة ينساب) .
ثم اطلعت على بعض المناقشات العلمية المكتوبة والشفوية عبر القنوات الفضائية من بعض المشايخ الفضلاء الذين أفتوا بالجواز ، وقد لحظت تضمنها بعض الأخطاء في النقل وقراءة نشرة الإصدار ، فحاولت بعدها الاتصال ببعضهم مراراً فلم يتيسر .
ونظراً لاستشكال كثير من الناس حولها، رأيت إخراج هذه المناقشة العلمية على ألا ينفك قارئها عن الرسائل الثلاث التي سبق نشرها في موقع نور الإسلام بتاريخ 16/11/1426هـ، وفق النقاط الآتية :
أولاً : نُسب القول بجواز الاكتتاب في الشركات المختلطة بالربا إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى .
والأقرب أنه رجع عن فتواه ؛ فقد أفتى أولاً بالجواز مع النصح والتأكيد على تركها ، في فتوى بخط يده بتاريخ 21/4/1412هـ ، ثم أفتى بتحريمها في فتواه المنشورة في مجلة الدعوة بتاريخ 1/5/1412هـ والتي بين فضيلته حرمة الاكتتاب فيها ، وأن من اكتتب فيها جاهلاً فإنه يسعى في فك الاشتراك ، فإذا لم يتمكن أخرج النسبة المحرمة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : ما الحكم الشرعي في أسهم الشركات المتداولة في الأسواق، هل تجوز المتاجرة فيها ؟
الجواب : لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال ؛ لأن الشركات الموجودة في الأسواق تختلف في معاملاتها بالربا، وإذا علمت أن هذه الشركة تتعامل بالربا وتوزع أرباح الربا على المشتركين ، فإنه لا يجوز أن تشترك فيها ، وإن كنت قد اشتركت ثم عرفت بعد ذلك أنها تتعامل بالربا ، فإنك تذهب إلى الإدارة وتطلب فك اشتراكك ، فإن لم تتمكن ، فإنك تبقى على الشركة ، ثم إذا قُدمت الأرباح وكان الكشف قد بين فيه موارد تلك الأرباح فإنك تأخذ الأرباح الحلال ، وتتصدق بالأرباح الحرام تخلصاً منها ، فإن كنت لا تعلم بذلك فإن الاحتياط أن تتصدق بنصف الربح تخلصاً منه ، والباقي لك ؛ لأن هذا ما في استطاعتك ، وقد قال الله تعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم". انتهت الفتوى .
وللشيخ رحمه الله فتوى أخرى بالمنع مطلقاً، وهي غير مؤرخة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : لقد انتشرت في زماننا هذا الشركات التجارية بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثاً عن الربح ولكن الذي يحدث أنّ بعض المساهمين يحصل على ربح ليس من عمل تلك الشركة ولكنه من المتاجرة بسندات الأسهم التي ساهم بها فيبيع السند الذي قيمته مثلاً 100ريال يبيعه بـ200ريال أو أكثر حسب قيمة تلك السندات في ذلك الوقت، فهل هذا التعامل بهذه الطريقة صحيح أم لا ؟
الجواب : التعامل صحيح إذا كانت الشركة التي ساهم فيها خالية من الربا ، فإن بيع الإنسان نصيبه من الشركة بربح جائز ولا حرج فيه ، لكن بشرط أن يكون معلوماً لدى البائع والمشتري ، فيعرف أن له مثلاً 10 أسهم أو 15 سهماً من كذا وكذا حتى لا يبقى الأمر مشكلاً فإذا كان معلوماً فإنه لا بأس به سواء كان ذلك في الشركات أو في مساهمات عقارية كذلك أهـ . ( فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص 47 - 48) .
ولو وجد فتاوى غير مؤرخة أو احتمل الأمر عدم معرفة التاريخ ، فإن الأقرب لفتاوى الشيخ هو التحريم ، لما علم عنه من شدة تحرزه من أخذ الربا ، وتحريمه تأجير المحلات على صوالين الحلاقة التي تحلق اللحى ، وعلى التموينات التي تبيع الدخان ، إضافة إلى تحريمه للعمل في البنوك الربوية حارساً أو سائقاً ، أو الإيداع فيها في الحساب الجاري ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .
وما نحن فيه أولى بالمنع .
ثم لو فرضنا أن الأمر لا يزال مشتبهاً ، أو ثبت أن القول الأخير للشيخ هو الجواز ، فإن العبرة في معرفة الحق هو الدليل ، وليس من الصواب دفع الناس بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى الاكتتاب في شركة ينساب التي أعلنت الربا الصراح نظاماً لها في المعاملات المالية.
ثانياً : أكد بعض المشايخ أن الشركة إنما وضعت الودائع الربوية من أموال المكتتبين المؤسسين فقط دون اكتتاب المواطنين .
وهذا غير صحيح ، فإن الشركة قد نصت على أنها ستدخل مجموع أموال المكتتبين المؤسسين ، وكذلك الاكتتاب العام في حساب الفوائد ، وقد نصت الشركة على ذلك ،
وأورد هنا نص ما جاء في نشرة الإصدار ( ص60 ) : " حقوق المساهمين :
رأس المال المدفوع من قبل المؤسسين - بالريالات- (3.656.250.000) ورأس المال المتوقع من الاكتتاب العام (1.968.750.000) .
ثم جاء في (ص 61) ما نصه : الأرصدة لدى البنوك : وديعة لآجل (5.566.657.000) .. الوديعة لآجل ، والحساب الجاري محتفظ بهما لدى بنك محلي ، وتحقق الوديعة لأجل عمولة سنوية - أي فوائد ربوية - بنسبة 4.85%تقريباً اهـ.
وبهذا يتضح دخول أموال الاكتتاب العام من الجمهور فيها .
ثالثاً : ذكر بعض المشايخ أن الشركة ستأخذ تمويلاً من بعض البنوك ؛ إما بقروض تجارية ، وإما بمرابحات إسلامية .
وهذا غير صحيح ، فمن تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار يجد أن البنك الذي وعد بالتمويل ABN AMRO يقوم الآن بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع .
أي أن أنهم وعدوا بالاقتراض الربوي وغير الربوي ، وليس الأمر على سبيل التردد ، هذا أولاً .
وثانياً : أن البنك المتعهد بالتمويل سيقدم مجموع ما تحصل له من هذه البنوك لشركة ينساب ، فهل سيكون وسيطاً بأجرة ، أو مقرضاً بفائدة فيكون القرض حينئذ كله بالربا؟! .
وهذا نص ما جاء في نشرة الإصدار : (ص29) : تمويل المشروع : حصلت سابك لصالح ينساب ، على التزام خطي مبدئي من بنك إيه.بي.إن.أمرو ABN AMRO بموجب خطاب التزام مؤرخ في 30 نوفمبر 2005 تعهد بموجبه بتغطية تسهيلات تمويلية بدون حق الرجوع على المساهم الرئيس بقيمة 13.125 مليون ريال سعودي - أي 13 مليارا ومائة وخمسا وعشرين مليون ريال سعودي - "اهـ .
وجاء أيضاً في نفس الصفحة تحت عنوان : القروض ورأس المال العامل الابتدائي : "يقوم بنك إيه.بي.إن.أمرو حالياً بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية وبعض الجهات الشبه حكومية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع ..إضافة لتسهيلات القروض المذكورة أعلاه ، سيطلب قرض لتمويل رأس المال العامل الابتدائي بقيمة 833 مليون ريال سعودي، ويتم ترتيبه كجزء من القروض"اهـ .(4/36)
رابعاً : هوَّن من خطورة الربا على كثير من الناس ، بل حتى على كثير من طلبة العلم ما ذكر من أن نسبة الجزء المحرم في الشركة لا يتجاوز الواحد في الألف ، وأن هذه نسبة قليلة جداً .
وهذا الإطلاق غير صحيح أيضاً . ويزول اللبس بالتوضيح الآتي : أودعت ينساب ما تحصل لها من أموال المكتتبين المؤسسين في وقت قصير فحصلت عوائد ربوية مقدارها (4.375.000ريالاً) فالحقيقة إذاً أن الشركة قامت بتوظيف أموال المكتتبين المؤسسين في الحرام وهو الربا ، ووعدت بإجراء ذلك في أموال الاكتتاب العام كما سبق بيانه .
ومما يؤكد تهاون الناس بجريمة الربا أن الناس لو قيل لهم بأن الشركة ستقوم بتشغيل أموال المكتتبين مدة شهر واحد فقط في المتاجرة في المخدرات أو الخمور أو دور البغاء ، وأن العائد منها سيكون واحداً في المليون : لنفر المؤمنون الناس من ذلك بالفطرة ، ولم تكن كلمة (واحد في المليون) سبباً في تساهلهم بالاكتتاب ، فكيف بأخذ الربا الذي هو أعظم منها ؟!.
خامساً : العبرة في معرفة نظام الشركة هو نشرة الإصدار الرسمية . وينبني عليه أمران :
الأول : أنه لا عبرة بالكلام الشفوي ، لأن الشركات الكبرى لا تعمل إلا وفق نظام رسمي ، ومجالس إدارية ، ورقابة صارمة بمطابقة مافي نشرة الإصدار .
الثاني : أن ما وعدت به الشركة من القروض الربوية ، قد وقع عليه المكتتب . فلا يقال فيه نشارك ؛ لأنه قد يتغير ، أو أن الأمر محتمل ، ونحو ذلك مما تنفيه نشرة الإصدار الرسمية للشركة .
وأدعو الجميع إلى تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار (صفحة أ ) تحت عنوان ( إشعار هام ) : وتتحمل سابك كامل المسؤولية عن دقة المعلومات الواردة في هذه النشرة ، وتؤكد حسب علمها واعتقادها بعد إجراء الدراسات الممكنة وإلى الحد المعقول : أنه لا توجد أية وقائع أخرى يمكن أن يؤدي عدم تضمينها في هذه النشرة إلى جعل أية إفادة واردة هنا مضللة .. ويتحمل كل مستلم لنشرة الإصدار قبل اتخاذ قرار الاستثمار مسؤولية الحصول على استشارة مهنية مستقلة بخصوص الاكتتاب .. اهـ .
وأخيراً :
إن سبب حرصي وكتابتي في هذا الموضوع أن الأمر أوسع من أن يكون بحثاً فقهيا اجتهادياً ؛ لأن الفتيا بالجواز سبب أساس في بقاء الربا في الشركات القائمة والقادمة ؛ لأن إقبال الناس على الاكتتاب وارتفاع الأسهم مبني في أكثره على الفتيا بالجواز ، ولو لم يفت بالجواز لما أقبل الناس ، ولخضعت الشركة وأمثالها حينئذ إلى مطالب العلماء - بإذن الله تعالى - وقبلوا باشتراط وجود اللجنة الشرعية التي ترشحها جهة علمية مستقلة .
وعليه فإن هذه المناقشة إنما هي حسبة على منكر الربا في الشركات ، والهجر من أقوى وسائل إنكاره ، وأرها متعينة في هذه المرحلة . راجياً أن يطلع من قرأ هذه المناقشة على الرسائل الثلاث السابقة .
وبهذا تنتهي المناقشة والحمد لله رب العالمين .
================
هل خسرت في الأسهم ؟
الحمد لله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أحمده عز وجل وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.... أما بعد :
فيا أيها المسلمون : اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أنه لا تخفى عليه خافية من أمر عباده ((الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء 219) .
يبتلي عباده بالسراء والضراء والنعمة والبأساء والصحة والمرض والغنى والفقر ((وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) (الأنبياء : 35) .
أيها المسلمون : لقد جاءت هذه الشريعة الغراء بكل الخيرات والكمالات ، وحرمت جميع الأضرار والمفسدات ؛ فأباحت للناس الطيبات وحرمت عليهم الخبائث وشرعت لهم طرائق يطلبون بها المال الحلال والرزق المبارك فأباحت معاملات البيوع والشراء والإجارة والشركة وأنواع الحوالات والضمانات وغيرها من المعاملات وفق ضوابطٍ شرعية
وآدابٍ مرعية .
وإذا كان لكل أمة فتنة فما هي فتنة هذه الأمة ؟ ، يجيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله : ((إن لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتي المال ))[1].
وقد جدّت في عالم اليوم طرائق كثيرة لكسب المال وتحقيق الثراء السريع . من أشهرها كما يعلم الجميع هي : وسيلة الإتجار في سوق الأسهم المالية العالمية منها والمحلية .
وأصلها كما هو معروف أسلوب غربي رأسمالي أخذه المسلمون عن الدول الغربية التي يحكم أسواقها القانون المدني، وقد قامت هيئات شرعية في عدد من البنوك في البلاد الإسلامية بضبطه وتعديله ليتوافق مع الأحكام الشرعية وحصل بذلك خير كثير ولكن بقي فيه فجوات كبرى طالما حذر منها الناصحون والغيورون .
مثل آليات البيع والشراء وحركات المضاربة العشوائية والتضخم اللامنطقي، والكذب والتغرير،والنجش في بعض أوامر الشراء، والنجش المضاد ونحو ذلك مما شاب أسواق الأسهم وأفسدها....
وكانت تلك الشركات منها ما هي محرمة بلاخلاف كالشركات الربوية أو التي أصل نشاطها محرم، ومنها شركات مختلطة أصل نشاطها مباح ولكنها تُقرض أو تقترض بالربا وقد أباحها بعض أهل العلم بضوابط معينة، والصحيح أنها محرمة لا يجوز الدخول فيها على الراجح من أقوال جماهير العلماء المعاصرين والمجامع واللجان الفقهية والشرعية والقسم الثالث شركات مباحة يجوز المساهمة فيها وهي معروفة عند أهل هذا الشأن ، وهي التي أصل نشاطها مباح وسلمت من القروض الربوية .
أيها المسلمون : وفي هذه الأيام بدأت أسواق الأسهم بالنزول والانحدار حيث المؤشرات تنزف نسباً يومية في أكثر دول الخليج وبعض الدول العربية ... وذهل الناس واندهشوا وأصيبوا بحالة من الوجوم والاستغراب في بداية الأمر ثم بدأ مسلسل الخسائر والمصائب وحلَّت بالمساهمين خسائر فادحة، وجوائح فاجعة، فترى بعض القوم لأجلها صرعى يتجرعون منها غصص البلوى ويرفعون بسببها الشكوى فكم ترى من مهموم مغموم مثقل بالديون وتسمع عن آخرين ارتفع عندهم ضغط الدم أو السكري أو كليهما فأدخلوا المستشفيات والمصحات وسمع الناس عن حالة وفيات، ومنهم من أصيب بانهيار عصبي؛ لأجل فقده جميع ما يملك ، وتصفية جميع محفظته التي كان قد اقترض نصف رأس المال فيها من أحد البنوك فاستوفى البنك مستحقاته وبقيت الخسارة يتجرعها هذا المسكين لوحده إلى غير ذلك من مسلسل المصائب والنكبات التي أفرزتها هذه الأزمة وهذا الانهيار السريع .
ولا ينكر أحد أن المال محبب إلى النفوس فطرة فهو عصب الحياة وشقيق الروح وبقدر ما يتمنى المرء الحياة والبقاء فهو يتمنى المال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((يهرم ابن آدم وتشب معه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر)) [2].
من حديث أنس بن مالك وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل)) .
وفي هذه المصيبة المالية والنقيصة الدنيوية نذكر أنفسنا والمسلمين بعدة قضايا علها أن تساهم في التعزية والتسلية للخاسرين من جهة ، ومن جهة أخرى علها أن تساهم في تصحيح المسار وضبط الإستثمار لعموم المستثمرين والمساهمين .(4/37)
القضية الأولى : يا كل مصاب بخسارة في هذه الأسهم ، اعلم أن الله ابتلاك في المنع كما ابتلاك في العطاء قال تعالى : ((لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ)) (آل عمران : 186) .
وقال سبحانه : ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )) (البقرة : 155) .
القضية الثانية : إن هذه الحادثة مورد من موارد الصبر وهو فريضة الوقت في هذه المصيبة ، فتذكر- أخي المسلم - أن الصبر على أقدار الله المؤلمة أحد أصول الإيمان قال صلى الله عليه وسلم "واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" أخرجه أبو داود بسند صحيح .
وقال صلى الله عليه وسلم : ((واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا)) [3].
والصبر عباد الله من جميل الخلال، و محمود الخصال ، فلا تتسخط على أقدار الله ولا تقع في سب الدهور والأزمان ولاتلطم وجها أو تشق جيبا، واحذر أن تفتح على نفسك باب الشيطان الكبير وهو كلمة "لو" ؛ فتقول لو أني ما فعلت ، لو أني ما ساهمت ... إنه أمر قضي وانتهى قال صلى الله عليه وسلم : ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان )) [4].
والمؤمن يصبر اختياراً ، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم .
يقول عمر رضي الله عنه : وجدنا خير عيشنا بالصبر .
ويقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الصبر مطية لا تكبو [5]
يجرى القضاء وفيه الخير نافلة *** لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جاءه فرح أو نابه ترح *** في الحالتين يقول الحمد لله
وقال الحسن -رحمه الله- "والعبد كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبدٍ كريم عنده " وصدق من قال :
والصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقه *** لكن عواقبه أحلى من العسلِ
وإذا صبر المؤمن زاد إيمانه ،وتطلع بعده إلى الرضا ،وهو أعلى درجة من الصبر التي يحفظه الله بها عن ما هو أشد منها .
يقول ابن القيم -رحمه الله- الرضا باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، ومستراح العابدين وقرة عيون المشتاقين ... ومن ملأ قلبه من الرضا بالقدر ملأ الله صدره غنى وأمناً وفرَّغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه ، ومن فاته حظه من الرضا إمتلأ قلبه بضدِ ذلك واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه [6]
إذا اشتدت البلوى تخفّفْ بالرضا عن الله قد فاز الرضيُّ المراقب
وكم نعمة مقرونة ببلية على الناس تخفى والبلايا مواهب
القضية الثالثة : إن في هذا الحدث عبرةً وعظةً تستوجب الخروج من المظالم ، والتوبة من المآثم .. فكم ماطل أقوام بحقوق غيرهم ؟ ... بل وتحايلوا على أموال الناس أو أسمائهم رغبة في الثراء السريع والتجارة العاجلة ، فمنعوا حقوقاً لأصحابها طمعاً في المال وربما كتموا عنهم مقدار الأرباح واستأثروا بها عنهم مستغلين جهلم بحقيقة الاكتتاب وحركة الأسهم... وكم ولغ الناس في الأسهم المحرمة الربوية منها أوالمختلطة ، وتساهلوا في ذلك ولم يبالوا بأي تحذير أو توجيه ... أليس الربا شؤم وبلاء مؤذن بالحرب من رب الأرض والسماء قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ )) (البقرة : 279) .
أليس الربا يمحق الخيرات والبركات : قال تعالى : (( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )) ( البقرة : 276) .
ولذلك إشتد خوف السلف من الحرام وحذروا منه أشد التحذير، إمتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول )) [7].
وقال ابن مسعود لا يكتسب عبد مالاً حراماً فينفق منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيتقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن ولكن يمحو السيء بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث" .
وكانت المرأة توصي زوجها عندما يخرج للعمل وطلب الرزق فتقول له "يا هذا اتق الله فينا : إنا لنصبر على الجوع ولا نصبر على النار" .
وللذنوب -عباد الله- : عقوبات وبليات وأزمات ونكبات وقد تساهل الناس بالربا والمشتبهات إلى حد كبير نسأل الله السلامة والعافية حيث تطلّب بعض الناس المال والتجارة من أي طريق قال صلى الله عليه وسلم : (( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ المال أمن حلال أم من حرام)) [8].
وكم من قضايا ومخالفات شرعية حصلت في زحمة انشغال الناس في أسواق الأسهم ،
فمنها : ترك الصلاة بالكلية، أو تأخيرها عن وقتها في صالات الأسهم وأمام الشاشات .
وكم من قضايا الكذب والتزوير والإشاعات والتوصيات الكاذبة ... أليست كلها ذنوب ومعاصي وبعضها موبقات وكبائر ؟ ! .
عباد الله : والمخيف في الأمر أن العقوبة إذا حلّت ونزلت شملت الجميع إلا من رحم ربك قال تعالى : ((وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (الأنفال : 25) .
وفي البخاري باب إذا أنزل الله بقوم عذابا بعثوا على أعمالهم قال ابن حجر رحمه الله وفي الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن ؟! فكيف بمن رضي ؟! فكيف بمن عاون ؟! نسأل الله السلامة [9]
ويقول ابن القيم رحمه الله عن الذنوب وآثارها ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم ، ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد أن سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال عنهم من نعم وجد ذلك من سوء عواقب الذنوب كما قيل
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم [10]
وقال أيضاً وكأنه يشاهد حال الناس اليوم : "ومن عقوباتها أنها تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فتزيل
الحاصل وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته ولا أُستجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ماعند الله لا ينال إلا بطاعته، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سبباً وآفةً تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها معصيته، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها .
ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره وسماعا لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه وهو مقيم على معصية الله [11]
القضية الرابعة : إن جمع الأموال في مجال واحد وموضع واحد إضافة إلى كونه عرضة للزوال والخسارة في أي لحظة ، ففيه أيضاً تعطيل لمصالح وتجارات وصناعات أخرى
كم تركها الناس وصفّوا أموالهم وباعوا منازلهم وحاجياتهم بل واقترضوا لمدد طويلة وهكذا جمعوا مدخراتهم ليركموها جميعا في سوق الأسهم ؟ فكان ماكان والله المستعان.
ولعل في هذه الحادثة دعوة إلى التعقل والتوازن وتنويع التجارة والاستثمار لئلا تتعطل مصالح المسلمين أو تذهب أموالهم هدراً وهباءً في يوم وليلة(4/38)
القضية الخامسة : وليس وقود هذه الأسهم هم الأثرياء وحدهم والراغبون في أكل أموال الناس من أي طريق بل اصطلى بنارها ضعفاء ونساء ودخلت فيها أموال مساكين ويتامى وأرامل وأيامى طلباً للرزق الحلال وتغطية للتكاليف الأسرية، وسدادا لديون سابقة ... ومن هنا وجب على المسئولين وفقهم الله وصنَّاع القرار وأهل الحل والعقد أن ينظروا في هذه القضية ويحفظوا أموال المسلمين ولا يدعوها تنزف يومياً وتذوب كما يذوب الجليد، على مرأى ومسمع من الجميع وعهدُنا بالمسئولين وولاة الأمر اهتمامهم بأمور الرعية وأحوالها في قضايا كثيرة ليست هذه بأقل منها بل حقيقة هي أشد ووقعها أنكى حيث إن الإحصائيات تقول : إن ما يزيد على أربعة ملايين فرد قد دخلوا في سوق الأسهم .
وقلما تجد بيتاً إلا وله نصيب منها بقليل أو كثير .
وإذا كان يقال "إن النظام لا يحمى المغفلين" فكيف يترك للمتلاعبين خلال فترات ماضية مزيداً من النجش وبثّ الإطمئنان وتصدير التوصيات الكاذبة وإغراء المجتمع بقوة السوق ومتانته من خلال وسائل الإعلام وتسابق المحللين الفنيين في الإذاعات والقنوات لبث الثقة والطمأنينة ، ودراسة المؤشرات وتبادل التوصيات ورفع معدلات المضاربة في شركات لا تستحق عشر قيمتها الحالية .
ثم بين غمضة عين وانتباهتها يحصل هذا الانهيار ويخرج كبار المضاربين من السوق وتختفي السيولة مباشرة ويتضاعف العرض ولا يقابله طلبات شراء بلا مسوغات اقتصادية أو أسباب أمنية أو اجتماعية بل على العكس، الأوضاع الاقتصادية والأمنية بحمد الله على أحسن حال ... ثم لم نرى أولئك بعد ... بل تواروا عن الأنظار وتلاشت تلك التوصيات والتحليلات و في بعضهم شبه بمن قال الله عنه : ((وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (إبراهيم : 22) .
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه إلى يوم الدين :
القضية السادسة : إن الخسارة في المال مهما كانت فلن تعادل خسارة الدين والأخلاق وخسارة الأنفس والأرواح .
فالمال كالريش ينبت ثم يزول ثم ينبت وهكذا ..
وقد قيل : أحتال للمال إن ضاع فاجمعه
ولست للدين إن ضاع بمحتال
فهل تساوي أموالك كلها أن تسهر ليلة على السرر البيضاء ، ثم ماذا لو أصيبت إحدى رجليك أو يديك بألم شديد وقرر الأطباء بتر هذه الرجل أو تلك اليد ؟ .
أرأيت لو قيل إن هناك علاجاً في أقاصي الدنيا وقيمته جميع ما تملك أتراك تدفع هذا المال لصحتك ؟! ..
قطعاً لا أظن عاقلاً يتردد في ذلك ... إذاً ألا تحمد الله أن عافاك في بدنك وأطرافك فلقد أعطى كثيرا وأخذ قليلا ورزق وأنعم ووسَّع في الرزق فله الحمد على ما أعطى وله الحمد على ما منع .
ولا تنظر – أخي المسلم - إلى النعم المفقودة وإنما انظر إلى النعم الموجودة واستمتع بها واشكر الله على أن أبقاك صحيحاً مسلماً ، والخسارة هي خسارة النفس والأهل يوم القيامة بالكفر والمعاصي : (( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )) (الزمر : 15).
القضية السابعة : ومن دروس هذه الحادثة أن لا ينظر المسلم إلى الأسباب المادية وحدها ويعتمد عليها وينسى سؤال الله تعالى وطلب الرزق منه وتعليق الأمور بمشيئته تبارك وتعالى .
وكم نرى من يجزم بأخبار مستقبلية دون تعليق ذلك بالمشيئة وتذكر جميع الأمور والمحفزات والتوصيات وكون مستوى السوق بفضل كذا وكذا وبسبب كذا وكذا وليس لمشيئة الله وذكر الله وفضل الله وعطائه أي ذكر على لسان الكثيرين من رجال الأعمال وأهل الاقتصاد والمال وقد عد العلماء ذلك نوعاً من كفر النعم قال تعالى : (( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا)) (النحل : 83).
يقول مجاهد : هو قول الرجل : هذا مالي ورثته عن آبائي .
وقال عون بن عبد الله : يقولون : لولا فلان لم يكن كذا .
وقال ابن عباس : عند قوله تعالى: ((فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )) (البقرة : 22).
قال : الأنداد هو : الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ،
وهو أن تقول : والله وحياتك يا فلان وحياتي .
وتقول : لولا كليبة هذه لأتانا اللصوص ولولا البط في الدار لأتى اللصوص... وقول الرجل لولا الله وفلان ..." .
ومن دروس هذه الحادثة : أن لا يتعلق الإنسان بأخبار شائعة ويبني تجارته على توصيات خادعة لم تبنى على أسس مالية واقتصادية صحيحة
القضية الثامنة : الواجب أن يقتصد الإنسان في طلب الدنيا ولا يصاب بالسعار والهيام ورائها فكم رأينا ورأى الجميع الأسراب المتكاثرة في الاكتتابات ، وازدحام الطرقات والمصارف ، بل والقيام بالأسفار إلى دول مجاورة مع العنت والمشقة وترك الأهل والأولاد والوظيفة لأجل لمعان المكاسب وبريقها
وكم تساهل الناس في الطاعات والعبادات ورأينا أقواما تركوا صلة الرحم والاجتماع بالقرابة وقضاء حقوق الوالدين لأجل العكوف في صالات الأسهم أو أمام جهاز الحاسب يقول صلى الله عليه وسلم: ((قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنه الله بما آتاه ))[12].
والقناعة أعظم كنز وإذا رزق العبد القناعة أشرقت عليه شمس السعادة .
ومن جميل ما يروى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
أفادتني القناعة كل عز *** وهل عز أعز من القناعة
فصيّرها لنفسك رأس مال *** وصيّر بعدها التقوى بضاعة
تحز ربحا وتغنى عن بخيل *** وتنعم في الجنان بصبر ساعة
وقال الشافعي رحمه الله :
رأيت القناعة كنز الغنى *** فصرت بأذيالها ممسك
فلا ذا يراني على بابه *** ولا ذا يراني به منهمك
وصرت غنياً بلا درهم *** أمرّ على الناس شبه الملك
وقال آخر :
اقنع بما ترزق يا ذا الفتى *** فليس ينسى ربنا نمله
إن أقبل الرزق فقم قائماً *** وإن تولى مدبراً نَمْ له
القضية التاسعة : ولا يجوز أن تنعكس آثار هذه الحادثة على الأسرة والأولاد أو الزوجة أو الإخوان بسبب الديون وتداخل الأموال وحصول الخسارة لأن هذا أمر خارج عن قدرة الإنسان فلا تضاعف خسارتك فتغضب من أي موقف ويتغير مزاجك ، وتتبدل أخلاقك على والديك وزوجتك وأولادك .
وبهذه المناسبة نذكر إخواننا الدائنين والمقرضين : أن يتقوا الله ويرحموا المعسرين وينظرونهم أو يتجاوزوا عنهم قال صلى الله عليه وسلم "من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" . أخرجه مسلم من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه .
القضية العاشرة والأخيرة : فلنعلم أن ما يقضي الله قضاءً للمؤمن إلا كان له فيه خير كما ثبت بذلك الخبر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم فكم في هذه المحنة من منحة وفي هذه النقمة من نعمة ففيها عبر وعظات ودروس للجميع وفيها تقوية للمؤمن وتدريب له على الصبر وفيها النظر إلى قهر الربوبية وذل العبودية .(4/39)
وفيها خضوع الإنسان لربه وانطراحه بين يديه ولولا هذه النوازل لم يُرى الإنسان على باب الالتجاء والمسكنة، والله تعالى يبتلى خلقه بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به فهذه من النعم في طي البلاء : كم نعمة لاتستقل بشكرها لله في طي المكاره كامنة .
قال سفيان بن عيينة : (وما يكره العبد خير له مما يحب لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء وما يحبه يلهيه) [13] .
ويقول المنبجي رحمه الله : وليعلم أهل الصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب وما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء وحفظا لصحة عبوديته وإستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه كما قيل :
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
فلولا أنه سبحانه وتعالى يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا و بغوا وعتوا وتجبروا في الأرض وعاثوا بالفساد ، فإن من شيم النفوس إذا حصل لها أمر ونهي وصحة وفراغ وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها تمردت وسعت في الأرض فساداً مع علمهم بما فعل بمن قبلهم فكيف لو حصل لهم مع ذلك إهمال ؟ . اهـ
وفيها العلم بحقارة الدنيا وهو أنها أدنى مصيبة تصيب الإنسان تعكر صفوه وتنغص حياته وتنسيه ملاذه السابقة والكيس الفطن لا يغتر بالدنيا بل يجعلها مزرعة للآخرة .
وفقني الله وإياكم لاغتنام هذه الحياة بالباقيات الصالحات ، والتزود من أعمال الخير والبر .
قال تعالى : ((وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ )) (البقرة : 197) .
اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونقِ سرائرنا من الشرور والبليات.
اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وثبتنا على الصراط المستقيم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من المتقين الذاكرين الذين إذا أساؤوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، الذين يريدون أن تكون كلمتك هي العليا، اللهم ثبتهم وسددهم، وفرج همهم ونفس كربهم وارفع درجاتهم. اللهم واخز عدوهم من اليهود والنصارى، ومن شايعهم من الباطنيين والمنافقين، وسعى في التمكين لهم وتسليطهم على المسلمين، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، وخالف بين كلمتهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين وعبرة للمعتبرين.
اللهم عليك بهم، اللهم زلزل بهم الأرض، وأسقط عليهم كسفاً من السماء، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيع والبدع والعناد والفساد، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ووفق أئمتنا وولاة أمورنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
[1] رواه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح .
[2] متفق عليه .
[3] أخرجه أحمد والبيهقي وصححه الألباني .
[4] أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
[5] ذكرها ابن القيم في عدة الصابرين ، ص124 .
[6] مدارج السالكين 2/172 ، 202 .
[7] أخرجه مسلم .
[8] رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
[9] فتح الباري - ابن حجر [ جزء 13 - صفحة 61 ] .
[10] بدائع الفوائد 2/432 .
[11] الجواب الكافي ، ص 73 .
[12] رواه مسلم
[13]الفرج بعد الشدة ، ص 22 .
==============
جمعية الموظفين مالها وما عليها1-2
وهذه من المسائل التي يكثر الآن وقوعها والسؤال عنها، وإن كان الأكثر على جوازها، لكن كون طالب العلم يفهم دليل القول الآخر وما يجاب عنه، ودليل من قال بالجواز وما اعتمد عليه، هذا مهم جداً .
1- تعريفها :
الجمعية مأخوذة من الاجتماع .
والموظفون: جمع موظف، وهو من يعمل لدى الدولة، أو في مؤسسة، أو شركة، وأضيفت الجمعية للموظفين لأن الغالب أن من يتعامل فيها موظفون، و إلا فإنها قد تكون بين التجار أو المزارعين أو الصناع ونحو ذلك، فإن الموظف يتحصل على مرتب شهري مطرد، فإذا كان كذلك فإنه يتمكن من الدخول في هذه الجمعية.
أما بالنسبة للتاجر أو الفلاح أو الصانع ونحوهم فقد يتحصل له ذلك المرتب أو الغلة في آخر الشهر وقد لا يتحصل له ذلك .
2 - صورها :
جمعية الموظفين لها ثلاث صور :
الصورة الأولى: أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغا من المال متساويا عند نهاية كل شهر أو كل شهرين، أو كل سنة حسب ما يتفقون عليه .
الصورة الثانية:أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً عند نهاية كل شهر أو شهرين مع اشتراط ألا ينسحب أحد منهم حتى تنتهي الدورة - يعني حتى يدور عليهم الأخذ.
الصورة الثالثة: كالصورة الثانية، أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال متساوياً يأخذه أحدهم عند نهاية كل شهر أو شهرين، حتى تنتهي أكثر من دورة؛ دورتان أو ثلاث إلخ حكم الصورة الأولى :
هذه الصورة أشار إليها العلماء- رحمهم الله- وممن أشار إليها أبو زرعة الرازي وهو من أئمة المحدثين وأشار إلى جوازها .
لما وجدت هذه الصورة الآن وكثر تعامل الناس بها، اختلف فيها المتأخرون في جوازها، هل هي جائزة أو ليست جائزة على قولين :
القول الأول: أنها معاملة جائزة ولا بأس بها، وهذا قال به أكثر المتأخرين، وممن قال به من المتأخرين: الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله-، وكان الشيخ محمد ابن عثيمين يقول: كان الشيخ يرى التحريم ثم راجعته فيها، ثم رجع إلى الجواز.
وكذلك مما قال به الشيخ محمد بن عثيمين: وقد انتصر لها كثيراً، وفي بعض كلامه أنها من الأعمال المندوبة لما سيأتي، من أنها تفك حاجات المحتاجين، وأنها تغني كثيراً من الناس عن الالتجاء إلى البنوك الربوية وغير ذلك، ولما فيها من التعاون على البر والتقوى.
وكذلك الشيخ عبد الله بن جبرين وغالب أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة يرون أن هذه المعاملة جائزة ولا بأس بها .
القول الثاني: أنها محرمة ولا تجوز، ومن أشهر من قال بهذا الشيخ صالح الفوزان، وكذلك الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الآن .
أدلة القول الأول : وهو الجواز :
1- قالوا: إن هذا العقد من العقود التي جاءت الشريعة بجوازه، لأن حقيقة هذا العقد هو قرض فيه إرفاق بالمقترض، حيث أن المقترض يأخذ القرض ويرد مثله ولا زيادة عليه، يعني هو يأخذ -مثلاً - ألفاً أو ألفين أو خمسة آلاف ثم يردها، وليس هناك زيادة عليه، فهذا قرض لا يخرج عن القرض المعتاد، إلا أن الفرق بينه وبين القرض المعتاد أن الإقراض في الجمعية يشترك فيه أكثر من شخص، والقرض المعتاد يكون بين شخص وآخر .
2- كذلك أيضاً استدلوا بالأصل، وأن الأصل في مثل هذه الأشياء الحل، الأصل في المعاملات الحل، وقد ذكرنا هذا في الضابط الأول من الضوابط التي تدور عليها المعاملات .
3- وكذلك أيضاً قالوا: في هذا تعاون على البر والتقوى، فمثلاً هذه الجمعية طريق لسد حاجة المحتاجين، وإعانة لهم على البعد عن البنوك الربوية، والمعاملات المحرمة كالربا ونحو ذلك .(4/40)
4- كذلك أيضاً استدلوا بأن المنفعة التي تحصل للمقرض في هذه الجمعية لا تنقص المقترض، يعني قد يقال: بأن المقرض قد انتفع لكنهم يقولون: إن المقرض وإن حصل له شيء من الانتفاع إلا أن هذه المنفعة لا تنقص المقترض، ولا يحصل له ضرر، بل الانتفاع متبادل بين المقرض والمقترض كل منهم ينفع الآخر، مع أنه سيأتي- إن شاء الله - ما المراد بالمنفعة التي نص الصحابة على أنها ربا؟ يعني ما المراد بكل قرض جر نفعاً فهو ربا؟ ما المراد بهذه المنفعة التي إذا كانت في القرض فهي من الربا كما ورد عن الصحابة؟ هذا سيأتي بيانه إن شاء الله، وأن ما قد يحصل للمقرض مقابل قرضه من الانتفاع أنه ليس داخلاً في هذه المنفعة التي حكم عليها الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- بأنها ربا.
أدلة القول الثاني: وهو التحريم:
1- قالوا: القرض في هذه الجمعية قرض مشروط، فيه القرض من الآخر فهو قرض جر نفعاً، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، هذا خلاصة الدليل، فهذا يزيد يقرض عمراً، لم يقرضه إلا بشرط أن يقرضه هو، فهذا قرض جر نفعاً.
يبقى ما هو الدليل على أن القرض الذي جر نفعاً محرم ولا يجوز:
أما من السنة فقد ورد في ذلك أحاديث حديثان أو ثلاثة، وكلها لا تثبت من ذلك ما يروى عن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( كل قرض جر نفعاً فهو ربا )).
هذا لا يثبت عن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-، وكذلك أيضاً استدلوا بما يروى عن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى له، أو حمله على دابة فلا يركبها، ولا يقبلها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك )).
هذا أيضاً أخرجه ابن ماجه وهو ضعيف لا يثبت.
لكن القرض الذي جر نفعاً ورد تحريمه عن الصحابة- رضي الله عنهم- جماهير الصحابة :
فمن ذلك ما ورد عن فضالة بن عبيد- رضي الله تعالى عنه- أنه قال: (( كل قرض جر منفعة فهو ربا)) أخرجه البيهقي في سننه .
وكذلك أيضاً في صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام قال لأبي بردة -رضي الله عنهما-: (( إنك في أرض الربا فيها فاش، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن، أو شعير، أو قَتٍّ فلا تقبل)) .
وكذلك أيضا ورد نحو هذا عن عمر- رضي الله عنه- وعن ابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وأنس، وابن عباس- رضي الله عنهم- فجماهير الصحابة يرون أن المنفعة التي يفيد منها المقرض أنها محرمة وأنها من الربا، وقد ورد عن ابن عمر أنه قال: (( من أسلف سلفاً فلا يشترط إلا قضاءه)) أخرجه مالك في الموطأ وإسناده صحيح .
فتلخص أن تحريم المنفعة للمقرض وارد عن الصحابة- رضي الله تعالى عنهم-.
لكن ورد عن الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- إجازة بعض المنافع للمقرض، وحينئذ يحتاج إلى ضبط المنفعة التي تكون محرمة .
فالصحابة- رضي الله تعالى عنهم- أجازوا السفتجة، كما ورد عن الحسن وعلي بن أبي طالب، والزبير وغيرهم من الصحابة، والسفتجة: هي أن تقرض شخاص مالاً في بلد فيعطيك إياه في بلد آخر، فهنا المقرض استفاد أمن الطريق، فالخطر الذي قد يحصل له أثناء السفر قد زال، فقد يكون المكان بعيداً فهو بحاجة أن يحفظ المال، وقد يضيع عليه، فمنفعة الحفظ والسلامة مما قد يحصل له من خطر إلى آخره هذا قد زال.
وكذلك أيضاً أجاز العلماء بعض المنافع للمقرض فقالوا: لا بأس أن يقرض الشخص فلاحه دراهم، لكي يقوم الفلاح بشراء الآلات والبذور ويعمل في أرض المقرض، فأنت مثلاً ساقيت زيداً من الناس أو زارعته على أن يعمل في أرضك ولم يكن معه دراهم، فلا بأس أن تقرضه ويقوم بالعمل في أرضك، مع أنك تستفيد الآن، أو مثلاً تقرضه ويقوم بالعمل في بيتك فأنت الآن تستفيد، فهذا القرض أجازه العلماء رحمهم الله .
وأيضاً قال شيخ الإسلام: لا بأس أن يقول للفلاح اعمل معي وأعمل معك، اعمل معي اليوم في حصاد الزرع أو جذاذ النخل، وأنا أعمل معك غداً في حصاد الزرع أو جذاذ النخل.
===============
فتاوى الأسهم والبنوك
فتاوى الأسهم والبنوك
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: عبد الرحمن الشثري
كاتب عدل في المدينة المنورة سلَّمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد : فقد اطلعتُ على هذه الكُرَّاسة المتعلِّقة بشيء من صور المبايعات التجارية بالأسهم البنكية ونحوها , وقد أُحسن النقل , وحَسُنَ الإرشاد إلى مواطن الصور المنقولة .
وأسأل الله أن يوفقك في عملك , والمثابرة في تحصيل العلم .
وإننِي أُوافق على عامَّةِ ما أَنتَ نقلته إلاَّ في جزئيات يسيرة لا تُؤثِّر .
والله يحفظكم , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
صالح بن محمد اللحيدان
رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً
14/3/1426هـ
بسم لله الرحمن الرحيم
الحمد لله , وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وعلى آله , ورضي الله عن صحبه ومنتبعهم بإحسان , وبعد :
فقد اطلعتُ على ما جمعه الأخ في الله فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري من فتاوى سماحة الشيخ : عبدالعزيز بن باز تغمده الله برحمته , وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء , وما أفتى به الشيخ العلامة محمد بن عثيمين تغمده الله برحمته , بتحريم الرِّبا والوسائل الموصلة إليه , والحِيَل التي اُستُحدثت لأخذه وإعطائه , ومنها :
بيع البنك مالا يملك : من سيارة , أو عمارة على المحتاج , بمجرَّد أن يختار المحتاج السيارة , أو العمارة, أو بضاعة أخرى من طرف ثالث , فيدفع البنك قيمتها لمالكها , ويُقيّد على المحتاج قيمتها , والزيادة المقابلة للتأجيل , وهذا العقد قد اجتمع فيه الرِّبا والاحتيال على الله سبحانه , وهو عمل اليهود أصحاب السبت , والذين باعوا الشحم وأكلوا ثمنه , وقالوا : إنما حرَّم الله علينا أكل الشحم , فحقَّت عليهم لعنة الله , ورسوله , وملائكته , والناس أجمعين .
ولهذا أفتى من سُأل عن هذا الصنيع من علماء السلف الصالح : بأنه أعظمُ ذنباً من الرِّبا الصريح .
وقد أحسن الشيخ عبدالرحمن في جمعه فتاوى من تقدَّم ذكرهم , بتحريم التأمين على الحياة, والسيارة, والبضائع, ونحوها من بطاقات التخفيض, والمعاملات المجهولة .. وتحريم العمل في البنوك الرِّبوية , ولو في وظيفة لا يُباشر فيها الموظف كتابة عقد ربوي, لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , وكذا المساهمة في الشركات التي عُرف عنها تعاطي الرِّبا مع البنوك , بتوديع أموال المساهمين فيها مُقابل أرباح ربوية .
وإني بدوري : أنصحُ أصحاب البنوك الرِّبوية , والمؤسسين للشركات المساهمة التي تتعامل بالرِّبا , والعاملين معهم , بأن يتوبوا إلى الله سبحانه من هذه الجريمة الشنيعة التي لَعَنَ الله سبحانه وتعالى مرتكبها , وتأذَّن بحربه , وألا يغترُّوا بإمهال الله لهم , فإنه سبحانه يُملي للظالم ثمَّ يأخذه أخذ عزيز مقتدر .
وأنصحُ إخواني العلماء وطلاب العلم الذين اتخذت منهم البنوك الرِّبوية حجَّة على استحلال معاملاتهم الرِّبوية , وكذا شركات التأمين ومؤسساته التي تتعامل بما حرَّم الله من أكل أموال الناس بالباطل ... أنصحُ أولئك الإخوة : أن يتخلَّوا عن تلك اللجان وعن فتاواهم التي استحلَّ بها المُرابون وأكلة الأموال بالباطل ما حرَّم الله سبحانه بأدنى الحيل .(4/41)
وإنني لأتقدَّم في الختام بنصيحة لولاة أمرنا حفظهم الله بالإسلام : بأن يُحاربوا هذا المنكر العظيم الذي تأذَّن الله سبحانه بحرب من فعله أو رضي به , وأن يُوقفوا الجهة التي تُعلنُ ليل نهار في إذاعة (بنو راما) وغيرها , وتُرهق أصحاب الجوالات بأن يتصلوا بها ليحصل المتصل على جائزة (المليون) ريالاً , وقد جُعل على المتصل مبلغاً خيالياً يصل إلى عشرات الريالات قبل فراغه من الاتصال , فصار مئات الألوف وأكثر , يتصلون منخدعين بهذا الزيف والكذب .. والذي لو كان صدقاً لكانت الجائزة حراماً على الآخذ والمُعطي , كما أنصحُ ولاة أمرنا حفظهم الله ووقاهم من كل سوء ومكروه , أن يبذلوا ما في وسعهم فيوقفوا إذاعة (بنو راما) والجهات الإعلامية الأخرى المرئية والمسموعة والمقروءة عن بثِّ ما فيه خلاعة وفتنة تدعو الناس إلى الرذيلة والفساد المُوجب لمقت الله وعقابه , نسأل الله أن ينصر دينه , ويحفظ حكومتنا وشعبها بالإسلام , آمين .
وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وآله .
قال ذلك وكتبه الفقير إلى الله
عبدالرحمن بن حماد العمر
في 30/2/1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
أما بعد : فقد قرأتُ هذه الفتاوى للعلماء الأجلاَّء في المملكة العربية السعودية برئاسة سماحة شيخنا الشيخ : عبدالعزيز بن باز , رحم الله الأموات , ومتَّعَ الأحياء متاعاً حسناً .. فيما يتعلق بالبنوك , والتي جمعها أخونا الشيخ : عبدالرحمن بن سعد الشثري وفقه الله , ولقد أحسنَ صنعاً في جمع هذه الفتاوى لنشرها وتوزيعها على الناس , في وقت تكالب كثير من الناس على الدنيا, وأقبلوا على المساهمات في البنوك وغيرها من غير تبيُّن ولا علم بهذه الأسهم , وهل هي متمشية وموافقة لِما أباحه الشرع المطهَّر أم لا, وذلك بسبب ضعف الإيمان ورقَّة الدين, والواجب على المسلم أن يتقي الله وأن يبتعد عمَّا حرَّم الله, وأنْ يتوقَّف فيما اشتَبه عليه حتَّى لا يقع فيما حرَّم الله عز وجل .
وقد ثبت في الحديث الصحيح : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( إنَّ الحلال بيِّن والحرام بيِّن , وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس , فمن اتَّقَى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه , ومن وَقَعَ في الشبهات وَقَعَ في الحرام , كالراعي يَرعى حول الحِمَى يُوشك أن يقع فيه)) .
وفي حديث الحسن بن علي , وسنده حسن , أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ)) أي : دَعْ ما تَشكُّ فيه إلى ما لا تشكُّ فيه .
وإنني بهذه المناسبة : أرى طبع هذه الفتاوى ونشرها بين الناس , ليكون المسلمُ على بصيرة في دينه فيما يتعلَّق بالمساهمات .
وأسأل الله أن يُثيب الشيخ عبدالرحمن على عنايته وجمعه لهذه الفتاوى , وأن ينفع به وبجهوده , وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم , وأن يجعلنا وإياه من دعاة الحقِّ وأنصاره, وأسأله سبحانه أن ينفع بهذه الفتاوى خاصة , وأن يُوفق عموم المسلمين للفقه في دينه , والبصيرة في شريعته , كما أسأله سبحانه أن يُثبتنا على دينه القويم, وأن يتوفانا على الإسلام غير مغيرين ولا مبدلين , إنه سبحانه جواد كريم .
وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن والاه .
كتبه
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
في 19/2/1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمان فترة من الرسل , بقايا من أهل العلم يَدعُونَ من ضلَّ إلى الهدى , ويَصبرونَ منهم على الأذى , يُحيون بكتاب الله الموتى, ويُبصِّرون بنور الله أهلَ العَمَى , فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيوه , وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هَدَوه , فما أحسنَ أثرَهم على الناس , وأقبحَ أثرَ الناس عليهم, يَنفون عن كتاب الله تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتأويل الجاهلين , الذين عقدوا ألوية البدع, وأطلقوا عقال الفتنة , فهم مختلفون في الكتاب , مُخالفون للكتاب, مُجمعون على مفارقة الكتاب , يقولون على الله, وفي الله , وفي كتاب الله بغير علم, يَتكلَّمون بالمتشابه من الكلام , ويخدعون جُهَّال الناس بما يُشبِّهون عليهم, فنعوذ بالله من فتن الضالين [1].
والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله القائل : ((إنَّ الله لا يَقبضُ العِلمَ انتزاعاً يَنتزعُه مِنَ العبادِ , ولكنْ يَقبضُ العِلمَ بقبضِ العلماءِ , حتَّى إذا لم يُبْقِ عَالِمَاً اتَّخَذَ الناسُ رُؤساءَ جُهَّالاً , فَسُئِلُوا فأفتوا بغير علمٍ , فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)) [2].
والمَروِيِّ عنه صلى الله عليه وسلم قولُه : ((يَرثُ هذا العِلم من كلِّ خَلَفٍ عُدولُه , يَنفُونَ عنه تأويلَ الجاهلينَ , وانتحالَ المُبطلينَ , وتحريفَ الغالين)) [3].
ورضي الله عن صحابته والتابعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين .
أما بعد : فإنَّ من علامات الساعة التي أخبر عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ظهور الرِّبا , وانتشاره بين الناس , وعدم المبالاة بطرق جمع المال , بل وعدم المبالاة بأكل الحرام , وعدم تحرِّي الحلال في المكاسب , فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((بينَ يَدَيِّ الساعةِ يَظهرُ الرِّبا , والزِّنا , والخم))[4].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ((لَيأتِيَنَّ على الناسِ زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أَخذَ المال , أَمِنْ حلالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ)) [5] .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحلالُ بيِّنٌ , والحَرَامُ بَيِّنٌ , وبينَهُما أمورٌ مُشتَبِهَةٌ [6], فَمَنْ ترَكَ ما شُبِّهَ عليه من الإثم كانَ لِمَا استبانَ أترَكَ , ومَنِ اجتَرَأ على ما يَشُكُّ فيه من الإثم أَوشكَ أن يُواقع ما استَبانَ , والمعاصي حِمَى الله , من يَرتعْ حول الحِمَى يُوشك أن يُواقِعَهُ))[7] .
وقال الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما : حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ , فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ, وإنَّ الكذبَ ريبةٌ)) .[8].
وفي الصحيح [9]في ذكر رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم , وفيه : ((فانطلقنا فأتينا على نَهَرٍ - حسبتُ أنه كان يقولُ - أحمرَ مثلِ الدَّمِ , وإذا في النهَرِ رجلٌ سابحٌ يَسبحُ , وإذا على شطِّ النَّهَرِ رجلٌ قد جَمَعَ عنده حجارةً كثيرة , وإذا ذلك السابحُ سَبَحَ ما سَبَحَ , ثمَّ يأتي ذلك الذي قد جمعَ عنده الحجارةَ فيَفغَرُ له فاهُ فيُلْقِمُهُ حَجَراً فينطلقُ يسبحُ, ثمَّ يرجعُ إليه , كلَّما رجعَ إليه فَغَرَ له فاهُ فألْقَمَهُ حَجَراً , قال : قلتُ لهما : ما هذان ؟ قالَ : قالا لي : انطَلِقِ انطَلِقْ)) .
وفي آخره : ((وأما الرَّجلُ الذي أَتيتَ عليه يَسبحُ في النَّهَرِ ويُلْقمُ الحِجارةَ فإنه آكلُ الرِّبا)) [10].(4/42)
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أُعيذُكَ بالله يا كعبُ بنَ عُجْرَةَ من أُمراءَ يكونون من بعدي , فَمَن غَشِيَ أبوابَهم فصدَّقهم في كَذِبهم , وأعانهم على ظلمهم , فليس مِنِّي ولستُ منه , ولا يَرِدُ عليَّ الحوضَ , ومن غَشِيَ أبوابهم أو لم يَغشَ فلم يُصدِّقهم في كذبهم , ولم يُعنهم على ظلمهم , فهو مِنِّي وأنا منه , وسَيَرِدُ عليَّ الحوضَ , يا كعبُ بنَ عُجرةَ : الصلاةُ برهانٌ , والصومُ جُنَّةٌ حصينةٌ , والصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ , يا كعبُ بنَ عجرة : إنه لا يَربُو لَحمٌ نبَتَ من سُحْتٍ إلاَّ كانت النارُ أولى به)) [11].
وإنَّ الناظر بعين البصيرة إلى واقع المسلمين في العالَم اليوم :
يجد لَهَفهم الشديد إلى كلِّ ما تطرحه البنوك أو الشركات من أسهم ومعاملات , فالكثير يُساهم ويتعامل بدون استفتاء من أهل العلم المُعتبرين [12].
والقليل يستفتي ولكن ممَّن التبس عليه الحلال من الحرام من طلبة العلم , بل يقصد بعضُهم فلان المتتبِّع للرخص ؟ أي : المتتبِّع لأهون أقوال العلماء في مسائل الخلاف ... وما عَلِم المسكينُ أنَّ هذا دين , فلينظر المسلمُ ممن يأخذ دينه , ومَن يجعله بينه وبين ربِّه تبارك وتعالى .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( وذَكَرَ أبو عمر عن مالك : أخبرني رجلٌ أنه دَخَلَ على ربيعة فوجده يبكي , فقال : ما يُبكيك ؟ أمصيبةٌ دخلت عليك ؟ وارتاعَ لبكائه , فقال : لا , ولكن استُفتيَ مَنْ لا عِلْمَ له , وظهرَ في الإسلام أمرٌ عظيم , قال ربيعة : ولَبعض من يُفتى ههنا أحقُّ بالحبس من السُّرَّاق ) [13].
والبعضُ يعتمدُ على فتاوى من يُسمَّون بموظَّفي اللجان الشرعية عند البنوك في العالم الإسلامي , ومِمَّن نَصَبَ نفسه مفتياً لها ولأسهمها ومعاملاتها , مع مُعارضة الكثير منها لفتاوى العلماء الْمُعتبرين .
فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه :
الأول : أصحاب البنوك , يقولون : لولا أنَّا على صواب لأنكر علينا موظَّفو هذه اللجان الشرعية , وكيف لا نكون مصيبين وهم يأكلون من أموالنا , ويعملون لدينا ؟! .
الثاني : العوام وضعاف النفوس , فإنهم يقولون : لا بأس بالمساهمة والتعامل مع هذه البنوك , فإنَّ موظَّفي هذه اللجان الشرعية لا يبرحون عندهم .
والثالث : موظفو اللجان الشرعية حيث حملوا أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم .
قال شيخنا صالح بن فوزان الفوزان وفقه الله تعالى : (والله أنا لا أعرف هذه الهيئات الشرعية , وأخشى أنها مسألة حيلة فقط , أو أنهم يختصون ناساً يوافقونهم على رغبتهم , يُحضِّرون ناساً باسم طلبة علم على رغبتهم , يُوافقونهم ويُعطونهم شهادة شرعية , أنا أخشى من هذا , إذا كانوا صادقين أنهم يتحرَّون الشرع , لماذا لا يسألون اللجنة الدائمة , أو هيئة كبار العلماء , إذا كانوا سيحترزون من الحرام , أم إنهم يُكوِّنون لجنة من عندهم , لجنة هم الذين يشكلونها على رغبتهم , فأنا ما أثق من هذا العمل , ولا أرى الاعتماد عليه) [14].
ويبدوا أنَّ انصراف المسلمين إلى استفتاء أهل التخفيف والترخيص , وانصرافهم عن أهل العلم المُعتبرين , ممَّن منعتهم هيبة الدِّين عن التساهل بالفتاوى الشرعية , كان أمراً مستشرياً في أمتنا الإسلامية منذ أَمَدٍ بعيد [15].
وفي حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((جئتَ تسألني عن البرِّ والإثم, فقال : نعم , فجَمَعَ أناملَهُ فجعل ينكتُ بهنَّ في صدري ويقول : يا وابصة , استفتِ قلبكَ , واستفتِ نفسكَ - ثلاث مرات - الْبِرُّ ما اطمأنت إليه النفسُ , والإثمُ ما حاكَ في النفس , وتردَّد في الصدر , وإنْ أفتاكَ الناسُ وأفتوك)) [16] .
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ((لا تَزُولُ قَدَما عبدٍ يومَ القيامة حتَّى يُسأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فيمَا أَفنَاهُ , وعن عِلْمِهِ فيما فَعَلَ , وعَنْ مَالِهِ مِنْ أَينَ اكتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ , وعَنْ جِسْمِهِ فيمَا أَبلاهُ)) [17] .
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى :
( بابُ من أطاعَ العلماءَ والأمراءَ في تحريم ما أحلَّ الله , أو تحليل ما حرَّم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله : وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يُوشكُ أن تَنزلَ عليكم حجارةٌ من السماء ، أقولُ : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولونَ : قالَ أبو بكرٍ وعمر ؟! [18] .
وقال الإمام أحمد بن حنبل : عجبتُ لقومٍ عرَفوا الإسنادَ وصحَّته ، يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : (( َفلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (النور:63) .
أتدري ما الفتنة ؟ الفتنةُ : الشرك ، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله , أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلِك [19] .
وعن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه : أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ هذه الآية : ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)) (التوبة:31) .
فقلتُ له : إنا لسنا نعبدهم , قال : (( أليس يُحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه , ويُحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه , فقلتُ : بلى , قال : فتلك عبادتهم )) رواه أحمد والترمذي وحسَّنه [20]) [21].
إذاً : فيُخشى على من اتَّبعَ عالِماً مجتهداً على خطئه في تحليل الْمُساهمة في ذلك البنك أو تلك الشركة , وهو يعلمُ أنَّ هذا العالِمُ مُخطئ : أن يكون له نصيبٌ من الشرك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ولكن من علمَ أنَّ هذا أخطأ فيما جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم , ثمَّ اتبعه على خطئه , وعدلَ عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا له نصيبٌ من هذا الشرك الذي ذمَّه الله , لا سيَّما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد , مع علمه أنه مخالفٌ للرسول صلى الله عليه وسلم , فهذا شركٌ يستحقُّ صاحبه العقوبة عليه , ولهذا اتفق العلماء : على أنه إذا عرف الحقَّ لا يجوز له تقليد أحد في خلافه ..) [22].
وقال الوزير ابن هبيرة : ( من مكايد الشيطان أنه يُقيم أوثاناً في المعنى تُعبد من دون الله , مثل أن يتبين له الحق , فيقول : هذا ليس بمذهبنا, تقليداً لمعظَّم عنده , قد قدَّمه على الحق) [23].
وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: (هل تعرفُ مَا يَهْدِمُ الإسلامَ : قال : قلتُ : لا, قالَ : يَهْدِمُهُ زلَّةُ العالِم , وَجِدَالُ المنافقِ بالكتاب, وحُكْمُ الأئمةِ المُضِلِّين) [24].
وسُئل تميمٌ الداريِّ رضي الله عنه : (ما زلَّةُ عالِم ؟ قال : العالِمُ يَزِلُّ بالناسِ فيُؤخذُ به , فعسَى أن يَتوبَ منه العالِمُ , والناسُ يأخذونَ به) [25].
وقال سليمان التيمي ت143هـ رحمه الله تعالى : (لو أخذتَ برخصة كلِّ عالِمٍ , أو زلَّة كلِّ عالِمٍ, اجتمعَ فيكَ الشرَّ كلَّه) [26].
قال ابن عبد البر : (هذا إجماعٌ لا أعلمُ فيه خلافاً) [27].
وعلى طالب الحقِّ أن يبتعد عن الذنوب ( فإنَّ الطاعة نورٌ , والمعصيةَ ظلمةٌ , وكلَّما قويت الظلمة ازدادت حيرتُه , حتَّى يقعَ في البدع والضلالات, والأمور المُهلِكة وهو لا يشعر , كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده ) [28].(4/43)
وعليه أن يستعين بالله تعالى ويتضرَّع إليه بالدعاء ليهديه إلى الحقِّ , فإنه هو الهادي سبحانه إلى سواء السبيل , ففي الحديث القدسي : (( يا عبادي : كلُّكم ضالٌ إلا من هديته , فاستهدوني أهدكم)) [29] .
وليدعُ بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم الذي كان يستفتح به صلاته إذا قام من الليل : ((اللهُمَّ رَبَّ جَبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ , فاطرَ السمواتِ والأرض ِ, عالِمَ الغيبِ والشهادةِ , أنتَ تحكمُ بينَ عبادكَ فيما كانوا فيه يختلفونَ , اهْدِنِي لِمَا اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنكَ , إنكَ تهدي مَن تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ)) [30].
وبين يديك أخي المسلم : مختارات فيما يتعلَّق بالأسهم والبنوك .. من فتاوى علمائنا الأجلاَّء : سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ , وأصحاب السماحة والفضيلة رئيس وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء , ومن قرارات المجمع الفقه الإسلامي , وهيئة كبار العلماء , ومن فتاوى سماحة شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وسماحة شيخنا محمد الصالح العثيمين, وفضيلة شيخنا صالح بن فوزان الفوزان , رحم الله المتوفَّى منهم, ووفق الحيَّ لما يُحبه ويرضاه , آمين
ويسرُّني أن أشكر مشايخي الفضلاء : سماحة الشيخ الوالد صالح بن محمد اللحيدان , وفضيلة الوالد الشيخ عبدالرحمن بن حماد العمر, والوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي, أشكرهم على قراءتهم لأصل هذه الرسالة والتقديم لها , وقد أضفتُ عليها كثيراً من الفتاوى مما وجدته لمن تقدَّم ذكرهم , رزقهم الله الفردوس الأعلى من الجنة , وكذلك أشكر شيخي الجليل الوالد صالح بن فوزان الفوزان, على قراءته لأصل هذه الرسالة , كما أشكر الشيخ الفاضل عبدالله بن محمد الحمود, على نصحه وتوجيهه, جعل الله منْزلهما ووالديهما الفردوس الأعلى من الجنة, ووالدينا وأهلينا وجميع المسلمين , إنَّ ربنا لسميع الدعاء .
وإلى الفتاوى نفعني الله وإياكم والمسلمين بها , وجعلها حُجَّة لنا لا علينا.
بماذا يأخذ المسلم في المسائل الخلافية : الفتوى رقم 2171 في 28/10/1398هـ .
السؤال : ما الحكم في المسائل الخلافية، هل نتبع القول الأرجح والدليل الأقوى، أو نتبع الأسهل والأيسر ، انطلاقاً من مبدأ التيسير لا التعسير ؟
الجواب : إذا كان في المسألة دليلٌ شرعي بالتخيير كان المكلَّف في سعة فله أن يختار الأيسر، انطلاقاً من مبدأ التيسير في الشريعة مثل الخصال الثلاث في كفارة اليمين : الإطعام والكسوة والعتق ، لِما ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه : ((ما خُيِّرَ بين أمرينِ إلا اختارَ أيسَرَهُمَا ما لَم يكن إثْماً , فإن كان إثْماً كان أبعدَ الناس منه )) [31].
أمَّا إن كانت مجرَّد أقوالٍ لمجتهدينَ فعليه أن يتَّبع القول الذي يشهدُ له الدليل أو الأرجح دليلاً ، إن كان عنده معرفة بالأدلة صحة ودلالة ، وإن كان لا خبرة له بذلك فعليه أن يسأل أهل العلم الموثوق بهم ، لقوله تعالى : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) (الأنبياء:7).
فإن اختلفوا عليه أخذ بالأحوط له في دينه ، وليس له أن يتبع الأسهل من أقوال العلماء فيعمل به ، فإنَّ تتبع الرخص لا يجوز .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
*****
التحذير من الفتاوى التي تُجيز التعامل مع البنوك ، والتي تنشرها بعض الصحف : ( فتاوى البلد الحرام ص 677-681 ) .
من عبد العزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم سلوك صراطه المستقيم، وجنَّبنا جميعاً طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين، سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد : فقد كثرت الدِّعايات للمساهمة في البنوك الرِّبوية في الصحف المحلية والأجنبية، وإغراق الناس بإيداع أموالهم فيها مقابل فوائد ربوية صريحة معلنة، كما تقوم بعض الصحف بنشر فتاوى لبعض الناس تُجيز التعامل مع البنوك الربوية بفوائد محدَّدة ، وهذا أمرٌ خطير، لأنَّ فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفة لأمره، والله سبحانه وتعالى يقول : (( َفلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) .
ومن المعلوم من الدين بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة : أنَّ الفوائد المعيَّنة التي يأخذها أربابُ الأموال مُقابل مُساهمتهم، أو إيداعهم في البنوك الرِّبوية حرامٌ سُحت، وهي من الرِّبا الذي حرَّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن كبائر الذنوب ، ومما يَمحقُ البركة ، ويُغضب الرَّب عز وجل ، ويُسبِّبُ عدم قبول العمل .
وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قال : (( إنَّ الله طيِّبٌ لا يَقبلُ إلاَّ طيباً ، وإنَّ الله أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ به المرسلينَ ، فقال : (( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) (المؤمنون:51) , وقال : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)) (البقرة:172) .
ثمَّ ذكرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبرَ ، يَمُدُّ يديه إلى السماء ، يا ربِّ ! يا ربِّ ! ومَطعمُهُ حَرَامٌ ، ومَشْرَبُه حرامٌ ، ومَلْبَسُه حرامٌ ، وغُذِِّيَ بالحَرَام ، فأَنَّى يُستجابُ لذلكَ )) رواه مسلم [32].
وليعلم كل مسلم : أنه مسئول أمام ربه عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، ففي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لا تزولُ قَدَمَاعبد يوم القيامة حتى يُسأل عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)) [33].
واعلم يا عبدَ الله - وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه - أن الرِّبا كبيرة من كبائر الذنوب التي جاء تحريمها مغلَّظاً في كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، بجميع أشكاله، وأنواعه ، ومسمَّياته، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (آل عمران:130) .
وقال تعالى : (( وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ)) (الروم:39) .
وقال تعالى : (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (البقرة:275) .
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)) فما أعظمَ جريمةَ من حاربَ الله ورسوله ، نسأل الله العافية من ذلك .(4/44)
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ((اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ، قالوا : وما هنَّ يا رسولَ الله، قال : الشركُ بالله ، والسِّحرُ، وقتلُ النفسِ التي حرَّمَ الله إلاَّ بالحقِّ ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مَالِ اليتيمِ، والتولِّي يومَ الزَّحفِ ، وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ )) متفق على صحته[34].
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : (( لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبا ، ومُوكِلَهُ ، وكاتِبَهُ ، وشاهِدَيهِ ، وقالَ : هُمْ سَوَاءٌ)) .
فهذه بعضُ الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم التي تُبيِّنُ تحريم الرِّبا وخطره على الفرد والأمة ، وأنَّ مَن تعامل به وتعاطاه فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ، وقد أصبح مُحارباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فنصيحتي لكلِّ مسلم يُريد الله والدار الآخرة : أن يتقي الله سبحانه وتعالى في نفسه وماله، وأن يكتفي بما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يَكفَّ عمَّا حرَّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ففيما أباح الله كفاية وغنى عما حرَّم، وعلى المسلم الناصح لنفسه الذي يُريد لها الخير والنجاة من عذاب الله، والفوز برضاه ورحمته ، أن يبتعد عن الاشتراك في البنوك الرِّبوية، أو الإيداع فيها بفوائد أو الاقتراض منها بفوائد، لأنَّ المساهمة فيها أو الإيداع فيها بفوائد، أو الاقتراض منها بفوائد كلُّ ذلك من المعاملات الرِّبوية، ومن التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله سبحانه : ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (المائدة:2) .
فاتقِ الله يا عبدَ الله ، وانجُ بنفسك ، ولا تغترَّ بكثرة البنوك الرِّبوية ، ولا بكثرة انتشار معاملاتها في كلِّ مكان، ولا بكثرة الْمُتعاملين معها ، فإنَّ ذلك ليس دليلاً على إباحتها، وإنما هو دليلٌ على كثرة الإعراض عن أمر الله ومُخالفة شرعه ، والله سبحانه وتعالى يقول : ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) (الأنعام:116) .
ومع الأسف الشديد أن كثيراً من الناس لَمَّا أنعمَ الله عليهم ، ووسَّعَ عليهم من فضله ، وأغناهم بكثرة المال ، أصبحوا لا يهتمون بالعمل بأحكام الإسلام ، والاستغناء بما أباح الله لهم عما حرَّم عليهم, إنما يهتمون بما يُدرُّ عليهم المال من أيِّ طريق كان ، حلالاً كان أم حراماً ، وما ذلك إلا لضعف إيمانهم ، وقلَّة خوفهم من ربهم عز وجل ، وغلبة حبِّ الدنيا على قلوبهم ، نسأل الله لنا ولهم السلامة والعافية من كلِّ ما يُخالف شرعه المطهَّر ، وهذا الواقعُ المؤلم لحال كثير من المسلمين، مؤذنٌ بحلول غَضَب الله ونقمته ، وقد قال سبحانه مُحذِّراً ومنذراً من شؤم المعاصي والذنوب : ((وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)) (الأنفال:25).
وإني أُوجِّه نصيحتي إلى المسئولين في الصحف المحلِّية خاصة ، وفي صحف البلاد الإسلامية عامة : أن يُطهِّروا صحافتهم من نشر كلِّ ما يُخالف شرع الله المطهَّر ، في أيِّ مجال من مجالات الحياة ، كما أُوصي الجهات المسئولة بالتأكيد على رؤساء الصحف بأن لا ينشروا شيئاً فيه مخالفة لدين الله وشرعه ، ولا شكَّ أنَّ هذا أمرٌ واجبٌ عليهم ، وسيُسألون عنه أمام الله إذا قصَّروا فيه .
كما أُوصي إخواني المسلمين عامة أن يتقوا الله تبارك وتعالى ، ويتمسَّكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يكتفوا بما أحله الله، ويحذروا ما حرَّمه الله، ولا يغترُّوا بما قد يُكتب أو يُنشر من فتاوى أو مقالات تُجيز المساهمة في البنوك الرِّبوية أو الإيداع فيها بفوائد، أو تُقلِّلُ من سوء عاقبة ذلك، لأنَّ هذه الفتاوى والمقالات لم تُبْنَ على أدلة شرعية لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي آراء الرِّجال وتأوُّلاتهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية من مُضلَّلات الفتن .
والله المسئول أن يُوفِّقَ المسلمين عامة ، وولاة أمورهم خاصة للعمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وتحكيم شرع الله في جميع شئونهم الخاصة والعامة ، وأن يأخذ بنواصيهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، وأن يُجنِّب الجميع طريق المغضوب عليهم والضالين ، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه , وصلى الله وسلَّم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء ، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبدالله بن باز
البنك الأهلي : الفتوى رقم 7655 ج15/57-58 من مجموع فتاوى اللجنة .
السؤال: إنني أعملُ في البنك الأهلي, وكما يَعرفُ الجميع أنَّ البنك يتعامل ببعض الفوائد , وقد اضطررتُ إلى العمل فيه بعد أن بحثت مدة ثمانية أشهر عن عمل فلم أجد إلا فيه, وبعيد عن وظائف القروض التي يتعامل بها بالرِّبا , وقد سمعتُ من بعض الناس العامة : بأنَّ راتبه حرام , والعمل فيه حرام , وأيضاً سمعتُ من أحد العلماء يقول : إنَّ الراتب حلال , حيث الموظف يعمل بيده, ويكسبُ كما يكسبُ أي شخص آخر , وهو من العلماء الذين يظهرون على التلفزيون, وأنَّ الرِّبا على صاحب البنك والإثم , وما الموظف إلا عامل مثل غيره, أرجو إفتائي ؟ .
الجواب : العمل في البنوك الرِّبوية حرامٌ , لِمَا فيه من التعاون على الرِّبا , وقد قال الله تعالى : (( وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - )) سواء كان التعاون بكتابة الصك, أو الشهادة فيه, أو التقييد في الحساب بالسجلات , أو نقل ما كُتب من مكتب إلى آخر, أو تهيئة الجوِّ, وتسهيل الوسائل للقيام بالأعمال الرِّبوية , ونحو ذلك .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
وسُئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى ( س236 مجموع فتاوى سماحته ج19/386 ) .
السؤال : أُفيدكَ أنه لي ولد اسمه ع ع م وأنه مديون نحو مائة ألف ريال في زواج , وفي سيارة يركبها , وأنه دخل في البنك الأهلي بعمل مراسل براتب نحو ألف وخمسمائة ريال , ويقول بعض الناس : إن راتبه حرام , وناس يقولون : حلال , والله يعلم أنه دخل في هذا البنك لضرورة الدَّين , ومصاريف أهله , لذا نرجو الإفادة حالاً عاجلاً ؟ وهذا والله يحفظكم .
الجواب : لا يجوزُ العملُ في البنوك الرِّبوية , كالبنك الأهلي المذكور , والواجبُ على ابنك المذكور أن يَدعَ العملَ المذكور , ويلتمس العمل في جهات أخرى سليمة , يسَّرَ الله أمره , وأصلَحَ حالَه وحالَ كلِّ مسلم .
***
البنك العربي الوطني : الفتوى رقم 4327 ج15/36-37 .
السؤال : لي دكاكين تقع على طريق الحجاز , وتقدَّم البنك الوطني لاستئجارها , وحيث إنَّ هذا البنك من البنوك التي تتعامل بالرِّبا ؟ فهل يجوزُ لي تأجير هذا البنك وأمثاله ممن يتعامل بالرِّبا ؟ أفتونا أثابكم الله .(4/45)
الجواب : لا يجوزُ ذلك , لكون البنك المذكور سيتخذها مقرَّاً للتعامل بالرِّبا المحرَّم , وتأجيرها عليه لهذا الغرض تعاونٌ معه في عمل محرَّم , وقد قال الله تعالى : (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - )) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
* * *
وسُئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى ( مجموع فتاوى سماحته س230 ج19/376-377 ) .
السؤال : هل يجوزُ تأجير عمارة أو جزء منها إلى البنك العربي الوطني ؟ أحسن الله إليكم وجزاكم خيراً ؟ .
الجواب : لا يجوزُ التأجيرُ على البنك العربي الوطني , ولا غيره من البنوك الرِّبوية , لِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , وقد نهى الله سبحانه عن ذلك في قوله عز وجل : ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) , وفَّقَ الله الجميعَ لما يُرضيه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مفتي عام المملكة العربية السعودية : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
بنك الرياض : الفتوى رقم 5524 ج13/506-507 .
السؤال : كان لي مساهماتٌ في شركة , وأفلَست هذه الشركة قبل 25 عاماً , وكان هناك أوصياء على الشركة اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهماً في بنك الرياض قبل 25 عاماً بمبلغ ألف ريال للسهم الواحد , والآن ثمن السهم الواحد 30 ألف ريال , وأنا بحاجة لهذا المبلغ , فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم ؟ علماً بأنَّ شراءهم لأسهم بنك الرياض تمَّ بدون علمنا طيلة هذه المدة .
الجواب : تسلَّم المبلغ كلَّه , أصله وفائدته , ثمَّ أمسك أصله , لأنه مِلْكٌ لَكَ , وتصدَّق بالفائدة في وجوه الخير , لأنها رباً , والله يُغنيك من فضله ويُعوِّضك خيراً منها , ويُعينك على قضاء حاجتك ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) (الطلاق:2-3).
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
وسُئل سماحة شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى : ( فتاوى علماء البلد الحرام ص671-672 ) .
السؤال : حصل بيني وبين أخي خلافٌ شديدٌ حول المساهمة في بنك الرياض المطروحة أسهمه للاكتتاب هذا العام , حول جواز المساهمة فيه , فقلتُ له : إنَّ هذا حرام , لأنه يتعامل بالرِّبا , وقال : إنَّ فيه شبهة وليس بحرام , والسؤال هو عن :
أولاً : حكم المساهمة في البنك المذكور ؟ .
ثانياً : حكم منح الأسماء لشخص يريد المساهمة بها في هذا البنك , مع أنَّ صاحب الأسماء يرى الحرمة ؟ نرجو من سماحتكم جوابنا سريعاً , والله يحفظكم .
الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , وبعد : لا تجوز المساهمة في هذا البنك ولا غيره من البنوك الرِّبوية , ولا المساعدة في ذلك بإعطاء الأسماء , لأنَّ ذلك كلُّه من التعاون على الإثم والعدوان , وقد نهى الله سبحانه عن ذلك في قوله عز وجل : ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) .
وقد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( أنه لَعَنَ آكِلَ الرِّبا , ومُوكِلَهُ , وكاتِبَهُ , وشاهِدَيهِ , وقالَ : هُمْ سَوَاءٌ)) خرَّجه الإمام مسلم في صحيحه [35] .
وفق الله الجميع لما يُرضيه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز 7/7/1412هـ
***
الفتوى رقم 2620 ج15/41-43 .
السؤال : اضطرَّته ظروف المعيشة للعمل , وسابقَ في ديوان الموظفين العام , ولم يُحالفه النجاح , وأرغمته ظروفه حسب قوله إلى العمل في بنك الرياض , ويذكر : أنه عمل بأغلب أقسامه , ووجده يتعامل بالرِّبا , عين الرِّبا , حيث يُقرض الشخص تسعة آلاف ريال , ويرتد المبلغ عشرة آلاف ريال , بالإضافة إلى كشف الحساب للعملاء بفائدة , ويذكر أنه مُتحسِّرٌ من هذا العمل , وأنه لو خَرَج تراكمت عليه الديون , لأنَّ راتبه من البنك دخله الوحيد , ويطلب إرشاده .
الجواب : العملُ في البنوك التي تتعامل بالمعاملة التي وصفتها , والتي هي عين الرِّبا لا يجوز , لأدلة تحريم الرِّبا الواردة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة , ومنها :
ما روى ابن مسعود رضي الله عنه : ((أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الرِّبا, ومُوكِلَهُ , وشاهِدَيهِ, وكاتبهُ )) أخرجه الخمسة , وصححه الترمذي [36].
وما رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه : ((أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الرِّبا, ومُوكِلَهُ , وكاتِبَهُ , وشاهِدَيهِ, وقالَ : هُمْ سَوَاءٌ )) [37].
فالواجبُ عليك : أن تتركَ العملَ فيه طاعة لله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم , وحَذَراً من غضب الله وعقابه , والتماس عمل آخر مما أباح الله عز وجل , وأبشر بالتيسير والتسهيل إذا تركتَ عملك في البنك من أجل الله سبحانه , لقوله عزَّ وجلَّ : (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
البنك السعودي الهولندي : الفتوى رقم 4331 ج15/50-51 .
السؤال : أُحيطكم علماً بأنني كنتُ أعملُ في بنك من البنوك واسمه : البنك السعودي الهولندي , عملتُ فيه حال تخرُّجي من الثانوية بعام ولمدة 6 أو 7 شهور , وأخبرني أحدُ الزملاء بأنَّ العمل بالبنك حرام , حيث إنه يتعامل في بعض حساباته بالرِّبا , فالتحقتُ بالخطوط السعودية كطالب , وتركتُ البنك وما أودُّ أن أسأله هو : هل الرواتب في السبعة شهور التي استلمتها تُعتبر حراماً ؟ حيث إنني أعمل كموظف فقط , أتقاضى راتباً على عملي وجهدي , وهل يلزم أن أتصدَّق بجميع ما تسلَّمته من قبل من رواتب ومبالغ , أو يكفي أنني تركتُ العمل بالبنك ؟
الجواب : إذا كان الواقعُ كما ذكرتَ : من أنكَ تركتَ العملَ به بعد أن أُخبرتَ أنه لا يجوز العملُ في البنك, فلا حرَجَ عليك فيما قبضته من البنك مُقابلَ عملك لديه مدَّة الأشهر المذكورة, ولا يلزمك التصدَّق بها , وتكفي التوبة عن ذلك, عفى الله عنا وعنك, لقول الله سبحانه: ((وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
البنك السعودي البريطاني : الفتوى رقم 20507 ج15/12-14(4/46)
السؤال : لدينا عمارة في موقع ممتاز , وعلى أفضل الشوارع في مدينة الطائف بحمد الله , والآن يتردَّدُ علينا مديرُ البنك السعودي البريطاني , وذلك لاستئجار المعارض التي تحت هذه العمارة لجعل الفرع الرئيسي للبنك بالطائف بها , بمبلغ مغر جداً , ولمدة عشر سنوات , وسوف يدفع خمس سنوات مقدَّماً , ونحن أصحاب العمارة في حاجة ماسة إلى السيولة في الوقت الحاضر لسداد بعض الديون التي ترتبت على هذه العمارة , وديون أخرى للغير , أُحرجنا منهم من كثرة ترددهم علينا , البعضُ منا يريد تأجيرها على البنك لسداد تلك الديون , والبنكُ إثمه عليه , ولا إثمَ علينا , لأننا لم نتعامل معه بالرِّبا , ولا مع غيره بحمد الله , وهو مستأجر كغيره من المستأجرين , والبعض منا يقول : إن في ذلك إثماً من باب : (( وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? - )) , والآن نحن في حيرة من أمرنا , أفتونا مأجورين , هل نؤجِّرُ على البنك وإثمه عليه , أم نحن أصحاب العمارة آثمون إذا أجَّرنا عليه تلك المعارض ؟ حتى نتمكن من الرد على البنك المستعجل على إجابتنا .
الجواب : لا يجوزُ تأجيرُ المحلات للبنوك , لأنها تتخذها محلاَّت للتعامل بالرِّبا , وقد لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم : ((آكِلَ الرِّبا , وَمُوكِلَهُ , وشاهِدَيهِ , وكاتِبَهُ)) .
والمؤجِّرُ يَدخلُ في ذلك , لأنه أعانَ على أكل الرِّبا بأخذ الأجرة في مقابل ذلك , والله تعالى يقول : ((وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) .
وفي الحلال غُنية عن الحرام , وقد قال الله سبحانه : (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
البنك السعودي الأمريكي : الفتوى رقم 4490 في 30/3/1402هـ .
السؤال : أفُيدكم أنَّ لديَّ خمسة عشر سهماً من أسهم رأس مال البنك السعودي الأمريكي , حيث استردتها عندما طرحت للاكتتاب , وأسمع أنَّ نظام هذا البنك من قيل وقال : لا يخلو في تعامله المالي من الرِّبا , والآن طُرحت أسهم جديدة للمساهمين القُدامى وأتردَّد في شرائها , بل أعتزم بناءً على فتواكم التخلَّص حتى من الأسهم القديمة , أنقذوني بفتوى سريعة .
الجواب : أولاً : الاشتراكُ في البنوك التي تتعامل بالرِّبا , كالبنك المذكور ونحوه , محرَّمٌ للأدلة الواردة في تحريم الرِّبا, وفي تحريم التعاون على الإثم والعدوان .
ثانياً : يجبُ على من اشترك فيه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى , وأن يَسحبَ رأسَ ماله فقط , تخلَّصاً من الرِّبا المحرَّم بالكتاب , والسنة , وإجماع المسلمين , قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ))
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
بطاقة فيزا (سامبا) لدى البنك السعودي الأمريكي : الفتوى رقم 17611 ج13/524-525 .
السؤال : يُتداول بين الناس في الوقت الحاضر بطاقة (فيزا) سامبا , صادرة من البنك السعودي الأمريكي , وقيمة هذه البطاقة إذا كانت ذهبية ( 485) ريالاً , وإذا كانت فضية (245) ريالاً, تُسدَّد هذه القيمة سنوياً للبنك لمن يحمل بطاقة (فيزا) للاستفادة منها كاشتراك سنوي , طريقة استعمال هذه البطاقة : أنه يحق لمن يحمل هذه البطاقة أن يسحب من فروع البنك المبلغ الذي يُريده (سلفة) ويُسدِّد بنفس القيمة, خلال مدة لا تتجاوز (54) يوماً , وإذا لم يُسدِّد المبلغ المسحوب (السلفة) في خلال الفترة المحددة , يأخذ البنك عن كل مائة ريال من (السلفة) المبلغ المسحوب فوائد , قيمتها ريالاً وخمس وتسعين هللة (1.95) كما أنَّ البنك يأخذ عن كل عملية سحب نقدي لحامل البطاقة (3.5) ريال عن كل (مائة ريال) تسحب منهم , أو يأخذون (45) ريالاً كحدٍّ أدنى عن كل عملية سحب نقدي , ويحق لمن يحمل هذه البطاقة : شراء البضائع من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك , دون أن يدفع مالاً نقدياً , وتكون سلفة عليه للبنك , وإذا تأخر عن سداد قيمة الذي اشتراه (54) يوماً , يأخذون على حامل البطاقة عن كل مائة ريال من قيمة البضاعة المشتراة من المحلات التجارية التي يتعامل معها البنك فوائد قيمتها ريالاً وخمس وتسعين هللة (1.95) , فما حكم استعمال هذه البطاقة , والاشتراك السنوي مع هذا البنك للاستفادة من هذه البطاقة ؟ والله يحفظكم ويرعاكم .
الجواب : إذا كان حالُ بطاقة (سامبا فيزا) كما ذُكر, فهو إصدارٌ جديدٌ من أعمال المُرابين , وأكل أموال الناس بالباطل , وتأثيمهم , وتلويث مكاسبهم وتعاملهم , وهو لا يَخرجُ عن حكم ربا الجاهلية المحرَّم في الشرع المطهَّر : ( إما أن تَقضي , وإما أن تربي ) لهذا فلا يجوزُ إصدارُ هذه البطاقة , ولا التعامل بها .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالله بن غديان عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
بنك الجزيرة : الفتوى رقم 6760 في 22/3/1404هـ .
السؤال : لي تسعون سهماً في بنك الجزيرة منذ تأسيسه , استلمتُ الأرباح , وحالاً غير معروفة العدد خلال السنوات التي عقب التأسيس , وصرفتها في حينها مع مصاريف حياتنا اليومية , وعرضتُ هذه الأسهم للبيع لدى فرع تبوك , وقال لي موظف الفرع المذكور : بإمكانك بيع جميع الأسهم الموجودة في البنك بمبلغ تسعمائة ريال للسهم الواحد , ولكني شكيت في جواز بيعها شرعاً , وتريثتُ للاستفسار من فضيلتكم : هل الأرباح التي سبق أن استلمتها وأرباح الأسهم مستقبلاً حلال أم رباً , وهل يجوز لي أن أبيع جميع أسهمي بالبنك المذكور بالمبلغ الذي ذكرته , أو بمبلغ أكثر أو أقل ؟ أفتوني أثابكم الله .
الجواب : بِعْ أسهُمَكَ في البنك المذكور , وخُذْ جميعَ الثمن , واحتفظ لنفسك بأصل المبلغ الذي ساهمتَ به في البنك , وأنفق ما زاد عنه في وجوه البرِّ العامة , لأنَّ المساهمة في بنكٍ ربويٍ حرامٌ , والكسبُ من ذلك حرامٌ , واستغفرِ الله وتُبْ إليه مما مضى , واحذر العودة إليه , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
شركة الراجحي للصرافة والتجارة , ومكتب الكعكي للصرافة : سُئل سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى ( س235 مجموع فتاوى سماحته ج19/384-385 ) .(4/47)
السؤال : ما حكم من تضطره ظروفه للعمل في البنوك والمصارف المحلية الموجودة في المملكة مثل : البنك الأهلي التجاري , وبنك الرياض, وبنك الجزيرة , والبنك العربي الوطني, وشركة الراجحي للصرافة والتجارة, ومكتب الكعكي للصرافة, والبنك السعودي الأمريكي, وغير ذلك من البنوك المحلية , علماً بأنها تفتح حسابات التوفير للعملاء , والموظف يشغل وظيفة كتابية مثل : كاتب حسابات أو مدقِّق, أو مأمور سنترال أو غير ذلك من الوظائف الإدارية, وهذه البنوك يُوجد بها مزايا عديدة تجذب الموظفين إليها مثل : بَدل سكن يُعادل اثني عشر ألف ريال تقريباً أو أكثر, ورواتب شهرين في نهاية السنة, فما الحكم في ذلك ؟ .
الجواب : العملُ في البنوك الرِّبوية لا يجوز , لِمَا ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم في لعن (( آكِلَ الرِّبا , ومُوكِلَهُ , وكاتِبَهُ , وشاهِدَيهِ , وقالَ : هُمْ سَوَاءٌ )) أخرجه مسلمٌ في صحيحه .
ولِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , وقد قال الله سبحانه : (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))
***
البنك السعودي التجاري المتحد : سُئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى ( فتاوى إسلامية ج2/399 ) .
السؤال : هل تجوزُ المساهمة في البنوك العاملة بالمملكة أمثال : البنك السعودي الأمريكي , والبنك السعودي التجاري المتحد , التي مطروحة أسهمه الآن للاكتتاب العام , وغيرها من البنوك ؟ أفيدونا جزاكم الله عنا ألف خير .
الجواب : لا تجوزُ المساهمةُ في البنوك الرِّبوية , كما لا تجوزُ المعاملاتُ الرِّبوية مع البنوك وغيرها , لأنَّ ذلك من التعاون على الإثم والعدوان , والله سبحانه يقول : (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) .
***
شراء وبيع أسهم البنوك : سُئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى ( فتاوى إسلامية ج2/399-400 ) .
السؤال : ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدَّة , بحيث يُصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً , وهل يُعتبر ذلك من الرِّبا ؟ .
الجواب : لا يجوزُ بيعُ أسهم البنوك , ولا شراؤها , لكونها بيعُ نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض , ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوزُ التعاونُ معها لا ببيع ولا شراء , لقول الله سبحانه : (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )).
ولِمَا ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم أنه (( لَعَنَ آكِلَ الرِّبا , ومُوكِلَهُ , وكاتِبَهُ , وشاهِدَيهِ , وقالَ : هُمْ سَوَاءٌ )) رواه الإمامُ مسلمٌ في صحيحه , وليسَ لَكَ إلاَّ رأسُ مالِكَ .
ووصيَّتِي لكَ ولغيركَ من المسلمين : هي الحذرُ من جميع المعاملات الرِّبوية , والتحذير منها, والتوبة إلى الله سبحانه مما سَلَفَ من ذلك , لأنَّ المعاملات الرِّبوية مُحاربةٌ لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم , ومن أسباب غضب الله وعقابه .
كما قال الله عز وجل : (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ )) [38].
وقال عزَّ وجل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)) , ولِمَا تقدَّم من الحديث الشريف .
***
شراء وبيع أسهم الشركات : الفتوى رقم 6823 في 12/4/1404هـ.
السؤال : هل يجوز المساهمة بالشركات والمؤسسات المطروحة أسهمها للاكتتاب العام , في الوقت الذي نحن يُساورنا في الشكِّ من أنَّ هذه الشركات أو المؤسسات تتعامل بالرِّبا في معاملاتها , ولم نتأكد من ذلك , مع العلم أننا لا نستطيعُ التأكُّدَ من ذلك , ولكن كما نسمع عنها من حديث الناس ؟ .
الجواب : الشركاتُ والمؤسساتُ التي لا تتعامل بالرِّبا وشيء من المحرَّمات يجوز المساهمة فيها , وأما التي تتعامل بالرِّبا وشيء من المحرَّمات فيحرمُ المساهمة فيها , وإذا شكَّ في أمر شركة ما , فالأحوطُ له أن لا يُساهمَ , أخذاً من الحديث : ((دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ))[39], وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
المساهمة في الشركات والبنوك : سُئل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء رحمه الله تعالى : ( فتاوى ورسائل سماحته ص474 ) .
السؤال : سُئل الشيخ : عن المساهمات في الشركات والبنوك ؟ .
الجواب : فقال الشيخ - رحمه الله - : ( المساهمات كلُّها محل ريبة , لا يُساهم الإنسان في أيِّ شركة من الشركات إلاَّ على طريقة المضاربة بنسبة من الربح ) .
***
شراء وبيع الأسهم : الفتوى رقم 4016 ج13/320-321 .
السؤال : حكم شراء الأسهم بأكثر من رأس المال , وقد اشتريتُ بعض الأسهم وبعتها بأكثر من الشراء , فما حكم التصرُّف فيها ؟ علماً بأنه يوجد عندي بعض الأسهم ؟ .
الجواب : إذا كانت هذه الأسهم لا تُمثِّلُ نقوداً تمثيلاً كلياً أو غالباً , وهي معلومة للبائع والمشتري جاز بيعها وشراؤها , لعموم أدلة جواز البيع والشراء , وإنما تُمثِّلُ أرضاً أو سيارات أو عمارات ونحو ذلك , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
شركة الأسمدة العربية السعودية ( سافكو ) : ( مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - مفتي المملكة , ورئيس القضاة , والشئون الإسلامية - رحمه الله تعالى ج6/167-168 ) .
قال رحمه الله تعالى : (فقد اطلعنا على قرار مجلس إدارة شركة الأسمدة العربية السعودية ( سافكو) المنشور في الصحف المحلية، ومنها جريدة الرياض رقم 876 وتاريخ 28/12/1387هـ ووُجد من ضمنه ما يتعلق بالاقتراض ، وأن الشركة اقترضت من البنوك ما يزيد على 22 مليون دولار , إلى أن قال : وبمجرد استلام الشركة لهذه الأموال باشرت في استثمارها لدى البنوك المحلية والأجنبية ، ريثما يحين موعد دفعها للشركات المتعاقد معها ، وحققت الشركة منذ بدايتها حتى تاريخ 31 ديسمبر 1976 مبلغ 6838245 .(4/48)
ولا يخفى أن مثل هذه الشركة التي ساهم فيها أناس كثيرون من المواطنين، الذين يرغبون الكسب الحلال ولا يقصدون الرِّبا بوجه من الوجوه، ومرابات الشركة بأموالهم تجعل كسبهم خبيثاً حراماً , فلهذا يتعين على الشركة اجتناب هذه المعاملات الرِّبوية الخبيثة , وسنكتب على هذا كتابة مستوفاة فيما بعد ، وإنما أردنا التنبيه على هذا بصورة مستعجلة استجابة لمراجعة الذين استنكروا هذا من المواطنين ، نستنكر هذا ، ونرجو من المسئولين ملاحظة ذلك بصورة مستمرة , والله الموفق , والسلام عليكم .
مفتي الديار السعودية
***
شركة جمعية التموين المنزلي : قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى : ( مجموع فتاوى سماحته ج7/160-167).
(فقد سمعنا نبأ تأسيس شركة باسم ( جمعية التموين الْمنْزلي ) لموظفي الدولة بالرياض , وقد اتصل بنا بعض الإخوان من طلبة العلم والمنتسبين إليه ، وأطلعونا على صورة من اللائحة النظامية لهذه الجمعية ، فجرى منا دراستها .
ونأسفُ أن تكون مشتملة على مواد لا يُقرُّها من رضي الله رباً, والإسلام ديناً, ومحمداً صلى الله عليه وسلَّم نبياً، كما أننا نستغرب أن تكون صادرة من أهل الفطرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون , وإنَّ في هذا والله لشيء من الإعراض ونسيان آيات الله ، قال الله تعالى : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)) (طه:124-127) .
ونحن إذ نأسف على هذا وننكره بألسنتنا وأقلامنا وقلوبنا .. نفيد بملاحظاتنا فيما يأتي :
أولاً : جاء في المادة الرابعة من الأحكام المالي ما نصه : يدفع كل عضو في الجمعية رسم خدمة بالنسبة للقروض التي يستلفها من الجمعية ، وتحدد الجمعية قيمة هذه العمولة . أ.هـ .
وملاحظتنا على المادة من حيث الاشتراط في القرض : إذ أنَّ الغرض من القرض : الإرفاق والقربة ، والاشتراط على المقترض أن يدفع رسم خدمة بالنسبة للقرض التي يستلفه من الجمعية يُخرجه عن أصله المشروع إلى أنواع الرِّبا ، إذ قد أجمع العلماء على تحريم كل شرط في القرض جرَّ نفعاً ، قال ابن المنذر رحمه الله : (أجمعوا على أنَّ المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك , أنَّ أخذ الزيادة على ذلك رباً ) أ.هـ[40].
وسواء كانت الزيادة في القدر أو الصفة ... وعن أبي بردة ابن أبي موسى قال : قدمتُ المدينةَ فلقيتُ عبدَ الله بنَ سلامٍ ، فقالَ لي : (إنكَ بأرضٍ فيها الرِّبا فاشٍ ، فإذا كانَ لَكَ على رجلٍ حَقٌّ فأَهدَى إليك حِمْلَ تِبْنٍ , أو حِمْلَ شَعيرٍ , أو حِملَ قَتٍّ فلا تأخذه فإنه رباً) رواه البخاري في صحيحه [41].
ثانياً : جاء في المادة الثالثة من الأحكام المالية الفقرة (ب) التي هذا نصها : تدفع الجمعية عمولة على التوفيرات ، لا تزيد نسبتها على 3% سنوياً ، وذلك في حالة الوديعة , لأجل هذه المادة باطلة من أساسها ، وهي تشتمل على الرِّبا الصريح المحرَّم شرعاً في كتاب الله تعالى ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلَّم , قال الله تعالى : (( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )) .
وقال تعالى : (( يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)) .. وقال صلى الله عليه وسلَّم فيما رواه عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه : (( درهمُ رباً يأكله الرجلُ وهو يعلمُ أشدّ من ستة وثلاثين زنية )) رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح[42].
ولا شك أنَّ ما تعنيه هذه المادة هو عينُ الرِّبا بقسميه : ربا الفضل , و ربا النسيئة , بيان ذلك : أن العضو في الجمعية يُسلم مبلغاً من المال كألف ريال (1000) مثلاً ، فإذا طلبه بعد عام سلَّمته له بزيادة قدرها ثلاثون ريال, فربا الفضل في هذا : أنه سلَّمها ألفاً وسلَّمته ألفاً وثلاثين ريال (1030).
وربا النسيئة : أنه سلَّمها ألفاً في الحال ، وسلَّمته إياه بزيادة بعد عام, يتضح بطلان هذا وأنه هو الرِّبا الصريح بقسميه من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها : ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم قال : ((الذَّهَبُ بالذَّهبِ, والفضةُ بالفضةِ, والبُرُّ بالبُرِّ , والشعيرُ بالشعيرِ , والتَّمرُ بالتَّمرِ , والمِلْحُ بالملح , مِثْلاً بِمِثْلٍ , سواءً بسوَاءٍ , يَداً بيدٍ , فإذا اختلفت هذه الأصنافُ فبيعوا كيفَ شئتم , إذا كانَ يداً بيدٍ )) رواه أحمد ومسلم [43]ونعتقدُ أنَّ وضوح ما ذكرنا يُعفينا من الاسترسال في استقصاء الأحاديث وأقوال العلماء .
ثالثاً : جاء في المادة الثانية من القسم (هـ) ما نصُّه : تُحال جميع الخلافات التي تتعلق بأعمال الجمعية تفسير هذه اللائحة والقائمة بين الأعضاء الذين يدَّعون بالنيابة عنهم , أو بين الأعضاء الحاليين والأعضاء السابقين الذين يدَّعون بالنيابة عنهم من جهة واحدة , والجمعية ومجلس الإدارة من جهة أخرى : إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية , التي تفصلُ في الخلافات أو تُحيله إلى مُحَكِّمٍ واحد أو أكثر للفصل فيه ، ويكون القرار الذي تُصدره وزارة العمل والشئون الاجتماعية أو المحكِّم والمحكمون المقترن بوزارة العمل قطعياً غير قابل للاستئناف .
إننا قبل أن نستنكرَ هذا ، ونبين أنه صريحُ الإعراض عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم ، نتساءلُ : مَن أولئك الحكَّام الذي سيفصلون فيما يَحدث من مشاكل في هذه الشركة من أمثالها ؟ ومع هذا تكون أحكامهم قطعية غير قابلة للاستئناف ، ولا للتمييز ؟ إنهم قانونيون ، قد يكونوا عرفوا بعض أشياء ، ولكن ليس منها قطعاً أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم , فإنا لله وإنا إليه راجعون ((رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا )) (آل عمران:8) .
لو سمعنا بهذا خارج بلادنا لكان منا الاستنكار والاستياء ، ولكن ما الذي يكون منا إذا كان هذا الأمر في عقر دورنا ، ومن أبناء لا نزال نعتقد فيهم بقية باقية من الفطرة السليمة ، والتمسك بتحكيم الشريعة ، إن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم : (( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) (النساء:59).
ويقول أيضاً : ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)) (النساء:65).
ويقول تعالى : (( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) (المائدة:44) .
(( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (المائدة:45).
(( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (المائدة:47) .
ويقول تعالى : (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة:50).(4/49)
ويقول تعالى : (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً)) (النساء:60) .
قيل : نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما : نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وقال الآخر : نترافع إلى كعب بن الأشرف , ثم ترافعا إلى عمر ، فذكر القصة ، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلَّم : أكذلك ؟ قال : نعم , فضربه بالسيف فقتله[44].
ولا يخفى .. أنَّ التحاكم إلى غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم جريمةٌ كبرى، وَصَفَ الله أصحابها بالكفر والظلم والفسوق ، ولا شكَّ أنَّ ما نصَّت عليه المادة المذكورة هو عينُ التحاكم إلى الطاغوت .. ) انتهى .
***
شركة اتحاد الاتصالات : سُئل شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي وفقه الله تعالى ( صدرت هذه الفتوى من مكتب فضيلته برقم 210/26/ف في 11/5/1426هـ ) .
طَرَحَتْ شركة اتحاد الاتصالات مؤخراً خدمة الاشتراك في الهاتف النقال , علماً بأنَّ الشركة ستقدِّم - بحسب ما أعلنته - ما يلي :
أولاً : استقبال القنوات الفضائية عبر جهاز النقال والتي لا يخفى على فضيلتكم ما تحمله هذه القنوات الفضائية من شرور وأضرار على الأفراد والمجتمعات لا سيما الشباب والفتيات الذين تستهويهم هذه الخدمة ؟ .
ثانياً : مشاهدة المتصل للطرف الآخر والعكس , وما تحمله هذه الخدمة من فتح باب من أبواب الشرِّ لا يعلم ضرره وآثاره إلا الله تعالى .
ثالثاً : قيام الشركة بتوظيف النساء , وفتح باب لغيرها من الشركات أن تحذو حذوها , وما قد يحمله ذلك من وجود اختلاط الرجال بالنساء ؟ .
فهل يجوز الاشتراك في هذه الشركة ؟ .. واستعمال خدمة الجوال الذي تطرحه ؟ .
الجواب : فإذا كان حال شركة اتحاد الاتصالات كما ذكر السائل : تستقبل القنوات الفضائية عبر جهاز النقال بما تحمله هذه القنوات الفضائية من شرور وفتن وعريٍّ للرجال والنساء , وكذلك مشاهدة المتصل للطرف الآخر والعكس , فلا شكَّ أنَّ في هذا من الأضرار العظيمة ما لا يعلمه إلا الله من القضاء على الحشمة والأخلاق والستر والعفاف, وكذلك قيام الشركة بتوظيف النساء للرَّدِّ على المتصلين , وما قد يتسبب من ذلك من اختلاط الرجال بالنساء مما يكون سبباً لوقوع الفواحش والمنكرات لهذه الأمور المذكورة .
فلا يجوزُ الاشتراك في هذه الشركة , لأنَّ هذا من التعاون على الإثم والعدوان , قال الله تعالى : ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) .
ولا يجوزُ استعمال خدمة الجوال الذي تطرحه بحيث يُشاهد المتصل للطرف الآخر وبالعكس , لأنه وسيلة إلى مشاهدة النساء الذي هو سبب في الفتنة والفساد , والشريعة جاءت بسدِّ الذرائع ([45]) .
والوسائل الموصلة إلى الباطل , كما قال الله تعالى : ((وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)) (الأنعام:108) .
وإنني أُناشدُ شركة اتحاد الاتصالات أن تتقي الله تعالى وأن تعدل عمَّا أعلنته : من توظيف النساء , واستقبال القنوات الفضائية عبر جهاز النقال , وكذا مشاهدة المتصل للطرف الآخر والعكس , درءاً للفتنة , ومنعاً لأسباب الشرِّ والفساد .
أسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية من الفتنة وأسبابها , والثبات على الدين والاستقامة عليه , إنه وليُّ ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلَّم وبارك على عبدالله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
كتبه / عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
***
المساهمة في الشركات التي تُؤمِّن عند البنوك : الفتوى رقم 8715 ج13/408-409 .
السؤال : التأمين لدى البنوك بفائدة , أو الأخذ منها بفائدة , هذا حرامٌ ورباً , والمساهمة بالشركات الوطنية : مثل : شركة الإسمنت , شركة الكهرباء , شركة الغاز , الشركة الزراعية في حرض , الشركة الزراعية في حائل , الشركة الزراعية في القصيم , شركة سابك بالجبيل , شركة الأسماك , جميع هذه الشركات تُؤَمِّن عند البنوك ما تحصل عليه من المساهمين , وتأخذ عليها فائدة بنسبة تتراوح من 8 % إلى 6 % سنوياً , ولم تُمنع من الجهمية الرسمية , فهل المساهمة بهذه الشركات حرام ؟ علماً بأنها لم تُؤسَّس للرِّبا , أفيدونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً .
الجواب : إذا كان الواقعُ كما ذكرتَ , فإيداعُ أموال هذه الشركات في البنوك بفائدة حرامٌ , ولو لَمْ تُؤَسَّس هذه الشركات للتعامل بالرِّبا , لأنَّ الاعتبار بالواقع لا بالتأسيس .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
المساهمة في شركات التأمين : الفتوى رقم 1526 مجلة البحوث ج18/78-79 .
السؤال : رجلٌ يقولُ بأنَّ عندهم شركات مساهمة خاصة بالأعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول , ويحقُّ للمواطن المساهمة فيها هو وأفراد عائلته , فما الحكم الشرعي في ذلك ؟ .
الجواب : يجوزُ للإنسان أن يُساهمَ في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالرِّبا, فإنْ كان تعاملها بالرِّبا فلا يجوزُ ذلك, لثبوت تحريم التعامل بالرِّبا في الكتاب والسنة والإجماع, وكذلك لا يجوزُ للإنسان أن يُساهم في شركات التأمين التجاري, لأنَّ عقود التأمين مشتملة على الضَّرَر والجَهَالَةِ والرِّبا, والعقود المشتملة على الضَّرَرِ والجَهَالَةِ والرِّبا محرَّمةٌ في الشريعة الإسلامية .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
التأمين التجاري والتأمين التعاوني : ( بيان من اللجنة الدائمة حول التأمين التجاري والتأمين التعاوني ) الفتوى رقم 19406 ج15/266-269 .
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد : فإنه سَبَقَ أن صَدَرَ من هيئة كبار العلماء قرارٌ بتحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه , لِمَا فيه من الضَّرَرِ والمُخاطرات العظيمة, وأكل أموال الناس بالباطل, وهي أمورٌ يُحرِّمها الشرعُ المطهَّر, وينهى عنها أشدَّ النهي , كما صَدَرَ قرارٌ من هيئة كبار العلماء بجواز التأمين التعاوني وهو الذي يتكون من تبرعات المحسنين , ويُقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب, ولا يعودُ منه شيءٌ للمشتركين, لا رؤوس أموال ولا أرباح ولا أي عائد استثماري, لأنَّ قصد المشترك ثواب الله سبحانه وتعالى بمساعدة المحتاج , ولم يقصد عائداً دنيوياً , وذلك داخلٌ في قوله تعالى : ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) وفي قول النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم : (( واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ))[46], وهذا واضحٌ لا إشكال فيه .(4/50)
ولكنْ ظهرَ في الآونة الأخيرة من بعض المؤسسات والشركات تلبيسٌ على الناس , وقلبٌ للحقائق, حيث سَمَّوا التأمينَ التجاري المحرَّم تأميناً تعاونياً , ونسبوا القول بإباحته إلى هيئة كبار العلماء من أجل التغرير بالناس والدِّعاية لشركاتهم[47], وهيئة كبار العلماء بريئةٌ من هذا العمل كلَّ البراءة, لأنَّ قرارها واضحٌ في التفريق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني, وتغيير الاسم لا يُغيِّر الحقيقة, ولأجل البيان للناس, وكشف التلبيس, ودحض الكذب والافتراء, صَدَرَ هذا البيان , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء , ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
***
التأمين الصحِّي : الفتوى رقم 19399 ج15/292-294 .
السؤال : بعض المؤسسات والشركات الأهلية تكفل العلاج الطبي لموظفيها وأُسرهم , ومن أجل ذلك تتفق مع بعض المستشفيات الأهلية لتأمين هذا العلاج , وتكون صورة الاتفاق كالتالي :
1- تدفع المؤسسة للمستشفى مبلغاً شهرياً عن كلِّ شخص قدره 100 مائة ريال فقط , بغضِّ النظر عن عدد الزيارات التي يتردَّدُ بها المريض على المستشفى لتلقِّي العلاج .
2- يتولَّى المستشفى علاج الأشخاص وصرف الأدوية اللازمة لهم , وإجراء بعض العمليات الجراحية إنْ لزمَ الأمر .
ومن المعلوم أنه في بعض الأشهر يُنفقُ المستشفى على علاج الشخص أكثر من 100 مائة ريال , وخاصة إذا أُجريت له عملية جراحية أو نحوها , وأحياناً أُخرى قد لا يأتي الشخص إلى المستشفى , لأنه ليس مُحتاجاً لذلك , ومن ثمَّ فإنه لم يستهلك شيئاً من المائة ريال , أو استهلك جزءاً يسيراً منها , والسؤال هو :
أولاً : هل هذا التأمين الطبي جائز شرعاً , أو أنه من الشروط المبنية على الجَهالَة والغرر ؟ .
ثانياً : هل هذا يدخل في باب الجعالة الجائزة شرعاً , كما قال بذلك بعض الباحثين في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة , العدد 31 ؟ .
ثالثاً : ما صورة التأمين الطبي التعاوني الجائزة شرعاً ؟ .
الجواب : ما ذُكر في السؤال هو من التأمين التجاري المحرَّم , لِما فيه من الغَرَر والجَهالة , وأكل أموال الناس بالباطل , والتأمين التعاوني الجائز هو : أن يُوضع صندوقٌ تُجمعُ فيه تبرُّعات المحسنين لمساعدة المحتاجين للعلاج أو غيره , ولا يعودُ منه كسبٌ ماليٌّ للمُتبرِّع , وإنما يُقصد به مساعدة المحتاجين , طلباً للأجر والثواب من الله تعالى .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
الفتوى رقم 4560 ج15/295-296 .
السؤال : ما حكمُ الشرع في التأمين على الصحَّةِ , وذلك بأن يَدفع المؤَمَّن عليه مبلغاً شهرياً أو سنوياً إلى شركة التأمين مُقابل أن تقوم الشركة بعلاج المُؤَمَّنُ عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك على حسابها , علماً بأنه إذا لم يكن هنالك حاجة لعلاج المُؤَمَّنُ عليه فإنه لا يستردُّ ما دفعه من تأمين ؟ .
الجواب : إذا كان واقع التأمين الصحِّيُّ كما ذكرتَ لم يَجُز , لِمَا فيه من الغَرَرِ والمُخاطرة , إذ قد يَمرضُ المُؤَمِّنُ على صحته كثيراً , ويُعالَجُ بأكثرَ مما دَفَعَ للشركة , ولا تلزمه الزيادة , وربما لا يَمرضُ مُدَّة شهر أو شهرين مَثَلاً , ولا يُرَدُّ إليه مما دفعه للشركة , وكلُّ ما كان كذلك فهو نوعٌ من المُقامَرةِ .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
التأمين على الرخصة : سُئل سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى ( 809 قضية تهم المسلم ورأي العلماء فيها ) .
السؤال : ماذا تقولون فيما تقوم به الشركة الوطنية للتأمين التعاوني في التأمين على الرخصة الخاصة ، بحيث تتكفل بمسؤولياتك تجاه الغير ، نتيجة حادث سيارة ، لغاية ثلاثة ملايين ريال على أن تدفع لها اشتراك 365 ريال في السنة ، وجزاكم الله خيراً ؟ .
الجواب : هذا العقد التأميني حرامٌ ، لأنه من الميسر[48].
***
ما يحكمُ به القانون من تأمين في حوادث السيارات : الفتوى رقم 2759 ج15/249-250 .
السؤال: ما رأي الإسلام في التأمين على السيارات ضدَّ الحوادث , وإذا حدث حادث وكان الطرف الثاني هو المتسبِّبُ فيه , وحكَمَ لي القانون بغرامة , فهل يجوز أخذها ؟ .
الجواب : التأمين على السيارات من التأمين التجاري , والتأمين التجاري محرَّم , لِما يشتمل عليه من الرِّبا والغرر والجهالة وغير ذلك من مبرِّرات التحريم , فلا يجوزُ لك أخذ ما حكم لك به القانون بناء على التأمين , ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه , كما قال سبحانه : (( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
الاشتراك في بطاقات التخفيض لدى المستشفيات والمستوصفات : الفتوى رقم 18017 ج15/271-274 .
السؤال : سُئلت اللجنة الدائمة ما ملخَّصه : نريد أن نعمل في مستوصفنا الطبي برنامج مخفَّض لعلاج المترددين على المستوصف طوال السنة بالصيغة التالية : يدفع المشترك في البرنامج مبلغاً معيناً تُقرِّره الإدارة , والذي يشمل إجراء الكشف الطبي كلّما أراد المشترك طوال مدة الاشتراك , وذلك إلى ثلاث مرات في الشهر إذا دعت الحاجة , بالإضافة إلى المميزات التالية : حصوله على خصم 5 % على الأدوية , وحصوله على خصم 15 % على العمليات الجراحية , وحصوله على خصم 20 % على التحاليل الطبية , وحصوله على خصم 5 % على تركيبات الأسنان , وقيمة البرنامج للشخص الواحد 580 ريالاً , وإذا اشتركَ وأسرته يكون بـ 475 ريالاً في السنة على الشخص الواحد .
وكذلك لدينا برنامج متابعة الحمل , من أول الحمل إلى موعد الولادة بمبلغ 800 ريالاً , وبمثل ما مضى تقريباً , وكذلك لدينا برنامج الطفل بمبلغ 490 ريالاً عن السنة الواحدة وبمثل ما مضى , فهل يجوز هذا العمل , والاشتراك فيه ؟ .
الجواب : هذا العمل نوعٌ من أنواع التأمين التجاري الصحي , وهو محرَّم , لأنه من عقود المقامرة والغَرَر , فالمبلغ المدفوع من المستأمن ليحصل به على خصم مدَّة سنة أو أكثر أو أقل , قد لا يستفيدُ منه مطلقاً , لعدم حاجته إلى المستوصف تلك المدَّة , فيغرم بهذا ماله ويغنمه المستوصف , وقد يستفيد منه كثيراً , ويفوق ما دفعه مضاعفاً , فيغنم ويغرم المستوصف , فالغانمُ منهما كاسبٌ في رهانه , والغارمُ خاسرٌ فيه . وهذا العملُ عينُ المقامرة المحرَّمة بنصِّ الكتاب , قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (المائدة:90) .(4/51)
والمالُ في هذا كله مغرَّر به , وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرَر[49], وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالله بن غديان عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
الاشتراك في بطاقات التخفيض[50], كبطاقة المعلِّم : الفتوى رقم 19558 ج15/16-17 .
السؤال : حكم بطاقة المعلِّم , والتي يُؤخذ عليها رسوم معينة , من أجل حصوله على تخفيضات من بعض الفنادق والمستشفيات والمراكز والمحال التجارية ؟ .
الجواب : بطاقة المعلِّم على هذا النظام المذكور , وهو : أخذُ الرسوم عليها , غيرُ جائزة شرعاً[51], لِمَا فيها من الغَرَر وأكل المال بالباطل , وبناءً على ذلك : فلا يجوزُ إصدارها , ولا التعامل بها .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
المساهمة في شركة الراجحي المصرفية : الفتوى رقم 18670 في 5/3/1417هـ .
السؤال : ساهمتُ في شركة الراجحي المصرفية عند تأسيسها بمبلغ وقدره 3500 ريال , قيمة 35 سهم , والآن أصبحت قيمة الأسهم حوالي 50000 ريال , وقد صَرَفت الشركة أرباحاً للمساهمين على السنوات الماضية , فهل الزيادة في قيمة هذه الأسهم والأرباح التي صُرفت جائزة , أم أنها غير جائزة ؟ أفتونا .
الجواب : إذا كانت هذه الشركة التي ساهمتَ فيها لا تتعامل بالحرام من الرِّبا وغيره فأرباحها حلالٌ لك , وإن كانت تتعامل بالحرام فالمساهمة فيها لا تجوز , وأرباحها حرامٌ , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
شراء الأسهم من شركة الراجحي : الفتوى رقم 19018 ج14/351-352 .
السؤال : اشتريتُ عدَّة أسهم من شركة الراجحي المصرفية للاستثمار , وأريد بيعها الآن , والسؤال : ما حكم شراء الأسهم من هذه الشركة , وما حكم بيعها , وهل يجوز أن أتعامل مع الشركة المذكورة بشراء أسهم أو بيعها ؟ .
الجواب : إذا كانت الأسهم أسهماً تجارية , عبارة : عن نقود يُباع بها ويُشترى طلباً للربح , فلا يجوزُ بيعها , لأنه يكون بيع نقود بنقود غائبة , وغير متساوية , وذلك هو الرِّبا بنوعيه : التفاضل والنسيئة .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
شراء أسماء الغير للمساهمة بها : مجلة الحسبة ( العدد 59 عام 1425هـ ) .
سُئل فضيلة شيخنا صالح بن فوزان الفوزان وفقه الله تعالى :
السؤال : ما حكم شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك ؟.
الجواب : شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك هو من التزوير المحرَّم ، فلا يجوز فعله ، والثمن الذي يأخذه صاحب الاسم حرامٌ عليه ، والكسب الذي يحصل عليه مشتري الأسماء حرامٌ عليه أيضاً ، ثمَّ الشركات المساهمة الغالب عليها أن تشتغل بالرِّبا ، فلا يجوزُ المساهمة فيها ، وكذلك البنوك هي مؤسسات ربوية فلا تجوز المساهمة فيها .
***
الصناديق الاستثمارية في البنوك المحلِّية : الفتوى رقم 21406 في 23/3/1421هـ .
السؤال : هناك عدد من الصناديق الاستثمارية في البنوك المحلية والتي تقول : أنها تعمل وفق الشريعة الإسلامية من خلال تجارة المرابحة , حيث يتم شراء سلع غير محرَّمة شرعاً , مثل : المعادن , الزيوت النباتية , والسيارات , وغيرها , والمُتاجرة فيها , وتُساهم في رأس مال الصندوق عدد من الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية , والتي يغلب على أنشطتها التجارية في المواد غير المحرَّمة شرعاً كما سبق ذكره , فما حكم الاشتراك في هذه الصناديق ؟ علماً بأنها تأخذ 10 % من الأرباح نظير أتعابها , علماً أنها لا تضمن الربح ؟ .
الجواب : استثمر مالَكَ استثماراً شرعياً في غير البنوك , لأنَّ البنوك أساساً قائمة على التعامل الرِّبوي , فلا يُصدَّقون في قولهم : إنهم يستثمرون الأموال استثماراً شرعياً , لأنَّ العبرة بغالب أحوالهم فلا يُوثق بهم , كما أنَّ التعامل مع هذه البنوك الرِّبوية فيه تشجيعٌ لهم , وإعانة لهم على الاستمرار في معاملاتهم المحرَّمة , وكل ذلك يشمله النهي المنصوص عليه في قول الله تعالى : (( وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله الغديان عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
***
شهادات الاستثمار : الفتوى رقم 6605 في 10/2/1404 هـ .
السؤال : عندنا أيضاً في بلدي ما يُسمَّى بشهادات الاستثمار التي تُباع في البنوك وهي بدون فوائد ، أي : لو اشتريت شهادة ثمَّ أردت أن أردها ولو بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل فهي ترد بنفس السعر الذي اشتريت به ، وبعد ذلك يقوم الكمبيوتر بسحب رقم من أرقام الشهادات المباعة في البلاد ويكون هذا هو الفائز الأول ، ويوجد فائز ثاني وثالث إلى أكثر من (400) فائز، ويحصل الفائز الأول على عشرين ألف جنيه قيمة الجائزة ، فأريد أن أعرف أنه لو اشتريت من هذه الشهادات ثمَّ كنتُ من أحد الفائزين فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ أم لا ؟ وهل أكون مرتكب إثم ؟ .
الجواب : ما ذكرته في سؤالك مما يتعلَّق بشهادة الاسثتمار نوع من أنواع القمار - اليانصيب - وهو محرَّمٌ ، بل من كبائر الذنوب بالكتاب والسنة والإجماع .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
صندوق التوفير : الفتوى رقم 2923 في 8/4/1400 هـ .
السؤال : هل يجوزُ للإنسان أن يُودع أمواله في صندوق التوفير ؟ .
الجواب : لا يجوزُ وضع أمواله في البنك أو في صندوق التوفير أو عند تاجر أو نحو ذلك بفائدة مُعيَّنة أو نسبة معلومة من رأس ماله كسبعة أو تسعة في المائة من رأس المال ، لأنه رباً ، وقد ثبتَ تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع ، ولا يجوزُ أيضاً إيداعه فيما ذُكر أو نحوه بلا فائدة عندَ مَنْ يتعامل بالرِّبا لِما في ذلك من التعاون معه على المحرَّم إلا إذا اضطر إلى إيداعه لخوف سرقته أو غصبه مثلاً فيجوزُ بلا فوائد .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
الاقتراض من أجل المساهمة في الشركات : سُئل سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ( س911 مجموع فتاوى سماحته ج18/112-113 ) .
السؤال : ما حكم المساهمة مع الشركات ؟ وما حكم الاقتراض لشراء الأسهم ؟.(4/52)
الجواب : وضع الأسهم في الشركات فيه نظر ، لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية ، أو شبه أجنبية , ويأخذون عليها أرباحاً ، وهذا من الرِّبا ، فإن صحَّ ذلك فإنَّ وضع الأسهم فيها حرامٌ ، ومن كبائر الذنوب , لأنَّ الرِّبا من أعظم الكبائر ، أما إن كانت خالية من هذا , فإنَّ وضع الأسهم فيها حلالٌ إذا لم يكن هناك محذورٌ شرعي آخر .
وأما استدانة الشخص ليضع ما استدانه في هذه الأسهم فإنه من السَّفَهِ، سواء استدان ذلك بطريق شرعي كالقرض، أو بطريق ربوي صريح، أو بطريق ربوي بحيلة يُخادع بها ربَّه والمؤمنين، وذلك لأنه لا يدري هل يستطيع الوفاء في المستقبل أم لا، فكيف يشغل ذمته بهذا الدَّين ، وإذا كان الله تعالى يقول : ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (النور:33).
ولم يُرشد هؤلاء المُعدَمين إلى الاستقراض, مع أنَّ الحاجة إلى النكاح أشدّ من الحاجة إلى كثرة المال ، وكذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم لم يُرشد مَنْ لَمْ يستطع الباءة إلى ذلك ، ولم يُرشد من لم يجد خاتماً من حديد يجعله مهراً [52]إلى ذلك، فإذا كان هذا دلَّ على أن الشارع لا يُحبُّ أن يشغل المرء ذمته بالدِّيون، فليحذر العاقل الحريص على دينه وسُمعتِهِ من التورُّط في الدِّيون .. ) إلخ .
***
العمل في البنوك الحالية : الفتوى رقم 1338 ج15/38-39 .
السؤال : ما حكم العمل في البنوك الحالية ؟ .
الجواب : أكثرُ المعاملات في البنوك المصرفية الحالية يشتمل على الرِّبا , وهو حرامٌ بالكتاب والسنة وإجماع الأمة , وقد حَكَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم : بأنَّ من أعان آكل الرِّبا , وموكله , بكتابة له , أو شهادة عليه , وما أشبه ذلك , كان شريكاً لآكله وموكله في اللعنة والطرد من رحمة الله , ففي صحيح مسلم وغيره : من حديث جابر رضي الله عنه : ((لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم آكِلَ الرِّبا , ومُوكِلَهُ , وكاتِبَهُ , وشاهِدَيهِ , وقالَ : هُمْ سَوَاءٌ)) .
والذين يعملون في البنوك المصرفية أعوانٌ لأرباب البنوك في إدارة أعمالها : كتابة , أو تقييداً, أو شهادة , أو نقلاً للأوراق , أو تسليماً للنقود , أو تسلَّماً لها.. إلى غير ذلك مما فيه إعانة للمُرابي , وبهذا يُعرف أنَّ عَمَل الإنسان بالمصارف الحالية حرامٌ , فعلى المسلم أن يتجنَّب ذلك , وأن يبتغي الكسبَ من الطرق التي أحلَّها الله , وهي كثيرة , وليتق الله ربَّه , ولا يُعرِّض نفسه للعنة الله ورسوله , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن منيع عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
الأقسام الإسلامية في البنوك الرِّبوية : الفتوى رقم 5317 ج15/55-56 .
السؤال : هل هناك أقسام معيَّنة في البنك حلال كما يتردَّدُ الآن ؟ وكيف ذلك إذا كان صحيحاً ؟ .
الجواب : ليس في أقسام البنك الرِّبوي شيءٌ مُستثنى فيما يظهرُ لنا من الشرع المُطهَّر , لأنَّ التعاونَ على الإثم والعدوان حاصلٌ من جميع موظفي البنك .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
وسُئل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله تعالى - نائب رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء ( فتاوى ورسائل سماحته ص475 ) .
السؤال : سُئل الشيخ : بعض البنوك يُعلن عن نفسه أنه بنك إسلامي ولا يتعامل بالربا ؟ فهل يكفي هذا للإيداع فيه , أم لا بُدَّ من البحث والتأكُّد من صحة ذلك ؟ .
الجواب : فقال الشيخ - رحمه الله - : ( لا بُدَّ من التأكُّد والبحث عن كون البنك لا يتعامل بالرِّبا ) .
- - -
الإيداع في البنوك بدون فوائد : الفتوى رقم 1080 ج13/345 .
السؤال : هل إيداع النقود في البنك بفائدة أو بدون فائدة حرام ؟ والاقتراض من البنك بفائدة لحاجة الاستهلاك حرام , أو التجارة حرام ؟ .
الجواب : إيداعُ نقود في البنوك ونحوها تحت الطلب أو لأَجَلٍ مَثلاً بفائدة , مُقابل النقود التي أودعها حرامٌ , وإيداعها بدون فائدة في بنوكٍ تتعامل بالرِّبا فيما لديها من أموال محرَّم , لِمَا في ذلك من إعانتها على التعامل بالرِّبا , والتمكين لها من التوسُّع في ذلك , اللهم إلاَّ إذا كان مضطراً لإيداعها خشية ضياعها أو سرقتها , ولم يجد وسيلة لحفظها إلاَّ الإيداع في البنوك الرِّبوية , فربَّما كان له في إيداعها فيها رخصة من أجل الضرورة .
وأما إقراضُ البنك أو الاقتراضُ منه إن كان بفائدة ربوية فهو حرامٌ , سواء كان ذلك لحاجة الاستهلاك , أو كان للتنمية والاستثمار عن طريق التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو غيرها من طرق الإنتاج لعموم أدلة تحريم الرِّبا , وإن كان إقراض البنك من دون رباً فهو جائز , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن منيع عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
استلام الراتب عن طريق البنوك التي تتعامل بالرِّبا : الفتوى رقم 16501 ج13/288-289 .
السؤال : نحن من موظفي هذه الدولة والتي قامت على الشريعة الإسلامية السمحاء , أدام الله عزَّها وبقاءها , وفي الآونة الأخيرة بدأت إدارتنا بصرف رواتبنا الشهرية بشيكات على البنك الأهلي التجاري , وكثيراً ما تحدَّث مشايخنا جزاهم الله خيراً عن أنظمة هذه البنوك , مما أثار في نفوسنا الشك والريبة حيال قبولنا لطريقة هذا الصرف , لذا أردنا عرض هذا الموضوع على سماحتكم , راجين إفادتنا عن مدى تقبل صرف رواتبنا عن طريق هذا البنك أو ما يُماثله , مع وجود البديل لهذا دون أدنى مشقَّة , مثل صرفها نقداً عن طريق أمين الصندوق الموجود لدينا , أو عن طريق شركة الراجحي , علماً أنَّ العقد المبرم بين البريد والبنك الأهلي : أن يتمَّ إيداع صافي الرواتب في البنك خلال الأسبوعين الأولين من كل شهر , ويبدأ صرف الرواتب في 25 من كل شهر , أي : بعد 10 أيام من الإيداع ؟ .
الجواب : لا بأس بأخذ الرواتب التي تُصرف عن طريق البنك , لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك , لكن بشرط : أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الرِّبوي , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالله بن غديان عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
أخذ البنك مبلغ (10) ريال على صرف الراتب إذا كانت عن طريق غيره من البنوك : الفتوى رقم 16180 ج13/286-287 .(4/53)
السؤال : كثيراً ما تردنا أسئلة عن حكم أخذ البنوك مبلغ عشرة ريالات مقابل إعطاء الفرد راتبه , بمعنى : أنَّ الفرد يُعطى شيكاً براتبه من قبل الفرع المالي على بنك الرياض فرع المدينة العسكرية , ولكن لشدَّة الزحام لدى البنك , يذهب الفرد إلى بنك الراجحي أو البنك الأهلي بنفس الشيك , فيطلب منهم صرف راتبه , فيطلبون منه مبلغ عشرة ريالات مُقابل صرف راتبه من قبلهم , والبنك بدوره يسحب الراتب بموجب الشيك الذي سُلِّم له من قبل الفرد , آمل التكرُّم بالرفع لجهات الاختصاص لإعطائنا فتوى شرعية حول هذا الموضوع ؟ .
الجواب : هذا العملُ لا يجوزُ , بل هو من المعاملات الرِّبوية , لأنه بيعُ دراهم بدراهم مع الزيادة , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفيي عبدالعزيز بن باز
***
شراء الأراضي وتعميرها عن طريق البنوك : الفتوى رقم 19492 ج13/401 .
السؤال : بعض البنوك تنتهج سياسة تُسمَّى إسلامية , وهي : أنه يشتري الأرض بمعرفتنا , ويُسلِّمها لنا لقاء ضمانات وشروط ومدَّة معينة , وكذلك يتفق مع المقاول يُعمِّرها حَسَبَ رغبتنا , ولمدة سنة أو سنتين أو أكثر , وهو بدوره هذا يحسب له ربحاً سنوياً , وإن سدَّد المقترض قبل المدَّة يخصم له ربح بقية المدة , هل هذه الطريقة تُعتبر إسلامية ؟ وما تنصحون به حيالها .
الجواب : إذا كان البنكُ يشتري الأرض ويُعمِّرها لكم , ثمَّ يسترجع منكم ما دَفع ثمناً للأرض وتكاليف عَماره مع زيادة , فهذا رباً صريح , لأنه قرضٌ جرَّ نفعاً , وقد أجمعَ العلماءُ على أنَّ كلَّ قرضٍ جرَّ منفعةً فهو رباً[53] .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
شراء السيارات والبيوت من البنوك بالتقسيط : الفتوى رقم 21286 في 18/1/1421هـ .
السؤال : انتشر بين الناس الشراء من البنوك بالتقسيط مقابل الزيادة في سعر المبيع , علماً أنَّ البنك لا يملك السيارة أو العمارة , وليست عنده , وإنما يختارها المشتري من أحد المُلاَّك , ثمَّ يأتي إلى البنك يطلبها , والبنك يقوم بشرائها ودفع قيمتها النقدية , ويُسلِّمها للمشتري بالتقسيط بعد أن يُوقِّع العقد بينهما , ويلتزم بالشروط المطلوبة في التسديد , ويستلمها بعد ذلك .
والسؤال هو : هل يجوز هذا البيع ؟ لأننا نسمع منكم ومن العلماء ونقرأ في الحديث : أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع شيئاً إلاَّ إذا ملكه وحازه إلى رحله [54], والبنك في الواقع لم يملك هذه السيارة أو العمارة , ولم يشتريها لنفسه , وإنما اشتراها لهذا المشتري الذي طلبها بعينها بعدما طلبها على أنها له, ويحتجُّون بأنَّ المشتري ليس مُلْزَماً بشرائها لو عدل عنه , لكونهم يعلمون أنه عازم عليها , ولولا ذلك لم يشتروها ؟ , والسؤال الثاني : يشترط البنك على المشتري أنه لو عدل عن الشراء فإنه ملزمٌ بدفع ما يلحق البنك من نقص نتيجة عدوله عن الشراء , فهل هذا الشرط صحيح , ويدَّعي البنك أنَّ لديهم فتوى شرعية بذلك , وإذا كان لديه فتوى بذلك فهل هي شرعية أم احتيال على الله سبحانه , لأنَّ الحقيقة في هذه المعاملة : هي شراء نقد بنقد وزيادة, لكن تلك السيارة أو العمارة جُعلت واسطة لاستحلال الرِّبا بأدنى الحيل, أفتونا مأجورين, فإنَّ الأمر قد شاع وعظم انتشاره ؟ .
الجواب : لا يجوزُ التعاملُ بالمعاملة المذكورة , لأنَّ حقيقتها قرضٌ بزيادة مشروطة عند الوفاء , والصورة المذكورة ما هي إلا حيلة للتوصل إلى الرِّبا المحرَّم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة , فالواجبُ ترك التعامل بها طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله الغديان عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
***
الفتوى رقم 20838 في 2/3/1420هـ .
السؤال : هناك بنك يشتري كل ما أطلبه من أثاث أو قطعة أرض أو سيارة بشرط : أن أكون موظف , وأن أُحوِّل راتبي في ذلك البنك ولمدة خمس سنوات , وذلك ضماناً لحقه , فمثلاً : أذهب إلى ذلك البنك وأقول له : أُريد منك شراء سيارة , فيقول لي : اذهب إلى الشركة أو المعرض الذي توجد فيها السيارة التي تريدها , وأعطني من ذلك المعرض أو تلك الشركة ورقة رسمية مُبيَّن فيها قيمة السيارة , فإذا أحضرت الورقة , أعطاني شيك باسم تلك الشركة أو المعرض به قيمة السيارة , وبرفقته ورقة مكتوباً فيها : ادفعوا لحامل هذا الشيك سيارته, فإذا كان ثمن السيارة مائة ألف ريال , فإنه يُضيف عليها 7 % للسنة الواحدة مُقابل البيع الأجل , ولمدة خمس سنوات , فيصبح ثمن السيارة عليَّ في الأوراق الرسمية لدى البنك مائة وخمس وثلاثون ألف ريال .
وهناك مثال آخر : إذا أردتُ شراء قطعة أرض فإنه يطلب مني إحضار ورقة من مكتب العقار أُبيِّن فيها قيمة الأرض , ثمَّ يدفع إليَّ الشيك ويُضيف 7 % فائدة مقابل الأجل ولمدة خمس سنوات , فإذا كان ثمن الأرض مائة ألف ريال يُصبح عليَّ لذلك البنك 135 ألف ريال , هل هذا البيع نوعٌ من أنواع بيع السَّلَم , لأنه ضمن حقَّه مقدَّماً , ولمدة خمس سنوات , حيث أني موظف , وأخذ عليَّ أوراق وتعهدات بموجبها تحول راتبي تلقائياً لذلك البنك , فيأخذ كل شهر قسطه , ويترك لي الباقي , وهل هذا البيع جائز شرعاً أم لا ؟ .
الجواب : لا يجوزُ التعامل بالمعاملة المذكورة , لأنَّ حقيقتها قرض بزيادة مشروطة عند الوفاء , والصورة المذكورة مجرَّد حيلة , وإلا فهي معاملة ربوية محرَّمة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة , فيجب ترك التعامل بها طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم : ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله الغديان عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
***
وسُئل سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ( فتاوى معاصرة ص47-52 ) .
السؤال : لقد لوحظ أنَّ بعض الشركات : يأتي إليها الشخص وهو بحاجة إلى شراء أثاث أو سيارة أو منزل أو غير ذلك - وهي غير مملوكة لدى الشركة - فتقوم الشركة بشراء هذه الحاجة ثمَّ بيعها على هذا الشخص بالتقسيط مع أخذ الفوائد عليها , أو تُكلِّفه بشرائها , ثمَّ تقوم الشركة بتسديد المبلغ حَسَب الفواتير وتأخذ على هذا الشخص فائدة , فما الحكم ؟(4/54)
الجواب : من المعلوم أنَّ من استقرض مائة ألف ريال ليوفيها على أقساط مع زيادة 8 % لكلِّ قسط , وتزيد هذه النسبة كلَّما امتدَّ الأجل , أو لا تزيد , أنَّ هذا من الرِّبا , ربا النسيئة والفضل , وأنه يزداد قُبحاً إذا كان كلَّما امتدَّ الأجل ازدادت النسبة , وهذا من ربا الجاهلية الذي قال الله فيه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) (آل عمران:130-132) .
ومن المعلوم : أنَّ التحيُّلَ على هذه المعاملة تَحيُّلٌ على محارم الله , ومكرٌ , وخداعٌ لمن يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور , ومن المعلوم : أنَّ التحيُّلَ على محارم الله لا يجعلها حلالاً بمجرَّد صورةٍ ظاهرُها الحلال ومقصودُها الحرام .
ومن المعلوم : أنَّ التحيُّلَ على محارم الله لا يزيدُها إلا قبحاً, لأنَّ المُتحيِّلَ عليها يقعُ في محذورين :
المحذور الأول : الخداع , والمكر , والتلاعب بأحكام الله عزَّ وجل .
المحذور الثاني : مفسدة ذلك المحرَّم الذي تحيَّل إلى الوصول إليه , لأنها تحققت بذلك الحيلة .
ومن المعلوم : أنَّ التحيُّلَ على محارم الله تعالى وقوعٌ فيما ارتكبته اليهود , فيكونُ المُتحيِّلُ مُشابهاً لهم في ذلك , ولهذا جاء في الحديث : ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود , فتستحِلُّوا محارمَ الله بأدنى الحِيل)) [55].
ومن المعلوم للمتأمِّل المتجرِّد عن الهوى : أنَّ من قال لشخص يُريدُ سيارة : اذهب إلى المعرض وتخيَّر السيارة التي تُريد , وأنا أشتريها من المعرض ثمَّ أبيعها عليك مؤجلة بأقساط , أو قال لشخص يريد أرضاً : اذهب إلى المخطط وتخيَّر الأرض التي تريد وأنا أشتريها من المخطط ثمَّ أبيعها عليك مؤجلة بأقساط ...
أقول : من المعلوم للمتأمِّل المنصف المتجرِّد عن هوى النفس : أنَّ التعامل على هذا الوجه من التحيُّلِ على الرِّبا , وذلك لأنَّ التاجر الذي اشترى السلعة لم يقصد شراءها ولم يكن ذلك يدور في فكره , ولم يكن اشتراها من أجل الزيادة التي يحصل عليها منه في مقابلة التأجيل , ولهذا كلَّما امتدَّ الأجل كثرت الزيادة , فهو في الحقيقة كقول القائل : أُقرضك ثمن هذه الأشياء بزيادة ربوية مُقابل التأجيل , ولكنه أدخل بينهما سلعة , كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئل عن رجل باع من رجل حريرة بمئة ثمَّ اشتراها بخمسين , فقال : دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة .
قال ابن القيم رحمه الله 5/103 من تهذيب السنن : وهذا الرِّبا تحريمه تابعٌ لمعناه وحقيقته , فلا يزول بتبدل الاسم بصورة البيع . اهـ .
وأنت لو قارنت مسألة العينة بهذه المسألة لوجدت هذه المسألة أقرب إلى التحيُّل على الرِّبا من مسألة العينة في بعض صورها , فإنَّ العينة كما قال الفقهاء : أن يبيع سلعة على شخص بثمن مؤجل ثمَّ يشتريها منه نقداً بأقل , مع أنَّ البائع قد لا ينوي حين بيعها أن يشتريها , ومع ذلك يحرم عليه , ولا يُبرِّرُ هذه المعاملة قول البائع المتحيِّل : أنا لا أُجبره على أخذ السلعة التي اشتريتُها له , وذلك لأنه من المعلوم أن المشتري لم يطلبها إلاَّ لحاجته إليها وأنه لن يرجع عن شرائه, ولم نسمع أحداً من الناس الذين يشترون هذه السلع على هذا الوجه رجع عن شرائه, لأنَّ التاجر المتحيِّل قد احتاط لنفسه وهو يعلم أنَّ المشتري لن يرجع, اللهم إلا أن يجد في السلعة عيباً أو نقصاً في المواصفات .
فإن قيل : إذا كانت هذه المعاملة من التحيُّل على الرِّبا , فهل من طريق تحصل به مصلحة هذه المعاملة بدون تحيُّل على الرِّبا ؟ .
الجواب : أنَّ الله تعالى بحكمته ورحمته لم يُغلق عن عباده أبواب المصالح , فإنه إذا حرَّم عليهم شيئاً من أجل ضرره فتح لهم أبواباً تشتمل على المصالح بدون ضرر .
والطريق للسلامة من هذه المعاملة : أن تكون السلع موجودة عند التاجر فيبيعها على المشترين بثمن مؤجل ولو بزيادة على الثمن الحال , ولا أظن التاجر الكبير يُعجزه أن يشتري السلع التي يرى إقبال الناس عليها كثيراً ليبيعها إياهم بالثمن الذي يختاره فيحصل له ما يريد من الربح مع السلامة من التحيُّل على الرِّبا , وربما يحصل له الثواب في الآخرة إذا قصدَ بذلك التيسير على العاجزين على الثمن الحال , فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى )) ([56]) , وما ذكره السائل : من كون الشركة تُكلِّف المشتري بشراء السلعة التي يُريدها , فإن كانت تُريد أن يكون وكيلاً عنها في ذلك فهذه هي المسألة التي تكلَّمنا عنها , وإن كانت تريد أن يشتريها لنفسه فهذا قرضٌ جرَّ نفعاً , ولا إشكال في أنه رباً صريح .
***
من الحلول الشرعية في بيع السيارات : الفتوى رقم 17337 في 28/10/1414هـ .
السؤال : حضر عندي رجل وقال : أعطني مبلغ 23000 ثلاثة وعشرون ألف ريال , وبعد سنة أُعطيك سيارة داتسون غمارة واحدة موديل 94 , فهل هذا جائز , أم لا ؟ .
الجواب : يجوز أن تُقدِّم لشخص مبلغاً من المال على أن يَرد عليك مُقابله سيارة تنضبطُ بالوصف , ويكون ذلك من قبيل السَّلَم الذي هو : تعجيل الثمن وتأجيل المثمن , لأنَّ السيارة تنضبط بالوصف , ولكن يُشترطُ أن يقبض الثمن كاملاً في مجلس العقد , وأن يكون الأجلُ معلوماً , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفيي عبدالعزيز بن باز
***
شراء العملات والشيكات : سُئل سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ( فتاوى معاصرة ص46 ) :
السؤال : ما حكم شراء العملات الأجنبية من البنوك ؟ وإذا أراد شخص أن يشتري دولاراً أو غيره بريالات , هل يُشترط التقابض ؟ وهل الشيك من البنك يُعتبر قبضاً ؟ .
الجواب : شراء العُملات من البنوك أو غيرها جائز , لكن يُشترط أن يكون التقابض قبل التفرُّق , لأن العملات يجري فيها ربا النسيئة , فإذا تقابضا قبل التفرُّق فلا بأس .
أما الشيك : فلا نرى أنه تسليم , لأنه حَوالَة , بدليل : أنه لو استلم الشيك مثلاً فضاع منه , رَجَعَ على صاحبه الذي أعطاه إياه , ولم يقل إني قبضتك , فلا شيء لك , وعلى هذا : يقع في ربا النسيئة .
***
معنى ربا الفضل وربا النسيئة : الفتوى رقم 18612 ج13/330-331 .
السؤال : نرجو التفضُّل ببيان ربا الفضل وربا النسيئة , والفرق بينهما ؟ .
الجواب : ربا النسيئة مأخوذ من النسأ, وهو التأخير, وهو نوعان : الأول : قلبُ الدَّين على المعسر, وهذا هو ربا الجاهلية, فيكون للرجل على الرجل مالٌ مؤجَّل, فإذا حلَّ قال له صاحب الدَّين : إمَّا أن تقضي, وإما أن تربي , فإن قضاه وإلا زاد الدائن في الأجل وزاد في الدَّين مُقابل التأجيل , فيتضاعف الدَّين في ذمة المدين .
الثاني : ما كان في بيع جنسين اتفقا في علَّة ربا الفضل , مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما , كبيع الذهب بالذهب أو بالفضة , أو الفضة بالذهب مؤجَّلاً أو بدون تقابض في مجلس العقد .(4/55)
أمَّا ربا الفضل : فهو مأخوذٌ من الفضل , وهو : الزيادة في أحد العوضين , وجاءت النصوص بتحريمه في ستة أشياء , وهي : الذهب , والفضة , والبُر , والشعير , والتمر , والملح .
فإذا بِيعَ أحدُ هذه الأشياء بجنسه حَرُمَ التفاضل بينهما , ويُقاس على هذه الأشياء الستة ما شاركها في العلَّة , فلا يجوز مَثَلاً : بيع كيلو ذهب رديء بنصف كيلو ذهب جَيِّد , وكذا الفضة بالفضة , والبرُّ بالبُرِّ , والشعير بالشعير , والتمر بالتمر , والملح بالملح , لا يجوز بيع شيء منها بجنسه إلا مِثْلاً بمثل , سواءً بسواءٍ , يداً بيدٍ .
لكن يجوز بيع كيلو ذهب بكيلوين فضة إذا كان يداً بيد , لاختلاف الجنس , وقد قال صلى الله عليه وسلَّم : ((الذَّهَبُ بالذَّهبِ , والفِضَّةُ بالفِضَّةِ , والبُرُّ بالبُرِّ , والشَّعيرُ بالشَّعيرِ , والتَّمرُ بالتَّمرِ , والمِلْحُ بالمِلْحِ , مِثْلاً بِمثْلٍ , سَوَاءً بسَوَاءٍ , يَدَاً بيَدٍ , فإذا اختلَفَتْ هذه الأصنافُ فبيعُوا كيفَ شِئتُمْ , إذا كانَ يدَاً بيدٍ )) رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه[57].
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
بيع شهادة الزراعة : الفتوى رقم 12564 ج13/221-222 .
السؤال : أنا رجل مزارع عندي قمح قليل مقداره : رد واحد على سيارة قلابي عادي , وعندي شهادة من الزراعة إني مزارع , ثم أبيع زرعي على أخي في ثمن معلوم , مقداره 10000 ريال مثلاً , ثم أخي يأخذ مني الشهادة التي عندي من الزراعة , ويحط مع زرعي هذا القليل عيش كثير من مزرعته , يملأ سيارة كبيرة سكس أو عايدي أو تريلة , ثم يُسلمه لمطاحن الدقيق هو , وشهادة في اسمي , علماً أنني بايعه في المبلغ المذكور عشرة آلاف ريال 10000 , فهل هذا يجوز لي أم هذا من التحيُّل الممنوع , والكذب على الحكومة ؟ أرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن إن شاء الله , لأنَّ الحاجة إلى ذلك ماسة , وأكثر المزارعين واقعين في هذا , وحجتهم يقولون : ما فيه بأس , البائع يأخذ القيمة في سعر معلوم, والشاري تنفعه الشهادة , ولا على البائع مضرَّة .
الجواب : إذا كان الأمرُ كما ذُكر فلا يجوز , لِما فيه من الغشِّ والكذب .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
طباعة تعريف لمن سيأخذ سلفة من البنك : الفتوى رقم 15229 ج15/58-60 .
السؤال : أنا موظف بجامعة , قسم النسخ , ومن ضمن طبيعة عملنا الذي نقوم به : طباعة تعاريف لبعض منسوبي الجامعة , لغرض أخذ سلفة من بنك القاهرة , والذي تتعامل معه الجامعة في صرف الرواتب , علماً أنَّ البنك يأخذ من جراء هذه السلفة من العميل 10% فائدة ربوية فوق قيمة السلفة , فأرجو من سماحتكم توضيح الآتي :
1- ما حكم قيامي بنسخ هذا التعريف , وحكم من أعدَّه قبل نسخه ( علماً بأننا مجبورون على هذا العمل ) ؟ .
2- ما حكم المستفيد من هذا التعريف ؟ .
2- حكم عمل البنك ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب : لا يجوزُ هذا النسخ , ولا التعريف لصاحبه إذا كان المعرِّف والناسخ يعلم أن المكتوب له يستعينُ به على المعاملة الرِّبوية , لعموم الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أنه لعنَ آكل الربا , وموكله , وكاتبه , وشاهديه )) .
وقال : (( هم سواءٌ )) رواه مسلم في صحيحه , ولعموم قول الله عز وجل : (( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) .
وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
عبدالعزيز آل الشيخ صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفيي عبدالعزيز بن باز
***
قرار هيئة كبار العلماء في المسابقات التجارية : مضمون القرار رقم 162 وتاريخ 26/2/1410هـ .
( درس المجلس موضوع المسابقات التجارية بصفة عامة ، التي يُروَّجُ لها بواسطة بعض وسائل الإعلام ، أو بواسطة بعض المؤسسات التجارية كالتي سبق ذكرها آنفاً [58].
وبعد دراسة المجلس لموضوع هذه المسابقات التي لجأت إليها بعض الشركات والمؤسسات لطلب الحصول على الأموال الكثيرة دون مقابل اعتماداً على التغرير والخداع لعامة الناس ، وبعد اطلاعه على البحث المعد في الموضوع وتأمله للأدلة الشرعية التي تنصُّ على تحريم الميسر (القمار) لكلِّ معاملة فيها مقامرة أو تغرير أو أكل للمال بالباطل أو إضرار بالآخرين ، اتضح للمجلس تحريم مسابقة جاسابا الدولية ، ومسابقة ما يُسمَّى بالدولار الصاروخي ، ومسابقة مؤسسة رشا التجارية وأمثالها ، لِما تشتمل عليه هذه المسابقات من أكل أموال الناس بالباطل ، لأنَّ كل مشترك يدفع مبلغاً من المال مخاطرة ، وهو لا يدري هل يحصل على مقابل أم لا ، وهذا هو القمار ، ولِما فيها من التلاعب بعقول الناس والتغرير بهم ، وخداعهم ، وجميع هذه المسابقات من الميسر ، وهو محرَّم شرعاً كما في قول الله سبحانه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)) (المائدة:90-91) والله الموفق ، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
هيئة كبار العلماء
***
الجوائز المقدَّمة من الشركات والمؤسسات والمحلاَّت التجارية : فتاوى إسلامية ج2/365-366 .
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه .
أما بعد : فقد لوحظ قيام بعض المؤسسات والمحلاَّت التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعهم المعروضة , مما يُغري بعض الناس على الشراء من هذا المحل دون غيره , أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة , طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز .
وحيث أنَّ هذا نوعٌ من القمار المحرَّم شرعاً , والمؤدِّي إلى أكل أموال الناس بالباطل , ولِما فيه من الإغراء والتسبُّب في ترويج سلعته وإكساد سلعة الآخرين المماثلة ممن لم يُقامر مثل مُقامرته, لذلك أحببتُ تنبيه المسلمين على أنَّ هذا العمل محرَّم, والجائزة التي تحصل عن طريقه محرَّمة من الميسر المحرَّم شرعاً, وهو القمار, فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرة, وليسعهم ما يسع الناس, وقد قال الله سبحانه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً)) (النساء:29-30).(4/56)
وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تُباح بالتراضي , بل هي من الميسر الذي حرَّمه الله , لِما فيه من أكل المال بالباطل , ولِما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس , كما قال الله سبحانه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)) .
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر عباده , وأن يُعيذنا جميعاً من كل عمل يُخالف شرعه , إنه جواد كريم , وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية , والإفتاء والدعوة والإرشاد
***
حكم الجوائز التي تُقدِّمها بعض البنوك قرعة بين من يفتح لديها حساباً : الفتوى رقم 18528 ج15/196-197 .
السؤال : بعض البنوك التجارية بدول الخليج تقوم بوضع جوائز , مثل : سيارات , أو بيوت جاهزة لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله , وتعمل قرعة بين زبائن البنك , ثمَّ يفوز بالجائزة أحد الزبائن , فما حكم هذه الجائزة , سواء كانت عينية أو مادية ؟ .
الجواب : إذا كان الأمر كما ذكر , فإنَّ هذه الجوائز غير جائزة , لأنها فوائد ربوية مُقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية , وتغيير الأسماء لا يُغير الحقائق .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وصحه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
شراء العلب الغذائية التي بداخلها جوائز نقدية : الفتوى رقم 20656 في 6/11/1419هـ .
السؤال : ذهبتُ إلى إحدى البقالات قبل أيام لشراء حليب لأولادي ، فقال لي البائع : عندنا نوعٌ من الحليب بداخله جوائز نقدية عبارة عن ريالات : تبدأ من ريال إلى 500 ريال ، فاشتريت أربع علب طمعاً في المال ، فوجدت في اثنتين منها : ريالاً في كل علبة ، وفي الثالثة : عشرة ريالات ، وفي الرابعة : خمسمائة ريال ، فهل تحلُّ لي هذه المبالغ ، وإذا لم يكن ذلك فماذا عليَّ أن أفعل بها ؟ وإذا كان ذلك حراماً فلماذا لا تُمنع حتى لا يقع الناس في الحرام ؟ أرشدونا جزاكم الله خيراً .
الجواب : إنَّ الأصل عدم جواز وضع نقود أو هدايا داخل المُعلَّبات والبضائع التي تُباع لِمَا في ذلك من التغرير بالناس وجلب أكبر قدر ممكن من الزبائن ، وصرف الناس عن بضائع الناس التي لا يوجد فيها مثل ذلك ، وشراء علب الحليب المشتملة على نقود بداخلها يتفاوت قدرها من علبة إلى أخرى لأجل ما بها من نقود لا يجوز شرعاً ، بل هو من الميسر الذي حرَّمه الله لِمَا فيه من الغرَر والجهالة ، ولدخول ذلك في الرِّبا ، لأنَّ حقيقته استرداد بعض ماله أو أكثر منه ، وذلك رباً يَحرمُ التعامل به ، لأنَّ الجهل بالتساوي كالعمل بالتفاضل ، وعلى ذلك لا يجوز لك أخذ هذه المبالغ التي وجدتها داخل الحليب ، وعليك أن تُرجعها لأصحابها الموردين للحليب إن تيسَّر لك ذلك ، وإلاَّ فتخلَّص منها بالتصدُّق بها على الفقراء والمساكين .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
مسابقات الصحف : الفتوى رقم 18172 في 15/10/1416 هـ .
السؤال : ما حكم شراء الصحف بغرض الفوز بالمسابقة التي تُطرح فيها مقابل مبلغ من المال لمن يُحالفه الحظ ، علماً بأنَّ المسابقة عبارة عن أسئلة ثقافية عامة ، ويتخللها بعض الأسئلة الدينية ؟ .
الجواب : هذه المسابقات التي تُنشر في بعض الصحف الغرض منها ترويج الصحف والدعاية لها ، وليس القصد منها نشر العلم ، فلا تجوز المشاركة فيها ، لأنَّ ذلك من أكل المال بالباطل لِمَا فيها من المغامرة ، وقد تكون هذه الصحف أو المجلات التي تعمل المسابقات تحمل أفكاراً سيئة تريد ترويجها ونشرها ، فيجبُ الحذرُ منها ، وعدم الاشتراك فيها .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وصحه وسلَّم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبدالله بن غديان عبدالعزيز آل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***
قرار مجمع الفقه الإسلامي حول سوق الأوراق المالية والبضائع ( البورصة ) : مجلة البحوث ج 52/367- 377 .
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، سيدنا ونبينا محمد ، وآله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً ، وبعد :
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يُعقد فيها من عقود بيعاً وشراء على العملات الورقية وأسهم الشركات ، وسندات القروض التجارية والحكومية[59]، والبضائع ، وما كان من هذه العقود على معجَّل ، وما كان منها على مؤجَّل , كما اطَّلع مجلس المجمع على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها ، وعلى الجوانب السلبية الضارَّة فيها .
(أ) فأما الجوانب الإيجابية المفيدة فهي :
أولاً : أنها تُقيم سوقاً دائمة تُسهِّلُ تلاقي البائعين والمشترين ، وتعقد فيها العقود العاجلة والآجلة على الأسهم والسندات والبضائع .
ثانياً : أنها تُسهِّل عملية تمويل المؤسسات الصناعية والتجارية والحكومية عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع .
ثالثاً : أنها تُسهِّل بيع الأسهم وسندات القروض للغير، والانتفاع بقيمتها، لأنَّ الشركات المصدِّرة لها لا تصفِّي قيمتها لأصحابها .
رابعاً : أنها تُسهِّل معرفة ميزان أسعار الأسهم وسندات القروض والبضائع ، وتموجاتها في ميدان التعامل عن طريق حركة العرض والطلب .
(ب) وأما الجوانب الضارة في هذه السوق فهي :
أولاً : أنَّ العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعاً حقيقياً ، ولا شراء حقيقياً ، لأنها لا يجري فيها التقابض بين طرفي العقد فيما يُشترط له التقابض في العرضين أو أحدهما شرعاً .
ثانياً : أنَّ البائع فيها غالباً يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد ، دون أن يقبض الثمن عند العقد ، كما هو الشرط في السلم .
ثالثاً : أنَّ المشتري فيها غالباً يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه ، والآخر يبيعه أيضاً لآخر قبل قبضه ، وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه ، إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير الذي قد يريد أن يتسلَّم المبيع من البائع الأول الذي يكون قد باع ما لا يملك ، أو أن يُحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ ، وهو يوم التصفية ، بينما يقتصر دور المشترين والبائعين غير الأول والأخير على قبض فرق السعر في حالة الربح ، أو دفعه في حالة الخسارة ، في الموعد المذكور ، كما يجري بين المُقامرين تماماً .(4/57)
رابعاً : ما يقوم به المتمولون من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل ، والتسليم في حينه ، وإيقاعهم في الحرج .
خامساً : أنَّ خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة ، لأنَّ الأسعار فيها لا تعتمد كلياً على العرض والطلب الفعليين من قبل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة ، بعضها مفتعل من المهيمنين على السوق ، أو من المحتكرين للسلع أو الأوراق المالية فيها ، كإشاعة كاذبة أو نحوها ، وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعاً ، لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار ، مما يُؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً .
وعلى سبيل المثال لا الحصر : يعمد كبار الْمُموِّلين إلى طرح مجموعة من الأوراق من أسهم أو سندات قروض ، فيهبط سعرها لكثرة العرض ، فيُسارع صغار حملة هذه الأوراق إلى بيعها بسعر أقل، خشية هبوط سعرها أكثر من ذلك وزيادة خسارتهم ، فيهبط سعرها مجدداً بزيادة عرضهم ، فيعود الكبار إلى شراء هذه الأوراق بسعر أقل بغية رفع سعرها بكثرة الطلب ، وينتهي الأمر بتحقيق مكاسب للكبار، وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبة وهم صغار حملة الأوراق المالية، نتيجة خداعهم بطرح غير حقيقي لأوراق مماثلة ، ويجري مثل ذلك أيضاً في سوق البضائع ، ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلاً كبيراً بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك : أنها سبَّبت في فترات معيَّنة من تاريخ العالم الاقتصادي ضياع ثروات ضخمة في وقت قصير، بينما سبَّبت غنى الآخرين دون جُهد ، حتى إنهم في الأزمات الكبيرة التي اجتاحت العالم طالبَ الكثيرون بإلغائها، إذ تذهب بسببها ثروات ، وتنهار أوضاع اقتصادية في هاوية، وبوقت سريع ، كما يحصل في الزلازل والانخسافات الأرضية ، ولذلك كله : فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع ( البورصة ) وما يجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض والبضائع والعملات الورقية ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يُقرِّر ما يلي :
أولاً : أنَّ غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعاً وشراء ، وهذا أمر جيد ومفيد ، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء، ولا يعرفون حقيقة الأسعار ولا يعرفون المحتاج إلى البيع ومن هو محتاج إلى الشراء، ولكنَّ هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعاً، والمقامرة حكم شرعي عام بشأنها ، بل يجبُ بيان حكم المعاملات التي تجري فيها ، كل واحدة منها على حده .
ثانياً : أنَّ العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض فيما يُشترط له القبض في مجلس العقد شرعاً هي عقود جائزة ، ما لم تكن عقوداً على محرَّم شرعاً ، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيحب أن تتوافر فيه شروط بيع السَّلَم ، ثمَّ لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه .
ثالثاً : أنَّ العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعاً، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرَّم شرعاً كشركات البنوك الربوية، وشركات الخمور ، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهما بيعاً وشراءً .
رابعاً : أنَّ العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة ، بمختلف أنواعها غير جائزة شرعاً ، لأنها معاملات تجري بالرِّبا المحرَّم .
خامساً : أنَّ العقود الآجلة بأنواعها ، التي تجري على المكشوف ، أي : على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع ، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعاً ، لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك ، اعتماداً على أنه سيشتريه فيما بعد ويُسلِّمه في الموعد ، وهذا منهيٌّ عنه شرعاً ، لِما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه قال : (( لا تبع ما ليس عندك)) [60].
وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : (( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم )) [61].
سادساً : ليست العقود الآجلة في السوق المالية ( البورصة ) من قبيل بيع السَّلَم الجائز في الشريعة الإسلامية ، وذلك للفرق بينهما من وجهين :
(أ) في السوق المالية (البورصة) لا يُدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد ، وإنما يُؤجَّل دفع الثمن إلى موعد التصفية ، بينما أنَّ الثمن في بيع السَّلَم يجب أن يُدفع في مجلس العقد .
(ب) في السوق (البورصة) تُباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول ، وقبل أن يحوزها المشتري الأول عدَّة بيوعات ، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين ، مخاطرة منهم على الكسب والربح ، كالمقامرة سواء بسواء ، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه .
وبناءً على ما تقدَّم يرى المجمع الفقهي الإسلامي :
أنه يجبُ على المسئولين في البلاد الإسلامية أن لا يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرَّة تتعامل كيف تشاء في عقود وصفقات ، سواء أكانت جائزة أو محرَّمة ، وألا يتركوا المتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا ما يشاءون ، بل يوجبون فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات التي تعقد فيها ، ويمنعون العقود غير الجائزة شرعاً ، ليحولوا دون التلاعب الذي يجرُّ إلى الكوارث المالية ، ويخرب الاقتصاد العام ، ويلحق النكبات بالكثيرين ، لأنَّ الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في كلِّ شيء ، قال الله تعالى : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (الأنعام:153) .
والله سبحانه هو وليُّ التوفيق ، والهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلَّم .
نائب الرئيس رئيس مجلس المجمع الفقهي
د. عبدالله عمر نصيف عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
الأعضاء
عبدالله العبدالرحمن البسام صالح بن فوزان الفوزان محمد الصالح العثيمين محمد بن عبدالله بن سبيل مصطفى أحمد الزرقاء محمد محمود الصواف
محمد سالم عدود محمدح رشيد قباني محمد الشاذي النيفر
أبو بكر جومي عبدالقدوس الهاشمي محمد رشيدي
محمد أحمد قمر
مقرِّر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي
***
الخاتمة :
قال شديدُ العقابِ سبحانه وتعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)) .
وقال صلى الله عليه وسلَّم : (( إنَّكَ لَنْ تدَعَ شيئاً لله عزَّ وجلَّ إلا بدَّلك الله به ما هو خيرٌ لَكَ منه ))[62].(4/58)
وكان معاذ لا يجلسُ مَجلِساً للذكر إلاَّ قال : الله حَكَمٌ قِسْطٌ ، هلَكَ الْمُرتابون ، إنَّ مِنْ ورائكم فِتَناً يَكثرُ فيها المالُ، ويُفتحُ فيها القرآنُ، حتى يَأخُذَهُ المؤمنُ والمنافقُ ، والرَّجلُ والمرأةُ، والصغيرُ والكبيرُ، والعبدُ والْحُرُّ ، فيوشِكُ قائلٌ أنْ يقول : ما للناس لا يَتَّبعونِي وقدْ قرأتُ القرآنَ، ما هُمْ بمُتَّبِعيَّ حتَّى أَبتدَعَ لَهم غيرَهُ، فإيَّاكم وما ابتُدعَ فإنَّ ما ابتُدع ضلالةٌ ، وأُحذِّركم زَيْغَةَ الحكيمِ ، فإنَّ الشيطانَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ على لسان الحكيم ، وقد يقولُ المنافقُ كلمةَ الحقِّ ، قالَ : قلتُ لمعاذ : ما يُدرينِي رحمكَ الله أنَّ الحكيمَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ ، وأنَّ المنافقَ قدْ يقولُ كلمةَ الحقِّ ، قال : بلى، اجتنب مِِِنْ كلام الحكيمِ المشتهِرَاتِ التي يُقالُ لها : ما هذه ، ولا يَثْنِينَّكَ ذلكَ عنه ، فإنه لعلَّه أنْ يُراجع ، وتلَّقَ الحقَّ إذا سمعته ، فإنَّ على الحقِّ نوراً) [63].
كفانا الله بحلاله عن حرامه , وأغنانا بفضله عمَّن سواه (( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) (هود:88) .
هذه نصيحتي وغاية جُهدي ، والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
________________________________________
[1] خطبة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في كتابه : الرد على الجهمية والزنادقة ص55-57 .
[2] رواه الإمام البخاري واللفظ له ح100 ( بابٌ : كيفَ يُقبضُ العلمُ ) ؟ , وقال رحمه الله تعالى : « وكتبَ عمرُ بنُ عبد العزيز إلى أبي بكر بنِ حزمٍ : انظر ما كانَ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبهُ , فإني خِفتُ دُرُوسَ العلمِ وذهابَ العلماءِ , ولا تقبل إلاَّ حديثَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم , وليُفشُوا العلمَ , وليَجلسوا حتَّى يُعلَّمَ مَن لا يَعلَمُ , فإنَّ العلمَ لا يَهلِكُ حتَّى يكونَ سِرَّاً » .
ورواه الإمام مسلم ح2673 بابُ : رفع العلم وقبضه , وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان .
[3] رواه البيهقي في الكبرى ح20700 ( بابُ : الرجل من أهل الفقه يُسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول : كُفّوا عن حديثه لأنه يغلط أو يُحدِّث بما لم يَسمع , أو أنه لا يُبصر الفتيا ) وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج7/38 , وصحَّحه الإمام أحمد ( فتح المغيث للسخاوي ج1/297 ) .
[4] رواه الطبراني في الأوسط ح7695 , وقال الهيثمي : ( ورجاله رجال الصحيح ) مجمع الزوائد ج4/118 .
[5] رواه الإمام البخاري ح1977 باب قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (130) سورة آل عمران.
[6] مُشتبهة ومُشَبَّهة : قال ابن منظور : ( مشكلة يُشبهُ بعضها بعضاً ) لسان العرب ج2/266 , وقال العيني : ( الشبهات هي الأمور التي لم يتَّضح حكمها ) عمدة القاري ج2/297 .
[7] رواه الإمام البخاري ح2051 ( بابٌ : الحلالُ بيِّنٌ , والحرام بيِّنٌ , وبينهما مشتبهاتٌ ) .
[8] أخرجه الإمام أحمد ح1723 , والترمذي واللفظ له ح2518 وقال : ( حسن صحيح ) , وصحَّح إسناده الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ج3/211 .
[9] أي صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى ح6640 ( باب : تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح ) .
[10] ( قال ابن هبيرة : إنما عُوقب آكل الرِّبا بسباحته في النهر الأحمر , وإلقامه الحجارة : لأن أصل الرِّبا يجري في الذهب , والذهب أحمر , وأما إلقام الملَك له الحَجر فإنه إشارة إلى أنه لا يُغني عنه شيئاً , وكذلك الرِّبا فإن صاحبه يتخيَّلُ أن ماله يزداد , والله من ورائه يمحقه ) فتح الباري ج12/445 .
[11] رواه أحمد ح14481 , والترمذي واللفظ له ح614 باب : ما ذكر في فضل الصلاة , وقال الهيثمي : ( ورجاله ثقات ) مجمع الزوائد ج10/231 , وصححه الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة ص214 .
[12] وهم ( فقهاء الإسلام , ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام , الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام , وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام ) إعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ج1/7 .
وهم أيضاً : ( الذين جعل الله عزَّ وجلَّ عماد الناس عليهم في الفقه والعلم , وأمور الدين والدنيا) ,يُنظر : تفسير الطبري ج3/327 .
[13] بدائع الفوائد ج3/277 .
[14] الرِّبا وبعض صوره المعاصرة ص42 .
وصدقَ شيخنا حفظه الله ( لماذا لا يسألون اللجنة الدائمة , أو هيئة كبار العلماء ) فقد كان من هدي السلف الصالح كما قال الإمام ابن المُبارك رحمه الله تعالى : ( كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة : ابن المسيب , وسليمان بن يسار , وسالم , والقاسم , وعروة , وعبيد الله بن عبد الله , وخارجة بن زيد , وكانوا إذا جاءتهم مسألة دخلوا فيها جميعاً فنظروا فيها ) سير أعلام النبلاء للذهبي ج4/461 , تهذيب التهذيب لابن حجر ج3/378 , فتح المغيث للسخاوي ج3/159 .
وأيضاً : مما يدلُّ على سَعة فقه شيخنا - حفظه الله - في قوله : ( لماذا لا يسألون اللجنة الدائمة , أو هيئة كبار العلماء ) حيث أنَّ ولي الأمر في هذه البلاد – حفظها الله بالإسلام – قَصَرَ الفتيا في الأمور العامة على هيئة كبار العلماء وعلى اللجنة الدائمة للإفتاء , وهذا أيضاً له أصله الشرعيُّ من سُنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قالَ : ( قالَ عُمَرُ رضي الله عنه لابنِ مسعودٍ أَلَمْ أُنَبَّأْ , أو أُنبئتُ أنَّكَ تُفتِي وَلَستَ بأمير , وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قارَّهَا ) أخرجه الدارمي واللفظ له ح175 بابُ : الفتيا وما فيه من الشِّدَّةِ ص77 , وعبد الرزاق في مصنفه ح15293 , وابن عبد البر في الجامع ج2/143 , والذهبي في السير ج2/495 .
قال أبو داود في سننه ح4481 : ( وقال الأصمعي : وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قارَّهَا : ولِّ شديدَها مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَهَا ) .
قال الذهبي رحمه الله تعالى : (يَدلُّ على أنَّ مذهبَ عمر رضي الله عنه : أن يَمنع الإمامُ من أفتى بلا إذن ) السير ج2/495 .
وروى الإمام المروزي في (ما رواه الأكابر ح47 ص61 ) : عن ابن وهب قال : ( سمعتُ منادياً يُنادي بالمدينة : ألا لا يُفتي الناسَ إلا مالكُ بن أنس , وابن أبي ذئب) وانظر : العلو للعلي الغفار للذهبي ح351 ج2/967 وفيه : (نُودي مرَّة بالمدينة بأمر المنصور ..) .
وقال أبو الوليد الباجي : قال ابن وهب : (حججتُ سنة ثمان وأربعين ومائة , وصائحٌ يَصيحُ : لا يُفتي الناسَ إلا مالكُ بن أنس , وعبد العزيز بن أبي سلمة) التعديل والتجريح ج2/699 , وانظر : تاريخ بغداد ج10/436 , المنتظم لابن الجوزي ج8/275 .
وروى الإمام البخاري رحمه الله في تاريخه ح2999 عن عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان قال : (أخبرني أبي : أذكرهم في زمان بني أمية صائحاً يصيحُ : ألا لا يُفتي الناسَ إلا عطاءُ , فإن لم يكن عطاء فابن أبي نجيح) وانظر : أخبار مكة للفاكهي ح1643 ج2/347 , طبقات الفقهاء للشيرازي ص57 , تهذيب الكمال للمزي ج20/78 , تاريخ مدينة دمشق ج40/385 .
[15] يُنظر : الفتاوى الكبرى الفقهية للهيتمي ج4/324 , وكتاب زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء , لجاسم الفهيد الدوسري ص20-22 .(4/59)
وازداد ظهورُ هذا المنهج في هذا العصر : عندما تُوفِّي كبار أهل العلم المشهود لهم بالعلم والعمل .
ومن أبرز أصول هذا المنهج : النظر إلى المقاصد دون النصوص , التوسُّع في فهم خاصية اليُسر في الإسلام , تتبُّع الرخص , ترك الْمُحكم واتِّباع الْمُتشابه , تعميم إعمال قاعدة عموم البلوى في التخفيف , الأخذ بمبدأ التلفيق , جعل الخلاف دليلاً , البحث عن الأقوال الساقطة ليرفعوا - بزعمهم - الْحَرَجَ عن الكثير من الناس الذين وقعوا في كثير من المعاملات الربوية ...
وينتمي لمنهج التيسير المعاصر مدرستان هما : مدرسة مَنْ يُسمُّون أنفسهم بالإسلاميين, وغالبهم من المتأثِّرين بحركة الإخوان المسلمين , والثانية : مدرسة العلمانيين , ومن أبرز سماتهم : أنهم يعتبرون أنَّ الدين صحيح ما لَمْ يتعارض مع التطوُّر , يُنظر : منهج التيسير المعاصر - دراسة تحليلية - رسالة ماجستير , للشيخ عبدالله بن إبراهيم الطويل - ط1 - دار الفضيلة .
[16] أخرجه الإمام أحمد ح18035 , والدارمي ح2533 , وأبو يعلى ح1587 , وحسنه النووي في رياض الصالحين ح591 .
[17] رواه الترمذي وقال : ( هذا حديث حسن صحيح ) ح2417 باب : ما جاء في شأن الحساب والقصاص .
[18] ذكره بهذا اللفظ واحتجَّ به الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين ج2/238 , ومعناه ثابت في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ح3121 , وابن عبد البر في جامع بيان العلم ج2/196 , والمقدسي في الأحاديث المختارة ح357 , وحسَّنه ابن مفلح في الآداب الشرعية ج2/74 , والهيثمي في مجمع الزوائد ج3/234 , وصحَّحه أحمد شاكر , ولفظ الإمام أحمد : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( تمتَّعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم , فقال عروة بن الزبير : نَهى أبو بكر وعمر عن المتعة ! فقال ابن عباس : ما يقول عُرَيّة , قال : يقول : نَهى أبو بكر وعمر عن المتعة , فقال ابن عباس : أُراهم سَيَهْلِكُون , أقول : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم , ويقول : نهى أبو بكر وعمر ! ) .
[19] ) ذكر هذا الأثر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه : الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم ج2/116-117 بلفظ : ( وقيل له – أي للإمام أحمد - : إنَّ قوماً يَدَّعون الحديثَ ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره , فقال : أعجبُ لقوم سمعوا الحديثَ , وعرفوا الإسناد وصحته , يَدَعُونَهُ ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره , قال الله : {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النور وتدري ما الفتنة ؟ الكفر , قال الله تعالى : { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } (191) سورة البقرة فيَدَعونَ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي ) وذكره ابن مفلح في الفروع ج6/375 بلفظ مُقارب .
وذكر بعض العلماء قريباً من هذا الأثر عن الإمام مالك رحمه الله تعالى , يُنظر : الفقيه والمتفقه للخطيب ج1/379 , واعتقاد أهل السنة للالكائي ج1/144 , وذم الكلام وأهله للهروي ج3/115 , ومواهب الجليل للمغربي ج3/40 , والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص21 .
[20] رواه الترمذي ح3095 باب : ومن سورة التوبة , ولفظه : عن عدي بن حاتم قال : (أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذهب , فقال : يا عديُّ اطرَح عنك هذا الوثن , وسمعته يقرأُ في سورة براءة : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (31) سورة التوبة ، قال : أَمَا إنهم لم يكونوا يَعبدونهم , ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئاً استحلُّوه , وإذا حرَّموا عليهم شيئاً حرَّموه ) , ورواه أيضاً : البيهقي في الكبرى ح20137 باب : ما يقضي به القاضي ويُفتي به المفتي فإنه غير جائز له أن يُقلِّد أحداً من أهل دهره , ولا أن يحكم أو يُفتي بالاستحسان , قال الله جل ثناؤه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء , وحسَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان ص64 , واحتجَّ به الإمام ابن عبد البر : على فساد التقليد ( جامع بيان العلم وفضله ج2/109 ) .
[21] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص419-427 .
[22] مجموع الفتاوى ج7/71 .
[23] لوامع الأنوار ج2/465 .
[24] أخرجه الدارمي ح220 بابٌ : في كَراهية أخذِ الرَّأي , وأبو نعيم في الحلية ج4/196 , وابن عبد البر في الجامع ج2/110 .
[25] تاريخ مدينة دمشق ج11/81 .
[26] أخرجه ابن الجعد في مسنده ح1319 , وأبو نعيم في الحلية ج3/32 , وذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان ج1/230 , وغيره .
[27] جامع بيان العلم وفضله ج2/92 , وذكر غير واحد من أهل العلم : ( أنَّ تتبُّعَ الرُّخصِ فسقٌ ) يُنظر مثلاً : إعلام الموقعين ج4/222 , مطالب أولي النهى ج1/371 , حاشية ابن عابدين ج6/290 .
[28] الجواب الكافي ص83-84 .
[29] رواه مسلم في باب : تحريم الظلم ح2577 , وقال الإمام أحمد عن هذا الحديث : (هو أشرف حديث لأهل الشام ) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج8/ 510 .
[30] رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ح770 باب : الدعاء في صلاة الليل وقيامه .
[31] رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى ح3560 بابُ صفةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم .
[32] ح 1015 باب : قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها .
[33] رواه البزار ح 1435 , وقد تقدَّم تخريجه .
[34] رواه الإمامان البخاري ح2615 باب قول الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء، ومسلم ح 89 باب : بيان الكبائر وأكبرها .
[35] ح 1598 باب : لعن آكل الرِّبا ومؤكله .
[36] رواه الإمام أحمد ح3725 ج1/393 , وأبو داود ح3333 باب : آكل الرِّبا وموكله , وابن ماجة ح2277 باب : التغليظ في الرِّبا , والترمذي وقال : ( حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ ) ح1206 باب : ما جاء في أكل الرِّبا , والنسائي ح5104 كتاب الزينة .
[37] رواه الإمام مسلم ح 1598 باب : لعن آكل الرِّبا ومؤكله .
[38] قال الحافظ أبو القاسم الغرناطي : ( أجمع المفسرون أنَّ المعنى : لا يقومون من قبورهم في البعث إلا كالمجنون ) كتاب التسهيل لعلوم التنزيل ج1/167-168 .
[39] أخرجه الإمام أحمد ح1723 ج1/200 , والترمذي وقال : ( حسن صحيح ) ح2518 واللفظ له , وصحح إسناده الحافظ ابن حجر ( تغليق التعليق ج3/211 ) .
[40] الإجماع لابن المنذر رقم 508 ص95 .
[41] ح3603 باب : مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه .
[42] رواه الإمام أحمد ح22007 , وغيره , وقال الهيثمي : ( ورجاله رجال الصحيح ) مجمع الزوائد ج4/117 .
[43] رواه الإمامان أحمد ح22779 , ومسلم ح1587 بابُ : الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً .(4/60)
[44] يُنظر : تفسير السمرقندي ج1/339 , تفسير البغوي ج1/446 , تفسير القرطبي ج5/246-247 , الدر المنثور للسيوطي ج2/582 .
( [45] ) إنَّ ( سدَّ الذرائع أصلٌ من أصول الشريعة الإسلامية ، وحقيقته : منع المباحات التي يُتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات .. ولا يقتصر ذلك على مواضع الاشتباه والاحتياط ، وإنما يشتمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام ) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ص209 بتصرف .
وعرَّف الباجي ت474هـ هذه القاعدة بقوله : ( المسألة التي ظاهرها الإباحة ويُتوصل بها إلى فعل المحظور ) إحكام الفصول في أحكام الأصول ص765 للباجي .
وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ بقوله : ( الذريعة : الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرَّم ) الفتاوى الكبرى ج3/256 .
ولقد اتفقت جميع المذاهب الأربعة على إعمال قاعدة سدِّ الذرائع في الذريعة التي تؤول إلى المحرَّم قطعاً , وفي الذريعة التي تؤول إلى المحرَّم ظناً ( يُنظر : قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام ص76 , والموافقات للشاطبي ج3/350 ) .
[46] رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى ح2699 باب : فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر .
[47] وهما : شركة التأمين التعاوني , والشركة المتحدة للتقسيط , وقد ذُكر ذلك في بداية الفتوى المذكورة .
[48] والميسر هو : القمار ( يُنظر : تفسير الطبري ج4/324 , معالم التنزيل للبغوي ج1/252 , الجامع لأحكام القرآن ج2/52-53 , الصحاح مادة يسر 2/857 , المصباح المنير ص351 مادة ي س ر ) .
[49] روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة , وعن بيع الغَرَر ) ح1513 باب : بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر .
[50] لقد ( نبَّهت وزارة التجارة في المملكة إلى الحذر في التعامل مع من يعرضون البطاقات التجارية الخاصة بمنح تخفيضات وخصومات في المحال والمعارض التجارية , وأنه قد تمَّ تصفية العديد من الشركات والمؤسسات التي تُعلن عن تخفيضات وهمية مكذوبة لا حقيقة لها – يُنظر : جريدة الجزيرة السبت 29/2/1415هـ العدد 7982 ص23 ) الحوافز التجارية التسويقية ص190-191 رسالة ماجستير للشيخ خالد المصلح .
[51] أما ( البطاقات التخفيضية التي تُمنح للمستهلكين مكافأة لهم على التعامل , أو تشجيعاً عليه : جائزة لا محذور فيها .. وقد ذهب إلى إباحة هذا النوع من بطاقات التخفيض اللجنة الدائمة .. ففي جواب لها عن هذا النوع قالت اللجنة : بطاقة التخفيض التي تحملها ليس لها مقابل , فلا حرج عليك في استخدامها والانتفاع بها ) الحوافز التجارية التسويقية ص194 .
[52] رواه البخاري ح4855 باب : المهر بالعروض وخاتم من حديد , ومسلم ح1425 باب : الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد , وغير ذلك من قليل وكثير , واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به .
[53] قال ابن المنذر رحمه الله تعالى : ( وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط عُشْر السلف هدية أو زيادة ، فأسلفه على ذلك ، أنَّ أخذه الزيادة رباً ) الإجماع لابن المنذر رقم 508 ص95 .
[54] كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبيعٌ , ولا شرطانِ في بيعٍ , ولا ربحُ ما لم يُضمَن , ولا بيعُ ما ليسَ عندكَ ) رواه أحمد ح6671 , وأبو داود ح3504 ( باب : في الرجل يبيع ما ليس عنده ) والترمذي وقال : ( حديث حسن صحيح ) ح1234 باب : ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك , وذكر شيخ الإسلام بأنَّ الحديث ثابت ( مجموع الفتاوى ج20/350 ) .
(سَلَفٌ وبيعٌ ) قال ابن الأثير : (هو مثل أن يقول : بعتك هذا العبد بألف على أن تسلفني ألفاً , إنما يُقرضه ليحابيه في الثمن , فيدخل في حدِّ الجهالة , ولأنَّ كلَّ قرض جرَّ منفعة فهو رباً , ولأنَّ في العقد شرطاً ولا يصحُّ ) النهاية ج2/390
(شَرْطانِ في بَيْعٍ ) : (هو كقَوْلكَ بِعْتُكَ هذا الثَّوْب نَقْداً بدينارٍ , ونَسيئَةً بدينارَيْن , وهو كالبَيْعتيْنِ في بَيْعةٍ ) النهاية ج2/459 .
(ربحُ ما لم يضمن ) قال العظيم آبادي : ( يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها , مثل : أن يشتري متاعاً ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع , فهذا البيعُ باطلٌ وربحه لا يجوز, لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض) عون المعبود ج9/292-293 .
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( ابتعتُ زيتاً في السُّوقِ , فلمَّا استوجبتُه لنفسي لَقيَني رجلٌ فأعطاني به ربحاً حسَناً , فأردتُ أن أضربَ على يده , فأخذَ رجلٌ من خلفي بذراعي فالتفتُّ فإذا زيدُ بنُ ثابتٍ فقالَ : لا تبعْهُ حيثُ ابتعْتَهُ حتى تحوزَهُ إلى رَحْلِكَ , فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُباعَ السِّلَعُ حيثُ تُبتاعُ حتى يحوزَها التُّجَّارُ إلى رحالِهم ) رواه أبو داود ح3499 باب : في بيع الطعام قبل أن يُستوفى , وروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( لقد رأيتُ الناسَ في عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَبتاعونَ جِزَافاً - يعني الطعامَ - يُضرَبُونَ أن يَبيعُوه في مكانهم حتَّى يُؤوُهُ إلى رِحَالِهم ) ح2030 ( بابُ : مَن رأى إذا اشترى طعاماً جِزافاً أن لا يَبيعَهُ حتى يُؤوِيَهُ إلى رَحْلِه , والأدبِ في ذلك ) , ورواه مسلم ح1527 ( بابُ : بطلان بيع المبيع قبل القبض ) .
وقد أجمع العلماء على النهي عن بيع ما لَم يملك ( المبدع ج4/18 ) .
وقال ابن المنذر : ( بيع ما ليس عندك يحتمل معنيين : أحدهما : أن يقول : أبيعك عبداً أو داراً معينة وهي غائبة , فيشبه بيع الغرر , لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها , ثانيهما : أن يقول : هذه الدار بكذا على أن أشتريها لك من صاحبها , أو على أن يُسلمها لك صاحبها ) فتح الباري ج4/349 .
[55] قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( روى ابن بطة وغيره بإسناد حسن ) وساق الحديث , انظر: حاشية ابن القيم ج9/244 , وقال ابن عبدالهادي رحمه الله تعالى : بأنَّ الحديث ثابت ( تنقيح تحقيق أحاديث التعليق ج3/426 ) .
( [56] ) رواه البخاري ح1 بابٌ : كيفَ كانَ بدءُ الوحي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم , وقولُ الله جلَّ ذكره :{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (163) سورة النساء.
[57] ح1587 بابُ : الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً .
[58] وهي : مسابقة جاسبا الدولية ، ومسابقة الدولار الصاروخي ، ومسابقة مؤسسة رشا للتجارة .
[59] السهم : حصة الشخص تُمثل جزءاً شائعاً من رأس مال شركة أهلية أو هيئة حكومية ، يستحقها مُقابل مبلغ يدفعه للاستثمار في مشروع .
والسندُ : هو صك بمبلغ لشخص أقرضه لشركة مساهمة أو هيئة حكومية بفائدة ، عادة تُقدَّر بنسبة مئوية ثابتة من هذا المبلغ .
(يُنظر : بورصة الأوراق المالية والضرائب ، لسماحة الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله تعالى ، نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) .(4/61)
[60] رواه الأئمة : أحمد ح15346 ، وأبو داود ح3503 باب : في الرجل يبيع ما ليس عنده , والترمذي ح1232 باب : ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك ، وابن ماجة ح2187 باب : النهي عن بيع ما ليس عندك , وعن ربح ما لم يضمن ، والنسائي ح4613 بيع ما ليس عند البائع .
[61] رواه أبو داود ح3499 باب : في بيع الطعام قبل أن يستوفي ، والبيهقي في الكبرى ح10473 ، والحاكم ح2271 ، ورواه الإمام أحمد ح4517 من رواية عبدالله بن عمر قال : ( أنهم كانوا يُضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاماً جزافاً أن يبيعوه في مكانه حتى يُؤوُه إلى رحالهم ) .
[62] رواه الإمام أحمد ح23124 , والبيهقي في الكبرى ح10603 , وقال الهيثمي : ( ورجالها رجال الصحيح ) مجمع الزوائد ج10/296 .
[63] رواه أبو داود ح4611 بابُ لزوم السنة , وعبد الرزاق في مصنفه ح20750 , والحاكم في المستدرك ح8422 كتاب الفتن والملاحم , وقال : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه )
==============
المساهمة في الشركات
الشركات نوعان :
النوع الأول: شركات ذات نشاط محرم ؛ كالبنوك الربوية، وكشركات بيع الدخان، وأشرطة الغناء، والمجلات التي تحوي صوراً محرمة، فهذه لا يجوز المساهمة فيها، لأن عملها محرم، والتحريم في هذا النوع واضح.
النوع الثاني: شركات ذات نشاط مباح، ولكنها تقرض وتقترض بالربا، وهذا النوع من الشركات لا يجوز المساهمة فيها، ووجه التحريم: أن السهم ملك مشاع في الشركة؛ فأي نشاط للشركة فالمساهم شريك فيه، وعليه فإنه لا يجوز المساهمة في الشركات التي تقترض وتقرض بالربا، قال الله تعالى: ((" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ")) (البقرة 278، 279 ) . وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال : (" لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، ومؤ كله، وكاتبه، وشاهديه، وقال : هم سواء ") أخرجه مسلم .
وقد قال بعض أهل العلم المعاصرين بالتفصيل بين الربا الكثير والربا اليسير، فإن كان الربا قليلاً جاز وإلا فلا.
وحددوا الربا اليسير وفق الشروط الآتية :
1. ألا يتجاوز إجمالي المبلغ المقترض بالربا عن الثلث ، والرأي الآخر ألا يتجاوز 25% من إجمالي موجودات الشركة .
2. ألا تتجاوز الفوائد الربوية، أو أي عنصر محرم عن 5% من إيرادات الشركة .
3. ألا يتجاوز الإقراض بالربا، أو أي استثمار أو تملك محرم عن 15% من إجمالي موجودات الشركة.
وقد عللوا الجواز بالحاجة، وعموم البلوى، فجميع الشركات الكبرى المساهمة ترابي إلا ما ندر، والناس بحاجة إلى تنمية أموالهم ولا يجدون إلا هذه الشركات، وخصوصاً أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة، وفي القول بالتحريم تضيق عليهم، ومتى ما اندفعت هذه الحاجة عاد الحكم إلى التحريم، وتندفع الحاجة بوجود الشركات الملتزمة بالضوابط الشرعية .
والقول الراجح في المسألة هو التحريم :
1. لأن الربا محرم شرعاً قليله وكثيره، وقد أجمع العلماء على حرمته مطلقاً، ولا أعرف أحداً من أهل العلم المتقدمين قال بجواز ربا النسيئة عند الحاجة، إذا كان أقل من الثلث، بل جاءت النصوص بتعظيم جريمة الربا، حتى لو كان قليلاً؛ فعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة- رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : (" درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية ") أخرجه أحمد بسند صحيح. وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : (" الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه .. ") أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والحديث صحيح بمجموع شواهده.
2. لو سلمنا جدلاً بالجواز عند الحاجة، فإن المساهمة في هذه الشركات ليست من الحاجة ؛ لأن حاجة تنمية الأموال مندفعة بأنواع التجارة الأخرى؛ كالبيع والشراء الفردي، أو بالتوكيل، أو بالمضاربة، أو بأسهم شركات العقار التي لا تتعامل بالربا، وهي كثيرة ولله الحمد وغير ذلك.
3. أن هذا القول: ( وهو القول بجواز المساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا القليل ) : فيه إسهام في بقاء هذه الشركات على هذا المسلك الربوي، ودعوة لمشاركة الناس فيها، وتضييق ضمني للشركات الإسلامية الناشئة .
ولو كانت الفتوى صريحة في المنع، للجأت هذه الشركات- إن شاء الله- في بلاد المسلمين إلى وضع اللجان الشرعية، والبعد عن الربا ؛ لأن معظم الناس أقدموا على المساهمة بناءً على الفتوى الشرعية، وخصوصاً مع الوعي الشرعي في السنوات الأخيرة، والمشايخ يدركون هذه الحقيقة من خلال كثرة أسئلة الناس عنها، والتي ربما طغت على أسئلتهم في الطهارة والصلاة .
النوع الثالث: النوع الثاني: شركات ذات نشاط مباح، وهي لا تقرض ولا تقترض بالربا، والمساهمة فيها جائزة، لبعدها عن المحرمات.
أما تداول أسهمها بيعاً وشراءً من خلال المحافظ، فله تفصيل آخر، ولا أريد عرضه الآن حتى أناقشه مع أهل الاختصاص الفقهي
==============
تداول .. ولكن ؟
أمة الإسلام :
هبوطٌ بالقلب، وارتفاعٌ للسكرِ في الدم ، و سكتةٌ قلبية ، وهوسٌ وجنون ، كل ذلك جرى ويجري، لا من أجلِ مسلمةٍ انتهك عرضُها، ولا من أجلِ مؤمنةٍ بَقرَ العدو بطنَها، ولا من أجلِ مسلمٍ مزقَ الكافرُ أعضاءُه، كلا ؛ ولكن من أجل هبوطٍ في الأسهم المالية !! فما بين لحظةٍ وأخرى ترتفعُ الأسعارُ وتنخفض، وتزيدُ وتنقص، فأناسٌ لا يتحملون تلك المواقف، فإذا بهم صرعى على الأسرةِ البيضاء ، وربما انتقل آخرون من هذه الدارِ إلى دارٍ أخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم !!
هذا حال بعضُ إخواننا الذين فتنوا في الأسهم المالية، فباع كلَ ما يملك من عقارٍ ودار من أجلِ الفوزِ بأعلى المكاسب، وأسرعِ المرابح، فترى المسكينَ في صالاتِ البنوك، وخلفَ شاشاتِ الحاسبِ الآلي يُحدقُ بعينه في أسعارِ الأسهم، لعله أن يظفرَ بشيءٍ يفوزُ به ، ونحن من على منبرِ محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- نرسلُ رسالةً معطرةً بالإخاء، محملةً بالصفاء، لمن نُكنُ لهم الخير، ونودُ لهم العافية، رسالةً تحملُ في طياتِها وصايا مخلصة، ونصائحَ هادفة، فآملُ أن تجد آذنا صاغية ، وقلوباً واعية .
الوصية الأولى :
يجب أن نعلمَ جميعاً أن سوقَ الأسهمِ نموذجٌ غربي، مبنيٌ على فلسفةِ الاقتصادِ الرأسمالي، والذي يعتمد أساساً على الربا بأشكالهِ المختلفة، ويخالطُهُ القمارَ والاحتكار، فالأصلُ فيه أنه سوقُ شبهاتٍ محرمة ، لا بد للمسلمين أن يجردوهُ من الشوائبِ المحرمةِ قبلَ ولُوجهِ واستيراده، وهو وإن كان قائماً على تحقيقِ منافعَ اقتصادية، إلا أن هذه المنافعَ يمكنُ تحقيقَها بدون ما يحتوي عليه من مفاسد، فالآليةُ التي تُدار بها السوق؛ لا تزال تُعاني من إشكالاتٍ شرعية، تدورُ حولَ الربا الذي تتمولُ به بعضُ الشركاتِ المساهمةِ، إضافة إلى ما يحصلُ من خداعٍ وكذبٍ وغش، وتسريبٍ لمعلوماتٍ خاطئة داخل السوق، مما يُفوتُ المصالح المرجُوةِ، ويجلبُ المفاسد، ولهذا كثيراً ما نتساءل، ما سرُ الصعودِ والهبوطِ لهذه الأسهمِ من لحظةٍ لأخرى ؟ رغمَ عدمِ تغيرِ واقعِ الشركاتِ التي يجري التعاملُ على أسهمِها ؟!! بل بعضُها في خسارة !!!(4/62)
أيها المسلمون: ينبغي أن نعي لعبةَ الأسهم ، فهناك مجموعاتٌ لا تخافُ الله تعالى ولا ترجو الدارَ الآخرة، يتحكمون في السوق ويعقدون اتفاقاتٍ خاصة؛ مع بعضِ الشركاتِ التي يرغبونَ في زيادة أسعارِ أسهمِها؛ وبالمقابلِ يكسرونَ أسعارَ أسهمِ شركاتٍ أخرى بما يملكون من سيطرةٍ ماليةٍ احتكاريةٍ على السوق، ولهذا فهم يتلاعبون بأسعارِ الأسهم؛ كما يفعلُ لاعبو اليانصيبِ بما قد يؤدي فعلُه هذا إلى أضرارٍ اقتصادية؛ فها نحن اليوم نرى انصرافَ فئامٍ من الناسِ عن المشاريعِ الإنتاجيةِ الفاعلة ، ركضاً وراءَ الأرباحِ العاجلة؛ فقلي بربك؟!
ألا يعدُ هذا ضرراً على المجتمع ؟!
ألم تتراكمْ الأموالُ في البنوك دون أن يكون لها أثر في تطوير البلد، وإنشاء المصانعِ وإقامة المشاريع ؟!!
ألم ترتفع أسعار الإيجارات ؟!! فمن المتضرر !!!
ألم تتقلص حركة البناء في البلد ؟!!
ألم تتقلص الحركة التجارية في البلد ؟!!
ألم يخسر أصحاب المصانع والمحلات بسبب وقوف المشاريع التجارية أو بسبب تأخر دفع المستحقات ؛ لأن الأموال تحرك في الأسهم ؟!!
وبناءً على ما سبق فإنني لا أنصحُ بالتعاملِ في هذه السوقِ بحالتِها الراهنةِ، فهي شبهاتٌ بعضُها فوق بعض، وإنني آملُ من أهلِ العلمِ الشرعي وأصحابِ الخبرةِ الاقتصادية والماليةِ إعادةَ النظرِ في الآلياتِ التي تُدارُ بها السوق؛ لإيجادِ مخرجٍ شرعيٍ و اقتصادي يُحققُ المصالحَ المعتبرة .
الوصية الثانية :
فإنْ أبيتَ إلا الدخولَ في هذا السوقِ وقد سبقَ لك أن تعلمتَ ما فيه من الحلالِ والحرام، فإني أنصحكَ ألا تستعملْ جميعَ ما تملكِ في الأسهم؛ لأنك قد تصبحُ طعماً سهلاً للكبارِ دون أن تشعر، فإذا بي أراك تُساهم في بدايةِ أمركَ بمبلغٍ رمزيٍ، فيعطونَك طعماً يسيلُ له لعابك؛ ثم تطمعُ فتزيدَ من رأسِ المالِ فتربح؛ فتبيعَ بيتك من أجلِ الفوزِ بمكاسبَ ضخمةٍ في وقتٍ قياسي؛ فلا تشعرْ بنفسِكَ إلا وقد أصبحتَ من المفلسين، ولا حول ولا قوة إلا بالله !! إذن ليس من الحكمةِ أن تضعَ البيضَ كلَّهُ في سلةٍ واحدة، ولا مانعَ أن يشترك اثنانِ أحدهُما يُساهُم باسمهِ والآخرُ بماله ويكون الربحُ بينهما على حسبِ الاتفاق ؛ ولكن الذي يُمنعُ منه أن تبيعَ الاسمَ للمساهمةِ به في الشركات؛ (لأن الاسمَ ليس بمالٍ ولا في حكمِ المال، ولما يترتبُ في ذلك من الكذب، ولأن المشتريَ يأخذُ بالاسمِ أسهماً زيادةً على ما خُصصَ له وهو لا يستحقُها ) هكذا قالت اللجنةُ الدائمةُ للبحوثِ العلميةِ والإفتاء .
الوصية الثالثة :
لا تتعاملْ مع الشركاتِ التي تتعاملُ بالربا أو فيها نسبةُ ولو قليلةٌ من الربا، فالربا إعلانٌ للحربِ على الله ورسوله، فيا ترى من يحاربُ الله ورسولَه أتراه ينتصر ؟!! يقول الله جل جلاله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)) (البقرة:279) .
وقال- صلى الله عليه وسلّم- : (( درهم ربا يأكلُّه الرجلُ وهو يعلم ؛ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية)) [رواه أحمد و صححه الألباني [صحيح الترغيب - الرقم 1855 ] عن عبد الله بن حنظلة- رضي الله عنه-] .
وقال عليه الصلاة و السلام : ((الربا ثلاثٌ وسبعون بابا ؛ أيسرُها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمه )) [صححه الألباني في صحيح الترغيب (1851) ].
فاتق الله في نفسك ولا تعرضْ نفسَك وأهلكَ لأكلِ الحرام .
يقولُ النبي صلى الله عليه وسلّم : ((لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ ولا دمٌ نبتَ من سحتٍ، النارُ أولى به )) [رواه الطبراني ورجاله ثقاة، عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه-، ورواه أحمد عن جابر- رضي الله عنه- ورجاله رجال الصحيح ] .
ولذلك أيها المسلمُ إذا أردتَ شراءَ أسهمِ أيَّ شركةٍ فعليك أن تتثبتَ من أنَّ نشاطَها مباحاً، فلا يصحُّ بحالٍ أنْ تساهمَ في شركاتِ التأمينِ التجاري، أو البنوكِ الربوية ، أو الشركاتِ المصنعةِ للسلعِ التي حرمها الله تعالى، كالدخانِ أو الخمرِ وما شابه ذلك، و أنْ تسلمَ الشركةُ من الربا إيداعاً واقتراضاً، فما انطبقتْ عليه هذه الشروطُ جازَ تداولُه حين يطرحُ في السوقِ المالية، وهذا ما يقودنا .
أيها الأخوةُ في الله :
للحديثِ عن صناديقِ الاستثمارِ الموجودةِ في البنوكِ التجارية، فكلُّها تقومُ على فتوى بجوازِ أسهمِ الشركات،ِ التي تقترضُ وتُقرِضُ بالربا حسبَ تفصيلٍ لا يسعُ المقامُ له، وقد أصدرَ مجمعانِ فقهيانِ مشهورانِ[1] قرارينِ يقضيانِ بتحريمِ هذا النوعِ من الشركات، وهذان المجمعانِ يحويانِ ثلةٌ من علماءِ العصرِ المعتبرين، وممن ذهبَ إلى هذا القولِ: اللجنةُ الدائمةُ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ بالمملكةِ، وعلى رأسِها سماحةُ الشيخِ عبدُ العزيزِ بنِ باز، رحمه الله .
فاتق الله أيها المسلم ، و استبرأ لدينك؛ فالحسابُ عسيرٌ ، والموقفُ مهول ، والدنيا زائلةٌ، والآخرةُ باقية .
أيها المسلمون :
وهنا قضيةُ حريٌ التنبيهُ عليها، وهي أن غالبَ البنوكِ الموجودةِ اليومَ، يوجد لها لجانٌ شرعية، ولكنها تفتقرُ إلى إداراتٍ للرقابةِ الشرعية، والتي تتولى التدقيقَ على ما يقومُ به البنكُ من عملياتٍ تجارية، ومن هنا تحدثُ المخالفاتُ والتي أحيانا تُخالف ما أفتتْ به الهيئاتُ الشرعيةُ في ذلك البنك .
ولذا لا يجوزُ الاشتراكُ في أي صندوقٍ يعملُ حسبَ ما ذكر، وعليه أن يعملََ بنفسِه في الشركاتِ التي توفرتْ فيها الشروطُ السابقة، أو أن يبحثَ عن بعضِ المستثمرين الثقاة ليستثمرَ له أموالَه فيها، وإنْ وقعَ أحياناً دون علمٍ بشراءِ أسهمٍ لشركاتٍ تبينَ له أنها أسهمٌ لشركاتٍ غيرِ نقية، فإن عليه أن يتخلصَ منها ببيعها، وما ربحَ من هذه الأسهمُ فهي له .
الوصية الرابعة :
أخي الكريم : إذا دخلتَ مضمارَ الأسهم فعليكَ بالأمانةِ في التعاملِ مع الناسِ، والنصحِ لهم، فلا غشَ ولا خداع ، فلا يحقُ لك بحالٍ أن تكذبَ على الناسِ في أسعارِ الأسهم ، أو أن تُوهِمَهُم أن أسهمَ هذه الشركةِ في ازدياد، وفي حقيقتِها أنها في خسارةٍ ، أو تدعي أنك تستثمرُ أموالَهم في شركاتٍ نقية، وأنتَ قد خلطتَ الحلالَ بالحرام ، فالنبيُّ- صلى الله عليه وسلم- يقول : ((من غشنا فليس منا)) رواه مسلم ، وقال- صلى الله عليه وسلم- : (( لا يحلُ لأحدٍ يبيعُ شيئاً إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلُ لمن علم ذلك إلا بيَّنه )) [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه .] .
وقال- صلى الله عليه وسلّم- : ((البيعانِ بالخيارِ ما لم يتفرقا، فإنْ صدقا وبينا بُورك لهما في بيعهما، وإنْ كتما وكذبا مُحقت بركةُ بيعهما)) [متفق عليه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه] .
الوصية الخامسة :
الأسهمُ والمكاسبُ المالية، لها بريقٌ ولمعان؛ قد تصدُّ الإنسانَ عن ذكرِ الله تعالى وعن الصلاة ؛ فليتق الله أولئك ؛ فإنْ فعلَهم ذاك خطرٌ وعظيم ، فقل لي بربك ؟ ماذا بعد أن جمعتَ الأموالَ الطائلة، وتركتَ بعدك الملياراتِ الهائلة، وأنت قد ضيعتَ صلاتَك، وفرطتَ في طاعةِ ربك، ماذا تنفعُك تلك الأموال ؟!!
ماذا ينفعُك حرصُك على جمعِ حطامِ الدنيا إذا أُوقفتَ على سقر؟ وما أدراك ما سقر ؟ لا تُبقي ولا تذر ، لواحةٌ للبشرِ، عليها تسعةُ عشر ؟!!(4/63)
ماذا ينفعُك حرصُك على الأسهمِ واللهثِ وراءَها إذا أوقفتَ بين يدي الله تعالى، وبدأتَ تبحثُ يمنةً ويسرةً عن حسنةٍ واحدةٍ تُنجيك بإذن الله تعالى من ناره وجحيمه فلم تجد ؟!!
يا أخي كن ممن قال الله فيهم : ((رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)) (النور:37) .
واعلم رعاك الله أنك إذا حافظتَ على صلاتِك، وداومتَ على طاعةِ ربك، فتحَ لك الرزاقُ الكريم أبوابَ فضلِه، وجاءكَ الخيرُ من حيثُ لا تحتسب، يقول الله تعالى: ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) (سورة الطلاق :3.2) .
يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الكيّسُ من دانَ نفسَه وعملَ لما بعد الموتِ، والعاجزُ من اتبعَ نفسَه هواها وتمنى على الله الأماني)) رواهُ الترمذي .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
الخطبة الثانية
الوصية السادسة :
عليك أخي الفاضل أنْ تخرجَ ما وجب عليك من زكاةٍ في أسهمك؛ لأنك أنتَ المطالبُ بذلك وليس الشركة، وزكاةُ الأسهمِ تُخرجُ وفقَ الطريقةِ الآتية:
إن كنتَ ساهمتَ في الشركةِ بقصدِ الاستفادةِ من ريعِ الأسهمِ السنوية، وليس بقصدِ التجارةِ، فإنَّ صاحبَ هذه الأسهمِ لا زكاةَ عليه في أصلِ السهم، وإنما تجبُ الزكاةُ في الربح، وهي ربعُ العشرِ بعدَ دورانِ الحولِ من يومِ قبضِ الربحِ إن كان نصاباً .
وإن كانتَ قد اقتنيتَ الأسهمَ بقصدِ التجارة، فزكاتُها زكاةُ عروضِ التجارة، فإذا جاءَ حولُ زكاتك وهي في ملككَ، زكيتَها بقيمتِها الحاليةِ في السوقِ لا بما اشتريتَها به، وإذا لم يكنْ لها سوقٌ، زكيت قيمتَها بتقويمِ أهلِ الخبرة ، فيخرجُ ربعَ العشرِ من تلكَ القيمةِ ومن الربحِ ، إذا كان للأسهمِ ربح .
وإذا باعَ المساهمُ أَسهُمَه في أثناءِ الحولِ ضمَ ثمنَها إلى مالِه وزكَّاه معه، عندما يجيءُ حولُ زكاته. أما المشتري فيُزكي الأسهمَ التي اشتراها على النحوِ السابق، وإذا أخرجتِ الشركةُ الزكاةَ فيكتفي بذلك ولا يخرجَها المساهمُ، وكذلك العكسُ لئلا تجبَ زكاتانِ في مالٍ واحد.
الوصية السابعة :
كثيراً ما يتساءلُ الناسُ فيقولُ قائلهم: فلانٌ من العلماءِ قال بجوازِ شراءِ أسهمِ الشركةِ الفلانية، وفلانٌ قال بحرمتِها، فكيفَ نوفقُ بينهما ؟
وأقول: يجب أن نعلمَ أن سببَ الخلافِ بين أهلِ العلمِ في هذه القضيةِ هو؛ هل يجوزُ المساهمةُ في شركةٍ أصلُها حلالٌ وفيها نسبةٌ قليلةٌ من الربا أم لا ؟
فبعضهم يرى جواز ذلك، وقد ذكرت لك في ثنايا الخطبةِ أن جماهيرَ العلماءِ يرون حرمةَ المساهمةِ في ذلك؛ لأن الله حرم الربا قليلهِ وكثيرِه، ونهانا عن التعاونِ على الإثمِ والعدوان .
والأصلُ في المسلمِ أنْ يتجنبَ الشبهاتِ حرصاً على دينه، وحفظاً لآخرته، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم في حديثِ النعمانِ بنِ بشير المتفقِ عليه عن ذلك بقوله: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)) .
والمشتبه هو ما اختُلِف في حله أو تحريمه، وفسرها الإمامُ الزاهدُ الورعُ أحمدُ بنُ حنبل رحمه الله بأنها منزلةٌ بين الحلالِ والحرام ، وقال: من اتقاها فقد استبرأ لدينه، وفسرها تارةً باختلاطِ الحلالِ والحرام ، وقال سفيانُ بنُ عيينة- رحمه الله- : لا يُصيبُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يجعلَ بينَه وبين الحرامِ حاجزاً من الحلال،ِ وحتى يدعَ الإثمَ وما تشابه منه.
نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه .
[1] ـ وهما المجمعُ الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة .
================
المكاسب الخبيثة
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ]آل عمران:102[.(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) ]النساء:1[. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) ]الأحزاب:70-71[.
أمَّا بعدُ: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعدُ ، أيَّها المسلمون :
فإنَّ من علاماتِ ضعفِ الإيمان, وضعف اليقين باليوم الآخر, حبَ الدنيا, وإيثارَها على الآخرة, والتعلقَ بالشبهِ الواهيةِ في تحصيلِ المالِ بأي وجهٍ كان, ولقد تعددت في زماننا هذا, أبوابُ الكسبِ الحرام، التي وقع فيها الكثيرون، فأهلكوا بذلك أنفسهم وأهليهم، وكلُّ جسدٍ نبت من سُحتٍ فالنار أولى به, ووقعَ آخرون في الشبهات, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرامِ كالراعي يرعى حولَ الحمى, يُوشكُ أن يرتعَ فيه، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمى، ألا وإنّ حمى اللهِ محارمه, ومن المصادرِ الخبيثةِ المحرمةِ لكسبِ المالِ وجمعه، السرقةُ من بيتِ مال المسلمين بدعوى أنَّ لهُ فيه حقاً، أو أنّ ما يتعاطاهُ لا يكفيه، أو أنّ الحكومةَ قويةٌ وهو ضعيف، أو غيرَ ذلكَ من الدعاوى التي لا تُغنيهِ عند اللهِ فتيلاً، وتبدأُ هذه الجريمة- أعنى السرقة- من بيتِ مالِ المسلمين, بسرقةِ قلمٍ أو ورقةٍ أو محبرةٍ، وتنتهي بسرقةِ ملايينَ الريالات بشتَّى الحيلِ وطرقِ التزوير، مما ينطلي على البشر, وينكشفُ لربِّ البشر، عالمُ الغيبِ والشهادة، الذي لا تخفى عليه خافية، وهو العزيزُ الحكيم، ولا يدري ذلك السارقُ المسكينُ أنّ خصمهُ في هذا ليس وليُّ الأمرِ وحدهُ بل المسلمون جميعاً، فقد سرقَ من مالهم, بل إنّ خصمهُ هو اللهُ الواحدُ القهار, المنتقمُ العزيزُ الجبار، الذي يقولُ: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)) ويقولُ سُبحانهُ : (( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .(4/64)
والغلولُ: هو الأخذُ من بيتِ المالِ بطريقٍ غيرِ مشروع، كالتزويرِ والكذبِ والاحتيال، أو استغلالِ النفوذ والجاه, فمن فعلَ ذلك فهو غالٌّ سارقٌ آكلٌ للحرام - والعياذُ بالله- حاكماً كان أو محكوماً، رئيساً كان أو مرؤوساً، أخرج الإمامُ مسلمُ في صحيحة من حديث أبي هريرة-t- قال قام فينا رسولُ الله r ذات يومٍ فذكر الغلول فعظَّمهُ, وعظمَ أمره، ثُمَّ قال : (( لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامةِ على رقبته بعيرٍ لهُ رغاء، يقولُ: يا رسول الله أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حمحمة فيقولُ: يا رسولَ الله أغثني فأقولُ: لا أملكُ لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبته شاةُ لها ثُغاء يقولُ: يا رسول الله أغثني، فأقولُ: لا أملكُ لك شيئاً قد أ بلغتك, لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملكُ لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبته رقاع تخنقه، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقولُ: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبته صامت- أي ذهبٌ وفضة- فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقولُ: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك هذا )) ( 1) حديثٌ عظيمٌ مخيف، يُزلزلُ القلوبَ الحيةِ ويهزُها هزاً، فمن سرقَ شاةً أو بعيراً، أو سيارةً أو متاعاً، أو سَرقَ مالاً, جاءَ يَحمِلهُ يومَ القيامةِ على رقبتهِ، مفضوحاً بين العباد، إلاَّ أن يتوبَ إلى الله تعالى، ويرُدَّ ما سرقهُ إلى بيتِ المال، وحتى المجاهدُ في سبيلِ الله الذي قد يكونُ نصيبهُ من الغنيمةِ كبيراً، لو انتظر القسمة، فإنَّه لو اختلس مخيطاً-إي إبرةً- لكانت عليه ندامةً يوم القيامة يقول r : (( أدُّوا الخيط والمخيط، وإيَّاكم والغلول، فإنَّهُ عارٌ على أهلهِ يوم القيامة )) (2) ، وهذا مجاهدٌ قُتلَ في سبيلِ الله، فقال الصحابةُ - رضي الله عنهم- هنيئاً لهُ بالشهادةِ يا رسول الله , قال : (( كلاَّ والذي نفسي بيده إنّ الشملةَ, لتلتهبُ عليه ناراً, أخذها يوم خيبر من الغنائم، لم تُصبها المقاسم قال: فَفَزِعَ الناسِ فجاءَ رجلٌ بشراكٍ أو شراكين، وقال: أخذتهما يوم خيبر فقال رسولُ الله r : شراكٌ أو شراكان في النار )) (3) متفق عليه.
رحماكَ يا إلهي!! هذا المجاهدُ في سبيلك، البائعُ نفسهُ لمرضاتك, تدفعهُ نفسُهُ الأمارةُ بسرقةِ شيءٍ زهيد، قد يكونُ مستحقاً لأعظم منهُ لو صبر حتى القسمة، ثُمَّ يلتهبُ عليه ما اختلسهُ ناراً تلظى, رحماكَ يا الله ! فكيف يكونُ حالُ العبادِ المقصرين في طاعتك، السادرين في غيِّهم وضلالهم ، السارقينَ لأعظم من ذلك أو أحقرَ منه، وهذا مجاهدٌ آخر اختلسَ من بيتِ المال, فانظروا إلى مصيرهِ ونهايته! عن عبد الله بن عمرو بن العاص- t قال: كان في بيتِ المالِ رجلٌ يُقالُ له: كركرة فمات، فقال النبي r: (( هو في النارِ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءةً قد غلَّها )) (4) رواه البخاري ،
وعن خالد بن زيدٍ الجهني، أنّ رجلا قُتلَ في غزوةِ خيبر, فامتنعَ النبيُّ- عليه الصلاة والسلام- من الصلاةِ عليه وقال: (( إنّ صاحبكم قد غلَّ، قال: ففتشنا متاعهُ فوجدنا خرزاً من خرزِ اليهود, لا يساوي درهمين )) (5).
سبحان الله, رسولُ الله r يمتنعُ عن الصلاةِ على رجلٍ مسلمٍ مُجاهد, اختلس من بيتِ المالِ ما يساوي درهمين, فكيف بمن يسرقون الألوفَ المؤلفةِ والملايين المكدسة، إنّ في ذلك لذكرى لمن كان لهُ قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد، ويدخلُ في الغلو لِ كذلك، هدايا الموظفين، التي يهديها إليهم أولئك المتعهدون, من أصحاب المصانعِ والمؤسسات, باسم الدعايةِ, أو التكريم, أو الصداقة،
عن أبي حُميدٍ الساعد ي- t- قال : (( استعمل رسول الله r رجلاً من الأزد على صدقات بني سليم ، يُدعى ابن اللتبيه، فلما جاءَ يحاسبه قال : هذا مالكم وهذا أُهدي إلي، فقال رسولُ الله r : فهلاَّ جلست في بيتِ أبيك وأمِّك, حتى تأتيك هديتك إن كنتَ صادقاً؟ ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أمَّا بعد, فإنِّي استعمل الرجلَ منكم على العمل, ممَّا ولا ني اللهُ، فيأتيني فيقولُ, هذا مالكم، وهذه هديةٌ أهديت لي، أفلا جلسَ في بيتِ أبيه وأمه, حتى تأتيه هديته, إن كان صادقاً ؟ واللهِ لا يأخذُ أحداٌ منكم منها شيئاً, بغيرِ حقِّه, إلا لقيَ اللهُ تعالى يحملهُ يوم القيامة فلا أعرفنَّ أحداً منكم لقي الله يحملُ بعيراً لهُ رغاء، أو بقرةً لها خوار, أو شاةً تيعر، ثم رفعَ يديه, حتى رؤي بياض إبطيه يقول اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني )) (6) أخرجه مسلم. وفي صحيح مسلم كذلك: من حديثِ عدي بن عميرة الكندي قال, سمعتُ رسولَ الله r يقول : (( من استعملناهُ منكم على عملٍ, فكتمنَا مخيطاً فما فوق, كان غلولاً يأتي به يوم القيامة، قال: فقامَ إليه رجلٌ أسودٌ من الأنصار، كأني انظرُ إليه, فقال: يا رسول الله اقبل عنِّى عملك- وبالتعبير المعاصر, اقبل استقالتي من العمل- قال رسول الله r ومالك؟ قال: سمعتك تقولُ كذا وكذا قال- عليه الصلاة والسلام-: وأنا أقولهُ الآن: من استعملناهُ منكم على عملٍ, فليجئ بقليله وكثيرة )) (7) .
ويدخلُ في السرقةِ من بيتِ المالِ كذلك: ما يتقاضاهُ بعضُ الموظفينَ باسمِ خارج الدوام أو الانتداب، من غيرِ أن يقوموا بالمهمةِ فعلاً، وإنَّما تُدرج أسماؤُهم في مسيراتِ الرواتب, وهم جالسون في بيوتهم، وبعضُ الموظفين يتغيبُ عن عملهِ اليوم واليومين والثلاثة بلا عذرٍ شرعي, أو لا يستكملُ ساعاتِ الدوامِ الرسمي, فيعتادُ الخروجَ لقضاءِ مشاغلهِ الخاصة, معطلاً بذلكَ مصالحَ الناس، وحاجاتِ المراجعين, وهو مع ذلكَ كلهِ لا يتورعُ عن استلامِ مرتبه كاملاً غيرَ منقوص, وصدقَ اللهُ إذ يقول: (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) ]المطففين:1-6[ وقد يتعذرُ بعضُ أولئك الموظفين بأنّ رؤسائهُ يتغيبون عن العملِ، ونسي أولئكَ المساكين قوله تعالى : (( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )) ]المدثر:38[ .
وقولهُ تعالى: (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )) ]الأنعام: 164[ وقولهُ جل جلاله : (( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ))]الزخرف:39[ ويدخلُ في الغلولِ والسرقة من بيتِ مال المسلمين، ما يفعلهُ بعضُ مأموري المشترياتِ من تلاعبٍ بفواتيرِ الشراء, فتدونَ أرقامُ المشتريات بأضعافِ القيمةِِ الحقيقيةِ للسلع المشتراة، وبتواطئٍ من بعضِ الباعةِ الظلمة، فيكونُ فرقُ القيمةِ سُحتاً وغلولاً, يأكلهُ ذلك الموظفُ الخائن للأمانة، وهكذا ينساقُ بعضُ الناس خلفَ شهوةَ نفسه، وهوى قلبهِ، تُغريه حلاوةُ المال ولذَّته، فيتفانى في جمعهِ من أيِّ طريقٍ كان، لا يفكرُ أمن حلالٍ جمعَ مالهُ أم من حرام, أمَّا قولهُ- عليه الصلاة والسلام-: كلُّ جسدٍ من سُحت, فالنارُ أولى به, فهذا آخرُ شيءٍ يُفكرُ فيه، اللهمَّ جنبنا الكسبَ الحرام، اللهمَّ جنبنا السُحت والغلول, اللهمَّ أغنينا بحلالكَ عن حرامك، وبكَ عمن سواك.(4/65)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم. واستغفرُ اللهَ لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةَ المسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين,
أمَّا بعدُ:
فإنّ مصادرَ الكسبِ الحرام متعددةً ومتنوعة، وقد تفتقت عقولُ شياطينِ الإنس والجن, فاخترعوا ألواناً وأشكالاً، يصعبُ حصرُها فضلاً عن تفصيلها، وأنَا أذكرُ بعضُ تلك الكسب الحرام، حتى ييسرَ اللهُ جل جلاله, مناسبةً أخرى لتوضيحها وبيانها, وتحذيرِ الناسِ من شرها، وشرِّ الوقوعِ فيها, فمن ذلك، الربا وأمرهُ واضحٌ لا لبس فيه، ولهُ أشكالٌ وصور, كبيعِ العينةِ وغيرها ومن المكسبِ الحرامِ: الرشوة قال- عليه الصلاة و السلام-: (( لعن الله الراشي والمرتشي والرئشى بينهما )) (8) ، ومنها كذلك ، بيعُ الخمور, أو المخدراتِ أو الدخانِ, أو آلاتُ الفسادِ كالدشوشِ ونحوها, ومنها كذلك: ثمنُ الكلب, ومهرُ البغيِّ, وحلوانُ الكاهن، أي ما يتعاطاه الكاهنُ نظيرَ كهانته، ومنها كذلك: ثمنُ المجلاتِ الفاسدة, والصحفِ المنحرفة،. والأفلامِ الماجنة والأشرطةِ الخليعة.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةٍ مضلة،
اللهمَّ زيِّنَا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هُداةً مُهتدين, لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروفِ آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين, ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمامُ المتقين، وقائدُ الغُرِّ المحجلين، وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
وأرضي اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي
اللهمَّ آمنَّا في الأوطانِ والدور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون وسلام على المرسلمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رواه مسلم (1831) من حديث أبي هريرة t .
2- رواه الإمام أحمد (22766) من حديث عبادة بن الصامت t .
3- رواه البخاري (6329) من حديث أبي هريرة t .
4- رواه البخاري (2909) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
5- رواه أبو داود (2710) عن زيد بن خالد الجهني .
6- رواه مسلم (1832) عن أبي حميد الساعدي t .
7- رواه مسلم (1833) عن عدي بن عميرة الكندي t .
8- أخرجه احمد والبيهقي من حديث ثوبان.
=============
الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي
هذا عنوان لرسالة كتبها د / أحمد بن محمد الخليل وفي نهاية البحث ذكر خاتمة ضمنها أهم النتائج التي توصل إليها وهي :
أولاً : أحكام الأسهم :
أ - أحكام الأسهم تأسيساً وأنواعاً :
1- يجوز الاشتراك في شركة المساهمة وهي شركة شرعية تخرج على شركة العنان أو العنان والمضاربة حسب حال المساهمين مع مجلس الإدارة.
2- لا تجوز المساهمة في الشركات التي أنشئت لقصد مزاولة الأعمال المحرمة.
3- تجوز المساهمة في الشركات ذات الأعمال المباحة.
4- الشركات التي تتعامل بالحرام أحياناً كالتي في بعض عقودها معاملات ربوية أو عقود فاسدة لا تجوز المساهمة فيها وإن كانت أعمالها في الأصل مباحة.
5- إذا كانت الحصة التي يدفعها الشريك - المساهم - عينية أو نقدية فهي شركة صحيحة.
6- حصص التأسيس بوضعها الحالي من العقود الفاسدة ويمكن أن تصبح جائزة إذا قدم صاحب حصص التأسيس عملاً جديراً أن يكون به مساهماً باعتبار أنه شارك بالعمل.
7- لا محذور شرعاً أن تصدر الأسهم بشكل " الأسهم الاسمية ". أما إن صدرت الأسهم بشكل " الأسهم لحاملها " فإنه إصدار غير جائز.
8- جميع أنواع الأسهم الممتازة غير جائزة وفيها ظلم لباقي الشركاء إلا نوعاً واحداً فقط وهي الأسهم التي تعطي المساهمين القدامى الحق في الاكتئاب قبل غيرهم.
9- أسهم التمتع التي تنتج عن الاستهلاك لا تجوز على صفتها الحالية في شركات المساهمة ويمكن أن تكون شرعية إذا اعتبرت فيه النقاط التالية :
أ- أن يكون الاستهلاك بالقيمة الحقيقة للأسهم الاسمية.
ب- أن يكون ثمن الاستهلاك من أرباح الشركاء الآخرين الذين لم تستهلك أسهمهم.
ج- إذا استهلكت أسهم بعض الشركاء من أرباح الآخرين بأقل من قيمتها فهذا صحيح لكن يبقى لأصحاب الأسهم المستهلكة ربح بقدر الباقي من قيمة أسهمهم فكأنهم باعوا بعض أسهمهم.
د- استهلاك جميع الأسهم لا معنى له ولا حقيقة ولا ينطبق على عقد شرعي صحيح.
ب- أحكام الأسهم في معاملات البورصة :
1- العمليات العاجلة الفورية تجوز من حيث الأصل ولا محذور في تداول الأسهم فيها.
2 - العمليات الآجلة بنوعيها :
أ - العمليات المحدودة الآجلة الباتة القطعية.
ب- العمليات الخيارية الشرطية.
كلها لا تجوز وتحوي أنواعاً من الربا والقمار.
3- عقود الخيارات أو الامتيازات كلها تحتوي على محاذير شرعية تجعلها محرمة ويستثنى من ذلك ثلاثة أنواع :
الأول : صكوك الشراء اللاحق لأسهم المنشأة.
الثاني : خيار تمنحه الشركة لبعض العاملين لديها.
الثالث : الخيار الذي تمنحه الشركة لحاملي أسهمها.
4- أنواع الدفع في عمليات البورصة ثلاثة :
أ- الدفع بالكامل وهو جائز ومشروع.
ب- الدفع الجزئي ( الشراء بالهامش ) وهو من عقود الربا المحرمة.
ج- البيع على المكشوف هو بيع لما لا يملكه البائع وهو غير مشروع.
ج - عقود الأسهم الأخرى :
القرض :
يجوز قرض السهم ، لأنه يجوز بيعه ويرد المقترض مثل السهم الذي اقترض وتبرأ
ذلك ذمته ولا ينظر إلى قيمة السهم السوقية.
الرهن :
يجوز رهن الأسهم ، ويمكن أن يباع ويستوفى منه الدين من قيمته السوقية ، العمل على هذا بين الناس.
ضمان الإصدار في الأسهم :
* لا يوجد محذور شرعي في قيام جهة مالية معينة بتسويق الأسهم الجديدة وتقديم التسهيلات التجارية مقابل أجر معين تتقاضاه من الشركة.
* أما إذا أرادت تلك الجهة شراء جميع الأسهم ثم بيعها للجمهور مستفيدة من فارق السعر فهذا لا يجوز ، لأن هذا بيع نقد بنقد ، وهو الصرف فيشترط له التساوي والتقابض.
* يجوز تقسيط سداد قيمة السهم إذا كان الاشتراك بالقدر المدفوع فقط من قيمة السهم.
السلم في الأسهم :
لا يجوز السلم في الأسهم ، لفقدها شرطاً من شروط السلم عدم تعيين المسلم فيه ، وهو مفقود في الأسهم المسماة باسم شركة معينة.
فإن لم يسم الشركة فقد تخلف شرط الوصف المنضبط.
الحوالة في الأسهم :
تجوز الحوالة في الأسهم لأنها تنضبط بالصفات المعتبرة في السلم.
رسوم الإصدار في الأسهم :
* يجوز أن تصدر الأسهم مع رسوم إصدار تمثل مبلغاً من المال يغطي تكاليف الإصدار.
* أسهم الإصدار لا تجوز لأنها تساوي في الأرباح بين المساهمين مع تفاوت رأس المال.
المضاربة في الأسهم :
* المضاربة في الأسهم صحيحة باعتبارها عروض تجارة بذاتها بغض النظر عما تمثله من موجودات الشركة.
* أما المضاربة بالأسهم باعتبار ما تمثله من موجودات الشركة فغير صحيح.
* وعلى القول الراجح في تكييف السهم أنه يمثل الاعتبارين السابقين ينتج من ذلك عدم جواز المضاربة بالأسهم .
ضمان الأسهم :
يجوز أن تشتري الشركة بعض الأسهم ويكون بمثابة بعض الشركاء من بعض ولا
يتصور شرعاً شراء الشركة كل الأسهم.
د - أحكام زكاة الأسهم :
يخرج المساهم زكاة أسهمه وفق الطريقة الآتية:(4/66)
إن كان تملك الأسهم بقصد الاستمرار فيها بصفته شريكاً للاستفادة من عوائدها فهذا يزكى حسب مال الشركة من حيث الحلول والنصاب والمقدار ( فقد تكون شركة زراعية أو تجارية أو صناعية ).
وإن كان تملك الأسهم بقصد المتاجرة بها بيعاً وشراء فهو يزكي زكاة عروض التجارة ، ولا ينظر إلى طبيعة الشركة سواء كانت تجارية أو زراعية أو غيرها.
وإذا زكى الأسهم باعتبارها من عروض التجارة فالزكاة تكون بحسب القيمة السوقية لا الحقيقية.
* المطالب بإخراج الزكاة أساساً هم المساهمون لا الشركة.
* إذا أخرجت الشركة الزكاة فيكتفي بذلك ولا يخرجها المساهم وكذلك العكس لئلا تجب زكاتان في مال واحد.
ثانياً : أحكام السندات :
* لا يجوز التعامل بالسندات تأسيساً ولا بيعاً ولا شراءاً ولا ترهن ولا تصح الحوالة بها ولا المضاربة بها لأنها من عقود الربا المحرمة.
* تكون الزكاة على أصل الدين فقط في السندات أما الفوائد الربوية فالواجب ردها إلى أصحابها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الناشر : دار ابن الجوزي / السعودية .
عدد الصفحة : (423) .
===============
حكم تداول أسهم شركة الصحراء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
تتميز الشركات حديثة التأسيس بأن أغلب موجودات ها من النقود، وقد يكون مع هذه النقود بعض الموجودات الأخرى من الأعيان، أو المنافع، أو الحقوق.
ومن هنا نشأ الإشكال في حكم تداول أسهم هذه الشركات؛ لأن تداولها يعني تداول نقد بنقد معه أعيان، ومنافع، وإن كان هذا الإشكال لا يختص بالشركة التي نشأت حديثاً، بل يشمل كل شركة بقية غالب موجوداتها من النقود ولم يبدأ تشغيل واستثمار تلك النقود.
وأُحب في هذه الكلمات المختصرة بيان حكم تداول هذه الأسهم، راجياً من الله التوفيق والسداد، فأقول مستعيناً بالله.
من أهم الأمور التي تحتاج إلى بيان وإيضاح في هذه الشركات ما يتعلق بالنقد الموجود فيها هل هو مقصود أم لا ؟
وإذا نظر الإنسان إلى النقد الموجود في هذه الشركات وجده مقصوداً لعدة اعتبارات :
أولاً : قوام هذا النوع من الشركات في هذا الوقت هو النقد الذي تملكه الشركة، فهو مهم جداً في هذه المرحلة من مراحل الشركة؛ لأن المشروعات الإنتاجية التي ستقوم تعمتد بالدرجة الأولى على هذا النقد، بل ربما احتاجت الشركة إلى الاقتراض لزيادة هذا النقد.
ثانياً : الجزء غير المقصود في السلعة من خصائصه أنه تبع لا يؤثر فقده على السلعة، ولو فقدت الأموال النقدية لهذه الشركة بأي سبب من الأسباب لسقطت سقوطاً ذريعاً، ولأصبح سهمها لا قيمة له فكيف يقال مع ذلك أن النقود غير مقصودة؟!
وبالمقابل لو فقدت بعض الأعيان، أو المنافع، أو الحقوق، لم تؤثر على الشركة تأثير فقد النقود.
وأنا لا أقول لا قيمة لهذه الأعيان، والحقوق، بل لها قيمة، لكن النقود أيضاً مقصودة ومهمة في هذه المرحلة للشركة.
ثالثاً : هذه النقود هي الغالب في موجودات الشركة فكيف يكون غالب السلعة ليس مقصوداً ؟
رابعاً : عندما تحدث الفقهاء عن قاعدة (التابع تابع) ذكروا من أمثلتها :جلد الحيوان، والجفن والحمائل للسيف, ونحوها.
فهل نسبة الأموال النقدية للشركة كنسبة الحمائل للسيف؟ إن في التسوية بينهما بعداً لا يخفى.
خامساً : المساهم الذي يشتري السهم يقصده كله بنقده وموجوداته الأخرى غير النقدية كالموجودات العينية, والحقوق المعنوية ونحوها.
فإن قيل إنه لا يقصد النقد ولا يخطر بباله
فالجواب أنه لا يقصد أيضا الموجودات الأخرى غير النقدية، وهذا يدل على أنه يقصد سهم الشركة بموجوداته جملة من غير تعيين(1) .
وكون الشركة في الأصل تريد استثمار هذه النقود في المستقبل، لا ينفي أن ننظر إليها الآن(2) باعتبار حقيقتها، وهي أنها نقود وأعيان؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً و عدماً.
فإذا ثبت أن أسهم الشركات حديثة التأسيس تشتمل على أموال وأعيان كلاهما مقصود صارت هذه المسألة تدخل في مسألة "مد عجوة ودرهم" التي ذكرها الفقهاء.
ولا أريد هنا الإطالة بذكر الخلاف مع الأدلة والترجيح في هذه المسألة، ، إنما سأذكر الأقوال فقط ثم أذكر بعد ذلك حكم مسألتنا.
وقد اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة أقوال :
القول الأول : لا يجوز بيع الربوي بجنسه، ومع إحداهما، أو معهما، من غير جنسهما، كمد عجوة ودرهم بمدين، أو بدرهمين، أو بمد ودرهم، وهذا قول جماهير أهل العلم(3).
القول الثاني : يجوز إن لم يكن الذي معه مقصوداً، كالسيف المحلى(4)،وهو رواية لأحمد، وأحد قولي شيخ الإسلام، واختارها ابن قاضي الجبل(5).
القول الثالث : يجوز بشرط ألا يكون حيلة على الربا، وأن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه، وهو مذهب الأحناف، وحماد بن أبي سليمان، ورواية لأحمد، وأحد قولي شيخ الإسلام(6)، ولهذا القول شرط آخر سيأتي تفصيله.
فإذا عرفت الأقوال في هذه المسألة فأقول:
على القول الأول لا يجوز تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس لعدم جواز بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما.
وعلى القول الثاني أيضاً لا يجوز تداول هذه الأسهم، باعتبار أن النقد الذي فيها مقصود، على ما سبق بيانه .
وإنما يتصور الجواز على القول الثالث فقط.
والصواب أنه لا يجوز تداول أسهم هذه الشركات، حتى على القول الثالث؛ لأن لهذا القول شرطاً يمنع من الجواز.
ذلك؛ لأن الفقهاء الذين أخذوا بالقول الثالث إنما يجيزون بيع الربوي بجنسه، ومعه من غير جنسه إذا كان المفرد أكثر بشرط وهو المقابلة.
ومعنى المقابلة تقسيم الثمن على المثمن، فمثلاً إذا باع درهمين بدرهم ومد، فإن المد مقابل الدرهم والدرهم مقابل الدرهم.
قال حرب: قلت لأحمد: دفعت ديناراً كوفياً ودرهماً وأخذت ديناراً شامياً وزنهما سواء، قال : لا يجوز إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة (7).
وذكر شيخ الإسلام أن الفضة إذا كان معها نحاس وبيعت بفضة خالصة "والفضة المقرونة بالنحاس أقل، فإذا بيع مائة درهم من هذه بسبعين مثلا من الدراهم الخالصة فالفضة التي في المائة أقل من سبعين، فإذا جعل زيادة الفضة بإزاء النحاس جاز على أحد قولي العلماء الذين يجوزون مسألة " مد عجوة "، كما هو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين" (8) .
ولزيادة الإيضاح أنقل كلاماً نفيساً للحافظ ابن رجب، حول حكم مسألة مد عجوة ودرهم، قال ابن رجب:
"ومنها مسألة مد عجوة وهي قاعدة عظيمة بنفسها فلنذكر هاهنا مضمونها ملخصا:
إذا باع ربوياً بجنسه ومعه من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما كمد عجوة ودرهم بمد عجوة أو مد عجوة ودرهم بمدي عجوة أو بدرهمين ففيه روايتان أشهرهما بطلان العقد وله مأخذان:(4/67)
أحدهما: وهو مسلك القاضي وأصحابه أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة يقسط الثمن على قيمتهما وهذا يؤدي هاهنا إما إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي وكلاهما مبطل للعقد في أموال الربا. وبيان ذلك : أنه إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلاثة دراهم كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد ويبقى مد في مقابلة مد وثلث ذلك ربا وكذلك إذا باع مدا يساوي درهما ودرهمين بمدين يساوين ثلاثة دراهم فإنه يتقابل الدرهمان بمد وثلث مد ويبقى ثلثا مد في مقابلة مد , وأما إن فرض التساوي كمد يساوي درهما , ودرهم بمد يساوي درهما ودرهم فإن التقويم ظن وتخمين فلا يتيقن معه المساواة والجهل بالتساوي هاهنا كالعلم بالتفاضل فلو فرض أن المدين من شجرة واحدة أو من زرع واحد وإن الدرهمين من نقد واحد ففيه وجهان ذكرهما القاضي في خلافه احتمالين :
أحدهما : الجواز لتحقق المساواة .
والثاني : المنع لجواز أن يتغير أحدهما قبل العقد فتنقص قيمته وحده وصحح أبو الخطاب في انتصاره المنع قال ; لأنا لا نقابل مدا بمد ودرهما بدرهم بل نقابل مدا بنصف مد ونصف درهم , وكذلك لو خرج مستحقا لاسترد ذلك وحينئذ فالجهل بالتساوي قائم , هذا ما ذكره في تقريره هذه الطريقة .
هو عندي ضعيف ; لأن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة المثمن لا إجراء (9) أحدهما على قيمة الآخر ففيما إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلاثة لا نقول درهم مقابل بثلثي مد بل نقول ثلث الثمن مقابل بثلث المثمن فنقابل ثلث المدين بثلث مد وثلث درهم ونقابل ثلث المدين بثلثي مد وثلثي درهم فلا تنفك مقابلة كل جزء من المدين بجزء من المد والدرهم. ولهذا لو باع شقصاً وسيفا بمائة درهم وعشرة دنانير لأخذ الشفيع الشقص بحصته من الدراهم والدنانير , نعم نحتاج إلى معرفة ما يقابل الدرهم أو المد من الجملة الأخرى إذا ظهر أحدهما مستحقا أو رد بعيب أو غيره ليرد ما قابله من عوضه حيث كان المردود هاهنا معينا مفردا , أما مع صحة العقد في الكل واستدامته فإنا نوزع أجزاء الثمن على أجزاء المثمن بحسب القيمة وحينئذ فالمفاضلة المتيقنة كما ذكروه منتفية , وأما أن المساواة غير معلومة فقد تعلم في بعض الصور كما سبق" (10).
فهذا الكلام نقلته لبيان أن العلماء يرون أنه في مسألة مد عجوة ودرهم لا بد من انقسام أجزاء أحدهما على قيمة الآخر على طريقة القاضي.
أو انقسام قيمة الثمن على قيمة المثمن على طريقة ابن رجب.
وعلى كلٍ لا بد من هذا التقسيم.
وقد نقلت هذا للإيضاح كما سبق، وإلا فإن هذا التفصيل كله يتعلق بالرواية الأولى وهي المنع. ونأتي الآن إلى الرواية الثانية يقول ابن رجب:
"والرواية الثانية : يجوز ذلك بشرط أن يكون مع الربوي من غير جنسه من الطرفين، أو يكون مع أحدهما ولكن المفرد أكثر من الذي معه غيره نص عليه أحمد في رواية جماعة، جعلا لغير الجنس في مقابلة الجنس، أو في مقابلة الزيادة , ومن المتأخرين كالسامري من يشترط فيما إذا كان مع كل واحد من غير جنسه من الجانبين التساوي جعلا لكل جنس في مقابلة جنسه، وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره، لا سيما مع اختلافهما في القيمة، وعلى هذه الرواية فإنما يجوز ذلك ما لم يكن حيلة على الربا، وقد نص أحمد على هذا الشرط في رواية حرب ولا بد منه . وعلى هذه الرواية يكون التوزيع هاهنا للأفراد على الأفراد، وعلى الرواية الأولى هو من باب توزيع الأفراد على الجمل، أو توزيع الجمل على الجمل" (11) .
إذاً على هذه الرواية ـ الجواز ـ يكون التوزيع للأفراد على الأفراد، أي نجعل غير الجنس في مقابلة الجنس، أو في مقابلة الزيادة، كما تقدم عن ابن رجب، وإذا اختل هذا المبدأ حرمت المعاملة.
وإذا أردنا أن نطبق هذه المقابلة ، أو التقسيم ، على مسألتنا فإنه ينتج من ذلك عدم الجواز.
ولبيان ذلك أقول :
طرحت شركة الصحراء أسهمها للإكتتاب بقيمة (50) ريالاً للسهم الواحد (12).
وصُرف جزء يسير من هذه ألـ (50) في شراء أعيان، أو منافع ولنفرض أنها تشكل 10% من قيمة السهم، فبقي من الأموال النقدية 45 ريالاً.
ثم ارتفعت قيمة الأسهم لتصل إلى (220) ريالاً للسهم الواحد.
فإذا أردنا تطبيق مبدأ مد عجوة ودرهم فنقول:
ألـ(45) ريالاً من الثمن أي (220) مقابل ألـ(45) من المثمن (النقد في الشركة) ويبقى من الثمن 220ـ45=175
فهذا المبلغ المتبقي من الثمن وهو (175) لا يمكن أن يكون كله مقابل الأعيان والمنافع فقط لما يلي:
- هذه الأعيان والمنافع لا يعرفها كثير من المساهمين أصلاً، بل كثير من الناس لا يعرف عن هذه الشركة إلا أنها ما زالت نقوداً، وإذا كان المساهمون الذين رفعوا السهم لا يعرفون فيه هذه الحقوق والمنافع، بل قد تكون معرفتهم بوجود النقد أكثر من معرفتهم بها، فكيف نجعل سبب ارتفاع الأسهم منحصراً في أشياء لا يعرفونها، أو معرفتهم بها قليلة.
ـ هذه القيمة قد ترتفع أو تنزل في دقائق، مما يدل أنها قيمة سوقية للسهم كله، نقده، وأعيانه، وحقوقه؛ لأن قيمة هذه الأعيان والحقوق لن ترتفع في دقائق بمفردها، بل الذي يرتفع هو السهم بكل موجوداته العينية, والنقدية، وغيرها, ولا يوجد مطلقاً ما يدل على أن هذا الارتفاع إنما هو في قيمة الأعيان والمنافع فقط, بل هذه غاية في البعد، عند تصور حقيقة المعاملة.
إذ إن القول بأن هذه الأسهم ارتفع سعرها نظراً للموجودات غير النقدية, وسمعت الشركة, ونحو ذلك, قول بعيد عن حقيقة ما يقع في أسواق تداول الأسهم؛ فإن المساهمين في الغالب لا يعرفون شيئاً كثيراً عن الشركات، لا سيما الحديثة منها، إنما يتحكم في ارتفاع سعر الأسهم أو هبوطها ما يجري على الأسهم من مضاربات بين المتداولين، أو ظهور الإشاعات، أو تحركات كبار المساهمين، ونحو هذه الأسباب.
والمضاربات هي العنصر الأهم في ارتفاع قيم الأسهم, والمضاربون يرفعون قيم الأسهم من خلال الأساليب المتنوعة في العرض والطلب، وذلك كله بعيداً عن مراعات شئ معين من موجودات الشركة من الحقوق والمنافع والأعيان والنقود، فإذا ارتفع السهم فهو يرتفع بكل موجوداته ولا يقصد منها شيئاً معيناً
ولا أدل على ذلك من أن أسهم بعض الشركات ترتفع رغم إعلانها الخسارة ووجود انطباع سيء عن أدائها عند المساهمين، وهذا كله يفترض أن يؤدي إلى تدني قيم الحقوق والموجودات العينية، ولكن مع ذلك ترتفع أسهمها بسبب المضاربات السوقية.
ومع ما سبق ما الذي يجعلنا نفترض أن الزيادة في قيمة السهم في مقابل تلك الموجودات (الأعيان والحقوق والمنافع) فقط.
وقد عرفنا أن هذا الارتفاع سببه الحقيقي المضاربات على الأسهم، وهي لا تفرق بين موجودات الشركة من النقود، والحقوق، والأعيان، وغيرها فهي في الواقع مقابل السهم برمته نقده وموجوداته.
فالزعم أن سبب الارتفاع هو الموجودات غير النقدية فقط يخالف الواقع.
وخلاصة ما سبق أن هذا الارتفاع لا يقابل هذه الحقوق والمنافع فقط، بل يقابل السهم كله نقده وحقوقه ومنافعه.
ونخلص من هذا إلى أن جزء من هذا المبلغ المتبقي (أي ألـ 175) مقابل للنقد الموجود في الشركة بالإضافة إلى ألـ (45) الأولى من الثمن أي أنه اشترى (45) ريالاً بـ(45) وزيادة وهذا هو ربا الفضل.
وبهذا يتبين أنه حتى على القول بجواز مسألة مد عجوة ودرهم فإنها لا تنطبق على شركة الصحراء لعدم تحقق شرط الجواز على ما سبق تفصيله.
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم بالصواب.
وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/68)
لمزيد من الدراسة حول الموضوع :
(حكم تداول أسهم الشركات التي في مرحلة التأسيس) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة إن شاء الله.
(2) أي قبل بدء النشاط.
(3) القوانين الفقهية ص166، مغني المحتاج 2/28، المغني 6/93.
(4) أي كبيع سيف محلى بفضة فإن الفضة التي في السيف ليست مقصودة.
(5) الشرح الكبير مع الإنصاف 12/79.
(6) البناية 7/518، المبسوط 12/189, المغني 6/93، الإنصاف مع الشرح الكبير 12/79.
(7) الشرح الكبير 12/78.
(8) مجموع الفتاوى 29/452.
(9) هكذا في المطبوعة والمحققة ولعل صوابها: (أجزاء) وذكر في المحققة نسخة ( أجزاء ) هكذا.
(10) قواعد ابن رجب 2/478.
(11) قواعد ابن رجب 2/480.
(12) سيكون التطبيق على سهم واحد ليسهل فهم المسألة وتصورها.
=============
أفحكمَ الجاهلية يبغون
إنَّ الحمد لله, نحمده ونستعينه, ونستغفره ونتوبُ إليه, ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهدي اللهُ فلا مُضلَّ له, ومن يُضلل فلا هادي له, وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهدُ أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليماً كثيراً .
عباد الله : اتقوا الله, فهي وصيةُ الله إليكم, وهي خيرُ لباسٍ في الدنيا, وخيرُ زادٍ إلى الآخرة. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) (الحشر:18) .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * ُيصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: من الآية71,70)
أيَّها المؤمنون: لقد أشرقت شمسُ هذا الدين على أمةِ العربِ, وكانت أمةً خاملةً, لم تكُن شيئاً في الوجودِ الإنساني، ولم يكُن لها وزنٌ في موازينِ الحضارةِ البشرية, ولا ذكرٌ في التاريخ العالمي, فلمَّا أذنَ اللهُ لها بالحياةِ, أرسلَ فيها الرسولُ العظيم, وأنزلَ فيها الكتابُ الكريم, فكانت هُنالِك نشأتَها, وكان ذلك إخراجُها فقد كان الإسلامُ للبشرية هجاء, وللعربِ على وجه الخصوص حياةٌ بعد موت, وحضارةٌ بعد تخلفٍ, وهدايةً بعد ضلالٍ وحيرة, لقد جاءَ هذا الدينُ بمنهجٍ قائمٍ على العلمِ المطلق بحقيقةِ الإنسان وحاجاته, وطبيعةَ الكون ونظامه, فشرعَ اللهُ للإنسانِ ما يُحققُ لهُ السلامَ والعدل, والحريةَ والطمأنينة, والعيشَ الكريم, وإنَّما علت أمةُ الإسلام, وسما مجدُها لما اتخذت من شريعة الإسلام منهجاً وحاكماً على أفعالها واختياراتها وتصوراتها, ولقد حذَّرَ القرآنُ العظيم من الالتفاتِ إلى سواها, أو الأخذ من غيرها, بل لقد بين القرآنُ أن هناك أقوامٌ يزعمون الإيمان, ويدَّعون التوحيد, ويتَّسمون بالإسلام, ثمَّ يلتفتون يمنةً ويسرةً للأخذِ من نُظم الجاهليةِ القديمةِ والحديثةِ, يقولُ اللهُ عز وجل: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) (النساء:60) .
أجل إنَّ القرآن يُعلنُها صريحةً واضحة, أنَّ أمرَ المنافقين الذين يُقلبُون وجُوهَهُم في أنظمةِ البشر, أو سائرَ أحكام الطواغيت, وجعلوا منها نظماً للحياةِ, أو يستجلبوا منهجاً يسيرون عليه, ويحتكمون إليه, إنَّما هم مارقُون من الدين وإن ادعوه, خارجُون من الإسلام, وعاشوا على أرضهِ يقولُ عز وجل عنهم: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً)) (النساء:61) .
فتراهم يُثيرون القضايا الكبار, مثلَ العلاقةِ مع الكُفَار, أو نُظم الاقتصاد, أو أوضاع المرأةِ وما يتعلقُ بها من أحكام, وكلُّ تلك القضايا أمورٍ حسمها القرآن, وبيَّنها الشرعُ, ومع ذلك فهُم يُجادلون فيها, ويحتجون بالاتجاه العالمي, والثقافةِ السائدة, وهم يعلمون أنَّ ذلك الاتجاهَ إنَّما صنعتهُ ثقافةُ الكفرِ, بل هو النموذج التي صممتهُ عقولَ الذين لا يؤمنون بالله ولا رسوله, فإذا قيلَ لهم هذا حكم الله, ((رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً)) (النساء : 61) .
يقولُ ابن كثير: أي يُعرضون عنك إعراضاً, كالمستكبرين عن ذلك, كما قال الله تعالى عن المشركين: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ )) (لقمان:21) .
وهؤلاءِ بحلافِ المؤمنين الذين قال الله فيهم: ((إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (النور:51) .
أيَّها المصلون: إنَّها قضية مهمة وذلك عندما تختلف الأمةُ, أو يختلف مثقفوها وكتبتها ومفكروها, ويكونَ خلافُهم حول مسألةٍ من مسائل الدين, ومن المعلوماتِ منه بالضرورة, كالولاءِ والبراء, أو الجهادِ أو السفورُ والحجاب, والرضى بالربا أو رفضه, إنَّ خلافاتٍ كهذهِ دليلُ شرخٍ عميق في منهج التفكيرِ والاستدلال, بل هي دليلُ خللٍ واضحٍ في الإيمان, فإنَّ الإسلام: هو الاستسلامُ والإذعانُ لحُكم الله وأمره, ولقد عقدَ الشيخُ المجيد- محمد بن عبد الوهاب- باباً في كتاب التوحيد, أسماه قول الله تعالى : ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً)) (النساء :60) .
وجعلَ ذلك باباً غليظاً من أبوابِ الشرك بالله, لأنَّه استعاضةً عن أحكامِ الله بأحكامِ غيره, ثمَّ هم إذا عدلوا عن أحكامِ الإسلام وتصوراتهِ وآدابهِ وثقافته, فإلى أيِّ شيءٍ يتحولون، ماذا سيجدونَ إذا زهدوا في نظامٍ جاءَ من عند الله على أكملِ صورهِ وأحسن وجهِ؟ ماذا يريدون؟ ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة:50) .(4/69)
قال ابن كثيرٍ: يُنكرُ اللهُ تعالى على من خرجَ عن حكمِ الله تعالى, المشتمل على كلِ خيرٍ, الناهي عن كل شرٍ، وعدلَ إلى ما سواهُ من الآراءِ والأهواءِ, والاصطلاحاتِ التي وضعها الرجالُ بلا مستندٍ من شريعة, نعم قد تسوقُ الجاهلية لنظمها وثقافتها وماديتها, قد تملأُ العالم بالشعاراتِ التي لا حقيقةَ لها, كالحريةِ, والديمقراطيةِ, والتسامح, والانفتاح, والتبادلِ الحضاري, والتفاكر الأممي, والعدالةَ المطلقة, والاقتصادَ الحُر إلى غير ذلك, ولكنَّهم كاذبون, يفضحُهم القرآن, وتُخزيهم شواهدَ الواقع, معتقلاتِ كوبا, وسجونِ العراق, وجرائمُهم في اليابان وفيتنام, ونهبهُم لثروات المستضعفين, كلُّ ذلك يشهدُ شهادةَ الحقِّ, أنَّهم أغشمَ أمةٍ عرفها التاريخ, وأظلمَ نظامٍ قام على الأرض, وأكذبَ لسانٍ زعم القيمَ والمباديء, بل إنَّ مجتمعاتهم هناك تعُجُّ بمظاهر ظُلمِ النساءِ والأطفال, والغرباءِ والسود، ذلكم هو حُكمُ الجاهلية الذي يبغيه المنافقون, دنيئون بصورهم نحوه ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة :50) .
قال بعضُ شُرا ح كتابَ التوحيد: (( وفي الآية التحذيرُ من حُكم الجاهلية, واختيارهُ على حكمِ اللهِ ورسوله, فمن فعلَ ذلك فقد أعرض عن الأحسن, وهو الحقُّ إلى ضدهِ من الباطل, (( فمن مالت نفسُه إلى ما يُخالفُ تصورات الإسلام وأحكامه وأقضيته, فذلكُم هو الخللُ في الإيمانِ والمعتقد، عن عبدُ الله بن عمر- رضي الله عنهما- : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به)) .
قال العلماءُ: والهوى: أي ما تهواهُ وتُحبهُ نفسه, وتميلُ إليه, فإثارةُ النقاش حولَ مسلماتِ الدين, وثوابتِ المعتقد, وبثها في الصُحف وعلى القنوات, بلا خطامٍ ولا زمام, وخوضَ الناسِ فيها بلا علمٍ ولا دليل, كلُّ ذلك ليس من باب النقاشِ الحُر كما يقول, ولا تعدد الرأي الذي به يُنادون, القضيةُ أكبر من ذلك وأخطر, فالأمرُ متعلقٌ بأصلِ الدين وقاعدةِ الإسلام, التي هي الرضى بأحكامِ الله, والإذعانِ لها, فالنقاشُ فيها شِقاقٌ لله ورسوله, والحوارُ حولها محادٍ لهما, قال تعالى : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) (النساء:115) .
ونحنُ أيَّها المؤمنَ قد تبين لنا الهُدى في كتاب ربنا, وسنةِ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم, وتاريخِ أمتنا المجيد, وواقعِ حياتنا المُؤلم, وممارساتِ عدونا البغيض, فعلامَ الشِقاقُ, وإلامَ الخلاف.
الخطبة الثانية
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين:
أيَّها المؤمنون : إنَّ الفرق بين النقاشاتِ التي كانت تدورُ بين علماءِ الأمة وأسلافها الصالحين, وبين جدلِ فئاتِ المجتمع وكتبته, ومتحاوروه اليوم, هو أنَّ علماءَ الأمةِ كلُهم ينطلقون من نص الوحي ويعودونَ إليه, ويكونُ الخلافُ بينهم في فهمه, أمَّا الآنَ فيختلفون أيرجعون إلى النص أم إلى غيره من معطياتِ العالمِ الحر كما يقولون, يقولُ عزَّ وجل (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) (النساء :59) .
لنا أن نختلف, ويُمكن أن تتباين أفها مُنا ووجهاتُ تفكيرنا, وأطروحاتنا الثقافية, ولكن المرجعيةَ النهائية التي نرجعُ إليها, وتصدرُ عنها آراءَنا, والميزانَ الذي نزنُ به مقدارَ الصوابِ والخطأ فيما ذهبنا إليه, هو كتابُ الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ليبقى كتاب الله منهجنا, على ما يطرأُ على الحياة من مشكلاتٍ ومستجدات أبد الدهر, ولا تكونُ الأمةُ مؤمنةً بربها ولا مسلمةٌ له, إلاَّ إذا احتكمت إلى كتاب اللهِ وسنة رسوله, في كل خلافاتها ونزاعاتها, وليس للمتحاورين إيمانٌ ولا إسلام, إلاَّ إذا اتخذوا منهما حكماً, منطقهم ورأيهم يقول عز وجل: (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) (النساء:65) .
ومرةً بعد مرة تجدُنا أمامَ شرط الإيمان وحد الإسلام, يقررُهُ الله بنفسه, ويقسم عليه بذاته, لا إيمانَ إلا بإذعان, ولا إسلامَ إلا باستسلام, ولا يكفي أن يتحاكمَ المتحاورون والمتناقشون إلى الإسلام, بل لابدَ أن يصحب ذلك رضى نفسي، وقبولٌ قلبي, واعتزازٌ وفخرٌ بمنهجِ الإسلام وثقافتهِ وأحكامه, ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب : 36) .
واعلموا أنَّه لما كان الاحتكامُ إلى الله ورسوله, والتسليمَ لهما, والرضى بهما, هو شرطُ الإيمانِ وعلامةُ الإسلام, فإنَّ أيِّ نفساً تأبى ذلك, وتُعرضُ عنه, وتجادلُ فيه, فإنَّما هي نفسُ منافقٍ مغموس في النفاق, متوعدٌ بأشدِّ العذاب, يقول عز وجل : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)) (النساء : 115) .
فالذين يخرجُون على المسلمين بقضايا تُخالفُ سبيلهم الذي جاء به الإسلام, إنَّما يشهدون على أنفسهم بالكفرِ الصريح والردةِ الغليظة, وإنَّما يحدثُ نتيجةً لكُرهِ ما أنزلَ اللهُ من أحكامٍ, فتجدُهم يكرهون حدودَ الإسلام, ويضيقون بها ذرعا, فيسوقهم ذلك إلى إثارةِ الشُبهات, وبعثِ النقاشات, ولذلك كان كُرهُ ما جاء به اللهُ باباً من أبوابِ الكُفر, كما ذكرَ ذلك الشيخُ ابن عبد الوهاب .
أيَّها المؤمنون : إنَّ المنحى الذي يتجُهُ كثيرٌ من الطرح الثقافي, المتجرئُ على أحكام الدين منحاً خطير, له وثيقُ العلاقةِ بحقيقةِ الإيمان, فإنَّ الله عز وجل قد نزَّل علينا أنَّه لا إله إلا هو, ومعنى ذلك أنَّ شرائعه التي سنَّها للناس بمقتضى أو لوصيتهِ لهم وعبوديتهم له, وعاهدهم على القيامِ بها, هي التي يَجبُ أن تحكُم حياتهم ويرضوا بها ويفخروا بتمثلها, لا هوادةَ في هذا الأمرِ, ولا ترخُصَّ في شيءٍ منه, ولا انحرافَ عن جانبٍ وصغير، إنَّه لا عبرةَ بما تواضع عليه جيل، أولما اصطلح عليه قبيل، أو لما توا ثق عليه نظام عالمي جديد أو قديم, لا وزنَ لشيءٍ من ذلك ما لم يأذن به الله, ولم يُقرهُ كتابهُ ولا سنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم, والمسألةُ في هذا ليست مسألةَ انفتاحٍ أو انغلاق, تحررٍ أو انحباس, إنَّها مسألةُ إيمانٍ وكفر, إسلامٌ أو جاهلية, شرعٌ أو هوى، فلا وسطَ في هذا الأمرِ ولا صُلح ولا هُدنة, فالمؤمنون هم الذين يدعُون إلى شرعِ الله وكتابه, والتزامَ أخلاقه وآدابه, والكافرون الظالمون الفاسقون والمنافقون, هم الذين يدعون إلى غيره, وينادون بما سواه, ويدفعون الأمةَ في اتجاهٍ يُعاكسه .
===============
المساهمة في شركات أصل نشاطها مباح
خالد بن إبراهيم الدعيجي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه المسألة من المسائل النازلة التي تحتاج إلى بسط في إجابتها، فأقول وبالله التوفيق:(4/70)
هذا النوع من الشركات اختلف فيه العلماء المعاصرون اختلافًا كبيرًا، وقبل أن نبدأ في ذكر الأقوال في هذا النوع من الشركات يحسن بنا أن نحرر محل النزاع في هذه المسألة: أن المساهمة في الشركات التي يغلب عليها المتاجرة بالأنشطة المحرمة، محرمة ولا تجوز لما فيها من الإعانة على الإثم والعدوان.
وأن من يباشر إجراء العقود المحرمة بالشركة- كأعضاء مجلس الإدارة الراضين بذلك- أن عملهم محرم، قلّت نسبة الحرام في الشركة أم كثرت.
وأن الاشتراك في تأسيس شركات يكون من خطة عملها أن تتعامل في جملة معاملاتها بالعقود المحرمة، أو كان منصوصًا في نظامها على جواز ذلك، فإن هذا الاشتراك محرم.
وأن المساهم لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يدخل في ماله كسب الجزء المحرم من السهم ، بل يجب عليه إخراجه والتخلص منه، حتى على القول بجواز مساهمته.
واختلفوا في حكم المساهمة في الشركات المشروعة من حيث الأصل لكنها تتعامل في بعض معاملاتها بالأنشطة المحرمة أو تقترض أو تودع بالفوائد على قولين:
القول الأول : الجواز
وممن ذهب إلى هذا القول : الهيئة الشرعية لشركة الراجحي، والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني ، والمستشار الشرعي لدلة البركة ، وندوة البركة السادسة، وعدد من العلماء المعاصرين منهم الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله.
وقد اشترط أصحاب هذا القول شروطًا ؛ إذا توفرت جاز تداول أسهم هذا النوع من الشركات، وإذا تخلف منها شرط لم يجز، و منها:
ما جاء في قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية رقم (485)
يجب أن يراعى في الاستثمار والمتاجرة في أسهم هذا النوع من الشركات المساهمة الضوابط التالية:
إن جواز التعامل بأسهم تلك الشركات مقيد بالحاجة، فإذا وجدت شركات مساهمة تلتزم اجتناب التعامل بالربا وتسد الحاجة فيجب الاكتفاء بها عن غيرها ممن لا يلتزم بذلك.
ألا يتجاوز إجمالي المبلغ المقترض بالربا- سواء أكان قرضًا طويل الأجل أم قرضًا قصير الأجل- (25%) من إجمالي موجودات الشركة، علمًا أن الاقتراض بالربا حرام مهما كان مبلغه.
ألا يتجاوز مقدار الإيراد الناتج من عنصر محرم (5%) من إجمالي إيراد الشركة، سواء أكان هذا الإيراد ناتجًا عن الاستثمار بفائدة ربوية أم عن ممارسة نشاط محرم أم عن تملك المحرم أم عن غير ذلك .
وإذا لم يتم الإفصاح عن بعض الإيرادات فيجتهد في معرفتها، ويراعي في ذلك جانب الاحتياط.
ألا يتجاوز إجمالي حجم العنصر المحرم- استثمارًا كان أو تملكًا لمحرم- نسبة (15%) من إجمالي موجودات الشركة.
والهيئة توضح أن ما ورد من تحديد للنسب في هذا القرار مبني على الاجتهاد، وهو قابل لإعادة النظر حسب الاقتضاء
وذهبت الهيئة الشرعية لدلة البركة إلى التفريق بين الأنشطة المحرمة التي تزاولها الشركة:
فإن كان أصل نشاطها مباحًا، ولكنها تتعامل بجزء من رأس مالها مثلًا بتجارة الخمور، أو إدارة صالات القمار، ونحوها من الأنشطة المحرمة، فلا يجوز تملك أسهمها ولا تداولها ببيع أو شراء.
أما إن كانت تودع أموالها في البنوك الربوية، وتأخذ على ذلك فوائد، أو أنها تقترض من البنوك الربوية، مهما كان الدافع للاقتراض، فإنه في هذه الحالة يجوز تملك أسهمها بشرط احتساب النسبة الربوية وصرفها في أوجه الخير.
واستدل أصحاب هذا القول بقواعد فقهية عامة ، منها:
-1 قاعدة: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة". وقالوا: إن حاجة الناس تدعو للمساهمة بهذه الشركات.
-2 قاعدة: يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا". وقالوا: إن الربا في هذه الشركات تابعٌ غير مقصود فيعفى عنه.
-3 قاعدة: اختلاط الجزء المحرم بالكثير المباح لا يصير المجموع حرامًا".
فقالوا : إن الربا في هذه الشركات يسير جدًّا فيكون مغمورًا في المال المباح الكثير.
القول الثاني:
يرى جمهور العلماء المعاصرين، وعدد من الهيئات الشرعية تحريم المساهمة في الشركات التي يكون أصل نشاطها مباحًا، إذا كانت تتعامل ببعض المعاملات المحرمة كالإقراض والاقتراض بفائدة، فيحرم الاكتتاب بها، وبيعها وشراؤها وامتلاكها.
وممن ذهب إلى هذا القول: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة، وعلى رأسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي، والهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، وعدد من الفقهاء المعاصرين.
وأصدر مجمعان فقهيان مشهوران قرارين يقضيان بتحريم هذا النوع من الشركات، وهذان المجمعان يحويان ثلة من علماء العصر المعتبرين، فأما المجمع الأول فهو:
المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ونص قراره هو: ( الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة ) .
وأما المجمع الثاني فهو : المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ونص قراره هو : ( لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا،وكان المشتري عالمًا بذلك
واستدل أصحاب هذا القول:
1- أدلة تحريم الربا في الكتاب والسنة ، وقالوا : إن هذه الأدلة لم تفرق بين قليل أو كثير، وبين تابع أو مقصود .
-2قول الله تعالى: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (المائدة: 2) .
وعن جابر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ)) . رواه مسلم (1598) .
ووجه الدلالة من هذين النصين : أن الذي يساهم في الشركات التي تتعامل بالمحرمات معين لها على الإثم، فيشمله النهي.
3- قوله عليه الصلاة والسلام : (( دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِن سِتٍّ وثَلاثِين زَنْيةً)). أخرجه أحمد (21957) ، والدارقطني 3/16، والطبراني في الأوسط (2628).
ووجه الدلالة منه : أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، عد أكل درهم واحد من الموبقات، ورتب عليه هذا الوعيد الشديد، فكيف بمن يضع المئين والآلاف من أمواله في المصارف الربوية؟ وإخراج قدر الحرام تخمين، فمن غير المستبعد أن يدخل ماله شيء من الحرام.
بقي أن يقال:
إن أصحاب القول الأول اشترطوا في جواز المشاركة بمثل هذه الشركات: أن يتخلص المساهم من الكسب المحرم.
ومما يؤكد أن هذا الاشتراط افتراضي وليس واقعيًّا، أنه يستحيل تحديد مقدار الكسب المحرم من عوائد السهم.
ونحن هنا في مقام لا يحتمل الظن والتخمين، بل لا بد من القطع واليقين.
وإيجاب البعض- عند الجهل بالحرام- إخراج نصف ربح السهم أو ثلثه فهم قالوا به من باب الاحتياط، وهو نافع في حالة وجود أرباح حقيقية للشركة من النشاط المباح، وهو أيضًا غير شاق من الناحية العملية، إلا أنه غير عملي ولا يفي بالغرض في صورتين:
الأولى : عندما لا تحقق الشركة أرباحًا تذكر من مبيعاتها في بعض السنوات، فتبقى معتمدة في توزيعات الأرباح على فوائد الودائع، والسندات البنكية والأوراق قصيرة الأجل ذات الدخل الثابت.
الثانية: كما أن بعض الشركات تقوم بتوزيع الأرباح قبل البدء بتشغيل منشآتها وهذه الأرباح تحصلت عليها من إيداع رأس المال في البنوك.
وعليه: إذا كان الأمر محتملًا فلا يكفي التقدير في هذه الحالة.(4/71)
أما تحديد مقدار الكسب الحرام، كما تفعله بعض الهيئات الشرعية، من أجل دقة التخلص من الحرام فهو متعذر؛ لأمور، منها:
- أن جميع المجيزين يفترضون أن الشركة تودع وتأخذ فوائد، فيوجبون على المساهم إخراج ما يقابل نصيب الودائع من الأرباح.
فإذا كانت الشركة تقترض من البنوك لتمويل أعمالها، أو لإجراء توسعات رأسمالية ونحو ذلك، فما السبيل لتحديد ما يقابل هذه القروض من الأرباح؟
- أن أغلب المستثمرين يشترون الأسهم بقصد الحصول على الأرباح الرأسمالية، أي فرق السعر بين الشراء والبيع، ومن المتعذر في هذه الحالة تحديد مقدار الكسب الحرام، لاسيما وأن من العوامل المؤثرة على القيمة السوقية للسهم مدى قدرة الإدارة على الحصول على التسهيلات والقروض البنكية.
- إذا خسرت الشركة، فما هو نصيب الكسب الحرام من هذه الخسارة؟ إذا علمنا أن إيرادات الودائع والسندات ثابتة، فهذا يعني أن الخسارة على من يريد التخلص من الربا ستكون مضاعفة.
- ومن المعتاد أن الشركة تستثمر جزءًا من أموالها في شركات تابعة أو شركات زميلة أو في صناديق استثمارية بالأسهم أو السندات، وقد تكون تلك الأسهم لشركات ذات أنشطة محرمة أو ذات أنشطة مباحة وتتعامل بالفوائد، وهكذا تمتد السلسلة إلى ما لا نهاية، ويصبح تحديد الحرام في هذه السلسلة من الشركات أشبه بالمستحيل.
وأيضًا لو فرضنا أنه يمكن التخلص من الأرباح المحرمة الربوية، فهو تخلص من الأكل للربا، لكن هذا المساهم قد شارك في دفع الربا للممولين للشركة، فهو وإن لم يأكله فقد آكله، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم الأمرين فهو لعن آكل الربا ومؤكله. أخرجه مسلم (1597) .
الترجيح:
من خلال استعراض بعض أدلة القولين يتبين ما يلي:
أن القول الأول يتوجه القول به بالشروط التالية:
- إذا لم توجد شركة مساهمة لا تتعامل بالربا إيداعًا واقتراضًا، حيث كانت جميع شركات السوق مما يتعامل بالربا.
- وهذا الشرط منتف في هذا العصر حيث أثبتت دراسة أجريتها نشرها الموقع، أنه توجد شركات مساهمة معاملاتها حلال بالكامل، ومما يؤيد هذا الشرط أن الهيئة الشرعية للراجحي ذكرت في قرارها رقم (485) : ( إن جواز التعامل بأسهم تلك الشركات مقيد بالحاجة، فإذا وجدت شركات مساهمة تلتزم اجتناب التعامل بالربا وتسد الحاجة فيجب الاكتفاء بها عن غيرها ممن لا يلتزم بذلك .
- إذا كان نظام الدولة يجبر الشركات أن تودع جزءًا من أموالها في البنوك الربوية ويجبرهم أيضًا بأن تدخل الفوائد ضمن أرباح المساهمين.
وهذا الشرط حسب علمي غير موجود في هذا العصر، لانتشار البنوك الإسلامية، ومن ثم انتشار المعاملات الإسلامية المصرفية.
- ألَّا تجد الشركة بدًّا من إتمام عملياتها إلا عن طريق الاقتراض بالربا.
وهذا الشرط منتف في هذا العصر؛ إذ وجدت بنوك إسلامية تمول الشركات بالطرق المباحة: كالمرابحة، وعقود الاستصناع، والسلم، والمشاركة المنتهية بالتمليك، والإجارة المنتهية بالتمليك، وغير ذلك مما جاءت شريعتنا بإباحته.
- ثم إن المتأمل في القول الأول يجد: أن القول به كان في فترة فشا فيها الربا، والبنوك الإسلامية لم تقم على ساقيها، أما في هذه المرحلة فالأمر عكس ذلك، فنحمد الله عز وجل أن انتشرت هذه البنوك الإسلامية في أنحاء الأرض، فأيهما أسهل بالله عليكم تحويل بنك ربوي إلى بنك إسلامي أم تحويل شركة تتعامل بالربا إلى شركة خالية من ذلك؟ لاشك أنه الثاني.
فالذي يظهر لي رجحان القول الثاني ، وهو حرمة المساهمة في الشركات التي يكون أصل نشاطها مباحًا، وتتعامل بالفوائد أو بغيرها من المعاملات المحرمة، لعموم الأدلة الشرعية في تحريم الربا قليله وكثيرة ، فلم تستثن تلك الأدلة ما كان تابعًا أو مغمورًا أو يسيرًا.
وبالتالي يحرم المتاجرة والاستثمار بهذه الأسهم من هذا النوع من الشركات.
وأما الأسهم التي عندك من التأسيس فما استلمته من أرباح سابقة، وهي أرباح ربوية وأنت لا تعلم عنها فلا بأس عليك فيها، ويجب عليك التخلص من هذه الأسهم وبيعها. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
===============
البديل الإسلامي بين الانضباط والتسيب
بسم الله الرحمن الرحيم
(حدَّثتني إحدى الصالحات أنَّ ثلاث فتيات في مدرستها اتفقن على قيام الليل ـ ولكن من نوع آخرـ إنَّ برنامج ستار أكاديمي قد خلب لبَّهم ، وسحر فكرهم ، ولأجل ذا فقد تواعدن على أن يقسِّمن الليل إلى ثلاثة أثلاث كلُّ واحدة منهن تنظر في هذا البرنامج وتقوم بتسجيله ، ثمَّ تتصل على زميلتها بعد أن تنتهي ورديتها في ملازمة التسجيل لهذا البرنامج وتقوم الثانية بهذا الدور، وهكذا العمل مع الزميلة الثالثة إلى أن ينتهي البرنامج)
بهذا المنطق يتفاعل الكثير من الشباب والفتيات المنتسبين للإسلام حين يريدوا مشاهدة هذه البرامج الهابطة، والتي بثَّت أخيراً عبر الفضائيات، وجعلت لدى الشباب نوعاً من الهوس لإعجابهم بهذه البرامج المباشرة ، وكأنَّها مغناطيس يجذبهم بقوَّة وقهر، وليس لهم إلَّا تلبية رغبات النفس، وخطرات الروح.
أما آن للمصلحين أن يفيقوا من نومهم العميق، لإنقاذ شبابنا وفتياتنا من مأساة فكرية وشهوانية تعصف بهم ذات اليمين وذات الشمال ، وقد جعلتهم يتطايرون على الشَّاشات كالفراش وهم لا يشعرون!!
ودعونا أيها الفضلاء أن نراجع أنفسنا ، وننقد ذاتنا !فجزى الله علمائنا خيراً حين أفتوا بتحريم هذه البرامج ، وبينوا بلا لبس أو غموض حكم مشاهدتها ، والنظر إليها ، فقد أثَّرت تلك الفتاوى في البعض وأقلعوا عن مشاهدتها ـ ولله الحمد والمنَّة ـ
ولكن هل نكتفي بهذا، ومازال الكمُّ الهائل من شباب الأمَّة يشاهدون ويصفِّقون ، ويحلمون في منامهم ويقظتهم في ذكريات البرنامج الشبابي!
ألا يوجد لدينا حلولٌ وافرة ، وأكفٌ رفيقة ليِّنة تحتضن الشباب والفتيات في برامج إسلامية مشوقة ، ومشاريع تربوية وترفيهية ، وبدائل عن تلك المُثُلِ منضبطة بميزان الشريعة؟
أين أصحاب الحلول المنتجة ، أين أهل الثراء والمال والغنى ، أين أصحاب الأفكار الإبداعية ، والمشاريع الابتكارية؟
أين هم من الذي يحاك لشباب هذه الأمَّة ، ويخاط لهم وينسج في مواخير الفساد ، وأندية الظلام، والكواليس الخفية لتعليمهم دروساً في العربدة والشهوات؟
ترى لو أنَّ جيشاً عرمرماً أحاط ببلدة من بلاد الإسلام ، وأثخن فيها وأكثر من القتل والتعذيب لأبناء الإسلام ، ثمَّ خرج علينا رجل يبيِّن خبث هذا العدو ومكره، وحذَّر المسلمين من استقباله أو احتضانه... ثمَّ وقف إلى هذا الحد، واكتفى بهذا القدر.
هل سيؤدِّي هذا إلى دحر العدو وإنقاذ النَّاس؟ أم أنَّ هناك لوازم ينبغي إضافتها على ذلك الحدث!!
وبعد:
فإنَّ المراقب لهذه الأوضاع ، وتلك الأحداث ، ينبغي عليه أن يعرف أنَّ من أسباب وجوده في هذه الأرض دعوة الناس لدين ربِّ العالمين ، وتقريبه إلى قلوبهم،فليست كلًّ الدعوة بالمحاضرات ولا بالخطب، وليست كلُّها بالدروس أو الفتاوى فحسب ، بل لا بد من استخدام جميع الوسائل المشروعة والمتاحة فالدعوة إلى الله لا تحدُّ بحدود ، ولا تقيد بقيود.(4/72)
وحيث أنَّني شرعت في المقصد فإنِّ من الأولويات الهامة للعمل في حقل الدعوة الإسلامية ؛ الفهم الناضج لدى طلَّبة العلم، ومتعلمي الشريعة بالذات، ليخرجوا لنا بمحصِّلات مدروسة، ونتائج محروسة في فقه البديل الإسلامي المواكب لروح هذا العصر ومتطلباته ، وكيفية إنقاذ هذه الأمَّة المنكوبة من الأزمات التي تحلُّ بها سواء أكانت تعليمية أو تربوية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو عسكرية وغيرها من ألوان المشاكل، وأشكال المحن.
والعالم الحق هو من وصفه الإمام أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بأنَّه( الذي يعرف الحق، ويرحم الخلق) وأنَّه(كلَّما اتسعت معرفته بالشريعة وروحها ، كان أرحم بالعباد وأعظم الناس تيسيراً عليهم ورفقاً بهم).
وحين يتأمل الإنسان الهدي الربَّاني في القرآن الكريم يجد أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ ما حرَّم على عباده شيئاً إلَّا وأبدلهم عوضاً عنه ما هو خير منه ، بل وصل ذلك إلى الألفاظ فإنَّه تعالى قال ( يا أيُّها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) البقرة(104) فقد نهاهم ـ تعالى ـ عن ذلك لأنَّ فيه شبهاً بيهود حين كانوا يقولون ذلك لمحمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ويقصدون بذلك السخرية به ـ عليه الصلاة والسلام ـ فنهى الله صحابة رسوله أن يقولوا هذه الكلمة لمحمد ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وأبدلهم بأن يقولوا له(انظرنا).
كذلك من تدبر سيرة المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يجد ذلك واضحاً في منهجيته في التربية والتعليم، فإنَّه كان إذا حرَّم شيئاً أتى بالبديل المشروع مقابل ذلك الأمر المُحَرَّم لأنَّه يعلم أنَّ النفوس ضعيفة ، ومجبولة على حبِّ العوض والبديل ، وخذ أمثلة على ذلك/
فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء بلال إلى النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بتمر برني، فقال له: النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ من أين هذا ؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديء ، فبعت منه صاعين بصاع لنُطعم النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فقال ـ عليه السلام ـ أوَّه أوَّه عين الربا عين الربا لاتفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثمَّ اشتره) رواه البخاري(2201) ومسلم (1593)
أتأملت أيها المبارك كيف أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين حرَّم فعل بلال ـ رضي الله عنه ـ نقله نقلة توعوية بديلة ومشروعة قبالة ذلك الأمر المحرم، وتلك صفة العالم الرباني ، والبصير بالواقع الذي حوله ولهذا قال الإمام ابن القيِّم في ذلك:(من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه،وكانت حاجته تدعوه إليه ،أن يدلَّه على ما هو عوض له منه،فيسد عليه باب المحظور، ويفتح له باب المباح ، وهذا لا يتأتى إلَّا من عالم ناصح مشفق قد تاجر الله وعامله بعلمه ، فمثاله في العلماء مثال الطبيب النَّاصح في الأطباء يحمي العليل عمَّا يضره ، ويصف له ما ينفعه ، فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان ، وفي الصحيح عن النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنّهَ قال:(ما بعث الله من نبي إلأَّ كان حقَّاً عليه أن يدلَّ أمَّته على خير ما يعلمه لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم ) وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم ، ورأيت شيخنا ـ قدَّس الله روحه ـ يتحرَّى ذلك في فتاويه مهما أمكنه ، ومن تأمَّل فتاويه وجد ذلك ظاهراً فيها ) أعلام الموقعين (4/121ـ 122) و سأنقل كلاماً للشيخ ابن تيمية في ذات الموضوع الذي مدحه به تلميذه ابن القيِّم حيث قال ابن تيمية:(إذا أراد تعريف الطريق الَّتي يُنَالُ بها الحلال ، والاحتيال للتخلص من المأثم بطريق مشروع يقصد به ما شرع له ، فهذا هو الذي كانوا يفتون به ـ أي السَّلف الصالح ـ، وهو من الدعاء إلى الخير، والدَّلالة عليه ، كما قال ـ صلَّى الَّله عليه وسلَّم ـ بع الجمع بالدراهم، ثمَّ ابتع بالدراهم جنيباً) وكما قال عبد الرحمن بن عوف لعمر الخطَّاب:( إنَّ أوراقنا تُزيَّفُ علينا أفنزيد عليها ونأخذ ما هو أجود منها؟ قال: لا ولكن ائت النقيع فاشتر بها سلعة ، ثمَّ بعها بما شئت) بيان الدليل على بطلان التحليل / صـ133.
ومن الأمثلة على ذلك من هدي المصطفى ـ عليه الصَّلاة والسلام ـ في أنَّه إذا منع شيئاً فتح لمن منعه باباً آخر من الأمر المشروع، والبديل المنضبط بمعيار الشَّريعة، ما رواه أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال: (قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية ، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما : يوم النحر، ويوم الفطر) أخرجه أحمد في المسند(3/103ـ178ـ235) وأبو داود(1134) والنَّسائي(3/179) بسندٍ صحيح.(واليومان الَّذين يلعبون فيهما أهل الجاهلية هما / يوم النيروز ويوم المهرجان . وللمزيد انظر/ عون المعبود(3/485) للعظيم آبادي)
أرأيت ـ أخي القارئ ـ إلى هديه ـ عليه الصلاة والسَّلام ـ في ذلك، حيث أنَّه لا يرضى بوقوع المنكر، ولا أن يؤلف ، ولكنَّه ـ عليه الصلاة و السَّلام ـ يبيِّن خطر الشيء المحرَّم، ومن ثمَّ يبين البديل الشرعي عن ما حرَّمه الله ، ومن هنا فطن علماء الإسلام لتوضيح هذه القضيَّة في مدوناتهم ، ورسائلهم ومنهم شيخ الإسلام / ابن تيمية ـ طيَّب الله ثراه ـ فقد بيَّن بأنَّ المبتلى بالمنكر أو البدعة فإنَّه يتوجب على ناصحه أن يدعوه للإقلاع عن هذا الأمر المحرَّم ولو كان في ظاهره الخير، ومثَّل لذلك ابن تيمية، بالبدعة فقال:(إذا كانت في البدعة من الخير فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئاً إلَّا بشيء...فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك، وإنَّما الترك مقصود لغيره) اقتضاء الصراط المستقيم(2/125)
ومن هذا المنطلق فإنَّ البحث المضني من العالم أو المربي أو المفكر لما يخدم به أمَّة الإسلام من برامج جذَّابة تكون بديلاً عن ما هو متاح ويستطاع الوصول إليه بأسرع الوسائل، وأدنى السبل ؛ من الضرورة بمكان وخاصَّة في هذا العصر الراهن فأمتنا تحتاج لبدائل كثيرة في عدَّة مضمارات ، وتحتاج للبدائل المفيدة عن القنوات الفاسدة التي تنشر الغثَّ بلا سمين ، وتلهي النَّاس عن دين ربِّ العالمين ، وإيقاعهم بفتن الشبهات أو الشهوات ، وما البرامج الأخيرة التي نشرت في هذه القنوات الفضائحية كسوبر ستار، وستاركلوب ، وستار أكاديمي ، وتحدي الخوف، وغيرها إلَّا شاهداً قويَّا على أنَّ أهل العلمنة والكفر والفجور يريدون إلهاء الأمة وشبابها عن قضاياها الكبرى ، وشؤونها المصيرية ، بل كانت تعرض بعض هذه البرامج العاهرة في الوقت الذي تضرب فيه بلاد الرافدين (العراق) بالصواريخ ، وتقصف بالطائرات ، وتجتاح بالدبَّابات والمجنزرات ، وكذلك في فلسطين المباركة في أزمة الحصار المشدد على مدنها وقراها ، وعمليات الاغتيال الصهيوني لقادة الجهاد والصمود ، في الوقت الذي كان فيه كثير من شباب العالم الإسلامي قد أطلق بصره ، وأرخى سمعه لما يعرض في هذه الفضائيات من مشاهد مخزية ، يستحيا والله من ذكرها.
إنَّ شباب وفتيات المسلمين اليوم يعانون من أزمة الفراغ المدقع ، فليس لهم من الأعمال التي تشغلهم أيُّ أثر ، ولذا يحاول الكثير منهم أن يفرَّ إلى هذه الشاشة ويسمِّر عينيه صوبها ، لعَّلَّهم يلبون بعض رغبات النفس وهواها ، وكما هو معلوم فإنَّ الفراغ للرجال غفلة ، وللنساء غلمةـ أي تحريك للشهوة ـ وصدق من قال:(4/73)
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ
وإذا كنَّا قد علمنا مكمن الدَّاء ، وموطن الخلل ، فليت دعاة الإصلاح والتغيير أن يستشعروا المسؤولية الفردية والجماعية ، والتأهل للإنقاذ وللمشاريع الإصلاحيَّة لهذا الشباب التائه، الذي قلَّ من أخذ بيده ، وبيَّن له طريق النَّجاة ، والحلول المثمرة ، والبدائل النافعة والإيجابيَّة.
في الوقت نفسه فنحن لا نريد حلولاً مستوردة من الغرب الكافر، ولا بدائل غير شرعيَّة ، أو فيها تنازلات عن سنَّة خير البرية ، فمعاذ الله أن ينصح بذلك وقد قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ شيئاً من هذا القبيل ثمَّ أعقبه قائلاً:(لكن لا يجوز لأحدٍ أن يغيِّر شيئاً من الشريعة لأجل أحد) اقتضاء الصراط المستقيم(2/133)
بيد أنَّ من أراد أن يحمل نفسه على تجنُّب البدائل المباحة ، والالتزام بالأوامر والنَّواهي الشرعية فله ذلك ، وصاحب العزمات يأخذ بالأقوى ، وقد يكون في جانبه أفضل ، إلَّا أنَّ عليه أن لا يقارن نفسه بغيره من الناس ، ويفرض رأيه على ضعفاء الدين ، وقليلي الإيمان ، ومن المعلوم بأنَّه إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع.
ولن يستطيع الداعية بقدر ما أوتي من فصاحة وإقناع أن يصنع ذلك المجتمع المثالي المتخيل في الذهن ، وخاصَّة أننا نعيش في هذا العصر المنفتح ، والذي تعجُّ فيه الفوضى الفكرية ، والمتنوعات الثقافيَّة ، وكلٌّ منها تضغط بطرف على العقول والأمزجة محاولة أن تقنعها بمثلها ومبادئها.
فمهمَّة الدعاة إذاً أن يأتوا البيت من بابه ، ويضعوا الحقَّ في نصابه، ويرشدوا أبناء هذا الجيل مبيِّنين لهم مخطَّطات الغرب، ووسائل المجرمين بالإطاحة بهذا الجيل عن غاياته النَّبيلة وأهدافه السَّامية.
وثمة نقاط أحبُّ أن أذكِّر بها نفسي ومن سلك طريق الدعوة ، وكل قارئ لهذا المقال ، يجدر التنبيه إليها ، والتلويح بها/
1ـ يجدر بدعاة الإسلام وأهل التربية أن لا يخاطبوا الناس من برج عاج ، أو صومعة فكرية ، بل ينزلوا في ميدان الناس ، وواقع البشرية ، ويتداخلوا معهم ، ويتأملوه حقَّ التأمل فما كان فيه من خير أثنوا عليه وأشادوا به ، وما كان فيه من خطأ فلينبهوا الناس له، ويرسموا لهم طريق الصلاح ، ويزنوا جميع الأمور بمعيار الشريعة ، ويعطوهم البدائل المباحة بقدر الإمكان ، وإيجاد الحلول والمخارج الشرعيَّة،لا الحيل الباطلة البدعيَّة.
فأمَّا التشديد على الناس في أمورهم فهذا لا يليق بدعاة الحق والرشاد، بل هو أمر يحسنه كلُّ أحد ، وقد قال الإمام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ(إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التَّشدد فيحسنه كلُّ أحد) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر(1/784) وقال الإمام أحمد بن حنبل:(من أفتى ليس ينبغي أن يحمل النَّاس على مذهبه ويشدِّد عليهم) الآداب الشرعية لابن مفلح(2/45) ولا يعني ذلك أن نكون مماثلين لدعاة العصرنة والمسايرة لهذا العصر، والتراجع تحت ضغط الواقع ، والَّذين يتبنون تتبع رخص العلماء وزلَّاتهم ويبنون عليها أحكاماً يقنِّنونها للناس حتَّى يتعاملوا بها فإنَّ هذا غير هذا ، ولاشكَّ أنَّ التفريط أخٌ للإفراط ، فالمطلوب أن يكون الدَّاعية وسطياً في فتاويه وآرائه على وسطيَّة أهل السنَّة والجماعة ورحم الله من قال:
عليك بأوساط الأمور فإنَّها نجاةً ولا تركب ذلولاً ولا صعبا
ولهذا فإنَّ العالم الذي جمع بين العلم والتربية لن يغفل عن دراسة نفسيَّات النَّاس ، وإعطاء كلَّ ذي حقٍ حقَّه من الحكم الملائم له، ورضي الله عن الإمام ابن تيمية حين علَّق على حديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ( كلُّ لهو يلهو به الرجل فهو باطل، إلَّا رميه بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته امرأته فإنَّهنَّ من الحق) أخرجه ابن ماجه (2/940) والنَّسائي ،أنظره مع شرح السيوطي(6/185) بسند صحيح.
فقد علَّق ابن تيمية على هذا الحديث تعليقاً نفيساً مبيناً خلاف ما يعتقده البعض من قارئي هذا الحديث بأنَّ كلمة (الباطل) فيه يعني (المحرَّم) فقال:
( والباطل من الأعمال هو ما ليس فيه منفعة، فهذا يرخص للنفس الَّتي لا تصبر على ما ينفع ، وهذا الحقُّ في القدر الذي يحتاج إليه في الأوقات الَّتي تقتضي ذلك: الأعياد والأعراس وقدوم الغائب ونحو ذلك) الاستقامة(1/277) ـ وقد كان في هذا الموطن يتكلَّم عن ضرب الدف وأنَّه للنساء فقط وأنَّ الرجال لم يكن منهم أحد يفعل ذلك في عهده ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ولهذا ذكر ابن تيمية أثراً عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يقول: إنِّي لأستجمُّ نفسي بالشَّيء من الباطل،لأستعين به على الحق) مجموع الفتاوى(28/368)
ومن هنا نستنتج أنَّ معرفة الدَّاعية لنفسيات المدعوين وأهل المعصية ومراعاتها كلٌ بحسبه، بأنَّه من أهمِّ المهمات ليتدرج معهم في إزالة ما لديهم من قصور ديني ، فهو خبير بأنَّ الخروج عن المألوفات من أشق الأشياء على النفوس ، ولذا فإنَّه يعطيهم من البدائل المباحة الَّتي تجعلهم يتناسون ما كانوا عليه، متدرجاً بهم بهذه الطريقة إلى مرحلة القناعة والطمأنينة بما هم فيه،ومن أقوى ما يحتجُّ به لذلك ، ما قاله عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه يوماً منكراً عليه عدم إسراعه في إزالة كلِّ بقايا الانحراف والمظالم والتعفية على آثارها ورد الأمور إلى سنن الراشدين:
مالك يا أبتِ لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي، لو أنَّ القدور غلت بي وبك في الحق!!
وتأمل كيف كان جواب الأب الفقيه عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ(لا تعجل يا بني ، فإنَّ الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين وحرَّمها في الثالثة ، وإنِّي أخاف أن أحمل النَّاس على الحقِّ جملة فيدعوه جملة، فيكون من ذا فتنة) الموافقات للشاطبي(2/94)
ولهذا فإنَّ التدرج في الوصول إلى الحقِّ بهذه التربية سببٌ أكيد لقناعة المدعوين ، وليأخذوا بهذه الأحكام بتمام الرضى والفهم العميق لمقاصد الشريعة الإسلامية، قال الإمام ابن القيِّم(إنَّ حكمة هذا التدريج ؛ التربية على قبول الأحكام ، والإذعان لها ، والانقياد لها شيئاً فشيئاً) بدائع الفوائد(3/184)
2ـ التشجيع للشباب المخلصين بإيجاد البدائل الشرعية، وإنتاج المشاريع والبرامج المعينة والجذَّابة لمن ابتلي بمتابعة الصور الهابطة ، والأصوات المحرَّمة، وإنَّ من أهمِّ الأمور في ذلك بثُّ روح الإبداع والتفكير،والابتكار والطُّموح لصناعة البدائل وإيجادها والموافقة لروح الشَّريعة والاستفادة من المعطيات الجديدة، وتنمية الحس لأهمية الإطلاع والقراءة ، وكسر جميع الحواجز الَّتي تحول للإتيان بالجديد، وبورك في الشباب الطَّامحينا.
وما قتل البعض منَّا إلَّا الترديد لتلك المقولتين القائلتين ، ليس بالإمكان أحسن مما كان ، وما ترك الأولون للآخرون شيئاً ، فإنَّ هاتين المقولتين أصبحتا سمَّاً يلوكه كلُّ يائس أو كسول أو رجل ألف التقليد، مع الضَّحالة العلمية والعقم الفكري ( وحين يكون هناك جدب ثقافي ، وضحالة فكرية فإنَّ الإنسان لا يهتدي إلى كثير من البدائل الَّتي تتاح لأهل الثَّراء الفكري) من كتاب / خطوة نحو التفكير القويم ـ ثلاثون ملمحاً في أخطاء التفكير وعيوبه لعبد الكريم بكَّارصـ59.(4/74)
وقد أحسن الأستاذ المفكِّر جمال سلطان ـ وفقه الله ـ حين كتب( فإذا لم يكن لدى الأمة ومشروعها الحضاري ، بديل جاد ومتفوق يمتلك الجاذبية الفنِّية العالية ، ويتحرك على تقنيات فنِّية رفيعتة المستوى ،أو إذا لم يكن بمقدور المشروع الحضاري أن يحقق موازنة جديدة بين النشاط العلمي، والنشاط الترفيهي، أو لم يكن بمقدوره إعادة صياغة المدركات العامَّة للأمة ، بما يحقق وعياً جديداً لمفهوم الوقت ، وتقسيمه وقيمته ودوره ، أو تباين ذلك كلِّه بين الأمم ، حسب متطلَّباتها الإنسانية ، وحسب مناهجها الفكرية العقائدية (الآيديولوجية) وحسب مكانتها الحضارية ، وحسب تحدياتها التاريخية والمستقبلية ، أي أنَّه ـ بوجه عام ـ إذا لم يكن لدى المشروع الحضاري خططه وبرامجه للسيطرة على وقت الفراغ فسيكون ذلك بمثابة تأشيرة دخول مفتوحة للتَّيارات الثقافية والقيمة والأخلاقية والأجنبية ، لكي تنفذ إلى صميم الأمَّة من خلال ثقب (وقت الفراغ)) مقدمات في سبيل مشروعنا الحضاري صـ62ـ63.
3ـ عدم الدوران في فلك الذات ، وإغلاق منافذ البصيرة في وجه أيِّ جديد بحجَّة أنَّ هذه العولمة المعاصرة أكثرها شرٌ وفساد ، بل ينبغي أن ننفتح على كلِّ جديد ونوازنه بالشرع فما وافقه فحيَّ هلا ، وما خالفه فإن استطعنا أن نبيد مادَّة الحرام منه فعلنا، وإن لم نستطع فلنضرب به عرض الحائط ولا نبالي، ورحم الله من قال:
والشرع ميزان الأمور كلها وشاهد لأصلها وفرعها
ومن جميل كلام أبو حفص النيسابوري(من لم يزن أفعاله وأقواله كلَّ وقت بالكتاب والسنَّة ، ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال) الاستقامة لابن تيمية /96ـ99.
شاهد ذلك أنَّه قبل أن نحكم على أي شيء فعلينا أن نعرف حقيقته وماهيته ، ثم يُطلق الحكم الشرعي المناسب له ، والقاعدة الأصولية تقول / الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
4ـ لا يعني أنَّه إذا نودي بإيجاد البديل المنضبط ، أن يكون هذا ديدن الدعاة ، بل ينبغي أن ينادي الدعاة بأنَّه ليس كلُّ شيء حرِّم يستطاع أن يؤتى ببدائل تحل عنه، وأنَّ هذا البديل الذي استهلك العقل البشري في التفكير لإيجاده ، ليس شرطاً أن يكون فيه كلُّ مظاهر اللذَّة والمتعة عن الشيء المحرَّم، إلَّا أنَّه ينبغي أن تكون فيه مادَّة تصرف من تعلقت نفسه بالماضي ، وتكون فيه روح شفَّافة جذَّابة ليتعلق بها.
لكن من المهم جدَّاً أن يواكب هذا التغيير لتلك النفس البشرية التي نشأت من قريب على طاعة الله بأن تربى هذه النفس على طاعة الله ، وأن يكون ديدنها لأوامر الله ونواهيه بكلمة (سمعنا وأطعنا) و إذا كان البديل ليس على مستوى درجة الجاذبية لما ألفته النفس في الماضي ، أو في أيام الجاهلية فلا يعني ذلك أن ترجع النفس لماضيها ، لأنَّ ذلك من تبديل نعمة الله على العبد والتنكر لها.
بل يكون على لسان المسلم الأثر المعروف ( من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) وهذا التعويض كما ذكر علماء الشريعة إمَّا أن يكون في الحياة الدنيا، أو أن يكون ذلك في دار الآخرة وجنَّة الرضوان.
5ـ أن يتعدى الدعاة والمصلحون مرحلة المدافعة والتحذير، إلى مرحلة المواجهة والتبشير، ولقد كانت هذه وصيَّة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ لبعض أصحابه فقال:(بشِّروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا) أخرجه البخاري في كتاب العلم(2001) ، ومسلم في كتاب الجهاد(251)
فالعقلية الإسلامية تحتاج في هذا الزمن الصعب أن تكون داعية خير وتبشير، أمَّا مجرد النقد اللاذع، والإبقاء على هذا المنهج فلن يوصل المسلمين إلى مرحلة سبَّاقة ، بل يجعلهم ذلك يرجعون للوراء لأنهم لم يعرفوا كيف يواجهوا هذا العصر بتقنياته، وما هي اللغة المناسبة له ، ولذا فإنَّ المثل القائل بأنَّ إيقاد شمعة خير من لعن الظلام ؛ مثل رائع، يحتاجه دعاة هذا العصر، فإنَّ مجرد التشكي من أبناء هذا الزمان وهذا الدهر لن يفيد شيئاً ، والغريب أنَّ كثيراً من الشباب الصالح قد صار ديدنه في بعض اللقاءات التحدث بمآسي هذا الجيل ، على حدِّ قول الشاعر:
كلُّ من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن
لكنَّ القليل من يحاول أن ينقي الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويبين الخلل والاهتراءات التي حلَّت في وسطه ، محاولاً التغيير والإصلاح بالحكمة الحسنة والكلمة الطيبة، حتى يتم المقصود، وينال المراد.
إننا نحتاج حاجة ماسة لإعادة النظر في الطرق التربوية التي أَلِفَهَا بعض المربين أكثر من أربعة عقود من هذا الزمان ، أو وسائل الدعوة التقليدية والتي كانت منذ عشرات السنين وبقي الكثير على نمطها.
نحتاج لوسائل البلاغ المبين ، ولجميع المنابر التي نتواجه بها مع أبناء الجيل المسلم ، والاستفادة من المعطيات الحديثة التي تتناسب مع طبيعتنا الشرعية ، ومثلنا العقدية ( ومن خلال معرفتنا بسنن الله ـ تعالى ـ والتي تبرز لنا طبائع الأشياء ، يرتقي لدينا ما أسميه بـ(فقه الطرق المسدودة ) وهو فقه عظيم لا نجده في أي كتاب ، وإنَّما في سفر الوجود الهائل والمترامي ، حيث إننا من خلال الممارسة العملية نكتشف الهائل والمترامي، وما لا يمكن الوصول إليه ، وبذلك الاكتشاف نقترب من معرفة ما هو متاح ، كما أنَّنا نوفر على أنفسنا عناء (الحرث في البحر) حيث ألف الكثيرون منَّا تبديد الجهد والوقت والمال في محاولات الوصول إلى أشياء ليس إلى الحصول عليها أي سبيل) جزء من كلام الدكتور:عبدالكريم بكَّار في كتابه تشكيل عقلية إسلامية معاصرة صـ78.
إنَّ الداعية ـ باختصار ـ من ينفع أمته ، ويبين لها طرق الخير، فهو كما قال الشاعر:
واضح المنهج يسعى دون غش أو نفاق
راضي النفس، كبير القلب، يدعو للوفاق
قلبه المؤمن بالخالق مشدود الوثاق
نبضه الذاكر يمتد إلى السبع الطباق
7ـ وقبل الختام فهناك تنبيه/وهو في الحقيقة أمر وقع فيه بعض الأخوة الدُّعاة ـ هداهم الله ـ في قضيَّة البديل،فالمراقب لبعض البدائل التي أتيح نشرها داخل الأوساط الإسلامية يجد أنَّها قد تجاوزت ـ وللأسف ـ الحدود الشرعية، وصار فيها من التنازلات عن الشريعة الشيء الذي ينذر بوقوع حالة مكارثية ممن لهم توجهات إسلامية ، فأكثرهم لم يدرسوا هذا الدين على حقيقته ، وإن كانوا من(محبي الإسلام) ولا شك ، لكنهم يتصرفون بعض التصرفات المخلة بهذا الدين ، لأنَّ كثيراً منهم ينتج إنتاجه الإعلامي أو الاقتصادي أو التربوي ولا يستشير إلَّا أمثاله من قليلي العلم ، وضحلي المعرفة في الجذور الإسلامية ، أضف على ذلك قلَّة استشارتهم لأهل العلم وفقهاء الشريعة الربانيين، في عرض مثل هذه المنتجات، وأخذ آرائهم تجاهها، ومن ذلك :
1ـ ما يسمى بفيديو كليب فقد شاهد البعض من طلبة العلم مثل هذه البرامج ، وما يعرض فيها من الأناشيد وما يصاحبها من تكسر وتميع ، وحركات لا تمت إلى الرجولة بصلة ، بل فيها من مشابهة بعض الفسقة من المغنين في حركات الرجل وضرباتها الخفيفة على الأرض ، أو حركات اليد والتي تدغدغ مشاعر الرجال فضلاً عن الفتيات ( المراهقات) ثمَّ يسمَّى هذا العمل إنتاجاً إعلامياً (إسلامياً).
فهل هذا من البديل الذي اشتُرِطَ أن يكون منضبطاً بميزان الشريعة ، ومأموناً لجميع شرائح المجتمع؟!(4/75)
2ـ ما صار يصاحب بعض أشرطة الأناشيد الإسلامية من ضرب بالدف ويرافقه أصوات الصلاصل والمزاهر والخلاخيل ، دع عنك أن يرافق بعضها الضرب بالطبل ، والجهاز المسمى بجهاز(السامبر)، وأجهزة الكمبيوتر والتي سجِّل في بعضها بعض النغمات من الكمنجة ، والبيانو، كلُّ ذلك بحجة أنَّ هذا من البديل [الإسلامي] وأنَّه إذا لم نضع مثل هذه الملحقات مع الأناشيد فإنَّ السامعين للأناشيد الإسلامية سيكون تعدادهم قليلاً!! وأنَّ أفضل وسيلة لجذبهم هي هذه الطريقة ولأجل الارتقاء بالفنِّ الإسلامي البديع!!
والإجابة عن هذه الحجَّة الباطلة قد يطول ولكنَّنا نقول: إنَّ من أراد أن يقدِّم للناس بديلاً مشروعاً فعليه بأن يتقي الله ـ سبحانه وتعالى ـ ويرضيه قبل إرضاء إيِّ طرف من الناس، وليتذكر المرء حديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ( من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن أسخط النَّاس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس) أخرجه ابن حبَّان بسند جيد ـ انظر:السلسلة الصحيحة (2311)
والحقيقة أنَّ هؤلاء القوم المنتسبون للدعوة ويصاحبون في أعمالهم ما حرَّم الله بحجة اجتماع الناس عليهم وللمصلحة العقلية الموهومة فإنَّهم وكما قيل في المثل: يريد أن يطبَّ زكاماً فيحدث جذاماً ، فلا هم للبديل نصروا ، ولا للمعصية كسروا ـ نسأل الله لنا ولهم الهداية ـ.
3ـ لا شكَّ أنَّ العالم الإسلامي اليوم ، يحتاج لمصارف إسلامية ، وبنوك تتعامل مع الطبقات البشرية بالشريعة الإسلامية، ونحن نحمد الله ـ تعالى ـ أن صار لهذه البنوك وجوداً ولو كان بطيئاً في شوارع بعض الدول الإسلامية والتي تلبي رغبات التجَّار، وتعين المساكين وتقدِّم لهم البذل والمعونة ، وتقرضهم القروض التي لا تجر نفعاً ، وتتعامل مع من يريد تنمية ماله بالمعاملات المشروعة كالمضاربة والمشاركة والمساهمات التجارية.
بيد أنَّ هناك ـ وللأسف ـ بنوكاً أرادت أن تسوق بضاعتها بزيادة (الإسلامي) على كلمة ( البنك) للتغرير بعوام المسلمين ، وعقول البسطاء والمساكين ، ليتعاملوا معهم ويشتركوا في معاملاتهم المالية وأكثرها ـ عياذاً بالله ـ من أبواب الحيل الباطلة ، والتي يتمُّ معظم معاملاتها المصرفية بالتحايل على أبواب الشريعة، جاعلين زلَّات العلماء المتقدمين ، ورخص المعاصرين المتساهلين ديدنهم في الترويج للالتحاق بهم والتعامل معهم.
فيا سبحان الله !! وهل أصبحت البدائل المسماة إسلامية بهذا الشكل المرعب ، وأصبح البعض الذي ليس له من الثقافة الإسلامية رصيداً ولو يسيراً، يسوِّق لما يريد فعله ويضيف عليه كلمة (إسلامية) أو(إسلامي)أو على ( الشريعة الإسلامية) على طرفة السمك المذبوح على الطريقة الإسلامية! وإذا كان البعض هكذا؛ فليحذروا من عقوبة تحلُّ بهم من الله ـ عزَّ وجل ـ ونقمة شديدة يوم القيامة إن لم يتوبوا ويتداركوا أمرهم.
4ـ ومن ذلك بعض فتاوى المنتسبين للعلم والدعوة بأنَّه يجوز للمرأة أن تشترك مع الرجل في التمثيل على شاشات الرائي(التلفاز) بحجة أن الرسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال( النساء شقائق الرجال) ، وأنَّ المرأة نصف المجتمع ولها دورها فيه ، فلا بأس عليها أن تشارك في التمثيل بشرط أن يكون (إسلامياً).
والحقيقة أنَّ هذا يفتح باباً كبيراً لأهل العلمنة والفسق في محاولة التدرج بمن أردن التمثيل من النساء المنتسبات للخير والدعوة في مهاوٍ توقعهم في الردى، وفي أصعب الظروف ، وأحلك المواقف ، هذا عدا أكثر من عشرة مخالفات شرعية في هذا الباب.
5ـ ومن ذلك ما يسمَّى بالأفلام المدبلجة ، والتي أنتجتها بعض الشركات الإعلامية الكافرة،أو الشركات الفاسقة ، فما كان من البعض إلَّا وأن حذف منها أصوات الأغاني والموسيقي، وظّنََّ أنَّ تسمية هذه الأفلام بأفلام إسلامية هو الهدف الرئيس ، مع أنَّ البعض من هذه الأشرطة فيها من التلوثات العقدية، والآراء الهدَّامة ما يقشعرُّ له البدن ، ويهتز له الفؤاد، من بعض الألفاظ الشركية ، والعادات المخالفة للقيم الإسلامية ، كالشرب بالشمال، والنوم على البطن ، وعدم تشميت العاطس، والسخرية بمن ابتلي بسمنة أو داءٍ في جسده ، ومظاهر الاختلاط بين الرجال والنساء، وعرض بعض صور النساء كاشفات لشيء من شعورهن وإبراز بعض مفاتن جسدهن ، ومع ذلك تبقى أشرطة إسلامية !!
فأين المراقبة الإعلامية المتخصصة ، وأين المراجعة والتدقيق الشرعي على مثل هذه الأشرطة المد بلجة؟
بل ظهرت بعض الأفلام الإسلامية !! يقمن فيها فتيات جميلات قد قارب أكثرهنَّ البلوغ في السنِّ العاشرة والحادية عشرة ، يقمن بالإنشاد الإسلامي، مع بعض حركات الرقص المرافقة لإيقاع الدف ، ويكون بالطبع معهن بعض الأحداث الفتيان ينشدون جميعاً عند بحر، أو تلٍّ ، وتقدِّم إحدى الفتيات وردة حمراء لأحد الأحداث الذكور وهي تبتسم ابتسامة ساحرة!!
حدَّثني بذلك ـ والله ـ جمع من الشباب الذين كانوا على طريق الغواية ثمَّ منَّ الله عليهم بهدايته ـ سبحانه ـ فأقلعوا عمَّا حرَّم الله ، وقالوا لي جميعاً اشترينا هذه الأشرطة من التسجيلات الإسلامية! ورأينا أناسا يشترونها! وكنَّا نتناوب على مشاهدة هذه الأفلام! لما فيها من الصور (الإسلامية)!!!
بل قرأت لأحد هؤلاء المنتسبين للإسلام مقالاً كتبه في إحدى الجرائد يطالب فيه بديسكو إسلامي! وما أدري والله ماذا زوَّر أمثال هؤلاء في صدورهم بعد ذلك من البرامج(الاستسلامية للواقع).
وصدق من قال في هذا الزمن:
زمان رأينا فيه كلَّ العجائب وأصبحت الأذناب فوق الذوائب
والآن...أساءل أصحاب هذه البدائل الظالمة...أسائلهم بالله العلي العظيم أذلك كلُّه من باب البديل الإسلامي المنضبط ، عن أشرطة الفسق والمعصية؟ (إنَّ هذا لشيء عجاب)
لقد تعدى الأمر حدَّه ، وخرج عن أصله ، وبلغ السيل الزبى ، والله المستعان..
فليتدارك أمثال هؤلاء القوم منهجهم ، وليصلحوا أمرهم ، وليتوبوا إلى ربهم ، ويعودوا إلى بارئهم ، ولا يكونوا سبباً لإفساد الشباب ، وهم يظنون أنهم مصلحون.
ونبقى نقول نعم للبديل ولكنْ بالضوابط الشرعية، والالتزامات العقدية ، وتحت استشارة أهل الشريعة، ولا للبديل المتسيب ، والذي شطَّ عن الصواب ، وانخرط في دوائر الانفلات ، وأُقْحِمَ في الشبهات, فإنَّ هذا ليس له مكان في قلوب أهل الإيمان، ويبقى الحقُّ عليه دلائل الإشعاع الربَّاني ، والباطل عليه دلائل التحايل العصياني.( فأمَّا الزَّبد فيذهب جفاءً ،وأمَّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللَّه الأمثال)ومن الله الحول والطول ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين .والحمد لله رب العالمين..
كتبه
خباب بن مروان الحمد
==============
فتن ووهن وغثائية وذل حتى ترجعوا إلى دينكم
حاتم الفرائضي
مقدمة
[[]] إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ](4/76)
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ]
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ــــ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ]
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد .
فإن الكلمات السابقات تسمى ب ( خطبةِ الحاجةِ) وهي كلماتٌ كان يخطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهمية معانيها والآيات هي (آل عمران:102)، النساء1 ، الأحزاب70-71
أما عن هذه السلسلة ((( [فتن ووهن وغثائية وذل] من أين نبدأ ؟!؟!؟! )))
فإني أحسب أن كل داعية مخلص لله حريص على متابعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف من أن ينحرف به طريقه أو طريق من يأخذون عنه ، فَتَفَرَّقَ بهُمْ عَنْ سَبِيلِ الله !!
قال الله تعالى [ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ] [ الأنعام:153]
وما من شك أن هذه الطائفة اليقظة من الدعاة تتخوف كثيرا من أن يضل سعيها أو أن تتيه وسط العواصف العاتية التي تعصف بأهل الإسلام تريد اقتلاع العلم والإيمان من قلوبهم بنشر فتن الشهوات وزخرف الشبهات والبدع والمعتقدات المنحرفة بينهم أو تحاول جاهدة ألا يصل المسلمون إلى ما يأملونه من انتشار الإسلام وعز أهله
قال الله تعالى [ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ] سورة النور 55
فحتى لا تتيه مراكب الدعاة أو يضل سعيهم و يكونوا من
[[ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ]]
كتبت هذه السطور وأنا أبرأ من حولي وقوتي وأعوذ بالله من شرور نفسي وسيئات أعمالي لكن ، لابد مما ليس منه بد ، فإنه لا يختلف اثنان من الدعاة إلى الله على بصيرة أن سائرَ الأمم وأمتَنا خاصة تمر بتحديات كبيرة في هذه الأزمان
[[]] أما (( الفتن )) فإن أبناء الأمة يُغزون بسيل من فتن الشهوات وأخطر منه سيل من زخرف الشبهات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا : ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )) عن أبي هريرة عند مسلم (2/300).
وروى الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القَطْر يفر بدينه من الفتن)).
و" شعف الجبال " هي رؤوس الجبال
قال في معجم مقاييس اللغة : [الشَّعَفة : رأسُ الجبل ]
بل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ و الذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتَل و لا يدري المقتول في أي شيء قُتِل ] رواه مسلم
وروى مسلم برقم (2887) عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل يا رسول الله : أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟
قال : يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟
فقال رجل يا رسول الله : أرأيت إن أكرهت حتى يُنطَلَقُ بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين ، فضربني رجل بسيفه ، أو يجيء سهم فيقتلني؟
قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار)) .
وأما بداية الفتن فهي مخالفة شرع الله
قال الله : [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ][النور].
فإذا غفل المرء عن شرع الله وذكره صار أمره فرطاً ، من سيء إلى أسوأ
[[]] أما (( الوهن والغثائية )) فهما مرضان خطيران وهما ثمرتان مُرَّتان لضعف العلم والإيمان .
فلا يخفى أن كثيراً من أبناء الأمة صاروا "غثاء كغثاء السيل " كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما أظن أني بحاجة إلى إثبات وجود أوانتشار ظاهرة الغثائية .!!
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها
ولكن قِلَّةٌ من الدعاة من ينبه الأمة إلى هذه الأحاديث النبوية الصحيحة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[[ يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ؟
قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، !!
وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. !!
فقال قائل : يا رسول الله!وما الوهن؟
قال : حب الدنيا وكراهية الموت ] !!
صحيح طالع صحيح أبي داود 3610
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[[ يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل : يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟
قال لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت ] !! صحيح الجامع 8183
[[]] أما (( الذل )) فلا أَدَلَّ على ابتلاء المسلمين به
من تمكن ألف ألف يهودي من استلاب أرض فلسطين من مليار مسلم
وقبل ذلك وبعده اعتداء النصارى والمشركين على بلاد أخرى والعالم كله يتفرج على ذبح المسلمين والاعتداء على نسائهم وحرماتهم .
ووسائل إعلامهم تتغنى بأناشيد الحرية والديموقراطية يسمون الأشياء بغير أسماءها .
فإن سألتني عن علاج الذل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بينه ووضحه لأهل السنة حقاً !!
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ إذا تبايعتم بالعِيْنَةِ وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاًّ ، لا يَنزعه شيءٌ حتى ترجعوا إلى دينكم ]
رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان ، وقال الحافظ في البلوغ رجاله ثقات .
والحديث روي من أكثر من طريق قال الشيخ سليم الهلالي حفظه الله :
[[ وقد جوَّد إسناده شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى» (29/ 30) ووافقه شيخنا -رحمه الله- في «الصحيحة» (1/43/11)، وصححه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (5/295 -296 / 2484)، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في «شرح المسند» (7/27/4825 ) ]]
فأول أسباب الذل استحلال الربا تحت ستار بيع العينة ،
فتأمل تحايل الناس اليوم على الربا بتزيين من الرؤوس الجهال الذين لا يملكون من العلم إلا حرف الدال وما عدا ذلك فهو لا يعدو زخرف القول وسفسطة الفكر .(4/77)
وثاني أسباب الذل ترك أسباب عزة المسلمين والتخلي عن صناعة القوة التي ترهب العدو يكون ذلك عند التعلق بالدنيا والفرح والرضا بحصول ملذاتها كمطعم المرء ومسكنه وقد عبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ((وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ))
قال الله تعالى : [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ] سورة الأنفال (60)
وثالث أسباب الذل هو ترك الجهاد !!،
وليس الجهاد كما يتصور البعض قتال ولاة أمر المسلمين المصلين الموحدين ، ولا قتل الأبرياء من المسلمين ، ل ولا قتل اليهود أو النصارى غير المحاربين ، كالذين أعطاهم إمام المسلمين العهد أو الأمان .
كل ذلك ليس من الجهاد !! ، فلا يقوم الجهاد على فتاوى الجهال ولا على ترأس المتعالمين وليس من الجهاد الأعمال الفردية التي يُعصى بها إمام المسلمين لأن من مقتضى بيعة الإمام أن لا يعصى وأن يطاع وكل ذلك في غير معصية الله .
إن جهاد المسلمين :
حماية للمسلمين وأرضهم ودينهم ودعوتهم لتكون كلمة الله هي العليا ، لأن الفتنةَ أشدُّ من القتل وذلك عند من عظمت الآخرة في قلوبهم بخلاف من عظمت الدنيا في قلوبهم فإنهم يقولون إن "القتل أشد من الفتنة " ، فتأمل .
ولأن فتنة الناس أعظم من هلاك أنفسهم وأموالهم .
فإن الله قد أثنى على من بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله قال تعالى : [ إن اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللَّه فيَقتلون ويُقتلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن؛ ومن أوفى بعهده من اللَّه، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ] سورة التوبة آية 111
وما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد بأنه ذروة سنام الإسلام إلا لأنه يصان به الدين ، الذي صيانته أول مقاصد الشارع وبه يُرهبُ المسلمون أن يعتدى على أرواحهم التي حمايتها ثاني مقاصد الشارع وبه تصان أعراض نساء المسلمين التي صيانها من مقاصد الشارع المهمة عند أهل الإيمان والغيرة على محارم الله ، بخلاف من تبلد حسه ومات قلبه .
ولهذا يجب أن يُُربى أبناؤنا على الدفاع عن دينهم وأرضهم ونسائهم ويكون ذلك بالالتفاف حول قيادتهم وولاة أمورهم من العلماء والأمراء.
أما الذين ينشرون بين أبنائنا
أن أعدائنا أقوياء وأن الزمن تغير وأن " القتل أشد من الفتنة " !!!
وأن الواجب علينا نبذل ديننا وأنفسنا وأموالنا لتسلم دنيانا ودورنا وأموالنا !!
وأن نسلم بلادنا إلى أعدائنا إذا هوجمنا
فهم منافقون !!
أو قوم مرضت قلوبهم من فتن القنوات !!
سواء صرحوا بذلك أو لمحوا له .
كيف يكون ذلك مع أن من مات ولم يحدث نفسه بالغزو فهو ميت على شعبة من نفاق !! ،
قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم :
[ من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بغزو ، مات على شعبة من نفاق] رَوَاهُ مُسلِمٌ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
فكيف بمن يتجاهل أو يغطي هذه الأحاديث وهي لا تأمر بأكثر من حديث النفس !!
موعدهم الخزي وعذاب الله في الدنيا والآخرة
قال الله تعالى [[ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ]] (160)
أما الذين َيَشْتَرُونَ بكتمانهم العلم ثَمَناً قَلِيلاً !!
ف [أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ]
قال الله تعالى [[إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ]]
[[]] ولا شك أن تفوق عدد وعتاد العدو معتبر !!
ولهذا شُرع لإمام المسلمين أن يهادن ويصالح الأعداء متى رأى في ذلك مصلحة معتبرة ، لكن فرق بين هذا وذاك !!
فرق بين هذا وبين من يغرس في قلوب أبنائنا أن قوة العدو لا تقهر ، وأننا حتى لو نصرنا الله بنصرة دينه فلن ينصرنا الله لأننا أضعف منهم ويتناسى بدر وأخواتها ويتناسى تنزل الملائكة لنصرة المؤمنين .ويتناسى قوله تعالى
[ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ]
[ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ] وقوله تعالى [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ]
بل لسان حال بعض مفتي القنوات يقول [ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ] فلن يَنْصُركُمْ ولن َيُثَبِّت أَقْدَامَكُمْ لأنكم أضعف عتاداً
[[]] نعم !! ، إن تفوق عدد وعتاد العدو معتبر ولكن ليس على إطلاقه ،
فالأمر راجع إلى القرار الميداني لولاة الأمر ، لا دخل لعامة الناس بل ولا دخل لعامة الجند به .
أما نتيجة (التبايع بالعينة ) و(أخذ أذناب البقر ) و(الرضا بالزرع )
فهي [[ سلط الله عليكم ذلا ]]
فإن سألت عن العلاج والمَخْرَجُ والمَنْجَى من هذه الظلمات
فقد بيَّنه رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم في قوله :
(( لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم )) !!
فليسمع هذه النصيحة النبوية أصحاب التجمعات الثورية والانقلابات العسكرية لا حل إلا بتربية الناس على الإسلام والعودة إلى الدين الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فذلك طريق النصر والعزة قال الله تعالى [ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ]
وقال [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ]
لا حل إلا بحمل تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهي العلم
عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول [[ من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل اللَّه له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر] رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ.
وبعد حمل الدعاة لتركة الأنبياء يأتي دورهم في تزكية أبناء الأمة و تعليمهم الكتاب والحكمة
قال تعالى [[ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129 ) ]](4/78)
وقال تعالى [[ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164 ) ]]
وقال تعالى [[ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2 ) ]]
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حرر في 6/6/ 1426 من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكتب
حاتم بن عبد الرحمن بن محمد الفرائضي
خطيب مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بجدة
=============
معالم في طريق المستثمر المسلم
عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن المال عصب الحياة، وحفظه من مقاصد الشرع، والكل يجري وراءه؛ لأنه يسهل على الناس حياتهم ويوصلهم لكثير من رغباتهم، وقد كثرت التآليف في القديم والحديث في هذا المجال، ولكن كثيراً منها يحكي تجارب ونظريات اقتصادية مادية مع إهمال الأشياء غير المادية لانتعاش الاقتصاد والحد من الأزمات الاقتصادية. وفي هذه الأوراق محاولة للمساهمة في هذا المجال معتمدا على نصوص الوحيين وما ورد عن السلف الصالح ومن الله أستمد العون.
من أسباب الغنى:
من الأسباب الشرعية لجلب الرزق والبركة فيه ما يلي:
تقوى الله _عز وجل_، قال _تعالى_: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" (الطلاق: 2، 3).
ألا يعتمد العبد على الأسباب، بل يقرن ذلك بالتوكل كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"(1)، وصدق أبو الأسود الدؤلي في قوله:
وليس الرزق عن طلب حثيث *** ولكن ألقِ دلوك في الدلاء(2)
ومنها الاستغفار، كما في سورة نوح: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً" (نوح: 10- 12)، وفي سورة هود: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ" (هود: من الآية3).
ومنها الاستعاذة من الفقر وسؤال الله الغنى، كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يدعو حين يصبح ثلاثا، وحين يمسي ثلاثا: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وأعوذ بك من عذاب القبر"(3). وفي الحديث الآخر: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"(4).
أن يأخذ المال بسخاوة نفس ولا يأخذه بإشراف نفس لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خَضِرَةٌ حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى..."(5).
الرضا بقسمة الله _عز وجل_، فقد صح عن رجل من بني سليم رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن الله _تعالى_ يبتلي العبد فيما أعطاه فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه ووسعه وإن لم يرض لم يبارك له ولم يزد على ما كتب له"(6).
تفريغ القلب لعبادة الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن الله _تعالى_ يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدَّ فقرك وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك"(7).
جعل الاهتمام القلبي للآخرة، لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"(8).
نفع العباد وبذل النعم لهم، لحديث ابن عمر _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن لله _تعالى_ أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم"(9). وفي الحديث الآخر: "ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده"(10).
الزواج من أسباب الرزق لحديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"(11).
المتابعة بين الحج والعمرة، لحديث عمر _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد"(12).
صلة الرحم، لحديث أنس _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:"من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"(13).وعن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر"(14).
حسن التعامل مع الآخرين وخصوصا الجار منهم، لحديث عائشة _رضي الله عنها_ قالت: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمِّرن الديار ويزدن في الأعمار"(15).
من أسباب الأزمات الاقتصادية وتفشي الفقر:
لا يشك أحد أن العالم الإسلامي يشكو من أزمات اقتصادية خانقة في بعض الدول، و أسباب هذه المشكلة داخلية كما قال _تعالى_: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى:30)، وقال: "قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" (آل عمران: من الآية165)، وقد حذر النبي _صلى الله عليه وسلم_ أمته من بعض الأمور المسببة للأزمات الاقتصادية فمن هذه الأسباب:
1- الغش التجاري بنقص المكيال والميزان؛ لحديث ابن عمر الآتي.
2- منع الزكاة الواجبة،لحديث ابن عمر _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "يا معشر المهاجرين: خصال خمس إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم تحكم أئمتهم بكتاب الله _عز وجل_ ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم"(16).(4/79)
3- الحكم بغير ما أنزل الله؛ لحديث ابن عباس _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "خمس بخمس، ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر"(17).
4- التعامل بالربا؛ لقول الله _تعالى_:"يمحق الله الربا ويربي الصدقات" وعن ابن مسعود _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قلٍّ"(18).
5- تفشي الحلف بالله _تعالى_ بين التجار لترويج بضائعهم؛ لحديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب"(19). عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفِّق ثم يمحق"(20).
فضيلة العمل والاكتساب:
لقد أمر الله عباده بالعمل وطلب الكسب ، فمن ذلك قوله _تعالى_: "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..." (هود: من الآية61)، وقال _تعالى_: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ..." (الملك: من الآية15)، وقال _سبحانه_: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة:10)، وقال _تعالى_: "وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (المزمل: من الآية20).
وفي السنة نجد أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ استخدم عدة طرق للاستفادة من القوى المعطلة وحثها على الكسب والعمل فمنها:
1- الإخبار بأن من عمل ليسعى على نفسه وعائلته فهو في سبيل الله، كما في حديث كعب بن عجرة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن كان خرج يسعى على وُلده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان"(21). بل إن النفقة على الأهل صدقة كما في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "نفقة الرجل على أهله صدقة"(22). بل إن المزارع يؤجر على ما أكلته الطيور من زرعه كما في حديث أنس رضي الله عنهما عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة"(23).
2- الإخبار بأن أطيب الكسب ما كان ناتجا عن عمل أو تجارة، كما في حديث رافع بن خديج _رضي الله عنه_ قال: سئل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عن أطيب الكسب فقال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"(24).
3- ذم مسألة الناس وأن الاحتطاب خير منه، كما في حديث هشام بن عروة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي الجبل فيجيء بحزمة حطب على ظهره فيبيعها ويستغني بثمنها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه"(25).
4- تحذير الصحابة من سؤال الناس وأن ذلك محرم إلا في حالات خاصة؛ لحديث قبيصة بن المخارق _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال له: "يا قبيصة، إن المسأله لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، ورجل أصابته فاقة..."(26). وفي حديث عبدالله بن عمرو _رضي الله عنهما_: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرةٍ سويٍّ"(27)، ومن المأثور عن علي _رضي الله عنه_ أنه قال:
لنقل الصخر من قلل الجبال *** أحب إلي من منن الرجال
يقول الناس لي في الكسب عار *** فقلت العار في ذل السؤال(28)
5- ذكر القدوات من الأنبياء، وأنهم كانوا يعملون بأيديهم(29)، فقد ذكر _صلى الله عليه وسلم_ مهن الأنبياء حثا لأمته على الاقتداء بهم، كما في قوله _تعالى_ : "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ" (الأنعام: من الآية90)، فعمل نوح بالنجارة وداود كان يأكل من عمل يده مع ما أعطاه الله من الملك كما في حديث المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود _عليه السلام_ كان يأكل من عمل يده"(30)، وورد أنه كان يعمل بالحدادة وفي التنزيل: "وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ" (الأنبياء: من الآية80) وفي آية أخرى: "وألنا له الحديد"(سبأ:10)، وكان زكريا نجاراً(31)، وعمل إدريس بالخياطة وما من نبي إلا ورعى الغنم كما ثبت في الصحيح(32). وعمل نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ بالرعي كما في الحديث السابق وفيه: حتى أنت يا رسول الله؟ قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" وعمل بالتجارة كما في حديث السائب بن أبي السائب _رضي الله عنه_ قال: "كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ شريكي، وكان خير شريك، لا يداري ولا يماري"(33). واقتدى بهم صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فعملوا في التجارة والصناعة والزراعة كما في تراجمهم(34).
فقد وعى السلف _رضي الله عنهم_ هذا المقصد الشرعي فكثرت أقاويلهم في الحث عليه، فمن ذلك:
ما رواه ابن المبارك عن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أنه قال: تعلموا المهن(35). وقال _رضي الله عنه_: "مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس"(36).
ولما حج بعض أهل اليمن بغير زاد وقالوا: نحن متوكلون، بلغ ذلك عمر فقال: كذبتم إنما المتوكل رجل ألقى حبه في التراب وتوكل على رب الأرباب(37).
وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبدالله -يعني أحمد بن حنبل- يأمر بالسوق ويقول: "ما أحسن الاستغناء عن الناس"(38).
وقال له رجل: إني في كفاية، فقال أحمد: "الزم السوق تصل به الرحم وتعود به على عيالك"(39).
وقال أيوب لرجل: "الزم السوق فإنك لا تزال كريما على إخوانك ما لم تحتج إليهم"(40).
وقال علي بن جعفر: مضى أبي إلى أبي عبدالله- يعني الإمام أحمد- وذهب بي معه فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا لي، وقال لأبي: ألزمه السوق وجنبه أقرانه(41).
وقال أسود بن سالم لأحد أصحابه: اشتر وبع ولو برأس المال(42). وقال معروف الكرخي: "من اشترى وباع ولو برأس المال بورك فيه كما يبارك في الزرع بماء المطر"(43). وذلك أنه ببيعه ولو برأس ماله يستفيد خبرة في البيع وأساليبه، كما أن البضاعة كلما خزنت أكثر فإن سعرها يقل في الجملة.
ورؤي على علي _رضي الله عنه_ إزار غليظ فقال: اشتريته بخمسة دراهم، من أربحني فيه درهما بعته"(44).
ومن وصايا السلف لمن يريد أن ينجح في عمله التجاري أو الزراعي أن يباشر العمل بنفسه ويراقب عماله، فقد قال عبدالله بن عمرو _رضي الله عنهما_ لابن أخيه وقد خرج من بستانه : أيعمل عمالك؟ قال: لا أدري، قال: أما لو كنت ثقيفا لعلمت ما يعمل عمالك، ثم التفت _رضي الله عنه_ إلى جلسائه، وقال: إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره أو في ماله كان عاملا من عمال الله _عز وجل_"(45).
استثمار الأموال:
صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"(46).(4/80)
وفي قصة صاحب البستان الذي سمع صوت في السحاب يقول: اسق حديقة فلان" فسأله السامع عن سبب ذلك فقال: فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه وأرد فيه ثلثه"(47).
ومما جاء في ذلك أيضا أن من باع عقارا فليجعله في عقار آخر وإلا نزعت منه البركة، كما في حديث حذيفة _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من باع عقارا ثم لم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها"(48). وعن سعيد بن حريث _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من باع منكم دارا أو عقارا فليعلم أنه مال قمن ألا يبارك له فيه إلا أن يجعله في مثله"(49).
الاقتصاد في الإنفاق:
الإسراف والتبذير في الموارد يزيد في تضخم مشكلة تدهور البيئة، لذلك وضع الإسلام قواعد تمنع أي هدر في أي مورد، قال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً" (الفرقان:67). وقال: "وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأنعام: من الآية141)، وقال: "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" (الإسراء: من الآية27)، وقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ لسعدٍ وهو يتوضأ: "ما هذا السرف يا سعد؟"، فقال: أفي الوضوء سرف؟ قال _صلى الله عليه وسلم_: "نعم، وإن كنت على نهر جار"(50). وقال _صلى الله عليه وسلم_ لأعرابي سأله عن الوضوء، فأراه _صلى الله عليه وسلم_ الوضوء ثلاثاً، ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى أو ظلم"(51).
فإن كان في الوضوء سرف وهو مدخل للعبادة، فكيف بالإسراف والتبذير الذي يتعدى حدود الحلال، والذي يُنَفَّذ بشكل واسع عند كثير من الأمم على مستوى الأفراد والجماعات والدول؟!
ولا شك أن الكثير من الناس يعانون من عدم كفاية مرتباتهم مع أنها ليست قليلة والسبب الرئيس في ذلك عدم القدرة على الاقتصاد في المعيشة، وقد ورد أن الاقتصاد في حال الغنى فضلا عن حال الفقر من أسباب النجاة، فقد ثبت في الحديث: "ثلاث منجيات: القصد في الفقر والغنى..."(52). قال ميمون بن مهران: "اقتصادك في المعيشة يلقي عنك نصف المؤونة"(53).
أهمية الصيانة:
من المعلوم أن العمر الافتراضي لأي آلة أو مبنى أو ملبوس يتأثر بطريقة الاستخدام ومدى الاهتمام بالصيانة، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الخرق في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز، لا يقل شيء مع الإصلاح ولا يبقى شيء مع الفساد"(54).
وأنشد الإمام أحمد:
قليل المال تصلحه فيبقى *** ولا يبقى الكثير مع الفساد(55)
بعد النظر للمستقبل:
إن بعد النظر للمستقبل وأخذ الحذر من الحوادث غير المتوقعة دليل على حصافة الرجل وحسن تدبيره، وقد روى عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم"(56).
ورد الحث على العمل ولو لم يكن العامل سيستفيد من هذا العمل في القريب العاجل بل ربما لا يستفيد منه إلا الجيل القادم،حتى إنه ورد عن أنس بن مالك _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن قامت على أحدكم القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"(57).
وقال عمر بن الحطاب _رضي الله عنه_ لخزيمة بن ثابت _رضي الله عنه_: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال خزيمة: أنا شيخ كبير أموت غدا، فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها(58).
وقال الحارث النخعي: رجعنا من القادسية فكان أحدنا يُنتَج فرسه من الليل، فإذا أصبح نحر مهرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إلينا: أن أصلحوا ما رزقكم الله فإن الأمر نَفَس" أي: سعة(59).
وذكر بعض الإخباريين أن أحد الخلفاء مر على شيخ يغرس شجرة زيتون، فتعجب الخليفة وقال: كيف تغرس هذه الشجرة مع علمك أنها لا تثمر إلا بعد سنوات طويلة ومن البعيد أن تدرك ذلك، فقال الشيخ: زرع آباؤنا فأكلنا ونزرع ليأكل أبناؤنا.
الاستفادة من النفايات:
بدأت الدعوات من المتخصصين في المحافظة على البيئة والاقتصاديين إلى ضرورة تدوير النفايات والاستفادة من الصالح منها، وقد ورد مثل ذلك عن سلفنا الصالح ، فقد روى ابن قتيبة عن الأصمعي أن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_لقط نويات من الطريق فأمسكها بيده حتى مر بدار قوم فألقاها فيه وقال: "تأكله داجنتهم"(60).
ورأى أبو الدرداء _رضي الله عنه_حبًّا منثورا في غرفة له فالتقطه وقال:"من فقه الرجل رفقه في معيشته"(61).
وتصدقت عائشة بحبة عنب، وقالت لنسوة عندها: "هذا أثقل من مثاقيل ذر كثيرة" وذكر مثل ذلك عن عبدالرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم(62).
أهمية التكافل والاشتراك:
صح في الحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم"(63).
ومن صور التكافل العارية، وقد ذم الله قوما بمنعهم إعارة ما عندهم من ماعون ونحوه فقال: "وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ" (الماعون:7).
التشديد في الدين:
فإن احتاج أحد إلى المال بعد كل ما سبق من الإرشادات الشرعية لاتقاء شبح الفقر والحاجة؛ فهل يستعجل في الدَّين؟، لا، بل عليه أن يفكر كثيرا قبل الإقدام على هذا الأمر، فقد وردت النصوص في التشديد في أمر الدين فمن ذلك:
1-ما رواه محمد بن جحش _رضي الله عنه_قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "سبحان الله ماذا أنزل من التشديد في الدين والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل، وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه"(64).
2-ومنه ما رواه ثوبان _رضي الله عنه_قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول"(65).
فإذا تأمل هذه النصوص ورأى أنه لا مفر من الدين ولم يكن دينه فيما يكره الله، فلا بأس بالدين حينئذ، فقد روى عبدالله بن جعفر _رضي الله عنه_قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن دينه فيما يكره الله"(66). وقال _صلى الله عليه وسلم_:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله"(67).
وبعد الاستدانة عليه أن يكثر من الأدعية التي وردت فيمن عليه دين، فمن ذلك ما رواه علي _رضي الله عنه_قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صبير دينا أداه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك"(68)، ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري _رضي الله عنه_قال: "دخل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله. قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت، فأذهب الله همي وقضى عني ديني"(69).
توثيق العقود:(4/81)
يخطئ الكثير من الناس حينما يجرون بعض العقود دون كتابة أو شهادة، ولو وثق الناس ديونهم ومعاملاتهم بالكتابة والشهادة لارتاح القضاة في المحاكم من كثير من القضايا، ومن المتقرر أن من مقاصد الشرع الحرص على كل ما يجمع كلمة المسلمين والأمر به والمنع من كل ما يسبب الفرقة والشحناء بينهم ولهذا فإننا نجد أن أطول آية في متاب الله تعالج مشكلة عدم توثيق العقود، فقد قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ..." (البقرة: من الآية282)، وفيها الأمر بكتابة الدين وأجل ذلك الدين، ثم قال: "فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ..." (البقرة: من الآية282) وفيها أن من عليه الدين هو الذي يكتب إقرارا بالدين أو يملي إن لم يكن كاتبا، ثم قال: "وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا" (البقرة: من الآية282) وفيها أن الدين ولو قل فإن من الحكمة أن يكتب، وأن الحكمة من ذلك أن الكتابة من القسط والحكمة التي أمر الله بها وأنها تدفع الريبة والخطأ الذي يسبب ضياع الحقوق ومن ثم يسبب الشحناء، ثم أكد الأمر بالشهادة فقال: "وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ" (البقرة: من الآية282)(70).
والجمهور على أن هذه الأوامر للاستحباب لما ثبت أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ اشترى من جابر جملا فلم يشهد عليه، قالوا: ولأن الأمر للإرشاد. واختار ابن حزم الوجوب لظاهر الأمر. ولحديث أبي موسى _رضي الله عنه_قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ثلاثة يدعون الله _عز وجل_ فلا يستجاب لهم : رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله _تعالى_: "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ" (النساء: من الآية5)"(71).
ومن العجيب أن البعض يتساهل في هذا الأمر معللين بأن الثقة موجودة، مع أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ اشترى من أحد أصحابه وكتب كتابا في ذلك،فعن العداء بن خالد _رضي الله عنه_في قصة شرائه _صلى الله عليه وسلم_ منه وأنه كتب كتابا بذلك جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ، اشترى منه عبدا أو أمة على ألا داء ولا غائلة ولا خُبثة، بيع المسلم للمسلم"(72).
وسبب الأمر بالتوثيق أنه قد يحصل نسيان لبعض الحق أو جميعه، أو لصاحب الحق، وقد تحصل الوفاة لأحد المتعاقدين فيضيع الحق، ولسبب تشريع الكتابة والشهود قصة رواها أبو هريرة _رضي الله عنه_عن رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ وفيها أن الله أرى آدم ذريته فقال _تعالى_: "هؤلاء ذريتك، فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه، فإذا فيهم رجل أضوأهم أو من أضوئهم، قال: يا رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داوود، وقد كتب له عمر أربعين سنة. قال: يا رب زد في عمره، قال: ذاك الذي كتبت له، قال: أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة، قال: أنت وذاك، ثم أسكن الجنة ما شاء الله، ثم أهبط منها، فكان آدم يعد لنفسه، فأتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد تعجلت، قد كتب لي ألف سنة، قال بلى، ولكنك جعلت لابنك داوود ستين سنة، فجحد فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود"(73).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم المراجع:
الآداب الشرعية لابن مفلح تحقيق عمر القيام وشعيب الأرناؤوط.
جمع الفوائد للمغربي.
الحث على التجارة للخلال تحقيق محمود الحداد.
الرؤية الإسلامية لسلوك المستهلك- للدكتور زيد الرماني- الطبعة الأولى-1422هـ- دار طويق للنشر والتوزيع.
السلسة الصحيحة للألباني
صحيح الترغيب والترهيب للألباني
صحيح الجامع للألباني
كتاب الكسب – محمد بن الحسن الشيباني- تحقيق عبدالفتاح أبوغدة- نشر: مكتب المطبوعات الإسلامية-الطبعة الأولى.
الكشاف الاقتصادي للأحاديث النبوية- لمحيي الدين عطية-الطبعة الأولى 1408هـ -دار البحوث العلمية –الكويت.
المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبدالباقي.
-----------------------------------------
(1) رواه الترمذي 4/573 وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه2/1394.
(2) ديوان أبي الأسود /160.
(3) رواه أبو داود 5/325 والنسائي 3/74، و 8/262.
(4) رواه الترمذي كما في جمع الفوائد(2844).
(5) رواه البخاري 3/335 ومسلم 2/717.
(6) رواه احمد وصححه الألباني في صحيح الجامع /1869 والصحيحة /1658.
(7) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني /1914 والصحيحة/1359.
(8) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 6510 والصحيحة/949،950.
(9) رواه الطبراني وغيره وحسنه الألباني في صحيح الجامع/2164 والصحيحة/1692.
(10) أصل الحديث في مسلم ، جمع الفوائد(2798).
(11) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
(12) رواه احمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع/2899 والصحيحة/1200.
(13) رواه البخاري ومسلم.
(14) رواه احد والترمذي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 2965 والصحيحة/276
(15) رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع/3767 والصحيحة/519.
(16) رواه الحاكم وصححه الألباني في الصحيحة/106 وصحيح الجامع/7978.
(17) رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع /3240 وصحيح الترغيب/763.
(18) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع/3542.
(19) متفق عليه وطرقه في الإرواء/1281.
(20) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 2685.
(21) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع /1428.
(22) رواه البخاري/4006، كما في الفتح 7/317.
(23) رواه البخاري/2320 كما في الفتح 8/109، ومسلم/ 1553.
(24) رواه أحمد 4/141 والحاكم 2/10 وغيرهما كما في الصحيحة للألباني(607).
(25) رواه البخاري( كتاب البيوع – باب كسب الرجل وعمله بيده) الفتح 4/304.
(26) رواه مسلم(1044) وغيره
(27) رواه الترمذي(647) وحسنه وأبوداوود(1634)، ورواه النسائي 5/99 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(28) كتاب الكسب لمحمد بن الحسن /190.
(29) في كتاب الكسب لمحمد بن الحسن بعض الآثار في مهن الأنبياء من صفحة 74-80.
(30) رواه البخاري 4/303.
(31) رواه مسلم كما في جمع الفوائد (4571).
(32) رواه البخاري 4/441 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(33) رواه أبو داوود 5/170 وابن ماجه 2/768 والحاكم في المستدرك 2/61 وقال حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
(34) كما في كتاب المعارف لابن قتيبة/575، عن تعليق الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله على كتاب الكسب لمحمد بن الحسن/ 89.
(35) رواه ابن المبارك في الجهاد (178).
(36) نسبه صاحب كنز العمال 4/122 إلى وكيع في الزهد.
(37) نسبه صاحب كنز العمال 4/129 إلى الحكيم الترمذي وابن أبي الدنيا في التوكل والعسكري في الأمثال والدينوري في المجالسة وعزاه السيوطي في الدر المنثور 8/238 إلى الحكيم الترمذي.ونسبه محقق الحث على التجارة /142 إلى الدميري في حياة الحيوان1/666 وبنحوه عند البيهقي في الشعب.
(38) رواه الخلال في الحث على التجارة /27 ومن طريقه ابن الجوزي في تلبيس إبليس(285).
(39) الموضع السابق.(4/82)
(40) روضة العقلاء /266 والحلية 3/11 ، نقله محقق الحث على التجارة /26.
(41) رواه الخلال في الحث على التجارة /29.
(42) رواه الخلال في الحث على التجارة /57. ومقصده رحمه الله: حتى يتعلم التجارة ويعتاد على البيع.
(43) نسبه محقق الحث على التجارة /57، إلى طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/387.
(44) رواه الخلال في الحث على التجارة /96.
(45) رواه البخاري في الأدب المفرد /448 وحسنه الألباني في الصحيحة 1/13.
(46) رواه الترمذي كما في جمع الفوائد (2731).
(47) رواه مسلم كما في جمع الفوائد(2770).
(48) رواه ابن ماجه والطيالسي وحسنه الألباني في صحيح الجامع/6119 والصحيحة/2327
(49) رواه احمد وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع/6120 والصحيحة/2327 .
(50) رواه الحاكم في الكنى، وابن عساكر، عن الزهري مرسلاً (كنز العمال ج9/327)، ولا يصح مرفوعا والله أعلم.
(51) رواه النسائي في سننه، كتاب [الطهارة]، رقم (140). وروى نحوه أبو داود، كتاب [الطهارة]، رقم (135)، وابن ماجه، كتاب [الطهارة]، وأحمد في مسنده (مسند المكثرين).
(52) رواه القضاعي في مسند الشهاب 1/214-215، وحسنه بعض العلماء لشواهده والله أعلم.
(53) ورد مرفوعا ولا يصح وموقوفا ولا بأس بإسناده و نسبه محقق كتاب الخلال في الحث على التجارة /60 إلى المحدث الفاصل للرامهرمزي(360).
(54) رواه الخلال في الحث على التجارة/40.
(55) روى صاحب الأغاني21/137 عن أبي علي الحاتمي أنه قال: أشرد مثل قيل في حفظ المال وتثميره قوله - وأنشد البيت- وهو للمتلمس. كما في المرجع السابق.
(56) رواه البخاري 9/501 ومسلم 3/1378-1379.
(57) رواه أحمد 3/191 والطيالسي(275) والبخاري في الأدب المفرد( رقم 479)وقال الهيثمي 4/63: رجاله أثبات، وصححه الألباني في الصحيحة(9).
(58) رواه ابن جرير كما في السلسلة الصحيحة (7).
(59) رواه البخاري في الأدب المفرد(168) وهناد في الزهد(1289) وقال محقق الحث على التجارة/41: سنده لا بأس به، وصححه الألباني في الصحيحة 1/12.
(60) نقله محقق الحث على التجارة/41، ونسبه لابن قتيبة في الغريب2/41 وقال : إسناده منقطع.
(61) رواه وكيع في الزهد 3/782-783 وقال محقق الحث على التجارة/42: سنده محتمل التحسين.
(62) الأموال لأبي عبيد(440) والزهد لأحمد(212) والزهد لوكيع (3/783-784).
(63) متفق عليه.
(64) رواه أحمد والنسائي والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع/3600 وأحكام الجنائز/107.
(65) رواه احمد والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع/6411.
(66) رواه الحالكم والدارمي وصححه الألباني في صحيح الجامع/1825 والصحيحة/1000.
(67) رواه البخاري كما في جمع الفوائد(4765).
(68) رواه أحمد والترمذي والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع /2625.
(69) رواه أبو داوود 2/195.
(70) البقرة آية الدين.
(71) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 3075 والصحيحة/1805.
(72) رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع/2821.
(73) رواه الترمذي(3078) وقال: حسن صحيح والحاكم 1/64 و 2/325 وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان وصححه، صحيح الجامع/5209، والمشكاة/4662.
المصدر : موقع المسلم
=============
حكم تداول أسهم الشركات التي في مرحلة التأسيس
(شركة الصحراء للبتروكيماويات أنموذجا)
د. يوسف بن عبدالله الشبيلي (*)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فيكثر السؤال في هذه الأيام عن حكم تداول أسهم شركة الصحراء ، وهي شركة حديثة التأسيس رأسمالها ألف وخمسمائة مليون ريال ، أنشأت بغرض الاستثمار في المنتجات البتروكيماوية ، وقد طرحت أسهمها للتدوال بيعاً وشراءً مع أن أغلب موجوداتها في هذه الفترة من النقود ، وليس لها مشروعات إنتاجية قائمة حتى الآن .
وتحقيقاً للفائدة فقد جمعت هذه الأحرف اليسيرة لاستبانة الحكم الشرعي لتداول هذه الأسهم ، وقسمت هذه الورقة إلى العناصر الآتية :
الأول : موجودات الشركات المساهمة .
الثاني : التكييف القانوني والشرعي للسهم .
الثالث : بيع الأسهم ذات الموجودات المختلطة وعلاقته بمسألة " مد عجوة ودرهم " .
الرابع : خلاصة البحث .
أسأل الله أن يلهمنا الصواب ، وأن يجنبنا الزيغ والارتياب .
أولاً- موجودات الشركات المساهمة
لا تخلو عامة الشركات المساهمة في أي لحظة من اللحظات من الموجودات الآتية :
أولاً- الأعيان :
والمقصود بالأعيان هنا: ما سوى النقود والديون ، وهي ما يعبر عنها بلغة المحاسبة الحديثة بـ (الأصول الحقيقية)، وتشمل:
أ- الأصول الثابتة :
وهي إما أن تكون :
1. عقارات : كالأراضي والمباني والضيعات ونحو ذلك .
2. أو منقولات : كالسيارات المعدة للاستخدام ، والأجهزة والأثاث ونحو ذلك من عروض القنية .
ب- الأصول المتداولة غير المالية :
وهي ما يعبر عنها الفقهاء بـ (( عروض التجارة )) ، وهي العروض المعدة للبيع ، سواء كانت منتجات زراعية أو صناعية أو تجارية أو طبية أو غير ذلك .
ثانياً- المنافع :
المنفعة لغة : ما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبه(1)
والمقصود بالمنفعة هنا : الفائدة العرضية التي تستفاد من الأعيان بطريق استعمالها ، كسكنى المنازل وركوب السيارة ولبس الثوب وعمل العامل ، ولا تتناول الفوائد المادية كاللبن بالنسبة إلى الحيوان ، والتمر بالنسبة إلى الشجر والأجرة بالنسبة إلى الأعيان التي تستأجر ونحو ذلك(2)
وعرفها ابن عرفه : ما لا يمكن الإشارة إليه حساً دون إضافة ، يمكن استيفاؤه ، غير جزء مما أضيف إليه(3)
فالمنافع تكتسب من الأعيان بواسطة استعمالها ، وهي الهدف من ملكية الأعيان وغايتها في الحقيقة ، فليس تملك الأعيان إلا لأجل الحصول على منافعها .
غير أن ملك المنفعة قد يكون مستقلاً ومنفصلاً عن ملك مصادرها من الأعيان فيملك منفعة العين من لا يملك العين ، وعندئذٍ يكون له ملك المنفعة دون ملك العين (4)
فمن ملك داراً فقد ملك عينها ومنفعتها ، ومن استأجر داراً للسكنى ملك منفعة سكناها ومن استأجر عاملاً لعمل معين ملك عمله الذي حدد في عقد الإجارة .
فالمنفعة تارة يكون محلها عيناً من الأعيان كالسكن بالنسبة للدور ، وتارة يكون محلها الذمم كالأعمال بالنسبة للعمال (5)
وتتجسد ملكية المنافع في الشركات المساهمة في حال وجود أصول ذات منافع كالمباني والآلات ، أو منافع مجردة كالبيوت المستأجرة ، والموظفين والعمال التابعين للشركة .
ولا خلاف بين الفقهاء على جواز المعاوضة على المنافع من حيث الأ(6)، فيمكن أن يكون ثمناً ومثمناً ، كما لو استأجر رجل داراً مقابل انتفاع المؤجر بسيارة المستأجر (7).
ثالثاً-الحقوق المعنوية :
وهذه الحقوق ملازمة لوجود الشركة منذ تأسيسها ، إذ لا تخلو شركة مساهمة - ولو في مرحلة التأسيس - من هذه الحقوق .
وتشمل هذه الحقوق : الاسم التجاري للشركة ، والتصريح بالاكتتاب والتداول ، والدراسات السابقة لنشأتها ، وكلفة المخاطرة ، وكفاءة الإدارة وجودتها وغير ذلك .
فحصة مستثمر مع مدير للاستثمار ذي كفاءة عالية قيمتها عند البيع أعلى من حصة آخر مع مدير كفاءته أقل ، ولو تساوت حصتاهما من حيث القيمة الرأسمالية النقدية ، لأن الزيادة ليست بسبب زيادة في الموجودات العينية بل بسبب قوة الإدارة.(4/83)
وقد توهم البعض أن هذه الحقوق المجردة ليست محلاً للعقد ، لأنها ليست بمال متقوم شرعاً ، وهذا الرأي ضعيف جداً ، فإن المعاوضة كما تكون على عينٍ محسوسة يصح أن تكون على حقٍ معنويٍ غير ملموس ، وقد أجاز جمهور الفقهاء بيع الحقوق المجردة ، مثل حق المرور ، وحق التعلي ، وحق التسييل ، وحق الشرب ، وحق وضع الخشب على الجدار ، وحق فتح الباب ، ونحو ذلك (8)، ودلت الشريعة على جواز المعاوضة ببذل المال للتنازل عن حقٍ من الحقوق ، كالمصالحة على العفو عن القصاص ، والخلع ، والصلح بعوض للتنازل عن حق الشفعة ، وبيع العربون ، وغير ذلك من المعاوضات التي يكون محل العقد فيها حقاً مجرداً .
رابعاً- النقود :
وبيع النقد بنقد هو الصرف ، ويشترط فيه :
1. التماثل إذا بيع النقد بجنسه ، فإن بيع بغير جنسه فلا يشترط التماثل .
2. والتقابض في الحال .
خامساً- الديون :
وقد تكون بسبب تسهيلات ائتمانية من الشركة لبعض عملائها ، أو مستحقات مالية بسبب بيوعٍ آجلة ونحو ذلك .
وقد اختلف أهل العلم في حكم بيع الدين من غير من هو عليه والأظهر هو جواز بيع الدين من غير من هو عليه بثمن حاضر ، بالشروط الآتيه :
1. ألا يتفق العوضان (الدين وعوضه) في العلة الربوية ، كأن يكون الدين ريالات ويشترى بريالات أو دولارات ، أو يكون الدين براً ويشترى بتمر أو ببر ، لأن من شرط المبادلة بين هذه الأصناف التقابض ، ولا يتحقق القبض إذا كان أحدهما ديناً . قال في القواعد الفقهية : ((بيع الصكاك قبل قبضها ، وهي الديون الثابتة على الناس .. فإن كان الدين نقداً وبيع بنقد لم يجز بلا خلاف ، لأنه صرف بنسيئة)) (9).
2. ألا يربح الدائن من البيع ، فله أن يبيعه بنفس قيمته أو بأقل ولا يزداد ، لئلا يدخل في النهي عن ربح ما لم يضمن .
فهذه هي الموجودات المعتادة للشركة المساهمة ، حيث تتألف من الأعيان والمنافع والحقوق والنقود والديون ، أو من أوراق مالية ترجع إلى شيء من ذلك .
وفي الشركات التي في مرحلة التأسيس تكون الغالبية العظمى من هذه الموجودات هي النقود المحصلة من أموال المكتتبين ، ففي شركة الصحراء مثلاً تصل نسبة النقود من موجودات الشركة في هذه الفترة ما يزيد عن تسعين بالمائة حسب إفادة القائمين عليها ، ومع ذلك فالشركة لا تخلو من بعض الموجودات الأخرى ذات القيمة المعتبرة شرعاً ، كالحقوق المعنوية ومنافع الأعيان والأشخاص العاملين فيها إضافة إلى بعض الممتلكات اليسيرة .
والسؤال المطروح الآن :هل المعتبر عند بيع هذه الأسهم قيمتها السوقية بغض النظر عما تمثله من موجودات في الشركة ؟ أم ينظر إلى موجودات الشركة ويأخذ البيع حكم تلك الموجودات ؟
وعلى الثاني يجب أن تطبق شروط الصرف في بيع أسهم الشركات التي أغلب موجوداتها النقود ، فيلزم التماثل والتقابض ، ويتحقق التماثل في بيع الأسهم أثناء فترة الاكتتاب وقبل التشغيل ببيعه بقيمته الاسمية دون زيادة أو نقصان ، أما بعد التشغيل فيتحقق التماثل ببيع السهم بقيمته الحقيقية ، وهي النصيب الذي يستحقه السهم في صافي أموال الشركة ، فيشمل رأس المال المدفوع وموجودات الشركة وما أضيف إلى رأس المال من الأرباح والاحتياطيات (10).
وتساوي هذه القيمة : القيمة الدفترية لآخر فترة ، مضافاً إليها الأرباح المحتجزة .
والجواب عن هذا السؤال يتطلب تحرير التكييف القانوني والشرعي للسهم ، وعلاقة السهم بموجودات الشركة ، وهذا ما سنجيب عنه بمشيئة الله تعالى في الأسطر القادمة
ثانياً-التكييف القانوني والشرعي للسهم
التكييف القانوني :
السهم في القانون التجاري هو صك يمثل حصة في رأس مال شركة المساهمة(11).
وللأسهم خصائص متعددة منها :التساوي في القيمة ، والقابلية للتداول ، والقابلية للتسييل (12) ، وعدم القابلية للتجزئة ، وغير ذلك (13).
وخلافاً للنظرة الشرعية ، فإن القانون التجاري - بما يمنحه للشركة المساهمة من شخصية اعتبارية - يميز بين ملكية السهم ، وملكية الأصول والأعيان التي يتضمنها السهم .
فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة ، بحيث إن الحصص المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك إلى ملكية الشركة ، ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق عيني عليها ، ولا يبقى لهم إلا حق في الحصول على نصيب من أرباح الشركة أثناء وجودها ، وفي اقتسام قيمة بيع موجوداتها عند التصفية .
ولقد لا حظت كثير من القوانين هذا الاستقلال ففرضت ضريبة الدخل أو الأرباح على الشركات بشكل منفصل عن ضريبة الدخل على الأفراد ، فالشركة تدفع ضريبة على مجموع أرباحها سواء وزعتها أم لم توزعها ، والمستثمر يدفع ضريبة أيضاً عما حصل عليه من أرباح موزعة ، دون أن يعتبر ذلك ازدواجاً ضريبياً ، لأن للشركة أو الصندوق الاستثماري شخصية قانونية وذمة مالية مستقلتين عما للمستثمرين أفراداً أو مجتمعين (14).
التكييف الشرعي للسهم :
لا يختلف التكييف الشرعي للسهم كثيراً عن التكييف القانوني ، إلا في دمج ملكية السهم بملكية موجوداته ، فالسهم لا يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان ، بل إن الشركة أو الوعاء الاستثماري مملوك بما فيه للمساهمين .
وعلى هذا فالتكييف الشرعي للسهم أنه: ((حصة شائعة من موجودات الشركة ، أياً كان نوع هذه الموجودات)).
فقد تكون موجودات الشركة أصولاً مالية - نقوداً أو أوراقاً مالية - ، وقد تكون أصولاً حقيقية من عقارات وسلع ومنافع وغير ذلك ، وقد تكون مزيجاً من هذه الأصول أو بعضها .
وقد أوجدت الطبيعة المزدوجة للسهم ، تبايناً في وجهات النظر عند العلماء المعاصرين ، في تحديد النظرة الشرعية التي يجب أن يعامل بها السهم لتنزيل الأحكام الشرعية عليه .
فمع أن الجميع متفقون على أن السهم حصة شائعة في موجودات الشركة ، إلا أن قابليته للتداول والتسييل بسهولة جعل البعض يميل إلى تكييفه على أنه (( عَرْضٌ )) مطلقاً بصرف النظر عما يتكون منه من نقود أو ديون أو منافع أو غير ذلك ، وهو رأي يقترب من النظرة االقانونية التي قدمناها آنفاً ، والتي تفصل بين ملكية السهم ، وملكية موجوداته ، فموجودات الشركة ليست بالضرورة - على هذا الرأي - هي موجودات السهم .
ويظهر أثر هذا الاختلاف جلياً في ثلاثة أبواب من أبواب الفقه ، هي :
- باب الزكاة .
- وباب البيع .
- وباب الرهن .
وفيما يلي عرض لهذين الرأيين ، وما يترتب على كل منهما من أثر في هذه الأبواب ، وإن كان بعضهم قد أبدى رأيه في باب دون الآخر إلا أن إجراء الحكم في جميع المسائل من لازم قوله .
فنقول :
اختلف العلماء المعاصرون في تكييف الأوراق المالية التي تمثل حصص ملكية كالأسهم على قولين:
القول الأول :
يرى بعض العلماء أن الأسهم أموال قد اتخذت للاتجار ، فإن صاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء ، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته ، فهي بهذا الاعتبار عروض تجارة ، مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها (15).
وإلى هذا ذهبت ندوة البركة الثانية ، وبعض الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية وذلك إذا كان من ضمن موجودات الشركة نسبة ولو يسيرة من الأعيان (غير النقود والديون) (16)
ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يلي :
الحجة الأولى :
قوله عليه الصلاة والسلام : ((من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)) (17).(4/84)
ووجه الدلالة منه : أنه اجتمع في المبيع : عبد وهو عَرض ، ومال ، فأعطي الجميع حكم العرض ، فيجوز بيعه سواء كان المال الذي معه معلوماً أو مجهولاً ، من جنس الثمن أو من غيره ، عيناً كان أو ديناً ، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر (18).
وقياساً على ذلك يجوز بيع الورقة المالية بغض النظر عما في موجوداتها من الديون والنقود ، فإن من موجوداتها عروضاً من مبانٍ وآلات ونحو ذلك ، ونقوداً ، فتأخذ حكم العروض بدلالة الحديث .
ويمكن مناقشة هذه الحجة :
(بأن الحديث محمول على أن قصد المشتري للعبد لا للمال ، فيدخل المال في البيع تبعاً ، فأشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف ، فأما إذا كان المال مقصوداً بالشراء فيجوز اشتراطه إذا وجدت فيه شرائط البيع من العلم به ، وألا يكون بينه وبين الثمن ربا ، كما يعتبر ذلك في العينين المبيعتين ، لأنه مبيع مقصود) (19)أ.هـ.
وعليه : فيصح الاستدلال لو كان القصد من الورقة المالية هو العروض دون النقود .
ويجاب عن هذه المناقشة :
بأن المساهم – عند شرائه السهم – لا يقصد امتلاك موجودات ذلك السهم ، بل لربما لا يعرف مافي الشركة من موجودات ، وإنما قصده الحصول على الربح إما بالمضاربة بالسهم في السوق المالية (الأرباح الرأسمالية) أو بالاحتفاظ به حتى موعد توزيع الأرباح (الأرباح الدورية)، فالنقود أو الديون التي من موجودات الشركة ليست مقصودة له ولو كانت تمثل النسبة العظمى من تلك الموجودات .
الحجة الثانية :
أن الأوراق المالية ومنها الأسهم أصبحت سلعاً تباع وتشترى ، وصاحبها يكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته ، وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق ، تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية (20).
ويمكن مناقشة هذه الحجة :
بأن كون الأوراق المالية قابلة للتداول لا يخرجها عن ماهيتها وحقيقتها الشرعية ، فالنقود الورقية أصبحت سلعاً تباع وتشترى ، ومع ذلك فهي ليست عروض .
ما يترتب على هذا القول :
(1)- في الزكاة :
يجب أن تزكى الأوراق المالية زكاة عروض التجارة مطلقاً ، سواء قصد المشتري من امتلاك الورقة المالية التجارة أو الغلة ، وذلك بأن تقوم تلك الأوراق في نهاية الحول بقيمتها السوقية ، ويؤخذ ربع العشر من قيمتها.
(2)- في البيع (21).
ينطبق على بيع الورقة المالية أحكام بيع العروض ، فلا يجري فيها ربا الفضل أو النسيئة حتى ولو كان معظم موجوداتها نقوداً أو ديوناً ، فيجوز بيعها بالنقود بقيمتها السوقية ، وإن كانت مختلفة عن قيمتها الحقيقيه ( القيمة الدفترية + الأرباح ) ، ويجوز بيعها أيضاً من غير قبض لثمنها .
القول الثاني :
ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى أن للسهم حكم ما يمثله في موجودات الصندوق أو الشركة التي أصدرته ، من عروض أو نقود أو ديون أو منافع ، فيختلف حكمه باختلاف تلك الموجودات(22).
وبهذا القول صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته الرابعه (23).
احتج أصحاب هذا القول بما يلي :
الحجة الأولى :
أن السهم ما هو إلا مستند لإثبات حق المساهم ، فلا قيمة له في نفسه وإنما بما يمثله من موجودات الشركة ، فيجب أن يأخذ حكمها (24).
نوقش :
بأن القيمة السوقية للسهم تختلف ارتفاعاً وهبوطاً ، فهي لا تمثل القيمة الحقيقية لموجودات الشركة(25).
أجيب :
بأن تقلب القيمة السوقية ارتفاعاً وهبوطاً أمر طبيعي لأن رأس المال المدفوع قد استخدمته الشركة في شراء موجوداتها ، وهذه الموجودات استخدمت في أنشطة إنتاجية قد تنجح فتقوي من مركز الشركة المالي ، وقد تفشل فيحدث العكس ، وفي كلتا الحالتين تتأثر القيمة الحقيقية للورقة ، وتبعاً لذلك تتأثر القيمة السوقية ، لأن القيمة الحقيقية تعتبر مؤشراً موضوعياً للقيمة السوقيه (26).
الحجة الثانية :
أن الشركة المساهمة إما أن تكون على سبيل المضاربة أو العنان ، وعلى كلا الحالين فإن نصيب الشريك نافذ على موجودات الشركة .
ويمكن مناقشة هذه الحجة :
بأن شركة المساهمة تختلف عن شركة المضاربة والعنان اللتين عرفهما الفقه الإسلامي باعتبارات متعددة ، منها :
1. أن شركة المساهمة من شركات الأموال التي تتجلى فيها الشخصية الاعتبارية المستقلة للشركة عن ملاكها ، بخلاف المضاربة والعنان فإنهما من شركات الأشخاص التي يرتبط تكوينها وماهيتها بأشخاص ملاكها ولهذا تفصل القوانين التجارية بين المساهمين الذين يمتلكون "الأسهم" والشركة التي تمتلك "الموجودات".
2. أن ملكية الأسهم منفصلة عن ملكية موجوداتها ، ولهذا لوصفيت الشركة لا يحق لأي من الشركاء المطالبة بقسمة الموجودات أو بحصته من أعيانها حتى ولو كانت مثلية ،بخلاف شركتي العنان والمضاربة فإن الأصل فيهما هو التصفية الحقيقية لا الحكمية (التقديرية) ، فلو طلب الشريك عند التصفية حصته بعينها من الموجودات أي المقاسمة لزم الآخر إجابته إلى ذلك ، قال في المغني : " وإن طلب أحدهما القسمة والآخر البيع أجيب طالب القسمة دون طالب البيع "(27) .
3. أن السهم –إذا تحقق المتعاقدان بأنفسهما أوبقول من يثقان به من خلوه من المحاذير الشرعية– فإنه يجوز تداوله بيعاً وشراءً وإن لم يعلما حقيقة ما يمثله من موجودات الشركة ، ولايعد بذلك من عقود الغرر ، لأن قصدهما في الربح لا في الموجودات ، والغرر إنما يؤثر في العقد إذا كان مقصوداً لا تابعاً ، أما حصة الشريك في العنان والمضاربة فلا يجوز بيعها أو شراؤها إلا بعد العلم بموجوداتها تحديداً وإلا كان من عقود الغرر ، لأن تلك الموجودات مقصودة بذاتها.
4. أن شركة المساهمة ذات مسؤلية محدودة بخلاف العنان والمضاربة .
5. قابلية السهم في الشركات المساهمة للتداول والتسييل بخلاف حصة الشريك في العنان والمضاربة .
6. اختلاف القيمة السوقية للسهم عن القيمة الحقيقية ( القيمة الدفترية + الأرباح ) بخلاف حصة الشريك في العنان والمضاربة فإن قيمتها عند التصفية بقيمة ما تمثله من موجودات .
7. ثبوت حق الشفعة في العنان والمضاربة عند توفر شروطه بخلاف الشركات المساهمة .
فكل هذه الاعتبارات وغيرها تمنع من تطبيق أحكام العنان والمضاربة وغيرها بحذافيرها على الشركات المساهمة ، وتجعل العلاقة بين السهم وموجوداته أضعف مما هي عليه في شركات الأشخاص.
ما يترتب على هذا القول :
1- في الزكاة : يأخذ السهم حكم زكاة موجودات الشركة التي أصدرته وطبيعة نشاطها ، فينظر إلى موجودات الشركة ونشاطها وتحسب الزكاة وفقاً لذلك .
2- في البيع : تأخذ الأوراق حكم بيع موجوداتها ، فإن كانت ديوناً فلها حكم بيع الديون وإن كانت نقوداً فلها حكم بيع النقود ، وإن كانت أعياناً أو منافع فلها حكم بيع الأعيان والمنافع .
الترجيح بين القولين السابقين :
مما لاشك فيه أن الخلاف السابق جوهري ويترتب عليه مسائل متعددة ، وأحكام متباينة ، ولكني سأحجم عن الترجيح بين القولين لأن نتيجة القولين في المسألة التي نحن بصدد دراستها بخصوصها واحدة كما سيأتي .
ثالثاً-بيع أسهم الشركات وعلاقته بمسألة "مد عجوة ودرهم"(4/85)
عرفنا فيما تقدم أن موجودات الشركات المساهمة لا تخلو من كونها خليطاً من أنواعٍ متعددةٍ من الأموال ، ولكن أغلب هذه الموجودات في الشركات حديثة التأسيس تكون من النقود ، فعلى قول من يرى أن للأسهم حكم العروض مطلقاً فلا إشكال في تداول أسهم هذه الشركات بقيمتها السوقية بغض النظر عن موجوداتها ، لأن الحكم للأعيان مطلقاً ، اكتفاءً بمبدأ الخلطة ، فلا يشترط للبيع تقابض ولا تماثل ولو كانت النقود أو الديون هي الغالبة.
أما على رأي من يرى أن حكم بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها فإنه ينظر إلى الأغلب من تلك الموجودات ، فيعطي الأسهم حكم الأغلب فإن كانت الأعيان هي الغالبة ، فله حكم بيع الأعيان ، وإن كانت النقود هي الغالبة ، فله حكم المصارفة ، وإن كانت الديون هي الغالبة فله حكم بيع الديون .
وإلى هذا القول ذهب مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة (28).
ويجري على هذا القول – الثاني – الخلاف بين الفقهاء المتقدمين فيما إذا بيع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما ، وتعرف بمسألة (( مد عجوة ودرهم )) (29).
وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال :
1. المنع مطلقاً .
2. الجواز إن كان المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه .
3. الجواز إن كان غير الربوي تابعاً .
وقبل الشروع في ذكر الخلاف وما يترتب عليه وحجج كل فريق ، يحسن أولاً تحرير محل النزاع في المسألة .
فثمت مسائل اتفقت هذه الأقوال عليها :
1- إن باع ما فيه الربا بغير جنسه ، ومعه من جنس ما بيع به ، إلا أنه – أي الربوي – تابع غير مقصود ، فإن كان يسيراً ، فالبيع جائز ، قال ابن قدامة : (( لا أعلم فيه خلافاً )) (30).
ووجود الربوي في هذا البيع كعدمه .
وذلك مثل أن يشتري داراً مموهاً سقفها بالذهب ، بذهب ، أو بدار سقفها مموه بالذهب .
وتتفاوت المذاهب في تحديد القدر الذي يتسامح فيه بوجود الربوي في الصفقه ، فنجد المذهب الشافعي أشد هذه المذاهب ثم المالكي والحنبلي ثم الحنفي .
فالشافعية يضبطون ذلك بأن يكون الربوي يسيراً تابعاً بالإضافة إلى المقصود ، كبيع حنطة بشعير ، وفيها أوفي أحدهما حبات من الآخر يسيرة (31).
والحنابلة يحددون ذلك بأن يكون الربوي التابع يسيراً غير مقصود ، كالملح فيما يعمل فيه ، أو كثيراً لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب (32).
بينما يرى المالكية جواز بيع المحلى إذا بيع بنقد من غير جنسه بثلاثة شروط :
الأول : أن تكون الحلية مباحة ، كتحلية السيف والخاتم ونحوهما ، فإن كانت محرمة كالثياب فلاتجوز.
الثاني : أن تكون الحلية مسمرة .
الثالث : أن يباع معجلاً من الجانبين ، لأن العقد اجتمع فيه بيع وصرف .
فإن بيع بجنسه فيشترط إضافة إلى ما تقدم شرط رابع وهو أن تكون الحيلة بقدر الثلث فأقل .
ومع هذه الشروط فالمالكية يرون أن العقد مشتمل على المصارفة ولذا اشترطوا التقابض .
وفيما سوى ذلك لا يجوز بيع ما فيه فضة أو ذهب بنوع ما فيه منهما إلا أن يكون ما فيه من الفضة والذهب إذا نزع لم يجتمع منه شيء له بال فلا بأس حينئذٍ ببيعه بنوع ما فيه نقداً أو نسأً ، لأن وجود النقد كعدمه (33).
ويقيد الحنفية ذلك بما إذا كان النقد يسيراً كالتمويه اليسير الذي لا يحصل منه شيء يدخل في الميزان بالعرض على النار ، فوجود الربوي في هذه الحالة لا يؤثر (34).
ويرى الإمام الأوزاعي : إن كانت الحلية تبعاً وكان الفضل في الفضل جاز بيعه بنوعه نقداً وتأخيراً(35).
2- لا أعلم خلافاً بين العلماء أنه إذا بيع ربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسه ، وكان كل منهما – أي الربوي وغير الربوي – مقصوداً في العقد ، فيجب التقابض بين العوضين .
فحتى الأحناف الذين يرون صحة البيع لا ينازعون في أن العقد يشتمل على الصرف فيجب فيه التقابض .
قال في الهداية : ((إن باع سيفاً محلى بمائة درهم ، وحليته خمسون فدفع من الثمن خمسين جاز البيع وكان المقبوض حصة الفضة .. فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد في الحلية)) قال في الشرح: ((لأنه صرف فيها)) (36).
3- إذا بيع النقد من غير جنسه ومع أحدهما أو كليهما متاع ، كما لو بيع ذهب بفضة وثوب ، أو ريالات بدولارات وكتاب ، وحصل التقابض في المجلس ، صح العقد عند الجمهور مطلقاً مجازفة كان أو متفاضلاً أو متساوياً لاختلاف الجنسين ، ويصح عند المالكية أيضاً بشروطهم السابقة (37).
فإذا بيع الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما ، وكان كل من الربويين مقصوداً في العقد ، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
المنع مطلقاً .
وهذا مذهب الجمهور من المالكية(38)، والشافعية(39)، والحنابلة في الرواية المشهورة (40)والظاهرية. (41).
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
الدليل الأول :
ما روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن))(42).
ووجه الدلالة منه : (( أنه أمر بنزع الخرز وإفراد الذهب ليمكن بيعه ، ولو جاز بيعه مع الخرز لما احتاج إلى وزنه ، ثم قال : ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)) فنبه بذلك إلى أن علة إفراده بالبيع أن يتحقق فيه الوزن بالوزن)) (43).
نوقش هذا الاستدلال من جهتين :
الأولى : من حيث ثبوته :
فإن الحديث مضطرب ، فقد روي بألفاظٍ مختلفة (44)، ، ففي بعض الروايات أنه اشترى قلادة ((فيها خرز وذهب))(45).
وفي بعضها ((ذهب وجوهر)) (46). ، وفي بعض الروايات أنها بيعت ((باثني عشر ديناراً)) (47)، وفي بعضها (( بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير)) (48).
أجيب :
(( بأن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفاً بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع ما لم يفصل ، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما يوجب الحكم بالاضطراب ، وحينئذٍ فينبغي الترجيح بين رواتها ، وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم ، وتكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة )) (49).
الثانية : من حيث دلالته :
فإن الحديث لا دلالة فيه على المقصود لأمرين :
الأول : أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم رده لأن ذهب القلادة أكثر من ذهب الثمن بدليل ما جاء في بعض روايات مسلم : ((أنه اشتراها باثني عشر ديناراً ، قال : ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً))(50).
الثاني : ويحتمل أنه رده لأن هذه القلادة لا يعلم مقدار ذهبها أهو مثل وزن جميع الثمن أو أقل من ذلك أو أكثر ، ومن شرط صحة البيع التحقق من أن الثمن أكثر من الذهب (51).
أجيب :
بأن ما ذكر من احتمالات غير وارد لثلاثة أمور :
1. (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الجواب من غير سؤال فدل على استواءالحالين)) (52).
2. أنه جاء في رواية أبي داود أن المشتري قال : (( إنما أردت الحجارة )) فدل على أن الذهب يسير دخل على وجه التبع (53).
3. أن فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو صاحب القصة قد حمل النهي على العموم ، فقد سئل عن شراء قلادة فيها ذهب وورق وجوهر ، فقال : انزع ذهبها فاجعله في كفة ، واجعل ذهبك في كفة ، ثم لا تأخذه إلا مثلاً بمثل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل))(54).
الدليل الثاني :(4/86)
عموم الأحاديث في النهي عن بيع الربوي بجنسه إلا مثلاً بمثل ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ))
ووجه الدلالة : أن وجود شيء مع الربوي يمنع من تحقق المساواة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح البيع إلا بفصل الربوي وحده .
ويناقش :
بأن شرط المساواة متحقق فيما إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره ، بأن يجعل الربوي المخلوط بما يقابله من المفرد ، وما فضل من المفرد بالخِلط الذي مع الربوي .
الدليل الثالث :
أن العقد إذا جمع عوضين مختلفي القيمة ، كان الثمن مقسطاً على قيمتهما على الشيوع ، لا على أعدادهما .
يوضح ذلك أصلان :
أحدهما : أن من اشترى شقصاً (55).من دارٍ وعبداً بألف فاستحق الشقص بالشفعة كان مأخوذاً بحصته من الثمن اعتباراً بقيمته وقيمة العبد ولا يكون مأخوذاً بنصف الثمن .
الثاني : أن من اشترى عبداً وثوباً بألف ثم استحق الثوب أو تلف كان العبد مأخوذاً بحصته من الألف ، ولا يكون مأخوذاً بنصف الألف .
وبتطبيق ذلك على العقد هنا يلزم الفساد لأن العقد يتردد بين أمرين : إما العلم بالتفاضل أو الجهل بالتماثل ، وكلاهما مفسد للعقد ، لأنه يجوز أن تكون قيمة المد الذي مع الدرهم أقل أو أكثر أو يكون درهماً لا أقل ولا أكثر ، فإن كان أقل أو أكثر كان التفاضل معلوماً ، وإن كان درهماً كان التماثل مجهولاً ، لأن التقويم ظن وتخمين والجهل بالتماثل – في باب الربا –كالعلم بالتفاضل ، ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرصِ (56).
نوقش هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه :
الأول : أن انقسام الثمن بالقيمة لغير حاجة لا دليل عليه (57).
الثاني : (( أن مطلق المقابلة تحتمل مقابلة الجنس بالجنس على سبيل الشيوع من حيث القيمة كما قلتم ، وتحتمل مقابلة الجنس بخلاف الجنس .. إلا أنا لو حملناه على الأول لفسد العقد ، ولو حملناه على الثاني لصح ، فالحمل على ما فيه الصحة أولى )) (58).
الثالث : وعلى فرض التسليم بأن التماثل مبني على الظن ، فإن بيع الربوي بالربوي على سبيل التحري والخرص جائز عند الحاجة ، إذا تعذر الكيل أو الوزن ، كما يقول ذلك مالك والشافعي وأحمد في بيع العرايا بخرصها (59).
الدليل الرابع :
أن هذا العقد ممنوع سداً لذريعة الربا ، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح وارد ، كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلاً للمائة في مقابلة الكيس ، وقد لا يساوي درهماً (60).
القول الثاني :
الجواز إذا كان ما مع الربوي تابعاً .
فيجوز بيع الفضة التي لم يقصد غشها بالخالصة مثلاً بمثل .
وهو رواية في مذهب الإمام أحمد (61).
، اختارها شيخ الإسلام ابن تيميه في أحد قوليه (62).استدل أصحاب هذا القول :
بقوله عليه الصلاة والسلام: ((من ابتاع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع )).
ووجه الدلالة منه : أن الحديث دل على جواز بيع العبد بماله إذا كان قصد المشتري للعبد لا للمال ، فيجوز البيع سواء كان المال معلوماً أو مجهولاً ، من جنس الثمن أو من غيره ، عيناً كان أو ديناً ، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر(63).
ويقاس عليه إذا كان الذي مع الربوي تابعاً غير مقصود (64).
ويناقش :
بأن الربوي في مسألة مد عجوة ودرهم مقصود بالعقد ، أما المال الذي مع العبد فالمقتضي لجواز بيعه بثمن من جنسه كونه تابعاً غير مقصود بالأصالة ، ولا يصح قياس إحدى المسألتين على الأخرى لأمرين:
الأول : أن الربوي إذا كان تابعاً غير مقصود لا يتصور كون العقد حيلة على الربا ، بخلاف ما إذا كان غير الربوي هو التابع .
الثاني : أنه إذا بيع الربوي بما يساويه من جنسه ومع أحدهما جنس آخر غير مقصود ، فإن ذلك يؤدي إلى التفاضل ، لأن غير الربوي له قسط ولو يسيراً من قيمة العوض المفرد .
القول الثالث :
جواز بيع الربوي بجنسه ومعه من غير جنسه بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسهما .
وهذا مذهب الأحناف (65).، ورواية عن الإمام أحمد ، اختارها شيخ الإسلام ابن تيميه في أشهر قوليه (66)، وقيد الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية الجواز بقيدٍ آخر وهو ألا يكون القصد من هذه المعاملة التحايل على الربا ، وذلك بأن يكون لما مع الربوي قيمة حقيقية (67).
وجوز الشافعية في وجه ضعيف عندهم : إذا باع مداً ودرهماً بمد ودرهم ، والدرهمان من ضرب واحد ، والمدان من شجرة واحدة فإنه يصح(68).
فعلى هذا القول : من باع سيفاً محلى بثمن أكثر من الحلية ، وكان الثمن من جنس الحلية جاز وذلك لمقابلة الحلية بمثلها ذهباً كانت أم فضة ، والزيادة بالنصل والحمائل والجفن (69).
فإن تساوى المفرد مع المضموم إليه غيره ، أو كان المفرد أقل بطل البيع ، لتحقق التفاضل ، وكذا إذا لم يدر الحال لاحتمال المفاضلة أو الربا .
قال في الهداية : (( ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهباً بذهب ، وأحدهما أقل ، ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية ، وإن لم تبلغ فمع الكراهة ، وإن لم يكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع )) (70).
فإن تساوى المفرد مع المضموم إليه غيره ، أو كان المفرد أقل بطل البيع ، لتحقق التفاضل ، وكذا إذا لم يدر الحال لاحتمال المفاضلة أو الربا .
قال في الهداية : ((ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهباً بذهب ، وأحدهما أقل ، ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهية ، وإن لم تبلغ فمع الكراهة ، وإن لم يكن له قيمة كالتراب لا يجوز البيع)) (71).
نوقش هذا الاستدلال من وجهين :
الأول : أن الواجب حمل العقد على ما يقتضيه من صحة وفساد ، وليس تصحيح العقد ، ولو كان ما قالوه أصلاً معتبراً لكان بيع مد تمر بمدين جائزاً ليكون تمر كل واحد منهما بنوى لآخر (72).
الثاني : أن هذا منتقض (( بمن باع سلعة إلى أجل ثم اشتراها نقداً بأقل من الثمن الأول فإنه لا يجوز عند الأحناف مع إمكان حمله على الصحة ، وهما عقدان يجوز كل واحد منهما على الإفراد ، فجعلوا العقد الواحد هاهنا عقدين ليحملوه على الصحة فكان هذا إفساداً لقولهم))(73).
الدليل الثاني :
أن الربا إنما حرم لما فيه من ظلم يضر المعطي ، وقد يكون في هذه المعاوضة مصلحة للعاقدين هما محتاجان إليها ، كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة ، والمنع من ذلك مضرة عليهما ، والشارع لا ينهى عن المصالح الراجحة ، ويوجب المضرة المرجوحة ، كما قد عرف ذلك من أصول الشرع (74).
الترجيح :
باستعراض الأقوال المتقدمة وأدلتها نجد أن الفريق الثالث يستند إلى البراءة الأصلية بينما استدل الفريقان الأول والثاني على المنع بأدلة لا تخلو من مناقشة :
فحديث فضالة بن عبيد – وهو عمدة المانعين – لا يسلم الاستدلال به للاحتمالات الواردة عليه ، وهي احتمالات قوية ، والقاعدة أن الدليل إذا طرأ عليه الاحتمال ، وكان الاحتمال قوياً ، بطل به الاستدلال .
وأجوبة الفريق الأول عن هذه الاحتمالات غير وجيهة لأن الثابت في صحيح مسلم أن الذهب الذي في القلادة أكثر من الثمن .
وأما الدليل العقلي فقد أجيب عنه .(4/87)
ويبقى كون العقد ذريعة إلى الربا ، وهو دليل متوجه وقوي ، لكن ينبغي حمله على ما إذا تضمن العقد تحايلاً على الربا ، فيحرم لذلك ، أما إذا لم يكن حيلة للربا بأن كان ما مع الربوي مقصوداً فعلاً للعاقد فلا يظهر المنع ، لا سيما وأن هذه المعاملة قد يحتاج إليها العاقدان ، ولا يتمكنان من إجراء العقد على سبيل التفضيل بأن يقول : بعتك مداً بمد ، ودرهماً بمد ، وهي الصورة التي يجيزها الفريق الأول(75).
وأقرب شاهد على ذلك العقد الذي نحن بصدده ، وهو بيع الأسهم التي موجوداتها مختلطة ، فمن الصعوبة بمكان أن يلزم العاقدان بالتفصيل على النحو السابق .
ولذلك فإن الذي يترجح هو جواز هذه المعاملة إذا لم تكن حيلة على الربا وكان الربوي المخلوط أقل من الربوي المفرد ، وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية ، ولم يؤت به للتحليل ، والله أعلم .
وتطبيقاً للأحكام السابقة :
فعلى فرض صحة القول الثاني وهو أن بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها :
1. فإن بيع الأسهم إذا كانت موجوداتها مختلطة من نقود وغيرها وكانت تلك النقود مقصودة لذاتها فالبيع لا يصح عند الجمهور إلا إذابيعت بعملة غير عملة الأسهم فيصح عند الجميع سوى المالكية .
وأما على القول الراجح فيصح البيع بنفس العملة بشرطين :
الأول : أن يكون الثمن الذي يشترى به السهم أكثر من قيمة موجوداته من النقود والديون .
الثاني : أن يتقابضا العوضين - شهادة الأسهم وثمنها -قبل التفرق .
2- فإن كانت موجودات الأسهم من النقود والديون تابعة غير مقصودة فيصح البيع مطلقاً عند الجميع من غير اشتراط التقابض أو زيادة الثمن على قيمة تلك النقود والديون ، لأن هذه النقود تابعة فلا حكم لها والقاعدة عند أهل العلم أن " التابع تابع " و " يثبت تبعاً ما لايثبت استقلالاً".
والذي يحدد كون النقود والديون تابعة أم لا ، هو طبيعة نشاط الشركة ، فإذا كانت الشركة تستثمر أموالها في بيوع آجلة فالديون أصيلة فيها حتى ولو كانت نسبتها – عند بيع السهم -من الموجودات قليلة.
وإذا كانت الشركة مصرفية فالنقود أصيلة فيها ولو كانت نسبتها من الموجودات قليلة .
وإذا كانت شركة ذات نشاط زراعي أو تجاري أو عقاري أو صناعي أو أي استثمارات حقيقية أي غير مالية ، فالنقود والديون تعتبر تابعة وليست مقصودة ، فيصح بيع السهم بمثل قيمته الحقيقية أو بأقل أو بأكثر ، وبقبض وبدون قبض .
وعلى هذا فليست العبرة في جريان أحكام الصرف على المعاملة بغلبة نسبة النقود إلى موجودات الشركة – كما قال به أصحاب القول الثاني – وذلك لعدة أمور:
1. أن هذا القول إذ لم يقل به أحد من أهل العلم المتقدمين – فيما أعلم – .
2. فضلاً عن أن هذا الأمر لا ينضبط في تداول الأسهم إذ تتغير المراكز المالية للشركات بصورة مستمرة .
3. ولأن هذا القول نظر إلى الموجودات المحسوسة للشركة ولم يلتفت إلى العوامل والحقوق الأخرى غير المحسوسة والتي لا تقل أهمية في التأثير على القيمة السوقية للسهم عن الموجودات المحسوسة .
رابعاً-خلاصة البحث
ومن خلال ما تقدم فالذي يظهر هو جواز تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس التي تمارس أنشطة مباحة – ومنها شركة الصحراء – ولو كان الأغلب في موجوداتها هو النقود ، لما يأتي :
أولاً - لأن هذه الشركات لا تخلو من موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً ، ومن ذلك :
1. الحقوق المعنوية كالاسم التجاري للشركة،والدراسات السابقة لإنشائها ، وتصاريح العمل ، وقوة الإدارة وكفاءتها ،وغير ذلك.
2. بعض الأصول المملوكة للمنشأة من أراضٍ أو سياراتٍ أو أثاثٍ أو غير ذلك .
3. ومنافع الأعيان المستأجرة والأشخاص العاملين في الشركة وقت تأسيسها .
ثانياً- ولأن التكييف الشرعي للأسهم –على رأي بعض العلماء المعاصرين- أنها عروض مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها لأنها أموال قد اتخذت للاتجار ، وصاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء ، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته ، وهذا الرأي له قوة وحظ من النظر ، ويتأيد بعددٍ من الاعتبارات الشرعية والقانونية ، ومنها :
1. أن القانون التجاري – بما يمنحه للشركة المساهمة من شخصية اعتبارية – يميز بين ملكية السهم ، وملكية الأصول والأعيان التي يتضمنها السهم ، فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة ، بحيث إن الحصص المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك إلى ملكية الشركة ، ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق عيني عليها ، ولا يبقى لهم إلا حق في الحصول على نصيب من أرباح الشركة أثناء وجودها ، وفي اقتسام قيمة بيع موجوداتها عند التصفية.
2. ولأن القيمة السوقية للسهم لاتعكس بالضرورة القيمة الفعلية لموجودات الشركة ( القيمة الدفترية ) ، فقد تتناقص قيمة موجودات الشركة بينما القيمة السوقية للسهم في تصاعد ، والعكس كذلك ، وقد تخسر الشركة وقيمتها السوقية تزداد وهكذا ، فقيمة السهم لا تعبر بالضرورة عن قيمة الموجودات ، فهي قد تتأثر بها ولكنها لا ترتبط بها ارتباطاً مباشراً صعوداً وهبوطاً ، وذلك لوجود مؤثرات أخرى في قيمة السهم غير موجودات الشركة ونشاطها ، فجودة الإدارة وسمعتها التجارية وخبرتها في مجال النشاط كلها عوامل ترفع من قيمة السهم ، مما يعني أن الزيادة في قيمة السهم ليست مقابل الموجودات وإنما لعوامل أخرى متعددة .
3. ولأن النقد إنما يمثل أغلبية بالنظر إلى قيمة الموجودات العينية ( المحسوسة ) للشركة ، أي بالنظر إلى القيمة الاسمية للأسهم ، لا إلى قيمتها السوقية ، لأن القيمة السوقية تتأثر بعوامل أخرى –كما سبق- لا تقل أهمية عن الموجودات العينية ، فإذا أخذ بعين الاعتبار تلك العوامل المعنوية المؤثرة على قيمة السهم السوقية والتي يكتسبها المساهم بمجرد دخوله في الشركة فإن نسبة النقد إلى موجودات الشركة الإجمالية تكون أقل ، والواجب عند النظر إلى موجودات السهم أن ينظر إلى الموجودات والحقوق التي يشتمل عليها السهم بقيمته السوقية ( أي العوامل التي أوصلته إلى تلك القيمة ) ، لا أن ينظر إلى موجودات قيمته الاسمية فحسب .
4. ولأن الزيادة في قيمة السهم بعد بدء التداول ليست زيادة في قيمة موجودات السهم ، وإنما هي زيادة في قيمة السهم نفسه ، و"السهم" شيءٌ و " ما يمثله من موجودات في الشركة" شيءٌ آخر ، ولهذا لو طلب مالك السهم حصته من الموجودات لم يُمَكَّن من ذلك لأن امتلاكه للسهم لايعني امتلاكه لما يمثله من موجوداتٍ بأعيانها .
5. ومن الناحية الشرعية فإنه يترتب على القول بأن للسهم حكم ما يمثله في موجودات الشركة التي أصدرته عددٌ من اللوازم الباطلة التي تؤدي إلى القول بتحريم الأسهم مطلقاً وهو أمر لم يلتزم به القائلون بذلك ، ومن ذلك :(4/88)
6. أن عامة الشركات المساهمة لا تخلو موجوداتها من نقودٍ أو ديون ذات قيمةٍ مؤثرة ، ويتم تداول أسهمها دون مراعاة لضوابط الصرف أو بيع الدين ، والقول بإعطاء الحكم للأغلب من موجودات الشركة لا دليل عليه بل إن النصوص الشرعية تدل على أن المبيع إذا اشتمل على نقدٍ مقصودٍ وبيع بنقد فيأخذ حكم الصرف وإن لم يكن النقد غالباً وكذلك في سائر الأموال الربوية ، فمن يشتري حلياً ثلثه ذهب وثلثاه ألماس فإنه يجب قبض ثمنه قبل التفرق مراعاة للذهب الذي فيه مع أنه الأقل ، ونصوص الفقهاء التي أشرنا إليها في مسألة "مد عجوة ودرهم " وفي مسألة " التخارج " تدل على ذلك ، قال في الهداية : (( وإذا كانت التركة بين الورثة فأخرجوا أحدهم منها بمال أعطوه إياه والتركة عقار أو عروض ، جاز قليلاً كان ما أعطوه إياه أو كثيراً .. وإن كانت التركة فضة فأعطوه ذهباً أو كان ذهباً فأعطوه فضة فهو كذلك .. فلا يعتبر التساوي ويعتبر التقابض في المجلس لأنه صرف .
وإن كانت التركة ذهباً وفضة وغير ذلك فصالحوه على ذهب أو فضة فلا بد أن يكون
ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس حتى يكون نصيبه بمثله والزيادة بحقه من بقية التركة احترازاً عن الربا ، ولا بد من التقابض فيما يقابل نصيبه من الذهب والفضة لأنه صرف في هذا القدر.
وإن كان في التركة دين على الناس فأدخلوه في الصلح على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم ، فالصلح باطل ، لأن فيه تمليك الدين من غير من عليه ، وهو حصة المصالح ، وإن شرطوا أن يبرأ الغرماء منه ولا يرجع عليهم نصيب المصالح ، فالصلح جائز )) (76).
7. ولأن الكثير من المساهمين لا يعلم حقيقة ما يمثله السهم من موجودات في الشركة ، بل لربما لا يعرف موجودات الشركة أصلاً أو نشاطها ، ومن الشروط المتفق عليها لصحة البيع : العلم بالمبيع ، وإذا قلنا : إن المبيع هو حصته من الموجودات فيلزمه العلم -ولو إجمالاً- بتلك الموجودات ، وهو ما لايقع ، لأن نظر المساهم إلى أمرين فقط هما : القيمة السوقية ، والأرباح الدورية .
ومن باب الاستطلاع فقد قمت بسؤال عددٍ من المستثمرين في شركتي "اللجين"و "أميانتيت " عن نوعية نشاط تينك الشركتين ، فكانت الإجابة بعدم العلم ، فعرفت أن الكثير من المساهمين إنما يستقي معلوماته عن نشاط الشركة من اسمها فقط ، وأن غاية ما يبذله في التحري أن يسأل أهل العلم عن حكم المساهمة في تلك الشركة دون دراية بما فيها من النقد وما عليها من المديونيات وما لها من الأصول وغير ذلك.
8. ومن لازم هذا القول تحريم تداول أسهم البنوك الإسلامية بقيمتها السوقية لأن الغالب في موجودات تلك البنوك أنها نقود أو ديون في ذمم المتمولين ، ومع ذلك فعامة الهيئات الشرعية لتلك البنوك على الجواز .
ثالثاً-وعلى فرض التسليم بصحة التكييف الثاني لبيع الأسهم – وهو أن له حكم ما يمثله السهم من موجودات – فالذي دل عليه حديث ابن عمر السابق "من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع" أن المبيع إذا اشتمل على نقدٍ واشتري بنقدٍ من جنسه ، ولم يكن النقد المخلوط مقصوداً فلا يلتفت إليه بمعنى أنه لايجري على الصفقة حكم الصرف ، حتى ولو كانت قيمة النقد المخلوط أكثر من قيمة الخِلط الذي معه ، قال ابن قدامة –رحمه الله- : "الحديث دل على جواز بيع العبد بماله إذا كان قصد المشتري للعبد لا للمال... فيجوز البيع سواء كان المال معلوماً أو مجهولاً ، من جنس الثمن أو من غيره ، عيناً كان أو ديناً ، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر (77).
ومن المعلوم أن العبد لا يملك وأن المال الذي بيده مآله للمشتري ، ومع ذلك جاز البيع مطلقاً بدون تقابض ولا تماثل حتى مع اتفاق النقدين ( المال الذي معه ، والثمن الذي يشترى به العبد ) ، وحتى لو كان المال الذي مع العبد أكثر من قيمة العبد نفسه .
ولا يشكل على هذا الحديث حديث القلادة – المتقدم – فإن الذهب الذي في القلادة مقصود للمشتري بخلاف المال الذي مع العبد .
وهذا أحسن ما قيل في الجمع بين الحديثين .
ويؤخذ من هذين الحديثين أن العبرة بالقصد لا بقيمة المال الربوي ، فإن كان المال الربوي مقصوداً فوجوده في الصفقة مؤثر ، وإن كان تابعاً فلا يؤثر ، كما أن هذا التفصيل يتماشى مع القواعد الشرعية : " العبرة في العقود بالمقاصد " و " التابع تابع " وغيرها.
وبخصوص الشركة التي نتحدث عنها ، وهي شركة الصحراء ، وغيرها من الشركات الإنتاجية حديثة التأسيس فإن النقد الذي فيها ليس بمقصود لأمرين :
الأول : أن المشتري –بشرائه السهم- لا يقصد الحصول على النقد الذي في الشركة ، ولا ينتقي من الشركات ما هو أكثر نقديةً ، بل قصده الحصول على الربح الرأسمالي أو الدوري أياً كانت الموجودات .
والثاني : لأن المقصود من نشاط الشركة هو الاستثمار في المنتجات البتروكيماوية ، وهي من العروض ، وأما غلبة النقدية في موجوداتها لفترة من الفترات فهي أمر عارض ولا يعد ذلك من نشاطها المقصود.
رابعاً- وعلى فرض التسليم بأن النقد الذي في الشركة مقصود وأن بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها فإن صورة هذه المعاملة كمسألة " مد عجوة ودرهم " وهي : بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما ، وكل من الربويين مقصود في العقد ، وبيان ذلك أن الأسهم مؤلفة من :
1. النقد ، وهو بالريالات .
2. والأموال الأخرى من حقوقٍ وأعيانٍ ومنافع .
والثمن من الريالات ، فالريالات في طرفي العقد مقصودة ، ومع أحد الطرفين مالٌ غير ربوي .
والذي ترجح من الخلاف السابق في مسألة " مد عجوة ودرهم" - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عن الإمام أحمد - أن العقد يصح بشرطين :
الأول :أن يكون المال الربوي المفرد أكثر من الذي معه غيره .
والثاني : ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية ، ولم يؤت به للتحليل.
وكلا الشرطين متحققٌ في بيع هذه الأسهم ، فإنها تباع بقيمتها السوقية وهي أعلى من القيمة الاسمية التي تم الاكتتاب بها ، كما أن الموجودات الأخرى غير النقدية في الشركة ذات قيمة حقيقية ولم يؤت بها حيلة .
وقد يرد على هذا التخريج أن الأصول العينية للشركة عند بدء التداول لا تمثل شيئاً مقارنة بالنقدية التي فيها .
والجواب عن ذلك : أن المقصود بالموجودات الأخرى غير النقدية أعم من أن يكون أعياناً فقط ، فقد تكون أعياناً أو منافع أو حقوقاً ، فكل ما يؤثر في القيمة السوقية للسهم – إذا كان له قيمة معتبرة شرعاً- فتحمل الزيادة في قيمة السهم على أنها مقابله ، ونظير ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم من جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة ، وهي منفعة وليست عيناً ،والله أعلم.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
---------------------------------------------
(*) الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(1) المصباح المنير ص 236 ، المفردات في ألفاظ القرآن الكريم ص 819 .
(2) معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء ص 330 .
(3) الحدود لابن عرفه ص 556 .(4/89)
وخرج بقوله: ((حساً دون إضافة)) : ما يمكن الإشارة إليه حساً من الأعيان كالثوب والدابة ، فإنهما ليسا بمنفعة لإمكان الإشارة إليهما حساً دون إضافة ، بخلاف ركوب الدابة ولبس الثوب .
وبقوله : ((يمكن استيفاؤه)) أخرج العلم والقدرة لأنهما لا يمكن استيفاؤهما .
وبقوله : ((غير جزء مما أضيف إليه)): أخرج به نفس نصف الدار مشاعاً لأنه يصدق عليه .
(4) الملكية في الشريعة الإسلامية، لعلي الخفيف ص 180 .
(5) الملكية في الشريعة الإسلامية، لعلي الخفيف ص 181 .
(6) يرى أبو حنيفة وصاحباه خلافاً لزفر والجمهور أن المنفعة لا تعتبر مالاً حقيقية ، وإن كان يصح الاعتياض عنها ، وكونها ثمناً أو مثمناً ، وترتب على هذا الخلاف مسائل متعددة لا علاقة لها فيما نحن بصدده مثل : ضمان منافع المغصوب ، وإجارة المشاع ، وانتقاض الإجارة بموت أحد العاقدين ، مع أنه ورد في بعض كتب الأحناف ما يشعر بأن المنفعة مال عندهم ، ومن ذلك قول البابرتي ( العنايه 8/7 ) : (( الأعيان والمنافع أموال فجاز أن تقع أجرة )) .
(7) رد المحتار 9/85 ، جواهر الإكليل 2/150 ، روضة الطالبين 5/177 ، شرح المنتهى 2/140 .
(8) انظر : حاشية الدسوقي 3/14 ، نهاية المحتاج 3/372 ، شرح المنتهى 2/140 .
(9) قواعد ابن رجب ص 84 .
(10) انظر : الشركات للخياط 2/214 .
(11) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص 498 .
(12) المراد بالتسييل : سهولة تحويلها إلى نقود ( سيولة ) .
(13) ينظر : الوجيز في النظام التجاري السعودي ص200 .
(14) (( الاستثمار في الأسهم والوحدات والصناديق الاستثماريه )) ص 37 ، أسواق الأوراق الماليه ص 266 .
(15) من أنصار هذا القول : أبو زهرة ، وعبد الرحمن حسن ، وخلاف ، والقرضاوي ، والشيخ جاد الحق شيخ
الأزهر سابقاً ، انظر : فقه الزكاة 1/527 ، بحوث في الزكاة ص 183 ، أسواق الأوراق الماليه ص 318 .
(16) الفتاوى الاقتصادية ص 15 ، صناديق الاستثمار الإسلامية ص 48 ، مناقشات مجلس مجمع الفقه الإسلامي
حول سندات المقارضة ، مجلة المجمع 4/3/ ( 2045 – 2060) ، وهذا القول لازم لجميع الهيئات الشرعية التي أجازت تداول أسهم بنوكها بالقيمة السوقيه .
(17) أخرجه البخاري ( كتاب المساقاة / باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل ) ومسلم ( كتاب
البيوع / باب من باع نخلاً عليها ثمر برقم 1543 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
(18) المغني 6/258 .
(19) المغني 6/258 .
(20) فقه الزكاة 1/527 .
(21) هذا الأثر وإن لم يكن من منصوص قولهم إلا أنه من لازمه ، بل ومن لازم فتاوى الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية التي أجازت تداول أسهم بنوكها بقيمتها السوقية ، مع أن الغالب في موجودات البنك أنها نقود أو ديون في ذمم المتمولين .
(22) فقه الزكاة 1/523 ، تنظيم ومحاسبة الزكاة في التطبيق المعاصر ص 84 .
(23) مجلة المجمع 4/3/2162 .
(24) شركة المساهمة في النظام السعودي ص 347 ، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/1/761 .
(25) الشركات للخياط 2/215 .
(26) أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد الإسلامي ص 186 ، الشركات للخياط 2/216 .
(27) المغني 7/132
(28) مجلة المجمع ، الدورة الرابعة ، القرار رقم (5).
(29) مثل أن يبيع : مد عجوة ودرهم بمدين ، أو بدرهمين ، أو بمدودرهم . والعجوة : أجود التمر . المغرب ص 306
(30) المغني 6/96 ، وانظر : بداية المجتهد 2/234 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/461 .
(31) مغني المحتاج 2/376 ، وانظر : الحاوي الكبير 6/140 ، تكملة المجموع 10/407 ، حواشي الشرواني 4/286 فتح الباري 5/51 .
(32) المغني 6/97،258 ، قواعد ابن رجب ص 252 ، الإنصاف 12/78 ، المبدع 4/137 ، الكافي 2/59 .
(33) حاشية الدسوقي 3/40 ، بداية المجتهد 2/234 ، التاج والإكليل 6/134 ، بلغة السالك 2/15 ، حاشية العدوي 5/36 .
(34) رد المحتار 7/527 .
(35) تكملة المجموع شرح المهذب 10/359 .
(36) فتح القدير 6/266 .
(37) فتح القدير 6/265 ، رد المحتار 7/528 ، الدسوقي 3/40 ، الحاوي الكبير 6/129 ، المغني 6/96 .
(38) الاستذكار 19/240 ، المنتقى شرح الموطا 6/266 ، بلغة السالك 2/15 ، حاشية العدوي 5/36 ، التاج والإكليل 6/134 .
(39) الأم 3/21 ، الحاوي الكبير 6/132 ، تكملة المجموع شرح المهذب 10/236 ، نهاية المحتاج 3/441 .
(40) مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص 196 ، مسائل الإمام أحمد لابنه صالح 1/432 ، المحرر في الفقه 1/320 ، الكافي 3/86 ، الشرح الكبير على المقنع 12/77 ، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 7/178 .
(41) المحلى 8/494 .
(42) أخرجه مسلم ( كتاب المساقاة / باب بيع القلادة فيها ذهب وخرز برقم 1591 ) وأبو داود ( كتاب البيوع / باب في حلية السيف تباع بالدراهم – برقم 3351 ) والترمذي ( كتاب البيوع / باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز – برقم 1255 ) والنسائي ( كتاب البيوع / باب بيع القلادة فيها الخرز والذهب بالذهب – برقم 4573 ) .
(43) المنتقى شرح الموطا 6/267 ، المغني 6/94 .
(44) شرح معاني الآثار 4/72 ، إعلاء السنن 14/285 .
(45) وهي عند مسلم في الموضع السابق .
(46) وهي عند مسلم في الموضع السابق .
(47) وهي عند مسلم في الموضع السابق .
(48) وهي رواية أبي داود في الموضع السابق .
(49) التلخيص الحبير 3/20 .
(50) المبسوط 14/12 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/453 .
(51) شرح معاني الآثار 4/72 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/453 .
(52) الحاوي الكبير 6/133 .
(53) الحاوي الكبير 6/133 .
(54) أخرجه مسلم في الموضع السابق .
(55) الشِقْص : السهم والنصيب ، النهاية في غريب الحديث والأثر 2/490 .
(56) الحاوي الكبير 6/134 ، فتح العزيز 8/174 ، المنتقى شرح الموطا 6/266 ، الفروق 3/251 ، المغني 6/94 ، قواعد ابن رجب ص 249 .
(57) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/452 .
(58) بدائع الصنائع 7/78 ، وانظر : فتح القدير 6/269 ، تبيين الحقائق 4/38 .
(59) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/454 ، وبيع العرايا : بيع الرطب في رؤوس النخل خرصاً ، بمآله يابساً بمثله من التمر كيلاً معلوماً لا جزافاً . الموسوعة الفقهية 9/91 .
(60) القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب ص 249 ، المنتقى شرح الموطا 6/266 .
(61) الفروع 4/160 ، الإنصاف 12/78 ، قواعد ابن رجب ص 249 .
(62) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/462 [ وممن نسب هذا القول لابن تيميه : ابن مفلح في الفروع 4/160 ، والمرداوي في الإنصاف 12/78 ، والذي يظهر أن شيخ الإسلام لا يقول به بإطلاقه بل يشترط لذلك ألا يكون حيلة على الربا ، فإنه قيد الجواز بما إذا كان الربويان متساويين ] .
(63) المغني 6/258 .
(64) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/462،465 ، الفروع 4/160 .
(65) المبسوط 12/189 ، بدائع الصنائع 7/78 ، العناية 6/266 ، الاختيار 2/289 .
(66) المغني 6/92 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/452 ، الفروع 4/160 ، الإنصاف 12/78 .
(67) قواعد ابن رجب ص 249 ، مجموع فتاوى ابن تيميه 29/466 .
(68) روضة الطالبين 3/386 ، تحفة المحتاج 4/287 .
(69) النصل : حديدة السيف ، الحمائل : جمع حمالة وهي علاقته ، الجفن : غلافه . طلبة الطلبه ص 103،116
(70) الهداية 6/271 .
(71) بدائع الصنائع 7/78 ، فتح القدير 6/267 .
(72) المغني 6/94 ، الحاوي الكبير 6/135 .
(73) الحاوي الكبير 6/135 .
(74) مجموع فتاوى ابن تيميه 29/455 .
(75) انظر : الحاوي الكبير 6/135 .(4/90)
(76) الهداية 7/410 ، وانظر : شرح الخرشي 6/6 .
(77) المغني 6/258 .
المصدر: الإسلام اليوم
===============
الظاهرية الجدد ؟!! ..
عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
إنني أكره لغة الإقصاء .. وأرفض تغييب العقل .. وأنا ضد من يجعل عقله وعاءً لكلام غيره ..
والدين كما يقول الأديب الطنطاوي رحمه الله : " ليست المسالة إما (لا) أو (نعم) "..
بل لابد من الأخذ والعطاء .. والطرح والنقد .. والسؤال والبحث ..
ولكن !!
يجب على كل احد أن يعرف قدره .. وان يحترم غيره في فنه ..
(أي بعبارة أخرى احترام التخصص ) ..
ففرق بين الكلام .. والأخذ والرد .. والسؤال والمناقشة في المسائل ..
فرق بين هذا .. وبين أن يخوض الإنسان فيما لايعنيه !!
ومن تكلم بغير فنه أتى بالعجآئب !! هكذا قال الحافظ _ رحمه الله _ ..
بل ربما تكلم المرء .. أو كتب .. وكان قبل ذلك قد اصدر الحكم الشرعي ؟!
والمصيبة العظمى .. والخطية الكبرى .. ( أنه ليس أهل لذلك !!)
أوآآآآآآآه .. أصار الدين كلاءً مباحاً لكل احد ..
كتاب جرائد .. وعلماء أقراص .. ومحركات !! ..
وكل من قلبه مرض ..
وفي فكره عوج ..
وفي فؤاده هوى ..
فمِن هؤلاء .. ومن وهؤلاء !! جاء انتهاك الدين .. وتمييع أحكامه ..
والركض خلف كل فتوى تنشر تحليل ماكان محرماً ؟!!
عجباً لهؤلاء..!!
المسألة فيها خلاف ؟!
مطية كلّ كاذب .. ودعوى كلّ كذوب ؟!
ولكن ما المراد بها ؟! ولماذا الحديث عنها ؟!
الخلاف حق .. من ينكره ؟! بل هو ميزة لهذه الأمة الخالدة .. وتوسعة على أفرادها ..
ولكن !!
فرق بين طرح الخلاف بادلته .. والبحث عن الحكم الشرعي متجردا صاحبه عن الهوى !!
وبين من يريد نقض عرى الدين .. وتمييع المحرمات .. وشيوع الفاحشة بين المؤمنين ..
فالأول رابح لامحالة .. فهو دائر بين الأجر والأجرين ..
وهكذا هم علماء الملة .. لاعلماء الأمة !!
وأما الأخر فله النصيب الأوفر من " أولئك لهو عذاب اليم "
والأشد أن يكون (الحديث عن الخلاف ) مطية لتدمير الدين .. وضياع الأحكام ..
فهو يبحث عن غرائب الأقوال .. وشواذ الخلاف .. ثم ينشره بين الناس!!
أما جاهلاً .. فحمار توما أفضل منه !!
وإما عالماً بما يقول ويقصد .. ولكن هو الهوى !!
داء من سبق من الأمم ..
.. بالله عليكم يأهل الإيمان .. يأهل التوحيد ..
أين هؤلاء وكتاباتهم ؟ بل واستماتتهم ؟ بل وحرقتهم ؟
أين هم من هذه المشاهد المروعة ؟ وتلك الصور ؟ آلا يكتبون عنها ؟ آلا يتكلمون عنها ؟
الم يروا مشهد المرأة المحترقة .. تجري مذهولة في أحد شوارع هيروشيما .. تشتعل فيها النار، التي صبها فوقها (رسل الحضارة) .. حماة حقوق الإنسان؟!.
من رأى منكم مزق اللحم .. لشيء كانوا يسمونه طفلاً ..!! في واحد من أحياء بغداد .. التي يحرقها (مغول) القرن الحادي والعشرين ..؟!! الذين جاؤوا من أجل (حرية) العراق..؟!
وبهذا يصبح حال أولئك الناس إما بحثاً عن الأقوال الشاذة والمرجوحة فيقلدونها ولن يعدموها .. وإما ينبذون التقيد بالأحكام الشرعية في معاملاتهم وهي الطامة الكبرى ..
وهو مراد القوم !!
والطآمة الكبرى هي هدم الدين ؟!
ولكن كيف ؟!!..
هم العدو فاحذرهم ..
إن تعظيم النصوص وتقديمها أصل ديني ومطلب شرعي لا يصح للمجتهد نظر إذا لم يأخذ بالنصوص ويعمل بها ، ولكن الانحراف يحصل بالتمسك بظواهر النصوص فقط دون فقهها ومعرفة مقصد الشرع منها يقول د . صالح المزيد _ فيما نقله عند د . مسفر القحطاني (*) : (( وقد ظهر في عصرنا من يقول : يكفي الشخص لكي يجتهد في أمور الشرع يقتني مصحفاً مع سنن أبي داود، وقاموس لغوي )).
وهذا النوع من المتطفلين لم يشموا رائحة الفقه فضلاً أن يجتهدوا فيه ، وقد سماهم د . القرضاوي ( بالظاهرية الجدد ) ـ مع فارق التشبيه في نظري ـ حيث قال عنهم : ((المدرسة النصية الحرفية ، وهم الذين أسميهم (الظاهرية الجدد) وجلهم ممن اشتغلوا بالحديث ، ولم يتمرسوا الفقه وأصوله ، ولم يطلعوا على اختلاف الفقهاء ومداركهم في الاستنباط ولا يكادون يهتمون بمقاصد الشريعة وتعليل الأحكام بتغير الزمان والمكان والحال)) .
وهؤلاء أقرب شيء إلى ألسنتهم وأقلا مهم إطلاق كلمة التحليل دون مراعاة لخطورة هذه الكلمة ودون تقديم الأدلة الشافية من نصوص الشرع وقواعده سنداً للذلك وحملاً للناس على أشد مجاري التكليف ، والله عز وجل قد حذر من ذلك حيث قال سبحانه : [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ].
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (( لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أوتحريمه أو إيجابه أو كراهيته ..قال غير واحد من السلف : ليحذر أحدكم أن يقول : أحل الله كذا أو حرّم كذا ، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ، ولم أحرمه )) إعلام الموقعين 4 / 134 ..
قاعدة سد الذرائع ..
دلت النصوص الكثيرة على اعتبار سد الذرائع والأخذ به حماية لمقاصد الشريعة وتوثيقاً للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد . ولله در ابن القيم ـ رحمه الله ـ إذ يقول :-
(( فإذا حرّم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه ، فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه ، وتثبيتاً له ، ومنعاً من أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقصاً للتحريم وإغراءً للنفوس به )) ..
ثانياً : منهج المبالغة في التساهل والتيسير
ظهر ضمن مناهج النظر في النوازل المعاصرة منهج المبالغة والغلو في التساهل والتيسير ، وتعتبر هذه المدرسة في النظر والفتوى ذات انتشار واسع على المستوى الفردي والمؤسسي خصوصاً أن طبيعة عصرنا الحاضر قد طغت فيه المادية على الروحية ، والأنانية على الغيرية ، والنفعية على الأخلاق ، وكثرت فيه المغويات بالشر والعوائق عن الخير ، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر حيث تواجهه التيارات الكافرة عن يمين وشمال تحاول إبعاده عن دينه وعقيدته ولا يجد مَنْ يعينه بل ربما يجد من يعوقه .
وأمام هذا الواقع دعا الكثير من الفقهاء إلى التيسير ما استطاعوا في الفتوى والأخذ بالترخص في إجابة المستفتين ترغيباً لهم وتثبيتاً لهم على الطريق القويم.
ولاشك أن هذه دعوى مباركة قائمة على مقصد شرعي عظيم من مقاصد الشريعة العليا وهو رفع الحرج وجلب النفع للمسلم ودرء الضرر عنه في الدارين ؛ ولكن الواقع المعاصر لأصحاب هذا التوجه يشهد أن هناك بعض التجاوزات في اعتبار التيسير والأخذ بالترخص وربما وقع أحدهم في رد بعض النصوص وتأويلها بما لا تحتمل وجهاً في اللغة أو في الشرع .
وضغط الواقع ونفرة الناس عن الدين لا يسوّغ التضحية بالثوابت والمسلمات أوالتنازل عن الأصول والقطعيات مهما بلغت المجتمعات من تغير وتطور فإن نصوص الشرع جاءت صالحة للناس في كل زمان ومكان ..
فمن الخطأ والخطر تبرير الواقع والمبالغة في فقه التيسير بالأخذ بأي قولٍ والعمل بأي اجتهادٍ دون اعتبار الحجة والدليل مقصداً مُهِّماً في النظر والاجتهاد .(4/91)
ولعل من الدوافع لهذا الاتجاه الاجتهادي ؛أن أصحاب هذه المدرسة يريدون إضفاء الشرعية على هذا الواقع ، بالتماس تخريجات وتأويلات شرعية تعطيه سنداً للبقاء . وقد يكون مهمتهم تبرير، أو تمرير ما يراد إخراجه للناس من قوانين أو قرارات أو إجراءات تريدها السلطة ..
ومن هؤلاء من يفعل ذلك مخلصاً مقتنعاً لا يبتغي زلفى إلى أحد ، ولا مكافأة من أحد ولكنه واقع تحت تأثير الهزيمة النفسية أمام حضارة الغرب وفلسفاته ومسلماته ..
ومنهم من يفعل ذلك ، رغبة في دنيا يملكها أصحاب السلطة أو مَن وراءهم من الذين يحركون الأزرار من وراء الستار ، أو حباً للظهور والشهرة على طريقة :
خالف تعرف ، إلى غير ذلك من عوامل الرغب والرهب أو الخوف والطمع التي تحرك كثيراً من البشر ، وإن حملوا ألقاب أهل العلم وألبسوا لبوس أهل الدين .
ولا يخفى على أحد ما لهذا التيار الاجتهادي من آثار سيئة على الدين وحتى على تلك المجتمعات التي هم فيها،فهم قد أزالوا من خلال بعض الفتاوى الفوارق بين المجتمعات المسلمة والكافرة بحجة مراعاة التغير في الأحوال والظروف عما كانت عليه في القرون الأولى.
ويمكن أن نبرز أهم ملامح هذا الاتجاه فيما يلي :-
ا - الإفراط بالعمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص :
إن المصلحة المعتبرة شرعاً ليست بذاتها دليلاً مستقلاً بل هي مجموع جزئيات الأدلة التفصيلية من القرآن والسنة التي تقوم على حفظ الكليات الخمس فيستحيل عقلاً أن تخالف المصلحة مدلولها أو تعارضه وقد أُثبتت حجية المصلحة عن طريق النصوص الجزئية فيكون ذلك من قبيل معارضة المدلول لدليله إذا جاء بما يخالفه وهذا باطل (34).
فالمصلحة عند العلماء ما كانت ملائمة لمقاصد الشريعة لا تعارض نصاً أو إجماعاً مع تحققها يقينياً أو غالباً وعموم نفعها في الواقع ، أما لو خالفت ذلك فلا اعتبار بها عند عامة الفقهاء والأصوليين إلا ما حُكِي عن الإمام الطوفي ـ رحمه الله ـ أنه نادى بضرورة تقديم دليل المصلحة مطلقاً على النص والإجماع عند معارضتهما له.
وواقع الإفتاء المعاصر جنح فيه بعض الفقهاء والمفتين إلى المبالغة في العمل بالمصلحة ولو خالفت الدليل المعتبر ومن ذلك ما قاله بعض المعاصرين ممن ذهبوا إلى جواز تولي المرأة للمناصب العالية : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الناس في مكة سورة النمل وقص عليهم في هذه السورة قصة ملكة سبأ التي قادت قومها إلى الفلاح والأمان بحكمتها وذكائها ، ويستحيل أن يرسل حكماً في حديث يناقض ما نزل عليه من وحي …ـ إلى أن قال ـ هل خاب قوم ولوا أمرهم امرأة من هذا الصنف النفيس )) .
ولا شك في معارضة هذا الكلام لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة )).
ومن ذلك أيضاً ما أفتى به فضيلة المفتي السابق بجمهورية مصر العربية على جواز الفوائد المصرفية مع معلومية الربا فيها ، ومخالفته للنصوص والإجماع المحرم للربا قليله وكثيره.
وظهر في الآونة الأخيرة بعض الفتاوى التي أباحت بيع الخمر من أجل مصلحة البلاد في استقطاب السياحة ، وإباحة الإفطار في رمضان من أجل ألا تتعطل مصلحة الأعمال في البلاد ، وإباحة التعامل بالربا من أجل تنشيط الحركة التجارية والنهوض بها ، والجمع بين الجنسين في مرافق المجتمع لما في ذلك من تهذيبٍ للأخلاق وتخفيفٍ للميل الجنسي بينهما !! ؟ .
وبعضها جوزت التسوية بين الأبناء والبنات في الميراث، بل وبعضها جوزت أن تمثل المرأة وتظهر في الإعلام بحجة التكييف مع تطورات العصر بفقه جديد وفهم جديد.
وكل هذه وغيرها خرجت بدعوى العمل بالمصلحة ومواكب الشريعة لمستجدات الحياة .
ب - تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب :
الرخص الشرعية الثابتة بالقرآن والسنة لا بأس في العمل بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )).
أما تتبع رخص المذاهب الاجتهادية والجري وراءها دون حاجةٍ يضطر إليها المفتي ، والتنقل من مذهب إلى آخر والأخذ بأقوال عددٍ من الأئمة في مسألة واحدة بغية الترخص ، فهذا المنهج قد كرهه العلماء وحذَّروا منه ، وإمامهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : (( إني أخاف عليكم ثلاثاً وهي كائنات : زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، ودنيا تفتح عليكم )) .
فزلة العالِم مخوفة بالخطر لترتب زلل العالَم عليها فمن تتبع زلل العلماء اجتمع فيه الشر كله .
وقد حكى بعض المعاصرين خلافاً بين العلماء في تجويز الأخذ برخص العلماء لمن كان مفتياً أو ناظراً في النوازل.
ولعل حكاية الخلاف ليست صحيحة على إطلاقها وذلك للأسباب التالية :-
1- أن الخلاف الذي ذكروه في جواز تتبع الرخص أخذوه بناءً على الخلاف في مسألة الجواز للعامي أن يتخير في تقليده من شاء ممن بلغ درجة الاجتهاد ، وأنه لا فرق بين مفضول وأفضل ، ومع ذلك فإنهم وإن اختلفوا في هذه المسألة إلا أنهم اتفقوا على أنه إن بان لهم الأرجح من المجتهدين فيلزمهم تقليده ولا يجوز لهم أن يتتبعوا في ذلك رخص العلماء وزللهم والعمل بها دون حاجه أو ضابط.
فلا يصح أن يُحكى خلافٌ للعلماء في مسألة تخريجاً على مسألة أخرى تخالفها في المعنى والمضمون ، ولا تلازم بينها وذلك أن الخلاف في حق العامي ، أما المجتهد المفتي فلا يجوز له أن يفتي إلا بما توصل إليه اجتهاده ونظره.
2- أن بعض العلماء جوّز الترخص في الأخذ بأقوال أي العلماء شاء وهذا إنما هو في حق العوام ـ كما ذكرنا ـ كذلك أن يكون في حالات الاضطرار وأن لا يكون غرضه الهوى والشهوة ، يقول الإمام الزركشي ـ رحمه الله ـ في ذلك : (( وفي فتاوى النووي الجزم بأنه لا يجوز تتبع الرخص ، وقال في فتاوٍله أخرى ؛ وقد سئل عن مقلد مذهب : هل يجوز له أن يقلد غير مذهبه في رخصة لضرورة ونحوها ؟ ، أجاب : يجوز له أن يعمل بفتوى من يصلح للإفتاء إذا سأله اتفاقاً من غير تلقّط الرخص ولا تعمد سؤال من يعلم أن مذهبه الترخيص في ذلك )).
فالعلماء لا يجوزون تتبع الرخص إلا في حالات خاصة يبرّرها حاجة وحال السائل لذلك لا أن يكون منهجاً للإفتاء يتبعه المفتي مع كل سائل أوفي كل نازلة بالهوى والتشهي.
3- أن هناك من العلماء من حكى الإجماع على حرمة تتبع الرخص حتى لو كان عامياً ومن أولئك الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـوابن الصلاح ـ رحمه الله ـوكذلك ابن عبد البر حيث قال رحمه الله:((لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً)).
وقد أفاض الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ في الآثار السيئة التي تنجم عن العمل بتلقّط الرخص وتتبعها من المذاهب وخطر هذا المنهج في الفتيا.
والتساهل المفرط ليس من سيما العلماء الأخيار وقد جعل ابن السمعاني ـ رحمه الله ـ من شروط العلماء أهل الاجتهاد : الكف عن الترخيص والتساهل ، ثم صنف ـ رحمه الله ـ المتساهلين نوعين :
1- أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر فهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز .
2 - أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول.(4/92)
والملاحظ أن منهج التساهل القائم على تتبع الرخص يفضي إلى اتباع الهوى وانخرام نظام الشريعة (( فإذا عرض العامي نازلته على المفتي ، فهو قائل له : أخرجني عن هواي ودلني على اتباع الحق ، فلا يمكن والحال هذه أن يقول له : في مسألتك قولان فاختر لشهوتك أيهما شئت ) أو سأبحث لك عن قولٍ لأهل العلم يصلح لك ، وقد قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : (( لو أن رجلاً عمل بكل رخصه ؛ بقول أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة في السماع ، وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً )).
ويروى عن إسماعيل القاضي ـ رحمه الله ـ أنه قال : (( دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً فنظرت فيه وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم، فقلت : مصنف هذا زنديق ،فقال: لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت: الأحاديث على ما رويت ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر ، وما من عالم إلا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهب دينه ، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب )).
ولعل واقعنا المعاصر يشهد جوانب من تساهل بعض الفقهاء في التلفيق بين المذاهب وتتبع الرخص كما هو حاصل عند من يضع القوانين والأنظمة أو يحتج بأسلمة القانون بناءً على هذا النوع من التلفيق ، أما حالات الضرورة في الأخذ بهذا المنهج فإنها تقدر بقدرها .
ج - التحايل الفقهي على أوامر الشرع .
وهو من ملامح مدرسة التساهل والغلو في التيسير ؛ وقد جاء النهي في السنة عن هذا الفعل حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم :(( لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل )). وعلى ذلك اتفق أكثر أهل العلم على عدم تجويزه وفي ذلك يقول الإمام القرافي ـ رحمه الله ـ : (( لا ينبغي للمفتي : إذا كان في المسألة قولان : أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف ؛ أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين ، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى و إجلاله وتقواه ، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين )).
وقد حكى أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله ـ عن أحد أهل زمانه أخبره أنه وقعت له واقعة ، فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره وكان غائباً ، فلما حضروا قالوا : لم نعلم أنها لك ، وأفتوه بالرواية الأخرى ، قال: وهذا مما لا خلاف بين المسلمين المعتد بهم في الإجماع أنه لا يجوز.
وقد فصَّل الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ القول في الحيل الممنوعة على المفتي وما هو مشروع له حيث قال :
(( لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة ، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه ، فإن تتبع ذلك فسق وحُرِمَ استفتاؤه ، فإن حَسُن قصده في حيلةٍ جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة ، لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك ، بل استحب ، وقد أرشد الله نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثاً فيضرب به المرأة ضربةً واحدة . وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً إلى بيع التمر بدراهم ، ثم يشتري بالدراهم تمراً آخر ، فيخلص من الربا .
فأحسن المخارج ما خلّص من المآثم وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم والله الموفق للصواب )).
وقد وقع كثير من الفقهاء المعاصرين في الإفتاء بجواز كثير من المعاملات المحرمة تحايلاً على أوامر الشرع ؛ كصور بيع العينة المعاصرة ومعاملات الربا المصرفية ، أو التحايل على إسقاط الزكاة أو الإبراء من الديون الواجبة ، أو ما يحصل في بعض البلدان من تجويز الأنكحة العرفية تحايلاً على الزنا ، أو تحليل المرأة لزوجها بعد مباينته لها بالطلاق ،وكل ذلك وغيره من التحايل المذموم في الشرع.
ثالثاً : المنهج الوسطي المعتدل في النظر والإفتاء
الشريعة الإسلامية شريعة تتميز بالوسطية واليسر ولذا ينبغي للناظر في أحكام النوازل من أهل الفتيا والاجتهاد أن يكونوا على الوسط المعتدل بين طرف التشدد والانحلال كما قال الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ : (( المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال .
والدليل على صحة هذا أن الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة ؛فإنه قد مرّ أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط ، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين ؛ خرج عن قصد الشارع ولذلك كان مَنْ خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين …فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل ، ولا تقوم به مصلحة الخلق ، أما طرف التشديد فإنه مهلكة وأما طرف الانحلال فكذلك أيضاً ؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ به مذهب العنت والحرج بُغِّض إليه الدين وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة ، وهو مشاهد ، وأما إذا ذُهِبَ به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي على الهوى والشهوة ، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى واتباع الهوى مهلك ، والأدلة كثيرة )).
ولعل ما ذكرناه من ملامح للمناهج الأخرى المتشددة والمتساهلة كان من أجل أن يتبين لنا من خلالها المنهج المعتدل ؛ وذلك أن الأشياء قد تعرف بضدها وتتمايز بنقائضها.
وقد أجاز بعض العلماء للمفتي أن يتشدد في الفتوى على سبيل السياسة لمن هو مقدم على المعاصي متساهل فيها ، وأن يبحث عن التيسير والتسهيل على ما تقتضيه الأدلة لمن هو مشدد على نفسه أو غيره ، ليكون مآل الفتوى : أن يعود المستفتي إلى الطريق الوسط.
ولذلك ينبغي للمفتي أن يراعي حالة المستفتي أو واقع النازلة فيسير في نظره نحو الوسط المطلوب باعتدال لا إفراط فيه نحو التشدد ولا تفريط فيه نحو التساهل وفق مقتضى الأدلة الشرعية وأصول الفتيا ، وما أحسن ما قاله الإمام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ:((إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشدد فيحسنه كل أحد)). والظاهر أنه يعني تتبع مقصد الشارع بالأصل الميسور المستند إلى الدليل الشرعي.
ولاشك أن هذا الاتجاه هو اتجاه أهل العلم والورع والاعتدال ، وهي الصفات اللازمة لمن يتعرض للفتوى والتحدث باسم الشرع ، وخصوصاً في هذا العصر .
فالعلم هو العاصم من الحكم بالجهل ، والورع هو العاصم من الحكم بالهوى ، والاعتدال هو العاصم من الغلو والتفريط ، وهذا الاتجاه هو الذي يجب أن يسود ، وهو الاجتهاد الشرعي الصحيح وهو الذي يدعو إليه أئمة العلم المصلحون.
-----------------------
أخي / أختي / أتشرف بزياتك لصفحتي في موقع صيد الفوائد ...
http://saaid.net/Doat/almueidi/index.htm
=============
توجيهات لمضاربي المساهمات
د. عصام بن عبد المحسن الحميدان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الإنسان يعجب عندما يسمع عن بعض الناس الذين أصيبوا بسكتة قلبية، أو بمرض، أو باعوا بيوتهم، أو غير ذلك نتيجة لمضاربات الأسهم!
إن ذلك دليل على أحد شيئين: إما قلة الإيمان، أو قلة الحرص والاحتياط والخبرة.
ولذا فإني سأوجِّه بعض النصائح والتوجيهات لهؤلاء الناس وغيرهم، ممن يريد أن يقدم على المساهمة، أو هو أحد المساهمين.
قبل التجارة :(4/93)
أولاً : عدم الإفتاء بغير علم ، وتحريم ما لم يحرمه الله، فبعض الناس يسأل فيسارع إلى التحريم من باب الاحتياط، وهذا لا يجوز شرعاً، لأن التحريم والتحليل لله تعالى، قال سبحانه : ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)) (النحل: من الآية116) وهو جزء من التشريع للأمة، فهل هذا يرضى أن يكون مشرِّعاً مع الله تعالى ؟! وقد كان السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين يخافون أن يتحدث أحدهم في الدين فيكون مخطئاً.
ثم إن الأصل في المعاملات الإباحة، كما قال العلماء، والأصل في العبادات الحظر والتوقيف .
والنبي صلى الله عليه وسلّم أبقى على التجارات الموجودة في زمنه، إلا استثناءات يسيرة .
وقال صلى الله عليه وسلّم : (( أعظم الناس جُرماً من سأل عن شيء لم يحرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته)) متفق عليه عن سعد رضي الله عنه .
والورع شيء والتحريم شيء آخر، قد أتورَّع أنا أو يوجه أحد العلماء بالتورع عن شيء، ولكن ذلك لا يعني التحريم، وأبو ذرّ رضي الله عنه من ورعه اعتزل الناس في الربَذة، لأنه يرى أن الناس قد توسعوا في الدنيا، ولكن بقي عثمان رضي الله عنه وكبار الصحابة في المدينة، وبقاؤهم هو الأصح، لأن يد الله على الجماعة .
ومما يجب قبل التجارة: الرجوع للمختصَّين من العلماء الخبيرين بالأمور المالية شرعاً وواقعاً ؛ لأن المعاملات تعددت وتنوَّعت وتفرَّعت، وأصبح من الصعب على الفقيه أن يستوعب كل أنواع المعاملات .
وأما الحكم في حال اختلاف الفقهاء، فهو باعتماد المجامع الفقهية واللجان الشرعية، فإنها أقرب إلى الصواب من غيرها .
وإذا وُجِد قولٌ لغيرهم من الفقهاء، فهو رحمةٌ من الله تعالى، لأن في اختلافهم سعةٌ على الأمة.وقد جاء للإمام أحمد رحمه الله رجلٌ يستشيره في تأليف كتابٍ في الاختلاف، فقال له: سمِّه كتاب السعة .
وقال ابن العربي رحمه الله ( إنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه، فيحرم عالم، ويحلل آخر، ويوجب مجتهد، ويسقط آخر، واختلاف العلماء رحمةٌ للخلق، وفسحةٌ في الحق، وطريقٌ مهيع -بيِّن- إلى الرفق) (أحكام القرآن: 2 / 699).
ثانياً : الاستفادة من أهل العلم والخبرة :
فإن المال أمانة بيد الإنسان، حتى المال الذي تنسبه لنفسك هو حقيقة لله تعالى، قال الله سبحانه ((وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ )) (الحديد: من الآية7) ومصادر الزراعة والتجارة والرعي، وكل الكون لله تعالى (( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)) (طه:6)
وهذه هي نظرة الإسلام للمال، وهي تختلف عن النظرة الرأسمالية التي تهدف إلى الربح المادي الذاتي - دون مراعاة لدور الدين فيه -، وينتج عنها تكوين الطبقية في المجتمع - دون مراعاة للتكافل الاجتماعي -.
فإذا كان المال لله تعالى، فلا يحل تبذيره بغير حق، قال تعالى : (( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)) (النساء: من الآية5) (النساء:5).
فيتقي الإنسان الله تعالى في ماله، فلا يضيع نفسه وأبناءه، والنبي صلى الله عليه وسلّم وجَّه إلى الاستفادة من أهل الخبرة والتخصص، فقال " هلا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال "، واستجاب لإشارة سلمان رضي الله عنه في حفر الخندق، وقال في الزراعة " أنتم أعلم بأمر دنياكم " رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه .
لذا ينبغي عدم التسرع في المساهمات، واستشارة الثقات، والسؤال عن الشركات، ومعاملاتها، ومعرفة واقعها من الناحية الشرعية، والمالية، لئلا يضطر إلى سحب ماله بعد ذلك .
ثم يسأل عن كيفية التجارة، والمرابحة، والمساهمة، وغيرها، لئلا يغبَن .
ثالثاً : عدم استعمال المال الضروري في الأسهم، وادّخار ما يحتاجه المرء، لأن في التجارة مخاطرة، فربما ذهب ماله بإذن الله تعالى ابتلاءً له، فمن الحزم أن يكون مستعداً ليوم الكريهة .
ثم يلتمس البركة في المال ولو في غير التجارة، كالزراعة، والصناعة وغيرهما، فإن النبي
عند التجارة :
أولاً : الصبر وعدم تعجُّل الربح ، فكلما زاد الصبر قلَّت الخسارة:
والزمن جزء من العلاج، والربح السريع خطأ؛ لأنه يؤدي إلى عدم مراعاة الضوابط الشرعية بشكل كامل، ويؤدي إلى السرعة في اتخاذ القرار دون التثبت في مدى نجاح المساهمة، ويؤدي إلى الغفلة عن بعض الثغرات التي لا تتضح إلا بالتأمل وذلك تحت تأثير الإغراء بالربح .
ثانياً : عدم التساهل في الأمور الربوية .
فقد قال سبحانه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)) (البقرة:279) .
وقال صلى الله عليه وسلّم : (( درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله من ست وثلاثين زنية)) رواه أحمد ورجال رجال الصحيح عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه .
وقال عليه السلام : (( الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه )) رواه الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه .
وإذا كانت البنوك قد فتحت أبوابها للمساهمين والمضاربين، فليس معنى ذلك جواز التعامل بأسهم البنوك، فإن رؤوس أموالها ربوية .
وهناك فرق بين شراء أسهم البنوك، والشركات الربوية، واستخدام غرف وشاشات البنوك في التعامل، فإن هذه الغرف والشاشات وسائل للتداول لا علاقة لها بنوع المال أو التجارة .
ولكن على المؤمن الابتعاد عن الشبهات خصوصاً في حال شيوع الحرام، قال صلى الله عليه وسلّم " من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله مثل الذي يأكل ولا يشبع " رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه .
وعلى المسلم مراعاة الضوابط الشرعية للمعاملات والمساهمات التي تصدرها المجامع الفقهية، واللجان الشرعية في البنوك.
ولما جاء الإسلام أغلق بعض أبواب التجارة لما فيها من الحرام، وإن كان فيها نفعٌ وأرباح، فقال سبحانه في الخمر والميسر : (( فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )) (البقرة: من الآية219).
وقال في تشغيل النساء في الفتنة أول الإسلام : ((وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) (النور: من الآية33) .
فأغلق بعض الأبواب الضارة بالدين، وإن كانت نافعة في الدنيا .
ثالثاً : عواقب أكل الحرام :
في الدنيا: الاكتئاب، والقلق، والضيق، والأمراض النفسية، والاجتماعية .
وفي الآخرة، قال صلى الله عليه وسلّم : (( لا يدخل الجنة لحم ولا دم نبت من سحت، النار
أولى به )) رواه الطبراني ورجاله ثقات عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، ورواه أحمد عن جابر رضي الله عنه ورجاله رجال الصحيح .
فعلى المؤمن أن يتقي الله تعالى، ولا يعرض نفسه وأهله لأكل الحرام والشبهة، فإن الدعاء مقرون بأكل الحلال، قال صلى الله عليه وسلّم يا سعد، أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة رواه الطبراني بإسناد فيه نظر .
رابعاً : الرزق من الله تعالى لا من الناس :
لذا فإن المؤمن يسأل الله تعالى لا الناس (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)) (الذريات:58) .(4/94)
ويدعو الله تعالى بالسعة في الرزق ، وكان صلى الله عليه وسلّم يقول: (( اللهم ارزقني واهدني)) ، وكان يقول : (( اللهم اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني، وانقطاع عمري)) رواه الطبراني في الأوسط عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بسند جيد .
ومن أفضل الأدعية في كسب الرزق المداومة على الدعاء بقول : (( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك )) .
وبالتالي لا يجزع إذا أصيب في ماله، لأنه من الله تعالى، ولا يبطر إذا وسِّع عليه، قال سبحانه في قصة قارون : (( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)) (القصص: من الآية76) وقال سبحانه : (( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ )) (الحديد: من الآية23)
خامساً : يجب أن لا تشغل التجارة عن ذكر الله تعالى، قال سبحانه : (( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)) (النور:37)
ولذا قال سبحانه : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الجمعة:9)
وفي غير يوم الجمعة كذلك .
ونحن نعلم أن الحفاظ على المال من الضرورات الخمس، ولكنه بعد الحفاظ على الدين، والنفس، فهو وسيلة لإقامة الدين، لا غاية لذاته، لذا فقد يكون نقمةً في بعض الأحيان، كالمال غير المزكَّى، وهو الكنز .
فيا جامِعَ الدُّنيا لِغَيرِ بَلاَغِهِ *** سَتَتْرُكُهَا فانظُرْ لِمَنْ أنْتَ جَامِع
وَكم قد رأينا الجامِعينَ قدَ اصْبَحَتْ لهم *** بينَ أطباقِ التّرابِ مَضاجع
إذا ضَنّ مَنْ تَرْجو عَلَيكَ بنَفْعِهِ فذَرْهُ *** فإنّ الرّزْقَ، في الأرْضِ، واسعُ
وَمَنْ كانَتِ الدّنْيا هَواهُ وهَمَّهُ *** سبَتْهُ المُنَى واستعبدَتْهُ المَطَامِعُ
وَمَنْ عَقَلَ استَحيا، وَأكرَمَ نَفسَه *** ومَنْ قَنِعَ استغْنَى فَهَلْ أنْتَ قَانِعُ
لِكلِّ امرِىء ٍرأْيَانِ رَأْيٌ يَكُفّهُ عنِ الشّيءِ *** أحياناً، وَرَأيٌ يُنازِعُ
سادساً : الصدقة تطهر المال من الشبهات :
قال سبحانه : (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)) (التوبة: من الآية103) .
وقال عز وجل يقصّ قصة أصحاب البستان : (( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ، وَلا يَسْتَثْنُونَ ،فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)) (القلم:17–20) .
وذلك بسبب أنهم تعهدوا ألا يدخلنها عليهم مسكين، فمنعوا الصدقة، فاحترقت المزرعة .
وقال صلى الله عليه وسلّم : (( ما نقص مال من صدقة )) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلّم: (( يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشُوبوه بالصدقة )) رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه .
وكان عثمان رضي الله عنه يتصدق كثيراً، مع تورُّعه في تجارته، وجاءت تجارة له يوماً، فقال: من يساومني عليها، فأعطي 100% فلم يرضَ، فزيد، فلم يرضَ، حتى قال: إني أعطيت فيها 1000 % ربحاً، فتعجبوا، وقالوا: نحن تجار المدينة، ولم يسبقنا أحدٌ إليك.فمن أعطاك ؟ فقال: الله أعطاني.فتصدق بها لوجه الله تعالى .
فالبركة تلتمس بالصدقة، وأكل الحلال.وهذا أمر مجرَّب بحمد الله .
سابعاً : تحريم الإشاعات والأكاذيب ونشرها :
فإن إضرار المسلمين حرام، قال صلى الله عليه وسلّم : (( لا ضرر ولا ضرار "، قال " لا تحاسدوا )) .
والكلمة أمانة، قال سبحانه : (( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (الاسراء: من الآية36) .
فلا يجوز الكذب في نقل أسعار الأسهم، والافتراء على الأشخاص، وربما حلف بعضهم كاذباً في مواقع الانترنت، ومنتديات الأسهم، وهذا يمينٌ غموس يغمس صاحبه في النار – عياذاً بالله -، قال صلى الله عليه وسلّم : (( من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد، لقي الله وهو عليه غضبان )) رواه أحمد والنسائي عن عدي بن عميرة رضي الله عنه.وهو في الصحيحين بنحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه .
وربما عدّ بعضهم ذلك شطارة , وذكاء، وهو لا يعلم أنه يوقع إخوانه المسلمين في الحرج، والخسارة، وربما قال: لم أجبر أحداً على الشراء والبيع، ولكن أليس هو من أراد الناس أن يثقوا به، فكان عند سوء ظنهم، وأصبح غير محل ثقة .
ثامناً : الغيب لا يعلمه إلا الله، قال سبحانه: (( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)) (النمل: من الآية65) (النمل:65) .
فلا يجوز الحكم بالغيب في الأسعار، وما يسمى بالتنبؤات ، أو الاعتماد على الرؤى، أو الاعتماد على الطالع والحظّ، ونشر الإشاعات على ضوئها .
تاسعاً : الأمانة في المال، والنصيحة للمسلمين:
تبيين عيب الأسهم وحالها الصحيح، فلا يبيع على أحد شيئاً يعلم أنه خاسر، ويوهمه
أنه رابح، فإن هذا غش، وقد قال صلى الله عليه وسلّم : ((الدين النصيحة )) وقال: (( من غشّ فليس منا )) رواهما مسلم في صحيحه .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل لأحد يبيع شيئاً إلا بيَّن ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بيَّنه )) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلّم : (( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما )) متفق عليه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه .
ونهى صلى الله عليه وسلّم عن تلقي الركبان.متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
لأنه يؤدي إلى غبن البائع، فإن كان لا بدّ فالسكوت .
عاشراً : اتقاء الله تعالى في أموال الناس من قبل الوكلاء والوسطاء:
وحفظ حقوق الناس، وعدم طلب الربح الفاحش بالسمسرة .
الحادي عشر: أمانة مجالس الإدارة في البعد عن الحرام والربا، والتماس منفعة الناس .
فإن لمجالس الإدارة دور كبير في توعية المساهمين بأنواع المساهمات، والصحيح منها، والرابح، والخاسر، والسعر الحقيقي، وغير ذلك .
عند الربح :
تذكر فضل الله تعالى، قال سبحانه "وما بكم من نعمةٍ فمن الله" ]النحل:53[، ونتذكر حديث الأبرص والأقرع والأعمى الذين ابتلاهم الله تعالى بكثرة المال، فجحد الأبرص والأقرع نعمة الله، وأقرّ بها الأعمى، فقال له الملك: إنما هو ابتلاء، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك.رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .
عند الخسارة :
عدم القنوط من رحمة الله ، والإيمان بالقدر : قال سبحانه : (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)) (التوبة: من الآية51) .
، وتذكر أن الخسارة المادية أهون من خسارة الدين، وتوقُّع الخسارة :
لا تحسب المجد تمراً أنت آكلهُ *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا(4/95)
وتذكر آلام المسلمين وفجائعهم، وأن هذه أنواع من الابتلاء، فبعض الناس يبتلى بالفقر، وبعضهم يبتلى بالتهجير، وبعضهم يبتلى بالمرض، وبعضهم يبتلى بالزوجة والولَد، وبعضهم يبتلى بالغنى، قال سبحانه: (( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الانبياء: من الآية35)) (الأنبياء: 35) وقال : ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)) (البقرة:155) .
-------------
* الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران.
المصدر: شبكة نور الإسلام
===============
تنبهوا قبل الهلاك يا مسلمون
أمير بن محمد المدري
جرت سنة الله عز وجل في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم فإذا اتقى الناس ربهم عز وجل وأطاعوه ونفذوا أوامره وأقاموا شريعته منحهم بركات السماء وبركات الأرض وصدق القائل (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض .
وقال تعالى : ((وألوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا )) لو استقاموا على شريعة الله ومنهجه وطاعة الله ورسوله لجاءهم الخير من كل مكان .
وإذا تمرد العباد على شرع الله وضيعوا أوامر كان مصيرهم العذاب والنكال من الكبير المتعال.
ومتى ما كان العباد مطيعين لله عز وجل معظمين لشرعه أسبغ الله عز وجل عليهم النعم وأزال عنهم النقم فإذا تبدل حال العباد من الطاعة إلى المعصية ومن الشكر إلى الكفر ومن الصلاح إلى الفساد ومن الحكم بما أنزل به إلى الحكم بقوانين بشرية وضعية حينئذ يسلط الله عليهم من ذلوا ومن هانوا و حينئذ تمحق البركات وتحل اللعنات من رب الأرض والسماوات . وتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا .قال تعالى : (( ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )) اللهم احفظ كل بلاد المسلمين من كل سوء ورد المسلمين إلى الإسلام ردا جميلا .
إن الله عز وجل لا يبدل حال العباد من النقمة إلى النقمة ومن الرخاء إلى الضنك والشقاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى الفسق . قال تعالى : ((ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))
ما هي الأسباب التي ينزل سببها عذاب الله .
ما هي الأسباب التي بها يحل الهلاك بالامم .
1) الكفر بالملك الوهاب وتكذيب الرسل الكرام عليهم الصلاة واتم التسليم
فقد أهلك الله الأمم السابقة قوم نوح وعاد وفرعون وقرونا بين ذلك كثيرا بسبب كفرهم بالله وتكذيبهم دعوة الله قال تعالى (( كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الايكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد )) .وقال تعالى (( أولم يسيرا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها )).هي دعوة للتأمل في مصير الغابرين وهم ناس من الناس وخلق من خلق الله - هم أقوى وأشد منا وأثاروا الأرض فحرثوها وشقوا عن باطنها وكشفوا عن ذخائرها وعمروها أكثرمنا .. وكانوا أكثر حضاره وجاءهم الحق فما آمنوا وتعلقوا بالدنيا وحكموا غير شرع الله فمضت فيهم سنة الله في المكذبين ولقوا جزاءهم العادل فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .قال تعالى )) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) فالله يكشف للناس إرتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال العباد وإن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد ويملؤها برا وبحرا بهذا الفساد .وهؤلاء قوم سبأ أنعم الله عليهم بنعم عظيمة وقال لهم كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور .فلما أعرضوا ..أعرضوا عن شكر الله وعن العمل الصالح والتصرف الحميد فيما أنعم الله عليهم فسلب منهم هذه النعم وأرسل عليهم السيل الجارف الذي يحمل العرم في طريقه وهي الحجارة فيحطم كل شئ وأغرقهم الله بهذا السيل فاسمع إلى قول الله :(( ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ))
2) من أسباب هلاك الأمم كثرة الفساد وكثرة الخبث والذنوب والمعاصي .
قال تعالى (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ))وفي قراءه بالتشديد للميم أمّرنا .فالله أمرهم بالتوحيد والطاعة وتطبيق شرعه ففسقوا وعصوا أمره وارتكبوا المحرمات فحق عليهم القول .وها هي أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث )) أي الزنا والفواحش .نظرة إلى واقعنا نجد أن اليهود والنصارى يخططون لهلاكنا بإخراج النساء من بيوتهن بحجة الحرية وتمييع النساء بنشر الإعلام الفاسد لإثارة الشهوات فلنحذر أيها المسلمون .
3) النقص والتطفيف في المكيال والميزان ونقص العهود والمواثيق والإعراض عن حكم الله .عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سَلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم )) صحيح الألباني .
4) التنافس على الدنيا والرغبة فيها والمغالبة عليها
عباد الله إذا دخلت الدنيا القلوب فأبشروا بغضب علام الغيوب وإليكم هذا الحديث النبوي الشريف .عن عمر بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بالجزية فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر فلما صلى الرسول أنصرف الناس فلقيهم النبي وابتسم و قال ا ظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قد أتى بالجزية من البحرين قالوا أجل يا رسول الله قال ابشروا بما يسركم فوا الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت لمن كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم )) رواة البخاري .
5)الشح وهو شدة حب المال وجمعه من أي جهة ومنع الحقوق الواجبة وظلم العباد بعضهم لبعض .قال صلى الله عليه وسلم : (( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم )) رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا )) رواه أبو دواود . قال تعالى (( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعنا لمهلكم موعدا )) .
6) كثرة التعامل بالربا وانتشار الزنا ، قال صلى الله عليه وسلم (( ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل )) صحيح الجامع .
وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال : (( أدنى الربا كأن يزني الرجل بأمه ))(4/96)
7) التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال صلى الله عليه وسلم (( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ثم لم يغيروه إلا عمَهم الله بعقاب من عنده ) .قال الغزالي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو النهج الذي إبتعث الله له النبيين أجمعين ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد .
8) ترك الجهاد وحب الدنيا : قال صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتكتم الجهاد سلط الله عليك ذلا لا ينزعه حتى ترجعا إلى دينكم )) السلسلة الصحيحة .نظرة إلى فلسطين - العراق - أفغانستان إلى كل شبر من أرض الإسلام لا حل إلا بالجهاد ورفعة راية الحق خفاقة عالية .
9) مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) .وقال صلى الله عليه وسلم : (( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبة بقوم فهو منهم )) صحيح الجامع .
9) الغلو في الدين والتنطع : قال صلى الله عليه وسلم (( هلك المتنطعون وقال إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) صحيح الألباني .آن لنا نرجع إلى ديننا ونعود إلى ربنا ونحِكم شرعه فيما بيننا ليصلح أحوالنا ولتعود عزتنا وليرجع مجدنا ولترتفع راية الحق خفاقة عالية وصدق الله القائل ((وإن جندنا لهم الغالبون )) .عباد الله أصلحوا ذات بينكم واعلموا أن الفرقة هلاك - الفرقة عذاب الفرقة دمار (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )) .
امير بن محمد المدري
امام وخطيب مسجد الإيمان
=============
زكاة الأسهم والسندات
تعريف الأسهم والسندات:
السهم: صك يمثل حصة في رأس مال شركة مساهمة.
أو نقول الأسهم: صكوك متساوية القيمة، غير قابلة للتجزئة وقابلة للتداول بالطرق التجارية، وتمثل حقوق المساهمين في الشركات التي أسمهوا في رأس مالها.
السندات: جمع سند، والسند: صك مالي قابل للتداول، يمنح للمكتتب لقاء المبالغ التي أقرضها، ويخوله استعادة مبلغ القرض، علاوة على الفوائد المستحقة، وذلك بحلول أجله. أو نقول: تعهد مكتوب بملبغ من الدين (القرض) لحامله في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.
الفرق بين السهم والسند:
1- السهم يمثل جزءً من رأس مال الشركة، وأما السند فيمثل جزءً من قرض على الشركة أو الحكومة.
2- السهم تتغير قيمته.
3- حامل السند يعتبر مقرضاً أما حامل السهم فيعتبر مالكاً لجزء من الشركة ، ولذلك فإن السهم يعطي حامله حق التدخل في الشركة.
4- للسند وقت محدد لسداده أما السهم فلا يسدد إلاّ بعد تصفية الشركة.
5- السند عند الإفلاس يوزع بالحصص ، أما السهم فيأخذ مالكه نصيبه بعد سداد الديون.
حكم الأسهم والسندات:
الأسهم هي أجزاء تمثل رأس مال لشركة قد تكون صناعية أو زراعية ، فهي جائزة شرعاً إذا كان النشاط مباحاً ، ومما يدل على جوازها القياس على ما حدث مع تماضر الأشجعية في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) بعد استشارة الصحابة حيث أعطيت مقابل سهمها من التركة 80 ألف دينار ، وكانت التركة أنواعاً من المال النقدي والعيني.
وكون الأسهم تحتوي على نقود فهذا لا يمنع من حلها ولا يكون بيع نقدٍ بنقدٍ لأن النقد تابع لغيره والقاعدة تقول: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً ، وفي الحديث عن ابن عمر (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من باع عبداً وله ما ل فماله للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع. رواه مسلم.
وأما السندات فمحرمة لأنها مبنية على الربا.
زكاة الأسهم والسندات:
سنبدأ بالسندات لأن الأسهم تحتاج إلى تفصيل.
1- السندات محرمة لما سبق ولكن هل تزكى ؟ ما يأخذه من الربا يجب عليه أن يتخلص منه بإعادته إلى صاحبه وإذا لم يعلم صاحبه فيتصدق به جميعه بنية جعل الثواب لصاحبه. وقال الشيخ الزحيلي: بالرغم من تحريم السندات فإنها تجب زكاتها لأنها تمثل ديناً لصاحبها ، وتؤدى زكاتها عن كل عام عملاً برأي جمهور الفقهاء غير المالكية، لأن الدين المرجو (وهو ما كان على مقرٍ موسرٍ) تجب زكاته في كل عام، وشهادات الاستثمار أو سندات الاستثمار هي في الحقيقية سندات وتجب فيها الزكاة وإن كان عائدها خبيثاً وكسبها حراماً ، وتزكى السندات كزكاة النقود… وذلك لأن تحريم التعامل بالسندات لا يمنع من وجود التملك التام فيجب فيها الزكاة، أما المال الحرام غير المملوك كالمغصوب والمسروق ومال الرشوة… والربا ونحوها فلا زكاة فيه لأنه غير مملوك لحائزه ويجب رده لصاحبه الحقيقي منعاً من أكل أموال الناس بالباطل فإن بقي في حوزة حائزه وحال عليه الحول ولم يرد لصاحبه فيجب فيه زكاته رعاية لمصلحة الفقراء.أ.هـ وذكر ابن تيمية (رحمه الله) أن المال إن كان أهله غير معروفين ولا معينين كالأعراب المتناهبين تجب فيه الزكاة.
2- الأسهم: تنقسم الأسهم إلى ثلاثة أنواع:
1- الأسهم في شركة زراعية فتخرج زكاتها كما في زكاة الزروع والثمار.
2- أسهم في شركات تجارية فتجب زكاة الأسهم جميعها كعروض التجارة، وتقدر فيها الأسهم بقيمتها في السوق وقت وجوب الزكاة
3- أسهم في الشركات الصناعية فهذه اختلف في زكاتها:
أ- فقيل: تجب الزكاة في صافي الربح لا في المعدات والمباني ونحوها ، اختار هذا القول الشيخ عبدالرحمن عيسى في كتابه المعاملات الحديثة وأحكامها.
ب ـ وقيل: لا فرق بين الأسهم في شركاتٍ صناعية أو تجارية ما دامت معدة للتجارة ولما في التفريق بينهما من المشقة ، واختار هذا القول الشيخ يوسف القرضاوي.
3- وفرق بعض العلماء بينها بحسب النية فإن كان المساهم يقصد الاستمرار في تملك حصةٍ شائعة في الشركة وأخذ العائد الدوري فلا يزكي الأصول، وإن كان تملكه على سبيل المتاجرة فيزكيها باعتبار قيمتها السوقية ، وهذا قول الشيخ: عبدالله بن منيع.
ونوقش هذا القول بأنه تفريق بين المتماثلين.
وأجيب بأن النية لها دور في تغيير الزكاة كما في التملك للقنية والسكنى ، والتملك للتجارة، ولأن من لا يقصد المتاجرة قد تمضي عليه فترة طويلة لا يبيع فيها ثم قد تنخفض الأسعار بخلاف الأول فإنه يبيع ويشتري دوماً.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول لما تقرر لدى الفقهاء من أن آلات الصناعة والمباني ونحوها لا زكاة فيها إذا لم تكن هي ذاتها معدة للتجارة.
المراجع:
1ـ مجلة مجمع الفقه الإسلامي. العدد (4)، ج (1) ص 707.
2ـ بحوث في الاقتصاد الإسلامي ، لعبدالله بن سليمان بن منيع ص (67).
3- مجموع رسائل الشيخ/ عبدالله المحمود.
4- زكاة الأسهم والسندات للشيخ/ صالح السلان.
5- أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة.
المصدر: بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة
===============
الحصانة الشرعية ودورها في تشكيل الشَّخصيَّة الإسلاميَّة
كتبه
خباب بن مروان الحمد
Khabab00@hotmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد، وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أمَّا بعد:(4/97)
يعيش المسلمون في زمن انفتحت فيه الدنيا على مصراعيها ؛ فقد تعدَّت مقولة العيش في قرية واحدة مرحلتها ، وصرنا في حقيقة الأمر نعيش في عالم يجتمع في غرفة واحدة ، فالقنوات الفضائية دخلت البيوت ، والمواقع الإلكترونية استقطبتها أروقة الدور والعمل ، فصار المرء يتلقَّى آراء عديدة، وتوجهات متغايرة، تجعله يتابعها وهو في غرفته ليل نهار.
وفي خِضَمِّ هذه التحديات ، والاختلافات البينيَّة يجدر بالمرء الذي منَّ الله عليه بالإسلام ، أن تكون لديه رؤية ناضجة في كيفية التعامل مع هذه التحديات ، فإنَّ فيها الحق والباطل ، ومواجهتنا لهذه التحديات الثقافية تتطلَّبُ منَّا قوَّة عقدية، وركائز ثابتة، تأخذنا لبرِّ الأمان ، وشاطئ النجاة.
وليس من شكٍّ أنَّ الله ـ تعالى ـ قد منَّ علينا بنعمة عظيمة ، وهي:نعمة العقل ، والتي يُعرف من خلالها ـ في كثير من المسائل ـ الخير من الشر، والهدى من الضلالة ، والصواب من الخطأ ، بيد أنَّ الإنسان إذا استقلَّ بها وأعرض عن الوحي ، فسيرتكب ما تهواه النفس، ولذا نزلت الشريعة الإلهية على عباد اللَّه ، لتميِّز للناس ما يفيدهم ويضبط عقولهم ، فتتوازن الحياة ، وتنضبط المسيرة.
والعقل على شرف منزلته ، لن يستقلَّ بالهداية إلاَّ باتِّباعه لشريعة الإسلام ، وشريعة الإسلام لن تتبين مراداتها إلّا بواسطة العقل ، فكلا الأمرين يحتاج أحدهما الآخر، ولن يعارض العقل الصحيح النقل الصريح أبداً كما بيَّنه علماء الإسلام.
فصل
التعريف بـ:(الحصانة الشرعية):وأهميَّة هذا الموضوع
من أهمِّ القضايا العلميَّة في دين الإسلام معرفة حقائق الأشياء وتعريفاتها ؛ لتكون الصورة واضحة في الذهن ، جليَّة في الفكر (إذ المرء ما لم يحط علماً بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حسكة)كما قال الإمام ابن تيميَّة "الفتاوى10/368".
ومن خلال تأمُّل فكري لاستخراج تعريف لهذا المفهوم :(الحصانة الشرعية) وتبيين المقصود منه ، أرى أنَّه: (البناء العقدي المتين من خلال الفهم الناضج لمنهاج الله كتاباً وسنَّة ، ووقاية الفكر والعقل عن كلِّ ما يخلُّ بهما من الآراء الفاسدة ، المخالفة لمنهج أهل السنَّة والجماعة في التلقي والاستدلال).
فالحصانة الشرعيَّة مشابهة لجهاز مناعة واقٍ من أن يتسرَّب إليه شيء من الخلل والعطب ، فيفسده ويخلُّ به. وهكذا المسلم ، فإنَّه محتاج لما يحوط عقيدته ويرعاها حقَّ رعايتها من أن تتلقَّى شيئاً من شبه أهل الضلال ، فيقع في قلبه شيء من الانخداع بها ، فيزيغ قلبه ـ عياذاً بالله من ذلك ـ فيهلك مع الهالكين.
*تتجلَّى أهميَّة الموضوع ـ فيما أرى ـ بأنَّه منذ خروج المرء من بطن أمِّه ، فليس في ذهنه رصيد معرفي، ولا خبرة عملية ، كما قال الله ـ تعالى ـ:(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلَّكم تشكرون) (النحل78) فالمرء المسلم ما دام أنَّه سيبدأ بالتلقي والاتصال مع بني الإنسان ، فسيجد اختلافات في الآراء ، وتباينات في المناهج، وكلٌّ يدَّعي الحق والصواب، فما موقفه إذن من هذه التضاربات الفكرية ؟وكيف يستطيع أن يميِّز بين الصواب والخطأ ؟ هناك خطوات لتحقيق ذلك ، وستَتَجلَّى في هذه الدراسة ـ بإذن الله ـ.
فصل
ضرورة تلقي العلم من منابعه الأصيلة
ليس من شك في أنَّ الإنسان المسلم إذا لم يتلقَّ العلم من منابعه الأصيلة ، وروافده الصحيحة ، أخذاً من الكتاب والسنة على هدي السلف الصالح ، فإنَّه سيخبط خبط عشواء ويتلقَّى العلم من جهات لا يعلم توجُّهاتها العقدية، ولا أصولها الشرعية ، ويقع في عدة مزالق يتباين حجم خطئها وضلالها ، ولهذا كان علماؤنا السابقون يوصون بتلقي العلم ممَّن صدقوا الله في تعلمهم وتعليمهم ، ولاحت قوة حججهم أمام خصومهم، وفي المقابل يحذِّرون طلابهم من أهل الزيغ والهوى ، لئلا يقعوا فيما وقع فيه أولئك المبتدعة ، فكان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود ـ رضي اللَّه عنه ـ يقول:(لا يزال النَّاس بخير ما أخذوا العلم عن الأكابر ، وعن أمنائهم وعلمائهم؛ فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا . قال ابن المبارك ـ رحمه اللَّه ـ في تفسير((الأصاغر)):(يعني أهل البدع)(أخرجه ابن المبارك في الزهد:صـ815 ، و عبدالرزاق في المصنَّف(20446و20483،بسند صحيح).
وهذا الإمام عبدالله بن المبارك ـ رحمه الله ـ يوصي طالب العلم قائلاً له:
أيها الطالب علماً ائت حمَّاد بن زيد
فاكتسب علماً وحلماً ثمَّ قيِّده بقيد
ودع الفتنة من آثار عمرو بن عبيد
(ديوان ابن المبارك للدكتور:مجاهد مصطفى:صـ45، وانظر البداية والنهاية:10/79).
وممَّن نبَّه على ذلك الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ حيث ألمح للمسلم الذي يريد أن يكون ذا عقليَّة واعية بأنَّه لا بد أن يعمل على حصانة عقليته من الانحرافات الفكرية ، وخصوصاً إن كان في منطقة يكثر بها أهل البدع والهوى ، فقال:(فإن كان في بلد شاع فيه الكلام وتناطق الناس بالبدع فينبغي أن يصان في أول بلوغه عنها بتلقين الحق ؛ فإنه لو أُلقي إليه الباطل لوجبت إزالته عن قلبه وربما عسر ذلك ، كما أنه لو كان هذا المسلم تاجراً وقد شاع في البلد معاملة الربا وجب عليه تعلم الحذر من الربا) إحياء علوم الدين للغزالي:(1/29)
وحين يفتش المراقب ضلال من ضلَّ وحادَ عن طريق الهدى وعلائم الحق ، فسيجد أنَّ من أسباب ذلك ضعف الحصانة الشرعية ، ممَّا يؤدِّي لولوج المشتبهات في فكره وعقله ، وقد نبَّه على ذلك الإمام ابن بطَّة العكبري فقال:(اعلموا إخواني أني فكرت في السبب الذي أخرج أقواماً من السنة والجماعة واضطرهم إلى البدعة والشناعة ، وفتح باب البلية على أفئدتهم وحجب نور الحق عن بصيرتهم فوجدت ذلك من وجهين :
أحدهما : البحث والتنقير وكثرة السؤال عما لا ينبغي ، ولا يضر العاقل جهله ، ولا ينفع المؤمن فهمه.
والآخر: مجالسة من لاتؤمن فتنته ، وتفسد القلوب صحبته)"الإبانة :1/390".
وقد يتساءل بعض المستشكلين عن علَّة الاهتمام والتَّشبُّث تجاه مصادر التلقي ؛ والسبب في ذلك ، لئلاَّ تختلط المناهج في الذهن ، وتتضارب التصورات ، فتكون النتيجة المنطبعة بعد ذلك في العقل الإسلامي منهجاً غوغائياً لا تلزمه ضوابط ، ولا تحكمه قيود .(4/98)
فالمطلوب لمن أراد الهداية والتثبيت على سلَّم الشريعة ، ليدفع بها الأهواء ، ومكائد أهل الضلال ، أن يكون معتنياً بحماية عقله، بسياج الشريعة الإسلاميَّة وأصولها، والتي تكوِّن له ثوابت عقدية تحميه ـ بعون الله ـ من سريان الأفكار المضلِّلَة إلى منهجه ، من أهل الأهواء والعصرنة والعلمنة. أمَّا أن يظنَّ العبد بنفسه حين قرأ شيئاً في عقيدة أهل السنة والجماعة أنَّه صار مدركاً لها بالكليَّة ، أو مفكِّراً ألمعياً ، ثمَّ يطالع كتب أولي الأهواء والبدع، ويشاهد بعض البرامج الدينية أو الفكرية في بعض القنوات الفضائية ، بحجَّة الاستنارة وعدم التعصُّب الفكري، أو بغية العثور على فكرة ضالة ، فيبدأ مشاهداً ومطالعاً متوجساً من كلام المتحدث ، وما أن تمضي عدَّة شهور أو سنوات ، حتَّى يدمن ذاك الذي ظنَّ أنَّه قد أحاط علماً بأصول الإسلام ، على مشاهدة الفضائيات وملاحقة الصحف والمنتديات الثقافية ، فتبدأ الشبهات تقع في ذهنه ، لقلَّة علمه ، بل قد يأتي بعضهم لأهل العلم في مجالس خاصة أو عامة ، يحدثونهم سراً أو علانية ، بأنَّ في ذلك البرنامج الفلاني ، أو الصحيفة الفلانيَّة، ذكر الكاتب كذا ، وأقام الأدلة على حديثه ، فهل كلامه صواب ؟ وكيف نرد عليه؟! والحقُّ أنَّ هؤلاء أحسنهم ، وإلاَّ فقد ينخدع هؤلاء ببعض أهل الهوى ممَّن أوتوا فصاحة وبياناً بل علماً ، فتختلط المعايير لديهم، ويضطربون فكرياً، ثمَّ يلتفتون مرَّة أخرى إلى منهجهم الذي ساروا عليه سنوات فيدَّعون أهمِّية نقضه ونسفه ، ومعاودة النظر في كلام علمائه بحجَّة أنَّهم رجال وعلماء السلف رجال؛ لأنَّه لم يقم على الأصول العلمية الصحيحة!! وصدق عمر بن عبدالعزيز ـ رضي الله عنه ـ حين قال:(من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل)(تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة/صـ115).
فصل
الحذر من مخالفة منهج أهل السنَّة والجماعة
من يتابع مسيرة سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ يجدهم يتحاشون الاستماع لأهل البدع والهوى ، أو محادثتهم ، أو مجالستهم ، وفي هذا يقول سفيان الثوري:(من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة ، وهو يعلم ، خرج من عصمة الله ، ووكل إلى نفسه ، وقال كذلك:من سمع بدعة فلا يحكها لجلسائه ، لا يلقها في قلوبهم .
علَّق الإمام الذهبي على مقولة الإمام سفيان الثوري بقوله:أكثر الأئمة على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة والشُّبه خطَّافة )"السير7/261" ، وقد أحسن من قال:
لا تستمع إلاَّ لقول صادق يغنيك عن خطل من الأقوال
فالأذن نافذة العلوم وخيرها أذنٌ وعت ذكراً تلاه التالي
بل إننا نجد أنَّ من منهج أهل العلم الراسخين تجاه المدارس الضالَّة ؛ التحذير منها ، بله محاولة انتزاعها من أيدي أصحابها، لئلاَّ تفسد عقول الناس بتلك الأفكار المضلِّلة ، ويذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ شيئاً من هذا قائلاً:(وقد أمر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي ، وقال: أخذُها منهُ أفضلُ من أخذِ عكا ـ وقد كانت بأيدي الصليبيين ـ مع أن الآمدي لم يكن في وقته أكثر تبحراً في الفنون الكلامية ، والفلسفية منه ، وكان من أحسنهم إسلاما، وأمثلهم اعتقاداً)"مجموع الفتاوى 18/53"
وقد يقول قائل: أليس ذلك مصادرة للرأي ، وحجراً على الأفكار ؟
وإجابة على ذلك ؛ أنَّ هذه المصادرة لرأي الآخر ليس كما يظنُّه بعض أهل الهوى أو المنهزمين ممَّن ينتسبون إلى الإسلام ؛ بسبب الخوف والجبن من الاستماع لأهل البدع والهوى ، بل لأنَّه حفظ لعقول المسلمين ، والاحتياط لدينهم من سماع كلام أهل الضلال والكفر ، استدلالاً بقوله تعالى:(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإمَّا ينسينَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)وقوله تعالى:(وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتَّى يخوضوا في حديث غيره)"النساء/140".
ومن الأدلَّة على ذلك قوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:(وإنَّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين ، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة وكلُّ بدعة ضلالة) أخرجه أحمد في مسنده (4/126)والترمذي برقم (2676) وقال: حديث حسن صحيح ، فإنَّه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حذَّرنا من محدثات الأمور، ودعانا إلى اجتنابها .
ومن الأدلة كذلك ما رواه عمران بن حصين عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنَّه قال:(من سمع بالدجَّال فلينأ عنه ، من سمع بالدجَّال فلينأ عنه ، من سمع بالدجَّال فلينأ عنه، فإنَّ الرجل يأتيه وهو يحسب أنَّه مؤمن، فما يزال به بما معه من الشبه حتَّى يتَّبعه)أخرجه الإمام أحمد في المسند(4/431)بسند صحيح،وجوَّد إسناده الإمام ابن مفلح في الآداب الشرعية(1/220). بل إنَّ المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين أتاه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه ، غضب ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال :(أوفيَّ شكٌّ ياابن الخطَّاب ؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّة ، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به . والذي نفسي بيده ، لو أنَّ موسى كان حيَّاً ما وسعه إلاَّ أن يتبعني) أخرجه أحمد في مسنده (3/338)، وابن أبي شيبة في مصنَّفه(6/228) بسند حسَّنه الألباني.
كان ذلك منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ تربية لأصحابه على أن يكون الينبوع الذي يتلقون منه واحداً عذباً نقيَّاً:(يسقى بماء واحد)، ليفارقوا أهل الضلالة ويستقوا المنهج من غيرهم، لأنَّ مفارقتهم منهج لأهل السنة والجماعة ، وليست من إنشاءات بعض المتشدِّدين كما يزعمه بعضهم ، ويكفينا أنَّه ـ سبحانه وتعالى ـ يقول في محكم التنزيل لمن يطلب النظر في غير كتاب بدعوى عدم الحجر الفكري :(أولم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم)!!
وأمَّا ما يدَّعيه بعضهم من أولي التوجهات الحديثة العصريَّة : بأنَّ ذلك التحفظ من باب الحجر على الأفكار ، والاسترقاق الفكري ، والإرهاب الثقافي تجاه الناس ، وأنَّه لا بأس بأن يستمع من شاء إلى من يشاء ، سواء أكان سنِّيَّ المنهج أو نقيضه، بلا توجيه أو رعاية أو تربية وعناية ؛ بزعم أنَّ الحق أبلج ناصع ، ومن خلال نصاعة الحق سيتبين للناس أنَّه حق ويأخذون به،لأنَّ الله يقول:(فأمَّا الزبد فيذهب جفاء وأمَّا ماينفع الناس فيمكث في الأرض) ويقولون : إنَّه ليس من إشكال أن يقلِّب المرء بصره في كلام الناس ، ويستمع لجدال المجادلين ، ثمَّ يرى من كان كلامه حقاً فيأخذ به.(4/99)
فالجواب عن ذلك:بأنَّ هذا الطرح متولد من العقلية الغالية في تحكيم النصوص ، والتي تزايد في إعطاء العقل ما لا يقدر عليه ، ولم يُبْنَ على الأصول الشرعية، وإلَّا فإنَّ هدي رسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ والصحابة والتابعين ممن بعده يقوم على تحصين الأفكار ، وصيانة العقول من الاستماع لكلِّ من هبَّ ودبَّ ، وعلى هذا قام منهج أهل السنَّة والجماعة ، ورحم الله عمر بن عبد العزيز، حين قال:(سنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وولاة الأمر بعده سنناً،الأخذ بها تصديق لكتاب الله ،واستكمال لطاعته ، وقوَّة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر في رأي من خالفها،فمن اقتدى بما سنُّوا فقد اهتدى ، ومن استبصر بها بصر ، ومن خالفها واتَّبع غير سبيل المؤمنين ولَّاه الله ماتولى وأصلاه جهنَّم وساءت مصيراً)أخرجه الآجري في الشريعةص48،والَّلالكائي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعةبرقم(134)(1/94)،وعبدالغني المقدسي في الاقتصاد في الاعتقادص216)وحين جاء رجل للإمام الأوزاعي ـ رحمه الله ـ فقال:أنا أجالس أهل السنَّة ، وأجالس أهل البدع . قال الأوزاعي:(هذا رجل يريد أن يساوي بين الحقِّ والباطل)أخرجه ابن بطَّة في الإبانة(2/456) والَّلالكائي (252) في شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة.
وكم أعجبتني فتوى الشيخ العلاَّمة السيد محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ حين سئل : ما هو حكم الله فيمن يطالع الكتب السماوية الأخرى مثل التوراة بقصد الإحاطة خبرًا بما جاء في غير شريعتنا , وهل كان النهي عن قراءتها عامًّا ، وإذا سلمنا ذلك تكون الشعوب غير الإسلامية متميزة على المسلمين بعدم منع أنفسهم إجالة النظر في القرآن ، فيستفيدون مما جاء فيه من الآيات البينات , ويحتجّون به علينا , ونحن لا نقدر أن نقابلهم بالمثل ؛ لأن كتبهم مغلقة في وجوهنا . أفيدونا بما علمكم الله ؟.
فأجاب فضيلته : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
الأمور بمقاصدها , فمن يطالع كتب الملل بقصد الاستعانة على تأييد الحق وردّ شبهات المعترضين ونحوه وهو مستعد لذلك , فهو عابد لله تعالى بهذه المطالعة , وإذا احتيج إلى ذلك ؛ كان فرضًا لازمًا .
وما زال علماء الإسلام في القديم والحديث يطلعون على كتب الملل ومقالاتهم , ويردّون بما يستخرجونه منها من الدلائل الإلزامية , وناهيك بمثل ابن حزم وابن تيمية في الغابرين ، وبرحمة الله الهندي صاحب إظهار الحق في المتأخرين ، أرأيت لو لم يقرأ هذا الرجل كتب اليهود والنصارى ، هل كان يقدر على ما قدر عليه من إلزامهم وقهرهم في المناظرة , ومن تأليف كتابه الذي أحبط دعاتَهُم في الهند وغير الهند ، أرأيت لو لم يفعل ذلك هو ولا غيره أما كان يأثم هو وجميع أهل العلم , وهم يرون عوام المسلمين تأخذهم الشبهات من كل ناحية ولا يدفعونها عنهم ؟
نعم إنه ينبغي منع التلامذة والعوام من قراءة هذه الكتب لئلا تشوش عليهم عقائدهم وأحكام دينهم ، فيكونوا كالغراب الذي حاول أن يتعلم مشية الطاووس فنسي مشيته ولم يتعلم مشية الحجل ، والله أعلم .(1(
ولنفترض جدلاً أنَّ علماء أهل السنَّة والجماعة فتحوا المجال للنَّاس أجمعين ليطالعوا ما يشاؤون،ويشاهدوا مايريدون، فالظنُّ أنَّه سيخرج كلُّ واحد منهم بمنهج يدَّعي أنَّه الحق الذي لا مرية فيه ، وخاصة إذا استصحبنا أنَّ في القلوب ركيزة الهوى ، وتزيين السوء باسم المصلحة تارة والحق أخرى ووجهة النظر ثالثة والحرية رابعة ، وتكون النتيجة المحصِّلة لنا من هذه الآراء ؛ التمذهب بمذهبية الـ(حيص بيص!) في المعتقدات والأفهام ، والكل يقول أنا الذي ! دع عنك حبَّ الاستئثار بالرأي لدى البشر، وتعظيمهم لأقوالهم ، ومن ثمَّ إخراجهم للكتب والمؤلفات لنصرة رأيهم،والانتصار لفكرتهم (وكم كتاب صنع ليطعن حقَّا) كما قاله الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه:(نقض كتاب الشعر الجاهلي ص4)
والحقيقة أنَّنا إذا نظرنا فيمن يعظِّم الذي يظنُّ أنَّه عقلاني ، فسنجدهم قد صاروا إلى أقوال متباينة ، وأفكار غريبة، وقلَّ أن نراهم يوافقون الحق والصواب المدَّعى من قِبَلِهم ؛ لأنَّ المعيار بلا معيار لا يكون ، والعقول تختلف ، والآراء تتباين ، والأفكار تتضارب ، فتتكون لديهم رؤية مبعثرة غير متَّزنة ، تسفُّها الرياح العاتية ، وتتلاعب بها الأعاصير الجارفة ، وقد قيل:(للناس بعدد رؤوسهم آراء !) ولهذا فلم نرَ من كبارهم إلَّا الندم والحسرة على تلك الأيام التي خلت حين كانوا يضربون الأخماس في الأسداس في ماهية المنهج الصائب،حتَّى انتهوا بلا نهاية،وقالوا:
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وللَّه درُّ الإمام ابن قتيبة حيث قال عن هؤلاء المتَّبعين للمنهج "الأرأيتي" :(وقد كان يجب ـ مع ما يدَّعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر ـ أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّاب والمسَّاح ، والمهندسون ، لأن آلتهم لا تدلُّ إلاَّ على عدد واحد ، وإلا على شكل واحد ، وكما لا يختلف حذَّاق الأطبَّاء في الماء وفي نبض العروق ؛ لأنَّ الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد ؛ فما بالهم أكثر الناس اختلافاً ، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين)(انظر:تأويل مختلف الحديث/صـ63) وصدق الله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).
وأمَّا ما ادَّعاه بعضهم من صحَّة الفكرة القائلة:بأن يقلِّب المرء ناظريه بين الأقوال المتضاربة ، ويرى الحق الذي يبدو له في بعضها فيختاره ، ثم يرى أنَّ هناك شخصاً تَعَقَّبَ ذلك الحق الذي اتَّبعه فجعله باطلاً ، ثمَّ أبدى ما لديه من حق ، فيأتي المرء ليختار الحق الذي اختاره ذلك الشخص المتعقب لكلام من قبله ، ثمَّ يأتي شخص ثالث فيبطل القولين ويصوِّب القول الذي اختاره بعناية وتحقيق، فيأتي هذا المرء المسافر بين عقول هؤلاء ليختار قول هذا الرجل ، لأنَّه قوي في المناظرة ، رابط الجأش في المجادلة ، وهكذا....فإنَّ هذا الرأي المطروح ليس صواباً ، لأنَّ دين الله لم يأت ليحاكمه العقل البشري، بل ليسمع له ويطيعه ، ولهذا فإنَّ المنهج العقلي وإنْ صوِّر لأصحابه في البداية بأنَّه منهج المنطقية والعقلانية ، إلَّا أنَّه في الحقيقة منهج الحيرة والضلالة ، لأنَّ هذا المنهج وإن كانت له قيود ، فقيوده متفلِّتة ، وقواعده متسيِّبة، فينتج من ذلك ثلاثة أمور:
1ـ إمَّا أن يصاب أصحابه بتبلّد الإحساس فيختاروا قولاً ، يبقون عليه إلى أن يُقْبَضُوا مع تعصب مقيت ، وهوى متَّبع.
2ـ وإمَّا أن يصطدموا بما لا طاقة لعقولهم به فيردُّوا الشريعة جملة وتفصيلاً.
3ـ وإمّا أن يصاب أصحابه بالارتحال الفكري ، والتجوال بين عقول البشر ، ومناهج الفلاسفة أو المفكرين العصريين ، فيعانوا من الدُّوار مع القلق الفكري ، وتغلب عليهم الحيرة والاضطراب المنهجي ـ عياذاً بالله من ذلك ـ وقد ابتلي بعض من سار على هذا المنهج بذلك مثل:الفخر الرازي ، والشهرستاني، والجويني، والكرابيسي،والخونجي، وشمس الدين الخسروشاهي ، وابن واصل الحموي ، والآمدي ، وإبراهيم الجعبري ، وغيرهم ، وإن كان بعض هؤلاء قد منَّ الله عليهم بالرجوع لمنهج أهل السنة والجماعة قبل وفاتهم ـ ولله الحمد والمنَّة ـ.(4/100)
وحين جاء رجل للإمام مالك يقال له أبو الجويرية ـ متَّهم بالإرجاء ـ فقال له:اسمع منِّي،فقال مالك:احذر أن أشهد عليك . فقال هذا الرجل:والله ما أريد إلَّا الحق ،فإن كان صواباً ، فقل به ، أو فتكلَّم . فقال مالك:فإن غلبتني . فقال الرجل:اِتَّبِعْني.فقال مالك:فإن غلبتك ، قال :اتَّبعتك .فقال مالك:فإن جاء رجل فكلَّمنا، فغلبنا؟قال:اتَّبعناه.فقال مالك:يا هذا ، إنَّ الله بعث محمداً ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بدين واحد ، وأراك تتنقل!!)(سير أعلام النبلاء 8/99ـ106)(الفتوى الحموية الكبرى/ ص277)ولا يعني ذلك بحال ألاَّ يتطلب المسلم الحق ويبحث عنه ، فإنَّ هذا الأمر غير ذاك،والفارق بينهما أن من يريد تتبع الحق في أصول الإسلام وقضاياه الكلية يرجع إلى كتاب الله ، وسنَّة رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فيستقي منهما الحقَّ والصواب،على طريقة علماء أهل السنَّة والجماعة، ومنهجيَّتهم في الاستدلال.
فصل
حتى لا نقع في الانحرافات
صفة متَّبع الحق أنه يدور مع الأدلة الشرعية حيث تدور،فهمُّه التسليم لكلام الله ورسوله ؛ لأنه عابدٌ لله ، ولا يكون العبد مسلماً لله إلا إذا ابتعد عن هواه وسلَّم عقله ونفسه لحكم الله وأمره ، أمَّا من يريد تتبع الحق لأقوال من عرفوا بالزيغ والهوى،فإنَّه قلَّ أن يصل للمنهج الإسلامي الصحيح ، ومن دلائل معرفة هؤلاء أنَّهم يبعدون النجعة كثيراً عن الأدلة الشرعية،ولا يتحاكمون إلاَّ إلى عقولهم ومن ثمَّ يختارون من الشريعة ما يوافق هواهم ، بل لو قيل لبعضهم : إنَّ هذا القول خطأ والدليل عليه من كتاب الله كذا وكذا ، لضجُّوا وأكثروا وقالوا أنت رجل مماحك ؛ فما أشبههم بقوله تعالى:(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) نسأل الله العافية والسلامة!
ومن هنا يلزم كلِّ متبع لمنهج أهل السنة أن يكون فكره مبنيَّاً على كتاب الله وسنة رسول الله بالفهم المنضبط على منهج أهل السنة والجماعة ، خشية الوقوع في الشبهات ووصولها إلى ذهنه، ومن ثمَّ صعوبة الانفكاك عنها، حيث ترسَّخت في العقل ، ولعلَّ هذا يفسِّر لنا ما ذكره الإمام أبو بكر بن العربي عن أبي حامد الغزالي ـ رحمهما الله ـ حيث إنَّه من المعلوم أنَّ الإمام الغزالي تنقل في عدة أطوار عقدية ومنهجية من اعتزالية فلسفيَّة، فكُلاَّبيَّة ، فصوفية ، فأشعريَّة ، ثمَّ أراد الانفكاك عنها والخروج من لوازمها ، لكنَّه لم يستطع أن يتقيأ كلَّ ما انغرس في فكره من تلك العقائد البدعية ، فقال عنه أبو بكر بن العربي:(شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة، ثمَّ أراد أن يخرج منهم فما قدر)"درء تعارض العقل والنقل1/5" وكذا الإمام أبو الحسن الأشعري فقد كان معتزليَّاً ، ثم تبنَّى الفكر الأشعري ، وبعد هذه التنقلات الفكرية ترك أبو الحسن الأشعري ذلك كلَّه وأقبل على منهج أهل السنَّة والجماعة وألَّف كتابين جليلين فيه هما:(الإبانة عن أصول الديانة)وكتاب:(مقالات الإسلاميين واختلاف المصلِّين)ولكنَّه مع ذلك لم يخل من بعض الأخطاء بسبب التكوين العقدي المركَّب في عقله، وممَّن ألمح لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حيث قال:(لم يستطع التخلُّص من مذهب المعتزلة لأنَّه نشأ عليه مع قلَّة خبرته بمذهب أهل السنَّة وعدم تمكنه من علم الكتاب والسنة)(فتاوى ابن تيميَّة)
عرضت هذين النموذجين لأبيِّن دور البناء والتأصيل للتكوين العقدي في الخريطة الذهنية لدى الفرد المسلم ، وأنَّ الانفكاك عن كلِّ ما يثبت بالذهن من الأخطاء العقديَّة قد يكون صعباً ، إلاَّ من أراد الله له ذلك وتفلَّت فكره من كلِّ مخالفة شرعيَّة.
فصل
استدراك لابدَّ منه
لا يعني التحذير من القراءة لكتب أهل الزيغ والهوى ، أو متابعة آرائهم وأفكارهم بأي حال ؛ ألاَّ يُنتَدَب أناس منَّ الله عليهم بالعمق العلمي في معرفة منهج أهل السنة ، ورصانة الدفاع عنه ، مع ما آتاهم الله من قوة وحجَّة في الكلام ، وجزالة في المعاني والتبيان، بالتصدِّي لأهل البدع والضلالات ، وكشف زيف شبههم ؛ فإنَّ أهل السنة محتاجون أشد الحاجة لأولي العلم الربانيين المتمكِّنين ، وخاصة في هذا الزمان ، الذي كثرت فيه الشبهات وتسلط فيه الجهال على منابر الإعلام ، وانتشر فيه الرويبضات الذين ينطقون في أمر العامة ، فإننَّا بحاجة ماسَّة لمن منَّ الله عليهم بذلك وتكونت لديهم الحصانة العقدية ، لأن يُنتدَبوا لجدال الزائغين ، ومناقشة المغرضين ، وقد كان في السابق من أهل العلم من ينتدب لذلك إذا رأى الشبهات قد كثرت ، بل قد يناظر ويجادل أمام العامة ، إذا خشي أن تتسرب الفكرة الضالة إلى عقولهم من أهل الضلال ، حماية لهم منهم ، ورداً لكيد الضُّلاَّل في نحورهم ، كما ناقش الإمام أحمدُ ابنَ أبي دؤاد ، وكما جادل الكنانيُّ بِشْرَ المريسي ، وابنُ تيميةَ علماءَ الأشاعرة ، وغيرهم كثير . وكانت هذه الحالة عند العلماء استثنائية ، من أصل عدم مناظرة هؤلاء ، أو الاستماع إليهم ، إلاَّ إن اضطروا إلى ذلك ، وخشوا أن تستفحل الفتنة أكثر فأكثر ؛ فإنَّ أهل السنَّة استحبُّوا أن ينتهض الربَّانيون لمجادلة الضلاَّل .
وممَّن نبه على ذلك من علماء الإسلام: الآجرِّي ـ رحمه الله ـ بقوله عن أهل الضلالة والبدع :(فإن قال قائل:فإن اضطر في الأمر وقتاً من الأوقات إلى مناظرتهم ، وإثبات الحجة عليهم ألا يناظرهم؟قيل:الاضطرار إنَّما يكون مع إمام له مذهب سوء ، فيمتحن الناس ، ويدعوهم إلى مذهبه ، كفعل من مضى ، في وقت الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:ثلاثة خلفاء امتحنوا الناس ، ودعوهم إلى مذهبهم السوء ، فلم يجد العلماء بدَّاً من الذبِّ عن الدين ، وأرادوا بذلك معرفة الحق من الباطل ، فناظروهم ضرورة لا اختياراً،فأثبت الله ـ عزَّ وجل ـ الحق مع الإمام أحمد بن حنبل ، ومن كان على طريقته ، وأذلَّ الله العظيم المعتزلة وفضحهم ، وعرفت العامة أنَّ الحقَّ ما كان عليه أحمد بن حنبل ومن تابعه إلى يوم القيامة)(الشريعة للآجرِّي/ص66) ، ولهذا فلا يُذْكَر أن أُفحِمَ أهل السنة في مناقشاتهم لأهل البدع ، أو مناظراتهم لهم ـ ولله الحمد والمنة ـ لأنَّ الله هاديهم ، ومنوِّر طريقهم ، وحقَّاً:
إذا تلاقى الفحول في لَجَبٍ فكيف حال البعوض في الوسط
أمَّا من أرادوا جرَّ أهل البدع والهوى لمناقشات لا يحسنون الجدل معهم فيها ، بل يلقون في أذهانهم شبهاً تلجلج في عقولهم أيَّاماً حتى يفرجها الله بإزالة تلك الإشكالات من أهل العلم الربانيين ، بعد أن يطوف عليهم هؤلاء المغمورون...إنَّ هؤلاء القوم لا يقال لهم ، إلاَّ لا تعرضوا أنفسكم للفتنة ، فتكونوا للناس فتنة ، حين لا يجدوا لديكم قوَّة في الحجَّة ، وعمقاً في المناظرة ، وكم أُتي أهل السنة والجماعة من أمثال هؤلاء !(4/101)
وقد قيل:(كثيراً ما يكون الباطل أهلاً للهزيمة ، ولكنَّه لا يجد من هو أهل للانتصار عليه) وحين كان يتحدَّث الإمام ابن تيميَّة عن مناظرة أهل السنة لأهل البدع والهوى ، بيَّن ـ رحمه الله ـ أنَّ أهل السنة والجماعة لا يؤيِّدون أن يتصدى لمناظرة أهل البدع من كان قليل العلم ، فقال: (وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجَّة وجواب الشبهة ، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضلُّ ، كما يُنهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قويَّاً من علوج الكفَّار ، فإنَّ ذلك يضرُّه ويضرُّ المسلمين بلا منفعة)"درء تعارض العقل والنقل7/173"وعلَّة ذلك أنَّه حين النقاش يظهر السنِّي أمام أهل الضلال والهوى بمظهر ضعف ، وعدم قوَّة في الاحتجاج والطرح ، فيسبِّب ذلك له ولبعض أهل السنَّة حيرة وفتنة في دينهم ، وقد تحدَّث ابن تيمية في موضع آخر حول هذه القضيَّة قائلاً:(وكثيراً ما يعارضهم من أهل الإسلام من لا يحسن التمييز بين الحقِّ والباطل ، ولا يقيم الحجَّة التي تدحض باطلهم ، ولا يبيِّن حجَّة الله التي أقامها برسله ، فيحصل بسبب ذلك فتنة)"مجموع الفتاوى35/190"
فصل
حلُّ إشكال قد يقع في البال
قد يقول بعض إنَّنا نعيش في زمن الانفتاح ، والقرية الكونية ؛ التي فرضت نفسها على المجتمعات ، وقد يصلح ما أكتبه لبعض المجتمعات المنغلقة على كينونتها الخاصَّة بها ، أو أزمنة سابقة ، وكثير من الناس يعيش في بلاد يكثر بها أهل الهوى والابتداع، فليس من بدٍّ إلا أن يستمع للأفكار حسنها وسيئها ، وقد يكون غير محصَّنٍ فكرياً وعقدياً ، كما تزعم أهميَّته ، فما قولك؟!
فالجواب عن هذا الإيراد:أنَّ هذا الطرح فيه شيء صحيح و باطل ، فأمَّا الصحيح فإنَّ هناك مجتمعات لها خصوصيَّتها الفكرية والعقدية ، وهناك مجتمعات تكثر فيها المذاهب العقديَّة ، والآراء الفكرية المغايرة لمنهج أهل السنَّة والجماعة ، ولكن...هل نقف عند هذا الحد ، ولا ننتقي ونختار علماء أهل السنَّة الموجودين في كلَّ مكان من الأرض ، ممَّا يساعدنا على البناء العقدي المتين ؟
ثمَّ من الذي قال لهؤلاء احضروا لمن تشاؤون ، لقلَّة أهل السنَّة والجماعة الموجودين في أراضيكم ؟
أليس النَّبيُّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ أخبرنا بأنَّه سيأتي زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر؟! وذلك لأنَّ صحابة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يجدون على الخير أعواناً وهؤلاء القابضون على الجمر لا يجدون على الحقِّ أعواناً.
ألم يخبرنا بأنَّه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه حتى نلقى ربنا ؟ وأوصانا بأن نصبر حتَّى نلقاه على الحوض غير مبدلين ولا مغيرين؟ كما قال القائل:
تزول الجبال الراسيات وقلبه على العهد لا يلوي ولا يتغيَّر
ثمَّ هناك فرق بين أن يجلس إنسان مسلم في مجلس فيتحدَّث متحدثٌ بكلام خاطئ ، ويكون المسلم الجالس في ذلك المجلس عَرَضَاً لا قصداً ، فإنَّ الأعمال بالنيَّات كما أخبرنا المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ والأمور بمقاصدها ، وقد رُفِعَ الحرج عن هذا وأمثاله حين حضر هذا المجلس ، ولكن ليس له إن علم ضلال قول ذلك المتحدِّث أن يبقى جالساً في المجلس ذاك ، بل يجب عليه مفارقته ، وخاصَّة إن كان قليل العلم ، وقد قال أبو قلابة ـ رحمه الله ـ:(لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، فإنِّي لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ، أو يلبِّسوا ماتعرفون)(الإبانة2/437).
إنَّ فرضيَّات الواقع والتي يغلب عليها اللغة الانهزاميَّة ، والأفكار المضلِّلة ، تقتضي أن نكون أشدَّ إصراراً في مفاصلاتنا العقدية، وأصلب عوداً في التلمُّس الجاد لوجود أهل السنة المعينين لنا بالإبقاء على استنبات الفطرة التي ولدنا عليها، وأهميَّة معرفة مصادر التلقي لنتصورها ونعتقدها مستمسكين بها، ولدينا أهل العلم وحملته الربانيُّون، فلنسألهم ولنستوضح منهم ما أشكل من أصول ديننا.
الفصل الأخير
حلول وأصول في حماية العقل المسلم من شبهات المغرضين
وبعد هذه الأطروحة التي عرضت قضيَّة أحسب أنَّها من مهمَّات قضايا الفكر الإسلامي ، فلابد لسائل أن يقول: وكيف نحصِّن أنفسنا وفكرنا من الداخل ، خشية أن يضلَّنا ما هو زائغ عن المنهج القويم ، وما الأسس والأصول التي تكوِّن لدينا حصانة شرعيَّة ، نستطيع ـ بإذن الله ـ بعدها أن نردَّ الغلط إذا أوردت الشبهات ، وخصوصاً في ظلِّ ما يمارس الآن من الحرب الإعلاميَّة الغازية للأفكار والعقول المسلمة؟
لعلَّ الجواب يكمن في عدَّة نقاط أرى أنَّها ـ بإذنه تعالى ـ تساهم في بناء الحصانة الشرعية للعقليَّة الإسلامية ، وهي كالتالي:
1ـ التعلُّق باللَّه ـ عزَّ وجل ـ والاستعانة والاستعاذة به ، وسؤاله الهداية والثبات والممات على دين الإسلام من غير تبديل ولا تغيير ، ولنا في رسول الله أسوة وقدوة ، فقد كان يسأل ربَّه الهداية ، وكان كثيراًَ ما يسأله الثبات على هذا الدين ، وعدم تقلُّب قلبه عن منهج الإسلام ، ويستعيذ به من أن يضلَّ أو يُضلَّ ، كما كان ـ عليه السلام ـ يستعيذ من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، فالدعاء الملازم لذلك والانطراح على عتبة العبوديَّة ، وملازمة القرع لأبواب السماء بـ:(ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنَّك أنت الوهاب) إذا اجتمعت هذه كلَّها ، فلاشكَّ أنَّ رحمته سبحانه سابقة لغضبه وعقابه ، ومحال أن يتعلق العبد بربِّه حقَّ التعلُّق ، ويعرض عنه الله ـ سبحانه وبحمده ـ وهو الكريم الوهاب.
2ـ الثِّقة بمنهج الله ووعده وحكمه وأوامره ، واليقين به ومراقبته ، والشعور بالمسؤوليَّة عن حفظ الدين من شبهات المغرضين ، وعدم خلطه بالباطل ، أو لبسه إياه ، ومن ثمَّ الصبر على مكائد المنفِّذين والمسوِّغين للشُّبهات، فإنَّه سبحانه وتعالى يقول:(وإن تصبروا وتتَّقوا لا يضرُّكم كيدهم شيئاً) وقد قال الإمام سفيان الثوري:(بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين)وممَّا يشهد لذلك قوله تعالى:(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمَّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) السجدة(24)
3ـ تلقِّي العلم عن العلماء الربَّانيين ، وإرجاع المسائل المشكلة إليهم ليحلُّوها ويوضِّحوا ما أبهم على صاحبها، فلا يستعجل في قبول فكرةٍ أطلقها من لا يؤمن فكره ، ولا يبقي تلك الشُّبهة في صدره حتَّى تعظم ، بل ينبغي عليه أن يضبط نفسه بالرجوع للراسخين من أهل العلم ؛ فإن الله ـ تعالى ـ يقول:(فاسألوا أهل الذكر إن كنت لا تعلمون)وذلك لأنَّ هذا العلم دين يدين به العبد لربَّه ويلقاه به إذا مات عليه، ولهذا قال الإمام محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ:(إنَّ هذا العلم دين ؛ فانظروا عمَّن تأخذون دينكم)(أخرجه مسلم في مقدِّمة صحيحه(1/14))
4ـ البناء الذاتي بمعرفة مصادر التَّلقي ، ومناهج الاستدلال الصحيحة ، وملء القلب بنور الوحي من الكتاب والسنَّة، مع ملازمة إجماع أهل السنَّة والجماعة ، فإنَّ هذه المصادر عاصمة من قاصمة الوقوع في الخطأ والانحراف والزلل ، وسبب أكيد لسدِّ باب الشبهات المظلمات ، وذلك ـ بعونه تعالى ـ مساعدٌ لحماية العقل المسلم من مضلاَّت الفتن.
قال أبو عثمان النيسابوري:(من أمرَّ السُّنَّة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ، ومن أمرَّ الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة لأنَّ الله تعالى يقول:(وإن تطيعوه تهتدوا)مجموع الفتاوى(14/241).(4/102)
ومن ذلك إرجاع المجمل إلى المبيَّن ، والمطلق إلى المقيَّد ، والمؤوَّل إلى الظاهر، والجمع بين الأدلَّة التي ظاهرها التعارض ، بالرجوع لكتب أهل العلم ، واستقاء معاني الألفاظ من العلماء الربَّانيين ، وكذا برد المتشابه إلى المحكم ، وقد روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قرأ:(هو الذي أنزل إليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أمُّ الكتاب وأخر متشابهات فأمَّا الذين في قلوبهم زيغ فيتَّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاَّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنَّا به كلٌّ من عند ربِّنا وما يذَّكر إلاَّ أولو الألباب) ثم قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمَّى الله ؛ فاحذروهم) أخرجه البخاري برقم:(7454).
5ـ التعلَُّق بكتاب الله قراءة وفقهاً وتدبُّراً وعملاً ، ولو أقبل الخلق على كتاب الله والانتهاج بنهجه ، لأجارهم ـ سبحانه ـ من الفتن ، فالقرآن شفاء لما في الصدور ، ومن يعرض عنه فسيصيبه من العذاب بقدر ابتعاده عنه (وألَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً * لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربِّه يسلكه عذاباً صعدا) ورضي الله عن ابن عبَّاس إذ قال:(من قرأ القرآن فاتَّبع ما فيه هداه الله من الضَّلالة في الدنيا ، ووقاه يوم القيامة الحساب) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف(6033) وصدق الله :(فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى* ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكاً) ويكفي أنَّ آثاراً كثيرة وردت عن السلف بأنَّه من ابتغى الهدى من غير كتاب الله ، فإنَّ الله سيضلُّه ، كما أخرج ابن أبي شيبة في المصنَّف(12/165) وصحَّحه الألباني في الصحيحة(713)أنَّه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال:(إنَّ هذا القرآن سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فتمسَّكوا به ، فإنَّكم لن تضلُّوا ولن تهلكوا بعده أبداً) وأخبر ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بقوله:(تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي) أخرجه مالك وأحمد في مسنده.
كتاب الله عزَّ وجلَّ قولي وماصحَّت به الآثار ديني
فدع ما صدَّ من هذي وخذها تكن منها على عين اليقين
(البيتين السابقين في:نفح الطيب للمقَّري2/127)
6ـ إصلاح القلب ومجاهدته ، ومن حاول ذلك وجدَّ واجتهد في تحصيله ، فليبشر بالهداية واليقين ، فاللَّه ـ تعالى ـ يقول:(والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإنَّ الله لمع المحسنين).
7ـ معرفة مقاصد الشريعة ، ومرامي الدين الإسلامي ، لأنَّها تمنح المسلم قوَّة منهجيَّة كبيرة ، ولقاحاً ضدَّ الانحرافات.
8ـ تكثيف البرامج التوجيهيَّة ، وأخصُّ بالذكر وسائل الإعلام بشتَّى أصنافها ، ومحاولة زرع الثقة في قلوب المسلمين بالاعتزاز بدينهم وعقيدتهم ، وتمكين قواعد الإسلام في قلوبهم ، والرد على ما يضادها ، وحتماً سيولِّد ذلك قناعة بأولويَّة الأصول الإسلاميَّة في قلوب المسلمين ، وبناء الرسوخ العقدي في قلوبهم ، وذاك التحصين الذي نريد.
9ـ إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المعنيَّة برصد الانحرافات الفكريَّة ، والتعقيب عليها بتفنيد الشُّبه ، والجواب عن الشكوك و الإثارات التي تخرج من بعض المارقين من قيم الإسلام ومبادئه ، والجهاد الفكري ضدَّها، من منطلق قوله تعالى:(وجاهدهم به جهاداً كبيرا) وتفعيل هذه المراكز بقوَّة البحوث ، وضخِّ المال الداعم لها ، وتوظيف الباحثين المتمكِّنين فيها، وإعطاءها قدراً من الشهرة والانفتاح على الوسائل الإعلاميَّة.
10ـ فسح المجال من وسائل الإعلام بشتَّى صورها وألوانها ؛ للمنتمين لمدرسة أهل السنَّة بالخروج الإعلامي ، وعرض رأيهم تجاه الآراء الأخرى ، وبخاصَّة من الأقوياء المتمكِّنين منهم ، وإنَّ ممَّا يؤسف له ، أن تجد بعضاً من وسائل الإعلام ، تستضيف رجلاً بأفكار منحرفة ، وتقابله بآخر من المنتسبين لمنهج أهل السنَّة لا يكون مستواه في الطرح الفكري بتلك القوَّة اللاَّزمة، ، ممَّا يؤثر سلباً تجاه الناظرين لتلك المحطَّات الإعلاميَّة لطرح هذا الرجل السُّنِّي ، كما أنَّه من اللازم حقيقة لبعض أهل العلم أن لا ينأى بنفسه عن تلك المواجهات بل يغلِّب جانب المصلحة العظمى والكبرى في نصرة أهل السنَّة وقضاياهم ، على عدم الخروج بسبب بعض السلبيات أو المفاسد الصغرى ، مع الإدراك والمعرفة بأنَّ كثيراً من المهيمنين على الوسائل الإعلاميَّة يأتوننا بمفكرين ومنتسبين للعلم ، ليفصِّلوا لنا إسلاماً على المزاج الغربي ، أو ما يسمُّونه بـ(الإسلام الليبرالي)! وما الدعوات السيئة التي تخرج منهم أو من بعض أذنابهم بما يسمى بـ (تطوير الخطاب الديني) إلاَّ ليصدوا المسلمين عن تمسكهم بدينهم الحق، وليستبدلوا به الانهزامية والتراخي ، والذي لن ينصر حقاً ولن يكسر باطلاً ، بل مقصوده الأساس تحريف المفاهيم لدى المسلمين ، وتحريف المفاهيم أشدُّ خطراً من الهزيمة العسكرية ، ومن هنا كانت مخطَّطات أعداء الإسلام (لأنَّ هزيمة الأمَّة في أفكارها تجرِّدها من الحصانة وتتركها فريسة لأي مرض أو وباء فيسهل بعد ذلك احتواؤها وتفكيك معتقديها)كما يقول الأستاذ المفكِّر: محمد قطب ـ حفظه الله ـ في واقعنا المعاصر:صـ356).
11ـ ملازمة الجلوس مع الصالحين ، والمنتمين لمنهج أهل السنَّة ، وقد نهانا رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عن صحبة ضعاف الإيمان ، وأمرنا بصحبة المؤمنين فقال:(لا تصاحب إلاَّ مؤمناً )أخرجه الترمذي(4/600) برقم (2395) وأحمد في مسنده (3/38)و (4/143) وصحَّحه الحاكم في المستدرك (4/143) وابن حبَّان في صحيحه (2/314) وحسَّنه الترمذي و ابن مفلح في الآداب الشرعيَّة،وكذا الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم : (7341) فينبغي الحذر من الجلوس إلى أهل الزيغ والهوى والالتفات إليهم ، وخاصَّة إن كانت الخلفيَّة لذاك الجالس مهلهلة في الجانب العقدي ، وقد كان أهل السنَّة يوصون تلاميذهم بمجالسة الأخيار والصالحين ، والإعراض عن أهل الزيغ والفسق والهوى ، ورحم الله الإمام أبو الحسن البربهاري حين قال:(وعليك بالآثار ، وأهل الآثار ، وإياهم فاسأل ، ومعهم فاجلس ، ومنهم فاقتبس)(شرح السنة للبربهاري/ص102).
ويكفي أنَّ من فضائل ذلك أنَّ أصحاب الخير يدلُّون رفقائهم على سبل الهدى ، ولهذا فحين كان ابن القيم يورد على شيخ الإسلام ابن تيميَّة بعض كلام أهل الهوى إيراداً بعد إيراد ، أوصاه ابن تيميَّة قائلاً:(لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السِّفِنْجَة ، فيتشربها ، فلا ينضحَ إلاَّ بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المُصمَتَة تمُرُّ الشبهات بظاهرها، ولا تستقرُّ فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلاَّ فإذا أَشْرَبْت قلبك كلَّ شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات أو كما قال.) ـ ثمَّ قال ابن القيم ـ فما أعلم أني انتفعت بوصيَّة في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك) مفتاح دار السعادة(1/443)(4/103)
12ـ الدراسة الواعية والناقدة للأفكار والملل والنحل المغايرة لمنهج أهل السنَّة ، مع الحذر من أهلها ، وتمكين العقلية الإسلاميَّة من أدوات الفهم والنظر والمعرفة لرصد الانحرافات الفكرية ، ومعالجتها على ضوء الشريعة ، وممَّا يبيِّن أهميَّة ذلك أنَّه تعالى فصَّل لنا وسائل وأساليب وحجج المجرمين ، وردَّ عليها داحضاً لها ، فمعرفة وفقه المداخل التي يدخل بها أهل الزيغ والهوى لإقناع من يريدون ضمَّه إليهم ، أصلٌ نبَّه عليه تعالى فقال:(وكذلك نفصِّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)،ولهذا يقول حذيفة بن اليمان:(كان الناس يسألون رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عن الخير ، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافة أن يدركني) أخرجه البخاري في صحيحه برقم:(7084) ومسلم برقم:(1847) فمعرفة الشرِّ وأهله منهج أساس لأهل السنة والجماعة وكشف خُدَعه ، كما يقول قائلهم:
عرفت الشَّرَّ لا للشَّر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشَّر يقع فيه
13ـ إذا شعر المرء أو غلب على ظنِّه بأنَّه قد يفتن في دينه ؛ فلا ينبغي له قراءة كتب أهل الهوى والزيغ ، ولو قصد بذلك الردَّ عليهم ، ومناقشة شبههم ، لأنَّ درء المفاسد عن هذا المرء مقدَّمة على جلب المصالح في الذبِّ عن هذا الدين ، بل ينأى المسلم بنفسه عن الشبهات، ولا يجعلها متهافتة على قبولها ، ويجعل نفسه مطمئنَّة إلى الاستيقان بعظمة هذا الدِّين ، وثبات أصوله ، فيخلِّي قلبه ونفسه من متابعة الشبهات ، ولا يجعلها لاقطة لأي تشكيك في دين الإسلام ، ومن تأمَّل قوله تعالى:(فلمَّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) وقوله :(ولكنِّكم فتنتم أنفسكم وتربَّصتم وارتبتم) علم أنَّ بعض النفوس تتطاير على منافذ الشبهات والضلالات ـ عياذاً باللَّه ـ وحين بلغ عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رجلاً يقال له: صبيغ بن عسْل قدم المدينة وكان يسأل عن متشابه القرآن ، بعث إليه عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه وجلس قال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. قال عمر: وأنا عبد الله عمر، وأومأ عليه، فجعل يضربه بتلك العراجين؛ فما زال يضربه حتى شجه، وجعل الدم يسيل عن وجهه، قال: حسبُك يا أمير المؤمنين! فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي» أخرجه الآجرِّي في الشريعة/صـ75، واللالكائي بسنده في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4 / 703) وقد صحَّح ابن حجر إحدى روايات هذا الأثر في الإصابة(5/169) كما ذكره محقِّق كتاب اللالكائي.
14ـ التربية للنشء بما يرضي الله ، والتحاور معه بتبيين فساد شبهات أهل الزيغ والهوى ، مع قوَّة الإقناع، وأدب الحوار ، فالتنشئة الصحيحة على التحصين العقدي هي أول عمليَّة في التربية ؛ بتربيتهم على العقيدة الصحيحة ، وحماية ذواتهم من العبث الفكري ، وبناء الشخصية الإسلاميَّة التي لا تؤثِّر فيها تيَّارات التشكيك ، وإرسالهم إلى المربِّين الثقات لتربيتهم على أصول ديننا ، وقد قال أيوب السختياني:(إنَّ من سعادة الحدث والأعجمي ، أن يوفِّقهما الله لعالم من أهل السنَّة) شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة للالكائي(1/60) ليكون أهل التربية معينين لهم على تقوية عقيدتهم ، ودرء عبث غزاة الأفكار والعقول عنها ، مع التحذير الملازم لهم بخطر الأخذ عن غير أهل السنَّة، وإن استطعنا منعهم من ذلك فهو الأحسن ، إلاَّ أنَّ المنع لابد أن يكون بإقناع لهم ، وقد يكون منعهم متعذراً في هذا الزَّمن ، لأنَّهم قد يمنعوا فتأتيهم ردَّة فعل تجعلهم يصرُّون على ما سيطالعونه أو يسمعونه ، ولكن الأسلوب التربوي يرجِّح أن يناقش الأب أو المربِّي ذلك الشاب ويبيِّن له أوجه الخطأ التي وقع بها أهل الضلال ، فلا منع مطلق ، ولا إباحة مطلقة ، بل إباحة وفق ضوابط وتحذير ودعم تربوي.
وقد يقول قائل : إنَّ منهج جمع من السلف الصالح منع الناس من سماع البدع والشبهات ؛ وحقَّاً فإنَّ ذلك الأفضل ولا شك، ولكنَّ السلف الصالح في ذاك الزمن كانت قاعدته هي الإسلام وقيمه ومبادئه ، وكان الأمر إليهم وبيدهم ، وأمَّا الآن ليس لنا من قوَّة الإسلام ما كان ، وحقيقة فإنَّ النَّاس في هذا الزمن للفتنة أقرب منهم للإسلام ، وتربيتهم الآن تكون بقوَّة الكلمة الحقَّة التي تصنع المنهج، وتقنع المخاطب...
إنَّها حكمة في الأمور وتربية تستدعي التَّأمل والنظر في المآلات (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) فمن الضروري إذاً أن نبني جيلاً محصَّناً ـ بإذن الله ـ من لقاحات الشبهات ، وطُعمِ الشكوك ، ليكونوا على قوَّة في دينهم تجاه الهجمات الشرسة التي يواجهها أهل الإسلام من أعدائه.
ولعلِّي في هذا المقام أذكر قصَّة حدَّثتني بها إحدى القريبات الداعيات ، توضح كيف أنَّ العامل الثقافي له دوره الرئيس في تشكيل هويَّة النشء ، فقد كانت هذه القريبة مدرسة للمواد الشرعيَّة ، وفي إحدى الأيَّام دخلت على أحد صفوف المرحلة الابتدائيَّة الأولى لتدرِّس الطلاب كتاب التوحيد ، وحين بدأت بشرح عقيدة المسلمين بأنَّ الله عالٍ على عرشه ، انتفض أحد الطلاَّب وقال:كلا يا أستاذة ، فلا يجوز لنا أن نقول: إنَّ الله فوق السماء عالٍ على عرشه ، بل هو في كلِّ مكان ، ومن قال بأنَّ الله فوق السماء ، فقد كفر ! فأجابته المعلِّمة قائلة له : لا يجوز أن تقول ذلك لأنَّ اعتقاد المسلمين ؛ أنَّ الله عال على عرشه وهو ـ جلَّ وتعالى ـ فوق خلقه ، ومن خالف هذه العقيدة فإنَّه كافر ، وإياك أن تقول هذا الكلام مرَّة أخرى ، فأجابها ذلك الطالب قائلاً:كلا سأقول ذلك ، لأنَّ هذه عقيدتي وهكذا ربَّاني والدي وهو شيخ ، وأنا مقتنع بكلامه ، وبقيت هذه المعلمة تجادل ذلك الطالب ، وفي اليوم التالي جاءت المعلمة للفصل ، وحين قالت للطلاب: أخرجوا كتاب التوحيد ، رفض بعض الطلاَّب وقالوا : يا أستاذة:كيف تدرِّسيننا هذا الكتاب وفيه كفر، ووالد هذا الطالب شيخ وهو يقولُ بأنَّ كتابنا فيه كفر ، وفي زمن حديث الطلاب مع معلمتهم حول ذلك ، كان الطالب يشير لأصدقائه الطلاب بإشارات النصر ، ويوافقهم على حديثهم،ويؤيدهم على ألاَّ يخرجوا الكتاب من الدرج!
شاهد ما أحببت التنبيه إليه ، أنَّ هذا الطالب تبيَّن أنَّه من فرقة الأحباش الضَّالَّة ، التي جمعت من الكفر والضلال الشيء الكثير، ولو تأمَّلنا كيف أنَّ أهل البدع يدرِّسون أبناءهم العقائد الضَّالة، ويحصِّنوهم من أي عقيدة واردة عليهم ، بل يدعوهم لمناقشة من يخالفهم ، فضلاً عن التحذير منهم ومن كتبهم ، ويعلمون أبناءهم حقَّ الرد والجرأة في الدعوة لملَّتهم ونحلتهم ؛ لرأينا من ذلك شيئاً عجباً ، فأين أهل السنَّة من دعوة أبنائهم بمثل ذلك ؟
وأين هم من ترسيخ العقيدة الصافية في عقول أبنائهم وتعليمهم كيف يثبتون عليها ويناضلون عنها ؟(4/104)
إنَّ من المهمات التي يجدر التنبيه عليها ، ما للوالدين من كبير الأثر على تنشئة الولد تنشئة إسلاميَّة خالصة من كدر الشبهات والشهوات قدر المستطاع ، وتعميق الإسلام وأسسه العقدية في أنفسهم ، ووصيَّتهم بالثبات عليه، وممَّا يستدلُّ به لذلك ما قاله تعالى عن الأنبياء والمرسلين حين كانوا يوصون أبناءهم بالثبات على الإسلام، ومن ذلك:(ووصَّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيَّ إنَّ الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون)(البقرة/132) وكل مولود يولد على فطرة الإسلام ، فإن كان الوالدان مسلمين حصَّنوه بترسيخ الإسلام ، وإن كانا كافرين فإنَّه لابدَّ أن يكون لهما دور كبير في تحريف فطرة ذلك المولود ، وقد أخبرنا ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بذلك فقال:(كلُّ مولود يولد على الفطرة ، وإنَّما أبواه يهوِّدانه أو يمجِّسانه ، أو ينصرانه) أخرجه البخاري ومسلم.
ومن جميل الكلام حول طريقة ترسيخ الوجود العقدي في النشء ؛ ما قاله الإمام الغزالي:(وليس الطريق في تقويته وإثباته أن يعلم صنعة الجدل والكلام ، بل يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره ، وقراءة الحديث ومعانيه ، ويشتغل بوظائف العبادات ، فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخاً بما يقرع سمعه من أدلَّة القرآن وحججه ، وبما يَرِدُ عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها ، وبما يسطع عليه من أنوار العبادات ووظائفها)(إحياء علوم الدين1/94ـ95)2
وختاماً:ممَّا يحسن التنبيه إليه:أنَّ المستمسك بهذا المنهج يجب أن يكون قوياً في طرحه لدى الناس بتعامل لطيف،مبيناً له بلا عنف، عارفاً للحق،راحماً للخلق، يريد لهم الهداية ، بلا جباية أو وصاية ، فالحق أبلج ، والباطل لجج ، وماذا بعد الحقِّ إلَّا الضلال!
نسأله تعالى أن يمنَّ علينا بهدايته ، وأن يثبتنا على دينه ، وأن يحفظنا من مضلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً ، وعياذاً بالله أن نكون ممَّن قال فيهم ربُّهم:(ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهِّر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) المائدة (41) والله المستعان...
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين.
* جريدة المراجع:
ـ القرآن الكريم .
ـ صحيح البخاري.
ـ صحيح مسلم.
ـ جامع الترمذي.
ـ الموطأ للإمام مالك.
ـ المسند للإمام أحمد.
ـ المستدرك للحاكم.
ـ صحيح ابن حبَّان.
ـ المصنَّف لعبدالرزاق الصنعاني.
ـ المصنف لابن أبي شيبة.
ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني.
ـ صحيح الجامع الصغير للألباني.
ـ الزهد لابن المبارك.
ـ تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.
ـ سير أعلام النبلاء للذهبي.
ـ البداية والنهاية لابن كثير.
ـ مجموع الفتاوى لابن تيميَّة.
ـ إحياء علوم الدين للغزالي.
ـ الإبانة لابن بطَّة العكبري.
ـ الشريعة للآجرُّي.
ـ أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة للالكائي.
ـ الآداب الشرعيَّة لابن مفلح.
ـ الاقتصاد في الاعتقاد لعبد الغني المقدسي.
ـ شرح السنَّة للبربهاري.
ـ الفتوى الحمويَّة الكبرى لابن تيميَّة.
ـ درء تعارض العقل والنقل لابن تيميَّة.
ـ مفتاح دار السعادة لابن القيم.
ـ نفح الطيب للمقري.
ـ ديوان ابن المبارك.
ـ نقض كتاب الشعر الجاهلي لمحمد الخضر حسين.
ـ واقعنا المعاصر لمحمد قطب.
ـ موقع إسلام أون لاين على الشبكة العنكبوتيَّة (الإنت
================
المضاربة في سوق الأسهم العالمية
د. سامي بن إبراهيم السويلم
السؤال
أرجو التكرم ببيان الحكم الشرعي للتعامل بالمضاربة بالأسهم في سوق الأسهم العالمية والأمريكية ، مع العلم بأن عملية الربح والخسارة تكون (عملياً) من خلال ارتفاع وانخفاض قيمة السهم فقط ، دون أن يكون لهذه الأسهم أية عوائد في نهاية السنة المالية نتيجة للنشاط الجاري للشركة التي تطرح هذه الأسهم في السوق ، وكأن هذه الأسهم ما هي إلا سلعة تطرحها الشركات تنخفض وترتفع قيمتها حسب العرض والطلب ، ودون أن تمثل هذه الأسهم أية قيمة من أصول الشركة أو نشاطها، لقد أفتيت من بعض العلماء أن هذه التجارة في حقيقتها ما هي إلا نوعٌ من أخطر أنواع الميسر، حيث يرون أن الأسهم تحولت فعلياً في البورصة العالمية إلى سلع ذات قيمة وهمية تتلاعب بها الأسواق كما تشاء ، بينما أرى العديد من فقهاء المملكة يجيزونها بشروط (النشاط الحلال وعدم التعامل بالربا) ومنهم من ذهب أكثر من ذلك فأباح شراء أسهم الشركات العالمية والأمريكية التي تستفيد من الربا بشرط تصفية الجزء الربوي من الأرباح (توزيع 20% من الربح في منافع المسلمين).أرجو التفصيل في بيان الفتوى، وشرح كيف يمكن أن يظهر الاختلاف الكبير بين فتاوى العلماء في مسألة واحدة تهم النشاط التجاري لشريحة كبيرة من الناس؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
السهم يمثل ملكية شائعة في الشركة المساهمة، وهو يستمد قيمته من موجودات الشركة وربحيتها وأدائها، ولولا ذلك لكان عديم القيمة. لكن كأي سلعة أخرى، قد يساء استخدام الأسهم، وقد تخضع لمجازفات تصل إلى المقامرة، كما يحصل ذلك في أسواق السلع والعقارات وغيرها.
أما ما يتعلق بالشركات التي تتعامل بالربا، فلا خلاف بين الفقهاء، القدامى والمعاصرين، أن الربا محرم قليله وكثيره. وإنما وقع الخلاف في أن الشركة إذا اختلطت أموالها الحلال بمال حرام، كالربا وغيره، فهل يجب اجتنابها كلياً أو تكون العبرة بالغالب؟ فهناك من منع كلياً، وهناك من أجاز بشرط غلبة الحلال على الحرام ترجيحاً لمصلحة الاستثمار وتنمية المال على مصلحة التورع وترك الشبهات. ولا غضاضة في الاختلاف في هذه المسائل، لأن الاختلاف هنا ليس في أصل الحكم الشرعي، وإنما في تنزيله على الواقع وتطبيقه عليه، أو ما يسمى "تحقيق المناط". والشريعة الإسلامية تتسع لتعدد الآراء وتنوع الاجتهادات طالما كان ذلك وفق المنهج العلمي في الاجتهاد والاستدلال، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة. والله الهادي إلى سواء السبيل.
المصدر : الإسلام اليوم
============
الحسابات الجارية حقيقتها - تكييفها
حسين بن معلوي الشهراني
المقدمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
هذا بحث مختصر في موضوع مهم من موضوعات القضايا المالية المعاصرة، وبالتحديد المعاملات المصرفية المعاصرة، وعنوانه: (الحسابات الجارية: حقيقتها وتكييفها)، وقد وضعت لهذا البحث خطة تتكون من مقدمة وخمسة مباحث، وكانت المباحث كالتالي:
المبحث الأول: حقيقة الحسابات الجارية.
المبحث الثاني: أهمية الحسابات الجارية.
المبحث الثالث: تكييفها الفقهي.
المبحث الرابع: الإشكالات الواردة على التكييف المختار.
المبحث الخامس: الأحكام والآثار المترتبة على التكييف المختار.
المبحث الأول: حقيقة الحساب الجاري(1):
الحساب الجاري هو أحد العمليات المصرفية المعاصرة، وتندرج في عرف المصارف تحت مسمى الوديعة النقدية الصرفية، وسيأتي بيان أهميته _إن شاء الله تعالى_، والمراد هنا تعريفه وبيان حقيقته.
والناظر في كتب الباحثين المعاصرين الذين كتبوا في هذه المسائل، سواء أكانت من الناحية الشرعية أم القانونية، أم الاقتصادية البحتة، يلحظ اختلاف المسميات التي أطلقوها على الحساب الجاري مع اتحاد المسمى، ومن تلك التسميات:
(1) الحساب الجاري.
(2) الحساب تحت الطلب.(4/105)
(3) الوديعة الجارية.
(4) الوديعة المتحركة.
(5) الودائع تحت الطلب.
(6) ودائع الحساب الجاري.
(7) الودائع الواجبة للدفع عند الطلب.
(8) ودائع بدون تفويض بالاستثمار، وهذه تسمية بنك دبي الإسلامي (تأسس عام 1395هـ).
ومن المسميات السابقة يظهر أن بعضها استخدم عبارة الحساب، وبعضها الآخر استخدم عبارة الوديعة، مع تعدد الوصف على كلٍ، فبعضها يصفها بالجارية أو تحت الطلب أو المتحركة.
والاختلاف في هذه الإطلاقات هو من باب التنوع لا التضاد، إلا أن بعضها نظر إلى ذات المبلغ الذي تم التعاقد عليه بين المصرف والعميل فأطلق لفظ الوديعة، والقسم الآخر نظر إلى المعاملة والقائمة التي تقيد بها المعاملات المتبادلة بين الطرفين فاختار لفظ الحساب.
والحقيقة أن الوديعة المصرفية أو المبالغ أو النقود التي يعهد بها الشخص إلى المصرف هي التي تنشئ الحساب الجاري، وليست هي الحساب الجاري ذاته.
وقد يقال: إن من التجوّز تعريف الحساب الجاري بأنه النقود أو المبالغ، كمن أطلق لفظ السفتجة على النقود المقرضة، وهي في الأصل ورقة يكتب فيها الدين.
والذي يظهر أن البحث منصب على حكم المال أو النقود التي يعهد بها صاحبها إلى المصرف، ويتعاقد عليها، وليس البحث في الحساب أو القائمة التي تقيّد فيها المعاملات بين الطرفين.
ولأن عنوان البحث المطروح هو: الحسابات الجارية، وحتى أتجنب الحكم المبكر على المسألة؛ فإني سوف أستعمل هذا الإطلاق في هذا البحث فيما يأتي من المباحث، والله الموفق.
تعريف الحساب الجاري:
عرف الحساب الجاري: بأنه القائمة التي تقيَّد بها المعاملات المتبادلة بين العميل والبنك(2).
وعرفت ودائع الحساب الجاري: بأنها "المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك بشرط أن يردها عليهم البنك كلما أرادوا"(3).
أو "هي النقود التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى البنك على أن يتعهد الأخير بردها أو برد مبلغ مساوٍ لها لدى الطلب أو بالشروط المتفق عليها"(4).
أو "هي المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك بقصد أن تكون حاضرة التداول، والسحب عليها لحظة الحاجة بحيث ترد بمجرد الطلب، ودون توقف على أي إخطار سابق من أي نوع"(5).
والتعاريف السابقة في مجملها متقاربة، وبعضها اهتم بتعريف المعاملة أو المعاقدة التي تكون بين الطرفين (المصرف والعميل)، وبعضها الآخر عرف انطلاقاً من المال الذي يتم عليه العقد بين الطرفين.
ويمكن القول - كما سبق - بأن الوديعة المصرفية أو المال الموضوع لدى المصرف هو الذي ينشئ الحساب الجاري؛ فالحساب الجاري عبارة عن قائمة تقيد بها المعاملات المصرفية المتبادلة بين العميل والمصرف؛ ويقوم صاحب المال بفتح هذا الحساب في المصرف لوضع ماله فيه، بغرض حفظها وصونها ثم طلبها عند الحاجة إليها، أو لأغراض التعامل اليومي والتجاري، دون الاضطرار إلى حمل النقود(6).
وقد يسلم المصرف للعميل دفتر شيكات، يسمح له بموجبه - وبحسب إجراءات معروفة - بالسحب متى شاء من حسابه، بحيث لا تزيد المبالغ عن مقدار المال الذي تم تسليمه للمصرف عالياً، وقد يدفع صاحب المال للمصرف مصاريف يسيرة مقابل الاحتفاظ بالحساب الجاري على هذا النحو.
وبهذا يتبين أن الحسابات الجارية أو تحت الطلب هي حسابات ليس هدفها الاستثمار وإنما هي حسابات لغرض حفظ هذه الأموال وصيانتها من السرقة أو الهلاك، أو لغرض تسهيل التعامل التجاري والمعاملات المصرفية الأخرى التي تقدمها هذه المصارف لعملائها؛ لذا فإن هذه الحسابات ليس لها أي علاقة بالمضاربة أو المشاركة، ولا تستحق أي عائد أو ربح في المصارف الإسلامية، بل إنه قد يتقاضى المصرف عليها أجراً أو عمالة في مقابل ما يمنحه لأصحابها من امتيازات(7).
وإنما سمي الحساب الجاري بهذا الاسم؛ لأن طبيعته تجعله في حركة مستمرة من زيادة بالإيداع أو نقصان بسبب ما يطرأ عليه من قيود بالحسب والإيداع فتغير من حاله بحيث لا يبقى على صفة واحدة(8).
وتختلف طرق المصارف في التعامل مع الحسابات الجارية، ويمكن حصرها في أربعة طرق(9):
الأول: ألا يتقاضى المصرف أية أجور مقابل خدمة فتح الحساب وما يتعبه من خدمات؛ كإصدار الشيكات، وبطاقة السحب الآلي، وغيرها.
الثاني: أن يتقاضى المصرف أجوراً مقابل خدمة فتح الحساب الجاري، وما يتبعه من خدمات.
الثالث: أن يتقاضى المصرف أجوراً مقابل ما سبق إذا نقص رصيد العميل في الحساب عن مبلغ محدد.
الرابع: أن يمنح المصرف فوائد للعميل مقابل وجود المبلغ في الحساب، وبعضها يشترط مبلغاً معيناً لأجل منح الفوائد، وهذا هو المعمول به في البنوك الربوية.
المبحث الثاني: أهمية الحسابات الجارية:
تتضح أهمية الحسابات الجارية في المنافع التي يحصل عليها طرفا العقد، وهما المصرف والعميل من فتح هذه الحسابات والتعامل بها، وفيما يلي ذكر لأهم المنافع والفوائد التي يحصل عليها كل منهما:
أولاً: المنافع التي تعود على المصرف(10).
1- استثمار الأموال الموجودة في الحسابات الجارية دون أن يشترك عملاؤه - أصحاب هذه الأموال - في الأرباح التي تدرها هذه الاستثمارات.
ويتبين هذا إذا علمنا أن أموال الحسابات الجارية تعد أهم موارد المصرف، وتمثل ما قد يزيد في غالب الأحوال على 90% من مجمل الموارد، ونادراً ما تقل عن 20%(11)، وبهذا يستفيد منها المصرف في توفير السيولة والوفاء باحتياجاته واحتياجات عملائه(12).
2- فتح حساب جارٍ لأحد العملاء يؤدي غالباً إلى أن هذا العميل يحتاج إلى خدمات مصرفية أخرى - يستفيد منها المصرف، وطبعي أن يلجأ العميل إلى المصرف الذي به حسابه الجاري.
3- فتح الحسابات الجارية يزيد من قدرة المصرف على توسيع الائتمان أو ما يسمى (بخلق الودائع) واستثمارها، حيث يزيد الرصيد النقدي لهذا المصرف، وبالتالي يزيد ربحه من جراء استثمار هذه المبالغ.
4- الأجور التي تتقاضاها بعض المصارف مقابل الخدمات التي تقدمها للعملاء؛ كفتح الحساب، وإصدار الشيكات، وبطاقات السحب الآلي وغيرها.
5- يستفيد المصرف من الحسابات الجارية التي تفتحها لديه المصارف الأخرى التي تعامل معها - وهي تمثل قرابة 10% من مجموع الخصوم - في عمليات المقاصّة في الشيكات المحررة من قبل عملاء المصارف الأخرى، وفي عملية الحوالات التي يقومون بها من المصارف الأخرى، ولا سيما التحويلات من بلد إلى آخر، وغير ذلك من الأعمال المصرفية التي تستدعي وجود رصيد كاف لدى المصرف.
ثانياً: المنافع التي تعود على العميل (صاحب الحساب الجاري)(13).
1- حفظ أمواله من المخاطر المختلفة؛ كالسرقة أو الضياع، وهذا يتبين أكثر كلما كانت الأموال كثيرة؛ بحيث يشق حفظها في المنزل أو في المحل التجاري، ولذا يلاحظ في الشركات التجارية الكبرى والمصانع الكبيرة التي تكثر فيها عمليات البيع والتحصيل أن موظف الخزينة لا يستبق لديه أية مبالغ نقدية في الخزينة، بل عليه أن يودعها في المصرف يومياً.
2- إضافة إلى ميزة حفظ المال فإنه يكون مضموناً على المصرف، ولصاحبه حرية التصرف فيه متى شاء.
3- الانتفاع من الخدمات التي يقدمها المصرف لصاحب الحساب الجاري غالباً بدون مقابل، ومن ذلك:
أ- الحصول على دفتر الشيكات مما يسهل على صاحب الحساب الوفاء بالتزاماته واحتياجاته المختلفة دون الحاجة إلى حمل النقود وعدها ومراجعتها مع الأمن من ضياعها وسرقتها وبخاصة في المبالغ الكبيرة.
ب- الحصول على بطاقة السحب الآلي، والتي يمكنه بواسطتها:
- سحب ما يحتاجه من أموال في أي زمان ومكان.(4/106)
ت- تسديد قيمة مشترياته عن طريق أجهزة نقاط البيع بواسطة الشبكة الإلكترونية.
ث- تسديد فواتير الخدمات العامة؛ كفواتير الكهرباء والهاتف والماء ونحوها.
ج- الاستعلام عن رصيده في حسابه الجاري، وطلب كشف لحسابه.
ح- التحويلات والإيداعات المصرفية.
4- يعد فتح الحساب الجاري المصرفي أسهل وأيسر طريقة لعمل حسابات نظامية دقيقة عن أي نوع من أنواع النشاط الذي يقوم به العميل؛ كأن يعرف ربحه بالفرق بين رصيد أول السنة ورصيد آخر السنة.
5- توثيق الحسابات وضبطها، بحيث يحصل العميل في نهاية كل شهر أو أقل أو أكثر – على كشف مفصل يتضمن جميع المدفوعات وتواريخها ومبالغها والمدفوعة إليهم، وكذلك الحال في الأموال التي يتلقاها من الآخرين مثل أثمان السلع التي يبيع أو موارده من الإيجارات والأرباح... إلخ، وهذا يغنيه عن موظف متخصص في المحاسبة.
6- تمكين العميل من إثباته وتوثيقه لمدفوعاته للآخرين، سواء عن طريق الشبكات تكفي عن الإيصالات؛ لأن المستفيد من الشيك يوقع على ظهر الشيك عند تحصيله من المصرف، أم عن طريق بطاقة السحب الآلي في تسديد فواتير الخدمات.
7- الحصول على الخدمة المصرفية عن طريق الهاتف – بواسطة البطاقة – بحيث يستطيع صاحب الحساب الجاري تحريك معاملاته المصرفية والتجارية عن طريق الهاتف مما يوفر عليه وقتاً طويلاً في التنقل وإجراء هذه المعاملات.
8- سهولة وسرعة تحصيل النقود المحولة إلى المصرف من جهات حكومية أو غير حكومية؛ كتحويل الرواتب الشهرية مثلاً.
9- الأسعار المميزة للخدمات الأخرى التي يقدمها المصرف، والتي تتعلق غالباً بالحوالات والصرف الأجنبي ورسوم فتح الاعتمادات وبطاقات الائتمان وخطابات الضمان.
10- شهادة المصرف بملاءة العميل (صاحب الحساب) وأكثر ما يحتاج لهذا التجار ورجال الأعمال الذين يحتاجون إلى شهادة تثبت ملاءتهم يقدمونها إلى الجهات الحكومية أو الخاصة بحيث يتمكنون بموجبها من الدخول في المناقصات والمزايدات أو عقود المقاولة أو التوريد وغيرها.
11- استخدام الأموال في الحساب الجاري كرهن، وذلك بأن يتفق العميل مع مصرفه على حجز مبلغ من المال في حسابه الجاري لا يسمح له أن يسحبه أو يحرر الشيكات مقابله؛ ليكون رهناً لضمان وفائه بالتزاماته الواجبة أو التي مآلها إلى الوجوب للمصرف أو لمؤسسة أخرى، مثل حالات فتح الاعتماد المستندي للاستيراد، أو إصدار البطاقة الائتمانية، أو كفالة جهة أخرى من قبل ذلك العميل.
12- يعد كشف الحساب للعميل مستنداً قوياً لما جاء فيه من أرقام، ويستفيد من هذا الموظفون الملزمون بتقديم تقارير سنوية عن التغييرات الطارئة في ثرواتهم طبقاً لأنظمة الكسب غير المشروع في بعض الدول.
إضافة إلى ما سبق فإن الحساب الجاري يستفيد منه الطرفان في تيسير واختصار كثير من العمليات التي تحصل بينهما؛ إذ إن تسوية كل عملية من العمليات المتتابعة يسبب كثيراً من التعقيد، بينما يمكن بواسطة الحساب الجاري تجميع العمليات كلها وإخضاعها لنظام واحد، وكذلك فإن من فوائد الحسابات الجارية عدم تعطيل رؤوس الأموال؛ لأنه إذا استحق على أحد طرفيه دين فإنه لا يدفعه نقداً ومباشرة، بل يستغله ويقيد في حساب الدائن ما يقابله.
ومن فوائدها كذلك أنها تقوم بوظيفة نقدية مهمة؛ إذ إنها تمثل وسائل دفع في المجال الاقتصادي والتجاري، وأداة وفاء لتسوية الديون عن طريق نقل ملكيتها من شخص لآخر باستعمال الشيكات والتحويل المصرفي والمقاصة.
وبهذا يتبين أن أموال الحسابات الجارية هي مما يمثل قطب الرحى بالنسبة لموارد البنوك ومحور نشاطاتها في المجال الاقتصادي والتجاري وفي ميادين أنشطتها الأخرى.
المبحث الثالث: التكييف (التخريج) الفقهي للحسابات الجارية:
اختلفت آراء الفقهاء والباحثين المعاصرين في التكييف الفقهي للحسابات، ومما يلي عرض للخلاف:
أولاً: الأقوال في المسألة:
القول الأول: إنها قرض؛ فالمودع هو المقرض، والمصرف هو المقترض.
وهذا قول أكثر الفقهاء والباحثين المعاصرين(14)، وهو رأي مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ونص عليه بالقرار رقم 86 (3/9) في دورته التاسعة المنعقدة في أبي ظبي 1-5 ذي القعدة 1415هـ، وفيما يلي نص القرار:
"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1-6 ذي القعدة 1415هـ، الموافق 1-6 نيسان (أبريل) 1995م، بعد اطلاعه على البحوث ا لواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الودائع المصرفية (حسابات المصارف)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية)، سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المستلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب، ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً(15).
القول الثاني: إنها وديعة بالمعنى الفقهي، وقال به بعض الباحثين المعاصرين(16)، وبه أخذ بنك دبي الإسلامي(17).
ومال إليه الدكتور حسين كامل فهمي، ورأى ضرورة إعادة النظر في التكييف الفقهي المعمول به حالياً بالنسبة للحسابات الجارية في البنوك الإسلامية ليصبح: وديعة (بمفهومها الشرعي) لدى كل من البنك الإسلامي، والبنك المركزي في نفس الوقت، مع الإذن للبنك المركزي فقط باستخدامها(18).
القول الثالث: إنها تدخل تحت عقد الإجارة .
أي أن الإجارة واقعة على النقود، وأن ما يدفعه المصرف لصاحب النقود هو أجر لاستعمال هذه النقود، وهذا القول نقله بعض الباحثين ولم ينسبه لأحد، وانتقد بأنه قول من أراد أن يستحل فوائد الربا من البنوك(19).
وهناك قولان آخران، يغلب عليهما أنهما من أقوال القانونيين؛ فأكتفي بإيرادهما فقط:
الأول: إنها وديعة شاذة أو ناقصة، أي: وديعة مع الإذن بالاستعمال.
الثاني: إنه عقد ذو طبيعة خاصة، أو إنه ليس من العقود المسماة.
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
1- إن المال في الحساب الجاري عبارة عن نقود يضعها صاحب الحساب وهو يعلم أن المصرف يتصرف فيها، ويخلطها بالأموال التي لديه بمجرد استلامها وإدخال بياناتها بالحاسب، ثم يستثمرها، وقد دفعها إليه راضياً بذلك فكان إذناً بالتصرف؛ فهذه الأموال في حقيقتها قرض وليست وديعة(20).
2- أن المصرف يملك المال في الحساب الجاري، ويتصرف فيه فيكون قرضاً، وليس إيداعاً، إذ في عقد الإيداع لا يملك الوديع الوديعة، وليس له أن يتصرف فيها، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني، وتسميتها وديعة إنما هو على سبيل المجاز لا الحقيقة لعدم توفر حقيقة الوديعة فيها(21).
3- أن المصرف يعد ضامناً لأموال الحساب الجاري برد مثلها، ولو كانت هذه الأموال وديعة بالمعنى الحقيقي لما ضمنها المصرف، والمديونية والضمان ينافيان الأمانة، بل لو شرط رب الوديعة على الوديع ضمان الوديعة لم يصح الشرط ؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، وكذلك لو قال الوديع: أنا ضامن للوديعة لم يضمن ما تلف بغير تعد أو تفريط؛ لأن ضمان الأمانات غير صحيح، وهذا على خلاف المعمول به في المصارف قول على أن مال الحساب الجاري قرض وليس وديعة(22).(4/107)
4- من المعلوم أن المصرف لا يأخذ أموال الحسابات الجارية كأمانة يحتفظ بعيها لترد إلى أصحابها، وإنما يستهلكها ويستثمرها في أعماله، ومن عرف أعمال البنوك علم أنها تستهلك نسبة كبيرة من هذه الحسابات، وتلتزم برد مثلها، وهذا واضح في أموال الحسابات الجارية التي تدفع بعض المصارف عليها فوائد ربوية، فما كان المصرف ليدفع هذه الفوائد مقابل الاحتفاظ بالأمانات وردها إلى أصحابها فقط(23).
أدلة القول الثاني:
(1) أن أموال الحساب الجاري عبارة عن مبالغ توضع لدى المصرف ويسحب منها في الوقت الذي يختاره المودع، وذلك كل ما يطلب في الوديعة الحقيقية، ولا توجد أي شائبة في ذلك(24).
ونوقش هذا الاستدلال بعدم التسليم؛ وذلك لأن الوديعة وإن كان المقصود ردها عند الطلب، إلا أنه يقصد بها أيضاً عدم التصرف فيها، وأموال الحسابات الجارية يتصرف فيها المصرف بمجرد استلامها ثم يرد بدلها، وهذا ينطبق على القرض بمعناه الشرعي لا على الوديعة(25).
(2) أن المصرف لا يتسلم هذه الوديعة على أنها قرض، بدليل أنه يتقاضى أجرة (عمولة) على حفظ الوديعة تحت الطلب، بعكس الوديعة لأجل التي يدفع هو عليها فائدة(26).
ونوقش بأن الأجور التي يأخذها المصرف من صاحب الحساب الجاري لا يُسلم على أنها في مقابل الحفظ، بل هي في مقابل الخدمات التي يقدمها المصرف لصاحب الحساب؛ كإصدار دفتر الشيكات، وبطاقة السحب الآلي، وكشوف الحساب وغيرها من الخدمات، مع أن الواقع أن أغلب المصارف لا تأخذ أجوراً في مقابل فتح الحساب.
(3) أن المصرف يتعامل بحذر شديد عند استعمال أموال الحسابات الجارية والتصرف فيها، ثم يبادر بردها فوراً عند طلبها مما يدل على أنها وديعة(27).
نوقش بأن هذا التصرف من المصرف لا يغير من حقيقة العقد، والواقع أن المصرف يتصرف في مال الحساب الجاري بخلاف ما ذُكر حيث يقوم بخلطها بماله ومال العملاء الآخرين بمجرد استلامها، ثم يتصرف فيها كما لو كانت ملكه.
وأما كونه يبادر بردها عند طلبها فهذا لا ينفي كونها قرضاً؛ لأن المقرض له طلب بدل القرض في الحال مطلقا(28)؛ لأن القرض يثبت في الذمة حالاً فكان له طلبه كسائر الديون الحالة، ولأنه سبب يوجب رد المثل أو القيمة فكان حالاً(29).
وكذلك فإن المبادرة بردها عند طلبها فيه حفاظ على سمعة المصرف، وتحفيز للتعامل معه، وفي هذا التعامل فوائد ترجع إلى المصرف، كما هو معلوم.
(4) أن المودع عندما يدفع المال في الحساب الجاري للمصرف لا يقصد أبداً أن يقرض المصرف، ولا أن يشاركه في الأرباح العائدة للمصرف من استغلال لمال المودع ومال غيره، وإنما مقصوده – أي المودع – حفظ ماله ثم طلبه عند الحاجة إليه وهذا مقتضى عقد الوديعة؛ فلا يسمى فعله إقراضاً(30).
نوقش بأن كون المودع لا يقصد إقراض المصرف لا يؤثر في حقيقة العقد؛ لأن عامة المتعاملين مع المصارف لا يدركون الفرق بين معنى القرض ومعنى الوديعة، ولا يستحضرون الفروق بينهما، فهم لا تهمهم المصطلحات بقدر ما تهمهم النتائج والغايات، والحاصل أن المتعاملين مع المصارف بوضع أموالهم في الحسابات الجارية يريدون حفظ أموالهم مع ضمانها من المصرف، وهذا في حقيقته قرض لا وديعة، ومن المعلوم كذلك أن المصرف لا يقبل حفظ هذه الأموال إلا لأجل التصرف فيها، وهذا هو معنى القرض، والقاعدة أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني(31).
الترجيح:
الذي يترجح – والعلم عند الله تعالى – أن الأموال التي يضعها أصحابها في حساب جارٍ لدى المصرف الأقرب أنها قرض وليست وديعة، وذلك للأسباب الآتية:
1- أن تعريف القرض وأحكامه متمشية مع هذه المسألة؛ فقد عرف القرض بأنه "عبارة عن دفع مال إلى الغير؛ لينتفع به ويرد بدله"(32)، ومال الحساب الجاري يدفعه صاحبه إلى المصرف، لينتفع به ويرد بدله.
2- أن صاحب الحساب الجاري يعلم أن المصرف الذي يتلقى ماله لن يحتفظ له بهذا المال ساكناً مستقراً في صناديقه ليعيده بعينه عند الطلب، بل إنه سوف يختلط بغيره من الأموال وبأموال المصرف، كما أن المصرف سوف يستعمل هذه الأموال في أعماله واستثماراته، وهذا يعني أن المصرف لن يعيد عين المال، بل يعيد مثله عند الطلب، وهذه الأموال في حقيقتها قروض لا ودائع(33).
3- أن صاحب المال إذا وضعه في حساب جارٍ لا يقصد مجرد الحفظ فقط ، بل يريد الحفظ والضمان معاً، بدليل أنه لا يقوم على الإيداع ما لم يكن المال مضموناً، وكذلك المصرف لا يقبل هذه الأموال لحفظها فقط، بل للانتفاع بها مع ضمانها، وهذه حقيقة القرض.
4- في القرض يضمن المقترض، وفي الوديعة يضمن المودع – ما لم يكن المودع مفرطاً – وكل منهما ضامن لأنه مالك، وعلى هذا فالوديعة في العرف المصرفي القائم قرض في الشرع الإسلامي(34).
5- أن القاعدة الفقهية المشهورة نصت على أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وتسمية هذا العقد بين صاحب المال والمصرف وديعة لا يغير من حقيقة العقد وأنه قرض، وإنما سمي وديعة أو إيداعاً لأسباب منها(35):
أ- أن هذه الكلمة استعملت بمعناها اللغوي؛ فإنها فعيلة من "ودع يدع: بمعنى أنها متروكة عند المودع، وهو المصرف هنا بغض النظر عن كونها أمانة أو مضمونة.
ب- لأن تأريخها بدأت بشكل ودائع وتطورت خلال تجارب المصارف واتساع أعمالها إلى قروض؛ فظلت محتفظة من الناحية اللفظية باسم الودائع، وإن فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح، وعليه فاستخدام لفظ "ودائع" بدلاً من "قروض" إنما كان صحيحاً في مرحلة تأريخية من مراحل التطور المصرفي، حيث كان الناس يودعون نقودهم عند الصائغ أو الصيرفي مقابل أجر يتقاضاه، لكن عندما بدأ هؤلاء الصيارفة باستغلال هذه الأموال وبإقراضها إلى غيرهم أو استغلالها، لم تعد هذه العمليات ودائع، وكان ينبغي منذ ذلك الوقت هجر هذه التسمية وتركها لعمليات أخرى؛ (كإيداع الأشياء الثمينة) والانتقال إلى التسمية الحقيقية قروض.
وإذا أغفلت البنوك الروية هذا فحري بالمصارف الإسلامية أن تتنبه لهذا، وألا تقلد البنوك الربوية في هذه التسمية وغيرها، سواء كان ذلك في المقاصد والمعاني، أم في الألفاظ والمباني.
المبحث الرابع: الإشكالات الواردة على تخريجها قرضاً:
على القول الراجح بأن الأقرب في أموال الحساب الجاري تخريجها أنها قرض لا وديعة، قد يرد من الإشكالات ما يلي:
الإشكال الأول: إن الأصل في مشروعية القرض هو الإرفاق، وأدلة مشروعيته تؤكد هذا، ولذا عرفه بعض الفقهاء بأنه: دفع مال إرفاقاً لمن ينتفع به ويرد بدله(36).
ومن المعلوم أن الذين يدفعون أموالهم إلى المصارف – على شكل حسابات جارية – لا يقصدون الرفق بالمصارف والإحسان إليها، والمصارف ليست فقيرة أو محتاجة حتى تقرض، وإنما يريدون نفع أنفسهم بحفظ أموالهم ثم طلبها عند الحاجة.
الجواب: يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأن القرض – وإن كان الأصل في مشروعيته هو الإرفاق – قد يخرج عن هذا الأصل؛ فليس في جميع حالاته من باب الإرفاق، وليس الإرفاق شرطاً في صحته؛ بمعنى أن الإرفاق صفة غالبة على القرض لا مقيدة له، ويدل على هذا ما يلي:
1 – ما ثبت في الصحيح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد ا لله بن الزبير _رضي الله تعالى عنه_ قال: "... وإنما كان دينه – أي الزبير رضي الله تعالى عنه – الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه؛ فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة..(4/108)
قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف...
قال: وكان للزبير أربع نسوة، ورفع الثلث فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف".
وفي بعض النسخ: "فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف"(37).
وجه الدلالة من الحديث: أن الزبير – رضي الله تعالى عنه – كان قد قبل تلك الأموال على أنها قرض مضمون لا وديعة مع عدم حاجته إليها، بل كان – رضي الله تعالى عنه – من أكثر الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – مالاً؛ فدل على أنه لا يشترط في القرض قصد الإرفاق بالمقترض، ولا أن كونه فقيراً أو محتاجاً.
قال ابن حجر – رحمه الله تعالى -: "قوله: "لا، ولكنه سلف" أي ما كان يقبض من أحد وديعة إلا إن رضي صاحبها أن يجعلها في ذمته، وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع؛ فيُظن به التقصير في حفظه؛ فرأى أن يجعله مضموناً فيكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته.
زاد ابن بطال: وليطيب له ربح ذلك المال"(38).
وقال ابن حجر: "وفيه مبالغة الزبير في الإحسان لأصدقائه؛ لأنه رضي أن يحفظ لهم ودائعهم في غيبتهم، ويقوم بوصاياهم على أولادهم بعد موتهم، ولم يكتف بذلك حتى احتاط لأموالهم وديعة أو وصية بأن كان يتوصل إلى تصييرها في ذمته مع عدم احتياجه إليها غالباً، وإنما ينقلها من اليد للذمة مبالغة في حفظها لهم"(39).
2 – مسألة السفتجة(40)، وهي قرض لم يقصد به الإرفاق، ومع ذلك فهي جائزة على الصحيح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: "والصحيح الجواز؛ لأن المقترض رأى النفع بأمن خطر الطريق إلى نقل دراهمه إلى بلد دراهم المقترض؛ فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عما ينفع الناس ويصلحهم ويحتاجون إليه، وإنما نهى عما يضرهم ويفسدهم، وقد أغناهم الله عنه، والله أعلم"(41).
3 – ما ذكره العلماء من أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد آخر ليربح خطر الطريق، قال ابن قدامة – رحمه الله تعالى -: "والصحيح جوازه؛ لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها، بل بمشروعيتها"(42).
ومن المعلوم أن الغاية من إقراض مال اليتيم الرفق باليتيم لا بالمقترض، ومصلحة اليتيم لا مصلحة المقترض، والمراد والمقصود الإيداع والحفظ غير أن الوديعة لا تضمن؛ ففضل الإقراض لغني أمين حتى يحفظ المال لصالح اليتيم لا لصالح الغني(43).
وبهذا يتبين أنه لا يشترط في القرض أن يكون إرفاقاً من غني لمحتاج، وإن كان الأصل فيه كذلك.
الإشكال الثاني: إن اعتبار مال الحساب الجاري قرض يترتب عليه بعض الصعوبات في إخضاع استعمالها وسيلة دفع وأداة وفاء من الناحية الشرعية، ومن ذلك(44):
1 – أنه لا يجوز لصاحب الحساب الجاري أن يشتري بضاعة مؤجلة – أي سلماً – ويكتب لصاحب البضاعة شيكاً بالثمن على المصرف؛ لأنه يؤدي إلى بيع الكالئ بالكالئ؛ فيبطل الشراء.
2 – أنه لا يجوز لصاحب الحساب الجاري أن يهب شيئاً من مال حسابه الجاري لشخص ثالث؛ لأنه من هبة الدائن للدين الذي يملكه في ذمة شخص آخر؛ فالهبة باطلة عند من يرى من الفقهاء أن قبض الموهوب له المال الموهوب شرط في صحة الهبة.
ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال: بفرعيه بأن ما ذُكِر غير مسلّم، وبيان ذلك أن صاحب الحساب الجاري إذا اشترى بضاعة مؤجلة (سلماً) وكتب لصاحب البضاعة شيكاً فقبله كان ذلك بمنزلة تسليمه الثمن نقداً، وذلك أن العرف المصرفي مضى على صرف الشيك فوراً إذا كان مستوفياً لشروطه، وكذلك الحال بالنسبة للهبة؛ فإذا وهب إنسان ماله في حسابه الجاري إلى غير مدينه – المصرف – وحرر شيكاً للموهوب له ورضي به فقد تم القبض(45)، وقد سبق أن القرض يثبت في الذمة حالاً، وأن للمقرِض المطالبة ببدله في الحال كسائر الديون الحالّة(46).
الإشكال الثالث: استخدام مال الحساب الجاري كرهن أو ضمان.
عند الجمهور أن المرهون يجب أن يكون عيناً متقومة يجوز بيعها؛ فلا يجوز رهن الدين(47)، وبناء على هذا فلا يجوز استخدام مال الحساب الجاري كرهن أو ضمان؛ لأنه دين لصاحب الحساب في ذمة المصرف.
قال الدكتور الصديق الضرير – أثابه الله تعالى -: "لا أتصور رهن وديعة حسابية من صاحب الوديعة؛ لأن هذا مقرض والمقرض يخرج المال عن ملكه، ويكون في يد المقترض فلا محل لرهنه"(48).
الإشكال الرابع: من المعلوم أن صاحب الحساب الجاري يمكنه أن يسحب من المال الذي في الحساب في أي وقت، بل قد يسحب جميع المال في وقت واحد، والمال المسحوب ليس هو عين ماله الذي أقرضه للمصرف، فإذا ما سحب جزءاً من المال مثلاً؛ فهل المال الذي يسحبه من الحساب هو استرجاع للمال الذي أقرضه للمصرف أو لجزء منه، أم أنه قرض جديد اقترضه هو من المصرف بعقد آخر؟
هذه المسألة تحتاج إلى نظر لما يترتب عليها من ثمرات، وهي مطروحة هنا للمناقشة.
الإشكال الخامس: إذا أدخل شخص مالاً جديداً في حسابه الجاري؛ فهل هذا المال عقد قرض جديد بينه وبين المصرف، أو هو ملحق بالعقد الأول؟
الإشكال السادس: إذا أدخل شخص مبلغاً من المال في حساب شخص آخر؛ فهل هذا المبلغ يعد قرضاً للمصرف، أم أن المصرف وسيلة للوفاء فقط؟ وإذا قلنا إنه قرض من صاحب الحساب؛ فهل يمكن أن يتم القرض إذا كان صاحب الحساب لا يعلم بدخول المال في حسابه؟
المبحث الخامس: الأحكام والآثار المترتبة على تكييف الحسابات الجارية بأنها قرض.
الخلاف السابق في تكييف الحسابات الجارية يترتب آثار وثمرات عملية مهمة، تدل على أهمية الموضوع وأهمية صرحه والبحث فيه، ومن ذلك:
أولاً: أحكام المنافع العائدة من فتح الحساب الجاري:
إذا دفع صاحب المال نقوده إلى المصرف فإن الأخير تلقائياً يفتح لصاحب المال حساباً جارياً، تتم عن طريقه المعاملات التي تكون بين الطرفين، ويترتب على فتح الحساب الجاري منافع منها ما يرجع إلى المصرف (المقترض)، ومنها ما يرجع إلى صاحب الحساب (المقرِض)، ومنها ما يرجع إليهما.
(أ) المنافع العائدة إلى المصرف (المقترض):
1 – استثمار أموال الحساب الجاري :
من المعلوم أن المصرف بمجرد استلام المال من العميل يقوم بخلطه مباشرة بالأموال الموجودة لديه، وبناءً على أن هذه الأموال هي في الواقع قروض؛ فإن للمصرف حق التصرف فيها بموجب هذا العقد، بناء على أن عقد القرض ينقل الملكية إلى المقترض؛ إذ إن المقصود من القرض استهلاكه والانتفاع به، وبالتالي فإن المنافع العائدة من استثمار هذا القرض هي للمصرف دون أن يكون للمقرض منها شيء(49).
ويترتب على هذا أن للمصرف الاستفادة من مجموع الأموال التي آلت إلى ملكيته من مجموع الحسابات الجارية في توليد الائتمان أو ما يسمى بـ(خلق الودائع)، وهذا ناتج عن طبيعة عمله واستثماره لمجموع القروض.
2 – أخذ عمولة(50) مقابل الخدمات التي يقدمها لصاحب الحساب:
يترتب على فتح الحساب الجاري أن يقدم المصرف بعض الخدمات أو الأعمال في نطاق المعاملة بينهما؛ كإصدار دفتر الشيكات، وبطاقة السحب الآلي، وكشف بالأعمال التي قام بها صاحب الحساب، وغيرها من الخدمات، ومن المصارف ما يأخذ مقابلاً لهذه الخدمات، والذي يظهر – والله تعالى أعلم – أنه لا مانع من أخذ مقابل لهذه الخدمات على أنها أجرة لما يقدمه المصرف من أعمال.
(ب) المنافع العائدة على صاحب الحساب الجاري (المقرِض):(4/109)
1 – منفعة حفظ ماله وضمانه: الغرض الأساسي من تعامل غالب الناس مع المصارف عن طريق الحسابات الجارية أنهم يريدون حفظ أموالهم وضمانها بإقراضها للمصرف، ومن ثم استرجاعها أو بعضها عند الحاجة إليها، وقد تقدم فيما سبق بحثه أن إقراض الشخص ماله لآخر بقصد الحفظ يجوز ولا إشكال فيه، كما في قصة الزبير _رضي الله تعالى عنه_.
وأما مسألة قصد أن يكون المال مضموناً فإن الضمان أثر من الآثار المترتبة على عقد القرض ساء قصده المقرض أم لم يقصده، والله أعلم.
2 – الحصول على الخدمات التي يقدمها المصرف؛ كدفتر الشيكات وبطاقة السحب الآلي وغيرها:
البحث هنا في مسألة الاستفادة من هذه الخدمات إذا كانت بدون مقابل؛ حيث سبق أنها إذا كانت بمقابل فإنها تأخذ حكم الإجارة، ولا يظهر في هذا إشكال.
وأما إذا كانت بدون مقابل، فهل يجوز الاستفادة منها؟
جرى الخلاف في هذه المسألة على قولين(51):
القول الأول: إنه يجوز لصاحب الحساب الجاري الانتفاع بدفتر الشيكات وبطاقة السحب الآلي بدون مقابل(52).
القول الثاني: إنه يكره له الانتفاع بهذه الخدمات بدون مقابل(53).
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: إن هذه المنافع والخدمات مشتركة يستفيد منها الطرفان – المقرض والمقترض – وربما تكون مصلحة المصرف فيها غالبة بل أساسية، وذلك أنه بإصدار الشيكات وبطاقات السحب الآلي يخفض من نسبة التكاليف وعدد الموظفين الذين يحتاجهم في القيام بأعماله مثل تحرير أوامر السحب النقدي وتنفيذها، وتحرير المستندات التي يسحب بها العميل بعض ماله أو كله، واستخدام الشيك يوفر عليه كل ذلك.
وكذلك فإن المصرف بإصداره لهذه الشيكات والبطاقات يقلل من استخدام العملاء المباشر للنقود الورقية، مما يوفر لديه سيولة نقدية ورقية يستفيد منها باستثمارها وبتسيير عملياته المصرفية، إضافة إلى أنه يحافظ على هذه النقود من السرقة والتزوير، وذلك بتقليص تداولها، كما أنه يقلل من عناء عدها ونقلها وحفظها.
الدليل الثاني: إن هذه المنافع والخدمات هي وسيلة لوفاء المصرف للقروض التي يقترضها، وليست منفعة منفصلة عن القرض؛ حيث إنه مطالب بسداد القروض لكل مقرض متى طلب ذلك.
دليل القول الثاني:
إن المنافع التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري بدون مقابل ذات صلة قوية بسداد الدين والوفاء به؛ فتكون مكروهة، وأقل ما يقال فيها إنها شبهة، وقد تكون ذريعة إلى الوقوع في الحرام.
ونوقش بأن هذه المنفعة مشتركة بين الطرفين، بل إن منفعة المقترض (المصرف) أظهر، وقد أجاز بعض العلماء المنفعة في القرض إذا كانت مشتركة للطرفين، كما في مسألة السفتجة(54)، والله تعالى أعلم.
3 – الانتفاع بالأسعار المميزة لبعض الخدمات:
قد تعطي بعض المصارف لعملائها أو لبعضهم أسعاراً مميزة لبعض الخدمات؛ كالسكن في الفنادق، أو شراء بعض السلع، ونحو ذلك؛ فإذا كانت هذه المنفعة للعميل دون غيره، ولم يكن للمصرف منفعة في بذلها سوى القرض؛ فإنه يتوجه القول بتحريمها؛ لأنها منفعة للمقرض لا يقابلها عوض سوى القرض، وهي وإن لم تكن مشروطة إلا أنها واقعة قبل الوفاء بسبب القرض.
ومثل ذلك أن تنص تعليمات المصرف وأنظمته على نسبة معينة من الربح – قد تحددها إدارة المصرف – في نهاية كل دورة مالية، أو جوائز بالقرعة، أو أولوية في الحصول على قرض من المصرف؛ فإن هذه المزايا لا تخلو من شبهة الربا، وخاصة إذا كانت معانة مسبقاً على أساس ثابت مؤكد(55)، وجوائز المقرضين إذا كانت معروفة تكون كأنها مشروطة؛ فلا تجوز مطلقاً(56).
4 – الانتفاع بشهادة المصرف بملاءة صاحب الحساب:
الذي يظهر أن هذه الشهادة من المصرف هي إخبار عن حال العميل وواقعه من خلال تعامله مع المصرف عن طريق الحساب الجاري بصفته – أي المصرف – المصدر لهذه المعلومات؛ فالذي يظهر أنه لا مانع من انتفاع صاحب الحساب بهذه الشهادة، والله تعالى أعلم.
5 – الانتفاع بتنظيم الحسابات وضبطها:
هذه المنفعة هي منفعة آلية تأتي تبعاً لإجراءات المصرف في ضبط حساباته وتنظيمها وتوثيقها، بدليل أن هذه قد لا تكون حاضرة أحياناً قبل أن يطلبها العميل كما في الكشف المختصر للحساب؛ فالذي يظهر أنه لا مانع من الانتفاع بهذه الخدمة بدون مقابل.
6 – الانتفاع بأخذ الفوائد المشروطة أو ما في حكمها:
يحرم أخذ هذه الفوائد، سواء أكانت مشروطة أم معروفة؛ إذ المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، والمعروف بين التجار كالمشروط فيما بينهم، وعليه فهذه الفوائد زيادة مشروطة أو في حكم المشروطة في بدل القرض للمقرض فهي ربا محرم دلت الأدلة على تحريمها(57).
ثانياً: من الآثار المترتبة على تكييف الحسابات الجارية بأنها قروض:
يترتب على القول بتكييف الحسابات الجارية على أنها قروض بعض الآثار والثمرات، من أهمها:
1 – أن ضمان تلك المبالغ في الحسابات الجارية هي على المصرف كذلك (المقترض)(58)، ويمثله المؤسسون والمساهمون؛ لأنها مملوكة له، والقاعدة الفقهية المشهورة أن (الخراج بالضمان)، وأن (الغنم بالغرم).
2 – إذا أفلس المصرف فليس للمودع أن يدخل في التفليس على أنه مالك للوديعة وتكون له الأولوية، بل على أساس أنه دائن عادي يخضع لقسمة غرمائه(59).
هذا ما تيسر جمعه وتحريره، إن كان من صواب فمن الله _تعالى_ هو الموفق له، وإن يكن من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأنا راجع عنه، وأستغفر الله.
______________
(1) الحساب في اللغة مأخوذ من الفعل حسب، والحاء والسين والياء أصول أربعة، أحدها: العدّ، وثانيها: الكفاية.
والحسابُ والحِسابة: عدك الشيء، وحسب الشيء يحسبه بالضم حسباً وحساباً وحسابة: عدّه.
ونقل ابن منظور عن الأزهري قوله: وإنما سمي الحساب في المعاملات حساباً؛ لأنه يُعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان. ينظر: معجم مقاييس اللغة ص 244، لسان العرب 3/161
وأما لفظ (الجاري) فقد قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ص 195):
"الجيم والراء والياء أصل واحد، وهو انسياق الشيء، يقال: جرى الماء يجري جرية وجرياً وجرياناً.
وفي المعجم الوسيط ص171: "والحساب الجاري (في الاقتصاد) اتفاق بين شخصين بينهما معاملات مستمرة. (مج)"..
(2) الودائع المصرفية، د. حسين كامل فهمي، (مجلة مجمع الفقه الإسلامي، 9/1/689).
(3) أحكام الودائع المصرفية، محمد تقي العثماني (مجلة المجمع 9/1/792).
(4) المصارف والأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية والقانون، د. غريب الجمال (ص36).
(5) الودائع المصرفية النقدية، واستثمارها في الإسلام، د. حسن عبد الله الأمين (ص209).
(6) ينظر: المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، د. عبد الرزاق الهيتي (ص258، 259).
(7) ينظر: المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق (ص245).
(8) ينظر: بنوك تجارية بدون ربا، د. محمد بن عبد الله الشيباني (ص74).
(9) ينظر: الحسابات والودائع المصرفية، د. محمد علي القري (مجلة المجمع 9/1/720، 721)، الربا والمعاملات المصرفية...، د. عمر المترك (ص346)، البنوك الإسلامية، عائشة الشرقاوي المالقي (ص228)، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، للهيتي (ص245).
(10) ينظر: بنوك الودائع، كمال الدين صدقي (ص104)، الودائع المصرفية النقدية، حسن الأمين (ص211).
(11) ينظر: الحسابات والودائع المصرفية، د. محمد علي القري (مجلة المجمع 9/1/720).
(12) ينظر: النظام المصرفي الإسلامي، د. محمد أحمد سراج (ص87).(4/110)
(13) ينظر: بنوك الودائع، كمال الدين صدقي (ص105)، الحسابات والودائع المصرفية، د. محمد علي القري (مجلة المجمع 9/1/724)، الودائع المصرفية النقدية، حسن الأمين (ص216)، الربا والمعاملات المصرفية (ص349)، الترشيد الشرعي للبنوك القائمة، جهاد عبد الله أبو عويمر (ص164-166).
(14) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (9/1/730، 777، 802، 838، 883، 888، 890، 906)، حكم ودائع البنوك وشهادات الاستثمار في الفقه الإسلامي، د. علي السالوس (ص52، 55) بحوث في المعاملات المصرفية، د. رفيق يونس المصري (ص203)، موقف الشريعة الإسلامية من المصارف المعاصرة، د. عبد الله العبادي (ص198، 199)، المصارف والأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية والقانون، د. غريب الجمال (ص59)، الشامل في معاملات وعمليات المصارف الإسلامية، د. محمود عبد الكريم الرشيد (ص159، 160)، الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، د. عمر المترك (ص346)، النظام المصرفي الإسلامي، د. محمد أحمد سراج (ص93)، الودائع المصرفية، أحمد بن حسن الحسني ، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، د. محمد عثمان شبير (ص222).
(15) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، الدورات 1-10، القرارات 1-97، (ص196)، مجلة المجمع، العدد التاسع، الجزء الأول (ص931).
(16) وممن قال بهذا القول: الدكتور: حسن عبد الله الأمين في كتابه (الودائع المصرفية النقدية ص233)، والدكتور عيسى عبده (مستشار سابق لبنك دبي الإسلامي) في كتابه العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة (ص113)، نقلاً عن: د. رفيق المصري في كتابه (بحوث في المعاملات المصرفية) (ص193)، والدكتور عبد الرزاق الهيتي في كتابه (المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق) (ص261)، والدكتور أحمد عبيد الكبيسي في بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي (مجلة المجمع 9/1/755).
(17) نصت المادة 53 من النظام الأساسي للبنك الذي تأسس عام 1395-1975م على أن البنك يقبل نوعين من الودائع:
1- ودائع بدون تفويض بالاستثمار: وتأخذ صورة الحسابات الجارية ودفاتر الادخار المعمول بها في النظم المصرفية المعاصرة، وهذه تأخذ حكم "الوديعة" المعتمدة في الشريعة الإسلامية.
ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية، د. رفيق المصري (ص190)..
(18) ينظر: مجلة المجمع 9/1/694، 700.
(19) ينظر: حكم ودائع البنوك، للسالوس (ص51)، الحسابات الجارية، د. مسعود الثبيتي (مجلة المجمع ص835).
(20) ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية (ص201).
(21) ينظر: حكم ودائع البنوك (ص61)، النظام المصرفي الإسلامي، د. محمد سراج (ص93)، مجلة المجمع (ص730).
(22) ينظر: الودائع المصرفية، للحسني (ص105)، حكم ودائع البنوك (ص52)، النظام المصرفي الإسلامي (ص88)، الربا والمعاملات المصرفية، للمترك (ص347)، مجلة المجمع (ص883).
(23) ينظر: حكم ودائع البنوك (ص52)، بحوث في المصارف الإسلامية (ص201).
(24) ينظر: الودائع المصرفية، للأمين (ص233).
(25) ينظر: المنفعة في القرض (ص304).
(26) ينظر: الودائع المصرفية (ص233).
(27) ينظر: الودائع المصرفية (ص234).
(28) ينظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف (12/332)، كشاف القناع (3/314).
(29) ينظر: كشاف القناع (3/314).
(30) ينظر: الودائع المصرفية (ص233، 234).
(31) ينظر: مجلة المجمع (ص795).
(32) الإنصاف (12/323).
(33) ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية (ص201، 202).
(34) ينظر: المرجع نفسه (ص203).
(35) ينظر: أحكام الودائع المصرفية، محمد تقي العثماني (مجلة المجمع 9/1/794)، الربا والمعاملات المصرفية..، د. عمر المترك (ص348)، مجلة المجمع 9/1/782 بحوث في المصارف الإسلامية (ص204).
(36) كشاف القناع(3/312).
(37) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب بركة الغازي في ماله حيّاً وميتاً مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ وولاة الأمر، حديث رقم 3129، (الفتح 6/273) ط دار السلام.
(38) فتح الباري (6/277).
(39) المرجع نفسه (6/282). وعقب المصنف على قول ابن بطال المتقدم بقوله: "وفي قول ابن بطال المتقدم: "كان يفعل ذلك ليطيب له رب ذلك المال" نظر؛ لأنه يتوقف على ثبوت أنه كان يتصرف فيه بالتجارة، وأن كثرة ماله إنما زادت بالتجارة، والذي يظهر خلاف ذلك".
أقول: ولو استعمله في التجارة لطاب له ذلك؛ لأنه يصبح مالكاً للمال فيجوز له التصرف فيه.
(40) السفتجة في الأصل كلمة فارسية معرّبة، أصلها (سفتة) وهي ورقة أو رقعة أو كتاب أو صك يكتبه الشخص لنائبه أو مدينه في بلد آخر يُلزمه فيه بدفع مبلغ من المال لشخص أقرضه مثله، وسميت هذه المعاملة سفتجة لما فيها من إحكام الأمر وتوثيقه وتجنب العناء والخطر. (معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، د. نزيه حماد ص190) وينظر: مجموع الفتاوى 19/455،456، والمغني (6/436).
(41) مجموع الفتاوى (19/456).
(42) المغني (6/437).
(43) ينظر: حكم ودائع البنوك..، د. علي السالوس (ص60).
(44) ينظر: الودائع المصرفية، للأمين (ص237، 238)، المصارف الإسلامية، للهيتي (ص263).
(45) ينظر: الودائع المصرفية، للحسني (ص105)، دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، د. محمد مصطفى أبوه الشنقيطي (1/282).
(46) ينظر: ص من هذا البحث.
(47) ينظر: بدائع الصنائع (5/195)، بداية المجتهد (2/329)، الغاية والتقريب (ص29)، المنثور في القواعد (3/139)، المغني (6/455)، كشاف القناع (3/321).
(48) مجلة المجمع (المناقشات) 9/1/901.
(49) ينظر: المنفعة في القرض، عبد الله العمراني (رسالة ماجستير غير منشورة) (ص311).
(50) العمولة اصطلاح متداول في المصارف، ويقصد به ما يأخذه المصرف نظير عمل من أعماله، ويقابله في الاصطلاح الفقهي أجرة أو جعالة، ويلاحظ أن لفظة عمولة غير صحيحة لغة، ولم يرد هذا الاشتقاق في القواميس، والصحيح (عمالة) بضم العين أو كسرها، ومعناها: رزق العامل.
ينظر: دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة 2/256 (الهامش).
(51) ينظر: المنفعة في القرض (ص315).
(52) ينظر: مجلة المجمع 9/1/734،735 (بحث د. محمد القره داغي)، الربا والمعاملات المصرفية، د. عمر المترك (ص349).
(53) ينظر: تحول المصرف الربوي إلى مصرف إسلامي، سعود بن محمد الربيعة (ص1/199)، نقلاً عن عبد الله العمراني في رسالته المنفعة في القرض (ص315).
(54) ينظر: مجموع الفتاوى 29/456.
(55) ينظر: المصارف الإسلامية، د. رفيق يونس المصري (ص18).
(56) مجلة المجمع 9/1/900 (مناقشة د. الصديق الضرير).
(57) ينظر: الحسابات الجارية، د. مسعود الثبيتي (مجلة المجمع 9/1/839،841)، المنفعة في القرض (ص321).
(58) ينظر: مجلة المجمع (9/1/782، 803، 883)، وينظر نص القرار.
(59) ينظر: الربا والمعاملات المصرفية، للمترك (ص347).
المصدر : موقع المسلم
=============
انهيار الأسهم
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
في طبع الإنسان البحث عن المال. وهو في أصله غير مذموم؛ إذ بدون المال لا يقدر على تحقيق الحوائج، بل هو محمود؛ لأنه يعفه ويغنيه عن سؤال الناس. في التوجيه النبوي الكريم:
(لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به، ويستغني به عن لاناس، خير له من أن يسأل رجلا، أعطاه أو منعه ذلك؛ فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول). [مسلم، الزكاة، باب: كراهة المسألة للناس](4/111)
لكن إذا صار المال أكبر همه، وشغله الشاغل فإنه مذموم؛ لخروجه حينئذ عن حدّه وهدفه الحسن إلى الطغيان، والهدف السيء والأسوء.
- فيحصل له به الترف، وهو من أسباب التحلل من الشريعة، والتفريط في التزام الأحكام، وهكذا هي أخلاق من خلاق له، كما في قوله تعالى: {إنهم كانوا قبل مترفين}.
- ويقع به في الطغيان والبطر، كما في قوله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى}.
ومن جاء هنا ذم التوسع من الدنيا، واعتباره سبب الهلاك، وعدم الفلاح، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ). [البخاري]
وجاء مدح التقلل من الدنيا في الخبر النبوي الكريم: أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام .
فالميزان ضرورة، والحد دقيق، من وقف عنده انتفع ونفع، ومن تجاوز تضرر وأضر.
فالميزان في الانتفاع بالمال دنيويا، بدون الإضرار بالآخرة، يكون بشرطين:
الأول: أن يحصّل من حلّه، الواضح البيّن.
وفي هذا الشرط وصفان: الحلّية، ووضوح الحلّية. فقد يكون المال حلال لكن بشبهة؛ كأن يكون مختلطا به شيء من الحرام: النصف، أو الثلث، أو الربع... أو العشر. فهذا الواجب فيه: أن يجتنب. فاتقاء الشبهات استبراء للدين والعرض، كما في الأثر النبوي المقدس.
وأوجب منه اجتناب المحرم الصريح الواضح: { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
الثاني : ألا يلهي ويشغل. وآيته: أن يكون المال هو الشغل الشاغل، فلا يبقى للآخرة إلا القليل.
فهذا ينسي ذكر الله تعالى، ويجعل من الإنسان آلة تعمل بلا هدف سوى الدنيا.
كذلك، فإنه يحمل على الوقوع في الشبهات، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. وإذا وقع في الشبهات وقع في الحرام، كما في النص النبوي، وهو على معنيين:
الأول: وقوع حقيقي في الحرام، فتكون الشبهات بهذا المعنى هو: الوقوع في الحرام.
الثاني: أنه ذريعة إلى الوقوع في الحرام.
ومتى ما كان تحصيله المال بهذين الشرطين: حلالا بيّنا واضحا، غير مشغل ولا يلهي. فإنه مال صالح، لرجل صالح، ثمره عمل صالح، وأجر جزيل.
بدء سوق الأسهم منذ سنوات قريبة، وهو نظام تجاري اقتصادي، مستورد من الرأسمالية الغربية، التي تعبد المادة عبادة اليهود للعجل، والمجوس للنار، والهندوس للبقر ؟!!.
استورد هذا النظام حديثا، كما استوردت من قبل: أنظمة اقتصادية رأسمالية، على رأسها البنوك الربوية، التي ملأت العالم الإسلامي.
هذا النظام الربوي وإن كان مر عليه زمن - ليس بالقصير - والفتوى مصروفة ضده؛ تحريما، وتنبيها وتحذيرا. ما جعل كثيرا من الناس ينصرفون عن البنوك يطلبون السلامة لدينهم ودنياهم: فإن سوق الأسهم مرّ ولم يعترض طريقه عائق يعوقه، إنما فتحت له الأبواب والطرقات، وانهمر الناس عليه كأسراب الجراد، يرجون خضرته وثماره.
ذلك لأن من حظ هذا السوق، وكذا الذين استوردوه، وطبقوه: أن جاء بعد تغيرات كبيرة في عالم الاقتصاد الإسلامي، والاستراتيجيات الدعوية ؟.
فبعد أن كان طريقة التعاطي مع الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية الكبرى، يقوم على فكرة المنع، والاكتفاء بالأوضاع السائدة، دون طرح البديل: ظهر علماء مختصون، كان همهم مصروفا في إنشاء أنظمة بديلة تغني، وتتوافق مع الشريعة.
نشأ جراء هذا الجهد: بنوك إسلامية، ترفض فكرة القرض الربوي (وإن كانت لم تسلم من ملاحظات على طريقة أدائها !!). وأسلمة بعض البنوك العادية الربوية.
كان لهذا التغير، في استراتيجية التعامل مع القضايا العصرية الاقتصادية، أثر إيجابي على سوق الأسهم، حيث لم يلق معارضة ومنعا، كالذي لقيته البنوك حين بدأت. فقد كان المختصون الشرعيون الاقتصاديون جاهزين بأبحاثهم وفتاواهم لهذا الجديد، فما أن فتح أبوابه للتعامل، وبدء التداول إلا وكان عند الناس القدر الكافي من العلم والفتوى لمعرفة كيفية الدخول والمشاركة بالبيع والشراء.
وبعد أن كان الهمّ مصروفا لرفض فكرة البنوك جملة وتفصيلا، صار المهم: معرفة ما يجوز شراؤه من الأسهم وما لا يجوز. وكان هذا من حظ هذا السوق، والذين يملكون زمامه.
نعم بين سوق الأسهم والبنوك فرق جوهري.. هذا صحيح.
فالبنوك تقوم على معاملات محرمة يقينا، لكون الربا أصل في وجودها.. أما سوق الأسهم فيقوم على البيع والشراء: {وأحل الله البيع وحرم الربا}.
غير أن سوق الأسهم فيه من البلايا، والتي ظهرت ككوارث بعد حين، ذاق مرارتها أكثر الناس: ما يجعله تحت النظر والريبة؛ في طبيعة معاملاته، ومدى مشروعية هذا النوع المعاملات السريعة في: آليتها، وربحها، وخسارتها. ليس في كونها بيعا وشراء أصله مباح.
وهكذا انساق الناس جميعا - إلا من حذر، واتقى - من دون أي حذر من مخالفة شرعية، فالقوائم موزعة، ومقسمة إلى: نقية، ومختلطة، ومحرمة.
فالنقية والمحرمة لا كلام فيها، فأمرها واضح.
والكلام في المختلطة، التي تضاربت الأقوال حيالها، ما بين محرم، ومبيح بحسب نسبة الحرام فيها، على اختلاف بينهم في تحديد هذه النسبة.
وهذه المختلطة تمثل نسبة كبيرة من أسهم السوق، إن لم يكن الأكبر، واختلاف المختصين فيها، كان ذريعة لتهافت الناس على الشراء منها، فأكثر الناس لا يبتغي سوى بصيص فتوى بالإباحة، ولو بالشبهة؛ ليتهافت على ما يظنه طريقا لربح وزيادة دخل.
وإذا أضيف إليها النقية، فهمنا كيف أن الباب اتسع جدا لدخول الملايين من الراغبين الطامعين في تحقيق الأرباح السريعة.
وما بين عشية وضحاها: انقلب حال الناس، فصاروا أسرى سوق الأسهم..!؛ فالسوق هو الذي يسجنهم متى ما أراد، وهو الذي يطلق سراحهم متى شاء !!.
دخل الناس سوقا لا يملكون من أمره شيئا، ولا يقدرون على شيء سوى الفرجة والمراقبة. لا يدركون كيف يتحرك، ولا كيف يسير، وفي أي اتجاه..؟!!.
ولا شك أن سيره ليس بقدر محض، ليس فيه اختيار، بل هناك من يحركه، ويؤثر فيه، لكنه قطعا لم يكن هذه الجموع المتربصة ربحا، وزيادة دخل يحسن من أوضاعهم، ويزيل عنهم بعض معاناة الحياة، أو يزيد شيئا من رفاهيتهم.
لقد كان الأمر بيد فئة لديها الخبرة الكافية، والآلات والأدوات اللازمة للتحكم في السوق..!!.
دخل الناس في لعبة خطيرة، على كافة الأصعدة، وهم يجهلون قواعدها التجارية، والشرعية، والرأسمالية. دخلوها بأموالهم كلها، أو بعضها، أو أموال غيرهم، أو أموالهم أولادهم وآبائهم، غير معتبرين تحصيل المال من حلّه الواضح، ولا حذرين من أن يشغلهم ويلهيهم عن ذكر الله تعالى.
فاقتحموا المختلط، وبعضهم حتى المحرم، وغرقوا في السوق، فأشغلهم عن ذكر الله تعالى، وعن أعمالهم، وأولادهم، وأزواجهم، وبيوتهم. فأصبحوا وأمسوا في صالات الأسهم، فأضروا بأنفسهم، وبالمصالح العامة والخاصة، فكانت هذه أول الخسارة، وأول الثمرة لتجارة مريبة كهذه.
وما كانوا ليستفيقوا.. لولا أن ما أتوا من أجله، وباعوا كل شيء من أجله، وبذلوا كل شيء من أجله: عاد عليهم بالخسارة الثقيلة، والفاجعة العظيمة..؟!!.
لقد خسروا في لحظة ما كانوا جمعوه في عقود، وذهب عنهم في لحظة كل ما كسبوه في لحظة، وذهب معهم كل ما كان لديهم، فمنهم من مات، ومنهم من انهار، ومنهم من لزم فراش المرض، ومنهم من سجن، ومنهم الذي صار يستجدي ويسأل.!!.
لقد كانوا في غفلة واضحة في كل شيء:(4/112)
- غفلة عن حقيقة ما خلقوا لأجله، وحقيقة الحياة الدنيا والآخرة.
- وغفلة عن حقيقة أحكام الله تعالى في البيع والشراء.
- وغفلة عن أسواق الأسهم، والطريقة الرأسمالية في هذه الصالات، التي هي في حالات منها أقرب ما يكون إلى الميسر والقمار، خصوصا في الحالات التي يكون فيها الانخفاض والارتفاع في قيمة الأسهم بشكل سريع غير معلل ولا مبرر.
لقد كانوا في غفلة واضحة غير معقولة، ولا مقبولة ..؟ّ!!؛ إذ كيف كانوا لا يفطنون إلى النهاية السيئة، وهم ينظرون إلى زيادات غير طبيعة، ولا مبررة ؟!!.
ألم يكونوا يدركون أنه سوق، وليست هبات مضمونة من محسنين ؟.
ألم يعرفوا أنها رأسمالية قاسية لا ترحم.. فيها أطراف متصرفون، قادرون على التلاعب، ومتصرف فيهم، ليس لهم من الأمر شيء، وهم هؤلاء الجموع، إلا أنهم هم الخاسرون في كل حال ؟.
لو كان لديهم الوعي، والفهم الكافي لما كانوا وقود هذا السوق، ولا حجارته ..
لكنها الآمال، وحب الدرهم والدينار ؟!!.
غرهم أن فلانا صار من أصحاب الملايين، بين عشية وضحاها، وقد كان يستدين ليشتري ملابسه. وما تذكروا الطعم الذي يأتي بالصيد، وهل الصيد إلا بطعم، فهؤلاء هم الطعم، ولولاهم ما جاءت الجموع زرافات ووحدانا تطلب الغنيمة.
لقد كان منظر الجموع مزريا وهي تتدافع، وتتقاتل، وتتهافت تهافت الفراش على النار، عند أبواب الشركات للاكتتاب، بعضهم يطأ بعضا، وكأنها أبواب الجنة.
بعد كل هذه المعاناة، لم يخرجوا لا بقليل ولا كثير، ولو أنهم كانوا من الذين يتقون الشبهات، ويستبرءون لدينهم، ومن الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. لكان خيرا لهم وأقوم.
لكن، هي تجربة مرت.. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
إن الله تعالى خلقنا لنبتغي الآخرة أولاً، ثم حظ الآخرة ثانيا، فقال:
{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}.
وهكذا يفلح وينعم، أما من عكس الأمر، فالأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من كان الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) الترمذي
===============
المشروع التغريبي إذ يحمله الصحويون ؟!
محمد جلال القصاص [1]
في القرآن الكريم تتكرر الأحداث ، بل والألفاظ ، حتى أن القرآن الكريم يحكي عن المفسدين في كل العصور ذات الكلمات بنصها ، ثم يتساءل متعجبا ( أتواصوا به ) ويجيب مقررا ( بل هم قوم طاغون ) ، فالاشتراك في المفاهيم والتصورات ــ وهي هنا الظلم والطغيان ــ أدى إلى تطابق الخارج من الجوارح .
نعم تتشابه القلوب فتتكرر الكلمات والأفعال والمواقف ، في الخير والشر ، وفي ثنايا السيرة شواهد عديدة ؛ يُشبَّه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بمؤمن آل فرعون ، وعُروة بن مسعود الثقفي بالرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى[2] ، وأبو جهل بفرعون[3] ، وأمية بن أبي الصلت بالذي آته الله آياته فانسلخ منها[4] ... وقريب من هذا " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ[5] " و " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ[6] . وغير هذا كثير .
وفي الواقع المعاصر عجيبة لم أراها في التاريخ كله ، وهي أن الأحداث ... المشاريع ... تتكرر على مسافات قريبة جدا بذات الآليات . ولا يستطيع أحد أن يوقفها ، مع أن الأحداث تُنقل بالصوت والصورة من كل مكان في كل مكان . وهذا الأمر كثير جدا ، وبيِّن جدا في رحيل الاستعمار وتولي القوميون . . . العلمانيون ، تم الأمر بذات الطريقة تقريبا في كل الدول ، وذات الشيء يحدث في ما يعرف بتغريب المجتمعات الإسلامية ،وهو ما أردت الحديث عنه في هذا المقال .
أقول : بعد فشل المشروع التغريبي في مصر ، وقيام الصحوة الإسلامية على أنقاده ، بعد إفلاسه وانقلاب بعض كوادره وجمهوره عليه[7] ، بدأ يظهر في أماكن أخرى من العالم الإسلامي المحافظ الذي تربى على التوحيد ودعى إليه في جميع أنحاء المعمورة ، وبذات الآليات ، وعلى ذات المحاور ، وبذات الأفكار التي كانت . !!
ولا يستخفنك العجب وتمهل .
سأعرض عليك الخطوط الرئيسية للمشروع التغريبي في مصر لتعلم كيف أنها اليوم تتكرر .
بدأ المشروع التغريبي في مصر على عدة محاور ــ وكل محور كان يتطور في نفسه ويتعاون مع غيره ــ ؛ كان من أهمها حسب الترتيب الزمني :
ـــ البعثات العلمية ، التي أخرجت للمجتمع المصري فئة من ( المثقفين ) تشبعوا بحبِّ الغرب ، وراحوا يكتبون عنه بما يُحسِّن أحواله ، ويطالبون من طرف خفي أولا ثم على الملأ بعد ذلك أن يتخلى المجتمع المصري عن توجهه ( المحافظ ) وينفتح على العالم ؛كي يتقدم ويرتقي كما تقدم القوم وارتقوا .
ـ المدارس الخاصة ، ذات الخلفيات الدينية العلمانية في مناهجها أو مدرسيها ومدرائها [8]، وهذه كانت إحدى المصائب الكبرى التي رُميت بها الأمة في مصر وتركيا وغيرهما ، وكان لها أثرا كبيرا في المجتمع بعد ذلك ، والكلام فيها يطول . وهو مبثوث منشور في أماكن عدة ومن شاء أن يطلع فليفتش [9] .
ويلاحظ أن أصحاب البعثات وخريجي المدارس الخاصة ، كان لهم وضع خاص في الهيكل التوظيفي في الدولة يومها ، ومازال الحال كما هو إلى اليوم .
ــ المجلات والصحف ، كانت إحدى المحاور الرئيسية أيضا ، فبعضها كان ثقافي تنظيري يتحدث عن القضايا الجديدة وينظر لها ، وبعضها كان يرتدي ثوب ( الأدب ) ، يجدد في الأدب ، وتجديده كان معولا في جدار الشريعة ، ولك أن تراجع ما كتبت يدُ إيليا أبو ماضي ، وجبران خليل جبران . وغيرهما ممن تطاول على عقيدة القضاء والقدر ، وبعض المجلات عملت على ترويض أصحاب الهمم الدنيئة من الذين في قلوبهم مرض بإظهار الكاسيات العاريات المائلات المميلات ، وبث أخبار الفن والفنانين ، وتلميعهم في أعين الناس ليكونوا ( أبطالا ) يحتذي بهم .
ــ الوطنية وهي القَدُوم الذي تكفل بقطع أواصل الولاء ودق وتَد البراء ، فخرجت الحركات الوطنية التي عقدت الولاء على الوطن بحدوده المصطنعة ، ونظرت ( للآخر ) على أنه محتل ذي أطماع اقتصادية وعنجهية عنصرية ، وتعامت عن أنه كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرم ما حرم الله ورسوله ولا يدين دين الحق ، وأن المسلمون أمة واحدة .. كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
ــ ومن المحاور المهمة جدا محور المرأة ، الذي بدأ يتكلم عن جواز كشف الوجه ، وأن الحجاب في الشريعة لا يطاله ــ وهو قول مرجوح ــ ، ثم تسلل إلى جميع أجزاء المرأة إلا ما قبح كشفه وجَمُل ستره . فقد كانت دعوة قاسم أمين لا تتعدى المطالبة بكشف الوجه ، وكانت زوجته هو متسترة لا يراها الأجانب من الرجال .
وهي ذات الدغدغة التي تدور اليوم في الصحف على يد ( المتنورين ) .
ثم تكلموا في خروج المرأة وعملها . مشروع أم غير مشروع ؟!(4/113)
وما زالوا بالمرأة حتى أخرجوها من بيتها ؛ وكانت أقل الآثار التي ترتبت على خروج المرأة من بيتها تفكيك الأسرة ، وإهمال الأولاد ، ونشر الرزيلة في أماكن الاختلاط ، في الشارع وفي العمل ، نعم كانت هذه أقل الآثار على عظمها ، وكان أكبرها ــ وهو الغاية من التحرك على محور المرأة من وجهة نظري ــ هو مهاجمة العقيدة الإسلامية ؛ فبخروج المرأة ودخولها فيما لا يتناسب مع تركيبها الجسمي والنفسي الذي فطرها الله عليه ظهرت لها قضايا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ، وتتعارض مع صريح النصوص القرآنية وصحيح الأحاديث النبوية ، فقالوا : تعمل كالرجل فلم تأخذ نصف الميراث ؟! وقالوا : تنفق من مالها كالرجل فلم القوامة للرجل وليست لها ؟
وقالوا وقالوا وكذبوا فيما قالوا .
فكانت المرأة إحدى القناطر التي عَبَرَ عليها الغرب لثوابتنا الشرعية ، وبثَّ من خلالها خطابا أقل نتائجه هي القول بأن الشريعة الإسلامية لم تعد تصلح لهذا الزمان .
والآن يدغدغون بكلام حول الوجه ويستأنسون بقول الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ بأن كشف الوجه جائز ، ويستدعون الغافلين من تلاميذه ليؤيدوا كلامهم . وكل نبيه ذكي يدري أن هؤلاء ليسوا كالشيخ الألباني ــ رحمه الله ــ وإن التقوا في هذه النقطة ؛ وكل نبيه ذكي يُعرض عليه هذا النقاش عليه أن ينظر في المآلات ثم يركل القوم بكلتا قدميه .
ــ وكان محور الهجوم على التراث الإسلامي بالتشكيك في بعضه ، وبالنبش عن النماذج السيئة في تاريخ الأمة وتقديمها للناس على أنه هذا هو ثمرة ( تحكيم الشريعة ) ، أو تقديم نموذج من تخلوا عن الدين وكفروا بالله رب العالمين ممن أمدهم الله بظاهرٍ من الحياة الدنيا ، وتشويق عامة النا[10]س إلى رقي كرقي هؤلاء وتحضر كتحضرهم .
ــ وانتشر الغناء وأقبل أهل الرقص والزمر " الفن" يثبتون الأفكار والمفاهيم بأجسادهم العارية ووجوههم الجميلة .
كان في طرحهم هجوم مباشر على ثوابت الشريعة الإسلامية ، مثل تعدد الزوجات ، وترسيخ مفهوم الولاء على الوطن لا الدين . والسخرية من اللغة العربية ومن مدرسي اللغة العربية ، ومن رجال الدين ( الملتزمين ــ المطاوعة ) ، وتقديم النموذج الغربي للشباب على أنه هو النموذج المثالي . هذا بجانب نشر الرذيلة .
ــ ثم جاء دور ( رجال الدين ) وكانوا هم ثاني المحاور من حيث الأهمية ــ من وجهة نظري ــ وكانوا هم الفاعل الرئيسي في مشروع التغريب ، فكل ما سبق كان بالإمكان رده أو حصره في إطار الانحراف الخلقي ، إلى أن جاء بعض المنتسبين للشريعة فألبسوا التغريب ثوب ( الإصلاح الديني ) . وبرزوا للأمة كمصلحين ... مناضلين ... ثائرين على ( الجمود ) و ( التعصب ) .
فقط أضع بعض الملامح للشخصيات الفاعلة في هذا المحور لترى كيف يُنتقى الشخصيات حديثا .
ــ من أبرز سمات الشخصيات ( الإصلاحية ) في المجتمع المصري يومها وخاصة ( محمد عبده )و ( الإيراني جمال الدين ) أنها كانت شخصيات ثائرة ، محسوبة على الثورة المصرية ضد الإنجليز ومن الواقفين في وجه الملك من أجل ( الإصلاح ) والمطالبة بالحقوق ، فقد برز ــ أو بالأحرى أُبرزَ ــ اسم محمد عبده في ثورة عرابي وتم نفيه للبنان ثم أعادوه بعد أن لمَّعوه ـــ . فكان هو ( رجل ) المرحلة ، كان هو التطور الطبيعي للطهطاوي و الإيراني .
ـ كل ما فعله ( الشيوخ ) هو أنهم تكلموا بأن ( الرقي ) و ( التحضر ) أو ( التجديد ) ــ بمفهومه المطروح من قبل الليبراليين اليوم ــ لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ، وإقصاء ( الآخر ) ــ وهو البراء منه عندنا ــ مناطاته متعددة وليس محرما من كل وجه .
وأعرض عليك في عجالة بعض أفكارهم .
رفاعة الطهطاوي ــ وهو فَرَطُ القوم على حياض الغرب الكدرة النجسة ــ في كتابيه ( المرشد الأمين للبنات والبنين ) و ( تخليص الإبريز في تلخيص باريز ) امتدح المجتمع الغربي .. أسلوب حياته وثقافته ، وحاول أن يحصر الأمر فقط في اختلاف المسميات.
وأثنى على الدستور الفرنسي الشرطة ، ووصفها بأنها عدلاً وإنصافا ًأدى إلى تعمير الممالك وراحة العباد وارتياح القلوب حتى أنه ما عاد يسمع عندهم من يشكو ظلماً أبدا .!!
وأحسب أن موسيقى حفلات الرقص التي أطال في وصفها ، ونساء باريس الآتي يرقصن مع الرجال ، صمَّت أذن ( الشيخ ) وألهته عن البحث في ضواحي باريس وقرى فرنسا عن إخوان ( المورسكيين ) وغيرهم ممن يثير الأرض ويسقي الحرث طلبا للرزق .
ثم جاء جمال الدين الأسد أبادي المشهور بالأفغاني والذي نفي إلى مصر لفكره الاعتزالي وأرائه الغريبة ، وادعى أن الأمة هي مصدر الحكم ، وأن الاشتراكية من الإسلام . ونادى بوحدة الأديان ، والسلام العالمي ؛ ومن أراد أن يستيقن أو يستزيد فليقرأ خاطرات جمال الدين الأفغاني اختيار عبد العزيز سيد الأهل ص : 14 والاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية علي الحوافظة :102، 181،182
ثم جاء محمد عبده ــ ولا حظ التطور في الطرح ــ وتحت مسمى ( الإصلاح )[11] أباح التشبه بالخواجات في الفتوى الترنسفالية ، وأباح الربا في شكل صناديق التوفير ، وحرَّم تعدد الزوجات ، وكان ظهيراً لقاسم أمين في كتابه " تحرير المرأة " وكان من ( أعظم من تجرأ على مفهوم الولاء والبراء ودار الحرب ودار الإسلام من المنتسبين للعلماء بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة ودعوته إلى التعامل مع الإنجليز وغيرهم بحجة أن التعامل مع الكافر ليس محرماً من كل وجه ) [ العلمانية : 578] .
وقد لخص العقاد ما أريد قوله عن محمد عبده في سطرين يقول في [ أعلام العرب : 176 ] : ( وجملةً يمكن أن يقال أن ما من عملٍ من أعمال الخدمة الاجتماعية تم بعد وفاته إلا كان من مشروعاته التي هيأ لها الأذهان ومهد لها الطريق وبدأ فعلاً بالاستعداد لتنفيذها ومنها الجامعة المصرية التي كان يعني بها أن تقوم بتعليم العلوم وفقاً للمناهج الحديثة وتسهم في تجديد الحضارة العربية القديمة ) [12]
وتدبر : التعامل مع الكفار ( قبول الآخر ) ، التشبه بهم ، إباحة الربا ، تحرير المرأة ، تحريم تعدد الزوجات ، أليست هي ذات المطالب التي ينادي بها الليبراليون اليوم ؟
ــ لم يتجه محمد عبده ومن معه في نقده للمؤسسة الدينية الرسمية ( الأزهر ) إلى من يخالفونه فيها ، لم يجلس معهم يخاطبهم بما عنده ، يعرض عليهم أطروحاته ويستمع لردودهم ، وقد كان الإخلاص يقتضي ذلك ، بل إن نصوص الشريعة تأمر بذلك ففي الحديث ( الدين النصيحة ... الحديث ) ، ولكنه اتجه للجماهير ، وأخذ يقلبها على المؤسسة الدينية الرسمية ، بل وينفرها منها ، بدعوى أنهم غير متفتحين ، لا يفقهون الواقع ، فتاويهم تصلح لخمسة قرون ماضية ، أما هذا اليوم فيحتاج لمفتي أوعى وأدرى بحال الناس ، وأخذ يرميهم بما ينفر الناس منهم . وكان متدنيا في كلماته يصف الأزهر بأنه ( المخروب ) و ( الأستبل ) في إشارة واضحة إلى أن ما فيه من علماء حيوانات لا يفقهون شيئا ، يتكلم بهذا ثم هو إمام ومجدد عند بعضهم !! ، وطبيعي أن يجد من يسمع له ويتحمس لفكرته .(4/114)
ــ ومن أهم ما حدث أن هذا التيار الجديد أخذ يُربي مجموعة من النابهين الطامحين المتحمسين على أفكاره ، ولك أن تقرأ سير كل الشخصيات التي برزت بعد ذلك في جميع المجالات حتى السياسية لتجد أنها تأثرت مباشرة بالخطاب المنبعث من المؤسسة الدينية في شخص محمد عبده يومها ، قاسم أمين ، أحمد لطفي السيد ، سعد زغلول ، والذين جاءوا من بعدهم كابن العقاد وغيره . وكانت تربية هؤلاء الكوادر تعتمد على أسلوب الانتقاء والمتابعة . وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة إن شاء الله وقدر
ــ فالصورة التي انتهى إليها هؤلاء ( الإصلاحيون ) أنهم استدبروا المؤسسة الدينية ، وأخذوا يتكلمون للناس ويربون ، وأوجدوا واقعا جديدا بعيدا عن الواقع القديم ، وفرضوه على الواقع القديم . ثم حدث الاستبدال بعامل الوقت ، وبعصا السلطان .
ــ المحور الأخير وهو المنسق والمفعل لكل هذه المحاور هو عصا السلطان ، التي سمحت لهذا ومنعت هذا ، وقدمت هذا وأخرت هذا ، وولت هذا وعزلت هذا ، كانت يومها في أرض الكنانة مع المجرمين وتحارب الطيبين ، وهي اليوم غائبة بل منحازة ( للملتزمين ــ المطاوعة ) وهي نعمة من الله لا بد من شكرها .
ــ بقى أن شيء لابد من ذكره ، وهو أن سبب تقبل المجتمع المصري للطرح التغريبي هو الإرجاء جرثومة الإرجاء ، عَمَلَت جرثومة الإرجاء عملها في عقيدة الأمة ، فأخرجت العمل من مسمى الإيمان ليكون شرط كمال لا شرط صحة واقتضاء ، فانحسر الإيمان في ذهن العوام إلى نطق بالشهادتين ، وإقرار باللسان ، وانتساب في الجملة إلى الإسلام .
ولولاه ـ أعني الإرجاء ـ ما انبهر بهم الشعب ولا من ذهبوا مبعوثين عن الشعب .
لولاه ما ذهبت النخبة من أبناء الأمة بل من طلبة العلم الشرعي في الأزهر الشريف ، إلى هذه البلدان الكافرة تتلمذ على يد أبنائهم ، وتثني عليهم ، وتريد منا تقليدهم والسير في ركابهم .
لولا الخلل العقدي الذي أحدثته جرثومة الإرجاء في المفاهيم الإسلامية ، والتصورات العقدية عند هذه النخبة ، لوقفوا في ديارهم حين رأوا حالهم يقولون لهم : " اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ." " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن الإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحانه وتعالى عما يشركون .
ولعادوا إلينا يقولون لنا : إنهم أهل دياسة لا يغار الرجل على عرضه ، وأهل كفر لا يتحاكمون إلى شرع الله ...ولكن شيئا من هذا لم يحدث . بل أُشربت قلوبهم الفسق بضلالهم وبُعدهم عن منهج الله الصحيح ، فعادوا يريدون من الأمة أن تسير في ركاب الضالين ... وأن تقتفي أثر باريس وبرلين ، وأن تحمل على أعناقها الفسقة والمجرمين .
واليوم الإرجاء موجود ولكن بشكل آخر ( سلفي ) ملتزم هو بالسمت والشعائر ، ولكنه لا يرى حرجا على من ترك وبدّل أو ردَّ وعاند واستكبر ما دام ينطق بكلمة التوحيد . والموت بالزهرِ مثل الموت بالفحم . فالمحصلة واحدة بين إرجاء الأمس وإرجاء اليوم .
إرشادات لإحباط كيد المجرمين [13]
ــ غالب من يتكلم يتجه للجماهير بخطاب عام ، وهذا وحده لا يكفي .
من يتدبر في نشأة الدول ، والفرق ، يجد أن الجماهير لا تدخل مراحل الصراع الأولى ، وان الجماهير مع مَنْ غلب في الأخير ، فهي طيِّعة تُؤتى من أذنها . ولكن تنشأ الدول والأفكار بطريقة التنشئة والتربية ثم التوجه للجماهير بخطاب عام يتناسب مع مستوى وعيها وقتئذ .
مثلا الدولة العباسية ، بدأت بالدعاة المخلصين ثم مارس هؤلاء الدعوة السرية ثم اتجهوا ـ بمن أطاعهم ــ للجماهير بخطاب حماسي تحريضي وساروا إلى بني أمية في دمشق وأسسوا الدولة ، واشتُهر في التاريخ اصطفاء مجموعة من الأفراد ذوي المهارات المعينة من أجل تنفيذ مهام محددة ، وكان أكثر ذلك في القتال ، وعلى سبيل المثال المماليك البحرية[14] والفتيان العامريون[15] والانكشارية [16]
ومن هذا الكلية التي أنشأها اللورد ( كرومر ) و ( الشيخ ) محمد عبده ( 1849م ـ 1905م ) في مطلع القرن العشرين لتخريج قضاة شرع من ذوي الطابع التحرري . . . كانت بمثابة محضن تربوي لمجموعة منتقاة من الطلبة وتعتمد على برامج علمية منتقاة أيضا لتحقيق أهداف خاصة ... كانت ( نظم تذود الطالب ببرامج ثقافية ذات طابع تحرري ولا تحصر الطالب في الدراسات الخاصة) و( قد كانت تجربة أثبتت نجاحها من كل والوجوه ) كما يقول ( كرومر ) في تقريره لحكومته عام 1905م[17] . وهذه المدارس هي التي خرج منها جيل كامل من الشاذين فكريا وأصحاب الطموحات الدنيوية ـ كما يصفهم الدكتور محمد محمد حسين ـ يرحمه الله ـ والذين كانوا سببا رئيسيا من أسباب تغريب الأمة [18].
وقد فطن عباد الصليب إلى هذا الأمر فعمدوا إلى إنشاء مدارس تربوية خاصة . تعتمد مناهج معينة تحقق أهدافهم ، وتقبل طلابا بصفات معينة من الذكاء أو الوضع الاجتماعي ـ أبناء الأمراء وكبراء القوم ـ ولكي تعرف خطورة هذه المدارس أنقل لك كلمة أحدهم ، يقول وقد أسس مدرسة في اسطنبول عام 1863م : « لقد أنشأ الأتراك حصناً لفتح إسطنبول ، وأنا سأنشئ هنا مدرسة لهدمهم » ، وما يعنيني هنا أن هذا المدارس قامت على نوعي الانتقاء الذي أتكلم عنه انتقاء الأفراد وانتقاء المنهج . وكانت محصلتها ما نحن فيه اليوم[19] .
ولا بد من العمل على ذات المحور ، أعني تربية كوادر علميه تتصدى للمجرمين وتتولى مسئولية توجيه الأمة . أو تفرض واقعا جديدا على الموجودين .
إن الصراع بين الحق والباطل لا يظهر على السطح إلا في المراحل الأخيرة ، ومراحل الإعداد تكون كلها في إطار ضيق خفي لا يدري بها إلا النابهون من المهتمين ، فانتظار أن يحتدم الصراع على السطح . . . أمر من السذاجة بمكان ، ويكفي ما مضى في التاريخ من دروس وعبر .
ــ طرد الإرجاء الفكري ، والتصدي للمحاولات ( الإصلاحية ) التي تنبثق من داخل الصف الإسلامي ( الصحوي ) تحديدا ، فكما رأينا في التجربة المصرية ، لا بد من الصحويين أصحاب الأيدي النظيفة ، ليتكلموا للناس بأن الذي يدعوهم إليه القوم لا يفارق الشرع في كثير ، وهذا يقتضي إشاعة فقه المآلات في الفتوى ، والنظر في الخلفيات والدوافع ، وعلينا أن نذكر هؤلاء بالله وأن ينظروا في مآل ما يتكلمون به .
-------------------------------------------------
[1] طالب علم
[2] الروض الأنف قصة مقتل عروة بن مسعود الثقفي . وحاء في سنن الترمزي 3582في كتاب المناقب من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو في الإسراء والمعراج وصف عروة بن مسعود الثقفي بعيسى عليه السلام . وجاء ذلك أيضا في صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث رقم 251 .
[3] مسند أحمد 5172
[4] والبداية والنهاية لابن كثير : جـ 2 ــ 220
[5] البخاري 2634ومسلم 4436.
[6] البخاري كتاب المغازي حديث رقم 4382
[7] يذكر مثلا أن سيد قطب ومحمد قطب ، وهم من أشهر الأسماء في الصحوة الإسلامية ، كانوا ممن تربوا ضمن منظومة التيار التغريبي ، وكذا بدأ الحجاب ــ بمفهومه الشرعي الصحيح ــ يظهر في الجامعات العلمانية وفي الشارع المصري حتى أصبح ظاهرة . وكذا اللحية وتقصير الثياب بين الشباب .(4/115)
[8] خطورة المعلم كخطورة المناهج إن لم تكن أشد ، فالقدوة لها تأثيرها القوي جدا في حس الناشئة ، ويستطيع أي معلم أن يخرج على المنهج ويبث مفاهيم جيدة أو رديئة أثناء تدريس المنهج الرسمي . لذا ينبغي أن يكون الاهتمام بالمعلم من جنس الاهتمام بالمناهج .
[9] انظر ـ مثلا ــ ( التعليم الأجنبي مخاطر لا تنتهي ) لـ مهيمن عبد الجبار .مجلة البيان العدد / 174صـ18 ، والعدد 175 صـ 8 . وهو من أفضل ما اطلعت عليه في هذا الموضوع .
[10]
[11] قلت كل يدعي الإصلاح ، وفي المنافقين نزل قول الله تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) .
[12] [ العقاد :أعلام العرب ص : 176]
[13] لم أقصد بالمجرمين إخواننا ممن يصب كلامهم في حياض القوم ، فهؤلاء دون ذلك ، وهم أخوة لنا في كل حال . ولكن عنيت الذي يتولى كبره .
[14] وهم من المماليك الترك ويعرفون في كتب التاريخ بالمماليك البحرية نسبه لقلعتهم التي كانت بالروضة في البحر ( نهر النيل ) . جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب المتوفي سنة 647 هـ واستعان بهم في حروبه الداخلية والخارجية ، ثم استولوا بعد ذلك على الحكم وقامت لهم دولة في مصر والشام سنة 650هـ ، وهم من تصدوا بعد ذلك للتتار . وخلفهم في الحكم المماليك البرجية ثم المماليك الشراكسة . واستمرت دولتهم إلى أن قضى عليها السلطان سليم الأول العثماني سنة 922هـ . أنظر البداية والنهاية لابن كثير أحداث عام 922هـ
[15] ينسبوا إلى الحاجب المنصور بن أبي عامر أمير الأندلس الشهير المتوفي عام 393 هـ ، وكانوا من العبيد البيض ( الصقالبة ) ، دربهم وأحسن تدريبهم ، واعتمد عليهم في تثبيت أركان ملكة والقضاء على خصومه . وكانوا أحد الأسباب الهامة في الفتن الداخلية التي نشأة في الأندلس وكانوا سببا في ما عرف تاريخيا بدولة الطوائف الثانية . أنظر ترجمة الحاجب المنصور في أحداث عام 392 وما تلى ذلك من أحداث . البداية والنهاية بن كثير .
[16] كلمة ( انكشارية ) كلمة عربية محرفة لكلمة تركية هي ( يني تشاري ) وتعني الجيش الجديد ، وهم مجموعة من الشبان صغار السن من أسرى الحرب أخذهم السلطان الغازي ( أورخان الأول ) ورباهم تربية إسلامية بحيث لا يعرفون أبا إلا السلطان ولا حرفة إلا الجهاد في سبيل الله ، ولعدم وجود أقارب لهم بين الأهالي لا يخشى من تحزبهم مع الأهالي على الدولة . وكانوا في البداية فرقة صغيره ثم زاد عددهم حتى صار لا يعول إلا عليهم في الحروب ن وكانوا من أهم وأكبر عوامل امتداد سلطة الدولة العثمانية ، واشتهروا بالفتك بخصومهم والغدر أحيانا ، كما أنهم خرجوا فيما بعد عن حدودهم وتعدوا واستبدوا بما جعلهم سببا في تأخر الدولة وتقهقرها . انظر ـ إن شئت ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية ج1/ص123. محمد فريد بك . دار النفائس بيروت . بتصرف يسير .
[17] العلمانية للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي 576 ، 577
[18] أنظر للكاتب ( حاجتنا للانتقاء في التربية ) ، موقع المسلم الركن الشرعي ، وصيد الفوائد في الصفحة الخاصة .
[19] لمزيد من التفاصيل حول التعليم الأجنبي في العالم الإسلامي ، انظر ( التعليم الأجنبي مخاطر لا تنتهي ) لـ مهيمن عبد الجبار .مجلة البيان العدد / 174صـ18 ، والعدد 175 صـ 8 .
=================
الاستثمار في صناديق الأسهم في البنوك
الدكتور محمد بن سعود العصيمي
نص السؤال
هل يجوز الاستثمار في صندوق الأسهم المحلية للبنك الأهلي؟
نص الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :
موضوع صناديق الأسهم مبني على الكلام في الأسهم، وبدون الدخول في التفاصيل المعروفة، في حكم تداول أسهم الشركات المساهمة التي تقترض وتقرض بالربا، وبدون الدخول في مسميات الصناديق المحلية المقدمة من البنوك التجارية في السعودية أقول _وبالله التوفيق_:
• لا يرى جماهير العلماء المعاصرين صحة شراء سهم شركة مساهمة نشاطها محرم، أو تقترض أو تقرض بالربا.
• كل الصناديق الموجودة الآن تقوم على فتوى بجواز التعامل بأسهم الشركات المساهمة التي تقترض وتقرض بالربا حسب تفصيل لا يسع المقام له، وقد فصلته في كلام سابق، وهي بين مقل ومكثر في التوسع في تلك الشركات، وبعضها يزعم أنه إسلامي لمجرد أنه لا يتعامل في أسهم البنوك التجارية.
• النوافذ المسماة "نوافذ إسلامية" أبعد عن الدقة في التدقيق والتحري على تطبيق القرارات الخاصة بالهيئات الشرعية الخاصة بها؛ لأنه لا يوجد عندها إدارات للرقابة الشرعية تتولي التدقيق على تلك العمليات، وكثير منهم لا يخرج نسبة التطهير التي أفتت بها الهيئات الشرعية.
• لا أنصح السائل بالاشتراك في أي صندوق يعمل حسب ما ذكرت، وعليه أن يعمل بنفسه في الشركات النقية من الربا، أو أن يبحث عن بعض المستثمرين الثقات ليستثمر له أمواله فيها.
• أرى أن تسارع البنوك لإنشاء صناديق استثمارية تحتوي فقط على الشركات النقية من التعامل الربوي بأسرع وقت، حتى يكون للعملاء مجال آخر لاستثمار أموالهم.
• يجب أن ندعم الشركات المساهمة النقية من الربا بكل ما أوتينا من طاقة وعلم ووقت ودعاية.
كما يجب على البنوك الإسلامية والنوافذ الإسلامية التعاون في ذلك، ونشر القوائم النافعة للأسهم النقية، ودعم الشركات المساهمة النقية دعم للتجربة البنكية الإسلامية التي آتت أكلها _بفضل الله وبرحمته_.
• ويجب علينا أن نناصح المسؤولين عن الشركات المساهمة في سرعة التحول إلى المنتجات الإسلامية في المرابحة والمشاركة (بدلاً الاقتراض الربوي والاستثمار الربوي). فكل البنوك السعودية تقدم تلك الخدمات الآن، ومع ما فيه من الانصياع لحكم الله _سبحانه وتعالى_، ففيه مسابقة للبنوك الأجنبية القادمة من أوربا وغيرها،والتي ستطرح منتجاتها الإسلامية على النطاق الواسع، وبنوكنا المحلية أولى بذلك.
• وفق الله القائمين على المؤسسات المالية والشركات المساهمة لما يحبه ويرضاه، ويسر أمرهم بما فيه رضا ربهم.
والله _سبحانه وتعالى_ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
=============
وقفات مع زلزال أسيا
الدكتور عصام بن هاشم الجفري(4/116)
الحمد لله القوي الجبار المقتدر،العليم الحليم الرحيم جعل كل شيء بقدر،أحمده سبحانه وأشكره على حلمه علينا مع ماتفشى من الذنوب وظهر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع النهج على وعي وبصر.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله ولا يغرنكم ما فتح الله عليكم من زهرة الدنيا ونعيمها فتنسوا مافرض الله وشرع ؛فقد قال الله محذراً في محكم التتنزيل : {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}(الأنعام :44).معاشر المؤمنين بالله واليوم الآخر تمر بنا في كل يوم العديد من العبر والعظات التي تهز الجبال الراسيات فما أحوجنا للتوقف والتأمل والاعتبار فهذا هو دأب أصحاب القلوب الحية، وهذا هو توجيه الله لنا يوم أن قال :{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ...}(يوسف:111).وقد مر معنا في الأسبوع الماضي عبرة عظيمة تقشعر من هولها الأبدان، أعرفتم ماهي؟ إنها زلزال أسيا المدمر ولي مع هذا الزلزال وقفات :
الوقفة الأولى: مع عظيم قدرة الجبار جل جلاله فحركة أرضية في قاع المحيط انظروا ماذا ترتب عليها؛ القتلى لم يحصروا حتى اليوم على جهة التحديد ولكن آخر الإحصاءات تقول أنهم يزيدون على مائة ألف قتيل،عدا ملايين المشردين،فجأة وبلا سابق إنذار ترتفع المياه لتغطي عمارة يزيد طولها على ثلاث طوابق؛ فتغرق وتدمر وتقتل ولا يستطيع النجاة منها إلا من أنجاه الله؛ تغرف عائلة بأكملها وينجو طفل رضيع يطفو فوق الماء على فراشه البلاستيكي، تسير الأمواج العاتية بإذن ربها لمسافة سبعة الآف كيلومتر بسرعة تفوق سرعة الطائرات لتضرب بلداناً على سواحل أفريقيا.تعود الناس أن تكون الزلازل في دولة واحدة أو في مدينة واحدة أما أن تتضرر تلك المساحات الشاسعة من الكرة الأرضية من زلزال واحد فهذا مالم يكن يتوقعه البشر الضعفاء لكنها قدرة القوي الجبار المنتقم: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(هود :102). نعم فإن الأرض لا تزلزل من عند نفسها، والماء لا يطغى من عند نفسه؛ ومع تقديرنا للتفسيرات العلمية التي تبرز عند مثل هذه الأحداث والتي وصفت السبب أنه تحرك للصفائح، فالسؤال من حركها؟.إنه الله القوي المقتدر:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(التغابن :11) ولكنها غضبة إلهية نسأل الله العافية والسلامة ، وقد يكون بينهم مسلمين فإن كانوا فإنا نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ، لكن العقاب إذا نزل شمل الصالح والطالح أخرج الإمام الترمذي عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :((يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ))وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وقال عليه الصلاة والسلام:((مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))(مسند أحمد ، حديث (3618) ).
نداء..نداء أوجهه إلى من أسرفوا على أنفسهم في الذنوب والمعاصي وإلى من جاهروا بذنوبهم وفسقهم،وإلى من يدعون المجتمع للغرق في مستنقع الآثام ولجميع المسلمين نقول لهم نرجوكم..ثم نرجوكم..ثم نرجوكم عودوا إلى رشدكم ولا تكونوا سبباً لهلاك مجتمعكم ونزول العقوبة به؛ولا يغرنكم أنه لم يصبكم شيئاً من تلك المصيبة فالقوم الذين أصيبوا كانوا يسمعون بالأحداث تهز العالم فاستمروا في غيهم ظانين أن الله غافلاً عنهم حاشاه سبحانه وهو القائل:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (إبراهيم :42).غرتهم سنة الإملاء فلا تغرنكم فقد حذركم الله من ذلك بقوله:{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}(الحج :48).فهاهم بينما هم في غفلتهم وسكرتهم فجأهم عذاب لا قبل لهم به؛فكم منهم مات وهو على الزنا وكم منهم مات وزجاجة الخمر في يده وكم منهم مات وهو منسجم يتراقص على أنغام الموسيقى والغناء؛وصدق الله يوم أن قال:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ(97)أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(98)أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}(الأعراف:97-99).
الوقفة الثانية مع سبيل الوقاية من مثل تلك الكوارث المؤلمة : أتدرون أحبتي ما هو صمام الأمان لمجتمعنا من أن تحل به العقوبة الإلهية-عياذاً بالله-؟.إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي قال عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ))(الترمذي،الفتن،ح(2095))[قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ].وهو أمانة في عنقك أخي المسلم وعنق كل مسلم ومسلمة كل على قدر طاقته وليس كما يتصور البعض أنه قصراً على هيئة أو إدارة معينة!وضع تلك الأمانة بعنقك رسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن قال:((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ))(مسلم،الإيمان،ح(70)).
الوقفة الثالثة مع مبشرات الحادثة: فإنه مع ما في الحدث من قتل وتدمير لكنه يحمل في طياته بشرى واطمئنان لعباد الله المؤمنين؛ فهذا الزلزال يوم أن وقع لم تستطع أقوى قوة على وجه الأرض،بل لم تستطع البشرية جمعاء بما أوتيت من قوة أن تتنبأ به فضلاً عن أن تدفعه، وها هي أيضاً عاجزة عن محو آثاره سريعاً؛ كل ذلك يبين للعبد المؤمن أن البشرية جمعاء مهما بلغت من قوة وعلم وتقدم لا تساوي إلى جوار القدرة الإلهية شيئاً بل تقف عاجزة مكتوفة الأيدي،وتلك القوة الإلهية جعلها الله في نصرة عباده المؤمنين أخبر الله عن ذلك في أكثر من موطن في كتابه منها قوله جل شأنه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(المجادلة :21).لكن متى نستفيد من نصر الله؟. نستفيد منه إذا عدنا إلى سبيل ربنا والتزمنا شريعته. {..وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(الروم :47). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}(القصص :58).
الخطبة الثانية(4/117)
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد نبينا وحبيبنا محمداً الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه . أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه ليس لأحد عند الله عهد ألا يعذبه فالسنن الإلهية ماضية إلى يوم القيامة فإن كان جيش فيهم خير البرية صلى الله عليه وسلم مضت فيهم تلك السنة وهو ماحدث للمسلمين يوم أحد وأخبر الله عنها بقوله:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(آل عمران :165). كان ذنباً من قلة في الجيش ونتيجة اجتهاد وليس عن عمد،فكيف بالله بذنوب كالجبال، كيف بالله بترك للصلوات والجماعات،كيف بالله بالغناء وفحش القنوات،كيف بالله بالزنا، كيف بالله باللواط، كيف بالله بأكل الربا، كيف بالله بظلم الضعفاء والعمال وأكل أموالهم،كيف بالله...وكيف بالله..؟. فأما آن لنا أن نعود إلى رشدنا قبل أن يحل بنا عياذاً بالله مالا تحمد عقباه فنكون كمن قال الله فيهم:{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12)لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}(الأنبياء :13).أيها الأحبة في الله أعطى الله هذه الأمة طرفي أمان فقال سبحانه:{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(الأنفال :33).وقد فقدنا أحدهما بموت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وما بقي لنا إلا الاستغفار فضجوا إلى ربكم بالاستغفار ليل نهار وعلى كل حال:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}(الزمر :54).
============
الاستثمار في الأسهم
د. علي محيي الدين القره داغي
كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية - جامعة قطر
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا شك أن الشركات المساهمة تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد المعاصر، وأن أهم ركائزها وأدواتها هي الأسهم، حيث يتم من خلالها جمع أكبر قدر ممكن من الأموال؛ لأن تجزئة رأس المال إلى حصص صغيرة تمكن الجميع من المساهمة فيها مما يمكن تجميع رأس مال كبير وبذلك تستطيع الدخول في المشروعات الضخمة .
ولم يقف التعامل في الأسهم اليوم على المساهمين المؤسسين للشركة، بل أصبحت كورقة تجارية مالية تتداول بين الناس بشكل واسع ولا سيما في الأسواق المالية العالمية (البورصة).
ومن هنا يثور التساؤل حول مدى مشروعية التعامل في الأسهم بصورة عامة، والاستثمار فيها ولا سيما الاستثمار في الأسهم التي تمتلكها الشركات العالمية، أو الشركات المحلية داخل العالم الإسلامي ولكن معاملاتها لا تخلو من شوائب الربا.
ومن أخطر ما تعاني منه مجتمعاتنا هو وجود النظام غير الإسلامي ( الرأسمالي ، أو الاشتراكي) الذي تكونت في ظله الشركات في عالمنا الإسلامي حيث لا يلتزم معظمهم بالمنهج الإسلامي القويم، فتقرض وتقترض من البنوك الربوية .
ومعظم المسلمين اليوم في حيرة، هل يتركون هذه الشركات فيقاطعونها ولا يساهمون فيها، وبالتالي ينفرد الفسقة وضعفاء الدين بإدارة هذه الشركات التي تعد العمود الفقري للحياة الاقتصادية؛ وذلك لأنها قائمة وأن مقاطعة الغيورين المخلصين لا تؤثر في مسيرتها أم أنهم يدخلون فيها لغرض الإصلاح والتغيير؟
وفي مقابل هذا التحير من عامة المسلمين نجد اختلاف المعاصرين حيث إن منهم من ينظر إلى مقاصد الشريعة وما يترتب على المقاطعة وعدم المساهمة فيها من مفاسد فأجاز المساهمة فيها بشروط وضوابط، ومنهم من نظر نظرة خاصة إلى ما يشوب هذه المعاملة من حرام فرفضها رفضاً مطلقاً.
ونحن في هذه العجالة نناقش هذه المسألة بكل أمانة وإخلاص راجياً من الله _تعالى_ أن يسدد خطانا، ويلهمنا الصواب، وأن يعصمنا من الخطأ في العقيدة وفي القول والعمل.
أولاً: الاستثمار في اللغة والاصطلاح:
الاستثمار في اللغة:
الاستثمار لغة: مصدر استثمر يستثمر وهو للطلب بمعنى طلب الاستثمار، وأصله من الثمر وهو له عدة معان منها ما يحمله الشجر وما ينتجه، ومنها الولد، حيث يقال: الولد ثمرة القلب، ومنها أنواع المال.
ويقال: ثمر (بفتح الميم) الشجر ثموراً أي: ظهر ثمره، وثمر الشيء أي نضج وكمل، ويقال: ثمر ماله أي كثر، وأثمر الشجر أي بلغ أوان الإثمار، وأثمر الشيء أي آتى نتيجته، وأثمر مالُه -بضم اللام- أي كثر، وأثمر القوم: أطعمهم الثمر، ويقال: استثمر المال وثمره - بتشديد الميم - أي استخدمه في الإنتاج، وأما الثمرة هي واحدة الثمر فإذا أضيفت إلى الشجر فيقصد بها حمل الشجر، وإلى الشيء فيراد بها فائدته، وإلى القلب فيراد بها مودته، وجمع الثمرة: ثمر -بفتح الثاء والميم- وثمر- بضمها- ثمار وأثمار (1)
وقد وردت كلمة "أثمر"، وثمرة، وثمر، وثمرات أربعاً وعشرين مرة في القرآن الكريم منها قوله _تعالى_: "انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [الأنعام: 99] أي انظروا إلى ثمار تلك الأشجار والنباتات، ونضجها للوصول إلى الإيمان بالله _تعالى_ حيث يحمل ذلك عجائب قدرته _تعالى_، ومنه قوله _تعالى_: "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" [الأنعام: 141]، حيث امتن الله _تعالى_ علينا بالثمار، وأمرنا أن نأكل من ثمار هذه الأشجار والنباتات عندما تثمر وتنتج، وأن نعطي حقها (وهو الزكاة) عند حصادها فوراً للمستحقين، كما أمرنا بأن لا نسرف في الباقي، وهذا يدل على أن حق الملكية ليس حقًّا مطلقاً، بل مقيد بضوابط الشرع.
وفي هذه الآية وآيات أخرى أسند الله _تعالى_ الإثمار إلى الشجر والنبات أنفسهما مما يدل على أهمية العناية بالسنن والأسباب الظاهرة التي لها تأثير على النمو والثمر والنضج مع أن الفاعل الحقيقي هو الله _تعالى_، ولذلك أكد هذه الحقيقة في آيات أخرى فقال: "وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ" [البقرة: 22] وقوله _تعالى_: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ" [البقرة: 126].
ويلاحظ أن القرآن الكريم أطلق (في الغالب) الثمر أو الثمرة، أو الثمرات على ما تنتجه الأشجار والنباتات مثل قوله _تعالى_: "وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ" [البقرة: 155]، ولم يطلق على ما تنتجه التجارة من أرباح إلا إذا عممنا المراد بقوله _تعالى_: "أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" [القصص: 57].(4/118)
وقد وردت هذه الكلمة أيضاً في السنة كثيراً وهي لا تعدو معانيها عن ثمار الأشجار والنباتات، منها أنه _صلى الله عليه وسلم_: "نهى عن بيع الثمر حتى يزهو" متفق عليه، وقوله _صلى الله عليه وسلم_:" اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض" (مسند أحمد 3/342) وغير ذلك.
الاستثمار في الاصطلاح:
ورد لفظ "التثمير" في عرف الفقهاء عندما تحدثوا عن السفيه والرشيد، فقالوا: الرشيد هو القادر على تثمير ماله وإصلاحه، والسفيه هو غير ذلك، قال الإمام مالك : "الرشد: تثمير المالي، وإصلاحه فقط" (2)
وأرادوا بالتثمير ما نعني بالاستثمار اليوم (3)
وأما لفظ "الاستثمار" فلم يرد بمعناه الاقتصادي اليوم، ولذلك في معجم الوسيط: الاستثمار: استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية، وإما بطريقة غير مباشرة كشراء الأسهم والسندات ثم وضع رمز "مج" الذي يدل على أن هذا المعنى هو من وضع مجمع اللغة (4)
حكم الاستثمار:
الذي يظهر من النصوص الشرعية ومقاصدها العامة أن الاستثمار واجب في مجموعه، أي أنه لا يجوز للأمة أن تترك الاستثمار.
* ذلك لأن النصوص الثابتة في أهمية المال في حياة الفرد والأمة، وتقديم المال على النفس في معظم الآيات وامتنان الله _تعالى_ بالمال، والمساواة بين المجاهدين، والساعين في سبيل الرزق كما في آخر سورة المزمل، وتسمية العامل والتاجر بالمجاهد في سبيل الله في أحاديث كثيرة... كل ذلك يدل بوضوح على وجوب العناية بالمال وتثميره وتقويته حتى تكون الأمة قادرة على الجهاد والبناء والمعرفة والتقدم والتطور والسعادة والنهضة والحضارة، حيث إن ذلك لا يتحقق إلا بالمال كما يقول الله _تعالى_:"وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا" [النساء: 5].
فقد سمى الله _تعالى_ المال بأنه قيام للمجتمع الإسلامي، وهذا يعني أن المجتمع لا يقوم إلا به ولا يتحرك إلا به ولا ينهض إلا به، كما أن قوله _تعالى_ :"وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا" [النساء:5] ولم يقل: "منها" يدل بوضوح على وجوب الاستثمار حتى تكون نفقة هؤلاء المحجور عليهم (من الأطفال والمجانين) في الأرباح المتحققة من الاستثمار وليست من رأس المال نفسه.
يقول الإمام الرازي: "اعلم أنه _تعالى_ أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال"، قال _تعالى_: "وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" [ الإسراء: 26 - 27]. وقال _تعالى_: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" [الإسراء: 29] وقال _تعالى_: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا" [الفرقان: 67] وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، والعقل يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال"، ثم قال: "وإنما قال: "فيها" ولم يقل "منها" لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقاً لهم، بل أمرهم أن يجعلوا أمواله مكاناً لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوها أرزاقهم من الأرباح ، لا من أصول الأموال ...." (5)
* ومن الأدلة المعتبرة أن وجوب الزكاة في الأموال يدفع أصحابها إلى التجارة؛ لأنه إن لم يتاجروا فيها تأكلها الصدقة والنفقة، وهذا ما يؤيده الفكر الاقتصادي الحديث، حيث يفرض أنواعاً من الضرائب لدفع أصحاب الأموال إلى عدم اكتنازها، بل قد وردت أحاديث تصل بمجموعها إلى درجة الصحيح أو الحسن الذي ينهض به حجة على وجوب التجارة في أموال الصغار (اليتامى وغيرهم) والمحجور عليهم : السفهاء ، والمجانين ، وناقصي الأهلية، فقد روى الشافعي بإسناده عن يوسف بن ماهك أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال:"ابتغوا في مال اليتيم -أو في أموال اليتامى - لا تذهبها- أو لا تستهلكها- الصدقة " وقد قال البيهقي والنووي : "إسناده صحيح، ولكنه مرسل معضد بعموم النصوص الأخرى وبما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم" (6)
قال البيهقي : "وهذا -أي حديث ابن ماهك- مرسل إلا أنا الشافعي_رحمه الله_ أكده بالاستدلال بالخبر الأول، وهو عموم الحديث الصحيح في إيجاب الزكاة مطلقاً- وبما روى عن الصحابة في ذلك" (7)
وقال النووي : "ورواه البيهقي عن عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ موقوفاً عليه بلفظ: "وابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" وقال: إسناده صحيح، ورواه أيضاً عن علي بن مطرف..." (8)
- وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة " قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) نقلاً عن شيخه الحافظ العراقي : "إن إسناده صحيح" (9)
يقول فضيلة الشيخ القرضاوي: "إن الأحاديث والآثار قد نبهت الأوصياء على وجوب تثمير أموال اليتامى حتى لا تلتهمها الزكاة...." فواجب على القائمين بأمر اليتامى أن ينموا أموالهم كما يجب عليهم أن يخرجوا الزكاة عنها، نعم إن في هذين الحديثين (أي حديث عمرو بن شعيب المرفوع وحديث يوسف بن ماهك) ضعفاً من جهة السند، أو الاتصال ولكن يقويهما عدة أمور، وذكر منها: " أنه يوافق منهج الإسلام العام في اقتصاده القائم على إيجاب التثمير وتحريم الكنز" (10)
* وكذلك يدل على وجوب تثمير الأموال في قوله _تعالى_: "كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" [الحشر: 7] حيث إن الأموال لا تتداول إلا عن طريق توزيع الصدقات، والاستثمار الذي يؤدي إلى أن يستفيد منها الجميع من العمال والصناع والتجار ونحوهم، وكذلك قوله _تعالى_:"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ" [الأنفال: 60] ومن القوة بلا شك قوة المال بل هي مقدمة في معظم الآيات على النفس، فإذا كانت قوة البدن والسلاح مطلوبة فإن قوة المال أشد طلباً ووجوباً.
ثم إن من مقاصد هذه الشريعة الحفاظ على الأموال، وذلك لا يتحقق إلا عن طريق استثمارها وتنميتها، كما أن من مقاصدها تعمير الكون على ضوء منهج الله _تعالى_"هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" [هود: 61] فقال المفسرون: "معناه: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار" (11) وكذلك ومن مقاصدها الاستخلاف الذي يقتضي القيام بشؤون الأرض وتدبيرها والإفادة منها وتعميرها وكل ذلك لا يتحقق على وجهها الأكمل إلا عن طريق الاستثمار .
والخلاصة:
أن الاستثمار للأموال بوجهها العام واجب كفائي فيجب على الأمة أن تقوم بعمليات الاستثمار حتى تكون وفرة الأموال وتشتغل الأيادي ويتحقق حد الكفاية للجميع إن لم يتحقق الغنى، ومن القواعد الفقهية في هذا المجال هو أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
ويثور التساؤل حول وجوب الاستثمار على الفرد إذا كان له فائض مالي، فالذي يقتضيه المنهج الإسلامي في أن المال مال الله _تعالى_ وأن ملكية الإنسان له ليست مطلقة عن قيد... إنه يجب عليه أن يستثمر أمواله بالطرق المشروعة سواء كان بنفسه، أو عن طريق المضاربة والمشاركة ونحوهما، وأنه لا ينبغي له أن يترك أمواله الصالحة للاستثمار فيعطلها عن أداء دورها في التدوير وزيادة دورانها الاقتصادي الذي يعود بالنفع العام على المجتمع.(4/119)
كما أن قوة المجتمع والأمة بقوة أفرادهما ولا سيما على ضوء منهج الاقتصاد الإسلامي الذي يعترف بالملكية الفردية، وأن ملكية الدولة محدودة، ومن هنا فتقع على الأفراد مسؤولية كبرى في زيادة الأموال وتقويتها عن طريق الاستثمار، يقول الشيخ محمود شلتوت: "إذا كان من قضايا العقل والدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكانت عزة الجماعة الإسلامية أول ما يوجبه الإسلام على أهله، وكانت متوقفة على العمد الثلاثة: الزراعة والصناعة والتجارة، كانت هذه العمد واجبة وكان تنسيقها على الوجه الذي يحقق خير الأمة واجباً..." (12)
المعالم الأساسية لمنهج الإسلام في الاستثمار
لا يمكن الخوض في تفاصيل هذا الموضوع في هذا البحث، وإنما نكتفي بذكر أهم معالمه بصورة موجزة، وهي:
أولاً: أن منهج الاستثمار في الإسلام لا ينفصل عنه العقيدة والفكر الإسلامي ، وكما أن الفكر الرأسمالي يسير عجلة الاستثمار في النظام الرأسمالي ، والفكر الشيوعي كان يسير عملية الاستثمار في الاتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية نحو إطاره الفلسفي وأهدافه من خلال وسائله الخاصة....
فكذلك العقيدة الإسلامية هي المهيمنة في الفكر الاقتصادي الإسلامي، وفي منهج الاستثمار وأدواته ووسائله وآلياته، فالمسلم يعتقد أن المال مال الله _تعالى_، وأنه مستخلف فيه، ولذا يجب عليه أن يسير في الاستثمار وغيره على ضوء منهج الله _تعالى_، ولا يخالف شرعه كما عليه أن يعمر الكون بالعدل والحق، ويكون شاهداً على الآخرين.
ولأجل هذه العقيدة تختلف تصرفات المؤمن عن الكافر فبينما يضع المسلم في الاكتساب والإنفاق والاستثمار رضاء الله _تعالى_ نصب عينيه يضع الكافر مصالحه الشخصية أولاً ثم مصالح قومه فوق كل الاعتبارات، بل قد لا يكون له اعتبار إلا لهما، يبين ذلك قوله _تعالى_ في وصف المؤمنين: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)" [الإنسان: 8 – 9]. بينما يصف الكافر بأنه ليس راغباً في إطعام اليتامى والمساكين؛ لأنه ليس فيه مصلحة دنيوية له، حتى لو أطعم فإنما يطعم من يرجو منه مصلحة كأصحاب الجاه، حيث يقول _تعالى_: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)" [ الماعون: 1-3] ولأجل هذه العقيدة يرى المؤمن أن الربا محق للأموال ونقص حقيقي، وأن دفع الصدقات زيادة لها، وهذا بالتأكيد عكس تصور الكافر، حيث يقول الله _تعالى_: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ" [البقرة: 276].
ولأجل هذه العقيدة أيضاً يمتنع عن المحرمات ويقبل على الطاعات، ويعد أنه مثاب مأجور ينفذ أمر الله _تعالى_ حينما يستثمر ويتاجر ويعمل، إضافة إلى إسناده النتيجة إلى الله _تعالى_ وحينئذ لا يحزن ولا يغتم عند الخسارة، ولا يبطر ويطغى عن الربح والغناء "لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ" [الحديد: 23] فهو دائماً في أحد المقامين أو في كليهما: مقام الشكر والثناء، ومقام الصبر والرضا.
كما يترتب على هذه العقيدة سرعة الامتثال لأوامر الله _تعالى_ ونواهيه، ولذلك يقدم الله _تعالى_ على أوامره ونواهيه ذكر الإيمان فيقول _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" [النساء: 29] وقوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [البقرة: 278].
ومن جانب آخر أن المسلم حينما يتحرك ويستثمر فإنما ينطلق من منطلق العقيدة التي تفرض عليه أن يعمر الكون على ضوء منهج الله _تعالى_ وينشر الخير والرحمة للعالمين أجمعين.
ثانياً: أن من أهم المعالم الأساسية للمنهج الإسلامي في الاستثمار قيامه على القيم والأخلاق والمبادئ ، ولذلك حرم الإسلام الحيل والغش والاستغلال والتدليس، ولذلك وردت أحاديث صحيحة على أن "من غشنا فليس منا " (13) وعلى حرمة التدليس، سواء كان بالقول كما في النجش (14) أم بالفعل كما في التصرية (15) ونحوها.
وبالمقابل أوجب الإسلام أن يسير الاستثمار على العدل، والسماحة عند البيع الشراء والاقتضاء، وبيان كل ما في المعقود عليه من عيوب دون كذب ولا حلف ولا زور (16)
ثالثاً: إن من المعالم الأساسية للمنهج الإسلامي في الاستثمار قيامه على التنافس الشريف وإتاحة الفرصة للجميع دون تدخل من الدولة إلا لحماية الضوابط الشرعية والضعفاء، ولذلك كانت حماية السوق منوطة بسلطة شعبية تتمثل في نظام الحسبة والرقابة الذاتية والشعبية.
ومن هنا أعطى الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الحق في الخيار لمن كان في عقله ضعف كما في حديث ابن عمر رجلاً ذكر للنبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه يخدع في البيوع، فقال: " إذا بايعت فقل: لا خلابة " ، ورواه أحمد وأصحاب السنن بلفظ: أن رجلاً على عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كان يبتاع وكان في عقدته –يعني في عقله- ضعف فأتى أهله النبي _صلى الله عليه وسلم_ فقالوا: يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه ونهاه، فقال: إني لا أصبر عن البيع، فقال: إن كنت غير تارك للبيع فقل: هاء وهاء، ولا خلابة " . (17) .
فهذا الحديث أصل طيب في الدلالة على إعطاء فرصة أكبر لضعاف العقول والمستأمنين الذين ليس لديهم الخبرة في العقود بأن يشترطوا لأنفسهم الخيار، بل يعطى لهم هذا الحق ما داموا وقعوا في غبن حتى ولو لم يشترطوا الخيار. (18)
رابعاً: تحريم الظلم والربا، وأكل أموال الناس بالباطل، والمقامرة وغير ذلك مما حرمه الإسلام ونهى عنه.
الأسهم:
الأسهم هي جمع سهم، وهو لغة له عدة معان منها: النصيب، وجمعه: "السهمان" بضم السين، ومنها العود الذي يكون في طرفه نصل يرمى به عن القوس، وجمعه: السهام، ومنها: بمعنى القدح الذي يقارع به، أو يلعب به في الميسر، ويقال: أسهم بينهم أي أقرع، وساهمه أي باراه ولاعبه فغلبه، وساهمه أي قاسمه وأخذ سهماً، أي نصيباً، جاء في (المعجم الوسيط): "ومنه شركة المساهمة"(19) وفي القرآن الكريم "فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ" [الصافات: 141] أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين (20) والاقتصاديون يطلقون السهم مرة على الصك ، ومرة على النصيب ، والمؤدى واحد، فباعتبار الأول قالوا: السهم هو: صك يمثل جزءاً من رأس مال الشركة ، يزيد وينقص تبع رواجها.
وبالاعتبار الثاني: قالوا: السهم هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال ، أو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة المثبت في صك له قيمة اسمية، حيث تثمل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة ، وتكون متساوية القيمة. (21)(4/120)
وتتميز الأسهم بكونها متساوية القيمة، وأن السهم الواحد لا يتجزأ وأن كان نوع منها –عاديًّا أو ممتازاً- يقوم - من حيث المبدأ- على المساواة في الحقوق والالتزامات وأنه قابل للتداول، ولكن بعض القوانين –مثل النظام السعودي - استثنى الأسهم المملوكة للمؤسسين حيث لا يجوز تداولها قبل نشر الميزانية إلا بعد سنتين ماليتين كاملتين –كقاعدة عامة- وكذلك لا يجوز تداول أسهم الضمان التي يقدمها عضو مجلس الإدارة لضمان إدارته طوال مدة العضوية وحتى تنقضي المدة المحددة لسماع دعوى المسؤولية (22)
حكم تقسيم رأس مال الشركة:
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء، واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية ، والقواعد العامة للشركة في الفقه الإسلامي، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة ، بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمة هذه الشريعة، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" [المائدة: 1] وتحت قول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " المسلمون عند شروطهم" (23) وفي رواية:" والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً " (24) قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". (25)
فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإباحة ، والحظر يثبت بدليل خاص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة..." (26) ويقول أيضاً: "إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه... فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث... والمقصود هنا: أن مقتضى الأصول والنصوص: أن الشرط يلزم إلا إذا خالف كتاب الله...".
ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها، وإنما الأساس معناها ومحتواها، ووسائلها وغاياتها، وما تحققه من مصالح ومنافع أو مضار ومفاسد.
خصائص السهم وحقوقه:
للأسهم عدة خصائص من أهمها: تساوي قيمتها حسبما يحددها القانون ، وتساوي حقوقها، وكون مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، وقابليتها للتداول، وعدم قابلية السهم للتجزئة وأما حقوق السهم فهي حق بقاء صاحبه في الشركة ، وحق التصويت في الجمعية العمومية، وحق الرقابة، وحق رفع دعوى المسؤولية على الإداريين، والحق في نصيب الأرباح والاحتياطات والتنازل عن السهم والتصرف فيه، والأولوية في الاكتتاب، وحق اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها. (27)
حكم الأسهم باعتبار نشاطها ومحلها:
ذكرنا أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص متساوية تسمى بالأسهم جائز ليس فيه أية مخافة لمبادئ الإسلامي وقواعده.
وهنا نذكر بصورة عامة حكم تداول هذه الأسهم والتصرف فيها بالبيع والشراء وغيرهما بصورة عامة، ثم نذكر عند بيان كل نوع من الأسهم حكمه الخاص _بإذن الله تعالى_.
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن بعض الباحثين (28) أطلقوا اختلاف العلماء المعاصرين حول الأسهم مطلقاً دون تفصيل من غير أن يجد منهم تصريحاً بذلك بل اعتماداً على ما فهم من آرائهم في الشركات بصورة عامة (29)
وهذا الإطلاق لا ينبغي الركون إليه، إذ إن لازم المذهب ليس بمذهب –كما هو مقرر في الأصول- كما أن جل نقاش هؤلاء العلماء في الشركات التي أنشئت في بلاد الإسلام وليس في الشركات التي حدد نشاطها في المحرمات كالخنزير والخمور ونحوها... (30)
- ولذلك نقسم الأسهم إلى نوعين: نوع محرم تحريماً بيناً، ونوع فيه النقاش والتفصيل والخلاف.
فالنوع الأول: هو الأسهم التي محلها الخنزير، والخمور والمخدرات، والقمار ونحوها من المحرمات، وكذلك الشركات التي يكون نشاطها محصوراً في الربا كالبنوك الربوية.
فهذه الأسهم جميعها لا يجوز إنشاؤها، ولا المساهمة في إنشائها، ولا التصرف فيه بالبيع والشراء ونحوها، يقول ابن القيم : -بعد أن ذكر الأحاديث الخاصة بحرمة بيع بعض الأشياء-: "فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول –كالخمر- ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثاً –مثل الميتة، والخنزير- وأعيان –كالأصنام تفسد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشرك، فصان بتحريم النوع الأول، العقول عما يزيلها، ويفسدها، وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها...، وبالثالث الأديان عما وضع لإفسادها" (31)
هذا هو المبدأ الذي لا يجوز تجاوزه، ولا ينبغي التوقف فيه، وما سوى هذا النوع من الأسهم الحرام قسمان:
القسم الأول: أسهم لشركات قائمة على شرع الله _تعالى_ حيث رأس مالها حلال ، وتتعامل في الحلال ، وينص نظامها وعقدها التأسيسي على أنها تتعامل في حدود الحلال، ولا تتعامل بالربا إقراضاً، واقتراضاً، ولا تتضمن امتيازاً خاصًّا أو ضماناً ماليًّا لبعض دون آخر.
فهذا النوع من أسهم الشركات –مهما كانت تجارية أو صناعية أو زراعية- من المفروض أن يفرغ الفقهاء من القول بحلها وحل جميع التصرفات الشرعية فيها؛ وذلك لأن الأصل في التصرفات والعقود المالية الإباحة ، ولا تتضمن هذه الأسهم أي محرم، وكل ما فيها أنها نظمت أموال الشركة حسبما تقتضيه قواعد الاقتصاد الحديث دون التصادم بأي مبدأ إسلامي.
ومع ذلك فقد أثير حول هذا النوع أمران:
الأمر الأول: ما أثاره أحد الكتاب من أن هذه الأسهم جزء من النظام الرأسمالي الذي لا يتفق جملة وتفصيلاً مع الإسلام، بل إن الشركات الحديثة ولا سيما شركات الأموال حرام لا تجوز شرعاً؛ لأنها تمثل وجهة نظر رأسمالية فلا يصح الأخذ بها، ولا إخضاعها لقواعد الشركات في الفقه الإسلامي (32)
وهذا الحكم العام لا يؤبه به، ولا يجنح إليه، فالإسلام لا يرفض شيئاً؛ لأنه جاء من النظام الفلاني، أو وجد فيه، وإنما الحكم في الإسلام موضوعي قائم على مدى موافقاته لقواعد الشرع، أو مخالفته، "فالحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها أنى وجدها" وبما أن الأسهم القائمة على الحلال لا تتضمن مانعاً شرعيًّا فلا يجوز القول بتحريمها، -كما سبق-.
واستدل كذلك بأن الأسهم بمثابة سندات بقيمة موجودات الشركة ، وهي تمثل ثمن الشركة وقت تقديرها، وليست أجزاء لا تتجزأ من الشركة، ولا تمثل رأس مالها عند إنشائها. (33)
غير أن هذا الحكم والتصور للأسهم مجاف للحقيقة، والواقع الذي عليه الشركات المعاصرة، أن الأسهم ليست سندات، وإنما هي حصص الشركة، وأن كل سهم بمثابة جزء لا يتجزأ من كيان الشركة، وأن مجموع الأسهم هي رأس مال الشركة (34)
كما قاس الأسهم على أوراق النقد حيث يهبط سعرها، ويرتفع، وتتفاوت قيمتها وتتغير، ومن هنا ينسلخ السهم بعد بدء الشركة عن كونه رأس مال، وصار ورقة مالية لها قيمة معينة.
والواقع أن هذا التكييف الفقهي للأسهم غير دقيق، وقياسها على الأوراق النقدية قياس مع الفارق؛ لأن الأسهم في حقيقتها هي حصص الشركة ، وأجزاء تقابل أصولها، وموجوداتها، وهي وإن كانت صكوكاً مكتوبة لكنها يعني بها ما يقابلها.(4/121)
ومسألة الهبوط والارتفاع يختلف سببها في الأسهم عن سببها في النقود، فتغير قيمة الأسهم يعود إلى نشاط الشركة نفسها، حيث ترتفع عندما تزداد أرباحها ، أو تزداد معها موجودات، وثقة الناس بها، وتنخفض عند الخسارة، ومثل ذلك كمثل شخص أو شركاء لهم سلع معينة فباعوها بأرباح جيدة فزادت نسبة مال كل واحد منهم بقدر الربح، وكذلك تنقص نسبة مال كل واحد منهم لو فقد منها بعضها، أو هلك، أو بيعت السلعة بخسارة، فهذا هو الأنموذج المصغر للأسهم في الشركات .
أما الورقة النقدية فيعود انخفاضها إلى التضخم ، وإلى الأنظمة الدولية بهذا الخصوص وسياسة الدولة في إصدار المزيد من الأوراق النقدية التي قد لا يوجد لها مقابل حقيقي، وغير ذلك من العوامل الاقتصادية ، بينما السهم يمثل ذلك المبلغ الذي تحول إلى جزء من الشركة ممثل في أصولها وموجوداتها.
الأمر الثاني: الذي أثير حول هذا النوع من الأسهم هو ما أثير حول شرائها، أو بيعها من ملحوظات ثلاث نذكرها مع الإجابة عنها. (35)
الملحوظة الأولى: الجهالة، حيث لا يعلم المشتري علماً تفصيليًّا بحقيقة محتوى السهم.
للجواب عن ذلك نقول: إن الجهالة إنما تكون مانعة من صحة العقد إذا كانت مؤدية إلى النزاع، أو كما يعبر عنها الفقهاء بالجهالة الفاحشة (36) يقول الإمام القرافي: "الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعاً كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعاً كأساس الدار...، ومتوسط اختلف فيه" (37) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيع المغيبات كالجزر، واللفت والقلقاس: "والأول –أي القول بصحة بيعها وهو مذهب مالك وقول أحمد - أصح...، فإن أهل الخبرة إذا رأوا ما ظهر منها من الورق وغيره وهم ذلك على سائرها، وأيضاً فإن الناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك، كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق... وأباح بيع العرايا بخرصها فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر ، وهذه قاعدة الشريعة، وهو تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما" (38) ويقول الأستاذ الصديق الضرير: "الغرر الذي يؤثر في صحة العقد هو ما كان في المعقود عليه أصالة، أما الغرر في التابع... فإنه لا يؤثر في العقد" (39)
فالواقع أن المشتري يعلم علماً إجماليًّا كافياً بقيمة السهم، وما يقابله من الموجودات من خلال نشر الميزانية ونشاط الشركة ونحو ذلك، وهذا العلم يكفي لصحة البيع بالإضافة إلى أن العلم في كل شيء بحسبه.
ثم إن بيع الحصص المشاعة جائز بالاتفاق ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية . "يجوز بيع المشاع باتفاق المسلمين، كما مضت بذلك سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_" (40) يراجع: المغني (5/45)؛ والمجموع (9/292)؛ ويراجع: د. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (348) والمصادر السابقة الأخرى .
الملحوظة الثانية: أن بيع السهم يعني بيع جزء من الأصول، وجزء من النقود، وهذا يقتضي ملاحظة قواعد الصرف من التماثل والتقابض في المجلس بين الجنس الواحد، والتقابض فيه عند اختلاف الجنس؛ وذلك لأن السهم في الغالب يكون مساوياً لموجودات الشركة بما فيها النقود.
للجواب عن ذلك أن وجود النقود في الأسهم يأتي تبعاً غير مقصود؛ لأن الأصل والأساس فيها هي الموجودات العينية، ولذلك تقول: إن بيع السهم قبل بدء عمل الشركة وقبل شراء المباني ونحوها، لا يجوز إلا مع مراعاة قواعد الصرف.
فالسهم يراد به هذا الجزء الشائع من الشركة دون النظر إلى تفصيلاته فما دام للسهم مقابل من موجودات الشركة لا يعامل معاملة النقد بسبب أن جزءاً من الموجودات نقد، والقاعدة الفقهية تقضي أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وأنه يغتفر في الشيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً، قال السيوطي: "ومن فروعها... أنه لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع، فإن باعه مع الأرض جاز تبعاً..." (41)
بل إن مسألتنا هذه لها أصل مقرر في السنة المشرفة، حيث إن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أجاز شراء عبد وله مال –حتى وإن كان نقداً- فيكون ماله تبعاً للمشتري إذا اشترط ذلك دون النظر إلى قواعد الصرف فقد روى البخاري ومسلم ، وغيرهما بسندهم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع " (42) قال الحافظ ابن حجر : "ويؤخذ من مفهومه أن من باع عبداً ومعه مال وشرطه المبتاع أن البيع يصح" ثم ذكر اختلاف العلماء، فيما لو كان المال ربويًّا، حيث ذهب مالك إلى صحة ذلك ولو كان المال الذي معه ربويًّا لإطلاق الحديث؛ ولأن العقد إنما وقع على العبد خاصة والمال الذي معه لا مدخل له في العقد (43) قال مالك : "الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له، نقداً كان أو ديناً أو عرضاً يعلم أو لا يعلم..." (44)
الملحوظة الثالثة: إن جزءاً من السهم يمثل ديناً للشركة وحينئذ لا يجوز بيعه بثمن مؤجل؛ لأنه يكون بيع الدين بالدين وهو منهي عنه حيث روي أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ نهى عن بيع الكالئ بالكالئ –أي: الدين بالدين- (45)
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: الحديث ضعيف؛ لأن في سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (46) فلا ينهض حجة، كما أن الحديث فُسِّرَ بَعْدُ تفسيراتٌ لا يدخل موضوعنا في أكثرها.
الوجه الثاني: لا ينطبق عليه بيع الدين بالدين، إذ إن هذا الجزء من ديون الشركة داخل في السهم تبعاً، وحينئذ يكون الجواب السابق في الملحوظة الثانية جواباً لهذا الإشكال بكل تفاصيله.
الوجه الثالث: ليس الحكم السابق –في كون الدين جزءاً من السهم- عامًّا، إذ قد لا توجد الديون للشركة، وإنما تتعامل بالنقد ، وعلى فرض وجودها فهي تمثل نسبة قليلة من موجودات الشركة، والقاعدة الفقهية تقضي بأن العبرة بالأكثر. (47)
والخلاصة أن الأسهم التي تقوم على الحلال ، وتتبع الشركات التي تمتنع عن مزاولة أي نشاط محرم، وتتوافر فيه قواعد الشركة من المشاركة في الأعباء، وتحمل المخاطر، ولا تكون لهذه الأسهم ميزة مالية على غيرها... فهي حلال لما ذكرناه، ويجوز إنشاؤها، والتصرف فيها؛ وذلك لأن ذلك كله داخل في حدود التصرفات المباحة التي أجازها الشارع للمالك في ملكه، امتثالاً لقوله _تعالى_: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ" [البقرة: 275] والأدلة الأخرى التي ذكرنا بعضها.
القسم الثاني: أسهم لم تتوافر فيها الشروط السابقة.
وهي الأسهم التي ليست لشركات تزاول المحرمات –كالنوع الأول- ولا لشركات قائمة على الحلال –كالقسم الأول- وإنما هي أسهم لشركات قد تودع في بعض الأحيان بعض فلوسها في البنوك بفائدة، أو تقترض منها بفائدة، أو قد تكون نسبة قليلة من معاملاتها تتم من خلال عقود فاسدة كمعظم الشركات في الدول الإسلامية ، والشركات في الدول غير الإسلامية مما يكون محلها أموراً مباحة كالزراعة، والصناعة والتجارة (أي فيما عدا المحرمات السابقة في النوع الأول).
وقبل أن أذكر حكم هذه الأسهم أود أن أبين جملة من المبادئ الشرعية في هذا الصدد منها:(4/122)
أولاً: أن المسلمين مطالبون بتوفير المال الحلال الطبيب الذي لا شبهة فيه، قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا" [البقرة: 168] "فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا" [النحل: 114] ويقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:" الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه... " (48)
قال الحافظ ابن حجر : "واختلف في حكم الشبهات، فقيل: التحريم . وهو مردود، وقيل: الكراهة ، وقيل: الوقف " ثم قال: "... رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم الخلاف الأولى..." ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: " المكروه عقبة بين العبد الحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام... وهو منزع حسن" (49)
ثانياً: أن الشريعة الإسلامية الغراء مبناها على رفع الحرج ودفع المشقة، وتحقيق اليسر والمصالح للأمة، فقد قال الله _تعالى_: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" [الحج: 78] وقال _تعالى_: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة: 185]، وهذا المبدأ من الوضوح ما لا يحتاج إلى دليل، بل هو مقصد من مقاصد الشريعة .
وبناء على هذا الأصل العظيم أبيحت المحظورات للضرورة، "فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ" [البقرة: 173].
وكما أن الضرورة مرفوعة كذلك نزلت الحاجة منزلة الضرورة، يقول السيوطي، وابن نجيم وغيرهما: " الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت، أو خاصة " ولهذا جوزت الإجارة والجعالة، ونحوها (50)
يقول الشيخ أحمد الزرقاء: "والمراد بالحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيراً، أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود فهي دون الضرورة من هذه الجهة وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمراً، والثابت للضرورة مؤقتاً..." (51)
ومن الأمثلة الفقهية لهذه القاعدة ما أجازه فقهاء الحنفية من بيع الوفاء مع أن مقتضاه عدم الجواز؛ لأنه إما من قبيل الربا؛ لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالثمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة، والرهن على هذه الكيفية جائز. (52)
ومن هذه الاجتهادات ما ذكره ابن عابدين أن مشايخ بلخ ، والنسفي أجازوا حمل الطعام ببعض المحمول، ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلادهم بذلك، وللحاجة مع أن ذلك خلاف القياس ، وأن متقدمي الحنفية صرحوا بعدم جوازه (53) وذكر أيضاً أن بعض قدماء الحنفية لما سئلوا عن النسبة المئوية التي يأخذها السمسار مثل 10? قالوا: ذاك حرام عليهم، وإنما يجب لهم أجر المثل . بينما أجازه بعضهم مثل محمد بن سلمة، حيث سئل عن أجرة السمسار فقال: أرجو أنه لا بأس به –وإن كان في الأصل فاسداً- لكثرة التعامل، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه لحاجة الناس إليه... (54)
ولهذه القاعدة أدلة عملية من السنة المشرفة، منها أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أباح بيع العرايا (55) مع أن أصلها يدخل في باب الربا، حيث لم يجوز _صلى الله عليه وسلم_ بيع التمر بالرطب (56) لوجود النقصان، وعدم تحقيق التماثل الحقيقي، ومع ذلك أباح العرايا لحاجة الناس إليها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "وأباح بيع العرايا... عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا..." (57) ويقول أيضاً: " الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم" (58) ويقول: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه في البيع لأجل نوع الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك" (59)
ثالثاً: لا ينكر دور العرف وأثره في الفقه الإسلامي ما دام لا يتعارض مع نصوص الشرعية، يقول ابن نجيم: "واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذك أصلاً..." ثم قال: " والحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره، فأقول على اعتباره أن يفتى بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقًّا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها، ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفاً، وقد وقع في حوانيت الجملوث بالغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدراً أخذه منهم، وكتب ذلك بمكتوب الوقف ، وكذا أقول على اعتبار العرف الخاص".
ويقول ابن نجيم مضيفاً إلى ما سبق من مسائل: "وقد اعتبروا عرف القاهرة في مسائل، منها ما في فتح القدير من دخول السلم في البيت المبيع في القاهرة دون غيرها؛ لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها إلا به". (60) بل إن المحققين من العلماء لا يبيحون لعالم يفتي إلا بعد معرفته بأحوال الناس، وأعرافهم، وأن يلاحظ عرف كل بلد، وفي هذا يقول ابن القيم : "... فمهما تجدد في العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغه، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله عن عرف بلده فأجره عليه..." (61)
رابعاً: أننا –نحن المسلمين اليوم- لا نعيش عصراً يطبق فيه المنهج الإسلامي بكامله، فيسوده نظامك الإسلام السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، وإنما نعيش في عصر يسوده النظام الرأسمالي ، والاشتراكي، وحينئذ لا يمكن أن نحقق ما نصبو إليه فجأة من أن تسير المعاملات بين المسلمين على العزائم دون الرخص، وعلى المجمع عليه دون المختلف فيه، وعلى الحلال الطيب الخالص دون وجود الشبهة، فعصرنا يقتضي البحث عن الحلول النافعة حتى ولو قامت على رأي فقيه واحد معتبر ما دام رأيه يحقق المصلحة للمسلمين، بل لا ينبغي اشتراط أن نجد رأياً سابقاً، وإنما علينا أن نبحث في إطار المبادئ والأصول العامة التي تحقق الخير للأمة، ولا يتعارض مع نص شرعي ثابت.
علينا أن نبحث عن تحقيق نظام اقتصادي، علينا أن نبحث بجد عن حماية أموال المسلمين، وإبقاء اقتصادهم بأيديهم دون سيطرة غيرهم عليه، فننظر إلى هذا الأفق الواسع لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث يقول: "لو عم الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات؛ لأنه لو وقف عليها لأدى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام" (62)
حكم هذا القسم من الأسهم :
بعد ذكر تلك المبادئ نعود إلى حكم هذا القسم من الأسهم، واختلاف المعاصرين، وأدلتهم مع الترجيح.
لقد اختلف المعاصرون على رأيين:
الرأي الأول: هو حرمة التصرف في هذه الأسهم ما دامت لا تقوم على الحلال المحض ، وبعضهم فضل وجود هيئة رقابة شرعية لها (63)
الرأي الثاني: إباحة الأسهم (السابقة) والتصرف فيها.(4/123)
هذا وقد قال الكثيرون بإباحة الأسهم في الدول الإسلامية مطلقاً دون التطرق إلى التفصيل الذي ذكرته، منهم الشيوخ: علي الخفيف، وأبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن، وعبد العزيز الخياط، ووهبة الزحيلي، والقاضي عبد الله بن سليمان بن منيع، وغيرهم على تفصيل وتفريع لدى بعضهم يجب أن يراجع (64)
وقد بنى أصحاب الرأي الأول رأيهم على أن هذه الأسهم ما دام فيها حرام ، أو تزاول شركاتها بعض أعمال الحرام كإيداع بعضها بعض أموالها في البنوك الربوية فتصبح هذه الأسهم محرماً شراؤها، بناء على النصوص الدالة على وجوب الابتعاد عن الحرام، والشبهات، وعلى قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
أما المبيحون فهم يعتمدون على أن الأسهم في واقعها ليست مخالفة للشريعة، وما شابها من بعض الشوائب والشبهات والمحرمات قليل بالنسبة للحلال، فما دام أكثرية رأس المال حلالاً، وأكثر التصرفات حلالاً فيأخذ القليل النادر حكم الكثير الشائع، ولا سيما يمكن إزالة هذه النسبة من المحرمات عن طريق معرفتها من خلال الميزانية المفصلة، أو السؤال عن الشركة ، ثم التخلص منها. (65)
ويمكن تأصيل ذلك من خلال القواعد الفقهية، ونصوص الفقهاء، المبنية على عموم الشريعة ومبادئها في اليسر، رفع الحرج على ضوء ما يأتي:
أولاً: اختلاط جزء محرم لا يجعل مجموع المال محرماً عند الكثيرين، حيث أجازوا في المال الحلال المختلط بقليل من الحرام التصرفات الشرعية من التملك والأكل والبيع والشراء ونحوها، غير أن الفقهاء فرقوا بين ما هو محرم لذاته وما هو محرم لغيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "إن الحرام نوعان": حرام لوصفه كالميتة والدم ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلط بالماء والمائع وغيره من الأطعمة، وغير طعمه، أو لونه، أو ريحه حرم، وإن لم يغيره ففيه نزاع...
والثاني: الحرام لكسبه: كالمأخوذ غصباً، أو بعقد فاسد فهذا إذا اختلط بالحلال لم يحرمه، فلو غصب الرجل دراهم، أو دنانير أو دقيقاً، أو حنطة، أو خبزاً، وخلط ذلك بماله لم يحرم الجميع لا على هذا ولا على هذا بل إن كانا متماثلين أمكن أن يقسموه، ويأخذ هذا قدر حقه، وهذا قدر حقه.
فهذا أصل نافع، فإن كثيراً من الناس يتوهم أن الدراهم المحرمة إذا اختلطت بالدرهم الحلال حرم الجميع، فهذا خطأ، وإنما تورع الناس فيما إذا كانت –أي الدراهم الحلال- قليلة، أما مع الكثرة فما أعلم فيه نزاعاً... (66)
وعلى ضوء ذلك فمسألتنا هذه من النوع الثاني حيث كلامنا في أسهم شابتها بعض تصرفات محرمة كإيداع بعض نقودها في البنوك الربوية ، وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر نصوص الفقهاء في هذه المسألة:
يقول ابن نجيم الحنفي : " إذا كان غالب مال المهدي حلالاً فلا بأس بقبول هديته، وأكل ماله ما لم يتبين أنه حرام ، وإن كان غالب ماله الحرام لا يقبلها، ولا يأكل إلا إذا قال: إنه حلال ورثه، أو استقرضه " ثم ذكر أنه إذا أصبح أكثر بياعات أهل السوق لا تخلو عن الفساد والحرام يتنزه المسلم عن شرائه، ولكن مع هذا لو اشتراه يطيب له. وقال أيضاً: "إذا اختلط الحلال والحرام في البلد فإنه يجوز الشراء ، والأخذ إلا أن تقوم دلالة على أنه من الحرام، كذا في الأصل" (67)
ثم ذكر صوراً أخرى فقال: "ومنها البيع ، فإذا جمع بين حلال وحرام في صفقة واحدة، فإن كان الحرام ليس بمال كالجمع بين الذكية والميتة، فإنه يسري البطلان إلى الحلال لقوة بطلان الحرام، وإن كان الحرام ضعيفاً كأن يكون مالاً في الجملة كما إذا جمع بين المدبر والقن... فإنه لا يسري الفساد إلى القن لضعفه..." (68)
وقال الكاساني : "كل شيء أفسده الحرام، والغالب عليه الحلال فلا بأس ببيعه". (69)
وقد أفاض الفقيه ابن رشد في هذه المسألة، نذكر مها ما يلي: حيث قال: "فأما الحال الأولى: وهي أن يكون الغالب على ماله الحلال، فالواجب عليه في خاصة نفسه أن يستغفر الله _تعالى_، ويتوب إليه برد ما عليه من الحرام... أو التصدق به عنهم إن لم يعرفهم... وإن كان الربا لزمه أن يتصدق بما أخذ زائدًا على ما أعطى..."
ثم قال: "وإن علم بائعه في ذلك كله رد عليه ما أربى فيه معه فإذا فعل هذا كله سقطت حرمته، وصحت عدالته، وبرئ من الإثم، وطاب له ما بقي من ماله، وجازت مبايعته فيه وقبول هديته وأكل طعامه بإجماع من العلماء".
واختلف إذا لم يفعل ذلك في جواز معاملته، وقبول هديته، وأكل طعامه، فأجاز ابن القاسم معاملته، وأبى ذلك ابن وهب وحرمه أصبغ...
ثم قال ابن رشد : "وقول ابن القاسم هو القياس ؛ لأن الحرام قد ترتب على ذمته، فليس متعيناً في جميع ما في يده من المال بعينه شائعاً... وأما قول أصبغ فإنه تشديد على غير قياس".
وأما الحال الثانية: وهي أن يكون الغالب على ماله الحرام فالحكم فيما يجب على صاحبه في خاصة نفسه على ما تقدم سواء.
وأما معاملته وقبول هديته فمنع من ذلك أصحابنا، قيل على وجه الكراهة –وعز هذا القول إلى ابن القاسم- وقيل على وجه التحريم إلا أن يبتاع سلعة حلالاً فلا بأس أن تشترى منه وأن تقبل منه هبة... (70)
وقال العز بن عبد السلام : "وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة... (71) ومثله قال الزركشي " (72)
بل إن السيوطي ذكر أن الأصح عند فقهاء الشافعية –ما عدا الغزالي - أنهم لم يحرموا معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه، ولكن يكره، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام على يده كما قال في المهذب: إن المشهور فيه الكراهة، لا التحريم خلافاً للغزالي... قال في الإحياء: "لو اختلط في البلد حرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الأخذ منه إلا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام" وقال: ويدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة، وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال، ويجري في أبواب، وفيها غالباً قولان، أو وجهان أصحهما الصحة في الحلال، والثاني البطلان في الكل... ومن أمثلة ذلك في البيع أن يبيع خلًّا وخمراً... (73) وقال ابن المنذر : اختلفوا في مبايعة من يخالط ماله حرام، وقبول هديته وجائزته، فرخص فيه الحسن ، ومكحول، والزهري والشافعي ، قال الشافعي : "لا أحب ذلك، وكره ذلك طائفة..." (74)
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة تفصيلاً حينما سئل سؤالاً لا نزال نسمعه حتى في عصرنا الحاضر ، وهو: أن رجلاً نقل عن بعض السلف من الفقهاء: أنه قال: أكل الحلال متعذر لا يمكن وجوده في هذا الزمان، فقيل له: لم ذلك؟ فذكر: أن وقعة المنصورة لم تقسم الغنائم فيها، واختلطت الأموال بالمعاملات بها، فقيل له: إن الرجل يؤجر نفسه لعمل من الأعمال المباحة، ويأخذ أجرته حلالاً، فذكر أن الدرهم في نفسه حرام .
فأجاب –رحمه الله- هذا القائل... غالط مخطئ... فإن مثل هذه المقالة كان يقولها بعض أهل البدع ، وبعض أهل الفقه الفاسد، وبعض أهل الشك الفاسد، فأنكر الأئمة ذلك حتى الإمام أحمد في ورعه المشهور كان ينكر مثل هذه المقالة... وقال: انظر إلى هذا الخبيث يحرم أموال المسلمين.
ثم ذكر خطورة آثار هذا التصور الفاسد، منها أن بعض الناس ظنوا ما دام الحرام قد أطبق الأرض، إذن لماذا البحث عن الحلال؟ فاعتبروا الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا منه، وبعضهم اخترعوا الحكايات الكاذبة بحجة الورع.
ثم رد على هذه المقالة، وبين بأن الغالب على أموال المسلمين الحلال، ثم ذكر عدة أصول:(4/124)
"أحدها: أنه ليس كل ما اعتقد فقيه معين أنه حرام كان حراماً، وإنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب، أو السنة، أو الإجماع ، أو قياس مرجح لذلك، وما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول" ثم بين بأن حمل المسلمين على مذهب معين غلط.
ثم ذكر أصلاً آخر وهو أن خلط الحرام بالحلال لا يحرم جميع المال، -كما سبق- كما ذكر أصلاً آخر وهو أن المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه ، ولذلك إذا لم يعلم صاحب اللقطة حل لملتقطها بعد التعريف بها، ومن هنا، فإذا لم يعلم حال ذلك المال الذي بيده بنى الأمر على الأصل، وهو الإباحة (75)
وذكر في جواب سؤال حول التعامل مع من كان غالب أموالهم حراماً مثل المكاسين وأكلة الربا؟
فأجاب: "إذا كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة وإن كان الحرام هو الأغلب، قيل بحل المعاملة، وقيل: بل هي محرمة، فأما المعاملة بالربا فالغالب على ماله الحلال إلا أن يعرف الكره من وجه آخر. وذلك أنه إذا باع ألفاً بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال، بل له أن يأخذ قدر الحلال، كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر، فإنه يقسم بين الشريكين، وكذلك من اختلط بماله الحلال والحرام أخرج قدر الحرام، والباقي حلال له" (76)
وسئل عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب: يخرج قدر الحرام بالميزان فيدفعه إلى صاحبه، وقدر الحلال له، وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق به عنه (77)
وقريباً من ذلك يقرره ابن القيم موضحاً أن " التحريم لم يتعلق بذات الدرهم –أي الدرهم الحرام الذي اختلط بماله- وجوهره، وإنما تعلق بجهة الكسب فيه، فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبق لتحريم ما عداه معنى... وهذا هو الصحيح في هذا النوع، ولا تقوم مصالح الخلق إلا به" (78)
وعلى ضوء هذا المبدأ نرى كثيراً من أهل العلم أجازوا التعامل مع من كان في ماله حرام، ولكن غالبه حلال، ومن هنا يمكن القول بإباحة التعامل في هذا النوع من الأسهم ، ولكن يخرج صاحبها بقدر نسبة الحرام فيها إلى الجهات الخيرية العامة، مع مراعاة الضوابط التي نذكرها في الأخير (79)
ثانياً: قاعدة: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً ، وقد ذكرنا هذه القاعدة مع دليلها من السنة الصحيحة المتفق عليها. (80)
وعلى ضوء ذلك فهذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لكنها جاءت تبعاً، وليست أصلاً مقصوداً بالتملك والتصرف، فما دامت أغراض الشركة مباحة، وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة، غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية ، أو الاقتراض منها.
فهذا العمل بلا شك عمل محرم يؤثم فاعله ( مجلس الإدارة ) لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة الأخرى محرمة، وهو أيضاً عمل تبعي وليس هو الأصل الغالب الذي لأجله أنشئت الشركة.
ثالثاً: قاعدة: للأكثر حكم الكل ، وقد ذكرنا فيما سبق نصوص الفقهاء في حكم المال المختلط بالحرام، حيث إن الجمهور على أن العبرة بالأغلب –كما سبق- (81) وقد ذكر الفقهاء لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة في أبواب الطهارة، والعبادات، والمعاملات ، اللباس –كالحرير- والصيد، والطعام، والأيمان، وغيرها. (82)
إضافة إلى قاعدة: " الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة "–كما سبق ذكرها- وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الشراء ممن في ماله شبهة لا كراهة فيه إذا وجدت الحاجة إليه. (83)
وتنزيل هذه القاعدة على موضوعنا من حيث إن حاجة الناس إلى أسهم الشركات في عالمنا الإسلامي ملحة، فالأفراد كلهم لا يستغنون عن استثمار مدخراتهم ، والدول كذلك بحاجة إلى توجيه ثروات شعوبها إلى استثمارات طويلة الأجل بما يعود بالخير على الجميع، ولو امتنع المسلمون من شراء أسهم تلك الشركات لأدى ذلك إلى أحد أمرين:
أحدهما: توقف هذه المشروعات التي هي حيوية في العالم الإسلامي.
ثانيهما: غلبة غير المسلمين على هذه الشركات، وعلى إدارتها، أو على الأقل غلبة الفسقة والفجرة عليها.
لكن لو أقدم على شرائها المسلمون المخلصون لأصبحوا قادرين في المستقبل على منع تعاملها مع البنوك الربوية ولغيروا اتجاه الشركة لصالح الإسلام.
وهذا لا يعني أن المسؤولين القادرين في الشركة وفي غيرها على التغيير معفون عن الإثم، بل هم آثمون، لكن عامة الناس لهم الحق في شراء هذه الأسهم حسب الضوابط التي نذكرها، ولذلك لو كان المساهم قادراً على منع الشركة من إيداع بعض أموالها في الشركة لوجب عليه ذلك.
مناقشة الرأي الأول المانع من تداول هذا النوع من الأسهم :
أولاً: أن وجود نسبة ضئيلة من الحرام في المال الحلال لا يجعله حراماً، وإنما يجب نبذ المحرم فقط –كما سبق تفصيله-.
ثانياً: أن اشتراط البعض في حل الأسهم أو التعامل مع الشركات وجود رقابة شرعية لشركتها لا نجد له دليلاً من كتاب، أو سنة ، أو إجماع، أو قياس صحيح ، فالمسلمون مؤتمنون على دينهم وعلى الحل والحرمة، وهم مستورون، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
"والمسلم إذا عامل معاملات يعتقد جوازها كالحيل..." التي يفتي بها من يفتي... جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في ذلك المال، ثم قال: "وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلاً، ومن ترك معاملته ورعاً كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان" (84)
بل إن التعامل مع الكفرة جائز فيما ليس محرماً بالاتفاق، يقول ابن تيمية:
"... وحينئذ فجميع الأموال التي بأيدي المسلمين واليهود والنصارى لا يعلم بدلالة ولا أمارة أنها مغصوبة، أو مقبوضة لا يجوز معه معاملة القابض، فإنه يجوز معاملته فيها بلا ريب ولا تنازع في ذلك بين الأئمة أعلمه". (85)
نعم لا شك أن معرفة الحلال والحرام ضروري لكل من يدخل في السوق حتى يحافظ على دينه، ويعلم الحلال والحرام إما بنفسه، أو عن طريق السؤال عن أهل الذكر.
لكن لا ينبغي الحكم بعدم جواز التعامل معهم، أو مع شركاتهم إلا مع وجود رقابة شرعية، فهذا الشرط تعسف وتضييق لما وسعته الشريعة.
وصحيح أن وجود الرقابة الشرعية للشركة يعطي الأمان للمتعاملين معها لكن اشتراط حل التعامل بوجودها أمر يستدعي إعادة النظر.
الرأي الراجح مع ضوابطه:
الذي نرى رجحانه –والله أعلم- هو أن هذا النوع من الأسهم بالنسبة للشركات التي يمتلكها المسلمون هو ما يأتي:
أولاً: أن مجلس الإدارة ، والمدير المسؤول لا يجوز لهم قطعاً مزاولة أي نشاط محرم، فلا يجوز لهم الإقراض أو الاقتراض بفائدة، ولو فعلوا ذلك لدخلوا في الحرب التي أعلنها الله _تعالى_ عليهم "فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" [البقرة: 279] ولا سيما بعد ما يسر الله للمسلمين وجود بنوك إسلامية في أغلب الأماكن، أو قيامها باستثمار جميع أموالها في خيارات إسلامية كثيرة.
ثانياً: أما مشاركة المسلمين في هذه الشركات السابقة وشراء أسهمها، والتصرف فيها فجائزة ما دام غالب أموالها وتصرفاتها حلالاً، وإن كان الأحوط الابتعاد عنها.
ولكن ينبغي على من يشترك مراعاة ما يلي:
1- أن يقصد بشراء أسهم هذه الشركات تغييرها نحو الحلال المحض من خلال صوته في الجمعية العمومية، أو مجلس الإدارة .(4/125)
2- أن يبذل جهده وماله لتوفير المال الحلال الطيب المحض ما أمكنه إلى ذلك سبيلاً، ولا يتجه نحو ما فيه شبهة إلا عند الحاجة الملحة ومصلحة المسلمين، واقتصادهم من المشاركة في التنمية والاستثمار والنهوض باقتصادهم من خلال الشركات الكبرى.
3- أن صاحب هذه الأسهم عليه أن يراعي نسبة الفائدة التي أخذتها الشركة على الأموال المودعة لدى البنوك، ويظهر ذلك من خلال ميزانية الشركة، أو السؤال عن مسؤولي الحسابات فيها، وإذا لم يمكنه ذلك اجتهد في تقديرها، ثم يصرف هذا القدر في الجهات العامة الخيرية.
4- لا يجوز للمسلم أن يؤسس شركة تنص في نظامها الأساسي على أنها تتعامل بالربا إقراضاً واقتراضاً، ولا يجوز كذلك التعاون في تأسيسها ما دامت كذلك؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان، إلا لمن يقدر على تغييرها إلى الحلال.
ثالثاً: أن الحكم بإباحة تداول هذه الأسهم – مع هذه الضوابط- خاص بما إذا كانت الأسهم عادية، أو ممتازة لكن ليس امتيازها على أساس المال.
وأما غيرهما فسيأتي حكم كل نوع على حدة.
أما أسهم الشركات التي يمتلكها غير المسلمين ولا ينص نظامها على التعامل في الحرام فقد شدد فيها البعض أكثر (86) ولكن لا أرى مانعاً من التعامل فيها حسب الضوابط السابقة، وقد انتهت ندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية التي عقدت في الرباط 20- 25 ربيع الآخر 1410 هـ إلى أن أسهم الشركات التي غرضها الأساسي حلال لكنها تتعامل أحياناً بالربا... فإن تملكها، أو تداولها جائز نظراً لمشروعية غرضها، مع حرمة الإقراض ، أو الاقتراض الربوي، ووجوب تغيير ذلك، والإنكار والاعتراض على القائم به، ويجب على المساهم عند أخذ ريع السهم التخلص بما يظن أنه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة بصرفه في وجوه الخير.
وكذلك ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي حيث أجازت باتفاق المشاركين شراء أهم الشركات العاملة في البلاد الإسلامية لقصد العمل على أسلمة معاملاتها ، بل اعتبروا ذلك أمراً مطلوبا، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية.
وأجازوا بالأغلبية شراء أسهم الشركات العاملة في البلاد غير الإسلامية، إذا لم يجدوا بديلاً خالصاً من الشوائب. (87)
والقول بالجواز إن كان نظام الشركة لا ينص على التعامل في الحرام ، ومع الضوابط السابقة هو الذي يتناسب مع روح هذه الشريعة القائمة على التيسير، ورفع الحرج، ومراعاة حاجات الناس في الاستثمار ؛ وذلك لأنه إذا وجد فيه حرام فهو نسبة ضئيلة لا تؤثر في باقي المال وكذلك يمكن التخلص منها عن طريق إعطائها للجهات الخيرية العامة، بالإضافة إلى أن محل البيع المعقود عليه في جملته أمور مباحة، وأن المشاركة في ذلك جائزة ، ولم يمنع أحد من الرعيل الأول التعامل مع أهل الكتاب في الجملة، بل كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ والصحابة الكرام يتعاملون معهم، مع أن معاملات أهل الكتاب وأموالهم لم يكن جميعها على الشروط المطلوبة في الإسلام، فقد ترجم البخاري : باب المزارعة مع اليهود، فقال الحافظ ابن حجر : "وأراد بهذا: الإشارة إلى أنه لا فرق في جواز هذه المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة " (88) كما صح أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه (89) وكذلك الأمر عند الصحابة _رضي الله عنهم_ حيث كان التعامل معهم سائداً في الجملة.
الخاتمة:
1- الاستثمار في الإسلام له منهجه الخاص المتميز القائم على العقيدة والقيم والأخلاق.
ويترتب على ذلك:
- اندفاع المؤمن نحو العمل والاستثمار من مطلق تنفيذ أمر الله _تعالى_ بالتعمير، وإيمانه بأن الربا وبقية المحرمات نقص ومحق للمال، وأن الإنفاق في سبيل الله زيادة وبركة وخير.
- وأن المؤمن يجعل رضاء الله _تعالى_ نصب عينيه، ولذلك يهتم بإطعام الفقراء واليتامى والأسارى، بينما يجعل الكافر مصلحته هي الأساس، ولذلك لا ينفق إلا لمصلحته المادية الظاهرة.
- وتحريم الحيل والغش والاستغلال والاحتكار والظلم والربا وغيره مما حرمه الله _تعالى_ ورسوله الكريم _صلى الله عليه وسلم_.
2- الأسهم هي جمع السهم وهو صك يمثل جزءاً من رأس مال الشركة ، أو هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال ...
3- أسهم الشركات التي يكون نشاطها في المحرمات كالبنوك الربوية والشركات التي تتعامل في الخنزير والمسكرات والمخدرات فحكم الاستثمار في هذه الأسهم التحريم بدون خلاف.
4- أسهم شركات يكون نشاطها في الحلال المحض كالبنوك الإسلامية، والشركات الإسلامية فحكم الاستثمار في هذا النوع الإباحة بلا شك.
5- أسهم شركات يكون محل نشاطها الحلال، وليس في نظامها الأساسي أن تتعامل في الحرام ، ولكن قد تتعامل مع البنوك الربوية إقراضاً أو اقتراضاً فحكم هذا النوع مختلف فيه.
فالذي تقتضيه مقاصد الشريعة والمصالح المرسلة جواز الاستثمار فيه بالشروط التالية:
1- أن يكون دخول المساهم في مثل هذه الشركات لأجل تغيير الشركة وأسلمتها.
2- أن يتخلص المساهم من نسبة الأموال المحرمة على ضوء الميزانية فيدفعها إلى الجهات العامة.
وأما المدير وأعضاء مجلس الإدارة وكل من يشارك في كتابة العقود الربوية فآثمون بلا شك إلى أن يذروا الربا.
ومع ذلك فعلى الإنسان المسلم أن يتحرى الحلال بعيداً من الشبهات، وعلى الدول الإسلامية أن تلتزم بالشريعة الإسلامية، وتطهر أنظمتها من الربا والمحرمات والشبهات والله المستعان.
______________
(1) يراجع لسان العرب، ط. دار المعارف؛ والقاموس المحيط؛ والمعجم الوسيط مادة "الثمر"
(2) بداية المجتهد، ط. الحلبي (2/281)
(3) مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة، رسالة الدكتوراه بجامعة الأزهر الشريف عام 1985، د. علي القره داغي (1/331-353).
(4) المعجم الوسيط (1/100) مادة "ثمر".
(5) التفسير الكبير 9/186، ط. دار إحياء التراث العربي – بيروت-.
(6) السنن الكبرى للبيهقي 4/107 ط. الهند؛ والمجموع للنووي 5/329 ط. شركة كبار العلماء.
(7) السنن الكبرى (4/107) حيث ذكر عددا ً كثيراً من الأحاديث والآثار في هذا المعنى.
(8) المجموع للنووي (5/329)؛ والسنن الكبرى (4/107).
(9) فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، 1/130 ط. وهبه بالقاهرة.
(10) فقه الزكاة (1/107).
(11) تفسير الماوردي المسمى: النكت والعيون 2/218 ط. أوقاف الكويت.
(12) نقلاً عن د. رفعت العوضي: منهج الادخار والاستثمار، ص 73 ط. الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية.
(13) الحديث رواه مسلم (1/99) وأبو داود –مع عون المعبود- (9/32) والترمذي –مع تحفة الأحوذي- (4/544)؛ وابن ماجه (2/749) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني ) والحديث صريح في تحريم كل غش وكتمان للحقيقة.
(14) النجش: هو المزايدة ممن لا يريد الشراء. انظر حديثه في البخاري –مع الفتح- (4/355)؛ ومسلم (3/1156).
(15) التصرية: وهي حبس الحليب في ضرع الحيوان ليظهر أنه حلوب، والحديث في النهي عنه متفق عليه. انظر: صحيح البخاري –مع الفتح- (4/361)؛ ومسلم (3/1155).
(16) يراجع: مبدأ الرضا في العقود ص 673 إلى ص 850.(4/126)
(17) صحيح البخاري –مع الفتح- (4/337)؛ ومسلم (3/1165)؛ ومسند أحمد (2/80، 129)؛ وسنن أبي داود –مع العون- (9/395)؛ والترمذي مع التحفة (4/455)؛ والنسائي (7/222)؛ وابن ماجه (2/753).
(18) يراجع في تفصيل ذلك: مبدأ الرضا في العقود ص 852 وما بعدها.
(19) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط مادة "سهم"
(20) النكت والعيون للماوردي، 2/426 ط. أوقاف الكويت، ويراجع: أحكام القرآن لابن العربي، 4/1622 ط. دار المعرفة بيروت.
(21) يراجع: د. علي حسن يونس: الشركات التجارية، ص 539 ط. الاعتماد، بالقاهرة؛ ود. شكري حبيب شكري، وميشيل ميكالا: شركات الأشخاص، وشركات الأموال علماً وعملاً ص 184 ط. الإسكندرية؛ ود. صالح بن زابن المرزوقي البقمي، ط. جامعة أم القرى 1406 هـ ص 332؛ ود. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، ص 526 ط. دار الفكر العربي، القاهرة 1989.
(22) د. صالح البقمي: ط. جامعة أم القرى 1406 هـ ص (337 – 338).
(23) رواه البخاري في صحيحه –تعليقاً بصيغة الجزم – كتاب الإجارة (4/451).
(24) سنن الترمذي –مع شرح تحفة الأحوذي- كتاب الأحكام (4/584)، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى 29/147): "وهذه الأسانيد، وإن كان الواحد منها ضعيفاً فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضاً".
(25) مجموع الفتاوى، 29/150 ط. الرياض. ويراجع لإثبات أن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة: مبدأ الرضا في العقود، 2/1148 ط. دار البشائر الإسلامية.
(26) مجموع الفتاوى (29/346، 351).
(27) يراجع: المراجع الفقهية السابقة ويراجع: د. محمد عبد الغفار الشريف، بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة ص (10 – 11)؛ ود. محمد الحبيب الجراية، بحثه عن الأدوات المالية التقليدية، المقدمة إلى مجمع الفقه في دورته السادسة؛ ود. الخياط: الشركات، ط. الرسالة (2/94...)؛ ود. صالح بن زابن: شركة المساهمة ص (334).
(28) د. صالح بن زابن البقمي: المرجع السابق ص (340) حيث قال: ومن هنا يمكن أن نقسم أقوالهم إلى ثلاثة: قسم حرم التعامل بها –أي بالأسهم- مطلقاً، وقسم أباح الأسهم مطلقاً، واشترط بعضهم خلوها مما يستوجب الحرمة، وقسم أباح أنواعاً من الأسهم، وحرم أنواعاً أخرى.
(29) د. صالح بن زابن البقمي: المرجع السابق ص (340) حيث قال: ومن هنا يمكن أن نقسم أقوالهم إلى ثلاثة: قسم حرم التعامل بها –أي بالأسهم- مطلقاً، وقسم أباح الأسهم مطلقاً، واشترط بعضهم خلوها مما يستوجب الحرمة، وقسم أباح أنواعاً من الأسهم، وحرم أنواعاً أخرى.
(30) يراجع في تفصيل ذلك: الشركات في الفقه الإسلامي للشيخ علي الخفيف ص 96 ط. دار النشر للجامعات المصرية؛ والشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي للدكتور عبد العزيز الخياط، 2/153-212 ". المطابع التعاونية 1971ح وشركة المساهمة في النظام السعودي للدكتور صالح بن زابن ص 340 ط. جامعة أم القرى 1406 هـ، ومن الذين حرموا التعامل بالأسهم حراماً مطلقاً الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه النظام الاقتصادي في الإسلامي، ص 141 –142 ط. القدس 1953 ومن الذين قالوا بإباحتها دون تفصيل فيها، الدكتور محمد يوسف موسى، والشيخ شلتوت، لكنهم بلا شك يقولون بضرورة خلوها من المحرمات. انظر الفتاوى للشيخ شلتوت ص 355 ط. الشروق.
(31) زاد المعاد في هدي خير العباد، 5/746 ط. مؤسسة الرسالة.
(32) الشيخ تقي الدين النبهاني: النظام الاقتصادي في الإسلام ص 133 ط. القدس، الثالثة 1372 هـ.
(33) النبهاني: النظام الاقتصادي في الإسلام ص (141 – 142) ط. القدس، الثالثة 1372 هـ.
(34) د. صالح بن زابن المرجع السابق ص (344).
(35) يراجع الشيخ عبد الله بن سليمان: بحث في حكم تداول أسهم الشركات المساهمة، ص (0003) وفتوى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية، بجواز تداول أسهم الشركات الوطنية ضمن كتاب فتاوى ورسائل 7/42 – 43).
(36) يراجع: الموسوعة الفقهية (الكويتية) مصطلح جهالة (16/167).
(37) الفروق، (3/265 –266) ط. دار المعرفة.
(38) مجموع الفتاوى، ط. الرياض (29/227).
(39) الغرر وأثره، ص (594).
(40) مجموع الفتاوى (29/233). ويقول ابن قدامة: " وإن اشترى أحد الشريكين حصة شريكه جاز؛ لأنه يشتري ملك غيره وكذلك الأمر لو باعه لأجنبي، وكذلك الأمر عند غيره من العلماء".
(41) الأشباه والنظائر للسيوطي، ص 133 ط. عيسى الحلبي بالقاهرة، ويراجع في نفس المعنى: الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص (121 – 122) ط. مؤسسة الحلبي بالقاهرة.
(42) صحيح البخاري –مع الفتح ط. السلفية- المساقاة 5/49)؛ ومسلم، ط. عيسى الحلبي – البيوع (3/1173)؛ وأحمد (2/150)؛ والموطأ ص (378).
(43) فتح الباري (5/51)
(44) الموطأ: ص 378.
(45) قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/80): رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
(46) تقريب التهذيب (2/286)، ومجمع الزوائد (4/80).
(47) المراجع السابقة جميعها.
(48) صحيح البخاري –مع الفتح- الإيمان (1/126)؛ وسلم، المساقاة (3/1220)؛ وأحمد (4/267).
(49) فتح الباري (1/127).
(50) الأشباه والنظائر للسيوطي ص (97 – 98)؛ والأشباه والنظائر لابن نجيم ص (91 – 92).
(51) شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، رحمه الله، ص (155) ط. دار الغرب الإسلامي.
(52) شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، رحمه الله، ص (155) ط. دار الغرب الإسلامي.
(53) حاشية ابن عابدين، (5/36 –37). ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(54) حاشية ابن عابدين (5/39)
(55) انظر حديث ترخيص بيع العرايا، لحاجة الناس إليها: صحيح البخاري –مع الفتح- (4/390)؛ ومسلم (3/1168)؛ وأحمد (5/181)؛ والعرية هي بيع الرطب فوق النخل بالتمر بالتخمين والتقدير.
(56) فقد سئل عليه السلام عن بيع الرطب بالتمر فقال: ( أينقص الرطب إذا جف؟ ) فقيل: نعم، فقال: ( فلا إذن ) انظر: مسند الشافعي ص (51)؛ وأحمد (3/312)؛ والترمذي (1/231)؛ والنسائي (7/269)؛ وابن ماجه (2/761)؛ وسنن أبي داود (3/251)؛ والسنن الكبرى (5/294). ويراجع تلخيص الحبير (3/9/10).
(57) مجموع الفتاوى (29/227).
(58) مجموع الفتاوى (29/227)
(59) مجموع الفتاوى (29/227)
(60) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (93 – 103 – 104) ويراجع: نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف، ضمن رسائل ابن عابدين (2/115 –118) ط. أستانه.
(61) إعلام الموقعين 3/78 ط. شقرون بالقاهرة.
(62) قواعد الأحكام (2/159).
(63) الأسواق المالية للأستاذ الدكتور علي السالوس، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته السادسة ص .
(64) الشركات للشيخ علي الخفيف ص (96- 97)؛ وبحث الشيخ أبي زهرة المنشور في منشورات المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية (2/184)؛ ود. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ط. الرسالة (2/187)؛ وبحث د. وهبة الزحيلي المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة، ص ؛ ود. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (342)؛ وبحث القاضي عبد الله بن سليمان المشار إليه سابقاً.
(65) المراجع السابقة، ولا سيما بحث فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان حيث أفاض فيه إفاضة جيدة.
(66) مجموع الفتاوى، ط. الرياض (29/320-321).
(67) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (112، 113، 114)؛ ويراجع حاشية ابن عابدين (4/130).
(68) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (112، 113، 114)، ويراجع حاشية ابن عابدين (4/130).(4/127)
(69) بدائع الصنائع (6/144).
(70) فتاوى ابن رشد، (1/631 - 649) تحقيق: المختار بن الطاهر التليلي، ط. دار الغرب الإسلامي؛ ومواهب الجليل (5/277).
(71) قواعد الأحكام (1/72 - 73).
(72) المنثور في القواعد، 2/253 ط. أوقاف الكويت.
(73) الأشباه والنظائر للسيوطي ص (120 - 121)؛ وحاشيتي: القليوبي مع عميرة على المنهاج 2/186.
(74) المجموع للنووي (9/353)، ط. المنيرية.
(75) مجموع الفتاوى (29/311 - 323).
(76) مجموع الفتاوى (29/272 - 273).
(77) مجموع الفتاوى (29/308)
(78) بدائع الفوائد (3/257).
(79) المراجع السابقة، وبحث الدكتور عبد الله بن سليمان ص (16)
(80) المراجع السابقة، والشيخ عبد الله بن سليمان بحثه السابق.
(81) المراجع السابقة، والشيخ عبد الله بن سليمان بحثه السابق.
(82) يراجع: جمل الأحكام للناطقي، رسالة ماجستير بالأزهر، تحقيق حمد الله سيد ص (370 - 381).
(83) مجموع الفتاوى (29/ 241) كما ذكر قاعدة الاعتبار بالأغلب فيمن في ماله حرام.
(84) مجموع الفتاوى (29/319- 324 ).
(85) مجموع الفتاوى (29/327).
(86) الشيخ عبد الله بن سليمان بحثه السابق ص (21) حيث مع إباحته شراء الأسهم لشركات يمتلكها المسلمون حتى وإن كانت تتعامل بالربا لكن غالب معاملتها وأمواله حلال لكنه لم يجز تملك أسهم شركات يملكها غير مسلم إلا إذا كان قادراً فعلاً تغيير مسارها، ومنعها من مزاولة الحرام مطلقاً وذكر أن الشيخ صالح كامل ذكر له أنه استطاع أن يحول خمسين شركة مساهمة إلى الالتزام بالأحكام الشرعية من خلال مساهمته فيها، واشتراطه ذلك بعدها.
(87) الفتاوى الشرعية في الاقتصاد، ص 17 ط. مجموعة بركة سنة 1411 هـ.
(88) صحيح البخاري، مع فتح الباري 5/15 ط. السلفية.
(89) صحيح البخاري، مع فتح الباري 5/15 ط. السلفية.
المصدر : موقع المسلم
==============
الجولة القادمة
محمد بن شاكر الشريف
تغيرات سريعة متلاحقة تحدث في سنوات قلائل، وربما في أشهر، كانت لا تحدث فيما مضى إلا في عشرات السنين، وهذه سمة من سمات العصر الذي نحياه؛ وقد أدى إلى ذلك عاملان:
1 ـ أولهما وأخطرهما على العالم: تفرد دولة ظالمة باغية بامتلاك وسيلة القوة التي لا تُجارى؛ فانهار بذلك التوازن الذي كان يحكم تصرفات الأنداد والنظراء.
2 ـ الثاني: النقلة، أو القفزة بل الطفرة التقنية التي باعدت كثيراً بين الدول المتقدمة تقنياً والدول المتخلفة في ذلك المضمار، فَقبْل التطور الهائل في التقنية الحديثة لم يكن مرور الزمن يكاد يُحدث تغييراً يذكر في موازين القوى، وأما اليوم فإن السنة الزمنية ربما باعدت تقنياً بين فئة الدول المتقدمة وبين فئة الدول المتخلفة ما يعادل خمسين سنة زمنية أو يزيد.
وفي ظل هذين العاملين وقع العالم العربي والإسلامي ـ وهو ينتمي في جملته إلى العالم المتخلف ـ تحت تأثير أو في دائرة جذب المعسكر الصليبي المتفوق تقنياً واقتصادياً، وهو يتعرض اليوم إلى محنة شديدة تكونت من تشابك ثلاث زوايا:
الأولى: كره الصليبيين لدين الإسلام والمسلمين، ورغبتهم في القضاء عليه والثأر منه؛ إذ إن كثيراً من دوله كانت قبل مجيء الإسلام ممالك نصرانية، ثم استطاع الإسلام بنقائه أن يجذبهم إليه، وينقلهم إلى صفه حتى فقدت أصلها القديم، وصارت دولاً إسلامية. ويدل على ذلك الكره كثرة كاثرة من أقوال الصليبيين، لا فرق في ذلك بين الساسة أو المفكرين والمثقفين أو العسكريين أو حتى العامة الدهماء، وهذا الموقف ليس نتيجة لما يروجه بعضهم بما يعرف بـ «أحداث الحادي عشر من سبتمبر»؛ فإن موقف الصليبيين من الإسلام موقف قديم ضارب بأطنابه في أعماق التاريخ لبداية ظهور الإسلام، ثم امتد عبر ما يعرف بالحروب الصليبية في القرون الوسطى مدة قرنين من الزمان، ثم إلى يومنا هذا، ولهم في ذلك كلمات مشهورة مدونة في وثائقهم التي لم تعد اليوم شيئاً مستوراً. وفي العصر الحديث توالت الحملات الصليبية على الدول الإسلامية والعربية منها خاصة لاحتلالها؛ فقد احتلت فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر مصر حتى اضطرتها الحرب مع إنجلترا للجلاء عنها، ثم أعيد احتلال مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر من قِبَل إنجلترا، ثم توالى احتلال الدول الصليبية للدول العربية، فاحتلت إنجلترا العراق والسودان وفلسطين واليمن الجنوبي، واحتلت فرنسا سوريا ولبنان والجزائر والمغرب وتونس، واحتلت إيطاليا ليبيا، كما احتلت هولندا أندونيسيا، وغير ذلك من الدول التي وقعت تحت الاحتلال الصليبي. لقد قامت تلك الدول بسرقة خيرات البلاد في الوقت الذي حاولوا فيه بكل ما وسعتهم الطاقة القضاء على الإسلام، والعمل على تحريفه؛ فما الذي حملهم على ذلك؟ هل كانوا حملة رسالة يودون إبلاغها غير كراهيتهم للمسلمين والرغبة في القضاء على دينهم؟
الثانية: تمتع كثير من الدول العربية والإسلامية بثروات ضخمة متعددة، وخاصة النفط، إضافة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، والتي تلهب حماس الطامعين في نهب خيرات البلاد.
الثالثة: عدم كفاءة كثير من قيادات البلاد العربية والإسلامية لقيادة تلك الفترة الحرجة من حياة الأمة، وبعدهم عن الالتزام والتقيد بالإسلام وشريعته، مما أوقعهم في ضعف شديد وتخاذل كبير أمام القوى الصليبية الباغية.
فباجتماع تلك الزوايا الثلاث في ظل العاملين السابقين تصبح الصورة واضحة جداً؛ بحيث لا تخطئها العين المبصرة، وإن لم تكن كاملة الإبصار، وهو أن هناك جولة قادمة تهجم فيها الدول الصليبية (التحالف الصليبي بقيادة أميركا وبريطانيا) على الدول العربية والإسلامية؛ وذلك لتحقيق عدة أهداف:
أولاً: لالتهامها والقضاء على إسلامها سعياً للتمكين للصليب ونشر الصليبية، وضمان أمن واستقرار اليهود، وتحقيق أحلامهم في تكوين دولتهم من النيل إلى الفرات.
وثانياً: لسرقة خيراتها وثرواتها.
وثالثاً: لتحويل أهلها خدماً وعبيداً عند الصليبيين؛ فالهجمة قادمة قادمة لا شك في ذلك، والدلائل كلها تشير إلى ذلك إلا أن يشاء ربي الذي يدبر الأمر في السموات والأرض شيئاً غير ذلك، وقد قال كبير التحالف الصليبي: «سنشنها حرباً صليبية»، كما قالوا: إن الحرب على الإرهاب (وهو الاسم الذي يحلو للصليبيين أن يسموا به المتمسكين بالإسلام، الرافضين لهيمنة الدول الصليبية على بلادهم) ستطاول ستين دولة، وقد تستمر لأكثر من عشر سنوات، والستون دولة المرادة هي الدول العربية والإسلامية؛ فإن عددها ثمانٍ وخمسون دولة.(4/128)
إن القوم لفرط ثقتهم في قوتهم وآلتهم العسكرية في مقابل الضعف الشديد للطرف المقابل، جعلهم يتحدثون عن خطط الحرب التي يعتزمون شنها قبل ذلك بكثير، ويقومون بعمل التجهيزات والتحضيرات الميدانية في وضح النهار، ولم يعد ذلك سراً تحرص تلك الدول على إخفائه وعدم إفشائه؛ وذلك أنها ترى أنه لا مفر لهذه الدول من بطشها، وأنه مهما أخذت من استعدادات واحتياطات فلن تكون بقادرة على التصدي لقواتها التي يمكنها أن تطلق نيرانها على أهدافها من مسافات تبعد مئات الكيلو مترات، وهي بعد لم تدخل أرض العدو، أو تقع في مرمى نيرانه، ومهما حاولت أن أصف أو أصور قوة العدو فقد تكون قوتهم أكثر بكثير مما أقول، وليس في هذا الكلام أي قدر من المبالغة أو التهويل(1)، ولن تكون الدول الإسلامية ـ في نظر الصليبيين ـ بمأمن من بطش الكفار وانتقامهم، إلا بالاستسلام التام والخضوع الكامل لسيطرة التحالف الصليبي، وهذا الإعلان المسبق عن الحرب وخطتها لا يترتب عليه ضرر يلحق بأمن تلك القوة الطاغية، من أي رد فعل قد يقوم به المستهدفون بتلك الحرب، لكن يكون له عندهم في الوقت نفسه نتائج إيجابية كثيرة يحرصون عليها؛ فمن ذلك: إلقاء الرعب والفزع في قلوب الناس جميعاً حكاماً ومحكومين، وقد بدأ يُتَداوَل في وسائل الإعلام الحديث عمّا يسمى بـ (ضربة الصدمة والفزع)، ومن ذلك: حمل الدول على الاستسلام بمجرد هذا التهديد، والتخويف من غير احتياج إلى خوض معركة حقيقية قد تكلفهم الكثير، وعندنا مثال واقعي من ذلك وهو استسلام نظام عربي، والقيام بتحطيم أسلحته بيده وتسليم أسرارها للعدو الذي كان يظهر العداوة له عدة عقود، وإن كنت أرجح أنه لو وجدت دولة تظهر الاستسلام، فإن هذا لن يمنع من دخولها في مظاهرة مسلحة إمعاناً في الإذلال والقهر ولو بعد حين، ومن ذلك: حمل كثير من ضعاف النفوس على المسارعة فيهم ليضمنوا لأنفسهم الأمان، فيكونوا لهم أعواناً وجواسيس، حتى إذا ما رفضت قيادة الدولة الاستسلام، أو أظهرت بعض الإباء والامتناع، كانت هذه الصفوف تعمل على سقوط الدولة، وانهيارها وعدم قدرتها على الصمود، وهناك من المحللين من يفسر الانهيار السريع غير المتوقع، وسقوط بغداد في غزو التحالف الصليبي للعراق بذلك.
لقد أعلن أعداؤنا بوضوح شديد لا لبس فيه، وبصفاقة شديدة لا أثر للمجاملة فيها، أنهم عازمون على تغيير ديننا، أو تغيير مفهومنا للدين، وأنهم سوف يسلكون لتحقيق ذلك كل سبيل بما في ذلك الإكراه بالقوة المسلحة، ولم يعد يهمهم اليوم أن يقدموا مسوغات حقيقية لعدوانهم غير رفع شعار محاربة الإرهاب، أو الحرب الاستباقية التي بمقتضاها يضربون من شاؤوا وقتما شاؤوا، وبدؤوا يطالبوننا بتغيير مناهجنا الدراسية، وحذف كل ما لا يتوافق مع تصوراتهم، أو يكون حجر عثرة في سبيل طموحاتهم في السيطرة على العالم التي لم يعودوا يخفونها عن أحد، كما بدؤوا يطالبوننا بإغلاق مدارسنا ومعاهدنا الشرعية بدعوى أن تلك المعاهد والمدارس تخرج إرهابيين، لأنها تدرس الدين الإسلامي الذي يعد ديناً إرهابياً في نظر الصليبيين، وصارت مؤسساتنا الخيرية غير مرغوب فيها، وليس لها من ذنب عندهم سوى أنها تقف في وجه التنصير في بلاد المسلمين، وتعين الناس على شدة الحياة وقسوتها، وقد بدأت بعض الأنظمة في الاستجابة لذلك، وقامت بإغلاق الآلاف من تلك المعاهد، وإني لأظن لو أن الدول العربية، أو بعضها طالبت أمريكا بتوقيع معاهدة عدم اعتداء بين الجانبين فلن تستجيب لذلك؛ لأن مثل هذه المعاهدة تعيق المخطط التوسعي الذي يسعى إلى تكوين إمبراطورية عالمية، وهم قد بدؤوا جولتهم بأفغانستان، ثم العراق، ثم...، ثم...
فما نحن فاعلون؟ من حقي ومن حق كل مسلم أن يفكر لمصلحة أمته، وفيما يدفع عنها البلاء والشدة، ويسعى في ذلك بجهده ما استطاع، بل هذا مما يجب على كل امرئ حسب مكانته وإمكاناته، وهذه نفثات صدر مكلوم، وهو يرى ما يدبر لأمته، والكثيرون لاهون عابثون؛ فهو كالرائد الذي يحذر قومه مما قد يفجؤهم و «الرائد ـ كما قالوا ـ لا يكذب أهله»، والمشوار العظيم إنما يبدأ بخطوات يسيرة، وأول ما نبدأ به مشوارنا:
1 ـ أن نوقن يقيناً تاماً، وأن نجزم جزماً أكيداً، أن أعداءنا عازمون على غزو بلادنا لاحتلالها، أو لجعلها في حكم المحتلة؛ حيث يولُّون علينا بعد غزونا مَنْ تكون قلوبهم معهم ممن يتكلم بألسنتنا، وإنما ينفذ من ذلك ما تسمح الأحوال بتنفيذه وفق الخطط المعدة، وكل شيء عندهم له وقته المناسب، وإنما يبدؤون بما يكون من البلاد أسهل عليهم وأنسب: إما لعزلته عن العام العربي بمشاكله مع جيرانه وتخويفه لهم، فيفرط العرب فيه كما حصل مع العراق، وإما لضعفه خاصة من الناحية العسكرية، وإما للاستفادة والاستعانة بثرواته على تمويل الحرب، وإما لأن سقوطه يضعف غيره ويسهل استسلامه؛ فإذا تساقطت الدول دولة بعد دولة، أمكن أن يتساقط الباقي بدون قتال، ومن هذا التصور فإني أرى أن آخر دولتين يمكن غزوهما في هذا المسلسل الذي يرسمه الشيطان، هما السعودية لمكانتها الدينية في نفوس المسلمين جميعاً، لاشتمالها على مكة (التي فيها بيت الله الحرام) والمدينة (التي فيها قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم - ) أقدس البقاع عند المسلمين، وأن المسلمين لا يمكنهم التهاون، أو التفريط في تلك البقاع؛ لأن ذلك يقرب من التفريط في الإسلام نفسه، وأنه لذلك لا يمكن أن يفكر التحالف الصليبي في غزوها إلا بعد الإضعاف والإنهاك الشديد للأمة الإسلامية، أو أن الخطة قد تعتمد على تقسيمها إلى جزأين: جزء يشمل مكة والمدينة وهذا يترك للمسلمين يحكمونه حتى لا يثيروا حفيظتهم، وجزء يشتمل على الأماكن الغنية بالنفط، وهذا يتم احتلاله المباشر من قِبَلهم، أو احتلاله بالواسطة أي بواسطة أوليائهم، وأتباعهم الذين ينتشرون في كل بلادنا العربية والإسلامية {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، والثانية مصر لكثافتها العددية، ولتدرب أكثر شبابها على استخدام الأسلحة المتنوعة، لقضائهم فترة إلزامية من عمرهم في الجيش، ولذلك يُعمل الآن على تحديد النسل كإجراء مؤقت، كما يتم السماح للمحترفين العسكريين بالتقاعد المبكر نظير مكافآت مالية كبيرة، وليس ببعيد عن هذه الخطة ما يجري من تطويق مصر من ناحية إضعاف السودان، وافتعال المشاكل بين مصر وبين دول حوض النيل حول تقاسم مياه النيل، لكنهما مدرجتان على الخطة إذا لم يسقطا من تلقاء نفسيهما، بعد الإنهاك الشديد الذي تتعرض له الأمة العربية والإسلامية، وخاصة بعد تدخل الأمم المتحدة في خصوصيات الدول العربية، وفيما يعد من قبيل السيادة القومية، وفرضها عليهم لأمور لم تستطع أن تفرضها، أو تفرض جزءاً منها على من يحتلون بلاد العرب والمسلمين.(4/129)
وهناك سيناريوهات كثيرة عند الأشرار لتحقيق ذلك، وقد بدأت دعوات كثيرة عند الأمريكيين تظهر بين كل فترة وأخرى تدعو إلى احتلال منابع النفط في السعودية، وإلى تقسيم مصر وتمكين النصارى فيها، وقد تناقلت كثير من المواقع الإخبارية مفاهيم وتصريحات أمريكية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تدور حول «أن العراق الهدف التكتيكي، والسعودية الهدف الاستراتيجي، ومصر الجائزة الكبرى». إن الأمر جد لا هزل فيه، وإن من أكبر الأخطاء التي يمكن أن نقع فيها الركون والانخداع ببعض الكلام الذي قد يردده الأعداء أو العملاء، بأنه لا خوف من الحرب؛ لأن أمريكا لا تشن الحرب على أصدقائها، أو أنها لا تشن الحرب إلا بمسوغات مقبولة، أو أنها لا تخالف الشرعية الدولية التي تمنع الاعتداء على الآخرين، ونحو ذلك الكلام الأجوف الذي لا مصداقية له؛ فإن مما هو معروف إلى درجة تبلغ اليقين أن هذه الدولة، أو تلك التي تملك من القوة ما تتمكن به من تحقيق ما تريد، إذا لم يكن لها دين صحيح يقودها؛ فإنها تتصرف بمقتضى الهوى، ولا يوقفها عن ذلك إلا القوة المضادة التي تجبرها إجباراً على مراعاة الآخرين. أما ما يدعى من حقوق الإنسان، والسلام العالمي، ونشر الحرية فذلك مجرد كلام لا رصيد له من الواقع، والشرعية الدولية التي يزعمونها ليست إلا وسيلة لإمضاء إرادة الدول القوية على الدول الضعيفة، في شكل يحفظ ماء وجه الحكام الضعاف عند شعوبهم، وهذه جملة لا يحتاج المرء فيها إلى إقامة الدليل؛ إذ يكفي النظر إلى أحوال العالم اليوم ليظهر الدليل على ذلك بلا خفاء.
لقد تبين للعالم أجمع أن كل المسوغات التي زعموها لشن الحرب على العراق كانت كذباً في كذب، ولست أشك أن أمريكا كانت على يقين كامل، وهي تشن الحرب على العراق، وتستنفر دول العالم في حملتها الظالمة بأن العراق لا يمتلك شيئاً من هذه الأسلحة المدعاة، ولو كانت أمريكا تشك مجرد شك أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل صالحة للعمل، لم تقدم على دخول الحرب بهذه الصورة التي لم يظهر فيها على الجنود أو المعدات أي أثر للاحتياطات التي ينبغي اتخاذها في مثل تلك الحالات، تحسباً لاستخدام تلك الأسلحة؛ فلما حدث الغزو، وانتهى كل شيء، وبدا لهم أنهم حققوا أو قاربوا ما أرادوا، لم يهمهم أن يعلنوا على العالم أنهم لم يعثروا على أسلحة الدمار الشامل التي كانت مسوغاً للغزو، وأنهم قد لا يعثرون عليها مستقبلاً، حتى اعترف المسؤولون فيهم بعد ذلك بكل برود أن ملف أسلحة الدمار الشامل في العراق قد جرى التلاعب فيه من قِبَل المخابرات عن قصد وعمد، ولنا أن نتساءل: هل جرى التلاعب فعلاً من المخابرات، أم أنه قد طلب ذلك منهم؟ والشيء الغريب أنهم بعد فضيحتهم في ذلك يقولون: لكننا وإن لم نجد الأسلحة، فإن العراق كان في نيته أن ينتج هذه الأسلحة، وهو منطق معوج وهو نفس منطق الذئب مع الحمل المعروف في التراث الشعبي. وبغض النظر عن الحديث بأنه لا حق لهم في منع أحد من امتلاك أسلحة هم أنفسهم يملكونها، بل هم أول من استخدمها فقتلوا بها مئات الآلاف من المدنيين اليابانيين من الرجال والنساء والأطفال غير أضعاف ذلك العدد من المصابين، مع تخريب الأرض والتربة في تلك الأماكن لأكثر من خمسين سنة؛ حيث جرى ضرب مدينتي نجازاكي وهيروشيما اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية، وذلك في لحظات من دون أية دواعٍ عسكرية تدعو لذلك؛ حيث إن هاتين المدينتين لم تكونا من المدن العسكرية، وإنما فُعل ذلك فقط من أجل إلقاء الرعب والفزع في قلوب الشعب، والقيادة، وفرض شروط الاستسلام؛ فلأجل تحقيق ذلك جرى ضرب اليابان بكل قسوة، دون التحلي بأي قدر من المسؤولية الأخلاقية في ذلك؛ فمن يستطيع الآن بعد التيقن من كذب هذه المسوغات، واعترافهم أنفسهم بذلك أن يعوض الشعب العراقي عما حدث له نتيجة كذب المخابرات أو خطئها؟ وأين الشرعية الدولية التي يزعمونها؟ وماذا قدمت لشعب العراق المسكين سوى إسباغ الشرعية على الاحتلال؟ لكني لا أنظر إلى ما تم في ذلك على أنه خطأ مخابراتي؛ فإن النظر إليه على هذا النحو هو نوع من البلاهة، بل هو أمر مقصود رُتب له بعناية على مدى سنوات متطاولة.
2 ـ إن من أكبر الأخطاء الفادحة أن نروِّج في وسائل إعلامنا، أو أن نقبل أن يروج أحد بيننا أن أمريكا بلد الحرية والعدل والمحافظة على حقوق الإنسان وكرامته؛ فإن هذا مما يسهل عليها غزونا فكرياً واحتلالنا عسكرياً. ألم يقتل في الحرب الأمريكية على العراق أكثر من مائة ألف نفس؟ فأي شيء يسوّغ لأمريكا قتل هذه النفوس، أو التسبب في قتلها؟ إن العراقيين لم يهاجموا أمريكا ولم يبدؤوها بقتال، بل الأمريكان وحلفاؤهم هم الذين جاؤوا من وراء البحار، ومن على بعد آلاف الكيلو مترات، فنزلوا أرضهم، وقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم، وسجنوا شبابهم، وعذبوهم بطرق وأساليب يندى لها الجبين خزياً وعاراً وشناراً، وتدل على همجية قلَّ أن يعرف التاريخ لها نظيراً. وهل كانت أمريكا تعرف معاني الحرية والعدل وحقوق الإنسان وكرامته، وهي تقدم الدعم غير المحدود لعصابات اليهود التي قامت بالاستيلاء على فلسطين بعد أن مكنتهم بريطانيا من ذلك؟ هل عرف التاريخ مثل هذه المأساة؟ قوم يأتون من بلاد بعيدة متفرقة فينزلون أرضاً فيقتلون أهلها ويشردون من بقي منهم، ويستولون على أراضيهم وممتلكاتهم، ثم يجدون من يدافع عنهم ويؤيدهم ويناصرهم، بل يعدون أهل الأرض وأصحابها الذين يدافعون عن أرضهم، وأموالهم من الساعين في الأرض بالفساد، الذين يجب سحقهم والقضاء عليهم؟ لكننا ما لنا نذهب بعيداً، أليست أمريكا نفسها قامت على المبدأ نفسه؟ ألم يستولِ أجداد الأمريكان على الأرض من أهلها الأصليين الهنود الحمر؟ ألم يقوموا بعملية إبادة منظمة لهم؟ أليس من الكذب والتضليل الذي يقوم به بعض من هم من بني جلدتنا أن يقال: إن أمريكا تعرف معاني الحرية والعدل وحقوق الإنسان، وأنها في تصرفاتها تعمل على تحقيق ما تعرف من تلك المعاني؟
3 ـ خذوا حذركم! لقد أمرنا الله ـ تعالى ـ بذلك، وإن أوْلى ما يستدعى فيه الأخذ بالحذر هي الأوضاع التي نحن فيها؛ ففي ظل تفرد دولة بالقوة الباطشة وأحلامها غير المحدودة في التوسع والتمدد، وبسط سلطانها، ونفوذها، وفرض ثقافتها ودينها على العالم، ومحاربة ما يخالف ذلك من ثقافات وعقائد، ما يجعلنا موقنين أن المعركة بين جند الرحمن وبين عبيد الشيطان قادمة لا مفر منها؛ إذ هما نقيضان لا يلتقيان، ونحن نخوضها في هذا الظرف بصفتها معركة مفروضة علينا، ولسنا نحن الذين فرضناها، ونحن ندخلها حين ندخلها في هذا الوقت كارهين مرغمين، ومثلنا في ذلك مثل القائل:
إذا لم تكن غير الأسنة مركباً *** فما حيلة المضطر إلا ركوبها(4/130)
وليس سوى ذلك إلا الذل والهوان، وتسليم أمرنا للصليبيين: يقتلون من شاؤوا، ويستعبدون من شاؤوا، ويشردون من شاؤوا، ولن يقبل الصليبيون من المسلمين أقلّ من ذلك، وتاريخهم معنا معروف في القديم وفي الحديث؛ فرغم عقيرتهم التي ترتفع صباح مساء مطالبة الدول العربية بالإصلاح، فإنهم لا يقبلون الإصلاح الحقيقي؛ لأن الإصلاح الحقيقي إنما ينحصر في اتباع شرع الله ـ تعالى ـ وعدم الخروج عليه كما قال نبي الله شعيب ـ عليه السلام ـ: {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] فسوف يمانع الصليبيون في أية خطة حقيقية للإصلاح، وسوف يسعون في تخريبها؛ لأنها تهدد مصالحهم، وتقضي على أطماعهم، وهم يسعون لإقرار خطط الفساد تحت اسم خطط الإصلاح تزويراً وكذباً؛ لأن الإصلاح الذي يسعون إليه هو الإصلاح من وجهة نظرهم، وهو الذي يحقق مصالحهم، حتى وإن أضر بمصالح البلاد والعباد. إن النظر إلى المشروعات الصليبية على أنها خطط للإفساد ليس نابعاً فقط من الرؤية الدينية، بل هي إفساد حتى من المنظور القومي أو الوطني؛ فالقومي أو الوطني الحقيقي الذي يحرص على مصالح قومه ووطنه ويسعى في سبيلها حتى ولو لم يكن إسلامياً، سوف يرى بكل وضوح أن الإصلاح الأمريكي ضد القوم والوطن؛ لأنه في النهاية إذابة للقوم والوطن في مسلاخ الأمركة؛ فالجري أمام الصليبيين وقبول ما يأتون به، والاستسلام لهم ليس طريقاً لأمن شرهم، بل هو طريق الهلاك والدمار؛ وإنْ وعد الشيطان ومنّى بغير ذلك؛ فلا ينبغي أن نفعل معهم كما فعل بعض المسلمين من قبلُ مع التتار؛ حيث كان التتري يخرج على جماعة من المسلمين، وليس معه ما يقتلهم به، فيقول لهم: مكانكم حتى آتي بالسيف فأقتلكم! فما يستطيع أحد أن يغادر مكانه، ويظلون واقفين في مكانهم لا يبرحونه إلى أن يأتي التتري بالسيف فيذبحهم به ذبح الشياه؛ وهذا ما لا يرضاه مسلم لنفسه، ولا لأمته التي شرفها الله ـ تعالى ـ وجعلها خير أمة أخرجت للناس، تلك الأمة الحاملة للرسالة الخاتمة، والتي كانت تحرص على الموت في سبيل الله، كما يحرص أعداؤنا على الحياة، بل علينا أن نقف وقفة الأسد عندما يُهاجَم عرينه، ولسان حالنا قول الشاعر:
ولست بمبتاع الحياة بسبة *** ولا مرتق من خشية الموت سلما
تأخرت استبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدما
فلا مناص لنا أن نوقن بحتمية المواجهة وبقرب ساعة النزال، فنستعد لذلك ونتجهز ونأخذ الأهبة ونعد العدة المستطاعة، امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وإني والله لموقن من نصر الله للمسلمين ومن هزيمة الكافرين، رغم ما عندهم من القوة وفراغ أيدينا من كثير من أدواتها ووسائلها؛ فإن القوم علاوة على كفرهم قد طغوا وبغوا وأكثروا في الأرض الفساد، وأتوا بكل أسباب الخذلان لهم من الله، فاستحقوا بذلك أن يكتب الله عليهم الهزيمة والخزي.
ولم يبق لتحقيق ذلك في عالم الواقع إلا أن يحقق المسلمون شروط النصر، حتى يحقق الله لهم ما وعدهم به؛ فإن الله لا يخلف وعده، وإن سنته لا تتبدل.
* شروط النصر:
ومن شروط النصر: أن ننصر الله. قال الله ـ تعالى ـ: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] ونصر الله هو نصر دينه وكتابه وسنة نبيه، فأعظم مخزون استراتيجي عند الأمة هو دينها الذي أعزها الله به، وهو أعظم سلاح تمسكت به، وبتحقيقها له وتمسكها بأحكامه حققت النصر في المعارك الصعبة، وإننا لو فتشنا حياة العرب كلها على مدى تاريخهم القديم والحديث، لم نكد نجد لهم من نقطة مضيئة إلا يوم أن آمنوا بالله ورسوله، وعضّوا على ذلك بالنواجذ، ولولا الإسلام لما راح العرب ولا جاؤوا، ولذلك لا يمكننا الحديث عن النصر الكامل، أو النصر المستقر ـ لا مجرد نصر زائف أو نصر خاطف مؤقت ـ إلا مع الالتزام بالإسلام، والتمسك به، والرجوع إليه.
ونحن بحاجة إلى جهود مخلصة مع عزمات الرجال الأشداء لنحقق نصر الله، حتى ينصرنا الله ـ تعالى ـ كما وعد من ينصره بنصرٍ من عنده، ولا مجال هنا للتفاصيل، ويكفي كل دولة من دول المسلمين أن تستعين بمجموعة من العلماء البارزين المخلصين ـ وهم كُثر بحمد الله ـ تعالى ـ وهم قادرون بإذن الله ـ تعالى ـ على وضع الخطط الجيدة، والسريعة، والقابلة للتنفيذ في عالم الواقع، للعودة بالأمة إلى دينها في جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والقضائية، والتربوية، والجهادية، والإعلامية. وينبغي على الدولة المسلمة أن تعتمد هذا الاتجاه؛ فتذلل أمام العلماء الصعوبات التي تعترضهم، وتمدهم بما يحتاجون إليه من رجال أو مال أو دعم؛ أي يكون هذا المشروع مشروع دولة لا مشروع فئة من الناس صغرت أو كبرت؛ فإن الخطر الداهم هو خطر بحجم الأمة كلها. وينبغي أن يكون التحدي المقابل بالحجم نفسه.
ومن شروط النصر: الاتحاد؛ فالاختلاف والتنازع سبب للهزيمة والجبن والضعف، وإفساد الخطط وضياع الأهداف. والوقت الآن ليس وقت حروب داخلية، أو نزاعات بين أقلية وأكثرية، أو بين حكومة ومعارضة، أو بين عدة اتجاهات سياسية، والوقت يمر بأسرع مما نتصور، والإعداد الجيد يتطلب وقتاً مكافئاً، وخاصة في مثل الأوضاع التي نعيشها في ظل البعد عن الفهم والالتزام الحقيقي بالدين؛ فالحرب القادمة تستهدف الجميع، ولا تعتد بهذه التفاريق والاختلافات التي بين المسلمين، أو بين الحكام والمحكومين؛ فالجميع أعداء بالنسبة للصليبيين، وما يظهرونه من اعتداد ببعض الفرق، أو الجماعات، أو الحكومات فإنما على اعتبار أنها مرحلة تكتيكية تخدم مخططهم الكبير؛ فهي إذا ناصرت بعضاً وأظهرت لهم المعاونة والتأييد فإنما ذلك لتحقيق أهداف خاصة بهم، كأن تناصر فريقاً وتمده بالعون ليقضي على الفريق الآخر، وفي ذلك إضعاف للجميع، أو تناصر المجاهدين للقضاء على عدو مشترك كما حدث في الحرب الأفغانية الأولى؛ فقد ناصرهم الصليبيون (وإن كان ذلك حدث بطريق غير مباشر عبر الأبواب الخلفية) من أجل القضاء على الشيوعيين؛ فلما تم لهم ذلك قلبوا للمجاهدين ظهر المجن، والدروس في التاريخ كثيرة، والواقع ماثل مشاهد للعيان، ومن لا يعتبر فإنه يجني ثمار ذلك علقماً وحنظلاً، يجنيه على نفسه وعلى قبيله، فلا مسوغ للاختلاف بين المخلصين الذين يرجون رحمة الله، ويحرصون على مصالح دار الإسلام؛ فالعدو يستهدف الجميع، ونصر دين الله هو عمل الجميع، وقد قال ـ تعالى ـ محذراً من التنازع والاختلاف: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] ويعظم التنازع، ويكثر الاختلاف عندما يكون الأعداء على مشارف البلاد، وهذا أمر لا بد أن يدركه الجميع، وليس المطلوب أن يدركه فريق بينما بقية الفرقاء يغطون في نوم عميق: لا يهمهم ولا يعنيهم غير تحقيق مصلحة حزبهم أو جماعتهم، بمنظارهم الضيق، تلك المصلحة الحزبية أو الفئوية التي لا يمكن أن تستوعب مصلحة الأمة كلها.(4/131)
ومن شروط النصر: إعداد المستطاع من القوة، وقد تعددت وسائل القوة، واختلفت صورتها من جيل إلى جيل، والمطلوب أن يعد المسلمون ما استطاعوا من القوة المناسبة لعصرهم، كما جاء الأمر بذلك في كتاب الله ـ عز وجل ـ فقال ـ عز من قائل ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. إن من فوائد إعداد العدة أنها تقوم بوسيلة الدفاع من حيث لا يدري المسلمون؛ فاستعداد المسلمين وتحصنهم بالآلات والوسائل القتالية المناسبة لعصرهم، تلقي في قلوب الأعداء الذين لا نعلمهم أو لا نعلم بعداوتهم الرعب والخوف، فلا يجرؤون على العدوان علينا، ولذلك جاء قوله ـ تعالى ـ بعد الحديث عن إعداد القوة فقال: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] فأَمْر الله ـ تعالى ـ بإعداد ما يستطاع من القوة، يعني أن المسلمين مكلفون بذلك، وأن التهاون أو التفريط فيه يعرضهم لعقاب الله تعالى، بل عليهم أن يبذلوا جهدهم ما استطاعوا وأن يستفرغوا وسعهم، ثم بعد ذلك يقال: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» أي لا يكلفها ما تعجز عنه، أو ما لا يمكنها فعله إلا بمشقة شديدة، تخرج عن حد الوسع والطاقة، وغير ذلك فإنما هو التهاون والتخاذل.
وفي واقعنا المعاصر يمكننا أن نحدد أربع مجالات من مجالات إعداد القوة:
أولاً: المجال التربوي: فإن المجتمعات تقاس قوتها اليوم بما لديها من نظم تربوية وتعليمية قادرة على إعداد الأجيال وتهيئتها، وفق عقيدة المجتمع وثقافته. وعلينا نحن في هذا المجال أن نعتني بالتربية في الجانب الشرعي التي تحفظ علينا ديننا، كما نعتني بالتعليم في الجانب التقني الذي يمكننا من مواكبة العصر وعدم التخلف عنه، من غير أن ينفي أحدهما الآخر؛ إذ لا تعارض بين الأمرين؛ فإن تعلم المعارف الدنيوية التي تحتاج إليها المجتمعات من فروض الكفايات، كما بيّن ذلك أهل العلم، ونصوا عليه في مصنفاتهم، والإنسان ينبغي له أن يتخصص في جانب بعد أن يكون قد حصل الأمور الأساس في بقية الجوانب، كما أن ما عرف بـ «سياسة تجفيف المنابع» أي منابع التدين في المجتمعات الإسلامية والتي اعتمدتها بعض المؤسسات الحاكمة، لا تكون إلا معولاً من معاول الهدم في يد الأعداء، كي يهدموا بنياننا، ويقوِّضوا صروحنا، ويستولوا على ديارنا وثرواتنا. إنّ فهم الدين الفهم الصحيح، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، وإزالة كل ما يعارضه ويخالفه: هو صِمَام الأمان للمجتمعات في داخلها وخارجها. إن الدين هو الذي يُنشئ مجاهدين أقوياء شجعاناً ومقاومين، لهم بأس شديد أمام عدو الإسلام والمسلمين، وإن العناية بالتعليم في الجانب التقني تجعل أبناءنا يحوزون خبرات ومعارف العصر، حتى يمكن لنا أن نقيم مصانعنا بأيدينا، وننتج ما نحتاج إليه، فلا نكون عالة على غيرنا، حتى نستورد منهم أتفه الأشياء في بعض الأحيان، بحجة رخص ثمنها وجودة صناعتها، ومتى يمكن لنا أن نتقدم في هذا المجال إذا ظللنا نعتمد سياسة الاستيراد، إنّ من أهم ما ينبغي أن نحرص عليه في مجال التقنية أن تكون بلادنا قادرة على إنتاج سلاحها الذي تحمي به نفسها ورعاياها، فتحمي بذلك البلاد والعباد من بأس الكافرين وظلمهم، وليس من المعقول أو المقبول أن تنتج كثير من الدول على اختلاف مللها النصرانية، واليهودية، والبوذية، وعباد البقر والوثن، كثيراً من أسلحتها التي تحتاج إليها لتحقيق أهدافها ولحماية أراضيها، بينما يقف المسلمون وحدهم يتسولون السلاح.
ثانياً: المجال التثقيفي: وهذا دور وسائل الإعلام الملتزمة بعقيدة بلدها وثقافة أمتها؛ حيث تقوم بتثقيف العباد وتبصيرهم؛ ببيان الحقائق، وكشف مخططات الأعداء وأساليبهم، ومن يجاريهم ويسير في دربهم وعلى مناهجهم، حتى تتكون لدى عامة المسلمين ثقافة المناعة والامتناع أمام الغزو الفكري، لا أن تكون تلك الوسائل هي رأس الحربة، والجسر الذي تعبر عليه كل الفلسفات الباطلة، والأخلاق الهادمة؛ فالإعلام لا بد أن يعد نفسه هو رأس الحربة والجسر الذي يعبر عليه المسلمون لفهم واقعهم على الوجه الصحيح، وفهم أعدائهم وخططهم وطرقهم، وأن يحصنهم ضد كثير من أفكارهم التي تتناثر عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت تناثر الهوام؛ لأن تنويم الشعوب، وإشعارها بالطمأنينة الكاذبة، وعدم إطلاعها على حقيقة تربص الأعداء بها، لا يصب إلا في مصلحة العدو، بل يعد ذلك نوعاً من مشاركة العدو في استهدافهم لبلادنا. ولو أردنا أن نحدد للإعلام أهدافاً يجول من خلالها، وهو يقوم بدوره الإعلامي لقلنا: إن على الإعلام أن يعمل على بيان الحقائق وتوضيحها، وخاصة المتعلقة بعلاقة الغرب بالإسلام والمسلمين، وتوحيد قوى الأمة كافة، وإزالة ما بينها من فرقة واختلاف، أو شحناء، وإشاعة التراحم بين الناس، وحثهم على التعاون والتكامل، وشحذ الهمم نحو البذل والعطاء، والجهاد في سبيل الله؛ فمن خلال العمل على تحقيق هذه الأهداف يقوم الإعلام برسالته الإعلامية.(4/132)
ثالثاً: المجال الاقتصادي: صار الاقتصاد اليوم من أهم عناصر القوة، لذلك كانت تقوية الاقتصاد في بلاد المسلمين تقوية للأمة في معركتها المفروضة عليها من أعدائها، وأول خطوة في تقوية الاقتصاد هو اجتناب الربا اجتناباً كاملاً تاماً؛ لأن أصحاب الربا مخذولون غير منصورين؛ إذ الربا والخذلان قرينان، وقد آذنهم الله بالحرب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 - 279]...الآيات؛ فمتى يُنصر من يحاربه الله ورسوله؟ وقد بيّن الله ـ تعالى ـ أن الربا لا فائدة فيه، وأن عاقبته إلى قُلٍّ وإن كثر؛ كما قال ـ تعالى ـ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]. ومن ذلك أيضاً نشر ثقافة الاستهلاك الرشيدة التي تهدف إلى الحصول على الاحتياجات من غير إسراف، أو توسع في الكماليات، وزيادة الإنتاج، وتجويده وتنويعه، حتى يغطي أكثر احتياجات السوق المحلية؛ مما يحفظ قوة العملة، وقدرتها في الأسواق المالية، والاستغناء عن الاستيراد في كثير من الأمور إلا ما لا بد منه، والعمل على أن يكون لدينا فائض من إنتاجنا، نصدره لضمان قوة اقتصادنا؛ وهذه بلا شك أمور لا تتم بالأماني والرغبات، بل هي في حاجة إلى تخطيط جيد من عدة نواحٍ، وليس في هذا مشكلة؛ إذ المخططون الأكفاء موجودون، والمطلوب الآن الاستعانة بهم، وعدم تهميشهم، والعمل بما يشيرون به في هذا المجال، وقد جربت أمتنا كثيراً من الخطط الاقتصادية، سواء ما ينتمي إلى الفكر الغربي الرأسمالي، أو الفكر الشرقي الشيوعي أو الاشتراكي، ولم تجن من وراء ذلك تقدماً أو تحسناً، بل الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً بمرور الأيام؛ فهذه الديون على الدول قد زادت زيادات غير معقولة، حتى إنها لو وزعت على أفراد بعض الدول ذات التعداد الكبير لكانت كل نفس فيها (حتى الأطفال الرضع) مدينة بعدة آلاف من الدولارات، ولم يبق للدول إن أرادت الخير إلا أن تبحث عن الخطط التي تنطلق من الفهم الإسلامي للاقتصاد، وهم مدعوون إلى ذلك من منطلق الدين أولاً: لأن هذا هو الفرض عليهم، ومدعوون إليه ثانياً: من قِبَل الدنيا؛ لأنه هو الكفيل بتحقيق الحياة السعيدة بعيداً عن الحياة التعيسة البئيسة.
رابعاً: المجال العسكري: وهو أشهر مظاهر القوة وأصرحها، وعليه يقع عبء كبير، لكنه إذا لم تسانده المجالات المتقدمة؛ فإن فعاليته تكون ضعيفة، والناس تنقسم في هذا المجال إلى عسكريين ومدنيين، لكن هذا التقسيم إنما ينظر إليه عند جهاد الطلب، أما عند الدفاع عن الحرمات والحريم، والعيال والديار؛ فإن الجميع من عسكريين ومدنيين يطالبون بذلك، ولا أثر لذلك التفريق على توجه الطلب للجميع. واستعداداً للجولة القادمة التي يفرضها علينا أعداؤنا في تلك الظروف، وحالات الضعف التي تمر بها الأمة، فإنه ينبغي علينا أن نقوم بتدريب الجيوش تدريبياً حسناً، وأن نمدها بالأسلحة الحديثة المتقدمة المتطورة، مع إجراء المناورات المتعددة واختبار القدرات، وربط ذلك كله بالجانب العقدي في المحافظة على الدين، وحماية دار الإسلام، وشحن العسكر شحناً إيمانياً عن طريق جهاز التوجيه الديني المعاون للجيوش. وإذا كانت الجيوش بما لديها من أسلحة قديمة وغير متطورة، لا تستطيع بعد بذلها لما يمكن بذله من النفوس أن تحقق التفوق والتغلب على أسلحة الأعداء؛ فإن هناك من أنواع الخطط العسكرية (التكتيك) التي يمكن اتباعها، والتي يمكن أن توقع بالعدو خسائر جسيمة لا يستطيع تحملها مع طول أمد المعركة، وهذه الخطط تعتمد على حرمان العدو من القدرة على استعمال السلاح الأكثر تطوراً، والذي لا يملكه أحد غيره سوى حلفائهم؛ فإذا أمكن تحييد هذه الأسلحة بالطرق المعروفة في الفنون العسكرية، صارت المعركة بيننا وبين أعدائنا تعتمد في أغلب جوانبها على السلاح التقليدي الذي يمكننا صناعته، أو الحصول عليه بطرق كثيرة من خلال المنافذ المتعددة. وهنا يظهر تأثير الجندي القوي المؤمن بقضيته وحقه، بل واجبه في الدفاع عن دينه وأمته ووطنه، ومع الإعداد الإيماني لجنودنا، إضافة إلى الإعداد العسكري الجيد، فإن النصر في صفنا بإذن الله، ولن نخسر المعركة أبداً من قِبَل نقص السلاح والعتاد، وإنما تأتي الخسارة من قِبَل ضعف العزيمة والوهن الذي يصيب النفوس، برغبتها في الحياة، وتغليب العيش الذليل على عز الجهاد والاستشهاد، وقد أثبتت الخبرة المكتسبة من عدة حروب، من آخرها الحرب الدائرة في العراق الآن بين المحتل الصليبي وبين أهل البلد المقاومين؛ أن الأسلحة التقليدية قادرة ـ بإذن الله ـ على فعل الأعاجيب، وإيقاع الخسائر البالغة بأصحاب القوة العظمى، وهذا يستلزم من دول المسلمين، وهي تخشى على نفسها من عدوان العدو الغادر الذي لا يقيم وزناً لأي شيء إلا ما وافق مصلحته الذاتية، أن تقوم بتدريب فئة قوية من الشعب (تتراوح أعمارها غالباً بين العشرين والأربعين) على مختلف الأسلحة إلى حد الإتقان، مع تكديس الكثير من هذه الأسلحة وذخيرتها في مخازن عدة متفرقة في أماكن مختلفة على طول البلاد وعرضها، بالإضافة إلى تمكين الشعوب من الحصول على ذلك السلاح عند قرب اقتحام الأعداء لحدود البلاد، مع تنظيم تلك المجموعات الشعبية، وترتيبها وتعويدها العمل الجماعي المنضبط، مع ما يتبع ذلك من تأمين وسائل اتصال جيدة بين تلك المجموعات، وغير ذلك مما يُحتاج إليه في ذلك، وهو ما يعرفه العسكريون بصورة أكمل وأشمل، وينبغي أن نجهز ذلك من الآن قبل أن يدهمنا العدو، فلا نملك التجهيز والإعداد إلا والعدو فوق رؤوسنا؛ فإن الأمر أعجل مما نتصور بكثير، وليس يمنع أعداؤنا من هذه الخطوة إلا عدم قدرتهم العسكرية على إشعال أكثر من حرب في أماكن متعددة، وخاصة بعد الصمود غير المتوقع من المقاومين العراقيين، ولو أن العراقيين سلَّموا من أول أمرهم، ولم يقاوموا بل استقبلوا ذلك بالتسليم والتاييد لتغير التاريخ والجغرافيا في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.(4/133)
إن المستقرئ للأحداث يدرك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليست هي المحرك الوحيد لما تلاها من أحداث، وإن حاول الصليبيون أن يروجوا ذلك، ولكنها كانت الظرف الأفضل الذي يمكن من خلاله عمل ما جرى التخطيط له منذ زمن. إن أمريكا بعد انهيار توازن الرعب بانهيار الاتحاد السوفييتي اشرأب عنقها نحو السيطرة الفعلية على العالم، وإن هذا قد جرى التخطيط له منذ فترة رئاسة (ريجان)، بل قبل ذلك، ولكننا نحن الذين لم نتفطن لذلك ولم ننتبه له، وكان ينبغي علينا أن نحسب لهذه الأيام حسابها، وأن نعد لها العدة، فإن الذي يبدأ بالضربة الأولى هو الذي يملك زمام الأمر لفترة تطول أو تقصر بحسب قوته، واستعداده، وبحسب قوة الخصم، واستعداده لاستيعاب الضربة الأولى، ولا شك أن الذي يكون في وضع الدفاع يفقد جزءاً من قوته مع الضربة الأولى، وتتوقف استعادته لتوازنه على قدرته وتدريبه على مثل تلك المواقف، وكيفية مواجهتها ووضع الخطط المناسبة لها، ونحن وإنْ كنا لن نضرب الضربة الأولى لعدم استطاعتنا لذلك، بل سنظل ننتظر الضربة التي تقع علينا؛ فما زال في الوقت فسحة ولو قصيرة للمخلصين للتخطيط لتلقي الضربة الأولى، وكيفية العمل على إفسادها، ومن ثم العمل على إيقاف تلك الهجمة التي لو قدر لها أن تنجح فلن تبقي ولن تذر، وسيتحول المسلمون الطاهرون عندها إلى رعاة خنازير عند عباد الصليب. وبعدُ فنحن هنا لسنا دعاة حرب، بل في حالة دفاع عن الدين والنفس والمال والعرض، وكلها من الضروريات، ولسنا في حالة هجوم؛ فنحن لا نخطط للذهاب إلى بلادهم وديارهم ومهاجمتهم، وإنما ندعو أمتنا للتخطيط من أجل الحفاظ على ديننا وديارنا وأهلينا وثرواتنا، وليس في هذا عدوان على أحد، وإنما هو محاولة لرد العدوان، ومحاولة لزجر من تسول له نفسه أن يقترب من حياضنا؛ حتى يعلم أننا لسنا لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وهضمها، بل يدرك أننا لقمة مُرَّة يصعب ابتلاعها، وأنه لن يشعر بالسعادة أبداً إذا حاول ابتلاعها، بل سيجدها أشواكاً ضخمة في حلقه مثل الكلاليب تسد حلقه، حتى تقضي عليه، {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} [الروم: 4 - 5]. وإني أرى أن تقوم الآن في كل دولة مسلمة هيئة هدفها العام إعداد الدولة للمواجهة والجولة القادمة، وهي هيئة حكومية أو مدعومة من الحكومة تتعاون فيها وزارات الدفاع، والدعوة، أو الأوقاف، والتعليم مع مجموعة من الكفاءات الشعبية، ومن أول ما ينبغي القيام به من هذه الهيئة أن تطلع الشعوب على ما يراد بهم؛ فإن عدونا لم يعد اليوم يخشى من التصريح بما يريد فعله في ديار المسلمين، فألفاظهم صريحة محددة، ومباشرة ليس فيها تورية؛ فلا بد من إطلاع أمتنا على ذلك، حتى تكون لديهم البصيرة بما يراد بهم، وماذا يريد هؤلاء منهم، وحتى لا ينخدعوا ببعض ما قد تبثه وسائل الإعلام التابعة، أو الموالية لهم، ولست أتمنى أن يأتي اليوم الذي يقف فيه الإنسان، كما وقف الشاعر العربي قديماً بعدما نصح قومه بالاستعداد للعدو فأهملوا نصحه، حتى فجأهم العدو ضحى على حين غرة، فحصل لهم ما حصل من الهزيمة والخسران؛ فوقف الشاعر وقال:
أمرتُهُمُ أمري بمُنعَرَج اللِّوى *** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ
أسأل الله ـ تعالى ـ أن يوفقنا وأمتنا، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد كيد عدونا في نحره.
==============
فقه النوازل في العبادات
القسم الثاني
( الزكاة )
من إلقاء الشيخ:
أ . د / الدكتور : خالد بن علي المشيقح
اعتنى بها:
أبو معاذ/ محمد عمر ليامين فيصل محمد الصعيدي
نسخة مصححة ومفهرسة
m
إن الحمد لله أحمده وأستعينه واستغفره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً ورزقاً حلالاً طيباً واسعاً وعملاً متقبلاً ، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد .
أيها الأحبة : نحن في أول درس من دروس هذه الدورة المباركة نحمد الله عز وجل ونشكره على ما منَّ به علينا من هذه العلوم والدروس ، فإن تعلم العلوم من أجل العبادات وأفضل القربات وخير ما تُقَضَّى به الدقائق والساعات .
وفضل العلم وأجره كبير والآثار في ذلك كثيرة جداً متضافرة لا تخفى على الجميع ولهذا قال ابن المبارك رحمه الله تعالى : « لا أعلم مرتبة بعد مرتبة النبوة أفضل من تعلم العلم وتعليمه ».
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:« العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته ، قيل : وكيف تصح النية ؟ قال : أن ينوي أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره ».
وأهنئ الأخوة الذين يحرصون على تقضية لحظات عمرهم وأنفاسهم في مثل هذه المجالس المباركة التي تحفها الملائكة وتغشاها السكينة وتنزل عليها الرحمة .
وتواصلاً للدورة السابقة فإننا في الدورة السابقة في مثل هذا الوقت من العام الماضي كنا شرعنا في دراسة جملة من النوازل المتعلقة بكتاب الطهارة ثم أخذنا جملة من النوازل المتعلقة بالصلاة ، وتوقفنا على ما يتعلق بنوازل الزكاة وسنجتهد إن شاء الله خلال هذه الدروس الستة في جمع شيء من المسائل والنوازل المتعلقة بالزكاة .
فهناك نوازل كثيرة تتعلق بأحكام الزكاة مثل ما يتعلق بزكاة السندات وزكاة الأسهم وزكاة خدمة نهاية السنة وما يتعلق باستثمار أموال الزكاة من قِبَل المالك هل له أن يستثمرها وأن يضارب فيها وأن يبيع ويشتري ؟ وأيضاً ما يتعلق باستثمار أموال الزكاة من قِبَل الإمام الأعظم هل له ذلك أو ليس له ذلك ؟ وكذلك ما يتعلق بزكاة الأموال المحرمة مثل أموال الربا ومثل أموال الميسر ، هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟ ومثل ما يتعلق بالأوراق النقدية وما قدر النصاب في الأوراق النقدية ؟. ومثل ما يتعلق بزكاة الرواتب الشهرية التي يلابسها كثير من الناس اليوم .
فهذه مسائل كثيرة جَمعتُ كثيراً منها وسنطرح إن شاء الله هذه المسائل حسب ما يسمح به الوقت .
قبل أن نبدأ بطرح هذه المسائل سنعرف النوازل في اللغة والاصطلاح ثم بعد ذلك نقوم بتعريف الزكاة في اللغة والاصطلاح ثم سنذكر حكم الزكاة وبيان مكانتها في الإسلام وحِكمها أو شيئاً من حكمها كمقدمة لموضوعنا ثم بعد ذلك نشرع بدراسة النوازل المتعلقة بأحكام الزكاة .
تعريف النوازل
النوازل في اللغة :جمع نازلة وهي اسم فاعل وتطلق على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس .
وأما في الاصطلاح : اختلف المتأخرون في تعريفها على عدة تعريفات :
فقيل : أنها الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد .
وقيل : بأنها الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي .
وقيل : الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي .
وهناك تعريفات أخرى لكن نكتفي بهذه التعريفات الثلاثة .
وأقرب هذه الأقوال : أن النازلة في الاصطلاح : " هي الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي " .
فقولنا :" الحادثة الجديدة " أي ما يَجِدُّ من الوقائع والمسائل التي تستدعي إلى بيان حكمها الشرعي بالاجتهاد عند أهل العلم .
وقولنا :" التي تحتاج إلى حكم شرعي " يُخرج الحوادث الجديدة التي لا تحتاج إلى حكم شرعي مثل البراكين ، والزلازل ، والفيضانات . فهذه حوادث جديدة لكنها من أقدار الله الكونية القدرية ومثل هذه لا ينظر فيها المكلف فيما يتعلق بحدوثها هل يحتاج إلى حكم شرعي أو لا يحتاج .(4/134)
وقولنا :" التي تحتاج إلى حكم شرعي " يخرج الحوادث التي استقر فيها الرأي واتفق على حكمها .
تعريف الزكاة
الزكاة في اللغة : تطلق على معاني منها : النماء والزيادة و التطهير و المدح .
أما في الاصطلاح : هي إخراج نصيب مقدر شرعاً في مالٍ معين لأصناف مخصوصة على وجه مخصوص .
حُكم الزكاة
تعتبر الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام ، وقد قرنها الله عز وجل في كتابه بالصلاة فيما يقرب من اثنتين وثمانين موضعاً .
والأدلة عليها كثيرة جداً من كتاب الله وسنة رسوله r من ذلك:
* قوله تعالى : âوَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ? .
* حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين أن النبي r قال :« بني الإسلام على خمس : شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ) (1).
* وأجمع المسلمون على فرضيتها (2).
حُكم تارك الزكاة
من ترك الزكاة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يتركها جاحداً لوجوبها نقول هذا كافر لأنه مكذب لله ولرسوله r ولإجماع المسلمين حيث دل الكتاب ودلت السنة على أن الزكاة فرض والمسلمون أجمعوا على فرضيتها .
الأمر الثاني : أن يتركها بخلاً وكسلاً فهل هذا يكفر أو لا يكفر ؟ هذا موضوع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله .
أكثر العلماء على أنه لا يكفر وهذا القول هو الصواب ويدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي r لما ذكر تارك الزكاة وذكر عقوبته في الآخرة قال النبي r :« ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ».
حِكم الزكاة
الزكاة لها حِكم كثيرة ومقاصد شرعية كبيرة منها :
1- التعبد لله U بإخراج هذا النصيب من المال .
2- الاستجابة لأمر الله ولأمر رسوله r ، كما في قوله تعالى: â وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ? ، وكذلك كما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
3- شكر الله U على نعمة المال ، فإن الله U أنعم عليك بهذا المال فمن حكم الزكاة ومقاصدها أن تشكره بإخراج جزء من هذا المال لأهله المستحقين والله U يقول: â وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ? (3) .
4- تطهير المزكي من البخل والشح والطمع والتعلق بالدنيا وتحليته بمحاسن الأخلاق ومكارم العادات بالجود والكرم والبذل والله U يقول : âخُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (4).
5- أنها تطهر الفقير من الغل والحسد وما قد يحدثه الشيطان في قلب هذا الفقير على أقدار الله وحكمه فقد يكره قضاء الله وقدره وقد يحسد أخاه الغني وقد يغل عليه ويدل لهذا الآية السابقة âخُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا? فقوله سبحانه وتعالى âتُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا? تطهير للغني وتطهير أيضاً للفقير .
6- تطهير المال المزكى ويحفظ عنه الآفات والمصائب إذا خرج هذا القدر من المال ويدل لذلك ما تقدم عند قوله U âتُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا?،وكذلك أيضاً النبي r وصف الزكاة بأنها أوساخ الناس مما يدل على أن المال يتطهر بإخراج هذا الجزء المعين من المال .
7- مواساة الغني للفقير .
8- طهارة المجتمع بالكلية .
9- ما يحصل من رفعة الدرجات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات وفي حديث معاذ أن النبي r قال :« الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار » (5).
ويقول r :«كل أمريء في ظل صدقته يوم القيامة » ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه . والآثار في ذلك من القرآن والسنة كثيرة جداً .
10- ما يحصل من تكافل المجتمع .
المسائل المتعلقة بنوازل الزكاة :
المسألة الأولى : : ما يتعلق بزكاة الأوراق النقدية
وهذا تحته مسائل :
1- مراحل تعامل الناس في البيع والشراء قبل تعاملهم بالأوراق النقدية والسندات الموجودة الآن :
المرحلة الأولى :
كان الناس في بداية الحياة البشرية يتبادلون الأشياء عن طريق المقايضة ، مثال ذلك : إذا احتاج شخص إلى ثوب عند التاجر فإنه يذهب ويعطيه كتاباً أو براً مثلاً ويأخذ هذا الثوب ، وهكذا هذه هي المرحلة الأولى.
المرحلة الثانية :
ومع مرور الزمن وجد الناس أن المقايضة فيها شيئاً من الصعوبة ، فانتقلوا إلى المرحلة الثانية وهي أنهم خصصوا بعض السلع من المواد الغذائية وكذلك أيضاً الجلود لكي تكون ثمن الأشياء عند المبادلة ، فإذا أراد أن يشتري المشتري مثلاً كتباً أعطى للبائع جلداً وأخذ الكتاب وإذا أراد أن يشتري ثوباً أعطاه براً أو تمراً وأخذ الثوب .
المرحلة الثالثة :
ومع مرور الزمن وجد الناس أن هذا العمل أيضاً فيه شيء من الصعوبة إذ أنه يحتاج إلى نقل فانتقلوا إلى المرحلة الثالثة وهي أنهم عمدوا إلى الذهب والفضة فجعلوهما أثماناً عند البيع وعند مبادلة الأموال وسُبِكت هذه المعادن الثمينة وختمت لكي لا يدخلها الغش فظهر ما يسمى بالدينار - والدينار قطعة من الذهب - وظهر ما يسمى بالدرهم - والدرهم قطعة من الفضة- ، فأصبح الناس يبيعون ويشترون وتكون الأثمان هي هذه الدراهم والدنانير .
المرحلة الرابعة :
ثم بعد ذلك تطور الأمر فالتجار لما حصل عندهم مثل هذه الدراهم والدنانير وكثرت في أيديهم خشوا عليها من السرقة فأودعوها عند الصاغة والصيارفة وأخذوا مقابل هذا الإيداع سنداً ، وأن هذا التاجر له عند هذا الصائغ مقدار كذا وكذا من الذهب ومقدار كذا وكذا من الفضة. الآن أصبحت السندات بأيدي الناس والناس يثقون بهذه السندات وأنها تقابل ذهباً أو تقابل فضةً عند هؤلاء الصيارفة والصاغة لهذا التاجر فوثقوا في مثل هذه السندات فأصبحوا يستعملون هذه السندات في البيع والشراء فظهر عندهم ما يسمى الآن بالأوراق النقدية .
ولما ظهرت هذه السندات أصدرت الدول قانوناً يُلزم الناس بقبول التعامل بمثل هذه السندات وذلك عام 1254هـ ، وكانت هذه السندات التي أصدرتها الدول وأخذت بها في أول الأمر تغطى غطاءً كاملاً بالذهب فالدولة إذا أصدرت هذا السند مثلاً فئة الريال أو المئة ريال تكتب عليه أنها تتعهد لحامله كذا وكذا من الذهب أو كذا وكذا من الفضة .
المرحلة الخامسة :
ثم بعد ذلك تطور الأمر لما احتاجت الدول إلى النقود ، فطبعت الدول كميات كبيرة تفوق ما عندها من الذهب فأصبحت هذه الأوراق النقدية لا تكون مغطاة بالذهب إلا في حالة واحدة فقط وهي عند تعامل الدول بعضها مع بعض، فإنها إذا أرادت أن تتعامل دولة مع دولة تقوم بتحويل هذه الأوراق النقدية على ذهب أي توفر الغطاء الذهبي لهذه الأوراق النقدية, والدولة تحمي مثل هذه الأوراق النقدية ، ووثق الناس بهذه الأوراق النقدية واتخذوها ثمناً للسلع .
المرحلة السادسة :
ثم بعد ذلك تطور الأمر فلجأت بعض الدول الكبيرة إلى إلغاء مثل هذا التعامل وذلك في عام 1392هـ فأصبحت هذه الأوراق النقدية أيضاً يتعامل بها حتى على المستوى الدولي ولا تكون مغطاة بالذهب .
2- التكييف الفقهي لهذه الأوراق النقدية وهل تجب فيها الزكاة :
اختلف فيها العلماء رحمهم الله في تكييفها وما هي هذه الأوراق ؟ هل هي عروض تجارية ، وهل هي بدل الذهب والفضة ، وهل هي سند بدين على مُصدره لحامله ؟ اختلف المتأخرون في تكييف هذه الأوراق النقدية على أقوال :(4/135)
القول الأول : بأن هذه الأوراق النقدية تعتبر سنداً بدين على مصدرها لحاملها ، مثلاً ورقة مئة ريال أصدرها البنك المركزي أو مؤسسة النقد فحامل هذه المئة ريال يستحق ديناً بمقدار الرقم المكتوب على هذا السند على من قام بإصدارها : إما مؤسسة النقد أو البنك المركزي في هذه الدولة .
ذهب إليه بعض المتأخرين واستدلوا على ذلك : بأن الحكومات تلتزم بهذه الأشياء فدل ذلك على أنها ديون .
القول الثاني : قالوا بأن هذه الأوراق النقدية هي من عروض التجارة ، وليس لها وصف الثمنية مثل : الكتب ، ومثل الثياب .
واستدلوا على ذلك قالوا بأن هذه الأوراق النقدية ليست ذهباً ولا فضة ولا مكيلاً ولا موزوناً فهذه عروض تجارة .
وهذا القول من أضعف الأقوال لأننا لو قلنا بأنها عروض تجارة يؤدي ذلك إلى عدم وجوب الزكاة فيها وكذلك يترتب على ذلك عدم جريان الربا في هذه الأوراق .
القول الثالث : أن هذه الأوراق النقدية بدل عن الذهب ،والفضة .
واستدلوا على ذلك : بأن التعامل في الأصل في الذهب والفضة ثم خرجت هذه الأوراق النقدية فقالوا بأن البدل له حكم المبدل فأخذت حكمها .
القول الرابع و الأخير : أن هذه الأوراق النقدية عبارة عن نقد مستقل قائم بذاته يجري عليه ما يجري على الذهب والفضة من الأحكام .
وهذا القول هو قول أكثر العلماء وبه أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وكذلك أيضاً هو قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة وكذلك أيضاً هو قرار مجمع الفقه الإسلامي وهذا القول هو الصواب .
فنقول بأن هذه الأوراق عبارة عن نقد مستقل قائم بذاته يجري عليه ما يجري على الذهب والفضة من الأحكام .
ويترتب على ذلك : أن الزكاة تجب في هذه الأوراق النقدية كما أن الزكاة تجب في الذهب والفضة ، وإن لم يحركها بالبيع والشراء كما أن الإنسان لو كان عنده ألف جنيه أو ألف سبيكة من سبائك الذهب تجب فيها الزكاة ، بخلاف من قال : بأنها عروض تجارة مثل الكتب ومثل الألبسة فهذه لا تجب فيها الزكاة إلا إذا كان يباع ويشترى فيها فقط .
والصواب أنها نقد قائم بذاته وأن الزكاة واجب فيها ويجري عليها ما يجري على الذهب والفضة من الأحكام ، ويستثنى من ذلك حلي النساء على الخلاف المعروف ما عدا ذلك تجب الزكاة في ذاتها .
3- نصاب الأوراق النقدية :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في نصاب الأوراق النقدية . هل يقدر بالذهب أو يقدر بالفضة أو يقدر بالأحظ للفقراء من الذهب والفضة , المتأخرون لهم في ذلك ثلاثة أراء :
الرأي الأول : قالوا بأن نصاب الأوراق النقدية يقدر بالفضة يعني إذا بلغ نصاب الفضة وجبت فيه الزكاة وإذا لم تبلغ نصاب الفضة لا تجب فيها الزكاة . واستدلوا على ذلك :
* بأن التقدير بالفضة مجمع عليه لثبوت الفضة .
* لأن هذا أنفع للفقراء لأن الغالب أن الفضة هي أرخص من الذهب .
الرأي الثاني : أن هذه الأوراق يقدر نصابها ببلوغ نصاب الذهب واستدلوا على ذلك :
* بأن قيمة الذهب ثابتة لا تتغير بخلاف قيمة الفضة فإنها تهبط .
الرأي الثالث : أنه ينظر إلى الأحظ للفقراء من الذهب أو الفضة ، واستدلوا على ذلك :
* أن الشريعة جاءت بإثبات نصاب الذهب ، وإثبات نصاب الفضة .
* ولأنه أحوط وأبرأ للذمة وأنفع للفقراء .
وهذا القول هو الأقرب ، نقول : بأن نصاب هذه الأوراق النقدية يعتبر بنصاب الذهب أو نصاب الفضة بنظر الأقل منهما ، فينظر للأقل من نصاب الذهب أو نصاب الفضة .
وعلى هذا إذا أردت أن تخرج نصاب الأوراق النقدية اليوم بالريالات السعودية أو بالجنيهات المصرية أو بالجنيهات السودانية أو غير ذلك من هذه العملات ، فإنك تنظر لنصاب الفضة كم يساوي اليوم وتنظر أيضاً إلى نصاب الذهب كم يساوي بالأوراق النقدية ، فنصاب الفضة بالغرامات يساوي : خمس مئة وخمسة وتسعين (595) جراماً من الفضة .
وأما نصاب الذهب بالغرامات يساوي : خمسة وثمانون (85) جراماً على الصحيح وهو موضع خلاف ؛ الدينار يساوي مثقال .
و اختلف العلماء رحمهم الله في وزن المثقال بالجرامات : قيل ثلاث ونصف (3.5) جراماً ، وقيل ثلاث وستين (3.60) جراماً ، وقيل أربعة وربع (4.25) جراماً ، وهذا القول هو الأقرب أنه أربعة وربع جراماً ، فعندنا نصاب الذهب يساوي عشرين مثقالاً فنضرب أربعة وربع في عشرين مثقال يساوي خمسة وثمانين جراماً من الذهب(4.25×20= 85 جراماً ).
وأما نصاب الفضة فيساوي خمس مئة وخمسة وتسعين (595) جراماً من الفضة ، ونصاب الذهب يساوي 85 جراماً من الذهب .
فإذا قلنا أن المعتبر هو نصاب الفضة نصاب ، فكم يساوي غرام الفضة اليوم ؟ الظاهر أن غرام الفضة ما يقرب من ريال ، ولنفرض أنه ريال فيكون نصاب الأوراق النقدية: فنضرب الريال بعدد الغرامات فيساوي خمس مئة وخمسة وتسعين (595) ريال (595جراماً × 1 ريال = 595 ريالاً ) فالذي عنده من الأوراق النقدية نصاب خمس مئة وخمسة وتسعين (595) ريالاً وجبت عليه الزكاة ، والذي عنده أقل من هذا النصاب فلا تجب عليه الزكاة.
وإذا قلنا أن المعتبر هو نصاب الذهب : فنصاب الذهب اليوم مرتفع ، وسمعت أنه وصل الغرام الواحد إلى سبعين ريالاً : فنضرب خمسة وثمانين جراماً من الذهب في سبعين ريالاً فيساوي خمسة آلاف وتسعمائة وخمسين (5950) ريالاً .
فإذا قلنا بأن المعتبر نصاب الذهب فلا تجب الزكاة في هذه الأوراق النقدية حتى تبلغ هذا المقدار وهو خمسة آلاف وتسع مئة وخمسين (5950) ريالاً سعودي ، لكن إذا قلنا أن المعتبر هو نصاب الفضة فتجب الزكاة إذا بلغت هذه الأوراق النقدية خمس مئة وخمسة وتسعين (595) ريالاً . فأيهما الأحظ للفقراء فهل بأن نقدر بالذهب أو نقدر بالفضة ؟ نقول : نقدر بالفضة فالأحظ اليوم ومن زمان قديم أن الأحظ هو الفضة .
وعلى هذا إذا أردت أن تعرف مقدار نصاب الأوراق النقدية عليك أنك تسأل كم قيمة الغرام الفضة فإذا قيل لك إن غرام الفضة يساوي ريالاً أو ريالين فاضربه في خمس مئة وخمسة وتسعين (595) جراماً من الفضة وحينئذ يتبين لك كم مقدار النصاب في هذه الأوراق النقدية ، ومثل ذلك أيضاً العملات الأخرى : الجنيه المصري أو الجنيه السوداني أو الليرة اللبنانية أو السورية فاضرب هذا الجنيه أو الليرة بخمس مئة وخمسة وتسعين غراماً من الفضة ويخرج لك نصاب الأوراق النقدية بتلك العملة .
المسألة الثانية : ما يتعلق بزكاة الراتب الشهري
تعريف الراتب الشهري : هو الأجر الذي يتقاضاه الأجير الخاص مقابل عمله كل شهر وهذا هو الغالب الآن على الموظفين فإنهم يأخذون أجوراً شهرية لا سنوية ولا كل شهرين.
بالنسبة للراتب الشهري لكي نعرف كيف تكون زكاته لا بد أن نبين المال المستفاد في أثناء الحول هل يستأنف له حول مستقل أو أن حوله حول المال الذي عنده ؟.
الأموال المستفادة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يكون المال المستفاد ربح تجارة أو نتاج سائمة :
فإذا كان ربح تجارة أو نتاج سائمة فحوله حول أصله ، ولنضرب مثالاً على نتاج السائمة : هذا رجل عنده خمس من الإبل سائمة ابتدأ عليها الحول من محرم ، وفي شهر ذي الحجة في آخر السنة أنتجت خمساً أخرى فالخمس الثانية هذه هل لها حول مستقل أو نقول حولها حول أصلها ؟ نقول حولها حول أصلها وحينئذ إذا جاء شهر محرم نقول يزكي عن عشر من الإبل مع أن الخمس الجديدة هذه من الإبل ما مكثت عنده إلا شهراً .(4/136)
وأيضاً ربح التجارة الذي يبيع ويشتري ، الأموال هذه حولها حول أصلها ، مثال على ذلك : صاحب بقالة افتتح البقالة في شهر محرم بخمسين ألف ريال يبيع ويشتري ولما جاء شهر محرم من السنة المقبلة عنده بضائع الآن اشتراها وأصبحت قيمة البقالة تساوي ثمانين ألف فحكم الزيادة هذه بأن حولها حول أصلها . فإذا جاء محرم لا يقول أن هذه البضائع الآن جديدة و لا يقول الربح الذي اكتسبه الآن إنما نقول هذه حولها حول أصلها فيجب عليه أن يزكي الجميع يقدر سعر بيع هذه البقالة تساوي ثمانين ألف والتي اشتراها الآن فيخرج زكاة الجميع .
فتلخص لنا القسم الأول وهو ما إذا كان نتاج سائمة أو ربح تجارة هذا نقول بأن حوله حول أصله .
القسم الثاني : أن يكون المال المستفاد ليس نتاج سائمة ولا ربح تجارة ويخالف جنس المال الذي عنده :
ولنفرض أن عنده نصاب من الإبل وجاءته أموال مثلاً : إرث أو هبة كما لو وهب له شخص عشرة آلاف ريال ، أو جاءه راتب شهري خمسة آلاف ريال أو ورث من أبيه أو جاءته هبة خمسة ألاف وعنده سائمة ، فهذه الأموال التي جاءته لا تضم إلى السائمة بالاتفاق ، السائمة لها حولها وهذه الدراهم التي جاءته لها حول مستقل من حين ملكها .
القسم الثالث : أن يكون المال المستفاد ليس ربح تجارة ولا نتاج سائمة ويكون من جنس المال الذي عنده :
مثال : رجل عنده عشرة آلاف ريال ثم جاءه مرتب ألف ريال هذه الألف هل يضمها إلى العشرة التي عنده في الحول أو نقول بأن هذه الألف يستأنف لها حولاً جديداً ؟ هذا موضع خلاف بين الجمهور وبين الحنفية رحمهم الله :
الرأي الأول : مذهب الحنيفية : يقولون مادام أنه من جنسه عنده الآن عشرة آلاف وجاءه ألف والجنس واحد يضمه ويكون هذا المستفاد حوله حول أصله .
الرأي الثاني : رأي الجمهور أنه يستأنف له حولاً مستقلاً.
والصواب ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله .
إذا فهمنا هذا الخلاف يأتي عندنا الآن ما يتعلق بالرواتب الشهرية الآن هذا الموظف قبض في شهر محرم ألفي ريال راتب وقبض في شهر صفر ألفي ريال وقبض في شهر ربيع ألفي ريال
على رأي الحنفية يبدأ الحول من أول شهر قبض فيه المال - وهو محرم - لأنه يضمونه بالحول .
وعلى رأي الجمهور كل راتب يكون له حول مستقل فراتب محرم تجب فيه الزكاة في محرم وراتب صفر تجب الزكاة فيه في صفر وربيع في ربيع وهكذا فكل مرتب يكون له حول مستقل وهذا فيه مشقة ولهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة بأن الأحسن للإنسان أن يحدد وقتاً وينظركم تجمع عنده من الرواتب فما حال عليه الحول يكون أدى زكاته في وقته وما لم يحل عليه الحول يكون عجل زكاته وتعجيل الزكاة عند جمهور العلماء أن هذا جائز ولا بأس به خلافاً للمالكية.
وحينئذ نقول إذا غلب عل الإنسان الحرص كما ذكرت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة فعليه أن يجعل جدولاً حسابياً وهذا الراتب متى يكون ملكه ومتى يكون يحول عليه الحول والراتب الثاني وهكذا وهذا فيه مشقة وفيه تعب وقد يؤدي إلى نسيان الزكاة وإن غلب عليه نفع المستحقين والاحتياط فنقول هذا يضرب وقتاً محدداً وينظر إلى الرواتب التي تجمعت عنده ولم يستهلكها فما حال عليه الحول يكون أدى زكاته في حوله وما لم يحل عليه الحول يكون قد عجل زكاته وتعجيل الزكاة عند جمهور العلماء رحمهم الله جائزة خلافاً لما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعال فإنه لا يرى تعجيل الزكاة إلا في المسألة اليسيرة .
المسألة الثالثة : : زكاة مكافأة نهاية الخدمة
وتحتها مسائل :
المسألة الأولى: تعريف مكافأة نهاية الخدمة:
مكافأة نهاية الخدمة: هي حق مالي أوجبه ولي الأمر بشروط محددة على رب العمل لصالح الموظف عند انتهاء خدمته .
والموظف كما أشرنا سواءً كان موظفاً ضمن مؤسسات الدولة أو ضمن الشركات الأخرى فإنه يستحق هذا الحق المالي عند تركه للعمل سواءٌ كان سبب الترك هي الاستقالة أو التقاعد أو الوفاة .
المسألة الثانية: خصائص هذه المكافأة وسماتها :
الأنظمة المنظمة لهذه المكافأة جعلت لها سمات وخصائص :
السمة الأولى: أن هذه المكافأة أمر واجب فرضه ولي الأمر على رب العمل لصالح الموظف ولا يخضع في فرضه ولا صفته إلى إرادة طرفي العقد أي هذا أمر واجب جعله ولي الأمر على هذه المؤسسة التي يتبع لها الموظف لصالح الموظف ، فإذا أنهى الموظف خدمته فإن هذه المؤسسة أو الشركة يجب أن تدفع لهذا الموظف كذا وكذا من المال .
السمة الثانية :أن مقدار مكافأة نهاية الخدمة يتحدد بناءً عل سبب انتهاء خدمته ومدة الخدمة ومقدار الراتب الأخير له أثر في كثرة هذه المكافأة أو قلتها .
السمة الثالثة:وهذه مهمة جداً ولها أثر في زكاة هذه المكافأة أن وقت استحقاق الموظف للمكافأة عند نهاية خدمته فلا يحق له أن يطالب بها قبل انتهاء خدمته كما أنه أيضاً لا يجوز له أن يتنازل عنها .
السمة الرابعة : أن هذه المكافأة يستحقها الموظف إذا انتهت خدمته أثناء حياته أما إذا انتهت خدمته بسبب الوفاة فيستحق المكافأة من يعولهم هذا الموظف دون التقيد بقواعد الإرث الشرعية بمعنى أن الذين لا يعولهم الموظف لا يستحقون شيئاً من هذه المكافأة ولو كانوا وارثين . وهذه أيضاً لها أثر في بيان كيفية زكاة هذه المكافأة.
السمة الخامسة : أن هذه المكافأة يحق لرب العمل أن يحرم منها الموظف في بعض الحالات كما لو ارتكب بعض الأخطاء .
المسألة الثالثة : التكييف الشرعي لزكاة مكافأة نهاية الخدمة:
اختلف المتأخرون في ذلك على أقوال :
القول الأول : أن مكافأة نهاية الخدمة هي أجرة مؤجلة ويعللون ذلك بأن رب العمل سواء كانت مؤسسة حكومية أو كانت شركة أثناء تعاقده مع هذا الموظف يلاحظ قدر هذه المكافأة وكذلك قدر الراتب مما يدل عل أنها أجرة مؤجلة .
القول الثاني : أنها تأمين من مخاطر انتهاء العقد يعني أن هذا الموظف عند انتهاء خدمته يحتاج إلى شيء من المال واستدلوا بأن هذه المكافأة فيها خصائص التأمين ففيها مُؤَمَّن ومُؤَمَّن عليه وقسط التأمين والنتيجة .
القول الثالث : بأنها تبرع أو التزام بالتبرع .
القول الرابع : أنه حق مالي أوجبته الدولة للموظف واستدلوا على ذلك قالوا : بأن من حق الإمام الأعظم أن ينشئ بعض الحقوق والواجبات على الرعية وللرعية إذا كان هناك مصلحة .
وهذا القول الأخير هو الصواب .
المسألة الرابعة : مكافأة نهاية الخدمة كيف تكون زكاتها
إذا أنهى الموظف وظيفته بسبب الاستقالة أو بسبب التقاعد أو بسبب الوفاة وأخذ هذه المكافأة من يعولهم الموظف ، فكيف زكاة هذه المكافأة ؟
نقول: من خلال ما ذكرنا من خصائص هذه المكافأة وتكييفها الشرعي تبين لنا أن الموظف يمتلك هذه المكافأة بعد نهاية خدمته وقَبْضِه لهذه المكافأة ، فإذا انتهت خدمته وقبض هذه المكافأة أو قبضها من يعولهم نقول الآن ابتدأ عليها حول الزكاة أما حين القبض فإنه لا زكاة فيها إلا إذا قلنا على الرأي الأول إذا قلنا بأنها أجرة مؤجلة فإذا قبضها يزكيها مباشرة .
أما إذا قلنا على الرأي الأخير وهو الذي رجحناه وأنها حق مالي توجبه الدولة للموظف أو أنها التزام بالتبرع نقول على هذين الرأيين بأن الموظف إذا قبض هذه المكافأة بعد نهاية خدمته فإنه يستأنف بها حولاً مستقلاً فإن استهلكها قبل الحول فلا زكاة فيها وإن حال عليها الحول وهي عنده فإن فيها الزكاة ويرجح هذا القول ويعضده :(4/137)
أولاً : أن الْمُصْدِر لهذه المكافأة بيَّن وقت استحقاقها وأن الموظف لا يستحقها إلا عند نهاية خدمته فالآن ملكها أما قبل ذلك فإنه لا يستحقها ولا يجوز له أن يتنازل عنها ولا يجوز له أن يتصرف فيها بشراء ونحو ذلك فإنه لا يستحقها إلا عند نهاية خدمته وإن كان كذلك فلا تجب فيها الزكاة إلا بعد أن يحول عليها الحول .
ثانياً : أن الموظف لا يملك أن يتصرف في هذه المكافأة ولا يملك أن يشتري فيها ، فمثلاً لو كان يستحق عند نهاية خدمته مبلغ مئة ألف ريال لا يملك أن يشتري فيه لا يملك أن يتنازل عنها مما يدل على أنه لا يملكها إلا عند نهاية خدمته وحينئذٍ تدخل في ملكه وبالتالي فإنه يحتاج إلى أن يحول عليها الحول .
ثالثاً : أن الموظف لو كان سبب ترك وظيفته هو الوفاة فإنه لا يستحق هذه المكافأة وإنما يستحقها من يعولهم هذا الموظف .
رابعاً : أن هذه المكافأة غير مستقرة فقد يحرمها الموظف حسب الشروط والأنظمة التي سنت هذه المكافأة فقد يكون عند الموظف أخطاء تقتضي أن يحرم من هذه المكافأة .
الترجيح : أن هذه المكافأة التي يقبضها الموظفون سواءً كانوا تابعين لمؤسسات الدولة أو تابعين للشركات الأخرى أن هذه المكافأة لا تجب فيها الزكاة إلا بعد أن يحول عليها الحول فإن استهلكوها قبل الحول فإنه لا زكاة فيها .
المسألة الرابعة : ما يتعلق بزكاة المال المحرم
بسبب وجود الآن بعض المعاملات التي تخالف الشرع يكثر سؤال الناس عن زكاة الأموال المحرمة وهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟
عندنا في هذه المسألة ثلاث مسائل :
المسألة الأولى: تعريف المال المحرم.
المسألة الثانية : بيان قسمي المال المحرم.
المسألة الثالثة: زكاة المال المحرم بقسميه .
فالمسألة الأولى : وهي تعريف المال المحرم :
المال المحرم : هو كل ما حرم الشارع على المسلم تملكه والانتفاع به .
المسألة الثانية : قسما المال المحرم :
فالمال المحرم ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : محرم لذاته .
القسم الثاني : محرم لوصفه .
المحرم لذاته : هو الذي ذاته وعينه محرمة مثل : الخمر فالخمر ذاته وعينه محرمة ،ومثل الدخان ، الخنزير... إلخ.
المحرم لكسبه : وهو المال الذي ذاته مباحة ليست محرمة لكن طرأ عليه التحريم بسبب مخالفة الشرع في وجوه الاكتساب ، مثال ذلك : هذه الريالات ذاتها وعينها مباحة لكن قد يطرأ عليها التحريم فتكون جاءت من جهة محرمة كالربا مثلاً أو من جهة بيع المحرمات أو مثلاً عن طريق الرشوة فهذا نسميه محرم لكسبه .
المسألة الثالثة : الزكاة في الأموال المحرمة :
الزكاة في الأموال المحرمة تختلف باختلاف هذين القسمين :
القسم الأول : زكاة المال المحرم لعينه وذاته : فهذا باتفاق الفقهاء أنه لا تجب فيه الزكاة ولنفترض أن صاحب بقالة يبيع في بقالته مواداً غذائية ويبيع دخاناً ، المواد الغذائية بخمسين ألف ريال والدخان بألف ريال نقول هذا الدخان ما تجب فيه الزكاة يخرج الزكاة عن الأموال المباحة شرعاً أما الدخان فهذا لا تجب في الزكاة .
ومثل ذلك أيضاً لو كان صاحب الدكان يبيع الدخان أو يبيع الشيشة أو يبيع الأغاني فهذا لا زكاة فيه والدليل على هذا :
حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: « أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : âيا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم? وقال : âيا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم? ، ثم ذكر : الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، ثم يمد يده إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك »(6) أي بَعُد أن يستجاب لهذا فهذا الرجل استجمع صفات إجابة الدعاء : مسافر وأطال المسير وأشعث رأسه واغبرت قدماه ومد يديه إلى السماء لكن ردت يداه خائبتين لأنه جعل بينه وبين رحمة الله عز وجل مانعاً بأكل الحرام ولبس الحرام ، فالله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيباً .
وأيضاً نعلم أن عدم إجابة الزكاة عليه ليس تخفيفاً وإنما هو من باب التغليظ عليه والرد لفعله وأن مثل أمواله هذه إذا كان الله عز وجل لا يثيبه عليها ولا يؤجره عليها ولا يقبلها منه ففي هذا زجر له وردع في أن يترك مثل هذا العمل ، فماذا تساوي الدنيا إذا كنا نقول له لا نريد أموالك لا نريد صدقتك ؟!.
القسم الثاني : زكاة الأموال المحرمة لكسبها : وكما أشرنا أن هذه أن أصلها مباحة لكن طرأ عليها التحريم بمخالفة الشرع في وجوه الاكتساب كما لو اكتسب عشرة ألف ريال عن طريق الرشوة ، أو اكتسبه عن طريق الربا ، أو اكتسبه عن طريق بيع المحرمات مثل بيع الدخان ونحو ذلك فهل فيه الزكاة أوليس فيه الزكاة ؟
هذا اختلف فيه المتأخرون :
الرأي الأول : عدم وجوب الزكاة في هذا المال المحرم وهذا ما عليه عامة المتقدمين وكذلك أيضاً هو قول أكثر الفقهاء المعاصرين (7) .
واستدلوا :
* بحديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله r : « يقول لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول » رواه مسلم .
* حديث أبي هريرة t وفيه قول النبي r : « إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً » (8).
* أن الزكاة لا تجب إلا فيما يملكه المسلم وهذا المال لا يملكه المسلم لأنه يجب عليه أن يتخلص من هذا المال المحرم بطرق التخلص التي ذكرها العلماء رحمهم الله .
الرأي الثاني : أن الزكاة واجبة في هذا المال المحرم .
واستدلوا على ذلك :
* أن هذه الأموال المحرمة لو أعفي الناس من زكاة هذه الأموال المحرمة لتتايع الناس في هذه المكاسب المحرمة فلهذا نوجب عليهم الزكاة .
والجواب عن هذا :
أولاً : نقول بأن هذا غير مُسَلم .
ثانياً : أن عدم أخذ الزكاة ليس من باب التخفيف وإنما هو من باب الزجر والردع بل إن عدم أخذ الزكاة هذا سيؤثر في نفسه وسيدفعه إلى ترك مثل هذا العمل .
* أن الزكاة تجب في الحلي المحرم ، فالحلي المحرم ينص العلماء على أن الزكاة واجبة مثال ذلك لو كان عندنا ذهب على صورة تمثال هذا التمثال محرم ولا يجوز ومع ذلك العلماء رحمهم الله ينصون عل وجوب الزكاة فيه .
والجواب عن هذا :
نقول : فرق بين هذا التمثال وبين هذه الأموال المكتسبة من الحرام ، فهذا التمثال تجب الزكاة في عينه يعني في الذهب الموجود فقط دون اعتبار للصورة المحرمة ، فلو فرضنا أن هذا التمثال وهو بهذه الصورة المحرمة يساوي ألف ريال فإننا لا نعتبر هذه الصورة المحرمة ونلغيها ونعتبره كأنه لم يصنع ونقدره موزوناً ، وأما الصورة المحرمة فإن الفقهاء ينصون على أنها لا تجب فيها الزكاة وأن المحرم شرعاً كالمعدوم حساً .
وحينئذ يتلخص لنا أن القسم الثاني وهي الأموال المحرمة بسبب الكسب أيضاً لا تجب فيها الزكاة .
المسألة الخامسة : زكاة الأموال العامة
الأموال العامة هذه تشمل الأموال التابعة لبيت مال المسلمين ،والأموال التابعة للجهات الخيرية كجميعة تحفيظ القرآن ، وجمعيات البر ، والمكاتب التعاونية للدعوة ، والأموال الموصى بها في جهات عامة ،ومثلها الأوقاف التي تكون على جهات عامة مثل رجل وقف مئة ألف ريال على جهة عامة لطلاب العلم ، للفقراء ، لكي يشتري به المسجد..إلخ ، وغير ذلك من الجهات الخيرية فهذه الجهات ونحوها التي يكون عندها شيء من المال من صدقات المحسنين ، هل إذا حال عليه الحول على هذه الأموال العامة عيها زكاة أو ليس فيها زكاة ؟
هذه المسألة تحتها مسائل :
المسألة الأولى : تعريف المال العام .(4/138)
المسألة الثانية : مبنى القول بزكاة المال العام .
المسألة الثالثة : إذا استثمرت هذه الأموال العامة في البيع والشراء وأصبحت عروض تجارة يباع ويشترى فيها.
المسألة الأولى : تعريف المال العام
المال العام : هو المال المرصد للنفع العام دون أن يكون مملوكاًً لشخص معين .
المسألة الثانية : مبنى وجوب الزكاة في المال العام أو عدم الوجوب.
ينبني على هذه المسألة ما ذكره الفقهاء رحمهم الله من أن من شروط وجوب الزكاة أن يكون المال الذي تجب فيه الزكاة مملوكاً ملكاً تاماً لمعين .
والملك التام : كما فسره كثير من العلماء أي ملك الرقبة والقدرة على التصرف فيه في الحال وفي المآل .
ودليل هذا الشرط - أن يكون المال مملوكاً ملكاً تاماً لمعين - :
* قول الله تعالى: â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (9) فقال الله عز وجل âخُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ?فأضاف الأموال إليهم مما يدل على ملكهم لهذه الأموال واختصاصهم بالتصرف فيها فدل ذلك على أنه يشترط لوجوب الزكاة أن يكون مالكاً لها ملكاً تاماً وأن يكون معيناً .
* حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما بعث النبي r معاذاً إلى اليمن فقال: « إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد عل فقرائهم » (10) الشاهد هنا قوله عليه الصلاة والسلام: « تؤخذ من أغنيائهم » فإن النبي r أضاف المال إليهم ، فدل ذلك على اشتراط الملك التام لأن.
* أن الزكاة تمليك للفقير والتمليك لابد أن يكون من مالك لهذا المال فإذا لم يكن هذا المال له مالك لم تجب فيه الزكاة .
* أن من حِكَم الزكاة شُكر الله عز وجل على نعمة المال وهذا لا يكون إلا من المالك .
بعد أن قررنا أنه يشترط لوجوب الزكاة أن يكون المال لمالك يملك ملكاً تاماً ، نستطيع أن نفهم أن هذه الأموال العامة التي ليس لها مالك معين أنه لا تجب فيها الزكاة فالأموال التي تكون في بيت المال ويحول عليها الحول هذه لا تجب فيها الزكاة وكذلك أيضاً الأموال الني تكون لجمعيات البر ويحول عليها الحول أو جمعيات تحفيظ القرآن أو لمكاتب الدعوة وغير ذلك من الجهات الخيرية أو الأموال الموقوفة عل جهات عامة كالموقوفة على طلبة العلم أو على بناء مساجد أو موصى بها ، نقول هذه كلها لا تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول لأنها ليس لها مالك معين .
المسألة الثالثة : إذا استثمرت هذه الأموال
يعني لو أن الجهة التي عندها هذه الأموال استثمرتها بالبيع والشراء والمضاربة لكي تُنمي هذه الأموال فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟
سبق أن قررنا أنه لا تجب فيها الزكاة لكن اختلف المتأخرون فيما إذا استثمرت هذه الأموال بالبيع والشراء فهل هذا العمل يوجب الزكاة أو لا يوجب الزكاة ؟
اختلفوا في ذلك عل رأيين :
الرأي الأول : إذا استثمرت هذه الأموال فإن الزكاة تجب فيها ، وهذا قال به بعض المتأخرين وأخذ به قانون الزكاة السوداني.
استدلوا على هذا : قالوا بأن بيت المال قبل أن تستثمر لا زكاة فيه لأن مصرف بيت المال يختلف عن مصرف الزكاة أما الآن بِيعَ واشتُريَ فأصبحت أموال زكوية .
الرأي الثاني : لا تجب فيه الزكاة وهذا ما عليه أكثر المتأخرين وبه أفتت الندوة الثالثة عشر لقضايا الزكاة المعاصرة في الكويت بالأكثرية .
استدلوا بأدلة منها ما تقدم من أنه يشترط لوجوب الزكاة أن تكون مملوكة ملكاً تاماً لمعين وكونه عمل بها الآن هذا لا يخرجها عن أن تكون غير مملوكة .
وهذا القول أنه لا زكاة فيها هذا هو الأقرب وعلى هذا نقول هذه الأموال وإن أتجر فيها وعمل بها نقول بأنه لا زكاة فيها .
ويترتب عل هذا القول :
أولاً : أن الشركات الاستثمارية التي تكون ملكاً للدولة لا زكاة فيها .
ثانياً : أن الشركات الاستثمارية التي تملك الدولة فيها أسهماً فنصيبها من هذه الأسهم لا زكاة فيها .
المسألة السادسة : ما يتعلق بزكاة السندات
أولاً : تعريف السندات
السندات : هي عبارة عن صكوك تُصْدِرُها بعض الدول أو بعض الشركات تُمَثل قرضاً عليها تلتزم بسداد هذا القرض الذي عليها في زمن محدد وبفوائد ثابتة.
مثال ذلك : شركة بحاجة إلى أموال لكي تتلافى هذه الخسارة أو أن هذه الشركة تريد أن تنمي استثماراتها فتقوم بإصدار مثل هذه السندات فتطلب من الناس أموالاً مثلاً ألف ريال ، فتعطيهم هذه السندات بفائدة ، ولاشك أن هذه السندات محرمة ولا تجوز لأنها من الربا فهي قرض بفائدة فهي داخلة في الربا المحرم .
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه السندات هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟
لكي يتبين لنا هل في هذه السندات زكاة أو ليس فيها زكاة لابد لنا أن نبحث مسألتين :
المسألة الأولى : هل تجب الزكاة في الديون أو لا تجب ؟
لأن هذه السندات عبارة عن ديون – قروض – على هذه الدولة أو هذه الشركة .
المسألة الثانية : هل تجب الزكاة في المال المحرم أو لا تجب الزكاة في المال المحرم ؟
وهذه المسألة سبق الكلام عليها وقلنا أن الأموال المحرمة سواءٌ كانت محرمة لكسبها أو لعينها أنه لا زكاة فيها .
بالنسبة للمسألة الأولى العلماء رحمهم الله يقسمون الدين إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الدين الذي يكون على مليء باذل .
القسم الثاني : الدين الذي يكون على معسر أو مماطل .
القسم الثالث : دين مؤجل .
هذه ثلاثة أقسام فنحتاج إلى أن نستعرض كلام العلماء رحمهم الله في كل قسم من هذه الأقسام ولو على سبيل الإجمال لكي نرتب على هذه المسألة ما يتعلق بزكاة السندات :
القسم الأول : وهي الديون التي تكون على مليء باذل يعني غني غير مماطل . هل تجب الزكاة في هذه الديون أو لا تجب الزكاة في هذه الديون ؟
هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله على ثلاثة أراء :
الرأي الأول : وجوب الزكاة في الديون مطلقاً وهذا قول أكثر أهل العلم فهو مذهب الشافعية ومذهب الحنابلة ، لكن الشافعية أشد من الحنابلة فالشافعية يقولون يجب أن يزكي كل سنة بسنتها ولو لم يقبض المال .
والحنابلة يقولون : هو بالخيار إن شاء أن يزكي كل سنة بسنتها وإن شاء أن ينتظر حتى يقبض فإذا قبض زكى عن كل السنوات الماضية (11).
واستدلوا عل ذلك :
بعمومات الأدلة :
* قوله تعالى : âوَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ?(12).
وهذا دين مال فهو مال من الأموال فيشمل المال العيني والمال الديني .
* وأيضاً قوله تعالى: â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (13) .
* ولقوله r :« فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم »(14) . فهذه أموال لا شك أنها أموال ولا أحد يقول بأن الدين ليس مالاً فيدخل تحت هذه العمومات .
* وهذا وارد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم كعثمان وابن عمر وجابر وعلي وعائشة رضي الله تعالى عن الجميع (15).
الرأي الثاني : مذهب المالكية يقولون يجب أن يُزكى لسنة واحدة فقط بعد أن يُقبض (16).
الرأي الثالث : مذهب الظاهرية أنه لا زكاة فيه قالوا لأن هذا وارد عن عائشة رضي الله عنها .(17)(4/139)
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من وجوب الزكاة فيها وكما ذكرنا أن هذا هو الذي دلت له العمومات وأيضاً هو الوارد عن أكثر الصحابة كعثمان ، وابن عمر وجابر ، وعائشة ، وعلي - رضي الله تعالى عن الجميع - .
القسم الثاني : الدين الذي يكون على معسر أو مليء مماطل أو جاحد فهل تجب فيه الزكاة أو لا تجب فيه الزكاة ؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم :
الرأي الأول : مذهب الإمام الشافعي ومذهب الحنابلة :
قالوا تجب فيه الزكاة مطلقاً لجميع السنوات إذا كان الدين على معسر أو على مليء مماطل فإذا قبضه يزكيه عن جميع السنوات.
واستدلوا على ذلك :
* بأن هذا وارد عن علي رضي الله عنه فإنه قال : « إذا كان صادقاً فليزكيه إذا قبضه »(18).
* أنه وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما (19).
* ويؤيد ذلك أيضاً ما سبقت الإشارة إليه من أن الديون أموال يصح للإنسان أن يتصرف فيها بالإبراء والحوالة والبيع وغير ذلك من التصرفات بشروطها المعتبرة عند العلماء رحمهم الله والله عز وجل يقول â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (20) .
* وفي حديث معاذ يقول النبي r :« فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد عل فقرائهم »(21) .
الرأي الثاني : أن الدين إذا كان على معسر أو مماطل أو جاحد أنه لا زكاة فيه ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله (22).
استدلوا على ذلك :
* بأنه وارد عن علي رضي الله عنه أيضاً فإنه قال:« لا زكاة في الدين الضمار » أي الدين الذي لا يرجى رجوعه .
وعلى هذا القول فإن الدين إذا كان عل معسر أو مماطل فلا زكاة فيه ، فإذا قبضه يستأنف فيه حولاً مستقلاً .
الرأي الثالث : وسط بين الرأيين ، ذهب إليه الإمام مالك أن الدين الذي يكون على المعسر أو على المماطل إذا قبض فإنه تجب فيه الزكاة لسنة واحدة فقط (23).
واستدل على هذا بالقياس على الثمرة فإن الثمرة معدومة أو في حكم المعدوم ثم بعد ذلك إذا حصلت هذه الثمار وأثمرت الأشجار فإن الإنسان يزكي هذه الثمار مرة واحدة فقط والله عز وجل يقول â:وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ?(24) فإذا أثمرت هذه النخيل يزكيها مرة واحدة فقط ، والثمرة هذه معدومة أو في حكم المعدوم قد تحصل لها شيء من الآفات التي تتلفها ومع ذلك لا يجب فيها إلا زكاة مرة واحدة ولو بقيت عنده الثمار سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات لا يجب أن يزكيها إلا مرة واحدة فقط .
وهذا قول وسط بين القولين فنقول الأموال التي تكون على معسرين أو مماطلين أو جاحدين هذه لا تجب أن تزكى إلا مرة واحدة ومثل ذلك أيضاً الأموال المنسية أو الأموال المسروقة أو المغصوبة أو المنتهبة أو المختلسة فإذا قدر عليها الإنسان فإن يزكيها مرة واحدة فقط .
القسم الثالث من أقسام الديون : الديون المؤجلة : وهذا يكثر اليوم في حياة الناس فهذه الديون المؤجلة هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟
هذه موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى :
الرأي الأول : مذهب الإمام أحمد والشافعي أنه يجب الزكاة في الديون واستدلوا على ذلك :
* بقول الله عز وجل: âوَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ?(25) فهذه الديون تعتبر أموالاً .
* وبقول الله عز وجل : â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (26) فهذه الديون وإن كانت مؤجلة فإنها تعتبر مالاً ويصح أن يتصرف فيها بالإبراء , وبالحوالة , وبالبيع , وبالشراء بشروطها المعتبرة فإذا كان كذلك فتدخل تحت العمومات .
الرأي الثاني : مذهب الظاهرية أن الديون المؤجلة أنه لا زكاة فيها وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . وهو وجه عند الشافعية ووجه عن الحنابلة .
والظاهرية هم أضيق الناس في مسألة الديون فلا يوجبون الزكاة مطلقاً في الدين سواء كان الدين على مليء أو معسر أو كان الدين حالاً أو مؤجلاً.
وأوسع الناس في مسألة إيجاب الزكاة في الديون هم الشافعية والحنابلة .
واستدل الظاهرية بما تقدم مثل : ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :«لا زكاة في الدين » .
وأيضاً الدين هذا غير موجود فلا يكلف الإنسان بإخراج الزكاة فيه .
والراجح بالنسبة للديون المؤجلة: أنها تجب فيها الزكاة كسائر الأموال فإن كانت هذه الديون المؤجلة على مليء باذل يجب أن يزكي كل عام وإن كانت على معسر أو مماطل لا تجب الزكاة إلا مرة واحدة إذا قبضها .
ومما يؤيد بأن الديون المؤجلة تجب فيها الزكاة :
أولاً : لما ذكرنا من أن هذه الديون تعتبر أموال .
ثانياً : أن التأجيل إنما كان باختيار صاحب المال فهو الذي اختار أن يؤجل هذا المال أي كونه غير نامي الآن بيده ولا يملك أن يطالب فيه فهو الذي اختار ذلك .
ثالثاً : أن التأجيل قد يكون مقابل فائدة استفادها صاحب المال وهذا ما يحصل في تقسيط السلع مثل السيارات أي عن طريق مسائل التورق وبيع السلع بأجل فالغالب أن الذي يبيعون السلع بأجل وتكون أثمان المبيعات مؤجلة الغالب أنهم استفادوا من هذا التأجيل فهذا يدل على أن هذا التأجيل لهم فائدة فيه وإذا كان لهم فائدة فيه فيطالبون بزكاة هذه الأموال .
قد يكون الدين إذا كان غير مؤجل ما استفاد لكن إذا كان مؤجلاً فإنه يكون استفاد فائدةً كبيرة .
قد يقول بعض الناس بأن هذه الفائدة تأكلها الزكاة نقول هذا غير مسلم فبالنظر إلى واقع الناس نجد أن الزكاة لا تساوي شيئاً بالنسبة لما يستفيده من التأجيل .
فتلخص لنا أن الديون المؤجلة تجب فيها الزكاة لكن كما ذكرنا على حسب التقسيم .
بعد هذا العرض لأقسام الديون الثلاثة يتبين لنا زكاة السندات وسبق أن تعرضنا لزكاة المال المحرم فنلخص لنا أن المال المحرم لا تجب عليه .
السندات عبارة عن ديون بفوائد والغالب أن الذي يصدر هذه السندات شركات أو بنوك أو دول وهذه الشركات أو البنوك أو الدول في حكم المليء الباذل, فتأخذ هذه السندات حكم القسم الأول من أقسام الديون فنقول تجب الزكاة في هذه السندات لأنها عبارة عن ديون على هذه البنوك أو الشركات أو الدول وهذه تكون في حكم المليء الباذل ولو كانت مؤجلة كما سلف لنا أن الزكاة تجب في الأموال المؤجلة .
أما ما يتعلق بالفائدة الربوية فهذه موضع خلاف وسبق أن ذكرنا أن الأموال المحرمة لا تجب الزكاة فيها ، فنقول هذه القروض تجب الزكاة فيها أما بالنسبة لفوائدها الربوية فنقول لا يزكيها فلو كان مثلاً القرض عشرة ألاف ريال وفائدته الربوية ألفان أو ثلاثة آلاف ريال نقول يزكي عن عشرة وأما الفائدة الربوية فهذه كما تقدم لنا أن الأموال المحرمة لا تجب الزكاة فيها .
المسألة السابعة: زكاة أسهم الشركات
ومما لا شك فيه أن كثيراً من الناس اليوم صار لهم تعامل مع هذه الأسهم سواء كان ذلك عن طريق الاكتتاب أو كان عن طريق البيع والشراء والمضاربة ونحن ذلك .
وأسهم الشركات فيها مسألتان :
المسألة الأولى: تعريف أسهم الشركات.
المسألة الثانية: خلاف العلماء رحمهم الله في زكاة أسهم الشركات وكيفية زكاتها .
المسألة الثالثة: بيان الراجح في كيفية إخراج زكاة أسهم الشركات .
المسألة الأولى في بيان تعريف أسهم الشركات:(4/140)
أسهم الشركات : يراد بها الحصة التي يملكها الشريك في شركات المساهمة . وهذه الحصة تمثل جزءاً من رأس مال الشركة .
وقال بعض العلماء في تعريف السهم في الشركات : بأنه صك يمثل نصيباً عينياً أو نقدياً في رأس مال الشركة قابل للتداول يُعطي مالكه حقوقاً خاصة .
وقلنا في تعريف أسهم الشركات بأنها الحصة التي يملكها الشريك في الشركات المساهمة .
والشركات المساهمة : هي التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة وقابلة للتداول .
فمثلاً هذه الشركة تجعل قيمة السهم خمسين ريالاً أو قيمة السهم مئة ريال ثم بعد ذلك يدخل الناس في الاكتتاب في هذه الشركة فهذه تسمى في اصطلاح المتأخرين بأنها شركة مساهمة .
بخلاف الشركات التي كانت موجودة في الزمن السابق شركة المضاربة وشركة الأجور وشركة العنان وشركة الأبدان . الآن المقصود من الشركات التي وجدت الشركات المساهمة التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة وقابلة للتداول .
السهم في الشركة يعتبر مال والزكاة تجب في الأموال وتقدم الدليل على ذلك.
ولهذا اختلف المتأخرون في كيفية إخراج زكاة الأسهم وذكروا في ذلك تفصيلات ولهم أقوال كثيرة لكنني سأقتصر على أهم الأقوال ثم بعد ذلك سأقوم بتلخيص المسألة في زكاة الأسهم حسب ما يترجح من الدليل وما تدل عليه الأدلة الشرعية إلى أقسام ثلاثة كما سيأتي بيانها :
الأقوال في كيفية زكاة الأسهم :
القول الأول : قالوا ينظر إلى نشاط الشركة فإن كانت الشركة صناعية فتجب الزكاة في ربحها وإن كانت تجارية فتجب الزكاة في قيمة الأسهم السوقية يعني ما تساويه هذه الأسهم في السوق عند حولان الحول .
ومقدار الزكاة على هذا القول كزكاة التجارة ربع العشر، وإن كانت صناعية فالزكاة في الربح ربع العشر وإن كانت تجارية قالوا بأن الزكاة تكون في قيمة الأسهم السوقية ويكون ذلك بمقدار ربع العشر لأن هذا هو قدر زكاة عروض التجارة .
القول الثاني : أن الزكاة في الأسهم يختلف بحسب نية المساهم ونوعية الأسهم ، وهذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون المساهم تَمَلك الأسهم للإفادة من ريعها لا للتجارة فيها فهو لا يريد أن يضارب وأن يبيع وأن يشتري وإنما تملك السهم لكي يستفيد من ريعها ، في آخر السنة الشركة تعطيه كذا وكذا من الربح ، وهذا يختلف باختلاف نشاط الشركة فإن كانت الشركة زراعية فتجب عليه زكاة الزروع ؛ العشر أو نصف العشر . العشر إن كانت هذه المزروعات تسقى بلا مؤونة ونصف العشر إن كانت تسقى بمؤونة .
وإن كانت صناعية فإن الزكاة تكون في صافي أرباح الشركة ويخرج ربع العشر من الربح .
وإن كانت تجارية فإنه يخرج ربع العشر قيمة الأسهم الحقيقية وليس السوقية .
الأمر الثاني : إن كان المساهم تملك هذه الأسهم في هذه الشركات وهو يريد الاستثمار البيع والشراء ولا يريد أن يأخذ ريعاً فإنه يزكي أسهمه بقيمتها السوقية وليس الحقيقة .
القول الثالث : أن هذه المسألة لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تقوم بإخراج الزكاة ، فالشركة تعتبر أموال المساهمين كمال الشخص الواحد بناءً على مسألة الخلطة التي يتكلم عليها العلماء رحمهم الله في الماشية .
فإن كانت صناعية تخرج ربع العشر من صافي الأرباح . وإن كانت زراعية تخرج زكاة الزروع العشر أو نصف العشر وإن كانت تجارية تخرج ربع العشر من قيمة الأسهم السوقية .
الأمر الثاني : أن يكون المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة .
فإن كان المساهم اقتنى هذه الأسهم للبيع والشراء والمضاربة فيها ، فإنه يخرج زكاة عروض تجارة فينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر .
وإن كان المساهم اقتنى هذه الأسهم لكن لم يقصد التجارة إنما قصد الربح فإنه يزكيها زكاة مستغلات وهذا سيأتينا إن شاء الله في زكاة المصانع .
كيف زكاة مستغلات ؟
يعني ينظر إلى الربح ويخرج ربع العشر ، فإذا قبض الربح يزكيه ربع العشر وأيضاً يقولون يزكيه ربع العشر بعد قبضه من حولان الحول . وقريب من هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة برقم (120) .
هناك أقوال أخرى لكن هذه الأقوال التي ذكرت هي أبرز الأقوال .
والخلاصة في زكاة الأسهم نقول بأن زكاة الأسهم يترجح بحسب الدليل أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يكون المساهم هو الذي يريد أن يخرج الزكاة وتملك هذه الأسهم للإفادة من ريعها لا يريد أن يبيع ويشتري إنما يريد أن يجني أرباحاً.
أما كيفية الزكاة نقول : فإن كانت الشركة تجارية فهذه يزكي ربع العشر من قيمة الأسهم الحقيقة ،وإن كانت زراعية فإنه يخرج زكاة زروع: العشر أو نصف العشر ، وإن كانت صناعية فإنه يخرج ربع عشر الربح .
القسم الثاني : أن يكون المزكي هو المساهم وتملك هذه الأسهم للاستثمار للبيع والشراء والمضاربة ، فنقول إذا حال عليها الحول فإنه يخرج قيمة الأسهم السوقية يخرج ربع عشر قيمتها.
القسم الثالث : أن يكون المزكي هو الشركة فإن الشركة كما تقدم تجعل أموال المساهمين كمال الشخص الواحد ، فإن كان نشاطها تجارياً فإنها تخرج ربع عشر قيمة الأسهم السوقية .
وإن كان نشاطها صناعياً فإنها تخرج ربع عشر صافي الأرباح وإن كان نشاطها زراعياً فإنها تخرج زكاة الزروع : العشر أو نصف العشر .
المسألة الثامنة : زكاة الحساب الجاري
وزكاة الحساب الجاري فيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : تعريف الحساب الجاري .
المسألة الثانية : التكيف الشرعي للحساب الجاري ، وهذه مسألة مهمة .
المسألة الثالثة : كيفية إخراج زكاة الحساب الجاري .
المسألة الأولى : تعريف الحساب الجاري .
الحساب الجاري : هي المبالغ النقدية التي يودعها صاحبها المصرف – البنك - ويلتزم المصرف بدفعها لصاحبها متى طالب بها .
المسألة الثانية : ما هو التكيف الشرعي لهذه المبالغ التي تودع عند هذه المصارف ؟
العلماء اختلفوا في ذلك على أقوال وأهم هذه الأقوال قولان :
القول الأول : قالوا بأن هذه المبالغ المودعة في هذه البنوك هي إقراض من صاحب المال للمصرف ، لكن من خصائص هذا القرض أن صاحب المال متى أراد أن يأخذ هذا القرض أخذه ، وهذا ما عليه أكثر المتأخرين وهو الذي ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي .
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها :
* أن العبرة بالمعاني وليس بالألفاظ والمباني ، فهذه الأموال التي تودع عبارة عن قروض لأن الذي يودع أمواله للمصرف يأذن للمصرف أن يتصرف فيها كمال التصرف يبيع ويشتري ويضارب فيها وهكذا حكم الوديعة ، والفقهاء رحمهم الله ينصون على أن المودع إذا قال للمودع لك تتصرف فيها وتبيع وتشتري أنها تنقلب من كونها وديعة إلى كونها قرضاً .
* أن القرض هو بذل مال لمن ينتفع به ويَرُد بدله وهذا موجود في هذه الودائع فأنت تبذل هذه الأموال للمصارف والمصرف يرد بدله وأما الوديعة فيرد عينها . الآن تجعل عشرة آلاف ريال بأرقامها ومع ذلك المصرف ما يرد عليك هذه العشرة بعينها إنما يرد عليك بدلها ، لكن لو كان وديعة يرد عليك عين هذه العشرة وليس بدلها .
* أن المصرف يلتزم ضمان هذه الأموال , فلو تلف المصرف واحترق قالوا بأنه يضمن وهذا هو القرض ، فأنت لو أقرضت زيداً من الناس ألف ريال وأخذه وتلف بيده يضمن لأنه دخل في ملكه سواء تعدى أو لم يتعدى أو فرط أو لم يفرط , لكن لو كان وديعة فإن المودع أمين لا يضمن إلا إن تعدى أو فرط .
القول الثاني : أن هذه الأموال التي تودع في البنوك أنها ودائع وليست قرضاً .(4/141)
قالوا لأن الحساب الجاري تحت طلب المودع يملك رده متى شاء وهذا معنى الوديعة .
ولا شك أن ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي هو الصواب في هذه المسألة وكونه يملك رده متى شاء أيضاً القرض يملك رده متى شاء فهذا الدليل كما أنه يكون في الوديعة أيضاً يكون في القرض بل إن الحنابلة يقولون بأن القرض لا يتأجل بالتأجيل أي إذا أقرضته ألف ريال لمدة سنة لك أن تطالبه الآن , وحتى لو قلنا بأنه يتأجل بالتأجيل نقول أنت إذا أودعت البنك هذه الدراهم فإنك اشترطت عليه أن تستردها متى شئت , والمسلمون على شروطهم .
هذا هو التكييف الشرعي لهذه الودائع التي تكون في المصارف وبهذا نفهم أنها تكون من قبيل الديون التي تكون على مليء , والدين على مليء تجب فيه الزكاة بل المصرف أشد ملاءة من المدينين لأن المصرف أي وقت وأي ساعة تستطيع أن تأخذ مالك .
فإذا كنا نرجح أن الزكاة تجب في الديون إذا كانت على مليء فوجوب الزكاة في الديون التي في المصارف من باب أولى لأن ملاءة المصارف أشد من غيرها لأنك في أي وقت تستطيع أن تسحب مالك , فكأن المال تحت يدك .
المسألة الثالثة : كيفية إخراج زكاة الحساب الجاري .
هذه الموال التي يودعها أصحابها في هذه المصارف تزيد وتنقص تقدم لنا في الراتب الشهري أنه الأحسن كما أفتت اللجنة الدائمة أن الإنسان يحدد له وقتاً أنه من أول راتب يتملكه ينظر بعد أن يحول الحول ينظر إلى ما تجمع عنده من الأموال فإن كانت حال عليها الحول يؤدي زكاتها في وقتها وإن كانت لم يحل عليها الحول فإن يكون قد عجل زكاتها .
ومثل هذا يأخذ الحكم في الأموال التي تودع إن كانت ليست ربح تجارة ولا نتاج سائمة وإن كانت ربح تجارة أو نتاج سائمة فحولها واحد لكن ليست ربح تجارة ولا نتاج سائمة فعنده مال وأضاف إليه مال آخر اكتسبه عن طريق الهبة أو راتب أو إرث فلكل له حول مستقل إما أن يجعل له جدولاً حسابياً وينظر متى أودع هذا المال ومتى حال عليه الحول وهذا فيه مشقة وعسر أو أنه يحدد له زمناًً ويخرج فيه زكاة هذه الأموال . ينظر كم تجمع عنده فإذا حال عليه الحول ينظر قد يكون قليلاً وقد يكون كثيراً وما حال عليه الحول يكون قد أدى زكاته وما لم يحل عليه الحول فإنه عجل زكاته , اللهم إلا إذا سحب من الأموال بحيث أنه نقص النصاب أي ما عنده شيء . أي البنك ليس فيه شيء فليس عنده أموال أخرى – انتبه لهذه المسألة – قد يكون عنده أموال أخرى أي قد يكون هذا الحاسب ما فيه شيء لكن عنده حساب ثاني أو عنده في البيت مال أو عنده ذهب .
مثلاً إذا سحب المال وبقي أقل من النصاب انقطع الحول فإذا تم النصاب ابتدأ الحول لكن نتنبه إلى مسألة وهي أن بعض الناس يقول أن الحاسب ما فيه شيء وما عليه زكاة قد يكون فيه مثلاً 200 ريال والنصاب خمس مئة ريال , لكن عنده أموال ثانية في حساب آخر أو في البيت يضمها في تكميل النصاب فقد يكون عنده ذهب قد يكون عنده عروض تجارة فتضم ويخرج زكاة هذا المال الذي في الحساب وإن كان أقل من النصاب .
المسألة التاسعة : زكاة الصناديق الاستثمارية
وفيها مسألتان :
المسألة الأولى : تعريف الصناديق الاستثمارية .
المسألة الثانية: كيفية زكاة الصناديق الاستثمارية .
المسألة الأولى : تعريف الصناديق الاستثمارية :
الصناديق الاستثمارية: هي وعاء للاستثمار له ذمة مالية مستقلة يهدف إلى تجميع الأموال واستثمارها في مجالات متعددة ، وتدير هذه الصناديق شركة استثمار .
وهناك تعاريف أخرى لكن نقتصر على هذا التعريف .
المسألة الثانية: زكاة الصناديق الاستثمارية :
نقول أن هذه الصناديق تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون استثمارها في نشاط معين مثل النشاط الصناعي أو الزراعي ، فهذه حكم زكاتها حكم زكاة هذا النشاط كما تقدم لنا :
فإذا كان نشاطها صناعياً فإن الزكاة على صافي الأرباح : ربع العشر .
وإن كان نشاطها زراعياً فزكاتها زكاة الزروع : العشر أو نصف العشر .
القسم الثاني : أن يكون استثمارها في النشاط التجاري بتقليب المال بالبيع والشراء ، وهذا هو الغالب اليوم على الصناديق الاستثمارية .
فالذي يودع أمواله في هذه الصناديق فلا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الاتفاق بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق الاستثمارية هو المضاربة بهذا المال بمعنى أنهم يعملون في هذه الأموال بالبيع والشراء بجزء معلوم مشاع من الربح مثلاً بـ 2% .
فنقول بالنسبة لرب المال – المضارب – يجب عليه أن يزكي زكاة عروض التجارة ، فينظر إذا حال الحول إلى قيمة أسهمه السوقية كم تساوي ، ثم يخرج ربع العشر، وإذا أعطي شيئاً من الأرباح فإنه يخرج زكاتها مباشرة ربع العشر .
وأما بالنسبة للقائمين على الصناديق الاستثمارية هذا ينبني على خلاف أهل العلم رحمهم الله المضارَب - من أعطى المال وهم هذه الشركة القائمة على هذه الصناديق الاستثمارية - هل يجب عليه أن يزكي على الربح أو لا ؟
الرأي الأول : إذا ظهر الربح أي إذا اشتغلت ثم ربحت هذه الشركة ، فالآن ملكت فيجب عليها أن تزكي إذا حال عليها الحول من حين الربح.
الرأي الثاني : وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا تجب على الشركة - القائمين على هذه الصناديق - الزكاة حق تقبض هذا الربح ويحول عليه الحول.
الأمر الثاني : أن تكون حقيقة العلاقة بين رب المال والقائمين على هذه الصناديق هي الوكالة بمعنى أنه يوكَّلهم في العمل بأمواله بجزء .
فبالنسبة لرب المال فإنه يزكي زكاة عروض تجارة فينظر إلى قيمة الأسهم السوقية ويخرج ربع العشر ، وإذا قبض شيئاً من الربح أخرج ربع عشره لأن الربح هذا حوله حول الأصل .
وأما بالنسبة للقائمين على هذه الصناديق فما يأخذونه هو أجرة على عملهم .
والصحيح من أقوال أهل العلم أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة حتى يحول عليها الحول من حين العقد فنقول إذا حال الحول على هذه الأجرة من حين العقد نقول تجب فيها الزكاة .
المسألة العاشرة : زكاة المصانع
وفيها أربع مسائل:
المسألة الأولى : هل تجب الزكاة في زكاة غلة هذه المصانع وعن أعيان المستغلات ؟ .
المسألة الثانية : زكاة السلع المصنعة .
المسألة الثالثة : زكاة المواد الخام .
المسألة الرابعة : زكاة المواد المساعدة في التصنيع .
الفقهاء في الزمن السابق تحدثوا عن زكاة المستغلات ، والمراد بالمستغلات هي كل أصل ثابت يدر دخلاً تتجدد منفعته . وفي زماننا هذا خاض الفقهاء في الهيئات والمؤتمرات الفقهية في الحديث عن زكاة المستغلات وخصوصاً فيما يتعلق بالمصانع لأن المصانع نشأت حديثاً وتطورت سريعاً وهي من أكبر قنوات الاستثمار في العصر الحاضر لضخامة رؤوس أموالها وكثرة إنتاجها .
المسألة الأولى : هل تجب الزكاة في زكاة غلة هذه المصانع وفي أعيان المستغلات ؟
والمراد " بأعيان المستغلات ": ما تحتويه هذه المصانع من آلات ومكائن ... الخ .
والمراد "غلة الأعيان" : أي غلته ما تنتجه هذه المصانع .
فهذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله تعالى على أقوال نقتصر على قولين :
القول الأول : أن الزكاة لا تجب في أعيان المستغلات أي ما يوجد في هذه المصانع الضخمة من آلات ومكائن ومعدات يُحتاج إليها في المصنع إنما تجب الزكاة في الغلة التي ينتجها المصنع بعد أن يمضي حولٌ على إنتاجها .
وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي .
واستدلوا بأدلة منها :
* أن النبي r قال : « ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة » (27).(4/142)
فالأشياء التي يقتنيها المسلم لا لقصد البيع والشراء ، وإنما للقنية مثل الفرس يختص به والرقيق للخدمة والسيارة والبيت هذه قالوا لا زكاة فيها لأنه لا يراد فيها البيع والشراء وإنما تراد هذه الأشياء لما يترتب عليها من إنتاج ونحو ذلك أي للإفادة منها في تصنيع هذه المواد فهذه مثل البيت الذي يسكنها الإنسان والسيارة التي يركبها والإناء الذي يستفيد منه في الأكل والطبخ والشرب ومثله أيضاً هذه الآلات ، وأما الغلة فإنه تجب الزكاة فيها لأن حقيقة هذه الغلة أنها عروض تجارة وأنها مال لأنها لا تراد لذاتها وإنما تراد للبيع فهذه الأشياء تُشْترى ثم بعد ذلك تصنع ثم بعد ذلك تُدْفع بيعاً للمستهلك ، فهي مال .
والله عز وجل يقول : âوَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ? (28) .
والله عز وجل يقول : â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (29).
القول الثاني : أنه تجب الزكاة في أعيان المستغلات وكذلك أيضاً تجب الزكاة في غلتها .
واستدلوا على ذلك :
بقول الله عز وجل : â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (30). وهذه أموال .
ونوقش : صحيح أنها مال لكن دل الدليل على أن هذا المال خارج منه وجوب الزكاة كالسيارة التي يملكها الإنسان والبيت الذي يملكه ويختص به للسكنى ، هذه لا زكاة فيها .
الترجيح : الصواب في ذلك أن الزكاة إنما تجب في الغلات دون أعيان الغلات .
والخلاصة في هذه المسألة : أن ما يتعلق بزكاة المصانع فيما يتعلق بأعيانها وغلاتها أنها تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أعيان الغلات من آلات ونحوها هذه لا تجب فيها الزكاة .
القسم الثاني : ما يتعلق بالغلات التي تنتجها هذه الآلات نقول هذه تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول من حين إنتاجها لأنها مال واحد يتقلب والربح فيه تابع لأصله في حوله ونِصابه .
ويتبين بهذا أن المصانع إذا باعت هذه السلع التي صنعتها فإنها تزكيها إذا حال عليها الحول من حين الإنتاج فيُنظر إلى صافي الأرباح ويُخْرَج قدر زكاة تجارة ربع العشر.
المسألة الثانية : زكاة السلع المصنعة :
إذا كان هناك سلع أُنتجت ولم تُبع كأن تكون في المستودعات ، فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟ هذا موضع الخلاف بين المتأخرين :
الرأي الأول : أنه تجب فيها الزكاة وإن لم تبع لأنها عروض تجارة تراد للبيع ، فإذا بقيت حولاً من حين إنتاجها فإنه يجب أن يخرج فيها ربع العشر .
وهذا ما عليه أكثر العلماء المتأخرين .
الرأي الثاني : ذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا تجب فيه الزكاة في مثل هذه البضائع التي لم تبع .
الترجيح :
والصواب هو الرأي الأول وأنه تجب الزكاة فيها إذا صُنَّعت وحال عليها الحول من إنتاجها فتقدر كم قيمتها ويُخْرج ربع العشر .
المسألة الثالثة : زكاة المواد الخام :
ويقصد بالمواد الخام المواد الأولية التي تتركب منها السلع المصنعة مثل الحديد للسيارات والقطن والصوف للمنتوجات والخشب للدواليب أو الألمنيوم للأبواب والنوافذ ..إلخ .
فهل تجب الزكاة في هذه المواد الخام أو لا تجب فيها الزكاة ؟ هذا موضع الخلاف بين المتأخرين :
الرأي الأول : أنه تجب فيها الزكاة .
وهذا قول أكثر أهل العلم المعاصرين وبه أفتت الندوة السابعة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في الكويت . واستدلوا على ذلك :
قالوا بأن هذه المواد الخام لا تقصد لذاتها وإنما يقصد بها أن تصنع وأن تباع فهي داخلة في عروض التجارة فتجب فيها الزكاة وحولها حول أصلها لأن هذه الأموال لا تراد لعينها وإنما تراد لقيمتها .
الرأي الثاني : أنه لا تجب الزكاة فيها .
استدل القائلون بأنها لا تجب فيها الزكاة بأنها لا تراد للبيع وإنما تراد للتصنيع
نوقش : أن هذا غير مُسلّم لأن هذه الأموال هي مرادة للبيع فالمصنع إنما اقتنى هذه الأشياء لكي يصنعها على شكل آخر ثم بعد ذلك يبيعها على المستهلك .
المسألة الرابعة : زكاة المواد المساعدة في التصنيع :
والمراد " بالمواد المساعدة في التصنيع " :هي المواد التي لا تدخل في تركيب المصنوعات ولكن يحتاج إليها في التصنيع . مثل الوقود ومثل الزيوت والغاز و نحو ذلك فإذا اقتنيت مثل هذه المواد
فهل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟
هذه الأشياء لا تجب فيها الزكاة فهي كالأصول الثابتة كما تقدم لنا .
وهذا قول أكثر المتأخرين فلو حال عليها الحول وهي عند الإنسان فإنه لا يجب عليه أن يخرج الزكاة .
وأما ما تحتاج إليه هذه المصنوعات من العلب والكراتين ومواد البلاستيك والعلب التي توضع فيه هذه الأشياء نقول هذه داخلة في السلع التي تصنع فتجب فيها الزكاة نقول هذه تجب فيها الزكاة فهي تختلف عن الوقود لأن هذه تذهب فهي لا تبقى إنما تذهب .
المسألة الحادية عشر: حفر الآبار للفقراء من الزكاة
وهذا يوجد اليوم عند كثير من الجمعيات الخيرية وخصوصاً الجمعيات الخيرية التي تعمل خارج البلاد ويحتاج المسلمون في تلك البلاد إلى حفر الآبار , فهل لهذه الجميعات الخيرية أن تقوم بحفر الآبار من الزكاة أو لا ؟
هذه المسألة تنبني على شرط ذكره العلماء رحمهم الله تعالى فقالوا بأنه يشترط في الزكاة أن يُمَلَّك الفقير للزكاة ويدل لهذا قوله r : « تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم » وعلى هذا لو أن الغني صنع طعاماً وقال للفقراء كلوا منه ، قال العلماء لا يجزئه ذلك عن الزكاة لأن هذا ليس فيه تمليكاً لهم .
و تنبني على مسألة أخرى وهي أن الزكاة لها مصارف محددة في الشرع بيَّنها الله عز وجل في كتابه فقال: â إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? (31) .
فإذا حفرنا مثلاً بئراً بعشرة آلاف ريال من الزكاة فإن هذا البئر ليس لها مالك معين فيتخلف عندنا هذا الشرط لأن الزكاة كما أسلفنا لا بد أن يكون لها مالك وأن تُمَلك الفقير وهنا لم يملك الفقير هذا البئر لا يختص به زيد ولا عمرو وإنما هي لعموم المسلمين .
.
والأمر الثاني: وهي أن الزكاة لها مصارف محددة شرعاً ومثل هذه الآبار لا تكون خاصة بالفقراء فيستفيد منها الأغنياء وكذلك أيضاً يستفيد منها الفقراء , والغني ليس من أهل الزكاة .
وبهذا يتبين لنا أن الزكاة لا تصح فيما يتعلق بحفر الآبار، واستثنى بعض المتأخرين إذا لم يمكن حفر الآبار إلا بمال الزكاة وهذا يكون داخل تحت قاعدة الضرورات تبيح المحذورات .
المسألة الثانية عشر: شراء بيت للفقير من مال الزكاة
هل يجوز أن نشتري للفقير بيتاً من مال الزكاة ؟
هذه المسألة تنبني على مسألة وهي ما هو مقدار ما يعطاه الفقير من الزكاة ؟
الرأي الأول : أن مقدار ما يعطاه الفقير من الزكاة هو كفاية العام له ولمن يمونه من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية (32) . وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
" النفقات الشرعية ": مثل الطعام والشراب وأجرة السكن .
"والحوائج الأصلية " : مثل الآلات التي يحتاج إليها مثل آلة تبريد ، آلة تغسيل ، آلة طبخ ، الفرش، أواني ، غطاء ... الخ فهذه حوائج أصلية نعطيه منها.(4/143)
الرأي الثاني : أن الفقير أنه يعطى كفاية العمر .
وهو رأي الشافعي رحمه الله وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة (33).
الرأي الثالث : أن الفقير يعطى أقل من النصاب وهو مئتا درهم .
وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله وهو أضيق المذاهب.
لأن النصاب في الفضة مئتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالاً فيعطى أقل من النصاب وهو مئتا درهم .
الترجيح : ويظهر من حيث الدليل أن أرجح الأقوال في هذه المسألة هو : ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من أن الفقير يعطى من الزكاة كفاية عام كاملة أو تتمتها من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية لأن الزكاة تجب كل عام ، وحينئذٍ يأخذ كفايته هذا العام إلى العام المقبل . فنعطيه من الزكاة كفاية عام كاملة أو تتمتها فقد يكون عنده مرتب ألف ريال ، وألف ريال في السنة يساوي اثنا عشر ألف ريال ، وما يحتاج هو وعائلته من النفقات والحوائج الأصلية إلى عشرين ألف فعنده إثنا عشر ألفاً ، فيحتاج إلى زيادة ثمانية آلاف ، فنعطيه تمام عشرين ألف .
واستثنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكذلك أيضاً جمع من الحنابلة ما يتعلق بآلة المهنة قالوا لا بأس أننا نعطي الفقير من الأموال ما يستطيع به أن يشتري آلة مهنة مثلاً أن يشتري آلات يشتري مكائن بحيث أنه يعمل ويكتفي بنفسه بمقدار ما ينفق على نفسه وعلى من يمونه أو نعطيه مثلاً رأس مال تجارة مثلاً نعطيه عشرة آلاف ريال بعد أن نعطيه حاجته من النفقات والحوائج الأصلية فيضارب فيها أو يفتح محلاً بحيث أنه يكتفي وقدر ما يعطى ما يشتري به الآلة وما يكون رأس مال تجارة بقدر ما ينفق عليه هو ومن يمونه لا زيادة على ذلك .
من عرض هذا الخلاف يتبين لنا حكم شراء البيت من الزكاة هل نشتري للفقير بيتاً من الزكاة أو نقول لا نشتري ؟
ذكرنا أن الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله يتبين بهذا أنه لا يجوز أن يشتري للفقير بيتاً من الزكاة فهذا غير جائز لأن الفقير نستطيع أن نعطيه كفايته بأن نعطيه مقدار الأجرة قد يكون البيت يساوي مئة ألف فنعطيه ما يستأجر مثله بعشرة آلاف ريال فنعطيه عشرة آلاف ريال ولا نعطيه مئة ألف أو مئتي ألف لكي يشتري بذلك منزلاً .
لكن هناك طريق آخر ذهب إليه بعض المتأخرين أنه لا بأس أن الفقير يشتري المنزل وحينئذٍ يكون من أصناف الغارمين ، فحينئذٍ يعطى من الزكاة لكي يسدد غرمه لأنه غارم لنفسه في أمر يتعلق بحاجته .
ومثل ذلك أيضاً شراء السيارة للفقير هل له أن يشتري زيادة عن الزكاة أو لا ؟
إذا كانت السيارة سيعمل عليها بالتحميل والتنزيل وينفق على أهله فكما قلنا أن شيخ الإسلام رحمه الله استثنى هذه المسألة وإذا كانت هذه السيارة سيركبها فهنا لا يجوز أن نعطيه من الزكاة ما يشتري به سيارة لأنه بإمكانه أن يأخذ من الزكاة ما يستأجر به ، لكن كما أسلفنا لو أن هذا الفقير اشترى سيارة ولحقه غرم بشرط أن تكون هذه السيارة لمثله فحينئذٍ نعطيه من الزكاة لكونه أصبح من الغارمين .
المسألة الثالثة عشر: شراء المواد الدراسية للفقير
هل يشترى للفقير المواد الدراسية ؟ أو هل نعطيه من الزكاة ما يشتري بها المواد الدراسية ؟
نقول هذا جائز ولا بأس أن نعطي الفقير زكاة ويقوم بشراء مواد الدراسة لأن هذا داخل في الحوائج الأصلية وكما أسلفنا أنه يعطى من الزكاة ما يحتاج إليه لمدة عام من النفقات الشرعية وكذلك أيضاً الحوائج الأصلية .
وقد نص العلماء رحمهم الله على أن طالب العلم إذا تفرغ لطلب العلم وترك العمل فإنه يعطى من الزكاة وكذلك نصوا على أنه يعطى من الزكاة ما يشتري بها كتباً يحتاج إليها في طلب العلم (34).
المسألة الرابعة عشر : صرف الزكاة لعلاج الفقراء
هل هذا جائز أو ليس جائز ؟ من المعلوم اليوم ترقي الطب ووجود المصحات الكثيرة وخصوصاً المصحات التجارية وهذه المصحات قد تطلب أموالاً لا يستطيعها الفقراء فالمتأخرون جوزوا مثل هذا ، جمع من المتأخرين جوزوا صرف الزكاة للفقراء بشروط :
الشرط الأول : ألا يتوفر علاجه مجاناً .
الشرط الثاني : أن يكون العلاج مما تمس الحاجة إليه وأما الأمور التي لا تمس الحاجة إليها كأمور التجميل أو الأمور الكمالية فهذا ليس له ذلك .
الشرط الثالث : أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف بحيث يبحث عن أقل المصحات تكلفة .
فإذا توفرت مثل هذه الشروط فإن هذا جائز ولا بأس به .
المسألة الخامسة عشر : ما يتعلق بالعاملين على الزكاة
العاملون على الزكاة صنف من أصناف الزكاة واليوم توجد كثير من الجمعيات وهذه الجمعيات الخيرية تحتوي كثيراً من الموظفين وقد تحتوي أيضاً موظفات يحتاج إليهن فيما يتعلق بجلب الزكاة . فهل يجوز لهذه الجمعيات الخيرية أن تعطي هؤلاء الموظفين الذين تحت إدارتها . أن تعطيهم من الزكاة بأن تصرف لهم رواتب من الزكاة أو تعطيهم نسباً عند جلبهم لهذه الزكاة ؟
أولاً : العاملون على الزكاة ما المراد بهم ؟
الفقهاء يتفقون على أن المراد بالعاملين بالزكاة هم السعاة الذين ينصبهم الإمام لجمع الزكاة من أهلها . فنأخذ من هذا أنه يشترط في العاملين أو في العامل أن يكون ممن نصبه الإمام الأعظم وعينه (الدولة) .
وعلى هذا لا يدخل في العاملين من يوليه آحاد الناس ، فلو أن شخصاً أعطاك عشرة آلاف ريال على أن تقوم بتوزيعها أو أنت ذهبت إلى زيد من الناس التاجر وأخذت منه عشرة آلاف وقمت بتوزيعها فهل يجوز لك أن تأخذ شيئاً من هذه الزكاة مقابل أنك جبيتها وفرقتها وبحثت عن مستحقيها . نقول ليس لك ذلك .
مسألة : من هو العامل على الزكاة :
الرأي الأول : كما ذكر ابن قدامة رحمه الله قال :« هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يُعينهم ممن يسوقها – إذا كانت ماشية – ويرعاها ويحملها وكذلك أيضاً الحاسب والكاتب والكيال والوزّان والعدّاد وكل من يحتاج إليه فيها لدخولهم في مسمى العاملين »(35). وهذا رأي الجمهور في الجملة وإن كان المالكية والشافعية يقولون أن الحارس والراعي والخازن ليس داخلون، لكن على كلام ابن قدامة رحمه الله أنهم داخلون لأنه قال :« وكل من يحتاج إليه فيها » .
الرأي الثاني : هم السعاة فقط .
هذا رأي الحنفية .
فجمهور أهل العلم يتوسعون في تفسير العامل وأما الحنفية فإنهم يضيقون .
لما فهمنا ما المراد بالعاملين وأنه يشترط أن ينصبهم الإمام اختلف المتأخرون في هؤلاء الموظفين الذين تحت إدارة هذه الجمعيات الخيرية هل لهم أن يأخذوا من الزكاة أو ليس لهم أن يأخذوا من الزكاة.
هذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : العاملون الذين وضفتهم الدولة وصرفت لهم رواتب ، وهؤلاء لا يجوز لهم أن يأخذوا من الزكاة مثل : موظفوا مصلحة الزكاة والدخل فإنهم يكتفون بما تعطيه الدولة لهم .
القسم الثاني : العاملون في الجمعيات الخيرية لكن الدولة لا تصرف لهم رواتب ، فهذه الجمعيات إن كانت بإذن الدولة فهي نائبة مناب الإمام ، وكما أن الإمام له أن يبعث العامل فكذلك أيضاً هذه الجمعيات فيجوز صرف الزكاة لهم كرواتب ؛ لأن هذه الجمعية لما أذن فيها الإمام أصبحت نائبة مناب الإمام .
القسم الثالث : الجمعيات التي لم تأذن فيها الدولة وإنما هي اجتهاد من جمع من الناس فأنشأوا هذه الجمعية وقاموا بجمع الأموال ، فنقول هؤلاء لا يجوز للعاملين تحت إدارتها أن يأخذوا من الزكاة وإنما لا بأس أن يعطوا من الصدقات .(4/144)
مسألة : بالنسبة للنساء العاملات في بعض الجمعيات والهيئات الخيرية فهل يُعطين من الزكاة مقابل العمل أو نقول لا يعطين من الزكاة ؟
هذه المسألة تنبني على مسألة ذكرها العلماء رحمهم الله تعالى وهي العامل على الزكاة الذي يحق له أن يأخذ من الزكاة هل تشترط فيه الذكورة أو لا تشترط فيه الذكورة ؟
الرأي الأول : أن العامل على الزكاة تشترط فيه الذكورة ،وحينئذٍ لا يصح أن تكون المرأة من العاملين على الزكاة وعلى هذا لا تأخذ من الزكاة وإنما تعطى من الصدقات.
وهذا قول جمهور أهل العلم : مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله .
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال:« ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة »(36).
نوقش : بأن هذا محمول على الولايات العامة وأما هذه فإنها ولاية خاصة .
الرأي الثاني : أن الذكورة ليست شرطاً وأنه يجوز أن تكون المرأة من العاملين على الزكاة. وهذا ذهب إليه بعض الحنابلة ورجحه بعض المتأخرين .
واستدلوا بعموم قوله عز وجل : â إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ? (37) .
وهذا الوصف ينطبق على المرأة فإذا توفر فيها هذان الوصفان القوة والأمانة فإنه يجوز لها أن تعمل وأن تأخذ .
المسألة السادسة عشر : زكاة الحيوانات المتخذة للاتجار بألبانها ومشتقاته أو بيضها ولحمهما ونحو ذلك :
نقول هذه الحيوانات لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون هذه الحيوانات مما تجب الزكاة في عينه كسائمة بهيمة الأنعام الإبل والغنم والبقر اتخذت هذه الأشياء للبنها ومنتجات الألبان كما هو موجود الآن في الشركات الكبيرة التي تعنى بمثل هذه الأشياء شركات الألبان ونحو ذلك ، فاختلف فيها المتأخرون على أقوال أهم هذه الأقوال قولان :
القول الأول : أن الزكاة تجب في أعيانها ونتاجها :
أما الأعيان فتجب فيها الزكاة زكاة سائمة وأما المنتجات فتجب فيها الزكاة زكاة تجارة أي ربع العشر وسيأتي بيانه إن شاء الله .
وقالوا بأن هذه الحيوانات أما كونها تجب فيها الزكاة في أعيانها لكونها سائمة وأما كونها تجب الزكاة في منتجاتها لكونها أصبحت عروض تجارة فأصبحت مال يقصد به التجارة .
استدلوا :
بالأدلة العامة على وجوب زكاة السائمة في كل أربعين شاة شاة واحدة. وتجب الزكاة في المنتجات لأن المنتجات هذه أصبحت أموال تقصد للتجارة .
القول الثاني : أن الزكاة تجب في الأعيان والمنتجات زكاة تجارة يجب فيها ربع العشر
قالوا بأن هذه الأعيان الآن أصبحت تجارة ويقصد بها المال .
الترجيح : والصواب في هذه المسألة نقول بالنسبة للزكاة لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : زكاة الأعيان الحيوانات ونحو ذلك فهذه إن كانت سائمة ترعى المباح فتجب فيها زكاة سائمة إلا على رأي الإمام مالك رحمه الله فإنه يوجب الزكاة في المعلوفة (38).
فنقول هذه الأعيان الحيوانات التي يستفاد من نتاجها كالبقر الذي يستفاد من لبنه والغنم والإبل أو الدجاج الذي يستفاد من بيضه إن كانت سائمة ما عدا الدجاج حتى لو أكل المباح لا تجب الزكاة في عينه .
وإن كانت ليست سائمة وإنما صاحبها يعلفها فهذه لا زكاة فيها إلا إن كانت معدة للتجارة للبيع والشراء فتجب فيها زكاة تجارة .
الأمر الثاني : زكاة منتجاتها من ألبان ونحو ذلك فنقول تجب الزكاة في هذه الألبان إذا بيعت وحال الحول على ثمنها ، وإن كان يشق على أصحاب هذه الشركات أن يعرفوا متى حال الحول على هذا الثمن فإنهم يحددون يوماً – كما قلنا في الرواتب الشهرية – يوماً من السنة يخرجون فيه الزكاة وحينئذٍ ما حال عليه الحول يكونون قد أدوا زكاته وما لم يحل عليه الحول فقد عجلوا زكاته وتعجيل الزكاة عند جمهور أهل العلم جائز ولا بأس به .
بالنسبة لما يتعلق بالدجاج عينه لا تجب فيه الزكاة مطلقاً اللهم إلا إذا كانت للاتجار - يباع ويشتر- فتجب فيه زكاة تجارة .
أما بالنسبة لنتاجه فنقول إذا بيع هذا النتاج وحال الحول على الثمن وجبت الزكاة كما أسلفنا إذا كان هناك فيه مشقة في معرفة الحول فإن أصحاب هذه الشركات يعينون يوماً من السنة ويخرجون فيه زكاة هذا النتاج فما حال عليه الحول فقد أدوا زكاته وما لم يحل عليه الحول فقد عجلوا زكاته .
المسألة السابعة عشر : صرف الزكاة لنفقة الزواج
هل هذا جائز شرعاً أو ليس جائز ؟
أولاً : نفهم أن النفقة التي ذكرها العلماء رحمهم الله في باب النفقات قالوا بأن هذه النفقة هي كفاية من يمونه طعاماً وكساءً وسكناً وزواجاً . فإن كان عندك أولاد وأنت قادر على نفقتهم فيجب عليك أن تنفق عليهم في الطعام والشراب والسكن واللباس وكذلك أيضاً في الزواج . فنفهم من هذا التعريف للنفقة أن الزواج داخل في النفقة والزكاة تصرف في النفقات .
ويدل لهذا حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال : تحملت حمالة فأتيت رسول الله r أسأله فيها فقال : « أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها » . قال ثم قال : « يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه . لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا » (39).
ومعنى قول النبي r : « قواماً من عيش أو قال سدادا من عيش » أي ما يقوم بعيشه ويدخل في ذلك نفقة الزواج وتكاليف الزواج فإنه من تحقيق قوام العيش .
ثانياً : أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ الضرورات الخمس التي اتفقت الشرائع على حفظها وهي : حفظ الدين ، حفظ النفس ، حفظ المال ، حفظ العقل ، حفظ العرض والنسل . والزواج هذا من حفظ العرض والنسل ، إذا كان هذا الذي يريد الزواج لا يستطيع على تكاليف الزواج ليس له أب ينفق عليه أو جد أو أبناء ينفقون عليه ويكفونه مؤونة الزواج وهو لا يستطيع تكاليف الزواج فهذا يعطى من الزكاة ؛ لأن الزكاة تشمل النفقات الشرعية : من الطعام والشراب والسكن والكساء .
والحوائج الأصلية : من الآلات التي يحتاج إليها في البيت .
والواجبات الشرعية : من الديون لله أو للآدمي .
فالخلاصة في هذه المسألة : أن دفع الزكاة للمتزوج أن هذا جائز ولا بأس به بشرط ألا يكون له أحد ينفق عليه قادر أن يزوجه ممن يجب عليه أن ينفق عليه ، فالأب يجب عليه أن يزوج ولده ولا يجوز له أن يمتنع لأن هذا داخل في النفقة ، وإن كان الأب قادراً فإن الولد لا نعطيه من الزكاة يجب على أبيه أن يزوجه ، اللهم إلا إذا امتنع الأب فحينئذٍ لا بأس أن نعطيه من الزكاة لكن الأب يأثم في هذه الحالة .
وإذا كان ليس له أب ينفق عليه أوجد أو نحو ذلك أو له أب لكنه فقير لا يستطيع فإننا نعطيه كفاية الزواج وهي ما يتزوج به مثله أو تمام الكفاية .
المسألة الثامنة عشر : ما يتعلق باستثمار أموال الزكاة
ومعنى استثمار أموال الزكاة أي تنميتها بالبيع والشراء .
تعريف الاستثمار :
في اللغة : طلب الثمر يقال ثمَّر الرجل ماله إذا كثَّرة .
وأما في الاصطلاح : طلب الحصول على الأرباح المالية عن طريق المضاربة بأموال الزكاة .
استثمار أموال الزكاة من قبل المؤسسات الخيرية والهيئات الإغاثية هل هو جائز أو ليس جائز ؟
نقول في الجملة استثمار أموال الزكاة ينقسم إلى قسمين :(4/145)
القسم الأول : استثمار أموال الزكاة من قبل المزكي نفسه . هذا الرجل عنده مثلاً مئة ألف ريال زكاة أو عنده مليون ريال زكاة فأراد أن يبيع ويشتري بهذه الدراهم لكي يُثَمَّرها أو يكثرها هل هذا جائز أو ليس جائز ؟
نقول هذه المسألة تنبني على مسألة أخرى ذكرها العلماء رحمهم الله وهي: إخراج الزكاة هل هو على سبيل الفور أو على سبيل التراخي ؟ للعلماء في ذلك قولان :
القول الأول : إن إخراج الزكاة يجب على الفور وهذا ما عليه جمهور العلماء رحمهم الله.
القول الثاني : إن إخراج الزكاة لا يجب على الفور وإنما يجوز على التراخي وهذا قال به أكثر الحنيفية (40).
الذين قالوا بأن إخراج الزكاة يجب على الفور استدلوا بأدلة من أهم هذه الأدلة :
* قوله تعالى âوَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ? وقالوا بأن الأمر بإيتاء الزكاة هذا مطلق وأوامر الشارع المطلقة عند الأصوليين تقتضي الوجوب والفورية مالم يكن هناك صارف .
* وعن عقبة بن الحارث قال : صليت وراء النبي r بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته قال : « كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته » .
فالنبي r أسرع في صرف هذه الصدقة .
* أن حاجة الفقراء حاضرة ناجزة .
* القياس على الصلاة فكما أن الصلاة لا تؤخر حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى فكذلك أيضاً الزكاة لا تؤخر بل يجب عليه أن يبادر بها .
* لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له في هذه الحياة قد ينسى وقد يموت .
الرأي الثاني : قالوا بأن إخراج الزكاة لا يجب على الفور وقالوا بأن الأمر المطلق لا يقتضي الفورية .
نوقش : أن هذا غير مسلَّم بل الأمر المطلق عن الصوراف هذا يقتضي الوجوب والفورية على الصحيح من أقوال أهل العلم رحمهم الله والأدلة على ذلك كثيرة :
* حديث أم سلمة لما أمر النبي r الصحابة رضي الله عنهم في صلح الحديبية بأن ينحروا ويحلقوا ويحلوا تأخروا فغضب النبي r مما يدل على أن الأمر يقتضي الفورية (41) .
* حديث عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع لما أمر النبي r من لم يسق الهدي أن يتحلل وأن يجعل إحرامه بالحج عمرة وتأخروا غضب النبي r (42).
* أيضاً من حيث اللغة لو أن أحداً أمر ولده أو غلامه أن يفعل شيئاً ثم تأخر فإنه يحصل لومه على هذا .
وعلى هذا نفهم أنه إذا كانت الزكاة تجب على الفورية أنه لا يجوز للمالك أن يستثمر أموال الزكاة ، بل يجب عليه أن يبادر بصرف هذه الأموال إلى المستحقين .
القسم الثاني :استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام ومن ينيب عنه مثل : الوزارات والجمعيات الخيرية التي أنشئت بإذن الإمام وكذلك الهيئات الإغاثية فهل يجوز لهؤلاء أن يستثمروا أموال الزكاة أو نقول بأنه لا يجوز لهم أن يستثمروا أموال الزكاة ؟
العلماء المتأخرون اختلفوا في ذلك على آراء وأهم هذه الآراء رأيان :
الرأي الأول: أن هذا جائز ولا بأس به .
وهذا الذي انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي وكذلك لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية واستدلوا بأدلة كثيرة , فأهمها :
* أن النبي r وخلفاءه الراشدين كانوا يستثمرون أموال الصدقات من إبل ونحوها . فكان هناك أماكن خاصة تحمى لهذه الإبل - إبل الصدقة - للرعي ويستفاد من لبنها ونسلها وعمر t حمى إبل الربذة وكانت فيها إبل الصدقة وهي كانت ترعى ويؤخذ منها اللبن وهذا نوع من الاستثمار لأنه يتوالد منها النسل.
* حديث أنس t أن رجلاً من الأنصار أتى إلى النبي r يسأله فقال النبي :« أما في بيتك شيء ؟ » فقال : بلى حِِلْس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقُعْبٌ نشرب فيه الماء فقال : «ائتني بهما» فأتاه بهما فأخذهما رسول الله r فقال « من يشتري هاذين » أخرجه أبو داود والإمام أحمد وفيه ضعف.
لكن هم استدلوا بهذا ووجه الدلالة أن الرسول r عمل في مال هذا الفقير باع في مال هذا الفقير وكذلك أموال الزكاة هي للفقراء .
* أن الولي يتصرف في أموال الأيتام لقول عمر t : « ابتغوا في أموال الأيتام كي لا تأكلها الصدقة » فأموال الأيتام يعمل فيها الولي كما ورد عن عمر وورد عن عائشة رضي الله تعالى عنهما فكذلك أيضاً ولي أمر المسلمين يعمل في أموالهم .
* حديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصة الثلاثة الذين انطلقوا ودخلوا في غار وانطبقت عليهم الصخرة وقالوا لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم وكل منهم دعا منهم من دعى بترك الزنا ومنهم من دعى ببره بوالديه والثالث دعى بأنه استأجر أجيراً ولم يعطه أجرة ثم بعد ذلك ثمره له حتى كان كثيراً من الماشية فجاءه وقال يا هذا أتق الله وأعطني حقي فقال :- كل هذا لك . فقال " يا هذا لا تهزأ بي....إلخ" فأعطاه إياه ولم يرزأ منه شيئاً . فقالوا هذا عمل في مال هذا الأجير فكذلك أيضاً مثله ولي الأمر يعمل في أموال الفقراء .
* أن عبيد الله ابن عمر رضي الله عنهما لما مر على أبي موسى الأشعري t وكان أميراً في العراق فأعطاه أبو موسى شيئاً من بيت المال فعمل به عبيد الله فربح , فرد عمر رضي الله عنه جميع المال في بيت مال المسلمين لأنه لا يحق له أن يأخذ شيئاً من مال بيت المسلمين . وسأل عمرt فأفتي بأن عبيد الله يأخذ النصف وأن بيت المال يأخذ النصف .
فقالوا هذا عمل في مال بيت المال ومثله يقاس عليه العمل في أموال الفقراء .
الرأي الثاني : أنه لا يجوز التصرف بالبيع والشراء في أموال الزكاة حتى ولو كان من قبل الجمعيات الخيرية التي أذن فيها الإمام .
وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة , وأيضاً ما عليه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى .
واستدلوا بأدلة منها :
* قول الله عز وجل : âإِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ? (43).
فالآية حصرت مصارف الزكاة في ثمانية فليس هناك مصرف تاسع .
* أن الزكاة عبادة عظيمة لها شروطها ولهذا قال رسول الله r : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ».
* أن هذا يؤدي إلى تأخير الزكاة عن مستحقيها .
* أن هذا يؤدي إلى تعريض هذه الأموال إلى الخطر عند المضاربة فيها بالبيع والشراء .
وقد جعلوا لجواز ذلك ضوابط :
الضابط الأول : مراعاة حاجة الفقراء والمساكين فلابد ألا يكون هناك وجوه صرف عاجلة ، فإذا كان هناك وجوه صرف عاجلة فإنه لا يجوز المضاربة أي هناك فقراء يحتاجون إلى الغذاء يحتاجون إلى الكساء فيجب أن تصرف لهم كفايتهم والفاضل يضارب به إذا لم يفضل شيء فلا مضاربة .
الضابط الثاني : أن يُتحقق من الاستثمار مصلحة حقيقة بحيث الذي يغلب على الظن بسؤال أهل الخبرة أنه يربح أما إذا كان يحتمل الربح ويحتمل الخسارة قالوا هذا لا يجوز ، وبهذا نعرف أن ما يحصل من بعض الجمعيات الخيرية أنهم يضاربون بأموال الصدقات أو الزكوات في الأسهم أن هذا محرم ولا يجوز لأن مثل هذه الأسهم عرضة للتلف دون مقابل بخلاف ما إذا باع واشترى في بضائع قد تخسر لكن الأعيان هذه – البضائع – لا يزال باقياً .
الضابط الثالث : المبادرة إلى تنضيد هذه الأموال عند وجود حاجة أي إذا وجدت حاجة عاجلة إلى الفقراء والمساكين فإنه يبادر إلى تنضيد المال أي إلى بيع هذه الأصول وقلبها إلى أموال تعطى للفقراء والمساكين .(4/146)
الضابط الرابع : أن يكون هذا العمل من ولي الأمر أو من ينيبه من الوزارات أو الجمعيات الخيرية أوالهيئات الإغاثية .
الضابط الخامس : أن يسند هذا العمل إلى ذوي الخبرة والأمانة .
الضابط السادس : أن يكون ذلك في مجالات مشروعة دون أن يكون ذلك في مجالات محرمة .
المسألة التاسعة عشر : زكاة جمعية الموظفين
هذه المسألة سبق أن طرحناها وتطرقنا إليها قبل سنتين عندما تكلمنا عن جمعية الموظفين وعن أقسامها وذكرنا كلام أهل العلم في هذه المسألة وتكلمنا أيضاً عن كيفية زكاة جمعية الموظفين فلا حاجة إلى أن نعيد الكلام فيها مرة أخرى (44).
المسألة العشرون : قيمة الإركاب لابن السبيل
والمراد بابن السبيل : هو المنقطع وهو من أهل الزكاة فيعطى من الزكاة ولو كان غنياً ويعطى من الزكاة ما يوصله إلى الغرض الذي قصده وما يرجعه إلى بلده ، هل يعطى أجرة سيارة ، أو يعطى أجرة طائرة ؟ لأن الركوب في وسائل النقل هذا يختلف فهل نعطيه قيمة عالية أو قيمة متوسطة أو قيمة أدنى ؟:
نقول هذا يختلف باختلاف الشخص فإذا كان من عامة الناس وفقرائهم هذا نعطيه أجرة السيارة وإذا كان من الأغنياء الذين يركبون الطائرة فهذا نعطيه أجرة الطائرة وعلى هذا فقس.
المسألة الواحدة والعشرون : زكاة الحقوق المعنوية
بسبب تطور التجارات وتوسعها وكثرة المال في أيدي الناس ظهر ما يمسى بالحقوق المعنوية وهذا في مجال التجارة وفي غيره لكن في مجال التجارة أظهر من غيره .
الحقوق المعنوية تحتها مسائل :
المسألة الأولى : تعريفها .
المسألة الثانية : التكييف الشرعي لهذه الحقوق المعنوية .
المسألة الثالثة : اختلاف المتأخرين في زكاة الحقوق المعنوية .
المسألة الأولى : تعريف الحقوق المعنوية :
الحقوق المعنوية : هي كل حقٍ لا يتعلق بمالٍ عيني ولا بشيءٍ من منافعه . ومن أمثلتها في الزمن السابق مثل : حق القصاص ، حق الولاية ، حق الطلاق هذه حقوق معنوية .
ومن أمثلته في عصرنا الحاضر : حق التأليف ، حق الاختراع ، حق الاسم التجاري ، حق العلامة التجارية ، فهذه حقوق معنوية .
المسألة الثانية : التكييف الشرعي لهذه الحقوق المعنوية .
اختلف المتأخرون في التكييف الشرعي لهذه الحقوق المعنوية والصواب في ذلك أن الحقوق المعنوية هي حقوق غير مادية ذات قيمةٍ مالية معتبرة شرعاً وعرفاً ، ولها شبه كبير بالمنافع .
وهذا نص قرار مجمع الفقه الإسلامي قال :« الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية والتأليف والاختراع والابتكار هي حقوق لأصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمَوُّل الناس لها وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً فلا يجوز الإعتداء عليها »
المسألة الثالثة : اختلاف العلماء المتأخرين في زكاة الحقوق المعنوية .
هذه الحقوق اختلف العلماء رحمهم الله هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة ؟
فالاسم التجاري قد يعاوض عليه بمائة ألف ريال ،والعلامة التجارية قد يعاوض عليها ، والشركات الكبيرة قد يعاوض عليها بكذا وكذا ، وحق التأليف قد يعاوض عليه . فهل تجب الزكاة في هذه الأشياء أو لا تجب فيها الزكاة ؟
المتأخرون اختلفوا في هذه المسألة على رأيين :
الرأي الأول : أن الحقوق المعنوية أنه لا زكاة فيها وعلتهم قالوا بأن هذه الحقوق حتى لو كانت تجارية مثل الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية فإنها حقوق ذهنية وليست سلعاً تُدخل في الأموال الزكوية وحينئذٍ لا تجب فيها الزكاة .
الرأي الثاني : التفصيل : قالوا بأن الزكاة لا تجب في حقوق التأليف والابتكار والاختراع وإنما تجب الزكاة فيما يتعلق بأمور التجارة فتجب الزكاة في حق الاسم التجاري والعلامة التجارية والعنوان التجاري .
وهذا القول هو الأقرب لأن هذه الأمور التجارية أصبحت في عرف الناس اليوم أنها من التجارة ويعاوض عليها فحينئذٍ نقول حق التأليف ونحوه هذه لا تجب فيه الزكاة وأما ما يتعلق بالعلامة التجارية أو الاسم التجاري ونحو ذلك نقول هذه داخلة في عروض التجارة وامتداد لها فيجب عليه أن يزكيها إذا عاوض عنها .
المسألة الثانية والعشرون : الديون الاستثمارية
المسألة الأولى : تعريف الديون الاستثمارية .
الديون الاستثمارية: هي الديون التي تؤخذ لتمويل مشروعات تجارية بقصد التكسب وتنمية الأموال .
المسألة الثانية : هل الديون الاستثمارية تنقص النصاب أو لا تنقصه و هل تمنع وجوب الزكاة أو لا تمنعه ؟
هذه المسألة تنبني على مسألة ذكرها العلماء رحمهم الله وهي الدين هل يمنع وجوب الزكاة أو لا يمنع وجوب الزكاة ؟
ولنفرض أن إنساناً عنده مئة ألف ريال في المصرف وعليه دين مئة ألف ، فهل تجب الزكاة عليه أو لا تجب ، وهل الدين يقابل المال وتسقط عنه الزكاة أو نقول لا تسقط ؟
للعلماء رحمهم الله لهم في هذه المسألة ثلاثة أراء :
الرأي الأول : قالوا بأن الدين يمنع الزكاة.
وهو مذهب الحنابلة وهو أوسع المذاهب، فإذا كان عندك مئة ألف وعليك دين مئة ألف لا زكاة عليك . إذا كان عندك مئة ألف وعليك خمسون ألف عليك زكاة خمسين .
و استدلوا بأدلة منها :
* قول عثمان t أنه قال :« هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده »(45) ، فقال « من عليه دين » فبدأ بالدين قبل الزكاة فدل على أن الدين يمنع الزكاة أو يسقطها أو ينقصها .
* حديث :« من كان عنده ألف درهم وعليه ألف فلا زكاة عليه » وهذا الحديث ضعيف .
الرأي الثاني : أن الزكاة تجب وأن الدين لا يمنع الزكاة .
وهو مذهب الشافعي وهذا رأي الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله .
فإذا كان عندك مئة ألف وعليك دين يساوي مئة ألف تزكي عن المئة ألف .
واستدلوا :
* بالعمومات : كقوله تعالى : â خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (46).
* قوله r : « تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم » .
وهذا عنده مال فتجب عليه الزكاة .
الرأي الثالث : التفريق بين الديون الظاهرة و الديون الباطنة .
وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى.
فقال بأن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة وهي زكاة الإبل والغنم و الزروع والثمار ويمنعه في الأموال الباطنة : وهي عروض التجارة والذهب والفضة وما يقوم مقامهما من النقدين .
واستدل بأدلة منها:
* أن النبي r كان يبعث السعاة ليأخذوا زكاة الأموال الظاهرة دون أن يسألوا أرباب هذه الأموال هل عليهم ديون أو لا ؟ مع أن أهل الزروع والثمار مظنة الدين لأن الزروع والثمار بحاجة إلى الكلفة والمئونة .
الرأي الرابع : بعض الباحثين توسط في المسألة فقال أن الدين يمنع الزكاة بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون الدين حالاً ليس مؤجلاً .
الشرط الثاني : أن يكون الدين ليس من الأمور الكمالية وإنما في الأمور الحاجية وأيضاً ليس عنده من الأموال الزائدة عن حاجاته ما يقابل الدين .
نضرب لذلك مثلاً : هذا رجل اشترى سيارة بالتقسيط من شركات التقسيط كل شهر عليه ألف ريال و الآن القسط حل ألف ريال ، هذا الألف هل يمنع الزكاة أم لا ؟
أما الأقساط المؤجلة هذه لا تمنع الزكاة لكن الذي يمنع الزكاة هو القسط الذي حل وهو ألف ريال .
وأيضاً يشترط لكي يمنع الزكاة أن يكون هذا الشخص ليس عنده إلا الأمور الحاجية فإذا كان مثلاً اشترى هذه السيارة وعنده سيارة ثانية زائدة نقول يجب عليك أنك تبيعها وتسدد الدين الذي عليك .(4/147)
مثال آخر : إنسان عليه ثلاث مئة ألف ريال لصندوق التنمية العقاري كل سنة يحل تسعة آلاف ريال ، فإذا حل الدين تسعة آلاف ريال نقول هذا القسط يمنع الزكاة ، أما بقية المال ما يمنع .
وأيضاً يمنع بشرط أن يكون الإنسان عنده حوائجه الأصلية إذا كان عنده زائد على ذلك فإنه يجعله للدين وهذا معنى قول النبي r :« خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى » (47).
وبهذا نفهم أن الديون الاستثمارية التي لا تتعلق بحاجات الإنسان الأصلية مثلاً يقترض مليون ريال أو عشرة ملايين ريال من البنك أومن البنوك سواءً كانت رسمية أو تابعة للدولة أو غيرها ويريد بذلك أن ينمي الأموال فإن هذه الديون لا تمنع الزكاة لأنها لا تتعلق بحوائج الإنسان الأصلية وإنما هي أمور كمالية بإمكانه أن يتخلص منها .
وبهذا ننتهي ، فهذه بعض المسائل التي استطعت أن أحصل عليها وهناك مسائل أخرى سنقوم بشرحها في الدورة القادمة إن شاء الله تعالى .
ونسأل الله عز وجل أن يجعل ما سمعناه حجة لنا ، ولا يجعله حجة علينا ، وأن يرزقنا الفهم في كتابه والبصيرة في سنة نبيه r إنه ولي ذلك والقادر عليه .
===================
الصيرفة الإسلامية مفهومها وعملياتها
دراسة تحليلية على المصرف العراقي الإسلامي
بالاعتماد على عدد من المؤشرات المالية
بحث تمهيدي لمرحلة الماجستير
إعداد الطالب
سيف هشام صباح
بإشراف الدكتور
مسلم اليوسف
قائمة المحتويات
الموضوع الصفحة
المقدمة 1
منهجية البحث 1
أهمية البحث 1
مشكلة البحث 1
هدف البحث 2
أساليب جمع البيانات وتحليلها 2
فرضية البحث 2
المبحث الاول: الإطار النظري للبحث 3
استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية
المطلب الاول : نشوء المصارف الإسلامية _ تعريفها وخصائصها 4
المطلب الثاني : أشكال استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية 10
المبحث الثاني : الإطار التطبيقي للبحث 19
اتجاهات الاستثمارات في المصرف العراقي الإسلامي
المطلب الأول : نشأة المصرف العراقي الإسلامي _ أهدافه 20
المطلب الثاني : تحليل استخدامات الأموال في المصرف العراقي الإسلامي 22
الاستنتاجات 24
التوصيات 24
المصادر 25
المقدمة :
المصرف الإسلامي ليست وظيفة اقتصادية بالمعنى الضيق بل هو يسعى لتحقيق وتعميم مقومات روحية واجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالإنسان لهذا فإن تحقيق الربح بالنسبة للمصرف الإسلامي يعتبر حافزاً وليس هدفاً بحد ذاته لأن الدافع الأساسي للمصرف الإسلامي هو النهوض بالمجتمع من هنا جاء المصرف الإسلامي ليجمع بين الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والمالية والمصرفية وذالك بنفس الوقت.
لعل أهم ما يميز المصارف الإسلامية بعضها عن البعض الأخر هو درجة الجهد المبذول في كل منها لتحري الحلال من الربح الذي يمكن الحصول عليه من خلال عملية الاستثمار وقياس هذا الربح بطريقة دقيقة وواضحة توزيعه بما يحقق العدالة لمستحقيه . وقد بدأت الصيرفة الإسلامية في العراق مع بداية التعددية المصرفية في العراق بعد عام 1993 إذ تم السماح بإنشاء مصارف أهلية (خاصة) ومنها المصرف العراقي الإسلامي الذي يعد نواة الصيرفة الإسلامية في العراق . ومن هنا جاء هذا البحث كمحاولة لتسليط الضوء على الصيرفة الإسلامية في العراق وأدائها المالي خلال سنوات عمل المصرف لذلك تم تناول الموضوع ضمن مبحثين الأول نظري تطرق إلى عدد من المفاهيم المتعلقة بالصيرفة الإسلامية أما الأخر فهو ميداني إذ تناول العديد من الجوانب المتعلقة بالصيرفة الإسلامية في العراق وقد توصل البحث إلى العديد من الاستنتاجات والمقترحات النظرية والميدانية التي تشكل استكمالا لمنهجية البحث.
منهجية البحث
أهمية البحث:
يعد المصرف العراقي الإسلامي الذي تأسس سنة (1993) نواة الصيرفة الإسلامية في العراق ومن أوائل المصارف الأهلية أيضاً . ومن هنا تكمن أهمية البحث من أهمية الصيرفة الإسلامية في العراق وآفاقها إذ أن هذه التجربة الفتية تستقطب الكثير من الأموال المجهزة التي يتحاشى أصحابها استثمارها عن طريق الفوائد الربوية ولهذا كانت الأهمية بوجوب محاولة دراسة الجوانب ذات الأهمية في نشاط المصارف (الاستخدامات ).
مشكلة البحث:
يقوم المصرف العراقي الإسلامي بمختلف العمليات المصرفية التي تغطي احتياجات زبائنه في مختلف الأنشطة المصرفية وفق الشريعة الإسلامية وخاصة الاستثمارية وقد بدأ المصرف نشاطه في ظل ظروف اقتصادية غير مستقرة وهذا ما شكل فعلا خطر على نشاط المصرف وعلى ربحية المصرف بل أكثر من هذا أن المصرف قد تعرض للعديد من الخسائر وقد تعرض للخسائر نتيجة انخفاض قيمة استثماراته وبقاء التزاماته على ما هي عليه.
وتعد هذه الحالة مشكلة بحثية تستوجب الدراسة .
هدف البحث:
يهدف البحث وفي إطاره النظري والميداني لتوضيح العديد من النقاط تتعلق بالأتي:
1. مفهوم الصيرفة الإسلامية وأشكال الاستخدامات فيها.
2. خلفيات تأسيس المصرف العراقي الإسلامي .
3. قياس الأهمية النسبية لاستخدامات الأموال في المصرف العراقي الإسلامي وخاصة فيما يتعلق منها بالاستثمار.
أساليب جمع البيانات وتحليلها :
من أجل الوصول إلى هدف الدراسة وإثبات فرضية البحث اعتمد على عدد من المصادر العربية والوثائق الرسمية التي تناولت موضوع البحث نظريا وكان ذلك تمهيدا للجانب الميداني التي تم الاعتماد على الميزانيات والتقارير السنوية على المصرف العراقي الإسلامي للفترة (1999_1993)وقد تم أيجاد الأهمية النسبية لفقرات الاستخدامات عن طريق المعادلة الآتية:
الجزء
ـــــــــ *100
الكل
وكذلك تم إيجاد نسب التغيير السنوية والتي احتسبت وفق المعادلة:
(السنة الحالية- السنة السابقة )/السنة السابقة*100
فرضية البحث :
لا تشكل توظيفات الأموال في الجانب الاستثماري أهمية نسبية كبيرة في نشاط المصرف العراقي الإسلامي.
المبحث الأول
الإطار النظري للبحث :
استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية
التعرف على المصارف الإسلامية يحتاج إيضاح ماهيتها وما يزيد المعرفة بالشئ وضوحاً الإحاطة بشي من تاريخ نشأتها وخصائصها.
ومن هنا سيتناول هذا المبحث كل هذه القضايا وذلك في مطلبين :
المطلب الاول : نشوء المصارف الإسلامية . تعريفها وخصائصها.
المطلب الثاني : أشكال استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية.
المطلب الأول :
نشوء المصارف الإسلامية - تعرفها وخصائصها
نشأت المؤسسات المالية في الدولة العربية الإسلامية في الوقت الذي أتت فيه قوية وفتية بفضل تمسكها بكتاب الله عز وجل وسنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهذه المؤسسات تتولى رعاية شؤون المسلمين وتعنى باحتياجاتهم أفراداً وجماعات ويأتي بيت المال في مقدمتها.
لقد أدى تكالب الأعداء على الدول الإسلامية إلى إضعافها مما دفع المحتاجين إلى أهل اليسار لسد احتياجاتهم أما في العصر الحديث بعد تغير ظروف الحياة في كافة المجالات ظهرت النقود الورقية ومن ثم المؤسسات المالية التي تتعامل بالفائدة التي انفرد بها اليهود ومن ثم النصارى في أوربا خاصة وبسبب خطورة هذه المؤسسات التي أدخلت إلى المجتمعات الإسلامية عنوة بذل أبناء الأمة الإسلامية جهودهم من أجل إيجاد البديل عن تلك المؤسسات الربوية(1) .
إن الصحوة الإسلامية التي عاشتها وتعيشها الشعوب الإسلامية كانت سببا رئيسيا في البحث عن بديل إسلامي للمصارف الربوية التي انتشرت في البلاد الإسلامية ووجدت من يشجع على قيامها والتعامل معها بالاستفادة من الخدمات التي تخلو من الشبهات(2).(4/148)
لقد كانت أفكار معظم العلماء والمفكرين المسلمين تقتصر على تحريم عمليات تلك المصارف وتوجيه الانتقادات لها دون وضع البديل المناسب ولكن بعد ذلك ازداد اهتمام هؤلاء بها، ذلك أن أعمال هذه المصارف لاتخلو من الفائدة والمنفعة وتحقق الكثير من مصالح العباد، فنصبت جهودهم بعد ذلك في التعرف على مواطن الحرام فيها والبحث عن البديل المناسب دون مخالفة الخالق عز وجل.
طرحت فكرة البديل الإسلامي فكانت بدايات البحث عن بديل مصرفي إسلامي في المؤتمر السنوي الثاني 1965 والثالث 1966لمجمع البحوث الإسلامية حيث كان من توصياته مواصلة دراسة البديل المصرفي الإسلامي وطريقة تنفيذه بالاستعانة بالاقتصاديين ودعا المؤتمر السنوي السادس إلى إنشاء مصرف إسلامي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء(3) كانت أول محاولة أو تجربة لتنفيذ هذه الفكرة في منطقة ريفية في الباكستان في نهاية الخمسينيات أما التجربة الثانية فكانت في الريف المصري في عام 1963م في (ميت عمر)، وبالرغم من عدم نجاح هاتين التجربتين إلا أن السبعينات شهدت انطلاقة جديدة في عام 1971 لتأسيس مصرف يقوم على استبعاد الفائدة فأنشأ مصرف ناصر الاجتماعي في مصر، ثم بعده البنك الإسلامي للتنمية
عام 1974 ،وبنك دبي الإسلامي عام 1975 وهكذا توالت المصارف الإسلامية حتى أصبح هناك ما يزيد عن (90) مصرفا في نهاية عام 1992 تعمل جميعها وفق الأسس والمبادئ الإسلامية (4)، وعندما حرمت الشريعة الحصول على الفائدة (ربا) فقد سمحت بالحصول على الربح ذلك لأن المال الذي لا يرغب أو لا يستطيع مالكه أن يستثمره بنفسه يمكن أن يعطى بطريق المشاركة بعقد المضاربة لمن يعمل فيه على حصة من الربح المتحقق من العمل بهذا المال فقد وجدت البنوك اللاربوية لجذب المدخرات ومنح القروض(5).
وعليه فإن الهدف من المصارف الإسلامية هو تعبيرا عن الإسلام والنهج الإسلامي الذي يربط الحياة الاقتصادية بالحياة الخلقية والحياة الاجتماعية بالحياة الدينية. ونستدل أيضا بذلك على قيام الإسلام في تشريعاته المالية بالمزج بين الاقتصاد والأخلاق وكذلك نظرة الإسلام إلى الفائدة (فهو يحرمها ولو قليلا)(6).
ومما تجدر الإشارة إليه انه ليس من الجائز إطلاق تصنيف المصرف الإسلامي باعتباره من المصارف التجارية حيث أن الطبيعة الربوية التي تحيط بغالبية أشكال الائتمان القصيرة الأجل تقطع بعدم إمكانية اعتماد المصرف الإسلامي على التعامل في نطاقه،وبالتالي فإن المصرف الإسلامي يمكن تصنيفه باعتباره من مصارف الادخار أو مصارف الاستثمار والنظرة الأكثر واقعية للمصرف الإسلامي تصنيفه وفق مكانة متداخلة بين النوعين، حيث يصعب إزاء طبيعة المصرف الإسلامي أن يتبين للمحلل حدا فاصلا يقطع بين كل من طبيعته الادخارية والاستثمارية(7) . وفي الوقت الحاضر أصبحت فكرة البنوك الإسلامية تجتذب حتى الغربيين غير المسلمين وقد جاء في مقال عن عمليات المصارف الإسلامية نشر مؤخراً في مجلة الدراسات المالية والمصرفية التي تصدر عن المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية أن جامعة (هارفرد) تضطلع بمشروع بحث لدراسة ماضي وحاضر ومستقبل العمليات المصرفية الإسلامية وصيغ الاستثمار الإسلامي حيث يحيرهم حجم السوق الإسلامي والأسباب وراء نموه رغم ما يعترضه من عقبات وقد جاء في المقال أيضا أن سيتي بنك الأمريكي يزمع تأسيس مصرف إسلامي متكامل في البحرين.
وكل ذلك لأن المصارف الإسلامية أصبحت أحد أعمدة الاقتصاد الوطني في البلاد التي أنشأت فيها ولقد أكد نجاح المصارف الإسلامية وسرعة انتشارها قابلية الفكر الإسلامي للتطبيق وإن الشرع موجود أينما توجد مصلحة العباد في الدنيا والآخرة(8).
وأخيراً يمكننا القول أن التطبيق العملي الصحيح لفكرة المصارف الإسلامية هو الذي يحقق مصلحة العباد وهو الطريق إلى التحرر من نظام ربوي يقوم عليه النظام الاقتصادي الرأسمالي.
تعريف المصرف الإسلامي :
فالمصرف الإسلامي هو مؤسسة مالية مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية بما يخدم بناء مجتمع متكامل وتحقيق عدالة التوزيع ووضع المال في المسار الإسلامي(9) ،أو هو منظمة إسلامية تعمل في مجال الأعمال بهدف بناء الفرد المسلم والمجتمع المسلم وإتاحة الفرص المواتية له للنهوض على أسس إسلامية تلتزم بقاعدة الحلال والحرام.
إزالة الغموض عن الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي
هناك مايكفي من المستثمرين والمفترضين المسلمين في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية لتأكيد اهتمام البنوك التقليدية التي تبحث عن خدمة عملاء كهؤلاء وتجني أرباحاً لا بأس بها من سوق لا يزال غير مطروق.
يوضح كاتب المقال بعض الغموض ويبين كيف أن بعض المنتجات الإسلامية يمكن أن تلائم النظام المصرفي التقليدي ونتيجة لذلك تخدم البيع بالتجزئة للمصرف الغربي وزبائن البيع بالجملة أو تساعد مؤسسة تعرض تمويلا إسلاميا. وقد تجد بعض المؤسسات المالية غير الإسلامية أنه من الحكمة استخدام التمويل الإسلامي للحصول على مكاسب الأسواق الإسلامية لتسهيل الدخول أو تعزيز الأعمال.
هناك اثنان من المبادئ الأساسية في الصيرفة الإسلامية غياب الفائدة، تحريم الربا على أساس مبدأ لا ضرر ولا ضرار إضافة إلى الميزات الاجتماعية والأخلاقية والتي تتجنب الاستثمارات الغير المرغوب بها والتجارة التعزيزية .
إن تحريم الربا مرتبط بقوانين المراباة في العديد من البلدان الغربية أو المنع على الفائدة الفائضة . إن ما نسميه الصيرفة الإسلامية "النقية" يبدو بأنه مشابه للتمويل الرأسمالي المستند على المضاربة , أو تمويل المشروع غير المطالب بحق صاحب الكمبيالة أو استثمار المساواة العادي . وتكون للمستثمر حصة في الأرباح للمضاربة ومعرض لفقدان رأسماله .
وهذا يتضمن الاستثمار ولكن ليس تقديم القروض . لكن بعض المنتجات إسلامية أكثر ومن ثم أخرى وكما في إدارة الضريبة تم تطوير منتجات هائلة للإيفاء بحرفية، ولكن ليس بالضرورة روحية التنظيمات وكما في عملية تحويل الفائدة إلى مكاسب رأس مال لأغراض ضريبية . كان المستثمرون الإسلاميون الأوائل مقتنعين بالدخول في قوائم خزانة مخصومة وتلقى الفائدة على شكل مكاسب رأس مال،وفي منتصف الثمانينيات عالجت التبادل الأجنبي وصفقات الإيداع، أشترى الزبون "الإسلامي" عملة ذات نسبة فائدة منخفضة أو حتى ذهب من البنك ووضع هذا في الإيداع الحالي من الفائدة، وبنفس الوقت تم بيع العملة النقدية أو الذهب مقدما مع إعادة الانعكاس المتقدم لحقيقة عدم دفع فائدة على الإيداع، ويعد مكسب رأس المال المقفل كهذا فائدة بالنسبة للأغراض الضريبية وبنفس الصورة عن العديد من وسائل تحويل الفائدة إلى مكاسب رأس المال لا تقبلها السلطات الإسلامية بشكل متزايد.(4/149)
وعلى الرغم من ذلك وحسب ملاحظاتي فإن 85% من الصيرفة الإسلامية تشمل شكلا معينا للتحديد المسبق للأرباح التي ستعد الآن كمكاسب رأس مال من قبل العديد من السلطات المالية وبالنسبة لبعض المؤسسات تعد المظاهر مهمة فيما يتعلق برؤيتها إسلامية في أعين زبائنها وأصحاب اسمها ومنظميها وعندما يكون هناك ربح مضمون متولد خلال مخطط "mark up"يعد الارتباط بصفقة تجارية ضمنية شيئا جيدا وكما أنه لا توجد سلطة مالية عالمية ومركزية ليس هناك سلطة إسلامية واسعة تحدد ما هو الحلال وما هو الحرام وهناك خطر في أن البعض سيحاول الحصول على استحسان إسلامي لمخططاتهم كما هو الحال مع أعمال الصيرفة الغربية التي تنتقل من ملكية قضائية ضريبية إلى أخرى.
المسائل الأخلاقية
هناك مسائل ما وراء مسألة الفائدة فالاستثمارات الإسلامية تبعد التبغ والكحول والتسلية والقطاعات الأخرى غير المقبولة ويتحفز المستثمرون الإسلاميون في اختيارهم للاستثمارات بنفس المعيار الذي يحفز نظرائهم الغربيين الأخلاقيين ويتوازن البحث عن استثمارات مقبولة بكرة_الخطورة الطبيعي ويظهر المقترضون المسلمون مقاومة للتخلي عن حصة في أرباح مشروعهم ،وليس من المدهش نتيجة لذلك إن معظم الصيرفة الإسلامية تأخذ شكل أحد أنواع mark أو أشكال أخرى غير الاشتراك في الأرباح لكن الصيرفة الإسلامية لا تزال صناعة في بداية طريقها مع 20 عاماً من الممارسة،ووفقا لمبدأ لا ضرر ولا ضرار فإن أي شخص غير ملزم بأية إضافة للمبلغ الرئيسي.
خصائص المصارف الإسلامية:
1_ استبعاد التعامل بالفائدة
النهج الاقتصادي في الإسلام بهذا الصدد موقف محدد وحاسم لا لبس فيه وهو ((إسقاط الفائدة الربوية من كل عملياته أخذا وعطاء))وتعد هذه الخاصية المعلم الرئيسي والأول للمصرف الإسلامي وبدونها يصبح هذا المصرف ربوي آخر وذلك لأن الإسلام حرم الربا بكل أشكاله وشدد العقوبة عليها(10).
2_ توجيه كل جهة نحو الاستثمار الحلال
من المعلوم أن المصارف الإسلامية مصارف تنموية بالدرجة الأولى ولما كانت هذه المصارف تقوم على إتباع منهج الله المتمثل بأحكام الشريعة الإسلامية. لذا فإنها وفي جميع أعماله تكون محكومة بما أحله الله والتقيد بذلك بقاعدة الحلال والحرام التي يحددها الإسلام مما يترتب عليه ما يلي(11) :
* توجيه الاستثمار وتركيزه في دائرة إنتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للإنسان المسلم .
* تجري أن يقع المنتج سلعة كان أم خدمة في دائرة الحلال.
* تجري أن تكون كل أسباب الإنتاج(أجور- نظام عمل ) منسجمة مع دائرة الحلال.
* تحكيم مبدأ احتياجات المجتمع ومصلحة الجماعة فبل النظر إلى العائد الذي يعود على الفرد.
3_ ربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية
ويأتي هذا من ناحية أن المصارف الإسلامية بطبيعتها الإسلامية تزاوج بين جانبي الإنسان المادي والروحي ولا تنفصل في المجتمع الإسلامي الناحية الاجتماعية عن الناحية الاقتصادية فالإسلام وحدة متكاملة لاتنفصل في جوانب الحياة المختلفة وتعتبر الإسلام التنمية الاجتماعية أساسا لا تؤدي التنمية الاقتصادية بثمارها إلا بمراعاته(12).
4_ إحياء نظام الزكاة
حيث تقوم هذه المصارف وانطلاقا من رسالتها السامية في التوفيق بين الجانبين الروحي والمادي معا، لذلك أقامت هذه المصارف صندوقا خاصا لجمع الزكاة تتولى هي إدارته وهي بذلك تؤدي واجبا إلهيا فرضه الله على هذه الأمة (13).
5_ القضاء على الاحتكار الذي تفرضه بعض شركات الاستثمار
تقوم المصارف وانطلاقا من وظيفتها الأساسية في التقيد في معاملاتها بالأحكام الشرعية بالقضاء على الاحتكار الذي تفرضه بعض الشركات المساهمة على أسهمها فإن هذه الشركات تلجأ إلى إصدار (أسهم) تمكنها من الحصول على رأس مال جديد وإبقاء أسهم الشركة محصورة في يد المساهمين فقط أما المصارف الإسلامية فإنها لا تصدر السندات نظرا لان فقهاء الشريعة قالوا بحرمتها. بل أنها وبهدف زيادة رأس المال والتوسع في أعمالها تفتح باب الاكتتاب على أسهمها أمام جميع الراغبين في ذلك.
المطلب الثاني :
أشكال استخدامات الأموال في المصارف الإسلامية :
تقوم المصارف الإسلامية بعمليات متنوعة تساعد كلها على تدعيم تنمية المجتمع ومن ابرز هذه العمليات عمليات استثمارية للأموال المودعة لديها
والاستثمار يعني (استخدام الأموال الفائضة بغرض الحصول على ربح عبر فترة من الزمن) أن الاستثمار بلا شك يعد من الأعمال المشروعة التي يقرها ديننا الحنيف بل يرغب فيها إلا أن ذلك مقيد بأن تكون أسس الاستثمار مشروعة.
أسس الاستثمار في المصارف الإسلامية :
أن أهم الركائز والأسس التي يقوم عليها نظام الإسلام الاقتصادي هو مبدأ الاستخلاف والذي يعني (أن المال مال الله وإن البشر لا يملكون إلا حق الانتفاع به)
والاستثمار بشكله المعروف يأتي في مقدمة العملية الاستخلافية وهذا يعني أنه يجب أن تكون له أسس ومقومات يعتمد عليها ومن أهم الأسس التي يقوم عليها استثمار رأس المال في الإسلام هي(14) :
1 _ تجنب الربا في جميع المعاملات.
2 _ تحرم الاحتكار.
3 _ قيام الاستثمار على عنصر من عناصر الإنتاج.
4 _ قيام الاستثمار على أساس تعبدي.
5 _ إمهال المدين المعسر.
6 _ شرعية المشروعات الاستثمارية.
فالاستثمار في الإسلام يجب أن يقتصر على العمل الصالح فقط، أما العمل المحرم فهو بعيد كل البعد عن الاستثمار الإسلامي ذلك لأن السلع التي ينتجها هذا النوع وإن كانت لها قيمة في النظم الاقتصادية الأخرى فإنها تعد خارجة عن العمل المنتج في الاقتصاد الإسلامي.
أشكال الاستثمار في المصارف الإسلامية
تقوم المصارف الإسلامية بعمليات مختلفة تهدف جميعها إلى تدعيم التنمية في المجتمع ويأتي الاستثمار في مقدمة العمليات وللاستثمار الإسلامي طرقا وأساليب متميزة وعديدة تهدف كلها إلى تحقيق الربح الحلال ومن أبرز هذه الأساليب والأشكال(15) .
أولا: المضاربة
تعتبر المضاربة هي الوسيلة التي تجمع بين المال والعمل بقصد استثمار الأموال التي لا يستطيع أصحابها استثمارها . كما أنها الوسيلة التي تقوم على الاستفادة من خبرات الذين لا يملكون المال.
والمقصود بالمضاربة:عقد بين طرفين أو أكثر يقدم أحدهما المال والأخر يشارك بجهده على أن يتم الاتفاق على نصيب كل طرف من الأطراف بالربح بنسبة معلومة من الإيراد(16).
وهناك عدة أشكال أو صور للمضاربة نذكر منها(17):
المضاربة الخاصة: بمعنى أن المال والعمل مقدمان من شخص واحد.
المضاربة المشتركة: يتعدد فيها أصحاب الأموال وأصحاب العمل.
المضاربة المطلقة : وهي التي لا يقيد فيها صاحب المال المضارب بنوع محدد من الاستثمار أو التجارة وإنما يكون له مطلق الحرية في اختيار النشاط الذي يراه مناسبا.
المضاربة المقيدة: وهي المضاربة التي يلزم فيها صاحب رأس المال المضارب باستخدام الأموال في نشاط أو تجارة معينة من قبله.
شروط المضاربة(18):
1 _ يجب أن يكون رأس المال المضارب به نقدا ومعلوما.
2_ إن المضارب لا يضمن رأس المال المضارب به في حالة الخسارة إلا إذا أثبت صاحب المال أن تقصير المضارب هو السبب وراء هذه الخسارة.
3_ يمكن للمصرف أن يطالب بضمان يقدمه المضارب يحفظ فيه حقه في حالة تقصيره عن تنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها.
4_ يجب أن يتم تحديد نصيب كل طرف من الأرباح كنسبة من الأرباح ولا يجوز أن يكون الربح مقدارا محددا لأنه قد تكون الأرباح المتحققة أقل من ذلك(4/150)
5_ يجوز الاتفاق على وقت المضاربة ومكانها.
ثانياً : المشاركات
المشاركة هي صورة قريبة من المضاربة والفرق الأساسي بينهما أنه في حالة المضاربة يتم تقديم رأس مال من قبل صاحب المال وحده . أما في حالة المشاركة فإن رأس المال يقدم بين الطرفين ويحدد عقد المشاركة الشروط الخاصة بين الأطراف المختلفة(19) .
وتعرف المشاركة : بأنها عقد بين طرفين يقدم كل منهما مقدارا معلوما من رأس المال ويكون فيه الحق بالتصرف في المال تصرفا كاملا باعتباره شريكا ومالكا له ويتم توزيع الربح حسب ما يتم الاتفاق عليه ببن الطرفين . أما الخسارة فتوزع حسب نسبة المشاركة برأس المال(20 ).
ويمكن أن تقسم المشاركة إلى نوعين رئيسيين :
المشاركة المتناقصة :
تقوم المشاركة بين طرفين أحدهما المصرف وأي طرف أخر سواء كان فردا أم شركة يكون فيها الحق للشريك أن يحل محل المصرف في ملكية المشروع المشترك بينهما وذلك أما دفعة واحدة أو على دفعات . على أن لا يتم دفع نصيب الفرد أو الشركة من الأرباح المتحققة كجزء من استرداد قيمة حصة المصرف أي أن الشريك في النهاية سيتمكن من تملك المشروع بعد أن تمكن من رد التمويل إلى المصرف(21 ).
المشاركة الثابتة :
قد يأخذ المشروع المعول شكلا قانونيا ثابتا مثل شركة مساهمة أو التوصية البسيطة أو توصية بأسهم أو تضامن حسب صيغة المشروع وحجمه،وهنا يقوم المصرف الإسلامي بتمويل جزء من رأس المال لمشروع معين يجعله شريكا في إدارته والإشراف عليه وشريكا في الربح حسب النسبة المتفق عليها، وتبقى حصة كل شريك من الشركاء ثابتة لحين الانتهاء من مدة المشروع أو الشركة التي حددت في الاتفاق(22).
بعض أنواع الشركات في الفقه الإسلامي
1_ شركات الأملاك
اشتراك شخصين أو أكثر في ملك عين معينة ذات قيمة مالية.
2_ شركات العقود
عقد بين طرفين أو أكثر على الاشتراك في رأس المال والأرباح الناتجة عن استثماره وتقسم شركات العقود إلى:
آ_ شركات العنان : وهي أحد أنواع شركات العقود التي تم الاتفاق فيها بين الأطراف المتشاركة على عدم تصرف أي شريك إلا بإذن صاحبه .
ب _شركة المفاوضة : وهي الشركة التي يتساوى فيها الشركاء في كل شيء .
وتعتبر شركة العنان من أنسب الصيغ الاستثمارية في المصارف الإسلامية مثل المشاركة الدائمة والمشاركة المنتهية بالتمليك(23).
ثالثا: المرابحة
هي البيع بالثمن الذي اشتريت به السلعة مع ربح معلوم واتفق الفقهاء في المذاهب المختلفة على أمرين بالنسبة للمرابحة( 24).
الأول : بيان الثمن وما يدخل فيه ويلحق فيه .
الثاني : زيادة ربح معلوم على الثمن . ومن شروط المرابحة :
1. أن يكون ثمن السلعة معلوما.
2. أن يكون الربح معلوما للبائع والمشتري .
3. أن يكون المبيع عرضا فلا يصح بيع النقود مرابحة.
4. أن يكون العقد الأول صحيحا . فلو كان فاسدا لم تجر المرابحة لأنها بيع بالثمن الأول مع زيادة الربح.
أنواع البيوع
تصنف البيوع إلى أنواع متعددة هي :
1 ) بيع المقايضة : وهو مبادلة عين بعين بدون نقد وقد كان هذا البيع شائعا قبل استخدام النقود.
2) بيع الصرف: وهو بيع الثمن بالثمن سواء كان الثمن عاجلا أو أجلا ويشمل :
آ _ بيع السلم : ويتم بدفع الثمن مال مع تأجيل تسليم المبيع.
ب_ بيع الأجل : ويتم بتسليم المبيع مالا مع تأجيل دفع الثمن .
ج_ بيع المساومة : ويتم دون معرفة المشتري لتكلفة السلعة على البائع فلا يعرف المشتري مقدار ربح البائع أو خسارته ويجوز هذا البيع إذا لم يكن من البيوع غير المشروعة كبيع المسترسل.
د_ بيوع الأمانة : ويتم فيها البيع بمعرفة المشتري كلفة السلعة على البائع ويتم تحديد الثمن بينهما بناء على ذلك(25) .
رابعاً : بيع السلم
وهو بيع شيء يقبض ثمنه مالا وتأجيل تسليمه إلى فترة قادمة وقد يسمى بيع السلف .
فصاحب رأس المال يحتاج أن يشتري السلعة وصاحب السلعة يحتاج إلى ثمنها مقدما لينفقه سلعته حتى يصفها. وبهذا نجد أن المصرف أو أي تاجر يمكن له أن يقرض المال للمنتجين ويسدد القرض لا بالمال النقدي لأنه سيكون (قرض بالفائدة)، ولكن بمنتجات مما يجعلنا أمام بيع سلم يسمح للمصرف أو للتاجر بربح مشروع ويقوم المصرف بتصريف المنتجات والبضائع التي يحصل عليها وهو بهذا لا يكون تاجر نقد وائتمان بل تاجر حقيقي يعترف الإسلام بمشروعيته وتجارته . وبالتالي يصبح المصرف الإسلامي ليس مجرد مشروع يتسلم الأموال بفائدة لكي يوزعها بفائدة أعلى ولكن يكون له طابع الخاص حيث يحصل على الأموال ليتاجر ويضارب ويساهم بها .
وهكذا يمكن أن يكون عقد السلم طريقا للتمويل يغني عن القرض بالفائدة . فأصحاب السلع والبضائع يمكنهم أن يحصلوا من المصرف على ثمن بضائعهم مقدما على أن تسلم للمصرف مستقبلا ليتاجر بها كما يمكن للمصرف أن يستخدم بيع السلم في بيع تجارته(26).
مشروعية السلم :
إن المستند الشرعي قوله (صلى الله عليه وسلم) ((من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) ولأن السلم على غير القياس فقد وضع العلماء شروط وقيود تحفظ للسلم إباحته ومنها(27) :
1) بيان الجنس والنوع والصفة في الثمن تجنبا للنزاع .
2) بيان جنس ونوع وصفة المسلم فيه(السلعة)
3) أن يكون المسلم فيه مؤجلا إلى أجل معلوم .
4)أن يكون المسلم موجودا عند حلول الآجل .
5) يشترط في المسلم فيه أن لا يكون من جنس الثمن وأن لا يكون متفقا معه في على ربوية
6)البعض اشترط بأن لا يقل الأجل عن شهر واحد ذلك لأن الشهر أقل مدة يمكن أن تتحقق فيها الفائدة من بيع السلم.
7) يجب أن يكون الثمن معجلاً .
خامساً : الاستصناع
ومعناه طلب الصنعة كأن يطلب من شخص أن يصنع لك حذاء أو حقيبة أو غير ذلك فإن هذا الأمر هو ما يعرف بالاستصناع . وبعض الفقهاء قالوا أنه يجب أن يوضع الاستصناع من حيث محل العقد وصفته ووزنه...... الخ . ويذكر أن الناس تعاملوا بهذا العقد منذ زمن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي استصنع خاتما وقيل أنه استصنع منبرا. ومن فوائد الاستصناع أنه يشجع الإنتاج والعمل وتشغيل الأيدي العاملة ويزيد النشاط الاقتصادي ويؤمن عملية التسويق.
هذا ويمكن للمصارف الإسلامية الآن الدخول في عمليات الاستصناع، كمثال يمكن لها أن تجعل عقود استصناع عن طريق امتلاكها المصانع والقيام بالتصنيع أو أن تكون صانعا ومستصنعا في نفس الوقت وهو يعرف ب (الاستصناع الموازي) وهذا النوع هو الأكثر ملائمة لعمل المصارف الإسلامية(28) .
شروط الاستصناع (29):
1) أن يكون محل العقد معلوم الجنس والنوع والصفة والقدرة وهذا التحديد الدقيق يجعل الوقوع في النزاع والخلافات بين الصانع والمستصنع في أضيق الحدود.
أن يكون محل العقد مما يجعل فيه التعامل بين الناس استصناعا مثل الأحذية والملابس والأثاث.(2
أن يقدم الصانع مستلزمات الصناعة . (3
سادساً : القرض الحسن
عرفنا أن المصارف الإسلامية لا تمنح المتعاملين معها قرضا بالمعنى الذي تقوم به المصارف التقليدية كما أنها لا تقوم بخصم الكمبيالات كما هو الحال في المصارف التقليدية،وذلك لأنه لا يجوز للمصرف تقاضي أية زيادة عن المبالغ الممنوحة في هذه الحالة فأيما قرض جرمنفعة فهو ربا.
ولكن هناك حالات يكون فيها المتعامل مع المصرف الإسلامي مضطرا للحصول على نقد لأي سبب من الأسباب فقد يحتاج نقودا للعلاج أو للتعليم أو للسفر وغيرها وليس من المعقول أن لا يلبي المصرف الإسلامي حاجة هذا الزبون لسببين هما:(4/151)
1_ إن مصلحة هذا الزبون مرتبطة بالمصرف الإسلامي فهو يودع نقوده فيه ويشتري منه ويتعامل معه في جميع أموره المجدية مما يعني استفادة المصرف من الزبون.
2_ أن هناك مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق المصرف وهو مد يد العون والمساعدة للمجتمع الذي يعمل فيه وأهم ما يمكن أن يقحمه لأعضاء هذا المجتمع هنا هو إبعادهم عن الاقتراض بالفائدة لذلك يتم منح أي فرد من أفراد المجتمع المسلم هذا القرض سواء كان زبون المصرف أم لا(30).
مصادر تمويل صندوق القرض الحسن
1_ يتم تمويل صندوق القرض الحسن من أموال المصرف الخاصة .
2_ الأموال المودعة لدى المصرف على سبيل القرض (حسابات الائتمان).
3_ الأموال المودعة من قبل الجمهور في صندوق القرض الحسن التي يفوضون المصرف بإقراضها للناس قرضا حسنا(31).
سابعاً : الاستثمار في الشركات الاستثمارية
تعرف شركات الاستثمار: بأنها شركات متخصصة في بناء وإدارة المحافظ الاستثمارية حيث تقوم هذه الشركات بتلقي الأموال من مستثمرين من مختلف الفئات لتقوم باستثمارها في محافظ (صناديق)وكونه من استثمارات مختلفة،وثم توزيع أرباح وخسائر هذه الاستثمارات على المشاركين مقابل حصول شركة الاستثمار على نسبة من الأرباح . كما هو معروف فإن المصارف الإسلامية لديها فائض سيولة (في بعض الأحيان)لا تستطيع أن تستثمرها لذلك تقوم هذه المصارف بدفع تلك الأموال إلى شركات استثمارية وبشرط أن تكون المحفظة الاستثمارية التي تقوم هذه الشركات بتكوينها لا تحتوي على أصول محرمة شرعا (مثل السندات التي تحمل الفائدة الثابتة) وغيرها من الشروط الشرعية التي تقوم هيئة الرقابة بتحديدها (32).
ثامنا : الاستثمار في الأوراق المالية
تقوم المصارف الإسلامية بالاستثمار في الأوراق المالية عن طريق شراء أسهم شركات يكون نشاطها الأساسي غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية وقد أجاز الفقهاء ذلك،فعلى سبيل المثال يجوز للمصرف الإسلامي شراء سهم في مصنع الحديد والسيارات ولكن لا يجوز له شراء أسهم في مصنع للخمور أو في بنوك ربوية.
أما أهداف الاستثمار في الأوراق المالية فهي :
1_ استغلال السيولة المتاحة وعدم إضاعة فرصة استثمارها لتحقيق عوائد وأرباح سواء عند البيع أو عند توزيع الأرباح في نهاية السنة المالية.
2_ تعزيز السيولة خاصة في ظل عدم وجود القرض الأخير فهي سهلة التسييل.
تاسعاً : أساليب أخرى
وتستطيع المصارف استخدام أنماط عديدة من الخدمات الاستثمارية شريطة خلوها من عنصر الفائدة ومن هذه الأنماط(33 ):
تقديم خطابات الضمان .
تقديم الائتمانات المستندية .
البيع بالتقسيط أو البيع بالأجل .
إدارة الحقائب المالية وتأسيس صناديق الاستثمار المشترك وأعمال الوساطة في الأسواق المالية.
أهم صور معاملات المصارف المباحة :
1 _ تحويل النقود من مكان إلى اخر مقابل مبلغ يسير من المال حيث يسلمها للشخص نفسه أو لشخص اخر وما يأخذ المصرف من المال نظير التمويل هو أجرة مشروعة.
2_ إصدار شيكات السفر التي لها قوة النقود لبيعها في أي مكان بنفس المبلغ الذي تتضمنه أو بقيمة من عمله أخرى وفي هذا يسير للتداول وسلامة من محل النقود نفسها.
3_ تحصيل الديون بموجب سندات يضعها الدائنون لدى المصرف ويوقعون عليها بتفويض للمصرف بقبضها مقابل أجر على هذا العمل .
4_ تأجير الخزائن الحديدية لمن يريد الانتفاع بها وذلك من أجل وضع الأموال فيها.
5_ تسهيل التعامل مع الدول الأخرى حيث ينوب المصرف عن المتعاملين في دفع الثمن واستلام وثائق شحن البضائع ....الخ . وفي هذا يوفر المصرف على المتعاملين كثيرا من العناء والمشقات.
وكل هذه المعاملات التي يقوم بها المصرف مقابل أجور يسيرة يتقاضاها تعتبر من نوع خدمات الوكالة يحصل فيها الوكيل (المصرف) على أجره مقابل عمله ولا يخرج عن دائرة الحلال(34).
المبحث الثاني :
الإطار التطبيقي للبحث
اتجاهات الاستثمارات في المصرف العراقي الإسلامي
في العراق يعد المصرف العراقي الإسلامي نواة الصيرفة الإسلامية ولكن هذا المصرف بدء بالعمل ولازال في ظل ظروف اقتصادية معقدة تمثلت في ظروف الحصار الجائر الذي فرض على القطر.
هذا المصرف تضمن مطلبين وهما كما يأتي :
المطلب الاول : نشأة المصرف العراقي الإسلامي _ أهدافه .
المطلب الثاني : تحليل استخدامات الأموال في المصرف العراقي الإسلامي.
المبحث الأول :
نشأة المصرف العراقي الإسلامي _ أهدافه
لقد كانت بداية العمل المصرفي الإسلامي في العراق عندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرار رقم (205)لعام (1992) بتأسيس ((شركة المصرف العراقي الإسلامي للاستثمار والتنمية)) حيث يعد المصرف العراقي الإسلامي نواة الصيرفة الإسلامية ولكن هذا المصرف بدأ العمل ولا زال في ظل ظروف اقتصادية معقدة تمثلت في ظروف الحصار الجائر الذي فرض على القطر. وقد بلغ رأس المال المكتتب به عند التأسيس (116) مليون دينار عراقي وبلغت نسبة مساهمة المؤسسين (90%) وتم تسديد (25%) من قيمة الأسهم . ولقد تم فتح أول فرع له في (25/4/1993) في بغداد ومباشرة أعماله ومن ثم باشر بافتتاح فروع متعددة داخل بغداد وعدد من محافظات القطر(35).
أسباب ودوافع إنشاء المصرف العراقي الإسلامي
نستطيع أجمال الأسباب والدوافع التي دعت إلى إنشاء هذا المصرف:
1_ إثبات الهوية الإسلامية لهذا البلد الإسلامي (36).
2_ محاولة دعم وتعزيز الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تحفيز أصحاب رؤوس الأموال الذين يرفضون استثمار أموالهم عن طريق أخذ فوائد ربوية ودفعهم إلى المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني باستثمار أموالهم من خلال هذه المؤسسة بالطرق المشروعة .
3_ قيام هذه المؤسسة جاء مثبتا لإمكان وجود البديل الإسلامي الذي يمكن أصحاب رؤوس الموال المحددة والتي لا تساعدهم على إقامة مشاريع إنتاجية مستقلة من استثمار أموالهم وذلك بإشراكهم في استثمارات هذا المصرف.
أهداف المصرف العراقي الإسلامي وغايته
يهدف المصرف كما جاء في عقد التأسيس إلى المساهمة في النمو الاقتصادي في القطر ضمن السياسة العامة للدولة وخلق أوسع محالات التعاون مع المصارف الأهلية والحكومية ضمن إطار السياسة الاقتصادية والمالية للدولة.
الأعمال والخدمات التي يقوم بها المصرف العراقي الإسلامي
يقوم هذا المصرف بمختلف العمليات المصرفية التي تغطي احتياجات زبائنه في مختلف الاختصاصات المصرفية والخدمية منها والاستثمارية وفيما يلي عرض سريع لأهم النشاطات التي يقوم بها(37):
أولا : الأعمال المصرفية غير الربوية
يمارس هذا المصرف سواء كان لحسابه أو لحساب الغير جميع أوجه النشاطات المصرفية المعهودة أو المتحدثة ويمكن أجمالها بما يأتي :
1_ قبول الودائع النقدية وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات وغيرها.
2_ التعامل بالعملات الأجنبية بيعاً وشراء.
3_ التعامل مع سوق بغداد للأوراق المالية.
4_ إدارة الممتلكات وغيرها.
5_القيام بالدراسات الخاصة لحساب الزبائن .
ثانيا : أعمال التمويل والاستثمار
يقوم المصرف بجميع أعمال التمويل والاستثمار غير أساس الربا وذلك من خلال الوسائل الآتية:
1_ فتح حسابات استثمار مع أموال المصرف للراغبين في الاستثمار في كل ما تجيزه الشريعة الإسلامية.
2_ تأسيس الشركات والاكتتاب في أسهم الشركات والاشتراك مع الغير من أفراد أو شركات أو مؤسسات في أعمال ومشاريع تتفق مع أهداف المصرف.
المبحث الثاني :
تحليل استخدامات الأموال في المصرف العرافي الإسلامي(4/152)
يؤدي التحليل المالي دورا مهما في تقييم أوضاع وسلامة المؤسسات المصرفية كونه يبرز المنجزات التي يحققها المصرف أو المصارف سنة بعد سنة وكذلك يكشف عن الخلل في أداء هذه المصارف والمصرف العراقي الإسلامي والذي يعد نواة الصيرفة الإسلامية في العراق أحد المصارف الناشئة الذي تعرض للكثير من الإخفاقات خلال سنوات أداءه لنشاطه وهذا الدور يمكن توضيحه من خلال دراسة عددا من المؤشرات المالية التي قد تكشف عن نقاط الضعف أو القوة في هذا المصرف. إذ تشكل استخدامات الأموال في المصرف الإسلامي العراقي في محل ما تجيزه الشريعة الإسلامية من معاملات يما يتفق والشريعة الإسلامية وضمن تعليمات وقوانين البنك المركزي العراقي وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بما يلي:
1_ للمصرف أن يشترك مع غيره من الأفراد أو الشركات أو المؤسسات التي تزاول أعمالا تتفق مع أهدافه أو تعاونه على تحقيق أغراضه في العراق أو خارجه .
2_ للمصرف الإسلامي أن يدخل فيما له مصلحة مباشرة كمساهم أو شريك أو مالك أو بأي صفة أخرى في أي مشروع تجاريا أو صناعيا أو زراعي أو عقاري .
3_ للمصرف الاشتراك في تأسيس الشركات والاكتتاب والمساهمة في أسهم الشركات المساهمة ويمثل استخدامات الأموال في المصرف العراقي الإسلامي على أساس عمل المصرف لتحقيق الأرباح.
الجدول (1)
(الأهمية النسبية ونسب التغير السنوية للاستثمارات في المصرف الإسلامي)
الاهمية النسبية لاستثمارات المصرف الاسلامي وعدد من بنود الميزانية …نسب التغير لاستثمارات المصرف الاسلامي العراقي وعدد من بنود الميزانية
…النقدية% …الاستثمارات% …الائتمان النقدي% …المدينون% …النقدية% …الاستثمارات% …الائتمان النقدي% …المدينون%
1993 …56 …21 …3 …14 … … … …
1994 …43 …25 …2 …25 …83 …873 …513 …129
1995 …26 …63 …4 …2 …50 …492 …343 …76
1996 …20 …70 …0.06 …4 …(47) …(23) …(90) …(48)
1997 …23 …65 …1 …7 …5 …(14) …76 …44
1998 …40 …50 …0.06 …6 …144 …9 …(25) …13
1999 …32 …58 …2 …5 …(17) …19 …292 …(9)
Mean …34 …50 …1.7 …9 … … … …
إذ يلاحظ من خلال الجدول رقم (1) بأن الأهمية النسبية النقدية تراوحت بين (20%) حداً أدنى سنة (1993) وهي سنة التأسيس وهذا ما يبرر ارتفاع النسبة لهذه السنة . ويلاحظ أيضا بأن نسب التغير السنوية موجبة ما عدا السنوات 1999و1996.
أما بالنسبة لاستثمارات المصرف العراقي الإسلامي والتي تشمل الاستخدامات المختلفة لهذا المصرف والمتمثلة (بالمضاربة المرابحة المشاركة) والتي لم تظهر كأرقام تفصيلية في الميزانية فقد تراوحت بين (21%) حدا أدنى سنة (1993) و(70%) حدا أعلى سنة (1996) وبمتوسط سنوي (50%) وانجراف معياري (18/219). وهذا أحد أهم الأسباب من وراء تعرض المصرف العراقي إلى الخسائر فقد انخفضت قيمة استثماراته بشكل كبير بعد ارتفاع قيمة الدينار العراقي سنة (1996) بينما بقيت المطلوبات والتزاماته كما هي . وقد كانت نسب التغير السنوية موجبة ماعدا السنوات (1996.1997).
أما فيما يتعلق بالائتمان النقدي فقد تراوحت الأهمية النسبية بين (2%) حد أدنى سنة (1995)و (25%) حد أعلى سنة (1994) وبمتوسط سنوي (9%)وانحراف معياري (7.4)،وهذا الانخفاض قد يكون سببه أن المصرف لا يتعامل بمنح القروض لأنه لا يتعامل بالفائدة . وقد كانت نسبة التغير السنوية موجبة ما عدا السنوات (1998،1996). أما فيما يتعلق بالفقرات الأخرى كالمدينون فيلاحظ بأن أهميتها النسبية كانت ضئيلة جدا.
الاستنتاجات
لقد خلص إلى جملة من النتائج والمقترحات يمكن إبراز أهمها :
1_ تسعى المصارف الإسلامية إلى تحقيق أهداف ذات طابع إنساني واجتماعي إضافة إلى تحقيق هدف الربحية الضروري لبقاء ونمو المصرف وقد أخذت هذه المصارف بالازدياد وبشكل كبير في مختلف أنحاء العالم .
2_ بدء المصرف العراقي الإسلامي في ظل ظروف اقتصادية معقدة وهي لا زالت قائمة لحد الآن وقد أثرت كثيرا على نشاط المصرف.
3_ شكلت الاستثمارات الأهمية النسبية الأكبر لاستخدامات الأموال وهذا ما يثبت فرضية البحث وهو أحد أسباب تعرض لمصرف للخسارة أو الخسائر نتيجة لارتفاع قيمة هذه الاستثمارات وانخفاض قيمها قياسا بالتزامات المصرف .
4_ تشكل السيولة النقدية جانبا مهما لنشاط المصرف إذ تحتل الأهمية النسبية الثانية بعد الاستثمارات.
5_ لم توضح الميزانيات تفاصيل وطبيعة الاستثمارات في المصرف بل كانت بشكل مطلق .
المقترحات
1_ توسيع الأنشطة التي تستند على العمولة المصرفية بدون الاقتراب أو التعامل بالفائدة.
2_ ضرورة أن تكون التقارير أو الميزانيات العمومية للمصرف العراقي الإسلامي موضحة بشكل تفصيلي بحيث تعطي للباحثين والمهتمين صورة أوضح حول نشاط المصرف.
3_ ضرورة تحسين المصرف والدخول في محالات استثمارية أوسع بعد دراستها بشكل علمي حتى لا تنتكرر الإخفاقات التي حدثت سنة (1996).
4_ ضرورة تكثيف الحملات الإعلانية حول نشاط المصرف العراقي الإسلامي لجذب العديد من الزبائن والمنافسة مع بقية المصارف العاملة في العراق.
المصادر والمراجع
الوثائق الرسمية
1_ التقرير السنوي والميزانية العامة في المصرف الإسلامي العراقي 1993_1999.
2_ عقد تأسيس شركة المصرف العراقي الإسلامي للاستثمار والتنمية 1992 .
الكتب
1_ البعلي , عبد الحميد محمود (1990) أساسيات العمل المصرفي الإسلامي : الواقع والآفاق، ط1، القاهرة، مصر .
2_ الحسيني ، فلاح حسن، الدوري، مؤيد عبد الرحمن، (2000)، إدارة البنوك مدخل إستراتيجي معاصر، دار وائل للنشر،عمان، الأردن .
3_ الحناوي، محمد صالح، فتاح، عبد السلام سعيد، (2000)، المؤسسات المالية البورصة والبنوك التجارية، الدار الجامعة، القاهرة، مصر.
4_ الساهي، شوقي عبده، (1984)، المال وطرق استثماره في الإسلام، القاهرة، مصر .
5_ سمحان، حسن محمد، العمليات المصرفية الإسلامية (مفهوم ومحاسبة)، مطابع الشمس ، عمان، الأردن.
6_ شابرا،محمد عمر وآخرون، (1990)،نحو نظام نقدي عادل، ط1، دار البشير
للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
7_ مجيد، ضياء، (1997)، البنوك الإسلامية، الإسكندرية،مصر .
8_ المصنف، جاسم ،محمود، يوسف محمد،(1990)، الاتجاهات الحديثة في محاسبة البنوك، الكويت .
9_ النجار،محمد عبد العزيز، (1970)،بنوك بلا فوائد، المملكة العربية السعودية.
10_ نجيب، نعمة الله وآخرون، (2001)،مقدمة في اقتصاديات النقود والصيرفة والسياسات النقدية، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر .
11_ الهيتي، عبد الرزاق رحيم،(1998)،المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق،
ط1، عمان، الأردن .
==============
فتاوى مهمة لموظفي الأمة
جمع /
محمد بن فنخور العبدلي
مدير المعهد العلمي بمحافظة القريات بالسعودية
منتديات البرق السلفية
الصلاة في مقر العمل
س1: هل يجوز للموظفين أن يصلوا في إدارتهم مع أن بجوارهم مسجداً أم لابد من الصلاة في المسجد؟(4/153)
ج: جرت السنة الفعلية والقولية من الرسول ص على أداء الصلاة جماعة في المسجد وقد هم ـ ص ـ أن يحرق على المتخلفين عنها بيوتهم بالنار وجرى على أدائها جماعة في المساجد خلفاءه والصحابة رضوان الله عليهم, وصح عنه ص أنه قال: ((من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)) وثبت عنه أيضاً ص: ((أن قال له رَجُلٌ أَعْمَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ)) وفي رواية قال: ((لا أجد لك رخصة)), وبذلك يتضح أن الواجب على موظفي أي إدارة نحوها أن يصلوا الظهر جماعة في المسجد المجاور لهم عملاً بالسنة وأداء للواجب وسداً لذريعة التخلف عن أداء الصلاة في المساجد وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق...[اللجنة الدائمة]
س2: بأحد الدوائر الحكومية يوجد مكان للصلاة يصلون فيه أغلبهم ولكن توجد بعض الفئات تصلي منفردة جماعات؟
ج:أولاً: نسأل هذه الدوائر هل يمكن أن تخرج إلى المساجد القريبة حولهم أم لا؟ إذا كان يمكن أن تخرج للمسجد القريب حولهم دون أن يعطلوا العمل فإنهم يجب عليهم أن يصلوا في المسجد لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد, وأن كان بعض العلماء يقول الواجب الجماعة سواء كان في المسجد أو في البيت أو في المكتب, وإذا كان لا يمكن أن تخرج إلى المسجد لبعده أو تخشى أنهم إذا خرجوا إلى المسجد تفرقوا أو تلاعبوا كما يوجد من البعض إذا حرجوا ذهب إلى بيته أو إذا خرج تعطل العمل لكون العمل كثيفاً يختل إذا خرجوا إلى المسجد فإنهم يصلون في الدائرة في هذه الحال, لأن المحافظة على واجب الوظيفة واجبة ولا يجوز الإخلال بها وإذا قلنا أنهم في الدائرة فالواجب أن يجتمعوا جميعاً على إمام واحد إذا أمكن, فإن لم يمكن صلى كل ذي دور في دوره يجتمعون في مكان واحد يصلون...[ابن عثيمين]
س3: نحن جماعة من الموظفين نعمل في إدارة حكومية تضم نحو 25 موظفاً ونصلي في مصلي الإدارة خلف المسؤول, وبعض زملائنا لا يصلون معنا بل يصلون في مسجد يبعد عنا نحو 300 م فما الصواب في المصلى أم في المسجد مع الجماعة؟
ج: الواجب الصلاة في المسجد إذا أمكن, وتجوز الصلاة في الدوائر إذا كان الذهاب يخل بالعمل أو يترتب عليه تخلف بعض الكسالى أو تركهم الصلاة فإن ضبطهم وإلزامهم بالصلاة ولو داخل الدائرة أمر واجب, لأن الصلاة تجب لها الجماعة مهما أمكن وفي تفرق الموظفين وترك بعضهم للصلاة أو صلاته منفرداً مفاسد تتلافى بضبطهم بالصلاة في الدائرة, ومن أدار من الموظفين أن يذهب إلى المسجد ولا يصلي مع المصلين في الدائرة فلا بأس بذلك فكل منكم على صواب إن شاء الله .... [الفوزان]
س4: أنا موظف بإدارة حكومية تبعد عن المسجد حوالي خمسين متراً تقريباً ولكننا نؤدي صلاة الظهر جماعة بهذه الإدارة وكذلك صلاة العصر والمغرب ولي زملاء وآخرون يداومون في فترة مسائية فهل يجوز ذلك بصفتنا بدوام رسمي أو أنه لا بد من أداء الصلاة بالمسجد؟
ج: الصلاة في المسجد مطلوبة وواجبة على المسلم الذي يسمع النداء فيجب عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين إلا إذا كان ذهابه عن الدائرة الحكومية يقتضي أن الموظفين يتفرقون ولا يصلون, وإذا صلوا جميعاً في الدائرة انتظم حضورهم جميعاً وأداؤهم للصلاة جماعة فنظراً للمصلحة الشرعية فلا بأس أن تصلي الجماعة في الدائرة إذا كان في هذا ضمان لصلاتهم جميعاً فعلى كل حال إذا امكن ذهابهم جميعاً إلى المسجد فهذا أمر واجب ولا ينبغي لهم أن يتركوه, وأما إذا ترتب على ذهاب بعضهم إلى المسجد تكاسل الآخرين وتركهم لصلاة الجماعة فإن من الأفضل أو قد يكون من الواجب صلاتهم في الدائرة لأجل المصلحة الشرعية وهي ضبطهم لأداء الصلاة جماعة والله تعالى أعلم...[الفوازان]
الصلاة على وقتها
س1: أنا مهاجر أعمل من 7 مساءً إلى 7 صباحاً, فهل يجوز لي أن أجمع الفروض وأصلي كل الصلوات معاً؟
ج: لا يجوز تقديم الصلاة قبل دخول وقتها المحدد شرعاً ولو كان هناك عمل أو عذر ولا يجوز تأخيرها حتى يخرج وقتها بلا عذر, ولا يكون العمل المعتاد عذراً في التأخير أو إباحة الجمع, ففي الإمكان فصل الصلاة في مقر العمل أو إغلاق المحل والذهاب إلى المسجد وقد أشرط ا لعلماء تمكين الأجير من فصل الصلوات الخمس في أوقاتها بسنتها وإنما جاز الجمع بين الصلوات لعذر سفر أو مطر أو مرض ونحوه...[ابن جبرين]
س2: جندي مكلف بحراسة أحد الأماكن وحان وقت صلاة العصر ولم يصلها إلا بعد صلاة المغرب, لأنه لم يجد من ينيبه للقيام بخفارته, هل عليه إثم في تأخيرها وماذا يفعل من هو على تلك الحال؟
ج: لا يجوز للحارس وغيره أن يؤخر الصلاة عن وقتها لقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي مفروضة في الأوقات ولأدلة أخرى من الكتاب والسنة, وعليه أن يصلي الصلاة في وقتها مع قيامه بالحراسة كما صلى المسلمون مع النبي ص ـ صلاة الخوف وهم مصافون للعدو والله ولي التوفيق...[ابن باز]
س3: غالباً ما تفوتني صلاة العصر, وأصليها في المنزل وذلك بسبب عملي الذي لا ينتهي إلا بأذان العصر وأخرج من العمل وأنا مرهق وليس لدي وقت للراحة والأكل ولا أقدر على الصلاة في وقتها, فهل يصح لي الصلاة في البيت وتأخير الصلاة عن وقتها؟
ج: ليس ما ذكرته عذراً يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة, بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك, لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين مع الجماعة وليس ما ذكرته عذراً شرعياً في تأخيرها, ولكن ذلك من خداع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ومن ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عز وجل, فأحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة وتفز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة, وقاك الله شر نفسك وأعاذك من نزعات الشيطان...[ابن باز]
س4: بعض الناس ينامون عن صلاة الفجر ولا يصلونها إلا بعد طلوع الشمس قبيل ذهابهم إلى الدوام, وإذا قلت له: هذا أمر لا يجوز قال: رفع القلم عن ثلاثة: ((عن النائم حتى يستيقظ)) وهذا ديدنه, ما تقولون؟
ج: هذا الشخص اسأله وقل له: ما رأيك لو كان الدوام يبدأ بعد طلوع الفجر بنصف ساعة هل تقوم أو تقول رفع القلم عن ثلاثة؟ فسيجيبك بأنه سيقوم, فقل له إذا كنت تقوم لعملك في الدنيا فلماذا لا تقوم لعملك في الآخرة, ثم أن النائم الذي رفع عنه القلم هو الذي ليس عنده من يوقظه ولا يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به, أما شخص عنده من يوقظه أو يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به, كالساعة وغيرها ولم يفعل فإنه ليس بمعذور وعلى هذا أن يتوب إلى الله ويجتهد في القيام لصلاة الفجر ليصليها مع المسلمين...[ابن عثيمين]
س5: أنا عسكري فإذا حان وقت الصلاة ينتهي الدوام فلا أستطيع الصلاة وفي بعض الحالات في بعض الأيام حتى ولو سمحت الفرصة خوفاً من العواقب فأنا لا أؤديها في وقتها وفي بعض الأحيان تمر علي صلاة أو صلاتان لا أصليها بسبب هذه الحال فما الحكم في هذا وكيف أؤديها؟(4/154)
ج: أما ما ورد في السؤال من أن هذه الرجل يشتغل في الجندية وقد يأتي عليه وقت العمل ولا يتمكن من أداء الصلاة فيه فماذا يعمل؟
نقول أولاً: يجب عليك أن تراعي الظروف والأحوال فإذا كان يدخل وقت الصلاة قبل بداية العمل فعليك أن تصلي قبل بداية العمل في أول وقت الصلاة, وإذا كان وقت الصلاة يدخل وأنت في أثناء العمل فحينئذ إذا أمكنك أن تصلي وأنت في عملك فإنه يجب عليك ذلك بأن تصلي وأنت في عملك, فإنه يجب عليك ذلك بأن تصلي وأنت في العمل إذا أمكنك ذلك, قال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإذا كنت لا تتمكن من أداء الصلاة في أثناء العمل ويخرج وقتها قبل نهاية العمل وكانت هذه الصلاة مما يصح جمعها مع الأخرى فلك أن تنوى جمع التأخير كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء, فتصليها جمع تأخير نظراً لظروفك وأنك لا تستطيع الصلاة في وقت الأولى, ولعل هذا من الأعذار المبيحة للجمع في حقك لأن هذا العمل لا يسمح بأن تصلي, ولا يمكن الجمع بين العمل والصلاة فإذا تنوي الجمع, فالحاصل عليك أن تهتم بصلاتك وتراعي الرخص التي رخص الله تعالى بها في هذه الأحوال والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)...[الفوزان]
س5: أنا شاب أحافظ على بعض الصلوات في المسجد, وأحياناً أؤخرها عن وقتها بعذر أو بغير عذر, وإذا جئت من العمل وأنا مرهق أنام عن صلاتي العصر والمغرب ونيتي إلا أقوم من النوم إلا بعدهما أو بعد المغرب على الأقل, فهل صلاتي صحيحه أن صليتها بعد الاستيقاظ من النوم كما أنني أفوت أحياناً صلاة أو صلاتين متتابعتين ولو لم أكن مرهقاً من العمل ....فما حكم عملي هذا؟
ج: قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي مفروضة في أوقات معينه لا يجوز إخراجها عنها, فمن أخرجها عنها من غير عذر شرعي كان مضيعاً لصلاته, وقد قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً), والمراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها لا تركها بالكلية كما ذكر ذلك أئمة المفسرين, وفي الأثر: (أن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار وإن لله عملاً لا يقبله في الليل) وفي الصحيح عن النبي ص أنه قال: "من فاتته صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ" وفي رواية: "فكأنما وتر أهله وماله" والمراد فوات وقتها, فالواجب على المسلم أداء كل صلاة في وقتها مع الجماعة في المسجد ولو كان مرهقاً من العمل, بل الواجب أن يفرغ وقت الصلاة من العمل لأداء الصلاة ولا يستغله للعمل أو النوم ويؤخر الصلاة, لأنها عمود الإسلام "فلا إسلام لمن لا صلاة له"...[الفوزان]
س6: كثير ما تفوتني الصلاة وأجمعها مع التي بعدها وذلك لكثرة العمل في التمريض أو الكشف على المرضى وكذلك أتخلف عن صلاة الجمعة في خدمة المرضى فهل عملي هذا جائز؟
ج: الواجب أن تصلي الصلاة في وقتها وليس لك أن تؤخرها عن وقتها, أما الجمعة فإن كنت حارساً أو نحوه ممن لا يستطيع أن يصلي مع الناس الجمعة فإنها تسقط عنه ويصلي ظهراً كالمريض ونحوه وأما الصلوات الأخرى فالواجب عليك أن تصليها في وقتها وليس لك أن تجمع بين صلاتين...[ابن باز]
موظف لا يصلي
س1: هل أسعى لطرد الموظف الذي لا يصلي وهو مسلم: إذا كان تحت إدارتي أفتونا مأجورين؟
ج: الواجب عليك نصحه أولا ً لعل الله أن يهديه, فإن لم يفد ذلك تلغي عقدة لأنه إذا كان لا يصلي فهو كافر مرتد...[ابن عثيمبن]
الأذان في مقر العمل
س1: إذا كنا في مقر العمل ولا يبتعد إلا قليلاً عن المسجد, فهل نؤذن في مقر عملنا؟
ج: الواجب عليكم الصلاة في المسجد مع الجماعة لقول النبي ص "من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر" فإن منع مانع قهري من ذلك شرع لكم الأذان والإقامة في محلكم لعموم الأدلة في ذلك...[ابن باز]
صلاة الجمعة
س1: نحن مجموعة أفراد عددنا قابل للزيادة والنقصان ونقيم لمدة أسبوع كامل في معسكر عملنا وخلال أيام أداء العمل في المعسكر الذي لا نستطيع تركه جميعاً يصادفنا يوم جمعة, فنصلي صلاة الجمعة صلاة ظهر بحجة أن عددنا لم يكمل أربعين فرداً فهل تصح صلاتنا على هذا الحال؟ وماذا نفعل إذا صادف عملنا يوم عيد, هل نصلي صلاة العيد جماعة أم نتركها؟ أفيدونا وجزاكم الله خيرا ً؟
ج: ليس المانع في إقامة صلاة الجمعة في حقكم هو نقصان العدد وإنما المانع هو عدم الاستيطان الدائم وعلى كل حال لا يسمح بإقامة صلاة الجمعة إلا بإذن من جهة دار الإفتاء ...[الفوزان]
جمع وقصر الصلاة
س1: هل يجوز للجنود المقيمين في غير وطنهم من إفراد القوات المسلحة الجمع والقصر, وهل يجوز لمن يسافر يومياً من عاصمة تلك البلد إلى مقر عمله والمسافة تبعد 130 كم أن يجمع ويقصر أثناء السفر ذهاباً وإياباً؟
ج: إذا كانت إقامتهم على نية الإقامة لأكثر من أربعة أيام فالمذهب أن عليهم الإتمام وعدم الجمع لأن الترخيص برخص السفر مشروط بأن لا تزيد الإقامة على أربعة أيام, أما إذا لم تكن لهم فيه إقامة أو كانت لهم إلا أنها أربعة أيام فأقل فلهم القصر والجمع على المشهور من المذهب .
أم الجواب على الشق الثاني من السؤال: فما دام مقر إقامتهم عاصمة تلك البلد فلا يجوز لهم الجمع والقصر فيها, أما إذا غادروها إلى مقر عملهم أو إلى غيرة مما تزيد مسافته على 80 كم فإن لهم الأخذ برخص السفر ومن ذلك الجمع والقصر حتى يرجعوا إلى مقر إقامتهم ما لم يسكن هناك نية في الإقامة اكثر من أربعة أيام فإذا كان كذلك فلا يجوز الجمع ولا القصر . [اللجنة الدائمة]
س2: شخص أنتدب في مهمة رسمية مذكور فيها لمدة خمس ليال وأحياناً تكون أكثر من خمس ليال في بلد غير بلدة الذي يسكن فيه فما الحكم بالنسبة للجمع والقصر هل يقصر كل صلاة لوحدة كل المدة أم يجمع ويقصر مع بعض كل الصلوات طيلة المدة؟
ج: إذا كانت المسافة التي سافر إليها تبلغ 80 كم فله قصر الصلاة في حالة سيرة في الطريق فإن كانت الإقامة لمدة أربعة أيام فأقل أو كانت غير محددة فإنه يقصر الصلاة فيها إلا إذا صلي مع من يتم الصلاة فإنه يجب عليه الإتمام تبعاً لإمامة ولا يجوز له أن ينفرد ويصلي معهم ويتم, وأن كانت الإقامة يعلم أنها تزيد على أربعة أيام فإنه يلزمه إتمام الصلاة ولا يجوز له القصر لأنه صار له حكم المقيمين ....[الفوزان]
س 3: رجل مقر عمله خارج بلده وسافر إلية فهو يبيت في مقر عمله أربعة أيام ثم يرجع إلى بلده بقية الأسبوع فهل يعتبر مسافراً؟
ج: هذا يعتبر مسافراً مثل إنسان وكل إلية التدريس في قرية من القرى: يبقى فيها أسبوعاً وفي عطلة آخر الأسبوع يرجع إلى أهله فهذا يعتبر مسافراً, لكن يجب عليه أن يصلي مع الجماعة ...
*السائل: لكن إذا رجع إلى بلده هل يعتبر مسافراً لأنه سيرجع؟
*لا لأنه رجع إلى وطنه, فينقطع السفر...[ابن عثيمبن]
س4: عندما يندب موظفاً ويرسل في دورة إلى خارج البلاد لمدة ثلاثة أسابيع فهل يعتبر مسافراً فيقصر الصلاة ويمسح ثلاثة أيام ويترك السنن الرواتب أم لا؟
ج: المسافر سفراً تبلغ مسافته ثمانين كيلو متراً فأكثر يقصر الصلاة ويمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها إلا إذا نوى أثناء سفرة إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يجب عليه إتمام الصلاة ولا يمسح على الخفين إلا يوماً وليلة فقط لأن سفره قد انقطع بهذه الإقامة فيأخذ أحكام المقيم .... [الفوزان]
أداء السنن أثناء الدوام الرسمي(4/155)
س5: هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي علماً بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها؟
ج: صلاة الضحى سنة وفيها فضل وإذا كنت موظفاً ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها, أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها لأنه يشغلك عن القيام بالواجب...[الفوزان]
حمل السلاح والرتبة أثناء الصلاة
س1: هل يجوز لرجل أن يصلي حاملاً سلاحه وإذا كان حاملاً رتبة عسكرية فهل يجب عليه خلعها أم لا؟
ج: قضية حمل السلاح إذا كان في حال خوف فلا بأس بذلك بل قد أمر الله به في قولة ((وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ), فإذا كانت الحالة حالة خوف من هجوم العدو على المسلمين فإنهم يحملون سلاحهم في الصلاة, أما في غير حالة الخوف فإذا كان هذا السلاح خفيفاً وليس فيه نجاسة فلا بأس بحمله, أما إذا لم يكن خفيفاً أو كان فيه نجاسة فإنه لا يجوز حمله لأنه يشغل عن الصلاة إذا كان غير خفيف وإذا كان به نجاسة فلا يجوز للمصلي أن يصحب ما فيه نجاسة, أما الرتب العسكرية أن كانت صوراً وتماثيل فلا يجوز حملها لا في الصلاة ولا في غيرها, وفي الصلاة أشد, إما إذا كانت خالية من الصور أو التماثيل فلا بأس بذلك والله أعلم...[الفوزان]
قراءة القرآن أثناء الدوام
س1: أنا موظف وفي العمل أقرأ القرآن الكريم في أوقات الفراغ ولكن المسؤول ينهاني عن ذلك بقوله أن هذا الوقت للعمل وليس لقراءة القرآن, فما الحكم في ذلك وجزاكم الله خيراً؟
ج: إذا لم يكن لديك عمل فلا حرج في قراءة القرآن, وهكذا التسبيح والتهليل والذكر وهو خير من السكوت: أما إذا كانت القراءة تشغلك عن شيء يتعلق بعملك فلا يجوز لك ذلك لأن الوقت مخصص للعمل فلا يجوز لك أن تشغله بما يعوقك عن العمل...[ابن باز]
زكاة الراتب الشهري
س1: أنا موظف راتبي الشهري ما يعادل (3000) ريال فهل تجب على ّ الزكاة, وما مقدارها مع العلم بأني أصرف منها إلا اليسير (600) ريال؟
ج: إذا حال الحول على شيء من المرتب يبلغ النصاب فعليك زكاته وإن كان دون ذلك فلا زكاة فيه...[ابن باز]
س2: أنا حالياً موظف في إحدى الدوائر الحكومية وأستلم شهرياً حوالي أربعة آلاف ريال جمعت حوالي سنة مبلغ 17 ألف ريال موجودة في البنك لم تستثمر, وأستعد لصرفها في شهر شوال أن شاء الله حيث أنني سأتزوج وسآخذ أضعاف هذا المبلغ ديناً لكي تغطي تكاليف الزواج, وسؤالي هو: هل تجب على هذه الـ 17 ألف زكاة, علماً بأنه قد حال عليها الحول تقريباً وإذا كانت تجب فيها الزكاة فكم مقدارها؟
ج: تجب الزكاة في المبلغ المذكور إذا حال عليه الحول ولو كان مرصداً للزواج أو لقضاء الدين أو لتعمير منزل ونحوه, لعموم الأدلة على وجوب الزكاة في النقدين وما يقوم مقامهما والواجب ربع العشر وهو 25 ريالاً على كل ألف ـ والله ولي التوفيق...[ابن باز]
س3: أنني أقوم بإدخار مبلغ من المال من راتبي شهرياً فهل علىّ زكاة على هذا المال علماً أن هذا المال أوفره لبناء منزل لي وكذلك توفير مهر لزواجي قريباً أن شاء الله؟
أقوم بإدخار هذا المال منذ سنوات بأحد البنوك حيث لا يوجد لدي مكان أدخر به هذا المال وكان البنك يضيف إلى حسابي مبلغاً لا يخصني يطلق عليه فائدة (الذي هو ربا) وأخيراً قررت سحب مالي المودع بالبنك ولم أخذ الفائدة وتركتها لدي البنك وهي مكتوبة بإسمي حتى الآن, هل أتصدق به, أم هل أتركه للبنك أم ماذا أفعل وهل إذا دفعته لأسرة محتاجة للمال بشكل كبير جداً لعدم وجود المعيل لهم أو أدفعه لجمعية خيرية وشكراً لفضيلتكم وزادكم الله من فضله؟
ج: المال المدخر للزواج أو لبناء مسكن أو غير ذلك تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول سواء كان ذهباً أو فضة أو عمله ورقية لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيما بلغ نصاباً وحال عليه الحول من غير استثناء, أما وضع المال في البنوك الربوية فلا يجوز لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان وأن دعت الضرورة القصوى إلى ذلك جاز لكن بدون فائدة, أما الفائدة المذكورة التي توجد عند البنك باسمك من غير اشتراط منك فلأرجح جواز أخذها وصر فها في جهة بر كفقراء محتاجين وتأمين دورة مياه وأشباه ذلك من المشاريع النافعة للمسلمين وذلك أولى من تركها لمن يصرفها في غير وجه بر وفي أعمال كفرية وقد أحسنت في سحب مالك من البنك زادنا الله وإياك هدى وتوفيقاً...[ابن باز]
س4: أنا موظف في شركة أهلية وأتقاضى راتباً شهرياً وقدره (4000) ريال سعودي، ضمنه بدل إيجار سكن وقدره (1000) ريال سعودي, فهل علي زكاة من راتبي هذا, وكم تبلغ قيمة الزكاة, علماً بأنه ليس لي مورد ثاني أنفق منه؟
ج: متى كان لديك توفير من راتبك الشهري فاضل عن النفقة ففيه الزكاة وذلك بعدما يتم التوفير نصاباً بما يقرب من اربعمائة ريال سعودي من الأورا ق النقدية, ولابد من تمام الحول على النصاب, فإذا كنت تدخر كل شهر بعضاً من مرتبك فالأحوط والأرفق أن تجعل شهراً معيناً كل عام تخرج فيه زكاة ما تدخر هذا العام, وما قبله وقدر الجزء الواجب ربع العشر: أي أثنين ونصف في المائة والله الموفق...[ابن جبرين]
س5: أنا موظف أتسلم راتباً, وكل شهر أدخر جزءاً منه, وليس هناك نسبة معينة للادخار, فكيف أخرج زكاة هذا المال؟
ج: الواجب عليك أن تخرج زكاة كل قسط توفره إذا تم حوله, وإن أخرجت زكاة الجميع عند تمام حول القسط الأول كفى ذلك وصارت زكاة الأقساط الأخيرة معجلة قبل تمام حولها وتعجيل الزكاة قبل تمام الحول جائز ولا سيما إذا دعت الحاجة أو المصلحة لذلك...[ابن باز]
س6: كيف يتم إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟
ج: إخراج الزكاة في الرواتب الشهرية, إن كان الإنسان كلما أتاه الراتب أنفقه بحيث ما يبقى إلى الشهر الثاني فهذا ليس عليه زكاة لأن من شروط وجوب الزكاة تمام الحول, وإن كان يدخر يعني مثلاً ينفق نصف الراتب ونصف الراتب يدخره فعليه زكاة كلما يتم الحول ويؤدي زكاة ما عنده, لكن هذا فيه مشقة أن الإنسان يحصى كل شهر بشهر, ودرءاًَ لهذه المشقة يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما عنده من المال, مثلاً إذا كان يتم الحول في شهر محرم, إذا جاء شهر محرم الذي يتم به حول أول راتب يحصي كل الذي عنده ويخرج زكاته وتكون الزكاة واقعة موقعها عند تمام الحول وتكون لما بعده معجلة والتعجيل جائز...[ابن عثيمبن]
س7: كيف يتم الزكاة على المال المتزايد كل شهر من رواتب الموظف فقد يحول الحول وتحت يدي من المال ما تجب فيه الزكاة, ولكن بعضه يحل عليه الحول فماذا أفعل به؟
ج: إذا خصصت شهراً من السنة تخرج فيه الزكاة عن المال المتحصل لديك والمجتمع لديك, شهر رمضان مثلاً فهذا شيء طيب تخرج الزكاة عماّ تحصل لديك, ما كان تم حوله فتكون الزكاة قد أخرجت في وقتها وما لم يتم حوله فتكون قد عجلت زكاته, وتعجيل الزكاة جائز إذا كان لغرض شرعي, وهذا هو الذي لا يسع الناس خصوصاً الموظفين إلا العمل به...[الفوزان](4/156)
س8: أنا إنسان مسلم أعمل في القطاع الحكومي ويأتيني دخل شهري مثل أي موظف حكومي, في كثير من الأوقات أدخر من الراتب الشهري مبلغاً من المال غير محدد حسب الظروف, مثلاً في شهر من الشهور قد أستطيع أن أدخر (2000) ريال وفي شهر آخر (4000) ريال وشهر آخر قد لا أستطيع أن أدخر أي شيء, ومع مرور الأيام والشهور تكون عندي مبلغ من المال لا بأس به, فهل تجب الزكاة؟ وكيف أستطيع أن أحدد هل مضى الحول الكامل على كل مبلغ من المال, وحيث أنني لا أتبع نظاماً معيناً للادخار مما يجعل تحديد الحول صعباً, وأنا أخشى أن أكون عصيت أمر الله في الزكاة دون علم ودراية لذلك أرجو من سماحتكم توضيح ذلك وجزاكم الله خيرا ً؟
ج: الواجب عليك أن تخرج زكاة كل مبلغ إذا حال حوله, وعليك أن تقيد ذلك بالكتابة حتى تكون على بصيرة, وإذا أخرجت زكاة الجميع إذا حال الحول على أول الادخار كفي ذلك وبرئت ذمتك لأن تعجيل الزكاة قبل تمام حولها لا بأس به, والله ولي التوفيق ...[ابن باز]
س9: إذا كان الإنسان يستلم راتباً على وظيفته وفي نهاية كل شهر يأخذ هذا الراتب فكيف يؤدى زكاة المال؟
ج: لا يجب حتى يتم عليه الحول فإن شاء راقب الأموال التي تأتيه شيئاً فشيئاً وأدى زكاة كل مال عند تمام حوله, وهذا فيه مشقة وأن شاء أدى الزكاة عند تمام أول حول ثم أستمر على ذلك, ويكون ما تم حوله قد أديت زكاته في وقتها وما لم يتم حوله قد عُجلت زكاته وتعجيل الزكاة لا بأس به, هذا هو الذي نحن نستعمل في زكاة الرواتب نجعل شهراً معيناً كشهر رمضان مثلاً نؤدي فيه زكاة كل ما عندنا حتى ما لم يتم عليه إلا شهر واحد لأن هذا أريح وأبر للذمة ...[ابن عثيمبن]
س10: رجل يعتمد في دخله على المرتب الشهري فيصرف بعضه ويوفر البعض الآخر فكيف يخرج زكاة هذا المال؟
ج: عليه أن يضبط بالكتابة ما يدخره من مرتباته, ثم يزكيه إذا حال عليه الحول, كل وافر شهر يزكي إذا حال عليه الحول وإن زكى الجميع تبعاً للشهر الأول فلا بأس وله أجر ذلك وتعتبر الزكاة معجلة عن الوفر الذي لم يحل عليه الحول, ولا مانع من تعجيل الزكاة إذا رأى المزكي المصلحة في ذلك, أما تأخيرها بعد تمام الحول فلا يجوز إلا لعذر شرعي * غيبة المال * غيبة الفقراء ......
إعطاء الموظف من الزكاة
س1: أنا موظف وأستلم راتب شهرياً يصل إلى ثلاثة الآلف ريال تقريباً وفي إحدى المناسبات سمعت أن أحد التجار يوزع صدقة فذهبت إليه وأعطاني مبلغاً من المال, فهل يحل لي هذا المال؟
ج: إذا كان الراتب لا يكفيك لقضاء حاجاتك وحاجات أهلك المعتادة التي ليس فيها إسراف ولا تبذير حلت لك الزكاة وإلا فلا, رزقنا الله وإياك الفقه في الدين وأغناك من فضله ...[ابن باز]
س2: أنا معلمة أعمل في إحدى المدارس وحالتي المادية ولله الحمد جيدة ولي أخ مريض يشتغل شهر ويجلس الآخر وأنا أساعده ولا أقصر علية, ولكن هل يجوز لي أن أعطية زكاتي كلها حيث أنه ليس له أي كسب غير راتبه البسيط إذا اشتغل, وهل يجوز أن أعطيها إياه دون أن أعلمه أنها زكاة لكي لا أخدش شعوره أفيدونا جزاكم الله خيراَ؟
ج: إذا كان أخوك فقيراً لا يكفيه راتبه أو أجرة عمله للقيام بمصارفه ومصارف عائلته فإنه يجوز لك أن تعطيه من زكاتك, بل أنها أفضل من إعطائها لمن ليس بقريب, لأن النبي ص يقول (صدقة على ذي رحم صدقة وصلة), أي على القريب, أما إذا كان راتبه يكفيه فلا يجوز أن يأخذ الزكاة, أما في مثل الحالة الأولى إذا كان فقيراً وتعلمين أنه يقبل الزكاة فلا بأس أن تعطيه ولم لو يعلم أنها زكاة, إلا إذا علمت أنه لا يقبلها إلا إذا كانت زكاة ففي هذه الحالة لا تعطيه شيئاً حتى تخبريه أنه زكاة والله الموفق ...[ابن باز]
حكم العمل في البنوك الربوية والتعامل معها ..
س1: ما حكم من تضطره ظروفه للعمل في البنوك والمصارف المحلية الموجودة في الملكة مثل البنك الأهلي التجاري وبنك الرياض وبنك الجزيرة والبنك العربي الوطني, وشركة الراجحى للصرافة والتجارة ومكتب الكعكي للصرافة والبنك السعودي الأمريكي وغير ذلك من البنوك المحلية, علماً بأنها تفتح حسابات التوفير للعملاء, والموظف يشغل وظيفة كتابية مثل كاتب حسابات أو مدقق أو مأمور سنترال أو غير ذلك من الوظائف الإدارية, وهذه البنوك يوجد بها مزايا عديدة تجذب الموظفين إليها مثل بدل سكن يعادل 12 ألف ريال تقريباً أو أكثر وراتب شهرين في نهاية السنة فما حكم ذلك؟
ج: العمل في البنوك الربوية لا يجوز لما ثبت عن النبي ص أنه قال: (لعن آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ), ولما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ), [ابن باز]
س2: لي ابن عم يشتغل في بنك الجزيرة موظفاً فهل يجوز له أن التوظيف أم لا يجوز, أفيدونا جزاكم الله خيراً, حيث سمعنا من الأخوان أنه لا يجوز التوظيف في البنك؟
ج: لا يجوز التوظيف في البنوك الربوية لأن العمل فيها يدخل في التعاون على الإثم والعدوان وقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ), ومعلوم أن الربا من أكبر الكبائر فلا يجوز التعاون مع أهله, وقد صح عن رسول الله أنه قال: (لعن آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ)...[ابن باز]
س3: لي ابن عم يعمل في بنك الجزيرة كاتباً وأفتاه بعض العلماء ألا يبقى فيه وأن يبحث عن وظيفة أخري غير البنك, أفيدونا جزاكم الله خيراً, هل يجوز أم لا؟
ج: قد أحسن الذي أفتاه بالفتوى المذكورة لأن العمل في البنوك الربوية لا يجوز لكون ذلك من اعانتها على الإثم والعدوان وقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ), وقد صح عن رسول الله أنه قال: (لعن آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ), [ ابن باز ]
س4: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
ج: لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان حارساً أو سائقاً, وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته, فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به, والراضي بالشيء المحرم يناله من أثمه, أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإبداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام, وقد صح عن رسول الله أنه قال: (لعن آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ)...[ابن عثيمبن]
س5 رجل يعمل في أحد البنوك من مدة عشر سنوات ولقد علم أن العمل في البنوك غير جائز وهو يعمل حارساً ليلياً وليس له علاقة في المعاملات هل يستمر في العمل أو يتركه؟
ج: البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز للمسلم أن يكون حارساً لها لأن هذا من التعاون على الآثم والعدوان, وقد نهى الله عنه بقولة تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وأغلب احوال البنوك التعامل بالربا وينبغي لك أن تبحث عن طريق حلال من طرق طلب الرزق غير هذا الطريق ...[اللجنة الدائمة]
س6: ما حكم العمل في البنوك الربوية ومعاملتها؟(4/157)
ج: العمل فيها محرم لأنه إعانة على الربا فإذا كان إعانة على الربا فإنه يكون داخلاً في لعنة المعين حيث صح عن النبي ص: (لعن آكِلَ الرِّبَا) وإن لم يكن إعانة فهو رضا بهذا العمل وإقرار له ولا يجوز التوظيف في البنوك التي تتعامل بالربا, وأما وضع الفلوس عندهم للحاجة فلا بأس إذا لم نجد مأمناً سوى هذه البنوك فإنه لا بأس به بشرط أن لا يأخذ الإنسان منه الربا فإنه أخذ الربا فهو حرام...[ابن عثيمبن]
س7: إنني على وشك التخرج وأنوي العمل في أحد البنوك الموجودة في مدينتي, ما رأي سماحة الشيخ في ذلك وهل يدخل العمل في البنوك ضمن الحديث الشريف عن الربا؟
ج: أنصحك بعدم العمل في البنوك الربوية لما في ذلك من إعانة القائمين عليها على ما حرم الله سبحانه من الربا, وقد قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) ولأن النبي ص ـ لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هما سواء, وأسال الله أن يوفق القائمين عليها للتمسك بالشريعة الإسلامية, وترك ما حرم الله عليها من الربا وأن يوفق ولاة الأمور لمنعهم من ذلك حتى يلتزموا بشرع الله سبحانه ويحذروا مخالفته إنه خير مسؤول...[ابن باز]
س8: ما الحكم الشرعي في كل من:
- الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيرة؟
ج: وإما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) ولما ثبت عن النبي ص ـ لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هما سواء...[ابن باز]
س9: ما حكم الراتب الذي أتحصل عليه من أحد البنوك إذا كنت اشتغل بالبنك, هل هذا الراتب حلال أم لا؟
ج: يجب أن يعلم كل مؤمن بأن الربا أمره عظيم وخطره جسيم توعد الله عليه بالعقوبات العظيمة, فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وقال: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ), ولما ثبت عن النبي ص ـ لعن آكل الربا ....) وهذا دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يتعاون مع حد في عمل الربا أياً كان أسم ذلك الشيء الذي يتعاون فيه, وأنه إذا رضي بذلك وشاركهم فإنه يكون مثلهم, كما قال عليه الصلاة والسلام هما سواء .فأحذر يا أخي أن يكون عملك من كسب محرم بأي حال من الأحوال وبأي مسمى كان فالعبرة بالأمور مقاصدها وليس بزخارفها نسأل الله سبحانه وتعالي الحماية والتوفيق وأن يخلص المسلمين من وبال هذه المعاملات إلى معاملات سليمة, يتمشى فيها المسلمون مع ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه ص...[ابن عثيمبن]
س10: أحيطكم علماً بأني كنت أعمل في بنك من البنوك أسمه البنك السعودي الهولندي وهو أحد البنوك المنتشرة في السعودية, وقد علمت به حال تخرجي من الثانوية العامة بعام ولمدة 6ـ 7 شهور وأخبرني أحد الزملاء بأن العمل في البنك حرام, حيث أنه يتعامل في بعض حساباته بالربا, فالتحقت بالخطوط السعودية كطالب وتركت البنك وما أود أن أسأله هو هل الراتب في 7 شهور التي استلمتها تعتبر حراماً حيث أنني أعمل كموظف فقط أتقاضى راتباً على عملي وجهدي, وهل يلزم أن أتصدق بجميع ما تسلمته من قبل من رواتب ومبالغ أو يكفي أنني تركت العمل بالبنك؟
ج: إذا كان الواقع كما ذكرت بعد أن أخبرت أنه لا يجوز العمل في بنك, فلا حرج عليك فيما قبضته من البنك مقابل عملك لدية مدة الأشهر المذكورة, ولا يلزمك التصدق بها وتكفي التوبة عن ذلك, عفا الله عنا وعنك...[اللجنة الدائمة]
س11 أعمل في شركه صناعية وقد سمعت أن الرواتب الذي نأخذ من أرباح البنوك كما أن عملي وضع أرقام وتواريخ المعاملات الموجهة لهذه البنوك فما حكم عملي؟
ج: لا يجوز لك أن تعمل كاتباً في المعاملات الربويه ولا يحل لك الراتب الذي تأخذه في مقابل هذا العمل لأن هذا العمل من التعاون على الإثم والعدوان وقد لعن النبي ص آكل الربا ومؤكلة وشاهديه وكاتبه وإذا كان العمل حراماً فالراتب الذي يقابله حرام والله أعلم...
س12: بالنسبة لسعاة البريد الآن يأتيهم شغل حسابات من البنوك لإيصالها إلى أمناء البنوك ما أدري ما حكم هذا بارك الله فيك؟
ج: هل يعلمون أن في هذه الخطابات ربا؟ يعلمون أن فيها كشف حساب . وليس في ذلك شيء لأن كشف الحساب إذا لم يكن فيه ربا فليس فيه شيء...[ابن عثيمبن]
س13: أنا موظف مرتبي حوالي (3048) ريالاً ومتزوج منذ عام تقريباً وعلىّ ديون تصل إلى 53 ألف ريال وكثيراً ما يحرجني أصحاب الديون ولا أجد ما أسد لهم,،فهل يجوز لي أن أقترض من أحد البنوك التي تقرض بأخذ الفائدة علماً بأن القرض لا يكفي نصف ديوني أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يقترض من البنك ولا غيره قرضاً بالفائدة لأن ذلك من أعظم الربا, وعليه أن يأخذ بالأسباب المباحة في طلب الرزق وقضاء الدين وفيما أباح الله من المعاملات وأنواع الكسب ما يغني المسلم عماّ حرم الله عليه, والواجب على أصحاب الدين أن ينظروك إلى ميسرة إذا عرفوا إعسارك لقول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ), وصح عن رسول الله ص أنه قال: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ", وقال : "مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"...والله ولي التوفيق...[ابن باز]
فتاوى للموظفين تتعلق بالحج
س1: منذ ثلاثة أعوام وأنا أقدم التماساً لعملي لكي أودي فريضة الحج لكن الطلب يرفض نظراً لحاجة العمل إلى فهل على ّ شيء في ذلك, وهل علىّ شيء إذا حججت بدون علمهم أو موافقتهم؟
ج: نعم ما دمت مقيداً بغيرك فإنه ليس لك حج إلا بعد موافقة ذلك الغير، وإذا كانت الحاجة تتطلب أن تبقى فلا مانع متى تزول الحاجة إما بالتناوب وإما بأسلوب آخر ...[ابن عثيمبن]
س2: هل يجوز للشرطي أن يحج بدون أذن مرجعه؟
ج: ليس للعامل والشرطي الحج إلا بأذن مرجعهما مطلقاً, ولا يجوز لهم الحج بدون أذن مرجعهما, لأن اوقاتهما مستحقه لمرجعهما سواء أكان الحج فرضاً أم نفلاً, ولأن أعمال الحج قد تعوق العامل و الشرطي عن بعض ما يلزمهما أداءه في وقته...فتاوى إسلامية 2/189.
س3: أنا جندي بالشرطة وأريد الحج بوالدتي ولم يرخص لي مرجعي فهل علىّ إثم إذا حججت بوالدتي بدون إذن من مرجعي؟
ج: أنت أجير في عملك تستلم راتباً مقابل ما تؤدية من عمل وتركك العمل بدون إذن من مرجعك لتحج بوالدتك تصرفّ في غير محله لأن ذمتك مشغولة بالعمل الوظيفي فلا تشغل هذه الذمة بما يتعارض مع ما هي مشغولة به سابقاً إلا بماله حق السبق على ذلك كما لو كنت أنت ما حججت فرضك فلا مانع أن تحج بدون إذن: لأن تعلق الحج في ذمتك سابق لشغل ذمتك بالعمل الحكومي وبهذا يعلم أنه لا يجوز لك أن تحج بأمك إلا بأذن وإن الأحوط هو الاستئذان إذا كنت لم تحج فرضك ومن جهة أمك ممن الممكن أن يحج بها أحد من محارمها غيرك وتقوم أنت بدفع النفقة إذا أردت ذلك...[اللجنة الدائمة]
س4: يعمل جندياً في تنظيم الحج ولم يحج حيث لا يسمح له بذلك بدون إذن مرجعه؟(4/158)
ج: الإنسان الموظف ملتزم بأداء وظيفته حسب ما تقتضيه وقد قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً), وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ, فالعقد الذي جري بينك وبين الدولة عهد يجب عليك أن توفي به على حسب ما يوجهونك به ولكني أرجو أن يكون للمسؤولين في هذه الأمور نظر بحيث يوزعون هؤلاء الجنود: جنود المرور, وجنود الأمن, والمطافئ, وغيرهم ينظمونهم بحيث يكون لبعضهم فرصة أن يؤدوا الحج في هذا العام والبعض الآخر فرصة أن يؤدوه في العام الآخر وهكذا حتى يتم للجميع أداء الفريضة, وأما أن تختفي الفريضة وأنت مطالب بالعمل وليس عندك إجازة فهذا محرم عليك ولا حرج عليك إذا أخرت الحج إلى أي سنة أخرى من أجل اشتغالك بواجب عملك ...[ابن عثيمبن]
س5: ما حكم من لم تسمح له ظروف عمله بالمبيت بمنى أيام التشريق؟
ج: المبيت بمنى يسقط لأصحاب الأعذار ولكن عليهم أن يغتنموا بقية الأوقات للمكث بمنى مع الحاج...[ابن باز]
س6: إذا خرج الحاج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر بنية التعجل ولدية عمل في منى سيعود له بعد الغروب فهل يعتبر متعجلاً؟
ج: نعم يعتبر متعجلاً لأنه أنهى الحج ونية رجوعه إلى منى لعمله فيها لا يمنع التعجيل لأنه إنما نوى الرجوع للعمل المنوط به لا للنسك...[ابن عثيمبن]
س7: موظف كلف بدورة في جدة ولنفرض بدايتها في شهر شعبان ونهايتها في شهر صفر فوافق عليها ونوى الحج من حين علمه بها, فمن أين يحرم علماً بأنه ليس من أهل جدة, وهل إذا أحرم من جدة عليه شيء أرجو التفصيل؟
ج: إذا كان ناوياً الحج حال قدومه من بلده إلى جده فإنه يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي مر به حال قدومه وليحرم منه بالحج فإن لم يرجع وأحرم من جدة صار عليه دم وهو ذبح فدية في مكة يوزعها على فقراء الحرم, إلا إذا كان حال قدومه أحرم من الميقات بعمرة وأداها ثم ذهب إلى جدة للعمل فإنه يحرم بالحج من جدة...[الفوزان]
س8: موظف قد عزم على الحج لكن له أعمال في الطائف يتردد من أجلها بين الطائف وجدة بغير إحرام؟
ج: لا حرج في ذلك لأنه حين تردده من الطائف إلى جدة لم يقصد حجاً ولا عمرة وإنما أراد قضاء حاجاته لكن من علم في الرجعة الأخيرة من الطائف أنه لا عودة له إلى الطائف قبل الحج فعليه أن يحرم من الميقات يالعمرة أو الحج, أما إذا لم يعلم وصادف وقت الحج وهو في جدة فإنه يحرم من جدة بالحج ولا شيء عليه ويكون حكمه حكم المقيمين في جدة الذين جاؤوا إليها لبعض الأعمال ولم يريدوا حجا ولا عمرة عند مرورهم بالميقات...[اللجنة الدائمة]
س9: شخص يعمل في الأمن العام وحاول الحصول على إجازة لأداء فريضة الحج فلم يسمح له مرجعه بذلك, فتغيب عن العمل وذهب لأداء الفريضة بدون إذن من مرجعه وحيث أنه لم يسبق له أن حج فهل حجه صحيح أم لا, هل عليه ذنب علماً بأن مدة التغيب هذه لم يستلم مقابلها راتب أفتونا جزاكم الله خيراً؟
ج: هذا السؤال جوابه من شقين:
الأول: كون هذا الرجل يذهب إلى الحج مع منع مرجعه من ذلك أمر لا يحل ولا يجوز لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ), وطاعة ولاة الأمور في غير معصية الله تعالى أمر واجب أوجبه الله على عبادة في هذه الآية الكريمة, وذلك لأن مخالفة ولاة الأمور يترتب عليها فساد كبير وشر وفوضى لأنه لو وكل كل إنسان إلى رأيه لم يكن هناك فائدة في الحكم والسلطة, وولاة الأمور عليهم أن يرتبوا الحج بين الجنود حتى يهيؤا لمن لم يؤد الفريضة أن يؤديها بالطرق التي يرون أنها كفيلة بالمصلحة مع تمكين هؤلاء الأفراد من أداء فريضة الحج وهم فاعلون إن شاء الله .
الثاني: فهو إبراء ذمتك بهذا الحج, فإنه قد برئت وقد أديت الفريضة ولكنك عاص لله تعالى بمخالفتك أوامر رئيسك فعليك أن تتوب إلى الله تعالى وأن لا تعود لمثلها وليس لك حق في أن تأخذ الراتب المقابل للأيام التي تغيبتها عن العمل والله ولي التوفيق...[ابن عثيمبن]
فتاوى تتعلق بالعمرة
س1: شخص كلف بانتداب إلى الطائف فأنهي العمل خلال ساعات وأراد أن يأخذ عمرة مع موافقة العمل على ذلك هل يصح له هذا؟
ج: يصح للإنسان إذا انتدب لعمل معين وأنهاه ثم أراد أن يأتي بعمرة يصح له أن يأتي بذلك لأن العمل الذي انتدب من أجله قد أتمه وبقي بقية وقت له أن ينصرف فيه بما شاء لا سيما إذا كان قد أستأذن من مسؤله وأذن له فإن الأمر واضح بأن هذا جائز...[ابن عثيمبن]
س2: هل طلب الإجازة الاضطرارية لأداء العمرة في رمضان جائز أم لا؟
ج: لا بأس بذلك فإنها حق للموظف, كما في النظام أن الموظف له الحق في السنة إجازة عشرة أيام عند الحاجة ولا شك أن أداء العمرة في رمضان له فضله وأهميته, وكثير من الموظفين يتمتع بهذه الإجازة في الخارج أو يجلس بدون عمل فالعمرة فيها أفضل من البطالة...[ابن جبرين]
س3:: ما حكم أخذ الإجازة الاضطرارية لأداء العمرة في رمضان والبقاء في مكة؟
ج: الذهاب إلى العمرة مستحب وليس ضرورياً لا في رمضان ولا في غيرة, فأخذ إجازة اضطرارية من أجل العمرة وترك العمل لا يجوز من وجهين:
الأول: أن هذا كذب واحتيال على النظام لأنه ليس هناك ضرورة .
الثاني: أن في ذلك تركاً للواجب وهو القيام بالعمل الذي تعهد بالقيام به وأخذ مقابلة مرتباً شهرياً, فالواجب التوبة إلى الله وترك هذا الإهمال والاحتيال, والعمرة في رمضان سنة والقيام بالعمل واجب فكيف يترك واجباً من أجل أداء سنة...[الفوزان]
فتاوى للموظفين تتعلق بالصيام
س1: موظف يقول أنه نام أكثر من مرة في الشركة أثناء العمل وترك العمل هل يفسد صومه؟
ج: صومه لا يفسد لأنه لا علاقة له بين ترك العمل وبين الصوم ولكن يجب على الإنسان الذي تولي عملاً أن يقوم بالعمل الذي وكل إليه لأنه يأخذ على هذا العمل جزاءً وراتباً ويجب أن يكون عمله على الوجه الذي تبرأ به ذمته كما أنه يطلب راتبه كاملاً ولكن صومه ينقص أجره لفعله هذا المحرم وهو نومه عن العمل المنوط به...[ابن عثيمبن]
س2: شخص في أول ليلة من رمضان نام قبل أن يعلم أن غداً هو أول الصيام فلما قام لصلاة الفجر سأل أحد المصلين فإذا هو الآخر ليس لدية علم, فواصل ذلك ولم يأكل شيئاً, ولما ذهب إلى العمل وجد الناس صائمين وعلم بعد ذلك بالصيام, وعلى ذلك واصل صيامه حتى المساء, فهل صيامه صحيح في ذلك اليوم أم أن عليه قضاء أفتونا جزاكم الله خيراً؟
ج: من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا أثناء النهار فإنه يجب عليه الإمساك في بقية اليوم ويقضي هذا اليوم لأنه لم ينو الصيام من الليل وقد جاء في الأحاديث أنه لا صيام إلا لمن يجمع النية من الليل, أي في صيام الفرض, وهذا فاته جزء من النهار لم ينو فيه الصوم...[الفوزان]
س3: لقد سمعت من بعض الزملاء في المكتب أنهم يتسحرون عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل, ثم ينامون بنية الصيام حتى الساعة التاسعة صباحاً, ثم يصلون الفجر عند هذا الوقت ثم ينطلقون إلى أعمالهم ...ما حكم هذا العمل؟
ج: هذا العمل غير جائز من عدة وجوه:
أولاً: أن فيه مخالفة للسنة في تقديم السحور على وقته لأن تأخير السحور إلى قبيل الفجر هو السنة .
ثانياً: أن فيه النوم عن صلاة الفجر في وقتها ومع الجماعة ففيه ترك واجبين عظيمين:
1. تأخير الصلاة عن وقتها وهو إضاعة لها وعليه وعيد شديد.
2. ترك صلاة الجماعة وهو محرم وإثم.(4/159)
فالواجب التوبة إلى الله من هذا الفعل وتأخير السحور إلى وقته وأداء الصلاة في وقتها مع جماعة المسلمين والواجب الاهتمام بالصلاة أولاً لأنها هي عمود الإسلام والركن الثاني من أركان الإسلام فهي آكد من الصيام بل لا يصح الصيام ولا غيرة من الأعمال إلا بعد أداء الصلاة على الوجه المشروع...[الفوزان]
الكذب والتزوير
س1: الأعذار الذي يقدمها الموظف لرئيسه قد تكون في اكثر الأحيان كذباً ما رأي فضيلتكم؟
ج: الواجب على المسلم أن يتقي الله ويترك الكذب والحيل التي يتعذر بها إلى ترك العمل الوظيفي الذي وكل إليه في مقابل راتب يتقاضاه, وعلى المسؤولين عن دوام الموظفين من رؤساء الدوائر أن يتقوا الله ويدققوا في الإجازات التي يمنحونها لموظفيهم بأن تكون جارية على المنهج الصحيح والنظام الوظيفي, وأن يسدوا الطريق على المحتالين والمتلاعبين لأن هذه أمانة في أعناق الجميع يسألون عنها أمام الله سبحانه...[الفوزان]
س2: بعض الناس عندما يريد استخراج حفيظة نفوس أو بطاقة الأحوال يكتب مهنته بأنه متسبب وهو موظف حكومي ويأتي بشهود ويشهدون على ذلك مع علمهم بأن صاحبهم موظف وليس متسبباً, فهل هذا العمل جائز وهل تعتبر الشهادة من شهادة الزور؟
ج: إذا كان هناك فرق في استخراج الحفيظة بين المتسبب والموظف بموجب النظام فإنه لا يجوز التمويه بل يجب بيان الحقيقة ولا يجوز للشهود أن يشهدوا بخلاف الواقع لأن هذا من شهادة الزور ومن الاحتيال بالباطل, فالواجب على المسلم الصدق وقول الحق في حق الصديق والقريب والعدو, قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً), وتجب طاعة ولي الأمر في النظام الذي لا يخالف الشريعة ولا يجوز الاحتيال عليه ومخالفته, قال تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)...[الفوزان]
التجارة للموظف
س2: ذكرتم ....أن موظف الدولة لا يجوز له لأن يتاجر في إحدى التجارات, فهل يجوز لموظف الدولة أن يفتح محلاً باسم زوجته أو باسم أحد إخوانه وهو له؟
ج: لا يجوز للإنسان الموظف أن يفتح محل تجارة باسم والدة أو زوجته أو أحد من أقاربه أو أصدقائه, لأن ذلك كذب, فإن هذا المحل ليس لمن كتب باسمه وهو الوقت نفسه خيانة للدولة, لأن الإنسان فعل ما منعته الدولة وتحايل عليه...[ابن عثيمبن]
س3: بالنسبة لبعض الأشخاص يستغل اسم غيرة في إقامة مؤسسه تجارية, هو مثلاً في أحد الموظفين في الدولة, نعرف قرار الدولة يمنع أن الموظف يفتح محلاً تجارياً. هل يجوز هذا أم لا؟
ج: أسألك هل هذا كذب أو صدق؟ هذا كذب .
هل الكذب جائز ...؟ لا ليس بجائز لكن الملاحظ .
دعنا من الملاحظ, أنت تسأل الآن .
ثانياً: هل هذا من النصح للدولة أم غش؟ ....من الغش .
المال المكتسب من عمل مبني على الكذب والغش هل هو باطل أو حق؟ هو باطل .
إذن ثلاثة محاذير في هذه المسألة [ الكذب ـ غش الدولة ـ أكل المال بالباطل ] وعلى هذا فإنه حرام ولا يجوز للإنسان أن يستعير أسم غيرة ليفعل ما منعته الدولة, ويقال لهذا الرجل إما تبقى على وظيفتك وتترك العمل وإما أن تأخذ العمل وتترك الوظيفة, الدولة لم تجبرك أن تكون موظفاً عندها...[ابن عثيمبن]
س4: إذا كنت موظفاً حكومياً فإن النظام الحكومي لا يجيز لي فتح محل تجاري باسمي فإذا فتحت هذا المحل باسم شخص آخر غير موظف وأدير هذا المحل بموجب وكالة شرعية تخولني البيع والشراء وكل ما يقوم به صاحب الاسم وأتحمل مكسبه وخسارته فهل يجوز هذا؟
ج: إذا كان الواقع كما ذكرت فإنه لا يجوز لك ذلك لما فيه من الكذب والمخادعة لولي الأمر والاحتيال عليه في مخالفة ما وضعه محافظة على إدارة العمل الحكومي والذي أسند إليك خدمة للأمة ومراعاة للمصلحة العامة ومنعاً للأثرة, فإن الشأن فيما ذكرت أن يغلب الإنسان طبعه وحب نفسه وأن يؤثر مصلحته الشخصية, فيؤثر مصلحته الخاصة فيعمل لها اكثر ويبذل فيها جهده ويقُصِر في العمل للمصلحة العامة وهو يظن أنه لم يحصل منه ذلك...[اللجنة الدائمة]
س5: هناك واحد من الناس بحكم أنه موظف فلا يسمح له بممارسة التجارة دون أن يستغل اسم أمه وهي موجودة في فتح محل خياط نسائي وله أخوة وأخوات من هذه الأم, فأمه أعطته وكالة من أجل استقدام عمال وفتح المحل والربح طبعاً ربح المحل سيكون له شخصياً من دون إخوانه فأمه سمحت له بهذا الشيء فما رأي فضيلتكم في هذا؟
ج: وتضمن المكر بالدولة والخداع لها وتضمن أكل المال بالباطل لأنه بغير حق وتضمن محاباة أحد الأبناء دون البقية, وقد قال النبي ص "اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم" فنصيحتي للأم أن تسحب هذه المنحة التي أعطتها ابنها وأن تستغفر الله, ونقول لهذا الشخص الموظف أنت بالخيار: الحكومة لم تلزمك بشيء إما أن تدع الوظيفة وتفتح المحل, وإما أن تبقى في الوظيفة وتترك المحل, ثم أن الذي فهمته من السؤال أن هذا الأخ سيجعل المحل باسم أمه وسيعطيه العامل ويأخذ عليه الربح, فإن كان الربح مشاعاً, بأن قال لك كذا, الثلث مثلاً يحصل من الربح أو الربع أو النصف فهذا جائز من الناحية الشرعية يكون من هذا المواد والآلات ومن هذا العمل لكن أن كانت الدولة تمنع هذا فهو أيضاً لا يجوز لأن علينا أن نسمع للدولة في كل أمر إلا ما خالف الشرع, وهذا لا يخالف الشرع, إذا قالت لا تمنحوا هؤلاء عملاً, وإنما يبقون عندكم بالأجرة الشهرية المقطوعة, ولكن يقول بعض الناس: إذا جعلناهم بالأجرة المقطوعة حصل إشكال وهو تلاعب العمال بحيث لا ينتجون فنقول: دفعاً لهذا المحذور يجعل للعامل نسبة فيما ينتج فيقال لك الأجر الشهري المتفق عليه ولك على كل متر كذا وكذا أو على كل ثوب إذا كان خياطاً كذا وكذا, وعلى كل وحدة إذا كان كهربائياً كذا وكذا, وبهذا يحصل موافقة الحكومة فيما التزمت به الجالب ويحصل مصلحة وعدم تلاعب ...[ابن عثيمبن]
س6: بالنسبة للموظف الذي لا يكفيه راتبه في مصاريفه الخاصة هل يجوز له العمل بآخر؟
ج: الموظف الذي لا يكفيه راتبه لشئونه الخاصة, يجوز له أن يعمل العمل الذي لا تمنع منه الحكومة أو يمنعه منه النظام
س7: النظام يمنع السجل التجاري لعمل مؤسسة؟
ج: إذا كان النظام يمنع فإنه لا يجوز أن يفتح لا باسمه ولا باسم مستعار, لماذا لأن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ), ويقول تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً), والموظف تقدم للعمل في الحكومة وهو يعلم أن هذا مشروط على كل موظف يكون بدخوله الوظيفة التزام منه بالأ يفتح سجلاً أو يشتغل بتجارة, قد يقول بعض الناس الحكومة ليس لها الحق أن تمنع من ابتغاء رزق الله, لأن الله قال في القرآن الكريم: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أي صلاة الجمعة, (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ), فأباح الله لنا أن ننتشر في الأرض ونبتغي من فضل الله بعد صلاة الجمعة فكيف تمنعنا الحكومة من ذلك؟(4/160)
نقول له: الحكومة لم تمنعك ولكنها قالت لا أدخل معك في عقد إلا بهذا الشرط وهذا الشرط مباح يعني تركه للتجارة إذن مباح فإذا كان مباحاً والتزم الإنسان بتركه وفاءً بعهدة للحكومة, صار هذا جار على القواعد الشرعية فنقول لهذا الموظف: أنت بين أمرين بل ثلاثة أمور:
1. إما أن تدع الوظيفة وتفتح السجل التجاري.
2. أو تدع السجل التجاري وتبقى في عملك.
3. أو تستأذن من الحكومة وتبين لها حاجتك.
وربما إذا بينت لها حاجتك وأنت راتبك قليل ومتطلبات حياتك كثيرة ربما تسمح لك...[ابن عثيمبن]
س7: ما حكم العمل بالتجارة للموظف سواء كان عسكرياً أو مدنياً علماً بأنه لدية وقت فراغ كيومي الخميس والجمعة وكذلك من بعد الدوام حتى بداية الدوام في اليوم الثاني, وإن كانت التجارة تجارة بسيطة كالتجارة في أيام المواسم كرمضان والعيدين بالأشياء البسيطة؟ افيدونا مأجورين؟
ج: التجارة على الوجه المباح للموظف وغيرة مباحة, لقوله تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ), ولكن إذا كان نظام الدولة يمنع من ممارسة التجارة للموظف فإن الواجب الوفاء بذلك, ولا يمارسها إلا بإذن الدولة, لأنه دخل على هذا الأساس وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)...[ابن عثيمبن]
س8: رجل موظف لدى الحكومة ولكن لا يكفيه راتبه ويعمل مع اثنين أو ثلاثة كمشاركة يعني دفع مالاً لدية واشتغل معهم باسم أحدهم فهل في ذلك شيء؟
ج: يعني يقول خذ من المال واتجر به ولي نصف الربح ولك نصف الربح, لأن الموظف الآن لم يباشر العمل أما إذا شاركه وباشر معه العمل فهذا لا يجوز...[ابن عثيمبن]
س9: أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية وقد أعطوني الأوراق الخاصة بالكشف الطبي وقد أتممت الفحوصات الطبية عدا النظر فقد اختبره عني أحد الأقارب وقد مضى علىّ في الخدمة عشر سنوات افيدوني ماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟
ج: لا يجوز لك التدليس أو الغش في العين أو في غير العين, كأن تستعمل أحداً ينوب عنك في الاختبار وعليك بإخبار الجهة عن ذلك وإن كنت قمت بالواجب فالحمد لله عما مضى ولكن إلا تعود امثل هذا وأن تستغفر الله عما حصل من الغش...[ابن باز]
س10: وقعت لي حادثة خارج العمل ولما عجزت عن تحمل مصاريف العلاج جعلتها حادثة عمل ودفعت الشركة مصروفات العلاج وأنا نادم الآن فهل ما فعلت حراماً؟
ج: يلزمك أن تخبر أهل الشركة بحقيقة الحال وتعرض عليهم ردك ما صرفوا عليك من أجرة العلاج أو خصمها من راتبك فإن عفوا عنك أن كان لهم الصلاحية سقط الغرم وإلا فلا تبرأ ذمتك إلا باستباحتهم أو رد المصاريف إليهم, واستغفر ربك عن الكذب والظلم ...[ابن جبرين]
س11: إذا كان إنسان يرغب العمل بوظيفة وهو يستطيع القيام بعملها والنجاح في المسابقة ولكن ليس لدية شهادة تخوله الدخول فيها فهل يجوز له تزييف شهادة الدخول في المسابقة, وإذا نجح فهل يجوز له الراتب أم لا؟
ج: الذي يظهر لي من الشرع المطهر وأهدافه السامية عدم جواز مثل هذا العمل لأنه توصل إلى الوظائف من طريق الكذب والتلبيس وذلك من المحرمات المنكرة ومما يفتح أبواباً من الشر وطرقاً من التلبيس ولا شك أن الواجب على من يسند إليهم أمر التوظيف أن يتحروا الأكفاء والأمناء حسب الإمكان...[ابن باز]
س12: إذا دخل مسابقة الوظائف صديقان قد توفرت فيهما شروط القبول واختبر أحدهما عن الآخر فهل يحل ذلك إذا كان يستطيع القيام بالعمل وهل يباح له أخذ الراتب؟
ج: لا يجوز مثل هذا العمل لما فيه من التدليس والكذب وفتح أبواب تجرؤ غير الأكفاء على الاعمال بوسائل الكذب والاحتيال على ما لا يباح له ...[ابن باز]
حكم مكافأة المدير للموظف
س1: هل المكافأة الذي يعطيها الرئيس في العمل نظير الجهد المخلص تعتبر رشوة لأنها فوق الراتب الأصلي؟
ج: لا ....هذه ليست رشوة مادام المقصود منها التشجيع على هذا العمل إلا إذا كان هذا العامل لا يقوم بما يجب عليه إلا بهذه المكافأة فإنه في هذه الحال يكون رشوة ويكون حراماً عليه لأن هذه المكافأة بذلت له في مقابل قيامه بواجب عليه, والقيام بالواجب لا يجوز لأحد أن يأخذ عليه مكافأة لأن ذلك من صميم عمله: فهناك فرق بين أن يعُطي الإنسان المكافأة تشجيعاً له على القيام بالواجب وبين أن يعطي المكافأة ليقوم بالواجب لأن القيام بالواجب أمر واجب عليه سواء كوفئ أو لم يكافأ, وأما التشجيع على القيام بالواجب بعد فعله فلا يدخل في الرشوة فهو مباح إلا أن يقضي إلى محذور في المستقبل بحيث يكون العامل متشوقاً له فإن لم يحصل قصرّ في عمله ففي هذه الحال لا يعطي شيئاً لأن الوسائل لها اجكام المقاصد...[ابن عثيمبن]
حكم الجلوس مع أهل الفساد من الموظفين
س1: زملاء لي بمكتب واحد ودائماً من يوم ما عرفتهم وهم يتحدثون عن الجنس والمجلات الخليعة وأنا لا أرضى بهذا الشيء ولكن بحكم ظروف العمل مرغم للجلوس معهم وفي بعض الأحيان أخرج من المكتب منكراً ذلك عليهم ولكن أتحرج بسبب أنه إذا جاء رئيس العمل ولم يجدني على مكتبي فإنه يلومني علماً بأنه لو وجدهم يتحدثون لشاركهم في ذلك دون حياء ولا خجل وهذا قد حصل فماذا أعمل؟
ج: إذا كان هؤلاء الذين يتحدثون حديثاً محرماً لا يمكن إصلاحهم بنصح فإن الواجب عليك أن تخرج من هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى لأن الجلوس مع العصاة مع القدرة على مفارقتهم مشاركة لهم في الأثم كما قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ).
فالواجب عليك إذا لم يحصل تغير في أحوالهم أن تطلب وظيفة أخرى حتى لا تشاركهم في الإثم وإذا علم الله من نيتك أنك تحاول الهروب من هذا المحرم يسر الله لك الأمر لقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)...[ابن عثيمبن]
الواجب تجاه زملاء العمل من الكفار
س1: الكفار الذين يعملون معنا في الشركات من المسيح والهندوس والنصارى ماذا لهم وماذا علينا نحوهم وكيف يمكننا معاملتهم دون الوقوع في المولاة؟
ج: تدعونهم إلى الإسلام وتأمرونهم بالمعروف وتنهونهم عن المنكر وتقابلون برهم بالبر تستميلونهم بالمعروف إلى الإسلام مع بغض ماهم عليه من الكفر والضلال...[اللجنة الدائمة]
س2: حيث أن طبيعة العمل تستدعي الاحتكاك بالعمالة من المسلمين وغير المسلمين ونجد أحياناً في الغرفة الواحدة الكفار مع المسلمين وهذا يتطلب المؤاكلة والمشاربه والاختلاط فنحس من بعضهم أن هذا شيء عادي ولا يهتم به ونلمس من آخرين أن قصدهم بالعشرة الطيبة وإظهار الأخلاق الحسنة جذباً لغير المسلمين إلى الإسلام....فما حكم ذلك؟
ج: لا تجوز موادة الكفار ولا محالطتهم مخالطة تنشأ عنها فتنة, أما مؤاكلتهم ومخالطتهم والإحسان إليهم بما يرغبهم في الإسلام فلا بأس به مع الأمن من الفتنة وعدم المودة...[اللجنة الدائمة]
س3: لدينا في منطقة العمل بعض المسيحين العرب يصادف أن يوجوهوا إلينا الدعوة أحياناً لزيارتهم فهل تجوز زيارتهم وهل يجوز دعونهم لزيارتنا؟(4/161)
ج: إذا كان القصد من زيارتكم لهم في مساكنهم ودعوتكم لهم لزيارتكم دعوتهم إلى دين الإسلام ونصيحتهم فالدعوة إلى الإسلام غاية نبيلة ودعوتهم وزيارتهم في محلهم وسيلة لتحقيق هذه الغاية النبيلة والوسائل لها حكم الغايات...[اللجنة الدائمة]
س4: نكون في المستشفى نحن الممرضين فيكون الاختلاط في بعض أوقات العمل فما نصيحتكم لنا بين هؤلاء الكفار وهل علينا من إثم بترك دعوتهم للإسلام ولا سيما أن الممرضين السعوديين ولله الخمد قد كثروا؟
ج: الواجب على المسلم أن ينتهز الفرصة في كل مكان وفي كل وقت للدعوة إلى الله عز وجل احتساباً للثواب العظيم, حيث قال ص "والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً .خير لك من حمر النعم".
يعني من الأبل وكانت أفضل الأموال عند العرب فإذا وجد فرصة فليدع إلى الإسلام حتى ولو فرض أنه دعا الرجل الكافر إلى بيته وعرض عليه الإسلام واعطاءه أشرطة أو كتيبات فيها الدعوة إلى الإسلام فإن هذا خير...[ابن عثيمبن]
س5: شخص يعمل في وظيفته مع الكفار فبماذا تنصحونه؟
ج: ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار أن يطلب عملاً ليس فيه أحداً من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير دين الإسلام, فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي وأن لم يتيسر فلا حرج عليه لأنه في عمله وهم في عملهم ولكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة وأن يلتزم ما جاد به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا وكذلك أيضاً لا يشيع جنائزهم ولا يحضرها ولا يشهد أعيادهم ولا يهنئهم بها...[ابن عثيمبن]
السلام على الكفار
س1: هل يجوز السلام على الكفار ولو كان ذلك في سبيل دعوتهم للإسلام وكيف نرد عليهم إذا سلموا علينا؟
ج: لا يجوز ابتداء الكفار بالسلام لأن النبي ص نهى عن ابتدائهم بالسلام حيث قال: (لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ) ولكن لا بأس أن قلت: مرحباً أو صباح الخير إذا كنت في الصباح أو مساء الخير إذ كنت في المساء وذلك على سبيل الدعوة وإذا سلموا علينا نرد عليهم بقولنا وعليكم...[ابن عثيمبن]
س2: أعمل في شركة تضم موظفين غير مسلمين وفي كل صباح يحي بعضنا بعضا, لكني سمعت أن تحية غير المسلمين لا تجوز فهل هذا صحيح, وهل هناك فرق بين السلام والتحية المعتادة كصباح الخير أو نحوهما؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يبدأ الكافر بالسلام ولكن إذا بدأه الكافر به فإنه يرد عليه بأن يقول [ وعليكم ] كما أرشد إلى ذلك النبي ص وذلك لأن السلام يبنئ عن المودة والمحبة في القلب ولا يجوز للمسلم أن يحب الكافر لأن الله لا يحب الكافرين ونهى المؤمنين عن محبتهم فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقّ), وكل ألفاظ التحية سواء في التحريم مثل صباح الخير ونحوها لعموم الأدلة ولأن ذلك يدل على المحبة...[الفوزان]
العمل مع الروافض
س1: في الأونة الأخيرة دخل معنا بعض الروافض في العمل ونتعامل معهم في الأكل والشرب والمجالسة والمحالطة ونعلم بنواياهم الخبيثة وكثير من إخواننا هناك يتعاملون معهم بضحك وأخذ وعطاء ومعاملة كثيرة ولا يبدون الكراهية لهم فما حكم هذا يا شيخ؟
ج: الذي أرى أن تحرصوا على أن تتألفوهم للأخذ بالسنة وتقولوا لهم أنتم الآن مدركون أننا أهل السنة فهل أنتم تكرهون السنة أم لا؟ ونحن نوافقكم أن من آل البيت من ظُلم كالحسين بن علي رضي الله عنه ولكن هذا لا يمنعنا من أن نتبع سنة محمد ص, وأن تجادلوهم بهذه الأشياء لكن بدون عنف بإرادة الهداية ولعل الله أن يهديهم, فإذا قالوا مثلاً: الأئمة أئمة الشيعة فيهم كذا وكذا قلنا نعم, وأئمة السنة فيهم الخير والصلاح وجادلوهم بمثل ذلك فلعلهم مع كثرة المجادلة والمناقشة يرجعون للحق فيحصل في هذا خير [لقاء الباب المفتوح] 31 /37
حكم العمل في مصانع المحرمات
س1: ما حكم عمل المسلم المستخدم في مصانع لا يصنع فيها إلا عصير الخمر والمسكرات؟
ج: الخمر وسائر المسكرات محرمة وتأسيس المصانع لها والاستخدام بها كل ذلك حرام فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ص يقول: (أتاني جبريل علية السلام فقال يا محمد أن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إلية وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها) ...فهذا الشخص المستخدم في المصانع التي تصنع فيها الخمور لا يجوز له البقاء فيها لهذا الحديث الذي سبق وهو دال على أنه ملعون ولأن من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ), أما ما مضى من الاستخدام وهو يجهل الحكم فهو معذور في ذلك لعموم قولة تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) والرسول ينزل عليه الوحي من الله ويبلغه الأمة فالعبد لا يكون مكلفاً إلا بعد أن يبلغه كما كلف به...[اللجنة الدائمة]
س2: ما حكم الذي يبع الخمر أو المخدرات وهل نسميه مسلماً أم لا, وما حكم المسلم الذي يعمل في مصنع الخمر وهل يجب عليه ترك عمله إذا لم يجد سواه؟
ج: بيع الخمر وسائر المحرمات من المنكرات العظيمة وهكذا العمل في مصانع الخمر من المحرمات والمنكرات لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ولا شك أن بيع الخمر والمخدرات والدخان من التعاون على الإثم والعدوان وهكذا العمل في مصانع الخمر من الإعانة والعدوان وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ), وصح عن النبي ص أنه لعن الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إلية وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها, وصح عنه أنه قال إيضاً: (وَإِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ) أما حكمه فهو عاص وفاسق بذلك وناقص الإيمان وهو يوم القيامة تحت مشيئة الله أن شاء غفر له وأن شاء عاقبة إذا مات قبل التوبة عند أهل السنة والجماعة لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء), وهذا الحكم إذا لم يستحلها أما أن استحلها فإنه يكفر بذلك ولا يغسل ولا يصلى عليه إذا مات على استحلالها عند جميع العلماء, لأنه بذلك يكون مكذباً بالله عز وجل ولرسوله ص...[ابن باز]
س3: شخص يعمل في مصنع لبيع الدخان فيسأل ما حكم الأجر الذي أتقاضاه مقابل هذا العمل هل هو حلال أم حرام مع العلم أني مخلص في عملي والحمد لله؟
ج: لا يحل لك أن تعمل في هذه الشركة التي تصنع السجائر وذلك لأن صنع السجائر والاتجار بها بيعاً وشراءً محرم والعمل في الشركة التي تصنع إعانة على هذا المحرم وقد قال تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) ...(4/162)
فبقائك في هذه الشركة محرم والأجرة التي تكسبها محرمة أيضاً وعليك أن تتوب إلى الله وتدع العمل في هذه الشركة...[ابن عثيمبن]
الموسيقى العسكرية
س1: يتحرج كثير من الطلبة العسكريين الذين من الله عليهم بالالتزام بسماع الموسيقى, فكيف يتصرفون حيث إنه إجباري أي الموسيقى؟
ج: لا شك أن الموسيقى في الجيش وغير الجيش من البلاء الذي أصيب به الناس اليوم وصارت جزءاً من أعمال بعض الجهات . وهذا لا شك إنه جهل بالشريعة أو تهاون أو تقليد لبعض من أجاز ذلك من أهل العلم, لأن من العلماء من أجاز المعازف بحجة أن حديثها الذي في البخاري فيه إنقطاع كما يزعمون, ومن هؤلاء ابن حزم وبعض العلماء المعاصرين فربما يعتمد بعض الناس على مثل هذه الأقوال الضعيفة ويرى لنفسه حجة في هذا لكننا نرى أن المعازف حرام سوى في الجيش أو في غير الجيش وأنه يجب على المسلمين أن يستغنوا بما أحل الله لهم عماّ حرم الله عليهم وليست الشجاعة ولا الإقدام مبنية على هذا أبداً, الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً هو ذكر الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هذا الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً لكن على كل حال هؤلاء الأخوة الذين يكرهون الموسيقى أو العزف هم مأجورون على كراهيتهم ومثابون عند الله فإن قدروا على إزالتها أو تخفيفها فهذا هو المطلوب وأن لم يقدروا فلا تترك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل هذه المفسدة اليسيرة بالنسبة للمصالح, لأن الإنسان ينبغي له أن يقارن بين المصالح والمفاسد وأهل الخير إذا تركوا مثل هذه الأعمال من أجل هذه المعصية بقيت لأهل الشر وتعرفون خطورة الجيش فيما لو لم يوفق لأناس من أهل الخير ولا أحب أن أعين بضرب الأمثلة لماّ استولى أهل الشر والفساد على الجيوش ووصلوا إلى سدة الحكم ماذا كان, كان من الشر والفساد ما لله به عليم, فأنا أحث أخواني الملتزمين خاصة بأن يلتحقوا بالجيش وأن يستعينوا بالله عز وجل في إصلاح ما أمكنهم إصلاحه وهذه المفسدة أعني مفسدة الموسيقى أو العزف مفسدة لا شك فيها عندي وأن كان فيها اختلاف اشرت إليه قبل قليل, لكني أقول هذه المفسدة تنغمس بجانب المصالح الكبيرة في أن يتولى قيادة أناس أهل دين وصلاح...[ابن عثيمبن]
حكم حلق اللحية للعسكري
س1: ما حكم حلق اللحية في حق العسكري الذي يؤمر بذلك وما حكم من قال في حق المحلوق أنه مخنث؟
ج: حلق اللحية لا يجوز وكذا قصها لقول النبي ص: (قصوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ) وقولة ص: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ) والواجب على المسلم طاعة الرسول في كل شيء قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وأولى الأمر هم الأمراء والعلماء والواجب طاعتهم فيما يأمرون به ما لم يخالف الشرع فإذا خالف الشرع ما أمروا به لم تجب طاعتهم في ذلك الشيء لقول النبي ص: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) وقولة ص: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخالق) وحكومتنا بحمد الله لا تأمر الجندي ولا غيرة بحلق اللحية وإنما يقع ذلك من بعض المسؤولين وغيرهم فلا يجوز أن يطاعوا في ذلك, والواجب أن يخاطبوا بالتي هي أحسن وأن يوضح لهم أن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة غيرهما, أما قول بعض الوعاظ أن حالق لحيته مخنث فهذا كلام قاله بعض العلماء المتقدمين ومعناه المتشبه بالنساء لأن التخنث هو التشبه بالنساء وليس معناه أنه لوطي كما يظنه بعض العامة اليوم والذي ينبغي للواعظ وغيرة أن يتجنب هذه العبارة لأنها موهمة فإن ذكرها فالواجب بيان معناها حتى يتضح للسامعين مراده وحتى لا يقع بينه وبينهم مالا تحمد عقباه ولأن المقصود من الوعظ و التذكير هو إرشاد المستمعين وتوجيههم إلى الخير وليس المقصود تنفيرهم من الحق وإثارة غضبهم...[ابن باز]
س2: إذا أردت أن أعمل بعمل يقتضي مني حلق اللحية فماذا أعمل؟
ج: يقول النبي ص: إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) ويقول ص: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخالق) فعليك أن تتقى الله وأن لا توافق على هذا الشرط, وأبواب الرزق كثيرة بحمد الله وليست مغلقة بل مفتوحة والله سبحانه يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وأي عمل يشترط فيه معصية الله فلا توافق عليه وسواء كان هذا العمل في الجندية أو غير ذلك من الأعمال فاترك ذلك العمل والتمس عملاً آخر أباحه الله عز وجل ولا تتعاون على الإثم والعدوان لأن الله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتقوى) والواجب على ولاة الأمور وعلى جميع المسئولين في الدولة الإسلامية أن يتقوا الله وأن لا يلزموا الناس بما حرم الله عليهم وأن يحكموا بشريعة الله في كل ما يأتونه ويأمرون به لأن الله يقول: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ويقول تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) * ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً), فالواجب طاعة الله ورسوله, وما أشكل من أمور الناس يرد إلى الله ورسوله, فما ذكر الله في كتابه الكريم أو ما في السنة المطهرة عن الرسول ص وجب الأخذ به وتنفيذه, هذا هو الواجب على المسئولين في مسألة اللحى وفي مسألة الربى وفي مسألة الحكم بين الناس وفي جميع الأمور, عليهم أن يحكموا شرع الله وذلك والله هو طريق عزهم وطريق نجاتهم وهو طريق سلامتهم في الدنيا والآخرة ولن يبلغوا العز الكامل ورضاء الله التام إلا بطاعته سبحانه وتعالي واتباع شريعته, نسأل الله لنا ولهم التوفيق لما يرضيه...[ابن باز]
جمعيات الموظفين
س1: جماعة من المدرسين يقومون في نهاية كل شهر بجمع مبلغ من المال من رواتبهم ويعطي لشخص معين منهم وفي الشهر الثاني يعطى لشخص آخر وهكذا حتى يأخذ الجميع نصيبهم وتسمى عند البعض بالجمعية, فما حكم الشرع في ذلك؟
ج: ليس في ذلك بأس وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك لما فيه من المصلحة للجميع بدون مضرة, والله ولي التوفيق...[ابن باز]
س2: أسأل عن مجموعة من الشباب وضعوا لهم جمعية والمراد بهذه الجمعية أن يأخذ أحد أفراد هذه الجمعية رواتب الجميع في شهر أو بعضها ثم يأخذ شخص آخر في الشهر الثاني فما حكم هذه الجمعية؟ وإذا كان عدد أفراد هذه الجمعية أكثر من ثلاثة عشر رجلاً فيكون أحد الأشخاص يدور على راتبه الحول وهو لم يستلمه هل يكون في هذا الراتب الذي حال عليه الحول زكاة أم لا؟(4/163)
ج: هذه الجمعية ليس فيها بأس وهي جائزة ولا إشكال فيها أبداً, يعني يجتمع ناس موظفون يقولون سنعطي واحداً منا ألف ريال كل واحد يعطيه ألف ريال إذا كانوا عشرة سيأخذ الأول كم؟ تسعة الآلف في الشهر الثاني يأخذ الثاني تسعة الآلف وهكذا حتى تدور عليهم جميعاً, هذه ليس فيها بأس إطلاقاً ومن توهم من الناس أن هذا من باب القرض الذي جر نفعاً فهو وهم منه, أين النفع الذي جره, أنا سلفت هذا الرجل ألفاً وأخذت كم: ألفاً أيضاً ما جاءني نفع, يقول أنه يعلم أنه سيوفيه وسوف يأخذ عشرة الآلف نقول نعم, وهو يعلم أن هؤلاء الذين تسلفوا منه سوف يوفونه, وهل الإنسان الذي يسلف شخصاً بشرط أن يوفيه هل هذا قرض جر نفعاً, أبداً على كل حال هي لا بأس بها,
والفقرة الثانية من السؤال: هل يجب الزكاة في الديون التي على إخوانك الذين أقرضتهم؟ الجواب: نعم وذلك لأنهم أغنياء والديون التي على الأغنياء تجب فيها الزكاة, لكن أنت بالخيار إن شئت أخرجت زكاتها مع مالك وإن شئت أخرجت زكاتها بعد قبض الجمعية...[ابن عثيمين]
التبرع خجلاً
س1:تبرعت لمشروع خيري خوفاً وخجلاً من الرئيس المباشر في العمل ولو ترك المجال لي لم أتبرع ولا بنصف قرش فهل لي ثواب كامل على عملي هذا كما لو كنت قد تبرعت لهذا المشروع من حسن خاطري واختياري مع الدليل؟
ج: إذا كان الأمر كما ذكرت فأنت لا تؤجر على هذا المبلغ لأنك لم تقصد به وجه الله وإنما قدمته لوجه صاحبك خوفاً منه وقد ثبت عن رسول الله ص أنه قال: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْه)...[اللجنة الدائمة]
طعام الوظيفة أو الترقية
س1: انتشر بين الناس أنه من نزل بيتاً جديداً أو اشترى سيارةً جديدةً أو توظف أو ترقى في وظيفة أو نحو ذلك فإنه يصنع وليمة فما حكم هذه الوليمة؟
ج: هذه من الولائم المباحة فيجوز للإنسان أن يصنع وليمة عند نزول البيت أو عند نجاحه مثلاً المهم إذا كان له مناسبة فلا بأس به...[ابن عثيمبن]
وشاية موظف ضد زميله
س1: كذب أحد الموظفين على زميلة بالعمل عن طريق الوشاية فألحق به ضرراً فقام المكذوب عليه بنفس الفعلة فالحق بصاحبة ضرراً فما الحكم؟
ج: كل واحداً منهما قد أساء بما فعل وعلى كل وأحد منهما أن يستبيح لصاحبه من مظلمته له وإن لم يحصل على ذلك فالله هو الذي يقضي بين عبادة يوم القيامة مع وجوب المبادرة بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالي من كل واحد منهما...[اللجنة الدائمة]
المحاماة
س1: ما حكم الشريعة الإسلامية في حرفة المحاماة؟
ج: لا أعلم حرجاً في المحاماة, لأنها وكالة في الدعوى والإجابة إذا تحرى المحامي الحق ولم يتعمد الكذب كسائر الوكلاء...[ابن باز]
س2: ما رأي فضيلتكم من اشتغالي بالمحاماة من حيث الترافع أمام المحاكم المدنية للدفاع عن القضايا المدنية والتجارية التي بها شبهة الربا؟
ج: لا شك أن كون الإنسان ينوب عن غيرة في الخصومة لا بأس به ولكن الشأن في نوعية الخصومة:
1. فإذا كانت بحق والنائب إنما يدل بما عنده من حقائق ليس فيها تزوير ولا كذب ولا احتيال وهو ينوب عن صاحب القضية لإبداء ما معه من البينة والبراهين على صدق ادعائه أو دافع به فهذا لا بأس به.
2. أما إذا كانت الخصومة في باطل أو يخاصم النائب أو الوكيل عن مبطل فهذا لا يجوز, فالله جل وعلا يقول لنبيه ص (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً)).
وكلنا يعرف أنه إذا كانت القضية قضية حق ولا يستعمل فيها شيء من الكذب والتزوير فهذا شيء لا بأس به خصوصاً إذا كان صاحب القضية ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو لا يستطيع إقامة الدعوى لحقه, فكونه ينوب من هو أقوى منه جائز في الشرع, والله تعالى يقول: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل), فالنيابة عن الضعيف لاستخراج حقه أو دفع الظلم عنه شيء طيب, إما إذا كان خلاف ذلك بأن كان فيه إعانة لمبطل أو دفاع عن ظلم أو بحجج مزيفة ومزورة والوكيل أو النائب يعلم أو القضية من أصلها باطلة, وكالنيابة في أمر محرم كالربا فهذا لا يجوز, فلا يجوز للمسلم أن يكون نائباً أو وكيلاً في باطل ولا محامياً في المعاملات الربوية لأنه معيناً على أكل الربا فتشمله اللعنة...[الفوزان]
استغلال المسؤول لموظفيه
س1: رجل يعمل في إدارة حكومية فقال له مدير هذه الإدارة أريدك أن تدير أعمالاً تجارية لي وأعفيك من العمل فهل يرضى بذلك أم يستمر على عمله؟
ج: أولاً يجب أن نعلم أن النظام في الدولة أن الموظف لا يعمل بعمل تجاري سواء كان مديراً أو غير مدير, فهذا المدير الذي قال للموظف أعمل في تجارتي نقول أولاً: تجارتك حرام إلا بإذن الحكومة.
سـ: ربما الزراعة أذن له؟
ج: في هذا لا يجوز أن يستعمل هذا الموظف في وقت عمله في زراعته لأن هذا من باب الاختصاص بأعمال الحكومة كما ورد في أول الجلسة فمن استعمل سيارة الحكومة في أعماله الخاصة, فلا يجوز للموظف أن يوافق على هذا التكليف بل يقول: لا أنا أريد أن أعمل في عملي الذي آخذ الراتب من أجله وإذا كان هذا المدير سيعطيه اكثر من الراتب الحكومي فلينفصل عن الراتب الحكومي ويعمل لهذا المدير عملاً خاصاً بأجرة منه...[ابن عثيمبن]
س2: أنني رئيس في إحدى الدوائر ولدي موظفون وسائقون وفي بعض الأحيان استخدم أحدهم في أعمال خاصة بي فهل في هذا شيء علىّ؟
ج: لا يجوز لك أن تستخدم الموظفين والسائقين الذين هم تبع للدائرة الحكومية في مصالحك الخاصة لأن هذا الاستخدام خارج عما خصصوا له من ناحية واستغلال لموظفي الدولة لمصالحك الخاصة وإذا كان عندك عمل خاص فاستأجر له على حسابك الخاص...[الفوزان]
الانتداب
س1: أعمل في إدارة حكومية معينة وجرى انتدابي إلى مدينة معينة لمدة عشرين يوماً وقد أنهيت ما كلفت به خلال سبعة أيام ورجعت إلى عملي في إدارتي وبعد مدة صرف لي بدل انتداب لعشرين يوماً فهل يجوز ذلك المبلغ مع العلم أن إدارتي بمن فيها المدير يعلمون بذلك وهو من صلاحية المدير وإذا كان لا يجوز لي ذلك المبلغ فماذا أعمل به؟
ج: إذا كان العمل الذي انتدبت له كثيراً أو شاقاً لا يمكن الانتهاء منه عادة إلا في عشرين يوماً لكنك حملت نفسك وواصلت الشغل أكثر من المعتاد حتى أنهيت العمل الكثير في هذه المدة فإنك تستحق ما قدر للمدة الكثيرة سيما والإدارة والمسؤولين على علم بذلك كما ذكرت والله ولي التوفيق...[ابن جبرين]
س2: نظراً لمسؤوليتي في عملي فإنه تصرف لي بدلات دون الخروج إلى الأماكن التي أخذ عليها هذه البدلات وقد وافق رئيس المصلحة على ذلك فهل يجوز؟
ج: من أنيط به عمل وأعطي مالاً على مباشرته لم يحل له المال حتى يقوم بذلك العمل كما ينبغي وبالأخص إذا كان تابعاً لمصالح الدولة وهي التي تبذل المال ولو رضي رئيس المصلحة, ولكن في الإمكان تعويض المسئول وكبير القسم عن هذا الانتداب بمكافأة أو ترقية ونحو ذلك...[ابن جبرين]
س3: انتدبت أنا وزميلي إلى إحدى المناطق لمدة أربعة أيام إلا أنني لم أذهب مع زميلي وبقيت على رأس عملي وبعد فترة استلمت ذلك الانتداب فهل يجوز لي استهلاكه أم لا وإذا لا يحل لي أخذه فهل يجوز صرفه في مستلزمات المكتب الذي اعمل فيه؟(4/164)
ج: الواجب عليك رده لأنك لا تستحقه لعدم قيامك بالانتداب فإن لم يتيسر ذلك وجب صرفه في بعض جهات الخير كالصدقة على الفقراء والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية مع التوبة والاستغفار والحذر من العودة إلى مثل ذلك...[ابن باز]
س4: شخص انتدب في مهمة لمدة معينة وقضى أكثرها في هذه المهمة الموكلة له مع بقية زملائه وبقي يوم أو يومان وقال المسئول عن هذه المهمة للمنتدبين هذا اليوم تنتهي المهمة وغداً الذي يرغب المغادرة إلى أهله بإمكانه أن يرجع فهل يصح أن يأخذ قيمة انتداب هذا اليوم أو اليومين الذين لم يجلس فيهما للمهمة؟
ج: لا يجوز أن يأخذ من قيمة الانتداب إلا بمقدار الأيام التي كان يعمل فيها أما الأيام التي تركها ورجع إلى اهله فلا يجوز له أن يأخذ عنها شيئاً لأنه في غير مقابل وإذن المسؤول له بالرجوع إلى أهله لا يسوغ له الأخذ عن الأيام التي تركها لأنه لما رجع انقطع انتدابه, نعم يعتبر يوم الذهاب ويوم الرجوع إذا كان المكان بعيداً...[الفوزان]
س5: إذا انتدب الموظف لمدة خمسة أيام وأنهى العمل خلال ثلاثة أو أربعة أيام فهل يحق له أن يأخذ الزيادة مع العلم أن النظام يجيز ذلك؟
ج: من انتدب للقيام بعمل خلال خمسة أيام ثم أنهاه في أقل من ذلك فلا بأس بذلك ما لم يكن في اختصار الوقت إخلال بالعمل ويجب أن تكون مدة الانتداب بقدر العمل...[الفوزان]
الإجازة المرضية والاضطرارية
س1: هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداًً من الناس إجازة مرضية وخاصة للموظفين عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض إجازة مرضية أكثر مما يستحق؟
ج: في الصحيين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي ص قال: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ) ولاشك أن الطبيب إذا أعطى شخصاً إجازة مرضية وهو ليس بمريض لا شك أنه قال الزور وشهد شهادة الزور وأنه آثم وأتى كبيرة من أكبر الكبائر وكذلك الذي أخذ الإجازة آثم وكاذب على الجهات المسئولة وآكل المال بالباطل فإن الراتب الذي يقابل هذه الإجازة آخذه بغير حق وكذلك إذا أعطاه أكثر مما يحتاج مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام إجازة مرضية ويعطيه أربعاً فإن هذا حرام من أكبر الكبائر...[اللقاء الشهري 7/37]
س2: ما هي نصيحتكم للمشتغلين بهذه الهواية اعني هواية الصيد خصوصاً أن بعضهم يترك أهله واولاده بل بعضهم قد يطلب إجازة من اجل ممارسة هذه الهواية؟
ج: نصيحتي للمشتغلين بالصيد أن يتقوا الله عز وجل حال اصطيادهم وأن يحافظوا على ما أوجب الله عليهم من الطهارة والصلاة وأن يتجنبوا إيذاء المسلمين بانتهاك حرمات مزارعهم وغير ذلك وأن لا يدعوا أهلهم واولادهم مدة يخشى عليهم الضياع فيها.
وأما قول السائل: أن بعضهم قد يطلب إجازة من أجل ممارسة هذه الهواية فهذا حرام بلا شك لأنه يؤدي إلى ترك العمل الواجب الوظيفي لشيء ليس بواجب, بل ولا مطلوب ولا مستحب فنسأل الله لإخواننا الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه...[ابن عثيمبن]
الهدية
س1: قبل اثنتي عشر سنة كنت مندوب مشتريات لإحدى الدوائر الحكومية وكنت أذهب إلى الوكالة لتأمين السيارات ويتم الشراء بأمر مكتوب فقط وبموجب التسعيرة الرسمية وصاحب الوكالة يعطي أي مندوب سواء أنا أو غيري ألف ريال مكافأة لمن جاء بأمر شراء مع أن الدولة تصرف انتداباً وهذا المبلغ المعطى لي ولغيري لا ينقص من شروط مواصفات السيارات وهي جديدة شيئاً وقد دخل علىّ من ذلك في حدود 27_ 30 ألف ريال وكنت محتاجاً إليها ولكني أخيراً أصبحت أفكر هل هي حلال أم حرام, مع أنني لم أقصر في واجبي مقابل ذلك المبلغ وتعودت الوكالة دفعه إلى أي مندوب يصل إليها ...افتوني عن حكم ذلك؟
ج: إذا كان الإنسان عاملاً للدولة في أي عمل عند جهة أخرى كشركة أو غيرها فإنه لا يحل له أن يأخذ شيئاً من تلك الجهة التي يعمل عندها ودليل ذلك النبي ص استعمل رجلاً يقال له عبد الله بن اللتبية على الصدقة فلما جاء بها قال للنبي ص "هذا لكم وهذا اهدي إلى" فقام النبي ص وخطب في الناس وعظم الأمر وقال: "ما بال الرجل نستعمله على العمل فيرجع فيقول هذا لكم وهذا اهدي إلى فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ينتظر أيهدى إليه أم لا" ومعلوم أن هذه الهدايا التي تهدى لهؤلاء الذين يعملون للدولة لا ريب أنها ليست من أجل قرابة ولا صداقة أو صلة ولكن من أجل أنه كان عاملاً في هذا الحقل الذي عينته الحكومة والغالب أن الإنسان إذا أهدي إليه شيء يكون معصراً فيما يجب عليه لأن هذه الهدية سوف ترغمه على التعاطف مع المهدي الذي أهدى إليه الهدية ثم إن هذه الهدية تكون محلاً للشك فيه من قبل الناس من جهة أمانته ثم أنه لو قدر أنه سلم واتى بالشيء على وجهه فإنه لا بد مع كثرة الهدايا أن تتغير وجهة نظره ولهذا أقول يجب على هذا الشخص أخذ هذه الدراهم أن كان يعرف أصحابها أن يردها إليهم أو أن يردها في بيت المال ولعل ردها في بيت المال احسن من أجل أن يكون نكاية للذين أعطوه وأسلم له من الوقوع في الحرج...[ابن عثيمبن]
س2: تقوم بعض شركات الأدوية بتقديم عينات من الأدوية والأقلام والمذكرات التي تحمل دعاية لشركات الأدوية، فتقوم بتقديم العينات وهذه الأدوية إلى الأطباء والصيادلة فهل يجوز قبولها أم لا؟
ج: لا بأس ما لم يكن ذلك من باب الرشوة وإن كان من باب الرشوة فلا, وأما إن كان من باب الدعوة لها وهي مؤسسة جائزة ليس فيها حرام فلا بأس...[ابن عثيمبن]
س3: هل من يتقرب لمديرة بالكلمة الطيبة والهدية القيمة ويظهر الاحترام له وهو لا يرغب فيه ويتمنى لو يستبدل بغيرة, فهل هذا من النفاق علماً أن المدير يتصف بالصفات الحميدة؟
ج: الواجب عليه أن ينصحه لله ويدعو له في ظاهر الغيب أن يهديه الله ويوفقه ويترك عنه الهدية في هذا الموضع فقد تكون رشوة، ولكن عليه بالنصح والدعاء له في سجوده وآخر صلاته بأن يوفقه الله ويعينه على أداء الأمانة، فالمؤمن مرآة أخيه وإياك والنفاق والرشوة وأما الكلام الطيب فمطلوب مثل السلام عليكم, كيف حالك, كيف اهلك وغير ذلك...[ابن باز]
س4: ما حكم من يسلم أشياء ثمينة بدعوة أنها هدية لمن يرأسه في العمل؟(4/165)
ج: هذا خطأ ووسيلة لشر كثير والواجب على الرئيس أن لا يقبل الهدايا فقد تكون رشوة ووسيلة إلى المراهنة والخيانة إلا إذا أخذها للمستشفى لا لنفسه ويخبر صاحبها بذلك فيقول له هذه لمصلحة المستشفى لا آخذها أنا والأحوط ردها ولا يقبلها له ولا للمستشفى لأن ذلك قد يجره إلى أخذها لنفسه وقد يساء به الظن وقد يكون للمهدي بسببها جرأة عليه ونطلع لمعاملته أحسن من معاملة غيرة لأن النبي ص لما بعث بعض الناس لجمع الزكاة قال هذا لكم وهذا لي فأنكر عليه الرسول ص ذلك فقام النبي ص وخطب في الناس وعظم الأمر وقال: "ما بال الرجل نستعمله على العمل فيرجع فيقول هذا لكم وهذا اهدي إلى فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ينتظر أيهدى إليه أم لا" وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الموظف في أي عمل من أعمال الدولة أن يؤدي ما وكل إليه وليس له أن يأخذ هدايا فيما يتعلق بعمله وإذا أخذها فليضعها في بيت المال ولا يجوز له أخذها لنفسه لهذا الحديث ولأنها وسيلة للشر والإخلال بالأمانة ولا حول ولا قوة إلا بالله...[ابن باز]
س4: ما حكم إهداء الموظف هدية للمدير و ما حكم الهدايا المتبادلة بين الموظفين؟
ج: لا تجوز الهدايا للموظفين لا من موظفين مثلهم ولا من غيرهم لأنها رشوة وقد لعن النبي ص الراشي والمرتشي, والرشوة سحت وكسب خبيث ودفعها وقبولها كبيرتان من كبائر الذنوب, لأنها تفسد المجتمع وتعطل الأعمال وتفتح باب التلاعب في الأداء الوظيفي...[الفوزان]
استعمال أملاك الدولة للأمور الخاصة
س1: هل الذي يأخذ شيئاً من العمل يأثم مثل ظرف أو يصور أوراقاً؟
ج: لا يجوز للموظف أن يستخدم شيئاً من أدوات المكتب لأعماله الخاصة ولا يأخذ شيئاً من ممتلكات المكتب من الأوراق والأقلام وغيرها لأن هذا يعتبر من الخيانة ومن الأخذ بغير حق...[الفوزان]
س2: ما حكم استعمال بعض الأغراض الحكومية الصغيرة بالمكتب استعمالاً شخصياً كالقلم والظرف والمسطرة ونحو ذلك للموظف جزاكم الله خيراً؟
ج: استعمال الأدوات الحكومية التي تكون في المكاتب لأعمال خاصة حرام لأن ذلك مخالف للأمانة التي أوجب الله المحافظة عليها إلا بالشيء الذي لا يضر كاستعمال المسطرة فهو لا يؤثر ولا يضر أما استعمال القلم والأوراق وآلة الكتابة وآلة التصوير فإن استعمالها للأغراض الخاصة فهي حكومية لا يجوز...[ابن عثيمبن]
س3: ما حكم استخدام سيارات الدولة للأغراض الشخصية؟
ج: استخدام سيارات الدولة وغيرها من الأدوات التابعة للدولة كآلة التصوير وآلة الطباعة وغيرها لا يجوز للأغراض الشخصية الخاصة وذلك لأن هذه للمصالح العامة, فإذا استعملها الإنسان في حاجته الخاصة فإنه جناية على عموم الناس لأنها تختص بالشيء من دونه والشيء العام للمسلمين عموماً لا يجوز لأحد أن يختص به ودليل أن النبي ص حرم الغلول أي يختص الإنسان بشيء من الغنيمة لنفسه لأن هذا عام والواجب على من رأي شخصياً يستعمل أدوات الحكومة في أغراضه الخاصة أن ينصحه ويبن له أن هذا حرام, فإن هداه الله عز وجل فهذا هو المطلوب وإن كانت الأخرى فليغير عنه لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى وقد ثبت عن النبي ص أنه قال: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا, َقَالوا: ٌَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هذا المظلوم فكيف الظالم؟ قال: تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَذلك نصرك إياه َّفذَلِكَ نَصْرُهُ)
س: وإذا كان رئيسه راض بهذا فهل هناك حرج؟
ج: ولو رضي الرئيس بهذا, الرئيس لا يملك هذا الشيء هو نفسه لا يملك هذا الشيء فكيف يملك إذنه لغيرة فيها...[ابن عثيمبن]
س3: ما حكم استعمال سيارات الدولة؟
ج: استعمال السيارات الحكومية في الدوام الرسمي أو خارج الدوام الرسمي إذا لم يكن لمصلحة العمل فإنه لا يجوز لأحد استعمالها في شغله الخاص والمشكل أن بعض الناس يتهاون في أموال الدولة مدعياً أن له حق في بيت المال, ونقول إذا كان لك حق في بيت المال فكل فرد من الناس له حق في بيت المال أيضاً, فلماذا تخص به نفسك وتستعمله لنفسك أليس لو جاء أحد من الناس الذين قد يكونون أحق من هذا الرجل وأراد أن يستعمل هذه السيارة في أغراضه الخاصة يمنع فكذلك هذا الرجل, وإذا كان الإنسان محتاجاً للسيارة فليشتري سيارة من ماله الخاص...[ابن عثيمبن]
س4: هل يجوز للمسلم الموظف في دائرة حكومية أن يستخدم سيارة العمل علماً أن لدية سيارة يملكها؟
ج: الموظف عند الدولة يعتبر كالعامل بأجرة فهو مؤتمن على ذلك العمل الذي نيط به وفوض إليه, ومؤتمن على ما أعطيه من الأدوات والآلات التي يتم بها العمل الذي فوض إليه فلا يستعمل شيئاً منها إلا في العمل الحكومي أو ما يتعلق به فلا يركب السيارة المذكورة في حاجاته الشخصية ولا يستخدم الهاتف ونحوه في مصلحة خاصة وكذا الدفاتر والأوراق والأقلام ونحوه فالتورع عنها وعدم استعمالها لنفسه من تمام الأمانة وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ), والله أعلم...[ابن جبرين]
س5: أعرف قريباً لي يعمل بأحد أقسام السنترال ويحّول لي بعض المكالمات الدولية دون علم أصحابها بالمجان, فهل علىّ في هذا العمل شيء رغم أن أصحاب الهاتف ناس مقتدرون؟
ج: هذا العمل لا يجوز إلا بإذنهم وهو خيانة من قريبك نسأل الله لنا ولكم الهداية...[ابن باز]
الكسب الحرام
س1: إذا كان من حقوق الموظف عند تعيينه بدل ترحيل عائلته من بلدته إلى مقر عمله ولم يرحل عائلته حقيقة بل زيف سندات واستلم المبلغ فهل ذلك جائز أم لا؟
ج: هذا العمل لا يجوز في الشرع المطهر لأنه إكساب للمال من طريق الكذب والتدليس وما كان بهذه المعابه فهو محرم يجب إنكاره والتحذير منه, رزق الله الجميع العافية من ذلك...[ابن باز]
س2: أعطيت مبلغاً من المال بصفه انتداب علماً بأنني لم أذهب خارج عملي والانتداب عادة لا يصرف إلا لمن يغادر في مهمة خارج البلاد فماذا أفعل بهذا المال وهل يمكن وضعه في مسجد يراد بناؤه أم لا؟
ج: أنا أرى في مثل هذه المسائل أنه إذا أعطى الإنسان انتداباً وهو لم ينتدب أرى أن يبلغ المسئول الذي يرأس رئيسه ويقول أنه أعطاني انتداباً دون أن ينتدبني من أجل أن يتبين للمسئول الكبير خيانة المسئول الثاني حتى يجري معه ما يجب اجراؤه على الخونة, لأن المديرين أيضاً ومن دون المديرين ومن فوقهم إذا كانوا يعُودُون الناس على مثل هذه الحيل التي تفسد المجتمع والأمانة ويحل بنا البلاء, فالذي أرى أن الطريق السليم أن يبلغ عن هذا المدير المباشر من فوقه ويعيد الدراهم للدولة وليسلم من شرها, وهذا من البلاء الذي حل بالبعض وهي المحاباة في أكل مال الدولة بغير حق, فما الذي يُحل لك أن تأخذ مالاً من مال الدولة وأنت لم تقم بهذا العمل ثم كيف يحل لهذا المسئول أن يفعل ذلك .
وقد قيل لي أننا نفعل هذا لأن الرجل المنتدب ينتج وليس عندنا بنود للمكافأة فنتحايل على ذلك بأن نعطيه انتداباً دون أن يذهب فهذه الملاحظة غير صحيحه لأن من ينتج ويقوم بعمله يكون قد حلل مشربه ومأكله وجزاه الله خيراً, وإذا كان يقوم بأكثر مما كلف به فلا حرج وأن يكتب له شكر وتقديم له ورقه شرف تبقى معه أو يكتب للمسئول الأعلى وتطلب مكافأة له لعمله اكثر مما يجب عليه, أما نخدع الرجل وأنفسنا ودولتنا فهذا ليس بجائز...[ابن عثيمبن](4/166)
س3: أنا موظف أعمل في إحدى الدوائر الحكومية وأحياناً يصرف لنا بدل خارج وقت الدوام من إدارتنا بدون تكليفنا بالعمل خارج وقت الدوام وبدون حضورنا للإدارة ويعتبرونه مكافأة للموظفين بين الحين والآخر مع العلم أن رئيس الإدارة يعلم عنه ويقره افيدونا جزاكم الله خيراً, هل يجوز اخذ هذا المال؟ وإذا كان لا يجوز فكيف أعمل فيما استلمته من أموال في السابق مع العلم أني قد تصرفت فيها جزاكم الله خيراً؟
ج: إذا كان الواقع ما ذكرت فذلك منكر لا يجوز بل هو من الخيانة, والواجب رد ما قبضت من هذا السبيل إلى خزنته الدولة, فإن لم تستطع فعليك الصدقة به في فقراء المسلمين وفي المشاريع الخيرية مع التوبة إلى الله سبحانه والعزم الصادق ألا تعود في ذلك لأنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين إلا بالطرق الشرعية التي تعلمها الدولة وتقرها والله ولي التوفيق...[ابن باز]
س 4: إحدى الشركات يبقى من ميزانيتها مبالغ كبيرة تصرفها للعاملين لديها على أنها مكافأة عمل خارج وقت الدوام الرسمي ويوقع الموظفون على ذلك ويستلمونها بالتناوب كل سنة وهم لم يعملوا خارج الدوام فهل يجوز أخذ هذه الأموال؟
ج: على المسؤولين في هذه الإدارة ألا يتلاعبوا بهذه الأموال وأن يردوا ما فضل منها إلى الخزينة وذلك لأنها صرفت لجهات فإذا لم تستغرقها تلك الجهات, فلا يجوز لهم أن يعطوها لمن لم يعمل بل عليهم أن يردوها ولو لم تخرج لهم في السنة القادمة أو في السنوات الأخرى وذلك لأنهم مؤتمنون عليها, والمؤتمن عليه أن يؤدي أمانته التي أؤتمن عليها, وإذا احتاجوا إلى خارج دوام ضروري عملوا بذلك وصرفوا قدر ما يستحقون وأما الموظفون فإذا عملت تلك الدائرة بهذا التنظيم, وصرف لهم فلهم أخذه عملاً بما ورد في الحديث من قولة ص: لعمر رضي الله عنه:(ما اتاك مِنْ هَذَا الْمَالِ ٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ)...[ابن جبرين]
س4: رجل يدّرس بالمدرسة أو الجامعة أو في أي مجال من مجالات التعليم وقد توظف في وظيفة لا يعمل بها شيئاً إلا أنه يأتي ليتسلم الراتب فقط, وأحياناً يكلّف بعمل ما, وأحياناً لا يكلف وهو الغالب فما حكم وظيفة هذه؟
ج: هذا الشخص لا يستحق راتبه إلا إذا قام بالعمل وعلى هذا فإذا توظف وظيفة وذهب يدرس ثم صار لا يأتي للعمل إلا إذا تم الشهر جاء يأخذ راتبه فلا أرى أن ذلك جائز لأنه أخذ هذا المال بغير حق وإذا كان يعمل فترة يسيرة في الشهر فإنه يأخذ من الراتب بقدر ما عمل...[ابن عثيمبن]
س5: كنت مدرساً في مدرسة فيها بدل نائي 6% ولكن التحقت بالكلية المتوسطة ولا زلت آخذ مرتبي وعليه بدل النائي علماً بأنني لم أعد في المدرسة النائية, بل في الكلية المتوسطة فهل يجوز لي أن أستلم بدل النائي؟
ج: لا يحل لك إلاّ أخذ راتب الكلية المتوسطة التي التحقت بها أخيراً ولا يجوز لك البقاء على تسليم راتب المدرسة المذكورة التي تحولت عنها لأن الراتب إنما هو في مقابلة العمل الذي تؤديه وما لم يكن في مقابلة عمل فإنه أخذ بغير حق...[الفوزان]
إتقان العمل
س1: إذا كان الإنسان لدية معاملة يدرسها ثم أخلص في دراستها وأبدى رأيه الصحيح ثم من له الصلاحية خالف ذلك أي خالف الدراسة الحقيقة فأمر بحفظها أو تغيير تلك الدراسة هل تبرأ ذمته أم لا؟
ج: إذا وكل للإنسان دراسة قضية فالواجب عليه أولاً تقوى الله سبحانه وتعالي وأن يعلم أنه كما كان الآن محكماً في هذه القضية فسيقف أمام حكم عدل الله – جل جلاله – فليتق الله في نفسه في هذه القضية, ثم إذا تبين له حكم في هذه القضية وجب عليه أن ينفذه إن كان موكولاً إليه النظر والتنفيذ, وأن كان موكولاً له النظر فقط, وإبداء الرأي فعلية أن يبدى رأيه في هذا والإثم على من ينفذ إذا خالف الحق...[ابن عثيمبن]
س2: يوجد في العمل الذي أعمل به أناس يفرقون في عملهم ونصحتهم لكنهم جاهلون لذلك الفعل ماذا أعمل وهل يجوز ذلك؟
ج: يظهر أن المراد بالتفريق في العمل كونهم يقدمون شخصاً على شخص وهذا فيه ظلم وجور لوجوب التسوية بين المراجعين وأهل الأعمال بحسب الأولية, فإن كان المراد بالتفريق كونهم يخلصون إذا كان هناك من يراقبهم أو ينظر إليهم فإذا انفردوا تكاسلوا وتساهلوا فهذا أيضاً حرام وخيانة في الأعمال التي تسند إلى الإنسان ويكون مأموناً عليها والواجب تكرار نصحهم ثم إن ينتهوا رفع أمرهم إلى رؤسائهم براءة للذمة ...والله الموفق...[ابن جبرين]
س3: أعمل في عيادة خارجية في أحد المستشفيات وعددنا أربع طبيبات ونتقاسم وقت العمل في بعض الأحيان عندما لا يكون هناك ضغط أو كثرة مراجعين, ولذلك فإننا لا نعمل كل الساعات المطلوبة مناّ في اليوم الواحد, ورئيس القسم المباشر موافق على ذلك, فهل في هذا الأمر أي حرمة مع العلم أن جميع المرضي يتلقون العلاج والعيادة تعمل طوال الساعات المطلوبة ولكن بنصف العدد؟
ج: إذا كانت العيادة الخارجية ليست تبعاً للدولة فإن المسؤول عنها إذا رخص لبعض الطبيبات بترك العمل فالأمر إليه، وأما إذا كان المستشفى تبعاً للحكومة فإنه لا يجوز التخلف عن العمل إلا حيث يجيزه النظام لأن الذي عند الحكومة ملزم بمقتضى النظام, وقد قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)...[ابن عثيمبن]
س4: في المكتب لدينا هناك من يشغلنا من الزملاء الموظفين بأمور خارجة عن اختصاصات العمل وننصرف عن عملنا إلى كلام خارجي وحديث طويل لا علاقة له بالعمل ولا بمصالح الناس, والمشكلة أن المتحدث يستمر في حديثه دائماً ليعطل العمل ويشغله بالكلام ويقول أن ذلك مفيد للمسلمين, وينسى أنه يترتب عليه تعطيل المصالح وترك الدوام الواجب فما حكم ذلك؟
ج: الواجب على من وكل إليه القيام بعمل وظيفي أو غيره من الأعمال المفيدة أو التي تتعلق بحاجات المجتمع أن ينصرف إلى أداء ذلك العمل على الوجه المطلوب وأن يفرغ نفسه ووقته لذلك, لأنه أمانة في عنقه ويتقاضى عليه راتباً لا يرضى أن ينقص منه شيء فكيف يرضى أن ينقص في عمله, والذي يريد أن يشغل الناس عن أداء مهامهم الوظيفية يجب أن يناصح بترك ذلك, فإن أصر وجب الرفع بشأنه إلى مديرة المسؤول عنه ليكلفه عن ذلك, ولا يجوز السكوت على فعله, وإذا كان قصده أن يفيد المسلمين كما يقول وعنده الأهلية لذلك فليفدهم خارج وقت العمل...[الفوزان]
المحافظة على الحضور والانصراف المحافظة على الدوام
س1: النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعةأو يخرج من الدوام أيضاً نصف ساعة واحياناً يتأخر ساعة أو اكثر فما أدري ماهو هذا الشيء؟
ج: الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض فكما أن الموظف لا يرضى أن تنتقص الدولة من راتبه شيئاً فكذلك يجب الاّ ينتقص من حق الدولة شيئاً, فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي ولا أن يتقدم قبل إنتهائه.
س: ولكن البعض يتحجج أنه ما في عمل أصلاً لأن العمل قليل؟
ج: المهم أنت مربوط بزمناً لا بعمل يعني قيل لك هذا الراتب على أن تحضر من كذا ‘ال كذا سواء في عمل أم لم يكن في عمل, فما دامت المكافأة مربوطة بزمن فلا بد أن يستوفي هذا الزمن يعني أن يوفى هذا الزمن, لا بد أن يوفى هذا الزمن وإلا كان أكلنا لما لم نحضر فيه باطلاً...[ابن عثيمبن]
س2: يعض الموظفين يترك دوامه فيخرج قبل انتهاء الدوام أو اثناء الدوام ويعود أو يتأخر عن موعد الدوام فما حكم ذلك؟(4/167)
ج: لا يحل لموظف أن يخرج قبل انتهاء الدوام ولا أن يتأخر عن بدء الدوام ولا أن يخرج في اثناء الدوام, لأن هذا الدوام ملك للدولة يأخذ عليه مقابلاً من بيت المال, لكن ما جرت به العادة إذا دعت الحاجة إلى الخروج في اثناء الدوام واستأذن رئيسه او مديره ولم يتعطل العمل بخروجه فأرجوا أن لا يكون في ذلك بأس...[ابن عثيمبن]
س3: كنت موظفاً في إمارة إحدى القرى التي تبعد عن منزلي حوالي 75كم طريق صحرواحي وعر, وعندما كنت أتردد لحقتني مشقة فقلت لأمير المنطقة إئذن لي أداوم يومين في الأسبوع وكان في بعض الأيام يأذن لي وبعضها لا يأذن ومضى على ذلك عامان فما حكم الأيام التي كنت أتغيب فيها من غير إذن من أمير المنطقة؟
ج: الأيام التي تغيبت فيها عن عملك بدون إذن لا يحل لك أن تأخذ ما يقابلها من الراتب في مقابل عمل: فإذا أتممت العمل إستحققت الراتب كاملاً, وأن نقصت لم تستحقه كاملاً، وإذا كنت الآن أخذت الراتب كاملاً بدون خصم فالواجب عليك أن ترده إلى من أخذته منه أن أمكن، وأن كنت تخشى من المسئولية والتعب فتصدق به تخلصاً منه أو أدخله في عمارة مسجد أو في إصلاح طريق لتسليم من إثمه.
س4: واستأذنت من نفس المسئول فما الحكم؟
ج: إذا استأذنت منه أي من المسئول المباشر عندك وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن، يجب أن تحضر ولو أذن لك بالغياب، وأما إذا كان العمل لا يحتاج وأذن لك صاحبه المباشر فأرجوا ألا يكون في ذلك بأس إلا إذا كان النظام لا يبيحه أن يأذن لك...[ابن عثيمبن]
س5: بعض الموظفين الذين تقل مراجعتهم من قبل الموظفين يخرجون ظهراً قبل نهاية الدوام لتناول طعام الغذاء مع زوجاتهم ثم يعودون ويبقون في مكاتبهم حتى نهاية الدوام ..هل هذا الفعل جائز وما نصيحتكم لهم؟
ج: الموظف يجب عليه الحضور في مكان العمل من بداية وقت الدوام إلى نهاية ولا يجوز له الخروج إلى بيته أو أعماله الخاصة في وقت الدوام بل يجب عليه البقاء في مكان العمل ولو كان المراجعون قليلين لأن وقت الدوام ملك للعمل وليس ملكاً له, لأنه قد اشتري منه هذا الوقت بالراتب الذي يستلمه, فلا يجوز له أن يبخس شيئاً من الوقت لمصالحه الخاصه إلا بعذر يقره النظام الوظيفي...[الفوزان]
س6: هل يجوز للعامل أن يخرج وقت دوامه بصفة دورية بحجة أنه لا يوجد عمل يؤديه, برغم أن راتبه كبير نسبة للعمل القليل الذي يؤدية؟
ج: لا يخرج الموظف من مقر عمله حتى ينتهي وقت الدوام ولو كان فارغاً وسواء كان راتبه كثيراً أو قليلاً, لكن إن عرض له عارض وحدث له أمر بضطره إلى الخروج كمرض أو شغل ضروري لا يجد من الخروج له بداً فله ذلك ثم يرجع بعد انتهائه من شغله وذلك لأن وقته مملوك عليه للدولة أو للشركة التي يعمل فيها إلا أن كان عمله ميداناً محدداً فله أن ينهى ذلك العمل المحدد ثم يذهب حيث يشاء والله أعلم...[ابن جبرين]
س: 7بعض الموظفين يتهرب من العمل لوجود مصالح أخرى لدية شخصية غبر الوظفية فيستأذن من رئيسه ويختلق الأعذار التي غالباً ما تكون مقنعة فإذا كان رئيسه يعلم بعدم صحتها فهل يأثم على موافقه الأذن للموظف؟
ج: لا يجوز لرئيس الدائرة أو مديرها أو من يقوم مقامهما أن يوافق على شيء يعتقد عدم صحته بل عليه أن يتحرى أن هناك ضرورة في الاستئذان لحاجة ماسة والإستذان لا يضر العمل فلا بأس به أما الاعذار التي يعرف أنها باطلة أو يغلب على ظنه أنها باطلة فإن على رئيسة أن لا ياذن له ولا يوافق عليه لأن ذلك خيانة للأمانة وعدم نصح لمن إتمنمه وللمسلمين, يقول ص "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" وهذا أمانة والله سبحانه وتعالي يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا), ويقول سبحانه في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)...[ابن باز]
متفرقات
س1: ما حكم تذنيب الخطابات والعرائض بكلمة ودمتم؟
ج: يكون ذلك لأن الدوام لله سبحانه وتعالى والمخلوق لا يدوم...[اللجنة الدائمة]
س2: هل يجوز أن أقول للضابط في الشرطة أو القوات المسلحة: حاضر يا سيدي؟
ج: يجوز أن تقول له: حاضر ولا يجوز أن تقول له: يا سيدي لقول النبي ص لما قال له بعض أنت سيدنا قال: "السيد الله تبارك وتعالى"...[اللجنة الدائمة]
س3: ما حكم وضع الأوراق التي فيها أسماء الله أو صفة من صفاته في سلة المهملات أو في برميل الزبالة؟ علماً بأن أكثر من وقع في هذا العاملين في الإدارات والمؤسسات الحكومية [ المكاتب ]؟
ج: يجب احترام أسماء الله تعالى وصفاته ومن احترامها رفعها عن الامتهان إذا وجدت في الصحف والأوراق العادية والمعاملات, فلا يجوز إلقائها على الأرض تحت الأحذية ولا إلقائها مع الزبالات في سلة المهملات حيث إنها تلقى في القمامات ويستهان بها, بل يلزم إتلافها وإحراقها وعلى الكتّاب أن يحضروا عندهم آلات الإتلاف التي تمزقها قطعاً صغيرة كما هو معتاد والله اعلم...[ابن جبرين]
س4: تقع تحت يدي بحكم عملي أوراق ومعاملات يذكر فيها اسم الله ما الواجب اتباعه نحو ذلك الأوراق؟
ج: هذه الأوراق التي فيها ذكر الله يجب الاحتفاظ بها وصيانتها عن الابتذال والامتهان حتى يفرغ منها, فإذا فرغ ولم يبق لها حاجة وجب دفنها في محل طاهر أو إحراقها أو حفظها في محل يصونها عن الابتذال كالدواليب الرفوف ونحو ذلك...[ابن باز]
س5: هل يجوز تعليق بعض الآيات القرآنية في المكاتب وهل صحيح أن حكمها حكم الصور المعلقة؟
ج: تعليق الصور لا يجوز أما تعليق الآيات والأحاديث في المكاتب للتذكير فلا نعلم بأساً بذلك والله ولي التوفيق...[ابن باز]
س6: ما حكم تعليق الصور؟
ج: لا يجوز تعليق الصور في الجدران ولا في المكاتب ولا غيرها مطلقاً بل الواجب طمسها لقول النبي ص لعلي: "لا تدع صورة إلا طمستها" ولأن تعليقها يفضي لتعظيمها وعبادتها من دون الله إذا كانت من صور المعظمين كالملوك والزعماء وإن كانت من صور النساء فتعليقها من أسباب الفتنة بها...[ابن باز]
س7: هناك من يقول أن تعليق السور القرآنية أو الآيات على الحائط حرام مع العلم أن هذه الآيات أو السور لم توضع إلا لفضائلها مثل يس وآية الكرسي وغيرها, نأمل من سماحتكم بيان حكم ذلك, جزاكم الله خيراً؟
ج: تعليق الآيات أو السور على الجدران في المكتب أو المجلس للتذكير والعظة لا بأس بذلك على الصحيح ولقد كره بعض علماء العصر وغيرهم تعليقاً ولكن لا حرج فيه إذا كان ذلك للتذكير والعظة وكان المكان محترماً كالمجلس والمكتب ونحو ذلك أو يعلق حديثاً عن النبي ص كل ذلك فيه مواعظ وذكرى, أما إذا كان القصد غير ذلك كأن يعتقد أنها تحفظه من الجن أو العين أو هكذا فلا يجوز بهذا القصد وهذا الاعتقاد لأن هذا لم يرد في الشرع وليس له اصل يعتمد عليه والله ولي التوفيق...[ابن باز]
س8: اصدر أولو الأمر قراراً حكيماً يمنع التدخين في المؤسسات الحكومية وبعض المسؤولين ملتزمون بهذا القرار وحريصون على تنفيذه وبعض آخر ليس ملتزماً ...فهل هؤلاء الذين لم يلتزموا به يعتبرون في عداد الخائنين للأمانة التي اسندها لهم ولي الأمر؟
ج: هؤلاء الذين لم يمتثلوا الأمر يعتبرون قد خانوا الأمانة وارتكبوا معصيتين:(4/168)
أحدهما: تعاطي التدخين وهو محرم ومنكر لما فيه من المضار العظيمة والإسكار في بعض الأحيان .
والثانية: عصيانهم لولي الأمر فيما أمرهم به من ترك هذه المعصية ومنع الموظفين منها وقد قال الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ), وقال النبي ص: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ الأمِيرِ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى الأَمِيرِ فَقَدْ عَصَانِي" والمراد بذلك طاعة الأمير في المعروف لقول النبي ص "إنما الطاعة بالمعروف" وبالله التوفيق...[ابن باز]
س9: هل يجب على من تولى أمراً من الأمور ومعه موظفون تحت سلطته أن يأمر المقصر منهم في الصلاة بأدائها وهكذا غيرها من أمور الشرع وهل يدخل ذلك في حديث "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؟
ج: يلزم كل مسؤول أن يأمر من تحت يده من الموظفين بما أوجب الله عليهم كأداء الصلاة في الجماعة وأداء الأمانة في الوظيفة وترك ما حرم الله عليهم من الغش والخيانة وإيذاء المراجعين وظلمهم وغير ذلك وهو داخل في قولة ص: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"...[ابن باز
=============
إلقاء الضوء على حكم التعامل مع شركة ( بزناس ) ومثيلاتها
حكم التعامل مع شركة بزنس كوم
د.سامي السويلم
…
حكم ( بزناس ) ومثيلاتها من عمليات الخداع
محمد صالح المنجد
حكم التعامل مع شركة (بزناس كوم)
د/ أحمد بن موسى السهلي
…
التكييف الفقهي لشركات التسويق الشبكي
إبراهيم أحمد الشيخ الضرير
بزناس وما شابهها قمار
مجمع الفقه الإسلامي بالسودان
…
فتوى بزناس
الدكتور عبدالحي يوسف
حكم التعامل مع بزناس
الشيخ يحيى الزهراني
…
حكم التعامل مع شركة بزنس كوم
أجاب عليه : د.سامي السويلم
موقع الإسلام اليوم
السؤال:
ما حكم التعامل مع شركة بزنس كوم biznas.com بالطريقة المشهورة عندهم؟
الجواب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي
بعده، محمد وآله وصحبه، وبعد:
هذه الشركة، وغيرها كثير، تعمل وفق مفهوم "التنظيم الهرميpyramid scheme"، ويسمى أحياناً التسويق الشبكي " network marketing" أو التسويق متعدد الطبقات "multi-layer marketing--MLM". وهذا النوع من التسويق يصنف من حيث المبدأ ضمن صور الغش والاحتيال التجاريbusiness fraud . وقد تناولته دراسات وأبحاث وكتب، تحذّر من هذه الشبكات والوهم والتغرير الذي توقع فيه أتباعها، فتجعلهم يحلمون بالثراء السريع مقابل مبالغ محدودة. وفي نهاية الأمر تصب هذه المبالغ في جيوب أصحاب هذه الشركات والمنظمات، ولا يحصد الأتباع سوى السراب. ولذلك تمنع قوانين العديد من الدول التنظيم الهرمي بشكل أو بآخر. كما تحذر الأجهزة الرسمية الجمهور من الوقوع في مصيدة هذه الشبكات بعد تغليفها بصورة جذابة من خلال الزعم بأنها فرصة لتسويق منتجات مفيدة للجمهور، تعليمية أو غير ذلك.
ومن المهم للقارئ أن يعلم أن هيئة الأوراق المالية بباكستان قد حذرت الجمهور من التعامل مع شركة بزناس العاملة هناك. وقالت في تحذيرها الذي صدر في أغسطس من هذا العام إن الشركة المذكورة وجد أنها "تضطلع بممارسات غير مشروعة وتحايلية وغير أخلاقية" حسب ما جاء في التحذير.
(انظر موقع الهيئة: http://www.secp.gov.pk/otherlinks/Biznas/Biznas.com.htm).
كما أن هناك شركة تعمل في نفس المجال، تسمى سكاي بز skybiz.com ، وهي شديدة الشبه بشركة بزناس من حيث نوعية المنتجات وآلية التسويق ونظام العمولات، مقرها الولايات المتحدة ولها فروع عبر العالم. هذه الشركة رفعت وزارة التجارة الأمريكية ضدها قضية تتهمها فيها بالغش والاحتيال على الجمهور، وصدر قرار المحكمة بولاية أوكلاهوما في 6/6/2001م بإيقاف عمليات الشركة وتجميد أصولها تمهيداً لإعادة أموال العملاء الذين انضموا إليها. (انظر موقع وزارة التجارة الأمريكية: http://www.ftc.gov/opa/2001/06/sky.htm ).
إن هذا الموقف ضد شركات التسويق الهرمي مبني على قناعة في معظم دول العالم بأن هذا النمط من التسويق ما هو إلا صورة من الصور الاحتيال والتغرير بالناس. سنبيّن فيما يلي كيفية عمل هذه الشبكات، ثم نبيّن مكمن الخلل فيها.
أولا: آلية العمل
الفكرة الجوهرية للتسويق الهرمي بسيطة. وتتلخص في أن يشتري الشخص منتجات الشركة مقابل الفرصة في أن يقنع آخرين بمثل ما قام به (أن يشتروا هم أيضاً منتجات الشركة)، ويأخذ هو مكافأة أو عمولة مقابل ذلك. ثم كل واحد من هؤلاء الذين انضموا للبرنامج سيقنع آخرين ليشتروا أيضاً، ويحصل الأول على عمولة إضافية، وهكذا. فأنت تدفع لزيد على أن تأخذ من عمرو وعبيد.
وفيما يلي مثال عملي يوضح ذلك.
لنفترض أن "زيداً" قرر أن يشتري منتجات الشركة المذكورة مقابل 100 دولار. تعطيه الشركة بناء على ذلك الحق في أن يسوق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة. يقوم زيد بإقناع شخصين بالانضمام للبرنامج، بمعنى أن يشتري كل منهما منتجات الشركة، ويكون لهما الحق في جذب مسوقين آخرين مقابل عمولات كذلك. ثم يقوم كل من هذين بإقناع شخصين آخرين بالانضمام، وهكذا. ستتكون من هذه الآلية شجرة من الأتباع الذين انضموا للبرنامج على شكل هرمي. (انظر الشكل).
لاحظ أن عدد الأعضاء في كل مستوى يساوي ضعف العدد في المستوى الذي قبله، وأن عدد أعضاء المستوى الأخير يزيد قليلاً عن مجموع أعضاء المستويات السابقة كلها. لاحظ أيضاً أن عدد الأعضاء ينمو أسياً، بمعنى أن عدد الأعضاء في المستوى الرابع =42 = 16، وعدد الأعضاء في المستوى العاشر = 102
= 1024، وهكذا.
طريقة احتساب العمولات
تشترط الشركة ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم من خلال زيد ومن يليه في الهرم عن 9 أشخاص من أجل الحصول على العمولة (على ألا يقل عدد الأعضاء في كل فرع عن 3). وتبلغ العمولة 55 دولاراً. ثم بعد ذلك يتم صرف العمولة لكل 9 أشخاص (ويسمى كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي "درجة"). ونظراً إلى أن الهرم يتضاعف كل مرة يضاف فيها مستوى جديد أو طبقة جديدة للهرم، فإن العمولة تتزايد كل مرة بشكل كبير. إذا افترضنا أن الهرم ينمو كل شهر، بمعنى أنه في كل شهر ينضم شخصان لكل شخص في الهرم (كما هو افتراض الشركة في موقعها)، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر (انظر الجدول).
الشهر …الأعضاء …مجموع الأعضاء …العمولة بالدولار
1 …2 …2 …0
2 …4 …6 …0
3 …8 …14 …55
4 …16 …30 …110
5 …32 …62 …65
6 …64 …126 …440
000 …000 …000 …000
12 …4.096 …8.190 …25.080
18 …262.144 …524.286 …1.602.040
24 …16.777.216 …33.554.430 …102.527.480
30 …1.073.741.824 …2.147.483.646 …6.561.755.640
ويتم حساب العمولة كالتالي: ينظر عدد الدرجات في مجموع الأعضاء، ويتم صرف العمولة بناء على ذلك بعد إسقاط الدرجات في المستوى السابق. في المستوى الثالث يبلغ المجموع 14، وهو يتضمن درجة واحدة (أي تسعة واحدة فقط)، فيصرف للعضو عمولة واحدة. في المستوى الرابع يبلغ المجموع 30، وهذا يتضمن 3 درجات، تخصم منها درجة واحدة صرفت في المستوي السابق، يتبقى درجتان، فتصرف عمولتان = 110 دولار. في المستوى الخامس يبلغ المجموع 62، وهذا يتضمن 6 درجات. تخصم منها الدرجات في المستوى السابق وهي 3، فيبقى 3 درجات، فيصرف 3 عمولات، أي 3×55=165، وهكذا.(4/169)
لاحظ أن العضو لا يحصل على أي عمولة قبل الشهر الثالث، أي أنه لا بد من نمو الهرم تحته بثلاثة مستويات قبل أن يحصل على العمولة. ولكن مقدار العمولة، وهو 55 دولار، أقل من المبلغ الذي دفعه وهو 100 دولار. فلا بد إذن من أجل تحقيق أي ربح من نمو الهرم إلى أربعة مستويات تحت العضو على أقل تقدير.
إذا تابعنا نمو الهرم شهرياً (حسب الافتراض المنشور على موقع شركة بزناس)، سنجد أنه في نهاية السنة تتجاوز العمولة الشهرية للعضو 25000 دولار. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن العمولة في منتصف السنة الثانية (الشهر 18) تتجاوز مليون وستمائة ألف شهرياً، بينما تتجاوز في نهاية السنة الثانية مائة مليون دولار شهرياً.
وهذا مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج الهرمية: مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز 100 دولار، يحصل المشترك على آلاف بل ملايين أضعاف المبلغ. ولذلك تسوّق هذه الشركات برامجها من خلال وعود بالثراء الفاحش في مدة يسيرة من خلال النمو المضاعف للهرم.
أين الخلل؟
إن مكمن الخلل في هذا النظام هو أنه غير قابل للاستمرار، فلا بد له من نهاية يصطدم بها ويتوقف عندها. وإذا توقف كانت الطبقات الأخيرة من الأعضاء هي الخاسرة، والطبقات العليا هي الرابحة. والطبقات الأخيرة تفوق في العدد أضعاف الطبقات العليا، وهذا يعني أن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية. ولذلك فإن هذه البرامج في حقيقتها تدليس وتغرير وبيع للوهم للجمهور لمصلحة القلة أصحاب الشركة.
لتتضح الصورة لنتابع نمو الهرم حسب الجدول السابق. في الشهر الثلاثين، أي منتصف السنة الثالثة، يبلغ مجموع أعضاء الهرم أكثر من 2 مليار شخص، أي ثلث سكان المعمورة. في الشهر الذي يليه يبلغ المجموع 4.3 مليار، وفي الشهر الذي يليه (الثاني والثلاثين) 8.6 مليار.
لكنا نعلم أن سكان الكرة الأرضية لا يتجاوز عددهم 6 مليار نسمة، وهذا يعني أن الهرم لا بد أن يتوقف قبل المستوى أو الشهر 32، أي قبل نهاية السنة الثالثة، حيث يتجاوز مجموع الأعضاء 8 مليارات. فإذا توقف النمو، فإن أعضاء المستويات الأخيرة لن ينجحوا في تحقيق أي مبيعات إضافية أو انضمام أعضاء جدد، فهم قد دفعوا ثمن الانضمام للبرنامج دون مقابل. هذه المبالغ تمثل خسارة على هؤلاء وربحاً للمستويات العليا.
إن حال الهرم يشبه إلى حد كبير حال نمو الورم السرطاني في الجسم. فالخلية السرطانية تنقسم باستمرار، وبهذا يتضاعف حجم الورم في كل مرة. ونظراً لأن الورم هو أكثر الخلايا نمواً في الجسم، فإنه يستهلك من طاقة الجسم أكثر من بقية أجهزة الجسم العضوية. ومع النمو المتضاعف، يستأثر الورم بالطاقة دون بقية الجسم، لتكون النتيجة توقف أجهزة الجسم عن إنتاج الطاقة، ومن ثم وفاة الجسم. وإذا توقف إنتاج الطاقة فليس بمقدور خلايا الورم النمو، فتموت هي أيضاً. أي أن النمو المضاعف للورم هو نفسه سبب هلاكه في النهاية. وهذا هو الحال في التسويق الهرمي. فالنمو الأسّي للهرم يستدعي دائماً انضمام أعضاء جدد ضعف أعضاء المستوى الأخير، وهذا يجعل حجم الهرم الكلي يتضاعف كذلك كل مرة. وكلما كبر الهرم كلما تضاعف العدد المطلوب للاستمرار. ولكن توافر هذه الأعداد الهائلة متعذر، فتكون النتجية الحتمية هي انهيار الهرم ونهايته، كما كانت نهاية الورم السرطاني.
ومن الناحية العملية سيتوقف الهرم قبل استنفاد الأعداد المطلوبة بكثير، إذ لا يمكن للسوق أن تستوعب هذا العدد الهائل من المبيعات. ومن المعروف في علم التسويق أن لكل منتج درجة معينة من المبيعات تبلغ السوق بعدها درجة التشبع (saturation)، فيتعذر بعدها تحقيق أي مبيعات إضافية، ومن ثم يتعذر نمو الهرم بعدها.
لنفترض أن التسويق توقف عند المستوى 18، حيث يبلغ أعضاء هذا المستوى أكثر قليلاً من ربع مليون. بناء على ما سبق فإن العضو لا يحصل على أي عمولة حتى يبلغ عدد المستويات تحته 3 مستويات. أي أن المستويات الثلاثة الأخيرة (16، 17، 18) لن تحصل على أي عمولة، بينما سيحصل أعضاء المستوى الرابع من الأسفل (المستوى 15) على عمولة لكنها أقل مما دفعوه (العمولة 55 دولار بينما كل منهم قد دفع 100 دولار). وإذا كان أعضاء المستوى الأخير نحو ربع مليون، والذي قبله 131 ألف، والذي قبله 65 ألف، فهذا يعني أن نحو 450 ألف عضواً قد دفعوا نحو 45 مليون دولار بدون أي مقابل. أما أعضاء المستوى الرابع من الأسفل (وعددهم نحو 32 ألف) فسيحصل كل منهم على عمولة أقل من ثمن المنتجات التي اشتراها لينضم إلى البرنامج.
لاحظ أن نسبة أعضاء المستويات الأربعة الأخيرة (المستويات 15-18) إلى مجموع أعضاء الهرم تعادل 93.8 %. أي أن نحو 94% من أعضاء البرنامج خاسرون، بينما 6% فقط هم الرابحون.
وحتى لو فرض جدلاً استمرار البرنامج الهرمي في النمو، فإن واقع الهرم أن المستويات الأربعة الأخيرة دائماً خاسرة، ولا يمكنها الخروج من الخسارة إلا باستقطاب أعضاء جدد ليكوّنوا مستويات دنيا تحتهم، فتكون المستويات الجديدة هي الخاسرة، وهكذا. فالخسارة لازمة لنمو الهرم، ولا يمكن في أي لحظة من اللحظات أن يصبح الجميع رابحاً بحال من الأحوال.
وبهذا يتبين أن البرنامج الهرمي وهم أكثر منه حقيقة، وأن الأغلبية الساحقة من المشاركين في هذا البرنامج يخسرون لمصلحة القلة القليلة. ولهذا صدرت دراسات وكتابات كثيرة تحذر من هذه البرامج، وسيجد القارئ في نهاية البحث بعض المراجع لهذه الكتابات.
موقف القانون من البرامج الهرمية
تمنع القوانين في أكثر دول العالم برامج التسلسل الهرمي (pyramidshemes) حيث يدفع المشترك رسوماً لمجرد الانضمام للبرنامج، دون وجود أي منتج أو سلعة يتم تداولها. أما إذا كانت هناك سلع، فإن القانون الأمريكي حالياً لا يمنع منها، وهذه نقطة ضعف انتقدها كثير من الكتاب الغربيين بناء على أن السلعة في هذه البرامج هي مجرد ستار وذريعة للبرامج الممنوعة، إذ النتيجة واحدة في الحالين. ومع ذلك فإن وزارة التجارة الأمريكية تحذر الجمهور صراحة من أي برامج تسويق أو مبيعات تدعو لجذب مسوقين آخرين (انظر موقع وزارة التجارة الأمريكية:
http://www.ftc.gov/bcp/conline/edcams/pyramid/index.html ). وما القضية المرفوعة ضد سكاي بز، وهي شديدة الشبه ببزناس، إلا مثال عملي لرفض استخدام المنتجات ستاراً للتحايل على الجمهور. وسيأتي مزيد حول هذه النقطة لاحقاً.
ثانياً: التقويم الشرعي
الإسلام هو دين الفطرة، والشريعة الإسلامية قائمة على العدل ومنع الظلم، فإذا أدرك العقلاء ما في هذه المعاملة من الغش والاستيلاء على أموال الآخرين بغير حق ودعوا من ثم إلى منعها، فالإسلام أولى بذلك.
ويمكن تعليل القول بحرمة الاشتراك في هذا النوع من البرامج بالأسباب التالية:
1. أنه أكل للمال بالباطل.
2. ابتناؤه على الغرر المحرم شرعاً.
أكل المال بالباطل
تبين بوضوح مما سبق أن هذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف. فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا. والخاسرون هم الأغلبية الساحقة كما سبق، والرابحون هم القلة. أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل الذي نزل القرآن بتحريمه. ويسمى هذا النمط عند الاقتصاديين: تعامل صفري (zero-sum game)، حيث ما يربحه البعض هو ما يخسره البقية.
الغرر(4/170)
أصل الغرر المحرم: هو بذل المال مقابل عوض يغلب على الظن عدم وجوده أو تحققه على النحو المرغوب. ولذلك قال الفقهاء: الغرر هو التردد بين أمرين، أغلبهما أخوفهما (انظر الغرر وأثره في العقود، د. الصديق الضرير، ص 30). والذي ينضم إلى هذا البرنامج يدفع مبلغاً من المال مقابل أرباح الغالب عدم تحققها.
ولبيان هذه النقطة أكثر، لنفترض أن احتمال نجاح العضو في إقناع آخر بالانضمام للبرنامج هو 80 %. بمعنى أن العضو إذا عرض على شخص شراء بضاعة من الشركة والانضمام إلى التسلسل الهرمي في التسويق، فالغالب أن هذا الشخص سيقبل العرض وينضم للبرنامج. لاحظ أن هذه النسبة أعلى بكثير من الواقع، لكنا نفترض تنفيذ البرنامج على أفضل الأحوال.
ما هو احتمال حصول العضو على عمولات تعوض ما دفعه؟ إذا كان احتمال نجاح كل عضو في الهرم في ضم شخص آخر إليه هو 80 %، فإن احتمال تحقق 18 عملية (لكي يسترد المشترك رأسماله) يساوي: (80 %)18 = 1.8 %
أي أنه احتمال تافه من الناحية العملية. أما تحقيق عمولة تساوي 25000 دولار شهرياًفيتطلب انضمام 8190 شخصاً، واحتمال وقوع ذلك هو: (80 %)8190= صفر. أي أنه بمنطق الاحتمالات الإحصائية يتعذر تحقيق هذه العمولة.
لاحظ أن هذه النسبة أقل بكثير من نسبة الفوز باليانصيب (lottery)، حيث تبلغ النسبة مقلوب مقدار الجائزة. فلو كانت الجائزة عشرة ملايين دولار، لكان احتمال الفوز للتذكرة الواحدة أقل قليلاً من واحد من عشرة ملايين، وهذا الاحتمال أكبر من احتمال تحقيق المسوّق للأحلام التي يعدونه بها. واليانصيب أفضل من التسويق الهرمي من وجه آخر، وهو أن صاحب التذكرة لا يحتاج لبذل أي جهد أو عمل بعد شراء التذكرة. أما المسوّق فهو يتعب ويكد نفسه ويخسر من ماله الخاص أكثر مما دفعه للانضمام للبرنامج الهرمي، مع أن احتمال ربحه وفوزه أقل بكثير من احتمال الفوز باليانصيب. فاليانصيب أكثر احتمالاً بالفوز وأقل كلفة. فإذا كان مع ذلك محرماً، فالتسويق الهرمي أولى بالتحريم.
وإذا علمنا أن الهرم لا بد أن يتوقف مهما كان الحال، فهذا يعني أن الدخول في هذا البرنامج في حقيقته مقامرة: كل يقامر على أنه سيربح قبل انهيار الهرم. ولو علم الشخص أنه سيكون من المستويات الدنيا حين انهيار الهرم لم يكن ليقبل بالدخول في البرنامج ولا بربع الثمن المطلوب، ولو علم أنه سيكون من المستويات العليا لرغب في الدخول ولو بأضعاف الثمن. وهذا حقيقة الغرر المحرم، إذ يقبل الشخص بالدخول على أمل الإثراء حتى لو كان احتمال تحقق هذا الأمل ضعيفاً جداً من حيث الواقع. فالثراء هو الذي يغري المرء لكي يدفع ثمن الانضمام للبرنامج، فهو يغره بالأحلام والأماني والوهم، بينما حقيقة الأمر أن احتمال خسارته أضعاف أضعاف احتمال كسبه.
شبهة وجود المنتج
أما الشبهة التي يتعذر بها المدافعون عن هذه البرامج، وهي وجود منتج حقيقي ينتفع به المشتري ومن ثم لا يعد خاسراً إذا توقف الهرم، فهي شبهة أول من ينقضها المسوّقون والعاملون في هذه البرامج أنفسهم.
وذلك أنهم حين تسويق هذه المنتجات نجدهم يعتمدون على إبراز العمولات التي يمكن تحقيقها من خلال الانضمام للبرنامج، بحيث يكون ذكر هذه العمولات الخيالية كافياً لإقناع الشخص بالشراء. فلو لم يكن الهدف هو التسويق لما لجأ الأعضاء إلى إغراء الجدد بعمولات التسويق. ولذلك لا يمكن أن يسوّق العضو هذه المنتجات دون ذكر عمولات التسويق، فهذا يناقض مصلحة العضو نفسها التي انضم للبرنامج ابتداء من أجلها، وهي: جذب مسوقين جدد على شكل متسلسل لتحقيق الحلم بالثراء الموعود.
ومما يؤكد أن المنتج ما هو إلا ستار وهمي، المقارنة السريعة بين عمولات التسويق وبين منافع المنتجات نفسها. فهذه المنتجات قيمتها لا تتجاوز 100 دولار بحسب سعر الشركة المعلن. أما العمولات فتصل كما ذكرنا إلى 25000 دولار شهرياً، أو ما يعادل 50000 دولار في نهاية السنة الأولى فقط. فهل يوجد عاقل يقصد ما قيمته مائة ويدع خمسين ألفاً؟ لو وجد ذلك من شخص لما كان معدوداً من العقلاء. فالعاقل في المعاوضات المالية يبحث عن مصلحته، والمصلحة هي مع التسويق، فلا بد أن يكون القصد هو التسويق.
إن هذه المنتجات، مهما كانت فائدتها، لا يمكن أن تحقق للمشتري منافع تتجاوز في قيمتها تلك العمولات الخيالية الناتجة من التسويق. والعبرة، كما هو مقرر شرعاً، بالغالب. فقصد العمولات هو الغالب على قصد المنتجات، فيكون الحكم مبنياً على ذلك.
ومما يؤكد أن شراء المنتجات غير مراد: أن البرامج والمواد التدريبية لمنتجات ميكروسوفت، خصوصاً أوفيس، توجد بكثرة على الإنترنت، وكثير منها متوفر مجاناً. وهناك برامج تدريبية متخصصة لجميع برامج أوفيس تتراوح قيمتها بين 20-35 دولاراً. أما إنشاء موقع وبريد على الإنترنت، فهذا يمكن الحصول عليه مقابل 10 دولار في السنة بسهولة. بينما تبيع الشركة منتجاتها بـ 99 دولاراً سنوياً. أي أنها تزيد الثمن عن المتاح فعلياً بما لا يقل عن 55 دولاراً.
وهذه الزيادة في الثمن لم تكن لتوجد لولا برنامج التسويق الهرمي هذا. فيقال في ذلك كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أفلا أفردت أحد العقدين عن الآخر ثم نظرت هل كنت مبتاعها أو بايعه بهذا الثمن؟" (بيان الدليل، ص 232-233، ط المكتب الإسلامي). فلو أفرد الانضمام عن الشراء لما كان سعر السلعة بهذا المقدار.
ولا يتردد المسؤولون في الشركة في التصريح بأن التكلفة الفعلية للمنتجات تعادل 24 دولاراً، أما المتبقي، وهو 75 دولاراً، فهو مخصص لمصاريف "التسويق." ولكن بدلاً من صرف هذا المبلغ على الدعايات والإعلانات كما هو الحال في المنتجات الأخرى، فإن الشركة تصرفها على عملائها الذين يقومون بشراء منتجاتها. وهذا في نظرهم أفضل لمصلحة العميل من الطريقة "التقليدية" في الإعلان.
والحقيقة أن هذا الزعم يناقض الواقع. وبعملية حسابية بسيطة يتبيّن مدى الغبن الذي يقع على العميل أو العضو المسوّق من هذا الأسلوب. إذ تشترط الشركة أن يستقطب المسوق 9 أشخاص قبل أن تصرف له العمولة، وهي 55 دولاراً كما سبق. ولكن مبيعات 9 أشخاص (عدا المسوّق نفسه) تعني أن الشركة حصلت على ربح فوق تكلفة المنتجات يعادل 9×75 = 675 دولاراً، صرف منها 55، فيبقى 620 دولاراً. أي أنه مقابل كل 9 أعضاء جدد يحصل المسوّق على 55 في حين يحصل أصحاب الشركة على صافي ربح 620 دولاراً. وهذا غبن فاحش، فكيف يقال مع ذلك إن تكاليف التسويق تصرف للأعضاء؟! فهذا المبلغ، وهو 75 دولار، هو في الحقيقة رسوم الاشتراك في البرنامج، ومعظمه كما ترى يذهب لأصحاب الشركة.
ومما يبين أن الهدف من الشراء هو الاشتراك في التسويق وليس المنتجات:
1- أن لوائح وأنظمة الشركة معظمها يتعلق بشروط وأحكام الانضمام وصرف العمولات، وأما مجرد الشراء فتحكمه بضعة فقرات. فهل هذا صنيع من هدفه تسويق السلعة فحسب والانضمام تابع لها أم العكس؟
2- أن الشركة تشترط للاستمرار في البرنامج لأكثر من سنة دفع نفس المبلغ مرة أخرى. وواضح أن هذا لا لشيء سوى استمرار التسويق، فالبرامج تم شراؤها من المرة الأولى، والبرامج الجديدة إن وجدت لا تعادل في القيمة المبلغ المطلوب.(4/171)
3- لو كانت الشركة تبيع المنتجات فعلاً لكانت توجه دعمها لمنتجاتها، بينما نجد من خلال لوائح وأنظمة الشركة أنها تبيع المنتجات كما هي ودون أي مسؤولية، في حين تقدم الدعم لبرامج التسويق وكسب الأعضاء، كما تنص عليه اللائحة. فهل هذا صنيع من يبيع منتجات حقيقية؟
4- أن الشركة تسمح لمن يرغب في التسويق دون شراء المنتجات، لكنها لا تتيح له الاستفادة من خدمات موقع الشركة على الإنترنت للتسويق، بل من خلال الفاكس. كما أنها لا تقبل أن يكون من دونه في التسلسل الهرمي هم أيضاً مسوقون بدون شراء، بل لا بد من الشراء ممن يليه لكي يحصل على العمولة. وواضح أن هذا تضييق على التسويق بدون شراء. وتجدر الإشارة إلى أن شركة سكاي بز الأمريكية، التي سبقت الإشارة إليها، تملك نفس التنظيم والترتيب لإجراءات التسويق بدون شراء. ومع ذلك اعتبرت وزارة التجارة الأمريكية الشركة مجرد بناء هرمي ولا قيمة للمنتج (انظر التقرير المنشور في:
http://www.mlmsurvivor.com/resources/sky_biz_pvn-vandernat.pdf ).
والحاصل أن المنتجات التي تبيعها الشركة ما هي إلا ستار للانضمام للبرنامج، بينما الانضمام للبرنامج مقابل ثمن من الغرر وأكل المال بالباطل، كما تقدم، ومنعه محل اتفاق بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي. فالتحيل بتقديم المنتج لا قيمة له في الشريعة الإسلامية، لأن العبرة بالمآل، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. فإذا كانت العلة قائمة سواء وجد المنتج أم لم يوجد، فلن يغير وجوده من الحكم شيئاً. وإذا كان القانون الوضعي عاجزاً عن معالجة هذا الاحتيال، فهو لذلك محل انتقاد من المحللين والكتاب الغربيين، إلا أن الفقه الإسلامي بحمد الله أكمل وأقوم، إذ هو مبني على الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولذلك جاءت النصوص الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بسد أبواب التحايل المقيت، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، وعن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع. كل ذلك منعاً للالتفاف على أحكام الشريعة المطهرة وإفراغها من مضمونها، فهي شريعة كاملة لا نقص فيها ولا خلل: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}.
الفرق بين التسويق الهرمي والسمسرة
ومن خلال ما تقدم يتبيّن أن التسويق الهرمي ليس مجرد سمسرة كما تزعم الشركة في موقعها، وكما حاولت أن توحي بذلك لأهل العلم الذين سئلوا عنها. فالسمسرة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع سلعة. أما التسويق الهرمي فالمسوّق هو نفسه يدفع أجراً لكي يكون مسوّقاً، وهذا عكس السمسرة. كما أن الهدف من التسويق الهرمي ليس بيع بضاعة أو خدمة، بل جذب مسوّقين جدد ليجذبوا بدورهم مسوّقين آخرين، وهكذا. وقد سبق أن هذا التسلسل لا يمكن أن يستمر بلا نهاية. فهذا التسلسل باطل لأنه لا بد أن يتوقف. وحينئذ فالمسوّق الأخير خاسر بالضرورة لأنه لم يجد من يقبل الانضمام إلى البرنامج الهرمي. لكن لا وجود لهذا التسلسل في السمسرة أو التسويق العادي. فالتسوية بين الأمرين كالتسوية بين البيع والربا من الذين حكى الله تعالى عنهم في القرآن: {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا}. وهي كالتسوية بين البيع وبين العينة الممنوعة بالنص. فالتسويق الهرمي أخص من مطلق التسويق، وقد تضمن من الخصائص والشروط ما يجعله عقداً باطلاً، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر.
ومما يبيّن الفرق بين الأمرين أن السمسرة أو التسويق العادي يتم من خلال ضوابط تنظم العلاقة بين المسوّقين لكي يضمن كل منهم عمولته. فالشركة البائعة للمنتجات تحدد لكل مسوّق (أو لكل موزع لمنتجاتها أو لكل فرع من الفروع) نطاقاً محدداً يختص به، تجنباً لإضرار الموزعين بعضهم لبعض إذا تكدسوا في منطقة واحدة. فهذا التكدس من جهة مضر بمنتجات الشركة لأنه يؤدي إلى تشبع السوق المحلي، كما سبق. كما أنه مضر بالموزعين أو المسوقين أنفسهم، لأنه يحرم بعضهم من البيع ومن ثم من عمولة التسويق.
أما في التسويق الهرمي فلا يوجد أي ضوابط للتسويق، ولا توجد حدود تنظم عمل كل موزع أو كل سمسار. والسبب أن الهدف ليس المنتجات وإنما الانضمام للهرم. والانضمام يتطلب أعداداً متزايدة من الأعضاء الجدد دائماً، ولذلك لا توجد مصلحة من تحديد مجال اختصاص لكل مسوّق، بل هذا مضر بنمو الهرم، ومن ثم بعوائد أصحاب الشركة.
وحقيقة الأمر أن النظام الهرمي يجعل السلعة الحقيقية التي يبيعها الأعضاء هي العمولات الموعودة من الانضمام للهرم، وليس المنتجات التي لا تتجاوز قيمتها 0.2% من عمولات التسويق للسنة الأولى فحسب. أما السمسرة أو التسويق المعروف فهو نيابة في البيع مقابل عمولة. فالعائد الحقيقي للسمسار ينبع من المبيعات المباشرة للمنتجات على المستهلكين الفعليين، وليس من مشتريات المسوّقين الجدد.
ولهذا السبب تشترط عدة ولايات أمريكية أن يكون عائد التسويق المباشر للمستهلك النهائي لا يقل عن 70% من إجمالي عوائد التسويق. بمعنى ألا يزيد عائد التسويق على المسوقين الجدد عن 30% من عوائد الشركة. وما ذلك إلا تأكيداً للفرق بين البيع على المستفيد الفعلي من المنتج، وبين البيع على من يريد الانضمام إلى هرم المسوّقين طمعاً في العمولات الهائلة التي يعدونه بها.
الخلاصة
إن البرامج القائمة على التسلسل الهرمي، ومنها البرنامج المذكور في السؤال، مبنية على أكل المال بالباطل والتغرير بالآخرين، لأن هذا التسلسل لا يمكن أن يستمر بلا نهاية، فإذا توقف كانت النتيجة ربح الأقلية على حساب خسارة الأكثرية. كما أن منطق التسويق الهرمي يعتمد على عوائد فاحشة للطبقات العليا على حساب الطبقات الدنيا من الهرم. فالطبقات الأخيرة خاسرة دائماً حتى لو فرض عدم توقف البرنامج. ولا يفيد في مشروعية هذا العمل وجود المنتج، بل هذا يجعله داخلاً ضمن الحيل المحرمة. والعلم عند الله تعالى.
مصادر مفيدة حول الموضوع
http://www.falseprofits.com
http://www.pyramidschemealert.org
http://www.skepdic.com/pyramid.html
http://www.ftc.gov/speeches/other/dvimf16.htm
http://www.impulse.net/~thebob/Pyramid.html
http://www.mlmsurvivor.com
حكم ( بزناس ) ومثيلاتها من عمليات الخداع
محمد صالح المنجد
السؤال:
ظهرت قبل عدة أشهر شركة تسمى (بزناس) تقوم على نوع من التسويق وتتلخص فكرتها في أن يشتري الشخص منتجات الشركة ـ وهي عبارة عن برامج وموقع وبريد إلكتروني ـ بمبلغ 99 دولارا ويُعطى بعد الشراء الفرصة في أن يُسوِّق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة .
ثم يقوم هذا الشخص بإقناع شخصين آخرين بالانضمام للبرنامج ، بمعنى أن يشتري كل منهما منتجات الشركة ، ويكون لهما الحق أيضا في جذب مسوقين آخرين مقابل عمولات كذلك .
ثم يقوم كل واحد من هذين بإقناع شخصين آخرين بالانضمام، وهكذا . فستتكون من هذه الآلية شجرة من الأتباع الذين انضموا للبرنامج على شكل هرم .
أما طريقة احتساب العمولات فتشترط الشركة ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم من خلال المشتري (المشترك) ومن يليه في شجرة المشتري عن 9 أشخاص من أجل الحصول على العمولة (على ألا يقل عدد الأعضاء تحت كل واحد من الاثنين الأولين عن اثنين ، وتبلغ العمولة 55 دولاراً . ويتم صرف العمولة في مقابل كل 9 أشخاص ( ويسمى كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي "درجة" ).
ونظراً إلى أن الهرم يتضاعف كل مرة يضاف فيها مستوى جديد أو طبقة جديدة للشجرة، فإن العمولة تتزايد كل مرة بشكل كبير .(4/172)
إذا افترضنا أن الشجرة تنمو كل شهر ، بمعنى أنه في كل شهر ينضم شخصان لكل شخص في الهرم ( كما هو افتراض الشركة في موقعها ) ، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر ، ويستمر التضاعف في كل شهر
وهذا مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج ، فمقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز 100 دولار ، يحصل المشترك على مئات بل آلاف أضعاف المبلغ .
ولذلك تسوّق هذه الشركات برامجها من خلال وعود بالثراء الفاحش في مدة يسيرة من خلال النمو المضاعف للهرم .
السؤال : ما حكم هذه المعاملة خاصة أنها انتشرت بصورة واضحة وتعددت الأقوال فيها ؟.
الجواب:
الحمد لله
الكلام على مثل هذه المعاملات التي يسرع انتشارها ويكثر غموضها والتباسها على العامة ، ويشتد إغراؤها لا بد فيه من أمرين :
الأول : بيان الحكم الشرعي المبني على النصوص والقواعد الشرعية ، وعلى تصور المسألة من حيث حقيقتها ونتائجها وتاريخها .
الثاني : علاج النفس وتوطينها على الأخذ بالحكم الشرعي وعدم التعلق بالشُّبه .
ونظراً لحاجة المسألة إلى إطالة النفس فيها فسنقدِّم بجواب مختصر للسؤال يتلوه ذكر للقواعد الشرعية في هذا المقام وتفصيل للجواب .
الجواب المجمل على السؤال :
بالنظر إلى صورة هذه المعاملة ( بزناس ) وحقيقتها ، وما ذكره مندوبو هذه الشركة من معلومات وشروط عنها ، وكذلك ما ذكره المتكلمون عنها من أدلة وشروط للمنع منها أو إباحتها.
وبعرض كل هذا على نصوص القرآن والسنة وقواعد الشريعة في أبواب المعاملات وأٌقوال العلماء يتبين أن هذه المعاملة محرّمة ، لعدة وجوه أهمها :
1. أن هذه المعاملة مبنية على الميسر وأكل أموال الناس بالباطل وتحوي تغريراً وخداعاً للناس وإطماعاً لهم في المال واستغلالاً لغريزة حب الإكثار منه عندهم . وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة / 90 ، وقال : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) البقرة / 188 ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ) مسلم ( 2137 ) وهذا التشبيه في الحديث يجعل هذا التحريم مغلظا جدا .
2. يتبيّن بعد النظر الفاحص أن إدخال السلعة ـ وهي البرامج والموقع والبريد ـ في هذه المعاملة لا يغيِّر من حكمها ، لوضوح كون هذه السلعة ليست مقصودة من قِبَل معظم المتهافتين على الشراء . وإذا ثبت هذا بالقرائن المذكورة في تفصيل الجواب فإن دخول السلعة بهذا الشكل لا يزيدها إلا حرمة لاشتمالها على التحايل المؤدِّي إلى معاملة محرمة من معاملات الميسر .
3. المعاملة ليست من قبيل السمسرة المباحة من أوجه متعددة منها : اشتراط دفع مال للدخول فيها بخلاف السمسرة فإنه لا يشترط فيها ذلك ، وكذلك فإنه ليس المقصود فيها بيع سلعة لمن يحتاجها وإنما بناء نظام حوافز شبكي . ولو سُلِّم جدلا بأنها سمسرة فإنها محرمة لاشتمالها على التغرير بالمشتري وتمنيته بالباطل وعدم نصحه وعليه فلا يصحُّ قول من أباحها على أنها سمسرة ، ولعل ذلك لأن المسألة لم تعرض لهم على حقيقتها ، أو لم يتصوَّروها تصوُّرا صحيحا .
وهذا الحكم منسحب في مجمله على كثير من المعاملات الموجودة الآن والتي تشابهها مما يطرح في السوق الآن .
ومن أراد الاستزادة فليراجع تفاصيل النقاط في الجواب المفصَّل وما يسبقه من قواعد عامة .
الجواب المفصَّل :
قبل تفصيل الإجابة على هذا السؤال وتحقيقاً لأمر توطين النفس على قبول الحكم الشرعي لا بدَّ من التقديم ببعض القواعد الشرعية ونحوها التي تعين المسلم ـ المذعن لحكم الله ـ على التعامل باطمئنان وثقة وانشراح مع هذه المعاملة ومع أمثالها من المعاملات التي تفتقت عنها وستتفتق عنها عقول بعض أصحاب المشروعات التجارية ، لاسيما مع توفر خمسة عوامل رئيسية لانتشار مثل هذه المعاملات . هي :
1- ذيوع وسائل الاتصال والدعاية والإعلان .
2- سهولة التواصل المالي عبر البطاقات ونحوها .
3- تزايد الحاجة للمال عند عامة الناس ، بسبب الإغراق في الكماليات .
4- وجود أصل غريزة الطمع وحب المال في النفس البشرية .
5- ضعف التدين وقلة تحرِّي الحلال عند كثير من المسلمين .
وفيما يلي عدة قواعد تعين على التعامل مع هذه المعاملة وما ظهر وما سيظهر من مثيلاتها ينبغي الانتباه لها والاهتمام بها :
1- فتنة المال من أعظم الفتن التي تؤثر على الإنسان في دينه وفي بركة ما عنده من مال وولد فينبغي الحذر والتحرِّي في حلِّ مصادره أشد التحري .
2- اتقاء الأمور المشتبهات ، قاعدة مقررة في الشريعة حتى لو لم يُسلِّم الإنسان بتحريم الأمر المشتبِه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلَّم : ( الحلال بيِّن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) البخاري ( 52 ) مسلم ( 1599 ) .
3- ( ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه ، وما لا فلا تُتْبعه نفسَك ) رواه البخاري ( 138 ) مرفوعا ، أي لا تجعل نفسك تتعلق بالمال الذي ليس في يدك دفعاً لما يحصل في النفس من حزن وحسرة إذا لم تحصُل عليه . والنهي عن التعلُّق في هذا الحديث ورد في الكلام عن العطية وهي هدية مباحة في أصلها فكيف بالتعلُّق بالأموال المشتبهة ؟ بل كيف بالتعلُّق بالأموال المحرمة ؟ ، فلا بدَّ أن يكون أكثر أثرا سلبيا في النفس وأشد في المنع .
4- ( من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ) رواه أحمد وصححه الألباني ، وهذا يعمُّ مَنْ تَرَك الحرام ومن ترك المشتبه فيه .
5- البَرَكة في المال وإن قلَّ أعظم وأولى بالبحث من كثرته من طريق محرم أو مشكوك فيه .
6- على المسلم أن يكون صادقا مع نفسه تمام الصدق في معرفة مقصده من مثل هذه المعاملات هل هو الرغبة في الوصول للمال والسلعة حيلة لإضعاف لوم النفس والناس، أم أن السلعة مقصودة أساسا ؟ وأن يعلم أن ما يخفيه من مقاصده معلوم عند الله الذي يعلم السر وأخفى ، وأنه سبحانه سائله ومحاسبه عن ذلك .
7- الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وإخفاء بعض المعلومات عن المفتي لا يبيح الأخذ بفتواه ، ولا يعذر الآخذ بها ما دام يعلم أن المفتي لم تعرض عليه الصورة كاملة ، ولم يطَّلع على حقيقة المسألة .
8- ( البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) رواه أحمد ( 17320 ) وقال الألباني في صحيح الترغيب 1734 حسن لغيره .
9- آكِل المال الحرام إذا كان معترفا بوقوعه في الحرمة أخف جرما ممن يأكله مستعملا الخديعة والتدليس والحيل ؛ لأن الثاني قد أضاف إلى أكله للحرام ذنبا آخر وهو مخادعة الله . قال ابن القيم : ( فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق إلى شرعه ودينه وأنه يحرم الشيء لمفسدة ويبيحه لأعظم منها ولهذا قال أيوب السختياني يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون ) إغاثة اللهفان 1/354 .(4/173)
10- ما ثبت عند الإنسان تحريمه فعليه أن يقطع تعلُّق نفسه به وأسفه إذا فاته ورآه عند الآخرين وليحمد الله على أن سلَّمه ، وليسألْه سبحانه أن يبغِّض إليه الحرام مهما كثُر ويرزقه دوام اجتنابه ، وأن يعينه على مجاهدة نفسه لقطع هذا التعلُّق .
11- أحكام الشرع مبناها على تمام العلم والحكمة . وهي تراعي المصلحة العامة الكلِّية وإن كان فيها ما يُظن أنه إضرار ببعض المصالح الخاصة ، فعلى المسلم أن لا ينظر إلى ما يحصِّله هو من نفع مادي خاص ويُغفل ما ترمي إليه الشريعة من المصلحة الكلية العامة .
أما تفاصيل الجواب فيمكن حصرها في ثلاث نقاط :
أولا : هذه المعاملة بناءً على تكييفها الاقتصادي فيها مشابهة كبيرة بمعاملة ( التسلسل الهرمي ) أو ( التسويق الهرمي ) وإن كانت لا تماثلها من جميع الوجوه ، وأصل معاملات التسويق الهرمي يقوم على بناء نظام حوافز شبكي هرمي ، ولم ينظر الذين وضعوها في الغرب إلا إلى كسب المال بِغضِّ النظر عن حلِّ المصدر وحرمته . وبعرض هذا النظام على نصوص الشريعة وقواعدها يتبين تحريمه من عدة وجوه منها :
1. بناؤه على أكل أموال الناس بالباطل نظراً لأنه لا بدَّ لهذا التسلسل الهرمي من أن يكون له مستوى نهائي ، وهو آخر من وصل إليهم التسلسل الهرمي ، وهؤلاء خاسرون قطعاً لمصلحة الطبقات الأعلى . ولا يمكن نموُّ الهرم إلا في وجود من يخسر لمصلحة المستويات العليا التي تجني عمولات خيالية ، وآخر طبقتين في كل فرع تكون الأولى منهما كاذبة تُمنِّي التي تليها بالربح ، والطبقة الأخيرة مستغفلة مخدوعة ستشتري ولن تجد من تبيعه ، وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المشدِّدة في حرمة أكل أموال الناس بالباطل .
2. بناؤه على الميسر وهو أن يدفع شخص مالاً مقابل أن يحصل على مال أكثر منه أو يخسر ماله . وهذا هو واقع من يدخل في مثل هذه المعاملات ، وهذا من أهم وأوضح أسباب التحريم .
3. نظراً لاحتواء معاملات التسلسل الهرمي على تغرير وخداع ومفاسد كثيرة فقد منعته وحرَّمته الأنظمة الغربية الكافرة ـ إذا كان في صورته الخالية من إدخال سلعة فيها ـ مع كونهم يبيحون الربا والقمار والميسر أصلاً ، وحذَّر عقلاؤهم منه ( انظر الموقع التالي والمواقع العديدة المرتبطة به http://skepdic.com/pyramid.html ) .
وبناء على ما سبق فإن معاملة بزناس التي ورد السؤال عنها تدخلها عدة أوجه من أوجه التحريم هنا بسبب مشابهتها للتسلسل الهرمي في أصل الأسباب التي يحرم من أجلها وهي الميسر وأكل المال بالباطل .
ثانيا : إدخال السلعة في هذه المعاملة لا ينقلها إلى الإباحة ولا يزيل أسباب التحريم بل هو أقرب إلى كونه سبباً في تشديد حرمتها . نظرا لكونه تحيُّلا للوصول إلى تمرير هذه المعاملة والإيهام بكون السلعة مقصودة " وتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة على المفسدة التي حُرِّمَت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله " إغاثة اللهفان 1/354
ويظهر عدم تأثير السلعة في إباحة المعاملة من خلال الآتي :
1. أهم دافع للشراء عند المشتركين هو التسويق لا السلعة بدليل أن أمثال هذه البرامج والخدمات كانت موجودة قبل هذه الشركة بسنوات ولا تزال ، وبأسعار أقلَّ ! فما الذي جعل التكالب عليها بهذه الكثرة ، ومن هذه الشركة بالذات سوى قصد الدخل المتولد من الاشتراك فيها ؟؟.
2. الاحتجاج بأن المواد نافعة جدا وسهلة ولها تميُّز عن غيرها وتستحق أن يدفع فيها مائة دولار ، على التسليم به في بعض الخدمات إلا أن هذا الكلام مخدوش بأن هذه البرامج غير محفوظة الحقوق في الموقع عن الاستفادة الشخصية عبر من سبق له الشراء دون أن يدفع المستفيد الجديد شيئاً ، بل الاشتراك الواحد يمكن أن يستعمله العشرات ويستفيدوا من كل ما في الموقع من خدمات . وهي غير محفوظة الحقوق إلا عن استغلالها من قبل شركات أخرى . فما الدافع لبذل المال فيها إلا الدخول في هذا التسويق الهرمي (الميسر) ؟.
3. وجود شرط ملجئ للدخول في هذا التسويق الهرمي وهو شرط شراء المنتج بسعر أكثر من قيمة مُماثله ؛ من أجل الحصول على العمولة الأكبر واستعمال موقع الشركة في الدعاية والتسويق . فبتأثير الإغراء يدفع الإنسان هذه الزيادة الباهظة على أمل تعويضها وأكثر منها عبر التسويق الذي هو قصده الأول ، وهذا هو عين الميسر المنهي عنه شرعاً .
4. ذكر العمولات المغرية نظير التسويق هو دافع الناس للشراء والاشتراك ، بدليل عدم شرائهم ـ غالبا ـ إلا بذكرها . وبدليل إمكانية موافقة البعض على الشراء دون الإطلاع على فحوى المواد أو عدم الحاجة إليها من حيث الأصل . وواقع الكثيرين من حيث عدم الاستفادة من أكثر البرامج يزيد تأكيد هذا ، بل البعض لم يستعمل شيئا من البرامج أصلا .
5. المبلغ المطلوب للاشتراك (99 دولارا) يوازي في بعض البلاد راتب شهر أو يزيد ، ويمتنع في عادة الناس دفع مثل هذا المبلغ نظير هذه البرامج إلا مع وجود قصد الربح المؤمَّل تحصيلُه ، ومع ذلك يكثر شراؤها بل قد يقترض الإنسان من أجلها .
6. من اشترى من أجل المنتج ( السلعة ) عندما يعلم بأن الشركة تصرِّح بأن ثلاثة أرباع ما دفعه سيُنفق على التسويق بدلا من شركات الإعلان فإن ذلك سيحفِّزه نفسيا للاشتراك في التسويق لتعويض ما دفعه من زيادة كبيرة على القيمة فيدخل في عملية التسويق ، ثم ينساق وراءها ولا يتوقف عند تعويض خسارته ، بل يواصل العملية .
7. بعض المتهافتين يشتري سلعة هذه الشركة أكثر من مرة ـ ووصلت عند بعضهم كما حدّث بنفسه إلى مائة مرة !! ـ مع العلم أن الشراء مرة واحدة كفيل باستفادة هذا المشترك من كل البرامج في أي جهاز شاء وفي أي وقت ، وهذه الصورة لا يشك أحد في كونها ميسرا ، وفيها دليل واضح على أن قصد هذه المعاملة إنما هو هذا التعامل الميسري .
8. تلزم الشركة المشتركين لاستمرارهم في التسويق واستمرار العمولات المتضاعفة لهم بتجديد الاشتراك سنويا بنفس المبلغ ، زعما بأنها ستضيف خدمات جديدة ، وهذا التجديد ـ على التسليم بحصوله ـ عبارة عن شراء لمجهول بثمن معلوم ؛ إذ هذا المستحدث قد يكون قليلا أو يحوي برامج ليس للمشترك عناية بها ، وهذا الشراء محرّم لما فيه من الغرر وجهالة أحد طرفي البيع جهالة مؤثِّرة .
9. رجوع الإنسان إلى نفسه لمعرفة نيَّته وقصده من هذه المعاملة يسهِّل عليه إدراك أن المقصد هو الدخول في التسويق الهرمي خاصة مع وجود أكثر ما يحتاجه من البرامج والخدمات مجانا أو بسعر أقل بكثير في مواقع أخرى ، مع إمكانية تركه لشراء ما لا يحتاجه من البرامج إما لسهولته عليه أو عدم اهتمامه به .
ثالثا : المعاملة ليست من قبيل السمسرة المباحة لاختلافها عنها في نقاط جوهرية تُغيِّر الحكم وتمنع إلحاقها بها ، ومن ذكر من المفتين أنها سمسرة فإنما أجاب على أسئلة لم يذكر فيها من التفاصيل التي تصوِّر له المسألة تصويراً صحيحاً مما يجعل فتواه غير منطبقة على الواقع ، ومن شروط صحة الحكم بناؤه على تصوُّرٍ صحيحٍ للمسألة ، وعليه فلا يجوز للإنسان أن يُقلِّد من يعلم أن حكمه مبنيٌّ على تصوير ناقص للمسألة .
ومن الفروق بين هذه المعاملة وبين السمسرة المباحة :(4/174)