( وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا فِي الْإِثْمِ مِثْلَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَصَحَّحَهُ ) وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ ، وَقَدْ فَسَّرَ الرِّبَا فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ : السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ الرِّبَا عَلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا الْمَعْرُوفَةِ وَتَشْبِيهُ أَيْسَرِ الرِّبَا بِإِتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِقْبَاحِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْلِ .
( وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا } ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ فَفَاءٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ لَا تُفَضِّلُوا { بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ } بِالْجِيمِ وَالزَّايِ أَيْ حَاضِرٍ ( مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِقَوْلِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَبِيعُوا ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ قَدْرًا وَزَادَهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ وَلَا تُشِفُّوا أَيْ لَا تُفَاضِلُوا وَهُوَ مِنْ الشِّفِّ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ هُنَا .
وَإِلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ ذَهَبَتْ الْجُلَّةُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعِتْرَةِ وَالْفُقَهَاءِ فَقَالُوا : يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيمَا ذَكَرَ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ } وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا رِبَا أَشَدُّ إلَّا فِي النَّسِيئَةِ ، فَالْمُرَادُ نَفْيُ الْكَمَالِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ ، وَلِأَنَّهُ مَفْهُومٌ ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ مَنْطُوقٌ وَلَا يُقَاوِمُ الْمَفْهُومُ الْمَنْطُوقَ فَإِنَّهُ مُطْرَحٌ مَعَ الْمَنْطُوقِ ، وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَيْ بِأَنَّهُ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ .
وَلَفْظُ الذَّهَبِ عَامٌّ لِجَمِيعِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَضْرُوبٍ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْوَرِقِ وَقَوْلُهُ لَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ الْمُرَادُ بِالْغَائِبِ مَا غَابَ عَنْ مَجْلِسِ الْبَيْعِ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ لَا وَالنَّاجِزُ الْحَاضِرُ .
( وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) لَا يَخْفَى مَا أَفَادَهُ مِنْ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَسَوَاءً بِسَوَاءٍ .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيمَا اتَّفَقَا جِنْسًا مِنْ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا النَّصُّ .
وَإِلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا ذَهَبَتْ الْأُمَّةُ كَافَّةً وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا عَدَاهَا مِمَّا شَارَكَهَا فِي الْعِلَّةِ وَلَكِنْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً مَنْصُوصَةً اخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا يَقْوَى لِلنَّاظِرِ الْعَارِفِ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَقَدْ أَفْرَدْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ سَمَّيْتُهَا ( الْقَوْلَ الْمُجْتَبَى ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ رِبَوِيٍّ بِرِبَوِيٍّ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْجِنْسِ مُؤَجَّلًا وَمُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْحِنْطَةِ وَالْفِضَّةِ بِالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ وَأَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ .
( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ } ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ { مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبَا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ التَّقْدِيرِ بِالْوَزْنِ لَا بِالْخَرْصِ وَالتَّخْمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالْوَزْنِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ زَادَ أَيْ أَعْطَى الزِّيَادَةَ أَوْ اسْتَزَادَ أَيْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ فَقَدْ أَرْبَى أَيْ فَعَلَ الرِّبَا الْمُحَرَّمَ وَاشْتَرَكَ فِي إثْمِهِ الْآخِذُ وَالْمُعْطِي .
( وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا } ) اسْمُهُ سَوَادُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ ابْنُ غَزِيَّةَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِزِنَةِ عَطِيَّةَ وَهُوَ مِنْ الْأَنْصَارِ { عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ } بِالْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَالنُّونِ بِزِنَةِ عَظِيمٍ يَأْتِي بَيَانُ مَعْنَاهُ ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ } ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ التَّمْرُ الرَّدِيءُ ( بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ .(1/147)
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ) الْجَنِيبُ قِيلَ الطَّيِّبُ ، وَقِيلَ الصُّلْبُ وَقِيلَ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ حَشَفُهُ وَرَدِيئُهُ ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا يَخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ ، وَقَدْ فُسِّرَ الْجَمْعُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَفَسَّرَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِأَنَّهُ الْخَلْطُ مِنْ التَّمْرِ وَمَعْنَاهُ مَجْمُوعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ .
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ يَجِبُ فِيهِ التَّسَاوِي سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ أَوْ اخْتَلَفَا وَأَنَّ الْكُلَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ : وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ قَالَ فِيمَا كَانَ يُوزَنُ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمَكِيلِ إنَّهُ لَا يُبَاعُ مُتَفَاضِلًا ، وَإِذَا أُرِيدَ مِثْلُ ذَلِكَ بِيعَ بِالدَّرَاهِمِ وَشُرِيَ مَا يُرَادُ بِهَا ، وَالْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ .
وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكِيلًا لَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ مُتَسَاوِيًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كَيْلِهِ وَتَسَاوِيهِ كَيْلًا ، وَكَذَلِكَ الْوَزْنُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُبَاعَ بِالْكَيْلِ ، بِخِلَافِ مَا كَانَ أَصْلُهُ الْكَيْلَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُجِيزُ فِيهِ الْوَزْنَ وَيَقُولُ : إنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُدْرَكُ بِالْوَزْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَغَيْرُهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ بِعَادَةِ الْبَلَدِ ، وَلَوْ خَالَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَادَةُ اُعْتُبِرَ بِالْأَغْلَبِ ، فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَكِيلِ إذَا بِيعَ بِالْكَيْلِ ، وَإِنْ بِيعَ بِالْوَزْنِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَوْزُونِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِرَدِّ الْبَيْعِ بَلْ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ قَرَّرَهُ وَإِنَّمَا أَعْلَمَهُ بِالْحُكْمِ وَعَذَرَهُ لِلْجَهْلِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ سُكُوتَ الرَّاوِي عَنْ رِوَايَةِ فَسْخِ الْعَقْدِ وَرَدَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَصْرَةَ عَنْ سَعِيدٍ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ : هَذَا الرِّبَا فَرَدَّهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ وَأَنَّ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا الرَّدُّ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ التَّرْفِيهِ عَلَى النَّفْسِ بِاخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ
==============
وفي نيل الأوطار :أبواب الربا (1)
أَبْوَابُ الرِّبَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْكَشَّافِ : كُتِبَتْ بِالْوَاوِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُفَخِّمُ كَمَا كُتِبَتْ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَزِيدَتْ الْأَلِفُ بَعْدَهَا تَشْبِيهًا بِوَاوِ الْجَمْعِ .
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ : الرِّبَا مَقْصُورٌ ، وَحُكِيَ مَدُّهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي خَطِّ الْمَصَاحِفِ بِالْوَاوِ انْتَهَى .
قَالَ الْفَرَّاءُ : إنَّمَا كَتَبُوهُ بِالْوَاوِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ ، وَلُغَتُهُمْ الرَّبْوُ فَعَلَّمُوهُمْ الْخَطَّ عَلَى صُورَةِ لُغَتِهِمْ قَالَ : وَكَذَا قَرَأَهُ أَبُو الْمُحَامَاةِ الْعَدَوِيِّ بِالْوَاوِ ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ بِسَبَبِ كَسْرَةِ الرَّاءِ ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالتَّفْخِيمِ لِفَتْحَةِ الْبَاءِ قَالَ : وَيَجُوزُ كَتْبُهُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ ا هـ وَتَثْنِيَتُهُ رَبَوَانِ ، وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كِتَابَةَ تَثْنِيَتِهِ بِالْبَاءِ بِسَبَبِ الْكَسْرِ فِي أَوَّلِهِ وَغَلَّطَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَأَصْلُ الزِّيَادَةِ إمَّا فِي نَفْسِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } وَإِمَّا فِي مُقَابِلِهِ كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَقِيلَ : هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا ، وَقِيلَ : حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي زَادَ ابْنُ سُرَيْجٍ : إنَّهُ فِي الثَّانِي حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ ، وَيُطْلَقُ الرِّبَا عَلَى كُلِّ مَبِيعٍ مُحَرَّمٍ ا هـ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِهِ .
بَابُ التَّشْدِيدِ فِيهِ 2237 - ( عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ } .
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ النَّسَائِيّ : { آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ إذَا عَلِمُوا ذَلِكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ) .
2238 - ( وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غِسِّيلِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً } رَوَاهُ أَحْمَدُ ) .
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ .أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ هُمْ سَوَاءٌ }
الشَّرْحُ
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ .
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ : وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ بِلَفْظِ : { الرِّبَا اثْنَانِ وَسِتُّونَ بَابًا أَدْنَاهَا مِثْلُ إتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ } .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ : { الرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَدْنَاهَا الَّذِي يَقَعُ عَلَى أُمِّهِ } وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ نَحْوِهِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَنْهُ نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا .
__________
(1) - نيل الأوطار - (ج 8 / ص 294-309)(1/148)
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ بِلَفْظِ : { الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا ، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ } قَوْلُهُ : ( آكِلَ الرِّبَا ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ ( وَمُؤْكِلَهُ ) بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إبْدَالُهَا وَاوًا أَيْ وَلَعَنَ مُطْعِمَهُ غَيْرَهُ ، وَسُمِّيَ آخِذُ الْمَالِ آكِلًا وَدَافِعُهُ مُؤْكِلًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأَكْلُ وَهُوَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَسَبَبُهُ إتْلَافُ أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ .
قَوْلُهُ : ( وَشَاهِدَيْهِ ) رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد بِالْإِفْرَادِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَشَاهِدَيْهِ أَوْ شَاهِدَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَكَاتِبَهُ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرِّبَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ ، فَأَمَّا مَنْ كَتَبَ أَوْ شَهِدَ غَيْرَ عَالِمٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرِّبَا وَشَهَادَتِهِ وَتَحْلِيلِ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ فِي غَيْرِهِ قَوْله تَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وقَوْله تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } فَأَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ فِيمَا أَحَلَّهُ وَفُهِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُهُمَا فِيمَا
حَرَّمَهُ .
قَوْلُهُ : ( أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ) .
إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْصِيَةَ الرِّبَا مِنْ أَشَدِّ الْمَعَاصِي ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَعْدِلُ مَعْصِيَةَ الزِّنَا الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْفَظَاعَةِ وَالشَّنَاعَةِ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهَا ، لَا شَكَّ أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ الْحَدَّ فِي الْقُبْحِ وَأَقْبَحُ مِنْهَا اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ، وَلِهَذَا جَعَلَهَا الشَّارِعُ أَرْبَى الرِّبَا ، وَبَعْدُ الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي لَا يَجِدُ لَهَا لَذَّةً وَلَا تَزِيدُ فِي مَالِهِ ، وَلَا جَاهِهِ فَيَكُونُ إثْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَشَدَّ مِنْ إثْمِ مَنْ زَنَى سِتًّا وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً هَذَا مَا لَا يَصْنَعُهُ بِنَفْسِهِ عَاقِلٌ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ آمِينْ آمِينْ .
بَابُ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا 2239 - ( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهُمَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي لَفْظٍ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ، وَفِي لَفْظٍ : { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
2240 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ) .
2241 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { التَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) 2242 - ( وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد )
الشَّرْحُ
قَوْلُهُ : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ) يَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ مِنْ مَشْرُوبٍ وَمَنْقُوشٍ وَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمُكَسَّرٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْرٍ وَخَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ ، وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ) هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ : الذَّهَبُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ مَوْزُونًا بِمَوْزُونٍ أَوْ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ أَيْ : يُوزَنُ وَزْنًا بِوَزْنٍ ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْوَزْنِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا تُشِفُّوا ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ رُبَاعِيٌّ مِنْ أَشَفَّ ، وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ الزِّيَادَةُ ، وَيُطْلَقُ عَلَى النَّقْصِ ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَا تُفَضِّلُوا .
قَوْلُهُ : ( بِنَاجِزٍ ) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَالزَّايِ أَيْ : لَا تَبِيعُوا مُؤَجَّلًا بِحَالٍّ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْغَائِبِ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤَجَّلِ كَالْغَائِبِ عَنْ الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا ، مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا ، وَالنَّاجِزُ الْحَاضِرُ .
قَوْلُهُ : ( وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ) يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْفِضَّةِ كَمَا سَلَفَ فِي الذَّهَبِ .
قَوْلُهُ : ( وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ، وَيَجُوزُ الْكَسْرُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ : إنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ } كَمَا سَيَأْتِي ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( فَمَنْ زَادَ ) .
إلَخْ ، فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ رِبَا الْفَضْلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رُجُوعِهِ فَرَوَى(1/149)
الْحَاكِمُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ حَدِيثَهُ الَّذِي فِي الْبَابِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ ، وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ رِبَا الْفَضْلِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ : { إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ : سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنْ الصَّرْفِ قَالَا : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا } ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ " قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ : إلَّا يَدًا بِيَدٍ ، قُلْت : نَعَمْ ، قَالَ : فَلَا بَأْسَ ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ : أَوَقَالَ ذَلِكَ ؟ إنَّا سَنَكْتُبُ إلَيْهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ " ، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ : سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا وَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ .
فَقَالَ : مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا ، فَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ فَكَرِهَهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ أُسَامَةَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ .
فَقِيلَ : إنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ مَنْسُوخٌ لَكِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ ( لَا رِبَا ) الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمُ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إلَّا زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ .
وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا
نَفْيُ الْأَصْلِ ، وَأَيْضًا نَفْيُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ إنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمَنْطُوقِ ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أُسَامَةَ عَلَى الرِّبَا الْأَكْبَرِ ا هـ .
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ : مَفْهُومُ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَمْ لَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا .
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ مَرْوِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ مَنْطُوقَةً ، وَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمَا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاسْتَغْفَرَ لَمَّا حَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ رَوَى الْحَازِمِيُّ رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتِغْفَارَهُ عِنْدَمَا سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ وَقَالَ : حَفِظْتُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ أَحْفَظْ وَرَوَى عَنْهُ الْحَازِمِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ ذَلِكَ بِرَأْيِي وَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُحَدِّثُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكْتُ رَأْيِي إلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعٌ ، فَهُوَ عَامٌّ مُخَصَّصٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ ؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا .
وَأَيْضًا الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِتَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ ثَابِتَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ : وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
وَهِشَامِ بْنِ عَامِرٍ وَالْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَبِلَالٍ ا هـ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ هَذَا ، وَخَرَّجَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْضَهَا ، فَلَوْ فُرِضَ مُعَارَضَةُ حَدِيثِ أُسَامَةَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَعَدَمُ إمْكَانِ الْجَمْعِ أَوْ التَّرْجِيحِ بِمَا سَلَفَ لَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَرْجَحَ مِنْ الثَّابِتِ عَنْ الْوَاحِدِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِإِسْكَانِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْفِضَّةُ ، وَقِيلَ : بِكَسْرِ الْوَاوِ : الْمَضْرُوبَةُ ، وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ .
وَالْمُرَادُ هُنَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْفِضَّةِ مَضْرُوبَةً وَغَيْرَ مَضْرُوبَةٍ .
قَوْلُهُ : { إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ } الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ ) الْمُرَادُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اللَّوْنِ اخْتِلَافًا يَصِيرُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا غَيْرَ جِنْسِ مُقَابِلِهِ ، فَمَعْنَاهُ مَعْنَى مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ } .
وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ .
2243 - ( وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا .
} أَخْرَجَاهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً ) .
2244 - ( وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ،(1/150)
وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) .
2245 - ( وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ، وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ وَفِي آخِرِهِ : { وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا ، } وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ جِنْسَيْنِ ) .
2246 - ( وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : { كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
2247 - ( وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا ، وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ) .
حَدِيثُ أَنَسٍ وَعُبَادَةُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ وَفِي إسْنَادِهِ الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ ، وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبَزَّارُ أَيْضًا وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ .
قَوْلُهُ : ( كَيْفَ شِئْنَا ) هَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ ( إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) فَلَا بُدَّ فِي بَيْعِ بَعْضِ الرِّبَوِيَّاتِ مِنْ التَّقَابُضِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّرْفِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالذَّهَبِ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ وَالتَّفْوِيضِ إلَى الْمَشِيئَةِ أَنَّهُ
يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ ، وَالْعَكْسُ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ إذَا بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ غَيْرِ صِفَةِ الْقَبْضِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْجِزَافِ وَغَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( إلَّا هَاءَ وَهَاءَ ) بِالْمَدِّ فِيهِمَا وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ : بِالْكَسْرِ وَقِيلَ : بِالسُّكُونِ ، وَحُكِيَ الْقَصْرُ بِغَيْرِ هَمْزٍ ، وَخَطَّأَهَا الْخَطَّابِيِّ وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَقَالَ : هِيَ صَحِيحَةٌ لَكِنْ قَلِيلَةٌ وَالْمَعْنَى خُذْ وَهَاتِ وَحُكِيَ بِزِيَادَةِ كَافٍ مَكْسُورَةٍ وَيُقَالُ : هَاءِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى هَاتِ وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنَى خُذْ ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : هَاءَ وَهَاءَ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّعَيْنِ هَاءَ فَيُعْطِيَهُ مَا فِي يَدِهِ وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا خُذْ وَأَعْطِ قَالَ : وَغَيْرُ الْخَطَّابِيِّ يُجِيزُ فِيهِ السُّكُونَ .
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ : هَاءَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ ، وَقَالَ الْخَلِيلُ : هَاءَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْمُنَاوَلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ : هَاءَ وَهَاءَ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِصَاحِبِهِ : هَاءَ فَيَتَقَابَضَانِ فِي الْمَجْلِسِ قَالَ : فَالتَّقْدِيرُ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ إلَّا مَقُولًا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ قَوْلُهُ : ( فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ ) .
إلَخْ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ بِجِنْسٍ آخَرَ إلَّا مَعَ الْقَبْضِ ، وَلَا يَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ وَالتَّقْدِيرِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا الْمُتَّفِقَيْنِ تَقْدِيرًا كَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ وَالْبُرِّ بِالشَّعِيرِ ، إذْ لَا يُعْقَلُ التَّفَاضُلُ وَالِاسْتِوَاءُ إلَّا فِيمَا كَانَ كَذَلِكَ وَيُجَابُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ النُّصُوصِ وَتَقْيِيدِهَا .
وَكَوْنُ التَّفَاضُلِ وَالِاسْتِوَاءِ لَا يُعْقَلُ فِي
الْمُخْتَلِفَيْنِ جِنْسًا وَتَقْدِيرًا مَمْنُوعٌ وَالسَّنَدُ أَنَّ التَّفَاضُلَ مَعْقُولٌ لَوْ كَانَ الطَّعَامُ يُوزَنُ أَوْ النُّقُودُ تُكَالُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يَبْلُغُ ثَمَنُ الطَّعَامِ إلَى مِقْدَارٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَثِيرٍ عِنْدَ شِدَّةِ الْغَلَاءِ بِحَيْثُ يُعْقَلُ أَنْ يُقَالَ : الطَّعَامُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ ؟ .
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَتْ : { اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا } فَلَا يَخْفَى أَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِصُورَةِ الرَّهْنِ ، فَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ إلْحَاقِ مَا لَا عِوَضَ فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ بِمَا فِيهِ عِوَضٌ عَنْهُ وَهُوَ الرَّهْنُ نَعَمْ إنْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ الْمَغْرِبِيُّ فِي شَرْحِ بُلُوغِ الْمَرَامِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِرِبَوِيٍّ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْعِلَّةِ مُتَفَاضِلًا أَوْ مُؤَجَّلًا كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْحِنْطَةِ وَبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلِ ا هـ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ مَنْ كَانَ يَرَى حُجَيَّةَ الْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ يُشَارِكُ مُقَابِلَهُ فِي الْعِلَّةِ ، فَإِنْ كَانَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْعَكْسُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ إجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَاسِ كَبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ أَوْ بِالتَّمْرِ أَوْ الْعَكْسِ .
فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ عُلَيَّةَ : لَا يُشْتَرَطُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَمَسَّكَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ : { إلَّا يَدًا بِيَدٍ } وَبِقَوْلِهِ : { الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ } عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ(1/151)
فِي الصَّرْفِ عِنْدَ الْإِيجَابِ بِالْكَلَامِ وَلَا يَجُوزُ التَّرَاخِي وَلَوْ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ : إنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الْإِيجَابِ ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { اشْتَرِ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ ، فَإِذَا أَخَذْتَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَلَا تُفَارِقْ صَاحِبَكَ وَبَيْنَكُمَا لَبْسٌ } فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجْلِسِ .
قَوْلُهُ : ( أَنْ يَبِيعَ الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ ) .
إلَخْ ، فِيهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ مُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَسَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ السَّلَفِ ، وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ } كَمَا فِي حَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ .
وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا فِي آخِرَ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ : { وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ } فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ التَّقْيِيدِ لِهَذَا الْمُطْلَقِ ، وَأَيْضًا التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا كَمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَكَذَلِكَ عَطَفَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مِمَّا لَا يَبْقَى مَعَهُ ارْتِيَابٌ فِي أَنَّهُمَا جِنْسَانِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُلْحَقُ بِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ غَيْرُهَا .
فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ النَّسَاءِ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الْجِنْسِ ، وَتَحْرِيمِ النَّسَاءِ فَقَطْ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ وَالِاتِّفَاقِ فِي الْعِلَّةِ فَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ : إنَّهُ لَا يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا فِي ذَلِكَ .
وَذَهَبَ مَنْ عَدَاهُمْ
مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا يُشَارِكُهَا فِي الْعِلَّةِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ مَا هِيَ ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هِيَ الِاتِّفَاقُ فِي الْجِنْسِ وَالطَّعْمِ فِيمَا عَدَا النَّقْدَيْنِ .
وَأَمَّا هُمَا فَلَا يُلْحَقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطَّعَامِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ } وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّقْدَيْنِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ، وَفِي غَيْرِهِمَا الْعِلَّةُ الْجِنْسُ وَالتَّقْدِيرُ وَالِاقْتِيَاتُ وَقَالَ رَبِيعَةُ : بَلْ اتِّفَاقُ الْجِنْسِ وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ وَقَالَتْ الْعِتْرَةُ جَمِيعًا : بَلْ الْعِلَّةُ فِي جَمِيعِهَا اتِّفَاقُ الْجِنْسِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ حَكَمَ فِيهِ عَلَى كُلِّ مَوْزُونٍ مَعَ اتِّحَادِ نَوْعِهِ وَعَلَى كُلِّ مَكِيلٍ كَذَلِكَ بِأَنَّهُ مِثْلٌ بِمِثْلٍ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ مُوجِبٌ لِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بِعُمُومِ النَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَنَعُوا مِنْ الْإِلْحَاقِ لِنَفْيِهِمْ لِلْقِيَاسِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمَكِيلِ عَلَى مَا سَيُبَيِّنُهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِلَى مِثْلِ مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْعِتْرَةُ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ ، وَحَكَى عَنْهُ أَنْ يَقُولَ : الْعِلَّةُ فِي الذَّهَبِ الْوَزْنُ ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَطْعُومَةً مَوْزُونَةً أَوْ مَكِيلَةً .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ مَنْ عَدَا الظَّاهِرِيَّةَ بِأَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ الِاتِّفَاقُ فِي الْجِنْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ
الْجُزْءِ الْآخَرِ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْعَدَدَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ مَعَ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ } وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ { وَلَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ } .
2248 - ( وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ : إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ ، فَقَالَ : لَا تَفْعَلْ ، بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا } ، وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ) الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ .
قَوْلُهُ : ( رَجُلًا ) صَرَّحَ أَبُو عَوَانَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ اسْمَهُ سَوَادُ بْنُ غَزِيَّةَ بِمُعْجَمَةِ فَزَايٍ فَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ كَعَطِيَّةٍ .
قَوْلُهُ : ( جَنِيبٌ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ : هُوَ الطَّيِّبُ ، وَقِيلَ : الصَّلْبُ ، وَقِيلَ : مَا أُخْرِجَ مِنْهُ حَشَفُهُ وَرَدِيئُهُ ، وَقِيلَ : مَا لَا يَخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ : إنَّ الْجَنِيبَ تَمْرٌ جَيِّدٌ .
قَوْلُهُ : ( بِعْ الْجَمْعَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْفَتْحِ : هُوَ التَّمْرُ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ : هُوَ الدَّقَلُ أَوْ صِنْفٌ مِنْ التَّمْرِ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَدِيءِ الْجِنْسِ بِجَيِّدِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَأَمَّا سُكُوتُ الرُّوَاةِ عَنْ فَسْخِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ إمَّا ذُهُولًا وَإِمَّا اكْتِفَاءً بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { هَذَا هُوَ الرِّبَا } فَرَدَّهُ كَمَا(1/152)
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ أَيْضًا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعِينَةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِ الْجَمْعِ جَنِيبًا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَائِعُ الْجَنِيبِ مِنْهُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْجَمْعَ ، فَيَكُونَ قَدْ عَادَتْ إلَيْهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْجَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ الْجَمْعَ ، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يَشْمَلُ ، فَإِذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا انْتَهَى .
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَيْعِ الْعِينَةِ قَوْلُهُ : ( وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ ) أَيْ : مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْمَكِيلِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْجِنْسِ مِنْهُ بِبَعْضِهِ مُتَفَاضِلًا ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بَلْ يُبَاعُ رَدِيئُهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُشْتَرَى بِهَذَا الْجَيِّدُ وَالْمُرَادُ بِالْمِيزَانِ هُنَا الْمَوْزُونُ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهُوَ حُجَّةٌ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْمَوْزُونَاتِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ( فِي الْمِيزَانِ ) أَيْ : فِي الْمَوْزُونِ وَإِلَّا فَنَفْسُ الْمِيزَانِ لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا انْتَهَى .
- - - - - - - - - - - - - - - -
الباب الرابع
الخلاصة في أحكام الربا عند الفقهاء
أولا- في الموسوعة الفقهية (1) :
رِبًا التَّعْرِيفُ :
1 - الرِّبَا فِي اللُّغَةِ : اسْمٌ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهَرِ , وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو رَبْوًا , وَرُبُوًّا وَرِبَاءً . وَأَلِفُ الرِّبَا بَدَلٌ عَنْ وَاوٍ , وَيُنْسَبُ إلَيْهِ فَيُقَالُ : رِبَوِيٌّ , وَيُثَنَّى بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ فَيُقَالُ : رِبَوَانِ , وَقَدْ يُقَالُ : رِبَيَانِ - بِالْيَاءِ - لِلْإِمَالَةِ السَّائِغَةِ فِيهِ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ . وَالْأَصْلُ فِي مَعْنَاهُ الزِّيَادَةُ , يُقَالُ : رَبَا الشَّيْءُ إذَا زَادَ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } . وَأَرْبَى الرَّجُلُ : عَامَلَ بِالرِّبَا أَوْ دَخَلَ فِيهِ , وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : { مَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى } وَالْإِجْبَاءُ : بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ . وَيُقَالُ : الرِّبَا وَالرَّمَا وَالرَّمَاءُ , وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَوْلُهُ : إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَا , يَعْنِي الرِّبَا . وَالرُّبْيَةُ - بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ - اسْمٌ مِنْ الرِّبَا , وَالرُّبْيَةُ : الرِّبَاءُ , وَفِي الْحَدِيثِ { عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صُلْحِ أَهْلِ نَجْرَانَ : أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رِبِّيَّةٌ وَلَا دَمٌ } . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هَكَذَا رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ , وَقَالَ الْفَرَّاءُ : أَرَادَ بِهَا الرِّبَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَالدِّمَاءَ الَّتِي كَانُوا يَطْلُبُونَ بِهَا , وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمْ كُلَّ رِبًا كَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا رُءُوسَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا . وَالرِّبَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ : عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ : فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ . وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ : عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا . وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ : تَفَاضُلٌ فِي أَشْيَاءَ , وَنَسْءٌ فِي أَشْيَاءَ , مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا - أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا - نَصًّا فِي الْبَعْضِ , وَقِيَاسًا فِي الْبَاقِي مِنْهَا . وَعَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا عَلَى حِدَةٍ .
( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) :
أ - الْبَيْعُ : 2 - الْبَيْعُ لُغَةً : مَصْدَرُ بَاعَ , وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ , وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ . وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ , وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَفْظُ بَائِعٍ , وَلَكِنْ اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ فَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ , وَيُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيُقَالُ : بَيْعٌ جَيِّدٌ . وَفِي الِاصْطِلَاحِ : عَرَّفَهُ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ : عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ . وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَبَقَتْ فِي مُصْطَلَحِ : ( بَيْعٌ ) . وَالْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ حَلَالٌ , وَالرِّبَا حَرَامٌ .
ب - الْعَرَايَا : 3 - الْعَرِيَّةُ لُغَةً : النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا غَيْرَهُ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهَا فَيَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا , أَوْ هِيَ النَّخْلَةُ الَّتِي أُكِلَ مَا عَلَيْهَا , وَالْجَمْعُ عَرَايَا , وَيُقَالُ : اسْتَعْرَى النَّاسُ أَيْ : أَكَلُوا الرُّطَبَ . وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الْعَرَايَا بِأَنَّهُ : بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ , أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ , فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ . وَيَذْهَبُ آخَرُونَ فِي تَعْرِيفِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَحُكْمِهِ مَذَاهِبَ يُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِهَا إلَى مُصْطَلَحِ : ( تَعْرِيَةٌ ) ( وَبَيْعُ الْعَرَايَا ) مِنْ الْمَوْسُوعَةِ 9 91 . وَبَيْعُ الْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ , وَفِيهِ مَا فِي الْمُزَابَنَةِ مِنْ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتِهِ , لَكِنَّهُ أُجِيزَ بِالنَّصِّ , وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ , وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا } , وَفِي لَفْظٍ : { عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ } وَقَالَ : ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ , إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ : { النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا } .
( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :
__________
(1) - الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7627)فما بعد(1/153)
4 - الرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ , وَمِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ , وَلَمْ يُؤْذِنْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَاصِيًا بِالْحَرْبِ سِوَى آكِلَ الرِّبَا , وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ فَقَدْ كَفَرَ - لِإِنْكَارِهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - فَيُسْتَتَابُ , فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ , أَمَّا مَنْ تَعَامَلَ بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّ الرِّبَا لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لقوله تعالى : { وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ } يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ . وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنْ الْكِتَابِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ . . . } .(1/154)
5 - قَالَ السَّرَخْسِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِآكِلِ الرِّبَا خَمْسًا مِنْ الْعُقُوبَاتِ : إحْدَاهَا : التَّخَبُّطُ . . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ } . الثَّانِيَةُ : الْمَحْقُ . . قَالَ تَعَالَى : { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا } وَالْمُرَادُ الْهَلَاكُ وَالِاسْتِئْصَالُ , وَقِيلَ : ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى لَا يَنْتَفِعَ بِهِ , وَلَا وَلَدُهُ بَعْدَهُ . الثَّالِثَةُ : الْحَرْبُ . . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } . الرَّابِعَةُ : الْكُفْرُ . . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّبَا : { وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } أَيْ : كَفَّارٍ بِاسْتِحْلَالِ الرِّبَا , أَثِيمٍ فَاجِرٍ بِأَكْلِ الرِّبَا . الْخَامِسَةُ : الْخُلُودُ فِي النَّارِ . قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . وَكَذَلِكَ - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } , قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } لَيْسَ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِهِ , بَلْ لِمُرَاعَاةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْعَادَةِ تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ , إذْ كَانَ الرَّجُلُ يُرْبِي إلَى أَجَلٍ , فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لِلْمَدِينِ : زِدْنِي فِي الْمَالِ حَتَّى أَزِيدَك فِي الْأَجَلِ , فَيَفْعَلُ , وَهَكَذَا عِنْدَ مَحَلِّ كُلِّ أَجَلٍ , فَيَسْتَغْرِقُ بِالشَّيْءِ الطَّفِيفِ مَالَهُ الْكُلِّيَّةَ , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَنَزَلَتْ الْآيَةُ . 6 - وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا : مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ , وَالسِّحْرُ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ , وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } . وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله تعالى عنهما قَالَ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ , وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ } . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَصْلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا . وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ مَسَائِلِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَتَفْسِيرِ شَرَائِطِهِ . 7 - هَذَا , وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُقْرِضُ أَوْ يَقْتَرِضُ أَوْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي أَنْ يَبْدَأَ بِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَهَا , حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً وَبَعِيدَةً عَنْ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ , وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ , وَتَرْكُهُ إثْمٌ وَخَطِيئَةٌ , وَهُوَ إنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ قَدْ يَقَعُ فِي الرِّبَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الْإِرْبَاءَ , بَلْ قَدْ يَخُوضُ فِي الرِّبَا وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ تَرَدَّى فِي الْحَرَامِ وَسَقَطَ فِي النَّارِ , وَجَهْلُهُ لَا يُعْفِيهِ مِنْ الْإِثْمِ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنْ النَّارِ ; لِأَنَّ الْجَهْلَ وَالْقَصْدَ لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الرِّبَا , فَالرِّبَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ - مِنْ الْمُكَلَّفِ - مُوجِبٌ لِلْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِهِ الْمُرَابِينَ , يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ : لَوْ لَمْ يَكُنْ الرِّبَا إلَّا عَلَى مَنْ قَصَدَهُ مَا حُرِّمَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ . وَقَدْ أُثِرَ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الِاتِّجَارِ قَبْلَ تَعَلُّمِ مَا يَصُونُ الْمُعَامَلَاتِ التِّجَارِيَّةَ مِنْ التَّخَبُّطِ فِي الرِّبَا , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه : لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ , وَإِلَّا أَكَلَ الرِّبَا , وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه : مَنْ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ , أَيْ : وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشِبَ . وَقَدْ حَرَصَ الشَّارِعُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الرِّبَا ; لِأَنَّ مَا أَفْضَى إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ , وَكُلُّ ذَرِيعَةٍ إلَى الْحَرَامِ هِيَ حَرَامٌ , رَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : { لَمَّا نَزَلَتْ : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ . . } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ لَمْ يَذَرْ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ , وَالْمُزَابَنَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , وَالْمُحَاقَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءِ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ فِي الْحَقْلِ بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , إنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا ; لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ الْجَفَافِ , وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ , وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ , وَتَفَاوَتَ نَظَرُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ الْعِلْمِ .(1/155)
8 - وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : ثَلَاثٌ وَدِدْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إلَيْهِ : الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنْ الرِّبَا , يَعْنِي - كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَائِبَةُ الرِّبَا , وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا , وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا , فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ , وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ : ثَلَاثٌ لَأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَهُنَّ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : الْكَلَالَةُ , وَالرِّبَا , وَالْخِلَافَةُ .
حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا :
9 - أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ لِتَحْرِيمِ الرِّبَا حِكَمًا تَشْرِيعِيَّةً : مِنْهَا : أَنَّ الرِّبَا يَقْتَضِي أَخْذَ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ; لِأَنَّ مَنْ يَبِيعُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً تَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ , وَمَالُ الْمُسْلِمِ مُتَعَلِّقُ حَاجَتِهِ , وَلَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ , قَالَ صلى الله عليه وسلم : { حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ } وَإِبْقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ , فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ , وَأَخْذُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ مُتَيَقَّنٌ , وَتَفْوِيتُ الْمُتَيَقَّنِ لِأَجْلِ الْمَوْهُومِ لَا يَخْلُو مِنْ ضَرَرٍ . وَمِنْهَا : أَنَّ الرِّبَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْمَكَاسِبِ ; لِأَنَّ صَاحِبَ الدِّرْهَمِ إذَا تَمَكَّنَ بِوَاسِطَةِ عَقْدِ الرِّبَا مِنْ تَحْصِيلِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً خَفَّ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ وَجْهِ الْمَعِيشَةِ , فَلَا يَكَادُ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الشَّاقَّةِ , وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ الَّتِي لَا تَنْتَظِمُ إلَّا بِالتِّجَارَاتِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْعِمَارَاتِ . وَمِنْهَا : أَنَّ الرِّبَا يُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْقَرْضِ ; لِأَنَّ الرِّبَا إذَا حُرِّمَ طَابَتْ النُّفُوسُ بِقَرْضِ الدِّرْهَمِ وَاسْتِرْجَاعِ مِثْلِهِ , وَلَوْ حَلَّ الرِّبَا لَكَانَتْ حَاجَةُ الْمُحْتَاجِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ , فَيُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ . . . فَرِبَا النَّسِيئَةِ , وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ , وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَالِ , حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً , وَفِي الْغَالِبِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ , فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ , وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ , فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ , وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ , وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ , فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ , وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ مِنْهُ لِأَخِيهِ , فَيَأْكُلُ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ , وَيَحْصُلُ أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ , فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا . . . 10 - وَأَمَّا الْأَصْنَافُ السِّتَّةُ الَّتِي حُرِّمَ فِيهَا الرِّبَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ , مِثْلًا بِمِثْلٍ , يَدًا بِيَدٍ , فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى , الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ } .(1/156)
11 - أَمَّا هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَقَدْ أَجْمَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا حَيْثُ قَالَ : وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ التِّجَارَةِ فِي الْأَثْمَانِ - أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - بِجِنْسِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الْأَثْمَانِ , وَمُنِعُوا التِّجَارَةَ فِي الْأَقْوَاتِ - أَيْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ - بِجِنْسِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الْأَقْوَاتِ . وَفَصَّلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ : الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هِيَ الثَّمَنِيَّةُ , فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ , وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ تَقْوِيمُ الْأَمْوَالِ , فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا مَضْبُوطًا لَا يَرْتَفِعُ وَلَا يَنْخَفِضُ , إذْ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ كَالسِّلَعِ لَمْ يَكُنْ لَنَا ثَمَنٌ نَعْتَبِرُ بِهِ الْمَبِيعَاتِ , بَلْ الْجَمِيعُ سِلَعٌ , وَحَاجَةُ النَّاسِ إلَى ثَمَنٍ يَعْتَبِرُونَ بِهِ الْمَبِيعَاتِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عَامَّةٌ , وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِسِعْرٍ تُعْرَفُ بِهِ الْقِيمَةُ , وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِثَمَنٍ تُقَوَّمُ بِهِ الْأَشْيَاءُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ , وَلَا يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ , إذْ يَصِيرُ سِلْعَةً يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ , فَتَفْسُدُ مُعَامَلَاتُ النَّاسِ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَيَشْتَدُّ الضَّرَرُ . . . فَالْأَثْمَانُ لَا تُقْصَدُ لِأَعْيَانِهَا , بَلْ يُقْصَدُ التَّوَصُّلُ بِهَا إلَى السِّلَعِ , فَإِذَا صَارَتْ فِي أَنْفُسِهَا سِلَعًا تُقْصَدُ لِأَعْيَانِهَا فَسَدَ أَمْرُ النَّاسِ . وَأَضَافَ : وَأَمَّا الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ الْمَطْعُومَةُ فَحَاجَةُ النَّاسِ إلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى غَيْرِهَا ; لِأَنَّهَا أَقْوَاتُ الْعَالَمِ , فَمِنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَنْ مُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَى أَجَلٍ , سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ , وَمُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ حَالًّا مُتَفَاضِلًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا , وَجُوِّزَ لَهُمْ التَّفَاضُلُ مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا . فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : وَسِرُّ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَوْ جَوَّزَ بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا إذَا رَبِحَ , وَحِينَئِذٍ تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِبَيْعِهَا حَالَّةً لِطَمَعِهِ فِي الرِّبْحِ , فَيَعِزُّ الطَّعَامُ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ , . . فَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ الشَّارِعِ بِهِمْ وَحِكْمَتِهِ أَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِيهَا كَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِي الْأَثْمَانِ ; إذْ لَوْ جَوَّزَ لَهُمْ النَّسَاءَ فِيهَا لَدَخَلَهَا إمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ فَيَصِيرُ الصَّاعُ الْوَاحِدُ لَوْ أُخِذَ قُفْزَانًا كَثِيرَةً , فَفُطِمُوا عَنْ النَّسَاءِ , ثُمَّ فُطِمُوا عَنْ بَيْعِهَا مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ , إذْ تَجُرُّهُمْ حَلَاوَةُ الرِّبْحِ وَظَفَرُ الْكَسْبِ إلَى التِّجَارَةِ فِيهَا نَسَاءً وَهُوَ عَيْنُ الْمَفْسَدَةِ , وَهَذَا بِخِلَافِ الْجِنْسَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ فَإِنَّ حَقَائِقَهُمَا وَصِفَاتِهِمَا وَمَقَاصِدَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ , فَفِي إلْزَامِهِمْ الْمُسَاوَاةَ فِي بَيْعِهَا إضْرَارٌ بِهِمْ , وَلَا يَفْعَلُونَهُ , وَفِي تَجْوِيزِ النَّسَاءِ بَيْنَهَا ذَرِيعَةٌ إلَى إمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ فَكَانَ مِنْ تَمَامِ رِعَايَةِ مَصَالِحِهِمْ أَنْ قَصَرَهُمْ عَلَى بَيْعِهَا يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شَاءُوا , فَحَصَلَتْ لَهُمْ الْمُبَادَلَةُ , وَانْدَفَعَتْ عَنْهُمْ مَفْسَدَةُ إمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ نَسَاءً فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ , فَلَوْ مُنِعُوا مِنْهُ لَأَضَرَّ بِهِمْ , وَلَامْتَنَعَ السَّلَمُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ فِيمَا هُمْ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ , وَالشَّرِيعَةُ لَا تَأْتِي بِهَذَا , وَلَيْسَ بِهِمْ حَاجَةٌ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً , وَهُوَ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ إلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا , فَأُبِيحَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَدْعُو إلَيْهِ حَاجَتُهُمْ وَلَيْسَ بِذَرِيعَةٍ إلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ , وَمُنِعُوا مِمَّا لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَتَذَرَّعُ بِهِ غَالِبًا إلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ .
أَقْسَامُ الرِّبَا :
رِبَا الْبَيْعِ ( رِبَا الْفَضْلِ ) : 12 - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ الرِّبَوِيَّةِ , وَاَلَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ فِي الْبُيُوعِ , وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ أَنْوَاعِهِ : فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ :
1 - رِبَا الْفَضْلِ . . وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ .
2 - رِبَا النَّسِيئَةِ . . . وَهُوَ : فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى الْأَجَلِ , وَفَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ أَوْ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ , أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ أَوْ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ رِبَا الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : 1 - رِبَا الْفَضْلِ . . وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ .
2 - رِبَا الْيَدِ . . وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ .
3 - رِبَا النَّسَاءِ . . وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَجَلٍ وَلَوْ قَصِيرًا فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ . وَزَادَ الْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ , قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى رِبَا الْفَضْلِ , وَقَالَ الرَّمْلِيُّ : إنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ , وَعَلَّلَ الشَّبْرامَلِّسِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : إنَّمَا جُعِلَ رِبَا الْقَرْضِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي الْبَيْعَ - ; لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ بَاعَ مَا أَقْرَضَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ مِنْهُ حُكْمًا .
رِبَا النَّسِيئَةِ :(1/157)
13 - وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ نَظِيرِ الْأَجَلِ أَوْ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الرِّبَا رِبَا النَّسِيئَةِ مِنْ أَنْسَأْته الدَّيْنَ : أَخَّرْته - لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ مُقَابِلُ الْأَجَلِ أَيًّا كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا . وَسُمِّيَ رِبَا الْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ حُرِّمَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً . . . } . ثُمَّ أَكَّدَتْ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَحْرِيمَهُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى . ثُمَّ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهِ . وَسُمِّيَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ , لِأَنَّ تَعَامُلَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّبَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِهِ كَمَا قَالَ الْجَصَّاصُ . وَالرِّبَا الَّذِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَتَفْعَلُهُ إنَّمَا كَانَ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَى أَجَلٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مِقْدَارِ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى مَا يَتَرَاضَوْنَ بِهِ . وَسُمِّيَ أَيْضًا الرِّبَا الْجَلِيُّ , قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : الْجَلِيُّ : رِبَا النَّسِيئَةِ , وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ , وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَهُ فِي الْمَالِ حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً . . 14 - وَرِبَا الْفَضْلِ يَكُونُ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ , كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا , أَوْ بَيْعِ صَاعِ قَمْحٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ الْقَمْحِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَيُسَمَّى رِبَا الْفَضْلِ لِفَضْلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ , وَإِطْلَاقُ التَّفَاضُلِ عَلَى الْفَضْلِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ , فَإِنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ . وَيُسَمَّى رِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ : وَيُسَمَّى الرِّبَا الْخَفِيَّ , قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : الرِّبَا نَوْعَانِ : جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ , فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ , لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ , وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ , لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجَلِيِّ , فَتَحْرِيمُ الْأَوَّلِ قَصْدًا , وَتَحْرِيمُ الثَّانِي لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ , فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَتَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ } وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا , فَمَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِمَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا بَاعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ - وَلَا يُفْعَلُ هَذَا إلَّا لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ النَّوْعَيْنِ - إمَّا فِي الْجَوْدَةِ , وَإِمَّا فِي السِّكَّةِ , وَإِمَّا فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ - تَدَرَّجُوا بِالرِّبْحِ الْمُعَجَّلِ فِيهَا إلَى الرِّبْحِ الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ عَيْنُ رِبَا النَّسِيئَةِ , وَهَذَا ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا , فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ سَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الذَّرِيعَةَ , وَهِيَ تَسُدُّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَفْسَدَةِ . .
أَثَرُ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ :(1/158)
15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يُخَالِطُهُ الرِّبَا مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ , وَأَنَّ مَنْ أَرْبَى يُنْقَضُ عَقْدُهُ وَيُرَدُّ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا ; لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَنَهَى عَنْهُ , وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : { جَاءَ بِلَالٌ - رضي الله عنه - بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ فَقَالَ بِلَالٌ : مِنْ تَمْرٍ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٍ , فَبِعْت مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ : أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا , لَا تَفْعَلْ , وَلَكِنْ إذَا أَرَدْت أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ } فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : { أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا } أَيْ هُوَ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ نَفْسُهُ لَا مَا يُشْبِهُهُ , وَقَوْلُهُ : { فَهُوَ رَدٌّ } يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فَسْخِ صَفْقَةِ الرِّبَا وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِوَجْهٍ . وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا : رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ } . وَقَالَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ : الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالْإِبْطَالُ . وَفَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ : مَنْ بَاعَ بَيْعًا أَرْبَى فِيهِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِلرِّبَا فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ , وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا كَانَ قَائِمًا , وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ , فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا , أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا , فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا } . فَإِنْ فَاتَ الْبَيْعُ فَلَيْسَ , لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ قَبَضَ الرِّبَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ , فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْبَى ثُمَّ تَابَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ , وَمَا قَبَضَ مِنْ الرِّبَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ , وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ رِبَا , فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ } وَأَمَّا إنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْ الرِّبَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ , وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا أَعْلَمُهُ . وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : اشْتِرَاطُ الرِّبَا فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ , لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ , فَيُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ , وَلَا يُمْلَكُ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِالْقَبْضِ , يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ : الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سِيَّانِ , أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهَا فَهُوَ الْبُطْلَانُ , وَإِنْ تَرَتَّبَ فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا فَهُوَ الْفَسَادُ , وَإِلَّا فَهُوَ الصِّحَّةُ . وَالْبَيْعُ الرِّبَوِيُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ , وَحُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِوَضَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَجِبُ رَدُّهُ لَوْ قَائِمًا , وَرَدُّ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَوْ مُسْتَهْلَكًا , وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الزِّيَادَةِ الرِّبَوِيَّةِ لَوْ قَائِمَةً , لَا رَدُّ ضَمَانِهَا , قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ , حَقَّ الْعَبْدِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَمِثْلِهِ لَوْ هَالِكًا , وَحَقَّ الشَّرْعِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لِنَقْضِ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا , وَبَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يَتَأَتَّى رَدُّ عَيْنِهِ فَتَعَيَّنَ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ , ثُمَّ إنْ رَدَّ عَيْنَهُ لَوْ قَائِمًا فِيمَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الزَّائِدِ , أَمَّا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزَادَهُ دَانِقًا هِبَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ .
الْخِلَافُ فِي رِبَا الْفَضْلِ :
16 - أَطْبَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ إذَا اجْتَمَعَ التَّفَاضُلُ مَعَ النَّسَاءِ , وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ : صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم إبَاحَتُهُ , وَكَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ , وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهم , وَفِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه شَيْءٌ مُحْتَمَلٌ , وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما مِنْ الصَّحَابَةِ , وَأَمَّا التَّابِعُونَ : فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ , وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ .
انْقِرَاضُ الْخِلَافِ فِي رِبَا الْفَضْلِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ :(1/159)
17 - نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ : أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ : مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ , وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ , وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ , وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ , وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ , وَلَا فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ , وَلَا بُرٍّ بِبُرٍّ , وَلَا شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ , وَلَا تَمْرٍ بِتَمْرٍ , وَلَا مِلْحٍ بِمِلْحٍ , مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ , وَلَا نَسِيئَةً , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَى وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ , قَالَ : وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَمَاعَةٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ . وَنَاقَشَ السُّبْكِيّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ , وَانْتَهَى إلَى الْقَوْلِ : فَعَلَى هَذَا امْتَنَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ , لَكِنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَغْنُونَ عَنْ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَضَافِرَةِ , وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ خَفِيَّةٍ سَنَدُهَا قِيَاسٌ أَوْ اسْتِنْبَاطٌ دَقِيقٌ .
الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ :
18 - رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ : مِنْهَا : مَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : { لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ } . وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ , لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا , فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ , فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ , وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ , وَالصَّرْفُ هَاءٌ وَهَاءٌ } . وَمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ , مِثْلًا بِمِثْلٍ , سَوَاءً بِسَوَاءٍ , يَدًا بِيَدٍ , فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : مِثْلُ هَذَا يُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْكَمَالِ وَأَنَّ الرِّبَا الْكَامِلَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّسِيئَةِ , كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وَكَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : إنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ , وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ , قَالَ : قِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : { لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ } الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمُ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ , كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إلَّا زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ , وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ . وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ : يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَفْهُومَ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ أَمْ لَا , فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا , فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا .
الْأَجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا :
19 - الْأَجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا سِتَّةٌ وَهِيَ : الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ , وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ , مِنْ أَتَمِّهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ السَّابِقُ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ السُّنَّةِ , وَعَلَيْهَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ , إلَّا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ مَالِكًا جَعَلَهُمَا صِنْفًا وَاحِدًا , فَلَا يَجُوزُ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ , وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ , وَأَضَافَ مَالِكٌ إلَيْهِمَا السُّلْتَ . وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَجْرِي إلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ , وَلَا يَجْرِي فِي الْجِنْسَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ } . وَخَالَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَالَ : كُلُّ شَيْئَيْنِ يَتَقَارَبُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا , كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ , لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبُ نَفْعُهُمَا فَجَرَيَا مَجْرَى نَوْعَيْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ .
الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ :(1/160)
20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا سِوَى الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه , وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ , هَلْ يَحْرُمُ الرِّبَا فِيهَا كَمَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ أَمْ لَا يَحْرُمُ ؟ . فَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ , بَلْ يَتَعَدَّى إلَى مَا فِي مَعْنَاهَا , وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ ثُبُوتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ , فَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ , فَتُسْتَخْرَجُ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ عِلَّتُهُ فِيهِ . وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَإِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ رَوَيَا حَدِيثَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ وَفِي آخِرِهِ { وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ } فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ , وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الرَّمَا } أَيْ الرِّبَا , وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الصَّاعِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصَّاعِ , كَمَا يُقَالُ خُذْ هَذَا الصَّاعَ أَيْ مَا فِيهِ , وَوَهَبْت لِفُلَانٍ صَاعًا أَيْ مِنْ الطَّعَامِ . وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ , فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَكُلُّ تَمْرَ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ : لَا , وَاَللَّهِ , يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَا تَفْعَلُوا , وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ , أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا , وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ } . يَعْنِي مَا يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ , فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْآثَارِ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ إلَى غَيْرِهَا . وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَالَ الرِّبَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ , وَلَكِنْ ذَكَرَ حُكْمَ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ . وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلَاتِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : { كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ نَبِيعُ الْأَوْسَاقَ وَنَبْتَاعُهَا } وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ مِمَّا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الْأَجْنَاسُ الْمَذْكُورَةُ . وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَنَفَّات الْقِيَاسِ أَنَّهُمْ قَصَرُوا التَّحْرِيمَ عَلَى الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا , وَقَالُوا إنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِهَا بَلْ إنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ , وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ : أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَالْأَقْوَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ , فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُلِّ الْمَكِيلَاتِ أَوْ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ لَقَالَ : لَا تَبِيعُوا الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ مُتَفَاضِلًا أَوْ : لَا تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلًا , فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا وَأَكْثَرَ فَائِدَةً , فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَعَدَّ الْأَرْبَعَةَ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا . وَأَنَّ التَّعْدِيَةَ مِنْ مَحَلِّ النَّصِّ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ لَا تُمْكِنُ إلَّا بِوَاسِطَةِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ عِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ غَيْرُ جَائِزٍ .
عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا :(1/161)
21 - اتَّفَقَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ , وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ , وَأَنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاحِدَةٌ , وَعِلَّةَ الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخْرَى وَاحِدَةٌ . . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ . 22 - فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : الْعِلَّةُ : الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ , وَقَدْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ } وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { مِثْلًا بِمِثْلٍ } وَيَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنَ فِيمَا يُوزَنُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ } , وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : { لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ } , وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَكِيلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَمْ يَكُنْ , وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إمَّا إجْمَاعًا ( أَيْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) أَوْ ; لِأَنَّ التَّسَاوِيَ حَقِيقَةً لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِمَا , وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ إجْمَاعًا أَوْ هُوَ مُعَرِّفٌ لِلتَّسَاوِي حَقِيقَةً أَوْلَى مِنْ الْمَصِيرِ إلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي حَقِيقَةً فِيهِ ; وَلِأَنَّ التَّسَاوِيَ وَالْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { مِثْلًا بِمِثْلٍ } , وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { سَوَاءً بِسَوَاءٍ } أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ , وَالْمُمَاثَلَةُ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى أَتَمُّ , وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ ; لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يُوجِبُ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً , وَالْجِنْسُ يُوجِبُهَا مَعْنًى , فَكَانَ أَوْلَى . 23 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا , فَقِيلَ : غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ , وَقِيلَ : مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ , وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْنَعْ الرِّبَا فِيهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ النَّاسُ . وَعِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِي الطَّعَامِ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ , وَالِاقْتِيَاتُ مَعْنَاهُ قِيَامُ بِنْيَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ - أَيْ حِفْظُهَا وَصِيَانَتُهَا - بِحَيْثُ لَا تَفْسُدُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ , وَفِي مَعْنَى الِاقْتِيَاتِ إصْلَاحُ الْقُوتِ كَمِلْحٍ وَتَوَابِلَ , وَمَعْنَى الِادِّخَارُ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْأَجَلِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً , وَلَا حَدَّ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ , فَالْمَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ , وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِادِّخَارُ مُعْتَادًا , وَلَا عِبْرَةَ بِالِادِّخَارِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ . وَإِنَّمَا كَانَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ عِلَّةَ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ لِخَزْنِ النَّاسِ لَهُ حِرْصًا عَلَى طَلَبِ وُفُورِ الرِّبْحِ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ . وَعِلَّةُ رِبَا النَّسَاءِ مُجَرَّدُ الطَّعْمِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي , فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ وَالْخُضَرُ كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .(1/162)
24 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا - كَمَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِجِنْسِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا أَوْ بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا , وَهَذِهِ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَتَعَدَّاهُمَا إذْ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا , فَتَحْرِيمُ الرِّبَا فِيهِمَا لَيْسَ لِمَعْنَى يَتَعَدَّاهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَجُزْ إسْلَامُهُمَا فِيمَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ ; لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لَا يَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ , فَلَمَّا جَازَ إسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا لِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّاهُمَا وَهُوَ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ . وَذَكَرَ لَفْظَ " غَالِبًا " فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ , فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا , وَيَدْخُلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا الْأَوَانِي وَالتِّبْرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ : الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ , وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَمَعَهُمَا , قَالَ : وَكُلُّهُ قَرِيبٌ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ : جَزَمَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُمَا قِيَمِ الْأَشْيَاءِ , وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ ; لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا , وَلَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بِهَا , وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ , حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ . وَمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا . . لَا رِبَا فِيهَا , فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا . وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ , وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ , وَالدَّلِيلُ مَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } فَقَدْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ , وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُشْتَقِّ مُعَلَّلٌ بِمَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ كَالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالسَّارِقِ وَالزَّانِي . وَلِأَنَّ الْحَبَّ مَا دَامَ مَطْعُومًا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا , فَإِذَا زُرِعَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْعُومًا لَمْ يَحْرُمْ فِيهِ الرِّبَا , فَإِذَا انْعَقَدَ الْحَبُّ وَصَارَ مَطْعُومًا حُرِّمَ فِيهِ الرِّبَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ مَطْعُومًا , فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يُطْعَمُ . وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ مَكِيلَةٌ أَوْ مَطْعُومَةٌ مَوْزُونَةٌ , وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْرُمُ الرِّبَا إلَّا فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ . وَالْجَدِيدُ هُوَ الْأَظْهَرُ , وَتَفْرِيعُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَيْهِ , قَالُوا : الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا قُصِدَ لِطَعْمِ الْآدَمِيِّ غَالِبًا , بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطَّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا نَادِرًا , وَالطَّعْمُ يَكُونُ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا , وَالثَّلَاثَةُ تُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ , فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ , فَأَلْحَقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ , وَنَصَّ فِيهِ عَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ , فَأَلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ , وَنَصَّ فِيهِ عَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ , فَأَلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى وَالسَّقَمُونْيَا وَالزَّنْجَبِيلِ , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ وَمَا يُصْلِحُ الْبَدَنَ , فَالْأَغْذِيَةُ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْأَدْوِيَةُ لِرَدِّ الصِّحَّةِ . 25 - وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ : أَشْهَرُهَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ , وَفِي الْأَجْنَاسِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ , فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ , وَلَا يَتَأَتَّى وَزْنُهُ كَمَا دُونَ الْأَرْزَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا , مَطْعُومًا كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ , وَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالْمَعْدُودَاتِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهَا , فَيَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ وَخِيَارَةٍ وَبِطِّيخَةٍ بِمِثْلِهَا , نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا , لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَقَالَ : لَا يَصْلُحُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ ; لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ , وَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِيمَا لَا يُوزَنُ عُرْفًا لِصِنَاعَتِهِ , وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنْ النَّقْدَيْنِ كَالْمَعْمُولِ مِنْ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ , كَالْخَوَاتِمِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَثْمَانِ الثَّمَنِيَّةُ , وَفِيمَا عَدَاهَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا عَدَاهَا ; لِمَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ(1/163)
مِثْلًا بِمِثْلٍ } وَلِأَنَّ الطَّعْمَ وَصْفُ شَرَفٍ إذْ بِهِ قِوَامُ الْأَبْدَانِ , وَالثَّمَنِيَّةُ وَصْفُ شَرَفٍ إذْ بِهَا قِوَامُ الْأَمْوَالِ , فَيَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِهِمَا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْأَثْمَانِ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ إسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا الْفَضْلُ يَكْفِي فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ . وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ , كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا , وَلَا فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ , لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَثَرًا , وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِجَمِيعِهَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ ; وَلِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْجِنْسَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَحْقِيقِهَا فِي الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لَا مَا تَحَقَّقَ شَرْطُهُ . وَالطَّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ بِهِ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ , وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ , وَلِهَذَا وَجَبَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ غَيْرِهِمَا , وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَتَقْيِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْآخَرِ , { فَنَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ } يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ , وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَطْعُومِ الْمَنْهِيِّ عَنْ التَّفَاضُلِ فِيهِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : وَلَا فَرْقَ فِي الْمَطْعُومَاتِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ قُوتًا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدَّخَنِ , أَوْ أَدَمًا كَالْقُطْنِيَّاتِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ , أَوْ تَفَكُّهًا كَالثِّمَارِ , أَوْ تَدَاوِيًا كَالْإِهْلِيلِجِ وَالسَّقَمُونْيَا , فَإِنَّ الْكُلَّ فِي بَابِ الرِّبَا وَاحِدٌ .
مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا :
26 - إذَا تَحَقَّقَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي مَالٍ مِنْ الْأَمْوَالِ , فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ ; لِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ , مِثْلًا بِمِثْلٍ , سَوَاءً بِسَوَاءٍ , يَدًا بِيَدٍ , فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } . وَهَذَا قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ , وَفِيمَا عَدَاهُ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعِلَّةِ . وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُ أَحْكَامِ الرِّبَا كُلُّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ .(1/164)
27 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ , فَإِنْ وُجِدَا حُرِّمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ , فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ , وَلَا بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ وَأَحَدُهُمَا نَسَاءٌ , وَإِنْ عُدِمَا - أَيْ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ - حَلَّ الْبَيْعُ , وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَيْ الْقَدْرُ وَحْدَهُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ , أَوْ الْجِنْسُ وَحْدَهُ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِهَرَوِيٍّ مِثْلِهِ حَلَّ الْفَضْلُ وَحُرِّمَ النَّسَاءُ . قَالُوا : أَمَّا إذَا وُجِدَ الْمِعْيَارُ وَعُدِمَ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ , فَلِقَوْلِهِ عليه السلام { إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ , وَيُرْوَى النَّوْعَانِ , فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ } وَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ الْجِنْسِيَّةُ وَعُدِمَ الْمِعْيَارُ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ , فَإِنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ وَلَهُ فَضْلٌ عَلَيْهِ , فَيَكُونُ الْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ التَّعْجِيلُ رِبًا ; لِأَنَّهُ فَضْلٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ فَيَحْرُمُ . وَيَحْرُمُ بَيْعُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَنَسِيئَةً وَلَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ , كَجِصٍّ كَيْلِيٍّ أَوْ حَدِيدٍ وَزْنِيٍّ , وَيَحِلُّ بَيْعُ ذَلِكَ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا وَبِلَا مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ , فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُقَدِّرْ الْمِعْيَارَ بِالذُّرَةِ وَبِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الصَّاعِ , وَكَذُرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا , فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ . وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فَرَأَى تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ . وَجَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ سَوَاءٌ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ } ; وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ فَيَلْغُو , وَاسْتَثْنَوْا مَسَائِلَ لَا يَجُوزُ فِيهَا إهْدَارُ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ , وَهِيَ : مَالُ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفُ وَالْمَرِيضُ فَلَا يُبَاعُ الْجَيِّدُ مِنْهُ بِالرَّدِيءِ . وَيَجُوزُ بَيْعُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ وَالْقُلْبِ وَالْمَرْهُونِ إذَا انْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِخِلَافِ جِنْسِهِ . وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِكَيْلِهِ فَكَيْلِيٌّ أَبَدًا , وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِوَزْنِهِ فَوَزْنِيٌّ أَبَدًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ , وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ النَّصِّ وَأَشَارَ ابْنُ عَابِدِينَ إلَى تَقْوِيَتِهِ , وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ ; لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا ; لِأَنَّ الْعَادَةَ إذْ ذَاكَ كَذَلِكَ , وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ , حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَكْسِ لَوَرَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لَهُ , وَلَوْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي حَيَاتِهِ لَنَصَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ . وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْعُ قُطْنٍ بِغَزْلِ قُطْنٍ فِي الْأَصَحِّ , وَبَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا , وَبَيْعُ لُحُومٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَبَنُ بَقَرٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ , وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ , وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ , وَلَا بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ . وَلَا رِبَا بَيْنَ مُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ عِنَانٍ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ .
28 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : لَا يَجُوزُ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ , وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ , وَالطَّعَامُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَشِبْهُهَا مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَوْ إدَامٍ لَا يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ , وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ , وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ , كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ , كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ . وَلَا بَأْسَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَمَا لَا يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ , وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَسَائِرِ الْإِدَامِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا الْمَاءَ وَحْدَهُ , وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ , وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ إلَّا فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ , وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ , وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَالتَّمْرُ كُلُّهُ صِنْفٌ , وَالْقُطْنِيَّةُ أَجْنَاسٌ فِي الْبُيُوعِ , وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ , وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ , وَلُحُومُ الطَّيْرِ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ , وَلُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ كُلُّهَا جِنْسٌ , وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ , وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْإِنْسِيِّ مِنْهُ وَالْوَحْشِيِّ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ , وَكَذَلِكَ جُبْنُهُ وَسَمْنُهُ , كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا .(1/165)
29 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا جِنْسًا اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ , أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ , وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ , وَدَقِيقُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخَلُّهَا وَدُهْنُهَا أَجْنَاسٌ ; لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا , وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ . وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ . وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا , وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْبَيْعِ , وَقِيلَ : الْكَيْلُ , وَقِيلَ : الْوَزْنُ , وَقِيلَ : يَتَخَيَّرُ , وَقِيلَ : إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اُعْتُبِرَ . وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ ; لِأَنَّهُ { صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ : أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا : نَعَمْ , فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ } أَشَارَ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ : { أَيَنْقُصُ } إلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَإِلَّا فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ , وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ , فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ , وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ , لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ , وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَصْلًا قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ , وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رُطَبًا ; لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ . وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ , وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَهُمَا جِنْسَانِ , وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ سِتَّةَ أَشْيَاءَ وَحَرَّمَ فِيهَا التَّفَاضُلَ إذَا بِيعَ كُلٌّ مِنْهَا بِمَا وَافَقَهُ فِي الِاسْمِ وَأَبَاحَ فِيهِ التَّفَاضُلَ إذَا بِيعَ بِمَا خَالَفَهُ فِي الِاسْمِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسَانِ . 30 - وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : كُلُّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا , وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ , وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً , وَالدَّلِيلُ حَدِيثُ عُبَادَةَ السَّابِقُ , وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلَ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ - فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ - وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الرُّطَبِ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا الْعَرَايَا , فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ فَيَجُوزُ مَعَ التَّمَاثُلِ , وَأَمَّا مَا لَا يَيْبَسُ كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ , وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلًا , وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَى الْعُرْفِ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ } . وَمَا لَا عُرْفَ فِيهِ بِالْحِجَازِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدَهُمَا : يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ . وَالثَّانِيَ : يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ . وَالتُّمُورُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا , وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ . هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ , وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ , وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءٍ مِنْ فُرُوعِهَا : السَّوِيقُ , وَالدَّقِيقُ فِي الصَّحِيحِ , وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالدَّقِيقِ , فَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِ فُرُوعِهَا بِبَعْضٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِنَوْعِهِ مُتَسَاوِيًا , فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ . وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّحْمَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ , وَفِي اللَّبَنِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا : هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ . وَالثَّانِيَةُ : هُوَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ كَاللَّحْمِ , وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ , وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ , وَاخْتَارَ الْقَاضِي جَوَازَهُ , وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ , وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ بِأُصُولِهَا وَالْعَصِيرِ بِأَصْلِهِ . وَبَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْمُعْتَصَرَاتِ بِجِنْسِهِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا , وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَكَيْفَ شَاءَ ; لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ , وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا بِالْكَيْلِ , وَسَوَاءٌ أَكَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَمْ نِيئَيْنِ , أَمَّا بَيْعُ النِّيءِ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ .
مِنْ مَسَائِلِ الرِّبَا :
31 - مَسَائِلُ الرِّبَا كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ , وَالْعِلَّةُ هِيَ الْأَصْلُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَامَّةُ مَسَائِلِ الرِّبَا . أَوْ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعَهُ مُنْتَشِرَةٌ , وَاَلَّذِي يَرْبِطُ لَك ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا اعْتَبَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا .
وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ وَمُخْتَارَاتٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ :(1/166)
الْمُحَاقَلَةُ : 32 - بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ مِنْ التِّبْنِ , وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ جَهْلِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي ( بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ ) ( وَمُحَاقَلَةٌ ) .
الْمُزَابَنَةُ : 33 - بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ , وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا ; لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي : ( بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ ) . الْعِينَةُ : 34 - بَيْعُ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ , إلَى أَجَلٍ , ثُمَّ شِرَاؤُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ , وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - لِأَنَّهُ مِنْ الرِّبَا أَوْ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا . وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ : ( بَيْعُ الْعِينَةِ ) .
بَيْعُ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الرِّبَوِيَّةِ :
35 - الْأَعْيَانُ الرِّبَوِيَّةُ نَوْعَانِ : أ - الْأَعْيَانُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي حَدِيثَيْ عُبَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنهما . ب - الْأَعْيَانُ الَّتِي تَحَقَّقَتْ فِيهَا عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا , وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي الْعِلَّةِ . قَالَ الشَّافِعِيَّةُ , وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : إنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَعْيَانَ الرِّبَوِيَّةَ بِنَوْعَيْهَا لَا يَحْرُمُ فِيهَا الرِّبَا , فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَنَسِيئَةً , وَيَجُوزُ فِيهَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ ; لِمَا رَوَى { عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ , فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَى قِلَاصِ الصَّدَقَةِ , فَكُنْت آخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ } . وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ بَاعَ جَمَلًا إلَى أَجَلٍ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا , وَبَاعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ , وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما رَاحِلَةً بِأَرْبَعِ رَوَاحِلَ وَرَوَاحِلُهُ بِالرَّبَذَةِ , وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رضي الله عنه بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ : آتِيَك بِالْآخَرِ غَدًا . وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ , بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً , كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ - مَرْفُوعًا - { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً } . وَلِأَنَّ الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ , فَحُرِّمَ النَّسَاءُ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : يُتَصَوَّرُ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ , وَذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ : أ - التَّفَاضُلُ . ب - النَّسِيئَةُ . ج - اتِّفَاقُ الْأَغْرَاضِ وَالْمَنَافِعِ . كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ إلَى أَجَلٍ , وَبَيْعِ فَرَسٍ لِلرُّكُوبِ بِفَرَسَيْنِ لِلرُّكُوبِ إلَى أَجَلٍ . فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلرُّكُوبِ دُونَ الْآخَرِ جَازَ ; لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ .
بَيْعُ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ , وَالْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ :
36 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ , وَتِبْرَهُ , وَالصَّحِيحَ , وَالْمَكْسُورَ مِنْهُ , سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الْمِقْدَارِ وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ مِثْقَالُ ذَهَبٍ عَيْنٍ بِمِثْقَالٍ وَشَيْءٍ مِنْ تِبْرٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ , وَكَذَلِكَ حُرِّمَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ مِنْهَا , وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا } . وَرُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ , وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ مَالِكٍ , فِي التَّاجِرِ يُحَفِّزُهُ الْخُرُوجُ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٍ , فَيَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِفِضَّتِهِ أَوْ ذَهَبِهِ فَيَقُولُ لِلضَّرَّابِ : خُذْ فِضَّتِي هَذِهِ أَوْ ذَهَبِي وَخُذْ قَدْرَ عَمَلِ يَدِك وَادْفَعْ إلَيَّ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً فِي ذَهَبِي أَوْ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً فِي فِضَّتِي هَذِهِ لِأَنِّي مَحْفُوزٌ لِلْخُرُوجِ وَأَخَافُ أَنْ يَفُوتَنِي مَنْ أَخْرُجُ مَعَهُ , أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ , وَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ , وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ التَّاجِرِ وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ خَفَّفَ فِي ذَلِكَ , قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالْحُجَّةُ فِيهِ لِمَالِكٍ بَيِّنَةٌ . قَالَ الْأَبْهَرِيُّ : إنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّفْقِ لِطَلَبِ التِّجَارَةِ وَلِئَلَّا يَفُوتَ السُّوقُ وَلَيْسَ الرِّبَا إلَّا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ مِمَّنْ يَقْصِدُ إلَى ذَلِكَ وَيَبْتَغِيهِ . وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ : لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ ; وَلِأَنَّ لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً بِدَلِيلِ حَالَةِ الْإِتْلَافِ , فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَمَّ قِيمَةَ الصِّنَاعَةِ إلَى الذَّهَبِ . وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : إنْ قَالَ لِصَانِعٍ : اصْنَعْ لِي خَاتَمًا وَزْنَ دِرْهَمٍ , وَأُعْطِيَك مِثْلَ وَزْنِهِ وَأُجْرَتَك دِرْهَمًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ , وَقَالَ أَصْحَابُنَا : لِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ وَالثَّانِي أُجْرَةٌ لَهُ .
الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ :(1/167)
37 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ , فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ , سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ , وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ . وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ ; وَلِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ وَكَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ; وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُرِّمَ هُنَاكَ كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي ; وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا ; لِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ إلَّا أَنَّهُ بِالْأَمَانِ حُرِّمَ التَّعَرُّضُ لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ , فَإِذَا رَضَوْا بِهِ حَلَّ أَخْذُ مَالِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ , بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ ; لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِالْأَمَانِ
. مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ :
38 - إذَا جَمَعَ الْبَيْعُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَبِيعِ مِنْهُمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا , كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ مِنْ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ , وَكَذَا لَوْ اشْتَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ , أَوْ اشْتَمَلَا جَمِيعُهُمَا عَلَى جِنْسٍ رِبَوِيٍّ وَانْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِيهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ , أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ , أَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْمَبِيعِ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ بِهِمَا أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ , أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ . . . إذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَهُوَ بَاطِلٌ , وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ " مُدِّ عَجْوَةٍ " . وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : { أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ , فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ } وَفِي رِوَايَةٍ : { لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ } . وَاسْتَدَلَّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الْآخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ , وَالتَّوْزِيعُ يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ ; لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْمُفَاضَلَةُ , أَوْ مِثْلَهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ وَلِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِتَحَقُّقِ الرِّبَا فِي مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ تَفْصِيلٌ وَتَفْرِيعٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ , أَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَسَادِ فَيُجْعَلُ الرِّبَوِيُّ فِي مُقَابَلَةِ قَدْرِهِ مِنْ الرِّبَوِيِّ الْآخَرِ وَيُجْعَلُ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ مَا زَادَ عَنْ الْقَدْرِ الْمُمَاثِلِ .
==================
ثانيا- جاء في كتاب الفقه الإسلامي (1):
الفصل الأول: تعريف الربا وحكمه:
المبحث الأول: تعريف الربا:
الربا في اللغة الفضل والزيادة، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] وقوله سبحانه: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] وهو مقصور على الأشهر. وهو من الباب الأول، ويثنى على (ربوان) وينسب إليه فيقال (ربوي) على أصله.
والربا في الاصطلاح الفقهي:
عند الحنفية (فضل خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة). وعند الشافعية: (عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما) وعند الحنبلية: (الزيادة في أشياء مخصوصة) والمالكية في تعريفهم للربا لا يخرجون عن هذه التعاريف.
ومن التعاريف يتضح أن الربا إنما هو الزيادة الخالية عن عوض مقابل، فلو كانت زيادة يقابلها عوض لم تكن ربا. وكذلك فإن الربا خاص بالمعاوضات، أما الهبة فلا يجري فيها الربا.
والربا لا يكون إلا مشروطاً، فلو زاد أحد المتبايعين الآخر دون شرط لم يكن ربا.
وكذلك فإن الزيادة فيه لا تتحقق إلا إذا كان العوضان منضبطين بمعيار شرعي وهو الكيل أو الوزن لا غير.
المبحث الثاني: حكم الربا من حيث الوصف الشرعي القائم به:
الربا محرم باتفاق الفقهاء من غير خلاف، قليلاً كان أو كثيراً، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
-1 دليل الكتاب: ففي آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279].
-2 دليل السنة: ففي أحاديث كثيرة مستفيضة منها:
أ- ما رواه جابر -رضي الله عنه- قال: (لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم. وروى الخمسة مثله عن ابن مسعود.
ب- ما رواه ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وان أربى الربا عرض الرجل المسلم) رواه ابن ماجه مختصراً، والحاكم بتمامه وصححه.
جـ- ما رواه الدارقطني، والبيهقي، وأحمد، عن عبدة الله بن حنظلة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (درهم ربا يأكله ابن آدم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية).
__________
(1) - الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 376)(1/168)
-3 وأما الإجماع فهو محكي عن جميع الفقهاء في كل العصور، لم يشذ منهم واحد، حتى أن الماوردي قال: (إنه لم يحل في شريعة قط) لقوله تعالى: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) يعني في الكتب السابقة.
المبحث الثالث: حكم الربا في البيع من حيث الأثر النوعي المترتب عليه:
ذهب الحنفية إلى أن اشتراط الربا في المعاوضات مفسد لها، وقد تقدم أن العقد الفاسد يثبت به الملك عند الحنفية خلافاً للعقد الباطل، إلا أنه ملك خبيث، لا يجوز الانتفاع به معه، وهو عقد واجب الفسخ وعلى هذا يكون بين الربا والعقد الفاسد عموم وخصوص مطلق، فكل عقد ربوي فاسد ولا عكس.
وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أن الربا في المعاوضات مبطل لها، ذلك أن الجمهور لا يفرقون بين الفساد والبطلان في العقود، وقد تقدم ذلك، فيكون العقد الربوي عندهم كأنه لم يكن، فلا ينتج عنه ملك ما.
الفصل الثاني: الأموال التي تجري فيها الربا، وعلة الربا:
المبحث الأول: الأموال التي يجري فيها الربا:
اتفق الفقهاء على جريان الربا في أموال معينة، واختلفوا في جريانه في أموال أخرى، وذلك على الوجه الآتي:
أ- اتفقوا على أن الربا يجري في الأموال التالية، وهي ستة: الذهب، والفضة، والبن، والشعير، والتمر، والملح. وذلك إذا استجمعت شرائط الربا. ودليلهم على ذلك:
-1 ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُن بالبُن، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) متفق عليه.
-2 ما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تُشفَّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِقَ إلا مثلاً بمثل ولا تُشِفَّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) متفق عليه.
-3 ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا) رواه مسلم والنسائي وأحمد.
-4 ما رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً على خيبر، فجاء بتمر جنيب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكُل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعل بع الجَمْع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً، وقال في الميزان مثل ذلك) متفق عليه. وفي رواية لمسلم (وكذلك الميزان).
والتمر الجنيب هو التمر الجيد، والتمر الجَمْع هو التمر الذي اختلط فيه الجيد بغيره فكان من أصناف متفاوتة في الجودة، وقيل هو التمر الرديء، والمعنيان متقاربان، لأن المختلط ملحق بالرديء في السعر غالباً: ومعنى رواية مسلم (وكذلك الميزان) أي وكذلك ما بيع بالميزان، فإنه في الحكم مثل ما بيع بالمكيال.
فإن هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها مما جاء في معناها يدل دلالة صريحة على حرمة التفاضل في بيع الأموال الستة كل بجنسه، وعلى حرمة الأجل فيه، ولذلك أجمع جماهير العلماء منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا على جريان الربا فيها، وذلك إن بيعت بجنسها، كبيع الذهب بالذهب والملح بالملح ... متفاضلاً في الحال، أو غير متفاضل ولكن إلى أجل، لصراحة النصوص السابقة.
إلا ما روي عن بعض التابعين من عدم جريان ربا الفضل فيها وفي غيرها من الأموال، وهو خلاف قول الجماهير فلا نعمل به.
ب- واختلفوا في جريان الربا فيما عدا هذه الأنواع الستة من المال وذلك على مذهبين:
أولاً: مذهب الظاهرية، وهو عدم جريان الربا في غير هذه الأموال الستة، لأن جريان الربا فيها كان تعبدياً غير معلل، فلا يقاس عليها غيرها فيه، وهذا المذهب مروي عن عطاء وقتادة.
ثانياً: مذهب جماهير العلماء غير الظاهرية، وفيهم أئمة المذاهب الأربعة، وهو أن الربا يجري في غير هذه الأموال الستة كما يجري فيها، ذلك أن التحريم فيها معلل، فيقاس عليها غيرها.
إلا أن هؤلاء العلماء اختلفوا في العلة التي يتعدى بها الحكم إلى غير هذه الأموال، ذلك أن العلة غير منصوص عليها، ولا بد لاستخراجها من الاجتهاد وبذل الجهد.
المبحث الثاني: علة الربا:
اختلف الجماهير في علة الربا إلى أربعة مذاهب كالآتي:
-1 مذهب الحنفية: وهو أن علة التحريم في هذه الأموال وصفان هما: القدر (وهو الكيل أو الوزن)، والجنس. ذلك أن هذه الأموال الستة بعضها موزون كالذهب والفضة، وبعضها مكيل، كالبن والشعير، وليس فيها غير مقدر.
وقد نص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحريم بيع الجنس بجنسه فيها متفاضلاً، فكان على التحريم الجنس مع القدر. وعلى ذلك إذا باع صاعاً من حنطة بصاع منها ناجزاً جاز، لانعدام أحد وصفي العلة، وهو التفاضل في القدر. فإذا باعه بصاعين حرم لقيام الوصفين وهما: التفاضل في القدر مع اتحاد الجنس، ولا يؤثر في ذلك أن يكون الصاعان قيمتهما كقيمة الصاع الواحد المقابل لرداءتهما وجودة الصاع، فإن الجودة في أموال الربا ساقطة الاعتبار. فيكون الاعتبار للوزن والكيل دون القيمة. وذلك لصراحة الحديث الشريف المتقدم: بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً).
وكذلك الحكم في كل مكيل أو موزون، كأنواع الخضار، والمعادن، والسوائل التي تباع بالكيل أو الوزن، فأنها أموال ربوية قياساً على الأموال الستة.
وأما الأقمشة التي تباع ذرعاً، والأدوات التي تباع عداً، فإنها مما لا يجري فيه الربا عندهم لانعدام الكيل أو الوزن فيها وهما القدر الوارد في الأموال الستة فلا يزاد عليه. فلو باع بطيخة ببطيختين أو بيضة ببيضتين جاز، إذا كان العرف يجري على بيعه بالعدد، ولو باع طناً من البطيخ بطنين منه لم يجز إذا كان العرف جار على بيعه بالوزن، لأنه في المرة الأولى غير مقدر بالمقدار المحرم، وفي الثانية مقدر به.
ولا يتم التحريم عند الحنفية في البيع المنجز إلا باجتماع وصفي العلة معاً، فإذا وجد أحد الوصفين دون الآخر لم يحرم البيع الحال، وأما البيع لأجل، وهو (النَّساء) فإنه يحرم بوصف واحد.
-2 مذهب الشافعية: وهو أن علة الربا إنما هي الثمنية، أو الطعم، ذلك أن الذهب والفضة ثمنان، والأنواع الأربعة الأخرى مطعومة، فكانت العلة في تحريم الربا فيها ذلك. والجنس شرط التحريم في كل، فإذا باع حنطة بحنطة حرم التفاضل وكذلك كل مطعوم إذا بيع بجنسه، والطعام عندهم هو كل ما قصد للغذاء كاللحم، أو التفكه بالفواكه، أو لسلامة البدن كالأدوية، فإنها كلها مطعومة في حق الربا.
فإذا بيع بخلاف جنسه، لم يحرم ما دام البيع منجزاً، لاختلال شرط التحريم وهو اتحاد الجنس بين البدلين.
وكذلك إذا باع فضة بفضة منجزاً، فإنه محرم إلا إذا تساويا وزناً، وكذلك الذهب بالذهب للثمنية في كل واتحاد الجنس.
فإذا باع حديداً بحديد متفاضلاً لم يحرم، لانعدام العلة، وهي الطعم أو الثمنية.
-3 مذهب المالكية: وهو أن علة الربا إنما هي الطعمية مع الاقتيات والادخار في الأنواع الأربعة، والثمنية في الذهب والفضة مع الجنس.
والطعمية عندهم معناها كل ما يطعمه الناس للتفكه، أو التداوي، أو التغذي أو غير ذلك.(1/169)
وأما الاقتيات عندهم، فيشمل كل مأكول يصلح البدن بالاكتفاء به، ويكون في معنى المقتات به عندهم ما هو ضروري لحفظ المقتات به كالملح.
وأما الادخار فمعناه إمكان استبقاء المطعوم إلى الأمد المبتغى منه عادة، ولا حد لذلك على ظاهر المذهب، بل هو في كل شيء يحسبه.
وأما الجنس فإنه أحد وصفي العلة، ولا يحرم التفاضل إلا معه، إلا أنه ينزل منزلة الجنس الواحد الجنس المقارب على المعتمد. فالبن والشعير والسلت جنس واحد في الربا، لتقارب منفعتها، فيحرم لذلك بيع بعضها ببعض متفاضلاً كبيع البر بالبر نفسه متفاضلاً تماماً.
هذا في البيع المنجز، أما البيع إلى أجل (النَّساء) فإن علة التحريم فيه إلى جانب الجنس الطعم مطلقاً سواء أكان مقتاتاً به أو لا، مدخراً أو لا. بشرط أن يكون طعماً لغير التداوين فإذا كان للتداوي لم يجر فيه النَّساء.
وعلى هذا لو باع فاكهة طازجة بفاكهة من جنسها حرم النساء، وجاز التفاضل، فحرمة النساء للطعم، وإباحة التفاضل لانتفاء الادخار وهكذا ...
-4 مذهب الحنبلية: وأما الحنبلية فقد ثبت عنهم ثلاث روايات في علة الربا.
أولاها- كمذهب الحنفية، وهي القدر مع الجنس وهي الأشهر عندهم.
وثانيها- كمذهب الشافعية، وهي الطعم أو الثمنية، مع الجنس.
وثالثها- الثمنية، أو الطعم مع القدر الشرعي إذا اتحد الجنس، وعلى هذا فلا ربا في مطعوم إلا إذا كان مكيلاً أو موزوناً، خلافاً للرواية الثانية السابقة فإنها تكتفي بالطعم وحده للتحريم.
مواضع الاتفاق بين المذاهب الأربعة في علة الربا:
ومن تتبع ما تقدم ندرك أن هنالك اتفاقاً بين أكثر المذاهب في بعض النقاط واختلافاً في نقاط أخرى.
فمحل الاتفاق في علة الربا هو نقطتان:
-1 اتحاد الجنس، فإنه أحد أوصاف علة الربا عند الحنفية والمالكية والحنبلية، وهو شرط العلة عند الشافعية فلا ربا مع اختلاف الجنس، إلا أن المالكية -كما تقدم- يقيمون الجنس المقارب مقام الجنس الواحد في التحريم.
-2 الثمنية، فإنها أحد أوصاف علة الربا أيضاً عند الأئمة الثلاثة إلا الحنفية، فإذا اجتمعت مع الجنس حرم التفاضل والنساء باتفاق الثلاثة، وذا انفردت عنه حل التفاضل وحرم النساء.
ومحل الاختلاف بينهم هو:
-1 أن الحنفية حرموا الربا عند اتحاد الجنس في كل مقدر مكيلاً كان أو موزوناً. وتبعهم في ذلك الحنبلية في الأشهر من روايات ثلاث عنهم دون المالكية والشافعية.
-2 أن الشافعية استبدلوا القدر لدى الحنفية بالطعم، وزادوا عليه الثمنية، وتبعهم في ذلك الحنبلية في رواية ثانية عنهم.
-3 أن المالكية استبدلوا القدر بالطعم مع الاقتيات والادخار في ربا الفضل، واكتفوا بالطعمية وحدها في ربا النسيئة. هذا إلى جانب الثمنية فإنها أحد أوصاف علة الربا عندهم كالشافعية.
وعلى هذا إذا باع إنسان مثقال ذهب بمثقالي ذهب كان ربا في الحال والنساء عند الجميع. عند الثلاثة للثمنية مع الجنس، وعند الحنفية للقدر مع الجنس.
فإذا باع فضة بذهب، حل التفاضل وحرم النساء بالاتفاق أيضاً، لاتفاقهم على أن النساء يحرم بأحد أوصاف علة ربا الفضل، وهو هنا القدر عند الحنفية، والثمنية عند الثلاثة.
فإذا باع حنطة بحنطة حرم التفاضل والنساء بالاتفاق أيضاً لاتحاد القدر مع الجنس عند الحنفية، وللطعم مع الجنس عند الشافعية، وللطعم والادخار والاقتيات مع الجنس عند المالكية، لأن الحنطة من المطعوم المقتات به المدخر.
وإذا باع حديداً بنحاس، حل التفاضل والنساء عند الشافعية والمالكية لانعدام علة الربا، وحل التفاضل وحرم النساء عند الحنفية والحنبلية لوجود القدر وحده وهو الوزن هنا، وهكذا ...
المبحث الأول: أنواع الربا:
قسم الجمهور وفيهم الحنفية الربا إلى نوعين: ربا الفضل، وربا النساء، والفضل في اللغة الزيادة، والنساء التأخير.
-1 ربا الفضل:
وعلى هذا فربا الفضل عندهم هو (زيادة عين مال شرطت في عقد بيع على المعيار الشرعي "وهو الوزن أو الكيل" عند اتحاد الجنس) أي ما يستجمع وصفي علة الربا وهما القدر والجنس، فإذا باع المقدر بخلاف جنسه كالبن بالشعير متفاضلاً حالاً لم يحرم، لانعدام الجنس، وهو أحد وصفي علة الربا، وإن كان يحرم بيعه كذلك نساء (مؤجلاً) لأن النساء يحرم بأحد وصفي علة الربا. وهو هنا القدر، فإن كُلاً من الحنطة والشعير مكيل.
هذا والعبرة في القدر عند جمهور الفقهاء ما ثبت عن الشارع، أو ما كان متعارفاً عند تنزل النص، وهو عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- فما كان من السلع مكيلاً في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتبر مكيلاً دائماً وإن تعارف الناس بيعه وزناً أو جزافاً كالحنطة والشعير ...، وما كان في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- موزوناً اعتبر موزوناً دائماً ولو تغير العرف كالملح، أما ما لم يثبت فيه عرف قديم في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- فالعبرة فيه لعرف الناس وقت التعامل، كالخضار بأنواعها .... فلو جرى العرف الآن ببيع الحنطة وزناً والشعير كيلاً فباع حنطة بشعير نساء لم يجن لاتحاد القدر، ذلك أن كلا النوعين مكيل شرعاً ولا عبرة بتغير العرف.
وذهب البعض إلى أن العبرة في القدر للعرف مطلقاً، فإذا جرى بيع الحنطة الآن وزناً كانت موزونة وهكذا ...
-2 ربا النساء:
أما ربا النساء فهو : (فضل العين على الدين وفضل الحلول على الأجل) وذلك عند اتحاد القدر أو اتحاد الجنس.
فإذا باع صاعاً من بر بصاع من بر مؤجلاً لم يصح لزيادة الصاع الأول عن الصاع الثاني في الحقيقة، وإن لم يبد ذلك ظاهراً. لأن الصاع المعجل في العرف أكثر ثمناً من الصاع المؤجل، فكان فيه زيادة فمنع، ولهذا لم تشترط فيه الزيادة الظاهرة بخلاف البيع المعجل، فإنه يشترط للتحريم فيه الزيادة الظاهرة، لعدم وجود الأجل فيه.
وذهب الشافعية إلى أن الربا أنواع ثلاثة، ربا الفضل، وربا النساء، وربا اليد، فربا الفضل والنساء عندهم كمثيليهما عند الجمهور، وربا اليد عندهم يكون في البيع الذي لم يشترط فيه الأجل ولكن تأخر فيه فعلاً قبض أحد البدلين، وهو عند الحنفية كالبيع المنجز، لا يجري فيه الربا إلا بزيادة أحد البدلين عن الآخر في العقد، فان تساويا فلا ربا لعدم اشتراط الأجل.
ولذلك فإننا نجد أن الجميع متفقون تقريباً في تقسيم الربا إلى نوعين هما: الفضل والنساء، فالفضل ما فضل فيه أحد البدلين عن الآخر في القدر في بيع منجز، والثاني ما فضل فيه أحد البدلين عن الآخر في القيمة المقابلة بالأجل في بيع مؤجل. فإذا أجله من غير شرط كان كالمنجز عند الحنفية وكالنسبة عند الشافعية.
وقد اتفق الفقهاء على أن ربا النساء يحرم بوجود أحد وصفي علة الربا، أما الفضل فلا يحرم إلا بوجود وصفي العلة معاً: وهما عند الحنفية القدر مع الجنس.
وعند الشافعية الجنس مع الثمنية. أو الجنس مع الطعم.
وعند المالكية الجنس مع الطعم والاقتيات والادخار، أو الجنس مع الثمنية.
المبحث الثاني: شرائط جريان الربا:
لا يجري الربا في المعاوضات ولا تحرم به إلا إذا توافرت فيها شرائط هي:
أ- أن يكون بدلا المعاوضة التي يتحقق فيها الربا معصومين، أي مملوكين ملكاً لا يجوز الاعتداء عليه وسلخه عن صاحبه بغير حق مشروع، فلو كان البدلان أو أحدهما مباحاً غير معصوم، كمال الحربي.
فقد ذهب جمهور الحنفية إلى أنه لا يجري الربا فيه إذا كان المسلم هو الآخذ. بل تصح المعاوضة مع قيامه، فإذا كان المسلم هو المعطي لم يجز.(1/170)
وذهب الجمهور وبعض الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك، وأن الربا يجري وتحرم المعاوضة متى توافرت علة الربا فيها، سواء أكان البدلان معصومين أو لا، وسواء أكان المسلم هو الآخذ للربا أو المعطي له.
وعلى هذا لو دخل تاجر مسلم إلى دار الحرب فعامل أهل تلك الدار من غير المسلمين بمعاوضات كسب منهم فيها بعض المال عن طريق اشتراط الربا. فإنه يجوز عند جمهور الحنفية ولا يحرم على التاجر المسلم ذلك. لعدم عصمة مال أهل دار الحرب من غير المسلمين.
ولا يجوز عند جمهور الفقهاء لأنه لا يشترط لجريان الربا عنده عصمة البدلين.
ومثله إذا أسر أحد المسلمين في دار الحرب فباع منهم شيئاً أو أشترى بربا فإنه يجوز عند جمهور الحنفية خلافاً لجمهور الفقهاء. أما الذمي فإن ماله معصوم بالاتفاق. وكذلك المستأمن، فلا يجوز التعامل بالربا معهما. ولا عبرة باختلاف الدِّين، لأن اتحاد الدين ليس شرطاً من شروط جريان الربا بالاتفاق.
الأدلة:
-1 استدل بعض الحنفية والجمهور لمذهبهم بأدلة منها:
أ- إن حرمة الربا كما هي ثابتة في حق المسلمين فهي ثابتة في حق الكفار، لأنهم مخاطبون بالحرمات في الصحيح من الأقوال. فاشتراط الربا في البيع لهم موجب لفساده، كما في بيع المسلم للمسلم تماماً.
ب- عموم الأخبار التي جاءت بتحريم الربا، مثل قوله تعالى: {وحرم الربا} وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] فإنها تعم المعاملة مع المسلم وغير المسلم، ولا مخصص لها، فتبقى على عمومها.
-2 واستدل جمهور الحنفية لمذهبهم بأدلة منها:
أ- إن مال الحربي مال غير معصوم، وهو مباح في نفسه، إلا أن المسلم ممنوع من تملكه بغير رضاه، لما فيه من الغدر والخيانة، فإذا بذله الكافر باختياره ورضاه، فقد زال هذا المعنى، فكان الآخذ استيلاء على مال مباح غير مملوك، وإنه مشروع مثبت للملك كالاستيلاء على الحطب والحشيش في البرية قبل إحرازه من قبل أحد، فإنه جائز، فكذلك الزيادة هنا.
ب- بما روي عن مكحول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب) وهو حديث مرسل، والمرسل حجة عند الحنفية.
أن لا يكون بدلا المعاوضة معاً ملكاً لأحد المتبايعين. كبيع الشريك المفاوض مع شريكه مثل ذلك، فإنه لا يحرم لامتلاكهما معاً البدلين. وكذلك الشريكان شركة عنان إذا تبايعا مع بعضهما من مال الشركة، فإنه لا يجري فيه الربا، لاستوائهما في امتلاك البدلين، فلو باعا من غير مال الشركة جرى فيه الربا.
جـ- عدم الخلو عن احتمال التفاضل، وذلك كمن باع المال الربوي بجنسه مجازفة -أي بغير وزن أو كيل- بأن باع صبرة بُن بصبرة بُن، أو بكيل معين منه، فإنه لا يجوز لاحتمال التفاضل بينهما في الكيل، أو لعدم الخلو عن احتمال التفاضل، فإن احتمال التفاضل في المعاوضة مفسد لها مثل تحققه فيها.
وقد ورد في النهي عن ذلك حديث جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) رواه مسلم والنسائي.
كما ورد عن ابن مسعود موقوفاً عليه قوله: (ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا وقد غلب الحرام والحلال). ومنه أخذ الفقهاء القاعدة الفقهية الشهيرة (إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع).
وكذلك لو باع طناً من حنطة بطن من حنطة، فإنه لا يجوز لأن الحنطة تباع شرعاً كيلاً ولا يدرى إن كان طن الحنطة الأول يساوي طن الحنطة الثاني كيلاً أو لا، فكان كبيع المجازفة، وخالف في ذلك بعض الحنفية بالجواز، لأن القدر عندهم يختلف باختلاف العرف.
وعلى هذا لا يجوز بيع المزابنة والمحاقلة، والمزابنة هي في اللغة والاصطلاح بيع التمر على رؤوس الشجر بمثل وزنه من التمر المجذوذ خرصاً وتخميناً، كأن يبيع ما على هذه الشجرة من تمر بعشرين صاعاً من تمر مجذوذ، فإنه لا يجوز لعدم الجزم بتساوي المقدارين، وكذلك بيع الزبيب بالعنب على وجه لا يدري فيه أيهما أكثر.
والمحاقلة بيع الحب في سنبله بمثل كيله خرصاً، فإنه مثل التمر، تجهل فيه المساواة في القدر فلا يجوز.
وقد ثبت النهي عن ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد روي عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قوله: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله) متفق عليه.
=================
ثالثا- قال الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى (1):
1480 - مَسْأَلَةٌ : وَالرِّبَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ , وَالسَّلَمِ إِلاَّ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ : فِي التَّمْرِ , وَالْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالْمِلْحِ , وَالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ وَهُوَ فِي الْقَرْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , فَلاَ يَحِلُّ إقْرَاضُ شَيْءٍ لِيُرَدَّ إلَيْك أَقَلَّ ، وَلاَ أَكْثَرَ , وَلاَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ أَصْلاً , لَكِنْ مِثْلُ مَا أَقْرَضْت فِي نَوْعِهِ وَمِقْدَارِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْقَرْضِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ , وَبَيْنَ الْقَرْضِ , هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَمَ : يَكُونَانِ فِي نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ , وَفِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ , وَلاَ يَكُونُ الْقَرْضُ إِلاَّ فِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَكَذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِي الأَنْوَاعِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ , فَهُوَ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ.
وَمَا عَدَا الأَنْوَاعَ الْمَذْكُورَةَ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ , أَيَقَعُ فِيهِ الرِّبَا أَمْ لاَ وَالرِّبَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ تَعَالَى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.
وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَمَا هُنَّ قَالَ : الشِّرْكُ بِاَللَّهِ , وَالسِّحْرُ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ , وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ , وَأَكْلُ الرِّبَا , وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ.
__________
(1) - المحلى لابن حزم - (ج 4 / ص 384)فما بعد(1/171)
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَوَاجِبٌ طَلَبُ مَعْرِفَتِهِ لِيُجْتَنَبَ ,
وَقَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ.
فَصَحَّ أَنَّ مَا فَصَّلَ لَنَا بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام مِنْ الرِّبَا , أَوْ مِنْ الْحَرَامِ , فَهُوَ رِبًا وَحَرَامٌ , وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ , لأََنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَنَا , وَلاَ بَيَّنَهُ رَسُولُهُ عليه السلام لَكَانَ تَعَالَى كَاذِبًا فِي قوله تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ , وَلَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَاصِيًا لِرَبِّهِ تَعَالَى إذْ أَمَرَهُ بِالْبَيَانِ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَذَا كُفْرٌ مُتَيَقَّنٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ : لاَ رِبَا إِلاَّ فِي الأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ : طَاوُوس , وَقَتَادَةُ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنَّ هَذِهِ الأَصْنَافَ السِّتَّةَ إنَّمَا ذُكِرَتْ لِتَكُونَ دَلاَلَةً عَلَى مَا فِيهِ الرِّبَا مِمَّا سِوَاهَا مِمَّا يُشْبِهُهَا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي حَيْثُمَا وُجِدَتْ كَانَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ رِبًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ , وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهَا تُبْطِلُ عِلَّةَ الآخَرِينَ أَوْ تَنْفِيهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هِيَ الطَّعْمُ , وَاللَّوْنُ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ ، عَنِ الْحِمَّصِ بِالْعَدَسِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ صَاحِبَهُ بِاللَّوْنِ , وَالطَّعْمِ , فَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ شَبَهَ الطَّعَامِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَبَلَغَنِي ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَرَبِيعَةَ , مِثْلُهُ.
قال أبو محمد رحمه الله :
فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ فَسَقَطَ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ وَالرَّأْيُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ خَطَأٌ بِلاَ شَكٍّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هِيَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ ,
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالتُّفَّاحَتَيْنِ بِالتُّفَّاحَةِ , وَالْخَوْخُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الزَّكَاةُ ,
فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ , وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ , وَالرِّبَا يَقَعُ فِيهِ بِالنَّصِّ , فَبَطَلَ.
قَالَ عَلِيٌّ : وَمَا يَعْجَزُ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ فِي هَذَا عَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , بِزِيَادَتِهِمْ فِي عِلَّتِهِمْ , كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : عِلَّةُ الرِّبَا الطَّعْمُ , وَالتَّثْمِينُ. وَقَوْلُ مَالِكٍ : عِلَّةُ الرِّبَا الأَدِّخَارُ فِيمَا يُؤْكَلُ , وَالتَّثْمِينُ. فَهَلْ هَذَا إِلاَّ كَقَوْلِ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ : عِلَّةُ الرِّبَا بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمِلْحِيَّةُ وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى كَدَعْوَى كِلاَهُمَا بِلاَ
برهان
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ اشْتَرَى خَمْسَةَ عَشَرَ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ بِعَشَرَةِ أَجْرِبَةٍ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَلاَ نَدْرِي مَا عِلَّتُهُ فِي ذَلِكَ , وَلَعَلَّهَا الْجِنْسُ , فَلَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ , كَائِنًا مَا كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , إِلاَّ أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ غَيْرُهَا أَصَحَّ مِنْهَا , وَلاَ هِيَ بِأَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ الرِّبَا تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ , أَوْ الْجِنْسَيْنِ. وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ , وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذِهِ أَعَمُّ الْعِلَلِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : بِالْعِلَّةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَقُولَ بِهَا
وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ : عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الأَقْتِيَاتُ , وَالأَدِّخَارُ فِي الْجِنْسِ , فَمَا كَانَ يُدَّخَرُ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا فِي الأَكْلِ , فَالرِّبَا فِيهِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً , وَمَا كَانَ لاَ يُقْتَاتُ ، وَلاَ يُدَّخَرُ , فَلاَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا لَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا , وَهَذِهِ هِيَ عِلَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ , ثُمَّ رَغِبَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ ; لأََنَّهُمْ وَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ , لأََنَّ الثُّومَ , أَوْ الْبَصَلَ , وَالْكُرَّاثَ , وَالْكَرَوْيَا , وَالْكُزْبَرَةَ , وَالْخَلَّ , وَالْفُلْفُلَ نَعَمْ , وَالْمِلْحُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّصُّ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ قُوتًا أَصْلاً , بَلْ بَعْضُهُ يَقْتُلُ إذَا أُكِلَ مِنْهُ نِصْفُ وَزْنِ مَا يُؤْكَلُ مِمَّا يَتَقَوَّتُ بِهِ , كَالْمِلْحِ , وَالْفُلْفُلِ , فَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَكَلَ رِطْلَ فُلْفُلٍ فِي جِلْسَةٍ لَقَتَلَهُ بِلاَ شَكٍّ ,
وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ , وَالْخَلُّ الْحَاذِقُ ,(1/172)
وَكَذَلِكَ الثُّومُ وَوَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي اللَّبَنِ , وَالْبَيْضِ , فَإِنَّهُمَا لاَ يُمْكِنُ ادِّخَارُهُمَا , وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ يَدْخُلُ فِيهِمَا , وَوَجَدُوهَا أَيْضًا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَمُّونِ , وَالشُّونِيزِ , وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ , وَالْكُزْبَرَةِ , وَالْكَرَوْيَا , لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قُوتًا , وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ , فَلَمَّا رَأَوْا هَذِهِ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ , وَهِيَ عِلَّةُ مَنْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ اطَّرَحُوهَا , وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةٌ فِي اسْتِخْرَاجِ غَيْرِهَا بِآرَائِهِمْ لِتَسْتَقِيمَ لَهُمْ آرَاؤُهُمْ فِي الْفُتْيَا عَلَيْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَى الْقُوتِ , وَهُوَ الْبُرُّ , وَأَدْوَنَ الْقُوتِ , وَهُوَ الْمِلْحُ , لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِمَا.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَرَّدٌ بِلاَ كُلْفَةٍ , وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مُسْلِمٍ لأَِطْلاَقِ مِثْلِ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ أَطْلَقَ هَذَا الْمُطْلِقُ مِثْلَهُ عَلَى سَائِسِ حِمَارِهِ بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ ، عَنْ نَفْسِهِ لَكَانَ كَاذِبًا مُجَرَّحًا بِذَلِكَ , فَكَيْفَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى نَبِيِّهِ عليه السلام اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِك فِي تَنْفِيرِنَا ، عَنْ مِثْلِ هَذَا وَشَبَهِهِ. ثُمَّ لَمْ يَرْضَ سَائِرُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالُوا : لَيْسَ الْمِلْحُ دُونَ الأَقْوَاتِ , بَلْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى الثُّومِ , وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ , وَالشُّونِيزِ , فَارْتَادُوا غَيْرَهَا , كَمَنْ يَتَحَكَّمُ فِي بَيْدَرِ تَمْرِهِ , وَيَأْخُذُ مَا اُسْتُحْسِنَ وَيَتْرُكُ مَا لَمْ يُسْتَحْسَنْ. فَقَالُوا : الْعِلَّةُ فِي الرِّبَا مُخْتَلِفَةٌ , فَمِنْهَا الأَقْتِيَاتُ , وَالأَدِّخَارُ , كَمَا قَالَ أَسْلاَفُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَمِنْهَا الْحَلاَوَةُ , وَالأَدِّخَارُ , كَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ , وَالْعَسَلِ قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ وَمِنْهَا التَّأَدُّمُ , وَالأَدِّخَارُ قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ , وَهَذَا تَعْلِيلٌ اسْتَصْنَعَهُ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الأَبْهَرِيُّ , وَهَذَا تَعْلِيلٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ السَّلْجَمَ وَالْبَاذِنْجَانَ , وَالْقَرْعَ , وَالْكُرُنْبَ , وَالرِّجْلَةَ , وَالْقِطْفَ , وَالسَّلْقَ , وَالْجَزَرَ , وَالْقُنَّبِيطَ , واليربز إدَامُ النَّاسِ فِي الأَغْلَبِ. وَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَّخَرُ ، وَلاَ يَقَعُ الرِّبَا فِيهِ عِنْدَهُمْ : كَاللُّفْتِ , وَالْجَزَرِ , وَالْبَاذِنْجَانِ , بَلْ كُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ , فَاطَّرَحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَلَمْ تُعْجِبْهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَزَادَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ : وَمِنْهَا الْحَلاَوَةُ , وَالأَدِّخَارُ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ فَلَمْ يَرْضَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالَ : لَيْسَتْ بِشَيْءٍ ; لأََنَّ الْفُلْفُلَ , وَالثُّومَ , وَالْكَرَوْيَا , وَالْكَمُّونَ , لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ ، وَلاَ يَصْلُحُ لِلْقُوتِ , وَلاَ يُتَأَدَّمُ بِهِ , وَلاَ هُوَ حُلْوٌ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْعُنَّابَ وَالإِجَّاصَ الْمُزَبَّبَ , وَالْكُمَّثْرَى الْمُزَبَّبَ والمخيطاء كُلُّهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ , وَلاَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ عِنْدَهُمْ فَاحْتَاجَ إلَى اسْتِعْمَالِ عِلَّةٍ أُخْرَى , فَقَالَ : الْعِلَّةُ هِيَ الأَقْتِيَاتُ , وَالأَدِّخَارُ , وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ الْمُتَقَوَّتُ بِهِ لِيَصِحَّ لَهُ فِيمَا ظَنَّ إدْخَالُ : الْكَمُّونِ , وَالْكَرَوْيَا , وَالْبَصَلِ , وَالثُّومِ , وَالْكُرَّاثِ , وَالْفُلْفُلِ , وَالْخَلِّ , فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ ; لأََنَّ الطَّعَامَ يَصْلُحُ بِكُلِّ ذَلِكَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذِهِ أَفْسَدُ الْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرُوا , وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَاسِدَةً , وَاضِحَةَ الْبُرْهَانِ ,
برهان ذَلِكَ : أَنَّ إصْلاَحَ الطَّعَامِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَابِلِ , وَالْخَضْرَاوَاتِ , وَالْخَلِّ , لاَ يُشْبِهُ إصْلاَحُهُ بِالْمِلْحِ أَصْلاً ; لأََنَّ الطَّعَامَ الْمَطْبُوخَ إنْ لَمْ يُؤْكَلْ أَصْلاً , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ , إِلاَّ مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ خَافَهُ ,
وَأَمَّا إصْلاَحُهُ بِالتَّابِلِ , وَالْخَضْرَاوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَمَا بِالطَّعَامِ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ إِلاَّ ، عَنْ بَذَخٍ وَأَشِرٍ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ فِي الْعَالَمِ يَدْرِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ أَنَّ إصْلاَحَ الطَّعَامِ بِالْكَرَوْيَا , وَالْكَمُّونِ , وَالْفُلْفُلِ , وَالْكُزْبَرِ , وَالشُّونِيزِ , كَإِصْلاَحِهِ بِالدَّارَصِينِيِّ , وَالْخُولَنْجَانِ , وَالْقِرْفَةِ , وَالسُّنْبُلِ , وَالزَّعْفَرَانِ , وَلاَ فَرْقَ , بَلْ إصْلاَحُهُ بِهَذِهِ أَطْيَبُ لَهُ وَأَعْبَقُ , وَأَصْلَحُ مِنْهُ بِتِلْكَ , وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لاَ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ , وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي إصْلاَحِ الطَّعَامِ بِالْمَاءِ أَشَدُّ وَأَمَسُّ , وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لاَ يَدْخُلُ فِي الْمَاءِ بِالْمَاءِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ عِلَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا ذَكَرَ بَعْضَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ , وَذَكَرَ سَائِرَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ , وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ فِي كُتُبِهِمْ مُفَرَّقَةً وَمَجْمُوعَةً.
قال أبو محمد رحمه الله : وَكُلُّهَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّخَاذُلِ , وَبِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَيُقَالُ لَهُمْ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : بَلْ عِلَّةُ الرِّبَا مَا كَانَ ذَا سُنْبُلٍ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ , وَمَا كَانَ ذَا نَوًى قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ , وَمَا كَانَ طَعْمُهُ مِلْحِيًّا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ , وَمَا كَانَ مَعْدِنِيًّا قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ.
فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ
قلنا : وَلاَ قَالَ بِعِلَلِكُمْ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ.
فإن قال قائل : هَذِهِ أَيْضًا يَكُونُ مِثْلَكُمْ ,(1/173)
وَأَيْضًا : فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَكُمْ أَنْ تُعَلِّلُوا الْبُرَّ , وَالشَّعِيرَ , وَالتَّمْرَ , وَالْمِلْحَ ، وَلاَ تُعَلِّلُونَ الذَّهَبَ , وَالْفِضَّةَ , وَكُلُّهَا جَاءَ النَّصُّ بِهِ سَوَاءً , فَمِنْ أَيْنَ هَذَا التَّحَكُّمُ يَا هَؤُلاَءِ وَهَلْ هَذَا إِلاَّ شَبَهُ اللَّعِبِ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ دَعْوَى إجْمَاعٍ , فَقَدْ عَلَّلَ الْحَنَفِيُّونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ , وَعَلَّلُوا الأَصْنَافَ الأَرْبَعَةَ بِالْكَيْلِ.
قَالَ عَلِيٌّ : وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُعَلِّلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ , أَوْ تَرْكِ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ , وَالأَقْتِصَارِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ , وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلاً. وَقَدْ أَجْهَدْنَا أَنْفُسَنَا فِي أَنْ نَجِدَ لِنُظَّارِهِمْ شَيْئًا يُقَوُّونَ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعِلَلِ يُمْكِنُ إيرَادُهُ وَإِنْ كَالَ شَغَبًا فَمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَجَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ لَهُمْ شَيْئًا نُورِدُهُ وَإِنْ لَمْ يُورِدُوهُ كَمَا نَفْعَلُ بِهِمْ وَبِكُلِّ مَنْ خَالَفَنَا , فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَنْتَبِهُوا لَهُ فَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ مُنْتَبِهٌ فَيَشْغَبَ بِهِ , فَمَا قَدَرْنَا عَلَى ذَلِكَ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّنَا لَمْ نَجِدْ لِمَالِكٍ فِي تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي عَلَيْهِ بَنَى أَقْوَالَهُ فِي الرِّبَا سَلَفًا أَلْبَتَّةَ , لاَ مِنْ صَاحِبٍ ; ، وَلاَ مِنْ تَابِعٍ , وَلاَ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَلَهُمْ تَخَالِيطُ عَظِيمَةٌ فِي أَقْوَالِهِمْ فِي الرِّبَا , فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ , وَلَمْ نَذْكُرْهَا هَهُنَا ; لأََنَّهُ كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ , لَكِنْ يَكْفِي مِنْ إيرَادِهَا : أَنْ يَنْظُرَ كُلُّ ذِي فَهْمٍ كَيْفَ تَكُونُ أَقْوَالٌ بُنِيَتْ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَفُرُوعٌ أُنْشِئَتْ مِنْ هَذِهِ الأُُصُولِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : أَبُو ثَوْرٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ , وَالنَّيْسَابُورِيّ ,
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ : عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الأَكْلُ , وَالشُّرْبُ , وَالْكَيْلُ , وَالْوَزْنُ , وَالتَّثْمِينُ فَمَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ , أَوْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ , لَمْ يَجُزْ مِنْهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ , لاَ يَدًا بِيَدٍ ، وَلاَ نَسِيئَةً ,
وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ , وَمَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ ، وَلاَ يُشْرَبُ , أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ ، وَلاَ يُشْرَبُ , أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِمَّا لاَ يُكَالُ ، وَلاَ يُوزَنُ , فَلاَ رِبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ , وَالتَّفَاضُلُ فِيهِ جَائِزٌ , فَأَجَازُوا الأُُتْرُجَّ فِي الأُُتْرُجِّ مُتَفَاضِلاً نَسِيئَةً.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لاَ يُوزَنُ ، وَلاَ يُكَالُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ , وَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ ، وَلاَ يُشْرَبُ , وَلاَ هُوَ ذَهَبٌ ، وَلاَ فِضَّةٌ وَهَذَا الْقَوْلُ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , ذَكَرَهُ مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ فِي مُوَطَّئِهِ , وَلاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ سَعِيدٍ , وَلاَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ. وَحُجَّةُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُمْ ادَّعَوْا الإِجْمَاعَ عَلَيْهِ , قَالُوا : وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ الرِّبَا فِيمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَدَعْوَاهُمْ هَهُنَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَفِيهِمْ الْجِنُّ , وَالإِنْسُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرْوَ فِيهَا قَوْلٌ ، عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً أَكْثَرُهَا بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ , وَلاَ عَنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ أَصْلاً , عَلَى اخْتِلاَفٍ شَدِيدٍ بَيْنَهُمْ , فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ , فَكَيْفَ وَالْخِلاَفُ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ لأََنَّ مَالِكًا وَمَنْ وَافَقَهُ لاَ يَرَوْنَ الرِّبَا فِي الْمَاءِ , وَلاَ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ , إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا. فَلاَ يَرَوْنَ الرِّبَا فِي : التُّفَّاحِ , وَلاَ فِي الْعُنَّابِ , وَلاَ فِي حَبِّ الْقَنْبِ , وَلاَ فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ , وَلاَ فِي الْكُرُنْبِ , وَلاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ , وَكُلُّهُ يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ وَيُؤْكَلُ فَبَطَلَ هَذَا الإِجْمَاعُ الْمَكْذُوبُ. وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلاً , وَلاَ قَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَأْتِيَ لَهُمْ بِغَيْرِهَا , فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : عِلَّةُ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ , وَالتَّثْمِينُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ , فَمَا كَانَ يُؤْكَلُ , وَيُشْرَبُ , فَلاَ يَجُوزُ مُتَفَاضِلاً أَصْلاً ، وَلاَ بِنَسِيئَةٍ أَصْلاً , وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ نَقْدًا فَقَطْ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ , فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ : جَازَ فِيهِ التَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ نَقْدًا , وَلَمْ يَجُزْ فِيهِمَا النَّسِيئَةُ. وَمَا كَانَ لاَ يُؤْكَلُ ، وَلاَ يُشْرَبُ , وَلاَ هُوَ ذَهَبٌ ، وَلاَ فِضَّةٌ , فَالتَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ , وَالنَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ : جَائِزٌ فِيهِ جِنْسًا كَانَ أَوْ جِنْسَيْنِ فَأَجَازَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ إلَى أَجَلٍ ,
وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لاَ يُؤْكَلُ ، وَلاَ يُشْرَبُ , وَلاَ هُوَ ذَهَبٌ ، وَلاَ فِضَّةٌ. وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِ رِطْلٍ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْ سَقَمُونْيَا ,
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُتَدَاوَى بِهِ ; لأََنَّهُ يُطْعَمُ عَلَى وَجْهٍ مَا
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الآخَرُ , وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ أَصْحَابُهُ , وَإِيَّاهُ يَنْصُرُونَ.
وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
قال أبو محمد رحمه الله : هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ قَالَ " كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ.(1/174)
قَالَ عَلِيٌّ : وَحَرَّفَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ مِمَّنْ لاَ عِلْمَ لَهُ بِالْحَدِيثِ ، وَلاَ وَرَعَ لَهُ يَحْجِزُهُ ، عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا لَمْ يَقُلْهُ , وَلاَ جَاءَ عَنْهُ وَبِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ , فَأَطْلَقَهُ إطْلاَقًا بِلاَ إسْنَادٍ فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يُبَاعُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ , وَتَعَمُّدٌ لِوَضْعِ الْحَدِيثِ , إنْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً مِنْ جَاهِلٍ , وَمَا جَاءَ هَكَذَا قَطُّ , وَلاَ يُوجَدُ أَبَدًا مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ; لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ " الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ , وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ عَنْهُ مِثْلاً بِأَكْثَرَ , وَلاَ إبَاحَتُهُ , إنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ , فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ".
وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَةَ " الطَّعَامِ " لاَ تُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ , أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَمْ يَقَعْ اسْمُ الطَّعَامِ إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ.
وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ مُوجِبًا عِنْدَكُمْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلٍ بِمِثْلٍ , فَاجْعَلُوا ، وَلاَ بُدَّ اقْتِصَارَهُ عليه السلام عَلَى ذِكْرِ الأَصْنَافِ السِّتَّةِ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِيمَا عَدَاهَا , وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ.
فَإِنْ قَالُوا : فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ
قلنا : أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ إنْ كُنْتُمْ تَتَّعِدُونَ بِاسْمِ الطَّعَامِ إلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ , فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ : لاَ يَجُوزُ تُفَّاحَةٌ بِتُفَّاحَةٍ إِلاَّ حِينَ يُوقَنُ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ , وَلاَ الْخُضَرُ بِالْخُضَرِ إِلاَّ حِينَ يُوقَنُ أَيُّهَا أَكْثَرُ , وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَعَدَّى بِلَفْظَةِ الطَّعَامِ الْبُرُّ , فَفِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِ بُرٍّ فَاضِلٍ بِأَدْنَى , وَفَاضِلٍ وَأَدْنَى بِمُتَوَسِّطٍ إذَا تَمَاثَلَتْ فِي الْكَيْلِ.
وَأَيْضًا : فَلاَ يُطْلِقُ عَرَبِيٌّ ، وَلاَ مُسْتَعْرِبٌ عَلَى السَّقَمُونْيَا اسْمَ طَعَامٍ لاَ بِإِطْلاَقٍ ، وَلاَ بِإِضَافَةٍ.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ تُؤْكَلُ فِي الأَدْوِيَةِ
قلنا : وَالصَّنْدَلُ قَدْ يُؤْكَلُ فِي الأَدْوِيَةِ , وَالطِّينُ الأَرْمِينِيُّ , وَالأَحْمَرُ , وَالطَّفْلُ كَذَلِكَ , وَالسَّبَدُ , وَاللُّؤْلُؤُ , وَحَجَرُ الْيَهُودِ كَذَلِكَ , فَأَوْقَعُوا الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ هَذَا , نَعَمْ , وَفِي النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ أَظْفَارَهُ , وَشَعْرَ لِحْيَتِهِ , وَالرَّقَّ , أَكْلاً ذَرِيعًا , فَأَوْقَعُوهَا فِي الطَّعَامِ , وَأَدْخَلُوا الرِّبَا فِيهَا ; لأََنَّهُمَا قَدْ يُؤْكَلاَنِ أَيْضًا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ أَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا مُخْتَلِفًا فَتَبَايَعْنَاهُ بَيْنَنَا بِزِيَادَةٍ , فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَأْخُذَهُ إِلاَّ كَيْلاً بِكَيْلٍ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَا حَجَّاجٌ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تُبَاعُ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ , وَلاَ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ مِنْ الطَّعَامِ الْمُسَمَّى. فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا ; لأََنَّ اسْمَ " الطَّعَامِ " لاَ يَقَعُ كَمَا
قلنا عِنْدَ الْعَرَبِ مُطْلَقًا إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ فَقَطْ , كَمَا ذَكَرْنَا ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ آنِفًا.
فإن قيل : فَقَدْ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فَأَرَادَ تَعَالَى ذَبَائِحَنَا وَذَبَائِحَهُمْ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ
قلنا : لاَ نَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ اسْمِ " الطَّعَامِ " عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ بِإِضَافَةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الأَحْتِجَاجَ هُوَ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ : إنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحَنَا جَائِزٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً , وَفِي قَوْلِهِمْ الثَّانِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ أَصْلاً حَتَّى يَيْبَسَ. وَهَذَانِ الْقَوْلاَنِ مُخَالِفَانِ لأَحْتِجَاجِهِمْ بِإِطْلاَقِ اسْمِ الطَّعَامِ عَلَى اللُّحُومِ وَغَيْرِهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ مُخَالِفَانِ لِقَوْلِ مَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , جُمْلَةً إنْ حَمَلاَهُمَا عَلَى أَنَّ " الطَّعَامَ " وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مُبْطِلاَنِ لِقَوْلِهِمَا فِي الرِّبَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَكَمَا
قلنا , وَيَبْطُلُ أَيْضًا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مَنْ هُوَ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ ابْنِ فُضَيْلٍ : قُتَيْبَةُ ,(1/175)
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " قَالَ : قَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا مِنْ التَّمْرِ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ , فَذَهَبْنَا نَتَزَايَدُ فِيهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا كَيْلاً بِكَيْلٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ إنَّمَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا إمَّا تَمْرًا , أَوْ بُرًّا , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; لأََنَّ فِيهِ نَهْيَهُمْ ، عَنْ أَنْ يَبِيعُوهُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِزِيَادَةٍ , هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَسْمِيَتُهُ بِالطَّعَامِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يُنَازِعُونَا فِي مَعْنَاهُ , ثُمَّ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ , إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ أُخْبِرْنَا ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لاَ يُطْلِقُ اسْمَ " الطَّعَامِ " إِلاَّ عَلَى الْبُرِّ. ثُمَّ لاَ يُمَارُونَنَا فِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَقْسُومِ هَذَا نَصُّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ يَقِينًا ضَرُورَةً ، وَلاَ بُدَّ , فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ مَا يُرِيدُونَ أَنْ يُسَمُّوهُ طَعَامًا , إِلاَّ بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ يُنَازِعُونَ فِيهِ , وَهُمْ لاَ يَدْعُونَ مَعْرِفَةَ مَا كَانَ مِنْ صِنْفِ ذَلِكَ الطَّعَامِ , فَيُمْكِنُهُمْ عِنْدَنَا أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُرًّا , وَلاَ تَمْرًا , وَلاَ شَعِيرًا , وَيَبْطُلُ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ إنْ كَانَ بُرًّا , أَوْ تَمْرًا , أَوْ شَعِيرًا ; لأََنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّلاَثَةِ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ بِيَقِينٍ لاَ إمْكَانَ فِي سِوَاهُ. وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَاسْتَدْرَكْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ : وَأَنَا بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ : أَنَا حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لاَ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ. فَقَدْ أَخْبَرَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ : أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ هُوَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ نَفْسُهُ. وَصَحَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى مَا هُوَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ , وَمَرَّةً عَلَى مَا سَمِعَهُ
وَأَيْضًا : فَإِنَّ حَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ [ فَظَاهِرُهُ الأَنْقِطَاعُ ]. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ : أَنَا [ أَبُو الطَّاهِرِ ] أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ : أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لاَ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ. قَالَ مُسْلِمٌ : وَنَاهُ أَيْضًا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى فِي آخِرِ الْحَدِيثِ , فَهَذَا هُوَ الْمُتَّصِلُ الصَّحِيحُ. وَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ أَخْطَأَ فِيهِ مَرَّةً وَاسْتَدْرَكَ أُخْرَى , أَوْ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى مَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ , وَمَرَّةً كَمَا سَمِعَهُ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً. فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُعْطِي الصَّاعَ مِنْ حِنْطَةٍ بِسِتَّةِ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ
فأما سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إِلاَّ مِثْلٌ بِمِثْلٍ فَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ هُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَلَيْسَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , وَالْحَنَفِيِّينَ جُمْلَةً ; لأََنَّهُمْ لاَ يَمْنَعُونَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي التَّمْرِ مَعَ غَيْرِ الْبُرِّ , وَلاَ يَقْتَصِرُونَ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْبُرِّ بِالتَّمْرِ خَاصَّةً , كَمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهُ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ : بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ تَتَبَايَعُوا يَدًا بِيَدٍ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنْ الطَّعَامِ يُرِيدُ التَّمْرَ بِالْقَمْحِ وَالتَّمْرَ بِالزَّبِيبِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنْ الطَّعَامِ , فَلاَ بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ , الْبُرُّ بِالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبُ بِالشَّعِيرِ , وَكَرِهَهُ نَسِيئَةً , وَكَانَ يَكْرَهُ الطَّعَامَ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ نَظْرَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ مَا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ نَسِيئَةً.(1/176)
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ خِلاَفُهُ كَمَا نَذْكُرُ فِي ذِكْرِنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِمَنْعِهِ مِنْ النَّظْرَةِ فِيمَا عَدَا السِّتَّةَ الأَصْنَافِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ , وَهُوَ صَحِيحٌ ; لأََنَّهُ كَرَاهِيَةٌ لاَ تَحْرِيمٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِنَا أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ , فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. ثُمَّ كَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ , كَتَوْرِيثِ عُمَرَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فِي الْمَرَضِ وَقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِهِ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ وَفِي أَنْ لاَ يُقْتَلُ أَحَدٌ قَوَدًا بِمَكَّةَ وَفِي أَنْ لاَ يَحُجَّ أَحَدٌ عَلَى بَعِيرٍ جِلاَلٍ وَفِي غَيْرِ مَا قِصَّةٍ , فَكَيْفَ وَلَمْ يَأْتِ ، عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ رضي الله عنهما وَعَنْ عَطَاءٍ هَهُنَا إِلاَّ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ , لاَ التَّحْرِيمُ الَّذِي يَقْدُمُونَ عَلَيْهِ بِلاَ
برهان أَصْلاً وَقَدْ
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ سِتْرٌ مِنْ الْحَرَامِ. وَقَدْ جَاءَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الرِّبَا أَضْعَافَ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ عَلَى
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ : إنَّا وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّنَا نَأْمُرُكُمْ بِأُمُورٍ لاَ تَصْلُحُ لَكُمْ , وَلَعَلَّنَا نَنْهَاكُمْ ، عَنْ أُمُورٍ تَصْلُحُ لَكُمْ , وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولاً لأَيَاتِ الرِّبَا , فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا , فَدَعُوا مَا يَرِيبُكُمْ إلَى مَا لاَ يَرِيبُكُمْ.
قَالَ عَلِيٌّ : حَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُبَيِّنْ الرِّبَا الَّذِي تَوَعَّدَ فِيهِ أَشَدَّ الْوَعِيدِ , وَاَلَّذِي أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِالْحَرْبِ , وَلَئِنْ كَانَ لَمْ يُبَيِّنْهُ لِعُمَرَ فَقَدْ بَيَّنَهُ لِغَيْرِهِ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ شَيْءٍ لِكُلِّ أَحَدٍ , لَكِنْ إذَا بَيَّنَهُ لِمَنْ يُبَلِّغُهُ فَقَدْ بَلَّغَ مَا لَزِمَهُ تَبْلِيغُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : تَرَكْنَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلاَلِ مَخَافَةَ الرِّبَا. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا , وَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لاَ سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً , وَلاَ نَعْرِفُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَقَالُوا : إنَّمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَصْنَافٍ : أَرْبَعَةً مَأْكُولَةً , وَاثْنَتَيْنِ هُمَا ثَمَنُ الأَشْيَاءِ , فَقِسْنَا عَلَى الْمَأْكُولَةِ كُلَّ مَأْكُولٍ , وَلَمْ نَقِسْ عَلَى الأَثْمَانِ شَيْئًا .
فَقُلْنَا : هَذَا أَوَّلُ الْخَطَأِ , إنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلاً فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَهَا , وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَدَعُوا الذَّهَبَ , وَالْفِضَّةَ : دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَيْهِمَا , كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ ، وَلاَ فَرْقَ , فَقِيسُوا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ مَوْزُونٍ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ , أَوْ كُلَّ مَعْدِنِيٍّ , فَإِنْ أَبَيْتُمْ وَعَلَّلْتُمْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالتَّثْمِينِ
قلنا : هَذَا عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ ; لأََنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَهُوَ ثَمَنٌ صَحِيحٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ , بِإِجْمَاعِكُمْ مَعَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ , وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الأَقْتِصَارُ بِالتَّثْمِينِ عَلَى الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ , وَلاَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَهَذَا خَطَأٌ فِي غَايَةِ الْفُحْشِ , وَلاَزِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , لُزُومًا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ.
وَأَيْضًا : فَمَا الَّذِي جَعَلَ عِلَّتَكُمْ بِأَوْلَى مِنْ عِلَّةِ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ عَلَّلُوا الأَرْبَعَةَ الأَصْنَافِ بِالْكَيْلِ , وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ وَقَالُوا : لَمْ يَذْكُرْ عليه السلام إِلاَّ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا , وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ , وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ هَهُنَا عِلَّةٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ , وَلاَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام , بَلْ تَرَكَنَا فِي ضَلاَلٍ وَدِينٍ غَيْرِ تَامٍّ , وَوَكَّلَنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , الَّتِي لاَ مَعْنَى لَهَا , هَذَا أَمْرٌ لاَ يَشُكُّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.(1/177)
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ جِنْسَيْنِ فَقَطْ , فَإِذَا كَانَ الصِّنْفُ مَكِيلاً بِيعَ بِنَوْعِهِ كَيْلاً بِمِثْلِهِ يَدًا بِيَدٍ , وَلَمْ يَحِلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ ، وَلاَ النَّسِيئَةُ وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَكِيلاَتِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ , وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا , وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ ، وَلاَ النَّسِيئَةُ , وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ , وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ إِلاَّ فِي الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِمَا سَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ نَسِيئَةً. وَجَائِزٌ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ مُتَفَاضِلاً وَمُتَمَاثِلاً نَقْدًا وَنَسِيئَةً , كَاللَّحْمِ بِالْبُرِّ , أَوْ كَالْعَسَلِ بِالتَّمْرِ , أَوْ الزَّبِيبِ بِالشَّعِيرِ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رَغِبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِسَبَبِ انْتِقَاضِهَا عَلَيْهِمْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ , فَلَجَأَ إلَى أَنْ قَالَ : عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ وُجُودُ الْكَيْلِ , أَوْ الْوَزْنِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ , فَمَا زَادُونَا بِهَذَا إِلاَّ جُنُونًا وَكَذِبًا بِدَعْوَاهُمْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ , وَالدَّرَاهِمَ : لاَ تَتَعَيَّنُ , وَهَذِهِ مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَهُمْ تَتَعَيَّنُ , وَهُمْ يُجِيزُونَ تَسْلِيمَهُ فِيمَا يُوزَنُ , فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ السَّخِيفَةِ فِي إزَالَةِ تَنَاقُضِهِمْ. ثُمَّ أَتَوْا بِتَخَالِيطَ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ مَنْ بَغَى لِفَسَادِ عَقْلِهِ , قَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ , إِلاَّ أَنَّ مِنْهَا مُخَالَفَتَهُمْ السُّنَّةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَنْ يَرَى الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ , فَأَجَازُوا التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ يَدًا بِيَدٍ , وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوا تَسْلِيمَ ثَلاَثِ حَبَّاتٍ مِنْ قَمْحٍ فِي حَبَّتَيْنِ مِنْ تَمْرٍ , وَهَذَا خُرُوجٌ ، عَنِ الإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ قَعْنَبٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ , وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ : لاَ , وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَفْعَلُوا , وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ , أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا ,
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ , وَهِيَ قَوْلٌ "
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ تَمْرًا أَجْوَدَ مِنْ تَمْرِهِمْ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا فَقَالُوا : أَبْدَلْنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ ، وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ يَصْلُحُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ ، وَلاَ صَاعٌ بِصَاعَيْنِ وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا , عَلَى مَا نُبَيِّنُ , إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا أَبُو جَنَّابٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هَذِهِ السَّارِيَةِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ جِذْعُ نَخْلَةٍ : لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ , وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ , وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ , إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ الرِّبَا زَادَ بَعْضُهُمْ : فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالأَفْرَاسِ وَالنَّجِيبَ بِالإِبِلِ , قَالَ : لاَ بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا رَوْحٌ أَنَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلُ صِدْقٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ ، عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ : يَدًا بِيَدٍ , كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى بِهِ بَأْسًا مَا كَانَ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ , فَأَتَاهُ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ لَهُ : أَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ , حَتَّى مَتَى يَأْكُلُ النَّاسُ الرِّبَا أَوَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : التَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ , وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ , مِثْلاً بِمِثْلٍ , فَمَا زَادَ فَهُوَ رِبًا ثُمَّ قَالَ :(1/178)
وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ أَيْضًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لأََبِي سَعِيدٍ : جَزَاكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ , ذَكَّرْتَنِي أَمْرًا قَدْ كُنْتُ أُنْسِيتُهُ , فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَوْثَقُ , فَزَادَ فِيهِ بَيَانًا : كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ مُوسَى , وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ , قَالاَ جَمِيعًا : أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْزُقُنَا تَمْرًا مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ , فَنَسْتَبْدِلُ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ وَنَزِيدُ فِي السِّعْرِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَصْلُحُ هَذَا لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ , وَلاَ دِرْهَمَانِ بِدِرْهَمٍ , وَلاَ الدِّينَارُ بِدِينَارَيْنِ , وَلاَ الدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ رِبًا.
قال أبو محمد رحمه الله : فَقَوْلُهُ عليه السلام : لاَ يَصْلُحُ , هَذَا لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ إشَارَةٌ إلَى التَّمْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ , لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً , بَدَأَ عليه السلام فَقَالَ : " لاَ يَصْلُح " مُشِيرًا إلَى فِعْلِهِمْ , ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلاَمَ فَقَالَ : " هَذَا لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " فَ " هَذَا , ابْتِدَاءٌ , وَ " لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ خَبَرِ الأَبْتِدَاءِ وَانْتَصَبَ " صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " عَلَى التَّمْيِيزِ , وَلاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَوْ قَالَ عليه السلام : لاَ يَصْلُحُ هَذَا , ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلاَمَ بِقَوْلِهِ : لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ , دُونَ أَنْ يَكُونَ فِي يَصْلُحُ الثَّانِيَةِ ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إلَى مَذْكُورٍ , أَوْ مُشَارٍ إلَيْهِ لَكَانَ لَحْنًا لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَلْحَنُ , وَلاَ يَحِلُّ إحَالَةُ لَفْظِ الْخَبَرِ مَا دَامَ يُوجَدُ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , الَّذِي فِيهِ
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ فَإِنَّهُمْ جَسَرُوا هَهُنَا عَلَى الْكَذِبِ الْبَحْتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ قَطَعُوا بِأَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : لاَ يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِجِنْسِهِ , وَلاَ النَّسِيئَةُ , فَاقْتَصَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَلَى أَنْ قَالَ "
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ".
قال أبو محمد رحمه الله : إنَّمَا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيَانِ ,
وَأَمَّا بِالإِشْكَالِ فِي الدِّينِ , وَالتَّلَبُّسِ فِي الشَّرِيعَةِ : فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , وَلَيْسَ فِي التَّلْبِيسِ , وَالإِشْكَالِ : أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحَرِّمَ كُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً أَوْ نَسِيئَةً , وَكُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُوزَنُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً أَوْ نَسِيئَةً , فَيَقْتَصِرُ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ عَلَيْنَا , وَتَفْصِيلِهِ لَنَا , عَلَى أَنْ يَقُولَ فِي التَّمْرِ الَّذِي اُشْتُرِيَ بِتَمْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ : لاَ تَفْعَلُوا , وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ , أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا ,
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ. وَمَا خَلَقَ اللَّهُ قَطُّ أَحَدًا يَفْهَمُ تِلْكَ الصِّنْفَيْنِ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ , وَلاَ رَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ هَذَا الْكَلاَمَ عَلَى تِلْكَ الْخُرَافَتَيْنِ. وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ أَرَادَ تِلْكَ الشَّرِيعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ احْتَجُّوا لَهُمَا بِهَذَا الْكَلاَمِ , فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِهَذَا الْكَلاَمِ , لَسُخِرَ مِنْهُ , وَلَمَا عَدَّهُ مَنْ يَسْمَعُهُ إِلاَّ أَلْكَنَ اللِّسَانِ , أَوْ مَاجِنًا مِنْ الْمُجَّانِ , أَوْ سَخِيفًا مِنْ النَّوْكَى. أَفَلاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِحِ الْمُوبِقَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , الْمُخْزِيَةِ فِي الْعَاجِلِ , وَلَكِنَّا نَقُولُ قَوْلاً نَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِنْ مُخَالِفٍ وَمُؤَالَفٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ قَوْلٌ مُجْمَلٌ , مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ نُؤْمِنُ بِكُلِّ ذَلِكَ , وَنَطْلُبُ بَيَانَهُ مِنْ نُصُوصٍ أُخَرَ , وَلاَ نَقْدَمُ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ , وَالدَّعْوَى الآفِكَةِ عَلَى أَنْ نَقُولَ : أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا , وَأَرَادَ رَسُولُهُ عليه السلام مَعْنَى كَذَا : لاَ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ , فَطَلَبْنَا ذَلِكَ : فَوَجَدْنَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , وَأَبِي بَكْرَةَ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , قَدْ بَيَّنَ فِيهَا مُرَادَهُ عليه السلام بِقَوْلِهِ هَهُنَا : "
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ " وَهُوَ تَفْسِيرُهُ عليه السلام هُنَالِكَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ , وَلاَ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَقَطَعْنَا : أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ : "(1/179)
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ". وَشَهِدْنَا بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا لَبَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ أَهْلُ الإِسْلاَمِ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى ظَنِّ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَأْيِهِ , الَّذِي لاَ رَأْيَ أَسْقَطُ مِنْهُ , وَلاَ إلَى كَهَانَةِ أَصْحَابِهِ الْغَثَّةِ الَّتِي حُلْوَانُهُمْ عَلَيْهَا الْخِزْيَةُ فَقَطْ , قَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ , وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَسَقَطَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الَّتِي فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ ; لأََنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ وَهَذَا آخَرُ. وَيَأْتُونَ إلَى مُجْمَلٍ لاَ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْهُ إِلاَّ مَا فَسَّرَهُ عليه السلام فِي مَكَان آخَرَ , فَيَزِيدُونَ فِيهِ وَيُفَسِّرُونَهُ بِالْبَاطِلِ , وَبِمَا لاَ يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ عليه السلام أَصْلاً.
وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ : لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَكِيلٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا خَبَرٌ اخْتَصَرَهُ مَعْمَرٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , أَوْ وَهَمَ فِيهِ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ , فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو , أَوْ وَهَمَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ; لأََنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ : الأَوْزَاعِيُّ , وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ , وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَلَيْسَ هِشَامٌ , وَالأَوْزَاعِيُّ , دُونَ مَعْمَرٍ , إنْ لَمْ يَكُنْ هِشَامٌ أَحْفَظَ مِنْهُ. فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ شَيْبَانَ
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ وَ
حدثنا حمام أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ أَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ كُلُّهُمْ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ , وَلاَ صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ , وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ : حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَهَذَا هُوَ خَبَرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو نَفْسُهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَأَسْقَطَ مَعْمَرٌ ذِكْرَ التَّمْرِ , وَالْحِنْطَةِ. وَمِنْ الْبَيَانِ الْوَاضِحِ عَلَى خَطَأِ مَعْمَرٍ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ : إيرَادُهُ اللَّحْنَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ : لاَ يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَوَاللَّهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ , إِلاَّ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَيْءٍ , فَيَكُونُ ضَمِيرُهُ فِي " لاَ يَصْلُحُ " لاَ سِيَّمَا وَالأَوْزَاعِيُّ يَذْكُرُ سَمَاعَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ , وَسَمَاعَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ , لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ مَعْمَرٌ وَهَذَا لاَ يَكْدَحُ عِنْدَنَا شَيْئًا , إِلاَّ إذَا كَانَ خَبَرًا وَاحِدًا اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ , فَإِنَّ رِوَايَةَ الَّذِي ذَكَرَ السَّمَاعَ أَوْلَى , لاَ سِيَّمَا مِمَّنْ ذَكَرَ بِتَدْلِيسٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَفْظُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ , وَمَعْمَرٍ , بِلاَ زِيَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِمَا , وَلاَ بَيَانٍ مِنْ سِوَاهُمَا , لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ جِنْسٍ وَاحِدٍ , وَلاَ جِنْسَيْنِ أَصْلاً , وَهُمْ يُجِيزُونَ صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعِ تَمْرٍ , وَبِكُلِّ مَا لَيْسَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا خِلاَفُ عُمُومِ الْخَبَرِ.
فَإِنْ قَالُوا : فَسَّرَ هَذَا أَخْبَارٌ أُخَرُ
قلنا :
وَكَذَلِكَ فَسَّرَتْ أَخْبَارٌ أُخَرُ مَا أَجْمَلَهُ مَعْمَرٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ هَذَا فِي الْقَرْضِ لاَ فِي الْبَيْعِ , نَعَمْ , لاَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ صَاعَانِ بِصَاعٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا ,
وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلاَ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا ; لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ صَاعَيْ شَعِيرٍ بِصَاعِ بُرٍّ , وَالنَّاسُ لاَ يُجِيزُونَهُ كُلُّهُمْ , بَلْ يَخْتَلِفُونَ فِي إجَازَتِهِ. وَصَاعَيْ حِمَّصٍ بِصَاعِ لُبْيَاءَ , وَلاَ إجْمَاعَ هَهُنَا , فَمَالِكٌ لاَ يُجِيزُهُ.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ
قلنا : صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَصْنَافِ الَّتِي سَمَّى فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي آخِرِهِ .
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ عليه السلام قَوْلٌ بِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى لَفْظَةِ " لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا , فَقَالُوا هُمْ : فِي كُلِّ مَكِيلٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ , وَقُلْنَا نَحْنُ : هُوَ فِي الأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , فَدَعْوَى كَدَعْوَى. وَبُرْهَانُنَا نَحْنُ : صِحَّةُ النَّصِّ عَلَى قَوْلِنَا , وَبَقِيَ قَوْلُهُمْ بِلاَ
برهان فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَسَاقِطٌ ; لأََنَّهُ ، عَنْ أَبِي جُنَابٍ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ , وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ , وَضَعُفَ , وَذَكَرَ بِتَدْلِيسٍ , ثُمَّ هُوَ ، عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ جُمْلَةً فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُمُومَهُ.(1/180)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ , فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ كَمَا أَوْرَدْنَا , لَمْ يَسْمَعْهُ , لاَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ , وَلاَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَذَكَرَ فِيهِ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَابَ وَرَجَعَ ، عَنِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَهَذَا الْبَاطِلُ وَقَوْلُ مَنْ بَلَغَهُ خَبَرٌ لَمْ يَشْهَدْهُ ، وَلاَ أَخَذَهُ ، عَنْ ثِقَةٍ. وَقَدْ رَوَى رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَبُو الْجَوْزَاءِ رَوَاهُ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّبَعِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَرَوَى عَنْهُ طَاوُوس مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ. وَرَوَى الثِّقَةُ الْمُخْتَصُّ بِهِ خِلاَفَ هَذَا : كَمَا حَدَّثَنَا حمام أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي هَاشِمٍ أَنَا أَبُو بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا كَانَ الرِّبَا قَطُّ فِي هَاءٍ وَهَاتٍ. وَحَلَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : بِاَللَّهِ مَا رَجَعَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ انْسَنَدَ حَدِيثُ أَبِي مِجْلَزٍ الْمَذْكُورُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ "
وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي سَعِيدٍ لَوْ صَحَّ. وَهُوَ أَيْضًا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ : نَافِعٌ , وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ , وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ , وَأَبُو نَضْرَةَ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ , وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْهُ , وَكُلُّهُمْ مُتَّصِلُ الأَسَانِيدِ بِالثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ إلَيْهِمْ , لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِيهِ , وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ نَفْسِهِ ; لأََنَّهُ لَمَّا تَمَّ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ : ثُمَّ قَالَ فَابْتَدَأَ الْكَلاَمَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذِكْرِ "
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " مَفْصُولاً ، عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي مِجْلَزٍ وَهُوَ الأَظْهَرُ فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ,
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلاَمٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ.
قال أبو محمد رحمه الله :ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ ، وَلاَ أَثَرٌ , وَخِلاَفُهُمْ لِيَقِينِ مَا فِيهِ مَنْسُوبًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : التَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ , وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , يَدًا بِيَدٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ. فَقَالُوا هُمْ جِهَارًا : نَعَمْ , وَيَجُوزُ غَيْرُ عَيْنٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ , وَيَجُوزُ عَيْنٌ بِغَيْرِ عَيْنٍ , نَعَمْ , يَجُوزُ تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَبِأَكْثَرَ , فَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ الْفَضَائِحِ فَضَائِحُ أَوْ يَبْقَى مَعَ هَذَا دِينٌ أَوْ حَيَاءٌ مِنْ عَارٍ أَوْ خَوْفِ نَارٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَالدَّمَارِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَمِمَّا يَبِينُ غَايَةَ الْبَيَانِ : أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ نَعْنِي
وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطْعًا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ وَهُوَ أَيْضًا مُبْطِلٌ لِعِلَّتِهِمْ بِالْوَزْنِ , وَالْكَيْلِ , مِنْ طَرِيقِ ضَرُورَةِ الْحِسِّ , وَبَدِيهَةِ الْعَقْلِ , وَصَادِقِ النَّظَرِ , فَإِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَجْعَلُ عِلَّةَ الْحَرَامِ فِي الرِّبَا : الْوَزْنَ , وَالْكَيْلَ , وَالتَّفَاضُلَ فِيهِ , وَبَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ , وَهُوَ عليه السلام يَدْرِي , وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَعْرِفُ : أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعَاتِ يَخْتَلِفُ فِي الْبِلاَدِ أَشَدَّ اخْتِلاَفٍ , فَمَا يُوزَنُ فِي بَلْدَةٍ يُكَالُ فِي أُخْرَى : كَالْعَسَلِ , وَالزَّيْتِ وَالدَّقِيقِ , وَالسَّمْنِ , يُبَاعُ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَزْنًا , وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالأَنْدَلُسِ إِلاَّ كَيْلاً. وَيُبَاعُ السَّمْنُ وَالدَّقِيقُ فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ كَيْلاً , وَلاَ يُبَاعُ عِنْدَنَا إِلاَّ وَزْنًا , وَالتِّينُ يُبَاعُ بَرِّيَّةَ كَيْلاً , وَلاَ يُبَاعُ بِإِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ إِلاَّ وَزْنًا ,(1/181)
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَشْيَاءِ. وَلاَ سُبُلَ إلَى أَنْ يُعْرَفَ كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْلاً , فَحَصَلَ الرِّبَا لاَ يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى يُجْتَنَبَ ، وَلاَ مَا لَيْسَ هُوَ فَيُسْتَعْمَلَ وَصَارَ الْحَرَامُ وَالْحَلاَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْشَاجًا مُخْتَلِطَيْنِ لاَ يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا أَبَدًا. وَحَصَلَتْ الأَنْوَاعُ الْمَبِيعَةُ كُلُّهَا الَّتِي يُدْخِلُونَ فِيهَا الرِّبَا لاَ يَدْرُونَ كَيْفَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهَا ، وَلاَ كَيْفَ يَسْلَمُ مِنْهُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دِينٍ هَذِهِ صِفَتُهُ , هَيْهَاتَ أَيْنَ هَذَا الْقَوْلُ الْكَاذِبُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّادِقِ : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَمِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , قَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ. فَإِنْ رَجَعُوا إلَى أَنْ يَجْعَلُوا لأََهْلِ كُلِّ بَلَدٍ عَادَتَهُ حَصَلَ الدِّينُ لَعِبًا إذَا شَاءَ أَهْلُ بَلَدٍ أَنْ يَسْتَحِلُّوا الْحَرَامَ رَدُّوا كُلَّ مَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِكَيْلٍ إلَى الْوَزْنِ , وَمَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِوَزْنٍ إلَى كَيْلٍ فَحَلَّ لَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ مَا كَانَ حَرَامًا أَمَسَّ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ , أَوْ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ , وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَيْضًا يَدْخُلُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ ; لأََنَّهُمْ إذَا أَدْخَلُوا الرِّبَا فِي الْمَأْكُولِ كُلِّهِ , أَوْ فِي الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ : سَأَلْنَاهُمْ ، عَنِ الأَصْنَافِ الْمَبِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ , وَلَيْسَتْ صِنْفًا , وَلاَ صِنْفَيْنِ , بَلْ هِيَ عَشَرَاتٌ كَثِيرَةٌ : بِأَيِّ شَيْءٍ يُوجِبُونَ فِيهَا التَّمَاثُلَ , أَبِالْكَيْلِ أَمْ بِالْوَزْنِ فَأَيًّا مَا قَالُوا صَارُوا مُتَحَكِّمِينَ بِالْبَاطِلِ , وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْ آخَرَ يَقُولُ بِالْوَزْنِ فِيمَا قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْكَيْلِ , أَوْ بِالْكَيْلِ فِيمَا قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْوَزْنِ , فَأَيْنَ الْمُخَلِّصُ أَمْ كَيْفَ يَبِيعُ النَّاسُ مَا أُحِلَّ لَهُمْ مِنْ الْبَيْعِ أَمْ كَيْفَ يَجْتَنِبُونَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّبَا وَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَصِيحَةِ نَفْسِهِ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : أَنْ لاَ يُبَاعَ الصَّاعُ بِالصَّاعَيْنِ إذَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ , فَإِنْ اخْتَلَفَ فَلاَ بَأْسَ , وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي الدَّيْنِ فَلاَ يَصْلُحُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُوزَنُ مِثْلُ ذَلِكَ كَهَيْئَةِ الْمِكْيَالِ.وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا جَدِّي هُوَ رَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ فِي الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ : الْعَبْدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالأَمَةُ خَيْرٌ مِنْ الأَمَتَيْنِ , وَالْبَعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْبَعِيرَيْنِ , وَالثَّوْبُ خَيْرٌ مِنْ الثَّوْبَيْنِ , فَمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ بِهِ , إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسَاءِ إِلاَّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ : فَلاَ يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الآخَرِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا فِيمَا يُكَالُ يَدًا بِيَدٍ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنِ النَّخَعِيِّ وَعَنْ رَجُلٍ ، عَنِ الْحَسَنِ , قَالاَ جَمِيعًا : سَلِّفْ مَا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ ، وَلاَ يُكَالُ , وَسَلِّفْ مَا يُوزَنُ ، وَلاَ يُكَالُ فِيمَا يُكَالُ ، وَلاَ يُوزَنُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : مَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ يُكَالُ مِثْلاً بِمِثْلٍ , فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَزِدْ وَازْدَدْ يَدًا بِيَدٍ , وَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا يُوزَنُ فَمِثْلاً بِمِثْلٍ , فَإِذَا اخْتَلَفَ فَزِدْ وَازْدَدْ يَدًا بِيَدٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ يُوزَنُ فَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَكُلُّ شَيْءٍ يُكَالُ فَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ.
فأما الرِّوَايَةُ ، عَنْ مَعْمَرٍ فَمُنْقَطِعَةٌ , وَعَنِ الْحَسَنِ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَمَّارٍ : فَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِقَوْلِهِمْ , لَكِنَّهُمْ مَوَّهُوا بِهِ ; لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو قَوْلُهُ : إِلاَّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ رِبًا , أَوْ يَكُونَ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا قَالَ : إنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ , فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ رِبًا , فَهُوَ ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ عَيْنًا , وَمُوجِبٌ أَنَّهُ لاَ رِبَا إِلاَّ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فِي النَّسِيئَةِ , فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا لاَ بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ , فَهُوَ أَيْضًا ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ وَمُوجِبُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا كِيلَ بِمَا وُزِنَ يَدًا بِيَدٍ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادُوهَا فَلاَ يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الآخَرِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَهُوَ ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ عِيَانًا بِكُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ عَنْهُ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي ذِكْرِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ , فَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الآخَرِ , مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهِيَةُ التَّفَاضُلِ فِيمَا يُكَالُ , وَلاَ يُوَافِقُهُ سَائِرُ أَقْوَالِهِمْ , وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ يَصِحُّ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ إِلاَّ ، عَنِ النَّخَعِيِّ , وَالزُّهْرِيِّ فَقَطْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ.
فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مَكِيلٍ , وَمَوْزُونٍ(1/182)
قلنا : مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مَأْكُولٍ أَوْ ثَمَنٍ أَوْ مَنْ قَالَ : لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ , وَمَعْدِنِيٍّ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ. أَوْ مَنْ قَالَ : لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى مَا يُزَكَّى وَعَلَى مَالِحِ الطَّعْمِ فَقَطْ أَوْ مَنْ قَالَ : لَمْ يَنُصَّ عليه السلام إِلاَّ عَلَى نَبَاتٍ , وَمَعْدِنِيٍّ , وَجَامِدٍ فَأَدْخَلَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يَنْبُتُ كَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَأَسْقَطَهُ ، عَنِ اللَّبَنِ وَمَا يَتَصَرَّفُ مِنْهُ , وَعَنِ الْعَسَلِ , وَاللَّحْمِ , وَالسَّمَكِ , فَلَيْسَ بَعْضُ هَذِهِ الدَّعَاوَى أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَكُلُّ هَذَا إذَا تَعَدَّى بِهِ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَهُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى , وَمَا عَجَزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ ، عَنْ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا مُرَادَهُ , وَحَاشَ لَهُ أَنْ يَكِلَنَا فِي أَصْعَبِ الأَشْيَاءِ مِنْ الرِّبَا الْمُتَوَعَّدِ فِيهِ بِنَارِ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ وَالْحَرْبِ بِهِ فِي الدُّنْيَا إلَى هَذِهِ الْكَهَانَاتِ الْكَاذِبَةِ , وَالظُّنُونِ الآفِكَةِ , ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَنَحْمَدُ اللَّهُ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَعَهِدْنَا بِهِمْ يَقُولُونَ : نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَدِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ; وَغَيْرُ مُوقِنِينَ بِوُجُوبِ قَطْعِهَا فِي أَقَلَّ , وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِتَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ وَلَمْ نُوقِنْ بِتَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِالْقَصْرِ فِي ثَلاَثٍ ، وَلاَ نُوقِنُ بِهِ فِي أَقَلَّ , فَلاَ نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لاَ نُوقِنُهُ. فَهَلاَّ قَالُوا هَهُنَا : نَحْنُ مُوقِنُونَ بِالرِّبَا فِي الأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , وَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا , فَلاَ نَقُولُ بِهِ حَيْثُ لاَ يَقِينَ مَعَنَا فِيهِ وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا هَهُنَا وَتَرَكُوا هُنَالِكَ لَوُفِّقُوا لأََنَّهُمْ كَانُوا يَتَّبِعُونَ السُّنَنَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَقَضُوا عِلَّتَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ , فَأَجَازُوا تَسْلِيفَ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ فِيمَا يُكَالُ , وَمَا يُوزَنُ. وَأَجَازُوا بَيْعَ آنِيَةِ نُحَاسٍ بِآنِيَةِ نُحَاسٍ أَوْ وَزْنٍ مِنْهَا , وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ , وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ فِي دُخُولِ الرِّبَا فِيهِ. ثُمَّ أَجَازُوا بَيْعَ قَمْحٍ بِعَيْنِهِ بِقَمْحٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ , أَوْ تَمْرٍ بِعَيْنِهِ بِتَمْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ بِشَعِيرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ , فَيُقْبَضُ الَّذِي بِغَيْرِ عَيْنِهِ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ قَبْلَ قَبْضِ الَّذِي بِعَيْنِهِ وَحَرَّمُوا ذَلِكَ فِي ذَهَبٍ بِعَيْنِهِ بِذَهَبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ , وَفِي فِضَّةٍ بِعَيْنِهَا بِفِضَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , لاَ فِي نَصٍّ , وَلاَ فِي مَعْقُولٍ , فَأَبَاحُوا الرِّبَا جِهَارًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ فَبَطَلَتْ عِلَّةُ هَؤُلاَءِ , وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ يَقِينًا.
1481 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد رحمه الله :
وَهَهُنَا أَشْيَاءُ ذَكَرَهَا الْقَائِلُونَ بِتَعْلِيلِ حَدِيثِ الرِّبَا كُلُّهُمْ , وَهِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , وَالْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ , حَتَّى خَلَصَ إلَى الْمِلْحِ. قَالُوا : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام ذَكَرَ غَيْرَ ذَلِكَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ :
أَوَّلُهَا : أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ حَكِيمُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرَ الْبُرِّ , وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ , فَبَطَلَ تَقْدِيرُهُمْ أَنَّهُ ذَكَرَ أَصْنَافًا لَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ. وَالثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ : حَتَّى خَصَّ الْمِلْحَ فَلاَحَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ تِلْكَ الأَصْنَافِ. وَالرَّابِعُ : أَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَذْكُرَ عليه السلام شَرَائِعَ مُفْتَرَضَةً فَيَسْقُطُ ذِكْرُهَا ، عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَوَّلِهِمْ ، عَنْ آخِرِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ , هَذَا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى.
وَقَوْله تَعَالَى إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
وَلَوْ جَازَ هَذَا لَكَانَ الدِّينُ لَمْ يَكْمُلْ , وَالشَّرِيعَةُ فَاسِدَةً , قَدْ ضَاعَتْ مِنْهَا عَنَّا أَشْيَاءُ , وَلَكُنَّا مُكَلَّفِينَ مَا لاَ نَقْدِرُ عَلَيْهِ , وَمَأْمُورِينَ بِمَا لاَ نَدْرِيهِ أَبَدًا , وَهَذِهِ ضَلاَلاَتٌ نَاهِيك بِهَا , وَبَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَذَكَرُوا
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جُبَيْرٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : التَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبُ بِالزَّبِيبِ , وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ , وَالسَّمْنُ بِالسَّمْنِ , وَالزَّيْتُ بِالزَّيْتِ , وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ , وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ , لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمْ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ لاَ تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إِلاَّ عَلَى بَيَانِ فَضِيحَتِهِ ; لأََنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَجُبَيْرَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , وَإِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْفَرْوِيُّ مَتْرُوكٌ وَيَزِيدَ بْنَ عِيَاضٍ ، هُوَ ابْنُ جعدبة مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَوَضْعِ الأَحَادِيثِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي إيجَابِ عِلَّةٍ أَصْلاً , وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ زِيَادَةُ ذِكْرِ الزَّيْتِ , وَالسَّمْنِ , وَالزَّبِيبِ , فَقَطْ.(1/183)
وَأَيْضًا : فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفِينَ لَهُ , لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ الدِّرْهَمَ بِأَوْزَنَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْرُوفِ وَلَكَانَ الْحَنَفِيُّونَ مُخَالِفِينَ لَهُ , لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ بِسِتِّ تَمَرَاتٍ , وَعَشْرَ حَبَّاتِ بُرٍّ بِثَلاَثِينَ حَبَّةِ بُرٍّ
وَكَذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ , وَالْمِلْحِ , وَالزَّبِيبِ , وَالْمِلْحِ , وَلاَ يَحِلُّ تَحْرِيمُ حَلاَلٍ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ , فَيَسْتَعْجِلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْمَعْصِيَةَ , وَالْوُقُوعُ فِي الْبَاطِلِ خَوْفَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَرِهَ مُدَّيْ ذُرَةٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ نَسِيئَةً إبْرَاهِيمُ مَتْرُوكٌ مُتَّهَمٌ وَهَذَا كَرَاهِيَةٌ لاَ تَحْرِيمٌ , وَلاَ يُدْرَى هَلْ كَرِهَ الْكَيْلَ أَوْ الطَّعَامَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ قَوْلٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ ، عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَبَيَّنَّا خِلاَفَهُمْ لَهَا , وَأَنَّهُمْ قَالُوا فِي ذَلِكَ بِأَقْوَالٍ لاَ تُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ.
وأعجب شَيْءٍ مُجَاهَرَةُ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ بِدَعْوَى الإِجْمَاعِ عَلَى وُقُوعِ الرِّبَا فِيمَا عَدَا الأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَهَذَا كَذِبٌ مَفْضُوحٌ مِنْ قَرِيبٍ , وَاَللَّهِ مَا صَحَّ الإِجْمَاعُ فِي الأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَكَيْفَ فِي غَيْرِهَا. أَوْ لَيْسَ ابْنُ مَسْعُودٍ , وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولاَنِ : لاَ رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَعَلَيْهِ كَانَ عَطَاءٌ , وَأَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَفُقَهَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ. وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لاَ رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّمَ مَا يُكَالُ فِيمَا يُكَالُ , وَمَا يُوزَنُ فِيمَا يُوزَنُ , إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ , وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا , وَمُخَالِفٌ لِجَمِيعِ قَوْلِ هَؤُلاَءِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إبَاحَةُ بَيْعِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ , يُقْبَضُ أَحَدُهُمَا وَيَتَأَخَّرُ قَبْضُ الآخَرِ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى , وَلاَ يُقَدِّرُونَ فِيمَا عَدَا السِّتَّةَ الأَصْنَافِ فِي الرِّبَا عَلَى كَلِمَةٍ , إِلاَّ ، عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، مُخْتَلِفِينَ , كُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لأََقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , لَيْسَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ رِوَايَةٌ تُوَافِقُ أَقْوَالَ هَؤُلاَءِ صَحِيحَةٌ ، وَلاَ سَقِيمَةٌ. وَعَنْ نَحْوِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ أَيْضًا كَذَلِكَ مُخَالِفِينَ لأََقْوَالِهِمْ إِلاَّ إبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ , فَإِنَّهُ وَافَقَ قَوْلَهُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَيْضًا : فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَوَاهِيَةٌ لاَ تَصِحُّ , فَمَنْ يَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا إِلاَّ مِنْ لاَ دِينَ لَهُ ، وَلاَ عَقْلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَوَجَدْنَا لِبِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ قَوْلاً غَرِيبًا , وَهُوَ أَنَّ تَسْلِيمَ كُلِّ جِنْسٍ فِي غَيْرِ جِنْسِهِ جَائِزٌ كَالذَّهَبِ فِي الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ فِي الذَّهَبِ , وَالْقَمْحِ فِي الشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ فِي الْمِلْحِ , وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ , وَأَنَّ الرِّبَا لاَ يَقَعُ إِلاَّ فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَقَطْ. ثُمَّ لاَ نَدْرِي أَعَمَّ كُلَّ جِنْسٍ فِي الْعَالَمِ قِيَاسًا عَلَى الْمَنْصُوصَاتِ , وَهُوَ الأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ خَصَّ الْمَنْصُوصَاتِ فَقَطْ
وَهَذَا قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ وَجْهَ لِلأَشْتِغَالِ بِهِ.
1482 - مَسْأَلَةٌ : قَالَ عَلِيٌّ : فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا فَالْوَاجِبُ أَنْ نَذْكُرَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : أَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ ، أَنَّهُ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَقُولُ : مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَرِنَا ذَهَبَك ثُمَّ جِئْنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِك وَرِقَك فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : كَلًّا , وَاَللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَةُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا , إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا , إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا , إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ , وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا , إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَا أَبُو الأَشْعَثِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى ، عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ , وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ , وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ , إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ , فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِنَحْوِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنَا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ , وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ , وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ , وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ , وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ , كَيْلاً بِكَيْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى , وَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْبُرِّ , وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ.(1/184)
قال أبو محمد رحمه الله : عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنْصَارِيٌّ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ , وَأَبُو الْخَلِيلِ هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثِقَةٌ , وَمُسْلِمٌ الْمَكِّيُّ هُوَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ الْخَيَّاطُ مَوْلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه ثِقَةٌ. وَقَدْ
رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ صِحَاحٍ فَلاَ رِبَا إِلاَّ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَلاَلٌ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1483 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ قَمْحٌ بِقَمْحٍ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ .
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ شَعِيرٌ بِشَعِيرٍ إِلاَّ كَذَلِكَ.
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ تَمْرٌ بِتَمْرٍ إِلاَّ كَذَلِكَ.
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ مِلْحٌ بِمِلْحٍ إِلاَّ كَذَلِكَ , وَسَوَاءٌ مَعْدِنِيَّةٌ أَوْ مَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ مِنْ الْمَاءِ , كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِلاَّ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الْقَمْحِ فَهِيَ كُلُّهَا قَمْحٌ الأَعْلَى , وَالأَدْنَى , وَالْوَسَطُ : سَوَاءٌ فِيمَا قلنا ,وَكَذَلِكَ أَقْسَامُ الشَّعِيرِ.
وَكَذَلِكَ أَقْسَامُ التَّمْرِ فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ رِبًا حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا , مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ , سَوَاءٌ تَأَخَّرَ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَوْ أَكْثَرَ , وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْنَا. وَلاَ يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ نَوْعِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ , وَلاَ وَزْنًا بِكَيْلٍ , وَلاَ جُزَافًا بِجُزَافٍ , وَلاَ جُزَافًا بِكَيْلٍ , وَلاَ جُزَافًا بِوَزْنٍ , لأََنَّ كُلَّ هَذَا مُقْتَضَى كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا , وَمَفْهُومُهُ وَمَوْضُوعُهُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِمُعَيَّنٍ وَبِغَيْرِ مُعَيَّنٍ , وَجَائِزٌ أَنْ يَتَأَخَّرَ التَّقَابُضُ ، عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ : نُبِّئْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ يَخْطُبُ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إنَّ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ , وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارِ , عَيْنٌ بِعَيْنٍ , سَوَاءً سَوَاءً , مِثْلاً بِمِثْلٍ فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُجِيزُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إِلاَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ , وَيَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ : فَخَالَفُوهُ.
وَجَائِزٌ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ , سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ , أَوْ بِالْحُلِيِّ , أَوْ بِالنِّقَارِ
1485 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ , سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ , أَوْ بِالْحُلِيِّ , أَوْ بِالنِّقَارِ , وَبِالدَّرَاهِمِ بِحُلِيِّ الذَّهَبِ وَسَبَائِكِهِ , وَتِبْرِهِ , وَالْحُلِيُّ مِنْ الْفِضَّةِ بِحُلِيِّ الذَّهَبِ وَسَبَائِكِهِ , وَسَبَائِكُ الذَّهَبِ وَتِبْرُهُ بِنِقَارِ الْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ ، وَلاَ بُدَّ , عَيْنًا بِعَيْنٍ ، وَلاَ بُدَّ , مُتَفَاضِلَيْنِ وَمُتَمَاثِلَيْنِ , وَزْنًا بِوَزْنٍ , وَجُزَافًا بِجُزَافٍ , وَوَزْنًا بِجُزَافٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ لاَ تَحَاشٍ شَيْئًا ، وَلاَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ , لاَ فِي بَيْعٍ ، وَلاَ فِي سَلَمٍ. وَيُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ سَوَاءٌ كَانَ دَنَانِيرَ , أَوْ حُلِيًّا , أَوْ سَبَائِكَ , أَوْ تِبْرًا , وَزْنًا بِوَزْنٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ , لاَ يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِي ذَلِكَ أَصْلاً , وَلاَ التَّأْخِيرُ طَرْفَةَ عَيْنٍ , لاَ بَيْعًا ، وَلاَ سَلَمًا. وَتُبَاعُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ , دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا أَوْ نِقَارًا , وَزْنًا بِوَزْنٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ , يَدًا بِيَدٍ , وَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي ذَلِكَ أَصْلاً , وَلاَ التَّأْخِيرُ طَرْفَةَ عَيْنٍ , لاَ بَيْعًا ، وَلاَ سَلَمًا. وَلاَ تَجُوزُ بُرَادَةُ أَحَدِهِمَا مِثْلُهَا مِنْ نَوْعِهَا كَيْلاً أَصْلاً , لَكِنْ بِوَزْنٍ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ نُبَالِي كَانَ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ أَجْوَدَ مِنْ الآخَرِ بِطَبْعِهِ أَوْ مِثْلَهُ.
وَكَذَلِكَ فِي الْفِضَّتَيْنِ ; وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ , إِلاَّ مَا ذَكَرْنَا ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَإِلَّا بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ , أَوْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ , فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ , وَابْنَ مَسْعُودٍ , وَمَنْ وَافَقَهُمَا : أَجَازُوا فِيهِمَا التَّفَاضُلَ يَدًا بِيَدٍ وَإِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيَّ : أَجَازَا بَيْعَ كُلِّ ذَلِكَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَأَجَازَا تَأْخِيرَ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا ,
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ، عَنْ عُمَرَ قَبْلُ هَذَا بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ وَإِلَّا أَنَّ مَالِكًا لاَ يُجِيزُ الْجُزَافَ فِي الدَّنَانِيرِ , وَلاَ فِي الدَّرَاهِمِ , بَعْضُهَا بِبَعْضٍ , وَيُجِيزُهُ فِي الْمَصُوغِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْمَصُوغِ مِنْ الآخَرِ , وَيُجِيزُ إعْطَاءَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ وَزْنٍ مِنْهُ , عَلَى سَبِيلِ الْمُكَارَمَةِ.
فأما قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا , وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , فَلاَ حُجَّةَ لِشَيْءٍ مِنْهَا , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , بَلْ هُوَ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام أَنْ نَبِيعَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا يَدًا بِيَدٍ.(1/185)
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ : بَاعَ شَرِيكٌ لِي وَرِقًا بِنَسِيئَةٍ فَجَاءَنِي فَأَخْبَرَنِي فَقُلْتُ : هَذَا لاَ يَصْلُحُ فَقَالَ : قَدْ وَاَللَّهِ بِعْتُهُ فِي السُّوقِ وَمَا عَابَهُ عَلَيَّ أَحَدٌ , فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُ فَقَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هَذَا الْبَيْعَ , فَقَالَ : مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ بِهِ , وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا ثُمَّ قَالَ لِي : ائْتِ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : مِثْلَ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، هُوَ ابْنُ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ : أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنِي : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , لاَ رِبَا فِي يَدٍ بِيَدٍ , وَالْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ , ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ : سَأَلْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ الصِّرْفِ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ إنْ وَجَدْتَ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ نَقْدًا فَخُذْهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : حَدِيثُ عُبَادَةَ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَعُمَرَ , وَأَبِي سَعِيدٍ , فِي أَنَّ الأَصْنَافَ السِّتَّةَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا بِصِنْفِهِ : رِبًا إنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى وَزْنِ الآخَرِ : هُوَ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ , وَالْبَرَاءِ , وَزَيْدٍ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1486 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ بَيْعُ الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالْمِلْحِ بِالذَّهَبِ , أَوْ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَجَائِزٌ تَسْلِيمُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِالأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا ; لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1487 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الْقَرْضُ فَجَائِزٌ فِي الأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَغَيْرِهَا , وَفِي كُلِّ مَا يُتَمَلَّكُ , وَيَحِلُّ إخْرَاجُهُ ، عَنِ الْمِلْكِ , وَلاَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهِ , إِلاَّ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ فَقَطْ , وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقْرَضَ , أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَقْرَضَ , أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَقْرَضَ , أَوْ أَدْنَى مِمَّا أَقْرَضَ , وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ , وَهُوَ فِي الأَصْنَافِ السِّتَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ , كَمَا أَوْرَدْنَا بِأَنَّهُ رِبًا وَهُوَ فِيمَا عَدَاهَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَيَجُوزُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَمُؤَخَّرًا بِغَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ , لَكِنْ حَالٌّ فِي الذِّمَّةِ مَتَى طَلَبَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ.
وقال مالك : لاَ يَأْخُذُهُ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْتَفِعُ فِيهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِمَا اسْتَقْرَضَ. وَهَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ حَدٌّ فَاسِدٌ ; لأََنَّ الأَنْتِفَاعَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي سَاعَةٍ فَمَا فَوْقَهَا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَالْقَرْضُ أَمَانَةٌ فَفُرِضَ أَدَاؤُهَا إلَى صَاحِبِهَا مَتَى طَلَبَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1488- مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ مَعَ الذَّهَبِ شَيْءٌ غَيْرَهُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا : مَمْزُوجٌ بِهِ , أَوْ مُضَافٌ فِيهِ , أَوْ مَجْمُوعٌ إلَيْهِ فِي دَنَانِيرَ , أَوْ فِي غَيْرِهَا : لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَلاَ دُونَهُ بِذَهَبٍ أَصْلاً , لاَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ ، وَلاَ بِأَقَلَّ , وَلاَ بِمِثْلِهِ , إِلاَّ حَتَّى يَخْلُصُ الذَّهَبُ وَحْدَهُ خَالِصًا.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْفِضَّةِ شَيْءٌ غَيْرُهَا : كَصُفْرٍ , أَوْ ذَهَبٍ , أَوْ غَيْرُهُمَا , مَمْزُوجٌ بِهَا , أَوْ مُلْصَقٌ مَعَهَا , أَوْ مَجْمُوعٌ إلَيْهَا : لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَلاَ دُونَهُ بِفِضَّةٍ أَصْلاً دَرَاهِمَ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ دَرَاهِمَ لاَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا , وَلاَ بِأَقَلَّ , وَلاَ بِمِثْلِ وَزْنِهَا , إِلاَّ حَتَّى تَخْلُصَ الْفِضَّةُ وَحْدَهَا خَالِصَةً , سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا السَّيْفُ الْمُحَلَّى , وَالْمُصْحَفُ الْمُحَلَّى , وَالْخَاتَمُ فِيهِ الْفَصُّ , وَالْحُلِيُّ فِيهِ الْفُصُوصُ , أَوْ الْفِضَّةُ الْمُذَهَّبَةُ , أَوْ الدَّنَانِيرُ فِيهَا خِلْطُ صُفْرٍ أَوْ فِضَّةٍ , أَوْ الدَّرَاهِمُ فِيهَا خِلْطٌ مَا , وَلاَ رِبَا فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْقَمْحِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ مَخْلُوطٌ بِهِ , أَوْ مُضَافٌ إلَيْهِ مِنْ دَغَلٍ أَوْ غَيْرِهِ : لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ , وَلاَ دُونَهُ بِقَمْحٍ صَافٍ أَصْلاً.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الشَّعِيرِ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ : فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ بِشَعِيرٍ مَحْضٍ وَفِي التَّمْرِ يَكُونُ مَعَهُ أَوْ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْ مَعَهُ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ بِتَمْرٍ مَحْضٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمِلْحِ يَكُونُ فِيهِ أَوْ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ : فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ بِمِلْحٍ صَافٍ. وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْخِلْطِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا
وَأَمَّا مَا لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَلاَ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ عَيْنٌ ، وَلاَ نَظَرٌ أَيْضًا : فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَحْضِ ; لأََنَّ الأَسْمَاءَ إنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَسَبِ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تَنْتَقِلُ الْحُدُودُ.(1/186)
برهان ذَلِكَ : أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِمَا , إِلاَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ , وَزْنًا بِوَزْنٍ , وَأَنْ لاَ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ إِلاَّ كَيْلاً بِكَيْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ , فَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ الأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ خِلْطٌ أَوْ شَيْءٌ مُضَافٌ إلَيْهِ فَلاَ سَبِيلَ إلَى بَيْعِهِ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ , وَلاَ كَيْلاً بِكَيْلٍ , وَلاَ وَزْنًا بِوَزْنٍ , لأََنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً. فَقَالَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ : إذَا عَلِمْنَا وَزْنَهُ أَوْ كَيْلَهُ : جَازَ بَيْعُهُ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ أَكْثَرَ وَزْنًا أَوْ كَيْلاً مِنْهُ , فَيَكُونُ مِقْدَارُ وَزْنِهِ بِهِ , أَوْ مِقْدَارُ كَيْلِهِ كَذَلِكَ , وَيَكُونُ الْفَضْلُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ : مِثَالُ ذَلِكَ : دِينَارٌ فِيهِ حَبَّةُ فِضَّةٍ فَيُبَاعُ بِدِينَارٍ ذَهَبٍ صِرْفٍ , فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ الصِّرْفِ دِينَارٌ غَيْرُ حَبَّةٍ بِإِزَاءِ الذَّهَبِ الَّذِي فِي ذَلِكَ الدِّينَارِ الَّذِي فِيهِ حَبَّةُ فِضَّةٍ , وَيَكُونُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ذَهَبِ هَذَا الدِّينَارِ بِالْحَبَّةِ الْفِضَّةُ.
وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ يَكُونُ فِيهِ رُبُعُهُ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ صُفْرًا فَيُبَاعُ بِدِرْهَمِ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ , فَيَكُونُ مَا فِي هَذَا الدِّرْهَمِ مِنْ الْفِضَّةِ بِإِزَاءِ وَزْنِهِ مِنْ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ الآخَرِ مِنْ الْفِضَّةِ , وَيَكُونُ الصُّفْرُ الَّذِي مَعَ هَذِهِ الْفِضَّةِ بِإِزَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الآخَرِ مِنْ الْفِضَّةِ وَهَكَذَا فِي الأَرْبَعَةِ الأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : .
فَقُلْنَا : إنْ كُنْتُمْ تَخَلَّصْتُمْ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مِنْ الْوَزْنِ , فَلَمْ تَتَخَلَّصُوا مِنْ التَّعْيِينِ ; لأََنَّهُ لاَ يُعْرَفُ أَيُّ فِضَّةٍ هَذَا الدِّرْهَمُ بِعْتُمْ بِفِضَّةِ ذَلِكَ الآخَرِ وَقَدْ افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ ذَلِكَ إِلاَّ عَيْنًا بِعَيْنِ , فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا نَصٌّ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ : أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلاَدَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلاَدَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ , ثُمَّ قَالَ لَهُمْ عليه السلام : الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ هُوَ أَبُو شُجَاعٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ بِقِلاَدَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ : إنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ فَقَالَ عليه السلام : لاَ , حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا , فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى نِيَّتِهِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ غَرَضُهُ الْخَرَزَ وَيَكُونُ الذَّهَبُ تَبَعًا , وَلاَ رَاعَى كَثْرَةَ ثَمَنٍ مِنْ قِلَّتِهِ , وَأَوْجَبَ التَّمْيِيزَ وَالْمُوَازَنَةَ ، وَلاَ بُدَّ وَفِي هَذَا خِلاَفٌ نَذْكُرُ مِنْهُ طَرَفًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ يَخْطُبُ إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بِأَرْضِنَا قَوْمًا يَأْكُلُونَ الرِّبَا
قَالَ عَلِيٌّ : وَمَا ذَلِكَ قَالَ : يَبِيعُونَ جَامَاتٍ مَخْلُوطَةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِوَرِقٍ , فَنَكَّسَ عَلِيٌّ رَأْسَهُ , وَقَالَ : لاَ أَيْ لاَ بَأْسَ بِهِ
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنِ السَّمَّاكِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ أَعْطَاهُ آنِيَةً خُسْرُوَانِيَّةً مَجْمُوعَةً بِالذَّهَبِ فَقَالَ عُمَرُ : اذْهَبْ فَبِعْهَا وَاشْتَرَطَ رِضَانَا , فَبَاعَهَا مِنْ يَهُودِيٍّ بِضِعْفِ وَزْنِهَا , ثُمَّ أَخْبَرَ عُمَرُ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : اذْهَبْ فَارْدُدْهُ , لاَ , إِلاَّ بِزِنَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ زُيُوفًا بِدَرَاهِمَ دُونَ وَزْنِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا , وَكَانَ رُبَّمَا اشْتَرَى السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْوَرِقِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ يَزِيدَ الدَّالاَنِيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : كُنَّا نَبِيعُ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ وَنَشْتَرِيهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالدَّرَاهِمِ. فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَأَنَسٌ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَطَارِقٌ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَخَبَّابٌ , إِلاَّ أَنَّ عَلِيًّا , وَخَبَّابًا , وَابْنَ مَسْعُودٍ , وَطَارِقًا , وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَخُصُّوا بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ ، وَلاَ أَقَلَّ وَعُمَرُ رَاعَى وَزْنَ الْفِضَّةِ وَأَلْغَى الذَّهَبَ , إِلاَّ أَنَّهُ أَجَازَ الصَّرْفَ بِخِيَارِ رِضَاهُ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْمُتَصَارِفِينَ وَأَنَسٌ وَحْدَهُ رَاعَى أَكْثَرَ مِنْ الْوَزْنِ , وَأَجَازَ الْخِيَارَ فِي الصَّرْفِ. وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي غُنْيَةً سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَالْفَضْلُ بِالدَّنَانِيرِ.(1/187)
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَحَيُّ بْنُ عُمَرَ قَالَ مَعْمَرٌ : عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَقَالَ سُفْيَانُ : عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَقَالَ حَيٌّ : عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ ، وَإِبْرَاهِيمُ , وَالشَّعْبِيُّ , قَالُوا كُلُّهُمْ : لاَ بَأْسَ بِالسَّيْفِ فِيهِ الْحِلْيَةُ , وَالْمِنْطَقَةُ , وَالْخَاتَمُ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ أَوْ بِأَقَلَّ وَنَسِيئَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنِ الْخَاتَمِ أَبِيعُهُ نَسِيئَةً فَقَالَ : أَفِيه فَصٌّ فَقُلْتُ : نَعَمْ , فَكَأَنَّهُ هَوَّنَ فِيهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ هِشَامٌ : عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , وَقَالَ سَعِيدٌ : عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ سِيرِينَ , وَقَتَادَةُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِشِرَاءِ السَّيْفِ الْمُفَضَّضِ , وَالْخِوَانِ الْمُفَضَّضِ , وَالْقَدَحِ بِالدَّرَاهِمِ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ
وَرُوِيَ هَذَا ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى , وَمَكْحُولٍ أَيْضًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالسَّيْفِ الْمُحَلَّى يُشْتَرَى نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَيَقُولُ : فِيهِ الْحَدِيدُ , وَالْحَمَائِلُ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، عَنِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ فَقَالَ : إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَكْثَرَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
وَرُوِّينَا مِثْلَهُ أَيْضًا ، عَنِ الْحَسَنِ , وَإِبْرَاهِيمَ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلاً ثَالِثًا ,
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَكُونَانِ جَمِيعًا قَالَ : لاَ يُبَاعُ إِلاَّ بِوَزْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قال أبو محمد رحمه الله : كَأَنَّهُ يُلْغِي الْوَاحِدَ , وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَبَعًا , وَكَانَ الْفَضْلُ فِي النَّصْلِ : جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ نَقْدًا وَتَأْخِيرًا.
وقال مالك : إنْ كَانَتْ فِضَّةُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ , أَوْ الْمُصْحَفُ كَذَلِكَ , أَوْ الْمِنْطَقَةُ كَذَلِكَ , أَوْ خَاتَمُ الْفِضَّةِ كَذَلِكَ : يَقَعُ فِي الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ النَّصْلِ , وَالْغِمْدِ , وَالْحَمَائِلِ , وَمَعَ الْمُصْحَفِ , وَمَعَ الْفَصِّ , وَكَانَ حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ , أَوْ الْفِضَّةِ , يَقَعُ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِي ثُلُثِ قِيمَةِ الْجَمِيعِ مَعَ الْحِجَارَةِ فَأَقَلَّ : جَازَ بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِنَوْعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ وَمِثْلَهُ , وَأَقَلَّ نَقْدًا ، وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً , فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَصْلاً. وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ ; لأََنَّ التَّفَاضُلَ حَرَامٌ كَالتَّأْخِيرِ ، وَلاَ فَرْقَ , فَإِنْ مَنَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلْيَمْنَعْ مِنْ الآخَرِ وَإِنْ أَجَازَ أَحَدَهُمَا لأََنَّهُ تَبَعٌ فَلْيُجِزْ الآخَرَ أَيْضًا ; لأََنَّهُ تَبَعٌ. وَتَحْدِيدُهُ الثُّلُثَ عَجَبٌ آخَرُ وَمَا عَقَلَ قَطُّ أَحَدٌ أَنَّ وَزْنَ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ فِضَّةً تَكُونُ ثُلُثَ قِيمَةِ مَا هِيَ فِيهِ يَكُونُ قَلِيلاً , وَوَزْنَ دِرْهَمٍ فِضَّةً يَكُونُ نِصْفَ قِيمَةِ مَا هِيَ فِيهِ يَكُونُ كَثِيرًا وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا , وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَلاَ احْتِيَاطٍ. وَقَالَ أَيْضًا : لاَ يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ فِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْهُمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَالسِّكِّينِ الْمُحَلَّاةِ بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ , وَالسَّرْجُ كَذَلِكَ , وَكُلُّ شَيْءٍ كَذَلِكَ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ إذَا نُزِعَ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ , فَلاَ بَأْسَ حِينَئِذٍ بِبَيْعِهِ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَقْدًا وَبِتَأْخِيرٍ , وَكَيْفَ شَاءَ.
قال أبو محمد رحمه الله : شَيْءٌ لَهُ بَالٌ كَلاَمٌ لاَ يَحْصُلُ , وَحَبَّةُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَهَا بَالٌ عِنْدَ الْمَسَاكِينِ , نَعَمْ , وَعِنْدَ التُّجَّارِ , وَعِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ , وَلاَ يَحِلُّ عِنْدَهُ ، وَلاَ عِنْدَنَا تَزِيدُهَا فِي الْمُوَازَنَةِ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا , ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ السَّيْفِ , وَالْمُصْحَفِ , وَالْخَاتَمِ , وَالْمِنْطَقَةِ , وَحُلِيِّ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالْمَهَامِيزِ , وَالسِّكِّينِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ عَجَبٌ جِدًّا
فَإِنْ قَالُوا : لأََنَّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ
قلنا : وَالدَّنَانِيرُ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهَا فَأَجِيزُوا بَيْعَهَا مَعَ غَيْرِهَا بِذَهَبٍ إذَا كَانَتْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَأَقَلَّ وَأَجَازَ مَالِكٌ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ الْمَحْضَةِ بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ بِالصُّفْرِ , أَوْ الْفِضَّةِ كَثُرَ الْغِشُّ أَمْ قَلَّ كَانَ الثُّلُثُ , أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ.(1/188)
وَكَذَلِكَ أَجَازَ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بِالصُّفْرِ وَغَيْرِهِ بِالدَّرَاهِمِ الْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ , مِثْلاً بِمِثْلٍ كَانَ الْغِشُّ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاسْمِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ , وَهُوَ يَرَى فِي الْمَغْشُوشَةِ الزَّكَاةَ إذَا بَلَغَ وَزْنُهَا بِغِشِّهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ , أَوْ بَلَغَ وَزْنُ الدَّنَانِيرِ عِشْرِينَ دِينَارًا , وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِيهِمَا أَقَلَّ مِنْ الْعُشْرِ. وَهَذَا تَنَاقُضٌ آخَرُ , وَلَئِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الصَّافِيَةِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا , وَكَانَتْ وَرِقًا , فَإِنَّ بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ ; لأََنَّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ , وَوَرِقٌ وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لاَ يَجُوزُ ; لأََنَّهَا لَيْسَتْ شَيْئًا وَاحِدًا , وَلاَ هِيَ وَرِقٌ , فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا لاَ تَجِبُ لِذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَدَلِ , وَبَيْنَ الْبَيْعِ : عَجَبٌ آخَرُ مَا سَمِعْنَاهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ وَلَئِنْ كَانَ لِلْبَدَلِ هُنَا غَيْرُ حُكْمِ الْبَيْعِ لَيَجُوزَنَّ الدِّينَارُ بِالدِّينَارَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ , لاَ عَلَى اسْمِ الْبَيْعِ , وَهَذِهِ عَجَائِبُ كَمَا تَسْمَعُ.
وقال أبو حنيفة : كُلُّ شَيْءٍ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْمَبِيعِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ , وَلاَ يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ بِأَقَلَّ. قَالَ : وَلاَ بُدَّ مِنْ قَبْضِ مَا يَقَعُ لِلْفِضَّةِ أَوْ لِلذَّهَبِ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ , فَكَانَ هَذَا طَرِيفًا جِدًّا , وَمُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ.
وقال أبو حنيفة فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ : إنْ كَانَ الثُّلُثَانِ هُوَ الصُّفْرُ , وَكَانَتْ الْفِضَّةُ الثُّلُثَ ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي إنْ خَلَصَتْ أَيَبْقَى الصُّفْرُ أَمْ يَحْتَرِقُ فَلاَ بَأْسَ يَبِيعُهَا بِوَزْنِ جَمِيعِهَا فِضَّةً مَحْضَةً. وَبِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ جَمِيعِهَا أَيْضًا , وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمِثْلِ الْفِضَّةِ الَّتِي فِيهَا ، وَلاَ بِأَقَلَّ مِنْهَا. قَالَ : فَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا أَوْ نِصْفُهَا فِضَّةً فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ هِيَ الْغَالِبَةُ : جَازَ بَيْعُهَا بِوَزْنِ جَمِيعِهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ , وَلاَ تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا غَالِيًا لِلآخَرِ جَازَ بَيْعُهَا حِينَئِذٍ بِمِثْلِ وَزْنِ جَمِيعِهَا فِضَّةً مَحْضَةً , وَبِأَكْثَرَ وَبِأَقَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِضَّةُ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيُّ الْفِضَّتَيْنِ أَكْثَرُ الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ أَمْ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. قَالَ : فَإِنْ كَانَ ثُلُثَا الدَّرَاهِمِ وَثُلُثُهَا صُفْرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَاعَ بِالْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ , لاَ بِأَقَلَّ ، وَلاَ بِأَكْثَرَ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لَوْ قَالَهَا صَبِيٌّ فِي أَوَّلِ فَهْمِهِ لَيُئِسَ مِنْ فَلاَحِهِ , وَلَوَجَبَ أَنْ يُسْتَعَدَّ لَهُ بَغْلٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ , وَمَا لِهَذِهِ الأَحْكَامِ وَجْهٌ أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ , وَلاَ احْتِيَاطٍ , وَلاَ سَمِعْتُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مَرَّةً رَأَى الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلاً. وَمَرَّةً رَأَى الرُّبُعَ كَثِيرًا , فِيمَا يَنْكَشِفُ مِنْ بَطْنِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلاَةِ. وَمَرَّةً رَأَى مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ كَثِيرًا فِيمَا يَنْكَشِفُ مِنْ فَخِذِهَا أَوْ دُبُرِهَا. وَمَرَّةً رَأَى النِّصْفَ قَلِيلاً. وَمَرَّةً رَأَى مِقْدَارَ ثَلاَثَةِ أَصَابِعَ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ كَثِيرًا. وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ تُعْقَلُ , وَتَحَكُّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا ، عَنْ طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِأَرْضِ فَارِسٍ : لاَ تَبِيعُوا سُيُوفًا فِيهَا حَلْقَةُ فِضَّةٍ بِالدَّرَاهِمِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ حَدَّثَنِي يَحْيَى الطَّوِيلُ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ قَالَ : سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ , فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ يَكْسُدُ عَلَيَّ الْوَرِقُ أَفَأَصْرِفُهُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قَالَ : ذَلِكَ الرِّبَا الْعَجْلاَنُ
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ السَّمَّانِينَ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إذَا كَانَ لأََحَدِكُمْ دَرَاهِمُ لاَ تُنْفَقُ فَلْيَبْتَعْ بِهَا ذَهَبًا , وَلْيَبْتَعْ بِالذَّهَبِ مَا شَاءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ زُيُوفًا وَقِسْيَانَ بِدَرَاهِمَ دُونَ وَزْنِهَا فَنَهَاهُ عُمَرُ ، عَنْ ذَلِكَ , وَقَالَ : أَوْقِدْ عَلَيْهَا حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِيهَا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ وَتَخْلُصَ , ثُمَّ بِعْ الْفِضَّةَ بِوَزْنِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَهُمْ ، عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلأََصْحَابِي قِلاَدَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا , فَسَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ فَقَالَ : انْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ , ثُمَّ لاَ تَأْخُذَنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.(1/189)
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَبِيعُ سَرْجًا ، وَلاَ سَيْفًا فِيهِ فِضَّةٌ حَتَّى يَنْزِعَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ : فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ عُمَرَ , وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ , وَمِنْ التَّابِعِينَ :
كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشْتَرَى السَّيْفُ الْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ , وَيَقُولُ : اشْتَرِهِ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ : كَانَ يَكْرَهُ شِرَاءَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى إِلاَّ بِعَرَضٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ فِضَّةً اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ , وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ ذَهَبًا اشْتَرَاهَا بِالْفِضَّةِ , وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً فَلاَ يَشْتَرِيهَا بِذَهَبٍ ، وَلاَ فِضَّةٍ وَاشْتَرَاهَا بِعَرَضٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَتَى بِطَوْقٍ ذَهَبٍ فِيهِ جَوْهَرٌ , فَقَالَ شُرَيْحٌ : أَزِيلُوا الذَّهَبَ مِنْ الْجَوْهَرِ فَبِيعُوا الذَّهَبَ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الْجَوْهَرَ كَيْفَ شِئْتُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا زَكَرِيَّا ، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : سُئِلَ شُرَيْحٌ ، عَنْ طَوْقِ ذَهَبٍ فِيهِ فُصُوصٌ , أَتُبَاعُ بِدَنَانِيرَ قَالَ : تُنْزَعُ الْفُصُوصُ ثُمَّ يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , قَالَ قَتَادَةُ : عَنِ ابْنِ سِيرِينَ , ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ سِيرِينَ , وَالزُّهْرِيُّ , قَالاَ جَمِيعًا : يُكْرَهُ أَنْ يُبَاعَ الْخَاتَمُ فِيهِ فِضَّةٌ بِالْوَرِقِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشْتَرَى ذَهَبٌ , وَفِضَّةٌ بِذَهَبٍ , وَقَالَ حَمَّادٌ : فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ : لاَ , وَلَكِنْ اشْتَرِ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكُلُّ مَا قلنا فَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1489 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ ذَهَبٌ وَشَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْفِضَّةِ مَعَهُ أَوْ مُرَكَّبًا فِيهِ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا هُوَ مَعَ مَا هُوَ مَعَهُ وَدُونَهُ بِالدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ ، وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً.
وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ مَعَهَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الذَّهَبِ أَوْ مُرَكَّبًا فِيهَا , أَوْ هِيَ فِيهِ : جَازَ بَيْعُهَا مَعَ مَا هِيَ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ بِالدَّنَانِيرِ يَدًا بِيَدٍ , وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً.
وَكَذَلِكَ الْقَمْحُ مَعَهُ تَمْرٌ أَوْ مِلْحٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ : فَجَائِزٌ بَيْعُهُ مَعَ الآخَرِ أَوْ دُونَهُ بِشَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ , وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً.
وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ مَعَهُ تَمْرٌ أَوْ مِلْحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ : فَجَائِزٌ بَيْعُهُ وَمَا مَعَهُ أَوْ دُونَهُ بِقَمْحٍ نَقْدًا , لاَ نَسِيئَةً
وَكَذَلِكَ التَّمْرُ مَعَهُ شَعِيرٌ أَوْ مِلْحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ : فَجَائِزٌ بَيْعُهُ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ بِقَمْحٍ نَقْدًا , لاَ نَسِيئَةً.
وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ مَعَهُ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ : فَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ نَقْدًا , لاَ بِنَسِيئَةٍ
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَسَقَطَتْ الْمُوَازَنَةُ , وَالْمُكَايَلَةُ , وَالْمُمَاثَلَةُ , وَبَقِيَ النَّقْدُ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ : أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَى مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ دِيبَاجَةً مُلْحَمَةً بِذَهَبٍ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ بِنِسَاءٍ فَأَحْرَقَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَأَجَازَ رَبِيعَةُ بَيْعَ سَيْفٍ مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ.
قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ : وَالْحَنَفِيُّونَ فَخَالَفُوا عَمَلَ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،.
1490 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَنْقُوشَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَغْشُوشَةُ فَإِنَّهُ إنْ تَبَايَعَ اثْنَانِ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً قَدْ ظَهَرَ الْغِشُّ فِيهَا بِدَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ قَدْ ظَهَرَ الْغِشُّ فِيهَا : فَهُوَ جَائِزٌ إذَا تَعَاقَدَا الْبَيْعَ , عَلَى أَنَّ الصُّفْرَ الَّذِي فِي هَذِهِ بِالْفِضَّةِ الَّتِي فِي تِلْكَ , وَالْفِضَّةَ الَّتِي فِي هَذِهِ بِالصُّفْرِ الَّذِي فِي تِلْكَ : فَهَذَا جَائِزٌ حَلاَلٌ , سَوَاءٌ تَبَايَعَا ذَلِكَ مُتَفَاضِلاً , أَوْ مُتَمَاثِلاً , أَوْ جُزَافًا بِمَعْلُومٍ , أَوْ جُزَافًا بِجُزَافٍ , لأََنَّ الصُّفْرَ بِالْفِضَّةِ حَلاَلٌ.
وَكَذَلِكَ إنْ تَبَايَعَا دَنَانِيرَ مَغْشُوشَةً بِدَنَانِيرَ مَغْشُوشَةٍ قَدْ ظَهَرَ الْغِشُّ فِي كِلَيْهِمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ , فَإِنْ تَبَايَعَا ذَهَبَ هَذِهِ بِفِضَّةِ تِلْكَ وَذَهَبَ تِلْكَ بِفِضَّةِ هَذِهِ : فَهَذَا أَيْضًا حَلاَلٌ مُتَمَاثِلاً , وَمُتَفَاضِلاً , وَجُزَافًا نَقْدًا ، وَلاَ بُدَّ لأََنَّهُ ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ , فَالتَّفَاضُلُ جَائِزٌ , وَالتَّنَاقُدُ فَرْضٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1491- مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ وَسَوِيقِ الْقَمْحِ وَبِخُبْزِ الْقَمْحِ وَدَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَبِسَوِيقِهِ وَخُبْزِهِ , وَسَوِيقِهِ بِسَوِيقِهِ وَبِخُبْزِهِ , وَخُبْزِ الْقَمْحِ بِخُبْزِ الْقَمْحِ , مُتَفَاضِلاً كُلُّ ذَلِكَ , وَمُتَمَاثِلاً , وَجُزَافًا وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ , وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتِ , وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَبِالْعَصِيرِ , وَبِخَلِّ الْعِنَبِ بِالْخَلِّ , يَدًا بِيَدٍ وَأَنْ يُسَلَّمَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا بَعْضُهُ فِي بَعْضِ.(1/190)
وَكَذَلِكَ دَقِيقُ الشَّعِيرِ بِالْقَمْحِ وَبِالشَّعِيرِ وَبِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَبِخُبْزِهِ , وَالتِّينِ بِالتِّينِ , وَالزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ , وَالأُُرْزِ بِالأُُرْزِ , كَيْفَ شِئْت مُتَفَاضِلاً , وَمُتَمَاثِلاً ; وَيُسَلَّمُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَلاَ رِبَا أَلْبَتَّةَ , وَلاَ حَرَامَ , إِلاَّ فِي الأَصْنَافِ السِّتَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا وَفِي الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً , وَيَجُوزُ وَزْنًا كَيْفَ شِئْت. وَفِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْقَمْحِ كَيْلاً , فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَيْسَ قَمْحًا ، وَلاَ شَعِيرًا ، وَلاَ سَنْبَلَ بَعْدُ : فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ كَيْلاً وَبِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الْقَمْحِ كَيْلاً. وَأَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ السَّوِيقَ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً. وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ خُبْزَ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً وَكُلُّ ذَلِكَ أَصْلُهُ الْقَمْحُ , وَلاَ فَرْقَ.
برهان ذَلِكَ : مَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لاَ رِبَا ، وَلاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا
وَقَالَ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ , أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَصَحَّ بِأَوْضَحِ مِنْ الشَّمْسِ أَنَّ كُلَّ تِجَارَةٍ , وَكُلَّ بَيْعٍ , وَكُلَّ سَلَفٍ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ , أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ : فَحَلاَلٌ مُطْلَقٌ لاَ مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ , إِلاَّ مَا فَصَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا تَحْرِيمَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَبِتُّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى عِبَادِهِ شَيْئًا كَتَمَهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ رَسُولُهُ عليه السلام لَهُمْ , وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكِلْنَا فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , الشَّافِعِيِّ , أَوْ غَيْرِهِمْ , وَلاَ إلَى ظُنُونِنَا ، وَلاَ إلَى ظَنِّ أَحَدٍ , وَلاَ إلَى دَعَاوَى لاَ برهان عَلَيْهَا. وَمَا وَجَدْنَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ , وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا كَانَ الزَّيْتُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ وَإِلَّا فَلاَ.
فَإِنْ قَالُوا : هِيَ مُزَابَنَةٌ
قلنا : قُلْتُمْ الْبَاطِلَ , قَدْ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ : أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ , وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنُ عُمَرَ ، رضي الله عنهم ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللُّغَةِ وَبِالدِّينِ فَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيهِ أَصْلاً
فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ , وَالزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلاً
قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ هَذِهِ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ , لأََنَّ الزَّبِيبَ هُوَ عَيْنُ الْعِنَبِ نَفْسِهِ , إِلاَّ أَنَّهُ يَبِسَ , وَالتَّمْرُ هُوَ عَيْنُ الرُّطَبِ إِلاَّ أَنَّهُ يَابِسٌ وَالزَّيْتُ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ كَخُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ , وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ , وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ : جَائِزٌ بِلاَ خِلاَفٍ. فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا مَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ الْمُخْتَلِفَةَ الْمُتَنَاقِضَةَ وَكُلُّ قَوْلٍ مِنْهَا يُكَذِّبُ قَوْلَ الآخَرِ وَيُبْطِلُهُ , وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ , كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ برهان وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا كَثِيرًا , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ , وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ , فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُمَاثَلَةَ ,
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْمُزَابَنَةِ فَأَغْنَى ، عَنْ تَكْرَارِهِ
1492- مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دَنَانِيرُ , أَوْ دَرَاهِمُ , أَوْ قَمْحٌ , أَوْ شَعِيرٌ , أَوْ مِلْحٌ , أَوْ تَمْرٌ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ , مِمَّا لاَ يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا إمَّا مِنْ بَيْعٍ , إمَّا مِنْ قَرْضٍ , أَوْ مِنْ سَلَمٍ , أَوْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَهُ حَالًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَالٍّ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَالِهِ عِنْدَهُ أَصْلاً. فَإِنْ أَخَذَ دَنَانِيرَ ، عَنْ دَرَاهِمَ , أَوْ دَرَاهِمَ ، عَنْ دَنَانِيرَ , أَوْ شَعِيرًا ، عَنْ بُرٍّ , أَوْ دَرَاهِمَ ، عَنْ عَرَضٍ , أَوْ نَوْعًا ، عَنْ نَوْعٍ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا : فَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا رِبًا مَحْضٌ , وَفِيمَا لاَ يَقَعُ فِي الرِّبَا حَرَامٌ بَحْتٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ , إِلاَّ أَنْ لاَ يَقْدِرَ عَلَى الأَنْتِصَافِ أَلْبَتَّةَ فَيَأْخُذُ مَا أَمْكَنَهُ , مِمَّا يَحِلُّ مِلْكُهُ , لاَ تَحَاشَ شَيْئًا , بِمِقْدَارِ حَقِّهِ , وَلاَ مَزِيدَ , فَهَذَا حَلاَلٌ لَهُ.
برهان ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبَ , وَالْفِضَّةَ , وَالْبُرَّ , وَالتَّمْرَ , وَالشَّعِيرَ , وَالْمِلْحَ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ , ثُمَّ قَالَ عليه السلام : فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَالْعَمَلُ الَّذِي وَصَفْنَا لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ , بَلْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْدِنِهِ بَعْدُ , فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه السلام.(1/191)
وَأَيْضًا : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ : أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ , وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ , إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ , وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ , وَلاَ تَبِيعُوا شَيْئًا غَائِبًا مِنْهُ بِنَاجِزٍ , إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْمِنْهَالِ قَالَ : سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ , وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ , عَنِ الصَّرْفِ فَكِلاَهُمَا يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا وَذَهَبَ مَالِكٌ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ , وَأَصْحَابُنَا , إلَى جَوَازِ أَخْذِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِق , وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ : بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ , وَآخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةٌ فِيهِ , لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ : حَدَّثَك فُلاَنٌ ، عَنْ فُلاَنٍ فَيَقُولُ : نَعَمْ , فِيمَ سُئِلَ عَنْهُ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِهَذَا السَّنَدِ بِبَيَانِ غَيْرِ مَا ذَكَرُوا
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ , فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ : إذَا بَايَعْت صَاحِبَكَ فَلاَ تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ , وَهُوَ كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ ; لأََنَّ فِيهِ اشْتِرَاطَ أَخْذِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا , وَهُمْ يُجِيزُونَ أَخْذَهَا بِغَيْرِ سِعْرِ يَوْمِهَا , فَقَدْ اطَّرَحُوا مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ هَهُنَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ , وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ ; لأََنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ لاَ يَدْرِي أَخُلِقَ بَعْدُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ ، وَلاَ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ وَالْبَيْعُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ بِمِثْلِهَا , وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ , وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ , وَالسَّلْمُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ إلَى أَجَلٍ : فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ بَيْعًا أَوْ سَلَمًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ , فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوهُ فِي الْقَرْضِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهِ بَيْنَ الْقَرْضِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ : بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ , قَالَ : أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لِي : إذَا خَرَجَ خَازِنُنَا أَعْطَيْنَاك , فَلَمَّا خَرَجَ بَعَثَهُ مَعِي إلَى السُّوقِ وَقَالَ : إذَا قَامَتْ عَلَى ثَمَنٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِقِيمَتِهَا أَخَذَهَا :
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ ، عَنْ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ : كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ فَعَرَضَ عَلَيَّ دَنَانِيرَ فَقُلْت : لاَ آخُذُهَا حَتَّى أَسْأَلَ عُمَرَ فَسَأَلْته فَقَالَ : ائْتِ بِهَا الصَّيَارِفَةَ فَأَعْرِضْهَا , فَإِذَا قَامَتْ عَلَى سِعْرٍ , فَإِنْ شِئْت فَخُذْهَا , وَإِنْ شِئْت فَخُذْ مِثْلَ دَرَاهِمِك وَصَحَّتْ إبَاحَةُ ذَلِكَ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُ , وطَاوُوس وَالزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَعَطَاءٍ
قال أبو محمد رحمه الله :
وَرُوِّينَا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالآخَرُ نَاجِزٌ هَذَا صَحِيحٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ اقْتِضَاءَ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ , وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ اقْتِضَاءَ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ كِدَامٍ قَالَ : حَلَفَ لِي مَعْنٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَابِ أَبِيهِ بِخَطِّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ دَرَاهِمَ مَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَنَانِيرَ مَكَانَ دَرَاهِمَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمِنْهَالِ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ : نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي أَبَاهُ أَنْ نَبِيعَ الدَّيْنَ بِالْعَيْنِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاعَتْ جَارِيَةً لَهَا إمَّا بِذَهَبٍ
وَأَمَّا بِفِضَّةٍ فَعُرِضَ عَلَيْهَا النَّوْعُ الآخَرُ فَسُئِلَ عُمَرُ فَقَالَ : لِتَأْخُذْ النَّوْعَ الَّذِي بَاعَتْ بِهِ.(1/192)
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ بَاعَ طَعَامًا بِدَرَاهِمَ , أَيَأْخُذُ بِالدَّرَاهِمِ طَعَامًا فَقَالَ : لاَ , حَتَّى تَقْبِضَ دَرَاهِمَك وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ عُمَرَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَقْرَضَ دَرَاهِمَ أَيَأْخُذُ بِثَمَنِهَا طَعَامًا فَكَرِهَهُ
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ اقْتِضَاءَ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ , وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ ,
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّنَانِيرِ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ يُونُسَ ، وَ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : لاَ تَأْخُذْ الذَّهَبَ مِنْ الْوَرِقِ يَكُونُ لَك عَلَى الرَّجُلِ ، وَلاَ تَأْخُذَنَّ الْوَرِقَ مِنْ الذَّهَبِ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ لَك عِنْدَ آخَرَ قَرْضٌ دَرَاهِمُ فَتَأْخُذَ مِنْهُ دَنَانِيرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَتِهَا دَنَانِيرَ فَكَرِهَهُ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ بُرْدٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَاقَةً بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَجَاءَ يَلْتَمِسُ حَقَّهُ فَقُلْت : عِنْدِي دَرَاهِمُ لَيْسَ عِنْدِي دَنَانِيرُ فَقَالَ : حَتَّى أَسْتَأْمِرَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ : خُذْ مِنْهُ دَنَانِيرَ عَيْنًا , فَإِنْ أَبَى فَمَوْعِدُهُ اللَّهُ , دَعْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ : بِعْت جَزُورًا بِدَرَاهِمَ إلَى الْحَصَادِ , فَلَمَّا حَلَّ قَضَوْنِي حِنْطَةً , وَشَعِيرًا , وَسَلْتًا , فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ : لاَ يَصْلُحُ , لاَ تَأْخُذْ إِلاَّ الدَّرَاهِمَ. فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَابْنُ عُمَرَ , وَالنَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، وَابْنُ سِيرِينَ , وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقُرْآنَ فِي تَحْرِيمِهِ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِخَبَرٍ سَاقِطٍ مُضْطَرِبٍ وَقَوْلُنَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَقَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الأَنْتِصَافِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا قَالَ تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا أَمْكَنَ الْمَمْنُوعُ حَقُّهُ أَنْ يَنْتَصِفَ بِهِ , أَوْ بِأَنْ يُوَكِّلَ غَرِيمَهُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ عِنْدَهُ , وَبِأَنْ يَبْتَاعَ لَهُ مَا يُرِيدُ : فَهَذَا جَائِزٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1493- مَسْأَلَةٌ : وَاسْتَدْرَكْنَا مُنَاقَضَاتٍ لَهُمْ يُعَارِضُونَ بِهَا أَنْ شَنَّعُوا عَلَيْنَا بِبَيْعِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَدَقِيقِ غَيْره مُتَفَاضِلاً , وَتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ ,
وَكَذَلِكَ دَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ , وَبِالْخُبْزِ وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَبِالزَّيْتِ , وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ , وَبِالْجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَكُلِّ شَيْءٍ , مَا عَدَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ السُّنَّةِ. وَلاَ شُنْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ; لأََنَّنَا لَمْ نَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ حَرَّمْنَا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام , وَإِنَّمَا الشَّنِيعُ فِيمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ : يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ كَيْلاً بِكَيْلٍ , مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ , قَالَ : وَلاَ يَجُوزُ دَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ كَيْلاً بِكَيْلٍ , لَكِنْ وَزْنًا بِوَزْنٍ , مِثْلاً بِمِثْلٍ.
قَالَ عَلِيٌّ فَإِنْ كَانَ دَقِيقُ الْقَمْحِ نَوْعًا وَاحِدًا مَعَ الْقَمْحِ فَمَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ دَقِيقَ قَمْحٍ بِدَقِيقِ قَمْحٍ إِلاَّ كَيْلاً بِكَيْلٍ كَمَا يَبِيعُ الدَّقِيقَ بِالْقَمْحِ ; لأََنَّهُمَا قَمْحٌ مَعًا وَإِنْ كَانَ دَقِيقُ الْقَمْحِ صِنْفًا غَيْرَ الْقَمْحِ , فَوَاجِبٌ أَنْ يُجِيزَهُ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً , وَأَجَازَ الْقَمْحَ بِسَوِيقِ الْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ دَقِيقِ قَمْحٍ وَبَيْنَ سَوِيقِ قَمْحٍ بِقَمْحٍ
وأعجب مِنْ هَذَا احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ : بِأَنَّ السَّوِيقَ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ .
فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ نَعَمْ , وَالدَّقِيقُ أَيْضًا دَخَلَتْهُ , صَنْعَةٌ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا أَيْضًا : إنَّمَا يُرَاعَى تَقَارُبُ الْمَنَافِعِ .
فَقُلْنَا : وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَكُمْ أَنْ تُرَاعُوا تَقَارُبَ الْمَنَافِعِ وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى بِلاَ برهان وَقَوْلٌ لَمْ تُسْبَقُوا إلَيْهِ , وَتَعْلِيلٌ فَاسِدٌ.(1/193)
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمَنَافِعَ فِي جَمِيعِ الْمَأْكُولاَتِ وَاحِدَةٌ لَسْنَا نَقُولُ : مُتَقَارِبَةً , بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ , وَهُوَ طَرْدُ الْجُوعِ , أَوْ التَّأَدُّمِ , أَوْ التَّفَكُّهُ , أَوْ التَّدَاوِي , وَلاَ مَزِيدَ. وَمَنَعُوا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ , وَأَجَازُوا الْحِنْطَةَ الْمَقْلِيَّةَ بِالْيَابِسَةِ وَكِلْتَاهُمَا مُخْتَلِفَةٌ مَعَ الأُُخْرَى. وَمَنَعُوا مِنْ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ وَقَدْ دَخَلَتْ الْعَجِينَ صَنْعَةٌ. وَأَبَاحُوا الْقَمْحَ بِالْخُبْزِ مِنْ الْقَمْحِ مُتَفَاضِلاً. وَمَنَعُوا مِنْ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ جُمْلَةً نَعَمْ , وَمَنَعُوا مِنْ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ وَهَلْ الْجُبْنُ مِنْ اللَّبَن إِلاَّ كَالْخُبْزِ مِنْ الْقَمْحِ وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ , إِلاَّ أَنَّهُ لاَ لَبَنَ الآنَ فِي ضَرْعِهَا ; لأََنَّهُ قَدْ اُسْتُنْفِذَ بِالْحَلْبِ. وَأَجَازُوا بَيْعَ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ إذَا كَانَتْ لاَ تَمْرَ فِيهَا. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْرُجُ مِنْ ضَرْعِ الشَّاةِ , وَأَنَّ السَّمْنَ يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ .
فَقُلْنَا : وَالتَّمْرُ يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ , وَالْخُبْزُ يُعْمَلُ مِنْ الْقَمْحِ. وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالْعَصِيرِ , وَأَجَازُوهُ بِالْخَلِّ وَهَذِهِ عَجَائِبُ لاَ نَظِيرَ لَهَا , لَوْ تَقَصَّيْنَاهَا لاَ تَسَعُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ , وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ , وَهُوَ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرْنَا لاَ يُعْرَفُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ ,وَكَذَلِكَ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلاً وَمُتَمَاثِلاً.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ : فَإِنَّهُمْ أَبَاحُوا الرِّبَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ جِهَارًا فَأَحَلُّوا بَيْعَ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ , وَحَرَّمُوا بَيْعَ رِطْلِ كَتَّانٍ أَسْوَدَ أَخَرْشَ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِقُلْفَةِ الْمَرَاكِبِ بِرِطْلِ كَتَّانٍ أَبْيَضَ مِصْرِيٍّ أَمْلَسَ كَالْحَرِيرِ
وَكَذَلِكَ حَرَّمُوا بَيْعَ رِطْلِ قُطْنٍ طَيِّبٍ غَزْلِيٍّ بِرِطْلِ قُطْنٍ خَشِنٍ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلْحَشْوِ , وَقَالُوا : الْقُطْنُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ , وَالْكَتَّانُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ. قَالُوا :
وَأَمَّا الثِّيَابُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْقُطْنِ فَأَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ فِي بَعْضِهَا بِبَعْضٍ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ فَأَجَازُوا بَيْعَ ثَوْبِ قُطْنٍ مَرْوِيٍّ خُرَاسَانِيٍّ بِثَوْبَيْ قُطْنٍ مَرْوِيٍّ بَغْدَادِيٍّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً قَالُوا :
وَأَمَّا غَزْلُ الْقُطْنِ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَصِنْفٌ وَاحِدٌ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ ، وَلاَ النَّسِيئَةُ. قَالُوا : شَحْمُ بَطْنِ الْكَبْشِ صِنْفٌ , وَشَحْمُ ظَهْرِهِ وَشَحْمُ سَائِرِ جَسَدِهِ صِنْفٌ آخَرُ , فَأَجَازُوا بَيْعَ رِطْلَيْنِ مِنْ شَحْمِ بَطْنِهِ بِرِطْلٍ مِنْ شَحْمِ ظَهْرِهِ نَقْدًا. قَالُوا : وَأَلْيَةُ الشَّاةِ صِنْفٌ , وَسَائِرُ لَحْمِهَا صِنْفٌ آخَرُ , فَجَائِزٌ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ أَلْيَتِهَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَائِرِ لَحْمِهَا. قَالُوا : وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ لَحْمِ كَبْشٍ إِلاَّ بِرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهِ ، وَلاَ مَزِيدَ , وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا , وَلاَ بُدَّ وَأَجَازُوهُ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ الثَّوْرِ نَقْدًا ، وَلاَ بُدَّ.
وَأَمَّا لَحْمُ الإِوَزِّ , وَلَحْمُ الدَّجَاجِ , فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِطْلٌ بِرِطْلَيْنِ مِنْ نَوْعِهِ فَأَجَازُوا رِطْلَ لَحْمِ دَجَاجٍ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ دَجَاجٍ نَقْدًا أَوْ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ الإِوَزِّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً. وَقَالُوا : النَّسِيئَةُ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا مِنْ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ , إنَّمَا هِيَ مَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الأَجَلُ فِي حِينِ الْعَقْدِ ,وَأَمَّا مَا تَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَنْ تَفَرَّقَا وَلَمْ يَكُنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ التَّأْخِيرُ , فَلاَ يَضُرُّ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا , إِلاَّ فِي الذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ فَقَطْ , فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِمَا رَبَا اُشْتُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ , وَمَنْعُهُ مِنْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ جُمْلَةً , فَلَمْ يُجِزْهُ أَصْلاً , فَلَوْ عَكَسَ قَوْلَهُ لاََصَابَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا وَسَاوِسُ , وَسَخَافَاتٌ , وَمُنَاقَضَاتٌ , لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا , وَأَقْوَالٌ لاَ تُحْفَظُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ : فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ رِطْلِ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَقَمُونْيَا ; لأََنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَأْكُولاَتِ , وَأَبَاحُوا وَزْنَ دِرْهَمِ زَعْفَرَانً بِوَزْنِ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً ; لأََنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ عِنْدَهُمْ. وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ عَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ بِعَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ أَصْلاً , إِلاَّ حَتَّى يُصَفَّى كِلاَهُمَا وَأَجَازُوا بَيْعَ الْجَوْزِ بِقِشْرِهِ بِالْجَوْزِ بِقِشْرِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إخْرَاجَ الْعَسَلِ مِنْ شَمْعِهِ صَلاَحٌ لَهُ , وَإِخْرَاجَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مِنْ قِشْرِهِ , وَنَزْعَ النَّوَى مِنْ التَّمْرِ فَسَادٌ لَهُ. .
فَقُلْنَا : كَلًّا , مَا الصَّلاَحُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ إِلاَّ كَالْفَسَادِ فِيمَا وَصَفْتُمْ , وَمَا فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ , وَلاَ فِي هَذَا فَسَادٌ , وَلَوْ كَانَ فَسَادًا لَمَا حَلَّ أَصْلاً ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَاَللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ , وَأَقْوَالٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ يَدًا بِيَدٍ , سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ , أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ.(1/194)
قال أبو محمد رحمه الله : وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهَا اللُّغَةُ , وَالشَّرِيعَةُ , وَالْحِسُّ , فَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ لَيْسَ قَمْحًا ، وَلاَ شَعِيرًا , لاَ فِي اسْمِهِ , وَلاَ فِي صِفَتِهِ , وَلاَ فِي طَبِيعَتِهِ. فَهَذِهِ الدَّوَابُّ تُطْعَمُ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ فَلاَ يَضُرُّهَا بَلْ يَنْفَعُهَا , وَتُطْعَمُ الْقَمْحَ فَيُهْلِكُهَا , وَالدَّبْسُ لَيْسَ تَمْرًا , لاَ فِي لُغَةٍ , وَلاَ فِي شَرِيعَةٍ , وَلاَ فِي مُشَاهَدَةٍ. وَلاَ فِي اسْمِهِ , وَلاَ فِي صِفَاتِهِ. وَالْمَاءُ لَيْسَ مِلْحًا ; لأََنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ , وَلاَ يَجُوزُ بِالْمِلْحِ. وَلَيْسَ تَوْلِيدُ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ بِمُوجِبِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ الَّذِي عَنْهُ تُوُلِّدَ , فَنَحْنُ خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ , وَنُطْفَةٍ , وَمَاءٍ , وَلَسْنَا نُطْفَةً , وَلاَ تُرَابًا , وَلاَ مَاءً. وَالْخَمْرُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَصِيرِ وَهِيَ حَرَامٌ وَالْعَصِيرُ حَلاَلٌ. وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ ، عَنِ الدَّمِ وَاللَّبَنُ حَلاَلٌ وَالدَّمُ حَرَامٌ. وَالْعَذِرَةُ تَسْتَحِيلُ تُرَابًا حَلاَلاً طَيِّبًا. وَالدَّجَاجَةُ تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ فَيَصِيرَانِ فِيهَا لَحْمًا حَلاَلاً طَيِّبًا. وَالْخَلُّ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْخَمْرِ وَهُوَ حَلاَلٌ وَهِيَ حَرَامٌ.
وَأَمَّا حُلِيُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُمَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِاسْمَيْهِمَا وَصِفَاتِهِمَا وَطَبِيعَتِهِمَا فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ [ وَاحِدٌ ] وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ
1494- مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ بَيْعًا حَلاَلاً , أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ كَذَلِكَ , أَوْ فِضَّةً بِذَهَبٍ كَذَلِكَ , مَسْكُوكًا بِمِثْلِهِ أَوْ مَصُوغَيْنِ , أَوْ مَصُوغًا بِمَسْكُوكٍ , أَوْ تِبْرًا أَوْ نَقَّارًا , فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا , وَقَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ , وَإِنْ شَاءَ اسْتَبْدَلَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدُ , فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَأْنِفٌ لِبَيْعٍ ، عَنْ تَرَاضٍ أَوْ تَارِكٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1495- مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ , أَوْ بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَاخْتَارَ الْمُخَيَّرُ إتْمَامَ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ خَلْطٍ وَجَدَهُ مِنْ غَيْرِ مَا اشْتَرَى , لَكِنْ كَفِضَّةٍ أَوْ صُفْرٍ فِي ذَهَبٍ , أَوْ صُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي فِضَّةٍ , فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ , مَرْدُودَةٌ , كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ , قَلَّ ذَلِكَ الْخَلْطُ أَمْ كَثُرَ ; لأََنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى , وَلاَ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ الصَّفْقَةَ , فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي تَرَاضَى بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ صِحَّةِ الْبَيْعِ. وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا إِلاَّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ , وَلاَ خِيَارَ فِي إمْضَائِهَا ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1496- مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضُ مَا اشْتَرَى أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ , أَوْ لَوْ تَأَخَّرَ قَبْضُ شَيْءٍ مِمَّا تَبَايَعَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لأََنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ صَحِيحًا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَهُوَ فَاسِدٌ , وَكُلُّ عَقْدٍ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ فِيهِ بِالْحَلاَلِ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ , لأََنَّهُ لَمْ يُعْقَدْ صِحَّةُ الْحَلاَلِ مِنْهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ الْحَرَامِ , وَكُلُّ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ , فَلاَ صِحَّةَ لَهُ ,وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَحْدَهُ. دُونَ غَيْرِهِ.
1497 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي نَفْسِ مَا اشْتَرَى كَكَسْرٍ , أَوْ كَانَ الذَّهَبُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِطَبْعِهِ , وَالْفِضَّةُ كَذَلِكَ , كَالذَّهَبِ الأَشْقَرِ وَالأَخْضَرِ بِطَبْعِهِ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ السَّلاَمَةَ فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ ; لأََنَّهُ وَجَدَ غَيْرَ مَا اشْتَرَى , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَالُ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ بَيْعًا. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلاَمَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْسَاكِ الصَّفْقَةِ كَمَا هِيَ ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ ,
وَأَمَّا فَسْخُهَا كُلِّهَا ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ , فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ ثُمَّ وَجَدَ غَبْنًا , وَالْغَبْنُ إذَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَعَرَفَ قَدْرَهُ جَائِزٌ لاَ كَرَاهِيَةَ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَتَرَاضَ الْبَيْعَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ عَلَى جَمِيعِهَا , فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِلاَّ مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْخَلْفُ وَالسَّلَفُ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ الأَشْعَثِ الْحَرَّانِيُّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يَشْتَرِي الدَّرَاهِمَ وَيَشْتَرِطُ إنْ كَانَ فِيهَا زَائِفٌ أَنْ يَرُدَّهُ أَنَّهُ كَرِهَ الشَّرْطَ , وَقَالَ : ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ.
قَالَ عَلِيٌّ : ظَاهِرُ هَذَا رَدُّ الْبَيْعِ ; لأََنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَدَّ الزَّائِفِ وَحْدَهُ لَذَكَرَ بُطْلاَنَ مَا قَابَلَهُ , وَصِحَّةُ الْعَقْدِ فِي سَائِرِ الصَّفْقَةِ , أَوْ لَذَكَرَ الأَسْتِدْلاَلَ , وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّهُ شَيْئًا , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ قَوْلُنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى قَالَ : زَعَمَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَأَخْطَئُوا فِيهَا بِدِرْهَمٍ سَتُّوقٍ فَكَرِهَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ , وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْحَاضِرِينَ قَالَ بِهِ , وَلاَ نَعْلَمُ الآنَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الصَّرْفَ فِي مِقْدَارِ مَا وَجَدَ رَدِيئًا فَقَطْ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ , وَاللَّيْثُ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : يَسْتَبْدِلُ كُلَّ مَا وَجَدَ زَائِفًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ ابْنُ حَيٍّ وَالسَّتُّوقُ كَذَلِكَ.(1/195)
قَالَ عَلِيٌّ : السَّتُّوقُ هُوَ الْمَغْشُوشُ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ , مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ كُلُّهُ رَصَاصًا , أَوْ يَكُونَ الدِّينَارُ كُلُّهُ فِضَّةً أَوْ نُحَاسًا. وَالزَّائِفُ الرَّدِيءُ مِنْ طَبْعِهِ الَّذِي فِيهِ غِشٌّ
وقال أبو حنيفة : إنْ وُجِدَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ نِصْفُ الْجَمِيعِ فَأَكْثَرَ زُيُوفًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ أَلْبَتَّةَ , لَكِنْ إنْ رَدَّ الزُّيُوفَ بَطَلَ الصَّرْفُ فِي مِقْدَارِهَا مِنْ الصَّفْقَةِ وَصَحَّ فِيمَا سِوَاهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ لاَ يَرُدَّ , فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَلَهُ أَنْ يَمْسِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ مَا وَجَدَ زَائِفًا فَقَطْ , وَلاَ يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ , فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ أَوْ أَكْثَرُ وَصَحَّ فِيمَا قَبَضَ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ سُتُّوقًا انْتَقَضَ الصَّرْفُ فَقَطْ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ وَصَحَّ فِي بَاقِي الصَّفْقَةِ وَيَكُونُ هُوَ وَالْبَائِعُ شَرِيكَيْنِ فِي الدِّينَارِ الَّذِي انْتَقَضَ الصُّفْرُ فِي بَعْضِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : لَيْتَ شِعْرِي , أَيُّ بَعْضٍ مِنْهُ انْتَقَضَ فِيهِ الصَّرْفُ , وَأَيُّ بَعْضٍ , مِنْهُ صَحَّ فِيهِ الصَّرْفُ هَذَا الْمَجْهُولُ وَالْغَرَرُ بِعَيْنِهِ ,
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّ مَا يَسْتَبْدِلُهُ مِمَّا لاَ يَجُوزُ فِيهِ الأَسْتِبْدَالُ بِالثُّلُثِ
وَهَذَا قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَتَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِلاَ
برهان , وَحُكْمُ الْحَرَامِ وَالْحَلاَلِ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ , إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ بِفَرْقٍ وَتَحْدِيدٍ فَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَسْتَبْدِلُ مَا وَجَدَ زَائِدًا أَوْ سُتُّوقًا , قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
قال علي : هذا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ يَصِيرُ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ , أَوْ بِذَهَبٍ , أَوْ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ , وَهَذَا الرِّبَا الْمَحْضُ وَقَالَ زُفَرُ : يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ ، وَلاَ بُدَّ فِيمَا وَجَدَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَصِحُّ فِي السَّالِمِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
قال علي : هذا تَبْعِيضُ صَفْقَةٍ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ قَطُّ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ , فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ
وقال مالك : إنْ وَجَدَ سُتُّوقًا أَوْ زَائِفًا فَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ صَرْفَ دِينَارٍ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ , وَصَحَّ سَائِرُ الصَّفْقَةِ , فَإِنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ صَرْفُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ دَنَانِيرَ : انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا قَابَلَ مَا وَجَدَهُ فَإِنْ شَرَعَ الأَنْتِقَاضُ فِي دِينَارٍ انْتَقَضَ ذَلِكَ الدِّينَارُ.
قَالَ عَلِيٌّ : لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ دِينَارٍ هُوَ الَّذِي يُنْتَقَضُ , أَيُّهَا هُوَ الَّذِي لاَ يُنْتَقَضُ هَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ , وَالْمَجْهُولِ وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ إجَازَتُهُ بَعْضَ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضِهَا وَإِبْطَالُهُ صَرْفَ جَمِيعِ الدِّينَارِ الَّذِي شَرَعَ الأَنْتِقَاضُ فِي بَعْضِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ , وَكِلاَهُمَا تَبْعِيضٌ لِمَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِتَبْعِيضِهِ فِي الْعَقْدِ , وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّرْفَ كُلَّهُ يُنْتَقَضُ ,وَالثَّانِي أَنَّهُ يُسْتَبْدَلُ , كَقَوْلِ اللَّيْثِ وَالأَوْزَاعِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ , لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،.
1498 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ الْحَلاَلِ الْمَحْضِ بَيْعُ مُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ غَايَةً , وَالآخَرُ رَدِيءٌ غَايَةً : بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَجْوَدَ مِنْهُمَا , أَوْ أَدْنَى مِنْهُمَا , أَوْ دُونَ الْجَيِّدِ مِنْهُمَا , وَفَوْقَ الرَّدِيءِ مِنْهُمَا , أَوْ مِثْلَ أَحَدِهِمَا , أَوْ بَعْضُهُمَا جَيِّدٌ وَالْبَعْضُ رَدِيءٌ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ , وَفِي دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ , وَقَمْحٍ بِقَمْحٍ , وَفِي شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ , وَفِي مِلْحٍ بِمِلْحٍ ، وَلاَ فَرْقَ , لأَِبَاحَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِصِنْفِهِ , مِثْلاً بِمِثْلٍ , فِي الْمُكَايَلَةِ , فِي الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَالْمُوَازَنَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ , وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ : لاَ , وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ , فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَفْعَلُوا , وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ , أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا
وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ فَأَبَاحَ عليه السلام نَصًّا : بَيْعَ الْجَنِيبِ مِنْ التَّمْرِ وَهُوَ الْمُتَخَيَّرُ كُلُّهُ بِالْجَمْعِ مِنْ التَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَوَسَطًا. مَنَعَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ مُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالآخَرُ رَدِيءٌ بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ مُتَوَسِّطَيْنِ أَدْنَى مِنْ الْجَيِّدِ وَأَجْوَدَ مِنْ الرَّدِيءِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ.
قال أبو محمد رحمه الله :لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا ; لأََنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي جَوَازِ صَاعٍ بِصَاعِ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِصَاعِ تَمْرٍ جَيِّدٍ وَلَيْسَ مِثْلَهُ(1/196)
فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْكَيْلِ أَوْ فِي الْوَزْنِ فَقَطْ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ صِحَاحٍ فِي الْجَنِيبِ بِالْجَمْعِ فِيهَا : بِيعُوا الْجَمْعَ وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ الْجَنِيبِ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا زَائِدٌ عَلَى تِلْكَ الأَخْبَارِ حُكْمًا , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ زِيَادَةِ الْعَدْلِ. وَعُمْدَةُ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا رَضِيَ الْبَائِعُ هَهُنَا لِلْمُدَّيْنِ : اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالآخَرُ رَدِيءٌ , بِأَنْ يُعْطِيَ الْجَيِّدَ أَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ , وَأَنْ يُعْطِيَ الأَرْدَأَ بِأَقَلَّ مِنْ مُدٍّ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ : فَحَصَلَ التَّفَاضُلُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا , وَحَتَّى لَوْ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ لَكَانَ عَمَلُهُ مُخَالِفًا لأَِرَادَتِهِ , فَحَصَلُوا عَلَى التَّكَهُّنِ , وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي الدِّينِ الْكَلاَمُ وَالْعَمَلُ , فَإِذَا جَاءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه السلام فَمَا نُبَالِي بِمَا فِي قُلُوبِهِمَا , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَمْ أُبْعَثْ لأََشُقَّ ، عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ فَإِنْ قَالُوا : فَقَدْ قَالَ عليه السلام : الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
قلنا : نَعَمْ , وَلَكِنَّ مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ هَذَيْنِ نَوَيَا مَا ذَكَرْتُمْ , وَهَذَا مِنْكُمْ ظَنُّ سُوءٍ بِمُسْلِمٍ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِذَلِكَ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَلَيْسَ فِي الظُّلْمِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُفْسِدُوا صَفْقَةَ مُسْلِمٍ بِتَوَهُّمِكُمْ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَاطِلَ , وَهُوَ لَمْ يُخْبِرْكُمْ ذَلِكَ فَقَطْ ، عَنْ نَفْسِهِ , وَلاَ ظَهَرَ مِنْ فِعْلِهِ إِلاَّ الْحَلاَلُ الْمُطْلَقُ. وَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَشْتَرِي تَمْرًا أَوْ تِينًا أَوْ عِنَبًا أَنْ تَفْسَخُوا صَفْقَتَهُ وَتَقُولُوا لَهُ : إنَّمَا تَنْوِي فِيهِ عَمَلَ الْخَمْرِ مِنْهُ , وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَنْ تَفْسَخُوهُ وَتَقُولُوا : إنَّمَا تُرِيدُ تَلْبَسُهُ فِي الْمَعَاصِي. وَمَنْ اشْتَرَى سَيْفًا أَنْ تَفْسَخُوا وَتَقُولُوا : إنَّمَا تُرِيدُ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذَا هَوَسٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَفْسَدْتُمْ بِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ : كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَأْتِي بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ الْجِيَادِ , وَبِالنُّفَايَةِ : يَأْخُذُ بِوَزْنِهَا غَلَّةً.
قَالَ عَلِيٌّ : السُّودُ أَجْوَدُ مِنْ الْغَلَّةِ , وَالنُّفَايَةُ أَدْنَى مِنْ الْغَلَّةِ وَهَذَا نَفْسُ مَسْأَلَتِنَا.
1499 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ صَارَفَ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِم فَعَجَزَ ، عَنْ تَمَامِ مُرَادِهِ فَاسْتَقْرَضَ مِنْ مَصَارِفِهِ , أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مَا أَتَمَّ بِهِ صَرْفَهُ فَحَسَنٌ , مَا لَمْ يَكُنْ ، عَنْ شَرْطٍ فِي الصَّفْقَةِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ.
1500 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَلَمَّا تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ اشْتَرَى مِنْهُ , أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ تِلْكَ , أَوْ غَيْرِهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ مَا لَمْ يَكُنْ ، عَنْ شَرْطٍ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ , وَعَمَلٌ مَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهِ ,
وَأَمَّا الشَّرْطُ فَحَرَامٌ ; لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمَنَعَ مِنْ هَذَا قَوْمٌ وَقَالُوا : إنَّهُ بَاعَ مِنْهُ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ مُتَفَاضِلَةً .
فَقُلْنَا : هَذَا كَذِبٌ , وَمَا فَعَلَ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , بَلْ هُمَا صَفْقَتَانِ , وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا : هَلْ لَهُ أَنْ يُصَارِفَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَتِلْكَ الدَّنَانِيرِ ، عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : نَعَمْ .
فَقُلْنَا لَهُمْ : فَأَجَزْتُمْ التَّفَاضُلَ وَالنَّسِيئَةَ مَعًا وَمَنَعْتُمْ مِنْ النَّقْدِ , هَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا الأَمْرَ بِبَيْعِ التَّمْرِ الْجَمْعِ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِالسِّلْعَةِ جَنِيبًا مِنْ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعُوا نَفْسَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ : أَلاَ إنَّ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارِ , عَيْنًا بِعَيْنٍ , سَوَاءً بِسَوَاءٍ , مِثْلاً بِمِثْلٍ , فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ : تُزَيِّفُ عَلَيْنَا أَوْرَاقُنَا فَنُعْطِي الْخَبِيثَ وَنَأْخُذُ الطَّيِّبَ قَالَ عُمَرُ : لاَ , وَلَكِنْ ابْتَعْ بِهَا عَرَضًا , فَإِذَا قَبَضَتْهُ وَكَانَ لَك فَبِعْهُ وَاهْضِمْ مَا شِئْت , وَخُذْ أَيَّ نَقْدٍ شِئْت. فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِبَيْعِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِسِلْعَةٍ , ثُمَّ يَبِيعُهَا بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ إثْرَ ابْتِيَاعِهِ لِلْعَرَضِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَيْرِ مَنْ تُبْتَاعُ مِنْهُ الْعَرَضُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : أَعْطَانِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ دَرَاهِمَ وَقَالَ لِي : اشْتَرِ لِي بِهَا دَنَانِيرَ , ثُمَّ اشْتَرِ لِي بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَبِعْتهَا مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضْت الدَّنَانِيرَ , وَطَلَبْت فِي السُّوقِ حَتَّى عَرَفْت السِّعْرَ , فَرَجَعْت إلَى بَيْعَتِي فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي أَرَدْت فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ , فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ
وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ وَيُنْسِئَ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عُمَرَ.(1/197)
قَالَ عَلِيٌّ : وَمِنْ عَجَائِبِ حُجَجِهِمْ هُنَا أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا أَرَادَ بِالرِّبَا دَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا , فَتَخَيَّلَ بِأَنْ صَرْفَهَا بِدَنَانِيرَ , ثُمَّ صَرَفَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَقُلْت بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ وَرِعٍ , خَائِفٍ لِمَقَامِ رَبِّهِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ أَرَادَ الرِّبَا فَتَرَكَهُ وَهَرَبَ عَنْهُ إلَى الْحَلاَلِ , هَذَا فَاضِلٌ جِدًّا وَعَمَلٌ جَيِّدٌ لاَ عَدِمْنَاهُ , فَنَرَاكُمْ جَعَلْتُمْ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَهَلْ هَذَا إِلاَّ كَمَنْ أَرَادَ الزِّنَى بِامْرَأَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ , لَكِنْ تَزَوَّجَهَا , أَوْ اشْتَرَاهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا , أَمَّا هَذَا فَحَسَنٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى
1501 - مَسْأَلَةٌ : وَالتَّوَاعُدُ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْفِضَّةِ , وَفِي بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ , وَفِي سَائِرِ الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ تَبَايَعَا بَعْدَ ذَلِكَ , أَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا ; لأََنَّ التَّوَاعُدَ لَيْسَ بَيْعًا.
وَكَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ أَيْضًا جَائِزَةٌ تَبَايَعَا أَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَكُلُّ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فَقَدْ فُصِّلَ بِاسْمِهِ , قَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَكُلُّ مَا لَمْ يُفَصَّلُ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلاَلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , إذْ لَيْسَ فِي الدِّينِ إِلاَّ فَرْضٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ حَلاَلٌ , فَالْفَرْضُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَالْحَرَامُ مُفَصَّلٌ بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَلَيْسَ فَرْضًا ، وَلاَ حَرَامًا فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ : حَلاَلٌ إذْ لَيْسَ هُنَالِكَ قِسْمٌ رَابِعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقِ.
1502 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ بَدَلُ دَرَاهِمَ بِأَوْزَنَ مِنْهَا لاَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلاَ بِغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُنْكَرُ لاَ الْمَعْرُوفُ , لأََنَّهُ خِلاَفُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ ,وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا آنِفًا ، عَنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم .
وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ , وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُوَافِقًا قَبْلَهُ مِمَّنْ رَأَى الرِّبَا فِي النَّقْدِ.
1503 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ آنِيَةٍ ذَهَبٍ ، وَلاَ فِضَّةٍ إِلاَّ بَعْدَ كَسْرِهَا لِصِحَّةِ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " فَلاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَإِذْ لاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا ; لأََنَّهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1504 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ أَنْ يَبْتَاعَ الْمَرْءُ نِصْفَ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ , أَوْ نِصْفَ دَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا , أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ كَذَلِكَ , أَوْ نِصْفَ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا مُشَاعًا : يَبْتَاعُ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ , وَالذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ , وَيَتَّفِقَانِ عَلَى إقْرَارِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ. وَلاَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَصْلاً , وَلاَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَصْلاً , لأََنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا بِغَيْرِ عَيْنٍ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ إِلاَّ عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا
وَأَمَّا الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُشَاعًا , فَلَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ نَصٌّ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
================
رابعا- جاء في كتاب الروضة الندية باب الربا (1):
قال الله تعالى : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا وقال : يمحق الله الربا ويربي الصدقات وقال : وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله واتفق أهل العلم أن الربا من الكبائر ، وأنه إذا وقع هذا العقد فهو باطل ، ولا يجب إلا رد رأس المال ، وإن كان ذو عسرة فحكمه الإنظار إلى الميسرة .
أقول : هذا الحكم يستفاد من كتاب الله تعالى . قال عز وجل : وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ومفهوم الشرط يدل على جواز أخذ مال المربى مع عدم التوبة ، ويستدل بهذه الآية أيضاً على جواز أخذ ما ربح المربى من الربا ، وهو ما زاد على رأس ماله سواء تاب أو لم يتب .
فالحاصل : أنه يجوز أخذ جميع ماله الربح ورأس المال مع عدم التوبة ، ويجوز أخذ رأس المال فقط معها .
يحرم بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، إلا مثلاً بمثل يداً بيد ، فإذا إختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد والستة الأجناس المذكورة هي المنصوص عليها في الأحاديث . كحديث أبي سعيد بلفظ الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو ازداد فقد أربى . الآخذ والمعطي فيه سواء وهو في الصحيح . وسائر الأحاديث في الصحيحين وغيرهما هكذا ليس فيها إلا ذكر الستة الأجناس . وفي الحجة البالغة ، وتفطن الفقهاء أن الربا المحرم يجري في غير الأعيان الستة المنصوص عليها ، وأن الحكم متعد منها إلى كل ملحق بشئ منها . في شرح السنة اتفق العلماء على أن الربا يجري في هذه الأشياء الستة التي نص الحديث عليها . وذهب عامتهم إلى أن حكم الربا غير مقصور عليها بأعيانها. إنما ثبت لأوصاف فيها ، ويتعدى إلى كل ما يوجد فيه تلك الأوصاف . وذهبوا إلى أن الربا ثبت في الدراهم والدنانير بوصف ، وفي الأشياء الأربعة بوصف آخر . ثم إختلفوا في ذلك الوصف فقال الشافعي : ثبت في الدراهم والدنانير بوصف النقدية . وقال أبو حنيفة : بعلة الوزن حتى أن الربا يجري في الحديد والنحاس والقطن . وقال الشافعي : في القديم ثبت في الأشياء الأربعة بوصف الطعم مع الكيل والوزن كما قال سعيد بن المسيب . وفي الجديد ثبت فيها بوصف الطعم فقط ، وأثبت في جميع الأشياء المطعومة مثل : الثمار والفواكه والبقول والأدوية ، فدل على أن مأخذ الإشتقاق علة . وقال أبوحنيفة : ثبت في الأشياء الأربعة بوصف الكيل حتى أن الربا يجري في الجص والنورة . وسيأتي ما يدفع ذلك كله .
__________
(1) - الروضة الندية - (ج 1 / ص 398)(1/198)
وفي إلحاق غيرها بها خلاف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة غيرها ، فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الاتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الإختلاف في الجنس والإتفاق في العلة . فقالت الظاهرية : أنه لا يلحق بها غيرها ورجحه في سبل السلام . وقال قد أردنا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة سميناها القول المجتبي انتهى . وتفصيل ذلك في مسك الختام . وذهب من عداهم إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة . واختلفوا في العلة ما هي ؟ فقيل الاتفاق في الجنس والطعم . وقيل الجنس والتقدير بالكيل والوزن والإقتيات . وقيل الجنس ووجوب الزكاة وقيل الجنس والتقدير بالكيل والوزن . وقد يستدل لمن قال بالإلحاق بما أخرجه الدارقطني والبزار عن الحسن من حديث عبادة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعاً واحداً وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به وقد أشار إلى هذا الحديث صاحب التلخيص ولم يتكلم عليه ، وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة . قال أحمد : لا بأس به ، وقال يحيى بن معين : في رواية عنه ضعيف وفي أخرى ليس به بأس وربما دلس . وقال ابن سعد والنسائي ضعيف . وقال أبو زرعة شيخ صالح وقال أبو حاتم : رجل صالح انتهى . ولا يلزم من وصفه بالصلاح أن يكون ثقة في الحديث . وقال في التقريب : صدوق سيء الحفظ ، ولا يخفاك أن الحجة لا تقوم بمثل هذا الحديث لا سيما في مثل هذا الأمر العظيم . فإنه حكم بالربا الذي هو من أعظم معاصي الله سبحانه وتعالى على غير الأجناس التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يستلزم الحكم على فاعله بأنه مرتكب لهذه المعصية التي هي من الكبائر ومن القطعيات الشرعية . ومع هذا فإن هذا الإلحاق قد ذهب إليه الجمع الجم والسواد الأعظم ، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية فقط . وهذا الحديث كما يدل على إلحاق غير الستة بها كذلك يدل على أن العلة الاتفاق في الكيل والوزن مع إتحاد الجنس . ومما يدل على أن الربا يثبت في غير هذه الأجناس حديث ابن عمر في الصحيحين قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله وفي لفظ لمسلم وعن كل ثمر بخرصه فإن هذا الحديث يدل على ثبوت الربا في الكرم والزبيب . ورواية مسلم تدل على أهم من ذلك . ومما يدل على الإلحاق ما أخرجه مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان وأخرجه أيضاً الشافعي ، وأبو داود في المراسيل ، ووصله الدارقطني في الغريب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة وتبعه ابن عبد البر وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار وفي إسناده ثابت بن زهير وهو ضعيف ، وأخرجه أيضاً من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضاً وأبو أمية ضعيف ، وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم والبيهقي وابن خزيمة ، ومما يؤيد ذلك حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة عند الترمذي في رخصة العرايا وفيه وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه ومما يدل على أن المعتبر الاتفاق في الوزن حديث أبي سعيد عند أحمد ومسلم بلفظ لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزناً بوزن مثلاً بمثل سواء بسواء وأخرج أحمد ومسلم والنسائي من حديث أبي هريرة الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل . وعند مسلم والنسائي وأبي داود من حديث فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن ومما ورد في إعتبار الكيل حديث ابن عمر المتقدم وفيه وإن كان كرماً أن تبيعه بزبيب كيلاً وما سيأتي قريباً من النهي عن بيع الصبرة لا يعلم كيلها .
أقول : أما إختلاف مثبتي القياس في علة الربا فليس على شئ من هذه الأقوال حجة نيرة ، إنما هي مجرد تظننات وتخمينات انضمت إليها دعاوي طويلة بلا طائل . هذا يقول العلة التي ذهب إليها ساقه إلى القول بها مسلك من مسالك العلة لتخريج المناط ، والآخر يقول ساقه إلى ما ذهب إليه مسلك آخر كالسبر والتقسيم . ونحن لا نمنع كون هذه المسالك تثبت بمثلها الأحكام الشرعية ، بل نمنع اندراج ما زعموه علة في هذا المقام تحت شئ منها ، فما أحسن الإقتصار على نصوص الشريعة وعدم التكليف بمجاوزتها والتوسع في تكليفات العباد بما هو تكليف محض . ولسنا ممن يقول بنفي القياس لكنا نقول بمنع التعبد به فيما عدا العلة المنصوصة وما كان طريق ثبوته فحوى الخطاب وليس ما ذكروه ههنا من هذا القبيل فليكن هذا المبحث على ذكر منك تنتفع به في مسائل كثيرة . قال الماتن رحمه الله في كتابه السيل الجرار : ولا يخفاك أن ذكره صلى الله عليه وسلم للكيل والوزن في الأحاديث لبيان ما يتحصل به التساوي في الأجناس المنصوص عليها فكيف كان هذا الذكر سبباً لإلحاق سائر الأجناس المتفقة في الكيل والوزن بهذه الأجناس الثابتة في الأحاديث ، وأي تعدية حصلت بمثل ذكر ذلك ، وأي مناط ستفيد منها مع العلم أن الغرض بذكرها هو تحقيق التساوي كما قال : مثلاً بمثل سواء بسواء وأما الإتفاق في الجنس والطعم كما قال الشافعي . واستدلوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث معمر بن عبد الله قال : كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الطعام بالطعام مثلاً بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير فأقول : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الطعام فكان ماذا ؟ وأي دليل على أنه أراد بهذا الذكر الإلحاق ؟ وأي فهم يسبق إلى كون ذلك هو العلة المعدية حتى تركب عليها القناطر وتبنى عليها القصور . ويقال هذا دليل على أن كل ماله طعم كان يبعه بماله متفاضلاً رباً . مع أن أول ما يدفع هذا الإستدلال الذهب والفضة اللذين هما أول منصوص عليه في الأحاديث المصرحة بذكر الأجناس التي تحرم فيها الربا . ومما يدفع القولين جميعاً أنه قد ثبت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العدد كما في حديث عثمان عند مسلم بلفظ لا تبيعوا الدينار بالدينارين وفي رواية من حديث أبي سعيد ولا درهمين بدهم ولا يعتبر العدد أحد من أهل هذين القولين ولا من غيرهم. وقد وافقت المالكية الشافعي في الطعم وزادت عليه الإدخار والاقتيات فوسعوا الدائرة بما ليس بشئ .
والحاصل أنه لم يرد دليل به الحجة على إلحاق ما عدا الأجناس المنصوص عليها بها .
فإن إختلفت الأجناس جاز التفاضل إذا كان يداً بيد لما ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذهب الذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد . فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد وفي الباب أحاديث .
ولا يجوز بيع الجنس بجنسه مع عدم العلم بالتساوي لما وقع في الأحاديث الصحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم مثلاً بمثل سواء بسواء وزناً بوزن فإن هذا يدل على أنه لا يجوز بيع الشئ بجنسه إلا بعد العلم بالمماثلة والمساواة ، ومما يدل على ذلك حديث جابر عند مسلم وغيره قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكليل المسمى من التمر فإن هذا يدل على أنه لا يجوز البيع إلا بعد العلم .(1/199)
وإن صحبه غيره أي لا تأثير لمصاحبة شئ آخر لأحد المثلين . لحديث فضالة بن عبيد عند مسلم وغيره قال : إشتريت قلادة يوم خيبر بإثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تباع حتى تفصل وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف منهم عمر بن الخطاب ، وقال به الشافعي وأحمد وإسحق ، وذهب جماعة منهم الحنفية إلى جواز التفاضل مع مصاحبة شئ آخر إذا كانت الزيادة مساوية لما قابلها .
ولا بيع الرطب بما كان يابساً لحديث ابن عمر المتقدم في النهي عن أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وكذلك حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة المتقدمات ، وفي الموطأ حديث سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينقص الرطب إذا يبس ؟ فقالوا : نعم فنهى عن ذلك قلت : وعليه الشافعي ، وهذا الحديث أصل في أنه لا يجوز بيع شئ من المطعوم بجنسه أحدهما رطب والآخر يابس مثل : بيع الرطب بالتمر ، وبيع العنب بالزبيب ، وبيع اللحم الرطب بالقديد ، وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة . وجوزه أبو حنيفة وحده ورده بالمتشابه من قوله تعالى : وأحل الله البيع وحرم الربا والمتشابه من قياس في غاية الفساد وهو قولهم : الرطب والتمر إما أن يكونا جنسين ، وإما أن يكون جنساً واحداً ، وعلى التقديرين فلا يمنع بيع أحدهما بالآخر . قال ابن القيم : وإذا نظرت إلى هذا القياس رأيته مصادماً للسنة أعظم مصادمة ، ومع أنه فاسد في نفسه ، بل هما جنس واحد ، أحدهما أزيد من الآخر قطعاً بنية ، فهو أزيد أجزاء من الآخر بزيادة لا يمكن فصلها وتميزها ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به عند الكمال ، إذ هو ظن وحسبان ، فكان المنع من بيع أحدهما بالآخر محض القياس لو لم يأت به سنة ، وحتى لو لم يكن ربا ولا القياس يقتضيه لكان أصلاً قائماً بنفسه يجب التسليم والإنقياد له كما يجب التسليم لسائر نصوصه المحكمة انتهى .
إلا لأهل العرايا لحديث زيد بن ثابت عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلاً وفي لفظ في الصحيحين رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً وأخرج أحمد والشافعي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة وفي الباب أحاديث . والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للفقراء الذين لا نخل لهم أن يشتروا من أهل النخل رطباً يأكلونه في شجره بخرصه تمراً . والعرايا جمع عرية وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور . ومن خالف فالأحاديث ترد عليه . قلت : العرية فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ، وهي عقد مقصود ، أو بمعنى فاعلة من عرى يعرى إذا خلع ثوبه كأنها عريت ، وهي بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض والعنب في الشجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق . وقال محمد : وبهذا نأخذ ، ولفظ البخاري في باب تفسير العرايا قال مالك : العرية أن يعرى الرجل الرجل النخلة ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أن يشتريها منه بتمر . وقال ابن إدريس : العرية لا تكون إلا بالكيل من التمر يداً بيد ، ولا تكون بالجزاف . ومما يقويه قول ابن أبي حثمة بالأوسق الموسقة . وقال ابن إسحق : في حديثه عن نافع عن ابن عمر كانت العرايا أن يعرى الرجل الرجل في ماله النخلة والنخلتين . وقال يزيد : عن سفيان بن حسين العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر انتهى
أقول : العرايا أصلها أن العرب كانت تطوع على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة ، وهي عطية اللبن دون الرقبة . قال الجوهري في الصحاح : العرية هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً بأن يجعل له ثمرها عاماً من عراة إذا قصده انتهى . فرخص صلى الله عليه وسلم لمن لا نخل لهم أن يشتري الرطب على النخل بخرصها تمراً كما وقع في الصحيحين وغيرهما من حديث زيد بن ثابت ، وفي لفظ في الصحيحين من حديثه رخص في العرايا يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً وفي لفظ لهما من حديثه ولم يرخص في غير ذلك فهذا جائز ، والذي أخبرنا بتحريم الربا ومنعنا من المزابنة هو الذي رخص لنا في العرايا والكل حق وشريعة واضحة وسنة قائمة ومن منع ذلك فقد تعرض لرد الخاص بالعام ولرد الرخصة بالعزيمة ولرد السنة بمجرد الرأي ، وهكذا من منع من البيع وجوز الهبة كما روي عن أبي حنيفة رحمه الله ولكن هذه الرخصة مقيدة بأن يكون الشراء بالوسق والوسقين والثلاثة والأربعة كما وقع في حديث جابر عند الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم فلا يجوز الشراء بزيادة على ذلك .
ولا بيع اللحم بالحيوان لما تقدم قريباً من حديث سعيد بن المسيب عند مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم وقال سعيد : من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين . وقال نهى عن بيع الحيوان باللحم . وقال أبو الزناد : كل من أدركت من أهل العلم ينهون عن بيع الحيوان باللحم أي من جنسه وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره . وفي شرح السنة ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى تحريمه ، وإليه ذهب الشافعي. وحديث ابن المسيب وإن كان مرسلاً لكنه يتقوى بعمل الصحابة واستحسن الشافعي مرسل ابن المسيب . وذهب جماعة إلى إباحته واختارها المزني إذ لم يثبت الحديث وكان فيه قول متقدم ممن يكون بقول اختلاف ولأن الحيوان ليس بمال الربا بدليل أنه يجوز بيع حيوان بحيوانين فبيع اللحم بالحيوان بيع مال الربا بما لا ربا فيه فيجوز ذلك في القياس إلا أن يثبت الحديث فنأخذ به وندع القياس . وقال محمد في الموطأ : وبهذا نأخذ من باع لحماً من لحم الغنم بشاة حية لا يدري اللحم أكثر أو مافي الشاة أكثر فالبيع فاسد مكروه ولا ينبغي وهذا مثل المزابنة والمحاقلة. وكذا بيع الزيتون بالزيت ودهن السمسم بالسمسم .
أقول : والأحسن عندي أن معنى الحديث : أن يقول للقصاب كم يخرج من هذه الشاة فيقول القصاب : عشرون رطلاً فيقول : خذ هذه الشاة بعشرين رطلاً من اللحم إن خرج أكثر فلك أو أقل فعليك . وهذا نوع من القمار . ورجع الحديث إلى القياس .(1/200)
ويجوز بيع الحيوان بإثنين أو أكثر من جنسه لحديث جابر عند أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين وأخرجه أيضاً مسلم في صحيحه . وأخرج أيضاً مسلم وغيره من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي وأخرج أحمد وأبو داود من حديث ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يبعث جيشاً على إبل كانت عنده قال : فحملت الناس عليها حتى نفذت الإبل وبقيت بقية من الناس قال : فقلت يارسول الله الإبل قد نفذت وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال لي : ابتع علينا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى ينفذ هذا البعث قال : وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إسناده محمد ابن اسحق وفيه مقال ، وقوي في الفتح إسناده . وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن الجارود من حديث سمرة قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو من رواية الحسن عن سمرة ولم يسمع منه . وقد جمع الشافعي بين الحديثين بأن المراد به النسيئة من الطرفين فيكون ذلك من بيع الكالىء بالكالىء لا من طرف واحد فيجوز . وفي الموطأ أن علي بن أبي طالب باع جملاً له يدعى عصيفر بعشرين بعيراً إلى أجل . وأن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة . وسئل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل فقال : لا بأس بذلك . قال الشافعي : يجوز سواء كان الجنس واحداً أو مختلفاً ، مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم سواء باع واحداً بواحد أو بإثنين . وقال أبو حنيفة : لا يجوز . وفي بيع الحيوان بالحيوان نسيئة خلاف .
ولا يجوز بيع العينة لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وابن القطان وصححه . وقال الحافظ : رجاله ثقات . والمراد بالعينة بكسر العين المهملة بيع التاجر سلعته بثمن إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن . ويدل على المنع من ذلك ما رواه أبو إسحق السبيعي عن إمرأته أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقع فقالت : يا أم المؤمنين إني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقداً فقالت لها عائشة : بئسما إشتريت وبئسما شريت إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب أخرجه الدارقطني ، وفي إسناده الغالية بنت أيفع . وقد روي عن الشافعي أنه لا يصح ، وقرر كلامه ابن كثير في إرشاده . وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد، وجوز ذلك الشافعي وأصحابه . وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لهما البيهقي في سننه باباً .(1/201)
أقول : أما بيع أئمة الجور وشراؤهم على وجه التجارة مع رعاياهم فهذه المسألة قد عمت وطمت وكادت تطبق الأرض وقد رأينا في كتب التواريخ حكايات عن ملوك مصر من الجراكسة ، وذلك من أشدها وأعظمها جرماً أنهم إذا أرادوا بيع شئ لهم أكرهوا التجار على شرائه بأضعاف ثمنه ، وإذا أراد أحد منهم الإمتناع ضربوه ضرباً مبرحاً ، وأخذوا ماله كرهاً . ومن ذلك أنهم يمنعون الناس من الشراء من أحد من التجار حتى ينفق ما يريدون بيعه من أموالهم فيرتفع ثمنه لأجل ذلك وينفق سريعاً . قال الماتن في حاشية الشفاء : وفي الديار اليمنية من هذا القبيل أنواعها منها : أنهم يرسمون صرف القرش بمقدار محدود من الضربة التي يضربونها من الفضة المغشوشة بالنحاس المغلوبة بالغش على وجه لا تكون الفضة الخالصة إلا مقدار نصف الفضة التي في القرش ، ثم أن الرعايا لا تمتثل هذا الرسم بل يتعاملون في المصارفة بزيادة على ذلك إلى مقدار الثلث أو الربع من ذلك الرسم ، فإذا كان النقد خارجاً من مال الدولة إلى غيرهم من الأجناد ونحوهم كان على ذلك الرسم الناقص ، وإذا كان النقد داخلاً إلى أموال الدولة من الرعايا لم يقبلوا منهم إلا القروش الفرانسة أو الصرف الزائد الذي يتعامل به الرعية فيما بينهم فيأخذون ثلث أموال الرعية أو ربعها ظلماً ، وإذا تزايد صرف القروش بين الرعايا أمر الأمراء بكسر السكة ويضربون ضربة أخرى مثل الكسورة في الخالص والغش أو أكثر منها غشاً ، ثم يمنعون التعامل بتلك الضربة الأولى فيبيعونها الرعايا وزناً من الدولة ، فيأتي ثمن القفلة منها بنصف قفلة من الضربة الأخرى وقد يزيد قليلاً ، أو ينقص قليلاً ثم يأخذون تلك السكة الأولى ويضربونها على تلك الضربة الأخرى ويدفعونها إلى الرعايا بصرف قد رسموه فيأكلون بهذا الذريعة نصف أموال العباد أو قريباً من ذلك ، والرعايا لا يقدرون على الإستمرار على الرسم الذي يرسمونه لهم في صرف القروش من تلك الضربة لأنهم يحتاجون إلى القروش الفرانسة في كثير من الحالات لكونه لا يتفق لهم في المعاملة لتجار سائر الأرض إلا هي . ومن الأنواع التي يأكلون بها أموال الرعايا أكلاً ظاهراً ويتجرون فيها إتجاراً بيناً ، أنهم يجعلون ضرائب على الباعة في الأسواق يجبرونهم على تسليمها شاؤا أم أبوا ، ثم يأذنون لهم بالزيادة في الأسعار فيبيعون بما شاؤا ويصنعون بالناس ما أرادوا وليس عليهم إلا الوفاء بالضرائب . فإذا استغاث مستغيث بالناس من زيادة الأسعار أو أراد منكر أن ينكر على الباعة ما يفعلونه ، قالوا : هذه الزيادات للدولة فيلقمون المنكر والمستغيث حجراً . وكم أعدد لك من هذه إلا حبولات الشيطانية التي هي السحت بلا شك ولا شبهة نسأل الله أن يصلح الجميع انتهى . ومن هذا القبيل أنواع المكوس على أهل الدور ، والتجارات ، والضرائب المتنوعة ، التي لا تكاد تنحصر على الرعايا في الأشياء المختلفة ، وكل ذلك من جهة الدول ولا شكوى في ذلك من الكفرة الفجرة ، الذي استولوا على أكثر البلاد الإسلامية ، بل من ملوك الإسلام وولاة المسلمين المدعين للتدين بالدين المحمدي والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . وانظر في كتابنا أكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة يتضح عليك الحق في هذا الباب من الباطل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . قال الماتن في حاشية الشفاء : اعلم أن باب المصارفة قد صار في هذه الأزمنة بحيث لا يتمكن من الخلوص عن الدخول به في الربا البحت أحد ، كما عرفناك فيما سبق . ثم أن الناس يحتاجون إلى التعامل بهذه الضربة في تصرفاتهم ، ويضطرون إلى المصارفة بها إلى القرش الفرنجي بذلك المقدار المرسوم لهم فيبيعون الفضة بالفضة مع العلم بالتفاضل وهذا رباً بحت . والعارف منهم يستروح إلى حيل قد رآها في كتب الفروع التي لا يرجع غالبها إلى دليل ، وهي لا تغني من الحق شيئاً . وها نحن نعرفك بغالب ما يظنونه من الحيل مخلصاً له من ورطة الربا ، فمن ذلك أن بعض المتفقهة الذين لا يعرفون لعلوم الإجتهاد رسماً قد أفتاهم بأنه لا ربا في المعاطاة ، وأن الصرف الذي يفعله الناس الآن هو معاطاة لعدم وقوع العقد . وهذا المقصر لا يدري بأن أدلة الكتاب والسنة مصرحة بتحريم الربا من غير نظر إلى عقد . بل لم يعتبر الله في البيع إلا مجرد الرضا . ومن ذلك ما قاله أيضاً بعض المصنفين في الفروع أن الغش في كل واحد من البدلين يكون مقابلاً للفضة في الآخر ، وهذا لا يرضى به عاقل قط . وكيف يرضى العاقل أن يبيع تسع أواقي فضة بأوقية نحاس . فإن كان مراد هذا القائل أن ذلك مخلص عن الربا سواء رضي كل واحد من المتبايعين بالبدل أم لم يرض فهذا جهل لا علم ومن ذلك أن الغش في كل واحد من البدلين يكون جريرة مسوغة للصرف . وهذا يرده حديث القلادة فإنه قد انضم إلى الفضة غيرها ولم يجعل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذلك مسوغاً للبيع بل أمر بالفصل والتمييز بين الفضتين . وقد ذكروا غير هذه الأمور مما هو من السقوط بمكان لا يخفى على من له أدنى فطنة . فإن قلت فهل من مخلص من هذه الورطة التي وقع الناس فيها ؟ قلت : نعم . ثم مخلص أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما قاله لمن اشترى تمراً جيداً بتمر رديء أحد التمرين جمع والآخر جنيب وأخبره أنه اشترى الصاع الجيد بصاعين من الرديء فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن ذلك ربا فسأله رسول الله كيف يصنع فقال : أنه يبيع التمر الرديء بالدراهم ثم يشتري بها التمر الجيد فهذه وسيلة شرعية ومعاملة نبوية فمن أراد أن يصرف الدراهم المغشوشة بالقروش الفرنجية فليشتر صاحب الدراهم مثلاً بمقدار صرف القرش سلعة من صاحب القرش ثم يبيعها منه بالقرش ولا مخلص من ذلك إلا هذه الصورة . ومن ظن أن ثم مخلصاً في غيرها فهو مخادع بنفسه بما هو صريح الربا المتوعية عليه بحرب من الله ورسوله وعلى الضارب لتلك الدراهم المغشوشة نصيبه من الإثم لأنه حمل الناس على الربا وألجأهم إلى الدخول فيه وسن لهم هذه السنة الملعونة لقصد الحطام وأكل أموال الناس بالباطل . ولو كان ممتثلاً لما أمر الله به من الرفق بالرعية والعدل في القضية لكان له بضرب الفضة الخالصة عن الغش مندوحة وأقل أحوال المسلم أن يكون في رعاية مصالح الرعية كالفرنج فيجعل ضربته كضربتهم حتى يرتفع الربا في المصارفة انتهى .
- - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
((مقدمة هامة )) ... 2
خطورة منصب الفتوى ... 3
تمهيد ... 21
أولا تعريف الربا لغة ... 21
ثانيا- أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي ... 32
معالم النظام الاقتصادي في الإسلام ... 32
المبحث الأول ـ الاقتصاد الإسلامي ومعالمه الكبرى : ... 32
أولاً ـ لمحة عابرة عن خصائص النظامين الاشتراكي والرأسمالي : ... 34
ثالثاً ـ مبدأ الحرية الاقتصادية : ... 47
رابعاً - قيمة العمل ودوره في الحياة الاقتصادية وأثره على أثمان الأشياء : ... 48
خامساً ـ مبدأ تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للأفراد : ... 52
4 - تحقيق التوازن الاقتصادي : ... 60
سادساً ـ أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام : ... 61
سابعاً ـ موقف الإسلام من تعارض مصلحتي الفرد والجماعة : ... 66
الاقتصاد الإسلامي ... 70
خصائص ومقومات : الاقتصاد الإسلامي ... 78
خصائص ومقومات الاقتصاد الإسلامي ... 82
نظرة الإسلام للمال ... 93
مزية الاقتصاد الإسلامي ... 97
تربية ... 99(1/202)
نجاح الاقتصاد الإسلامي .. رسالة إلى دعاة الليبرالية ! ... 100
الاقتصاد الإسلامي وعولمة الاقتصاد ... 103
دور الدولة في الاقتصاد الإسلامي ... 109
دراسة حديثة عن الاقتصاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ... 118
سمعة تجارية طيبة ... 121
خصائص الاقتصاد الإسلامي ... 122
أسباب الغنى الشامل ... 124
تعاون اقتصادي وإنساني ... 128
مجتمع السواسية ... 133
خصائص الاقتصاد الإسلامي ... 135
خصائص الاقتصاد الإسلامي ... 183
الباب الأول ... 189
النهي عن الربا في القرآن الكريم ... 189
مثل الذين يأكلون الربا ... 189
النهي عن أكل الربا أضعافا مضاعفة ... 427
استحلال اليهود أكل الربا ... 450
الربا لا يربو عند الله ... 467
الباب الثاني ... 479
النهي عن الربا في السنة النبوية ... 479
وفي الزواجر : ( الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالسَّبْعُونَ وَالثَّمَانُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالثَّمَانُونَ , وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : أَكْلُ الرِّبَا وَإِطْعَامُهُ وَكِتَابَتُهُ وَشَهَادَتُهُ وَالسَّعْيُ فِيهِ وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ ) ... 544
الباب الثالث ... 562
أحكام الربا في السنة النبوية ... 562
وفي سبل السلام : بَابُ الرِّبَا ... 639
وفي نيل الأوطار :أبواب الربا ... 644
الباب الرابع ... 660
الخلاصة في أحكام الربا عند الفقهاء ... 660
أولا- في الموسوعة الفقهية : ... 660
رِبًا التَّعْرِيفُ : ... 660
حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا : ... 665
أَقْسَامُ الرِّبَا : ... 668
رِبَا النَّسِيئَةِ : ... 669
أَثَرُ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ : ... 671
الْخِلَافُ فِي رِبَا الْفَضْلِ : ... 673
الْأَجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا : ... 675
مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا : ... 682
مِنْ مَسَائِلِ الرِّبَا : ... 687
بَيْعُ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الرِّبَوِيَّةِ : ... 688
بَيْعُ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ , وَالْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ : ... 689
الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ : ... 690
. مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ : ... 691
ثانيا- جاء في كتاب الفقه الإسلامي : ... 692
الفصل الأول: تعريف الربا وحكمه: ... 692
المبحث الثاني: حكم الربا من حيث الوصف الشرعي القائم به: ... 693
الفصل الثاني: الأموال التي تجري فيها الربا، وعلة الربا: ... 694
المبحث الثاني: علة الربا: ... 697
المبحث الأول: أنواع الربا: ... 701
المبحث الثاني: شرائط جريان الربا: ... 704
ثالثا- قال الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى : ... 707
1480 - مَسْأَلَةٌ : وَالرِّبَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ , وَالسَّلَمِ إِلاَّ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ : فِي التَّمْرِ , وَالْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالْمِلْحِ , وَالذَّهَبِ , وَالْفِضَّةِ وَهُوَ فِي الْقَرْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , فَلاَ يَحِلُّ إقْرَاضُ شَيْءٍ لِيُرَدَّ إلَيْك أَقَلَّ ، وَلاَ أَكْثَرَ , وَلاَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ أَصْلاً , لَكِنْ مِثْلُ مَا أَقْرَضْت فِي نَوْعِهِ وَمِقْدَارِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْقَرْضِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى ، عَنْ إعَادَتِهِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ , وَبَيْنَ الْقَرْضِ , هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَمَ : يَكُونَانِ فِي نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ , وَفِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ , وَلاَ يَكُونُ الْقَرْضُ إِلاَّ فِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ... 707
1483 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ قَمْحٌ بِقَمْحٍ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ , عَيْنًا بِعَيْنٍ . ... 745
وَجَائِزٌ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ , سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ , أَوْ بِالْحُلِيِّ , أَوْ بِالنِّقَارِ ... 746
1486 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ بَيْعُ الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ , وَالْمِلْحِ بِالذَّهَبِ , أَوْ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَجَائِزٌ تَسْلِيمُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِالأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا ; لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ... 748
رابعا- جاء في كتاب الروضة الندية باب الربا : ... 783(1/203)
المفصل في أحكام الربا (2)
الباب الخامس
فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا وأحكامه
(1)
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الخامس
فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا وأحكامه
وفي فتاوى الزحيلي
بطاقات الائتمان
الدورة الخامسة عشرة
6-11/3/2004م
مسقط (سلطنة عُمان)
إعداد
الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
رئيس قسم الفقه المقارن كلية الشريعة - جامعة دمشق
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فإن بطاقة الائتمان أصبحت في الغالب في عصرنا الحاضر في بلاد الغرب والشرق، وبنسبة محدودة في البلاد العربية والإسلامية هي أداة الوفاء المستعملة للالتزامات النقدية في البيوع والأشربة والقروض وتقديم الخدمات كسداد الفواتير والرسوم والضرائب والحصول على الحاجات من البضائع والسلع، وذلك بدلاً من حمل النقود المحلية أو صرفها بعملات أجنبية، أو الوفاء بالشيكات ونحوها، وتفادياً لأشكال وأنواع النصب والاحتيال والسرقات والغصب والنهب ونحوها، وربما في المستقبل القريب تحل بطاقات الائتمان محل النقود، وهو تطور اقتصادي واجتماعي ملموس، واتجاه سريع نحو هذه الغاية بما يتم من الاعتماد على هذه البطاقات حالياً.
وهذا ما يسمى بالوظيفة الائتمانية للمصارف، التي تتمثل في القرض وفتح الاعتمادات والسحب على المكشوف بفائدة ربوية، وهي الوظيفة الثالثة للمصارف بعد الوظيفة النقدية (قبول الودائع من المسكوكات والعملات) ثم الوظيفة الاستثمارية (استثمار أموال المصرف الخاصة والودائع الاستثمارية في التجارة وغيها وعمليات التسليف والإقراض).
وإذا كانت هذه الظاهرة شائعة في بلدان النظام الرأسمالي القائم على نظام الفائدة البنكية المحرمة في الإسلام، فكيف يمكن إصدار بطاقات ائتمان إسلامية كما تفعل بعض المؤسسات المصرفية الإسلامية الحالية دون تورط بالوقوع في الحرام وتجنب نظام الفائدة الربوية؟ حتى يطمئن المسلم إلى سلامة تعامله من غير اقتراف للحرام.
ويمكن ذلك بعد بحث الموضوع من خلال ما يأتي:
ـ تعريف الائتمان وبطاقة الائتمان وأهميتها العامة والخاصة ومحاذيرها.
ـ أنواع بطاقات الائتمان وحكم كل نوع.
ـ التكييف الشرعي لبطاقة الائتمان في صورتها الأصلية والعلاقات بين أطرافها.
ـ البدائل الشرعية لبطاقة الائتمان.
ـ الحكم الشرعي لبعض البطاقات المعاصرة المصدَّرة من بعض البنوك الإسلامية.
تعريف الائتمان وبطاقة الائتمان
أصل معنى الائتمان في الاقتصاد: القدرة على الإقراض، واصطلاحاً: هو لتزام جهة لجهة أخرى بالإقاض أو المداينة، ويراد به في الاقتصاد الحديث: أن يقوم الدائن بمنح المدين بمنح المدين مهلة من الوقت، يلتزم المدين عند انتهائها بدفع قيمة الدين(1)، فهو صيغة تمويلية استثمارية تعتمدها المصارف بأنواعها.
والأدق في تبيان معنى الائتمان أو الاعتماد Credit:
هو عملية مبادلة شيء ذي قيمة أو كمية من النقود في الحاضر، مقابل وعد بالدفع في المستقبل.
وينظر إليه من ناحيتين(2):
الأولى - من ناحية المهلة التي يمنحها البائع للمشتري، لكي يدفع ثمن السلعة التي تسلَّمها، وفيها يزيد السعر، لأن الثمن مؤجل. وهذا يسمى ((الائتمان التجاري)).
الناحية الثانية - هو العملية التي بموجبها يقرض شخص غيره مبلغاً متأملاً إعادته في المستقبل مضافاً إليه الفائدة المترتبة عليه.
وللائتمان أشكال مختلفة:
- الائتمان قصير الأجل (أقل من ثمانية عشر شهراً).
-الائتمان متوسط الأجل (وهو الذي يصل إلى خمس سنوات).
- الائتمان طويل الأجل (ويكون أكثر من خمس سنوات).
والبطاقات هي في الواقع القائم بطاقات الإقراض.
فإن كان السحب المباشر من الرصيد لا يوصف بالإقراض، فتسمى بطاقات الدفع أو بطاقات المعاملات المالية(3) .
وبطاقة الائتمان Credit card عند الاقتصاديين: هي بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله، تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة، عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مُصْدِر البطاقة، فيسدِّد قيمتها له، ويقدم المصرف للعميل كشفاً شهرياً بإجمالي القيمة لتسديدها أو لحسمها (لخصمها) من حسابه الجاري لطرفه(1).
وبعبارة أخرى: هي مستند من ورق سميك مسطح أو بلاستيكي، يصدره البنك أو غيره لحامله، وعليه بعض البيانات الخاصة بحامله. والجهة المصدرة للبطاقة: هي مصرف أو مؤسسة مالية تقوم بإصدار البطاقة بناء على ترخيص معتمد من المنظمة العالمية لهذه البطاقات.
وعرفها مجمع الفقه الإسلامي الدولي بأنها: مستند يعطيه مُصدره لشخص طبيعي أو اعتباري، بناء على عقد بينهما، يمكّنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً، لتضمنه التزام المصدِر بالدفع.
ومن أنواع هذا المستند: ما يمكِّن من سحب نقود من المصارف.
ولبطاقات الائتمان صور:
- منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف، وليس من حساب المصدِر، فتكون بذلك مغطاة.
- ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدِر، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية.
- ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة، ومنها ما لا يفرض فوائد.
- وأكثرها يفرض رسماً سنوياً على حاملها، منها ما لا يفرض فيه المصدِر رسماً.
أهميتها:
حققت بطاقة الائتمان نجاحاً ملموساً من نواح متعددة سلبية وإيجابية. فقد حققت فعلاً الأمان لحامليها من السطو وسرقة النقود أو ضياعها، أو حملها، لاكتفائهم بحملها وهي صغيرة لا تتجاوز 5/9 سم2، ممغنطة تحمل رقماً رمزياً.
وضمنت لأصحاب الحقوق أداء حقوقهم بعد التثبت بواسطة جهاز الكتروني (كمبيوتر) من ملاءة صاحب البطاقة، واستطلاع الجهاز المعلوماتي الخاص بالمصدر عن مقدار المبلغ المالي المودع في حسابه.
وصارت هي الأداة المفضلة على النقود ذاتها في التجارة والمطاعم والفنادق وغيرها.
وكانت سبباً لزيادة المبيعات في المحلات التجارية، وحققت أرباحاً ملموسة ومجدية ونشطة لمصدري البطاقة.
كل ذلك بسبب آليتها السريعة في العمل وضمان وفاء الحقوق، حيث ينظِّم التاجر فاتورة يدوِّن عليها أهم بيانات البطاقة، ويختمها بتوقيع العميل، ثم يرسلها إلى الجهة الْمُصْدِرة التي تتولى دفع القيمة المدونة فيها، إما من حساب العميل، أو تحسب ديناً عليه بضمان حسابه لدى الجهة المصدرة.
ويتولى إصدار البطاقات العالمية جهتان رئيستان وهما: ((أمريكان إكسبريس) و((فيزا)) العالميتان، ويطلق على المصدِر اسم: راعي البطاقة(1) .
محاذيرها:
ليس لبطاقات الائتمان غالباً في مجال التعامل الاقتصادي أية محاذير، عند من يتعامل بالفوائد البنكية لاستعداده لسداد هذه الفوائد إذا تأخر عن تغطية رصيده في البنك الذي يودع فيه حسابه.
وإنما المحذور واضح بالنسبة للمسلم الملتزم بأصول دينه، حيث يكتسب الإثم الكبير أو المعصية إذا تعامل بالربا أو بالفوائد المصرفية، كما كان عليه عرب الجاهلية: ((أتقضي أم تربي؟)).(2/1)
والاتفاق الذي يوقعه حامل البطاقة ومُصْدِرها فاسد، لوجود الشرط الفاسد، وهو استعداده لدفع الفائدة إذا تأخر عن الدفع في الوقت المحدد، ومن عقد عقداً فاسداً، كان آثماً بالعقد ذاته، سواء دفع حامل البطاقة الفائدة أو لم يدفعها، لأن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية عند الجمهور يفسدها، وقرر الحنابلة أن الشرط الفاسد المنافي لمقتضى العقد لا يفسد العقد، كاشتراط ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع المبيع أو لا يهبه لغيره، وإنما يبطل الشرط وحده العقد صحيح، لقوله (ص): ((من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط))(1) . ويؤيد هذا الاتجاه ما أخذت به بعض لجان الفتاوى في المصارف الإسلامية، وهو أن حامل البطاقة إذا اتخذ من الاحتياطات ما يكفل عدم تطبيق الشرط المحرم عليه وهو دفع الفائدة، لا بأس عليه في الاستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها، على الرغم من هذا الشرط، لأنه في معرض الإلغاء شرعاً، بدليل قول النبي (ص) في الصحيحين لعائشة رضي الله عنها في شأن بريرة رضي الله عنها: ((خذيها واشارطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) وفي رواية: ((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)) والمراد أنه لا قيمة لهذا الشرط المخالف للحق والشرع، ويظل الولاء للمعتق(2) .
أنواع بطاقات الائتمان وحكم كل نوع:
يتمكن أصحاب بطاقات الائتمان من السحب من أرصدتهم نقداً بنحو سريع (الصراف الآلي)، أو من الحصول على قرض، أو دفع أثمان المشتريات ومقابل الخدمات بمجرد إبراز البطاقة، وتوقيع صاحبها على الفاتورة، واستكشاف وفرة حسابه في البنك، وتضمن مؤسسة الإصدار استيفاء المدفوعات الآجلة عن طريق الاقتطاع الشهري أو السنوي حسب الاتفاق، وتمنح بعض المؤسسات لعملائها بعض الميزات التجارية كنسبة حسم (خصم) في بعض المحلات التجارية أو ضمان السلعة المشتراة.
وهي ثلاثة أنواع: بطاقة الحسم الفوري، وبطاقة الائتمان والحسم الآجل، وبطاقة الائتمان المتجدد.
ويمكن معرفة حكم كل نوع من هذه الأنواع فيما يأتي(3) :
النوع الأول - بطاقة الحسم الفوري (أو بطاقة السحب المباشر الرصيد) Debit Card
هي التي يكون لحاملها رصيد بالبنك، فيسحب مئة مباشرة قيمة مشترياته وأجور الخدمات المقدمة له، بناء على السندات الموقعة منه.
يدل هذا التعريف على أن هذه البطاقة تعطى لمن له رصيد دائن في حسابه، يدفع منه أثمان السلع ومقابل الخدمات في حدود رصيده الموجود، ويتم الحسم منه فوراً، ولا يحصل على ائتمان (إقراض).
وتمنح غالباً مجاناً، فلا يتحمل العميل في الغالب رسوماً لهذه البطاقة إلا إذا سحب نقوداً، أو اشترى عملة أخرى، عن طريق مؤسسة أخرى غير المؤسسة المصدرة للبطاقة، فتصدر هذه البطاقة برسم أو من غير رسم إلا في حال سحب العميل نقوداً أو شرائه عملة أخرى عن طريق مؤسسة أخرى غير المؤسسة المصدرة للبطاقة.
وتستخدم عالباً محلياً داخل الدولة أو مناطق فروع البنك المتصلة بجهاز حاسب آلي، يتبين فيه حساب العميل ورصيده.
وتتقاضى بعض المؤسسات من قابل البطاقة نسبة من أثمان المشتريات أو الخدمات(1). ويشترط لجواز إصدار بطاقة الحسم الفوري شرطان:
1ً - أن يسحب حاملها من رصيده أو وديعته.
2ً - ألا يترتب على التعامل بها فائدة ربوية.
وفائدة هذه البطاقة: هي تمكين صاحبها من الحصول على النقود، والسلع، والخدمات وغير ذلك بيسر وسهولة، دون تعرض لمخاطر حمل النقود أو السفر بها، ولكن ليس له الاستدانة بها لتحقيق مصالحه.
وقد تشمل هذا البطاقة على اتفاقية إقراض، وحينئذ تعد من أدوات الإقراض، خلافاً لقانون تنظيمها.
وحكمها الشرعي: الجواز أو الإباحة، مادام حاملها يسحب من رصيده أو وديعته، ولا يترتب عليه أي فائدة ربوية، لأنه استيفاء من ماله، ويجوز له أيضاً أن يسحب من المصرف أكثر من رصيده إذا سمح له المصرف بذلك، ولم يشترط عليه فوائد ربوية، لأنه قرض مشروع من المصرف، ويجوز للمصرف أن يتقاضى من قابل البطاقة نسبة معينة من أثمان المبيعات.
وكل ذلك لا يترتب عليه محظور شرعي، والأصل في المعاملات الإباحة.
والفرق بينها وبين بطاقة الائتمان المتجدد (أو الإقراض) الربوية: أنه لا علاقة للبنك بالنسبة للدَّيْن، بل يحوَّل مباشرة من حامل البطاقة ليحسم من رصيده، إلى حساب التاجر دون أي إجراء آخر، أما بطاقة الإقراض فيلزم البنك بدفع المبالغ الموضحة بالسندات، المقدمة له من التاجر العميل بزيادة متفق عليها، وهي غير مشروعة.
وفي الجملة: يجوز إصدار بطاق الحسم الشهري بالشروط السابقة، لأنها لا تتضمن محظوراً شرعياً، ولا يمح عقدها بتسهيلات ائتمانية لحاملها يترتب عليها فوائد ربوية.
وتكييفها بالنسبة للبنك المصدر وعلاقته بالتاجر: أنها حوالة، والحوالة مشروعة في الإسلام بالإجماع، فهي حوالة من حامل البطاقة على البنك المودع فيه حساب العميل، فيقوم البنك بتحويل المبلغ إلى التاجر المحال، وقبول الحوالة من البنك المحال عليه واجب في رأي داود الظاهري وأحمد بن حنبل(1) .
النوع الثاني - بطاقة الائتمان والحسم الآجل (أو بطاقة الإقراض المؤقت من غير زيادة ربوية ابتداء(2) ). CHARG CARD
وهي التي يمنح فيها البنك المصدِر حامل البطاقة قرضاً في حدود معينة، بحسب درجة البطاقة: فضية أو ذهبية، ولزمن معين، يجب تسديده كاملاً في وقت محدد متفق عليه عند الإصدار، يترتب على حاملها لدى تأخير السداد زيادة مالية ربوية. وهي الصورة الأصلية لبطاقة الائتمان.
فهي لا تشتمل على تسهيلات، أي لا يقسط المبلغ المستحق، وإنما هي طريقة ميسرة للحصول على قرض مفتوح ضمن حد أقصى، يسدد كل شهر، أي إنها أداة ائتمان في حدود سقف معين لفترة محددة، وهي أيضاً أدا وفاء.
وخصائصها ما يأتي(3) :
أ - تستعمل في تسديد أثمان السلع والخدمات والسحب النقدي في حدود مبلغ معين، ولفترة محدودة، دون تقسيط.
ب - ليس فيها تسهيلات ائتمانية متجددة لحاملها، وإنما عليه تسديد أثمان مشترياته ومقابل خدماته من بعض التجار المقبولين لدى جهة الإصدار، في فترة محددة بمجرد تسليمه الكشوف المرسلة إليه، أو خلال ميعاد قصير بحسب نوع البطاقة من مؤسسة إصدار البطاقة، فهي أداة إقراض وأداة وفاء معاً، كما تقدم.
ج - لا تفرض على حامل هذه البطاقة زيادة ربوية في الفترة المسموح بها، وإنما إذا تأخر حاملها عن السداد في الفترة المحددة، فتترتب عليه فوائد ربوية. وهذا في البنوك التجارية التقليدية، أما في المصارف الإسلامية فلا تترتب عليه فوائد ربوية.
والحاصل فعلاً: أن يتمتع حامل هذه البطاقة بأجل فعلي في الوفاء بثمن السلع ومقابل الخدمات، ولذا سميت: بطاقة الوفاء المؤجل.
د - لا يدفع حامل البطاقة لمؤسسة الإصدار أي زيادة على أثمان المشتريات والخدمات، وإنما تحصل المؤسسة على عمولة من قابل البطاقة (التاجر) على مبيعاته أو خدماته، أي لا يؤخذ شيء من حامل البطاقة.
هـ - تسدِّد المؤسسة في حدود سقف الائتمان لقابل أثمان السلع والخدمات.
و - لمؤسسة إصدار البطاقة حق شخصي ومباشر على حامل البطاقة في حدود استرداد ما دفعته عنه، أي إنها بصفة كفيل، والكفيل يرجع على المكفول له بما أدى عنه.
ز - يدفع العميل رسوم اشتراك مرة واحدة، ورسوم تجديد سنوية، وقد لا يدفع.
الفرق بين بطاقة الائتمان والحسم الآجل وبين بطاقة الائتمان المتجدد:
تختلف الأولى عن الثانية في نواح أهمها ثلاث:(2/2)
1 - تتقاضى البنوك رسوماً على إصدار هذه البطاقة وعلى التجديد، ولا تتقاضى عادة رسوماً سنوية ولا رسوماً على التجديد لبطاقة الائتمان المتجدد.
2 - عملاء البطاقة الأولى يطالبون بدفع ما عليهم كاملاً في نهاية الشهر، أما عملاء بطاقة الائتمان المتجدد، فيقدم لهم قرض بنكي، ولحامل البطاقة حق الاختيار في طريقة الدفع.
3 - في البطاقة الأولى يوجد حد أعلى للمديونية، ويلزم حاملها بالدفع في نهاية الشهر، أو في ميعاد قصير، أما في بطاقة الائتمان المتجدد فلا يوجد حد أعلى للمديونية، ويسمح لحاملها تأجيل السداد خلال فترة محددة، مع ترتيب فوائد عليه.
الحكم الشرعي لبطاقة الحسم الآجل:
حكمها على هذا النحو أنها محظورة شرعاً، لوجود التعامل الربوي فيها.
ولكن يجوز إصدار هذه البطاقة شرعاً بالشروط الآتية:
1ً - ألا يشترط على حاملها فائدة ربوية، إذا تأخر عن سداد المبلغ المستحق عليه.
2ً - ألا يتعامل بها فيما حرمته الشريعة، وإلا سحبت منه البطاقة.
3ً - في حال إيداع حامل البطاقة مبلغاً نقدياً بصفة ضمان، يجب النص على أن المؤسسة تستثمره لصالحه بطريق المضاربة، مع قسمة الربح بينه وبين المؤسسة بحسب النسبة المحددة.
النوع الثالث - بطاقة الائتمان المتجدد:
أو بطاقة الإقراض الربوي والتسديد على أقساط CREDIT CARD وهي التي تمنحها البنوك المصدرة لها لعملائها، على أن يكون لهم حق الشراء والسحب نقداً في حدود مبلغ معين، ولهم تسهيلات في دفع قرض مؤجل على أقساط وفي صيغة قرض ممتد متجدد على فترات، بفائدة محددة هي الزيادة الربوية. وهي أكثر البطاقات انتشاراً في العالم، وأشهرها: فيزا، وماستركارد.
ولها ثلاثة أنواع:
1ً - بطاقة فضية أو عادية: وهي التي لا يتجاوز فيها القرض الممنوح لحاملها حداً أعلى، كعشرة آلاف دولار مثلاً.
2ً - بطاقة ذهبية أو ممتازة: وهي التي يتجاوز فيها القرض لحاملها الحد السابق، وقد لا يحدد فيها مبلغ معين، مثل بطاقة أمريكان إكسبريس، التي تمنح للأثرياء، مع دفع رسوم باهظة.
3ً - البطاقة البلاتينية: وهي ذات مواصفات ومزايا إضافية بحسب كفاءة العميل المالية ومدى ثقة المصرف به. وبطاقة الائتمان المتجدد تشتمل على إقراض عادي، وإقراض كبير، وتأمين ضد الحوادث، وتعويض مجانب عن فقدانها، وتخفيضات في الفنادق، واستئجار السيارات، وتقديم شيكات سياحية من دون عمولة.
وأمثلتها: الفيزا، والماستركارد، والدانيركارد، والأمريكان إكسبريس، وهي الأكثر رواجاً في عصرنا.
وخصائصها ما يأتي:
أ - هي أداة حقيقية للإقراض في حدود سقف معين متجدد على فترات، يحددها مصدر البطاقة، وهي أداة وفاء.
ب - يسدد حاملها أثمان السلع والخدمات، والسحب نقداً في حدود سقف الائتمان (الإقراض) الممنوح، وإذا لم يكن لها سقف، فهي مفتوحة مطلقاً.
ج - يمنح حاملها فترة سماح من دون فوائد لتسديد المستحقات عليه، كما يمنح له فترة محددة يؤجل فيها السداد، مع فرض فوائد عليه، إلا أنه في حالة السحب النقدي لا يمنح حاملها فترة سماح، أي إن وفاء أو تسديد القروض لا يكون فوراً، بل في خلال فترة متفق عليها، وعلى دفعات.
د - قد تمنح هذه البطاقة لمن ليس له رصيد في البنك، أو دون اعتبار لمدخولاتهم المالية.
هـ - قد لا تفرض على إصدارها رسوم سنوية، كما في بريطانيا، و تؤخذ رسوم اسمية متدنية كما في أمريك، وتعتمد البنوك في إيراداتها على الرسوم المأخوذة من التجار.
حكمها الشرعي:
يحرم التعامل بهذه البطاقة؛ لأنها تشتمل على عقد إقراض ربوي، يسدده حاملها على أقساط مؤجلة، بفوائد ربوية.
الأحكام العامة للبطاقات:
لأنواع البطاقات أحكام عامة هي ما يأتي(1):
1ً - الانضمام للمنظمات راعبة البطاقات:
لا مانع شرعاً من انضمام البنوك الإسلامية إلى عضوية المنظمات العالمية الراعية للبطاقات(2)، بشرط اجتناب المخالفات الشرعية إن وجدت أو شرطتها تلك المنظمات.
وحينئذ يجوز لهذه المؤسسة دفع رسوم اشتراك وإصدار وتجديد خدمات بمنح الترخيص وإجراء عمليات المقاصة وغيرها لتلك المنظمات، على أن تجتنب أي فائدة ربوية، مباشرة أو غير مباشرة، كأن تتضمن الأجرة مقابل الائتمان (الإقراض). وأن يكون تعامل المصارف الإسلامية مقصوراً على بطاقة الحسم الفوري، وبطاقة الائتمان والحسم الآجل الخالية من اشتراط الفائدة، لا بطاق الائتمان المتجدد.
وتكييف هذه العملية فقهاً: أن هذه الرسوم هي مجرد أجرة يأخذها المصرف مقابل منفعة الخدمة والتسهيلات التي يقدمها، والإجارة التي هي تمليك منفعة بعوض مشروعة.
2ً - العمولة والرسوم:
للمصرف الإسلامي مُصْدِر البطاقة أخذ العمولة من قابل البطاقة بنسبة من أثمان السلع والخدمات، لأنها من قبيل أجر السمسرة والتسويق وأجر خدمة تحصيل الدين.
وللمصرف المذكور أيضاً أخض رسم عضوية ورسم تجديد، ورسم استبدال من حامل البطاقة، لأن هذه الرسوم هي مقابل السماح للعميل بجملها والاستفادة من خدماتها.
3ً - رسم السحب النقدي بالبطاقة:
أ - لحامل البطاقة أن يسحب بالصراف الآلي وغيره مبلغاً نقدياً من رصيده وفي حدود رصيده أو أكثر منه بموافقة المصرف الإسلامي المصدر للبطاقة من غير فوائد ربوية.
ب - وللمصرف الإسلامي المصدر للبطاقة أن يفرض رسماً مقطوعاً متناسباً مع خدمة السحب النقدي، من غير ارتباط بمقدار المبلغ السحوب أو بنسبة منه ثابتة.
وهذه الرسوم مشروعة؛ لأن الأجرة مقطوعة، لا ترتبط بنسبة المبلغ المسحوب، التي ينطبق عليها حكم الفائدة البنكية المحظورة شرعاً.
جـ - إذا اشترط المصرف إيداع حامل البطاقة رصيداً للسماح له باستخدامها، فليس للمصرف منع صاحب البطاقة من استثمار المبالغ المودعة في حسابه، لأنه أودعه على أساس ((المضاربة)) الشرعية.
4ً - المميزات الممنوحة من الجهة مصدرة البطاقة:
أ - يجوز منح حامل البطاقة مميزات مسموحاً بها شرعاً، كالأولوية في الحصول على الخدمات، أو تخفيض الأسعار لدى الفنادق والمطاعم وشركات الطيران ونحو ذلك.
ب - ولا يجوز إعطاء امتيازات لحامل البطاقة تحرمها الشريعة الإسلامية، كالتأمين التجاري على الحياة، أو دخول الأماكن المحظورة شرعاً، كالخمارات والمراقص ودور اللهو الماجنة، وبلاجات البحر المختلطة، أو تقديم الهدايا المحرمة ونحو ذلك من روافد القمار واليانصيب.
5ً - شراء الذهب أو الفضة أو النقود الورقية بالبطاقات:
يجوز شرعاً شراء الذهب أو الفضة أو النقود (تبادل العملات المختلفة الجنس والنوع) ببطاقة الحسم الفوري، لأن الشراء بها فيه تقابض حكمي معتبر شرعاً، بالتوقيع على قسيمة الدفع لحساب الجهة القابلة للبطاقة، ويجوز أيضاً ببطاقة الائتمان والحسم الآجل إذا دفع المصرف الإسلامي المبلغ إلى قابل البطاقة من دون أجل، على أنه وكيل للمشتري.
التكييف الشرعي لعلاقات أطراف التعاقد على البطاقات:
تنحصر العلاقة بين أطراف التعاقد على البطاقات في ثلاثة أنواع، لوجود ثلاثة أطراف: وهي:
1 - العلاقة بين مصدر البطاقة وحامل البطاقة.
2 - العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر.
3 - العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر.
علماً بأن العلاقة بين كل طرف وآخر علاقة ثنائية مستقلة، وقد تكون العلاقة ثلاثية: مُصْدِر البطاقة، وحامل البطاقة، والتاجر (قابل البطاقة أو العميل) والعقود حينئذ ثلاثة عقود منفصلة لدى استعمال البطاقة.
1 - العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها:(2/3)
هي علاقة إقراض، يتمكن بها حامل لبطاقة من سحب المبلغ بالقدر المحدد له بالاتفاقية بشرط ألا يدفع في مقابل القرض فائدة ربوية، لأن كل قرض شرط فيه زيادة، فهو حرام. أما رسم الاصدار فلا مانع منه كما تقدم، لأنه مقابل التكلفة وخدمات المواطنين.
ولمصدر البطاقة الحق في إنهاء أو فسخ العقد في أي وقت شاء، فيعود له حق ملكية البطاقة وإعادتها إليه في أي وقت يريد، وهذا موافق لأحكام الشرعية، حيث يجوز للمقرض المطالبة ببدل القرض في الحال أو في المستقبل، وهو فسخ القرض.
وعلى حامل البطاقة تسديد القدر المتفق عليه من القرض مع مصدر البطاقة في الوقت المحدد، وهذا واجب عليه شرعاً في رد بدل القرض.
ويحيل حامل البطاقة التاجر على مصدرها، لسداد ثمن السلعة أو الخدمة، وتبرأ ذمة المحيل من الدين شرعاً، ويلتزم عليه بالدين كله.
وهذا يعني أن تكييف بطاقة الائتمان بين حامل البطاقة ومصدرها هي في جانب حاملها علاقة حوالة مطلقة، وهي: أن يحيل شخص غيره بالدين على فلان، ولا يقيده بالدين الذي عليه، ويقبل المحال عليه أداء الحوالة. وهي جائزة عندالحنفية(1) خلافاً لغيرهم، ويتفق الإمامية والزيدية على الراجح عندهم مع الحنفية.
وهذه الحوالة داخلة في عموم الحديث النبوي: (من أحيل على مليء فليتبع)(2) وفي رواية أحمد وابن أبي شيبة: (ومن أحيل على مليء فليحتل).
ولا فرق في مشروعية هذه الحوالة بين أن تكون على شخص واحد أو على مؤسسة أو جهة ترضى بوفاء الدين.
والواقع أن هذه العلاقة في أصلها عند مصدري البطاقة هي علاقة كفالة، أي إن مصدر البطاقة كفيل بالمال لحاملها تجاه الدائنين من التجار وغيرهم، والعلاقة بينهما علاقة ضمان.
وهذا ما جنح إليه بعضهم، وهي عقب الإصدار - قبل نشوء الدين المضمون - تعد ضماناً لما لم يجب، وهو جائز شرعاً عند الجمهور غير الشافعية(3).
وهو اتجاه صحيح في منطق النظام الرأسمالي أو الاتجاه القانوني، لكنه شرعاً اتجاه وإن بدا في الظاهر مقبولاً، إلا أن ما يعقبه في الواقع غير سديد في شريعتنا لأن الضمان أو الكفالة عقد تبرع محض، وليست المؤسسات المصدرة للضمان صندوقاً خيرياً، وإنما تبغي الربح أو الفائدة إما عن طريق الفائدة الربوية إذا لم يسدد حامل البطاقة التزاماته وتسديده المبلغ المستحق عليه في أجل معين، وإما من التاجر حيث تأخذ منه نسبة معينة من المال المستحق له، أي من أثمان السلع أو الخدمات، المعتبر من قبيل أجر السمسرة والتسويق، وأجر خدمة تحصيل الدين، كما تستوفي رسوماً قد تكون باهظة عند إصدار البطاقة أو التجديد السنوي، وكل هذا غريب عن منطق الكفالة أو الضمان في الشريعة الإسلامية، وإن كان سداد الفواتير من مصدر البطاقة هو أداء لدين ترتب عليه، كما يترتب ذلك على الكفيل الذي ضمن المدين.
وكذلك بالنسبة لحامل البطاقة لا يصلح توصيف هذه العلاقة بأنها وكالة على أجر، لأن حامل البطاقة لا يصدر منه هذا التوكيل بالمعنى المجرد للوكالة، ولا يدفع أجراً لمصدر البطاقة على وفاء الدين بالتوكيل، لكن معنى الوكالة واضح حينما يسدد المصرف عن وكيله المبلغ المطلوب إذا كان المبلغ مغطى من العميل ويفي بتسديد المبلغ المسحوب.
فترجح لدي أن العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها في الفقه الإسلامي هي بالنسبة لحاملها علاقة حوالة، والحوالة وإن كانت عقد تبرع أيضاً كالكفالة، لكنها تتضمن في حقيقتها علاقة دائنية ومديونية إما قديمة وهي الحوالة المقيدة، وهي تنطبق على حالة الدين المغطى، أو السحب من حساب حامل البطاقة، وإما ناشئة في حال الحوالة المطلقة، ولا تمنع هذه الحوالة عادة من وجود مكاسب أو تحقيق مصالح من ورائها، كأجور تحصيل الدين، على عكس الكفالة التي هي تبرع محض وعقد إرفاق وتعاون، وتنبني في الأصل على دوافع المروءة والشهامة، ولا يؤخذ على التبرعات مقابل.
2- العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر
هذه علاقة تجارية محضة، قائمة على أساس الوكالة بأجر، حيث يعدّ البنك المصدر للبطاقة وكيلاً للتاجر في قبض استحقاقات قيمة المبيعات من حاملي البطاقات وضمها إلى حسابه، كما أنه وكيل عنه في السحب من رصيده، فيما هو مستحق عليه من بضاعة مرتجعة، وهذا هو الواضح من العلاقة.
وقد أجاز الفقهاء بالاتفاق الوكالة بأجر وبغير أجر، والوكالة بأجر لها حكم الإجارات، وبغير أجر هي معروف من الوكيل(1).
ويستحق مصدر البطاقة عمولة يأخذها من التاجر مقابل إرسال العملاء للشراء، وترويج السلعة وتسويقها، وتحقيق الشهرة للمحل التجاري أو الفندق ونحوها، وتحصيل لقيمة البضائع، وكل تلك الأعمال تتطلب تكاليف إدارية ومكتبية.
وهذه العمولة التي يشترطها البنك المُصْدِر للبطاقة على التاجر: هي حسم (خصم) من قيمة المبيعات، وليست زيادة، فلا ربا فيها، كما أنها ليست من قبيل ((ضع وتعجل)) أي إسقاط شيء من الدين بسبب تعجيل التسديد، لأن تسديد البنك الضامن المصدر للبطاقة فوري، لدى تسليم سندات البيع الصحيحة(1).
وإذا كانت العلاقة قائمة على أساس الوكالة، وليس على أساس اتفاقية القرض أو الدائنية والمديونية، فهي علاقة مباحة شرعاً وقانوناً.
والقائل بأن العلاقة علاقة ضمان أو كفالة من مصدر البطاقة للتاجر، احتاج أن يسوغ ذلك على أساس الكفالة التي ينتقل فيها الدين إلى ذمة الكفيل عند بعض الفقهاء كالظاهرية، وليس للدائن مطالبة الأصيل، أي إن الكفالة بمعنى الحوالة، وهذا تحول للعقد في الواقع(2). وفي رأي مقارب لهذا أن البنك الذي يصدر البطاقة نيابة عن الشركة العالمية للبطاقات، يكفل عميله في أداء ما عليه مع حق الرجوع، وهذه الكفالة من قبيل التبرعات، فلا يؤخذ عليها مقابل(3).
3- العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر
هي علاقة بيع وشراء للسلع والبضائع وتقديم المواد الاستهلاكية في المطاعم، أو علاقة إجارة واستئجار في الفنادق، ويحيل حامل البطاقة التاجر على مُصْدِر البطاقة لاستيفاء الثمن أو الأجرة، ولا تكون محظورة شرعاً.
وإنما الحظر أو المنع في بطاقة الائتمان والحسم الآجل وبطاقة الائتمان المتجدد، بسبب وجود الربا أو اشتراط دفع الفائدة الربوية في القروض، أو بسبب ارتكاب المخالفات والمحظورات الشرعية.
وأما بطاقة السحب المباشر من الرصيد (أو الحسم الفوري، أو القيد المباشر على الحساب المصرفي) فليست معدودة في بطاقات الإقراض، ولا تطبق عليها أحكام القرض المقررة في الفقه الإسلامي، ومنها قاعدة: ((كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا)) إلا إذا سحب حامل هذه البطاقة من غير بنكه قرضاً ليستوفى من بنكه، ويسجل عليه عمولة على أنه قرض، فيعد حينئذ من باب الإقراض، وتسري عليه أحكام القرض حلاً وحرمة.
وحيث لا تعد العلاقة في هذه البطاقة علاقة إقراض، فلا تمنع الزيادة المضافة إلى قيمة الشراء، أو سحب عملات أجنبية من قبيل الزيادة الربوية، لأنه لا يوجد إقراض ممنوع، فلا توجد زيادة ربوية، وإنما يكون ذلك من قبيل التبرع أو القرض الحسن المحض، وتكون هذه البطاقة مباحة شرعاً.
السحب على المكشوف
السحب على المكشوف أو السحب غير المغطى: هو أن يسحب حامل البطاقة مبلغاً من المال من ودائع البنك دون أن يكون حساب العميل مغطى من قبله، حيث لا يوجد في حسابه ما يفي بتسديد المبلغ المسحوب، مع إضافة فائدة مصرفية بنسبة 15-18% حسب كفاءة العميل المالية.
وهذا ممنوع شرعاً، لأنه ربا حرام وتمويل بفائدة، يدخل تحت ما يسمى بربا النسيئة أو ربا الجاهلية، وهو حرام بالإجماع، لأنه زيادة لأجل الأجل(1).(2/4)
لكن يجوز لحامل البطاقة أن يسحب أكثر من رصيده في البنك إذا سمح له بذلك، ولم تشترط عليه فوائد ربوية على المبالغ المسحوبة، لأنه يعد قرضاً مشروعاً. ولا إشكال في إباحة السحب من الرصيد الذي يغطي المبلغ المسحوب وزيادة؛ لأنه استيفاء من ماله.
وليس للبنك أن يمنع العميل من استثمار المبالغ المودعة في حسابه، على أساس المضاربة المشروعة، فإن منعه من ذلك لم يجز، لأنه يعد من مشتملات قاعدة: ((كل قرض جر نفعاً فهو ربا)).
وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 108 (2/12) أي في الدورة الثانية عشرة بالرياض على ما ذكر، في أربع فقرات موجزها:
أولاً: لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة، ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية.
ثانياً: يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شرط زيادة ربوية على أصل الدين. ويتفرع على ذلك أمران:
أ- جواز أخذ مصدر البطاقة من العميل رسوماً مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة منه.
ب- جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر النقدي.
ثالثاً: السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعاً إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد منها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة.
وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة، لأنها من الربا المحرم شرعاً.
رابعاً: لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة.
ولا تعارض هذه الفقرة ما تقدم في البحث، لأن ما سبق تصريح بمفهوم هذه العبارة مع شيء من التوسع، لأن المهم حدوث الدفع الفوري من غير تأجيل، ولو من البنك، ولأن الشرط الشرعي للتعامل بالبطاقة في شراء الذهب أو الفضة أو العملات هو التقابض، وقد تحقق سواء بالأصالة أم بالوكالة.
البدائل الشرعية لبطاقة الائتمان CREDIT CARD
من الممكن الاعتماد على بدائل شرعية لبطاقات الائتمان الشائعة والصادرة من البنوك التجارية التقليدية، بحيث يعدّل نظام البطاقات ويجرد من المحظورات الشرعية، وأهمها تجنب الفوائد البنكية.
إلا أن تداول هذه البطاقات المعدلة ربما يحتاج لحلول عملية وتمكين من التداول العملي، وهو ما يزال محل إشكال، ومن هذه الحلول: بطاقة الخصم الشهري، وبطاقة المرابحة.
1- بطاقة الحسم (الخصم) الشهري CHARGE CARD
وهي البطاقة التي تصدرها المصارف الإسلامية على أن يتم تحديد سقف السحوبات بالبطاقة بمقدار الراتب الشهري في بعض المصارف، وبنسة 80% من الراتب في المصارف الأخرى، بضمان الراتب أو أي ضمان آخر لدى المصرف، على ألا يستوفي المصرف أي فائدة بنكية على ذلك.
وتكييف هذه البطاقة أنها تقوم على أساس الوكالة إذا كان حساب العميل يفي بجميع المبلغ الذي تم سحبه عن طريق بطاقة الائتمان، والوكالة بأجر مشروعة في الإسلام كما تقدم.
أما إذا كان حساب العميل لا يفي بالمبلغ، فإن المصرف يقوم بتسديده على أساس القرض الحسن الذي يقدمه المصرف لعميله، بضمان الراتب الشهري أو أي ضمان آخر يراه مناسباً وكافياً، وهذا مشروع ومندوب إليه.
وعليه فإن المصارف الإسلامية تقوم بهذه الخدمة مجردة من المنافع، وبعيدة عن شائبة الربا، أو ما يؤدي إليه، وهو المطلوب شرعاً، لأن الفوائد المفروضة على التمويل نوع من أنواع الربا المحرم، باعتباره قرضاً بفائدة، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا(1). وهذه طريقة قابلة للتطبيق بسهولة.
2- بطاقة المرابحة
وهي البطاقة القائمة على البيوع، وهي أن حامل البطاقة يشتري ما يشاء من السلع، بالنيابة عن المصرف الذي يسدد القيمة في الحال، ويتملك الشيء المشتري، ويقبضه عنه وكيله، ثم يبيعه إلى وكيله مرابحة، حتى يكون البيع لمملوك مقبوض. وهذه صورة المرابحة للآمر بالشراء، وقد أقر مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذه المعاملة بشرط التملك والقبض.
لكن اللجوء إلى هذه المرابحة صعب التطبيق ويتعذر عملياً، لأن حامل البطاقة يتنقل ببطاقته في البلدان المختلفة والدول، ويصعب عليه في كل صفقة الاتفاق مع المصرف في بلد معين، كما أن هذه العملية تتوقف على جعل المواعدة على الشراء ملزمة للطرفين قضاء، قياساً على الوعد الملزم ديانة، وهو محل نظر وتوقف من أكثر العلماء، ولأن حامل البطاقة يحتاج لأداء خدمات في المطاعم والفنادق لا توفرها له هذه البطاقة.
حكم بطاقات الائتمان التي تصدرها بعض البنوك الإسلامية
يوجد الآن أنموذجان لبطاقات الائتمان التي تصدرها بعض البنوك الإسلامية وهما(2):
الأول - فيزا التمويل التي أصدرها بيت التمويل الكويتي بهذا الاسم:
أجرت هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي تعديلات شرعية على بطاقة الائتمان السائدة، واشترطت شروطاً فيها، أهمها: إلغاء فوائد التأخير، وربطت البطاقات بحساب العملاء، وتسدد التزامات الشراء من حساب حامل البطاقات إما مسبقاً أو عند وصول الفواتير، وإذا انكشف الحساب أشعر العميل بضرورة توفير رصيد لتلك المديونية.
وهذه الضوابط تجعل هذه الفيزا شبيهة ببطاقة الحسم الفوري، حيث تسدد الديون من حساب حامل البطاقة باستثناء ميزة التأمين على الحياة، حيث لم يصلوا إلى حل لهذه المسألة.
وقد اشتملت عمليات هذه البطاقة على وكالة بأجر، وكفالة مجاناً، وقرض يسير أحياناً بغير فائدة.
النموذج الثاني - فيزا الراجحي التي أصدرتها شركة الراجحي المصرفية للاستثمار: فقد أقرت الهيئة الشرعية هذه البطاقة بعد حذف بند: فوائد التأخير، ويكون سداد الفواتير من الحساب الجاري للعميل، فإن لم يوجد فيه ما يكفي يحسم (يخصم) من التأمين النقدي، على أن يلتزم بتوفير مبلغ التأمين المقرر عليه في الحال. وليس لحامل البطاقة حق التسهيلات على السلف أو السحب على المكشوف.
وأقرت الهيئة هذه الضوابط بشرط ألا يترتب على إصدار البطاقة من شركة الراجحي أخذ أو إعطاء أي فائدة محرمة بشكل ظاهر أو مستتر، سواء تم ذلك مع عملائها أو مع شركة فيزا العالمية أو أي شركة وسيطة بين شركة الراجحي وشركة فيزا العالمية أو غيرها من أطراف المعاملة.
وجعلت الهيئة سعر تحويل العملات الأجنبية بحسب السعر المعلن من قبل شركة الراجحي في ذلك اليوم للمتعاملين بالبطاقة.
ومتعت الهيئة تقاضي عمولة على السحب النقدي وأجازت الرسوم المتعلقة بإصدار البطاقة والرسوم السنوية وسداد الفواتير، مع حسم جزء من مبالغها على أصحاب البضائع والخدمات.
هذان النموذجان يعدان بديلين إسلاميين صالحين عن البطاقات الأخرى في البنوك التجارية التقليدية، على أن يكون أجل استخدام البطاقة هو الأجل المأذون به عادة.
ويوجد أنموذج ثالث للمؤسسة العربية المصرفية في البحرين مشابهة لما ذكر، وهو محل تجربة الآن.
الخاتمة
العقود القائمة بين مصدر البطاقة وحاملها هي عقدان: عقد إقراضي، وعقد وكالة، حيث يخوِّل مصدر البطاقة بموجب العقد الأول حاملها التصرف في حدود مبلغ محدد له، وأما بموجب العقد الثاني فيفوض حامل البطاقة البنك المُصدِر لها السحب من رصيده، لقضاء دينه وتسديد حقوق التجار وغيرهم نيابة عنه كافة المستحقات والعمولات للبنك نفسه ولغيره.
والعقود الحادثة بين مصدر البطاقة والتاجر: عقدان أيضاً:
1- عقد ضمان مالي: يلتزم به البنك المصدر للبطاقة للتاجر دفع قيمة مبيعاته وأجوره، والضمان يصح أو يفسد بحسب الأصل المترتب عليه.(2/5)
2- وعقد وكالة: حين يلتزم البنك بتحصيل مستحقات التاجر من حاملي البطاقة، ووضعها في حسابه، بعد اقتطاع أو حسم عمولته.
والعقود الواقعة بين حامل البطاقة والتاجر: إما بيع وإما إجارة وإما غير ذلك من العقود المالية التي قد يرتبط بها حامل البطاقة مع المحلات التجارية والمالية.
وبناء عليه، تكون بطاقة الائتمان والحسم المؤجل، وبطاقة الائتمان المتجدد غير الإسلامية محظورة شرعاً، مادامت مشتملة على فوائد ربوية، وتحكمها علاقة الإقراض، لأن الأولى فيها إقراض بزيادة ربوية، وتسدد على أقساط، والثانية إقراض مؤقت خالٍ من الربا ابتداء، وفيه شروط مفسدة للعقد، والضمان فاسد لفساد العقد المبني عليه، ومن المفسدات: عدم بيان نسبة الزيادات والعمولات الدورية قصداً.
ومن المعلوم أن بطاقات الإقراض بجميع أنواعها تدرّ أرباحاً طائلة على البنوك الربوية التقليدية، فتكون لها الأفضلية، وفيها إغراءات بسيطة أو جانبية توقع العملاء، ومنهم المسلمون، في مصيدة الإثم والحرام.
ويحسن بيان حكم ضمان البنك المصدر بطاقة الائتمان ديون عملائه: وهو أن يجوز للبنك المصدر ضمان سقوف الائتمان لعملائه إذا تناسبت حصة البنك في شركة الائتمان مع سقوف ائتمان عملائه، لأن ذلك من قبيل ضمان البنك لشريكه أو عملاء شريكه، مثلاً: إذا أصدر البنك ألف بطاقة، سقف كل منها ألف دينار، أي إن مجموع سقوف الائتمان لعملائه تبلغ مليون دينار، ثم أسهم البنك في الشركة بمليون دينار، علماً بأن حصص البنوك في شركة الائتمان متغيرة تبعاً لتغير عدد سقوف ائتمان البطاقات التي يصدرها كل بنك لعملائه، فهذا لا مانع منه لحصول التناسب بين ملكية كل بنك في شركة الائتمان، ومقدار الضمان الذي تحمله عن سقوف عملائه.
ملخص البحث
الائتمان: هو عملية مبادلة ذي قيمة أو كمية من النقود في الحاضر، مقابل وعد بالدفع في المستقبل.
وبطاقة الائتمان: هي بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله تمكّنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة، عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مُصْدِر البطاقة، فيسدِّد قيمتها له، ويقدّم المصرف للعميل كشفاً شهرياً بإجمالي القيمة لتسديدها أو لحسمها (لخصمها) من حسابه الجاري لطرفه.
وقد أصبح لبطاقة الائتمان أهمية ملموسة حيث صارت لحامليها أداة لحماية النقود من أنواع الاعتداء عليها، وضمنت لأصحاب الحقوق أداء مستحقاتهم، وأصبحت هي الأداة المفضلة على النقود ذاتها في المعاملات المحلية والخارجية، وكانت سبباً في زيادة المبيعات في المحلات التجارية.
وليس لها محاذير عملية، إلا بالنسبة للمسلم الذي يتورط بأداء الفوائد البنكية إذا تأخر عن سداد المبالغ المستحقة عليه من حسابه، لكنه إذا احتاج للبطاقة كان قبوله بشرط الفائدة في معرض الإلغاء شرعاً، والشرط الفاسد في المعاوضات المالية عند الحنابلة لا يفسدها، وإنما يبطل الشرط فقط، ويبقى العقد صحيحاً.
وأنواع بطاقات الائتمان ثلاثة
1- بطاقة الحسم الفوري
وهي التي يكون لحاملها رصيد بالبنك، فيسحب منه مباشرة قيمة مشترياته وأجور الخدمات المقدمة له، بناء على السندات الموقعة منه. وهي جائزة شرعاً، لأن الأصل في العقود الإباحة، ولا تشتمل على محظور شرعي، والعقد من العميل عقد حوالة.
2- بطاقة الائتمان والحسم الآجل
وهي التي يمنح فيها البنك المصدر حامل البطاقة قرضاً في حدود معينة بحسب درجة البطاقة فضية أو ذهبية، ولزمن معين، يجب تسديده كلاملاً في وقت محدد متفق عليه عند الإصدار، يترتب على حاملها لدى تأخير السداد زيادة مالية ربوية، وهي الصورة الأصلية لبطاقة الائتمان. وهي أداة إقراض وأداة وفاء معاً. وحكمها على هذا النحو: أنها ممنوعة شرعاً، لوجود التعامل الربوي فيها. ولكن يجوز قبولها وإصدارها شرعاً إذا لم يشترط على حاملها فائدة ربوية، إذا تأخر عن سداد المبلغ المستحق عليه، وبشرط ألا يتعامل بها فيما حرمته الشريعة.
3- بطاقة الائتمان المتجدد
وهي التي تمنحها البنوك المصدرة لها لعملائها. على أن يكون لهم حق الشراء والسحب نقداً في حدود مبلغ معين، ولهم تسهيلات في دفع قرض مؤجل على أقساط، وفي صيغة قرض ممتد متجدد على فترات، بفائدة محددة هي الزيادة الربوية. وهي أكثر البطاقات انتشاراً في العالم، وأشهرها: فيزا وماستر كارد.
وحكمها: تحريم التعامل بها، لاشتمالها على عقد إقراض ربوي، يسدده حاملها على أقساط مؤجلة بفوائد ربوية.
التكييف الشرعي لعلاقة أطراف التعاقد على البطاقات
توجد علاقات ثنائية مستقلة بين كل طرفين من أطراف التعامل بهذه البطاقات، وقد تصير العلاقة ثلاثية بين مُصْدِر البطاقة، وحاملها، والتاجر (قابل البطاقة).
أما العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها: فهي علاقة إقراض، وفي جانب حاملها علاقة حوالة مطلقة، وفي جانب المصرف حينما يسدد عن العميل المبلغ المطلوب من حسابه (أي حساب العميل) هي وكالة على أجر.
وأما العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر: فهي علاقة تجارية محضة، قائمة على أساس الوكالة بأجر، ويستحق مصدر البطاقة عمولة يأخذها من التاجر مقابل إرسال العملاء للشراء، وترويج السلعة وتسويقها، وتحقق الشهرة للمحل التجاري أو المطعم أوالفندق ونحوهما، وتحصيل لقيمة البضائع، وتحسم (تخصم) هذه العمولة من قيمة المبيعات، لا بالزيادة على الأثمان، فلا تكون ربا والعلاقة قائمة على أنها عقد ضمان مالي وعقد وكالة.
وأما العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر: فهي علاقة بيع وشراء للسلع والبضائع وتقديم خدمات، ثم يحيل حامل البطاقة التاجر على مصدر البطاقة لاستيفاء الثمن أو الأجرة، وليس ذلك محظوراً شرعاً، فالعلاقة علاقة بيع أو إجارة ونحوها.
وإنما الحظر في بطاقة الائتمان والحسم الآجل، وبطاقة الائتمان المتجدد بسبب وجود الربا أو اشتراط دفع الفائدة الربوية في القروض، أو بسبب ارتكاب المخالفات والمحظورات الشرعية.
وأما بطاقة السحب المباشر من الرصيد (الحسم الفوري) فلا تعد في بطاقات الإقراض، ولا تشتمل على فوائد أو منافع ممنوعة، إلا إذا سحب حامل هذه البطاقة من غير بنكه قرضاً ليستوفى من بنكه، ويسجل عليه عمولة على أنه قرض، وتكون العلاقة حينئذ علاقة إقراض، والعقد من العميل حوالة.
وهذا هو السحب على المكشوف أو السحب غير المغطى: وهو أن يسحب حامل البطاقة مبلغاً من المال من ودائع البنك دون أن يكون حساب العميل مغطى من قبله، حيث لا يوجد في حسابه ما يفي بتسديد المبلغ المسحوب، مع إضافة فائدة مصرفية بنسبة 15-18% حسب كفاءة العميل المالية. وهو لاشك حرام لاشتماله على الربا.
ومن البدائل الشرعية لبطاقة الائتمان السائدة: بطاقة الحسم الشهري بمقدار الراتب الشهري في بعض المصارف، وبنسة 80% من الراتب في ا لمصارف الأخرى، وبطاقة المرابحة، وكلتا البطاقتين لا إشكال فيهما، لكن الأولى عملية، والثانية غير عملية.
وهناك نموذجان لبطاقات الائتمان في بعض البنوك الإسلامية وهما:
1- بطاقة فيزا التمويل التي أصدرها بيت التمويل.
2- وفيزا الراجحي. وكلاهما من البطاقات المعدلة شرعاً، لحذف الفائدة الربوية، وسحب ما يسدد عنه من حساب العميل، فإن نقصه المبلغ أنذر حتى يسدد النقص في الحال.
مشروع القرار(2/6)
يجوز للبنك الإسلامي إصدار بطاقة الحسم الفوري ما دام حاملها يسحب من رصيده، ولا يترتب على التعامل بها فائدة ربوية، لأن إصدارها بطاقة الحسم الفوري لا يترتب عليه محظور شرعي والأصل في المعاملات الإباحة، والأصل عدم جواز بطاقة الائتمان والحسم الآجل، وبطاقة الائتمان المتجدد لاشتمالها على قروض ربوية، والربا حرام أخذاً وعطاء، لكن يجوز للبنوك الإسلامية إصدارهما إذا أزيلت منهما المحظورات الشرعية ومنها الربا أو الفائدة البنكية، واستعمال البطاقة في المحرّمات والمنكرات شرعاً، والتسهيلات الائتمانية لحاملها التي يترتب عليها فوائد ربوية، والشروط المنافية لمقتضى العقد شرعاً.
ويمكن اعتماد بعض النماذج للبطاقات التي أصدرتها بعض المصارف الإسلامية مثل: فيزا التمويل وفيزا الراجحي وفيزا المؤسسة العربية المصرفية في البحرين، لخلوها من المحظورات والمخالفات الشرعية، ووجود القرض اليسير فيها بغير فائدة ربوية.
أ – د: وهبة الزحيلي
عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه سابقاً
****************
ما من حرام إلا وقد شرع الإسلام بديلا عنه من الحلال
العلامة الدكتور وهبة الزحيلي في رده على تحليل الفوائد المصرفية: فتوى الأزهر اجتهاد خاطىء ومصادمة لإجماع الأمة وتقليد للجاهلية
العلامة الكبير فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي غني عن التعريف فهو واحد من المراجع الفقهية في الكثير من بلدان العالم الإسلامي ودرس الفقه الإسلامي في الكثير من الجامعات العربية والإسلامية وهو عضو في مجامع الفقه الإسلامي بمكة وجدة والهند والأردن وأمريكا وأوروبا. كما أنه عضو في المجلس الأعلى للإفتاء في سوريا.
مؤلفاته تزيد على 500 كتاب وبحث منها موسوعات ثلاث : الفقه الإسلامي وأدلته (11مجلدا) طبع منه 25 طبعة والتفسير المنير (16مجلدا) طبع منه سبع طبعات وأصول الفقه الإسلامي (مجلدان) طبع منه خمس طبعات. ترجمت مؤلفاته إلى معظم اللغات الحية، وقد صدر له أخيرا كتاب "المعاملات المالية الحديثة والفتاوى المعاصرة".
وبمناسبة إصدار الأزهر الشريف فتوى تحلل الفوائد المصرفية الثابتة كان لنا هذا الحوار مع العلامة الدكتور وهبة الزحيلي الذي أنفق جهدا كبيرا من حياته في فقه المعاملات المصرفية وكان أحد رواد هذا الفقه وأحد الذين ساهموا في تأصيل مبادئ العمل في البنوك الإسلامية غير الربوية.
صدرت فتوى من الأزهر الشريف تفيد بأن الفوائد المصرفية بمعدلات ثابتة غير محرمة. ما رأي فضيلتكم بهذه الفتوى؟
أغلب علماء الأمة الإسلامية قد أصيبوا بشيء من الذهول والاستهجان والغرابة لصدور هذا القرار الذي يمثل فتوى الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر فكان هذا القرار طبق الأصل لما ردده في فتاويه المتكررة. ولكن هذا القرار في واقع الأمر باطل لعدة أمور:
أولا: لاعتماده على اجتهاد خطأ محض في نصوص هذه الشريعة الإسلامية وعملا بما تقرره المجامع الدولية الفقهية الأخرى وبالذات مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة في قرار سابق له، وهو أن جميع الفوائد المصرفية أخذا أو عطاء تعد من قبيل الربا الذي حرمه الإسلام. فيكون هذا القرار باطلا لهذه الأمور المختلفة فهو أولا يعارض صريح القرآن الكريم في سورة البقرة وغيرها التي تحرم الربا تحريما قاطعا في مثل قول الله جل جلاله: {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقوله سبحانه: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}. وأيضا الأحاديث النبوية المتكررة في هذا الشأن في التعامل بالنقود، فتنطبق هذه الأحاديث على هذه العقود التي هي مجرد إيداع أموال واخذ فوائد عنها من البنوك التقليدية.
ثانيا: هناك أيضا مصادمة للقرار وهي أن مجامع الفقه الإسلامية الدولية مثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي في مكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه في الهند وغيرها من المجامع التي تعبر عن مجموع علماء هذه الأمة رفضوا جعل الفوائد الربوية من البنوك التقليدية مما يسوغه شرعا وأن ذلك حرام بعينه فهو عين الربا المحرم في النصوص التشريعية.
ثالثا: إن هذا القرار مبني على خطأ واضح وهو أن تجعل هذه الودائع مستثمرة من قبيل البنوك التقليدية، علما بأن قانون البنوك التقليدية يمنعها من الاستثمار والاتجار وكل ما تقوم به هذه البنوك هو عبارة عن جسر بين المقرض والمقترض، فهي واسطة لأخذ أموال الناس وإعطاء فوائد ثابتة عنها ثم تقرض هذه الأموال بدورها إلى أناس آخرين فتأخذ منهم فائدة أكثر وهي 7 بالمائة مثلا وتعطي لصاحب الوديعة الأصلية مبلغ 4 بالمائة والفرق هو الذي يستفيده البنك بين المقرض والمقترض، فالبنوك التقليدية التجارية هي عبارة عن مجرد وسيط بين المقرض والمقترض ولا تقوم لا بالاستثمار ولا بالتشغيل وتعطي فوائد ثابتة وذلك محرم شرعاً.
ألا يمكن اعتبار العقد من قبيل المضاربة؟
المضاربة تكون في التشغيل بالأعمال التجارية ونحوها والبنك التقليدي الربوي لا يقوم بهذا العمل أصلا بحسب النصوص القانونية التي تسمح لهذه البنوك بالنشاط المصرفي المحض دون أن تقوم بشيء من الاتجار أو الاستثمار أو غير ذلك، وكل فائدة ثابتة سواء سميت فائدة أو سميت ربحا إذا كان ذلك ثابتا فهي تتنافى مع أصول الشركة التي تقوم عليها مشروعية الشركات في الإسلام. هذه الشركات تقوم على أساس المساهمة والمشاركة في الربح والخسارة ووجود ربح مقطوع أو ثابت يتنافى مع مشروعية هذه الشركة.
إذن فالقرار لا يتفق بحال من الأحوال لا مع النصوص الشرعية ولا مع اجتهادات الفقهاء ولا مع تفسير معنى الربا، فالبنوك الربوية في الواقع تطبق ما كان عليه العرب في الجاهلية حينما يقترض الإنسان مبلغا من المال لمدة سنة ثم يعجز عن سداده فيأتي إلى المقرض فيقول له زدني في الأجل وأزيدك في العوض، فالمقرض يقول له إما أن تربي وإما أن تدفع، وهو عاجز فيمد له في الأجل ويعطيه زيادة في الفائدة وهو ما تقوم به البنوك الربوية في الوقت الحاضر، إذ أنها تضم فائدة مركبة كل سنة حينما لا يستطيع المقترض سداد مبلغ القرض فتضم عليه فائدة ربوية، فهذا يطابق ما كان عليه عرب الجاهلية والذي جاء النص القرآني منددا وموبخا وناهيا المسلمين عن تقليدهم في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالفائدة المركبة تكون في مبدأ الأمر 7 في المائة ثم في العام القادم 14 ثم في العام الثالث 21 وهكذا دواليك وهذا معنى مضاعفة الفوائد الذي جاء في القرآن في إحدى مراحل تحريم الربا وهو النهي الواضح عن أكل الربا أضعافا مضاعفة، وهذا تعبير عن ذلك الواقع الظالم الذي كان عليه العرب في الجاهلية، وأما الآية الأخيرة والنهائية التي جاءت تحرم الربا كما ذكرت في مطلع كلامي، فهي تحرم كل أنواع الربا وكل أنواع الفوائد سواء كانت الفائدة قليلة أم كثيرة.(2/7)
فإذن مجموع هذه الضوابط يجعل مثل هذا القرار مبنيا على أخطاء متعددة وينبغي العمل على إلغائه في أقرب فرصة ممكنة، طبعا بعد أن تتغير الظروف التي أحاطت بهذا القرار ووافق عليه بعض إخواننا من علماء الأزهر وهم رتبوا فتواهم أو قرارهم على معلومات تعد خطأ محضاً، سواء في مصادمة ما أجمع عليه المسلمون من تحريم قليل الربا وكثيره أو في فهم مدلول أربى أو في نشاط هذه البنوك حيث لا تقوم باستثمار كما يظن بعض هؤلاء وبالتالي تكون الودائع مستثمرة في نشاط تجاري أو غيره، فكل هذه المعلومات ينبغي أن تصحح وأن يعاد القرار إلى وجهه الصحيح الذي يتفق مع ما عمل به المسلمون طوال 14 قرنا، والظروف الحاضرة.
قد يقال إن البنوك ضرورة اقتصادية؟
لسنا في هذا الجانب نتكلم وإنما نقول إن هذه الفوائد الربوية هي عين الربا الذي حرمه الشرع الإسلامي. لذلك ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعود هؤلاء عن خطئهم وأن يرجعوا إلى سواء الصراط وخصوصا أن الأزهر له مكانته العالمية وله هيبته وله اعتباره، ينبغي أن تكون مثل هذه القرارات مؤصلة تأصيلا صحيحا حتى يقتنع بها العالم الإسلامي دون أن يورطوا الناس في الوقوع في الحرام وفيما يصادم شرع الله ودينه فذلك مما لا يجوز بحال من الأحوال. والذي أؤكده أنه بعد زوال ظروف إصدار هذا القرار مع الأسف الشديد الذي يعد نكسة ونقطة سوداء في تاريخ مصر وفي تاريخ الأزهر لا بد إلا أن تمحى هذه النقطة بعون الله تبارك وتعالى في ظروف تختلف عن الظروف التي أحاطت بصدور هذا القرار والناس عليهم أن لا ينخدعوا بمثل هذه القرارات الخاطئة وأن لا ينجروا إلى مثل هذه الفتاوى التي هي خطأ محض و(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) وأن يتثبتوا من واقع الأمر وأن لا يرموا باللائمة على تقليد هذا القرار فذلك بحسب اتفاق علماء الأمة الإسلامية على المدى الطويل يعد هذا الاتفاق في الواقع أول ضربة موجهة لقبول مثل هذا القرار أو الاقتناع به فذلك مما لا يتفق مع سمعة الأزهر العالمية ولا مع حياده وتجرده وحرصه على أن تكون القرارات الصادرة عن مجمع البحوث معبرة عن واقع الإسلام وعما هو حلال والابتعاد عن كل ما هو حرام بل عن الشبهات أيضا، فمثل هذه الأخطاء في الواقع ينبغي أن تتدارك وأن لا ينخدع العالم الإسلامي بهذا القرار فهو كما ذكرت يعد خطأ محضا ولا مسوغ له في المعايير الشرعية، بل إن كل قرارات المجامع الفقهية الدولية تعبر عن علماء الأمة الإسلامية قاطبة دون أن يحيط بها مثلما أحيط بهذا القرار من ملابسات معينة ومعروفة إذن ينبغي أن ندرك إدراكا شاملا أن الصواب هو تحريم أخذ هذه الفوائد أو إعطائها وأن كل ما يتناقض أو يتعارض مع النصوص الشرعية ينبغي إهماله وعدم الالتفات إليه وجعل مثل هذا القرار حبرا على ورق ولا يصح لأحد من المسلمين أن يعمل به، فإن عمل به فقد ارتكب الإثم الواضح على الرغم من صدور هذا القرار.
ثمة من يعتقد أن مبدأ "الضرورات تبيح المحظورات" يمكن أن يبيح هذا الأمر حتى أن بعض الفقهاء أجازوا دفع الرشوة للوصول إلى الحق. فهل توضحون فضيلتكم لنا مدى انطباق ذلك المبدأ على قضيتنا هذه؟
إذا توافر ظرف الضرورة بمعاييرها الشرعية وتوافر ظرف أيضا دفع الرشوة من أجل تعين الوصول إلى الحق وأنه لا سبيل آخر سوى هذا السبيل، فالضرورات تبيح المحظورات بشرط أن تكون هناك ضرورة بمعنى غلبة الظرف أو التيقن بالوقوع في الهلاك أو في دائرة الموت جوعا أو أنه سيبيت في الشارع، فإذا توافرت ظروف الضرورة فنحن نقول بالحل ولكن توافر ظروف الضرورة حالة محدودة ونادرة جدا وقلما ينطبق على مقترض من البنوك الربوية معنى الضرورة لأن لها ضوابط مشددة ينبغي أولا أن تحقق معنى الضرورة في المعايير الشرعية ثم نطبق القاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" أو "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة" فإذا وجدت المعايير الشرعية فنحن مع ذلك، هذه حالات وأمثلة نادرة جدا، فينبغي أيضا عدم التذرع بذريعة الضرورة من أجل الحصول على مسكن أفضل أو تنشيط تجارة أو توسيع مصنع أو تنشيط متجر ويقول الإنسان إنه في حال ضرورة، هذا ليس في حال ضرورة على الإطلاق، هذا في الواقع مترفه وليس مضطرا ، المضطر هو الذي يقترض من أجل الحفاظ على حياته من الوقوع في الموت بسبب الجوع الشديد أو العطش الشديد أو الإرباك الشديد أو التحقق من وجود ضرر في النفس أو المال أو الأهل فإذا توافر ظرف الضرورة بالمعنى الشرعي حينئذ نقول بالجواز ولكن توافر الضرورة بالمعنى الشرعي غير محقق في أغلب الحالات.
بعض الاقتصاديين يرى أن البنوك الإسلامية أيضا تتعامل بالأرباح الثابتة وأن الخلاف بين معاملاتها ومعاملات البنوك الربوية شكلي محض كيف تنظر إلى هذه المسألة؟
البنوك الإسلامية ظاهرة صحية وممتازة وتحقق ما تحققه البنوك الربوية من طريق الحلال، والبنوك الإسلامية لا تجيز أخذ الربا ولا إعطاءه بأي حال من الأحوال، وإنما الحكم المقرر في الإسلام والمعروف أنه ما من حرام إلا وقد شرع الإسلام بديلا عنه من الحلال فهناك بدائل تحقق نفس المطلوب ونفس الغاية التي يقصدها القائمون على البنوك الربوية، هذه البدائل نحن نشارك فيها منذ أكثر من عشرين سنة وقد وضعنا هذه البدائل ووضعنا لها ضوابط بحيث تبعد الناس عن الحرام بأساليب منها المضاربة إذا توافرت أصولها، والمرابحة للآمر بالشراء، وبيع الاستصناع، وبيع السلف، والمشاركات سواء كانت متزايدة أو متناقصة. فعندنا عدة بدائل تحقق نفس الأهداف فإذا سلكنا هذه القنوات عندئذ لا نورط الناس في الحرام. ولذا نجحت البنوك الإسلامية نجاحا منقطع النظير وبدأت منذ ربع قرن في عام 1975 ببنك واحد وهو بنك دبي الإسلامي للحاج سعيد لوكاه ونجح هذا البنك حتى أنه في العالم اليوم أكثر من 250 مؤسسة مصرفية إسلامية تتعامل بالأصول الشرعية. بل إن البنوك الربوية في الغرب أرادوا أن يتعاملوا بالطريقة نفسها التي تتعامل بها البنوك الإسلامية والآن عندنا أصوات ونداءات صارخة سواء في أمريكا أو في أوروبا أو في اليابان أن طريق إنقاذ الاقتصاد العالمي الحالي هو الامتناع عن الفائدة وينبغي أن تكون الفائدة صفرا وهذا ما قرره آدم سميث زعيم الاقتصاديين في العالم وهو الوضع الصحيح الذي يتفق مع المنهج الإسلامي فإذا كانت الفائدة صفرا فعندئذ يحدث الرخاء ونتجنب التضخم النقدي ونمتنع عن أخذ المال بدون جهد ولا عمل ودون مخاطرة فهذا شيء مضمون والله تعالى قال: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} فمهما زادت أرباح المرابين فالله جل جلاله ورسوله لعنا آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والتفسيرات التي تحاول أن تجعل ربا البنوك غير الربا الموجود في القرآن الكريم هذه تفسيرات خطأ محض تخالف ما عليه أصول تحريم الربا فليتق الله أكلة الربا وموكلوه وليعودوا إلى رشدهم وإلى ما يرضي الله جل جلاله.
نحن نعيش الآن عولمة في الاقتصاد، كيف يمكن أن تكون هناك منظومة مصرفية إسلامية مستقلة عن المنظومة المالية العالمية الربوية؟(2/8)
العالم الإسلامي ولله الحمد عالم غني وممتد في الشرق والغرب ويمثل خمس العالم فمن السهولة بمكان أن نسير على قواعدنا الإسلامية بل كما قلت لك إن كثيرا من البنوك الربوية التي يقوم عليها نظام العولمة ترغب رغبة ملحة وصريحة وأكيدة في أن تنتهج منهج البنوك الإسلامية حيث لا تأخذ الربا ولا تعطي الربا وما أجمل هذا المبدأ المثالي الذي يدعو إليه عقلاء الاقتصاديين الذين يريدون إنقاذ الاقتصاد العالمي من أزماته المتكررة فلذلك لا تصادم بين المنهج الإسلامي وبين المنهج العالمي لأن منهجنا منهج يتفق مع الحق والعدل وإنصاف الحقائق ومراعاة المحتاجين وإنقاذ من يتعرض لشيء من الأزمات المالية. أما النظام الاقتصادي العالمي فهو يزيد الطين بلة ويزيد الضرر ضررا وإيذاء ويلحق الأذى المحقق بالمحتاجين لدرجة أن كثيرا من هؤلاء في نهاية الأمر يفلسون ويقعون في مختلف الطامات والأزمات الاقتصادية.
دمشق - تيسير جاسم
الخميس 28 نوفمبر 2002م تمام الساعة 01:28 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة
**************
التأمين والأسهم والسندات
الفرقان: ما رأيكم بالأمور التي تجدّ في عصرنا ولم يتطرق إليها الفقه الإسلامي فهناك اجتهادات وخلافات فقهية متعددة وفي مواضيع مثل: توقيت البدء بالصيام، وقضايا معاصرة مثل التأمين والأسهم والسندات والمحافظ الاستثمارية وعلى صعيد المصارف الإسلامية أيضاً.
د. الزحيلي: هذه الأمور نغطيها بما يسمى بالاجتهاد الجماعي الآن. هناك مجمع البحوث الإسلامية في مصر، والمجمع الفقهي في مكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي في الهند، هذه المجامع - التي أنا عضو فيها كلها - تتبنى قضايا 90% منها اقتصادية حديثة من مثل ما ذكرت، أو علوم طبية أو علوم فلكية أو علوم كيماوية، كل ذلك نحن نتجاوب مع العصر فيما هو مسموح لنا أن نتجاوب فيه، ونجتهد ونجدّد فيه، نطبق قواعد الشرع وأصوله ومقاصد هذه الشريعة من الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال، ولكن هناك من لا يعرف ولا يطلع على قرارات هذه المجامع - والتي صدرت عنها منذ أكثر من عشرين سنة - في تلك القضايا المعاصرة بسبب أن الدول الإسلامية التي تبلّغ بهذه القرارات تحبسها في الأدراج ولا تسهم في نشرها، الناس يظنون أننا جامدون على القديم لا نتجاوب مع الحديث، هذه تهمة باطلة، ونحن نوجد البدائل، ففي جانب المصارف الإسلامية أوجدنا عشرات البدائل حتى لا تنغمس هذه المصارف في المحرمات والربا وفي عقود باطلة أو فاسدة، ونجحت هذه المصارف ولله الحمد. وهي - أي المصارف - تحقق نفس الأنشطة التي تقوم بها البنوك العادية وشركات التأمين ولكن بالطريق المباح، وقد يظن بعض الجهلة أن النتيجة واحدة، ولكن الواقع أن هناك فرقاً بين أن نسلك طريقاً حلالاً يكون العقد فيه صحيحاً والكسب مباحاً ويكون - ما يسمونه - بالفوائد حراماً، وبين أن ننغمس في مبدأ العمل بعقد فاسد أو باطل إذن نحن نملأ الساحة بهذه الاجتهادات الجديدة، وإن أردتم الاطلاع على كتابي في هذا الموضوع، الذي ذكرته آنفاً - تجدون فيه الغنية.
هل يمكن أن نستخدم الفوائد (أرباح البنوك) من أجل تغطية كلف العمليات المصرفية (استخدام الفائدة في دفع نفقات فتح الحسابات المصرفية).
الفوائد البنكية حرام على الإطلاق على صاحب المال المودع في البنوك، لقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 2/275] وقوله سبحانه: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة 2/278]. وبناء عليه، يحرم على صاحب المال الاستفادة أو الانتفاع من فوائد ا لربا، بأي وجه من وجوه الانتفاع، لا في أداء الضرائب والرسوم للدولة، ولا في أداء الزكاة، ولا في العمليات المصرفية كدفع نفقات فتح الحساب المصرفية، أو مقابل خطاب الضمان في حدوده المشروعة، ولا في غير ذلك مما يجب على صاحب المال المودع أو المقرض إيفاؤه، لتغطية لوازمه أو التزاماته. والسبيل الوحيد للتخلص من هذه الفوائد ومن كل مال حرام هو التصدق به على الفقراء أو الإسهام به في مصلحة عامة كتعبيد طريق، وخدمات مشفى، أو منفعة عامة كطلاب المدارس، ولاثواب على هذه الصدقة. ويأكلها الفقير أو المنتفع طيبة، لأن الحرام لايوجد في ذمتين، والله ولي المتقين.
ما حكم العمل فى شركات التأمين؟
يحرم العمل في البنوك الربوية وفي شركات التأمين التجارية ، لأن الربا حرام ومن أعان عليه وقع في الحرام ، والتأمين التجاري فيه غرر ( احتمالات ) والنهي عن الغرر أصل من أصول الشريعة ، إلا لضرورة قصوى مؤقتة حتى يجد المرء قوتاً آخر ، أو إذا تعينت المصلحة كحفظ أموال المسلمين بأيد إسلامية .
هل القروض من المصرف الصناعي لإقامة أو توسيع مشروع صناعي جائزة كذلك قروض المصرف العقاري؟ وهل الفوائد المصرفية جائزة؟ مع أنني أعرف أن كل الجمعيات الخيرية تضع أموالها في البنك وتأخذ فائدة عليه .
يحرم أخذ القرض أو إعطاء الفائدة المصرفية لمثل هذا النشاط ، لأن الله تعالى ورسوله لعن كل منهما ، آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه ، وهذا هو المتفق مع المذاهب الأربعة ، وفعل الجمعيات الخيرية لا يسوغ الحرام .
ويرى بعض علماء العصر أخذ الفائدة دون إدخال في أصل ، ويتصدق بها فوراً على الفقراء ، وهذا مسوغ فعل الجمعيات الخيرية الآن ، حتى لا يتقوى البنك على الربا ، ويختار أهون الشرين وأخف الضررين .
ماحكم شراء البيوت بالربا في غير دار الإسلام؟ وماحكم شراء البيوت للسكن عن طريق البنوك مع خضوع ذلك للتعامل بالربا؟
لا يحل شراء مسكن أو غيره بقرض مشتمل على فائدة ربوية ، فهذا حرام قطعاً إلا في حالة واحدة حيث يغلب على الظن أن الشخص سينام في الشارع إن لم يقترض هذا القرض الربوي ، فيكون ذلك ضرورة ، وهي نادرة الوقوع ، والضرورات تبيح المحظورات ، والضرورة تقدر بقدرها .
إنسان عنده كيلو غرام من الحلي أراد تأجيرها لبائع حلي بأجر معلوم على أن يستردها متى أراد على شكل حلي لكن بشكل آخر لأنه عندما استعملها هذا البائع استعملها حلياً وباعها؟
الشيء المأجور بأجرة معينة يجب رده بعينه ، لأنه أمانة بيد المستأجر ، ولا يجوز للمستأجر التصرف فيه إلا بإجارة أو إعارة لغيره ضمن مدة الإجارة ، ولا يجوز له بيع هذا الحلي لغيره ، وإلا كان عقد الإجارة جسراً أو حيلة للتعامل بالربا أو الفائدة لمدة في المستقبل ، وهذا حرام ، حتى إن الربا يجري في بيع المال الربوي بجنسه إلى مدة في المستقبل ولو من غير زيادة ، لأن الشيء في الحال أكثر قيمة من المؤجل فعلاً ، فتقع الزيادة العملية من هذا البيع ، ومن المعلوم أن الذهب أحد وأهم أنواع الأموال الربوية .
حكم شهادات الاستثمار
أودع والدي باسمي في البنك ما يسمى بشهادة استثمار ، في بنك ربوي لم يقم حتى الآن بفتح أي فرع معاملات إسلامية كغيره من البنوك ، وبمبلغ 5000 جنيه مصري وذلك منذ عشر سنوات قبل زواجي الآن أوشكت مدة الشهادة على الانتهاء وأصبح المبلغ 25000 جنية مصري وأنا أرفض أخذ المبلغ الزائد ووالدي يقول لي أنه هو من سيقبض المبلغ من البنك وسيعطيه لي هبة مع العلم أني متزوجة من 6 شهور والحمد لله لست في حاجة لهذا المبلغ ووالدي مقتدر مادياً فهل يجوز لي أخذ المبلغ على أنه هبة من مال والدي؟ وهل الأفضل الورع عن هذا المال؟ هل يجوز أخذ هذا المال ثم التبرع به في أي وجه شرعي بنية التخلص منه؟(2/9)
كل ما يتم تحت غطاء الاستثمار بأي نوع من أنواع شهادات الاستثمار هو مضمون الفائدة ، لأنه في الواقع لا يوجد استثمار فعلي وإنما تودع الأموال في بنوك ربوية ويدفع عنها فوائد ، وبعد أن وهبك والدك هذا المبلغ زالت ملكيته عنه ، وصار حق التصرف فيه خاصاً بك ، فكونه يقبض الزائد ويهبك إياه لا حق له فيه ، وإن كان له حق على سبيل الافتراض ، فهو مال مأخوذ بطريق غير شرعي ، ومادام الشخص يعلم أنه من هذا الطريق فلا يحل له أخذه .
أما مصير هذا المال الزائد : فيحرم عليك الانتفاع الخاص به بأي وجه من وجوه الانتفاع ، والحل الآن من أجل التخلص من هذا المال الحرام هو التصدق به للفقراء أو لجهة عامة كمدرسة أو مشفى ونحوهما ، ولا ثواب لك في ذلك ، وتأخذينه دون خلطه بمالك الخاص . ويجب فوراً سحب هذا المال ووضعه في بنك إسلامي يستثمر المال بطرق شرعية ، فيحل حينئذ أخذ أرباحه والانتفاع الخاص به ، فإذا بقي شهادة استثمار حرم عليك وعلى والدك هذا الاتفاق لأنه عقد فاسد باطل ، ولا يلتفت للفتاوى الشاذة في هذا .
***************
وفي فتاوى الفوزان :
الربا وحكمه
311 ـ اقترضت مبلغًا من المال من البنك، على أن أسدد هذا المبلغ بعد ثمانية عشر شهرًا، على أن أدفع نسبة ( 14% ) من المبلغ عليه، ولم أكن أعلم أن هذا المبلغ ربًا؛ فما هو حكم الشرع بالنسبة لي ؟
الزيادة المشترطة في القرض ربًا صريح، لا يجوز للمسلم أن يتعامل بها، والواجب على المقرض أن يقتصر على أخذ رأس ماله .
قال تعالى : javascript:openquran(1,279,279){ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [ سورة البقرة : آية 279 ] ، ومن لم يتب من أخذ الزيادة؛ فقد قال الله تعالى : javascript:openquran(1,279,279){ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ سورة البقرة : آية 279 ] .
ولا يجوز للمسلمين أن يقترضوا من البنوك بالفائدة؛ ( فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1219 ) ] ومن فعل شيئًا من ذلك فيما سبق؛ فعليه أن يتوب إلى الله ولا يعود .
313 ـ أحد البنوك الربوية يعلن عن برنامج لاستثمار الأموال عن طريق المتاجرة في بيع وشراء العملات؛ فهل يجوز لي المشاركة في هذا الاستثمار، علمًا بأنه ينوب عني في البيع والشراء، ولا تتم في هذا البيع المقابضة ؟ أفيدونا أثابكم الله .
البنك الربوي لا يؤمن على التعامل، ولو قال : إنه يتعامل في بعض النواحي على الوجه الشرعي؛ نظرًا لأنه في الأصل مؤسسة ربوية، غالب تعاملاته في الربا؛ فلا يؤمن، وأيضًا بيع وشراء العملات لابد أن يقوم على التقابض في المجلس إذا اختلف جنس العملات، وإذا اتحد جنس العملات؛ فلابد مع التقابض في المجلس من التساوي في المقدار، وهذا أمر دقيق، يبعد تحقيقه في معاملة البنوك؛ لأن مصارفتها في المعاملات لا تقوم على التقابض في المجلس؛ فقد اشتهر عنها أنها كذلك، وعليه؛ فإنه يجب على المسلم أن يبتعد عنها، ولا يثق بإعلاناتها . والله الموفق .
123 ـ أنا موظف في بنك، فهل يجوز لي أن أحج من راتبي ؟
العمل في البنك الذي يتعامل بالربا لا يجوز . لأنه من التعاون على الإثم والعدوان . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه (3) والموظف يصدق عليه أنه متعاون مع البنك - وإن كان يكتب عقود الربا فهو ملعون بنص هذا الحديث - وبناء على ذلك فالراتب الذي يأخذه حرام لا يجوز أن يأكله ولا أن يحج منه . لأن الحج يتطلب النفقة الطيبة المكتسبة من حلال وإن كان حج منه صح حجه مع الإثم .
141 ـ كنت أعمل في أحد البنوك وعندما خرجت منهم عرفت أن المال الذي اكتسبته كله حرام . إذا كان هذا صحيح ماذا أفعل بهذا المبلغ هل أتصدق به أم لا ؟
من اكتسب مالاً حرامًا من ربا أو غيره ثم تاب منه فإنه يتصدق به ولا يأكله أو يضعه في مشروع خيري من أجل التخلص منه، لا من أجل طلب الأجر لأنه مال حرام والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ولكن صاحبه يخرجه عن ملكه ويضعه في مشروع خيري أو يدفعه إلى محتاج لأنه كالمال الذي ليس له مالك معروف يوضع في المصالح، وهذا بشرط إنهاء هذا التكسب المحرم بحيث لا يستمر عليه .
146 ـ أخذت من قريب لي مبلغ خمسين ألف ريال على أن أرد ذلك المبلغ بعد شهرين أو ثلاثة بخمسة وخمسون ألف ريال . . وبعد أن سألت أحد الزملاء قال لا يجوز هذا الأمر وأعطه نفس القيمة . . وآخر قال لي المؤمنون على شروطهم فما هو الحل في ذلك .
القرض عقد إرفاق وقربة واشتراط الزيادة فيه أو ما يسمى القرض بالفائدة ربا صريح وحتى أي نفع يشترطه المقرض على المقترض فهو ربا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جر نفعًا فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ص240، والغمّاز على اللمّاز ص173، وتمييز الطيب من الخبيث ص124 ] . وأجمع العلماء على ذلك - أما الزيادة التي يبذلها المقترض عند الوفاء من غير اشتراط عليه فلا بأس بها لأن هذا من حسن القضاء . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم أحسنكم قضاء ) لما استسلف بكرًا من الإبل ورد مكانه خيارًا رباعيًّا [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1224 . من حديث أبي رافع رضي الله عنه بلفظ " إن خيار الناس أحسنهم قضاءً " ] . وعليه إن كان المقرض اشترط هذه الزيادة فهي حرام عليه وليس له إلا رأس ماله . وهذا الشرط باطل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص29 . من حديث عائشة رضي الله عنها . بلفظ " ما كان من شرط . . " ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً ) [ رواه الترمذي في سننه ج5 ص30، 31 ورواه الحاكم في مستدركه ج4 ص101 بنحوه . كلاهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ] . وهذا شرط أحل حرامًا وهو الربا فهو باطل باطل .
147 ـ كثر الحديث والفتاوي حول جواز أخذ الفوائد البنكية . ما هو تعليقكم على ذلك ؟
أخذ الفوائد البنكية الربوية حرام بلا شك لأنها ربا صريح والله سبحانه حرم الربا وحرمه رسوله وأجمع المسلمون على تحريم الربا ومن استحله فهو كافر . ومن الربا الفوائد البنكية ومن قال بحلها فلا عبرة بقوله لأنه مخالف للنصوص . ثم ما كل مفت يكون على مستوى الفتوى فغالب المفتين اليوم جهال بالأحكام الشرعية أو متساهلون بشأن الفتوى وخطورتها .
148 ـ أعمل في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة . فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة ؟(2/10)
التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد . ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا . ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان - والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1218، 1219 . من حديث جابر رضي الله عنه . بلفظ " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ] . فلعن الموكل والشاهد والكاتب من أجل تعاونهم مع المرابي - فالواجب عليك أيها السائل أن تلتمس عملاً بعيدًا عن ذلك { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية 2 ] . ( ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ) [ انظر مسند الإمام أحمد ج5 ص78 . عن رجل من أهل البادية . وقد ورد بلفظ : ( إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خير منه " ] .
317- اقترضت من أحد الأصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن أوفيه بعد سنة مائة وخمسين، وحينما حان وقت الوفاء حاولت إعطاءه مائة فقط ولكنه أصر على أخذ زيادةٍ قدرها خمسون جنيهًا مقابل التأجيل، فما الحكم في هذه الزيادة ؟ وإن كان هذا من قبيل الربا فهل علي أنا إثم وكيف أتخلص من ذلك علمًا أن تلك النقود التي اقترضتها منه قد اختلطت مع مالي فماذا عليَّ أن أفعل ؟
الله سبحانه وتعالى حرم الربا وشدد الوعيد فيه، قال سبحانه وتعالى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [ سورة البقرة : آية 275 ] ، إلى أن قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ سورة البقرة : الآيتين 278، 279 ] .
والربا له صور وأنواع ومن أنواعه هذا الذي ذكرته في السؤال وهو القرض بالفائدة؛ لأن القرض الشرعي هو القرض الحسن الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض ثم يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة ولا نقص هذا هو القرض الحسن، أما القرض الذي يجر نفعًا أو القرض الذي يقصد من وراءه الزيادة الربوية فهذا حرام بإجماع المسلمين حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وعلى فاعله الوعيد الشديد، فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي اقترضه أما الزيادة التي اشترطها عليك وأخذها منك فهي حرام وربًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه (4) فلعن صلى الله عليه وسلم من أكل الربا ومن أعانه على أكله من هؤلاء، فهذا الذي فعلتموه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وعليكم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه هو أن يرد عليك هذه الزيادة التي أخذها منك لأنها لا تحل له، وأنت فعلت محرمًا بإعطائه الزيادة، وكان الواجب عليك أن تمتنع من إعطائه الزيادة، وإذا أصر أن ترفع أمره إلى الحاكم المسلم ليردعه عن جريمته، فهذا الذي أقدمتما عليه هو صريح الربا، فعليكما جميعًا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وعدم الرجوع إلى هذا التعامل، وعلى الآخر أن يرد الزيادة التي أخذها، والله أعلم .
*****************
وفي فتاوى الشيخ عبد الرحمن البراك :
السؤال:
هل صحيح أن الإسلام يمنع الاستثمار المالي في المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة ؟.
الجواب:
الحمد لله
دين الإسلام هو الدين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اشتمل على أكمل الشرائع ، قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة ، ففيها جميع الأحكام التي بها سعادة العباد في معاشهم ومعادهم ، ومن ذلك الأحكام المالية ، وهي الأحكام التي تنظم وتعدّد طرق كسب المال وصرفه ، فلا يجوز اكتساب المال بكل طريقة ولا يجوز صرف المال في كل ما يشتهي الإنسان ، فلا بدّ أن يخضع الإنسان في كل ذلك إلى شرع الله ومن ذلك أن الله تعالى حرّم الربا ، قال تعالى : ( وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ) ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) . ومن صور الربا الظاهر أخذ الفوائد على القروض أو إعطائها ، فلا يجوز القرض بفائدة ، وما يسمى بالفائدة في لغة البنوك هو الربا في لغة الشرع . واما القرض الحسن فهو القرض الذي يقصد به الإرفاق والإحسان إلى الغير وذلك بألا يكون المقصود أخذ الفائدة والزيادة ، فما يسمى بالقروض في لغة البنوك هي في الحقيقة عقود ربا ، والله تعالى حكيم في شرعه لأنه تعالى شرع الشرائع بما فيها من المصالح العاجلة والآجلة وهو الحكيم العليم .
*****************
زكاة الفواكه
وفي فتاوى اللجنة الدائمة :
الفتوى رقم (11924)
س: طلب مني أحد التجار أن أكتب لكم السؤال التالي: وهو أنه يملك مزرعة كبيرة من التفاح، وبعض الثمار الأخرى، ويسأل عن كيفية إخراج زكاة هذه الثمار جميعاً، علماً بأن السقاية عن طريق حفر الآبار الارتوازية مع العلم بأنه يستثمر الناتج من هذه الأموال لمشاريع أخرى مثل حلول الحول في بعض السنوات، ويبقى المال هكذا في كل ناتج، ويقوم بتسديد ما عليه من ديون إلى البنوك وغيرها من الدائنين، وما هو الحكم للسنوات السابقة التي تم إخراج الزكاة عنها وماذا أفعل؟ وما هي نصيحتكم له لأنه كثير التعامل في البنوك ويأخذ منها الفوائد ويعطيها كذلك نرجو الجواب على كل هذه التفصيلات السابقة وأجركم على الله. وجزاكم الله خيراً في خدمة الإسلام وأهله.
ج: أولاً: أثمان الفواكه كالتفاح ونحوه كالرمان والبرتقال والطماطم ونحوها إن صرفت ثمنها في حاجتك وفي قضاء الدين قبل أن يحول عليها الحول فلا شيء عليك، فإن حال عليها الحول وعندك من ثمنها ما يبلغ نصاباً فعليك زكاته وهي ربع العشر .
ثانياً: أما الثمار فقد أجملت السؤال عنها وهي ذات تفصيل، فإن كانت من الحبوب كالشعير والبر والأرز والذرة ونحوها أو من العنب والتمر فهذه الثمار فيها نصف العشر لكونها تسقى بمؤنة حسبما ذكرت إذا بلغت نصاباً وهو خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة صاع بصاع النبي r ومقداره أربع حفنات باليدين المملوءتين المعتدلتين.
أما الفوائد البنكية فهي من الربا المحرم والواجب ترك المعاملة الربوية والتوبة إلى الله من ذلك، مع صرف الفوائد الربوية التي حصل عليها في وجوه الخير تخلصاً منها وإكمالاً للتوبة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نائب رئيس اللجنة، الرئيس
عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***************
وفي فتاوى الأزهر : ربا النسيئة
الموضوع (1249) ربا النسيئة.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.30 ربيع الأول 1400 هجرية - 17 مارس 1980 م.
المبادئ:(2/11)
1 - فقهاء الشريعة الإسلامية عرفوا البيع بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلاف بينهم فى التعبير عن هذا المعنى.2 - اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد مفسد للعقد.3 - اشتراط هيئة الأوقاف المصرية فى عقد التمليك ومحلقاته دفع المشترى للوحدة السكنية 5 % من جملة الثمن المؤجل كريع نظير باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها.هو عقد آخر على المشترى يدخل فى نطاق الشرط الفاسد، وهو من ربا النسيئة.سئل : نشرت جريدة الأهرام فى عددها يوم الجمعة الموافق 21 ربيع الأول سنة 1400 هجرية 8 فبراير سنة 1980 المقيد برقم 107 لسنة 1980 فى شأن ما تتقاضاه هيئة الأوقاف المصرية من المتعاملين معها فى تمليك العقارات وأطلقت عليه اسم فائض الريع إذ قالت رسالة المواطن / ع - ع - م إن الهيئة تأخذ فائدة سنويا فوق الثمن المتعاقد عليه مقدارها 5 % فى المائة على باقى ثمن الشقق التى تعرضها للتمليك.بينما أجاب السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة - كما هو منشور فى ذات هذا العدد - بأن هذا فائض ريع وليس تحصيل فوائد، ذلك لأن مشترى الشقة بالتقسيط يدفع مقدما 25 % فى المائة من ثمنها ويسدد الباقى على 40 سنة وبذلك يكون له منطقيا 25 % فى المائة من الملكية وللهيئة الباقى 75 % فى المائة حتى تمام السداد، وخلال فترة التأجيل ينتفع المشترى بكامل الشقة رغم أنه لم يملك سوى 25 % فى المائة فقط، ولا تنتفع هيئة الأوقاف بشىء ولها 75 % فى المائة من الملكية.ومن هنا ومحافظة على استثمار أموال الأوقاف لجأت الهيئة إلى حساب دخل الشقة لو كانت مؤجرة طوال مدة الأجل 40 عاما مثلا ، ثم خصمت من جملة الدخل 25 % فى المائة ويكون للهيئة الباقى، وكان هذا الحساب على أساس 10 % من التكلفة، فوصلت حصة الهيئة إلى 25 ألفا من الجنيهات عن الشقة المكونة من حجرتين وصالة وفقا لقانون الإيجارات، ولكن الهيئة لم تجر المحاسبة على هذا واكتفت بحساب 5 % فى المائة فقط كفائض ريع.كما اطلعنا بعدد الأهرام يوم الجمعة 13 ربيع الآخر 1400 هجرية الموافق 29 فبراير 1980 على كلمة السيد المستشار فتحى لاشين المفتش القضائى الأول بوزارة العدل تعليقا على ما سبق من أقوال السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة، حيث جاء بها أن عقد البيع ورد على كامل الوحدة السكنية موضوع العقد، وأن الرابطة تبعا لهذا بين بائع وبين مشتر وأن هذا استمرار فى التعامل الربوى مع رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية فى المجال الاقتصادى.هذا وقد ورد إلى دار الإفتاء من السيد المستشار فتحى لاشين نسخة من نص كلمته إلى الأهرام.وبناء على طلب دار الإفتاء ورد من هيئة الأوقاف المصرية صورة طبق أصلها من عقد التمليك الذى تبرمه الهيئة مع المشترين لوحداتها السكنية، وأحد عشر كشفا ببيان الأقساط والريع المستحق سنويا والتى يقتضى سدادها طبقا لنوع الشقة وحجراتها وبذلك مع كتابيها رقم 1620 فى 10/3/1980 ورقم 1686 فى 12/3/1980.أجاب : إنه لما كان ما نشرته الأهرام وما جاء بالأوراق الواردة من هيئة الأوقاف المصرية وبأوراق السيد المستشار فتحى لاشين يفيد أن المشترى لوحدة سكنية من هيئة الأوقاف يتملك مبانيها فقط بمجرد التوقيع على العقد، وأن هناك جداول ملحقة بالعقد، ومعتبرة جزءا لا يتجزأ منه وتجرى المحاسبة طبقا لها.وقد جاء بهذه الجداول بيان الأقساط بدون ريع، وبيان الريع المستحق بواقع 5 % فى المائة وجملتهما ، وبيانات أخرى مفصلة تبعا لعدد حجرات الوحدة.ولما كان البين من صورة العقد الواردة من هيئة الأوقاف أنه عقد بيع بالشروط المبينة فى مواده وبالجداول الملحقة به ، ومن هذه الشروط استحقاق الهيئة لنسبة 5 % فى المائة من جملة المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية موضوع التعاقد.وبما أن البيع قد عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلاف بينهم فى التعبير عن هذا المعنى، وهو مشروع بنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين.وقد اتفق الفقهاء جميعا على أن اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد مفسد للعقد، وتكاد عباراتهم تتفق على أن الشرط الفاسد هو ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه أو يضر بالعقد، وأن من قبيل الشروط الفاسدة أن يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر، ومن أمثلتهم للشرط الفاسد إذا قال البائع للمشترى بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح لأن المشترى ملك منافع الدار بعقد البيع، فإذا أجره إياها فقط شرط أن يكون له بدل فى مقابلة ما ملكه المشترى فلم يصح.ولما كان اشتراط هيئة الأوقاف المصرية فى عقد التمليك وملحقاته أن يدفع مشترى الوحدة السكنية 5 % من جملة الثمن المؤجل، وفسر هذا السيد الأستاذ رئيس مجلس إداراتها بأن هذا ريع مستحق نظير إيجار باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها، فيكون هذا الشرط بهذا المعنى عقدا آخر على المشترى يدخل فى نطاق الشرط الفاسد بالمعيار، بل وبالمثال السابق الذى نص الفقهاء على عدم صحته.وعلى ذلك يكون واقع الأمر على ما تفيده نصوص العقد وملحقاته أن نسبة الخمسة فى المائة جاءت فائدة مقررة على المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية المباعة، لأن البيع قد تم بالعقد وتسلم المشترى المبيع برضا البائع، فله الانتفاع به جميعه شرعا بدون مقابل غير الثمن المسمى بالعقد، وأخذ نسبة 5 % على المؤجل من الثمن يكون فى نظير التأجيل، وهذا هو ربا النسيئة الذى حرمه الله تعالى فى القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.من هذا قول الله سبحانه فى سورة البقرة { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } البقرة 275 ، لما كان ذلك وكانت تلك النسبة 5 % إما فى مقابلة تأجيل الدين وإما فى مقابلة تأجير باقى العين كما جاء بتفسير رئيس مجلس الإدارة لهذا الشرط وإن كان هذا التفسير لا تدل عليه بنود العقد ولا ملحقاته التى تقررت بها هذه النسبة فتخلص تلك النسبة إما ربا نسيئة لا محالة لا يخرجها أى اسم أو وصف يطلق عليها عن هذه الحقيقة، أو عقد إجارة فاسد لا تستحق به الأجرة، لأنه ورد على ما ملكه المشترى بعقد البيع مع تأجيل بعض الثمن، وفى كل حال لا تقع هذه النسبة 5 % فى المائة فى نطاق نص مبيح شرعا لاشترطها ، بل وقعت فى نطاق المحرمات على الوجه المبين.هذا ومما ينبغى تبيانه للناس أن الأصل فى البيع أن يكون بثمن حال، ويجوز أن يكون بثمن مؤجل كلا أو بعضا إلى أجل معلوم حتى لا يؤدى تجهيل الأجل إلى النزاع، والزيادة فى الثمن عند البيع مؤجلا اختلف الفقهاء فى حلها والجمهور على صحة البيع مع تأجيل الثمن والزيادة فيه عن الثمن الحالى.كما أن من صور البيع التى أجيزت شرعا بيع المرابحة.وصورته أن يبيع الشىء بربح.فيقول ثمن هذا المبيع مائة جنيه وأبيعه بمائة وعشرين جنيها مثلا، وهذا جائز لا خلاف فى صحته شرعا.ولما كان ذلك فإن لهيئة الأوقاف المصرية أن تسير فى هذه العقود على هذا الوجه امتثالا لقوله سبحانه { وأحل الله البيع وحرم الربا } فتضيف فوق التكاليف الفعلية للمبانى الربح المناسب، ثم تبيع الوحدة بثمن محدد لا تتقاضى أكثر منه بهذا الوصف فائض الريع أو إجارة باقى الوحدة السكينة لمشتريها حيث دخل فى نطاق الربويات المحرمات شرعا.ولقد حذرنا رسول الله بتسميتها بغير اسمها فقال ليشربن أناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير اسمها وفى رواية لتستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها إياه.وهذا هو الواقع الآن مع الخمر ومع الربا وغيرهما من(2/12)
المحرمات يسميها المسلمون بغير اسمها ويستحلونها.وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد توعد المتعاملين فى الربا بما لم يتوعد به فى غير هذه الكبيرة فقال سبحانه فى سورة البقرة { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } البقرة 278 ، 279 ، نقل القرطبى فى تفسير هذه الآية أن الإمام مالكا قال إنى تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا، لأن الله أذن فيه بالحرب.هذا وقد روى الشيخان عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1252) عائد شهادات الاستثمار
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.10 صفر 1400 هجرية - 9 ديسمبر 1979 م.المبادئ:1 - الإسلام حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة وهذا التحريم ثابت بالقرآن الكريم والسنة الشريفة وإجماع أئمة المسلمين منذ صدور الإسلام حتى الآن.2 - الوصف القانونى الصحيح لشهادات الاستثمار بأنها قرض بفائدة.يدخلها فى نطاق الفائدة المحددة مقدما التى حرمتها نصوص الشريعة وجعلتها من ربا الزيادة، فلا يحل للمسلم الإنتفاع بها وكذا فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة.3 - القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى الأمر قول غير صحيح بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما.4 - الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد تدخل فى نطاق الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء.سئل : بالطلب المتضمن الإفادة عما إذا كان عائد شهادات الاستثمار حلالا أو حراما وهل يعتبر هذا العائد من قبيل الربا المحرم، أو هو مكافأة من ولى أمر فى مقابل تقديم الأموال للدولة لاستغلالها فى إقامة المشروعات التى تعود على الأمة بالنفع.أجاب : إن الإسلام حرم الربا بنوعيه - ربا الزيادة وربا النسيئة - وهذا التحريم ثابت قطعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين منذ صدر الإسلام حتى الآن.ولما كان الوصف القانونى الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة ، وكانت نصوص الشرعية فى القرآن والسنة تقضى بأن الفائدة المحددة مقدما من باب ربا الزيادة المحرم، فإن فوائد تلك الشهادات وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل فى نطاق ربا الزيادة لا يحل للمسلم الانتفاع به، أما القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى الأمر فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما لاسيما وقد وصف بأنه فائدة بواقع كذا فى المائة، وقد يجرى هذا النظر فى الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد، وتدخل فى نطاق الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1255) التعامل مع البنوك بفائدة محرم شرعا
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.4 ربيع الأول 1400 هجرية - 22 يناير 1980 م.المبدأ : الفائدة المحددة التى تصرفها البنوك نظير إيداع الأموال بها هى من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا ولا فرق فى حرمة التعامل بالربا بين الأفراد والجماعات أو بين الإفراد والدولة.سئل : بالطلب المتضمن أن المصارف فى مصر تعطى فائدة سنوية لكل مائة مبلغا قدره 7.5 % أو 8.5 أو 13 وقد أفتى بعض العلماء بجواز ذلك، حيث أن التعامل ليس مع الأفراد ولكن مع المصارف التى تتبع الحكومة، وطلب السائل الإفادة عن حكم هذه الفائدة.أجاب : قال الله تعالى فى سورة البقرة { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب يدا بيد والفضل ربا) ومن هذه النصوص الشرعية وغيرها يكون الربا محرما، سواء أكان ربا نسيئة أو ربا زيادة، ولما كان إيداع المال بالبنوك نظير فائدة محددة مقدما قد وصفه القانون بأنه قرض بفائدة فإن هذه الفائدة تكون من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا، وبالتالى تصبح مالا خبيثا لا يحل للمسلم الانتفاع به وعليه التخلص منه بالصدقة.أما القول بأن هذا التعامل ليس بين الأفراد ولكن مع المصارف التى تتبع الحكومة فإن الوصف القانونى لهذه المعاملات قرض بفائدة لا يختلف فى جميع الأحوال ولم يرد فى النصوص الشرعية تفرقة بين الربا بين الأفراد وبين الربا ينهم وبين الدولة، وعلى المسلم أن يكون كسبه حلالا يرضى عنه الله والابتعاد عن الشبهات.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1256) شهادات الاستثمار.(2/13)
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.21 رمضان 1400 هجرية - 2 أغسطس 1980 م.المبادئ:1 - الربا بقسميه ربا الزيادة وربا النسيئة.محرم شرعا بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين.2 - شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة مقدما من قبيل القرض بفائدة، وكل قرض بفائدة محرم شرعا.(3) شهادات الاستثمار من الفئة (ج -) ذات الجوائز تدخل دون الفائدة فى نطاق الوعد بجائزة.وقد أباحه بعض الفقهاء.سئل : بالطلب المتضمن أن السائل قام بشراء شهادات استثمار من النوعين ( ا، ج - ) ذات الجوائز، وطلب الإفادة عن رأى الدين والشرع فى كل نوع منهما، لأنه قرأ فى الجرائد أن شهادات الاستثمار من النوعين ( ا،ب ) أحلها فريق وحرمها آخرون، وأن النوع ( ج - ) ذات الجوائز حلال.فما هو رأى الشرع فى ذلك.أجاب : يقول الله فى كتابه الكريم { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم الآيتان } البقرة 275 ، 276 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب الذهب.والفضلة بالفضلة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء ) رواه أحمد والبخارى.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه - ربا النسيئة وربا الزيادة - محرم شرعا بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.لما كان ذلك وكانت شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة مقدما من قبيل القرض بفائدة، وكان كل قرض بفائدة محددة ربا محرما.ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدما لشهادات الاستثمار فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص الشرعية.أما شهادات الاستثمار من الفئة (ج -) ذات الجوائز دون الفائدة، فتدخل فى نطاق الوعد بجائزة الذى أباحه بعض الفقهاء، ومن ثم تصبح قيمة الجائزة من المباحات شرعا.لما كان ذلك كان مباحا للسائل أن يحصل على الجائزة من شهادات الاستثمار فئة (ج -) إن جاءت إليه نتيجة القرعة الشرعية ، أما فوائد شهادات الاستثمار الأخرى فهى من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا دون ضرورة أو حاجة.ويجب على المسلم أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم دع ما يريب إلى ما لا يريبك والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1257) الأموال المودعة فى البنوك وبنك فيصل الإسلامى.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.29 ذو القعدة 1400 هجرية - 8 أكتوبر 1980 م.المبدأ : تحديد الفوائد عن الأموال المودعة بالبنوك مقدما من قبيل القرض بفائدة وهو محرم شرعا.وعدم تحديدها مقدما هو من قبيل المضاربة فى المال وهى جائزة شرعا.سئل : بالطلب المتضمن الإفادة بيان حل أو حرمة الحصول على الفائدة عن المبالغ المودعة بالبنوك التجارية، وكذلك فوائد المبالغ المودعة ببنك فيصل الإسلامى من وجهة نظر الشريعة الإسلامية.أجاب : جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وروى البخارى وأحمد عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب.والفضة بالفضلة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء).بهذه النصوص وأمثالها فى القرآن الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين ثبت تحريم الربا سواء كان ربا الزيادة أو ربا بالنسيئة.لما كان ذلك وكان إيداع النقود بالبنوك التجارية بفائدة محددة مقدما من قبيل القرض بفائدة، كانت هذه الفائدة من باب ربا الزيادة المحرم بتلك النصوص الشرعية - وإذا كانت الفوائد التى يؤديها بنك فيصل الإسلامى محددة مقدما كانت من هذا القبيل المحرم شرعا، أما إذا كان طريقها الاستثمار دون تحديد سابق للفائدة، وإنما يبقى العائد خاضعا لواقع الربح والخسارة كل عام أو فى كل صفقة كان هذا التعامل داخلا فى نطاق عقد المضاربة الشرعية، والربح واستثمار الأموال بهذه الطريقة حلال لشدة الحاجة إليها فى التعامل، لأن من الناس من هو صاحب مال ولا يهتدى إلى التصرف، ومنهم من هو صاحب خبرة ودراية بالتجارة وغيرها من طرق الاستثمار ولا مال له، فأجيز عقد المضاربة الشرعية لتنظيم وتبادل المنافع والمصالح.هذا وإن الله سائل كل مسلم ومسلمة عن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1258) ايداع الأموال فى البنوك بدون فائدة مباح.(2/14)
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.7 ربيع الأول 1401 هجرية - 13 يناير 1981 م.المبادئ:1 - الإسلام حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة.وهذا التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين.2 - إيداع الأموال السائلة (النقود) فى البنوك عامة بدون فائدة بقصد حفظها مباح.لأنها لا تتعين بالتعيين. واختلاطها بأموال ربوية لا يجعل الإيداع محرما.3 - استثمار الأموال فى البنوك دون تحديد فائدة محددة مقدما مشروع فى الإسلام.سئل : بالطلب المتضمن الإفادة عن بيان الحكم الشرعى فيما يلى : 1 - فوائد البنوك عامة والتى تعطى بنسب ثابتة على المبالغ المودعة طرفها.2 - هل إيداع الأموال فى البنوك دون أخذ فوائد عليها حلال أو حرام.3 - الإفادة عن بنك فيصل الإسلامى وبنك ناصر الاجتماعى، وهل إيداع المبالغ بهما بالطرق المختلفة سواء أكانت حسابا جاريا أو وديعة أو دفتر توفير.حلال أم حرام وهل الفوائد من البنك الأخير (بنك ناصر الاجتماعى) حلال أم حرام.مع العلم بأنه يتم خصم نسبة الزكاة المفروضة شرعا من فوائد الحسابات المذكورة سابقا.أى فوائد خالصة الزكاة.أجاب : إن الإسلام حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة.كأن يقترض من إنسان أو من جهة مبلغا معينا بفائدة محددة مقدما أو ربا النسيئة.وهو أن يزيد فى الفائدة، أو يقدرها إن لم تكن مقدرة فى نظير الأجل أو تأخير السداد.وهذا التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين.قال تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب يدا بيد والفضل ربا).ومن هذه النصوص الشرعية وغيرها يكون الربا محرما، سواء أكان ربا الزيادة أو النسيئة.فإذا كانت الفوائد المحددة مقدما على المبالغ التى تودع فى البنوك عامة أو بدفاتر البريد قد وصفها القانون بأنها قرض بفائدة فتكون من أنواع ربا الزيادة المحرم فى الإسلام بالنصوص السالفة وإجماع المسلمين.أما إيداع الأموال السائلة (النقود) فى البنوك عامة بدون فائدة، وإنما بقصد حفظها فهو مباح، لأن النقود لا تتعين بالتعيين فاختلاطها بأموال ربوية لا تجعل الإيداع محرما.هذا والمعروف عن نظام الاستثمار المعمول به فى بنك فيصل الإسلامى وبنك ناصر الاجتماعى.أنه لا يجرى على نظام الفوائد المحددة مقدما وإنما يوزع أرباح عملياته الاستثمارية المشروعة بمقادير غير ثابتة، بل خاضعة لمدى ما حققه المشروع من كسب.والتعامل على هذا الوجه مشروع فى الإسلام، باعتباره مقابلا لما جرى عليه فقهاء المسلمين فى إجازة عقود المضاربة والشركات التى يجرى فيها الكسب والخسارة.وإذ كان ذلك كان على أصحاب الأموال من المسلمين استثمار أموالهم بالطرق المشروعة التى لا تجلب الحرام، لأن الله سبحانه سائل كل إنسان عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، كما جاء فى الحديث الشريف لا سيما إذا كانت هذه البنوك تتعامل وتستثمر الأموال وتخرج زكاتها كما يقضى الإسلام.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1259) شهادات الاستثمار والعائد منها والزكاة فيه
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.27 ربيع الأول 1401 هجرية - 2 فبراير 1981 م.المبادئ:1 - شهادات الاستثمار ( أ، ب ) ذات الفائدة المحددة المشروطة مقدما زمنا ومقدارا.داخلة فى الربا المحرم شرعا. 2 - شهادات استثمار (ح-) ذات الجوائز.تدخل فى باب الوعد بجائزة.وقد أباحه بعض الفقهاء. 3 - الأرباح الناتجة عن الشهادات ذات العائد المحدد مقدما ربا محرم ويتخلص منه بالتصدق به.4 - إذا بلغ المال النصاب الشرعى وجبت فيه الزكاة بشروطها.سئل : بالطلب المقدم من السيد / عوض ح.الذى يطلب فيه بيان الحكم الشرعى فى شهادات استثمار البنك الأهلى المجموعة (ب) ذات العائد الجارى، وهل هى حلال أم حرام كما يطلب الإفادة عن كيفية الزكاة فيها، وكيفيه التصرف فى العائد منها والمستحق له الآن، وما سبق أن أخذه من البنك من هذا العائد.أجاب : جرى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية على أن الربا هو زيادة مال بلا مقابل فى معاوضة مال بمال، وقد حرم الله سبحانه وتعالى الربا بالآيات الكثيرة فى القرآن الكريم، وكان من آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، ومحرم كذلك بما ورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الذهب بالذهب والفضة بالفضلة ،والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء ).ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا بكل صورة محرم شرعا وأنه يدخل فيه كل زيادة فى المال المقترض بالشرط والتحديد بلا مقابل.وأجمع المسلمون على هذا التحريم. ولما كانت شهادات الاستثمار ( ا، ب ) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة فى ربا الزيادة المحرم بهذه النصوص الشرعية باعتبارها قرضا بفائدة مشروطة.أما شهادات الاستثمار (ج -) ذات الجوائز، فإنها تدخل فى باب الوعد بجائزة إذ ليست لها فائدة مشروطة ولا محددة زمنا ومقدارا، فتدخل فى باب المعاملات المباحة عند بعض فقهاء المسلمين الذى أجازوا الوعد بجائزة أما عن الأرباح التى حصل عليها السائل فائدة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما فهى ربا محرم، وسبيل التخلص من المال الحرام هو التصدق به - أما عن الزكاة فى هذا المال فإذا كان رأس المال يبلغ النصاب الشرعى وجبت عليه الزكاة فيها، ولكن بشروط وهى أن تكون ذمة مالكها خالية من الدين، وأن تكون فائضة عن حاجته المعيشية وحاجة من يعوله.وأن يمضى عليها سنة كاملة. والنصاب الشرعى الذى يجب فيه الزكاة بعد استيفاء باقى الشروط.هو ما تقابل قيمته بالنقود الحالية 85 جراما من الذهب عيار 21 - ويجب عليه إخراج الزكاة بمقدار ربع العشر أى 2.5 % فى المائة وتصرف هذه الزكاة للأصناف التى حددها الله تعالى فى قوله { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل } التوبة 60 ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1260) نقص قيمة الشهادات مع أرباحها عن قيمتها لا يحل الفائدة(2/15)
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.5 محرم 1402 هجرية - 2 نوفمبر 1981.المبادئ:1 - شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات الفائدة المحددة مقدما زمنا ومقدارا.داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا. 2 - نقصان قيمة الشهادات الشرائية مع أرباحها عن قيمتها وقت شرائها لا يكون مبررا لحل فوائدها الربوية.سئل : بالطلب المتضمن أن السائل أهديت له شهادات استثمار من الفئة (ب) ذات العائد الجارى من والده بمناسبة زواجه وهى فى حوزته إلى الآن.وقد استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته لها.والسؤال هل هى حلال بأرباحها.علما بأن قيمتها الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الإهداء والشراء.أجاب : اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا الزيادة هو زيادة مال بلا مقابل فى معاوضة مال بمال.وقد حرم الله الربا بالآيات الكثيرة فى القرآن الكريم.وكان آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، وحرمه كذلك بما ورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما.عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء).ولما كان مقتضى هذه النصوص أنا الربا يدخل فيه كل زيادة على المال المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بلا مقابل، وقد أجمع المسلمون على تحريمه إعمالا لنصوص القرآن والسنة الشريفة.ولما كانت شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص، باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت إهدائها إلى السائل أو وقت الشراء فلا يصلح مبررا لاستحلال هذه الفوائد الربوية، فقد نقل الإمام الإسبيجابى فى شرح الطحاوى اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو نقصت، فعلى المقترض مثل ما قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا (رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود من رخص وغلاء وكساد وانقطاع للعلامة ابن عابدين ج - 2 مجموع الرسائل ص 58 - 67).وإذ كان ذلك كانت القيمة الاسمية لهذه الشهادات حلالا باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب حلال فى الغالب حملا لحال المؤمنين على الصلاح، كما هو الأصل.أما الفائدة التى استحقت عليها طبقا لنظام إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم، باعتبارها محددة زمنا ومقدارا، ولا يحل للمسلم الانتفاع بهذه الفائدة باعتبارها من الأكساب المحرمة، وله قبضها وتوجيهها إلى أى طريق من طرق البر ( انظر كتاب احياء علوم الدين للامام الغزالى ص 882، 883 مسلسل ج - 5 ص 92، 93 تحت عنوان الحلال والحرام - النظر الثانى فى المصرف طبعة لجنة الثقافة الإسلامية 1356 هجرية ) كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التصرف فى الكسب الحرام، إبراء لذمة المسلم من المسئولية أمام الله.فقد ورد فى الحديث الشريف عن أبى برزة الأسلمى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه ) ( صحيح الترمذى ج - 9 ص 253 ) والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1263) تحديد فوائد التجارة.
المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.26 صفر 1400 هجرية - 14 أبريل 1981 م.المبادئ:1 - تحديد مبلغ معين شهريا من قبل الشريك لشريكه مبطل للشركة وهو من باب ربا الزيادة ولا يحل الانتفاع به.2 - الفائدة المحددة سلفا لبعض أنواع شهادات الاستثمار أو التوفير ربا وحرام شرعا.سئل : بالطلب المقدم من السيد / أ م ل المتضمن الإفادة عن الآتى أولا إن له صديقا مخلصا يتصف بالأمانة وحسن الخلق وصدق المعاملة، يعمل لحسابه فى نقل البضائع بواسطة سيارة نقل يمتلكها.وقد عرض على صديقه هذا أن يكون شريكا له فى عمله بمبلغ خمسة آلاف جنيه على أن يقسم صافى الربح أو الخسارة بينهما فى نهاية كل سنة بنسبة رأس مال كل منهما، إلا أنه رفض هذه المشاركة بحجة أنه تعود أن يزاول عمله ويديره بنفسه، كما أن هذه المشاركة تضطره إلى إمساك دفاتر حسابية مما يزيد عبء العمل عليه وتزداد مسئولياته أمام شريكه وأخيرا وبعد إلحاح قبل مبدأ المشاركة على أساس أن يعطيه مبلغا من المال محددا شهريا وعلى مدار السنة، وقد قبل هذا العرض.ويقول السائل إن تعاملى مع هذا الصديق على هذا النحو الذى يريده وقبلته منه.هل يجيزه الدين الإسلامى أم أنه يعتبر تعاملا بالربا ثانيا شهادات الاستثمار قسم (ب) التى يصدرها البنك الأهلى المصرى ذات العائد الجارى والتى يدفع عنها البنك أرباحا سنوية قدرها 9 من قيمتها.هل هذه الأرباح حلال أم حرام.أجاب : أولا - إن التعامل مع هذا الصديق على هذا النحو الذى ذكره وهو تحديد مبلغ محدد قدره بمعرفته وقبله منه السائل مبطل لهذه الشركة إن كانت فى نطاق أحكام المضاربة الشرعية، ويكون المبلغ المحدد من قبل الشريك من باب ربا الزيادة المحرم شرعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين، منذ صدر الإسلام حتى الآن، إذ أن هذا التعامل من قبيل القرض بفائدة، وكل قرض جر نفعا فهو حرام.وعلى ذلك فإن المبلغ المحدد الذى يدفعه الصديق للسائل يدخل فى هذا النطاق ويكون ربا لا يحل للمسلم الانتفاع به.ثانيا - لما كان واقع شهادات الاستثمار ذات الفائدة المحددة والعائد الجارى وتكييفها قانونا أنها قرض بفائدة، وكان مقتضى نصوص الشريعة الإسلامية أن الفائدة المحددة من قبيل ربا الزيادة المحرم، فإن الفوائد المحددة سلفا لبعض أنواع شهادات الاستثمار أو للتوفير تدخل فى هذا النطاق وتكون ربا لا يحل للمسلم الانتفاع بها ومن ذلك يتبين أن التعاملين على الوجه المشروع غير جائز شرعا ويحرم التعامل به.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1301) القرض بفائدة حرام شرعا(2/16)
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.9 ربيع الآخر 1400 هجرية - 25 فبراير 1980 م.المبادئ:1 - الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.2 - الاقتراض من المؤسسات التى تملكها الدولة والاستدانة من البنوك مقابل فائدة محددة مقدما 3% يعتبر قرضا بفائدة.وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام.ويدخل فى ربا الزيادة. 3 - الاقتراض بالفائدة لتشييد بناء لاستغلاله بالتأجير أو التمليك للغير كسب مشوب بالربا الذى يحرم على المسلم التعامل به.سئل : بالطلب المتضمن ما يلى أن الدولة اعتمدت مبلغ مائتين وخمسين مليونا من الجنيهات لأعمال الإسكان والبناء بواقع 3% براحة ثلاث سنوات وتحصل المبلغ على ثلاثين عاما.ويقول السائل. هل يمكن أن أقترض مبلغا من هذا المال لإقامة مسكن على قطعة أرض أملكها لينتفع بها مسلم ليس له مسكن فى شقة من هذه على أن يسدد هذا المال بالشروط والضمانات التى تراها الدولة.أجاب : يقول الله تعالى فى سورة آل عمران { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } آل عمران 130 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح.مثلا بمثل يدا بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى. الآخذ والمعطى فيه سواء) رواه أحمد والبحارى وأجمع المسلمون على تحريم الربا.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا النسيئة، وربا الزيادة محرم شرعا بنص القرآن والسنة وبإجماع المسلمين، ولما كان الاقتراض من مؤسسات التى تملكها الدولة والاستدانة من البنوك مقابل فائدة محددة مقدما مثل 3% يعتبر قرضا بفائدة وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام.ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدما فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى النصوص الشرعية.لما كان ذلك فإن اقتراض السائل من الأموال المذكورة فى السؤال بالفائدة المحددة 3% يكون محرما شرعا، لأنه تعامل بالربا دون ضرورة أو حاجة ذاتية للسائل، لأن الظاهر من سؤاله أنه يريد الاقتراض بالفائدة لتشييد بناء لاستغلاله بالتأجير أو التمليك للغير فيكون كسبه على هذا الوجه مشوبا بالربا الذى يحرم على المسلم التعامل به ويجب عليه أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع (1303) الفوائد وتعليق الصور فى المنازل
.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.25 رمضان 1400 هجرية - 6 أغسطس 1980 م.المبادئ:1 - الفوائد هى من قبيل الربا المحرم شرعا لا يباح الانتفاع بها.2 - طريق التخلص من الكسب المحرم هو التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية.3 - تعليق الصور فى المنازل لا بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة أو التحريض على الفسق والفجور وارتكاب المحرمات.سئل : بالطلب المتضمن أولا كان للسائلة مبلغ من المال وضعته فى البنك بفائدة وقد صرفت قيمة هذه الفائدة وهى معها، وتطلب الإفادة عن كيفية التصرف يها بعد أن عرفت أنها تعتبر ربا محرم.ثانيا تطلب الإفادة عن الصور التى تعلق بحوائط المنازل بقصد الزينة.هل هى حلال أم حرام وهل تمنع دخول الملائكة المنازل وبيان الحكم الشرعى فى ذلك.أجاب : عن السؤال الأول يقول الله تعالى فى كتابه الكريم { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } البقرة 275 ، 276 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر.والشعير بالشعير.والتمر بالتمر. والملح بالملح، مثلا بثمل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه) رواه أحمد والبخارى.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.لما كان ذلك فلا يباح للسائلة الانتفاع بهذه الفائدة، لأنها من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا.وطريق التخلق من الكسب المحرم هو التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية.وعلى كل مسلم ومسلمة أن يتحرى الكسب الحلال ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).عن السؤال الثانى اختلف الفقهاء فى حكم الرسم الضوئى بين التحريم والكراهة، والذى تدل عليه الأحاديث النبوية الشريفة التى رواها البخارى وغيره من أصحاب السنن وترددت فى كتب الفقه، أن التصوير الضوئى للإنسان والحيوان المعروف الآن والرسم كذلك لا بأس به، إذا خلت الصور والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة وخلت كلذلك عن دوافع تحريك غريزة الجنس وإشاعة الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات.ومن هذا يعلم أن تعليق الصور فى المنازل لا بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة، ولم تكن من الصور أو الرسوم التى تحرض على الفسق والفجور وارتكاب المحرمات.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ( 615 ) الدين بفائدة محرم شرعا.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.27 شعبان 1348 هجرية - 27 يناير 1930 م.المبادئ:1 - شراء المورث لبعض ورثته عقارا بثمن مقسط بفائدة معينة على أقساط معينة، ثم إيداعه لبعض ورثته المذكورين مبلغا بأحد البنوك بفائدة معينة، ثم مات فالعقد الأول فاسد شرعا، ويجب إزالة المفسد شرعا خروجا من معصية الربا بقضاء الدين المقسط من الأموال المودعة بأحد البنوك.2 - يحرم شرعا استثمار المال المودع بفائدة معينة بأحد البنوك مادام الاستثمار المذكور بطريق الربا المحرم شرعا.سئل : رجل توفى وكان قد اشترى فى حياته لبنتى ابنه المتوفى قبله عشرين فدانا وعليها سبعمائة جنيه دين، أمن على هذه الأطيان بفوائد سبعة فى المائة مقسطة إلى أربع عشرة سنة وظهر بعد وفاة جدهما أنه أودع لهما فى بنك آخر مبلغ ألفى جنيه بفوائد المائة أربعة ونصف وقد تعين عمهما وصيا عليهما.فهل بموت الجد تحل الأقساط المؤجلة ويدفع الدين كله من الألفى جنيه المودعة على ذمتهما فى البنك تفاديا من الربا المحرم شرعا، أم يبقى الدين المقسط على حالة ليدفع فى مواعيده مع فوائده كما يبقى المبلغ المودع فى البنك باسمهما على حاله بفوائده أيضا.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد بأنه متى كان الدين المذكور على القاصرتين فإنه يجب شرعا قضاؤه من الألفى جنيه خروجا من معصية الربا الذى هو من العقود الفاسدة التى يجب فسخها شرعا، ويحرم التمادى والإصرار عليها، كما يحرم استثمار ما للقاصرتين من المال بطريق الربا المحرم.هذا واللّه تعالى أعلم.
الموضوع ( 617 ) فوائد السندات محرمة.(2/17)
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.29 ربيع الأول 1362 هجرية - 4 ابريل 1943 م.المبدأ : فوائد السندات حرام لأنها من الربا.سئل : ورث شخص عن والده بعض سندات قرض القطن التى تدفع عنها الحكومة فوائد فهل هذه الفوائد تعتبر من أنواع الربا التى حرمها المولى عز وجل فى كتابه الحكيم.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد أن هذه الفوائد من الربا الذى حرمه اللّه سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز.وبهذا علم الجواب عن السؤال.واللّه تعالى أعلم.
الموضوع ( 618 ) التصدق بالفوائد المحرمة غير جائز.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.16 جمادى الأولى 1362 هجرية - 20 مايو 1943 م.المبادئ:1 - أخذ الفوائد على الأموال المودعة فى البنوك حرام لأنه من قبيل أخذ الربا.2 - التصدق بفوائد الأموال المودعة بالبنوك لا يقبلها اللّه تعالى ويأثم صاحبها.سئل : لى مبلغ من النقود أودعته فى بنك بدون فائدة لأنى أعتقد أن الفائدة حرام مهما كانت قليلة وأعلم أن اللّه تعالى يمحق الربا.وقد من اللّه على بحب التصدق على الفقراء والمساكين. وقد أشار على بعض الناس بأنى آخذ الفائدة من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء ولا حرمة فى ذلك.فأرجو التكرم بإفتائى عما إذا كان أخذ الفائدة من البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم لا.وهل وضعها فى جيبى أو فى ببتى إلى أن يتم توزيعها على الفقراء فيه إثم وحرمة أم لا.أرجو الإفادة.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد أن أخذ فوائد على الأموال المودعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعا، ولا يبيح أخذه قصد التصدق به لإطلاق الآيات والأحاديث على تحريم الربا.ولا نعلم خلافا بين علماء المسلمين فى أن الربا محرم شرعا على أى وجه كان، هذا ولا يقبل اللّه تعالى هذه الصدقة بل يأثم صاحبها كما تدل على ذلك أحاديث كثيرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.فقد جاء فى كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب مانصه (وأما الصدقة بالمال الحرام فغير مقبولة.كما فى صحيح مسلم عن ابن عمر رضى اللّه عنهما عن النبى صلى اللّه عليه وسلم.لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب - ولا يقبل اللّه إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه إلى آخر الحديث.وفى مسند الإمام احمد رحمه اللّه عن ابن مسعود رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال لا يكتسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيتقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار.إن اللّه لا يمحو السيىء بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث ويروى من حديث رواح عن ابن حجيرة عن أبى هريرة رضى اللّه عنه عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال ما كسب مالا حراما فتصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره (إثمه وعقوبته ) عليه.أخرجه ابن حيان فى صحيحه ورواه بعضهم موقوفا على أبى هريرة وفى مراسيل القاسم ابن مخيمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه وتصدق به (لعلها أو تصدق به) أو أنفقه فى سبيل اللّه جمع ذلك جميعا ثم قذف به فى نار جهنم ) وروى عن أبى الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مثل من أصاب مالا من غير حله فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة وسئل ابن عباس رضى اللّه عنهما عمن كان على عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق، ويتصدق منه فقال إن ا لخبيث لا يكفر الخبيث وكذا قال ابن مسعود رضى اللّه عنه إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث.وقال الحسن أيها المتصدق على المسكين ترحمه.ارحم من قد ظلمت. وبما ذكرنا يعلم الجواب عن السؤال.واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ( 620) الاعانة فى عمل الريا محرمة شرعا.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.28 رمضان 1363 هجرية - 16 سبتمبر 1944 م.المبدأ : مباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم.وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا.سئل : شخص يعمل كاتبا ببنك التسليف الزراعى.فهل عليه حرمة فى هذا، أو الدين يحرم عليه الاشتغال، علما بأنه محتاج إليه فى معيشته وأن جميع أعمال البنك تقوم على الفوائد والربا وذلك مما حرمه الشرع.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد أن الربا محرم شرعا بنص الكتاب والسنة وبإجماع المسلمين.ومباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا.وروى مسلم عن جابر رضى اللّه عنه والبخارى من حديث أبى جحيفة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه.واللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث الشريف.وبهذا علم الجواب عن السؤال.واللّه تعالى أعلم.
الموضوع ( 621 ) استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم.
المفتى : فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.27 ربيع الأول 1364 هجرية - 12 مارس 1945 م.المبادئ:
1 - استثمار المال فى المصارف من الربا المحرم شرعا.2 - استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا كذلك.سئل : من عمر ب.من عمان شرق الأردن قال تأسست فى مدينة عمان جمعية باسم (جمعية الثقافة الإسلامية) غايتها إنشاء جامعة لتدريس العلوم العربية والشرعية ، وقد جمعت مبلغا من المال أودعته فى أحد البنوك المحلية ولما لم يتيسر لها البدء فى العمل حتى الآن وكانت أموالها معطلة بلا فائدة وكان من الممكن الحصول على فائدة من المصرف الموجودة به الأموال بحيث ينمو هذا المال إلى أن يتيسر إنفاقه فى سبيله لذلك رأت الجمعية أن تسترشد رأى سماحتكم مستعملة عما إذا كان يجوز لها تنمية المال المذكور بالصورة المذكورة أسوة بأموال الأيتام التى تنمو بمعرفة الموظف المخصوص لدى المحكمة الشرعية.أجاب : اطلعنا على هذا السؤال.ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة غير جائز لأنه من قبيل الربا المحرم شرعا كما لا يجوز استثمار أموال اليتامى بالطريق المذكورة.هذا وأن فيما شرعه اللّه تعالى من الطرق لاستثمار المال لمتسعا لاستثمار هذا المال كدفعه لمن يستعمله بطريق المضاربة الجائزة شرعا أو شراء ما يستغل من الأعيان إلى أن يحين الوقت لاستعماله فيما جمع من أجله فيباع حينئذ وبهذا علم الجواب. واللّه أعلم.
************
حكم التعامل بالربا في بلاد الغرب
مجمع الفقه الإسلامي اسم المفتى
1429 رقم الفتوى
27/05/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
1-ما حكم التعامل بالربا فى حالة سفر أحد المسلمين الى بلاد الكفر؟
نص الفتوى
أخي الفاضل سلام الله عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد
أنقل إليك قرار المجمع الفقهي في حكم التعامل بالربا داخلا أو خارجا ونعود إلى حديث بعد نص القرار "الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد :.
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19رجب 1406هـ قد نظر في موضوع (تفشي المصارف الربوية، وتعامل الناس معها، وعدم توافر البدائل عنها) وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيس المجلس.(2/18)
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة، التي يقترف فيها محرم بَيِّن، ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع، وأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الإثم والموبقات السبع، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 279).
وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (لُعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم.
كما روى ابن عباس عنه (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله عز وجل) وروى نحوه ابن مسعود.
وقد اثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم . وألا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم، وهو ما سبق به الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا.
ومن نعمة الله تعالى أن المسلمين بدأوا يستعيدون ثقتهم بأنفسهم ووعيهم لهويتهم، نتيجة وعيهم لدينهم، فتراجعت الأفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ونظامها الرأسمالي، والتي وجدت لها يومًا من ضعاف الأنفس من يريد أن يقسر النصوص الثابتة الصريحة قسرًا لتحليل ما حرم الله ورسوله. وقد رأينا المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي عقدت في أكثر من بلد إسلامي، وخارج العالم الإسلامي أيضًا، تقرر بالإجماع حرمة الفوائد الربوية، وتثبت للناس إمكان قيام بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة، وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعًا، بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت، قليلة ثم سرعان ما تكاثرت حتى بلغ عددها الآن في البلاد الإسلامية وخارجها أكثر من تسعين مصرفًا.
وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يومًا أن تطبيق الشريعة في المجال الاقتصادي مستحيل ؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد.
وقد وفق الله بعض البلاد الإسلامية مثل باكستان لتحويل بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا أخذًا ولا عطاء، كما طلبت من البنوك الأجنبية أن تغير نظامها بما يتفق مع اتجاه الدولة، وإلا فلا مكان لها . وهي سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله.
ومن هنا يقرر المجلس ما يلي :.
أولاً : يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا، أخذًا أو عطاءًا، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله، ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله.
ثانيًا : ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية ويعني بالمصارف الإسلامية كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويُلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية مُلزمة . ويدعو المجلس المسلمين في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها، وعدم الاستماع إلى الإشاعات المغرضة التي تحاول أن تشوش عليها، وتشوه صورتها بغير حق.
ويرى المجلس ضرورة التوسع في انشاء هذه المصارف في كل أقطار الإسلام، وحيثما وُجِدَ للمسلمين تجمعًا خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.
ثالثا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لاعذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي . ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعًا: يدعو المجلس المسئولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا، استجابة لنداء الله تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) وبذلك يسهمون في تحرير مجتمعاتهم من آثار الاستعمار القانونية والاقتصادية.
خامسًا : كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم - مودع المال - لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شئونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها . وليس هذا من باب الصدقة وإنما هو من باب التطهر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوي بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم .علمًا بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
إذا قرأت هذا فإني أقول لك لابد أن تضع في اعتبارك البعد عن الربا قدر الطاقة والإمكان فإن اضررت إلى التعامل بصورة لا تتيح لك الفرار منها مع البنوك فلابد أن تتخلص من الأموال الزائدة في المشاريع الإسلامية ولا تعتبرها من باب الصدقة وإنما من باب التخلص من الحرام سواء كان هذا داخل البلاد الإسلامية أو بلاد الكفر.
والله الموفق.
http://www.al-eman.com/Ask/ask3.asp?id=1429&hide1=2&Next=&select1=*&select2=*&rad1=&dbegin=&mbegin=&ybegin=&dend=&mend=¥d=&rad2=MOF&idser=&wordser=
================
حكم التعامل بالربا مع غير المسلمين
دار الإفتاء المصرية
19599 رقم الفتوى
14/07/2004 تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
أنا أعيش فى بلد غير إسلامى ، ولا يمكننى أن أقضى مصالحى إلا عن طريق البنوك التى تتعامل بالربا، فقيل لى: إن الربا معهم ليس بحرام ، فهل هذا صحيح ؟ نص الفتوى(2/19)
تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة -أم لا، واختلفوا فى ذلك ، وبناء على هذا الاختلاف ،قالوا : إن المقيمين فى البلاد الإِسلامية يلتزمون بالأحكام الشرعية، سواء كان المقيم مسلما أو ذميا ، لأن تطبيق الأحكام الشرعية ممكن فى البلاد الإسلامية فإذا سافر المسلم أو الذمى إلى دار الحرب وحدثت منه مخالفة لأحكام الشريعة ، أو حدثت من شخص كان يقيم فى دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار الإسلام ، فلا تطبق عليه أحكام الشريعة الإسلامية ، لأن القاضى المسلم لا تمتد ولايته إلى المحل الذى ارتكبت فيه الجريمة ، ومن هنا نقل عن أبى حنيفة أنه أجاز للمسلم والذمى من أهل دار الإسلام إذا دخلا دار الحرب مستأمنين - أن يتعاقدا بالربا مع الحربى أو المسلم من أهل دار الحرب الذى يهاجر إلى دار الإسلام ، لأن أخذ الربا فى هذه الحال يكون فى معنى إتلاف المال بالرضا ، وإتلاف مال الحربى وبرضاه مباح ، لأنه لا عصمة لدمه ولا لماله ، وقد نقل أبو يوسف عن أبى حنيفة قوله: إن وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها ، فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية . وبهذا ، إذا دخل المسلم أو الذمى دار حرب بأمان فتعاقد مع حربى على الربا أو على غيره من العقود الفاسدة فى نظر الإِسلام جاز عند أبى حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق ونشره فى رسالته عن أحكام التأمين " السكورتاه " ص 7 مطبعة النيل بمصر سنة 1906 م ونقله الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى كتابه " فتاوى معاصرة ص 86 " ، . هذا ما قاله أبو حنيفة، أما صاحبه أبو يوسف فقال : لا يجوز للمسلم فى دار الحرب إلا ما يجوز له فى دار الإسلام ، لأن حرمة الربا ثابتة فى حق العاقدين ، أما فى حق المسلم فبإسلامه وأما فى حق الحربى فلأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى { وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } النساء : 161، والأئمة الثلاثة قالوا : تطبق أحكام الشريعة الإِسلامية على كل من هو فى دار الإِسلام من المسلمين والذميين والمستأمنين ، كما يعاقب المسلم والذمى على ما يرتكبانه فى دار الحرب ولو كان الفعل مباحا فيها كالربا والقمار، تنفيذا لأحكام الشريعة . وقد استظهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الخلاف بين فقهاء الحنفية إنما هو فى إمكان توقيع العقوبة على التعامل المحرم إذا وقع من المسلم فى دار الحرب ، ومال إلى رأى جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا على المسلم أيا كان موقعه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب ، وذلك بمقتضى إسلامه ، اللهم إلا إذا كان مقترضا لضرورة، أما أن يكون مقرضا فلا يحل ، لأنه لا ضرورة فيه . وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم فى دار لا يحكم فيها بالإسلام مساويا لتصرفه فى دار يحكم فيها بالإسلام ، من جهة الحل والحرمة، أما القضاء الدنيوى المعتبر فيه ميدان تطبيقه فلا يغير من حكم اللّه شيئا .
=======================
وفي كتاب الربا وأضراره -فتاوى في مسائل من الربا المعاصر
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية.
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية.
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها.
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى.
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق.
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً.
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين.
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية.
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها.
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية.
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك.
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية.
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية.
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية.
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى.
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة.
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي.
المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية:
صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نصه على النحو الآتي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدّم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرّر ما يلي:
أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سرّ مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرّر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسياً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي:
( أ ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئة أو يداً بيد.
(جـ) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يداً بيد، لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.(2/20)
ثالثاً: وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعاً: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات.
والله أعلم: وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(1).
المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية:
س: عندي كمية من أكياس الأرز وهو بمستودع لنا ويأتي إليّ أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عداً في محله فهل في هذه الطريقة إثم أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
جـ: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا. الربا المغلظ الجامع بين التأخير والفضل، أي بين ربا الفضل وربا النسيئة، وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة. وأحياناً يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا من الدراهم، العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل، ثم يأتيان على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ الإسلام ابن تيمية: الحيلة الثلاثية، وهي بلا شك حيلة على الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، فهي حرام ومن كبائر الذنوب، وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه، بل إن التحايل عليه يزيده خبثاً ويزيده إثماً، ولهذا ذُكِرَ عن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين قال: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، وصدق رحمه الله، فإن المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلال(2).
فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها
س: ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي في مكانها وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟
جـ: لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكاً لها وقد قبضها لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم، لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك"(3)، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك" رواه الخمسة بإسناد صحيح(4)، وهكذا الذي يشتريها، ليس له بيعها حتى يقبضها أيضاً للحديثين المذكورين.
ولِمَا رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم(5).
وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبتاعون جزافاً - يعني الطعام - يُضْرَبون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم"(6)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة(7).سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى:
س: أريد أن أشتري عشرة آلاف دولار أمريكي من شخص معين بسعر 40 ألف ريال سعودي، وسيكون التسديد على أقساط شهرية، كل قسط ألف ريال، وأريد أن أبيع هذه الدولارات في السوق بسعر 37.500 ألف ريال، فما الحكم في ذلك علماً بأنني محتاج لهذه النقود؟
جـ: الحكم في هذا هو التحريم، فيحرم على الإنسان إذا صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إلا بعد قبض العوضين، وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض الثاني الذي هو قيمة الدولارات، وعلى هذا فيكون فاسداً وباطلاً، فإذا كان قد نفذ الآن فإن الواجب على هذا الذي أخذ الدولارات أن يسددها دولارات، ولا يجوز أن يبني على العقد الأول، لأنه فاسد، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق"(8).فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق
س: رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات، فيأتي إليه شخص معه ذهب مستعمل فيشتريه منه وتعرف قيمته بالريالات، وقبل دفع القيمة في المكان والزمان، يشتري منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهباً جديداً، وتعرف قيمته، ويدفع المشتري الباقي عليه، فهل هذا جائز أم أنه لا بد من تسليم قيمة الأول كاملة إلى البائع ثم يسلم البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو من غيرها؟
جـ: في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب المستعمل، ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء يشتري ممن باع عليه ذهباً جديداً أو من غيره، وإن اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى لا يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس الربوي بجيده متفاضلاً، لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمل رجلاً على خيبر فجاءه بتمر جنيب (جيد) فقال: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً"(9)، ولأن المقاصة في مثل هذا البيع ولو كانت في زمان ومكان البيع، قد تؤدي إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، وذلك محرم، لما روى مسلم رحمه الله تعالى عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد". وفي رواية عن ابن سعيد: "فمن زاد أو استزاد فقد أربا، الآخذ والمعطي سواء"(10).اللجنة الدائمة
س: ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة ثم وَزَنَها وقال إن ثمنها 1500 ريال واشتريت منه حلي جديد بمبلغ 1800 ريال هل يجوز أن أدفع له 300 ريال فقط (الفرق) أم آخذ 1500 ريال ثم أعطيه 1800 ريال مجتمعة؟
جـ: لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل سواء بسواء وزناً بوزن يداً بيد بنص النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة ولو اختلف نوع الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الاختلاف وهكذا الفضة بالفضة.
__________
(1) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، جمع محمد المسند، 2/379-380. وانظر: أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية 1/30-58.
(2) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/382.
(3) أبو داود 3/283، برقم 3503، والترمذي 3/525 برقم 1232، والنسائي 7/289، برقم 4613، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/9.
(4) أبو داود برقم 3504، والترمذي برقم 1234، والنسائي برقم 4611، وابن ماجه برقم 2188، وأحمد 2/174، 179، 205، والحاكم 2/17.
(5) أبو داود 3/282، برقم 3499، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/668.
(6) البخاري 3/30، برقم 2131.
(7) فتاوى إسلامية 2/383-384.
(8) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/386، والحديث أخرجه البخاري برقم 456.
(9) البخاري برقم 2201، ومسلم برقم 1594.
(10) فتاوى إسلامية 2/389، والحديث تقدم تخريجه ص34.(2/21)
والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب بذهب، ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العمل الورقية ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته من الذهب بسعره من الفضة أو العملة الورقية يداً بيد؛ لأن العملة الورقية منزَّلة منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها.
أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود كالسيارات والأمتعة والسكر ونحو ذلك فلا حرج في التفرق قبل القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية والورقية وبين هذه الأشياء المذكورة وأشباهها.
ولا بد من إيضاح الأجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}(1).(2)سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً:
س: إنسان أخذ مني مصاغ ذهب، وثمن المصاغ ألف ريال، وقلت له لا يجوز إلا نقداً، وقال سلفني ألف ريال، وسلفته الألف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟
جـ: لا يجوز لأنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين، عقد سلف وعقد بيع، وهو ممنوع أيضاً(3).اللجنة الدائمة
س: إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات من الذهب ولَمّا وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه لا يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه لا يجوز لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إلا جزء من القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثلاً وقال لي أترك الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل الدراهم وأستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه حتى يحضر لاستلامه أم يلزمني أن ألغني العقد وهو إن حضر فهو كسائر المشترين وإلا فلا شيء بيننا؟
جـ: لا يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه حتى يأتي بالدراهم، بل لم يتم العقد تخلصاً من ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية الدراهم ابتدأتما عقداً جديداً يتم في مجلسه التقابض بينكما(4).اللجنة الدائمة
المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين:
س: أنا من سكان الكويت، وعندنا شركات مساهمة خاصة بالأعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول، ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد عائلته، فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه الشركات.
جـ: يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا، فإن كان تعاملها بالربا فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع، وكذلك لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأن عقود التأمين مشتملة على الغرر والجهالة والربا، والعقود المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرمة في الشريعة الإسلامية(5).اللجنة الدائمة
المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية:
صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي الإسلامي الآتي نصه:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب عام 1406هـ إلى يوم السبت 29 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل عنها، وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيسي المجلس.
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع.
وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً.
وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي مستحيل؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد، ومما جاء في القرار كذلك أنه:
أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله عنه من التعامل بالربا أخذاً وعطاء، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور.
ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح إلى قيام المصارف الإسلامية بديلاً شرعياً للمصارف الربوية. ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل الأقطار الإسلامية وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.
ثالثًا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل والخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا.
خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم (مودع المال) لنفسه أو لأحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة وإنما من باب التطهر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز الاستمرار في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل(6).مجلة الدعوة، 1037
المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها
س: ما الحكم الشرعي في كل من:
1ـ الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة.
2ـ المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟
3ـ الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟
4ـ الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟
5ـ صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟
جـ: لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة؛ لأن كل ذلك من الربا الصريح.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 282.
(2) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/352.
(3) فتاوى إسلامية 2/390.
(4) فتاوى إسلامية 2/353.
(5) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/392.
(6) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء 2/393.(2/22)
ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}(1). ويقول سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات}(2). ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}(3). ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}(4). ينبه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدين ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم.
أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(5).
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه "لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه". وقال: "هم سواء". أخرجه الإمام مسلم في صحيحه(6).
والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة، ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية.
نسأل الله أن يمنّ على الجميع بالهداية وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه(7).سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية:
س: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول فهل يجوز ذلك أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
جـ: لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لِمَا في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله للضرورة، والله سبحانه يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}(8)، ومتى وجد بنكاً إسلاميّاً أو محلاًّ أميناً ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه لم يجز له الإيداع في البنك الربوي(9).سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك:
س: ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث يصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟
جـ: لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها لكونها بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء لقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(10).
ولِمَا ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه "لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه"، وقال: "هم سواء" رواه الإمام مسلم في صحيحه(11)، وليس لك إلا رأس مالك.
ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية، والتحذير منها، والتوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك، لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومن أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}(12). وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(13). ولِمَا تقدّم من الحديث الشريف(14).سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية:
س: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
جـ: لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه، أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال بل ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم "لعن آكل الربا وموكله وشاهديه" وكاتبه وقال: "هم سواء"(15) (16).فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية:
س: بعض البنوك تعطي أرباحاً بالمبالغ التي توضع لديها من قبل المودعين، ونحن لا ندري حكم هذه الفوائد هل هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة الإسلامية؟
جـ: أولاً: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا. ولا يحلّ له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربوية، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق عامة ونحو ذلك.
ثانياً: يبحث عن محل لا يتعامل بالربا ولو دكاناً ويوضع المبلغ فيه على طريق التجارة، مضاربة، على أن يكون ذلك جزءاً مشاعاً معلوماً من الربح كالثلث مثلاً، أو بوضع المبلغ فيه أمانة بدون فائدة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(17).اللجنة الدائمة
المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية:
س: المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 275.
(2) سورة البقرة، الآية: 276.
(3) سورة البقرة، الآية: 278.
(4) سورة البقرة، الآية: 280.
(5) سورة المائدة، الآية: 2.
(6) تقدم تخريجه ص28.
(7) فتاوى إسلامية، 2/397.
(8) سورة الأنعام، الآية: 119.
(9) فتاوى إسلامية، 2/397.
(10) سورة المائدة، الآية: 2.
(11) مسلم 3/1218 برقم 1597.
(12) سورة البقرة، الآيتان: 275، 276.
(13) سورة البقرة، الآيتان: 278، 279.
(14) فتاوى إسلامية، 2/399-400.
(15) مسلم 3/1218 برقم 1597.
(16) فتاوى إسلامية 2/401.
(17) فتاوى إسلامية 2/404.(2/23)
جـ: يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره، لأنه ربا وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(1).اللجنة الدائمة
المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى:
س: أقرضني أخي في الله (حسن. م) ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقداً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض - وهي سنة - ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته.
فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا؟ لا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا؟
جـ: ليس للمقرض (حسن. م) سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن خيار الناس أحسنهم قضاء". رواه مسلم في صحيحه(2)، وأخرجه البخاري بلفظ: "إن من خيار الناس أحسنهم قضاء"(3).
أما العقد المذكور فلا عمل عليه ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلّت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً(4).سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز
س: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500 جنيه مصري، وقد أرسلت له مبلغ 2000 دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً، ويرغب حالياً في سداد الدين، علماً بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حالياً 1800 دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800 جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300 جنيه مصري)؟
جـ: الواجب أن يردّ عليك ما اقترضته دولارات، لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء"(5)، فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به(6).فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة:
س: رجل اقترض مالاً من رجل لكن المقرض اشترط أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ، يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها، والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يرجع المدين المال كاملاً كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده، ما حكم الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟
جـ: إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه، وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله عز وجل لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(7). فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب، وبالنسبة للمقترض جائز مباح.
وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استسلف من رجل بَكراً وردّ خيراً منه، وإذا كان هذا العقد أي القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحول إلى عقد معاوضة وربح، أعني الربح المادي الدنيوي؛ لأنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع والمعاوضات، ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر: بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة، أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض، فإنه في الصورتين يكون بيعاً حراماً ورباً، لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لتغليب جانب الإرفاق.
وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد خرج بالقرض عن موضوع الإرفاق فيكون حراماً.
والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا، وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضاً ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع؛ لأن ذلك جر منفعة إلى المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان(8).فضيلة العلامة ابن عثيمين
المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وبعد..
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام، والمقيد برقم 1100 في 28/7/1400هـ ونصّه:
لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك، حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامناً حسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد) وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه، ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع)، فوقعنا في حيرة من أمرنا، وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترناً بالأدلة الشرعية، فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لِمَا بلغنا عنكم من العلم والتقوى والورع، لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترناً بالأدلة الشرعية، هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان؟
وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضدّ الحوادث، والتأمين على الحياة، وما رأي الشرع في مثل هذه العقود؟
وأجابت بما يلي:
أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز؛ لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة، والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
ثانياً: التأمين التجاري حرام لِمَا يأتي:
__________
(1) فتاوى إسلامية 2/412.
(2) مسلم برقم 1600.
(3) البخاري برقم 2306.
(4) فتاوى إسلامية 2/414.
(5) أبو داود 3/250، برقم 3345، والنسائي في كتاب البيوع، الباب رقم 50، 52.
(6) فتاوى إسلامية 2/414-415.
(7) سورة البقرة، الآية: 195.
(8) فتاوى إسلامية 2/415-416.(2/24)
1ـ عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش، لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً، وذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم النهي عن بيع الغرر(1). رواه مسلم.
2ـ عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة، لِمَا فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(2).
3ـ عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما محرّم بالنّصّ والإجماع.
4ـ عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان، وقد حصر النبي صلّى الله عليه وسلّم رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل"(3). رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ابن حبان.
وليس التأمين من ذلك ولا شبيهاً به فكان محرماً.
5ـ عقد التأمين في أخذ مال الغير بلا مقابل هو أخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرّم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}(4).
6ـ في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن، على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية، مع العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتاباً مناسباً في الموضوع نرشدكم إليه.
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه(5).
وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة لا يجوز لأدلة، منها:
1ـ فيه ربا؛ لأن الفائدة تعطى في بعض أنواعه - وهو التأمين على الحياة - لأنها تتضمن التزام المؤمن بأن يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافاً إلى ذلك فائدته الربوية، فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ الكثير.
2ـ التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل.
3ـ يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لأنه عقد معلق على خطر، فتارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنىً.
4ـ التأمين فيه غرر وجهالة.
5ـ التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام، وذلك أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الآخر الخسائر التي حصلت، ويترتب على ذلك نزاع ومشاكل، ومرافعات قضائية.
6ـ لا ضرورة تدعو إلى التأمين، فقد شرع الله الصدقات في الإسلام، وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين والغارمين، والحكومة الإسلامية مسؤولة عن رعاياها(6).
=====================
مفاسد الربا وأضراره وأخطاره وآثاره
لا شكّ أنّ للرّبا أضرار جسيمة، وعواقب وخيمة، والدين الإسلامي لم يأمر البشرية بشيء إلا وفيه سعادتها، وعزّها في الدنيا والآخرة، ولم ينهها عن شيء إلا وفيه شقاوتها، وخسارتها في الدنيا والآخرة، وللربا أضرار عديدة، منها:
1ـ الربا له أضرار أخلاقية وروحية؛ لأننا لا نجد من يتعامل بالربا إلا إنساناً منطبعاً في نفسه البخل، وضيق الصدر، وتحجر القلب، والعبودية للمال، والتكالب على المادة وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة.
2ـ الربا له أضرار اجتماعية؛ لأن المجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمع منحل، متفكك، لا يتساعد أفراده فيما بينهم، ولا يساعد أحد غيره إلا إذا كان يرجو من ورائه شيئاً، والطبقات الموسرة تضاد وتعادي الطبقات المعدمة.
ولا يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته، ولا استتباب أمنه؛ بل لا بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكك، والتشتت في كل حين من الأحيان.
3ـ الربا له أضرار اقتصادية؛ لأن الربا إنما يتعلق من نواحي الحياة الاجتماعية بما يجري فيه التداين بين الناس، على مختلف صوره وأشكاله.
والقروض على أنواع:
أ ـ قروض يأخذها الأفراد المحتاجون؛ لقضاء حاجاتهم الذاتية، وهذا أوسع نطاق تحصل به المراباة ولم يسلم من هذه الآفة قطر من أقطار العالم إلا من رحم الله، وذلك لأن هذه الأقطار لم تبذل اهتمامها لتهيئة الظروف التي ينال فيها الفقراء، والمتوسطون القرض بسهولة، فكل من وقع من هؤلاء في يد المرابي مرة واحدة لا يكاد يتخلص منه طول حياته، بل لا يزال أبناؤه، وأحفاده يتوارثون ذلك الدين(7).
ب ـ قروض يأخذها التجار، والصّنّاع، وملاك الأراضي لاستغلالها في شؤونهم المثمرة.
ج ـ قروض تأخذها الحكومات من أسواق المال في البلاد الأخرى لقضاء حاجاتها.
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) سورة المائدة، الآية: 90.
(3) أخرجه الترمذي برقم (1700) وأبو داود برقم (2574)، وابن ماجه (44) و(2878). والنسائي (3587) و(3588)، وأحمد في المسند (2/256، 358، 474) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن القطان، وابن دقيق العيد قال أحمد شاكر في تحقيق المسند (7476) و(8678) و(8981) و(9483): "إسناده صحيح"، وقال الأرناؤوط في شرح السنة (10/393): "إسناده صحيح".
(4) سورة النساء، الآية: 29.
(5) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود (عضو)، عبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة) عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس) فتوى رقم 3249، وتاريخ 9/10/1400هـ.
(6) انظر الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، للشيخ الدكتور عمر ابن عبد العزيز المترك، ت1405هـ، ص425.
(7) انظر الربا لأبي يعلى المودودي ص40.(2/25)
وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة، والتعاسة مدة حياته، سواء كانت تلك القروض لتجارة، أو لصناعة، أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول الغنية؛ فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسارة الكبيرة التي لا يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات، وما ذلك إلا لعدم اتباع المنهج الإسلامي، الذي يدعو إلى كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(1).
وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالتراحم، والتعاطف، والتكاتف بين المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه"(2).
وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(3).
فلا نجاة، ولا خلاص، ولا سعادة، ولا فكاك من المصائب، إلا باتباع المنهج الإسلامي القويم واتباع ما جاء به من أحكام، وتعاليم.
4ـ انعكاس الربا على المجتمعات الإسلامية، وتقدَّم توضيحه.
5ـ تعطيل الطاقة البشرية، فإن البطالة تحصل للمرابي بسبب الربا.
6ـ التضخم لدى الناس بدون عمل.
7ـ توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة، وبذلك يحصل الإسراف.
8 ـ وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم، وهذا من أخطر ما أصيب به المسلمون، وذلك لأنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر، وهذا الإيداع يجرّد المسلمين من أدوات النشاط، ويعين هؤلاء الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين، والاستفادة من أموالهم(4).
9ـ الربا خلق وعمل من أعمال أعداء الله اليهود، قال الله عز وجل: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(5).
10ـ الربا من أخلاق أهل الجاهلية فمن تعامل به وقع في صفة من صفاتهم(6).
11ـ آكل الربا يبعث يوم القيامة كالمجنون، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(7).
12ـ يمحق الله أموال الربا ويتلفها، قال الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}(8). وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل"(9).
13ـ التعامل بالربا يوقع في حرب من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}(10).
14ـ أكل الربا يدلّ على ضعف التّقوى أو عدمها، وهذا يسبب عدم الفلاح ويوقع في خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(11).
15ـ أكل الربا يُوقع صاحبه في اللعنة، فيبعد من رحمة الله تعالى، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه"، وقال: "هم سواء"(12).
16ـ آكل الربا يعذب بعد موته بالسباحة في نهرٍ من دم، وتقذف في فيه الحجارة فيرجع في وسط نهر الدم، وفي الحديث عن سمرة رضي الله عنه بعد أن ساق الحديث بطوله فقيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: "الذي رأيته في النهر آكل الربا"(13).
17ـ أكل الربا من أعظم المهلكات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"(14).
18ـ أكل الربا يسبب حلول العذاب والدمار، فعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله"(15).
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 2.
(2) البخاري 1/122، برقم 481، ومسلم 4/1999، برقم 2585.
(3) البخاري 7/77، برقم 6011، ومسلم 4/1999 واللفظ له برقم 2586.
(4) انظر الربا، وآثاره على المجتمع الإنساني، للدكتور عمر بن سليمان الأشقر.
(5) سورة النساء، الآية: 161، وانظر ص15.
(6) انظر الفصل الثالث من الباب الأول (الربا في الجاهلية).
(7) سورة البقرة، الآية: 275.
(8) سورة البقرة، الآية: 276.
(9) أحمد في المسند 1/395، 424، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2/37، وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند برقم 3754.
(10) سورة البقرة، الآيتان: 278، 279.
(11) سورة آل عمران، الآيات: 130-132.
(12) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه 3/1218 برقم 1597.
(13) أخرجه البخاري 3/11 برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/313.
(14) متفق عليه: البخاري برقم 2615، والبخاري مع الفتح 5/393 برقم2015، ومسلم برقم 89.
(15) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/37، وحسنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، ص203 برقم 344.(2/26)
19ـ الربا ثلاثة وسبعون باباً من أبواب الشر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم“(1).
20ـ الربا معصية لله ورسوله، قال الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(2). وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}(3). وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}(4). وقال عز وجل: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}(5).
21ـ آكل الربا متوعد بالنار إن لم يتب، قال الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}(6).
22ـ لا يقبل الله الصدقة من الربا، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً“(7).
23ـ لا يستجاب دعاء آكل الربا، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ”... ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام فأنّى يُستجاب لذلك“(8).
24ـ أكل الربا يسبب قسوة القلب ودخول الران عليه، قال الله تعالى: {كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(9). وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ”ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب“(10).
25ـ أكل الربا يكون سبباً في الحرمان من الطيبات، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً، وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(11).
26ـ أكل الربا ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}(12).
27ـ آكل الربا يحال بينه وبين أبواب الخير في الغالب، فلا يقرض القرض الحسن، ولا ينظر المعسر، ولا ينفس الكربة عن المكروب؛ لأنه يصعب عليه إعطاء المال بدون فوائد محسوسة، وقد بيّن الله فضل من أعان عباده المؤمنين ونفّس عنهم الكرب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه“(13).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة“(14).
وثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله“(15).
28ـ الربا يقتل مشاعر الشفقة عند الإنسان؛ لأن المرابي لا يتردد في تجريد المدين من جميع أمواله عند قدرته على ذلك، ولهذا جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لا تنزع الرحمة إلا من شقي“(16). وقال عليه الصلاة والسلام: ”لا يرحم الله من لا يرحم الناس“(17). وقال عليه الصلاة والسلام: ”الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء“(18).
29ـ الربا يسبب العداوة والبغضاء بين الأفراد والجماعات، ويحدث التقاطع والفتنة(19).
30ـ يجرّ الناس إلى الدخول في مغامرات ليس باستطاعتهم تحمّل نتائجها. وأضرار الربا لا تُحصى، ويكفي أن نعلم أن الله تعالى لا يحرم إلا كلّ ما فيه ضرر ومفسدة خالصة أو ما ضرره ومفسدته أكثر من نفعه، فأسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة(20).
الخاتمة
__________
(1) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي 2/37، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 3/186، وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم 2274 ولفظه: ”الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه“ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/27، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي 8/55: ”صححه الحافظ العراقي“ وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه برقم 2275 ولفظه: ”الربا ثلاثة وسبعون باباً“ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/28، وقال العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله: ”وعند ابن ماجه: الربا ثلاثة وسبعون باباً، وهي صحيحة ولم يزد على ذلك... ورواه أبو داود بإسناد جيد عن سعيد بن زيد مرفوعاً: ”إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق“ 4/269، وزيادة ”أيسرها كأن ينكح الرجل أمه“ فيها نظر، وقد رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهذا مما يوجب الحذر، والتمثيل بالأم يدل على عظم الذنب، والتمثيل بالعرض يدل على أن الربا لا يختص بالمال، وأنه يدخل في الربا: الغيبة، والنميمة، وتعاطي ما حرّم الله من الفواحش الأخرى“ انتهى كلام ابن باز حفظه الله، من تعليقه على الحديث رقم 851 من بلوغ المرام لابن حجر رحمه الله.
(2) سورة النور، الآية: 63.
(3) سورة النساء، الآية: 14.
(4) سورة الأحزاب، الآية: 36.
(5) سورة الجن، الآية: 23.
(6) سورة البقرة، الآية: 275.
(7) أخرجه مسلم 2/703 برقم 1014.
(8) أخرجه مسلم كما تقدم 2/703 برقم 1014.
(9) سورة المطففين، الآية: 14.
(10) أخرجه البخاري 1/19 برقم 52، وأخرجه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه 3/1219 برقم 1599.
(11) سورة النساء، الآيتان: 160، 161.
(12) سورة إبراهيم، الآيتان: 42، 43.
(13) مسلم 4/2074 برقم 2699.
(14) متفق عليه: البخاري برقم 2442، ومسلم 4/1996 برقم 2580.
(15) مسلم 4/2302 برقم 3006.
(16) أبو داود 4/286 برقم 4942، والترمذي 4/323 برقم 1923، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/180.
(17) متفق عليه: البخاري 8/208 برقم 7376، ومسلم 4/1809 برقم 2319.
(18) أبو داود 4/285 برقم 1941، والترمذي 4/324 برقم 924، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/180.
(19) انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 4/7.
(20) انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 4/7.(2/27)
تمّ بحمد الله تعالى هذا البحث بعد التّحرّي، والعناية، على قدر المستطاع، والموضوع له أهمية كبيرة، وجدير بالعناية من الباحثين والعلماء المخلصين، وما ذلك إلا لأن الربا آفة خطيرة على الأمة الإسلامية؛ لأن الربا مضاد لمنهج الله تعالى فيجب على جميع المسلمين التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ففيهما الخير كله، وفيهما سعادة البشرية - لمن تمسّك بهما وعمل بما فيهما من أحكام وتوجيهات - في الدنيا والآخرة.
أما بالنسبة لهذا البحث المتواضع فقد بذلت فيه جهداً طيباً إن شاء الله تعالى، ومن نتائج هذا البحث استعراض بعض المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حرّم الله تعالى عليه ومنها:
1ـ الوقوف على الأدلة القطعية في تحريم الربا، وأن من خالف هذه النصوص فقد أذن الله بمحاربته سبحانه وتعالى، ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟
2ـ ذكر موقف اليهود من الربا عندما حرمه الله عليهم، فاحتالوا بشتى الحيل، حتى أكلوا الربا مجاهرة، وخداعاً لله، ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.
3ـ الوقوف على عادات الجاهلية قبل الإسلام، وأنهم كانوا في حالة يرثى لها، من تكالب على المال، ولو كان طريقه محرماً وضارّاً. كما وقفنا على فساد عقولهم، وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها.
4ـ إن الإسلام عندما حرّم الربا فإنه لم يترك البشرية بدون تعويض عنه، بل أحلّ البيع، وجميع أنواع المضاربات المشروعة، التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، والبركة، والسعادة.
5ـ إن آكل الربا ملعون، ومطرود من رحمة ربه تعالى، كما دلّت على ذلك السنة الصحيحة.
6ـ الوقوف على أنواع الربا، وأنه ينقسم إلى قسمين: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكلاهما محرّم بالكتاب والسنة والإجماع.
7ـ جواز بيع الحيوان بالحيوان، وجواز التفاضل، والنساء في الطعام غير المكيل، والموزون، وغير الذهب والفضة.
8 ـ عدم جواز الدين في الصرف، بل لا بد من المقابضة الحالة بين المتصارفين، وكذلك بيع الذهب بالفضة ديناً أو الفضة بالذهب ديناً إلى أجل.. وهذا أمر لا يجوز لوجود الأدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك.
9ـ عدم جواز بيع ما يسمى (بمد عجوة) وهذا الاسم معروف عند الفقهاء.
10ـ بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة، وقد وقع فيه أكثر أهل هذا العصر، إلا من عصم الله.
11ـ استعراض بعض النصوص التي تأمر بالابتعاد عن الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، وأن الجسد كله تابع للقلب؛ فبصلاح القلب تصلح جميع الأعضاء وبفساده تفسد كلها.
12ـ الوقوف على مضار الربا وآثاره، ومفاسده، وأنه لا صلاح ولا سعادة ونجاة ولا خلاص إلا باتباع المنهج الإسلامي في جميع شئون الحياة.
13ـ تحذير المسلمين من المعاملة بالربا، أو إيداع الفائض من أموالهم في بنوك دول الكفر، التي تستفيد من هذا الفائض، أو تستخدمه ضدّ المسلمين.
14ـ تبيين بعض محاسن الإسلام، وأنه دين السعادة، والهداية ودين الرحمة والعطف، والتراحم بين المسلمين، وقد مثلتهم السنة في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً"(1) فهذا فضل عظيم امتن الله به على المسلمين المخلصين الصادقين في إسلامهم.
15ـ ذكر أسباب تحريم الربا، وأن الله عز وجل له الحكمة البالغة، ومعرفة الحكمة من الأحكام الشرعية لسنا ملزمين بمعرفتها ولله الحمد. فإن عرفنا الحكمة في بعض الأمور فزيادة علم وخير، وإن لم نعرف عملنا بما أمرنا ربنا، وانتهينا عمّا نهانا سبحانه ونقول: سمعنا وأطعنا، وربنا هو الحكيم فيما شرع، الخبير بذلك سبحانه وتعالى.
16ـ بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية.
17ـ عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل.
18ـ بيان حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد ودفع الفرق وأنه لا يجوز.
19ـ عدم جواز التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
20ـ عدم جواز بيع أسهم البنوك ولا شرائها، لأنها بيع نقود بنقود.
21ـ عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة.
22ـ تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة، لما في ذلك من الغرر، والجهالة، وأكل أموال الناس بالباطل.
وختاماً أسأل الله العلي العظيم أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن يزيد من قرأ هذا الكتاب، أو نشره، أو طبعه، علماً وهدى، وتوفيقاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهذا جهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله الواحد المنَّان، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
=====================
مَاذَا تَعْرِفُ عَنْ : " ضَعْ وتَعَجَّلْ " ؟
الحمدُ لله وبعد .
إن من عقود البيع القديمة والمعروفة في كتب الفقهاء صورةً يقالُ لها : ضَعْ وتَعَجَّلْ .
وفي هذا البحث البسيط سنبينُ صورةَ هذا البيع وأقوال العلماء فيه مع ذكر الرجح منها .
صُورتُهُ :
عرفه بعض أهل العلم : تعجيل الدين المؤجل في مقابل التنازل عن بعضه .
ويقال أيضا : التنازل عن جزء من الدين المؤجل ودفع الجزء الباقي في الحال .
خلافُ العلماءِ :
اختلف العلماء في حكم صورة هذا العقد على ثلاثة أقوال :
- القولُ الأولُ :
جواز الوضع والتعجل .
- واستدلوا :
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج بني النضير قالوا : يا رسول الله ، إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل . قال : ضعوا وتعجلوا .
رواه الحاكم (2325) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
ورواه الطبراني في الأوسط .
وقال الهيثمي في المجمع : رواه الطبراني في الأوسط وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية : وفي صحته نظر .
وقد أجازها من الصحابة ابن عباس رضي الله عنهما .
روى سعيد بن منصور ومن طريقه البيهقي (6/28) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقول : أعجل لك وتضع عني . وإسناده صحيح .
وقال بجوازها النخعي من التابعين وزُفر من أصحاب أبي حنيفة وأبو ثور من أصحاب الشافعي . وهو رواية عن الإمام أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال في الاختيارات ( ص 134) : ويصح الصلح عن المؤجل ببعضه حالا وهو رواية عن أحمد وحُكي قولا للشافعي .ا.هـ.
واخيتار تلميذه ابن القيم قال في إعلام الموقعين (3/371) : لأن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل وهذا يتضمن راءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل فسقط بعض بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفا . فإن الربا الزيادة وهي منتفية هنها . والذين حرموا ذلك قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله : " إما أن تربي وإما أن تقضي " وبين قوله : " عجل لي وأهب لك مئة " . فأين أحدهما من الآخر ؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح .ا.هـ.
وافتى بجواز هذه الصورة المجمع الفقهي وكثير من الهيئات الشرعية وهذه بعض الفتاوى :
__________
(1) البخاري 1/122، برقم 481، ومسلم 4/1999، برقم 2585.(2/28)
منظمة المؤتمر الإسلامي - مجمع الفقه الإسلامي قرارات وتوصيات مجلس مجمع الفقه الإسلامي - الدورة الأولى حتى الدورة الثامنة بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : ( البيع بالتقسيط ) وبعد الاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله .
تقرر :
الحطيطة من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء أكانت بطلب الدائن أم المدين ضع وتعجل جائزة شرعا لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسرا إذا اعتبر الدين حالا لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي ضابط الإعسار الذي يوجب الانتظار ألا يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه نقدا وعينا .ا.هـ.
مجموعة فتاوى الهيئة الشرعية - شركة الراجحي المصرفية للاستثمار قرار رقم ( 1 )
السؤال :
نرجو إبداء الرأي الشرعي حول السؤال المقدم من الشركة المتضمن أن الشركة باعت على أحد العملاء بضاعة على أن يدفع القيمة بعد ستة أشهر ووقع العميل كمبيالة مؤجلة الدفع في التاريخ المذكور وبعد مضي شهرين من توقيع العقد رغب العميل في دفع قيمة البضاعة قبل حول الأجل وطلب أن يوضع عنه بعض المستحق عليه مقابل تعجيل الدفع فهل يجوز إعادة جزء من المستحق عليه مقابل تعجيل الدفع ؟
الجواب :
وبعد تداول الهيئة للسؤال وأقوال أهل العلم انتهت الهيئة إلى أن ذلك جائز لما ورد عن رسول الله أنه لما أراد أن يجلي بنى النضير من المدينة ذكر له أن بينهم وبين الناس ديون فأمرهم أن يضعوا ويتعجلوا ( رواه أبو داود وغيره ) ( انظر إغاثة اللهفان حيث احتج به ابن قيم رحمه الله )
وقد روى جواز ذلك عن ابن عباس والنخعي والحسن وابن سيرين وهو راوية عن الإمام أحمد رحمه الله ووجه عند الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمهم الله قال ابن قيم رحمه الله : إن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابله سقوط بعض الأجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله إما أن تربى وإما أن تقضى وبين قوله عجل لي وأهب لك مائة فأين أحدهما من الأخر فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح انتهى مختصرا من حاشية ابن قاسم على الروض .
وقال الشيخ عبد الرحمن سعدي في كتابه المختارات الجلية من المسائل الفقهية : والصحيح جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالا لإنه لا دليل على المنع ولا محذور في هذا بل في ذلك مصلحة للقاضي والمقتضى فقد يحتاج من عليه الحق إلى الوفاء قبل حلوله وقد يحتاج صاحب الحق إلى حقه لعذر من الأعذار وفى تجويز هذا مصلحة ظاهرة وأما قياس المانعين لهذه المسألة بمسألة قلب الدين على المعسر فهذا القياس من أبعد الأقيسة وبين الأمرين من الفرق كما بين الظلم المحض والعدل الصريح انتهى مختصرا .
- القولُ الثاني :
تحريم هذه الصورة .
وقال به عدد من الصحابة والتابعين ، وقال به جمهور العلماء من الأئمة الأربعة .
- واستدلوا :
قال الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان (2/12) :
واحتج المانعون بالأثر والمعنى - أما الآثار ففي سنن البيهقي عن المقداد بن الأسود قال : أسلفت رجلا مئة دينار فقلت له : عجل تسعين وأحط عشرة دنانير . فقال : نعم . فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أكلت ربا مقداد وأطعمته . وفي سنده ضعف . وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على رجل إلى أجل فيضع عنه صاحبه ويعجل له الآخر فكره ذلك ابن عمر ونهى عنه . وصح عن أبي المنهال أنه سأل ابن عمر فقال : لرجل علي دين فقال لي : عجل لي لأضع عنك . قال : فنهاني عنه ..... ا.هـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية . مادة أجل . ما نصه :
واستدل جمهور الفقهاء على بطلان ذلك بشيئين :
أحدهما :
تسمية ابن عمر إياه ربا , ومثل ذلك لا يقال بالرأي وأسماء الشرع توقيف .
والثاني :
أنه معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة ، فكانت الزيادة بدلا من الأجل ، فأبطله الله تعالى , وحرمه ، وقال : " وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ " [ البقرة : 279 ] وقال تعالى : " وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا " [ البقرة : 278 ] حظر أن يؤخذ للأجل عوض .
فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجلة ، فوضع عنه على أن يعجله ، فإنما جعل الحط مقابل الأجل ، فكان هذا هو معنى الربا الذي نص الله تعالى على تحريمه .
ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم حالة ، فقال له : أجلني وأزيدك فيها مائة درهم ، لا يجوز ، لأن المائة عوض من الأجل ، كذلك الحط في معنى الزيادة ، إذ جعله عوضا من الأجل ، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال .
فحرمة ربا النساء ليست إلا لشبهة مبادلة المال بالأجل وإذا كانت شبهة الربا موجبة للحرمة فحقيقته أولى بذلك .
وأيضا فإنه لا يمكن حمل هذا على إسقاط الدائن لبعض حقه ، لأن المعجل لم يكن مستحقا بالعقد ، حتى يكون استيفاؤه استيفاء لبعض حقه ، والمعجل خير من المؤجل لا محالة ، فيكون ( فيما لو كانت له عليه ألف مؤجلة فصالحه على خمسمائة حالة ) خمسمائة في مقابل مثله من الدين ، وصفة التعجيل في مقابلة الباقي - وهو الخمسمائة - وذلك اعتياض عن الأجل ، وهو حرام .
- القولُ الثالثُ :
يجوز ذلك في دين الكتابة ولا يجوز في غيره .
جاء في الموسوعة الفقهية . مادة أجل . ما نصه :
واستثنى من ذلك الحنفية والحنابلة ( وهو قول الخرقي من علمائهم ) أنه يجوز أن يصالح المولى مكاتبه على تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحط منه ، وذلك لأن معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة ، فلا يكون هذا في مقابلة الأجل ببعض المال ، ولكن إرفاق من المولى بحط بعض المال ، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل ليتوصل إلى شرف الحرية ، ولأن المعاملة هنا هي معاملة المكاتب مع سيده ، وهو يبيع بعض ماله ببعض ، فدخلت المسامحة فيه ، بخلاف غيره .
القولُ الراجحُ :
وبعد ذكر هذه الأقوال في المسألة الذي يترجح - والعلم عند الله - هو القول الأول والذي يجيز هذه الصورة .
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في كتاب " الفرق بين البيع والربا في الشؤيعة الإسلامية " ( ص 21) :
والراجح ... وهو جواز ذلك مطلقا لأنه ليس مع من منعه دليل صحيح والأصل في المعاملات الصحة والجواز ما لم يدل دليل على التحريم ...ا.هـ
والله أعلم .
عبد الله زقيل
============
الربا وتدمير الأمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
ـ أما بعد ـ
إخوتاه(2/29)
من أشراط الساعة ظهور الربا وفشوها .
فعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بين يدي الساعة يظهر الربا والزنى والخمر ". [ قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ]
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فحسب ، بل إن الذي لا يتعامل بها لابد أن يجد شيئا من غبارها .
ففي مستدرك الحاكم وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي وغيرهم عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليأتين على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا فإن لم يأكله أصابه من غباره "
[ قال الحاكم : وقد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريرة فإن صح سماعه منه فهذا حديث صحيح ] .
وقبل أن نخوض في هذه البلية الخطيرة ، نذكر أولا بأمور :
أولا : إن الله غيور ، يغار أن تنتهك محارمه ، فاتق غيرة الله .
ثانيا : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، فقد جعل الله للناس سعة من أمرهم ، فلم يكلفهم بما لا يطيقون ، حتى لا يظن من انغمس في هذه المصيبة أن ترك الربا شيء لا يمكن حدوثه في العصر الحديث ، ثم بعد ذلك يحاول أن يجعله من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها .
ثالثا : إن الله قد هدانا وأرشدنا إلى سبيل الحق ، ثم الناس بعد ذلك إما شاكرا وإما جاحدا ، " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " ، " فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " فيجب على المؤمن تحري الحلال وترك الحرام ، وحري به أن يتورع عما اختلف فيه من المشتبهات حفظا لدينه وعرضه .
رابعا : أساس شريعة الله قائم على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم ، ولا يمكن بحال أن يجعل الله العز والمنعة والتقدم والحضارة لقوم بمعصيته جل وعلا، فما عند الله لا ينال إلا بطاعته .
خامسا : أن سبيل النجاة واضح جلي لمن أراد الله والدار الآخرة ، ولا يظنن ظان أن في اتباعه لسبيل الله جل وعلا العنت والمشقة ، فالله رفع عن الناس الحرج ، وقد أرشدهم لنجاتهم بأن يحصنوا أنفسهم ويبتعدوا عن المهالك ومواطن الشبهات ، ويتحصنوا بسترة من الحلال تكفيهم مغبة الوقوع في الحرام .
• عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال " [ صححه الشيخ الألباني ]
سادسا : المعصوم من عصمه الله ، ومن وجد الله كافيه مثل هذه البلايا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، ألا ترى هذه الصيحات التي تعلو بين حين وآخر طالبة النجاة من وحل هذه البلية ، لكن هيهات بعد أن تستحكم الأمور وتبدو الأمور على صورتها الحقيقية ، ويتبين للناس أن شرع الله هو الحق وأن ما دونه هو الباطل ولابد ، ولكن الناس لا يوقنون .
لأجل ذلك ينبغي أن نعلم أن طلب الحلال أمر لازم وفريضة من أعظم الفرائض، وأن ذلك هو الحصن الحقيقي من شرور هذه البلايا والفتن .
تحري الحلال
قال الله تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" .
قال القرطبي : سوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام ، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: "إني بما تعملون عليم" صلى الله على رسله وأنبيائه. وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم .
وقد حثنا الشرع الحنيف إلى طلب الحلال وترك الحرام
• عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طلب الحلال واجب على كل مسلم " [ قال الهيثمي في المجمع : رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن ]
فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين يزرق من يشاء بغير حساب وهو أعلم بالشاكرين
• أخرج الحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع " لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام "
وفي تحري الحلال وترك الحرام فوائد عظام :
1. أكل الحلال صلاح للقلوب ، وأكل الحرام من أخطر مهلكات القلوب ومبددات الإيمان .
أما ترى رسول الله حين قال " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات …….. عقب ذلك بقوله " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "
قال المناوي : فهو ملك والأعضاء رعيته ، وهي تصلح بصلاح الملك ، وتفسد بفساده وأوقع هذا عقب قوله " الحلال بين " إشعاراً بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه والشُّبه تقسيه .
2. أكل الحلال نجاة من الهلاك .
ومن وقع في الحرام فهو داخل في قوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " إذ هو في مظنة الهلكة إلا أن يتغمده الله برحمته فيتوب عليه .
قال سهل بن عبد الله : النجاة في ثلاثة : أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم .
وقال : ولا يصح أكل الحلال إلا بالعلم ، ولا يكون المال حلالا حتى يصفو من ست خصال : الربا والحرام والسحت والغلول والمكروه والشبهة .
3. ومن أكل الحرام حرم لذة الإيمان فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
قيل : من أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
قال بعضهم : من غض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، وعمر باطنه بالمراقبة وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته .
4. ما نبت من حرام فالنار أولى به
عن كعب بن عجرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي ، فمن غَشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ، ولا يرد علي الحوض ، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض .
يا كعب بن عجرة : الصلاة برهان ، والصوم جنة حصينة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
يا كعب بن عجرة : إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به .
[ قال الترمذي :حديث حسن غريب وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (501) ]
فشو الحرام
إذا علمت هذا فاعلم أن النبي أخبرنا أن الحرام سيطغى في آخر الزمان ، حتى لا يتبين الناس ولا يستوثقون من حل وحرمة أموالهم .
ففي البخاري ومسند الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال ، أمن حلال أم من حرام " .
وفي لفظ عند النسائي " يأتي الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام " .
أما ترى أن هذا هو زماننا ورب العزة ، أما ترى تكالب الناس من أجل تحصيل مغريات الدنيا التي تتفتح عليها أعينهم ليل نهار ، فلا يبالون بشيء سوى جمع المال من أي وجه ، حلال أو حرام لا يهم ، المهم هو جمع المال للحصول على المحمول والدش والسيارات الفارهة وقضاء الأوقات في ديار الفجور والعربدة و…….و…….و,,,,, الخ
من أجل ذلك تعقدت الأمور ، وصار الناس في حيرة من أمرهم ، فما يمر يوم إلا وتجد من يسألك عن هذا الذي يبيع الدخان أو الخمور أو يعمل في شركة سياحة أو يعمل في بنك ربوي أو يتعامل بالربا ، أو الذي بنى ثروته من البداية بتجارة المخدرات ويريد أن يتوب ولا يعلم ماذا يصنع في ماله ، وذاك الذي يعمل كوافيرا أو يبيع ملابس النساء العارية التي يعلم أن التي ستلبسها ستفتن بها شباب المسلمين في الشوارع ، وهذا الذي يعمل في السينمات والمسارح والكباريهات و … و … الخ رب سلم سلم(2/30)
ومن المؤسف والمخجل أنك تستمع للأولاد وهم لا يدرون كيف يأكلون من مال أبيهم وهم يعلمون أنه حرام ، وتجدك في كل مرة تبحث لهؤلاء عن مخرج وقد ضيق الناس على أنفسهم سبل الخير والحلال ، ومن هنا شاعت الفتاوى عن المال المختلط وأحكامه وغيرها مما هو على هذه الشاكلة .
أما كان السبيل رحبا واسعا فضيقتموه باتباع الهوى واللهث وراء المال من غير وجه حله ، " أما يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين "
أنواع من البيوع الفاسدة
ولعلنا هنا مضطرون أن نتكلم سريعا عن بعض المعاملات المالية الفاسدة التي شاعت بين الناس ، ولا ينتبه إليها أحد . لكن على وجه الإجمال دون التوسع والإلمام بطرف ليناسب ما نحن بصدده .
فمن ذلك :
1) ما يسمى شرعا ببيع النجش .
وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليخدع غيره ، ويجره إلى الزيادة في السعر .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تناجشوا " إذ هذا نوع من الخداع ولا شك ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " المكر والخديعة في النار " وأنت تجد هذه الصورة متكررة في المزادات ، ومعارض بيع السيارات ، وبعض المحال التجارية وهذا كسب خبيث لو يعلمون .
2) ما يسمى ببيع الغرر
ومثاله أن يبيع المجهول كاللبن في الضرع ، والسمك في البحر ، والمحصول قبل جنيه ، أو ما يسمى ببيع الثُنَيَّا كأن يقول لك : خذ هذا البستان إلا بعض الزرع من غير تحديد فهذا المستثنى مجهول ، أما إذا كان معروفا فلا حرج .
3) بيع المحرم والنجس
ومثال ذلك : بيع الخمور والمخدرات ، وبيع أشرطة الأغاني ، بيع المجلات الفاسدة المروجة للأفكار الخبيثة والصور الخليعة والعارية
ويدخل في ذلك ـ مثلا ـ من يبيع السلاح في وقت الفتنة ، أو من يبيع العنب لمن يستخدمه في صناعة الخمور ، وهكذا خذها قاعدة هنا كل ما أدى إلى حرام فهو حرام ، وقد قال الله تعالى " وتعاونوا إلى البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وقال العلماء : الوسائل تأخذ حكم المقاصد فتنبه ، لأن المقولة الشائعة الآن أن يقال لك : ما لي أنا ، أنا أعطيتها الفستان ولا أدري هل ستستخدمه في الحلال لزوجها أو تتكشف به في الشوارع ، والمرأة أمامه متبرجة وهو يدري تماما أن ما هذا إلا لمعصية الله " بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره " أو هذا الذي في البنك يقول : وأنا مالي أ أنا الذي تعاملت بالربا ، أنا فقط مضطر لأن أعمل في البنك لأطلب الرزق .
والكل يتنصل من المعصية ، وكأنه لا دور له في إيقاعها فلو تعاون الناس على فعل الخيرات وترك المنكرات لما وصل الحال إلى ما نحن فيه الآن ، فالكل مشترك في المعصية فليتأمل مثل ذلك .
4) بيع المسلم على بيع أخيه ، أو سومه على سوم أخيه
مثاله : أن يذهب الرجل للبائع فيقول له : رد هذه المال على صاحبه وأنا سأشتري منك هذه السلعة بأزيد من سعرها ، أو العكس يذهب للمشتري ويقول له بكم اشتريتها ؟ فيقول له : بكذا ، فيقول له : ردها عليه وأنا أعطيك إياها بأقل من ثمنها .
أو يزايد ويساوم أخاه في سلعة لم توضع للمزايدة والمساومة بعد .
وأظن أن هذه الصورة منتشرة بشكل واسع وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا يبع الرجل على بيع أخيه " [ متفق عليه] [1]
5) بيع العربون
وهو أن يدفع المشتري من ثمن السلعة التي يريدها جزءا على ألا يرد عند الفسخ . بمعنى أنك تذهب للبائع وتعطيه جزءا من المال فإن كان من ثمن السلعة فلك أحقية رده عند الفسخ وهذه الصورة لا شيء فيها ، وإنما الصورة الممنوعة أن يكون هذا العربون غير قابل للرد .
5) بيع العينة
مثل أن يبيع سلعة بأجل ، ثم يقوم هو بشرائها نقدا أو أحد عماله احتيالا ليأخذها بأقل من ثمنها .
صورتها : أن تبيع ثلاجة مثلا بألف جنيه تدفع بعد سنة ، فتذهب أنت أو أحد أعوانك المهم تعود لتشتري نفس الثلاجة بأقل من ثمنها نقدا وفي الحال فتشتريها بـ 800 جنيه مثلا . فهذه الصورة حرام لا تجوز .
6) البيع عند النداء الأخير لصلاة الجمعة
هذا البيع حرام وهو منتشر للأسف لا سيما في الأسواق ، وقد قال الله تعالى " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " .
7) بيع السلعة قبل قبضها
مثاله : إذا اشترى إنسان سلعة من مخزن أو دكان مثلا وجاء صاحب المخزن أو الدكان وبين له السلعة بعينها واتفقا ، فلا يجوز للمشتري أن يبيعها في محلها بمجرد هذا البيان والاتفاق ، ولا يعتبر ذلك تسلما ، بل لابد لجواز بيع المشتري لها من حوزه للسلعة إلى محل آخر
روى الإمام أحمد عن حكيم بن حزام أنه قال : قلت : يا رسول الله إني أشتري بيوعا ما يحل لي منها وما يحرم علي .
قال : إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه .
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
ولما رواه أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه " .
وفي رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله .
من المعاملات المالية المحرمة المنتشرة أيضاً :
8) التأمين
وقد صدرت الفتاوى الشرعية من المجامع الفقهية المختلفة لتؤكد عدم جواز التأمين التجاري بكل صوره ، لأنها عقوده مشتملة على الضرر والجهالة والربا والمقامرة وما كان كذلك فهو حرام بلا شك .
ومن ذلك شهادات الاستثمار وصناديق التوفير وفوائد القروض الربوية والتي سيأتي الحديث عنها في موضوع الربا .
وهاكم بيان لحقيقة الربا وخطورتها ، وما توعد الله به من يقع في مثل هذه المعاملات .
الربا من أخطر البلايا التي تهدد المجتمع المسلم
قال الله تعالى " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {275} يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {276} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {277} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279} وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280} وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {281}
ما الربا ؟
الربا في اللغة : الزيادة مطلقا .
قال القرطبي : ثم إن الشرع قد تصرف في هذا الإطلاق فقصره على بعض موارده .(2/31)
فمرة : أطلقه على كسب الحرام .كما قال الله تعالى في اليهود : "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" [النساء: 161]. ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام ، كما قال تعالى: "سماعون للكذب أكالون للسحت" [المائدة: 42] يعني به المال الحرام من الرشا، وما استحلوه من أموال الأميين حيث قالوا : " ليس علينا في الأميين سبيل " [آل عمران: 75]. وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب.
والربا الذي عليه عرف الشرع : الزيادة في أشياء مخصوصة ( يعنون بذلك الأموال الربوية كما سيأتي) .
أنواع الربا
1) ربا الفضل :
وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الآخر .
• فالأصل أن الشيئين ( العوضين) إذا كانا من جنس واحد واتفقا في العلة [ كانا موزونين أو مكيلين ] لابد لذلك من شرطين :
أ ) التساوي وعلم المتعاقدين يقينا بذلك .
ب ) التقابض قبل التفرق .
• وإذا كانا مختلفين في الجنس ومتحدين في العلة كبيع قمح بشعير مثلا فلا يشترط إلا التقابض وتجوز المفاضلة .
• أما إذا اختلفا في الجنس والعلة كأن تبيع قمحا بذهب أو فضة فلا يشترط فيه شيء من ذلك .
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب. والفضة بالفضة. والبر بالبر. والشعير بالشعير. والتمر بالتمر. والملح بالملح. مثلا بمثل. سواء بسواء. يدا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد ". [ أخرجه مسلم (1587) ك المساقاة ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا ]
2) أما ربا النسيئة : فهو زيادة الدين في نظير الأجل ، وهو ربا الجاهلية الذي كانوا يتعاملون به ، فكان الرجل إذا أقرض آخر على أجل محدد ، فإذا جاء الأجل ولم يستطع الأداء قال له : تدفع أو ترابي فيزيده في نظير زيادة الأجل.
خطورة الربا
1) أكل الربا يعرض صاحبه لحرب الله ورسوله ، فيصير عدوا لله وسوله
قال الله تعالى " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " .
قيل المعنى :إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله ، أي أعداء.
فهي الحرب بكل صورها النفسية والجسدية ، وما الناس فيه الآن من قلق واكتئاب وغم وحزن إلا من نتاج هذه الحرب المعلنة لكل من خالف أمر الله وأكل بالربا أو ساعد عليها ، فليعد سلاحه إن استطاع ، وليعلم أن عقاب الله آت لا محالة إن آجلا أو عاجلا ، وما عهدك بمن جعله الله عدوا له وأعلن الحرب عليه رب سلم سلم .
2) آكل الربا وكل من أعان عليه ملعون .
قال صلى الله عليه وسلم " آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهداه ، إذا لمسوا ذلك ، والواشمة، والموشومة للحسن ، ولاوي الصدقة ، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمد يوم القيامة "[2] واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى .
3) أكل الربا من الموبقات
قال الله تعالى : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "
قال ابن عباس في قوله : " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش " قال : أكبر الكبائر الإشراك بالله عز وجل ، قال الله عز وجل " ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " ثم قال : وأكل الربا لأن الله عز وجل يقول " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " [ قال الهيثمي في المجمع : رواه الطبرانى وإسناده حسن ] .
وحقيقة الكبيرة أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد ، وقد جاء مصرحا بهذا في الصحيحين وغيرهما فعد رسول الله أكل الربا من السبع الموبقات . قال صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " [3]
4) عقوبة آكل الربا أنه يسبح في نهر دم ويلقم في فيه بالحجارة
وعن سمرة بن جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال من رأى منكم الليلة رؤيا قال فإن رأى أحد قصها فيقول ما شاء الله فسألنا يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا قلنا لا قال لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة وفي سياق القصة قال ـ صلى الله عليه الصلاة والسلام ـ : " فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم على وسط النهر وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ثم فسر له هؤلاء بأنهم آكلوا الربا " . [ رواه البخاري ] .
5) ظهور الربا سبب لإهلاك القرى ونزول مقت الله
قال صلى الله عليه وسلم " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " [ أخرجه الطبراني في الكبير الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ، صححه الألباني في صحيح الجامع [679] ] .
6) مآل الربا إلى قلة وخسران .
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " [ رواه ابن ماجه والإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني ] .
7) أكل الربا من أسباب المسخ .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن غنم وأبي أمامة وابن عباس " والذي نفس محمد بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم والقينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير" [ رواه عبد الله بن الإمام أحمد في المسند وكذا ابن أبي الدنيا كما ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان ]
الربا شقيقة الشرك .
" الربا سبعون بابا، والشرك مثل ذلك " وفي رواية لابن ماجه " الربا ثلاثة وسبعون بابا " [ أخرجه البزار عن ابن مسعود وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3538) ، (3540) ]
8) الربا أشد من ستة وثلاثين زنية
• قال صلى الله عليه وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم ، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية " [أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عبد الله بن حنظلة وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (3375) ]
• وفي لفظ عند البيهقي من حديث ابن عباس " درهم ربا أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به " .
• وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الربا وعظم شأنه، فقال: إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " .
9) أدنى الربا ذنبا كمثل من زنا بأمه .
عن ابن مسعود قال : قال صلى الله عليه وسلم : " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم "
[أخرجه الحاكم في المستدرك وصحح الحافظ العراقي في تخريج الإحياء إسناده وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3539) ]
وعن البراء بن عازب مرفوعا " الربا اثنان وسبعون بابا ، أدناها مثل إتيان الرجل أمه ، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه "
[ أخرجه الطبراني في الأوسط وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع “3537” ]
قال الطيبي : المراد إثم الربا ، ولا بد من هذا التقدير ليطابق قوله أن ينكح " ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " .(2/32)
قال الطيبي : إنما كان الربا أشد من الزنا لأن فاعله حاول محاربة الشارع بفعله بعقله قال تعالى " فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله " أي بحرب عظيم فتحريمه محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقلاً وشرعاً وله روادع وزواجر سوى الشرع فآكل الربا يهتك حرمة اللّه ، والزاني يخرق جلباب الحياء .
بيان حكم الشرع في بعض المعاملات الشائعة
أولا : الفوائد المصرفية
صدرت الفتاوى المتتابعة من علماء العصر والصادرة عن المجامع الفقهية بحرمة أخذ فوائد البنوك .
1) فمن ذلك فتوى الشيخ بكري الصدفي مفتي الديار المصرية (سنة 1325هـ 1907م ) عن دار الافتاء المصرية .
2) وكذا الشيخ عبد المجيد سليم (سنة 1348هـ 1930م ) بتحريم استثمار المال المودع بفائدة البتة ، والفتوى الصادرة عنه (سنة 1362هـ 1943م ) بأن أخذ الفوائد عن الأموال المودعة حرام ولا يجوز التصدق بها ، ( وسنة 1364هـ 1945م ) بأنه يحرم استثمار المال المودع في البنك بفائدة ، وأن في الطرق الشرعية لاستثمار المال متسع للاستثمار .
3) وأصدر الشيخ الدكتور / عبد الله دراز بحثه (سنة 1951م) بأن الإسلام لم يفرق بين الربا الفاحش وغيره في التحريم . [ محاضرة ألقاها في مؤتمر القانون الإسلامي بباريس وهي مطبوعة باسم الربا في نظر القانون الإسلامي ]
4) كما أفتى الشيخ / محمد أبو زهرة (1390هـ 1970) بأن الربا زيادة الدين في نظير الأجل وأن ربا المصارف هو ربا القرآن وهو حرام ولا شك فيه ، وأن تحريم الربا يشمل الاستثماري والاستهلاكي في رد دامغ للذين يرددون أن الضرورة تلجئ إلى الربا [ بحوث في الربا ، ط دار البحوث العلمية 1970م ].
5) وأفتى الشيخ / جاد الحق علي جاد الحق مفتي الديار المصرية (سنة 1399هـ 1976م ) بأن سندات التنمية وأذون الخزانة ذات العائد الثابت تعتبر من المعاملات الربوية المحرمة ، وأن إيداع المال بالبنوك بفائدة ربا محرم سواء كانت هذه المصارف تابعة للحكومة أو لغيرها .
6) كما صدر عن المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت (سنة 1403هـ 1983 م ) بحضور كوكبة من أبرز العلماء والاقتصاديين بيانا بأن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين هو من الربا المحرم .
7) ناهيك عن الفتاوى الصادرة عن المجمع الفقهي بمكة المكرمة ، واللجنة الدائمة للإفتاء والإرشاد بالمملكة العربية السعودية .
ثانيا: شهادات الاستثمار وصناديق التوفير
صدرت عن مفتي الديار المصرية فضيلة الشيخ / جاد الحق علي جاد الحق (سنة 1400هـ 1979 م ) الفتوى بأن فوائد شهادات الاستثمار وشهادات التوفير من الربا المحرم ، وأنها لا تعد من قبيل المكافأة أو الوعد بجائزة .
و(سنة 1401هـ 1981م) بأن شهادات الاستثمار (أ ، ب ) ذات الفائدة المحددة المشروطة مقدما زمنا ومقدارا داخلة في ربا الزيادة المحرم .
و(سنة 1980 م) بأن الفائدة المحددة على المبالغ المدخرة بصناديق التوفير بواقع كذا في المائة ، فهي محرمة لأنها من باب الربا (الزيادة المحرمة شرعا ) .
ومن أراد أن يتثبت من هذا كله فليراجع فتاوى دار الإفتاء المصرية كل في سنته وتاريخه .
------------------
[1] أخرجه البخارى (5142) ك النكاح ، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ، ومسلم (1412) ك البيوع ، باب تحريم بيع الرجل على بيع الرجل وسومه على سوم أخيه - واللفظ له -
[2] أخرجه النسائي عن ابن مسعود ، و صححه السيوطي والألباني "صحيح الجامع [5] " ، " تخريج الترغيب 3/49 " }
[3] متفق عليه أبو داود النسائي عن أبي هريرة ، وهو في صحيح الجامع [144] ، " الإرواء/ 1202 ، 1335 ، 2365 " }
وكتبه
محمد بن حسين يعقوب
==============
كيف بدأ الربا.. وكيف انتشر؟..
قبل أن نطلع على حقيقة الربا وآثاره في الناس..
لننظر أولا في حكم الربا في الشرائع السابقة كاليهودية والنصرانية، وكيف بدأ وانتشر؟….
لقد حرم الله الربا على اليهود، وهم يعلمون ذلك، وينهون عنه فيما بينهم، لكنهم يبيحونه مع غيرهم، جاء في سفر التثنية: الإصحاح الثالث والعشرين:
" للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بالربا".
ومنشأ هذا أنهم ينظرون إلى غيرهم نظرة استعلاء واحتقار، والتوراة وإن كانت قد حرفت إلا أن شيئا منها بقي كما هو لم يحرف، منها تحريم الربا، لكنهم حرفوا النص حينما أباحوه مع غير اليهودي…
والدين النصراني كذلك يحرمه، ففي إنجيل لوقا:
" إذا أقرضتم الذين ترجون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟…
ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدتها… وإذاً يكون ثوابكم جزيلا" .
وقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها كما اتفقت مجامعها على تحريم الربا تحريما قاطعا، حتى إن الآباء اليسوعيين وردت عنهم عبارات صارخة في حق المرابين، يقول الأب بوني:
" إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة، إنهم ليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم" ..
ولم يكن تحريم الربا قاصرا على أرباب الديانتين، بل كذلك حرمه من اشتهر في التاريخ بالعلم والفهم والحكمة كبعض الفلاسفة، منهم أرسطو، وأفلاطون الفيلسوف اليوناني الذي قال في كتابه القانون:
" لا يحل لشخص أن يقرض بربا" ..
وأما العرب في جاهليتهم على الرغم من تعاملهم به إلا أنهم كانوا ينظرون إليه نظرة ازدراء، وليس أدل على ذلك أنه عندما تهدم سور الكعبة وأرادت قريش إعادة بنائه حرصت على أن تجمع الأموال اللازمة لذلك من البيوت التي لا تتعامل بالربا، حتى لا يدخل في بناء البيت مال حرام، فقد قال أبو وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم: " يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس" ..
وإذا كان الأمر على هذا النحو، وأصحاب الديانات كلهم يحرمون الربا، كيف إذن بدأ وانتشر في العالم؟..
لقد كانت الجاهلية تتعامل بالربا مع قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحرمه كما هو معلوم بالنصوص، وسد كل أبوابه ووسائله وذرائعه ومنافذه، حتى ما كان فيه شبهة من ربا منعه وحرمه، كمنعه عليه الصلاة والسلام من بيع صاعين من تمر رديء بصاع من تمر جيد ..
فامتثل الناس لذلك، وتلاشى الربا، وحل محله البيع والقرض الحسن والصدقة والزكاة..
وكما قلنا كانت أوربا التي تدين بالنصرانية تحرم الربا وتنهى عن التعامل به، أما اليهود ـ والذين كانوا يمتنعون من التعامل بالربا فيما بينهم ـ كانوا ممنوعين من التعامل به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه..
لكن ومنذ أواخر القرن السادس عشر ميلادي بدأت أوربا بالتمرد على هذا الحكم الإلهي..
ففي عام 1593م وضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين، فصار يباح تثميرها بالربا، بإذن من القاضي، فكان هذا خرقا للتحريم..
ثم تبع ذلك استغلال الكبار لنفوذهم، فقد كان بعض الملوك والرؤساء يأخذون بالربا علنا، فهذا لويس الرابع عشر اقترض بالربا في 1692م، والبابا بي التاسع تعامل كذلك بالربا في سنة 1860م.
كانت تلك محاولات وخروقات فردية..
لكن الربا لم ينتشر ولم يقر كقانون معترف به إلا بعد الثورة الفرنسية، فالثورة كانت ثورة على الدين والحكم الإقطاعي والملكي..
وكان من جملة الأحكام الدينية في أوربا كما علمنا تحريم الربا، فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخر، وكان لا بد أن يحصل ذلك، إذ إن اليهود كانت لهم اليد الطولى في تحريك الثورة الفرنسية واستغلال نتائجها لتحقيق طموحاتهم، من ذلك إنشاء مصارف ربوية، لتحقيق أحلامهم بالاستحواذ على أموال العالم، وجاءت الفرصة في تلك الثورة، وأحل الربا وأقر:(2/33)
فقد قررت الجمعية العمومية في فرنسا في الأمر الصادر بتاريخ 12 أكتوبر سنة 1789م أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون.
صدرت فرنسا التمرد على الدين وعزله عن الحياة إلى كل أوربا، ومن ذلك التمرد على تحريم الربا، وقد كان اليهود في ذلك الحين من أصحاب المال، وبدأت الثورة الصناعية، واحتاج أصحاب الصناعات إلى المال لتمويل مشاريعهم، فأحجم أصحاب المال من غير اليهود عن تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسارة..
أما اليهود فبادروا بإقراضهم بالربا، ففي قروض الربا الربح مضمون، ولو خسر المقترض، وقد كانت أوربا في ذلك الحين مستحوذة على بلدان العالم بقوة السلاح، فارضة عليها إرادتها، فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في إرادتها كان معنى ذلك السيطرة والتحكم في العالم أجمع، ومن ثم فرضوا التعامل الربا على جميع البلاد التي تقع تحت سيطرة الغرب، فانتشر الربا وشاع في كل المبادلات التجارية والبنوك، فاليهود كانوا ولا زالوا إلى اليوم يملكون اقتصاد العالم وبنوكه..
إذن.. اليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم، وكل المتعاملين بالربا هم من خدمة اليهود والعاملين على زيادة أرصدة اليهود ليسخروها في ضرب الإسلام والمسلمين وكافة الشعوب..
انتشر الربا وانتشر معه كافة الأمراض الاقتصادية والسياسية والأخلاقية الاجتماعية..
نبذة عن نشأة المصارف والبنوك:
المصارف جمع مصرف، وهو يطلق على المؤسسات التي تخصصت في إقراض واقتراض النقود، وتسمى أيضا بالبنوك..
ولفظ البنك مشتقة من اللفظة الإيطالية "بنكو" أي مائدة، إذ كان لكل صيرفي في القرون الوسطى مائدة يضعها في الطريق عليها نقود يتجر فيها، وقد كان معظم الصيارفة من اليهود، وصناعة الصيرفة ترجع إلى العهد الذي نشأت فيه العلاقات التجارية بين الجماعات البشرية..
وقد عرف البابليون والإغريق والرومان علميات البنوك، وبوجه عام كان الطابع الغالب على وظيفة البنوك في العصور القديمة حفظ الودائع الثمينة والنقود والمحصولات الزراعية، بالإضافة إلى الحوالات المالية..
فقد صارت البنوك على مر الأيام مكانا آمنا لحفظ المدخرات من ذهب وفضة وجواهر ثمينة نظير أجر معين، وكان هؤلاء الصيارفة يعطون كل من يودع شيئا من المال سندات فيها توثيق الودائع، تستخدم في سحب ما يحتاج إليه من نقود..
ثم تطورت العملية فبدأ هؤلاء التجار المودعون يتداولون هذه السندات بينهم في البيوع ووفاء الديون وتصفية الحسابات، لأن تداولها أخف من تداول الذهب والفضة، شعر الصيارفة بوجود المال الكثير في صناديقهم..
وقد ألف المودعون التعامل بالسندات قبضا وتسليما، والمال باق عند الصيارفة لفترات طويلة، قلما يأتي مودع يطلب نقوده، ففكروا في استغلالها والانتفاع بها بأنفسهم، فبدءوا يعطونها الناس قروضا بفائدة، ويتصرفون فيها، وكأنهم أصحابها..
وهكذا أصبح الصيارفة يأخذون على الذهب المودع أجرين: أجر على الحفظ، وأجر مقابل القرض، فلما تطورت هذه العملية وأصبحت السندات تقوم مقام الذهب في المعاملات..
بدأ الصيارفة يقرضون الناس السندات الورقية بدل أن يقرضوهم ذهبا..
وبهذه الطريقة تضخمت ثرواتهم التي لم تكن في أصلها إلا أموال المودعين، وبدؤوا يدفعون فائدة للمودعين لإغرائهم بالإيداع، وتحولت عملية الإيداع إلى علمية إقراض..
وبذلك أصبح دور الصيارفة هو التوسط بين الأشخاص الذين لديهم أموال لايمكنهم استثمارها بأنفسهم، وبين الأشخاص المحتاجين إلى أموال لتثميرها ويستحلون الفرق بين الفائدتين..
وبتطور التجارة وأشكالها تعددت أعمال المصارف وأنواعها، فمنها المصارف التجارية، وهي التي تمارس جميع الأعمال المتصلة بالتجارة، وتتميز عن سواها من حيث استعدادها لقبول الودائع النقدية من الأفراد أو الشركات وتخويل المودع حق السحب عليها.. وهناك المصارف الزراعية والصناعية والعقارية، وهي التي تقرض نظير فائدة، ولا تستقبل الودائع النقدية.
هذا باختصار حقيقة المصارف.. وفي المرة القادمة إن شاء الله نتطرق إلى صور الربا..
أبو سارة
===============
مستقبل الربا
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله الواحد المعبود ، عم بحكمته الوجود ، وشملت رحمته كل موجود ، أحمد سبحانه وأشكره وهو بكل لسان محمود ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور الودود ، وعد من أطاعه بالعزة والخلود ، وتوعد من عصاه بالنار ذات الوقود ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ، صاحب المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، الركع السجود ، والتابعين ومن تبعهم من المؤمنين الشهود ، وسلم تسليماً كثيراً إلى اليوم الموعود . . . أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فاتقوه رحمكم الله تقوى من أناب إليه ، واحذروه حذر من يؤمن بيوم العرض عليه ، واعبدوه مخلصين له الدين ، وراقبوه مراقبة أهل اليقين ، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين .
أمة الإسلام : في مثل هذه الأيام من كل عام ، يحزم الناس أمتعتهم ، ويجهزون حقائبهم ، استعداداً للسفر ، ولكل منهم مقصده ، فمن كان قصده الترويح البريء كان مأجوراً ، ومن كان قصده غير ذلك ، فالأعمال بالنيات ، وكل هجرته إلى ما هاجر إليه ، ثم توفى إليهم أعمالهم يوم القيامة وهم لا يبخسون ، قال تعالى : " إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون "
أيها المسلمون : الناس في هذه الإجازة الصيفية ، فرق شتى ، منهم من يستعد للسفر ، ومنهم من أخذ أهبته للزواج ، ومنهم من عزم على شراء سيارته ، ومنهم من يريد تشييد منزله ، وغيرهم كثير ، فكل يحتاج إلى النفقات ، وتأمين الحاجيات ، ولا يتأتى ذلك إلا بوجود المال ، وإن مما تأسف له النفوس ، ونذير حرب ضروس ، ما يقع فيه كثير من المسلمين اليوم ، من تهافت على البنوك الربوية ، والمصارف المحرمة ، لاقتراض المال الحرام ، من أجل متعة دنيوية ما تلبث أن تزول وتذهب ، ويكون وبالها على فاعلها ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين " ، فلربما كان البيت قبراً ، والسيارة تابوتاً ، والزوج وبالاً ، فاتقوا الله أيها المسلمون ، واحذروا دخول الربا في تعاملاتكم وأموالكم ، فذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .
أمة الإسلام : الربا من أكبر الكبائر ، وأعظم الجرائم ، وأشد العظائم ، الربا يهلك الأموال ، ويمحق البركات ، ويجلب الحسرات ، ويورث النكسات ، قال تعالى : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الربا وإن كثر فعاقبته تصير إلى قل " [ أخرجه أحمد والحاكم بسند صحيح ] ، آكل الربا ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، خارج من رحمة الله ، داخل في عذاب الله ، ما لم يتب ويستغفر الله ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهديه ، وقال : هم سواء " [ أخرجه مسلم ] ، فأي ذنب أعظم من ذنب ملعون صاحبه ؟ وأي مصيبة أكبر من مصيبة اللعن والطرد من رحمة الله تعالى ؟ فاتقوا الله أيها الناس ، واعلموا أنكم محاسبون ، وعن أموالكم مسؤولون ، ولن تنفعكم أموالكم ولا أولادكم من الله شيئاً .(2/34)
أمة الإسلام : الربا حرام كله ، قليله وكثيره ، قال تعالى : " وأحل الله البيع وحرم الربا " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات ، وذكر منها ، وأكل الربا " [ متفق عليه ] ، الربا حرب لله ولرسوله ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " ، والعجيب والعجائب جمة ، أن من الناس من يأكل الربا عالماً بحرمته ، عارفاً بعقوبته ، متذرعاً برحمة الله ومغفرته ، ونسي المسكين أن الله جل جلاله يقول في كتابه العزيز : " اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم " ، ويقول سبحانه : " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب " ، الربا دمار للأفراد والشعوب ، وإشعال لفتيل الحروب ، الربا هلاك للأمم والمجتمعات ، صغار وذلة للمتعاملين به ، ولا أدل على ذلك من هذه النكبات التي حطت رحالها بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من حروب مدمرة ، وفيضانات عارمة ، وكسوف وخسوف ، ورياح عاتية ، وقتل وسرقات ، وجرائم واغتيالات ، ونهب للممتلكات ، كوارث وحوادث ، ليس لها من دون الله كاشفة ، ولا منجي منها إلا بتوبة صادقة ، ورجوع إلى الله الواحد القهار .
أيها المسلمون : في خضم معترك هذه الحياة ، وفي بحرها المتلاطم الأمواج ، هناك فئة من المسلمين ، تجرءوا على الحرمات ، وارتكبوا المنهيات ، دون ورع ولا خوف ، فأكلوا الربا ، ودعوا الناس إلى أكله ، مجاهرين بالمعصية ، وقد توعدهم الله بعقاب من عنده ، على لسان نبيه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قيل : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى " [ أخرجه البخاري ] ، ومن تعامل بالربا فقد خالف أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعصى الأوامر ، واقترف الزواجر ، وقد قال الله تعالى : " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " ، وقد بين الله تعالى مآل العصاة والمذنبين ، والمتعاملين بالربا ، والآكلين له ، فقال تعالى : " ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين " ، إن أمراً هذه نهايته ، وتلكم عاقبته لواجب على كل عاقل أن يجتنبه ويحذره ، ويحذر الناس من خطره وشره ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا ظهر الزنا والربا في قرية ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " [ أخرجه الحاكم وحسنه الألباني ] .
أيها المسلمون : آكل الربا لا يستجاب لدعائه إذا دعا ، ولا تفتح له أبواب السماء ، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يارب ، يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك " [ أخرجه مسلم في صحيحه ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم حرام ، فإذ ذاك لا تجاب لهم دعوة " [ أخرجه البخاري ] ، فالربا شؤم على صاحبه ، ظلم للمتعامل به ، فيه ارتكاب لما حرم الله ورسوله ، وربما سلط الله على صاحبه الآفات المهلكة ، والكوارث المدمرة ، من غرق أو حرق أو لصوص أو أنظمة جائرة تذهب به جميعه ، وكم رأى الناس وعاينوا ، وشاهدوا وباينوا ، عاقبة الربا على أصحابه ، فكم من الأثرياء المرابين ، والأغنياء المحاربين ، الذين محق الله ما بأيديهم ، حيث علقتهم الديون ، فأخذهم الله بعذاب الهون ، فصاروا عالة على الناس يتكففون ، وصدق الله العظيم القائل : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً * وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً " ، وصدق عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، القائل في الحديث الصحيح : " ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " [ أخرجه ابن ماجة والحاكم وصححه الألباني 2 / 28 ] .
أمة الإسلام : للربا أثار مخيفة ، وعواقب عنيفة ، منها ما تم بيانه ، ومنها : أن الربا سبب لظهور الأمراض المستعصية ، وكثرة الأدواء والأوبئة ، وتسلط الحكام ، وانتشار الفقر والبطالة ، وكثرة الجريمة ، وشيوع الفساد في البلاد بين العباد ، وهذا ما تعانيه الأمة اليوم ، فهل من مدكر ومتعظ ؟ في الحديث ، ما ظهر الربا والزنا في قوم إلا ظهر فيهم الفقر ، والأمراض المستعصية ، وظلم السلطان ، ومن أعظم آثار الربا فتكاً ، وأشدها ضرراً ، أنه سبب لعذاب القبور ، ففي الحديث الصحيح الطويل الذي أخرجه البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه ، أن آكل الربا ، يُعذب من حين موته إلى يوم القيامة ، بالسباحة في بحر الدم ، ويلقم حجارة من نار ، وهذا عذابه في قبره مع لعنة الله له ، ألا فاتقوا الله عباد الله ، وذروا ما بقي من الربا ، واتركوا كل تعامل به ، واهجروا كل من تعامل به ، واحرصوا رحمكم الله على تحري المال الحلال ، ففيه غنية عن الحرام .
أيها المسلمون : لما كثرت البنوك الربوية ، وانتشرت الدعايات الصحفية ، تحت شعارات مضلله ، وروايات باطلة ، بأسماء منمقة ، كالخدمات البنكية ، والنظام المصرفي ، والمداينات ، والقرض والفائدة ، وحساب التوفير ، وودائع الائتمان ، ونحو ذلك ، لما تغير مسمى الربا بتلكم المسميات ، انساق الناس وراء ترهات الأحلام ، وسفهاء الأقلام ، فوقعوا في الربا عياناً بياناً ، فيا حسرةً على العباد ، تاهوا في كل واد ، قال صلى الله عليه وسلم : " يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا ، ومن لم يأكله أصابه من غباره " [ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة ] ، والناظر في واقع المسلمين اليوم ، يدرك مصداقية هذا الحديث ، وأي موظف لا يمر راتبه بأحد البنوك الربوية ، فسبحان الله ما أحلمه على خلقه ، وما أرأفه بعباده ، وما أصبره على أذاهم ، ينزل عليهم نعمه ومننه وخيراته ، ويقابلون ذلك بالمعاصي والجحود والكفران ، قال تعالى : " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون " .(2/35)
أيها المسلمون : إن الله حرم الربا في كتابه العزيز، وحرمه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأجمع العلماء على تحريمه ، ولم يُحل في ملة قط ، فمن اعتقد حله وقد جاءته الآيات والأحاديث ، فإنه مفارق للإسلام ، وخارج منه ، لكونه مكذباً لله ورسوله ، راداً على الله ورسوله ، قال تعالى : " قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " ، فانظروا عباد الله كيف أذن الله جل وعلا بقتال من لم يُحرم ما حرمه الله ورسوله ، بل وأذن في حربهم ، وأخرجهم من دائرة الإيمان والعياذ بالله ، فالربا حرام لما يحتويه من ظلم للبشرية ، وأكل لحقوق الإنسانية ، في الربا تجتمع جميع الشرور ، بفعل الربا تصبح الأمم طبقتان ، طبقة غنية ، وأخرى فقيرة ، الربا من أسباب الكسل والخمول ، الربا حرام كله ، مهما كانت أسبابه ودوافعه ، فليس هناك مسوغ يجيز لعبد من عباد الله أن ينتهك حرمات ربه وخالقه ، الربا حرام في الأمور الاستهلاكية والإنتاجية ، الربا حرام مع المسلمين وغير المسلمين ، الربا حرام ولو حصل التراضي بين الطرفين ، لأنه عدوان لله ولرسوله ، ومعصية ظاهرة الحجة والبيان .
أمة الإسلام : احذروا سخط الله ومقته وغضبه ، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية ، بفعل الطاعات ، واجتناب المنهيات ، ألا وإن أعظم المنهيات بعد الشرك بالله التعامل بالربا ، ولا يغرنكم من هلك مع الهالكين ، فتلكم سبيل الغافلين ، وعاقبة المجرمين ، وتعاملوا فيما بينكم بالمعاملات الطيبة النافعة ، وكونوا عباد الله إخواناً ، فرأس المال والخبرات ، تورث المنافع والخيرات ، فاحذروا الربا أيها الناس ، لا يغرنك تسهيلاتهم، فهم والله لم يسهلوها محبة لكم، وإنما يريدون اقتناصكم، فاليوم تكون الأمور سهلة، وغداً تجتمع الديون، ويكثر المطالبون ، فلا تستطيعون وفاءها، فيعود الغني فقيراً ، والمترف مفلساً ، فاتقوا الله تعالى في أموالكم ، واحذروا دخول الربا فيها ، وابتعدوا عنها طاعة لله ، وخوفاً من عقوبته ، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
أيها المسلمون : كل الناس يعلم حرمة الزنا ، ولقد جعل الله الربا أشد من الزنا ، قال صلى الله عليه وسلم : " درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية " [ أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الربا ثلاث وسبعون باباً ، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه " [ أخرجه الحاكم وصححه الألباني ] ، أعاذنا الله وإياكم من مضلات الفتن ، وسوء المحن ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما سمعتم ، فما كان من صواب فمن الله ، وما كان من خطأ فأستغفر الله منه ، واستغفروه إنه كان للأوابين غفوراً .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً حمداً ، والشكر له شكراً شكراً ، له الحمد كله ، وله الشكر كله ، وله الفضل كله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، أهل هو أن يعبد ، وأهل هو أن يشكر ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا له عبد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبع سنته ، واهتدى بهداه . . . أما بعد :
فيا أيها المسلمون : لقد كثرت الدعايات للعمل بالربا ، وتعددت مجالاته ، وتنوعت أساليبه ، فعلى المسلم أن يخشى الله ويتقه ، ويعلم أنه موقوف بين يديه يوم القيامة ، فمن معاملات الربا المحرمة اليوم وأكثرها شيوعاً :
*** القرض بفائدة ، وصورة ذلك ، أن يقترض شخص من آخر أو مؤسسة أو بنك مالاً على أن يرده وزيادة ، فهذا هو عين الربا الذي أجمعت الأمة على تحريمه ، وجاءت النصوص الشرعية بمنعه والتحذير منه قال تعالى : " وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " .
*** ومن صور الربا المحرمة ، بيع العينة ، وصورة ذلك ، أن يبيع سلعة بثمن مؤجل على شخص ، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من الثمن المؤجل ، فهذه معاملة ربوية محرمة ، جُعلت السلعة فيها حيلة وستارة فقط ، يتحايلون على الله تعالى كما يتحايلون على الأطفال ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، قال صلى الله عليه وسلم : " لئن تركتم الجهاد ، وأخذتم أذناب البقر ، وتبايعتم بالعينة ، ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم ، حتى تتوبوا إلى الله ، وترجعوا على ما كنتم عليه " [ أخرجه أبو داود ] .
*** ربا الدين ، وصورته أن يبيع الرجل على آخر بيعاً إلى أجل مسمى ، فإذا جاء الأجل ، ولم يكن عند صاحبه قضاء ، زاد في الثمن وأخر عنه في الدفع إلى أجل مسمى آخر ، وهذه هو الربا أضعافاً مضاعفة ، وهو ربا الجاهلية الذي نهى الله عنه بقوله سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله " .
*** ربا النسيئة ، وله صورة متعددة ، منها : أن يقرض شخصاً مبلغاً من المال على أن يرده وزيادة ، ومنها : بيع النقود بالنقود ، أو النقود بالذهب إلى أجل بزيادة ، أو بيع ذلك من غير تقابض في المجلس ، ولو لم يكن هناك زيادة ، فهذا عين الربا الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء " [ أخرجه مسلم ] ، وفي رواية : " مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " [ أخرجه مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا الذهب بالذهب ، إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض " [ متفق عليه ] ولا تفضلوا بعضها على بعض ، وقال صلى الله عليه وسلم في الأصناف الستة المذكورة : " ولا تبيعوا منها غائباً بناجز " [ متفق عليه ] ، وهذه الأنواع من الربا واقعة اليوم بكثرة جارفة ، وتكثر في المصارف ، وعند باعة الذهب والحلي ، وإذا اختلفت الأصناف حال البيع ، فيلزم أن تكون مقبوضة في الحال فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم ، يداً بيد ، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم ، يداً بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم ، يداً بيد " [ أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود ] ، ولفظ أبي داود : " ولا بأس ببيع الذهب بالفضة ، والفضة أكثرها ، يداً بيد ، وأما نسيئة فلا ، ولا بأس ببيع البر بالشعير ، والشعير أكثرها ، يداً بيد ، وأما نسيئة فلا " .
*** ومن صور الربا اليوم ، أن يُعجل الموظف استلام راتبه قبل نهاية الشهر مقابل فائدة مالية ، يسمونها عمولة البطاقة ، وفي حقيقتها زيادة مالية ربوية ، يرى الناس ظاهرها ، ويخفى عليهم باطنها ، وهي معاملة ملعون صاحبها وآكلها والمتعامل بها ، فاحذروا عباد الله من تلك الألاعيب المكشوفة ، التي يتحايلون بها على الناس ، ليدخل الربا في أموالهم ، فتمحق بركاتها ، وتزول خيراتها .(2/36)
*** ومن صور الربا ، استبدال الذهب القديم بذهب جديد ، ودفع الفرق بينهما ، وهذا عين الربا ، والصحيح في ذلك ، أن يبع القديم ويقبض ثمنه ، ثم يشتري جديداً .
*** ومن وصر الربا ، أن يشتري ذهباً ديناً أو أقساطاً ، وهذا رباً لا يجوز التعامل به ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء " [ أخرجه مسلم ] ، فليحذر تجار العملات ، وتجار السبائك الذهبية ، ألا يبيعوا حاضراً بغائب ، فلابد من التقابض والاستلام والتسليم في مجلس العقد .
*** ومن صور الربا ، الإيداع بفائدة ، وصورته أن يضع ماله في أحد البنوك الربوية ، ويعطيه البنك فائدة جراء الانتفاع بالمبلغ ، وهذا حرام ، وفيه تعاون على الإثم والعدوان ، ومعصية الرحمن .
أيها المسلمون : لا ريب أن المسلمين أخوة ، يساعد بعضهم بعضاً ، ويعين أحدهم أخاه ، بشفاعة حسنة ، أو واسطة لا ظلم فيها ، أو غير ذلك من أوجه المنفعة ، فمن شفع لأخيه أو قضى له منفعة ، فلا يجوز له أن يأخذ مقابل ذلك أجراً ، ومن فعل فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا ، قال صلى الله عليه وسلم : " من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا " [ أخرجه أبو داود ] ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " من شفع لرجل شفاعة فأهدى إليه هدية فهي سحت " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كل قرض جر نفعاً فهر ربا " .
أمة الإسلام : ربما وقع المسلم في الربا وهو لا يعلم ، فمن كان كذلك ، وجب عليه رد الحقوق إلى أهلها ، وترك الربا فوراً ، لأنه من أسباب سخط الله ، ومن وقع في الربا مع بنك أو مصرف أو غيرها فإنه يرفع أمره للمحاكم الشرعية ، ليتبين الحق من الباطل ، ألا فاعلموا أيها الناس أن من وقع في الربا عارفاً أو جاهلاً ، فالعقد باطل ، لحديث بلال رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " من أين هذا ؟ " ، فقال : كان عندنا تمر رديء ، فبعت منه صاعين بصاع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا ربا فردوه ، ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] ، وهذا دليل واضح على بطلان العقد ولو تم التوقيع عليه ، والموافقة من قبل المتعاقدين ، فكل تلك الأمور لا تجيز العمل بالربا .
أمة الإسلام : لقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ورضي عنهم أجمعين ، أبعد الناس عن الحرام ، بل وتركوا المباح ، خوفاً من الوقوع في الحرام ، عرفوا قدر الأموال ، وأمعنوا النظر في سبيلها ، وطرق الحصول عليها ، فكانوا لا يحصلونها إلا من طريق مباح ، ولا يصرفونها إلا في وجه له منفعة ، سلكوا في تحصيلها سبيل الورع ، وفي تصريفها سبيل الكرم والبذل المحمود ، كان لأبي بكر رضي الله عنه غلاماً ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر رضي الله عنه ، فقال له الغلام : أتدري ما هذا ؟ لقد كان ثمناً للكهانة ، فأدخل أبو بكر يده في فمه فقاء كل شيء في بطنه ، وشرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبناً فأعجبه ، فقال للذي سقاه : من أين لك هذا ؟ ، قال مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها ، فأدخل عمر يده فاستقاء ، هكذا أيها المسلمون كان سلفنا الصالح يخرجون الحرام من بطونهم ، بعد أكله وهم جاهلون به ، وما ضرهم ذلك الفعل ، بل ملكوا زمام الدنيا ، ومفاتيح الآخرة ، وكانت حياتهم طيبة ، وعاقبتهم حميدة ، الله أكبر يا عباد الله ، ما أعظم الفرق بين قوم أخرجوا الحرام من بطونهم ، وقوم عرفوا الحرام ، وقرءوا كتاب الله ، وتدبروا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم أقدموا على أكل الحرام ، شتان بين الفريقين ، فريق ملكوا الأرض وخيراتها ، وفريق ضاع ملكهم اليوم ، فأصبحوا عبيداً للأهواء والشهوات والشبهات ، قال الله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من الله من وال " ، وإذا كان أخف الناس عذاباً يوم القيامة ، رجل توضع تحت قدميه جمرتان من النار ، يغلي منهما دماغه ، فكيف بمن يأكل الربا وقد توعده الله بالخلود في النار ، فاتقوا الله أيها الناس ، واعلموا أن الله عز وجل ختم آيات النهي عن الربا ، والأمر بتركه في سورة البقرة بقوله تعالى : " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " ، فهل بعد هذا البيان من النصوص الشرعية بيان ؟ لهي أعظم دليل وبرهان ، ولكن صدق الله العظيم إذ يقول : " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " ، وقوله سبحانه : " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً " ، وفي الموضوع أدلة كثيرة ، وأخبار غزيرة ، وفيما ذكرت كفاية ، لمن أدركته العناية ، هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المختار ، صادق الأخبار ، سيد الأبرار ، حيث أمركم بذلك العزيز الغفار ، فقال الواحد القهار : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً "
=============
وقفة مع خطبة الوداع في تحريم الربا
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
اللهم لك الحمد أنت ربنا وأنت إلهنا وأنت خالقنا وأنت رازقنا وأنت ملاذنا وأنت نصيرنا وأنت ظهيرنا وأنت مولانا نعم المولى ونعم النصير ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بما يحفظ العبد المؤمن في ذريته من بعده ألا وهو تقوى الله ، وقد أوصاكم بذلك ربكم وضمن لكم الثمرة إذ قال :{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(9}النساء(2/37)
أحبتي في الله في مثل هذا الموسم موسم الحج وفي حجة الوداع قام خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه ومن أوتي جوامع الكلم على صعيد عرفة الطاهر يخطب في جموع المسلمين معه ويضع لهم وللأمة من بعدهم دستور حياتهم ؛ وحيث أنه أوتي جوامع الكلم فيصعب على عبد ضعيف مثلي أن يعرض لتلك الخطبة الجامعة في مثل هذا الموقف ولكن لعلي أقف في كل عام وقفة مع تلك الكلمات العظيمة ، وأول كلمات أقف معها هي قوله صلى الله عليه وسلم :((وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ))، نعم إنه تحريم لتلك الآفة العظيمة التي طالما دمرت دول وأفقرتها وحولتها من حال الغنى لحال الفقر ، تلك الآفة التي تمثل أبشع أنواع الاستغلال من الغني للفقير، ذم الله جل جلاله في كتابه أمم من قبلنا أكلت الربا وبين أنه كان من بين أسباب عقوبتهم حيث قال :{ فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(161}النساء، أيها الأحبة في الله لقد نهانا ربنا وخالقنا عن أكل الربا في مواطن عدة من كتابه الكريم فقال سبحانه :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(278} وقال عظم شأنه:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(130}، وحذرنا منه أيضاً حبيبنا ورسولن صلى الله عليه وسلم : حيث عده من السبع الكبائر الموبقات، وقد بدل لنا وهو الناصح الشفوق بأمته الجهد في ضرب الأمثال لشناعة هذا الفعل حيث قال :((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ..))أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي والبن جرير، فقولوا لآكل الربا أَيَسُرُهُ أن ينكح أمه وهو ما يعادل أدنى أبواب الربا فكيف بمن يأتي بأعظمها ، عباد الملك الجبار لاشك أنكم تعلمون شدة جريمة الزنا وحرمتها وما أعد الله لفاعلها ، لكن جريمة الربا أشد أخبر بذلك من لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى حيث قال:((دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً ))، ومن خطورة جريمة الربا ياعباد الله أنها لاتقتصر على أكل الربا وموكله لكنها تمتد لتشمل كل من أعان عليه أو شارك فيه فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ)أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح فأين من يعملون في كتابة الربا عن هذا الوعيد أيحب أحدهم أن تناله اللعنة والعياذ بالله وهل يعلم معن اللعن بأنه الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، فهل إذا لم يرحمه الله تكفيه رحمة صاحب الربا الذي يعمل لديه ؟ هذا إن كان في قلبه رحمة ولا أخال من تعامل بالربا في قلبه رحمة . عباد الله تعالوا ننظر إلى حال آكل الربا في الدنيا ماذا يحصل لأمواله ولو جمع الملايين من الريالات يخبرنا بذلك العليم الخبير بقوله :{ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}ويقول:{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ}، فقد تعهد الجبار بمحق أموال الربا مهما عظمت وهو جل جلاله لايخلف الميعاد وقد يقول بعض من قصر نظره إنا نرى أناساً من أكلة الربا لم تمحق أموالهم فنقول لهم دققوا النظر في حالهم واعرفوا أحوالهم وحياتهم الشخصية وانتظروا عاقبتهم وسترون المحق واضحاً جلياً،ألم يغتر قومٌ بما عند قارون من أموال وإمهال الله له ثم لما نزل به العقاب تبصروا؟ثم إن آكل الربا يقطع الحبل الذي بينه وبين خالقه وهو الدعاء فالعبد ضعيف بذاته لايملك لنفسه ضراً ولانفعاً مفتقر لربه في كل أموره يقول جل وعلا:{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وجعل لنا جل شأنه الدعاء وسيلة الإتصال بين فقرنا وغناه،وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك فكيف بالله بمن أكل الربا،آكل الربا يوبق نفسه وأهله قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لكَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ:((ياكَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ))أخرجه الأمام أحمد والترمذي وحسنه فهذا يؤكل زوجته وأولاده من سحت الربا فكيف يكون حالهم،ولذى أقول أيها الأحبة أنه من زار شخص يتعامل أو يعمل(2/38)
بالربا فلا يأكل ولايشرب من ماله حتى لا ينطبق عليه الحديث، هذه صورة موجزة لحال آكل الربا في الدنيا أما في حياة البرزخ فإنه في عذاب عظيم فقد ورد أن أكلة الربا في حياة البرزخ ملقون على سابلة آل فرعون -أي على طريقهم- وآل فرعون كما أخبرنا العليم الحكيم يعرضون على النار كل يوم مرتين في الصباح وفي المساء ، وكلما ذهبوا أو عادوا وطيؤا أكلة الربا بأقدامهم وأكلة الربا كلما أرادوا الفرار من هذا المكان ثقلت بهم بطونهم لأن لهم بطون كالبيوت تميل بهم فيعودون لتطأهم أقدام آل فرعون القذرة ، أما حال القيام من القبور للبعث فحالهم أخبر بها العظيم بقوله :{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ}، ثم يوم القيامة هو فيس عذاب أليم ففي حديث الرؤيا عند البخاري وصف عذاب أكلة الربا:(عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا )، وأشد من ذلك ما قد توعد الجبار به من أكل الربا من هذه الأمة ولم ينتهي بعد أن عرف الحكم بالخلود في النار حيث قال :{ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275}، وكم تحايل قوم على أكل الربا فمنهم من يحتج بحجة قديمة فيقول إنما البيع مثل الربا فرد عليهم الله جل جلاله من فوق سبع سموات بقوله:{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وسموه قوم باسم الفوائد البنكية ، وقال قوم إن الربا المحرم لاينطبق على تعاملات البنوك الربوية المعاصرة ، وهكذا شبه وتحوير وتمويه يقوم بها أكلة الربا ليظلوا في أوساط المسلمين ، وأوجز القول أيها الأحبة في الله لضيق الوقت في الربا بأنه نوعان الأول ربا الفضل وهو مبادلة مال بمثله متفاضلاً ، كأن تستبدل عشرة ريالات سعودية بتسعة ريالات سعودية في نفس الوقت ، وهذه الصورة تقع عادة عند من يصرفون الريالات الورقية لمعدنية لغرض استخدام هاتف العملة ، أو عند تجار الذهب حينما تذهب المرأة بذهب قديم لاستبداله بذهب جديد ، والأحوط في صورة الذهب أن تبيع المرأة الذهب القديم على الصائغ وتتسلم المبلغ ثم هي بالخيار إن أرادت أن تشتري منه بالنقود أو من غيره ذهباً جديداً ، أما استبدال الريال بالعملات الأجنبية الأخرى ولو كان متفاضلاً فلا بأس به بشرط أن يكون يداً بيد ، ومثاله إذا صرف رجل دولاراً أمريكياً بأربعة ريالات فلا بأس بشرط أن يقبض في نفس المجلس أما إن تأخر ولو لزمن بسيط عن مجلس العقد فقد دخل في الربا .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين َفَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
الخطبة الثانية
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فالنوع الثاني من أنواع الربا هو ربا النساء،وصورته أن يقرض الرجل مالاً إلى أجل على أن يرده بزيادة ، ومثاله أن يقرض بنك شخص ما مبلغ ثلاثمائة ألف ريال على أن يعيدها المقترض ثلاثمائة وسبعون مثلاً،فهذا المبلغ الزائد عن الثلاثمائة وهي أصل القرض هي الربا،بل حتى ولو اشترط زيادة ريال واحد فهو ربا،لكن هناك صورة ليست من الربا وهي أن يقترض الرجل من أخيه مبلغ ألف ريال ثم يرده إليه بلا شرط ممن أقرضه ألف ومائة ريال فهذا من حسن القضاء ولا بأس به،أيها الأحبة في الله وقد يقول قائل أنا لا أتعامل بالربا ولكن لي أسهم في مؤسسات تتعامل بالربا فنقول له إن السهم هو حصة شائعة في ملكية هذه المؤسسة فعليك إثم تعامل تلك المؤسسة بالربا لأنك تملكت فيها حصة وأنت تعلم أنها تتعامل بالربا،أيها الأحبة في الله إن الحديث عن أحكام الربا يطول ولا تكفيه مثل هذه العجالة لكني أدعوا كل من يخشى الله واليوم الآخر ويحرص على إطعام أهله وولده من حلال أن يسأل أهل العلم قبل أن يقدم على أي تعامل مالي يشك في حكمه،ونحن بفضل الله في هذه البلاد قد تيسر لنا سبل العلم الشرعي والفتوى في أمور ديننا ودنيانا،أحبتي في الله هناك فئة من الناس ضعفت أمام الإغراءات التي تقدمه مؤسسات الربا حيث تقدم قروضاً كبيرة بشروط ميسرة ، فيأتي الشيطان ليقول لهذا العبد الذي ضعف يقينه وإيمانه بربه إنك محتاج لأخذ القرض لضرورة،خذه حتى تشتري أرضاً خذه حتى تشتري سيارة خذه حتى تعمر عمارة،فينجرف ذلك العبد ويقترض في الربا فيقع في فخ نصبه له عدوه اللذوذ أبليس ليوبق عليه دنياه وآخرته ، نقول لمثل هذا تذكر كيف لو أنك أخذت هذا القرض وعمرت عمارتك ثم قبل أن تدخلها جاءك ملك الموت ليقبض روحك كيف يكون حالك؟وبأي وجه تقابل ربك وقد تلطخت يداك بالربا ؟ستحاسب عن هذا الإثم العظيم وحدك وسيتنعم بالعمارة وثتك،عباد الله إن من رحمة الله بنا أن فتح لنا باب التوبة والأياب فمن تلطخ بشيء من ذلك فليتب لربه ولينته فإن الله تواب رحيم ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه ، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد .
==============
الربا
يحيى بن موسى الزهراني
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كثير الخيرات ، وعظيم البركات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، عليه من ربه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات ، وعلى آله وأصحابه أهل التقى والكرامات ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم العرصات . . . أما بعد :
لقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، فأبطل الله به مسالك الجاهلية ، وقضى به على معالم الوثنية ، فاستأصل شأفتها ، واجتث جرثومتها ، وفي طليعة ذلك الكبيرة العظيمة ، والجريمة الشنيعة ، والمعصية المتوعد عليها بالحرب من الله ورسوله ، ألا وهي جريمة ( الربا ) ، فهيهات أن تُعمر الحياة وتشاد الحضارات وأناس يتعاطون الربا ، ولا يرعون للإنسان كرامة ، ولا للعقول حصانة ، ولا للدين صيانة .(2/39)
فلما جاء الإسلام بعقيدة التوحيد الخالصة لله ، وأشرقت أنوارها في جميع أصقاع المعمورة ، حررت القلوب من رق العبودية لغير الله ، ورفعت النفوس إلى قمم العز والشموخ ، وسمت بالعقول عن بؤر المال وحبه ، وعلت بالقلوب عن مستنقعات المال الحرام . كيف لا وعقيدة المسلم أعز شيء عنده ، وأغلى شيء لديه ، بها يواجه أعتى التحديات ، وبها يصبر على الابتلاءات ، وبها يترك الإغراءات ، ويقاوم موجات القلق والأرق ، والاكتئاب النفسي والاضطرابات ، وبها يقيم سداً منيعاً ، ودرعاً متيناً أما زحف المال الحرام ، والغزو الفكري والعقدي ، ويحذر من بضاعة اليهود الحاقدين ، أكلة الربا المغرضين ، من هنا كانت أنبل معارك العقيدة ، تحرير العقول الإنسانية من كل ما يصادم الفطر ، ويصادر الفكر ، ويغتال المبادئ والقيم .
لقد حد الله سبحانه وتعالى لعباده حدوداً من تعداها وتخطاها إلى غيرها وقع في الحرام وأدى بنفسه للهلاك والدمار ، وعرض نفسه للعذاب والعقاب ، ففي تعدي حدود الله ظلم للنفس البشرية ، ومعصية لرب البرية ، وهذا من أشد أنواع الظلم ، ظلم الإنسان لنفسه ، إذ كيف بإنسان وهبه الله عقلاً وحكمة وعلماً وخط له خطوطاً ، وأرسل له رسلاً ، وأنزل له كتباً ، فتبين له الحق من الباطل ، ثم يصر على المعصية وفعل الذنب ، واقتراف الصغيرة والكبيرة ، فمن تعدى حدود الله ، وانتهك محارمه غير مراع لأمر ولا نهي ، فقد أعد الله له من العقوبة جزاءً وفاقاً و { إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون } ، ولقد جاء الكتاب العزيز ، مرغباً في الخير ، ومرهباً من الشر ، آمراً بالمعروف ، وناهياً عن المنكر ، فيه وعد ووعيد ، وتخويف وتهديد ، فيه الأوامر والنواهي ، فنأى بأتباعه عن أوهام الجاهلية ، وطهر نفوسهم من رجز الوثنية ، وابتعد بهم عن براثن الإسفاف ، وبؤر الاستخفاف في كل صوره وأنماطه ، ويأتي في طليعة ذلك ( جريمة الربا ) لما يمثله من طعنة نافذة في صميم العقيدة ، وشرخ خطير في صرح التوحيد ، وتمزق مزر يضعف القوة ، ويذهب العزة ، ويجلب الانتكاسة ، وسوء الخاتمة ، ويلحق الهزائم ، ويقضي على العزائم ، فتقع الاضطرابات في المجتمع ، وتحصل الفوضى في الأمة ، فتغرق سفينتها في مهاوي العدم والردى ، ولذا فقد نهى الشارع الكريم عن ( الربا ) في محكم التنزيل ، وحذر من عاقبته السيئة ونهايته المؤلمة فقال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } ، فالربا حرام كله ، كثيره وقليله ، بجميع أشكاله وأنواعه ، وصوره ومسمياته ، ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحرب أحد إلا أهل الربا ، فالناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود ، والعجز عن تسديد الديون ، وشلل في الاقتصاد ، وارتفاع مستوى البطالة ، وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات ، وجعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس ، فأصبح ناتج الكدح اليومي يصب في خانة تسديد الربا ، ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا فقال جل وعلا : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } إنها بضاعة مزجاة ، وتجارة كاسدة ، وحرب خاسرة مع الله تعالى ، حرب لا تجدي فيها السفن ولا الطائرات ، ولا تنفع فيها القنابل ولا الدبابات ، فهي مع خالق الأرض والسموات ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، فكيف يخوض عبد ضعيف لا حول له ولا قوة حرباً ضروساً مع من له جنود السموات والأرض ، وله جنود لا يعلمها إلا هو ، إنها حرب غير متكافئة من أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب ومرارة العقاب ، وضنك العيش في الدنيا والآخرة
فكم نرى ونسمع عن أهل الربا وآكليه والمتعاملين به وما حل بهم من جنود الله عز وجل فالسرطان وأمراض الشرايين والذبحة الصدرية وموت الفجأة من جنود الله { وما يعلم جنود ربك إلا هو } ، وقال تعالى { ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً } ، واستمعوا لعظمة جندي من جنود الله تعالى ، أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال : [ أُذن لي أن أُحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ، ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة ] ( رواه أبو داود وغيره وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة ) ، سبحان الله العظيم ، إذا كان هذا ملك من ملائكة الرحمن عز وجل ، وخلق من خلقه ، وعبد من عباده ، فكيف بالخالق تعالى وتقدس ، يقول الله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } ، ويقول تعالى : { فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب } ويوم القيامة يقال لآكل الربا خذ سلاحك واستعد للحرب مع الله ، استعد لخوض غمار الحرب مع من بيده ملكوت كل شيء ، مع من له جنود السموات والأرض ، وما يفعل ذلك الإنسان صاحب اللحم والعظم في مثل ذلك الموقف الرهيب العصيب ولكن { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
معاشر المسلمين : لقد شبه الله عز وجل آكل الربا بالمجنون والمصروع عندما يخرج من قبره إلى محشره فهو يتخبط في الأرض لا يدري ما الخطب ولا يعلم ما الأمر كما كان يتخبط في مال الله بغير حق ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) فأكلة الربا يقومون ويسقطون كما يقوم المصروع لأنهم أكلوا الأموال رباً وحراماً في الدنيا ، فانتفخت به بطونهم حتى أثقلتهم عن الخروج من قبورهم يوم القيامة فكلما أرادوا النهوض سقطوا ، يريدون الإسراع مع الناس فلا يستطيعون . قال صلى الله عليه وسلم : [ إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] ( رواه البخاري ) ، ولكن وللأسف : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به ] ( رواه البخاري ) فالمال الحرام سبب لدخول النيران ، والبعد عن الجنان ، فقد جاء في الحديث عند الترمذي [ لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ] ، فأكل المال الحرام من رباً وغيره من أعظم موانع الدعاء ، ألا ترى آكل الربا يدعو ليلاً ونهاراً فلا يستجاب له ، تتراكم عليه المصائب والمحن ، فلا يستجاب له ، إنه مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ، يارب يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له ] ( رواه مسلم ) .(2/40)
ولقد جاء التحذير من تعاطي الربا أو التعامل به ، ولعن صاحبه وطرده من رحمة الله عز وجل وإبعاده عن مرضاته سبحانه وتعالى ، ففي حديث بن مسعود رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ) ( رواه مسلم ) أي أنهم سواء في الإثم والمعصية ، والجزاء والعقاب ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات ( آي المهلكات ) قالوا يارسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) ( رواه الشيخان ) .
أيها المؤمنون عباد الله : عندما تنقلب الموازين ، وتنتكس الفطر ، وتتحطم القيم ، ويقع الإنسان في أوحال الذنب والكبيرة ، ويغوص في أعماق المعصية والرذيلة ، ويتلطخ بأوصاف قذرة قبيحة ، عند ذلك يصبح الإنسان في مصاف البهائم ، وتلحقه لومة اللائم ، ولكن العجيب والعجائب جمة قصة ذلك الساذج البسيط ، الذي فقد عقله ، وأسلمه لعدوه ، الشيطان وأعوانه ، فنأى بنفسه بعيداً عن التوحيد ، ورمى بها في مستنقعات الجهل وحب المال الحرام ، فلقد جاء شاب من أهل الغفلة والضياع ، إلى المسؤول يطلب منه استقطاعاً من راتبه لعملية ربوية محرمة مع أحد البنوك الربوية ، وعندما وجه إليه النصح والإرشاد ، والتخويف من أجل الترك والابتعاد ، مسنوداً بقول أفضل العباد صلى الله عليه وسلم الذي قال : ( الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ) ، فبدل أن يقوم بشكر ذلك الناصح الأمين ، وحاملاً له هم الأخوة في الدين ، بل رد قائلاً : اعتبرني ناكحاً للأسرة كلها ، إنه والله الخسران المبين ، والران الذي غطى القلوب ، وأعمى الأبصار ، إن الزنا مع الغريبة عظيم ، فكيف بذات الرحم ؟ لقد انساق وراء الأوهام ، واستسلم للأباطيل وتفاهة الأحلام ، فهو كالفراش يتهافت على النار ، إنه أمر مذهل ، وجواب مخجل ، إن من الحيوان الذي لا يفكر ، ولا يمكن أن يقدر ، من لا يمكن أن يقع على أمه ، فذكر الدميري في حياة الحيوان الكبرى وفي طيات كلامه عن الجمل ، فقال : لا يمكن للجمل أن ينزو على أمه ، فكان رجل في سالف الدهر ستر ناقة بثوب ثم أرسل ولدها عليها فلما عرف أنها أمه قتل نفسه ، فسبحان الله العظيم ، جمل أعقل من رجل ، وحيوان أفهم من إنسان ، فهذا إنسان لا يبالي بأن ينكح أسرته من أجل حفنة من مال حرام ، وذاك حيوان يقتل نفسه لأنه وقع على أمه ، فشتان ما بين الإثنين ، فاحذروا عباد الله من عاقبة الربا وأكله ، فهو الطريق إلى النار ، وبئس القرار .
معاشر المسلمين : إن الربا وإن كثر فهو إلى قِلّ وأن بركته ممحوقة يقول الله تعالى ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ) . وقال صلى الله عليه وسلم : [ الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل ] ( رواه الحاكم وهو في صحيح الجامع ) ، فآكل الربا كافر كفر نعمة ، وإن استحله فهو كافر خارج من الدين ومارق منه ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً والعياذ بالله ، فخير الله إليه نازل وشره إلى الله صاعد قال تعالى : { أفبنعمة الله يجحدون } وقال تعالى : { يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون } فآكل الربا لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح ، بل يسعى في أكل الأموال بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة ، وأنواع العقود الخسيسة ، فهو جحود لما عليه من النعمة ، ظلوم آثم بأكل الحرام ، ولذلك وصفه الله عز وجل بأنه كفار أثيم ، وكفران النعمة سبب لتغير الحال وكثرة المرض والجنون والموت وسبب لزعزعة الأمن وعدم الاستقرار قال تعالى : { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } .
أيها المؤمنون : يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام كما ورد ذلك في الحديث وذلك لأن الأغنياء يحاسبون على أموالهم من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها وهذا في المال الحلال فما ظنك بذي المال الحرام . ولما سئل عيسى عليه السلام عن المال قال : [ لا خير فيه ، قيل : ولم يا نبي الله ، قال : لأنه يُجمع من غير حِل ، قيل : فإن جُمع من حِل ، قال : لا يُؤدي حقه ، قيل : فإن أدى حقه قال : لا يسلم صاحبه من الكبر والخُيلاء ، قيل : فإن سلِم ، قال : يُشغله عن ذكر الله ، قيل : فإن لم يُشغله ، قال : يُطيل عليه الحساب يوم القيامة ] ، فتأملوا رحمكم الله هذه العقبات الخمس وقليل من يتجاوزها سالماً .
فوالله إن ذلك هو المحق والنقصان ، والذل والهوان ، والمبين من الخسران .
فمن أستحل الربا وأصر على أكله وتعاطيه واستمر على ذلك أدى به إلى الكفر وسوء الخاتمه والعياذ بالله ، ففي التعامل بالربا مخالفة لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم } .
وفيه معصية لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتعد لحدود الله تبارك وتعالى وارتكاب لمحارمه وقد قال الله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله ويتق حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } .
فتأمل أيها المسلم ما ذكره الله عز وجل في الآيات من وعيد لآكل الربا وعظيم ما يترتب على فعل ذلك المنكر العظيم من العقوبات والدخول في النيران فيا من تتعامل بالربا تب إلى المولى جل وعلا قبل أن يحل بساحتك هادم اللذات ومفرق الجماعات ثم تقول { ياليتني لم أوت كتابيه ( ياليتها كانت القاضية(( ما أغني عني ماليه ( هلك عني سلطانية } فيقال لك : { خذوه فغلوه ( ثم الجحيم صلوه ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فأسلكوه } .
فاحذر من عاقبة التعامل بالربا وأقبل على الله بتوبة نصوح تجب ما قبلها من الذنوب والعصيان .
أيها المسلمون : لا بد لكل عاقل فطن ، أن يعرف أن التعامل بالربا دسيسة ومكيدة من دسائس أعداء الله اليهود ـ قاتلهم الله ـ ومكيدة من مكائدهم العظيمة ـ لا كثرهم الله ـ ليبعدوا الناس عن دينهم ، فقد باءوا بالغضب واللعن من الله تعالى لأكلهم الربا ، واستحقوا الخزي والندامة ، ومسخوا خنازير وقردة ، يقول الله تعالى : {
إن العالم بأسره يئن من وطأة اليهودية الحاقدة ، ويدعوا باللعنة والمقت لأهلها والقائمين عليها .
عباد الله : لقد كثرت الدعايات للمساهمة في البنوك الربوية في الصحف وغيرها ، وإغراء الناس بإيداع أموالهم مقابل فوائد ربوية صريحة ، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن تلك الفوائد حرام سحت وهي عين الربا الذي جاء تحريمه في الكتابين .
ومن كبائر الذنوب ، فالربا يفسد المال على صاحبه ، ويمحق بركته ، ويسبب عدم قبول العمل الصالح .
وليعلم كل مسلم إنه مسؤول أمام ربه عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، ففي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال : " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به " ( رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح )
والأدلة على تحريمه كثيرة ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تعلمون " ، وقال تعالى " وما أتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله " .(2/41)
وقال صلىّ الله عليه وسلم : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء " ( رواه مسلم ) .
فهذه الأدلة وغيرها تبين تحريم الربا وخطره على الفرد والأمة .
وإن مما تأسف له النفوس أن ثلة من الناس لا يهتم بأحكام الإسلام وإنما يهتم بما يدر عليه المال من أي طريق كان ، وما ذاك إلاّ لضعف الإيمان وقلة الخوف من الله تعالى ، وغلبة حب الدنيا على القلوب ، نسأل الله السلامة . هذا هو الواقع المؤلم الذي آلت إليه مجتمعات الإسلام ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . فهذه الهزائم والخسائر ، وهذه البراكين والزلازل ، وهذا الهرج والمرج ، وكثرة الحوادث والمرض ، كل ذلك بما كسبت أيدي الناس من تعاطٍ للربا وغيره . قال عليه الصلاة والسلام : " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ( رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ) . وقال تعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي علموا لعلّهم يرجعون " وقال تعالى : " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا "
وقال تعالى : " وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبنها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا * أعد الله لهم عذاباً شديداً فاتقوا يا أولى الألباب " ، وقال ابن القيم رحمه الله " إذا ظهر الزنا والربا في قرية أُذن بهلاكها " فبدأت المحن تتوالى والمصائب تتابع من جرّاء التعامل بالربا .
قال ابن عباس رضي الله عنهما " من كان مقيماً على الربا لا ينزع منه فحُق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلاّ ضرب عنقه " وصدق رضي الله عنه ، فالربا على شاكلة الزنا ، فمن هو الذي يستطيع أن يزني أمام الناس جهرة وعلانية ، ومن هو الذي يقر على نفسه بالزنا ثمّ لا يرجم ولا يجلد ، فالربا كذلك من أعلن التعامل به أو علم عنه ذلك ، فحقٌ على المسلمين هجره تأديباً وزجراً ، وواجب على وليّ الأمر تأديبه وتعزيره عنوة وقهراً ، حتى يعود إلى صوابه ويراجع دينه ويتوب إلى ربه ويعود عن غيّه وزيغه .
أيها المرابي .. يا من تتعامل بالربا : اتق الله ، واجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، واحذر من مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ، استعمل عقلك وحكم دينك وشرع نبيك ، الذي قال : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي ، انطلق ، وإني انطلقت معهما ، .. فانطلقنا فأتينا على نهر قال أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة ، فيفغر له فاه ، فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح ، ثم يرجع إليه ، كلمّا رجع إليه فغر له فاه ، فألقمه حجراً ، قلت لهما : ما هذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك . أماّ الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ، ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا " ( رواه البخاري ).
وهذا عذاب أهل الربا في القبور إلى يوم البعث والنشور وذلك تنكيلاً لهم ومدّاً للعذاب ، لاعتراضهم على الله في حكمه ، فالله يقول : " وأحلّ الله البيع وحرّم الربا " ، وهم يقولون : البيع مثل الربا ، فاعترضوا على الله في حكمه ورفضوا شرعه ، مع علمهم بتفريق الله بين البيع والربا ، وهو سبحانه العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده وما يضرهم . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " وكل رباً في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ، وأول رباً أضع ربا العباس " .
عباد الله : للربا صور عديدة ، ، وأشكالاٍ كثيرة ، حري بكل مؤمن أن يسعى جاهداً لمعرفتها ، وكشف حقيقتها حتى لا يقع في هذا الجرم العظيم ، والخطر الجسيم ، فمن صور الربا المتداولة بين الناس اليوم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل :
فمن صور الربا : أن يشتري الرجل سلعة بثمن مؤجل من شخص أو بنك أو معرض ، ثم يبيعها عليه بثمن حال أقل من ثمنها المؤجل قبل أن يسدد قيمتها كاملة ، فهذه حيلة على الربا ، يتحايلون على الله كما يتحايلون على الصبيان ( وهذا يسمّى بيع العينة ). قال عليه الصلاة والسلام : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد ، سلط الله ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ( رواه أبو داود وهو حديث صحيح بمجموع طرقه السلسة الصحيحة ) .
ولماّ سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن مثل هذه المعاملة قال : هذا حرام ، حرمه الله ورسوله . بل أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من فعل ذلك من الصحابة جاهلاً بأنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب .
ومن صور الربا : أن يستدين مبلغاً من المال على أن يعيده بزيادة ، سواءً كان المتعامل معه شخصاً أو شركة أو بنكاً أو غيرها ، فتلك المعاملة رباً ، والربا حرام .
ومن صور الربا : أن يستبدل ذهباً قديماً بذهب جديد ويدفع الفرق بينهما وهذا عين الربا ، والمعاملة الصحيحة في ذلك : أن يبيع ذهبه القديم ويقبض ثمنه ، ثم يشتري ذهباً جديداً بثمن القديم ولو زاد نقوداً من عنده بعد ذلك .
ومن صور الربا : أن يشتري ذهباً حالاً بثمن مؤجل ، فهذا ربا محرم التعامل به ، ولا تجوز المحاباة فيه لا لقريب ولا لصديق ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولو كان أقرب قريب .
ومن صور الربا : قلب الدين على المعسر ، وهذا هو ربا الجاهلية وذلك أنه إذا حل الدين ولم يكن عنده سداد ، زيد عليه الدين بكميّات ونسب معينة حسب التأخير وهو حرام بإجماع المسلمين .
ومن صور الربا : القرض بفائدة : وصورته أن يقرضه شيئاً ، بشرط أن يوفيه أكثر منه ، أو يدفع إليه مبلغاً من المال على أن يوفيه أكثر منه بنسب معينة ، وهو ربا صريح ، أو يقرضه مالاً على أن يعيده وشيئاً معه سواء من المال أو من غيره من الأواني وغيرها .
ومن صور الربا : الإيداع في البنوك بفائدة : وهو ما يسمّى بالودائع الثابتة إلى أجل ، فيتصرف البنك في هذه الودائع إلى تمام الأجل ، ويدفع لصاحبها فائدة ثابتة بنسبة معينة في المئة ، وهذا ربا لا شك فيه ، ولا ريب فيه .(2/42)
عباد الله : يا من ترجون رحمة الله وتخافون عذابه : احذروا من دخول الربا في معاملاتكم ، واختلاطه بأموالكم ، فإن أكل الربا وتعاطيه من أكبر الكبائر وأخبث الخبائث وفيه الإذن من الله لمتعاطيه بالفقر والأمراض المستعصية وظلم السلطان ، فالربا يهلك الأموال ويمحق البركات فكم تسمعون من تلفِ الأموال العظيمة بالحريق والغرق والفيضان فيصبح أهلها فقراء بين الناس ، وإن بقيت هذه الأموال الربوية بأيدي أصحابها فهي ممحوقة البركة ، لا ينتفعون منها بشيء ، إنما يقاسون أتعابها ، ويتحملون حسابها ويصلون عذابها ، فالمرابي مبغوض عند الله وعند خلقه ، لأنه يأخذ ولا يعطي ، ويجمع ويمنع ، ولا ينفق ولا يتصدق ، شحيح جشع ، جموع منوع ، تنفر منه القلوب ، وينبذه المجتمع ، وهذه عقوبة عاجلة ، وعقوبته الآجلة أشد وأبقى وما ذاك إلاّ لأن الربا مكسب خبيث ، وسحت ضار ، وكابوس ثقيل على المجتمعات البشرية ، فيجب على المسلم الابتعاد عنه ، والتحرز منه ، لكثرة الوقوع فيه في هذا الزمان ، لماّ طغت المادة ، وضعف المسلمون ، وفشا الجهل بأحكام الدين ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : " ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره " ( رواه أحمد وأبو داود )
فمن تأمل حال الناس اليوم أدرك مصداق هذا الحديث الشريف وذلك أنه لماّ فاضت الأموال وتضخمت في أيدي فئام من الناس وضعوها في البنوك الربوية فأصابهم من الربا ما أصابهم ، فمنهم من أكله ومنهم من لم يأكله لكن أعان على أكله فأصابه من غباره والله على ما يفعلون شهيد .
أيها الأخوة كيف يأتي النصر والناس قد أكلوا الربا ، ومن لم يأكله أصابه من غباره ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فلا بد من مراجعة النفس ، ورأب الصدع ، واجتماع الكلمة ، وتوحيد الصف ،
=============
المرابون....؟؟!!
يقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}..
حرب من الله ورسوله.. غاية في التهديد والوعيد، يدل على كبر هذه الخطيئة..
وقد جاءت السنة لتخبرنا بلعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، عن جابر بن عبد الله قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء".
أي المرابي والذي يقترض بالمراباة والذي يكتب العقد والذي يشهد، كلهم عليهم من الله لعنة، بل قد جاءت لتخبرنا بما يعقد الألسن ويذهل العقول، فأدنى الربا كأن ينكح الرجل أمه.. عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الربا سبعون حوبا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه).
وهل ينكح الرجل أمه ؟!..
إنه غاية في البشاعة والشناعة، قال تعالى: { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا}..
فوصف من نكح زوج أبيه بكونه قد فعل فاحشة وأتى مقتا وساء سبيله، فكيف إذن إذا نكح أمه؟..
إن المرابي أشد لعنة ممن نكح أمه، فإذا كان ذلك في أدنى الربا، فكيف إذن فيمن كان يتقلب في أعلى الربا، والذين يملكون المؤسسات التي لا تتاجر إلا بالربا؟..
عن سمرة بن جندب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أريت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجلَ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟، فقال: الذي رأيته في النهر: آكل الربا) .
ويوم القيامة يقوم آكل الربا من قبره يتخبط كالذي أصابه المس، قال تعالى: { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}..
عن قتادة: "تلك علامة أهل الربا يوم القيامة، يبعثون وبهم خبل".
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا:
لم كل هذا الوعيد والتشنيع على آكل الربا خاصة، والراضي لنفسه أن يعطي غيره الربا، والكاتب، والشاهد؟..
أليس الربا يحل أزمة أناس لا يجدون من يداينهم، فيذهبون إلى المرابين فيقرضوهم بالفوائد إلى أجل، وكلما تأخروا زيد عليهم في الربا، لكنهم في مقابل ذلك يخرجون من أزماتهم، فيملكون أرضا، ويبنون بيتا، ويجتهدون في قضاء الدين قبل أن تزيد عليهم الفوائد الربوية؟..
الناس لا يجدون اليوم من يقرضهم إلا المرابون، فما عساهم أن يفعلوا؟..
هل من حل؟..
حيرة يجد الإنسان نفسه فيها...؟؟؟!!!..
بين نصوص بليغة شديدة الوعيد، لا تفرق بين صاحب الحاجة، والمتساهل الذي يقترض من دون حاجة..
فكل النصوص تحذر وتتوعد وتلعن وتعلن الحرب على آكلي الربا، ولا نجد فيها عذرا لصاحب حاجة لم يجد من يقرضه، وإنسان بلغت به الحاجة أنه لا يجد من يقرضه إلا مرابٍ، يأخذ منه أكثر مما يعطيه على مدى الزمن..
فمن الناس من يقف عند الأمر ويخاف مخالفة الرب، فيترك الربا والتعامل مع المرابين، ولو لم يجد من يمده بمال يعينه على أزمات الحياة..
ومنهم من يحنق، ويسخط، ويقتحم، ويعلن قبوله واستعداده لحرب الله تعالى المنتقم الجبار..
هؤلاء المقترضون، فما بال المقرضين المرابين؟..
الذين قد تخطوا باب الحيرة، وصاروا يأكلون الربا ليل نهار، سرا وعلانية، بثقة تامة، ولم يأبهوا لنصوص تزلزل الجبال وتدك الأرض وتنفطر السماء لأجلها مخافة وخشية من غضب الجبار وحربه، على من أعلن العصيان والمخالفة، ما بالهم وكيف حالهم؟..
نعود ونقول: لم جاءت النصوص بمثل هذا الوعيد الشديد؟..
نجيب فنقول:
المرابي ظالم شديد الظلم...
يزداد شبعا، والناس يزدادون جوعا..
وهو السبب في جوعهم، إنه يأكل أموالهم بالقرض والدين، ويضرب لهم أجلا مع زيادة يسميها فائدة، كلما تأخروا في السداد زاد عليهم، حتى يتركهم بلا مال، فيستولي على ما بأيديهم إن كان بأيديهم شيء..
قد كان المرابي في القديم يصطاد ذوي الحاجة، أما مرابي اليوم فيعمل على اصطياد جميع الناس، يخترع الطرق الخبيثة للاستيلاء على أموالهم، بإعلانات براقة داعية إلى وضع الأموال عنده، وبإغراء الناس أن يقترضوا منه مقابل تسهيلات في مجالات البيع والشراء والبناء وغير ذلك..
فإذا وقعوا استولى على أموالهم حتى يتركهم وليس بأيديهم شيء، ولو قدر لاقتطع من أجسادهم إذ عجزوا عن السداد، كما فعل تاجر البندقية.. ؟؟..
وتاجر البندقية رجل يهودي جشع، كان يقرض الناس بالربا، فأقرض رجلا، فعجز عن السداد بسبب الربا، فصار يقتطع من لحمه، إذ لم يكن يملك غيره، وهكذا يفعل المرابي اليوم...؟؟؟؟!!!!...
أليس يتسبب في جوع الناس وفقرهم، حينما يقرضهم فيأخذ فيسترد ماله أضعافا مضاعفة؟..
إن الربا مصدر فقر المجتمع، وترك الناس بلا شيء، ليتكدس المال في أيدي المرابين، فيزدادوا غنى، ويزداد الناس فقرا، وهو يتسبب في انهيارات اقتصادية كبيرة..
الربا يقضي على طموحات الناس، فالمال عصب الحياة، والربا يسلبه من الناس، ويتركهم عالة يتكففون المرابين، يطلبون منهم بالذلة ما أخذوه منهم بالخداع والحيلة، باسم القرض والدين والتسهيلات..
إن المرابين أعداء الله ورسوله وأعداء الإنسانية والأخلاق والقيم..
إن المجتمع في ظل المجتمع الربوي تنتشر فيه جميع المنكرات:(2/43)
فالأموال بأيدي المرابين، وهم أجرؤ الناس على الذنب، بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جعل أيسر الربا كأن ينكح الرجل أمه، فهل ثمة جرأة كهذه على الذنب ؟..
وهل يكون للمرابي بعد هذا ضمير أو خلق؟..
إنه الآن يملك المال الكثير، الذي يكفي شعبا كاملا، فماذا يفعل به؟..
إنه لا يخاف الله ولا يعرف الحلال من الحرام..
إنه يسعى في كل مفسد ومدمر، وهل شيء أفسد من الربا؟...
فالذي وقع فيه لا يمتنع من أن يقع في غيره من أنواع المحرمات المفسدة..
يوظف ماله الذي جناه من الحرام في الحرام، فمثله لا يوفق إلى خير، وهل يوفق إلى خير من أعلن استعداده لحرب الله ورسوله؟..
فمثله جدير بأن يغرق المجتمع بأنواع من الفساد الفكري والخلقي، ويسخر ماله في إفساد أخلاق الناس، فيجلب للناس كل ما يضرهم ولا ينفعهم من اللهو واللعب والفتنة والفساد، فليس شيء ممنوع عنده، فقد تخطى الحواجز كلها وانطلق يجري وراء الشيطان، يركع له ويسجد..
إن الربا سبب غلاء الأسعار، وما يترتب عليه من شظف العيش وتعذر الحصول على متطلبات الحياة، والحرمان ـ تبعا لذلك ـ من الضرورات الأساسية كبناء المسكن والزواج، وذلك يفضي إلى كثرة الفساد الخلقي، حيث لا يجد الشاب مالا يتزوج به ويقيم مسكنا يسكن فيه، فينصرف عنه، فتقل نسب الزواج، والنتيجة كثرة الفواحش والآثام، حيث يحرم الشاب والفتاة من تلبية حاجة الغريزة لقلة المال، وهم يجدون في ذات الوقت أنواعا من الفساد متيسرا بفعل أولئك المرابين..
كيف ترتفع الأسعار بفعل المرابين؟.
يأتي صاحب مشروع غذائي مثلا، يقترض من أهل الربا ليقيم المشروع، فيقرضوه مقابل الفائدة في كل عام، وكلما تأخر في السداد زادت الفائدة، فيبدأ في المشروع وقد وضع في حسابه عند بيعه للسلعة أن يكون فيها الربح بالإضافة إلى الفائدة، أي أن الفائدة يتحملها المستهلك حين شرائه للسلعة لا المقترض، فتمضي المدة المحددة فلا يسدد فتزداد الفائدة عليه، وهو لا يهمه ذلك، لأنه يضيفها إلى ثمن السلعة، ليتحملها المستهلك، ليرتفع سعرها..؟!!!!!!!.....
وهكذا.. كلما تأخر في السداد زادت الفوائد عليه..فيضيفها إلى ثمن السلعة، فيزداد سعرها..
فمن الذي تحمل تسديد تلك الفوائد الربوية؟..
ليس المقترض، بل المستهلك..
ومن هنا نفهم لماذا تزداد أسعار المواد كل يوم..
إن الزيادة الربوية تذهب إلى خزانة المرابين، والناس يعيشون الهم وهم يراقبون ارتفاع أسعار السلع، ولا يملكون ردها أو إيقافها، ولا يملكون كذلك الإعراض عن شرائها، فهي حاجات أساسية لا يمكنهم الاستغناء عنها، فتأكل كل مدخولاتهم، فلا يجنون إلا الحسرة والفقر والألم..
وأما أكلة الربا فهم في النعيم والخيرات يتقلبون، وليست تلك الخيرات من عرقهم ولا من كدهم واستحقاقهم، بل هم يأكلون كد وعرق واستحقاق غيرهم..
هم كرجل سمين، ملء أناقة وفخامة، أتى إلى طفل فقير يتيم، لا يملك إلا ثوبا خلقا، وجسدا ضعيفا، في يده كسرة خبر يريد أكلها ليسد جوعته، فاختطفها قبل أن تصل إلى فمه، ليأكلها، ويترك الضعيف يتلوى من الجوع…
أفلا يستحق اللعنة، والحرب من الله؟..
هذا استحق اللعنة، لأن فعل هذا بفرد واحد، فكيف من يفعل ذلك ليل نهار بآلالاف وملايين البشر يتركهم عالة جوعى فقراء لا يملكون أبسط متطلبات الحياة؟…
إن الحياة المبنية على الأخوة والرحمة هي الحياة الطيبة، وإن الفقير والمحتاج إذا وجد من يتصدق عليه بهبة أو قرض حسن لا ربا فيه، يطمئن إلى إخوانه، وتنتشر فيهم المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى..
أما إذا صارت الحياة مليئة باستغلال الظروف الحرجة وحاجات الناس وأكل أموالهم بالباطل، وصار الهم في سرقة الأموال باسم الفائدة والخداع والحيلة انقلبت كئيبة فاسدة لا تصلح للعيش ولا للبقاء، ولذا قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون}..
والربا مهما زادت وحصلت فإنها غير مباركة، بل هي ممحوقة، والمرابي نهايته وخيمة، وعاقبه الخسران، فكم من مراب أكل الربا سلط الله عليه من يأخذ ماله ويكف يده ويذله بعد العزة ليموت بحسرته، كما أكل من قبل أموال الناس وأماتهم جوعا وحسرة، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحدا، قال تعالى: { يمحق الله الربا ويربي الصدقات}..
وقال: { وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.
وأخيرا نقول: المفاهيم عند كثير من الناس منقلبة:
يرون الزاني والسارق وشارب الخمر فيرحمونه أو يزجرونه، لأنه عاص، ويرون آكل الربا، فيوقرونه ويعظمونه، ويفسحون له المجلس..
ولو قايسنا بين ذنب الزاني وشارب الخمر والسارق وذنب المرابي، لكان ذنب المرابي أضعاف ذنوب أولئك..
كيف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الربا سبعون حُوبا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه..؟؟!!!...
فالمرابي أشد أصحاب الكبائر جرما، فاعرفوا ذلك..
وصاحب الربا يعامل كسائر أصحاب الكبائر من حيث النصح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والزجر والهجر، إن كان فيه جدوى..
أبو سارة
===============
حكم المساهمة في شركة المراعي
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام . الرياض
السؤال :
ما حكم الاكتتاب في شركة المراعي ؟ وهل هي تتعامل بالربا ؟ .
الجواب : بعد الاطلاع على القوائم المالية للشركة ، تبين أن الشركة تقرض وتقترض بالربا ، ومجموع القروض الربوية من البنوك الربوية (535000000) ريالاً سعودياً ، والودائع الربوية في البنوك التجارية (46109000) ريالاً سعودياً .
وعليه فإن الاكتتاب أو المساهمة فيها محرم شرعاً ؛ لأن السهم ملك مشاع في الشركة ؛ فأي نشاط للشركة فالمساهم شريك فيه .
قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ" (البقرة 278، 279 ) . و عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء " أخرجه مسلم .
ولعل من المهم أن أنبه في الجواب على هذا السؤال على الأمور الآتية :
أولاً : أدعو جميع الشركات إلى ضرورة التزام شرع الله تعالى في معاملاتها ، وأن تضع لجنة شرعية ترشح من قبل الجهات العلمية كدار الإفتاء أو المجمع الفقهي أو الأقسام العلمية في الكليات الشرعية ، وليس انتقاءً من الشركة .
ثانياً : توعية الناس بمطالبة الشركات باللجان الشرعية ، وأن يعرفوا سبب امتناع الشركة من وضع اللجنة الشرعية .
ثالثاً : أنشأ بعض أهل العلم المعاصرين قولاً جديداً في التفصيل بين الربا الكثير والربا اليسير ؛ فإن كان الربا قليلاً في الشركة جاز المساهمة فيها وإلا فلا ، وحددوا الربا اليسير وفق الشروط الآتية :
1. ألا يتجاوز إجمالي المبلغ المقترض بالربا عن الثلث ، والرأي الآخر ألا يتجاوز 25% من إجمالي موجودات الشركة .
2. ألا تتجاوز الفوائد الربوية أو أي عنصر محرم عن 5% من إيرادات الشركة .
3. ألا يتجاوز الإقراض بالربا أو أي استثمار أو تملك محرم عن 15% من إجمالي موجودات الشركة.(2/44)
ثم اختلفوا في تحديد هذه النسب بين الرفع والخفض إلى أكثر من أربعة أقوال .
وقد عللوا الجواز بالحاجة ، وعموم البلوى ، فجميع الشركات الكبرى المساهمة ترابي إلا ما ندر ، والناس بحاجة إلى تنمية أموالهم ولا يجدون إلا هذه الشركات وخصوصاً أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة ، وفي القول بالتحريم تضييق عليهم ، ومتى ما اندفعت هذه الحاجة عاد الحكم إلى التحريم ، وتندفع الحاجة بوجود الشركات الملتزمة بالضوابط الشرعية . وأن العفو عن اليسير من الربا كعفو الشرع عن يسير بعض أنواع النجاسة ( هذا خلاصة ما وقفت عليه من البحوث المنشورة ) .
والصواب أن المساهمة في الشركات التي تقع في الربا اليسير محرم شرعاً ، وهو قول جماهير العلماء المعاصرين ، والأدلة على التحريم :
أولاً : أن الربا محرم شرعاً قليله وكثيره ، وقد أجمع العلماء على حرمته مطلقاً ، ولا أعرف أحداً من أهل العلم المتقدمين قال بجواز ربا النسيئة عند الحاجة إذا كان أقل من الثلث . بل جاءت النصوص بتعظيم جريمة الربا حتى لو كان قليلاً ؛ فعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية " أخرجه أحمد بسند صحيح . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه .. " أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي . والحديث صحيح بمجموع شواهده .
ثانياً : لو سلمنا جدلاً بالجواز عند الحاجة ، فإن المساهمة في هذه الشركات ليست من الحاجة ؛ لأن حاجة تنمية الأموال مندفعة بأنواع التجارة الأخرى ؛ كالبيع والشراء الفردي أو بالتوكيل ، أو بالمضاربة ، أو بأسهم شركات العقار وغيرها التي لا تتعامل بالربا وهي كثيرة ولله الحمد ، وغير ذلك.
ثالثاً : أن هذا القول ( وهو القول بجواز المساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا القليل ) : فيه إسهام في بقاء هذه الشركات على هذا المسلك الربوي ، ودعوة لمشاركة الناس فيها ، وتضييق ضمني للشركات الإسلامية الناشئة ، وسببٌ في تأخير مشروع الإصلاح الاقتصادي وتنقيته من الربا ومما حرم الله .
ولو كانت الفتوى صريحة في المنع للجأت هذه الشركات إن شاء الله في بلاد المسلمين إلى وضع اللجان الشرعية والبعد عن الربا ؛ لأن معظم الناس أقدموا على المساهمة بناءً على الفتوى الشرعية ، وخصوصاً مع الوعي الشرعي في السنوات الأخيرة ، والمشايخ يدركون هذه الحقيقة من خلال كثرة أسئلة الناس عنها والتي ربما طغت على أسئلتهم في الطهارة والصلاة .
وللحديث عن هذه التنبيهات مزيد تفصيل سيخرج بعد اكتماله بإذن الله تعالى .
قاله وكتبه : د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام / كلية الشريعة بالرياض .
ص ب 156616 الرياض 11778
هاتف وناسوخ 4307275/01
20/5/ 1426هـ
================
حكم المساهمة في شركة الاتصالات السعودية
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . أما بعد .
فقد وصلني أسئلة كثيرة جداً عن حكم الاكتتاب في أسهم شركة الاتصالات السعودية . وقد اطلعت على القوائم المالية للشركة لعامي (2000 و 2001 ) ، وناقشت عدداً من أهل الاختصاص الاقتصادي في هذا ، وبعد النظر والتأمل ظهر لي أن المساهمة فيها أمر محرم ، وسبب التحريم : ممارسة الشركة لجملة من المحاذير الشرعية ، ومنها :
1. إيداع أموالها في البنوك الربوية في حساب الفوائد .
2. القروض طويلة الأجل وقصيرة الأجل في مقابل عوائد ربوية .
وقد تحصل للشركة من هذين العملين مئات الملايين الربوية ، كما هو مسجل في القوائم المالية للشركة ، وأنقل هنا فقط نص ما جاء في القائمة المالية للشركة في قائمة التدفق النقدي بالريال السعودي : " العائد من القروض طويلة الأجل لعام 2000م (850,000,000 ) والعائد من القروض طويلة الأجل لعام 2001م (600,000,000 ) " . كما هو منشور في موقعها الرسمي في الإنترنت : http://www.stc.com.sa/arabic/html/ar_annual_budget.htm
3. اقتراض أموال طائلة بالفوائد الربوية ، وأنقل هنا نص ما ذكر في القائمة المالية : " وقد تم تسديد القرض الأول البالغ (2.250.000,000) وفوائده بتواريخ استحقاقه ، وكان آخر قسط مسدد في الربع الرابع من عام 2001م ". كما هو منشور في الموقع الرسمي في الإنترنت .
4. خدمة الاتصال بالرقم (700) والذي يستعمل في كثير من الأحيان في القمار في المسابقات ، أو الهدايا المحرمة كالموسيقى والأغاني الماجنة . مع إقرار الشركة لذلك .
5. استثمار الشركة في عدد من الشركات والأقمار الصناعية التي لا تتورع في نشر ما حرم الله . وقد بلغ استثمار الشركة في القمر الصناعي ( عربسات ) لعام 2001م (637,151,000 ) بالريال السعودي .
وأعظم هذه المحاذير الشرعية هو ( الربا ) الذي قال الله تعالى فيه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(278)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ(279) سورة البقرة .
وفي الآيات التي قبلها : " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276) سورة البقرة .
و عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء " أخرجه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات ( أي المهلكات ) قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " متفق عليه .
و عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية " أخرجه أحمد بسند صحيح .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه .. " أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي . والحديث صحيح بمجموع شواهده .
أما القول بجواز المساهمة في هذه الشركة مع إخراج النسبة المحرمة من الأرباح ، فهو محل نظر : لأن سهم المشترك سيكون ملكاً مشاعاً في جميع أجزاء الشركة وحينئذ سيكون مشاركاً بجزء من ماله في الربا والأعمال المحرمة الأخرى ، ولا يجوز للمؤمن أن يقدم على الاشتراك في ما حرم الله وهو يعلم بذلك مسبقاً .(2/45)
ولو قيل إن هذه الشركة تضع عشرات الملايين في تجارة الخمور والمراقص والبغاء ، لما رضي أحد بالمشاركة فيها ، فكيف وهي تُشغل أكثر من مليارين من الريالات بالربا ، الذي هو أعظم جرماً من تعاطي الخمر والبغاء ، بل الربا أعظم ذنب في الإسلام بعد الكفر بالله وقتل النفس التي حرم الله ، وقد توعد الله بمحقه ، وهو إيذان بحرب من الله ، ودرهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية ، وأهون الربا مثل أن ينكح الرجل أمه .
ثم إن هذا التفصيل إنما يقال لمن كان مساهماً في شركة تتعامل بالربا في شيء من أعمالها ، ثم أراد التوبة إلى الله منها ، أو أنه ساهم جاهلاً ثم علم بالحكم . فيقال حينئذ : الواجب أن ترجع الأسهم إلى أصحابها وتسترجع أموالك ، وما أتاك من أرباح فإنك تتخلص من النسبة المحرمة ، قال الله تعالى : " وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ " .
وقد صدر من اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ فتوى بتحريم المساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا ( برقم 6823 وتاريخ 12/4/1404 ) وأنقل هنا نص السؤال والجواب :
السؤال : " هل يجوز المساهمة بالشركات والمؤسسات المطروحة أسهمها للاكتتاب العام في الوقت الذي نحن يساورنا الشك من أن هذه الشركات أو المؤسسات تتعامل بالربا في معاملاتها ، ولم نتأكد من ذلك ، مع العلم أننا لا نستطيع التأكد من ذلك ، ولكن كما نسمع عنها من حديث الناس .
الجواب : الشركات والمؤسسات التي لا تتعامل بالربا وشيء من المحرمات يجوز المساهمة فيها . وأما التي تتعامل بالربا وشيء من المحرمات فيحرم المساهمة فيها . وإذا شك في أمر شركة ما فالأحوط له ألا يساهم عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز .
نائب رئيس اللجنة : عبدالرزاق عفيفي .
عضو : عبدالله بن قعود . عضو : عبدالله بن غديان .
وأرى أنه من المهم التوجه بالنصح بضرورة تكوين لجنة شرعية موثوقة في شركة الاتصالات وضبط معاملاتها شرعاً وإبعادها عما حرم الله ، وحينئذ ستكون محل ثقة الناس إن شاء الله تعالى . وبالله التوفيق .
=============
حكم الاستثمار المالي في المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة
السؤال:
هل صحيح أن الإسلام يمنع الاستثمار المالي في المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة ؟.
الجواب:
الحمد لله
دين الإسلام هو الدين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اشتمل على أكمل الشرائع ، قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة ، ففيها جميع الأحكام التي بها سعادة العباد في معاشهم ومعادهم ، ومن ذلك الأحكام المالية ، وهي الأحكام التي تنظم وتعدّد طرق كسب المال وصرفه ، فلا يجوز اكتساب المال بكل طريقة ولا يجوز صرف المال في كل ما يشتهي الإنسان ، فلا بدّ أن يخضع الإنسان في كل ذلك إلى شرع الله ومن ذلك أن الله تعالى حرّم الربا ، قال تعالى : ( وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ) ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) . ومن صور الربا الظاهر أخذ الفوائد على القروض أو إعطائها ، فلا يجوز القرض بفائدة ، وما يسمى بالفائدة في لغة البنوك هو الربا في لغة الشرع . واما القرض الحسن فهو القرض الذي يقصد به الإرفاق والإحسان إلى الغير وذلك بألا يكون المقصود أخذ الفائدة والزيادة ، فما يسمى بالقروض في لغة البنوك هي في الحقيقة عقود ربا ، والله تعالى حكيم في شرعه لأنه تعالى شرع الشرائع بما فيها من المصالح العاجلة والآجلة وهو الحكيم العليم .
كتبه
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن بن ناصر البراك
============
رسائل عاجلة في شركة ينساب
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام . الرياض
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد .
فقد واجهت كما واجه غيري من المشايخ وطلاب العلم كماً هائلاً من أسئلة الناس عن حكم الاكتتاب في شركة "ينساب" ، وهي ظاهرة طيبة تتزايد ولله الحمد مع نشر الوعي في المجتمع ، وهي دلالة على حرص الناس على البعد عما حرم الله ، وقد وجد الناس فراغاً واضحاً في الفتيا الجماعية، حتى بادر بعض المشايخ وفقهم الله بالفتيا الفردية المكتوبة ، أو الشفوية في القنوات الفضائية، فرأيت من المناسب أن أبعث حول هذا الموضوع بثلاث رسائل :
الأولى: رسالة عامة في بيان حكم الاكتتاب فيها .
والثانية: إلى طلاب العلم المهتمين بهذه المسائل .
والثالثة: إلى رئيس أعضاء مجلس إدارة شركة "ينساب".
أما الأولى : فبعد النظر في نشرة الإصدار لشركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات " ينساب" الصادرة في 5/11/1426هـ، تبين أنها قائمة على النظام الرأسمالي الربوي، وأنها لم تلتزم بشرع الله تعالى في معاملاتها المالية، ويظهر ذلك من خلال الآتي :
أولاً : أعلنت "ينساب" عزمها على إيداعات ربوية في بنوك محلية، وأن النسبة الربوية مقدارها (4.85% )، ومقدار الإيداع الربوي بالريالات (5.556.657.000) والذي يمثل (98.58%) من مجموع رأس مال الشركة (5.625.000.000) ، وأن رأس المال يشمل أسهم المكتتبين المؤسسين وعموم الناس .
وقد صرحت الشركة بأنها بدأت مزاولة النشاط المالي لها بإيداع ما تحصل لها من أموال المؤسسين، وقد عاد إليها من الفوائد الربوية حتى صدور النشرة (4.375.000ريالاً).
ثانياً : التزمت "ينساب" بفائدة ربوية لشركة سابك مقدارها (10.000.000ريال ) مقابل قرض مالي مقداره (1.208.510.000ريال ) .
ثالثاً : حصلت سابك لصالح "ينساب" التزاماً خطياً من أحد البنوك الربوية العالمية ABN AMRO على قرض ربوي صرف قيمته (13.125.000.000) ثلاثة عشر ملياراً، ومائة وخمس وعشرون مليون ريال سعودي .
ثم ذكرت النشرة بأن البنك - وليس الشركة - يقوم الآن بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع .
وهذا يعني أن البنك سيحصل هذه القروض مع من سيتم الاتفاق معه، ثم سيقرضها البنكُ للشركة بفائدة ربوية، وعليه فإن البنك لو حصَّل بعض التمويل بالمرابحة الإسلامية فإنه سيقرضها للشركة " ينساب " بقرض ربوي .
وبناءً على ما سبق؛ فإن الاكتتاب في شركة ينساب محرم شرعاً.
ووجه التحريم : أن المكتتب شريك معهم، ومفوض لهم في الإدارة المالية، وموافق على ما تضمنته نشرة الإصدار، الذي وقع العقد معهم بناءً عليها، ولا فرق في التحريم بين المكتتب والمساهم بعد التداول والمضارب .
والربا أعظم ذنب في الإسلام بعد الكفر بالله، وقتل النفس التي حرم الله، حتى لو كان يسيراً، ومن تأمل النصوص الواردة في حرمة الربا أدرك عظم هذه الجريمة، ومن هذه النصوص :
قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)) (البقرة 278، 279) .(2/46)
وحديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: ((لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء)) أخرجه مسلم .
وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)) أخرجه أحمد بسند صحيح.
وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ..)) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. والحديث صحيح بمجموع شواهده .
وليس من المناسب بعد هذه النصوص تخفيف كلمة الربا عند الناس كتسمية الفوائد الربوية بالعوائد البنكية، وتسمية الشركات الربوية بالمختلطة، وتسمية البنوك الربوية بالتقليدية، والصواب أن تسمى الأمور بأسمائها الشرعية؛ فيقال بنك ربوي، وشركة مختلطة بالربا، ونحو ذلك، حتى لا يغرر الناس في دينهم .
الرسالة الثانية : إلى أهل العلم الذي أفتوا بالجواز أو المنع أو توقفوا .
إن الأيسر للناس، والأصلح لهم، والأرفق بهم، ما كان في شرع الله حتى لو كان الحكم بالتحريم، والعلماء إنما يبينون الحكم للناس وفق الكتاب والسنة، ولا يقدمون الرأي على النص، وكل مصلحة تعارض النص فهي ملغاة كما هو مقرر في علم الأصول .
ثم إن الفتيا بالجواز في هذه الشركة وأمثالها أوسع من أن تكون جواباً على سؤال، بل يترتب عليها عدد من المفاسد الكبرى؛ فإن الإصلاح في الميدان الاقتصادي وإبعاده عن الربا، وما حرم الله لا يزال متأخراً جداً مقارنة بغيره، وهذه الشركة وأمثالها قد وضعت مؤسسات ضخمة في الاستشارة المالية والقانوية، ودراسة السوق والعلاقات العامة، بينما لم تضع جهة أو لجنة للاستشارة الشرعية ؛ فهي تتبنى الإعراض عن اللجان الشرعية ، ويبقى مجلس الإدارة على وجل حتى يتقدم واحد أو أكثر من أهل العلم بالفتيا بالجواز، فيقبل الناس أفواجاً على الاكتتاب، وقد ظن المفتي بالجواز أن في ذلك المصلحة ، والرفق بالناس، والتدرج في الإصلاح .
وليس الأمر كذلك ، فإن الفتيا بالجواز من أهم أسباب تأخر المشروع الإصلاحي في الميدان الاقتصادي؛ لأن الفتيا بالجواز سبب أساس في بقاء الشركات الربوية؛ وإضعاف الشركات الإسلامية الناشئة، وقد شهد الواقع بأن الفتيا بالجواز: أكبر وسيلة تسويقية للاكتتاب، وارتفاع الأسهم بعد التداول، وضخ الأموال الطائلة في جيوب أكلة الربا من المكتتبين المؤسسين، أو البنوك الربوية ؛ لأن معظم الناس يقدم أو يحجم بناءً على الفتوى .
ولما كان الأمر بهذه المثابة، فإني أدعوا أهل العلم والفضل إلى الفتيا الجماعية في هذه القضية وأمثالها، واشتراط وضع اللجان الشرعية والرقابية المستقلة، والتي ترشحها المجامع الفقهية، أو دار الإفتاء ، أو الأقسام الفقهية في الكليات الشرعية .
الرسالة الثالثة : إلى رئيس مجلس إدارة شركتي "سابك" و "ينساب" وأعضائهما، فإني أوصيهم بتقوى الله تعالى، وأدعوهم إلى إعلان التوبة إليه من جريمة الربا وإشاعته، والمسارعة في التزام شرع الله ، فإن الدنيا فانية، والآخرة هي دار القرار، وأن يتذكروا بأنهم داخلين في وعيد حديث جابر مرفوعاً: ((لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء)) أخرجه مسلم.
وأن إصرارهم على هذا العمل إيذان بحرب من الله ورسوله.
قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))(البقرة:278).
وبهذا تنتهي الرسائل ، والحمد لله رب العالمين,,,
===============
إلى كل من خسر أو تعلق أو تورط في الأسهم
محمد بن عبدالله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما بعد :
فسلام الله عليكم جميعا ورحمته وبركاته ..
وحياكم الله وبياكم ..
وجعل الجنة مثوانا ومثواكم ...
آمين ..
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله
اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول ..
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى
اللهم أغننا بطاعتك عن معصيتك وبحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك
اللهم أغننا عمن أغنيته عنا ..
اللهم زدنا ولا تنقصنا ..
اللهم إنا نسألك العلم النافع و القلب الخاشع والعين الدامع والرزق الواسع والنفس الشابع ..
اللهم اقطع تعلق قلوبنا بأحد ٍ من خلقك ..
اللهم اقطع تعلق قلوبنا بأحد ٍ سواك ..
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلا أنفسنا طرفة عين ..
اللهم ارزقنا من حيث لا نحتسب ..
اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ..
اللهم اشرح صورنا ويسر أمورنا ..
آمين
آمين
آمين ..
إلى كل من خسر أو تعلق أو تورط في الأسهم ((مهم جدا ))
إلى كل من خسر ماله أو جزءا ً منه ..
إلى كل من تورط ..
إلى كل من فقد الأمل ..
أقول :
أولا:
أحسن ظنك بالله , وتوكل عليه , واعلم أن كل ذلك مقدر ٌ ومكتوب ..
فلا تبتأس ولا تحزن .. ولا يضق صدرك ...
واعلم أن الله قد تكفل بأرزاق العباد ..
لا تحزن.. فرزقك مقسوم..
وقدرك محسوم..
وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم..
لأنها كلها إلى زوال.. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد20].
واعلم أنك لن تموت إلا وقد أخذت ما كتب لك أو عليك ...
والحمد لله على كل حال ..
ثانيا ً :
لا بد أن تعلم أنك لست الوحيد الذي خسر أو تورط أو ضاع ماله ...
بل هناك الكثير والكثير غير ...
وإذا كنت قد فقدت ربع مالك , فاعلم أن هناك من فقد نصف ماله ...
وإذا كنت قد فقدت نصف مالك , فاعلم أن هناك من فقد ماله كله ..
فاحمد الله .. واقنع بما آتاك الله ...
اخوتي تأملوا الناس من حولكم هل يخلو أحد من مصيبة أزعجته،
أومن مشكلة أقلقته ،
أو من مرض أقعده ،
أومن هم احرقه أو....... أو ....... إلخ ,,
هذا هو حال الناس ، ... غنى وفقر .. ربح وخسارة .. حياة وموت ... صحة ومرض .. فرح وحزن ...
لكن البعض يزيد ألمه بسخطه وجزعه فبعد ذلك يخسر دينه ودنياه فاحذر أن تكون من المتسخطين ، بل يجب علينا الرضا بالقضاء،والصبر على البلاء لكي ننال الدرجات العلا قال تعالى"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"وقال صلى الله !عليه وسلم ((والصبر ضياء))
عليك أن تتذكر نعم الله عليك في نفسك خاصة، ومن ذلك أن تستحضر هذه النعم في جميع جوارحك واجعل نظرك فيمن أصيب ممن حولك، كم يصرفون من الأموال ويذهبون من الأوقات وكم يسهرون ويتعبون في علاج أمراض، أنت في عافية منها.
ثالثا ً :
هكذا هي الدنيا ..
يوم ٌ لك ويوم ٌ عليك ...
تربح يوما .. وتخسر يوما ..
الدنيا لا تستقيم لأحد ٍ على حال ...
لا تحزن
.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة..
لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل..
فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4].
طبعت على كدر وأنت تريدها ---- صفواً من الأقذاء والأكدار
هي الأمور كما شاهدتها دول --- من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد --- ولا يدوم على حال لها شان
رابعا ً :(2/47)
حث الشرع على الصبر في مواطن الشدائد و حذر من الشكوى و التسّخط في حال الانكسار،وان تعجب كيف نفذت تعاليم الإسلام إلى أعماق النفس فمست مناطق الشعور والوجدان فيها،فإننا لا نملك إلا أن نتأمل هذا التماس بخشوع و إجلال،فيجب علينا أن نصبر و نحمد الله في السراء و الضراء لان الإنسان ((إن أصابته سراء شكر فكان خير له،وان إصابته ضراء صبر فكان خير له))فكل ما يصاب به العبد من هم وضيق وابتلاء،إذا احتسب لوجه الله كتب له الأجر والثواب وكانت تطهيرا له من الذنوب وكفرت سيئاته فلا نجزع ولا نسخط لان هذا الابتلاء من الله،قال صلى الله عليه وسلم(ممن هم ولا غم،ولا وصب ولانصب،حتى الشوكة يشاك بها المسلم ألا كفر الله بها من خطاياه))
و لا يغب عن بالك أن مصائبنا بسبب ذنوبنا وتقصيرنا في طاعة الله {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30)، فأصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس.
واعلم أن المسلم رابح في كل حال: فما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غمّ حتى وخزة الشوكة إلا كفر الله عنه به من خطاياه.
خامسا ً :
لا تقلق
المريض سيشفى..
والغائب سيعود..
والمحزون سيفرح..
والكرب سيرفع..
والضائقة ستزول..
وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6،5].
لا تحزن.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. ليطمئن قلبك.. وينشرح صدرك..
واعلم أنه : { لن يغلب عُسر يُسرين }.. العسِير يعقبه اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
سادسا ً :
صيحة نذير :
الربا
الربا
الربا
اتقوا الله يا أهل الربا ..
اتقوا الله وراقبوه .. واخشوا يوما ترجعون فيه إلى الله ...
الربا من أكبر الكبائر ..
وقد تأذن الله بالحرب على أهله ...
الربا يا أيها المسلم ... قليل أو كثير ... حرام ... حرام ... حرام ...
كبيرة من الكبائر ... موبقة من الموبقات ... ومن أعظم الجرائم ... وأشد العظائم ...
الربا يهلك الأموال ... ويمحق البركات ... ويجلب الحسرات ... ويورث النكسات ، قال تعالى : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات "
الربا دمار للأفراد والشعوب ... وإشعال لفتيل الحروب ... الربا هلاك للأمم والمجتمعات ...بل صغار وذلة للمتعاملين به ...
ولا أدل على ذلك من هذه النكبات التي حطت رحالها بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من حروب مدمرة ، وفيضانات عارمة ، وكسوف وخسوف ، ورياح عاتية ، وقتل وسرقات ، وجرائم واغتيالات ، ونهب للممتلكات ، كوارث وحوادث ، ليس لها من دون الله كاشفة ، ولا منجي منها إلا بتوبة صادقة ، ورجوع إلى الله الواحد القهار ...
من يأكل الربا يعلنُ الحرب على الله ورسوله ...
فيا تُرى من يحارب الله ورسولَه أتراه ينتصر ؟!!
أتراه يكسب في الباقية ؟!!
قال الله تعالى " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {275} يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {276} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {277} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279} وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280} وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {281}
وقال- صلى الله عليه وسلّم- : (( درهم ربا يأكلُّه الرجلُ وهو يعلم ؛ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية )) [رواه أحمد و صححه الألباني عن عبد الله بن حنظلة- رضي الله عنه-] ...
وقال عليه الصلاة و السلام : (( الربا ثلاثٌ وسبعون بابا ؛ أيسرُها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمه )) [صححه الألباني في صحيح الترغيب].
فاتق الله في نفسك إن كنت ممن يساهم في الأسهم الربوية ولا تعرضْ نفسَك وأهلكَ لأكلِ الحرام .
وعن سمرة بن جندب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أريت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجلَ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟، فقال: الذي رأيته في النهر: آكل الربا) رواه البخاري
ولذلك أيها المسلمُ لا تجرح دينك بسهم ربا ، وإلا فإنك تعلن الحرب على الله ورسوله ...
تخلصوا من الربا وتوبوا إلى الله ... يا عباد الله ...
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه ...
فالله الله في أكل الحلال . ...
وعليكم بكثرة الاستغفار ... وكثرة الدعاء ... وصدق اللجوء إلى الله ..
عليكم بالتوبة النصوح من جميع المعاصي والذنوب ..
.
.
إلى الله المشتكي :
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
يا من إليه المشتكي والمفزع
يا من يرجى للشدائد كلها
أمنن فان الخير عندك أجمع
يا من خزائن ملكه في قول كن
فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى فقري إليك وسيلة
ولان طردت فأي باب أقرع
مالي سوى قرع لبابك حيلة
إن كان فضلك عن فقير يمنع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه
الفضل أجزل والمواهب أوسع
حاشى لجودك أن تقنّط عاصيا
والطف بنا يا من إليه المرجع
فاجعل لنا من كل ضيق مخرجا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أخوكم محمد بن عبدالله
... السياسي ...
mohd242@hotmail.com
الرياض ..
الأحد 18 / 3 / 1427 هـ
----------------------------------------------
ملاحظة :
-- تمت الاستعانة والاستفادة من بعض المقالات والكتابات في الشبكة عند إعداد هذا الموضوع .. فجزى الله الجميع خيرا
--أرجو من الجميع نشر هذا الموضوع كاملا في منتديات المال والأسهم ... وغيرها من المنتديات ..
==============
رُبَّ سهمٍ أصاب مقتل
عبدالله القحطاني(2/48)
الحمد لله الواحد المعبود ، عم بحكمته الوجود ، وشملت رحمته كل موجود ، أحمده سبحانه وأشكره وهو بكل لسان محمود ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور الودود ، وعد من أطاعه بالعزة والخلود ، وتوعد من عصاه بالنار ذات الوقود ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ، صاحب المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، الركع السجود ، والتابعين ومن تبعهم من المؤمنين الشهود ، وسلم تسليماً كثيراً إلى اليوم الموعود . . .
أيها الموحد /
في خضم معترك هذه الحياة ، وفي بحرها المتلاطم الأمواج ، هناك فئة من المسلمين ، تجرءوا على الحرمات ، وارتكبوا المنهيات ، دون ورع ولا خوف ، فأكلوا الربا ، ودعوا الناس إلى أكله ، مجاهرين بالمعصية ، وقد توعدهم الله بعقاب من عنده ، على لسان نبيه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قيل : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى " [ أخرجه البخاري ] ، ومن تعامل بالربا فقد خالف أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعصى الأوامر ، واقترف الزواجر ، وقد قال الله تعالى : " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم "
وفي فترةٍ لم يسبق لها مثيل ، تهافت الناس على البيع والشراء في الأسهم المحلية والخارجية ، وأصبحت في لمح البصر شغل مجالسنا ومنتدياتنا ، حتى أصبح أكثر أفراد مجتمعاتنا بين الاستثمار والمضاربة فيها ... ففتحت صالات استثمارية من أجل ذلك ...
وأصبح هناك مواقع عدة على الشبكة المعلوماتية ...
ورواد غرف الأسهم على بعض برامج الشبكة المعلوماتية أضعاف أضعاف باقي الغرف الأخرى ...
ومنتديات عدَّة ...
ودورات وبرامج تعليمية ...
وكل ذلك من أجل السباق في مضمارها ...
رُبَّ سهمٍ من أسهمنا يا أخي الكريم أصاب مقتلا في دين العبد ... بسبب طعم المال الذي جناهُ المستثمر أو المضارب في شركة ربوية ولو كان فيها نسبة قليلة ...
فبعض الناس أخرص لسانه عن سؤال العلماء المختصين في ذلك ، فلا يعرف الشركة الحلال من الشركة الحرام ...
وبعضهم تجاهل الصوت الأغلب في حرمته ... فيسمع ويُقنِع نفسه مع ذلك بأنه لم يسمع ، ويأكل الحرام في صباحه ومسائه ، وبعد العشاء يُعنِّف على من يتشدّدُ في بعض الفتاوى التي تُبرئ دينه ...
وماذا ينفع الإنسان إذا أصاب هذا السهم الذي يضاربُ فيه أو يستثمره في أعظمِ شيء لدى بني الإنسان وهو الدين ...
في البخاري ومسند الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال ، أمن حلال أم من حرام " . نسأل الله العافية ...
الربا يا أيها المسلم ... قليل أو كثير ... حرام ... حرام ... حرام ...
كبيرة من الكبائر ... موبقة من الموبقات ... ومن أعظم الجرائم ... وأشد العظائم ...
الربا يهلك الأموال ... ويمحق البركات ... ويجلب الحسرات ... ويورث النكسات ، قال تعالى : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات "
الربا دمار للأفراد والشعوب ... وإشعال لفتيل الحروب ... الربا هلاك للأمم والمجتمعات ...بل صغار وذلة للمتعاملين به ...
ولا أدل على ذلك من هذه النكبات التي حطت رحالها بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من حروب مدمرة ، وفيضانات عارمة ، وكسوف وخسوف ، ورياح عاتية ، وقتل وسرقات ، وجرائم واغتيالات ، ونهب للممتلكات ، كوارث وحوادث ، ليس لها من دون الله كاشفة ، ولا منجي منها إلا بتوبة صادقة ، ورجوع إلى الله الواحد القهار ...
من يأكل الربا يعلنُ الحرب على الله ورسوله ...
فيا تُرى من يحارب الله ورسولَه أتراه ينتصر ؟!!
أتراه يكسب في الباقية ؟!!
قال الله تعالى " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {275} يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {276} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {277} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279} وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280} وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {281}
وقال- صلى الله عليه وسلّم- : (( درهم ربا يأكلُّه الرجلُ وهو يعلم ؛ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية )) [رواه أحمد و صححه الألباني عن عبد الله بن حنظلة- رضي الله عنه-] ...
وقال عليه الصلاة و السلام : (( الربا ثلاثٌ وسبعون بابا ؛ أيسرُها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمه )) [صححه الألباني في صحيح الترغيب].
فاتق الله في نفسك إن كنت ممن يساهم في الأسهم الربوية ولا تعرضْ نفسَك وأهلكَ لأكلِ الحرام .
وعن سمرة بن جندب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أريت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجلَ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟، فقال: الذي رأيته في النهر: آكل الربا) رواه البخاري
ولذلك أيها المسلمُ لا تجرح دينك بسهم ربا ، وإلا فإنك تعلن الحرب على الله ورسوله ...
وإذا أردتَ شراءَ أسهمِ أيَّ شركةٍ فعليك أن تتثبتَ من أنَّ نشاطَها مباحاً ونقيا ، فلا يصحُّ بحالٍ أنْ تساهمَ في شركاتِ التأمينِ التجاري، أو البنوكِ الربوية ، أو الشركاتِ المصنعةِ للسلعِ التي حرمها الله تعالى، كالدخانِ أو الخمرِ وما شابه ذلك، أوأنْ تشارك في الشركةِ التي سلمت من الربا إيداعاً واقتراضاً ...
رُبَّ سهمٍ يأكلُ منه الإنسان يحرمه من دعوة مستجابة ...
قد يأتيك مرض ... قد يأتيك همَّ ... قد يأتيك نكبة ... فترفع يديك إلى الله فتقول يارب ... يارب ... يارب ...
فلا يستجيب الله لك ...
ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمُدُّ يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ... قال الرسول : فأنى يستجابُ له !! رواه مسلم ...(2/49)
ورُبّ سهم ربوي كان شؤما على صاحبه ، ربما سلط الله عليه بسببه الآفات المهلكة ، والكوارث المدمرة ، من غرق أو حرق أو لصوص أو أنظمة جائرة تذهب به جميعه ، وكم رأى الناس وعاينوا ، وشاهدوا وباينوا ، عاقبة الربا على أصحابه ، فكم من الأثرياء المساهمين بالربا محق الله ما بأيديهم ، حيث أصابتهم الديون ، فأخذهم الله بعذاب الهون ، فصاروا عالة على الناس يتكففون ، وصدق الله العظيم القائل : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً * وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً "
رُبَّ سهم من الأسهم أمرض مستثمريها ومضاربيها ، فسبب لبعضهم أمراضا نفسية ، وحالات عصبية ، وضيق وهم ، وهذا لا ينبغي ... لأن من يساهم يدخل بنية الربح والخسارة ، فإذا خسر فلا ينسى الركن السادس من أركان الإيمان الستة وهو الإيمان بالقضاء والقدر خيرِهِ وشرِّه ...
رُبَّ سهم من الأسهم يا موحدون ...
أصاب مقتلا في إقتصادنا التجاري ... فعطَّل الناسُ عن تطوير هذا البلد ، وإنشاء المصانع وإقامة المشاريع ... فتقلصت حركة البناء ... وأصاب الفتورُ الحركة التجارية ... وعلينا أيها الناس أن لا ننفرط بالكلية في وضع أموالنا في هذه المساهمات ( أقصد المساهمات النقية ) ، وأن يتفطن الإنسان في إيجاد المكاسب التجارية التي تعود عليه وعلى أهل البلد بالخير والفائدة ، ولا يصبحُ الإنسان طُعماً سهلاً للكبارِ دون أن يشعر، من أجل ألا يصبح بين لحظات في قطار المفلسين ...
رُبَّ سهمٍ أيها المسلمون :- ضيع أمانة المسلم بسبب غشه وخداعه ، فيغُشُّ نفسه في تعاملِه مع الناسِ ، ويعتمدُ في تعاملهِ على الغشِّ الخداع ، وأشدهم من يوهم الناس بأنه يشتغل في الأسهم النقية من أجل أن يساهموا معه وهو يشتغل في الأسهم الحرام أو المختلطة ... والنبيُّ- صلى الله عليه وسلم- يقول : ((من غشنا فليس منا)) رواه مسلم ...
وكذلك من المهم أن لا يضيع الإنسان أمانته في عمله ووظيفته ، فما يحصل الآن من بعض الموظفين وبعض المعلمين في اشتغالهم بشاشات الأسهم وترك أمانتهم شيء عجيب ... شيء تتفطرُ له الأكباد ...
وأصبح بعض الموظفين يتسترون في أعمالهم مع بعضهم البعض بسبب مصلحتهم الشخصية ، فضيعوا الأمانة وغشّواِ الرعية ...قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ))
فليتق الله العبد وليحفظ أمانته ...
ولا يصيب سهمٌ من الأسهم صدُّ الإنسان عن ذكر الله تعالى والصلاة ، نعم الأسهمُ والمكاسبُ المالية ، لها بريقٌ ولمعان ؛ لكنها لا تلهينا عن التجارة مع الواحد الديان ...
ماذا ينفعُ الإنسان حرصهُ على جمعِ حطامِ الدنيا إذا أُوقف على سقر؟ وما أدراك ما سقر ؟ لا تُبقي ولا تذر ، لواحةٌ للبشرِ، عليها تسعةُ عشر ؟!!
ماذا ينفعُه حينئذ حرصهُ على ارتفاع أو انخفاض مؤشر الأسهم إذا أوقف بين يدي الله تعالى ، وبدأ يبحثُ يمنةً ويسرةً عن حسنةٍ واحدةٍ تُنجيه بإذن الله تعالى من ناره وجحيمه ...0
لنكن ممن قال الله فيهم : ((رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)) (النور:37) .
يقول الله تعالى: ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) (سورة الطلاق :3.2) .
قال سفيانُ بنُ عيينة- رحمه الله- : لا يُصيبُ عبداً حقيقةَ الإيمانِ حتى يجعلَ بينَه وبين الحرامِ حاجزاً من الحلال ، وحتى يدعَ الإثمَ وما تشابه منه. نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه ...
وأحيل كل من كان لديه مبلغا للمساهمة ، أن يستعرض بين كل وقت وآخر القوائم النقية التي تتجدد دائما على موقع شبكة نور الإسلام ... ولا ينسى المستثمرون من إخراج زكاة أموالهم من الأرباح السنوية ، أو من الأرباح التي دارت عليها الحول ومن أراد الإستزادة من زكاة الأسهم أو بعض الأحكام المتعلقة بالمعاملات المالية فليرجع إلى موقع اسمه الربح الحلال أو يرجع إلى أهل العلم الثقات ...
وقد يظهر بين وقت وآخر شركات يكون فيها اكتتاب ... وقد تكون بعض الشركات من الشركات ذات النشاط المباح ولكنها تقترض وتودع بالرب ...
وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في هذا النوع من الشركات ...
منهم من قال بأنها جائزة ومنهم من قال بأنه لا يجوز الاكتتاب فيها وهذا القول عليه أكثرُ أهل العلم ، ومنهم ...
مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ، ونص قرارهم في الاسهم المختلطة ( الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات ، كالربا ونحوه ، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة ...
والمجمع الفقهي التابعِ لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، ونص قرارهم " لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالماً بذلك"
وممن قال بالتحريم أيضاً: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي ، والهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي في السودان ، وعدد من الفقهاء المعاصرين ...
وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة من الكتاب والسنة تدل بعمومها على تحريم الربا قليله وكثيره ، ولأن يد الشركة على المال هي نفس يد المساهم، فأي عمل تقوم به فهو عمله لا فرق بينهما، فكما يحرم على الإنسان أن يستثمر جزءاً من ماله - ولو يسيراً - في معاملات محرمة، فكذا يحرم عليه المشاركة في شركات تتعامل بالحرام، لأن المال المستثمر هو ماله بعينه ...
وفي مجتمعاتنا من يشمَّر ويستعد للاكتتاب في مثل هذه الشركات ... وما إن يسمع بأن أي من هذه الشركات من الشركات الغير نقية ...
إلا توقف عن العزم بالإكتتاب فيها ...
وتحرك منسوب الإيمان لديه وردعه عن ذلك ...
وأفشل خطته الشيطانية التي تراوده بين وقت وآخر بتتبع الرُّخص وأخذ فتوى من قال لهم بالجواز ...
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه ...
فالله الله في أكل الحلال . ...
قال الله تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" .
قال القرطبي : سوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام ، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: "إني بما تعملون عليم"
ففي أكل الحلال صلاح للقلوب ، و نجاة من الهلاك ، ولذة الإيمان فإن الله طيب لا يقبل إلا طيب ...
فلا ننساق خلف البنوك الربوية ، والدعايات الصحفية التي تحت شعارات مضلله ، وروايات باطلة ، بأسماء منمقة ، كالخدمات البنكية ، والنظام المصرفي ، والمداينات ، والقرض والفائدة ، وحساب التوفير ، وودائع الائتمان ، ونحو ذلك ، لما تغير مسمى الربا بتلكم المسميات ، انساق الناس وراء ترهات الأحلام ، وسفهاء الأقلام ، فوقعوا في الربا عياناً بياناً ، فيا حسرةً على العباد ، تاهوا في كل واد ...
=============
حكم القروض الزراعيّة
السؤال :(2/50)
تقوم الحكومة الجزائرية بدعم الفلاحين في بعض المشاريع الزراعيّة بتقديم نسبة مئوية من تكلفة المشروع للفلاح ، و على الفلاّح أن يدفع النسبة الباقية من تكلفة المشروع بنفسه .
و إن كان غير قادر على ذلك اقترضها من البنك بدون فوائد .
و يتمّ إنجاز المشروع ( كحفر الأبار مثلا ) من طرف مقاول يختاره الفلاح و إن كان قادرا على إنجازه بنفسه مع عمال قام بذلك ( كغرس النخيل مثلا ) .
لكن لا تقوم الحكومة بدفع النسبة المذكورة أعلاه إلا عن طريق البنك المذكور حيث يأخذ من تكلفة المشروع نسبة 3 بالمائة معتبراً إياها - خدمات و مرتبات للموضفين و نحو ذلك .
كما يشترط على الفلاح المدعوم تأمين المشروع و فتح حساب بنكي بمبلغ يقدر بثلاثة آلاف دينار جزائؤي في البنك الوسيط .
ملاحظات :
1- لا يوجد أي نشاط في البلاد لا يخضع للتأمين حتى مرتبات الموظفين .
2- البنك الوسيط يتعامل بالربا وبغير الربا .
فما حكم الشرع في هذه المعاملة ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
ما ذكره الأخ السائل في مطلع سؤاله من إمكانيّة الحصول على قرض غير ربوي ( بدون فوائد ) ، لا إشكال فيه ، و له أن يقترض ما شاء ممّن شاء إذا تيقّن خلوَّ العقد من الربا المحرّم .
و إذا كانت الدولة أو غيرها من الجهات الدافعة لا تؤدّي إليك حقّك إلا عن طريق مصرِفٍ يقتطع من المبلغ المستحق نسبةً مئويّة قلّت أو كثُرَت ، و أنت مُكره لا خيار لك في ذلك ، فلست آكلاً للربا و لا موكلاً له ، و الإثم على معطيه و آخِذه .
و ما مَثل هذه الحالة إلا كمثل ما تقوم به بعض الحكومات و الشركات الكبرى التي تؤدّي رواتب الموظّفين و العمّال عن طريق المصارف الربويّة حصراً ، فتشترط على الموظّف فتح حسابٍ جارٍ باسمه ، و تودع راتبَه الشهريّ في حسابه مباشرةً ، و لا تُعطيه حقّه نقداً ( يداً بيدٍ ) و إن طلب ذلك و أصرَّ عليه ، فلا يقَع الإثم عليه في هذه الحال ، و عليه أن يَقبضَ ما يودَع في حسابه من مال فورَ تمكّنه كي لا تترتب عليه زيادةٌ رِبويّة عائدةٍ له أو للمصرِف .
و عليه فإذا كان للأخ السائل خيارٌ في استلام القرض مباشرةً من المقرِض ، فلا يجوز له غير ذلك ، أمّا إن أُكرهَ على القَبض عن طريق المصرف ، فلا بأس في ذلك ، و الإثم على من ألجأه إليه ، و أكرهه عليه .
ثمّ لا أدري إن كانت زيادة الثلاثة في المائة ( المذكورة في السؤال ) تُدفَع مرّة واحدة خلال مدة العقد التي قد تطول ، أو تُدفع مرّةً كلّ سنةٍٍٍ ، فإن كانت تؤدى مرّةً واحدةً لِقاء خدمات مُحدّدةٍ معلومة ، لا يؤثّر فيها تأخر السداد ، فقد يكون الأمر لقاء خدمات مصرفيّة حقّاً ، و مع ذلك فلا بدّ من التأكد قبل إجراء العقد ، فإذا انتفى الربا يقيناً ، و تمّ الاتفاق على أجرةٍ للخَدمات المقدَّمة من المصرف حقيقةً لا تحايلاً فلا بأس في العقد في هذه الحال و الله أعلم .
أمّا إن كانت هذه الزيادة ، تُدفَع سنوياً ، أو تزيد في حال التأخّر عن السداد ، أو كانت هناك زيادة أخرى - مهما كان مقدارها - يدفعها المقترض مقابل الأجل ؛ فالزيادة في هذه الحال رِبَويّة و لا أثر لتسميتها فوائد أو رسوم خدمات أو غير ذلك في الحكم ، إذ إنّ العبرة في العقود بالمقاصد و المعاني ، لا بالألفاظ و المباني كما هو مقرّر عند أهل العلم .
و على من أراد الحصول على قَرضٍ للزراعة ( الفِلاحة ) أو غيرها أن يحتاط من الربا ، و لا يتوسّع في باب الضرورات ، لأنّ الضرورة تُقدّر بقَدَرِها ، و من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
أمّا قول السائل : ( لا يوجد أي نشاط في البلاد لا يخضع للتأمين حتى مرتبات الموظفين ) فالظاهر فيه أنّ التأمين إجباريٌّ في بلد السائل ، و إذا كان كذلك فلا إثمَ على الأفراد المكرهين عليه ، ما لم يُقدموا عليه اختياراً .
أمّا التأمين الاختياري فالبحث فيه يطول ، و الخلاف في آحاد مسائله مشهور ، و ليس هذا مقامَ بيانِه ، لعدَم السؤال عنه .
و كونُ المصرف الوسيط يتعامل بالربا و بغير الربا ، كافٍ لوجوب الشبهة في تعاملاته ، خاصّةً و أنّ بعض المصارف تودِعُ أموال المستثمرين في حسابات تزعم أنّها لا تتعامل فيها بالربا ، بل تعيد إليهم رؤوس أموالهم عندَ الطَلَب بدون زيادةٍ أو نُقصان ، و لا يعني هذا أنّها أبقَت هذه الأموال مجمّدةً في خَزَائنِها ، بل ربّما أُقرِض بعضها و ترتّبت على إقراضه زيادات ربويّة استأثر بها المصرف ، و لم يؤدّها إلى المودِع ، و هذا لا يُخرج المعاملة من دائرةِ المحرّمات ، لوجود الربا فيها و إن لم يقبضه المودِع .
و لذلك أرى أنّ التعامل مع المصرِف الرِبويِّ محرّمٌ شَرعاً ، لأنّ في ذلك إعانةٌٌٌ على الربا و إن لم يكُن أكلاً مباشراً له ، لأنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ سَوَاءٌ ) فيما رواه مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه .
و بالجملةِ فلا بأس من الحصول على قرضٍ من الدولة إذا خلا من الربا يقيناً ، و إلاّ فلا ، و الله تعالى أعلم .
و أسأل الله تعالى أن يوفقنا و الأخ السائل ، و سائر المسلمين لما فيه صلاح الدنيا و الدين .
و الحمد لله ربّّّ العالمين ، و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .
كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
============
وضع المال في البنك ، وأخذ الفائدة عليه ، والتصرف بها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فقد جمعنا مجلسٌ علمي مع بعض أفاضل إخواننا ، وكان من ضمن الأسئلة التي تدوولت في اللقاء : السؤال عن مدى جواز وضع المال في البنوك الربوية ؟ وهل يجوز لمن اضطر لوضعها أن يخذ الفائدة والزيادة الربويَّة ؟ وأين يتم تصريفها بعد أخذها ؟
وكان من رأيي : أنه لا يجوز للإنسان المسلم ابتداءً أن يضع ماله في البنوك الربويَّة ، وأنه كما أنه يأمن على أهله في البيت ، فإنه من باب ولى أن يأمن على ماله ، إلا إذا كان المال أعز عنده من أهله !
ولم نسمع عن دعوة لوضع الأهل في مكان حين خروج الواحد من أصحاب الأموال خارج بيته !
لذا لا يجوز وضع المال ابتداءً إلا في حال الضرورة القصوى والت يخاف فيها الإنسان على نفسه وأهله وماله .
وقد تيسرت في هذا الزمان وسائل كثيرة لحماية الأموال لم تكن معروفة في الأزمنة الغابرة مع كثرة الأموال فيما مضى .
وأما الجواب عن الثاني : فهو أنه من اضطر لوضع ماله في البنك فإنه ( يجب ) ! عليه أن يأخذ ما يكون في رصيده من المال الربوي الزائد ، وأنه ( لا يجوز ) له أن يمكن الكفرة أو الفجرة من هذا المال لا لشخصهم ولا لمؤسستهم .
وأما الجواب عن الثالث : فهو أنه يجوز أن يتصرف في المال في ( جميع ) وجوه الخير من غير إلزام بجانب معين ، وذلك لعدم وجود الفرق فضلا عن الدليل بين جوانب الخير .
فيجوز دفعها طعاماً للفقراء ، أو كسوة للعرايا ، أو قضاءً لدين المدينين ، أو إعانة للمجاهدين . والله أعلم
ثم وجدت بعد مجلسنا ذاك بعض فتاوى لكبار علمائنا بمثل ما ذكرت فأحببت ذكرها للفائدة .
والحمد لله على توفيقه
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
أما ما أعطاك البنك من الربح : فلا ترده على البنك ولا تأكله ، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء ، وإصلاح دورات المياه ، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم ، … " فتاوى إسلامية " ( 2 / 407 ) .
سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله :(2/51)
هل جائز شرعاً أن أودع مالي وأخذ فائدة عليه ، وأعطي الفائدة للمجاهدين مثلاً ؟
فأجاب :
حيث عرف أن هذه البنوك تتعاطى الربا ، فإن الإيداع عندها : فيه إعانة لها على الإثم والعدوان ، ننصح بعدم التعامل معها .
لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد مصرفاً أو بنكاً إسلاميّاً : فلا بأس بالإيداع عندها ، ويجوز أخذ هذا الجعل الذي يدفعونه كربح أو فائدة ! لكن لا يدخله في ماله ، بل يصرفه في وجوه الخير على الفقراء والمساكين والمجاهدين ونحوهم ، فهو أفضل من تركه لمن يَصرفه على الكنائس والدعاة إلى الكفر والصد عن الإسلام . " فتاوى إسلامية " ( 2 / 408 ، 409 ) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله :
كيف أتخلص من الفوائد الربويَّة شرعاً ؟
فأجاب :
أرى وأستحسن أخذها من البنوك ، وصرفها في وجوه البر وفي الأعمال الخيرية من مساجد ومدارس خيرية في بلاد إسلامية محتاجة لذلك بدلاً من أن يأكلها أهل البنط وهم السبب ، فيدخل في حديث " لعن الله آكل الربا وموكله " . " فتاوى إسلامية " ( 2 / 409 ) .
صرف الفوائد الربوية
اتفقت كلمة المشتركين في الملتقى على أن فائدة البنوك هي ربا أما السؤال أنه هل يسحب مبلغ الفائدة من البنوك أو لا يسحب وإذا سحب فما هي مصارفه ؟ فقد اتخذ القرار التالي بهذا الصدد لا يترك في البنوك ما تعطي من المبالغ باسم الفائدة بل يسحب وينفق في المصارف التالية :
أولا : ينفق مبلغ الفائدة الحاصلة من البنوك على الفقراء والمساكين بدون نية الثواب اتفقت على هذا كلمة المشاركين جميعا
ثانيا : لا يجوز صرف هذا المبلغ في المساجد وشؤونها
ثالثا : ذهب معظم المشاركين في الملتقى إلى أن مبلغ الفائدة يجوز صرفه في الأعمال الخيرية ماعدا مصارف الصدقات الواجبة وذهب الآخرون إلى أن يصرف تماما على الفقراء والمساكين لا غير *
مجمع الفقه ( الهند ) قرار ( 5 ) .
تعليق : رضا أحمد صمدي
الأخ إحسان العتيبي حفظه الله ، والأخوة الكرام المشاركين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أرجو أن تسمحوا لي بإضافة بعض المفاهيم لتوضيح مأتى الفتوى التي أجمعت عليها المجامع الفقهية بضرورة عدم ترك الفوائد للبنوك الربوية وبخاصة التي أسهمها ملك للأجانب .
فأصل الفائدة أو الربا أنه ملك لدافعه ، والواجب رده إليه ، والدافع للربا ليس البنك شرعا وقانونا ، فالبنك عبارة عن شركة مساهمة ، والدافعون للربا هم المساهمون في البنك وكذلك المقترضون ، وقد استقر في عرف الاقتصاد جهالة صاحب الربا المدفوع عينا ، فصار الربا أو الفائدة التي يدفعها البنك لعملائه في حكم اللقطة التي لا مالك لها ، ولما رأى أهل العلم أن غالب البنوك تتصرف في الربا المتروك من أهل التقوى بغير ما أحل الله ، كما تفعله البنوك النصرانية من إنفاق تلك الفوائد المتروكة في بناء الكنائس ونحو ذلك أفتى علماء الأمة في العصر الحديث ولم أعلم لهم مخالفا بعدم جواز ترك الفائدة للبنك ، بل يجب أخذها من باب المصلحة المرسلة ( وهي التي لم يات في الشرع كلام بإثباتها أو نفيها كحالتنا هذه ) ، ويعلم من ذلك أنه لا تعارض بين أخذ تلك الفائدة وبين قول الله تعالى : فلكم رؤؤس أموالكم ..
لإن الله تعالى سكت عن ذلك الربا فيما لو لم يكن له صاحب ، إذ لو كان له صاحب فهو أحق به ولا ريب ، ولكن قد علم أن الفائدة المتروكة لن تعود إلى أربابها بل سينفقها البنك فيما يراه صالحا وقد تنفقه بعض البنوك في إقامة حفلات تشرب فيها الخمور وتفعل فيها المنكرات ، فوجب درء المفسدة أو تقليلها كما وجب جلب المصلحة أو تكميلها وهذه هي قاعدة الشرع المطردة ، فالشرع جاء بذلك ووجب رعاية مقاصد الشريعة وعدم الوقف عند النصوص لأنها تدور مع العلة وجودا وعدما .
وفي الجملة فترك الفوائد الربوية حرام لا يجوز ، كما أن الإيداع بدون ضرورة حرام لا يجوز ، والضرورة لها صورة ، وقد تنزل الحاجة منزلة الضرورة كحالة بعض الشركات التي لايمكن أن تمارس التجارة كالاستيراد والتصدير والتوريد إلا بخطابات ضمان واعتماد فهذه يرخص لها التعامل مع البنك ولكن يجب البحث عن البنك الإسلامي أي الذي يعمل قوانين الشرع فهو أولى من غيره ، وغالب البنوك ألإسلامية فيها قصور وتقصير ولكنها على أي حال أفضل من غيرها والمسئولية ستقع على اللجنة المراقبة ، فوجب التنبيه على هذا ، كما أن الضرورة تقدر بقدرها ، فلا يجوز التوسع في التعامل مع البنك متى كفى التعامل معه بالقدر المحتاج إليه .
وختاما أسال الله تعالى أن ينقي أموال المسلمين من الحرام ، وأن يرزقنا الحلال الطهور ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
رد : إحسان العتيبي
الأخ الفاضل رضا
قلت : ((، ولما رأى أهل العلم أن غالب البنوك تتصرف في الربا المتروك من أهل التقوى بغير ما أحل الله ، كما تفعله البنوك النصرانية من إنفاق تلك الفوائد المتروكة في بناء الكنائس ونحو ذلك أفتى علماء الأمة في العصر الحديث ولم أعلم لهم مخالفا بعدم جواز ترك الفائدة للبنك )) .
وأخبرك أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يخالف في هذا !
قال الشيخ رحمه الله :
... فإن دعت الضرورة إلى ذلك بحيث يخشى الإنسان على ماله أن يسرق أو ينهب ، بل ربما خشي على نفسه أن يقتل ليؤخذ ماله : فلا بأس أن يضعها في البنك للضرورة .
ولكن إذا وضعها للضرورة : فلا يأخذ شيئاً في مقابل هذا الوضع ، ويحرم عليه أن يأخذ شيئاً ؛ لأنه إذا أخذ شيئاً : فإنه يكون ربا ، وإذا كان ربا : فقد قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس موالكم لا تظلمون ولا تُظلمون } [ البقرة / 278 ، 279 ] .
والآية صريحة وواضحة بألا نأخذ شيئاً منها ……الخ
" فتاوى البيوع " ( ص 47 ) .
ولكلام الشيخ رحمه الله تتمة تعاجزت عن كتابتها ، وفيها ( 8 ) وجه في المنع !
الأخ الفاضل جعفر
تسميتهم هذا البيع " بيع المرابحة " ليس هو على ما أراده الفقهاء قديماً ، فهي تسمية محدثة بمعنى محدث لا أصل له – على الصورة المشتهرة - .
فبيع المرابحة هو بيع الأمانة وهي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال ، أو أزيد ، أو أنقص.
وسميت بيوع الأمانة بهذا الاسم لأنه يؤتمن فيها البائع في إخباره برأس المال ، وهو على ثلاثة أنواع :
1. بيع المرابحة : وهو البيع الذي يحدد فيه الثمن بزيادة على رأس المال .
2. بيع التولية : وهو البيع الذي يحدد فيه رأس المال نفسه ثمنا بلا ربح ولا خسارة .
3. بيع الوضيعة : - أو : الحطيطة ، أو : النقيصة - : وهو بيع يحدد فيه الثمن بنقص عن رأس المال - أي : بخسارة - .
وإذا دققت النظر علمت أن الصورة لا تنطبق على بيع المرابحة بالمعنى الذي قاله الفقهاء .
فإن قلتَ : إن المشتري يأتي للبنك ويتفق معه على ربح معين يضيفه البنك على رأس ماله :
قلت لك : إن البنك أثناء هذا الاتفاق ليس مالكاً للسلعة !!
وإن رأس مال البضاعة : ليس هو على معرفة به ، بل الذي يحدد رأس المال هو " المشتري " !! نعم هو المشتري وهو الذب يذهب ويماكس صاحب البضاعة ليأتي بأدنى سعر !
هذه حقيقة العقد ، دعك من ظاهره
أخي الفاضل
اجتماع من ذكرت على حل البيع لا يعني أنه إجماع ! وكيف يكون كذلك وقد خالف في جواز هذا البيع إمامان من أئمة الدنيا وهما : الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين ؟؟
وهذا البيع مخالفاته للشرع كثيرة ، ومنها :
1. بيع ما لا يملك(2/52)
حيث يشتري البنك من غير مالك البضاعة الشرعي !!
كيف ؟
أنا أقول لك - وقد حصل هذا معي ! -
إذا أراد أحدٌ شراء سيارة من " الحراج " - وهي الصورة التي حدثت معي - فإنه يذهب لسوق الحراج ، فإذا رأى سيارة وأعجب بها : ماكس صاحبها حتى يحصِّل أدنى سعر
فإن فعل : اشترى ودفع " عربوناً " وأخذ السمسار عمولته !
ويفترقان على أن يكون التسجيل للسيارة في الغد أو بعده
والآن : من هو المالك الشرعي ! - لا القانوني - للسيارة ؟
إنه " المشتري "
ويذهب الاثنان بعدها إلى " البنك الإسلامي " لتتميم البيع هناك وقبض البائع ! الثمن
فكيف يتم الاتفاق في البنك ؟
ومن الذي يبيع البنك ؟
وممن يشتري البنك ؟
وممن يشتري المشتري !! مرة أخرى ؟؟
الذي يحصل :
أن البنك يشتري السيارة من " البائع " !!!!! وهو لا يملك السيارة ، وكف يملكها وهو الذي باعني إياها بالأمس ؟؟؟
ثم إذا اشترى البنك منه ! باعني إياها !!
وكيف يبيعني إياها وأنا مالكها الشرعي !؟
فالبنك اشترى ممن لا يملك ! والبائع باع ما لا يملك !! والمشتري اشترى ما يملك !!!
2. ربح ما لم يضمن
وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم
والبنك لا تمر عليه لحظة " ضمان " يضمن فيها البضاعة المشتراة !
فأثناء وجودنا في " الحراج " لا علاقة له بالسيارة ولا بخرابها ولا بتلفها ، وأثناء مجيئنا إليه : كذلك ، وأثناء إإتمام الصفقة في البنك : كذلك !
فيشتري البنك ويبيع ويربح وهو لم يضمن لحظة واحدة ، بل ضمانها إما على البائع وإما على المشتري !
3. البيع قبل الحيازة
والبنك لا يحوز البضاعة لرحله ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم التجار أن يبيعوا السلع حتى يحوزها أحدهم إلى رحله .
وهذا ما لا يفعله البنك
ففي بعض الأحيان يؤتى بالبضاعة عنده عند " باب البنك " !
وفي أحيان قليلة " يقوم " معه الموظف ليرى البضاعة في " محلها " !
وأما قول بعضهم : إن هذا خاص بالطعام :
فيرد عليه من وجهين :
أ . عموم قوله " السلع " .
ب . قول ابن عباس " ولا أحسب غير الطعام إلا مثله " .
والمعروف أن ذكر بعض أفراد العموم بحكم موافق لا يخصص الحكم ، فذكر " الطعام " في حديث آخر بحكم موافق لا يجعل الحكم خاصا في الطعام كما هو واضح بيِّن .
4. فتح باب شر
والشرور والمفاسد المترتبة على مثل هذه الصور كثيرة ، ومنها :
أن بعض التجار صار يبيع " الفواتير " دون البضاعة ، وهذا يعلمه البنك ، لكن هم تجار كذلك - كما صرح مدير فرع لهم - ولا يهمهم سوى الربح !
وقد جاء بعض إخواننا التجار ليسألني عن حكم بيع الفواتير للبنك الإسلامي !
فلما استفسرت منه قال : إن كثيراً من الناس لا يريدون الشراء الحقيقي ، فيذهبون للتاجر ويتفقون معه على بضاعة وهمية يوقعون الاتفاق عليها ثم يرجعونها إلى التاجر نفسه !
فإذا استلم التاجر ثمنها من البنك : أعطاها للمشتري وأخذ منها نسبة تصل لـ 10 % !
والتاجر أخذ هذه النسبة على " البارد المبرد " فبضاعته عنده ، ومال المشتري والبنك في جيبه !!
وإذا كانت لك " واسطة " في البنك : فإن بضاعتك لا تتحرك من مكانها !!!
وقد حصلت قصة طريفة عندنا كما في الصورة السابقة ، وهي أن التاجر انقلب على المشتري فلم يعطه المبلغ لطمعه به ، وألزمه بالبضاعة فلم يكن للمشتري رغبة بها ، فقال له التاجر : دع البضاعة عندي ، وأتني كل آخر شهر لأعطيك قسط البنك تدفعه لهم !!
5. مشابهة بني إسرائيل في الحيل
والمقصود الحقيقي من هذا العقد : هو ديْن يريده المشتري من البنك ، لكن البنك لأن اسمه ! " الإسلامي " ! لا يعطيه قرضاً حسناً ولا سيئاً يأخذ عليه ربا
فاحتالوا بهذه الطريقة للوصول إلى هذا المقصود
وللعلم
فقد أعلن عن صفقة مولها بعض البنوك الإسلامية لشراء طائرة !!
فأسألك بالله هل ذهب البنك ورآها فضلا أن يكون حازها ؟؟
إن الذي يحصل في هذه الصورة من العقد هو الحرام بعينه وهي الحيلة بعينها
وكثير من التجار يشترون بضائعهم من الخارج ويتفقون مع المصانع ويدفعون العربون فإذا بقي التمويل والدفع جاء دور البنك !!
فهل هذا البنك من التجار !!؟؟
ومما يدل على أنه ليس من التجار :
أن موظف هذا القسم يشتري أي بضاعة ! فهل مر عليك " رجل " يفهم في " كل شيء " ؟؟
إن هذا الموظف لا يعدو دوره عن شراء " فواتير " وبيع لفقير لا يملك المال .
وقد يكون فيه إضافة أو زيادة
لكني أكتب بأصبع واحدة ! فلا أستطيع التكملة
وقد لا أرد لأن الأمر واضح وأرجو أن يتضح لك ولغيرك
وأذكرك أن العبرة في العقود بمعانيها وحقيقتها لا بألفاظها وظاهرها .
والله أعلم
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أبو طارق
==============
من أحكام الأسهم
د. راشد بن أحمد العليوي
لقد جاء الإسلام شاملاً ومنظماً لجميع شؤون الحياة ومناحيها فما من جانب إلا وللدين فيه توجيهات وحدود ومعالم وتعليمات ومن هذه الجوانب التي جاءت الشريعة بتنظيمها ما يتعلق بجانب الأموال وتنميتها واستثمارها ويكثر في هذه الأيام السؤال عن الأسهم وأحكامها ولهذا فالحديث في هذا اليوم المبارك عن بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها في حدود ما يسمح به الوقت ويلائم المقام..
شركة المساهمة نوع من شركات الأموال وهي إحدى أهم الصيغ التي تم ابتكارها في العصر الحاضر وقام عليها الاقتصاد المعاصر وبواسطتها يمكن الدخول في المشروعات الضخمة التي تحتاج إلى أموال هائلة حيث يتم تجميعها من آلاف الناس بحسب أسهمهم في هذه الشركة حيث يجتمع من المدخرات الصغيرة من الأفراد ما تتمكن به شركة المساهمة من الاستثمارات الكبيرة التي ما كان يمكن للفرد العادي أن يقدر عليها وعلى هذا فالمساهم في شركة معينة معناه أنه يمتلك جزءاً وحصة ونصيباً مشاعاً في هذه الشركة بمقدار ما عنده من أسهم فمن كان عنده أسهم كثيرة فهو يمتلك جزءاً كبيراً من الشركة ومن كان عنده أسهم قليله فهو يمتلك جزءاً قليلاً من الشركة بحسب أسهمه..
وهذا هو معنى السهم, أي حصة ونصيب وجزء مشاع من أموال الشركة النقدية والعينية يكون لمالك السهم.
وإذا نظرنا إلى شركات المساهمة المطروحة أسهمها للتداول في السوق المحلية والتي تبلغ أكثر من سبعين شركة مساهمة نجدها على أربعة أقسام ويختلف الحكم الشرعي لكل قسم:
فالقسم الأول: أسهم البنوك الربوية.
فشراء هذه الأسهم مجرم بإجماع أهل العلم لأن المساهم معناه أنه شريك في هذا البنك الربوي وله جزء وحصة ونصيب منه ومعلوم حرمة الربا والنصوص الشرعية الواردة في الوعيد الشديد لآخذه ودافعه والمتعاون فيه.
وأما أسهم البنوك الإسلامية فهذه حلال ولا شيء فيها بحمد الله..
ومثل البنوك الربوية في التحريم أسهمك الشركات التي تمارس نشاطاً محرماً أصلاً وهذه غير موجودة في السوق المحلية لكنها موجودة في السوق الدولية عن طريق محافظ البنوك الربوية.
وكذلك أيضاً يمكن للفرد أن يشتريها عن طريق شبكة الأنترنت كشركات تصنيع الخمور أو تربية الخنازير أو نحو ذلك من الأنشطة المحرمة لذاتها, فهذه لا يجوز شراء أسهمها باتفاق أهل العلم.
القسم الثاني: أسهم شركات نشاطها مباح وجائز كالشركات الزراعية والصناعية والخدمية ولا تتعامل بالربا لا أخذاً ولا عطاءً.. فهذه تجوز المساهمة فيها وشراء أسهمها ويبلغ عددها في السوق المحلية بضع شركات فقط. فهذه الشركات هي السالمة من الربا.(2/53)
القسم الثالث: أسهم شركات أصل نشاطها مباح وجائز كالشركات الزراعية والصناعية وشركات الخدمات, ولكنها تتعامل بالربا أخذاً أو عطاءاً أو كليهما ويأتيها الربا عن طريق اقتراضها بفوائد ربوية من البنوك إذا احتاجت لتمويل إنتاجها فتقترض من البنوك بفوائد ربوية وبعضها تتوفر أحياناً لديه سيوله من النقود فتضعها الشركة في البنك وتأخذ عليها فوائد ربوية تضمها إلى أرباحها .وهذه مع الأسف أغلب الشركات الموجودة هنا هي من هذا الصنف.
وهذا القسم من الشركات اختلف العلماء في حكم المساهمة فيها وشراء أسهمها:
فذهبت مجموعة من العلماء إلى تحريم المساهمة فيها وشراء أسهمها لأن المساهم معناه أنه شريك في هذا الربا المحرم، وهذا القول أقوى وأبرأ للذمة.
وذهبت مجموعة من العلماء إلى جواز المساهمة فيها وشراءِ أسهمها, واشترط لذلك شروطاً منها:
- ألا ينص نظام الشركة الأساسيُّ على أنها ستتعاطى الربا.
- وأن يكون الربا فيها قليلاً وحددوا القليل بألا يزيد مقدار الربا على ثلث أموال الشركة..واختاروا الثلث لأن الثلث جاءت الشريعة باختياره واعتباره في عدد من المسائل.
- أن يقوم مالك الأسهم بالتخلص من مقدار الربا الموجود في الأرباح التي تحصل عليها وجوباً وألا يستفيد منها, واستدل القائلون بهذا القول بقواعد شرعية كقاعدة عموم البلوى ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية وأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة وأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.
ونحو ذلك من الاستدلالات التي ليس هذا موضوع تفصيلها، وليس معنى هذا القول إباحة القليل من الربا كما قد يتبادر إلى أذهان البعض بل نص القائلون بهذا القول على أنه لا شك في أن المسؤولين القائمين على الشركة الذين يتخذون قرار الإقراض أو الاقتراض بربا أن ذلك محرم عليهم وأنهم آثمون.
ويجب أن يتنبه الناس الذين يمتلكون أسهمها في هذه الشركات تساهلاً منهم بالحكم أو تقليداً لهذا الرأي أنه يجب عليهم وجوباً شرعياً عند جميع أهل العلم أن يتخلصوا من مقدار الربا الذي يحصلون عليه من أرباح هذه الأسهم وأكثر الناس لا يعلم هذا الحكم وبالتالي لا يعمل به.
والأرباح تأتي من طريقين:
الطريق الأول: الأرباح التي تصرف سنوياً للأسهم.
الطريق الثاني: الفرق الموجب بين قيمة شراء الأسهم وبيعها.
فهذان الطريقان يسهم الربا في أرباحهما فيجب التخلص من مقدار الربا الموجود فيهما.
وها هنا سؤال وجيه: وهو كم مقدار الربا الذي يتخلص منه الشخص؟
والجواب على ذلك: أن هذا يختلف من شركة إلى أخرى بل ومن سنة إلى أخرى في نفس الشركة بحسب المبالغ التي أقرضتها أو اقترضتها وحساب ذلك شاق وعسير وشائك ومعقد ويستلزم تحليلاً لميزانيات الشركات في كل عام وتحديد ذلك يستدعي معرفة فقهية واقتصادية ومحاسبية واجتماع ذلك في واحد من أهل العلم أندر من الكبريت الأحمر.
والناس محتاجون إلى بيان ذلك ليتخلصوا من العنصر الربوي المحرم.
وبتتبع ذلك اتضح أن الغالب على العنصر المحرم أن نسبته قليلةٌ إلى الربح وأنه مع الأسف بقدر ما ينجس الحلال ويلحق الحرج بالناس فالواجب على القائمين على هذه الشركات أن يتقوا الله عزو جل وأن يريحوا المساهمين من هذا الحرج، ولكننا في زمن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان من لم يأكل الربا أصابه من غباره) وفي رواية (أصابه من بخاره).
فما أعظمه وأدقه من تعبير نبوي معجز لا يصدر إلا عن نبي أوتي جوامع الكلم .
أقول: وبالنظر إلى هذه النسبة المحرمة وجد أنها في الغالب لا تزيد عن عشرين في المائة من الأرباح فإذا تخلص المساهم من خمس الأرباح فأرجو أن يكون قد سلم من الربا وأخرجه ونقول: تخلص منه ولا نقول: تصدق به لأن الصدقة لا تكون إلا بمال طيب والله طيب لا يقبل إلا طيباً وهذا ربا محرم يتخلص منه ويدفعه إلى الجهات الخيرية والمحتاجين والمدينين ونحو ذلك من المصارف وهو حلالٌ عليها حرام على المساهم وهكذا الأمر في كل الأموال المكتسبة من طريق محرم والتي لا ترد على أصحابها أو لا يستحقون ردها عليهم أو لا يمكن ردها عليهم يتخلص منها بالتوبة ودفعها للمحتاجين وللجهات الخيرية.
وفي مسألة تقدير نسبة الربح المحرم نص الفقهاء رحمهم الله أنه إذا اختلط المال الحلال بالمال الحرام وجهلت النسبة تماماً أن المال ينصف نصفين فيأخذ نصفاً ويتخلص من النصف أي يتخلص من خمسين بالمائة، وهذا في حال الجهل المطلق.
القسم الرابع من أقسام شركة المساهمة: شركات يكون أصل نشاطها مباحاً وجائزاً ولكنها تتعامل بالربا ويكون الربا فيها كثيراً أي أن يزيد من ثلث أموالها فهذه محرمة حتى عند الذين يجيزون القسم الثالث أي إذا كان الربا قليلاً.
وهي بضعَ عشرةَ شركةً في السوق المحلية والواجب طلب الإقالة من شراء أسهم الشركة ولكن لا توجد آلية لذلك فيبقى أنه يجب بيعها والتخلص من العنصر الربوي المحرم من أرباحها والغالب أن نسبته كبيرة فإن استطاع أن يعرفها عمل بمقدارها وإلا أعمل القاعدة التي ذكرها الفقهاء في اشتباه واختلاط المال المحرم بالمال الحلال وذلك بإخراج نصف الأرباح والتخلص منها.
هذا وقد كثر السؤال في الفترة الماضية عن شركة الصحراء التي طرحت قبل أشهر وكانت الفتوى أن المساهمة فيها جائزة لأنها لم تعلن أنها ستقترض بربا ولم يحصل منها ذلك في حينه والأصل السلامة حتى يثبت العكس كما هو متقرر في قواعد الشريعة.
وإذا فرضنا أنها فعلت ذلك مستقبلاً فتنطبق عليها الأقسام التي ذكرت سابقاً, وهكذا الأمر لو أن شركة كانت تتعامل بالربا ثم تابت منه فنقول بجواز المساهمة فيها.
ومما يكثر السؤال عنه في هذه الأيام شركة اتحاد اتصالات التي طرحت خلال الأيام الماضية, فهذه أعلنت قبل شهرين أنها ستأخذ تمويلاً بعضه بربا وبعضه بطريق شرعي ولو فعلت ذلك لانطبق عليها ما ذكرناه في الأقسام السابقة ولكن الشركة أعلنت قبل فترة أنها أخذت التمويل كله والبالغ نحواً من سبعة مليارات بطريق شرعي بأسلوب التورق والمرابحة من بنوك إسلامية وحتى من بنوك ربوية لكن أتمت العملية معها بأسلوب جائز, وهذا الإعلان منها صحيح وصادق وقد تم التأكد ممن شاركوا فيه بأن التمويل قد تم بأسلوب شرعي.
وعلى هذا فنقول: إنه لا بأس بالمساهمة فيها إن شاء الله ومن أراد الورع فباب الورع مفتوح ولكن الكلام في مقاطع الحلال والحرام لا في مقام الورع والاحتياط.
وكذلك أيضاً يكثر سؤال في هذه الأيام عن المساهمة في البنك الجديد الذي سيطرح خلال الفترة القادمة والمسمى ببنك البلاد, والمساهمة فيه جائزة إن شاء الله لأنه بنك إسلامي تكّون من مجموعة من الصيارفة.
وكون بعضهم كان لا يلتزم بالضوابط الشرعية في معاملاته فهذا لا يؤثر في شرعية البنك الجديد؛ فلو فرضنا مثلاً أن مجموعة اشتركوا في مشروع إنتاجي وكان واحد من هذه المجموعة حصل على المال بطريق محرم فلا يؤثر هذا على مشروعية هذا المشروع فنقول بأن هذا المشروع محرم، بل الحكم مختص بهذا الشخص فقط.(2/54)
ومما يتساءل عنه كثير من الناس أن التعامل بالأسهم هل يحرم لأنه قمار حيث قد يربح الإنسان في جلسة واحدة مبلغاً كبيراً فنقول بأنه لا وجود للقمار في تداول الأسهم عن طريق الشاشة وأن تحريم الأسهم لا يعلل بوجود المقامرة فيها فالتجارة في الأسهم فيه مغامرة ولكن ليس فيه مقامرة والمغامرة والمخاطرة ليست محرمة بذاتها ولكن المشكلة في الأسهم هو وجود الربا وهو الغالب عليها؛ ولهذا فالتجارة في الأسهم كما هي في الواقع إما محرمة حرمة واضحة أو محرمة لدى مجموعة من العلماء أو محل شبهة والقليل منها هو سالم من الربا ولهذا فلا ننصح بامتهان الاستثمار فيها لأن السلامة فيها قليلة...
وأما ما يتصل بكيفية زكاة الأسهم فإننا نقول إن كان الشخص اشترى الأسهم من أجل أرباحها السنوية ولا يقصد المتاجرة بها فإن الشركات نفسها تدفع الزكاة للدولة لمصلحة الزكاة والدخل وهذا يكفي إن شاء الله, وإن كان الشخص اشترى الأسهم من أجل المتاجرة فيها والمضاربة بها بمعنى أنه يبيع ويشتري بها ولا يقصد الحصول على أرباحها السنوية فإنها تكون في حقه بمثابة عروض التجارة فهذا الشخص إذا جاء وقت إخراجه للزكاة فإنه ينظر كم تساوي أسهمه في السوق ويزكي هذا المبلغ وله أن يخصم مقدار الزكاة الذي دفعته الشركة لمصلحة الزكاة والدخل وتبرأ ذمته وإن لم يخصمه تبرأ ذمته ويكون قد دفع أكثر من الواجب ويمكنه في تقدير قيمة أسهمه من الاعتماد على ما ينشر في الصحف ويأخذ المتوسط من الأسعار المعلنة ..
هذه أيها الأخوة المسلمون بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالأسهم ذكرناها بإيجاز شديد في حدود ما تسمح به هذه السطور.
أسأل الله عزوجل أن يفقهنا في دينه وشرعه وأن يرزقنا الحلال ويجنبنا الربا والريبة إنه سميع قريب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
12/9/1425هـ
المصدر: موقع دعوة الإسلام
=============
ما حكم الاكتتاب في شركة إعمار المدينة الاقتصادية وحكم تداول أسهمها؟
المجيب : د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد
فإن نشاط هذه الشركة في تطوير مدينة الملك عبدالله الاقتصادية المزمع إنشاؤها على ساحل البحر الأحمر، وهو نشاط مباح، ويبلغ رأسمال الشركة 8500 مليون ريال، وليس عليها حالياً قروض أو تسهيلات بنكية. وقد جاء في نشرة الإصدار أن حصص المؤسسين النقدية البالغة 4250 مليون ريال أودعت قبل التأسيس لدى البنك السعودي البريطاني وحققت فوائد ربوية بمقدار 86 مليون ريال، وأما أموال المكتتبين فقد نصت نشرة الإصدار على أنها ستودع في حساب الشركة لدى فرع الأمانة الإسلامي بالبنك السعودي البريطاني. وقد جرت مخاطبة المسئولين في الشركة لتحويل أموال المؤسسين إلى ودائع مجازة شرعاً، ونرجو أن يتم ذلك قريباً.
والذي يظهر هو جواز الاكتتاب في هذه الشركة؛ لأن أموال المكتتبين ستودع في حسابات مجازة من الهيئة الشرعية بالبنك المذكور، ثم تصرف في النشاط المباح للشركة. وأما الفوائد التي تحققت من أموال المؤسسين قبل التأسيس فإني أوجه النصيحة لهم بالمبادرة إلى التخلص منها بصرفها في أوجه البر المختلفة، وألا تدخلها الشركة ضمن حساباتها النظامية، وأن تبادر بالإعلان عن ذلك وعن التزامها في جميع استثماراتها وعقودها التمويلية المستقبلية بالضوابط الشرعية حتى يطمئن الناس للاكتتاب فيها، لاسيما وأن هذه الشركة تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- المعروف بحبه الخير للمواطنين، وحرصه على أن يتاح الاكتتاب لأكبر قدرٍ منهم.
ومن اكتتب ثم باع أسهمه بربح خلال السنة الأولى -أي قبل انعقاد الجمعية العمومية في نهاية السنة- فليس عليه تطهير شيء من الربح؛ لأنه لم يصل إليه شيء من الإيرادات المحرمة، وأما من احتفظ بأسهمه إلى نهاية السنة فقد يلزمه التطهير إذا تبين أن الشركة لم تتخلص من فوائد ما قبل التأسيس. وسيبين ذلك في حينه بمشيئة الله تعالى.
وختاماً فأذكر إخواني القائمين على هذه الشركة وغيرها من الشركات المساهمة بتقوى الله تعالى فيما استرعاهم عليه، وأن يطهروا شركاتهم من الربا، فهو ماحق للبركة، جالب للنقمة، وإنها أمانة، وسيسألون عنها يوم القيامة، وإن من خيانة الأمانة التعامل بمعاملات محرمة. ولا عذر لهم في ذلك فالبدائل الشرعية متاحة ولله الحمد، ونحن في بلدٍ قائمٍ على تحكيم شريعة الله. وكل ما يخالف هذه الشريعة الغراء فهو مرفوض شرعاً ونظاماً، وما تمارسه أي شركة من اقتراضٍ أو إيداعٍ بالربا يعد من المخالفات الشرعية والنظامية التي يجب على المساهم أن يعترض عليها عند حضوره الجمعية العمومية للشركة. والله الموفق.
حكم تداول أسهم شركة إعمار المدينة الاقتصادية بعد طرحها للتداول
يجوز تداول أسهم الشركة بعد طرحها للتداول في السوق المالية؛ لأن الشركة متى ما اكتسبت الشخصية الاعتبارية فيجوز تداول أسهمها ولو اشتملت موجوداتها على النقود والديون؛ لأن تلك الموجودات تابعة لشخصيتها الاعتبارية، فضلاً عن أن هذه الشركة تمتلك حالياً أرضاً بقيمة 1700 مليون ريال -وهي حصة أحد المؤسسين في رأس المال- بالإضافة إلى الحقوق المعنوية. والله الموفق.
ما حكم الاكتتاب في مدينة إعمار الاقتصادية (مدينة الملك عبدالله) ؟
الشيخ: محمد بن سعود العصيمي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد أما نشاط الشركة فيظهر منه السلامة والجواز، ولكن للأسف الشديد جاء في نشرة الإصدار المفصلة أنه تم إيداع حصص المؤسسين النقدية لدى البنك السعودي البريطاني وحققت فوائد ربوية بمقدار 86 مليون ريال، مع النص في النشرة نفسها على أن أموال المكتتبين ستودع في حساب الشركة لدى فرع الأمانة الإسلامي بالبنك السعودي البريطاني. وحيث إن كثيرا من السائلين ينص في سؤاله على أنه لا يريد الاشتراك في أي شركة تحتوي تعاملاتها على نسبة ولو ضئيلة من الربا، فإني أبين لهم أن هذه الشركة لا يصح الاكتتاب فيها ما دامت في وضعها الراهن. فإن قررت الشركة التخلص من هذا الربا المتحقق لها جاز الاكتتاب فيها حينئذ، وفي الختام أسأل الله للقائمين عليها التوفيق لما يرضيه سبحانه، وأن يحققوا ما يريده الرب تبارك وتعالى من البعد عن الربا المتوعد فيه بحرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ما حكم الاكتتاب في شركة إعمار المدينة الصناعية المطروحة الآن للاكتتاب ؟.
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام . الرياض
الإجابة
شركة " إعمار المدينة الصناعية " نشأت قريبا بتحالف تقوده شركة " إعمار العقارية " الإماراتية ، مع بعض التجار السعوديين . وهدف الشركة إنشاء مدينة الملك عبدالله الصناعية على ساحل البحر الأحمر شمال مدينة جدة . وتنقسم هذه المدينة إلى ست مناطق رئيسية : " 1. الميناء البحري . 2. المنطقة الصناعية . 3. المرافق الشاطئية (فنادق ومتاجر ونوادي ) 4.الجزيرة المالية ( للمؤسسات والشركات المالية العالمية والمحلية) 5.الأحياء السكنية . 6.المنطقة التعليمية "وقد كُون للشركة مجلس إدارة وعُين له رئيساً.
ويهدف الاكتتاب العام إلى تمويل إنشاء المدينة .(2/55)
ويبلغ مجموع رأس مال الشركة ( 8.500.000.000) ثمان مليارات ونصف المليار من الريالات السعودية . وقد نصت الشركة في نشرة الإصدار على أنها أودعت الأموال النقدية للمؤسسين في حساب الفوائد الربوية ومقدارها (4.250.000.000) أربع مليارات ومائتان وخمسون مليون ريال سعودي ، وهذا المبلغ يساوي نصف مجموع رأس مال الشركة ، وقد تحصل لها فوائد ربوية مقدارها (86.000.000) ست وثمانون مليون ريال سعودي . وقد وضعت الشركة مدققاً مالياً ، ومستشاراً قانونياً من شركات عالمية ، لكنها لم تضع مستشاراً شرعياً .
ويظهر من هذا بجلاء أن الشركة قائمة على النظام الرأسمالي الربوي في معاملاتها المالية ، وأنها لم تلتزم بشرع الله تعالى فيها ، وعليه فإنه لا يجوز الاكتتاب فيها .
ويظن بعض الناس أن الإشكال في الفوائد الربوية فقط ، والصواب أن يقال : إن الشركة أقرضت نصف موجوداتها بالربا ، والربا أعظم ذنب في الإسلام بعد الكفر بالله وقتل النفس التي حرم الله تعالى . وتزيد الحرمة في المجاهرة والإعلان والتسجيل الرسمي في نشرة الإصدار التي يخشى أن يكون فيها معنى الاستحلال ، ولو قيل للناس إن هذه الشركة تتاجر بنصف أموالها في بيع الخمر أو المخدارت أو دور البغاء أو الأفلام الإباحية أو أشرطة الغناء أو حتى بيع الدخان ، وأنها لم تربح ريالاً واحداً ؛ لنفر الناس منها ولم يجرؤ أحد على الفتيا بالجواز ، وهذا كله يبين تساهل الناس بجريمة الربا . قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (البقرة 278، 279 ) .
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه . وقال : هم سواء " أخرجه مسلم . وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية " أخرجه أحمد بسند صحيح. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه .. " أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي . والحديث صحيح بمجموع شواهده .
وكم هو محزن ما يحصل للناس من اضطراب الرأي والاختلاف عند كل اكتتاب ، أو يقال : ناصحناهم في ترك الربا وإنهم وعدونا ، أو يقال : إن أموال المساهمين لا صلة لها بالقروض الربوية ، وغير ذلك مما يعين على بقاء الربا في الشركات بطريقة غير مقصوده .
والذي أعتقده أن أهم أسباب هذا الاضطراب ، وأهم أسباب بقاء الربا في الشركات القائمة ووجوده في الشركات القادمة هو الفتيا بالجواز ، فهي أكبر مسوق تجاري لهم ، ولو لم يفتَ بالجواز لما أقدم الناس عليها ، ولخضعت الشركات لمطالب العلماء ، ثم إن الجميع يعلم أن الأمور المالية في الشركات ـ مع سيطرت النظام الرأسمالي الربوي ـ تصعب سلامته بدون اللجنة الشرعية . وعليه فيكون شرط الفتيا بالجواز وجود اللجنة الشرعية المستقلة من حين التأسيس كالمستشار المالي والقانوني .
ونظر المفتي للمآل في فتواه سياسةٌ شرعية معتبرة حتى لو كان له اجتهاد آخر في أعيان المسائل . ملتمساً من إخوتي وأحبتي من طلبة العلم وأهله النظر والتأمل في هذا المطلب الملح في إصلاح الوضع المالي في الشركات المحلية . وقد فصلت هذا الأمر في بحثين سابقين في حكم الاكتتاب في شركة ينساب . وبالله التوفيق .
قاله وكتبه : د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام بالرياض .
ص ب 156616 الرياض 11778
هاتف وناسوخ 4307275/01
27/6/ 1427هـ
http://www.saaid.net/Doat/yusuf/28.htm
===============
المساهمة في الشركات
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولي الصالحين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الأمين ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فالله جل وعلا خلق العباد لعبادته سبحانه وحده لا شريك ، وأرسل لهم الرسل ، وأنزل لهم الكتب ، وحد لهم حدوداً لا يجوز لهم تعديها ، وخط لهم خطوطاً يحرم عليهم تجاوزها ، ونحن أمة الإسلام أرسل إلينا محمداً عبداً ورسولاً ، شفيقاً عطوفاً ، رءوفاً رحيماً ، وأنزل إلينا أفضل كتبه ، وأعظم كلماته ، القرآن الكريم ، فيه تبياناً لكل شيء ، فالحلال ما أحله الله ورسوله ، والحرام ما حرمه الله ورسوله .
قال ابن القيم في مدارج السالكين : " أما الزهد في الشبهة : فهو ترك ما يشتبه على العبد: هل هو حلال أو حرام ؟ كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، يقول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " الحَلالُ بَيِّنٌ، وَالحَرامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهما مُشَبَّهاتٌ لا يَعْلَمُها كثيرٌ منَ الناسِ. فمنِ اتَّقى المُشَبَّهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ وعِرْضِه، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ: كراعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يُواقِعَه. ألا وإِنَّ لِكلِّ مَلكٍ حِمى، ألا إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أرضِهِ مَحارِمُه. ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ " [ متفق عليه ] .
فالشبهات برزخ بين الحلال والحرام ، وقد جعل الله عز وجل بين كل متباينين برزخاً ، كما جعل الموت وما بعده برزخاً بين الدنيا والآخرة ، وجعل المعاصي برزخاً بين الإيمان والكفر ، وجعل الأعراف برزخاً بين الجنة والنار ، وكذلك جعل بين كل مشعرين من مشاعر المناسك برزخاً ـ حاجزاً ـ بينهما ، ليس من هذا ولا هذا ، فمحسر برزخ بين منى ومزدلفة ، ليس من واحد منهما ، فلا يبيت به الحاج ليلة جمع ، ولا ليالي منى ، وبطن عرنة برزخ بين عرفة وبين الحرم ، فليس من الحرم ، ولا من عرفة ، وكذلك ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس برزخ بين الليل والنهار ، ليس من الليل لتصرمه بطلوع الفجر ، ولا من النهار لأنه من طلوع الشمس ، وإن دخل في اسم اليوم شرعاً.
وكذلك منازل السير: بين كل منزلتين برزخ يعرفه السائر في تلك المنازل ، وكثير من الأحوال والواردات تكون برازخ ، فيظنها صاحبها غاية ، وهذا لم يتخلص منه إلا فقهاء الطريق ، والعلماء هم الأدلة فيها " انتهى .
واليوم ولكثرة وسائل الدعوة إلى الله ، أصبحت لا ترى إلا قليلاً من الناس ممن يجهل أهم الحوادث ، وبعض أحكام النوازل ، فإذا ما نزلت نازلة ، بحث الناس عن حكمها بسؤال أهل العلم عنها ، ألا وإن أعظم النوازل اليوم [ مساهمات البنوك ] ، بيع الأسهم وشراؤها وتداولها ، والتي كثر الجدل حولها وعنها .
فقد كثر السؤال عنها ، حتى إن كثيراً من الناس لا يسأل عنها إلا من يرخص في جواز التعامل والاكتتاب فيها ، وأما من عُرف عنه من أهل العلم تغليب جانب الحرام على جانب الإباحة ، فهذا لا يسأله الناس إلا إذا كانت لهم حقوقاً عند الآخرين ، أما إذا كانت لهم المصلحة عند الآخرين فلا يسألون عن الحكم ، وهذا أمر معلوم اليوم .(2/56)
وإني أُذكر كل مسلم ومسلمة بقول الله تعالى : " وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ? فسْـ?َلُو?ا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ " .
فيجب على العبد أن يحتاط لدينه ولا يسأل من يعتقد أنه يرخص للناس بسبب أو بدون سبب كمن يتجرأ على الفتيا مثلاً ، فهذا وإن أُفتي في مسألة وهو يعرف حقيقتها ولكنه خالف عالم آخر له شأنه في الفتوى وله صولته وجولته في العلم ، فلا يجوز له أن يأخذ بالرخصة لعلمه حرمة ما قد أُفتي به ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ؟ فَقَالَ : " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلْقِ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " [ أخرجه مسلم ] ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : " لا يبلغ العَبْدُ حقيقةَ التَّقْوى حتى يَدَعَ ما حاكَ في الصَّدْر " [ أخرجه البخاري ] .
فالله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، لذلك فهو سبحانه مُطلع على القلوب وما تخفيه وتضمره ، لأن السر عنده علانية ، ولهذا يجب على العبد أن يتحرى الفتوى من أهلها ، وإن وقع في الشبه فعليه أن يحذرها ، لأن الشبهة توقع في الحرام ، وأسهم الشركات كلها تدور حول الشُبَهِ ، فعلى العبد أن يتق الله تعالى ويحذر مواطن العذاب ، ومكامن العقاب ، فلا أشد وأعظم من أكل المال الحرام ، والإنسان مهما عاش في هذه الحياة الدنيا ، فهو لابد ميت ، ومنتقل إلى دار البرزخ التي فيها بداية النعيم والجحيم ، فالقبر أول منازل الآخرة ، فإن نجى منه صاحبه فما بعده أهون منه ، وإن هلك صاحبه فما بعده أشد منه والعياذ بالله ، وأكل المال الحرام من أشد الأخطار ، وأعظم الاغترار ، وأطم الشنار ، كيف لا وقد جاء في صحيح مسلم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون 15 ] وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ البقرة 271 ] " ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذالِك؟ " .
وهذا غيض من فيض ، وقليل من كثير من العذاب والنكال الذي يُلم بآكل المال الحرام .
فاتقوا الله أيها المسلمون ودعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأُذكر أهل الفتوى بقول الله عز وجل : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ? لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ? فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ? ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ " [ آل عمران 187] .
ولا أظن أن عالماً من علمائنا يشتري الحياة الدنيا بالآخرة ، معاذ الله أن يكون هذا ، ولكن ربما اختلط على بعضهم أموراً ، واشتبهوا في أخرى ، فأفتى بغير ما يوافق الشرع خطأً وزللاً ، فهذا مأجور كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا أرَادَ أنْ يَبْعَثَه إلَى الْيَمَنِ قالَ : " كَيْفَ تَقْضِي إذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟ قالَ : أقْضِي بِكِتَابِ الله. قالَ : فَإنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ الله ؟ قالَ : فَبِسُنَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قالَ : فَإنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ فِي كِتَابِ الله ؟ قالَ : أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلو، فَضَرَب رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ الله ، لِمَا يُرْضِي رَسُولَ الله " [ أخرجه أبو داود وغيره ] .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " [ أخرجه النسائي وغيره ] .
فأمر الفتيا ليس بالأمر الهين أو السهل كما يظنه بعض المتعالمين اليوم ، بل هو توقيع عن الله عز وجل في أن هذا الأمر حلال أم حرام ، فما ظنكم بمفتٍ أفتى الناس بخلاف ما جاء به الشرع المطهر هوىً لنفسه أو مداهنة لحاكم أو اتباعاً للشيطان أو غير ذلك لينال شهرة واسعة في الدنيا ، ويم القيامة يُرد إلى أشد العذاب ؟
فأقول يجب على العلماء وأهل الفتوى أن يجتمعوا لإيجاد حل لأي نازلة قبل نزولها أو وقت نزولها ، وحتى بعد نزولها ، ومن ذلك الاجتماع لإصدار فتوى في حكم معين مختلف فيه لا يسوغ فيه الاختلاف ، ويكون فيه أدلة أحد الفريقين أقوى من أدلة الآخر ، فحبذا لو اجتمع أهل الفتوى وأصدروا حكماً واحداً لئلا يقع الناس في علمائهم ويتهمونهم اتهامات باطلة كانوا في منأى عنها ، فلوا درءوا عن أنفسهم الغيبة والسباب والشتائم ، وربما وصل الأمر إلى الطعن في علمهم وفتواهم ، واتهامهم بأنهم تبع لفلان أو فلان ، لا سيما في أمور الأسهم والسندات والمحافظ الاستثمارية التي وقع في حبائلها جل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها ، ما بين الجواز والتحريم .
فالله الله أيها العلماء بالمسلمين ، رفقاً رفقاً بهم فهم على بوابة من الهاوية والوقوع في الحرام والمشتبه ، والأمة بأسرها تنزلق في مزالق الأمم قبلها من ابتعاد عن الدين ، ورضاً بالدنيا وزينتها ، لقد ترك الناس الصلاة ، وهجروا بيوت الله ، لهثاً وراء الأسهم ، بل وصل الأمر إلى التماسك بالأيدي والخصام والسباب والضرب حتى نقل بعضهم إلى المستشفيات جراء حرب الأسهم الاستثمارية المشتبهة .
ولا يخفى أن الوقوع في المشتبه وقوع في الحرام ، فلو أفتيت شخصاً بجواز التعامل مع الشركة الفلانية ، وأن جزءاً ضئيلاً من رأس مالها فيه رباً ، أو كانت ممن يتعامل بالربا بجزء بسيط لا يتجاوز 10% من رأس مالها مثلاً أو أقل أو أكثر ، أو أنها تودع شيئاً بسيطاً من أموالها في بنوك ربوية ، إلى غير ذلك من تعاملات الربا ، إن أفتيت شخصاً بجواز التعامل مع تلك الشركة أو ذلك البنك ، أين تذهب من الله تعالى الذي حرم الربا قليله وكثيره ؟ من أين لك هذا العلم الذي أجاز لك الفتيا بجواز أكل قليل الربا ، والله تعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " ، وأين أنت من قول الله جل وعلا : " وأحل الله البيع وحرم الربا " ، وقول الله تعالى : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم " فهذه الأدلة وغيرها من كتاب الله تعالى تدل دلالة قاطعة على تحريم الربا قليله وكثيره سواء .
فالله عز وجل لم يفرق بين قليل الربا وكثيره ، بل كله سواء .(2/57)
عقوبة الربا لا تخفى على مسلم ذو عقل وبصيرة ، فعقوبته من أشد العقوبات ، إن لم يكن الربا أشدها بعد الشرك بالله ، فآكل الربا ملعون وخائن ، والربا من الموبقات التي تقذف بصاحبها إلى النار والعياذ بالله ، عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنِبوا السَّبعَ الموبقات ، قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وما هُنَّ ؟ قال : " الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقتْلُ النَّفسِ التي حَرَّمَ اللهُ إلاّ بالحقّ؛ وأكلُ الرِّبا ، وأكلُ مالِ اليَتيم، والتَّولِّي يوم الزَّحفِ، وقذفُ المُحصناتِ المؤمناتِ الغافِلاتِ " [ متفق عليه ] .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا ، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الرِبا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلّ " [ أخرجه أحمد ] .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، قال : وقال : ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل " [ أخرجه أحمد ] .
فمن تأمل تلك النصوص الشرعية أدرك حقيقةً خطورة الربا ولو كان قليلاً على الأفراد والمجتمعات بل على الأمم ، لما فيه من تع لحدود الله تعالى ، ولاحتوائه على ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل ، ولما يحتويه من مماطلة ، ومحاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
وربما كان هذا الضعف الذي تعانيه الأمة اليوم دليلا قاطعاً ودامغاً لآكلي الربا ، والمتعاملين به ، وكذا نرى اليوم إمساك السماء عن قطرها ، ومنع الأرض لبركتها .
مما يجعل المؤمن يراجع نفسه مائة مرة قبل أن يُقدم على أمر مباح فكيف بأمر المشتبه أو المحرم لهو أبعد عن ذلك .
واليوم أكل الناس كلهم الربا ، ومن لم يأكله أصابه من غباره ، وهذا أمر واضح لا يختلف فيه اثنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فأي نصر نريد ، وأي عزة نروم ، وأي تقدم ننشد ، والناس ينساقون وراء القاصي والداني سعياً وراء الربا والعياذ بالله .
ولم يكن لهم أن يفعلوا ذلك ، لولا وجود الفتاوى التي أوقعت الناس في الحيرة والضيق ، والتي دعتهم إلى محاربة الله عز وجل عياناً بياناً .
فكل من العلماء وأهل الفتوى على ثغر ، فسدوا الثغور، ولا تفتحوا للناس أبواباً وسُتراً وحُجباً إلى نار جهنم ، بل اتقوا الله عز وجل ، واخشوه وراقبوه ، أغلقوا على الناس أبواب الحرام والمتشابه حتى لا يقعوا فيما حرم الله ، فالربا دمار للأمم ، خراب للديار ، هلاك للناس ، ذلة للعباد ، دناءة في الأخلاق ، استجلاب لمقت الله وعقابه ، سبب لتداعي الأعداء واعتدائهم ، والواقع خير شاهد ، وأعظم برهان ، نسأل الله العفو والعافية ، والتوبة الصادقة .
والقاعدة الفقهية تقول :
إذا اجتمع حاظر ومبيح ، قُدَّم الحاظر على المبيح احتياطاً وبراءة للذمة .
وهذه قاعدة مهمة جداً يجب أن يأخذ بها أهل الفتوى عن الأسهم ، فقد أوقعوا الناس في حيرة من أمر دينهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والله جل وعلا سائل المفتي يوم القيامة عن دليل تحليله لقليل الربا ، مع أن النصوص الشرعية جاءت بتحريم الربا دون تحديد أو بيان للكثرة أو القلة .
والناس اليوم لم يعودوا يتورعون عن أكل الربا والمساهمة في البنوك والمؤسسات والشركات صاحبة الأسهم ، ولا يخرجون قيمة الربا الموجود في أسهمهم ، وربما خفي ذلك عن بعض أهل الفتوى بجواز المساهمة في الشركات المختلطة ، ومعنى مختلطة : أي أن فيها نسبة من الربا ، والربا كما علمنا حرام كله ، لا فرق فيه بين قليل ولا كثير ، بل كلما زاد الربا زادت العقوبة والعذاب .
أقول : لم يعد هناك ورع أو زهد من قبل الناس في الأسهم الربوية ، بل يأتي أحدهم الشيطان ويسول له ويملي له حتى لا يبالي من أين أكل المال أمن حلال أم حرام ؟ وحتماً سينال المفتى قسطاً من العذاب ، لأنه هو الذي أفتى بجواز المساهمة في الشركات المختلطة مع إخراج نسبة الربا ، فأكل الناس الربا ورضوا به .
وهذا هو الواقع اليوم ، فأي إنسان يساهم لا تعنيه نسبة الحرام الموجودة ، بل القصد والغاية عدد الأسهم ومقدار الربح ، فهلا فطن لذلك أهل الفتوى ، وراجعوا أنفسهم قبل أن يوقعوا عن ربهم .
مما سبق بيانه ظهر جلياً أنه لا يجوز المساهمة في أي شركة أو بنك في صورة محرمة مهما صغرت أو دقت هذه المعاملة وممن ذهب إلى هذا القول: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ونص قراره هو:
" ج: الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحياناً بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة " ([1]).وكذلك لمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ونص قراره هو:
" لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالماً بذلك" ([2]).
وممن قال بالتحريم أيضاً: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ([3])، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي ([4])، والهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي ([5])، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني ([6])،وعدد من الفقهاء المعاصرين ([7]).
وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة من الكتاب والسنة تدل بعمومها على تحريم الربا قليله وكثيره ، ولأن يد الشركة على المال هي نفس يد المساهم، فأي عمل تقوم به فهو عمله لا فرق بينهما، فكما يحرم على الإنسان أن يستثمر جزءاً من ماله – ولو يسيراً – في معاملات محرمة، فكذا يحرم عليه المشاركة في شركات تتعامل بالحرام، لأن المال المستثمر هو ماله بعينه.
وقال آخرون : بالجواز بضوابط .
وممن ذهب إلى هذا القول: الهيئة الشرعية لشركة الراجحي([8])، والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني([9]) ، والمستشار الشرعي لدلة البركة ([10]) ، وندوة البركة السادسة ([11]) ، وعدد من العلماء المعاصرين ([12]).
وقد اشترط أصحاب هذا القول شروطاً؛ إذا توفرت جاز تداول أسهم بعض الشركات ، وإذا تخلف منها شرط لم يجز، وهذه الشروط سيأتي بيانها.
وقد استدل أصحاب هذا القول بعدد من القواعد: كقاعدة رفع الحرج، والتبعية ، والحاجة العامة، وعموم البلوى، ومراعاة قواعد الكثرة والقلة والغلبة، وكذلك جواز التعامل مع من كان غالب أمواله حلالا.
ضوابط القائلين بالجواز:
1- الضابط الأول: تحديد نسبة الاقتراض الربوي.
اختلف القائلون بالجواز في تحديد هذه النسبة على أقوال:
القول الأول: أن لا تزيد نسبة القروض عن 25% من إجمالي الموجودات، وبه أخذت هيئة الراجحي في قرارها رقم 485.
القول الثاني: أن لا تساوي أو تزيد عن 33% من إجمالي الموجودات، وبه أخذ " الداو جونز الإسلامي".
القول الثالث: أن لا تزيد القروض عن 30% من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة، وبه أخذت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين.
القول الرابع: أن لا تزيد القروض عن 30% من إجمالي القيمة السوقية ما لم تقل عن القيمة الدفترية، وبهذا صدر توجيه الهيئة الشرعية بشركة الراجحي المبلغ بخطاب رئيسها الموجه لرئيس مجلس إدارة الشركة ([13]).
القول الخامس: أن لا تزيد القروض عن 30 % من إجمالي موجودات الشركة، وهذا الضابط آخر ما استقرت عليه أكثر الهيئات الشرعية في البنوك السعودية .(2/58)
2- الضابط الثاني: نسبة المصروفات المحرمة لجميع مصروفات الشركة.
وحددت هذه النسبة بـ 5% من إجمالي المصروفات، وهذا الضابط توجهت إليه الهيئات أخيراً .
3- الضابط الثالث: حجم العنصر المحرم (الاستثمار المحرم):
اختلف القائلون بالجواز في تحديد نسبة حجم العنصر الحرام على أقوال:
القول الأول: أن لا يتجاوز العنصر الحرام 15% من إجمالي موجودات الشركة، وبه أخذت هيئة الراجحي في قرارها رقم 485.
القول الثاني: أن لا يتجاوز المبلغ المودع بالربا 30% من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة، وبه أخذت هيئة المعايير المحاسبية في البحرين.
القول الثالث: عدم اعتبار هذا الضابط، وبه وجهت هيئة الراجحي من خلال خطابها المبلغ من رئيسها الآنف الذكر، وكذلك لم يعتبر الداو جونز هذا الضابط.
4- الضابط الرابع: نسبة الإيرادات المحرمة:
اختلف القائلون بالجواز في تحديد هذه النسبة على أقوال:
القول الأول: أن لا يتجاوز مقدار الإيراد الناتج من عنصر محرم 5% من إجمالي إيرادات الشركة، وبهذا أخذت الهيئة الشرعية لشركة الراجحي في قرارها 485. وكذلك هيئة المعايير المحاسبية في البحرين.
القول الثاني: أن لا تتجاوز الإيرادات غير التشغيلية 9% من الإيرادات التشغيلية ، وبهذا أخذ " الداو جونز الإسلامي".
الخلاصة:
إن الهيئات الشرعية إذا تخلف عندها ضابط واحد من الضوابط حكموا على الشركة بالتحريم وصنفوها من الشركات المحرمة، فكيف إذا تخلف أكثر من ضابط ؟ [ خالد إبراهيم الدعيجي بتصرف ] .
أسأل الله الهداية والتوفيق والسداد ، ومعرفة الصواب ، واجتناب الخطأ والزلل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .
---------------
([1]) مجلة المجمع 7/1/712
([2]) قرارات المجمع الفقهي ص 297. وتاريخ القرار 20/8/1415هـ.
([3]) فتاوى اللجنة 13/407 .
([4]) الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، فتوى رقم (532).
([5]) فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي، فتوى رقم (49).
([6]) فتاوى هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، فتوى رقم (16).
([7]) منهم: د. صالح المرزوقي في بحثه ((حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقرض بفوائد)) د. السالوس في بحثه ((أحكام أعمال البورصة في الفقه الإسلامي)) المقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجده في دورته السادسة، مجلة المجمع 6/2/1343، والشيخ عبد الله بن بيه في بحثه ((المشاركة في شركات أصل نشاطها حلال إلا أنها تتعامل بالحرام)) المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة، مجلة المجمع 7/1/415.
([8]) قرارات الهيئة الشرعية للشركة 1/241
([9]) الفتاوى الشرعية للبنك الإسلامي الأردني فتوى رقم (1).
([10]) الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية، مجموعة دلة البركة فتوى رقم (37).
([11]) الفتاوى الاقتصادية ص 19.
([12]) منهم فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين (مجلة النور ع 183 لعام 1421هـ) وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع في بحثه المنشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة ع 7 لعام 1411هـ بعنوان ((حكم تداول أسهم الشركات المساهمة))، وكل من د. نزيه حماد، ومصطفى الزرقاء، ومحمد تقي العثماني، انظر (مجلة النور ع 183 لعام 1421هـ) ود. علي محي الدين القره داغي في بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته التاسعة بعنوان ((الاستثمار في الأسهم))
([13]) بخطاب رقم 14/425/هـ ش وتاريخ 20/3/1425هـ.
================
حكم المساهمة في شركة الاتصالات
الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .. و بعد :
فقد كثرت الأسئلة حول المساهمة في شركة الاتصالات فأقول و بالله التوفيق :
إن الله تعال قد بيّن الحلال و الحرام في كتابه و على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ، قال الله تعالى ( و نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء و هدى و رحمة و بشرة للمسلمين ) و قال تعالى ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) و قال النبي صلى الله عليه و سلم ( إن الحلال بيّن و إن الحرام بيّن و بينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه ) الحديث متفق عليه و اللفظ لمسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما .
و بالنظر إلى الأعمال المالية التي تمارسها شركة الاتصالات تبين أنها واقعة في معاملات بيّنة التحريم تعد من الكبائر ( أولها ) الربا و ذلك من وجهين :
الأول : إيداع السيولة المالية في البنوك الربوية و أخذ الفوائد عليها .
الثاني : الاستثمار في القروض طويلة الأجل بفوائد ربوية .
و من المعلوم أن الربا من أعظم الذنوب و قد عده رسول الله صلى الله عليه و سلم من السبع ا لموبقات ، و آذن الله تعالى المصرّ عليه بالحرب فقال تعالى ( يا أيها اللذين آمنو اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنينفإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تُظلمون ) .
و ( ثاني ) الأعمال البيّنة التحريم التي تمارسها الشركة : ( القمار ) من خلال خدمة الرقم ( 700 ) و للعلم فإن نصيب الشركة هو 35% من مجموع العوائد ، و القمار هو الميسر الذي حرمه الله تعالى في كتابه ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ ) ، و دخول الاتصالات في هذه المعاملة هو من باب ( المشاركة ) لا من باب ( الإجارة ) فهي تقدم الخدمة الهاتفية ، و الطرف الآخر يقدم العمل . فهي شريك أساس في هذا الميسر و القمار .
و ( ثالثها ) : الاستثمار في أعمال تجارية محرمة و من ذلك استثمارها ما يزيد على 600 مليون ريال في القمر الصناعي عربسات و الذي يؤجر على قنوات تبث الفساد الفكري و الخلقي ، و الاستثمار و التجارة في الحرام حرام .
و قد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً فقال : ( قاتل الله فلاناً ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ) و اللفظ للبخاري .
و من المعلوم أن سهم المكتتب ( مشاع ) في جميع أجزاء الشركة ، و كل من اشترى من الأسهم صار شريكاً بقدر أسهمه و إدارة الشركة في منزلة الوكيل عن حملة الأسهم و لذلك فالمساهم يكون بالضرورة متعاملاً بهذه الكبائر و مشاركاً فيها عن طريق وكيله و هو إدارة الشركة و قد دخل المساهمة برضاه التام وفق شروط معينة فلا يستطيع تعديل تعاملات الشركة و لا تغيير نظامها .. مع ما في ذلك من الإعانة الظاهرة على الإثم و العدوان و قد قال تعالى ( و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ) .
و بذلك تبيّن أن شراء أسهم الشركة و ما ماثلها أمر واضح التحريم ليس فيه اشتباه و لله الحمد .
و يحسن أن أنبه إلى أمور :(2/59)
الأول : ينبغي ألا يُخلط بين هذه المسألة - أعني شراء أسهم شركة الاتصالات و ما ماثلها - و بين معاملة من اختلط في ماله الحلال و الحرام فهذه مسألة أخرى فمعاملة من أختلط في ماله الحلال و الحرام تعني شراء سلعة منه أو استئجارها أو الاقتراض الحسن منه أو الأكل عنده أو الاستعارة منه أو قبول هديته و نحو ذلك فهذا كله جائز ما لم يعلم أن الشيء المقدم في المعاملة حرام بعينه .
لكن لا يجوز الاشتراك معه في أعمال محرمة و يمكن التمثيل لمن اختلط الحلال و الحرام بماله بشركة الاتصالات نفسها بالنسبة لمريد خدمة الهاتف أو الجوال أو نحوهما من خدمات الشركة التي تقدمها للناس ما لم يعلم أنها محرمة فهذه الخدمات يجوز شراؤها و استئجارها و نحو ذلك .
لكن لا يجوز الدخول مع الشركة في معاملاتها المحرمة و كل من ملك من أسهمها فقد شارك في معاملاتها المحرمة .
الثاني : قلة المداخيل المحرمة لشركة الاتصالات أو كثرتها لا يغير من الحكم شيئاً فالحرام حرام قلّ أو كثر قال صلى الله عليه و سلم : ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) رواه الإمام أحمد و صححه الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، و لكن كلما كثر الحرام كان الإثم أعظم .
علماً أن عوائد الشركة من المعاملات المحرمة ليست قليلة كما يعلم من موقعها على الإنترنت و قد بلغت عوائد الربا في القروض طويلة الأجل للسنتين 2000م و 2001م أكثر من ( 1400 ميلون ريال ) !! فإذا كانت هذه هي العوائد فكم كانت القروض المستثمرة في هذا المجال الخبيث ؟!!
الثالث : ينبغي إذا أُريد معرفة نسبة ما يقسم على المساهمين من العوائد المحرمة إلى غيرها أن ينظر إليها بالنسبة إلى أرباح الشركة لا إلى أصولها العامة فالأرباح هي التي توزع على المساهمين لا الأصول .
الرابع : القول بأن المساهم في الشركة إذا أخرج نسبة معينة تبرأ ذمته و يتخلص من الأثم قول فيه نظر من وجوه :
( أولاً ) : أن مجرد الإقدام على إبرام العقد المحرم كالربا أو القمار أمر محرم و لو نوى أن يتركه و قد لعن النبي صلى الله عليه و سلم " آكل الربا " و " موكله " و " كاتبه " و " شاهديه " و قال ( هم سواء ) رواه مسلم .
فانظر كيف لعن النبي صلى الله عليه و سلم الشاهدين و جعلهما مساويين لآكل الربا مع أنهما قد لا يحصلان على درهم واحد و ذلك و الله أعلم بسبب الرضا بهذا العقد الخبيث و الإعانة على وقوعه و إتمامه .
( ثانياً ) : أن أخذ الفوائد الربوية من أصحابها أخذ لها بالباطل ، و لو كان ذلك بموافقتهم ، و الإقدام على أخذ المال بالباطل أمر محرم و لو نوى التخلص منه و قد ذم الله تعالى اليهود على أخذهم الربا و أكلهم أموال الناس بالباطل قال تعالى ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ) و أخذهم الربا أعم من أكله .
( ثالثاً ) : لا ينبغي للمسلم أن يقدم على العقود المحرمة ثم يقول سأتخلص منها ولو قيل بهذا لانفتح على المسلمين باب من الشر عظيم و قاعدة سد الذرائع الثابتة في الشريعة توجب سد مثل هذا الباب .
( رابعاً ) : قال الله تعالى في آيات الصيام بعد أن ذكر بعض المنهيات ( تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) فأمر تعالى عباده المسلمين باجتناب الحرام و عدم الاقتراب منه لأن الإنسان لا يدري إذا وقع في الحرام أيتلخص و يتوب أم لا ، و ربما ينفتح له باب التأويل الذي قال عنه الإمام أحمد : أكثر خطأ الناس من جهة التأويل و القياس .
و ربما مات ، و ورثها من لا يقيم وزناً للحلال و الحرام و قد قال صلى الله عليه و سلم ( ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال ؛ أمن حلال أم من حرام ) رواه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
( خامساً ) : أن الذي يوصف له طريق الخلاص بإخراج نسبة معينه هو التائب النادم أو من دخل عليه الحرام دون علمه و من المعلوم أن من شروط التوبة الإقلاع فوراً عن الذنب و العزم على أن لا يعود و هذان مفقودان فيمن يدخل هذه الشركة و أمثالها عالماً عامداً مختاراً و لو مع نية التخلص من الحرام .
التنبيه الخامس : قد يسأل بعض من اشترى من أسهم هذه الشركة و أمثالها ( ماذا يصنع ؟ )
و الذي يظهر و الله تعالى أعلم أن عليه أن يبيعها على أصحابها من المؤسسين و أعضاء الإدارة برأس ماله الذي اشترى به فقط ، لقوله تعالى ( و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون ) فإن تعذر البيع فيجب عليه التحري الشديد في إخراج قدر ما يدخل عليه من الحرام بنيه التخلص لا بنية التقرب إلى الله تعالى فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في حدي أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه .
و للجنة الدائمة فتوى في كيفية التخلص من الأسهم المحرمة في الجزء ( 13 ) صـ508 من فتاوى اللجنة .
و الله تعالى أعلم و هو سبحانه ولي التوفيق .
و صلى الله و سلم على عبده و رسوله محمد صلى الله عليه و سلم .
كتبه / بشر بن فهد البشر .
==============
ماذا لو قيل لك : هذا النّاكح أمه ؟!
يستعظم كثير من الناس أموراً عظيمة ، ويستشنع آخرون أشياء شنيعة .
فلو قيل لبعض الناس : فلان نكَحَ أمه
لاستشنعوا ذلك واستعظموه ، وهو كذلك .
لكن لو قيل لهم : إن فلاناً يتعامل بالربا
لما تعاظموا ذلك ، ولربما أصبح المرابي جليسهم وأنيسهم .
ولا مانع عندهم من تزويجه
والتعامل بالربا أعظم من أن ينكح الرجل أمه .
والمرابي أشد مما لو وقع الشخص على أمّه
قال عليه الصلاة والسلام : أهون الربا كالذي ينكح أمه ، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه . صحيح الجامع الصغير للألباني
وقال عليه الصلاة والسلام : الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه . صحيح الجامع الصغير للألباني .
وقال عليه الصلاة والسلام : درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية . رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه الألباني .
فإذا كان هذا أهون الربا
وإذا كان هذا في درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم
فما بالكم بأعظم الربا ؟
وما ظنكم بمن يأكل الآلاف بل يتجرّع ملايين الدراهم والدنانير من ربا صريح ؟
لا شك أن هذا أعظم وأشنع
غير أن كثرة المساس تُذهب الإحساس
فلما تعامل به الناس ، واستمرءوه خف ذلك في موازينهم .
كما أن هذا أهون الربا ... والربا وأربى وأعظم الربا استطالة المرء في عرض أخيه ... إما بقذفٍ وهو أعظم الاستطالة ، وإما باالغيبة والنميمة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا . متفق عليه .
فهذا يُبيّن عِظَم حُرمة هذه الأشياء ، وأنها كحرمة يوم النحر في بلد الله الحرام مكة المكرمة في شهرٍ محرم ، وهو شهر ذي الحجة .
ولو قيل لبعض الناس : فلان فعل بأمه الفاحشة أو وقع على محارمه
لاستعظموا ذلك ، وهو ورب الكعبة عظيم شنيع .
لكن لو قيل لهم :
فلان يذهب للسحرة ...
أو فلان يتعلّم السحر ...
أو فلانة ذهبت للساحرة لتُحبّب زوجها إليها ...
أو فلان يطوف بالقبور ويدعو الأموات ...
أو فلان يقع في الشرك ، ولديه شركيات ...
لما كان ذلك مستعظما !!
ولا شك أن المعصية والكبيرة مهما عظمت فإنها لا تبلغ حدّ الشرك ما لم يستحلّها فاعلها .(2/60)
وصاحب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه .
غير أن تعلّم السحر أو الذهاب إلى السحرة والرضا بما هم عليه كفرٌ بواح بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
قال عليه الصلاة والسلام :
من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
ومن طاف بالقبور أو دعا الأموات فقد أحيا شريعة فرعون هذه الأمة أبي جهل
وأقام دين عمرو بن لحي الخزاعي ، الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر أمعائه في النار .
ومن مات على الشرك فهو خالد مخلدٌ في النار .
( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ )
(إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء )
فهذا أعظم وأبشع وأشنع .
فالشرك أقبح القبائح وأعظم الذنوب .
فماذا لو قيل لك : هذا الناكح أُمّه ؟
هل كنت تُطيق النظر إليه ؟؟؟
أدع لك الجواب !
وثم ميزان مقلوب أو موازين مقلوبة ومختلة ... غير أني أخشى الإطالة ، ولعلي أكتب عنها لاحقا .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
==============
حكم التعامل مع المصارف الربويّة
السؤال :
ما حكم التعامل مع المصارف الربويّة بقصد التوفير و الاستثمار ، و حفظ المال من الضياع ؟
الجواب :
التعامل مع المصارف الربويّة لا يجوز ، سواءً أخذ العميل الفائدة لنفسه ، أو أنفقها على غيره ، أو تركَها للبنك و لم يأخذ منها شيئاً ، لأنّ التحريم يشمل أكل الربا ، و إعطاءه ، و التعامل به .
و الحكم بالتحريم ثابت للربا بجميع صوره ، و أبوابه و هي كأبواب الشرك ، بضعٌ و سبعون باباً ، كما صح بذلك الخبر ، الذي رواه الحافظ المنذري بإسنادٍ صحيحٍ في ( الترغيب و الترهيب ) .
وليحذر المتعاملون مع المصارف الربويّة من الوقوع تحت طائلة حرب لا هوادة فيها ، أعلنها الله تعالى عليهم ما لم يبادروا بالتوبة ، فقد قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ البقرة ] .
روى ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين قول ابْن عَبَّاس فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ أَيْ : اِسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَ رَسُوله ، و قَولَه : فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الرِّبَا لا يَنْزِع عَنْهُ كَانَ حَقًّا عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبهُ فَإِنْ نَزَعَ وَإِلا ضَرَبَ عُنُقه ، وَ روى ابن أَبِي حَاتِم عَنْ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالا : وَ اَللَّه إِنَّ هَؤُلاءِ الصَّيَارِفَة لأكَلَة الرِّبَا وَ إِنَّهُمْ قَدْ أَذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَ رَسُوله وَ لَوْ كَانَ عَلَى النَّاس إِمَام عَادِل لاسْتَتَابَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَ إِلا وَضَعَ فِيهِمْ السِّلاح . وَ قَالَ قَتَادَة : إِيَّاكُمْ وَ مُخَالَطَة هَذِهِ الْبُيُوع مِنْ الرِّبَا فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَوْسَعَ الْحَلال وَ أَطَابَهُ فَلا تُلْجِئْنَكُمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ فَاقَةٌ .
و ممّا لا ريب فيه أن جلَّ التعاملات المصرفيّة المعاصرة ذاتُ شائبةٍ ربويّةٍ ، ما لم تكن من الربا المحض ، باستثناء تعاملات المصارف الإسلاميّة في الغالب .
و من المعاملات المحرّمة في هذا الباب إيداع الأموال في المصارف و الاقتراض منها من غير ضرورة ، أو تجاوز الضرورات إلى الكماليّات ، كالتوسع في شراء المساكن و المراكب و الأثاث ، و تسديد قيمته بزيادةٍ ربويّة عليها ، فليحذر الذين تورّطوا في شيء من ذلك ، و ليتقوا الله ، فلا يَطْعَموا حراماً ، أو يُطعموه من يعولون من الأهلين و البنين .
و لا يظن أحدٌ أنّ تنازله عن الزيادة الربويّة لصالح المصرف أو إخراجَها في وجه من وجوه البر و الصلة بدون توبةٍ ، يخرجه من المحظور ، و يبيح له متابعة تعامله مع ذلك المصرف ، لأنّ التعامل بالربا أو المساعدة عليه أو المساهمة فيه سواءٌ في الحرمة ، فقد روى مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه ، قَال : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ سَوَاءٌ ) .
و من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه ، و في الحلال ما يُغني عن الحرام ، لمن أحسن التدبير ، و الله الموفّق .
كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
===============
مناقشة علمية هادئة للقول بجواز الاكتتاب في ينساب
د. يوسف بن عبدالله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام . الرياض
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد
فقد أخرجت قبل أسبوع رسالة بعنوان ( ثلاث رسائل عاجلة حول الاكتتاب في شركة ينساب ) .
ثم اطلعت على بعض المناقشات العلمية المكتوبة والشفوية عبر القنوات الفضائية من بعض المشايخ الفضلاء الذين أفتوا بالجواز ، وقد لحظت تضمنها بعض الأخطاء في النقل وقراءة نشرة الإصدار ، فحاولت بعدها الاتصال ببعضهم مراراً فلم يتيسر .
ونظراً لاستشكال كثير من الناس حولها، رأيت إخراج هذه المناقشة العلمية على ألا ينفك قارئها عن الرسائل الثلاث التي سبق نشرها في موقع نور الإسلام بتاريخ 16/11/1426هـ، وفق النقاط الآتية :
أولاً : نُسب القول بجواز الاكتتاب في الشركات المختلطة بالربا إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى .
والأقرب أنه رجع عن فتواه ؛ فقد أفتى أولاً بالجواز مع النصح والتأكيد على تركها ، في فتوى بخط يده بتاريخ 21/4/1412هـ ، ثم أفتى بتحريمها في فتواه المنشورة في مجلة الدعوة بتاريخ 1/5/1412هـ والتي بين فضيلته حرمة الاكتتاب فيها ، وأن من اكتتب فيها جاهلاً فإنه يسعى في فك الاشتراك ، فإذا لم يتمكن أخرج النسبة المحرمة ، وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال : ما الحكم الشرعي في أسهم الشركات المتداولة في الأسواق، هل تجوز المتاجرة فيها ؟
الجواب : لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال ؛ لأن الشركات الموجودة في الأسواق تختلف في معاملاتها بالربا، وإذا علمت أن هذه الشركة تتعامل بالربا وتوزع أرباح الربا على المشتركين ، فإنه لا يجوز أن تشترك فيها ، وإن كنت قد اشتركت ثم عرفت بعد ذلك أنها تتعامل بالربا ، فإنك تذهب إلى الإدارة وتطلب فك اشتراكك ، فإن لم تتمكن ، فإنك تبقى على الشركة ، ثم إذا قُدمت الأرباح وكان الكشف قد بين فيه موارد تلك الأرباح فإنك تأخذ الأرباح الحلال ، وتتصدق بالأرباح الحرام تخلصاً منها ، فإن كنت لا تعلم بذلك فإن الاحتياط أن تتصدق بنصف الربح تخلصاً منه ، والباقي لك ؛ لأن هذا ما في استطاعتك ، وقد قال الله تعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم". انتهت الفتوى .
وللشيخ رحمه الله فتوى أخرى بالمنع مطلقاً، وهي غير مؤرخة ، وهذا نص السؤال والجواب :(2/61)
السؤال : لقد انتشرت في زماننا هذا الشركات التجارية بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثاً عن الربح ولكن الذي يحدث أنّ بعض المساهمين يحصل على ربح ليس من عمل تلك الشركة ولكنه من المتاجرة بسندات الأسهم التي ساهم بها فيبيع السند الذي قيمته مثلاً 100ريال يبيعه بـ200ريال أو أكثر حسب قيمة تلك السندات في ذلك الوقت، فهل هذا التعامل بهذه الطريقة صحيح أم لا ؟
الجواب : التعامل صحيح إذا كانت الشركة التي ساهم فيها خالية من الربا ، فإن بيع الإنسان نصيبه من الشركة بربح جائز ولا حرج فيه ، لكن بشرط أن يكون معلوماً لدى البائع والمشتري ، فيعرف أن له مثلاً 10 أسهم أو 15 سهماً من كذا وكذا حتى لا يبقى الأمر مشكلاً فإذا كان معلوماً فإنه لا بأس به سواء كان ذلك في الشركات أو في مساهمات عقارية كذلك أهـ . ( فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص 47 - 48) .
ولو وجد فتاوى غير مؤرخة أو احتمل الأمر عدم معرفة التاريخ ، فإن الأقرب لفتاوى الشيخ هو التحريم ، لما علم عنه من شدة تحرزه من أخذ الربا ، وتحريمه تأجير المحلات على صوالين الحلاقة التي تحلق اللحى ، وعلى التموينات التي تبيع الدخان ، إضافة إلى تحريمه للعمل في البنوك الربوية حارساً أو سائقاً ، أو الإيداع فيها في الحساب الجاري ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .
وما نحن فيه أولى بالمنع .
ثم لو فرضنا أن الأمر لا يزال مشتبهاً ، أو ثبت أن القول الأخير للشيخ هو الجواز ، فإن العبرة في معرفة الحق هو الدليل ، وليس من الصواب دفع الناس بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى الاكتتاب في شركة ينساب التي أعلنت الربا الصراح نظاماً لها في المعاملات المالية.
ثانياً : أكد بعض المشايخ أن الشركة إنما وضعت الودائع الربوية من أموال المكتتبين المؤسسين فقط دون اكتتاب المواطنين .
وهذا غير صحيح ، فإن الشركة قد نصت على أنها ستدخل مجموع أموال المكتتبين المؤسسين ، وكذلك الاكتتاب العام في حساب الفوائد ، وقد نصت الشركة على ذلك ، وأورد هنا نص ما جاء في نشرة الإصدار ( ص60 ) : " حقوق المساهمين :
رأس المال المدفوع من قبل المؤسسين - بالريالات- (3.656.250.000) ورأس المال المتوقع من الاكتتاب العام (1.968.750.000) .
ثم جاء في (ص 61) ما نصه : الأرصدة لدى البنوك : وديعة لآجل (5.566.657.000) .. الوديعة لآجل ، والحساب الجاري محتفظ بهما لدى بنك محلي ، وتحقق الوديعة لأجل عمولة سنوية - أي فوائد ربوية - بنسبة 4.85%تقريباً اهـ.
وبهذا يتضح دخول أموال الاكتتاب العام من الجمهور فيها .
ثالثاً : ذكر بعض المشايخ أن الشركة ستأخذ تمويلاً من بعض البنوك ؛ إما بقروض تجارية ، وإما بمرابحات إسلامية .
وهذا غير صحيح ، فمن تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار يجد أن البنك الذي وعد بالتمويل ABN AMRO يقوم الآن بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع .
أي أن أنهم وعدوا بالاقتراض الربوي وغير الربوي ، وليس الأمر على سبيل التردد ، هذا أولاً .
وثانياً : أن البنك المتعهد بالتمويل سيقدم مجموع ما تحصل له من هذه البنوك لشركة ينساب ، فهل سيكون وسيطاً بأجرة ، أو مقرضاً بفائدة فيكون القرض حينئذ كله بالربا؟! .
وهذا نص ما جاء في نشرة الإصدار : (ص29) : تمويل المشروع : حصلت سابك لصالح ينساب ، على التزام خطي مبدئي من بنك إيه.بي.إن.أمرو ABN AMRO بموجب خطاب التزام مؤرخ في 30 نوفمبر 2005 تعهد بموجبه بتغطية تسهيلات تمويلية بدون حق الرجوع على المساهم الرئيس بقيمة 13.125 مليون ريال سعودي - أي 13 مليارا ومائة وخمسا وعشرين مليون ريال سعودي - "اهـ .
وجاء أيضاً في نفس الصفحة تحت عنوان : القروض ورأس المال العامل الابتدائي : "يقوم بنك إيه.بي.إن.أمرو حالياً بالتفاوض مع المصارف الدولية والإقليمية والمحلية وبعض الجهات الشبه حكومية لتقديم قروض تجارية وإسلامية عادية للمشروع ..إضافة لتسهيلات القروض المذكورة أعلاه ، سيطلب قرض لتمويل رأس المال العامل الابتدائي بقيمة 833 مليون ريال سعودي، ويتم ترتيبه كجزء من القروض"اهـ .
رابعاً : هوَّن من خطورة الربا على كثير من الناس ، بل حتى على كثير من طلبة العلم ما ذكر من أن نسبة الجزء المحرم في الشركة لا يتجاوز الواحد في الألف ، وأن هذه نسبة قليلة جداً .
وهذا الإطلاق غير صحيح أيضاً . ويزول اللبس بالتوضيح الآتي : أودعت ينساب ما تحصل لها من أموال المكتتبين المؤسسين في وقت قصير فحصلت عوائد ربوية مقدارها (4.375.000ريالاً) فالحقيقة إذاً أن الشركة قامت بتوظيف أموال المكتتبين المؤسسين في الحرام وهو الربا ، ووعدت بإجراء ذلك في أموال الاكتتاب العام كما سبق بيانه .
ومما يؤكد تهاون الناس بجريمة الربا أن الناس لو قيل لهم بأن الشركة ستقوم بتشغيل أموال المكتتبين مدة شهر واحد فقط في المتاجرة في المخدرات أو الخمور أو دور البغاء ، وأن العائد منها سيكون واحداً في المليون : لنفر المؤمنون الناس من ذلك بالفطرة ، ولم تكن كلمة (واحد في المليون) سبباً في تساهلهم بالاكتتاب ، فكيف بأخذ الربا الذي هو أعظم منها ؟!.
خامساً : العبرة في معرفة نظام الشركة هو نشرة الإصدار الرسمية . وينبني عليه أمران :
الأول : أنه لا عبرة بالكلام الشفوي ، لأن الشركات الكبرى لا تعمل إلا وفق نظام رسمي ، ومجالس إدارية ، ورقابة صارمة بمطابقة مافي نشرة الإصدار .
الثاني : أن ما وعدت به الشركة من القروض الربوية ، قد وقع عليه المكتتب . فلا يقال فيه نشارك ؛ لأنه قد يتغير ، أو أن الأمر محتمل ، ونحو ذلك مما تنفيه نشرة الإصدار الرسمية للشركة .
وأدعو الجميع إلى تأمل نص ما جاء في نشرة الإصدار (صفحة أ ) تحت عنوان ( إشعار هام ) : وتتحمل سابك كامل المسؤولية عن دقة المعلومات الواردة في هذه النشرة ، وتؤكد حسب علمها واعتقادها بعد إجراء الدراسات الممكنة وإلى الحد المعقول : أنه لا توجد أية وقائع أخرى يمكن أن يؤدي عدم تضمينها في هذه النشرة إلى جعل أية إفادة واردة هنا مضللة .. ويتحمل كل مستلم لنشرة الإصدار قبل اتخاذ قرار الاستثمار مسؤولية الحصول على استشارة مهنية مستقلة بخصوص الاكتتاب .. اهـ .
وأخيراً :
إن سبب حرصي وكتابتي في هذا الموضوع أن الأمر أوسع من أن يكون بحثاً فقهيا اجتهادياً ؛ لأن الفتيا بالجواز سبب أساس في بقاء الربا في الشركات القائمة والقادمة ؛ لأن إقبال الناس على الاكتتاب وارتفاع الأسهم مبني في أكثره على الفتيا بالجواز ، ولو لم يفت بالجواز لما أقبل الناس ، ولخضعت الشركة وأمثالها حينئذ إلى مطالب العلماء - بإذن الله تعالى - وقبلوا باشتراط وجود اللجنة الشرعية التي ترشحها جهة علمية مستقلة .
وعليه فإن هذه المناقشة إنما هي حسبة على منكر الربا في الشركات ، والهجر من أقوى وسائل إنكاره ، وأرها متعينة في هذه المرحلة . راجياً أن يطلع من قرأ هذه المناقشة على الرسائل الثلاث السابقة .
وبهذا تنتهي المناقشة والحمد لله رب العالمين .
================
رسالة إلى التاجر المسلم
فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، ثم أما بعد:(2/62)
فمن نعم الله على عباده أن أحل لهم البيع وأباحه لهم، وحرم عليهم الربا . { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة275] . وفي البيع تحصيل لمنافع عظيمة يحتاجها الناس في حياتهم، لأن الناس لا بد وأن تتعلق نفوسهم بما في يد الغير، فكان البيع هو الوسيلة التي أباحها الله لعباده لكي يصلوا إلى ما يريدون، وهو بذل الثمن لتملك المثمن .
وحديثنا هنا نخص به التاجر المسلم: الذي اختار البيع والشراء وسيلة لكسب المال، وأنعم بها من وسيلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشتغل بالتجارة مدة من الزمن، وكثيرٌ من الصحابة كانوا تجاراً كأبي بكرٍ الصديق وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم . ولم تكن تلك التجارة مانعة لهم من إقامة شعائر الله أو التفريط فيها، بل بذلوها رخيصة لدين الله وفي سبيله، فلم تكن الدنيا قطٌ في قلوبهم بل كانت في أيديهم، ولا أدل على ذلك إلا فعل أبي بكر -رضي الله عنه- عندما جاء بكل ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم متصدقاً به يرجو الثواب من الله عز وجل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله[رواه أبو داود: 1678] . وكذا عثمان-رضي الله عنه- له في هذا قصص مشهورة ومن أعظمها بذل كثير من ماله لتجهيز جيش العسرة، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم . مرتين ) [رواه الترمذي وقال: حسن غريب من هذا الوجه] .
أخي التاجر المسلم: لما أُخاطبك بالتاجر المسلم، أعني أنك لست كالتاجر الكافر همه كيف الحصول على المال بأي وسيلة كانت، وكيف يخراج المال من جيوب الناس … ولما أُخاطبك بالتاجر المسلم فإنني أخاطب فيك إسلامك وإيمانك، لأن الشواهد والتجارب أكدت على أن من لم يكن عنده دين، لا يتوانى عن ركوب كل طريق حتى يحصل على المال، مهما كانت الوسيلة وهل هي مشروعة أو غير مشروعة، وهل هي مفسدة للقيم والأخلاق أو غير مفسدة، المهم عنده الحصول على المال بأي ثمن .
ولذا فإنه نوجه لإخواننا التجار نصيحة نرجو أن تنير لهم الطريق، وتقوم المعوج، وترشد الضال إلى سواء السبيل . فأقول مستعيناً بالله :
- أيها التاجر المسلم عليك بالنصيحة للمسلمين: وعدم غشهم، ومن صور النصيحة التي تبذلها للناس: الربح المعقول الذي لا يشق على المشتري، وإخباره عن جودة السلعة وعدم المبالغة فيها ، وعدم كتمان عيوبها . فإن كتمان العيب في السلعة غشٌ لا يرضي الله عز وجل، وهو ممحق لبركة البيع، نازع لها : قال صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ) [رواه البخاري:2110، ومسلم:1532] .
- وقم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فإنها من أعظم القرب، وليكن أمرك ونهيك ودعوتك بالحسنى وبالقول الحسن، وعليك بلين الكلام فإنه طريق لفتح قلوب الأبواب المغلقة . وطرق الدعوة كثيرة، كالتذكير بالله لمن يأتيك في متجرك، أو توزيع الكتب والأشرطة … إلخ .
- وعليك بصدق الحديث، وحسن المعاملة: فإن من اتقى الله، وصدق الناس، وأحسن إليهم نال رضا الله، وجعله الله محبوباً إلى الخلق، ورزقه من حيث لا يحتسب .
- وأقلِ الناس إن هم اشتروا من عندك سلعة ثم ندموا : فإن كثير من الناس قد يشترون شيئاً ثم يندمون عليه، ويتحسرون ، ويتمنون أنهم لم يشتروه، فإن جاءوك ليردوا ما أخذوه وكان سليماً، فاعذرهم واردد لهم أموالهم، ولا تجبرهم على الشراء مما عندك فقد لا يريدونه، ولا يغلبنك حب الدنيا على نفع الناس؛ والحق أنك تنفع نفسك . قال صلى الله عليه وسلم : ( من أقال مسلما أقاله الله عثرته ) [رواه أبو داود:3460] .
- وكن سمحاً في البيع والشراء، وانظر المعسر، وتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنك في وقت أنت أحوج ما تكون إلى تجاوز الله عنك. قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ) [رواه البخاري:2076] . وقال صلى الله عليه وسلم: ( كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه ) [رواه البخاري:2078، ومسلم:1562] . وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله… الحديث ) [ مسلم:3014] .
- أد زكاة مالك . فهو حق لله لا لك، فإنك إن فعلت أطعت ربك، بارك لك في مالك، وإن عصيته وحبست حق الله عليك، نُزعت البركة منه، ويكون وبالاً عليك في الدنيا والآخرة، ونالك ما نال الذي يكنز الذهب والفضة : قال تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35) }[التوبة] . ثم إنك بمنعك زكاة مالك-حق الله عليك- تكون قد أسأت إلى خلق الله، لأنك كنت سبباً في منع الغيث من السماء، قال صلى الله عليه وسلم: (… ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا …الحديث) [رواه ابن ماجة:4019، وقال الألباني حسن: برقم:3262] .
- انفع نفسك بالإنفاق في سبيل الله، فإنك إن بذلت مالك لوجه الله، وأنفقته في سبيله، تنفع نفسك ويقربك عند مولاك، وليس لك من مالك إلا ما أنفقته في سبيله . فعن عبد الله بن الشخير-رضي الله عنه- قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، قال: يقول ابن آدم: مالي، مالي . قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك، إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت ) [رواه مسلم:2958] . أمضيت أي: أبقيت . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) [رواه مسلم:1631] .
- وأحذر: من إضاعة الصلاة لأجل كسب بضعة ريالات، فإن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة، فإذا أُذن للصلاة فأترك الدنيا-الزائلة- وراء ظهرك، وأطلب الآخرة -الدائمة - التي لا تزول . ومن تشاغل عن الصلاة بالبيع والشراء فقد أثم ووقع في المحرم . قال تعالى:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الجمعة: 9] . وهذا الحكم ليس في الجمعة فحسب، بل أي تجارة ألهت عن صلاة فهو محرم .
- وأحذر: من الغش فإنه مقيت، والغاش متوعدٌ على لسان رسولنا-صلى الله عليه وسلم- : ( من غش فليس مني ) [ رواه مسلم: 102] . ولا شك أن الغش من كبائر الذنوب. وصور الغش كثيرة، والتجار أعلم بها من غيرهم، والله مطّلع على السرائر، فليحذر التاجر من يوم تبلى فيه السرائر، فما كان مخفياً في الدنيا يظهره الله يوم الآخرة .(2/63)
- وأحذر الربا فإنه بئس المكسب وبئس المنقلب: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة:276] . وقال تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[ البقرة: 275] . وعن جابر-رضي الله عنه- قال: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه وقال: هم سواء) [رواه مسلم:1598]. وصور الربا كثيرة، ولا تقل من عند نفسك هذه الوسيلة الفلانية جائزة ولا شيء فيها أو نحو ذلك، بل ارجع إلى أهل العلم الراسخين فيه، واسألهم : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء: 7] . ولا تتشبث بفتوى أنصاف العلماء وأحذرهم، وأنجو بنفسك إن أردت لها الفلاح .
- وأحذر: من بيع العينة فإنها محرمة على لسان رسول الله صلى الله فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [رواه أبو داود:3462 وصححه الألباني] .
وصورة العينة: أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل . مثال ذلك : أن يبيع شخص على آخر سيارة بعشرين ألفاً إلى أجل، ثم يشتريها منه بخمسة عشر ألفاً حالة يسلمها له، وتبقى العشرون الألف في ذمته إلى حلول الأجل؛ فيحرم ذلك؛ لأنه حيلة يتوصل بها إلى الربا، فكأنه باع دراهم مؤجلة بدراهم حالة مع التفاضل، وجعل السلعة حيلة فقط . [ الملخص الفقهي(2/13) : للشيخ صالح الفوزان] .
- وأحذر: من بيع محرم النفع، أو مما يستعان به على معصية الله؛ فإن هذا البيع محرمٌ ، وهو من التعاون على الإثم والعدوان: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2] . وهذا البيع؛ كبيع الخمر، وبيع آلات اللهو، والدخان، ومن كان مثلها في التحريم .
- ولا تبع على بيع أخيك، أو تشتري على شراءه، فإن هذا يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين، ويفرق فيما بينهم، وفوق ذلك أنه محرم، فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يبيع بعضكم على بيع أخيه )[رواه البخاري:2139] .
ومثال البيع على البيع : أن يشتري زيد من عمرو سيارة بعشرة آلاف، فيذهب رجل إلى زيد ويقول له أنا أعطيك أحسن منها بتسعة، أو مثلها بثمانية، ونحو ذلك .
ومثال الشراء على الشراء: أن يبيع زيد على عمرو سلعة بتسعة، فيأتي رجل آخر ويقول لزيد –البائع-: أنا أعطيك فيها عشرة، أو نحو ذلك . وكل هذا محرم، والشراء داخل في البيع .
- وأحذر: من النجش : فهو ظلم وعدوان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ) [البخاري:6066] .
والنجش : هو الزيادة في قيمة السلعة مع عدم الرغبة في الشراء، حتى ترتفع قيمة السلعة . وهذا فيه تغرير بالمشتري وخديعته وإضرار به . وهذا يقع كثيراً اليوم وخصوصاً في ( حراج السيارات) .
ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة: أُعطيت بها كذا وكذا، وهو كاذب ، أو يقول: اشتريتها بكذا وهو كاذب .
ومن صور النجش المحرم أن يقول صاحب السلعة : لا أبيعها إلا بكذا أو كذا؛ لأجل أن يأخذها المشتري بقريب مما قال، كأن يقول: في سلعة ثمنها خمسة: أبيعها بعشرة؛ ليأخذها المشتري بقريب من العشرة . [انظر الملخص الفقهي: (2/19) للشيخ : صالح الفوزان] قلت: وهذا منتشر الآن بين البائعين إلا من رحم الله .
- ولا تحلف بالله كذباً وزوراً، من أجل متاع من الدنيا قليل،فإنه أكل لأموال الناس بالباطل، وظلمٌ لهم، وجنب نفسك سخط ربك عليك، قال صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان…الحديث ) [رواه البخاري:2357، ومسلم:138] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق ) [رواه مسلم: 1067] . وقال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرارا . قال أبو ذر-رضي الله عنه-: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ . قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) [رواه مسلم: 106] .
- وأحذر من التعرض لأعراض المسلمين؛ فإنه بئس البضاعة عند العرض على الله . فإن من الباعة من لا يخاف الله في نساء المسلمين، فيحاول التغرير بهم، أو استدراجهم، حتى ينال منهن ما يريد، وليحذر سخط الجبار فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .ألا فليتق الله ذلك البائع، وليعلم أن أعراض المسلمين حرام عليه، قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهر كم هذا في بلدكم هذا …الحديث ) [رواه البخاري:67، ومسلم:1679] . وأن أذيتهم محرمة قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [الأحزاب:58].
- ولا تجلب الفساد والشر إلى بلاد المسلمين. فإن إثمها ووزرها عليك؛ وهو من غش المسلمين وعدم النصيحة لهم . كاستيراد الملابس التي تكشف العورات والسوآت، أو جلب المشروبات أو المطعومات المحرمة، أو جلب الأفلام الخليعة والصور الماجنة… إلخ .
- وأحذر من بيع المباح إذا علمت أنه يُستعمل في معصية الله: كبيع العصير لمن يتخذه خمراً، أو بيع السلاح لمن يقتل نفساً معصومة، أو بيع (الأشرطة) لمن (ينسخ) عليها الأغاني أو الكلام الخليع . وهذا كله داخلٌ في قوله تعالى: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2] .
- وإياك و التطفيف في الميزان، فإن فيه نزلت سورة قال الله تعالى في أول آياتها: { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(5)يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) } [المطففين: 1-6] . والتطفيف هنا: هو بخس الناس حقوقهم في المكيال والميزان ظلماً وعدواناً، فتوعدهم الله هذا الوعيد الشديد .
- وأحذر من التغرير بالناس، بأي نوع من أنواع التغرير، وكثير من المسابقات التي تعمل الآن من قبل المحلات التجارية، هو خداع للناس، وأكل لأموالهم بالزور، لأن المشتري ما اندفع لشراء السلعة إلا طمعاً في نيل الجوائز المعروضة، فيجتهد هذا المسكين مخرجاً ما في جيبه لشراء شيئاً قد لا يحتاجه، أملاً في حلم قد يتحقق وقد لا يتحقق ! . فاتقوا الله يا أيها التجار في خلق الله .(2/64)
وقد سئُل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين-حفظه الله- سؤالٌ هذا نصه-: هل يجوز أن أعلن للجميع أن من يشتري من عندي سيارة يحصل على رقم، ولمدة محدودة، وبعدها يجُعل سحب على هذه الأرقام، فالذي يُسحب رقمه يحصل على جائزة قيمة، وبذلك أُرغب في بضاعتي ويكثر زبائني. أفتونا عن هذه الطريقة جزاكم الله خيراً ؟
فأجاب: هذا لا يجوز لأنه إما قمار أو شبيه به، والله تعالى يقول: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90] . والميسر: هو القمار الذي يكون الداخل فيه بين غانم وغارم . [فقه وفتاوى البيوع: ص414] .
وختاماً: أسأل مولانا الجليل، أن يغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
==============
حكم تملك الأوراق المالية وأرباحها بالقبض
عبد المجيد بن صالح المنصور
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإن طلب الربح الحلال والسعي فيه بجد، والإقلاع عن الربح الحرام والابتعاد عنه أصبح مطلباً ملحاً في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك لما نرى من كثرة النكسات الاقتصادية على شتى الصعد، ولما يسببه من بُعد في إجابة الدعوات ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" (1) وقال "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم"(2)ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)، وإن طلب الحلال واجب على كل مسلم، وإنبات اللحم من سحت(3) محرم النار أولى به(4)، ويجب لمن وقع بشيء من ذلك المسارعة إلى التوبة والتخلص من المال المحرم أياً كان نوعه وشكله؛ وذلك برده إلى مستحقه الأصلي أو البدلي عند تعذره.
وفي هذا الزمن ابتلي كثير من المسلمين بالتعامل بالربا مع الأفراد أو الشركات أو البنوك أو غير ذلك، وعندها يقع الناس في الحرج، وترد بعض الإشكالات والتساؤلات التي تعرض على طلاب العلم والمفتين على نحو:
هل المقبوض بعقد ربوي يملك أو لايملك؟ وما الحكم إذا نتج عن هذا المقبوض بعقد ربوي ربح هل يملكه المشتري أو لا يملكه ويكون لمالك الأصل(البائع) بناء على فساد العقد ولم يثبت الملك في الأصل بقبضه؟ وما كيفية التخلص من الربح الربوي؟ وهل يجوز التصدق به على الفقراء والمساكين ونحوهم؟ وهل يجوز رد الأرباح إلى البنك؟ وغير ذلك من الأسئلة التي حاولت جعل جوابها في نسق واحد في أثناء البحث، لبناء بعضها على بعض.
ولأجل تبسيط صورة هذا الموضوع أكثر أضْرِب مثلاً، فأقول: لو أن مسلماً عقد عقداً ربوياً وقبض المعقود عليه، وليكن أسهماً قبضها بعقد ربوي ووضعت في محفظته(5)، ولم يضارب بها، ورغب في أرباحها ثم استحقت الأرباح، فهل يملك تلك الأسهم بالقبض؟ ولمِن تكون هذه الأرباح المقبوضة بعقد ربوي ؟
هل تكون لمشتري تلك الأوراق المالية بعقد فاسد أو للمالك الأصل (البائع) وهي (الشركة مصدرة تلك الأوراق) بناء على أن المقبوض بعقد فاسد لا يملك؟
ولأجل معرفة لمن الأرباح؟ لابد من معرفة لمن الأصل(السهم المقبوض بعقد ربوي) أي هل تملك تلك الأوراق المالية بالقبض أو لا ؟
هذه المسألة من النوازل الفقهية التي لم يتطرق لها الفقهاء السابقون بحثاً وتدليلاً، ولكن أصولها موجودة في كتبهم، فإن هذه المسألة تعود إلى مسألة( ملكية المقبوض بعقد فاسد ) فيكون التخريج عليها.
فيقال: إن العلماء اختلفوا في تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض على قولين:
القول الأول:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية(6)، والشافعية(7)، والحنابلة(8)، وبعض الحنفية(9) إلى أن العقود الربوية لا تملك ولو اتصل بها القبض، بل هي مفسوخة أبداً، وعلى قولهم هذا فلا تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض، ويجب فسخ العقد وردها .
جاء في "المدونة" عن ابن وهب قال:( وسمعت مالكاً يقول الحرام البين من الربا وغيره يرد إلى أهله أبداً فات أو لم يفت(10))(11).
وقال ابن عبد البر: ( قال مالك: ومن البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمره وتفاحش رده، فأما الربا فإنه لا يكون فيه إلا الرد أبداً، ولا يجوز منه قليل ولا كثير ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}(12).
ثم قال: (هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الأثر فمن قاده ولم يضطرب فيه فهو الخيِّر الفقيه...)(13).
وقال: ( وقد اتفق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا مفسوخ أبدا )(14).
وقال السرخسي من الحنفية:( إن الربا... لا يكون موجباً للملك بكل حال)(15).
القول الثاني:
ذهب جمهور الحنفية(16) إلى أن العقود الفاسدة ومنها الربا تملك إذا اتصل بها القبض، ولكنه ملك خبيث يجب فسخه، فإن تصرف به ببيع أو هبة أو نحوه صح، وعليه فإن الأوراق المالية الربوية تملك عند جمهور الحنفية إذا اتصل بها القبض، لكنها ملك خبيث يجب عليه رد الربا على من أربى عليه.
والراجح في هذه المسألة -والله أعلم- أن الأوراق المالية الربوية لا تملك ولو اتصل بها القبض، ويجب فسخ ما قبض منها، فيرد الأوراق المالية إلى بائعها، ويسترد ثمنها إن أمكن، وإلا يتخلص منها بالبيع(17).
و الأدلة على هذا كثيرة ومن أقواها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((جاء بلال بتمر برني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من أين هذا؟)) فقال بلال : تمر كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع؛ لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ((أوه عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به))(18)، وفي رواية لمسلم : ((فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا))(19).
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالرد ولم يقره على هذا العقد الربوي، بل أمر بفسخه مع اتصال القبض به.
قال النووي عند هذا الحديث: ( وقوله :صلى الله عليه وسلم [هذا الربا فردوه] هذا دليل على أن المقبوض ببيع فاسد يجب رده على بائعه وإذا رده استرد الثمن)(20)، وقال ابن حجر: (وفيه أن البيوع الفاسدة ترد)(21).
حكم أرباح الأوراق المالية بعد القبض:
لما عرفنا حكم تملك الأوراق المالية بالقبض، بقي حكم ما ينتج عن تلك الأوراق من أرباح، وإن أقرب تكييف فقهي لتلك الأرباح هو نماء المقبوض بعقد فاسد، وهذا النماء من قبيل النماء المنفصل غير متولد من الأصل كالكسب والغلة، والعلماء مختلفون في حكم نماء المقبوض بعقد فاسد من حيث ملكيته تبعاً لاختلافهم في ملكية أصله على القولين السابقين.(2/65)
أما من حيث وجوب رد النماء إلى مالك الأصل (البائع) فلم تختلف أقوال المذاهب الأربعة في ذلك؛ فإنهم قضوا بوجوب رد النماء -ومنه الأرباح- مع أصله إلى البائع وأن ذلك النماء والربح لا يمنع الفسخ، - وإليك بيان ذلك:
أما الشافعية، والحنابلة، والظاهرية: فهم على قاعدتهم السابقة لايثبتون الملك بالقبض، ويوجبون رد المقبوض بعقد فاسد ونماءه سواء أكان ربوياً أم غير ربوي.
أما المالكية: فإنهم لا يثبتون الملك في العقود الربوية مطلقاً، وهو مفسوخ عندهم أبداً سواء فات أم لم يفت، ولا يكون فيه إلا الرد أبداً، ولا يجوز منه قليل ولا كثير ولا يجوز
فيه ما يجوز في غيره(22) ولا ينتقل الضمان فيه للمشتري.
فظاهرٌ أن الغلة والأرباح لا تأثير لها على الحكم في العقد الربوي-عند المالكية-، وأن هذه الزيادات لا تصِّير العقد فائتاً، وبالتالي يجب عندهم رده وأرباحه على من أربى عليه (23).
جاء في مواهب الجليل: ( وهنا - أي في العقد الربوي - لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه، فلا يحكم له -أي المشتري-بالغلة بل لو قبض المشتري المبيع، وتسلمه بعد أن أخلاه البائع ثم آجره المشتري للبائع لم يجز؛ لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو...)(24).
أما الحنفية(25): فإنهم وإن أثبتوا الملك بالقبض إلا أنهم قالوا: إن الزيادة- المنفصلة- على المقبوض بعقد فاسد لا تمنع الفسخ، ويجب ردها مع أصلها إلى البائع، ولزوم ضمانها عند التلف، سواء أكانت هذه الزيادة المنفصلة متولدة من الأصل كالولد واللبن والثمرة؛ لأن هذه الزيادة تابعة للأصل لكونها متولدة منه، والأصل مضمون الرد فكذلك الزيادة، كما في الغصب، أم كانت الزيادة غير متولدة من الأصل كالهبة والصدقة والكسب والغلة والأرباح؛ لأن الأصل مضمون الرد، وبالرد ينفسخ العقد من الأصل فتبين أن الزيادة حصلت على مالكه(26).
الترجيح:
يلاحظ في المسألة أنه وإن اختلف العلماء في تملك الأوراق المالية الربوية بالقبض إلا أن المذاهب الأربعة اتحد قولهم في الأرباح، فإنهم اتفقوا على أن هذه الأرباح الربوية والتي تعتبر نماءً منفصلاً من ملك البائع لاتمنع الفسخ ويجب ردها مع الأصل إلى البائع؛ حتى على رأي الحنفية الذين يثبتون الملكية في المقبوض بعقد فاسد؛ لأنها حصلت في ملكه، وحتى على رأي المالكية الذين يعتبرون النماء فوتاً في المبيع يثبت به الملك في المقبوض بعقد فاسد إلا الربا لأن الربا عندهم لايثبت فيه الملك أبدا .
ومع أن هذا هو الأصل والراجح في المستحق للربح الربوي إلا أن المستحق شيء وطريقة التخلص منه شيء آخر؛ وذلك أنه قد يستحقه صاحبه ابتداء ولكن لسبب شرعي أو عذر أومانع نصرف الربح الربوي لجهة أخرى دون مستحقه ابتداء .
لذا يقال إن مستحق الربح الربوي لا يخلو من ثلاث حالات .
الحال الأولى: إذا كان مستحق هذه الأرباح الربوية شخصاً معيناً معلوماً، ويمكن ردها -أي الأرباح والأصل- إليه، ولم يكن معروفاً بالتعامل بالربا والحرام فالواجب في هذه الحالة رد تلك الأرباح وأصلها إليه؛ لأنها مقبوضة بعقد فاسد، والأرباح لها حكم أصلها؛ لأنها تبع، والتبع يتبع الأصل(27)، والتبع يملك بملك الأصل(28)، والتابع لا يفرد بالحكم(29).
الحال الثانية: إذا كان مستحق الأرباح مجهولاً أو تعذر الرد إليه ولم يكن معروفاً بالتعامل بالربا والحرام فإنه يجب على المشتري التخلص من المقبوض بعقد ربوي وأرباحه بالتصدق به -على الفقراء والمساكين...- عن صاحبه بنية التخلص منه لا بنية التقرب إلى الله تعالى بهذه الصدقة كما هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية(30) والمالكية(31) والحنابلة(32) وبعض الشافعية(33)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أكثر من موضع من فتاويه، والقاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا(34):( أن الأموال التي تعذر ردها إلى أهلها لعدم العلم بهم مثلاً، وأن من كان عنده مال لا يعرف صاحبه كالغاصب التائب والمرابي التائب ونحوهم ممن صار بيده مال لا يملكه ولا يعرف صاحبه فإنه يصرف إلى ذوي الحاجات ومصالح المسلمين)(35)، وقال: (هذا عند أكثر العلماء)(36).
ثم قال: ( إذا تبين هذان الأصلان فنقول: من كان من ذوي الحاجات كالفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل، فهؤلاء يجوز، بل يجب أن يعطوا من الزكوات، ومن الأموال المجهولة باتفاق المسلمين )(37).
وقال: ( وما تصدق به فإنه يصرف في مصالح المسلمين، فيعطى منه من يستحق الزكاة، ويقرى منه الضيف، ويعان فيه الحاج، وينفق في الجهاد وفي أبواب البر التي يحبها الله ورسوله كما يفعل بسائر الأموال المجهولة، وهكذا يفعل من تاب من الحرام وبيده الحرام لا يعرف مالكه )(38).
وقال: ( المال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده، فيصرف في مصالح المسلمين، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين، وهذا أصل عام في كل مال يجهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع يتصدق بها عن صاحبها أو يصرفها في مصالح المسلمين على مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وإذا صرفت على هذا الوجه جاز للفقير أخذها؛ لأن المعطي هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها)(39).
قال القرطبي: (قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت ربًا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرًا فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك)(40).
وقال الغزالي: ( إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه -فإن كان له مالك معين- وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتاً وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته، فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء...)(41).
الحال الثالثة: إذا كان مستحق الأرباح الربوية معلوماً وأمكن الرد إليه، بيْدَ أنه يعرف عنه التعامل بالحرام كالمقبوض من البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا، والمقبوض على الزنا - مهور البغاء - والغناء ولعب القمار وثمن الخمر، والمقبوض على النياحة وغير ذلك فالصحيح من أقوال أهل العلم في هذه الحال أنه لا يجوز رد المال والربح على ذلك الزاني ولا تلك الشركة وذلك البنك، حتى لا يجمع له بين العوض والمعوض، وعليه إذا قبض المشتري تلك الأرباح أن يتصدق بها بنية التخلص منها وهذا قول عند المالكية(42)، وعند الحنابلة، وهو المنصوص عن أحمد في ثمن الخمار أنه لا يرد إلى صاحبه، ويجب عليه التخلص منه والتصدق به في مصالح المسلمين(43)، وانتصر لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية(44)، وابن القيم(45).
والقاعدة عند هذين الشيخين-رحمهما الله- في هذه المسألة: ( كل كسب خبيث لخبث عوضه عيناً كان أو منفعة يكون التخلص منه بالصدقة به )(46).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن امرأة كانت مغنية، واكتسبت في جهلها مالاً كثيراً وقد تابت وحجت إلى بيت الله تعالى، وهي محافظة على طاعة الله، فهل المال الذي اكتسبته من حل وغيره إذا أكلت وتصدقت منه تؤجر عليه ؟(2/66)
فأجاب: المال المكسوب إن كانت عين أو منفعة(47) مباحة في نفسها، وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنباً لمن يتخذه خمراً أو من يستأجر لعصر الخمر أو حملها، فهذا يفعله بالعوض لكن لا يطيب له أكله، وأما إن كانت العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر، فهنا لا يُقضى له به قبل القبض، ولو أعطاه إياه لم يحكم برده فإن هذا معونة لهم على المعاصي إذا جُمِع لهم بين العوض والمعوض، ولا يحل هذا المال للبغي والخمار ونحوهما، لكن يصرف في مصالح المسلمين(48)، فإن تابت هذه البغيِّ وهذا الخمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل أُعْطِي ما يكون له رأس مال، وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ولم يردوا عوض القرض كان أحسن، وأما إذا تصدق به لاعتقاده أنه يحل عليه أن يتصدق به فهذا يثاب على ذلك، وأما إن تصدق به كما يتصدق المالك بملكه فهذا لا يقبله الله؛ إن الله لا يقبل إلا الطيب، فهذا خبيث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مهر البغي خبيث))(49))(50)، وقال: ( نعم البغي والمغني والنائحة ونحوهم إذا أعطوا أجورهم، ثم تابوا، هل يتصدقون بها أو يجب أن يردوها على من أعطاهموها؟ فيها قولان: أصحهما أنا لا نردها على الفساق الذين بذلوها في المنفعة المحرمة، ولا يباح الأخذ، بل يتصدق بها وتصرف في مصالح المسلمين، كما نص عليه أحمد في أجرة حمل الخمر)(51).
وقال ابن القيم: ( فإن قيل: فما تقولون فيمن سُلِّم إليهم المنفعة المحرمة التي استأجروه عليها كالغناء والنوح والزنى واللواط؟ قيل إن كان لم يقبض منهم العوض لم يقض له به باتفاق الأمة، وإن كان قد قبض لم يطب له أكله، ولم يملكه بذلك،والجمهور يقولون يرده عليهم؛لأنه قبضه قبضاً فاسداً، وهذا فيه روايتان منصوصتان عن الإمام أحمد؛ إحداهما: أنه يرده عليهم، والثانية: لا يأكله ولا يرده بل يتصدق به، قال شيخنا: وأصح الروايتين أنه لا يرده عليهم ولا يباح للأخذ، ويصرف في مصالح المسلمين كما نص عليه أحمد في أجرة حمال الخمر)(52)، وقال في موضع آخر: ( فصل المسألة الثانية إذا عاوض غيره معاوضة محرمة، وقبض العوض كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم، ثم تاب والعوض بيده، فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله، ولم يقبضه بإذن الشارع، ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح، وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين)(53).
وقال (إن الذي عاوض على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة أو غير ذلك أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا يرد العوض إليه ؛ لأنه لا يسوغ عقلاً أن يجمع له بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان، وتيسيراً لأصحاب المعاصي، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضه ويسترد ماله، فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به، ولا يسوغ القول به، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاها قهراً، فقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء فلا تأت به الشريعة)(54) .والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
----------------------------------------
(1) المؤمنون آية 15
(2) البقرة آية 271
(3) قال المنذري (السحت بضم السين وإسكان الحاء وبضمهما أيضا هو الحرام وقيل هو الخبيث من المكاسب)
الترغيب والترهيب (2/349).
(4) (انظر الكلام حول هذا الحديث: تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي(398) وتلخيص الحبير (4/149)
(5) قَبْض الأسهم: وضعها في المحفظة؛ لأن القبض مرجعه إلى العرف-كما مقرر- و لا يعتبر قابضاً للأسهم عرفاً إلا بوضعها في المحفظة،والله أعلم.
(6) المدونة الكبرى (4/145)، والتمهيد لابن عبد البر (5/29)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/230)، والاستذكار (21/139).
(7) الأم (2/53) و(3/247) و(6/184)، والمهذب للشيرازي(1/275)، والحاوي الكبير(5/316)، والمجموع(9/377)، وروضة الطالبين (3/72)، والأنوار لأعمال الأبرار (1/333).
(8) المغني (6/327)، والإنصاف(4/473)، وشرح منتهى الإرادات (3/237)، وكشاف القناع (3/245)، والفروع (6/287) ومعه تصحيح الفروع وحاشية ابن قندوس، والمستوعب للسامري (2/61)، وفتح الملك العزيز بشرح الوجيز للبغدادي الحنبلي (3/561)، والمحرر في الفقه(1/323). وتقرير القواعد لابن رجب (2/189).
(9) ومنهم زفر والسرخسي، انظر: الجامع الصغير (1/332)، وأصول السرخسي ص (83 ).
(10) الفوات عند المالكية يعني أحد خمسة أشياء : الأول: تغير الذات وتلفها كالموت والعتق وهدم الدار وغرس الأرض وأكل الطعام ونماء المبيع ونقصانه . والثاني: حوالة الأسواق. والثالث: البيع. والرابع: حدوث عيب. والخامس: تعلق حق الغير كرهن السلعة . انظر القوانين الفقهية لابن جزيء ص(265) والشرح الصغير للدردير
(11) المدونة الكبرى (4/148)، ومواهب الجليل (4/381).
(12) سورة البقرة، آية(279).
(13) الاستذكار (21/139).
(14) التمهيد (5/129)، والاستذكار ( 19/146) وهذا النقل لاتفاق الفقهاء في هذه المسألة فيه نظر، فإن جمهور الحنفية يرون أن المقبوض بعقد ربوي يملك وإن كان واجب الفسخ، وخالفهم شمس الدين السرخسي في هذه المسألة، فوافق الجمهور كما في المتن.
(15) أصول السرخسي ص (83 ). وانظر: البحر الرائق (6/136)، وحاشية ابن عابدين (5/169).
(16) انظر: في بيان مذهب الحنفية الكتب التالية : الجامع الصغير (1/331-332)، بدائع الصنائع (5/299)، وما بعدها و(5/263)، والمبسوط (29/142)، وشرح فتح القدير ومعه شرح العناية (6/400) ومابعدها، والبناية في شرح الهداية (6/377)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/99)وما بعدها و( 6/136)، والاختيار لتعليل المختار (2/22)، وحاشية ابن عابدين (7/233) وما بعدها و(5/169)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/65)، والأشباه والنظائر ص (209)، ورؤوس المسائل الخلافية ص( 288)، وكشف الأسرار للبخاري (1/269)
(17) سوف أفرد هذه المسألة في بحث مستقل في المستقبل-إن شاء الله- وهي (حكم التخلص من الأوراق المالية بالبيع)
(18) رواه البخاري في صحيحه (كتاب الوكالة- باب إذا باع الوكيل شيئاً فاسداً فبيعه مردود) 2188(2/613)، ومسلم في صحيحه (كتاب المساقاة -باب بيع الطعام مثلاً بمثل) 1594(3/1215).
(19) رواه مسلم في صحيحه (كتاب المساقاة -باب بيع الطعام مثلاً بمثل) (3/1215).
(20) شرح النووي على صحيح مسلم (11/22).
(21) فتح الباري (4/401).
(22) الاستذكار (21/139) و( 19/146)، والتمهيد (5/129)، وانظر المدونة الكبرى (4/148) ومواهب الجليل (4/381) وشرح ميارة (2/8). هذا حكمه عند المالكية إذا كان ربوياً أما إذاكان العقد الفاسد غير ريوي فالأمر عندهم معلق على الفوات إن فات ثبت فيه الملك وإلا فلا.
(23) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366).
(24) مواهب الجليل (4/373-374) بتصرف يسير، وانظر شرح ميارة (2/8) .
(25) بدائع الصنائع (5/302)، والفتاوى الهندية (3/148)، ومجمع الضمانات ص( 216(، وحاشية ابن عابدين(7/302-303).
(26) بدائع الصنائع (5/302).
(27) موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (3/187).
(28) المرجع السابق.(2/67)
(29) المنثور(1/234)، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص(120)، وموسوعة القواعد الفقهية للبورنو (3/158).
(30) الاختيار لتعليل المختار لابن مورد (3/61)، وحاشية ابن عابدين (3/223).
(31) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/366)، وفتاوى ابن رشد (1/632)، والمعيار المعرب للونشريسي (9/551).
(32) مجموع الفتاوى(28/592) و (29/264)و(29/321)، والفتاوى الكبرى (5/421)و( 4/210-213)، والفروع لابن مفلح (4/513) و( 2/667)، والإنصاف (6/212-213)، وقواعد ابن رجب ص(225)، وجامع العلوم والحكم (1/104).
(33) المجموع شرح المهذب النووي (9/428)، وانظر: المنثور في القواعد للزركشي (2/231)، وفتاوى ابن حجر (4/357).
(34) مجموع الفتاوى (28/284) و(28/568) و(29/241).
(35) مجموع الفتاوى (28/568-569) و(30/413) و(29/263).
(36) المراجع السابقة.
(37) المرجع السابق، ولقد وَهَلَ بعض الباحثين حينما ظن من قول شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض المواضع "يصرف في مصالح المسلمين" أنه خاص بالمرافق العامة فقط، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يرى جواز صرفها للفقراء والمساكين، والكلام المنقول في المتن يرد هذا الظن، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية هنا ظاهر في جواز صرف المال الحرام إلى الفقراء والمساكين، وكلامه أيضاً يفسر بعضه بعضاً، ثم إن الفقراء يدخلون في مصالح المسلمين.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في موضع آخر أن من أراد التخلص من الحرام والتوبة، وتعذر رده إلى أصحابه فلينفقه في سبيل الله -أي في الجهاد- عن أصحابه، مجموع الفتاوى (28/421) والذي يظهر -والله أعلم- أن قوله هذا لم يقصد به حصره على هذه الجهة، وإنما أراد ذكر إحدى أهم مصالح المسلمين التي ينفق فيها المال الحرام-وهي الجهاد في سبيل الله- فيكون داخلاً في رأيه الأول، وليس رأياً آخر له كما ظن بعض الباحثين بدليل كلامه الآتي.
(38) مجموع الفتاوى (30/328).
(39) مجموع الفتاوى (29/263) و(29/321).
(40) الجامع لأحكام القرآن (3/366).
(41) المجموع شرح المهذب (9/428).
(42) مقدمات ابن رشد (2/618).
(43) مسائل الإمام أحمد وابن راهويه للكوسج (2/66)، والكافي لابن قدامة (2/756)، ومجموع الفتاوى (30/209)، واقتضاء الصراط المستقيم (1/247)، وزاد المعاد (5/782)، والإنصاف (11/212)، وكشاف القناع (6/317).
(44) مجموع الفتاوى (28/666)و (29/291-292) و(29/308-309) و(30/209)، واقتضاء الصراط المستقيم ص(265).
(45) زاد المعاد في هدي خير العباد (5/778)، وأحكام أهل الذمة (1/574)، ومدارج السالكين (1/390).
(46) زاد المعاد في هدي خير العباد (5/779).
(47) هكذا في مجموع الفتاوى، ولعل الصواب: (إن كان عيناً أو منفعةً مباحة).
(48) يلاحظ هنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يُفْتِ بملكية هذا المال الخبيث مع كونها جاهلة وقد تابت وحافظت على حدود الله، وذكر في موضع آخر(22/8) أن من تاب على أموال محرمة قبضها في حال الفسق أنه يملكها؛ لأن التوبة تهدم ما كان قبلها وأنه ليس بأولى من الكافر، والفرق بين القولين - والله أعلم - أن وجوب التخلص إنما هو في العين والمنفعة المحرمة في أصلها كمهر البغي ... أوكان المال موجوداً وأمكن التخلص منه، وقوله الآخر محمول على ماكان محرماً في وصفه دون أصله أو حرم لكسبه أو كان المال المحرم قبض في حال الفسق منذ زمن بعيد ولم يمكن تمييزه، أو يكون هذا رأي آخر له في المسألةوالله أعلم.
(49) رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ (كتاب المساقاة -باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي) (3/1199).
(50) مجموع الفتاوى (29/308).
(51) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/247).
(52) أحكام أهل الذمة(1/575).
(53) مدارج السالكين (1/390).
(54) زاد المعاد (5/779) بتصرف يسير، وانظر مدارج السالكين (1/390).
المصدر : موقع المسلم
==============
تحذير الجالية من المنكرات السارية (1)
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنَّ إلا و أنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثَّ منهما رجالاً كثيراً و نساء ، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1 ] .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ( و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً (} [ الأحزاب :70،71 ] .
أمّا بعد فيا أمّة الإسلام :
كُتب علينا أن نعيش بين ظهرانيْ المشركين و هو كُرهٌ لنا ، لما جاء من التحذير منه ، و النكيرِ على من أَلِفه ، فقد روى أبو داود و الترمذي بإسناد صحيح عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجلي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قَالَ : « أَنَا بريء مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ » . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ؟ قَالَ : « لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا » .
و ما ظنّكم بمن برئت منه ذمّة رسول الله ، كيف يكون في الحياة حالُه ، و إلام يَصير في الآخرة مآله .
ما لم يكن في الهديِ هديِ محمّدٍ *** ما يَعصِمُ العَبدَ الضعيفَ من الردى
أَرْدَتهُ أهواء النفوسِ و لم يَحُر *** بين الردى و الران غَيرَ تردّدا
ما ظنّكم بالعَبدِ منه تبرّأت *** ذِممٌ أيُفلِتُ منْ هلاكٍ إن عَدا
فكم من اخوةٍ لنا ضاعوا في غربتهم ، و أضاعوا ما ائتمنوا عليه من الأهلين و البنين ، فعاشوا غرباءَ قد ماتت الغيرة في نفوسهم ، و تبلّدت تجاه المنكرات أحاسيسهم ، فترى الواحد منهم كالكافر في ظاهره ، و قد خبا نور الإيمان في باطنه ، فلم يرفع به رأساً ، و لم يَغرس له غَرساً .
فلنحذر أن تزلّ أقدامنا ، و ننحرف عن الجادّة في مسيرنا ، فَنَقَع في حبائل الشيطان و ما أكثَرها ، و نصيرَ إلى سفاسفَ استشرفها ، فحسّنها في أعيننا و جمّلها .
قال بعض السلف : ( إنّ الشيطان يعطي العبد تسعاً و تسعين ليوقعه في واحدةٍ ) ، فإذا وقع فيها نال عقابه ، و لقي هلاكه .(2/68)
و كان مَثله كَمَثَلِ الشَّيْطَان إِذْ يُسَوّلُ للإنسان الْكُفْر فَإِذَا دَخَلَ فِيمَا سَوَّلَهُ لَهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَ تَنَصَّلَ وَ قَالَ : ( إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) . وَ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الرواة من قصص بني إسرائيل ما يصلح مثالاً لما نحن بصدده فروى اِبْن جَرِير في تفسيره عن عَبْد اللَّه بْن نَهِيك قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : إِنَّ رَاهِبًا تَعَبَّدَ سِتِّينَ سَنَة وَ إِنَّ الشَّيْطَان أَرَادَهُ فَأَعْيَاهُ فَعَمَدَ إِلَى اِمْرَأَة فَأَجَنَّهَا وَ لَهَا أخوة فَقَالَ لإخوَتِهَا : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقَسّ فَيُدَاوِيهَا قَالَ : فَجَاءُوا بِهَا إِلَيْهِ فَدَاوَاهَا ، وَ كَانَتْ عِنْده فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا عِنْدهَا إِذْ أَعْجَبَتْهُ فَأَتَاهَا فَحَمَلَتْ فَعَمَدَ إِلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَجَاءَ إخوتها ، فَقَالَ الشَّيْطَان لِلرَّاهِبِ : أَنَا صَاحِبك ، و إِنَّك أَعْيَيْتنِي ، أَنَا صَنَعْت هَذَا بِك فَأَطِعْنِي أُنْجِك مِمَّا صَنَعْتُ بِك فَاسْجُدْ لِي سَجْدَة فَسَجَدَ ، فَلَمَّا سَجَدَ لَهُ ، قَالَ : ( إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) فَذَلِكَ قَوْله تعالى : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإنسان اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) . وَ روى اِبْن جَرِيرٍ أنّ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رضي الله عنه قال فِي هَذِهِ الآية : كَانَتْ اِمْرَأَة تَرْعَى الْغَنَم وَكَانَ لَهَا أَرْبَعَة إخوة وَكَانَتْ تَأْوِي بِاللَّيْلِ إِلَى صَوْمَعَة رَاهِب قَالَ فَنَزَلَ الرَّاهِب فَفَجَرَ بِهَا فَحَمَلَتْ فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ لَهُ اُقْتُلْهَا ثُمَّ اِدْفِنْهَا فَإِنَّك رَجُل مُصَدَّق يُسْمَع قَوْلك فَقَتَلَهَا ثُمَّ دَفَنَهَا قَالَ فَأَتَى الشَّيْطَان إخوتها فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ الرَّاهِب صَاحِب الصَّوْمَعَة فَجَرَ بِأُخْتِكُمْ فَلَمَّا أَحْبَلَهَا قَتَلَهَا ثُمَّ دَفَنَهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ رَجُل مِنْهُمْ وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت الْبَارِحَة رُؤْيَا مَا أَدْرِي أَقُصّهَا عَلَيْكُمْ أَمْ أَتْرُك ؟ قَالُوا لا بَلْ قُصَّهَا عَلَيْنَا قَالَ فَقَصَّهَا فَقَالَ الآخر وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ فَقَالَ الآخر وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ قَالُوا فَوَ اَللَّهِ مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ قَالَ فَانْطَلَقُوا فَاسْتَعْدَوْا مَلِكهمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِب فَأَتَوْهُ فَأَنْزَلُوهُ ثُمَّ اِنْطَلَقُوا بِهِ فَلَقِيَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ إِنِّي أَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُك فِي هَذَا وَلَنْ يُنْجِيك مِنْهُ غَيْرِي فَاسْجُدْ لِي سَجْدَة وَاحِدَة وَأُنْجِيك مِمَّا أَوْقَعْتُك فِيهِ قَالَ فَسَجَدَ لَهُ فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ مَلِكهمْ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَأُخِذَ فَقُتِلَ .
إنّها حبائل إبليس ، و تلبيسات الخسيس ، فالحذارِ الحذار ، و إلا فالنّار و العار و الشنار و الدمار .
و من تلبيس إبليس على العباد تزيين الباطل لهم ، و تقريب الذرائع ليوقعهم ، حتى يتوسّعوا في الرخص ، فيصيروا إلى الحِيَل ، و يقعدوا عن النوافل ، فيصيروا إلى ترك ما وجب من العمَل .
و إذا اجتمعت على المرء غربة الدين و غربة الدار ، صار إلى حالٍ ليس لها من دون الله كاشفة ، ما لم يُقيَّض له من يُمسك بيده ، أو يأخذ عن النار بحُجَزه ، فيقف بالنصيحة إلى جانبه ، يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر ، يعينه إن ادّكر ، و يواسيه إن صَبَر .
و من هذا الباب تأتي موعظتنا الساعةَ ، حبّاً في الخير للغير ، فقد روى الستة و أحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أنّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ، و دعوةً إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، رجاء أن نكون من المصلحين ، كي لا يعمّنا الله بعذاب من عنده ، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون َ [هود:117] .
و روى أحمد و أبو داود و الترمذي ، و اللفظ له عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قَالَ : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
فمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فقد أدى ما أمره الله به في هذا الباب ، و وجب عليه برّ من استجاب لدعوته و الإحسانُ إليه و من أصرّ على ما وقع فيه من المنكرات ، و أعرض عمّا أقيم عليه من الحجج البيّنات ، و جب زجرُه بهجرِه ، لما رواه أبو داود بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهِ وَ دَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ » .
و ممّا شاع بين المسلمين في زماننا و مُقامنا هذا طلبُ المال من غير حلّه ، و من ذلك الحصول عليه بوسائل غير مشروعة ، قائمةٍ على التحايل و التطاول تارةً ، و على التذلّل و الانكسار للكفّار ، و امتهان النفس أمامهم تارة أخرى ، فضلاً عن مباشرة العمل المحرّم ، و منه الأعمال التابعة للكنائس ، و إن بدا أنّها أعمال برٍّ و إنسانيّة ، و كذا العمل في المطاعم و المقاهي و النوادي ، التي تقدّم المحرّمات و تسوّقها ، فهل ضاقت الأرزاق على المسلم حتى يمتهن نفسه ، و يعمل نادلاً يقدم الخمرة للسكارى ، أو يُعلّب أو يطهو أو يقدّم للنزلاء لحوم الميْتَةِ و الكلاب و الخنازير ، طلباً لدُريهمات لا بركة فيها ، و لا يحلّ اكتسابها أصلاً ، فإنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّمه ثمنه و الإعانة عليه ، و من ذلك تحريم ثمن الكلب ، و مهر البغيّ ، و حلوان الكاهن ، الثابت في سنن أبي داود و النسائي و مسند أحمد بإسنادٍ صحيح .
و مثل ذلك لعنُ عشرةٍ بسبب الخمرة ، فقد روى الترمذي و ابن ماجة و أحمد عن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : « لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِىَ لَهَا وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ » .
و ممّا ابتليت به الأقليّة الإسلاميّة في ديار الغرب ، الوقوع في الربا بصورة أو أخرى ، و أبواب الربا كأبواب الشرك ، بضعٌ و سبعون باباً ، كما صح بذلك الخبر ، الذي رواه الحافظ المنذري في ( الترغيب و الترهيب ) .(2/69)
فليحذر المتعاملون مع المصارف الربويّة من الوقوع تحت طائلة حرب لا هوادة فيها ، أعلنها الله تعالى عليهم ما لم يبادروا بالتوبة ، فقد قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ البقرة ] .
روى ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين قول ابْن عَبَّاس فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ أَيْ اِسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَرَسُوله ، و قَولَه : فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الرِّبَا لا يَنْزِع عَنْهُ كَانَ حَقًّا عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبهُ فَإِنْ نَزَعَ وَإِلا ضَرَبَ عُنُقه ، وَ روى ابن أَبِي حَاتِم عَنْ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالا : وَ اَللَّه إِنَّ هَؤُلاءِ الصَّيَارِفَة لأكَلَة الرِّبَا وَ إِنَّهُمْ قَدْ أَذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَ رَسُوله وَ لَوْ كَانَ عَلَى النَّاس إِمَام عَادِل لاسْتَتَابَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَ إِلا وَضَعَ فِيهِمْ السِّلاح . وَ قَالَ قَتَادَة : إِيَّاكُمْ وَ مُخَالَطَة هَذِهِ الْبُيُوع مِنْ الرِّبَا فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَوْسَعَ الْحَلال وَ أَطَابَهُ فَلا تُلْجِئْنَكُمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ فَاقَةٌ .
و ممّا لا ريب فيه أن جلَّ التعاملات المصرفيّة المعاصرة ذاتُ شائبةٍ ربويّةٍ ، ما لم تكن من الربا المحض ، باستثناء تعاملات المصارف الإسلاميّة التي لا وجود لها في هذه الديار .
و من المعاملات المحرّمة في هذا الباب إيداع الأموال في المصارف و الاقتراض منها من غير ضرورة ، أو تجاوز الضرورات إلى الكماليّات ، كالتوسع في شراء المساكن و المراكب و الأثاث ، و تسديد قيمتها بزيادةٍ ربويّة عليها ، فليحذر الذين تورّطوا في شيء من ذلك ، و ليتقوا الله ، فلا يَطْعَموا حراماً ، أو يُطعموه من يعولون من الأهلين و البنين .
و لا يظن أحدٌ منهم أنّ تنازله عن الزيادة الربويّة لصالح المصرف أو إخراجَها في وجه من وجوه البر و الصلة بدون توبةٍ ، يخرجه من المحظور ، و يبيح له متابعة تعامله مع ذلك المصرف ، لأنّ التعامل بالربا أو المساعدة عليه أو المساهمة فيه سواءٌ في الحرمة ، فقد روى مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه ، قَال : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ سَوَاءٌ ) ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيّها المؤمنون لعلّكم تُفلحون .
إنّ الحرامَ إذا أطعَمتَهُ وَلَدا
شبَّ الصغيرُ على استمرائِهِ و غَدا
يَسعَى لِيُحرِزَه ما عاشَ مجتهِدا
و يُشيحُ مُعتَرِضاً عمّا سواهُ غدا
فاتقوا الله ياعباد الله ، و طهّروا أنفسكم و أموالكم ممّا يوقع في سخط الله ، و اعلموا أنّ الحرام للبركة مُمحِقة ، و أن المعاصي لأسباب السعادة مُسحقة ، و الندامة بمقترفها لاحقة .
وفّقني الله و إيّاكم لخيرَيْ القول و العمَل ، و عصمنا من الضلالة و الزلل
و صلّى الله و سلّم و بارك على نبيّّّه محمّد و آله و صحبه أجمعين
الخطبة الثانية
أمّةَ الإسلام !
اتقوا الله ، و طهّروا أنفسكم و أموالكم ممّا يوقع في سخط الله ، و اعلموا أنّ الحرام للبركة مُمحِقة ، و أن المعاصي لأسباب السعادة مُسحقة ، و أنّ الندامة بمقترفها لاحقة .
و من الخُسران المُبين ، أن يُصاب المرء في عَقِبِه ، فيفسد أبناؤه ، و يُحرم الانتفاع بدُعائهم بعد وفاته ، و ما الإقامة بين ظهرانَي الكافرين إلا مظنّة لذلك ، فكم من أبٍ مسلم تنصّر أبناؤه ، أو انحرفوا خُلُقيّاً بعد أن فرّط في شبابه ، و لم يُفِق إلا بعد وقوع الفأس في الرأس ، حين لم يَعُد يقوى على التدارك بعد التهالك .
ماذا أقول و قد استفتاني رجلٌ في حُكم الإجهاض ، بعد أن تحرّك بين أحشاء ابنته ذاتِ الأربعةِ عشرَ خريفاً جنين من أب كاثوليكي .
أأفتيه فيما سأل ، و أغفلُ بيانَ السبب ، و هو تفريط الأب في زمن الشباب ، حيث لم يُحسن اختيار الأمّ ، و لا تربية الأبناء ، و زجّ بهم في مدارس النصارى ، و غَمَسَهُم في مستنقع آسن بالمنكرات ، ينهلون من منابع الانحلال ، و يجارون الكفرة في الزي و الأخلاق .
و ماذا أقول لمن فرّت ابنته القاصر مع عشيقها إلى بلَدٍ مجاور ، و حَظَرت الشُرَطُ عليه الاقتراب من منزلها ، و إلا غُلّت يداه بالقيود ، و زُجّ به خلف قضبان الحديد .
ماذا أقول ، و ما ذا أقول ، و قلبي يتفطّر ألماً حينما تُعرض عليّ أحوال المسلمين ، و قد تردّت ، و تفشّت في كثيرٍ منها مظاهر الخذلان و الذوبان في مجتمعٍ لا يعرف قِيَماً ، و لا يرعى حُرَماً .
ماذا أقول و قد أودى بيَ الألمُ *** و الدمعٌ منهملٌ و الخَطبُ يَحتَدِمُ
أبكي على الجيل قد تاهت مواكبُهُ *** فبات لا خُلُقٌ يراهُ أو قِيَمُ
في الطيشِ مُنغَمِساً للغرب مُتّبِعاً *** لم يَرعَََ مُعتَقداً صينَتْ به الحُرَمُ
و من الأمراض السارية في جسد الجاليات المسلمة خارج ديار الإسلام - يا عباد الله - ضعفُ التأثّر بما يجري للمسلمين في أنحاء العالم من مصائب و نكبات ، و عدَم التفاعل مع قضاياهم ، أو مشاركتهم آلامهم و آمالهم ، مع أنّ الاهتمام بأمر المسلمين من واجباتهم على التعيين .
و من المؤسف المؤلم أن يُدافع العالم عن حفنة من اليهود ، و يدافع مليار وثنيٍّ عن بقرة تنحر في كشمير ، بينما يغفو العالم ، و نغفوا معه عندما تمتهن كرامة المسلمين ، و تُدنّس حُرُماتهم و مقدّساتهم .
قد هَمَست في أُذُني أمّي
في زَمَن الحربِ المستعرة
لو أنّ بساحتنا بَقَرة
قد وَخَزَتها يوماً إبرة
أو نَزَفت من دَمها قَطرة
أو فقدت من ذَيلٍ شعرة
لرأيتَ الهندوس جميعاً
يأتون إليها بالنُصرة
لو أنّ بساحتنا نِفطٌ
أو مِنجَم فحمٍ أو دُرّة
لرأيتَ القاصيَ و الداني
يُطفون النار المستعرة
لو أنّ هنا نجمة داوود
أو حفنةُ حقّادٍ و يهود
لرأيتَ العالَم يا وَلدي
يتفانى في نصر التِلمود
أمّا الإسلام فوا أَسَفاً
قد رُميَ على حين الغُرّة
إذ ليس له من ينصُرُه
أو يَرفعُ في الدنيا أمره
ألا و صلّوا و سلّّموا على نبيكم الأمين ، فقد أُمرتم بذلك في الذكر الحكيم ، فقال ربّ العالمين : ( إنّ الله و ملائكته يصلُّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ) و على آله و صحبه أجمعين .
----------------
(1)( خطبة الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد دَبلِن بإيرلندا في السابع من صفر الخير عام 1423 للهجرة ، الموافق للتاسع عَشَر من نيسان 02 20 للميلاد )
كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
============
المساهمة في شركات أصل نشاطها مباح
خالد بن إبراهيم الدعيجي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه المسألة من المسائل النازلة التي تحتاج إلى بسط في إجابتها، فأقول وبالله التوفيق:(2/70)
هذا النوع من الشركات اختلف فيه العلماء المعاصرون اختلافًا كبيرًا، وقبل أن نبدأ في ذكر الأقوال في هذا النوع من الشركات يحسن بنا أن نحرر محل النزاع في هذه المسألة: أن المساهمة في الشركات التي يغلب عليها المتاجرة بالأنشطة المحرمة، محرمة ولا تجوز لما فيها من الإعانة على الإثم والعدوان.
وأن من يباشر إجراء العقود المحرمة بالشركة- كأعضاء مجلس الإدارة الراضين بذلك- أن عملهم محرم، قلّت نسبة الحرام في الشركة أم كثرت.
وأن الاشتراك في تأسيس شركات يكون من خطة عملها أن تتعامل في جملة معاملاتها بالعقود المحرمة، أو كان منصوصًا في نظامها على جواز ذلك، فإن هذا الاشتراك محرم.
وأن المساهم لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يدخل في ماله كسب الجزء المحرم من السهم ، بل يجب عليه إخراجه والتخلص منه، حتى على القول بجواز مساهمته.
واختلفوا في حكم المساهمة في الشركات المشروعة من حيث الأصل لكنها تتعامل في بعض معاملاتها بالأنشطة المحرمة أو تقترض أو تودع بالفوائد على قولين:
القول الأول : الجواز
وممن ذهب إلى هذا القول : الهيئة الشرعية لشركة الراجحي، والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني ، والمستشار الشرعي لدلة البركة ، وندوة البركة السادسة، وعدد من العلماء المعاصرين منهم الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله.
وقد اشترط أصحاب هذا القول شروطًا ؛ إذا توفرت جاز تداول أسهم هذا النوع من الشركات، وإذا تخلف منها شرط لم يجز، و منها:
ما جاء في قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية رقم (485)
يجب أن يراعى في الاستثمار والمتاجرة في أسهم هذا النوع من الشركات المساهمة الضوابط التالية:
إن جواز التعامل بأسهم تلك الشركات مقيد بالحاجة، فإذا وجدت شركات مساهمة تلتزم اجتناب التعامل بالربا وتسد الحاجة فيجب الاكتفاء بها عن غيرها ممن لا يلتزم بذلك.
ألا يتجاوز إجمالي المبلغ المقترض بالربا- سواء أكان قرضًا طويل الأجل أم قرضًا قصير الأجل- (25%) من إجمالي موجودات الشركة، علمًا أن الاقتراض بالربا حرام مهما كان مبلغه.
ألا يتجاوز مقدار الإيراد الناتج من عنصر محرم (5%) من إجمالي إيراد الشركة، سواء أكان هذا الإيراد ناتجًا عن الاستثمار بفائدة ربوية أم عن ممارسة نشاط محرم أم عن تملك المحرم أم عن غير ذلك .
وإذا لم يتم الإفصاح عن بعض الإيرادات فيجتهد في معرفتها، ويراعي في ذلك جانب الاحتياط.
ألا يتجاوز إجمالي حجم العنصر المحرم- استثمارًا كان أو تملكًا لمحرم- نسبة (15%) من إجمالي موجودات الشركة.
والهيئة توضح أن ما ورد من تحديد للنسب في هذا القرار مبني على الاجتهاد، وهو قابل لإعادة النظر حسب الاقتضاء
وذهبت الهيئة الشرعية لدلة البركة إلى التفريق بين الأنشطة المحرمة التي تزاولها الشركة:
فإن كان أصل نشاطها مباحًا، ولكنها تتعامل بجزء من رأس مالها مثلًا بتجارة الخمور، أو إدارة صالات القمار، ونحوها من الأنشطة المحرمة، فلا يجوز تملك أسهمها ولا تداولها ببيع أو شراء.
أما إن كانت تودع أموالها في البنوك الربوية، وتأخذ على ذلك فوائد، أو أنها تقترض من البنوك الربوية، مهما كان الدافع للاقتراض، فإنه في هذه الحالة يجوز تملك أسهمها بشرط احتساب النسبة الربوية وصرفها في أوجه الخير.
واستدل أصحاب هذا القول بقواعد فقهية عامة ، منها:
-1 قاعدة: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة". وقالوا: إن حاجة الناس تدعو للمساهمة بهذه الشركات.
-2 قاعدة: يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا". وقالوا: إن الربا في هذه الشركات تابعٌ غير مقصود فيعفى عنه.
-3 قاعدة: اختلاط الجزء المحرم بالكثير المباح لا يصير المجموع حرامًا".
فقالوا : إن الربا في هذه الشركات يسير جدًّا فيكون مغمورًا في المال المباح الكثير.
القول الثاني:
يرى جمهور العلماء المعاصرين، وعدد من الهيئات الشرعية تحريم المساهمة في الشركات التي يكون أصل نشاطها مباحًا، إذا كانت تتعامل ببعض المعاملات المحرمة كالإقراض والاقتراض بفائدة، فيحرم الاكتتاب بها، وبيعها وشراؤها وامتلاكها.
وممن ذهب إلى هذا القول: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة، وعلى رأسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي، والهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، وعدد من الفقهاء المعاصرين.
وأصدر مجمعان فقهيان مشهوران قرارين يقضيان بتحريم هذا النوع من الشركات، وهذان المجمعان يحويان ثلة من علماء العصر المعتبرين، فأما المجمع الأول فهو:
المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ونص قراره هو: ( الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة ) .
وأما المجمع الثاني فهو : المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ونص قراره هو : ( لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا،وكان المشتري عالمًا بذلك
واستدل أصحاب هذا القول:
1- أدلة تحريم الربا في الكتاب والسنة ، وقالوا : إن هذه الأدلة لم تفرق بين قليل أو كثير، وبين تابع أو مقصود .
-2قول الله تعالى: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (المائدة: 2) .
وعن جابر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ)) . رواه مسلم (1598) .
ووجه الدلالة من هذين النصين : أن الذي يساهم في الشركات التي تتعامل بالمحرمات معين لها على الإثم، فيشمله النهي.
3- قوله عليه الصلاة والسلام : (( دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِن سِتٍّ وثَلاثِين زَنْيةً)). أخرجه أحمد (21957) ، والدارقطني 3/16، والطبراني في الأوسط (2628).
ووجه الدلالة منه : أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، عد أكل درهم واحد من الموبقات، ورتب عليه هذا الوعيد الشديد، فكيف بمن يضع المئين والآلاف من أمواله في المصارف الربوية؟ وإخراج قدر الحرام تخمين، فمن غير المستبعد أن يدخل ماله شيء من الحرام.
بقي أن يقال:
إن أصحاب القول الأول اشترطوا في جواز المشاركة بمثل هذه الشركات: أن يتخلص المساهم من الكسب المحرم.
ومما يؤكد أن هذا الاشتراط افتراضي وليس واقعيًّا، أنه يستحيل تحديد مقدار الكسب المحرم من عوائد السهم.
ونحن هنا في مقام لا يحتمل الظن والتخمين، بل لا بد من القطع واليقين.
وإيجاب البعض- عند الجهل بالحرام- إخراج نصف ربح السهم أو ثلثه فهم قالوا به من باب الاحتياط، وهو نافع في حالة وجود أرباح حقيقية للشركة من النشاط المباح، وهو أيضًا غير شاق من الناحية العملية، إلا أنه غير عملي ولا يفي بالغرض في صورتين:
الأولى : عندما لا تحقق الشركة أرباحًا تذكر من مبيعاتها في بعض السنوات، فتبقى معتمدة في توزيعات الأرباح على فوائد الودائع، والسندات البنكية والأوراق قصيرة الأجل ذات الدخل الثابت.
الثانية: كما أن بعض الشركات تقوم بتوزيع الأرباح قبل البدء بتشغيل منشآتها وهذه الأرباح تحصلت عليها من إيداع رأس المال في البنوك.
وعليه: إذا كان الأمر محتملًا فلا يكفي التقدير في هذه الحالة.(2/71)
أما تحديد مقدار الكسب الحرام، كما تفعله بعض الهيئات الشرعية، من أجل دقة التخلص من الحرام فهو متعذر؛ لأمور، منها:
- أن جميع المجيزين يفترضون أن الشركة تودع وتأخذ فوائد، فيوجبون على المساهم إخراج ما يقابل نصيب الودائع من الأرباح.
فإذا كانت الشركة تقترض من البنوك لتمويل أعمالها، أو لإجراء توسعات رأسمالية ونحو ذلك، فما السبيل لتحديد ما يقابل هذه القروض من الأرباح؟
- أن أغلب المستثمرين يشترون الأسهم بقصد الحصول على الأرباح الرأسمالية، أي فرق السعر بين الشراء والبيع، ومن المتعذر في هذه الحالة تحديد مقدار الكسب الحرام، لاسيما وأن من العوامل المؤثرة على القيمة السوقية للسهم مدى قدرة الإدارة على الحصول على التسهيلات والقروض البنكية.
- إذا خسرت الشركة، فما هو نصيب الكسب الحرام من هذه الخسارة؟ إذا علمنا أن إيرادات الودائع والسندات ثابتة، فهذا يعني أن الخسارة على من يريد التخلص من الربا ستكون مضاعفة.
- ومن المعتاد أن الشركة تستثمر جزءًا من أموالها في شركات تابعة أو شركات زميلة أو في صناديق استثمارية بالأسهم أو السندات، وقد تكون تلك الأسهم لشركات ذات أنشطة محرمة أو ذات أنشطة مباحة وتتعامل بالفوائد، وهكذا تمتد السلسلة إلى ما لا نهاية، ويصبح تحديد الحرام في هذه السلسلة من الشركات أشبه بالمستحيل.
وأيضًا لو فرضنا أنه يمكن التخلص من الأرباح المحرمة الربوية، فهو تخلص من الأكل للربا، لكن هذا المساهم قد شارك في دفع الربا للممولين للشركة، فهو وإن لم يأكله فقد آكله، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم الأمرين فهو لعن آكل الربا ومؤكله. أخرجه مسلم (1597) .
الترجيح:
من خلال استعراض بعض أدلة القولين يتبين ما يلي:
أن القول الأول يتوجه القول به بالشروط التالية:
- إذا لم توجد شركة مساهمة لا تتعامل بالربا إيداعًا واقتراضًا، حيث كانت جميع شركات السوق مما يتعامل بالربا.
- وهذا الشرط منتف في هذا العصر حيث أثبتت دراسة أجريتها نشرها الموقع، أنه توجد شركات مساهمة معاملاتها حلال بالكامل، ومما يؤيد هذا الشرط أن الهيئة الشرعية للراجحي ذكرت في قرارها رقم (485) : ( إن جواز التعامل بأسهم تلك الشركات مقيد بالحاجة، فإذا وجدت شركات مساهمة تلتزم اجتناب التعامل بالربا وتسد الحاجة فيجب الاكتفاء بها عن غيرها ممن لا يلتزم بذلك .
- إذا كان نظام الدولة يجبر الشركات أن تودع جزءًا من أموالها في البنوك الربوية ويجبرهم أيضًا بأن تدخل الفوائد ضمن أرباح المساهمين.
وهذا الشرط حسب علمي غير موجود في هذا العصر، لانتشار البنوك الإسلامية، ومن ثم انتشار المعاملات الإسلامية المصرفية.
- ألَّا تجد الشركة بدًّا من إتمام عملياتها إلا عن طريق الاقتراض بالربا.
وهذا الشرط منتف في هذا العصر؛ إذ وجدت بنوك إسلامية تمول الشركات بالطرق المباحة: كالمرابحة، وعقود الاستصناع، والسلم، والمشاركة المنتهية بالتمليك، والإجارة المنتهية بالتمليك، وغير ذلك مما جاءت شريعتنا بإباحته.
- ثم إن المتأمل في القول الأول يجد: أن القول به كان في فترة فشا فيها الربا، والبنوك الإسلامية لم تقم على ساقيها، أما في هذه المرحلة فالأمر عكس ذلك، فنحمد الله عز وجل أن انتشرت هذه البنوك الإسلامية في أنحاء الأرض، فأيهما أسهل بالله عليكم تحويل بنك ربوي إلى بنك إسلامي أم تحويل شركة تتعامل بالربا إلى شركة خالية من ذلك؟ لاشك أنه الثاني.
فالذي يظهر لي رجحان القول الثاني ، وهو حرمة المساهمة في الشركات التي يكون أصل نشاطها مباحًا، وتتعامل بالفوائد أو بغيرها من المعاملات المحرمة، لعموم الأدلة الشرعية في تحريم الربا قليله وكثيرة ، فلم تستثن تلك الأدلة ما كان تابعًا أو مغمورًا أو يسيرًا.
وبالتالي يحرم المتاجرة والاستثمار بهذه الأسهم من هذا النوع من الشركات.
وأما الأسهم التي عندك من التأسيس فما استلمته من أرباح سابقة، وهي أرباح ربوية وأنت لا تعلم عنها فلا بأس عليك فيها، ويجب عليك التخلص من هذه الأسهم وبيعها. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: شبكة نور الإسلام
================
التأخر في الإنجاب حتى قضاء الديون
السؤال :
هل علي أن أتريث ولا أحاول أن يكون لي أطفال, بسبب مخاوفي ألا أوفر للأطفال الذين قد يرزقني الله بهم مناخا إسلاميا في العائلة؟ علي ديون من الماضي وأنا أسددها بالإضافة إلى الفوائد التي عليها. وأنا أظن أنه يجدر بي أن أنتظر على إنجاب الأطفال حتى أتمكن من سداد الديون. فما هو رأيك في ذلك ؟.
الجواب :
الحمد لله
قال تعالى : ( وما من دابة إلا على الله رزقها ) ، وقال تعالى : ( وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) ، وقال تعالى : ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )
وقال تعالى : ( فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له ) .
وقد ذم الله أهل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر ونهى عن صنيعهم ، قال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) . وأمر الله عباده بالتوكل عليه في جميع الأمور وهو الكافي لمن توكل عليه ، قال تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ، وقال تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .
فعليك أيها الأخ السائل أن تتوكل على مولاك في حصول رزقك ورزق أولادك ، ولا يمنعك الخوف من الفقر من طلب الأولاد والتسبب في الإنجاب فإن الله قد تكفل برزق الجميع ، وفي ترك الإنجاب خوفا من الفقر مشابهة لأهل الجاهلية . ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن الاقتراض بالفائدة هو من الربا الذي توعد الله أهله بأليم العقاب ، وهو أحد السبع الموبقات أي المهلكات ، قال عليه الصلاة والسلام : " اجتنبوا السبع الموبقات ..... إلى قوله وأكل الربا " . وقال عليه الصلاة والسلام : " لعن الله آكل الربا وموكله ... " الحديث . وإن أكل الربا من أعظم أسباب الفقر ، ومحق البركة كما قال تعالى : ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) . وأظنك لا تعرف حكم الاقتراض بالفائدة فاستغفر الله مما مضى ، ولا تعد ، واصبر وانتظر من ربك الفرج واطلب الرزق من عنده ، وتوكل عليه إن الله يحب المتوكلين .
كتبه
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن بن ناصر البراك
=============
استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم
فتاوى الأزهر - (ج 7 / ص 238)
استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم
المفتي
عبد المجيد سليم .
ربيع الأول 1364 هجرية - 12 مارس 1945 م
المبادئ
1 - استثمار المال فى المصارف من الربا المحرم شرعا .
2 - استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا كذلك
السؤال
من عمر ب .
من عمان شرق الأردن قال تأسست فى مدينة عمان جمعية باسم (جمعية الثقافة الإسلامية) غايتها إنشاء جامعة لتدريس العلوم العربية والشرعية ، وقد جمعت مبلغا من المال أودعته فى أحد البنوك المحلية ولما لم يتيسر لها البدء فى العمل حتى الآن وكانت أموالها معطلة بلا فائدة وكان من الممكن الحصول على فائدة من المصرف الموجودة به الأموال بحيث ينمو هذا المال إلى أن يتيسر إنفاقه فى سبيله لذلك رأت الجمعية أن تسترشد رأى سماحتكم مستعملة عما إذا كان يجوز لها تنمية المال المذكور بالصورة المذكورة أسوة بأموال الأيتام التى تنمو بمعرفة الموظف المخصوص لدى المحكمة الشرعية
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .(2/72)
ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة غير جائز لأنه من قبيل الربا المحرم شرعا كما لا يجوز استثمار أموال اليتامى بالطريق المذكورة .
هذا وأن فيما شرعه اللّه تعالى من الطرق لاستثمار المال لمتسعا لاستثمار هذا المال كدفعه لمن يستعمله بطريق المضاربة الجائزة شرعا أو شراء ما يستغل من الأعيان إلى أن يحين الوقت لاستعماله فيما جمع من أجله فيباع حينئذ وبهذا علم الجواب .
واللّه أعلم
=============
هل العائد من البنوك الإسلامية من باب الربا؟
فتاوى معاصرة - (ج 1 / ص 186)
الموضوع: هل العائد من البنوك الإسلامية من باب الربا؟
السؤال:
اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت - المقيد برقم 17 لسنة 2004 المتضمن :- أضع نقودي في بنك مصر فرع المعاملات الإسلامية في دفتر توفير بنظام الوكالة وبسعر عائد متغير يتم تحديده كل سنة ويشترط البنك على نفسه أن يوظف المال فيما أحله الله فهل عائد هذه الأموال ربا أم لا ؟
المفتي : فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
لا مانع شرعاً للسائل أن يودع أمواله في البنوك الإسلامية وأن يأخذ ربح هذا المال حتى وإن كان لا يعرف كيف يتم استثماره مادام القائمون على العمل في هذه البنوك قد تعهدوا أن كل معاملاتهم لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
( قلت : كذبت ايها المفتي الفاسق ))
==============
الفرق بين الربا والرشوة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 375)
الربا
السؤال الأول من الفتوى رقم (9374)
س1: ما الفرق بين الربا والرشوة، وهل أنكر الإسلام الرشوة، وما حكمها في الإسلام؟
ج1: أولًا: الربا معناه في اللغة: الزيادة، وهو شرعًا قسمان: ربا فضل، وربا نسأ، فربا الفضل هو: بيع مكيل مطعوم بمكيل مطعوم من جنسه، مع زيادة في أحد العوضين، وبيع موزون بموزون من جنسه، مع زيادة أحد العوضين، كذهب بذهب، أو فضة بفضة، مع زيادة أحد العوضين، وربا النسأ: بيع مكيل مطعوم بمكيل مطعوم، مع عدم التقابض في مجلس العقد، سواء اتحد جنس العوضين أو اختلف، وبيع موزون بموزون من ذهب أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، مع عدم القبض في مجلس العقد، سواء اتفق الجنس أو اختلف.
=============
سبب تحريم الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 379)
السؤال السادس من الفتوى رقم (9450)
س6: ما سبب تحريم الربا؟
ج6: يجب على المسلم التسليم والرضا بأحكام الله سبحانه ولو لم يعرف علة الوجوب أو التحريم، لكن بعض الأحكام تكون علة التحريم ظاهرة، كما في تحريم الربا، حيث فيه استغلال حاجة الفقير، ومضاعفة الدين عليه، وما ينشأ عن ذلك من العداوة والبغضاء، وفي تعاطي الربا ترك العمل والاعتماد على الفوائد الربوية، وعدم السعي في الأرض، وغير ذلك من المضار والمفاسد العظيمة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
الربا ثلاث وسبعون بابا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 380)
السؤال الثاني من الفتوى رقم (9636)
س2: قيل في أحد الأحاديث عن الرسول في موضوع الربا: أن الربا ثلاثة وسبعون بابًا. ما هي هذه الأبواب بالتفصيل لكي يتجنبها الناس، والعمل على الابتعاد عن الوقوع فيها؟
ج2: حديث: « الربا ثلاث وسبعون بابا » رواه ابن ماجه عن ابن مسعود ورواه الحاكم بزيادة: « أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم » (1) ، ذكرهما السيوطي في (الجامع الصغير) ، ورمز للأول بالضعف، ولرواية الحاكم بالصحة، ونقل المناوي في (الفيض) عن الحافظ العراقي : أن إسنادهما صحيح، والمراد بالربا: إثم الربا، قال الطيبي : لا بد من هذا التقدير؛ ليطابق قوله: « أن ينكح » ، ويدل لذلك رواية: « الربا سبعون حوبًا » عن ابن ماجه، والحوب: الإثم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
_________
(1) ابن ماجه 2 / 764 برقم (2274، 2275)، والحاكم 2 / 37، والأصبهاني في (تاريخ أصبهان) 2 / 61 من حديث عبد الله رضي الله عنه. وروى الطبراني في (الكبير) بعضه موقوفًا على عبد الله رضي الله عنه 9 / 321 برقم (9608)، ورواه الطبراني في (الأوسط)، من حديث البراء رضي الله عنه 7 / 158 برقم (7151) (ط: دار الحرمين)، ورواه ابن الجارود في (المنتقى) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 2 / 219-220 برقم (647).
-==============
ما هي الأشياء التي يحرم فيها الربا؟
السؤال الثالث من الفتوى رقم (16875)
س3: ما هي الأشياء التي يحرم فيها الربا؟
ج3: الأشياء التي يحرم فيها الربا هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا، وهي في النقدين الثمنية، وفي بقية الأصناف الكيل مع الطعمية على الصحيح من أقوال العلماء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // عضو // الرئيس //
بكر أبو زيد // عبد العزيز آل الشيخ // صالح الفوزان // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
الربا على المرابي والمقترض
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 382)
السؤال الأول والثاني من الفتوى رقم (3630)
س1، 2: هل يحرم الربا حيث وجد، وبأي صورة على الطرفين (الطرف المرابي والطرف المقترض) على الإطلاق؟ أم يحرم فقط على الطرف المرابي دون الطرف المقترض، وإن لم يكن هناك جناح ولا وزر على الطرف المقترض فهل هذا مشروط بالحاجة لهذا المال، وعدم الاستطاعة والفقر، أم ليست الحاجة شرطًا فيه؟ فإذا كان يجوز لمن كانت به حاجة فهل يجوز لمن لم تكن به حاجة شديدة الاقتراض من بنك يتعامل بالربا بفائدة سنوية مشروطة 15% في السنة مثلًا، حيث يستطيع العمل في هذا المال، وتحقيق ربح أكبر من الفائدة المشروطة 50% في السنة مثلًا، وبذلك يحقق ربحًا من خلال الفرق بين الفائدة المشروطة وبين الربح الذي حصل عليه من خلال عمله في المال المقترض 35% تبعًا للمثال المضروب، أم لا يجوز؟(2/73)
ج1، 2: أولًا: يحرم الربا حيث وجد، وبأي صورة كان، على صاحب رأس المال، ومن اقترض منه بفائدة، سواء كان المقترض فقيرًا أم غنيًا، وعلى كل منهما وزر، بل كل منهما ملعون، ومن أعانهما على ذلك، من كاتب وشاهد ملعون أيضًا؛ لعموم الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على تحريمه، قال الله تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }{ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } (1) الآيات، وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى »
_________
(1) سورة البقرة الآيتان 275 ، 276 .
رواه مسلم في صحيحه وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز » (1) رواه البخاري ومسلم وروى الإمام أحمد والبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء » ، وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء » رواه مسلم .
_________
(1) مالك 2 / 632-633، والشافعي في (المسند) 2 / 156-157، 157، وفي (الرسالة) ص276-277، برقم (758) (ت: شاكر)، وأحمد 3 / 4، 51، 53، 61، والبخاري 3 / 30-31، ومسلم 3 / 1208، 1209 برقم (1584)، والترمذي 3 / 543 برقم (1241)، والنسائي 7 / 278-279، 279 برقم (4570، 4571)، وعبد الرزاق 8 / 122 برقم (14563، 14564)، وابن أبي شيبة 7 / 101 (بنحوه مختصرًا)، وابن حبان 11 / 391، 392 برقم (5016، 5017)، وابن الجارود 2 / 226 برقم (649)، والطيالسي ص290 برقم (2181) مختصرًا، والبيهقي 5 / 276، 10 / 157، والبغوي 8 / 64-65 برقم (2061).
وورق البنكنوت في الوقت الحاضر حل محل الذهب والفضة في الثمنية، فكان الحكم فيه كالحكم فيهما، فالواجب على كل مسلم الاكتفاء بما أحل والحذر مما حرم الله عز وجل، وقد وسع الله على المسلمين أبواب العمل في الحياة لكسب الرزق، فللفقير أن يعمل أجيرًا أو متاجرًا في مال غيره مضاربة بنسبة من الربح كالنصف ونحوه، لا بنسبة من رأس المال، ولا بدراهم معلومة الربح، ومن عجز عن العمل مع فقره؛ حلت له المسألة والزكاة والضمان الاجتماعي.
ثانيًا: ليس لمسلم سواء كان غنيًا أو فقيرًا أن يقترض من البنك أو غيره بفائدة، 5% أو 15% أو أكثر أو أقل؛ لأن ذلك من الربا، وهو من كبائر الذنوب، وقد أغناه الله عن ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلال كما تقدم، من العمل عند أرباب الأعمال أجيرًا أو الانتظام في عمل حكومي مباح، أو الإتجار في مال غيره مضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح كما تقدم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
أكل الربا للضرورة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 416)
السؤال الثالث من الفتوى رقم (9275)
س3: هناك بعض الناس يتعاملون بالربا، ويدخلون الربا أيضًا في قاعدة: الضرورة تبيح المحظورات. فما الحكم: شخص عليه دين: إما أن يدفعه، أو يقدم للمحاكمة؛ فأخذ بالربا؟
ج3: لا يجوز التعامل بالربا مطلقًا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
=============
الشهادة على عقد الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 422)
الشهادة على عقد الربا
السؤال الأول من الفتوى رقم (10426)
س1: لقد طلب عمي أن أشهد معه في بنك من البنوك على قرض، وهذا القرض فيه فائدة (ربا)، علمًا بأن والدي وعمي في هذا المال مشتركان، ولكن منعت نفسي من الشهادة فتكونت مشاكل، فأديت الشهادة وأنا لست راضيًا عن نفسي ولا عن الشهادة، وندمت وحزنت لما بدر مني، وأنا في حيرة من أمري وفي دوامة، أرجو الإفادة.
ج1: تحرم الشهادة على عقد الربا، ويجب عليك التوبة والاستغفار مما وقع منك من الشهادة على القرض الربوي.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
=============
دفع فوائد الربا المحصول عليها مقابل فوائد الربا المطالب بها من البنك
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 500)
الفتوى رقم (7209)
س: وضعت مبلغًا من الفلوس في البنك، وحصلت عليه فوائد الربا مبلغ عشرة آلاف شلن كينيًا 10000، ولم أستعمل هذه الفوائد الربا، وتركتها كما هي وأيضًا استلمت قرضًا من البنك بفوائد الربا، ويطالبون الآن بدفع فوائد الربا مبلغ عشرة آلاف شلن كينيًا، هل يجوز لي أن أدفع فوائد الربا التي حصلت عليها بفوائد الربا المستحقة علي للبنك؟
ج: إيداعك مبالغ في البنك الربوي وأخذك فوائد عليها حرام، وأخذك قرضًا من البنك بفوائد حرام، ولا يجوز لك أن تدفع ما أخذته من الفوائد الربوية مقابل مبلغك الذي أودعته في البنك؛ تسديدًا للفوائد التي لزمتك من أجل اقتراضك مبلغًا من البنك، بل يجب عليك أن تتخلص من الفوائد التي تسلمتها عن مبلغك بإنفاقها في وجوه البر من فقراء ومساكين، وإصلاح مرافق عامة ونحو ذلك، وعليك التوبة والاستغفار واجتناب التعامل بالربا، فإنه من كبائر الذنوب، واتق الله؛ فإنه من يتقه يجعل له من أمره يسرًا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
===============
أخذ الربا لتسديد الضرائب الملزم بها
الفتوى رقم (13639)(2/74)
س: أفيد فضيلتكم أنني أحد الطلبة السعوديين الدارسين في بريطانيا ، وحيث إنه تفرض علينا ضرائب من قبل الحكومة البريطانية، مثل ضريبة الطرق وضريبة أخرى مقدارها 15% على المواد التي نقوم بشرائها غير المواد الغذائية، وملابس الأطفال، وحاليًا تم تطبيق ضريبة جديدة على الخدمات البلدية، التي تقدمها بلدية المدينة، مثل التعليم، النظافة، المسابح، المتنزهات، أماكن الترفيه والخدمات الاجتماعية، وحيث إننا لا نستفيد من معظم هذه الخدمات، حيث إنها تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، ونستفيد فقط من التعليم والنظافة وملاعب الأطفال، ومن المفروض علينا دفع هذه الضريبة والتي تتراوح ما بين 3000 إلى 4000 ريال سعودي في السنة، أي حوالي 300 ريال سعودي شهريًا، والسؤال هنا يا فضيلة الشيخ: هل يجوز لي أن أضع مبلغًا من المال في حساب الإيداع وهو حساب ربوي (يتعامل بالربا) ويعطي أرباحًا تصل إلى 12% في السنة، وأقوم بتسديد بعض هذه الضرائب من الأرباح أو الفوائد التي أتحصل عليها من هذا الحساب؟ ونظرًا لعدم استطاعتي التصرف في هذا الموضوع إلا عن بينة عملًا بقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فإني آمل من فضيلتكم التكرم بالرد على هذه الرسالة في أقرب فرصة؛ حتى يمكنني التصرف، حيث إن تسديد هذه الضرائب سوف يضيف إلى أعبائي المادية. سائلًا المولى الكريم أن يطيل في عمركم، ويمدكم بالصحة والعافية، وفي الختام تقبلوا أطيب تحياتي.
ج: لا يجوز لك أن تودع بفائدة لتسديد ما يترتب عليك من الضرائب من هذه الفائدة؛ لعموم أدلة تحريم الربا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
============
من لم يجد ما يسد حاجته إلا عن طريق الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 16 / ص 44)
السؤال الثالث من الفتوى رقم (9422)
س3: إذا كان المسلم فقيرًا ويعيش في بلد غير مسلم وليس له من يساعده ماليًا قرضًا، وإنه مجبور على استقراض مبلغ من البنك، مع دفع مبلغ زائد ربًا، فهل يجوز له دفع مبلغ زائد ربًا للبنك نظرًا إلى أن حالته الفقيرة تضطره على ذلك؟
ج3: ليس له عذر في سد حاجته عن طريق الربا، ويجب عليه التماس سبب آخر مباح، أو الانتقال إلى بلاد المسلمين إن تيسر ذلك؛ ليتعاون معهم على البر والتقوى، ويحفظ دينه عن الفتن، وينال ما فيه سد حاجته من مال وعلم، وقد قال الله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }{ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } (1) ، وقال سبحانه: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } . (2)
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
_________
(1) سورة الطلاق الآيتان 2 ، 3 .
(2) سورة الطلاق، الآية 4 .
===============
التصرف في الفوائد بعد التوبة من أخذ الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 16 / ص 60)
الفتوى رقم (4843)
س: رجل لا يعرف شيئًا عن حرمة الربا، أو يعرف وغير ملتزم بتعاليم الإسلام، ثم علم والتزم، ولكن كان في يديه حصيلة من الفوائد التي أخذها من البنك. ما هي أفضل طريقة لكي يتخلص من هذه الفوائد التي في يديه على أن لا يضع في البنك أي مبلغ بعد الآن؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا عنا وعن المسلمين.
ج: يجب عليه أن يتصدق على الفقراء والمساكين بالمال الذي حصل عليه من البنك كفوائد وهو لا يعلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
=============
جريان الربا في الورق النقدي
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 16 / ص 118)
الفتوى رقم (3291)
س: هل يقع الربا في الفلوس وفي الليرة التركية المنقوشة بصور مخصوصة، المأخوذة من القرطاس والنحاس، وكذا ريال العربية السعودية الإسلامية، المأخوذة من القرطاس والنحاس أم لا؟
كما بين في جميع الكتب الشرعية، ولا شيء في الفلوس من الربا، وكما قال الإمام الشافعي في كتابه (الأم): (وأن الفلوس ليست بثمن للأشياء المتلفة؛ لأنه لا زكاة فيها، ومما لا ربا فيه).
ج: وأجابت بما يلي: سبق أن درس مجلس هيئة كبار العلماء موضوع الورق النقدي، وأصدر فيه قرارًا بالأكثرية جاء فيه: أولًا: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة، وفي غيره من الأثمان، كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي: أ- لا يجوز بيع بعضه ببعض، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقًا فلا يجوز، مثلًا: بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. ب- لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلًا، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلًا بيع عشرة أريلة سعودية ورقًا بأحد عشر ريالًا سعوديًا ورقًا. جـ- يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقًا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر؛ إذا كان ذلك يدًا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يدًا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثانيًا:
وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها. ثالثّا: جواز جعلها رأسمال في السلم والشركات.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
قاعدة الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 16 / ص 204)
السؤال الأول من الفتوى رقم (17321 )
س1: ما الحكم إذا كان يشتري الذهب الصافي بالأجل ويشتري بالنقد كذلك؟(2/75)
ج1: قاعدة الربا: 1- أن الربوي إذا اتحدت علته وجنسه حرم فيه التفاضل والنسأ، كالذهب بالذهب والفضة بالفضة، ولو كان أحدهما جيدا والآخر رديئا. 2- وأنه لا يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه بأكثر من وزنه مقابل الصنعة. 3- وأن الربوي إذا اتحدت علته واختلف جنسه جاز فيه التفاضل، وحرم النسأ، كالذهب بالفضة، فإنه يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، ولكن يشترط التقابض في مجلس العقد قبل التفرق. 4- وإذا اختلفت علته وجنسه جاز فيه التفاضل والنسأ، كالذهب بالحنطة والفضة بالشعير. 5- وأنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما شيء من غير جنسهما، كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين ودرهمين، أو دينار ودرهم بدينار. 6- وأن فروع الأجناس أجناس باختلاف أصولها، فدقيق الشعير جنس، وخبزه جنس وهكذا. 7- وأنه لا يجوز بيع الربوي إلا بمعياره الشرعي، فاعتبار المساواة في الموزونات بالوزن، وفي المكيلات بالكيل. 8- وأن المماثلة لا بد من تحققها فيما اشترطت فيه، والشك فيها كتحقق المفاضلة. 9- وأن الربا المحرم يجري في غير الأعيان الستة المنصوص عليها، وأنه متعد منها إلى كل ملحق بشيء منها.
والأدلة على هذا كثيرة منها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم؛ إذا كان يدا بيد » رواه مسلم وأحمد .
وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والبر بالبر كيلا بكيل، والشعير بالشعير كيلا بكيل » رواه الأثرم والطحاوي وما رواه مسلم وغيره من حديث فضالة بن عبيد قال: « اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "لا تباع حتى تفصل » . وما رواه مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر » .
وبناء على ما ذكر فلا يجوز فعل ما ذكرته في السؤال؛ لأن الذهب إذا بيع بجنسه -ذهب بذهب- متفاضلا مؤجلا دخله ربا الفضل والنسيئة، وإذا بيع متماثلا مؤجلا دخله ربا النسيئة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // عضو // عضو // الرئيس //
بكر أبو زيد // عبد العزيز آل الشيخ // صالح الفوزان // عبد الله بن غديان // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
: مسألة : تحريم الربا
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 79)
بَابُ الرِّبَا سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَمَا يُفْعَلُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ النَّاسِ الْيَوْمَ ؛ لِيَتَوَصَّلُوا بِهَا إلَى الرِّبَا وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَكُونُ الْمَدْيُونُ مُعْسِرًا فَيَقْلِبُ الدَّيْنَ فِي مُعَامَلَةٍ أُخْرَى بِزِيَادَةِ مَالٍ وَمَا يَلْزَمُ وُلَاةُ الْأُمُورِ فِي هَذَا وَهَلْ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ دُونَ مَا زَادَ فِي مُعَامَلَةِ الرِّبَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْمُرَابَاةُ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَقَدْ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ . وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . فَالِاثْنَانِ مَلْعُونَانِ . وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ : أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَالُ الْمُؤَجَّلُ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لَهُ : أَتَقْضِي ؟ أَمْ تُرْبِي ؟ . فَإِنْ وَفَّاهُ وَإِلَّا زَادَ هَذَا فِي الْأَجَلِ وَزَادَ هَذَا فِي الْمَالِ فَيَتَضَاعَفُ الْمَالُ . وَالْأَصْلُ وَاحِدٌ . وَهَذَا الرِّبَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا إذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودَ وَلَكِنْ تَوَسَّلُوا بِمُعَامَلَةٍ أُخْرَى ؛ فَهَذَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ أَنَّ هَذَا مَحْرَمٌ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَالْآثَارُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ . وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الرِّبَا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْمُحْتَاجِينَ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ . وَأَمَّا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَكَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا : لَمْ يَجُزْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْلِبَ بِالْقَلْبِ لَا بِمُعَامَلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ؛ بَلْ يَجِبُ إنْظَارُهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا كَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَلْبِ لَا مَعَ يَسَارِهِ وَلَا مَعَ إعْسَارِهِ . وَالْوَاجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْدَ تَعْزِيرِ الْمُتَعَامِلِينَ بِالْمُعَامَلَةِ الرِّبَوِيَّةِ : بِأَنْ يَأْمُرُوا الْمَدِينَ أَنْ يُؤَدِّيَ رَأْسَ الْمَالِ . وَيُسْقِطُوا الزِّيَادَةَ الرِّبَوِيَّةَ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَلَهُ مُغَلَّاتٌ يُوَفَّى مِنْهَا وَفِي دِينِهِ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
===============
باب الربا
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 142)
بَابُ الرَّبَّا وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الطُّعْمِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِجِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ ، وَيُجْعَلُ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيغَةِ لَيْسَ بِرِبًا وَلَا بِجِنْسٍ بِنَفْسِهِ ، فَيُبَاعُ خُبْزٌ بِهَرِيسَةٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ ، وَسِمْسِمٌ بِشَيْرَجٍ .
وَالْمَعْمُولُ مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ إذَا قُلْنَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهِ يَجْرِي فِي مَعْمُولِهِ إذَا كَانَ يُقْصَدُ وَزْنُهُ بَعْدَ الصَّنْعَةِ كَثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالْأَسْطَالِ وَنَحْوِهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ ثَالِثُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ مَقْصُودًا لِلَّحْمِ .
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَوْزُونَاتِ الرِّبَوِيَّةِ بِالتَّحَرِّي ، وَقَالَهُ مَالِكٌ ، وَمَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ مِثْلُ الْأَدْهَانِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَوَزْنًا ، وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ الْعَرَايَا فِي جَمِيعِ الْعَرَايَا وَالزُّرُوعِ ، وَيَجُوزُ مَسْأَلَةٌ مِنْ عَجْوَةٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ جَوَازُ بَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ .(2/76)
وَيَجُوزُ بَيْعُ فِضَّةٍ لَا يَقْصِدُ غِشَّهَا بِخَالِصَةٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي صَرْفِ الْفُلُوسِ النَّافِقَةِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ نَقَلَهَا أَبُو مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ ، وَمَا جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِ إنْ كَانَ مُتَسَاوِيًا وَإِلَّا فَلَا ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَإِنْ اصْطَرَفَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمَا جَازَ .
وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ خِلَافًا لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَيَحْرُمُ مَسْأَلَةُ التَّوَرُّقِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَنْ بَاعَ رِبَوِيًّا نَسِيئَةً حَرُمَ أَخْذُهُ عَنْ ثَمَنِ مَا لَا يُبَاعُ نَسِيئَةً مَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ .
وَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي تَحْرِيمِهِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيَّ فِي حِلِّهِ ، وَالتَّحْقِيقُ فِي عُقُودِ الرِّبَا إذَا لَمْ يَحْصُلُ فِيهَا الْقَبْضُ أَنْ لَا عَقْدَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ بَطَلَ الْعَقْدُ فَهُوَ بُطْلَانٌ مَا لَمْ يَتِمَّ بُطْلَانُ مَا تَمَّ ، وَالْكِيمْيَاءُ بَاطِلَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَتَحْرِيمُهَا أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ الرِّبَا ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكُتُبِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِنَاعَتِهَا وَأَفْتَى بَعْضُ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِإِتْلَافِهَا . فَصْلٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقَاثِي جُمْلَةً بِعُرُوقِهَا سَوَاءٌ بَدَا صَلَاحُهَا أَوْ لَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَهُ مَأْخَذَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعُرُوقَ كَأُصُولِ الشَّجَرِ ، فَبَيْعُ الْخَضْرَاوَات قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَبَيْعِ الشَّجَرِ بِثَمَرِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ يَجُوزُ تَبَعًا .
وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ لَمْ تَدْخُلْ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى اللُّقَطَةِ الْمَوْجُودَةِ وَاللُّقَطَةِ الْمَعْدُومَةِ إلَى أَنْ تَيْبَسَ الْمَقْثَأَةُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ .
وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَقَاثِي دُونَ أُصُولِهَا وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، وَإِذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ شَجَرَةٍ جَازَ بَيْعُهَا وَبَيْعُ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ .
وَبَقِيَّةُ الْأَجْنَاسِ الَّتِي سَاءَ حَمْلُهُ فَإِنَّ أَصْحَابَ ذَلِكَ أَوْ الزَّرْعِ الَّذِي بِجَائِحَةٍ وَلَوْ مِنْ جَرَادٍ أَوْ جَيْشٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ فَمِنْ ضَمَانِ بَائِعِهِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ الْمُشْتَرِي ، وَثَبَتَتْ الْجَائِحَةُ فِي الْمَزَارِعِ ، كَمَا إذَا اكْتَرَى الْأَرْضَ بِأَلْفٍ مَثَلًا وَكَانَتْ تُسَاوِي بِالْجَائِحَةِ سَبْعَمِائَةٍ ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمَعْنَى أَنَّ نَفْسَهُ إذَا تَلِفَ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ صَاحِبِ الزَّرْعِ لَا يَكُونُ كَالثَّمَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ ، فَهَذَا مَا فِيهِ خِلَافٌ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَفْسِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ وَنَقْصِ قِيمَتِهَا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَا وَنَبَتَتْ الْجَائِحَةُ فِي الْمَزَارِعِ .
==============
باب الربا- عَمَّنْ بَاعَ نِصْفًا فِضَّةً بِأَرْبَعِينَ فِضَّةً وَزْنُهَا
فتاوى الرملي - (ج 2 / ص 473)
( بَابُ الرِّبَا ) ( سُئِلَ ) عَمَّنْ بَاعَ نِصْفًا فِضَّةً بِأَرْبَعِينَ فِضَّةً وَزْنُهَا وَزْنُ الْفِضَّةِ أَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الرُّبْعُ بِوَزْنِهِ مِنْ هَذَا النِّصْفِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نُحَاسٌ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِاخْتِلَاطِ النُّحَاسِ بِالْفِضَّةِ بِحَيْثُ صَارَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَكُونُ كَبَيْعِ مُدٍّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ ؟
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ إذْ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ وَأَمَّا الِاخْتِلَاطُ بِشَرْطِهِ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فِي الْمَكِيلِ لَا فِي الْمَوْزُونِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِيهَا فِيهِ أَيْضًا فَمَحِلُّهُ إذَا عُرِفَتْ مُمَاثَلَةُ الرِّبَوِيِّ .
==============
باب الربا- الْعِشْرِونَ مُدًّا بِثَلَاثِينَ مُدًّا مَثَلًا
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 4 / ص 403)
بَابُ الرِّبَا ( وَسُئِلَ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّنْ مَعَهُ حَبٌّ وَجَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِهِ يَبْغِي شِرَاءَ ذَلِكَ الْحَبِّ فَأَسَّسَ صَاحِبُ ذَلِكَ الْحَبِّ الْمُشْتَرَى عَلَى قَاعِدَةٍ عِنْدِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ الْعِشْرِينَ مُدًّا بِثَلَاثِينَ مُدًّا مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَبِّ قَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ : أَسْلِمْ لِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِثَلَاثِينَ مُدَّ حَبٍّ فَأَسْلَمَ ذَلِكَ الشَّخْصُ إلَى الَّذِي يَبْغِي شِرَاءَ الْحَبِّ وَشَرَى بِهَا ذَلِكَ الْحَبَّ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ فَهَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ تُخَلِّصُ صَاحِبَ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ أَسَّسَ قَبِلَ أَنَّ الْعِشْرِينَ بِثَلَاثِينَ ؟
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْحِيلَةَ الْمُخَلِّصَةَ مِنْ الرِّبَا جَائِزَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ رِعَايَةً لِخِلَافِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَرَّمُوهَا وَقَالُوا إنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّخْلِيصَ مِنْ الرِّبَا وَإِثْمِهِ فَإِذَا كَانَ شَخْصٌ شَافِعِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْهَا لِيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ الرِّبَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الَّذِي مَعَهُ لِمَنْ جَاءَ يَشْتَرِي مِنْهُ أَسْلَمْتُ إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا صِفَتُهَا كَذَا وَيَذْكُرُ جَمِيعَ صِفَاتِهَا الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَيُعْطِيهِ فِي الْمَجْلِسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ يَهَبُهُ ذَلِكَ الْحَبَّ الَّذِي مَعَهُ وَيَنْذُرُ مُرِيدُ الشِّرَاءِ لِصَاحِبِ الْحَبِّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا فِي ذِمَّتِهِ وَصَاحِبِ الْحَبِّ دِرْهَمًا فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا فِي ذِمَّتِهِ وَصَاحِبُ الْحَبِّ يَهَبُهُ مَا مَعَهُ أَوْ يَنْذُرُ لَهُ بِهِ أَوْ يَشْتَرِي مَا مَعَهُ مِنْ الْحَبِّ بِدِرْهَمٍ وَيُسَلِّمُ صَاحِبَ الْحَبِّ دِرْهَمًا فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الصَّحِيحَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
==============
الفصل السادس في تفسير الربا وأحكامه
الفتاوى الهندية - (ج 21 / ص 216)(2/77)
( الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي تَفْسِيرِ الرِّبَا وَأَحْكَامِهِ ) وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فَضْلِ مَالٍ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بِيعَ مَعَ جِنْسِهِ وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ وَنَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنَ فِيمَا يُوزَنُ فَإِذَا بِيعَ الْمَكِيلُ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَوْ الْمَوْزُونُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ صَحَّ وَإِنْ تَفَاضَلَ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ وَجَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَصِحَّ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ وَلَوْ تَبَايَعَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَيْرَ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَالْجَصِّ وَالْحَدِيدِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا وَإِنْ وُجِدَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ حُرِّمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ الْفَضْلُ وَحُرِّمَ النَّسَاءُ وَإِنْ عُدِمَا حَلَّ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ كَذَا فِي الْكَافِي وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَكُلِّ شَيْءٍ نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَكِنْ عُرِفَ كَوْنُهُ كَيْلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا وَإِنْ اعْتَادَ النَّاسُ بَيْعَهُ وَزْنًا فِي زَمَانِنَا وَمَا عُرِفَ كَوْنُهُ مَوْزُونًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُعْتَبَرُ فِيهِ عُرْفُ النَّاسِ فَإِنْ تَعَارَفُوا كَيْلَهُ فَهُوَ كَيْلِيٌّ وَإِنْ تَعَارَفُوا وَزْنَهُ فَهُوَ وَزْنِيٌّ وَإِنْ تَعَارَفُوا كَيْلَهُ وَوَزْنَهُ فَهُوَ كَيْلِيٌّ وَوَزْنِيٌّ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
==============
صورة من صور الربا
الفتاوى الثلاثية - (ج 1 / ص 42)
صورة من صور الربا
[ السؤال ] رجل باع على آخر بضاعة يسددها على أقساط شهرية وثمن المبيع تسعة آلاف ريال، واتفق على أنه إذا تخلف المشتري عن التسديد فإنه يدفع زيادة على هذا المبلغ قدرها ألف ريال، وهذه الزيادة تعطى لمن يستخلص منه المال، فما حكم البيع؟
الجواب: هذا الشرط فاسد وباطل لأنه ربا، إذ أن الإنسان إذا باع السلعة بثمن فإنه لا يمكن أن يزيد فيها، فالشرط باطل وليس له إلا ما باع به أولاً
.......
من هو المسيح الدجال؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] هل ابن صياد هو المسيح الدجال الذي يخرج في آخر الزمان؟ أم هو الرجل الذي في الدير وهو أعظم إنسان خلقاً؟ أم الجساسة؟ وهل هو موجود الآن أعاذانا الله من فتنته وشره؟
الجواب: هؤلاء كلهم ليسوا المسيح الدجال الذي يكون في آخر الزمان، أما ابن صياد فهو دجال من الدجاجلة لا شك، وكذاب وكاهن، وأما حديث الجساسة ففي نفسي من صحته شيء؛ لأن فيه أشياء منكرة، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في آخر حياته في ما معنى الحديث: (لا يمر مائة سنة وفي الأرض ممن هو عليها اليوم أحد) لكنه بشر يخلقه الله عز وجل في حينه
.......
وسائل الدعوة ليست توقيفية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] كثر الكلام في وسائل الدعوة من حيث كونها توقيفية أم لا، فما القول الفصل في هذه المسألة؟
الجواب: القول الفصل أن وسائل الدعوة ما يتوصل به إلى الدعوة وليست توقيفية، لكنه لا يمكن أن تكون الدعوة بشيء محرم كما لو قال قائل: هؤلاء القوم لا يقبلون إلا إذا طلبتم الموسيقى أو المزامير أو ما أشبه ذلك.. هذه محرمة، وأما غير ذلك فكل وسيلة تؤدي إلى المقصود فإنها مطلوبة
============
وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس المال:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 24 / ص 30)
وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس المال:
السؤال: فضيلة الشيخ! أحد الإخوة كان يضع أمواله في البنك، والحمد لله وبفضل من الله عزَّ وجلَّ تاب من ذلك، وكانت الأسهم -كما يقول- سعر السهم منها (100) ريال، وحصل أن خسر هذا البنك، فصار سعر السهم (80) ريالاً، أي: أنهم أعادوا له أقل من رأس المال، وهو يعرف أنه إذا تاب له رأس ماله؛ ولكن قبل ذلك وزَّعوا أرباحاً بخمسة ريالات، وأخذ الأرباح، فهل يتخلص من الخمسة ريالات هذه، أم يجعلها ضمن رأس المال؟
الجواب: الواجب عليه أن يتخلص من هذه الخمسة ريالات؛ لأنها في وقتها تعدُّ زيادةً ورباً، فهي ليست أرباحاً بل خسارة. فعليه أن يتصدق بما جاءه من الزيادة قبل التوبة تخلُّصاً منها، لا تقرباً إلى الله بها. السائل: وإن كان في حين توبته أراد أن يصفي فأعطوه الخمسة ريالات؟ الشيخ: نفس الشيء، ما دام أنه الآن خسر فمعنى ذلك أن هذه الزيادة كانت قبل أن يحصل النقص برأس المال.
==============
تغليظ الشارع في تحريم الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 27 / ص 10)
تغليظ الشارع في تحريم الربا:
السؤال: فضيلة الشيخ: شخص اضطر لأخذ الفوائد الربوية يقول: أليس الأفضل أن آخذها وأجعلها في بناء المساجد أو للفقراء بدلاً من أن يستفيد منها أعداء الإسلام؟(2/78)
الجواب: الواقع أن هذا السؤال سؤال مهم لشدة الحاجة إلى معرفة الجواب المبني على الكتاب والسنة لا على استحسان العقل، ونحن إذا بنينا جواب هذا السؤال على الكتاب والسنة تبين لنا أنه لا يحل لهذا أن يأخذ هذا الربا؛ لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279] فهنا بين الله عز وجل أن الإنسان إذا تاب فليس له إلا رأس ماله فقط، لا يظلم ولا يُظلم. وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة، فقال: (ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله)، فأنت ترى في هذا الحديث أن الرسول وضع الربا الذي كان معقوداً في الجاهلية قبل تقرر الأحكام في الإسلام، فما بالك بربا حصل بعد تقرر الأحكام في الإسلام؟! وعلى هذا نقول: لا يجوز للشخص أن يأخذ الربا من البنوك مهما كانت هذه البنوك، ثم نقول: لو فرضنا صدق ما قيل من أن هذه الفوائد ترسل إلى الكنائس وإلى محاربة المسلمين فإنه لا إثم عليه في ذلك، لماذا؟ لأن هذه الفوائد ليس فوائد ماله، إذ من الممكن أن يكون ماله الذي أعطاه هذا البنك تصرف فيه البنك تصرفاً خسر فيه أو تصرفاً لم يربح فيه، أو تصرفاً ربح فيه دونما وضع من الربا، فالقول: إن هذه فوائد ماله ليس بصحيح، هذه ليست فوائد ماله، هذه ربا يعطيها البنك من أعطاه هذا المال ينتفع به، وإذا لم تكن ثمرات ماله فليس عليه من إثمه نصيب فيما لو صُرفت إلى بناء الكنائس أو إلى سلاح يصوب إلى صدور المسلمين. ثم نقول: إننا إذا منعنا هذا الربا وقد يكون أموالاً طائلة -قد يكون ملايين- إذا منعناه وقلنا للمسلمين: أيها المسلمون، إنكم بإيمانكم وإسلامكم لا يحل لكم أن تأخذوا الربا فسوف يضطر المسلمون إلى أن يبحثوا عن مصارف إسلامية وبنوك إسلامية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية؛ لأن الأزمات والحاجات والضرورات لا بد أن تبرز شيئاً ما، فإذا قيل للناس: هذا الربا الذي تدَّعون أنه فوائد لا يحل لكم، وأنتم إذا أخذتموه فقد أكلتم الربا حين أكلتموه، وإن تصدقتم به تقرباً إلى الله لم يقبل منكم وإن تصدقتم به تخلصاً منه، فما الفائدة من أن يلوث الإنسان يده بالنجاسة ثم يذهب ليغسلها. فنقول: إن مُنع هذا، فإنه لا شك أنه سيكون سبباً لكون الناس يبحثون عن مصادر إسلامية، ويُكَوَّنون بنوكاً إسلامية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية. ثم إننا نقول: لا شك أن علماء اليهود والنصارى يعلمون أن الربا محرم عليهم، فإن الله تعالى قال في القرآن: وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء:161] فهم يعلمون هذا في كتبهم، ويعلمون كذلك أن المسلمين قد نهوا عنه، فيفرح أعداء المسلمين إذا رأوا أن المسلمين استحلوا الربا وأخذوه، ويعلمون أن المعاصي من أسباب الخذلان، فيرون أن أخذ المسلمين لهذه الأموال الربوية سهام صوبها المسلمون نحو صدورهم؛ لأن المعاصي سبب للخذلان، ولا يخفى علينا جميعاً ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم والله أعظم جند على وجه الأرض منذ خُلق آدم وقد كانوا تحت قيادة أعظم قائد من بني آدم، ومع ذلك حصلت عليهم الهزيمة لمعصية واحدة: حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران:152] حصلت الهزيمة. فإذا كانت معصية واحدة وهي دون الربا حصل فيها الخذلان فما بالك بالربا الذي جاء فيه من الوعيد ما لم يأتِ على أي معصية كانت إلا الشرك، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فكيف نستحل الربا؟! فهؤلاء إذا علموا أننا استحللنا الربا لا شك أنهم يفرحون بهذا، ويقولون: الآن فعل المسلمون ما به خذلانهم، والواقع شاهد بهذا؛ فالمسلمون يمثلون اليوم جزءاً كبيراً من البشرية، ومع هذا تُقَطَّع أوصالهم قَطْعاً وهم يشاهدون، لم يستطيعوا أن يرفعوا رأساً بذلك، فهذه البوسنة والهرسك جمهورية إسلامية مستقلة معترف بها دولياً تمزق؛ يقتّل أبناؤها، وتنتهك أعراض نسائها، ويُيَتم أطفالها، والمسلمون لم يحركوا لذلك ساكناً! ولا يخفى علينا الوثيقة السرية التي عثر عليها الإخوة في البوسنة والهرسك الصادرة من رئيس وزراء بريطانيا إلى وزير خارجيته، حيث يقول: إن المسلمين لا يمكن أن يتحركوا تحركاً تستفيد منه البوسنة والهرسك؛ لأنهم تحت إمرتنا. أو كلمة نحوها. ويقول: إننا سنمانع بشدة أن تقوم جمهورية إسلامية في أوروبا، ونمانع بشدة أن نعطي المسلمين سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم، وهذا تحدٍّ للشعور الإسلامي، لكن لماذا؟ لأن المسلمين مع الأسف عندهم من العصيان ما يوجب الخذلان والانكسار، نسأل الله العافية. فلهذا نقول: إن هذه الأموال الربوية
التي يقال عنها: إنها فوائد، هي والله خسائر، ولا يجوز أخذها بأي حالٍ من الأحوال، فأنتم أيها المسلمون! إذا شئتم التخلص من هذا الإثم اتركوا الربا، أنشئوا بنوكاً إسلامية تسير على نهج الله؛ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تسلموا، لكن لو فرض أن البنك أصر على أخذ هذه الأموال الربوية كما يوجد في بعض البنوك؛ فبعض البنوك تقول: لا يمكن أن أقبل منك رد هذا الشيء؛ لأن هذا يخل بحساباتي فهنا تأخذها؛ لأنك مرغم عليها، ثم تتصدق بها تخلصاً منها لا تقرباً إلى الله بها.
=============
صور من البيوع التي يدخل فيها الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 93 / ص 17)
صور من البيوع التي يدخل فيها الربا:
السؤال: رجل يبيع سيارات فأتاه شخص يريد أن يشتري منه سيارة، فقال: عندي سيارتان السيارة الثانية أفضل من السيارة الأولى، وسوف أشتريها لك وأبيعها لك كما تشاء إما نقداً أو تقسيطاً، والنقد حوالي أربعين ألف والتقسيط اثنين وستين ألف، فما حكم هذا البيع هل فيه ربا؟(2/79)
الجواب: إذا كان هذا الذي يريد أن يبيع السيارة ليست السيارة في ملكه ولكن يريد أن يشتريها لهذا الشخص، فهذا حرام عليه أن يأخذ أكثر من القيمة التي دفع، فإذا اشتراها بخمسين لا يجوز أن يبيعها بواحد وخمسين؛ لأنه إن فعل ذلك وقع في الربا، ولكن يبيعها بخمسين ويكون قد أقرض المشتري ثمن السيارة، وهذا خير. أما إذا كانت السيارات موجودة عند الرجل وصار الناس يأتون يشترون منه فيقول لهم: إن اشتريتم بتقسيط فهو بكذا، وإن اشتريتم نقداً فهو بكذا، يعني: أنزل، مثلاً يقول: هي بالتقسيط بستين ألف، وهي بالنقد بخمسين ألف، فهذا لا بأس به، إذا أخذها المشتري بأحد الثمنين؛ لأن هذا لا محظور فيه، وليس فيه ربا، وليس فيه جهالة وغرر، بل هو بيع واضح، لن ينصرف المشتري إلا وقد علم حاله هل اشتراها بمؤجل أو اشتراها بنقد. وأما ما ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا: إن هذا من البيعتين في بيعة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، فهذا ليس بصواب، لأنك إذا قلت: هذه بعشرين نسيئة أو بعشرة نقداً فأخذها بأحد الثمنين فليس هناك بيعتان، هي بيعة واحدة لكن خُيِّرَ الإنسان فيها بين ثمنين، أحدهما أكثر ولكنه مؤجل والثاني أقل ولكنه نقد. والبيعتين في بيعة إنما تنطبق على مسألة العينة وهي: أن يبيع الإنسان شيئاً بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين نقداً، فإن هذا هو العينة التي حذرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
=============
حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 109 / ص 9)
حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه:
السؤال: ما رأيكم فيمن حصل على مال ربوي سواء كان من البنوك الربوية أو حصل عليه من نظام الادخار الذي يعمل به في بعض الشركات, ويريد أن يتخلص منه, هل له أن ينفقه في أعمال الخير كبناء المساجد وغيرها, أو يقضي الديون عن المسلمين، أو يعطي أقاربه المحتاجين, أو يترك هذا المال الربوي ولا يأخذ منه شيئاً وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: أما إذا كان لم يأخذ هذا المال فإنه لا يحل له أن يأخذه بل يدعه؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة:278] أي: اتركوه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالناس يوم عرفة قال: (ربا الجاهلية موضوع -أي: مهدر- وأول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) فألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل الربا مع أنه عقد في الجاهلية قبل الإسلام، فمن كان قد عامل معاملة ربوية ولم يأخذ الربا فالواجب عليه أن يدعه لصاحبه, وأن يتوب إلى الله عز وجل. أما إذا كان قد أخذه فإن كان جهلاً منه ولا يدري أنه حرام فإن توبته تجب ما قبلها وهو له, لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]. وأما إذا أخذه وهو يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفاً في الدين, قليل البصيرة, فهنا يتصدق به, إن شاء في بناء المساجد، وإن شاء في قضاء الديون عمن عجز عن قضائها, وإن شاء في أقاربه المحتاجين؛ لأن كل هذا خير.
=============
بعض أنواع بيوع الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 114 / ص 28)
بعض أنواع بيوع الربا:
السؤال: وجدت في بلد ما إعلاناً بخصوص توفير قرض وتسديده بالأقساط وصورته كالتالي: شخص يريد شراء سيارة، فذهب إلى بيت التمويل، فيقوم هذا البيت بشراء السيارة التي يريدها الشخص، ومن ثم تحويلها باسمه، على أن يكون ثمن بيعها له أكثر من ثمن شرائها هو، ويقوم الشخص بدفع الأقساط إلى بيت التمويل.(2/80)
الجواب: يعني: مثلاً يذهب إلى بيت التمويل يقول: أنا أريد السيارة فيشتريها باسمه وينقد الثمن ثم يبيعها على هذا الطالب بأكثر من الثمن مقسطاً! هذه حيلة على الربا, يعني: بدل من أن يقول: خذ خمسين ألف ريال قيمة السيارة, وهي عليك بستين ألف إلى أجل, أتى بهذا البيع الصوري, بيت التمويل الآن لولا أن هذا الرجل جاء يطلب السيارة هل يشتري السيارة؟ لا, ولو أن طالب السيارة قال: اشتريها بقيمتها, بمعنى: تشتريها بخمسين ألف وآخذها منك بالتقسيط بخمسين ألف هل يقبل بيت التمويل؟ أقطع أنه لا يقبل, إذاً: ما الذي قصد بيت التمويل من هذه المعاملة؟ قصد الزيادة, فهذا -في الحقيقة- قرض بزيادة لكنه بحيلة (لفة) ومعلوم أن الله عز وجل لا تنفع عنده الحيل, فهو يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور [غافر:19] فلو قيل لبيت التمويل: ما قصدك بشراء هذه السيارة وبيعها على هذا الرجل؟ لقال بكل تأكيد: إن قصده الزيادة, ولا يمكن أن يدعي أن قصده الإحسان إلى هذا الرجل أبداً, يقول بعض الناس: -مثلاً- لو أن الرجل المشتري قال: لا أريد السيارة، قبلها بيت التمويل, فنقول: أولاً هذه حجة لا تنفع عند الله؛ لأن هذا الذي طلب السيارة هل سيتركها؟ لا يتركها وهو يريدها, ولهذا لو أحصيت ألف معاملة من هذا النوع ما وجدت واحداً منهم هَوَّن, فلا تغتر بعمل الناس. والفائدة التي يأخذها هذا الرجل تعتبر ربا, والربا الصريح الذي تفعله البنوك أهون من هذا؛ لأن الربا الصريح ربا يدخل الإنسان فيه على أنه عاص لله ويحاول أن يتوب, أما هذا فيدخل فيه على أنه مباح, وهذا لا يجوز, اليهود تحيلوا على محارم الله بأدنى من هذا, حرم الله عليهم الشحوم قال: لا تأكلوا الشحوم, فماذا كانوا يصنعون؟ قالوا: نذوب الشحم ثم نبيع الشحم ونأخذ الثمن, الصورة الآن هل أكلوا الشحم؟ ما أكلوه ولا باعوا الشحم على طبيعته وأيضاً ذوبوه, حتى لا يقال: إنكم بعتم ما حرم عليكم وأكلتم ثمنه, فذوّبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه, والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم ثم جملوها فباعوها وأكلوا ثمنها). وكذلك أصحاب السبت حرمت عليهم الحيتان يوم السبت فابتلاهم الله وجعل الحيتان تأتي يوم السبت شُرّعاً على وجه الماء من كثرتها, وغير يوم السبت لا يرونها, فقالوا: ماذا نعمل؟ لا يمكن أن تذهب هذه الحيتان بدون أكل, عملوا شبكة يضعونها يوم الجمعة, فتأتي الحيتان تدخل في الشبكة يوم السبت فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها, وقالوا: نحن ما صدناها يوم السبت، صدنا يوم الأحد, فماذا عوقبوا؟ عوقبوا في الدنيا يداً بيد, قال الله تعالى: فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65] فكانوا قردة تتعاوى والعياذ بالله. لا يجوز -أبداً- أن نستحل محارم الله بالحيل إطلاقاً, وإن أفتاك الناس وأفتوك, فكر أنت بنفسك, هل هذا إلا حيلة؟ أما لو كان هذا بيت التمويل عنده سيارات يأتي زيد ويبيع عليه نقداً بخمسين, ويأتي عمرو ويقول: أنا أريدها مقسطة فيقول: بستين فهذه لا بأس, لكن كونه لا يشتري إلا لأجل يأخذ الربا هذا لا يشك الإنسان أن هذا حيلة. إذا كان يجب عليه الإنسان أن يتوب ولا يتعامل بهذا, فإن كان لم يعلم بأنه حرام فما أخذه فهو حلال, وإن كان قد علم وعاند فهذا محل نظر, قد نقول: إذا تاب فله ما سلف كما قال الله عز وجل: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة:275] وقد يقال: لا هذا الرجل معاند فيجب عليه أن يتصدق بكل ما أخذ من هذا. بارك الله فيكم وزادنا وإياكم علماً نافعاً وإلى اللقاء إن شاء الله في الخميس القادم, نسأل الله لنا ولكم التوفيق.
=============
حكم الاستعانة بمن يتعامل الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 124 / ص 14)
حكم الاستعانة بمن يتعامل الربا:
السؤال: فضيلة الشيخ! هناك السندات التي توزع من ثمن محاصيل القمح، يوجد أحد الإخوة له سند منها ثمنه مبلغ عالٍ، وله أيضاً أناس يطلبونه ديناً، فأحدهم قال: أعطني السند ووكلني عليه وأنا أستوفي هذا الدين بطريقتي الخاصة وأرد لك الباقي، فهل في هذا شيء؟ الشيخ: ويعطيه. السائل: نعم. الشيخ: ما فيه بأس. السائل: طبعاً إذا أعطاه السند وأعطاه وكالة، يقضيه أو ما يقضيه إلا بطريقة وهي البنك. الشيخ: سيأخذ ما في السند كاملاً. السائل: بطريقة البنك لا؛ لأنهم سيأخذون عليه.
الشيخ: إي نعم، لكن أنا ظننت أن له مدى بالجهات المسئولة، ويمكن يؤثر، المهم أنه إذا كان لا يترتب عليه الربا فلا بأس، يعني هو استئجار. السائل: يعني نقول: الربا هو منه ليس مني. الشيخ: لا، إذا علمت أنه لا يتوصل إلى هذا إلا بالربا فقد عاونته على الإثم، والله عز وجل يقول: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]؛ لكن سمعتُ أنهم فسحوا بعض الشيء وقالوا: من أراد أن يحوِّل فعليه أن يجزئ هذا المبلغ، مثلاً: هو بمائة ألف وله أناس يطلبونه أحدهم يطلبه عشرة آلاف، وثانٍ عشرين، وثالث ثلاثين وأراد أن يحوِّل هذا المبلغ، يحول على الذين يطلبونه، لا بأس فيه تفسحه. السائل:المصلحة تأخذ مائة ريال على كل شيك؟ الشيخ: أنا لم أسمع بهذا، وإنما سمعت بالتجزئة توسعة للناس، وهذا طيب يحل بعض الشيء.
===============
حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 135 / ص 12)
حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من الربا:
السؤال: فضيلة الشيخ! إذا علم الوارث أن مورثه يأكل الربا هل يجوز له أخذ نصيبه من الميراث؟
الجواب: يعني: إذا علمنا أن الميت كان يتعامل بالربا فهل يجوز لورثته أن يأخذوا نصيبهم من التركة؟ نقول: نعم يجوز، والإثم على نفس الميت؛ إلا إذا كان الربا لم يقبض حتى الآن فهنا نقول للورثة: اقبضوا الربا ممن هو عليه، ولكن لا تأكلوه، وتصدقوا به، أو اجعلوه في المساجد، أو في الطرق، أو في أعمال خير، أما ما قُبِص فالقابض هو الميت والإثم عليه، وما لم يُقْبَض لا يحل للورثة أن يقبضوه لأنفسهم بل يقبضوه لأجل أن يصرفوه في أعمال الخير، قد يقول قائل: لماذا يقبضونه -مثلاً- وهو ربا؟ نقول: لأن هذا المرابي الذي دفع الربا قد أقدم عليه ورضي به وعامل به فلا نجمع له بين أن ينتفع بالمال هذه المدة وينتفع أيضاً بالربا، نقول: هاته، فنأخذه ونعطيه، ونجعله في المصالح العامة. وإن رأوا أن من المصلحة ترك الربا كما لو كان فقيراً فلا يأخذونه أصلاً. أفهمتَ الآن؟
=============
صورة من صور الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 148 / ص 13)
صورة من صور الربا:
السؤال: أنا صاحب تجارة فأبيع بضاعتي على مؤسسات أو شركات أو جمعيات ثم أحصل هذه الفلوس بعد عدة أشهر، خمسة أشهر أو ستة أشهر وأحياناً تطول هذه المدة حتى تتجمد فلوسي عند هذه الشركات، يقوم البنك -أحياناً بنوك إسلامية عندنا- بدفع هذه الفلوس حالاً ناقص قيمة الفائدة مثلاً المائة دينار يعطيني البنك خمسة وتسعين ديناراً يدفعها حالاً والبنك يحصلها من التاجر هذا في المستقبل، فأنا استفدت منها أني أخذت فلوسي حالاً بدل أن تبقى عندهم ستة أشهر بهذه الطريقة؟(2/81)
الشيخ: والبنك استفاد الزيادة؟ السائل: نعم. الشيخ: هذه فيها محذوران: المحذور الأول: هو الربا؛ لأن البنك أعطاك خمسة وتسعين بمائة وهذا رباً صريح، وهناك أيضاً ربا الفضل وربا النسيئة يعني: ربا الزيادة وربا التأخير؛ لأن البنك سيتأخر قبضه لهذا العوض. المحذور الثاني: أنه بيع ما ليس عندك وما ليس في قبضتك؛ لأنك بعت ما في الذمة على هذا البنك، بعتها الآن على هذه الشركة ما الذي في ذمتها؟ دنانير مثلاً، بعت الدنانير للبنك قبل أن تقبضه وقبل أن تكون بملكك ففيها محذوران، فإن كان الأمر قد مضى فالواجب التوبة إلى الله عز وجل وألا ترجع لمثل تلك المعاملة، وإن كان لم يكن فالواجب عليك ألا تدخل في مثل هذا.
==============
كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا:
لقاءات الباب المفتوح - (ج 149 / ص 18)
كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا:
السؤال: إنه يسوْؤُنا كثيراً ما نشاهده من بيوت الربا، فهل لو قام الإنسان وقام شخص بتوزيع أشرطة تحذر من الربا أو كروت دعوية على العاملين في نفس البنك، هل هذه لائقة؟
الجواب: لا شك أن بيان حكم الربا وأنه من أعظم الذنوب أمر مطلوب، ولكن يبقى النظر: هل لا يكون في هذا عرضة لهذا الفاعل من أن يعرض نفسه لأمر يكون ضرراً عليه وعلى غيره، فأنت إذا تمكنت من أن تنصح العمال في البنوك نصيحة خاصة قد يكون أثرها أحسن.
============
فوائد البنوك ( الربا )
فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 98)
فوائد البنوك ( الربا )
يقول السائل : إذا كان لفرد أو مؤسسة أموال في البنوك سالفة الذكر متأتية عن طريق تحويلات مالية أو شيكات سياحية حيث تمكث الأموال لفترة في البنك باختياره ويترتب عليها فوائد ربوية فهل يجوز أخذ هذه الفوائد ؟
الجواب : لا يجوز للمسلم اصلاً أن يضع أمواله في بنك ربوي ابتداءً إلا لضرورة . فإذا حصل ووضع أمواله فيه أعطاه البنك ربا وهو ما يسميه الناس اليوم زوراً وبهتاناً فائدة فحينئذٍ يتصرف فيها كما يلي :
أولاً : لا يجوز ترك الأموال التي تسمى فائدة للبنوك الربوية كما يدعي بعض الناس حيث يقولون إن هذا من باب التقوى والورع فهذه تقوى زائفة وفي غير محلها . ومن المعروف أن البنوك الربوية إذا تركت لها تلك الأموال تنفقها في مصالحها الشخصية .
ثانياً : لا يجوز الانتفاع بتلك الأموال انتفاعاً شخصيا ً كأن ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهذه الأموال لا تحل للشخص أبداً ولا يحل له إنفاقها في مصالحه الشخصية .
ثالثاً : على المودع المذكور في السؤال أخذ تلك الأموال وإنفاقها على الفقراء وبعض مصالح المسلمين العامة كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك .
وقد أفتى بذلك طائفة من علماء العصر منهم فضيلة الشيخ العلامة مصطفى الزرقا حيث قال ( إن التدبير الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المودع من المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه الانتفاع فعليه أن يأخذ تلك الفوائد التي يحتسبها له المصرف الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصراً أو قصراً لأنهم مصرفها الوحيد ) .
وهذا رأي سديد إن شاء الله ولكن لا أوافقه على قصر تلك الأموال على الفقراء فقط بل يجوز صرفها في بعض مصالح المسلمين العامة كما ذكرت قبل قليل وينبغي أن يعلم أنَّه يجوز أن تدفع الزكاة من تلك الأموال وكذلك لا يجوز دفعها في بناء المساجد .
==============
حساب التوفير ربا
فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 99)
حساب التوفير ربا
يقول السائل : ما الحكم في حساب التوفير وهل يدخل ذلك في حكم الربا ؟
الجواب : لا شك أن للبنوك الربوية أساليب كثيرة مغرية لجلب الزبائن للتعامل معها ولإيداع أموالهم حتى توسع أعمالها وتزيد من دخلها وتزين للناس طرق كسب كثيرة ولكنها لا تخرج في حقيقة الأمر عن دائرة الربا المحرم ومن ذلك دعوة الناس إلى فتح حسابات التوفير لدى هذه البنوك بطرق دعائية براقة تستهوي كثيراً من الناس ومن ذلك ما جاء في دعاية أحد البنوك من أن حسابات التوفير هي ضمان وأمان للمستقبل ونحو ذلك من الكلام الزائف .
ومن المعلوم أن البنوك تدفع ما تسميه فوائد مجزية على حسابات التوفير وهي في الحقيقة من الربا المحرم .
ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يقبلون على فتح حسابات التوفير هذه ويزعمون أنهم يؤمنون مستقبل أولادهم ويدخرون لهم وهذه المدخرات تنمو بالربا الحرام والمال الحرام لا يبارك الله فيه بل يسحقه ويمحقه .
يقول الله تعالى :( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) .
وعلى المسلم أن يوقن بأن الأرزاق بيد الله وأن تأمين المستقبل كما يقولون لا يكون عن طريق الحرام وإنما يكون بالإدخار من المال الحلال فهذا الذي يدخر لأولاده من المال الحرام وبطرق حرام إنما يربي أولاده على الحرام وينفق عليهم من الحرام ويدخر لهم نار جهنم والعياذ بالله .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال :( يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) . وقال :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيه بالحرام فأنى يستجاب له ) رواه مسلم .
وعلى كل مسلم أن يسعى لتأمين مستقبل أولاده بالكسب المشروع الحلال ولا يكون ذلك أبدأً عن طريق الربا المحرم بنص كتاب الله تعالى :( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَوَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
===============
العمل في البنوك الربوية حرام
فتاوى يسألونك - (ج 1 / ص 101)
العمل في البنوك الربوية حرام
تقول السائلة : إن زوجها يعمل في البنك وتسأل هل المعاش - الراتب - حلال أم حرام ؟ وهل وضع الأموال في البنوك بدون أخذ الفائدة يجوز أم لا ؟
الجواب : يقول الله تعالى :( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) .(2/82)
مما لا شك فيه أن الربا محرم شرعاً باتفاق أهل العلم ، وأن النظام الإقتصادي الإسلامي يحارب الربا وكل المؤسسات الربوية ، وقد شدد الإسلام في أمر الربا ، فبالإضافة للآيات السابقة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات - المهلكات - قلنا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) رواه مسلم .
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء ) ، رواه مسلم .
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ) رواه الحاكم وصصحه، وغير ذلك من الأحاديث .
وبناءً على ما سبق فقد قرر كثيرٌ من أهل العلم حرمة العمل في البنوك الربوية ، حتى ولو كان العمل حارساً ليلياً للبنك ، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان ، وهو محرم بنص القرآن الكريم وكذلك فقد أفتى كثير من العلماء المعاصرين بحرمة تأجير المحلات أو العمارات للبنوك الربوية لذات السبب السابق .
وأما إيداع الأموال في البنوك الربوية ، فالأصل في ذلك التحريم ولا يجوز إلا في حالة الضرورة ، كأن يخشى الإنسان على ماله من الضياع ولا يجد مكاناً آمنا ً لوضعه إلا في البنك كحسابٍ جارٍ ولا يأخذ ربا عليه .
أقول هذا وأنا أعلم أن التعامل مع البنوك الربوية أصبح بلاء عاماً لا ينجو منه إلا القليل ، وأعلم أن امتناع شخص أو أشخاص من العمل مع البنوك الربوية أو الإيداع فيها لا يحل المشكلة المستعصية ، لأن المشكلة جزء من سيئات النظام العام الذي نعيشه وونحياه ، ولكن سددوا وقاربوا واتقوا الله ما استطعتم .
===============
فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم
فتاوى يسألونك - (ج 8 / ص 121)
فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم
يقول السائل: إنه يعمل في شركة ويوجد فيها صندوق توفير للموظفين حيث إن الشركة تقتطع نسبة من راتب الموظف وتدفع ضعفها ويوضع المال في صندوق التوفير وقد قامت الشركة بوضع المال في بنك ربوي وأخذت عليه فوائد كما وقامت الشركة بإقراض الموظفين من صندوق التوفير بالفائدة فما حكم الأرباح التي تحققت حيث إن الشركة ستوزعها على الموظفين أفيدونا؟
الجواب:إن ما سماه السائل أرباحاً إنما هو في الحقيقة الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا شك أن الفوائد البنكية هي الربا المحرم والواجب على الموظف في الشركة المذكورة أن يتخلص من هذا المال الحرام فكل مال حرام لا يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعاَ شخصياً فلا يجوز أن يصرفه على نفسه ولا على زوجته ولا على أولاده ولا على من يعولهم ولا يجوز أن يدفع منه ضريبة ولا نحوها لأنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتاجين ومصارف الخير كدور الأيتام والمؤسسات الاجتماعية ونحوها. ولا يجوز ترك هذه الأموال للبنوك بل تؤخذ وتنفق في جهات الخير والبر.
ويجب على الموظف في الشركة المذكورة أن يعرف مقدار المبلغ الذي حسم من راتبه ومقدار المبلغ الذي أضافته الشركة وهذا يكون حلالاً له وأما الربا فيصرفه كما ذكرت آنفاً.
ولا يقولن قائلٌ إن الموظف ليس مسئولاً عما قامت به الشركة من تشغيل أموال صندوق التوفير بالربا أو أن الإثم يقع على المسؤول عن الصندوق أو نحو ذلك من الاعتذارات التي تردها قواعد الشريعة الإسلامية فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يكون طرفاً في أي عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر لأن الربا محرم بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك قوله تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } سورة البقرة الآيات 275-279.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:( اجتنبوا السبع الموبقات - المهلكات - قلنا : وما هي يا رسول الله ؟ قال:الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) رواه مسلم.
وجاء في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال:( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء ) رواه مسلم قال الإمام النووي:[ قوله: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء ) هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما. وفيه: تحريم الإعانة على الباطل. والله أعلم ] شرح النووي على صحيح مسلم 4/207.
وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ) رواه الحاكم وصححه.
وفي رواية النسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:( آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة ) وهو حديث صحيح وغير ذلك من النصوص.
وإنني لأستغرب مما يفتي به بعض المنتسبين للعلم الشرعي من إباحة الربا تحت أسماء مختلفة مثل بدل خدمات أو أن هدف المقرض ليس الربا أو أن المشتري فيما يسمى بالتقسيط الميسر اشترى السلعة من التاجر ودفع الثمن المتفق عليه بدون زيادة وإن كان هنالك عقد ربوي بين التاجر والبنك الربوي وأن لا علاقة للمشتري بذلك العقد وإن دفع عن طريق البنك الربوي ونحو ذلك من الترهات فكل ما سبق هو من الربا الحرام وهنا يجب التذكير بالقواعد الآتية:
1. يحرم التعاون على الإثم والعدوان بنص كتاب الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } سورة المائدة الآية 2.
2.إذا استقر الدين في الذمة فلا تجوز الزيادة عليه لأن ذلك عين الربا.(2/83)
3.كل زيادة مشروطة على القرض ربا بغض النظر عن اسمها فتغيير الأسماء لا يغير من حقائق المسميات شيئاً فقد صار شائعاً عند كثير من المتعاملين بالربا التلاعب بالألفاظ والعبارات محاولةً منهم لتغيير الحقائق والمسميات بتغيير أسمائها فقط فالربا يسمى فائدة ويسمى رسم خدمات وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا التلاعب من تغيير الناس لأسماء المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:( ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في غاية المرام ص24، وفي السلسلة الصحيحة 1/136.
وجاء في رواية أخرى:( إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ) رواه الحاكم والبيهقي وله شواهد تقويه، وقد صدق الصادق المصدوق فإن الخمور تسمى في زماننا بالمشروبات الروحية.
وروي في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال:( يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع ) ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/352. وضعفه الشيخ الألباني في غاية المرام ص 25. ثم قال:[... معنى الحديث واقع كما هو مشاهد اليوم ].
ويجب أن يعلم أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا.
وخلاصة الأمر أن فوائد صندوق التوفير هي من الربا المحرم ويجب على الموظف أن يتخلص منها بإنفاقها على الفقراء أو في المصالح العامة ولا يجوز صرفها في المساجد ولا يجوز للموظف أو من يعولهم الانتفاع بها.
==============
هل الربا أعظم من الزنى؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 4 / ص 509)
هل الربا أعظم من الزنى؟
المجيب د. سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في الاقتصاد الإسلامي
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 14/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الربا أشد عند الله -عز وجل- من ست وثلاثين زنية، وفي حديث آخر أشد من زنية واحدة، وفي القرآن الكريم أن من أكل الربا ومات دون توبة فهو من الخالدين في جهنم، السؤال: لماذا جعل الله -عز وجل- جريمة الربا أعظم من جريمة الزنا؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لم يرد في القرآن أن المرابي مخلد في النار، وإنما ورد أن المرابين "لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" [البقرة:275] وأن الذين يأكلون الربا معلنون للحرب على الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام -:"فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" [البقرة: 279]، وفي الصحيحين البخاري (2766) ومسلم (89)أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر منها "الربا" ولم يذكر الزنا، وروى أحمد (21957) والطبراني (11/94) : إلا أنه قال :"ثلاث وثلاثون" بدل "ست وثلاثون" - أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"، قال الهيثمي: سنده صحيح (الزواجر عن اقتراف الكبائر، ص 379).
وأما وجه تغليظ العقوبة الأخروية على الربا أكثر من الزنا، فهو لحكمة يعلمها الله -تعالى-، وقد يكون ذلك لأن الشهوة في أصلها رغبة فطرية جبل عليها الإنسان، فإن وَضَعها في حلال أجر، وإن وضعها في حرام أثم، لكن أصل الشهوة أمر جبلي فطري، أما الربا فليس من الفطرة، بل هو مناف للفطرة؛ لأنه ظلم والإنسان مفطور على بغض الظلم، وهو استغلال للآخرين، والإنسان مفطور على حب مساعدة الآخرين وليس استغلالهم، فالربا مناقض للفطرة، ومناقض لسنن الكون والحياة، ومناقض لأسس العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلا غرابة أن تكون عقوبته أعظم وأشد عند الله -تعالى- من الزنا، والله أعلم.
===========
هل هو شريك في إثم الربا ؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 8 / ص 502)
هل هو شريك في إثم الربا ؟
المجيب د. عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
رئيس قسم التفسير والحديث بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر
المعاملات/ البيوع/مسائل متفرقة
التاريخ 03/01/1426هـ
السؤال
لدينا مصنع حكومي لتوزيع الإسمنت، وهذا المصنع لا يقوم بإعطاء مادة الإسمنت إلا لمن لديه رخصة بناء ومتحصل على قرض من المصرف (القرض طبعاً بفوائد)، ولدي صديق يقوم بشراء الحصص الزائدة عمّن لديهم قروض لكي يقوم ببيعها، والربح فيها، وسؤالي: هل يعتبر هو كذلك مشترك بالاستفادة من القرض؟ حيث إنه لا يمكن الحصول على الإسمنت إلا إذا كان لديك قرض عقاري.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فصديقك الذي يقوم بشراء الكميات الزائدة عن حاجة أصحابها ثم يتاجر فيها فعمله هذا مباح ومنفصل تماما عن الوسائل التي اشترى بها البائعون كميات الأسمنت المشار إليه ودخله منه حلال وهو غير مسؤول أمام الله عن القروض المدفوع عنها فوائد ربوية والله عز وجل يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"[فاطر:18]، ويقول: "كل نفس بما كسبت رهينة"[المدثر:38]. والله -تعالى- أعلم.
===============
هل هذه المعاملة من الربا؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 20)
هل هذه المعاملة من الربا؟
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المعاملات/ البيوع/مسائل متفرقة
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل هذه الصورة من الربا وهي : أن يأتي سائق المطعم بالطلب، ويطلب منك الثمن، مثلاً (عشرة ريالات!)، فلا يجد أحيانًا صرف خمسين أو مئات، فيقول لك هذا السائق: هات الخمسين، وآتيك بالباقي بعد حين، فهل هذه المعاملة حرام؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالجواب، والله أعلم، جواز الصورة التي جاءت في السؤال، فلا تدخل في الربا في نظري؛ لأنها ليست صرفًا، ولا هي بمعناه، وليست أيضًا حيلة إليه، وإنما هي شراء شيء أو طلبه بثمن معلوم بقي لأحد المتبايعين مبلغ غير مقبوض، فالصرف الممنوع صورته أن يقول شخص لآخر: اصرف لي هذه العملة من فئة الخمسين مثلاً. فيقول المطلوب منه الصرف: ما عندي إلا عشرة فخذها وآتيك بالباقي. ويفترقا من غير قبض الباقي، ويدخل في ذلك أيضًا ما كان حيلة إلى الربا، هذا وليس في الصورة المذكورة في السؤال شيء من ذلك، بل هي شراء لشيء غير ربوي كما تقدم إيضاحه، ولهذا يظهر لي جوازها. والله أعلم.
=============
ما يدخله الربا من صرف النقود
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 70)
ما يدخله الربا من صرف النقود
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المعاملات/ الصرف وبيع العملات/مسائل متفرقة
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نود من فضيلتكم إيضاح هذه المسألة: سمعت من بعض الناس أن هناك بعض المعاملات في صرف النقود تدخل في الربا، أو إنها ربا صريح، فسأعطيكم هذا المثال لأوضح المقصود، مثلا رجل معه 500 ريال فذهب لشراء شماغ، فعندما اختار أحد الأنواع، قال له البائع إنه ليس لديه صرف، فذهب هذا الرجل إلى البقالة المجاورة لهذا المحل، فصرف ال500 ريال، فعند الصرف قال صاحب البقالة إني الآن معي 400 ريال، خذها واشتري الشماغ، وتعال إلي بعد نصف ساعة، حتى أعطيك المئة المتبقية.(2/84)
مثال آخر وهو يحصل دائما عند من يبيعون الذهب، وهو أن تأتي المرأة لشراء ذهب، فلا يكون مع البائع صرف، فيقول لها اذهبي تجولي في السوق، وتعالي إلىّ بعد نصف ساعة لكي تأخذي الباقي، هل يعتبر هذا فيه ربا لأن التقابض لم يكن في نفس الوقت؟
الله يجزيكم خيراً، نريد التفصيل في مسألة صرف النقود.
والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد فقد روى مسلم في صحيحه (1587)، وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة..مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد". الحديث، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم- أن بيع الشيء بجنسه لابد فيه من أمرين: الأول القبض من الطرفين في مجلس العقد، والثاني التساوي، وفي نهاية الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد"، هذا ومعلوم أن أكثر المعاملات في هذا الزمان بالعملات الورقية، وهي بدل الذهب والفضة، والبدل له حكم المبدل، فيكون حكمها حكم الذهب والفضة، وبناء على هذا فإنه مثلاً عند صرف فئة خمسمائة من هذه الورق لا بد من التقابض بين الطرفين في مجلس العقد، فلا يجوز أن يأخذ البعض ويؤخر البعض الباقي للحديث السابق، وأيضاً في المثال الآخر الذي ذكره السائل لا يجوز، كما في المثال الأول للصلة السابقة في المثال الأول، وهي عدم القبض في مجلس العقد، وعلى المشترية في هذا المثال أن تؤخر الشراء والاتفاق مع صاحب الذهب حتى يكون لديه الصرف، ليتحقق شرط القبض في مجلس العقد، والله أعلم .
===============
شبهات لأكل الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 80)
شبهات لأكل الربا
المجيب د. عبد الله بن إبراهيم الناصر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
المعاملات/ الربا والقرض/ربا الفضل وربا النسيئة
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
ما رأي الدين فيمن لا يجد حرجاً في أكل مال الفائدة العائد من البنوك الربوية، مبرراً ذلك بكون الإسلام حرّم الربا حتى يحمي الفقير من جشع وطمع الغني، وحتى يتم التكافل بينهما؟
الجواب
دلت النصوص الصريحة من القرآن والسنة على حرمة الربا أخذاً وإعطاءً وتعاوناً، ومن ذلك قوله -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة" [آل عمران:130] وقوله -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" [البقرة:279].
والربا الذي ورد في السؤال هو ربا القرض وهو: اشتراط الزيادة في رد بدل القرض.
حيث يتفق المقرض -وهو هنا العميل- مع المقترض -وهو البنك- على أن يقرضه مبلغاً من المال -وهو الذي يودعه عنده- مقابل نسبة مئوية محددة كـ 6% مثلاًَ، وسواءً في ذلك كان الاتفاق صريحاً أو ضمنياً أو كانت الزيادة بمبلغ مقطوع أونسبة مئوية محددة، أو كان المقرض غنياً أو فقيراً.
أما ادعاء التفريق بين القرض الإنتاجي والاستهلاكي فيجوز الربا في الأول دون الثاني؛ لأن الأول يقترض لينتج ويستثمر -كما هو الشأن في البنك- ومن ثمَّ يجوز أخذ الربا عليه فإن هذا غير صحيح لما يلي:
1-عموم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المحرمة للربا من دون تفريق بين نوع وآخر.
2-أن العباس بن عبدالمطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنه- كان يقترض في الجاهلية لأجل استثمار الأموال، فيعطي المقرض نسبة محددة والباقي له، ومع ذلك حرمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووضعه كما ورد في حديث حجة عام الوداع.فيما رواه مسلم(1218) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-
أما حكم الذي يأكل الربا فإنه فاسق؛ لأنه خالف النصوص الشرعية، ولما ورد في الربا من وعيد لآكله وللمتعاونين فيه، منها حديث: "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها: "وأكل الربا"رواه البخاري(2767)، ومسلم(89) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وكذلك حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه" رواه الترمذي(1206)، وأبو داود(3333)، وغيرهم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
ولذا فإنني أنصح هذا الأخ بأن يتوب إلى الله وينتهي عن أكل الربا، ولا يستدل بهذه الشبهات التي دلت النصوص الصريحة على بطلانها، والله أعلم.
===============
شبهات لأكل الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 80)
شبهات لأكل الربا
المجيب د. عبد الله بن إبراهيم الناصر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
المعاملات/ الربا والقرض/ربا الفضل وربا النسيئة
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
ما رأي الدين فيمن لا يجد حرجاً في أكل مال الفائدة العائد من البنوك الربوية، مبرراً ذلك بكون الإسلام حرّم الربا حتى يحمي الفقير من جشع وطمع الغني، وحتى يتم التكافل بينهما؟
الجواب
دلت النصوص الصريحة من القرآن والسنة على حرمة الربا أخذاً وإعطاءً وتعاوناً، ومن ذلك قوله -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة" [آل عمران:130] وقوله -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" [البقرة:279].
والربا الذي ورد في السؤال هو ربا القرض وهو: اشتراط الزيادة في رد بدل القرض.
حيث يتفق المقرض -وهو هنا العميل- مع المقترض -وهو البنك- على أن يقرضه مبلغاً من المال -وهو الذي يودعه عنده- مقابل نسبة مئوية محددة كـ 6% مثلاًَ، وسواءً في ذلك كان الاتفاق صريحاً أو ضمنياً أو كانت الزيادة بمبلغ مقطوع أونسبة مئوية محددة، أو كان المقرض غنياً أو فقيراً.
أما ادعاء التفريق بين القرض الإنتاجي والاستهلاكي فيجوز الربا في الأول دون الثاني؛ لأن الأول يقترض لينتج ويستثمر -كما هو الشأن في البنك- ومن ثمَّ يجوز أخذ الربا عليه فإن هذا غير صحيح لما يلي:
1-عموم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المحرمة للربا من دون تفريق بين نوع وآخر.
2-أن العباس بن عبدالمطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنه- كان يقترض في الجاهلية لأجل استثمار الأموال، فيعطي المقرض نسبة محددة والباقي له، ومع ذلك حرمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووضعه كما ورد في حديث حجة عام الوداع.فيما رواه مسلم(1218) من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-
أما حكم الذي يأكل الربا فإنه فاسق؛ لأنه خالف النصوص الشرعية، ولما ورد في الربا من وعيد لآكله وللمتعاونين فيه، منها حديث: "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها: "وأكل الربا"رواه البخاري(2767)، ومسلم(89) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وكذلك حديث جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه" رواه الترمذي(1206)، وأبو داود(3333)، وغيرهم من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
ولذا فإنني أنصح هذا الأخ بأن يتوب إلى الله وينتهي عن أكل الربا، ولا يستدل بهذه الشبهات التي دلت النصوص الصريحة على بطلانها، والله أعلم.
=============
شبهة جريان الربا في العملات الورقية!
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 87)
شبهة جريان الربا في العملات الورقية!
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المعاملات/ الربا والقرض/ربا الفضل وربا النسيئة
التاريخ 21/07/1425هـ
السؤال(2/85)
طرح أحد الإخوة هذا الموضوع، وأتمنى أن أجد توضيحًا؛ جزاكم الله خيرًا، هل هناك ربا في العصر الحالي؟ أنا أرى أنه لم يعد هناك ربا بالمعنى الديني، وبالتالي أرى أن من حق أي إنسان أن يستفيد من إيداعاته بالبنك، وأن يتقاضى أرباحها حلالًا زُلالًا، وأرجو من علماء الدين مناقشة هذا الرأي، وإليكم التوضيح:حرم الربا عندما كانت العملة ذات سعر ثابت، حيث كان الدينار يشتري لك مثلًا عشرة من الإبل، الآن أو بعد 50 عامًا، وذلك لأن الدينار كان مسكوكًا من الذهب أو الفضة، وقيمته ثابتة لا تتغير، كما أن الدينار كان عملة لا سلعة تتداول في الأسواق، أما اليوم فقد أصبحت جميع العملات تشترى وتباع في الأسواق مثل الخضار والفواكه والملابس، وبالتالي وكما يحق لتاجر الخضار أن يضع الربح المناسب لبضاعته، يحق لرجل أودع نقوده في بنك يمارس بيع العملة أن يحصل على أرباح بضاعته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
الرأي أن حديث أبي سعيد وحديث عبادة - رضي الله عنهما- أخرجهما مسلم (158، 1587) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذَّهَبُ بالذَّهبِ، والفِضَّةُ بالفضةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرُ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والمِلْحُ بالمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بسَوَاءٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى".
وقولك في السؤال: بأن الدينار قيمته ثابتة لا تتغير، فهذا غير صواب، بل الدينار يتغير من قديم الزمن، وكذلك درهم الفضة، ولو فرضنا أنه لا يتغير فإن الشارع أثبت الربا فيه: "الذهبُ بالذهبِ والفضةُ بالفضةِ..." إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: "مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ".
وأما قولك: إن العملات أصبحت الآن تباع وتشترى، فكذلك - أيضًا- في الزمن السابق كانت الدنانير والدراهم تباع وتشترى، ولهذا ورد في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: كنتُ أبيعُ الإِبلَ بالبَقِيعِ فأبيعُ بالدَّنانيرِ وآخُذُ الدراهمَ، وأبيعُ بالدراهمِ وآخُذُ الدنانيرَ. أخرجه أحمد (6427) ، وأبو داود (3354). يعني: يبيعون بالدراهم ويبدلون بالدراهم دنانير، "ونبيع بالدنانير ونأخذ عليها الدراهم". والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة.." إلى أن قال: "مثلا بمثل سواء بسواء". وهذا المضروب وغير المضروب، فثبوت الربا في الذهب والفضة (الدراهم والدنانير)، وما ذكره السائل- من شبهتين، هذا غير مسلَّم كما ذكرنا، وإذا ثبت هذا في الذهب والفضة، فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، فالعلة - كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وغيره- في الذهب هي كونه ثمن الأشياء، وهذا يرد الآن على العملات الورقية، أنها ثمن للأشياء فيسري فيها الربا. والله أعلم.
=================
هل هذا من الربا؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 95)
هل هذا من الربا؟
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
المعاملات/ الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها
التاريخ 13/7/1425هـ
السؤال
شيخي الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله و بركاته. وبعد:
أرجو إفتائي في بعض المسائل المتعلقة بالقروض وهي كالتالي:
1- إذا أردت شراء سيارة بنظام القسط (وطبعاً سوف يخبرني البائع عن سعر الفائدة
الذي سوف يحسب على أساسه القسط، وهذا تبعاً للضمانات التي سوف أقدمها له)، هل هذا يعتبر رباً أم لا؟
إذا كنت قد أخذت بالفعل قرضاً من بنك ما، لحاجتي له في عملي ومعاشي، وقد كنت
أخذت جزءاً منه لشراء سيارة، هل هذا ربا؟ وإذا كان كذلك، ماذا أفعل للتخلص منه ومن ذنبه؟ -ولكم جزيل الشكر و جعلكم الله نفعاً للمسلمين-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
طالما أن السائل قد اشترى، أو قد اتفق مع مريد بيع السيارة على الشراء، وعلى ثمن الشراء، وعلى تحديد الأجل، وعلى تحديد الثمن، ثم جرى العقد بينهما على هذا الاتفاق، بعد أن تم التأكد بأن البائع مالك للذي باعه وهو السيارة مثلاً، فلا يظهر في ذلك بأس، ولا يعتبر ذلك من الأمور المنهي عنها، أو من الأمور الربوية، وإنما هذا بيع، والله - سبحانه وتعالى- يقول: "وأحل الله البيع وحرَّم الربا"[البقرة: 275]، وقال - سبحانه وتعالى- في ذكر أحكام البيوع المؤجلة: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه..."[البقرة: 282]، فهذا يدل على أن البيع إذا كان مؤجلاً فهو بيع صحيح، ولو كان الثمن زائداً عن قيمته أو ثمنه في الحال، فإن هذه الزيادة في مقابل تأجيل الثمن إلى ما يتفقان عليه.
أما ما ذكر السائل من أنه أخذ من البنك قرضاً بفائدة ربوية وليس شراء سلعة ونحوها، فهو حرام، وقد قال - سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: "وأحل الله البيع وحرم الربا"[البقرة: 275]، وقال -سبحانه وتعالى-: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"[البقرة: 278-279]، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه" رواه مسلم(1597)، وعليه أن يتقي الله - سبحانه- وأن يتوب، وأن يستشعر ذنبه في ذلك، وألا يعود إلى مثل هذا، ونظراً إلى أن القضية قد انتهى أمرها، وليست الآن بمقدوره حتى يحتاط، وحتى يقلع، ويبتعد، بل حسبما جاء في سؤاله أن اقتراضه قد تم، وأنه قد أخذ المبلغ، واشترى ببعضه سيارة وباقيه قضى به حوائجه، وقد استقرت ذمته بذلك المبلغ، وبما عليه من فوائد ربوية، وهذا لا شك أنه إجرام، ولا شك أنه معصية منه، فعليه أن يستغفر الله، وأن يتوب إليه، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتجاوز عنه، ويغفر له.
==============
العمل في البنوك
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 97)
العمل في البنوك
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المعاملات/ الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها
التاريخ 23/3/1424هـ
السؤال
ما حكم العمل في البنوك؟ فأنا كنت أعمل في بنك ببلدي فيها يطلق عليها البنوك الإسلامية، لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك، فكيف أكفر عن هذا العمل الذي كنت أعمل به؟ فأرجو من فضيلتكم الإفادة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
المال إذا كان محرماً لكسبه، فلا يخلو الكاسب من أمرين، الأمر الأول: أن يعلم وجه التحريم، وأن هذا الكسب محرم فإن عليه أن يتخلص منه بوجوه القربات، حيث يتصدق به على الفقراء والمساكين، ويجعله في الجمعيات الخيرية وبناء المساجد، والمدارس الشرعية وغير ذلك.
الأمر الثاني: أن يجهل أن هذا الأمر محرم، أو يظن أنه حلال.. إلخ، ثم يتوب فهذا ليس عليه شيء.
=============
التقسيط بين البنك والمعرض
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 98)
التقسيط بين البنك والمعرض
المجيب د. راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المعاملات/ الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها
التاريخ 6/3/1424هـ
السؤال(2/86)
عندي معرض سيارات، وأمتلك فيه سيارات، وأبيعها لمن جاء بالكاش، ومن أراد أن يشتري بالتقسيط أقول له: اذهب لأي بنك راتبك محول عليه، ما عدا الراجحي، وأطلب منه أن يحضر مشهداً براتبه، ثم أعطيه تسعيرة للبنك المحول راتبه عليه، ليشتري البنك السيارة، والبنك يرسل خطاباً بالموافقة على أن يشتري السيارة ويبيعها بالأقساط على الزبون، وقد يحدث بيننا وبين البنك تفاوض على السعر، وإذا تم الاتفاق نبعث بيانات السيارة ثم يبيعها للزبون، وتصبح في ملكية الزبون، ثم يعرضها الزبون للبيع وهي عندنا في المعرض، فنتفاوض معه على شراء السيارة منه، وقد نتفق وقد لا نتفق، ويسحب سيارته ويبيعها على غيرنا.
الجواب
هذا العمل لم يستوف الإجراءات الشرعية، وبالتالي فلا يسوغ شرعاً، والإجراءات الشرعية كما يلي: إذا جاء من يرغب الشراء بالتقسيط فلا بأس أن يعطي إفادة بالبنك المحول راتبه عليه، ويُعْطَى تسعيرة للسيارة، ثم يتعين على البنك أن يشتري السيارة من المعرض ويخرجها منه، ويحوزها بأوراقها النظامية، ثم بعد ذلك يعقد مع المشتري عقد البيع بالتقسيط، ثم بعد أن يقبضها المشتري ويحوزها بأوراقها النظامية، ويستلمها من البنك، ويخرجها عن موقع البيع، له أن يبيعها في أي مكان وعلى أي شخص عدا البنك، ولو كان المعرض الأول، والله أعلم.
==============
أموال الربا بعد التوبة
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 204)
أموال الربا بعد التوبة
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/ الربا والقرض/الفوائد الربوية وكيفية التخلص منها
التاريخ 8/3/1423
السؤال
يقول الله -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة في آية الربا: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله" [البقرة:275] الآية، هل هذا يعني أن المرابي إذا تاب عن الربا ولديه أموال مختلطة تكون حلالاً له، ويعفى عنه؟ أم يجب عليه إخراج أموال الربا والتخلص منها؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: فهذه مسألة من المسائل الكبار وتحتاج إلى فتوى محررة، ولذا فإنني سأنقل هنا كلام شيخ الإسلام/ ابن تيمية -رحمه الله- حيث حرر وشفى.
قال -رحمه الله-: "...وأما ما كان قبضه، فقد قال: "فله ما سلف وأمره إلى الله" [البقرة:275] ، فاقتضى أن السالف له للقابض، وأن أمره إلى الله وحده لا شريك له، ليس للغريم فيه أمر، وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبة عليه إلى الله، وهذا قد انتهى في الظاهر "فله ما سلف وأمره إلى الله" [البقرة:275] إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له وإلا عاقبه.
ثم قال: "اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" [البقرة:278]، فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض.
وقال: "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم" [البقرة:279] لا يشترط منها ما قبض...، والقرآن يدل على هذا بقوله: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف" [البقرة:275]، وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه، فقد جعل الله له ما سلف...، وهذا وإن كان ملعوناً على ما أكله وأوكله فإذا تاب غفر له، ثم المقبوض قد يكون اتجر فيه وتقلب، وقد يكون أكله ولم يبق منه شيء، وقد يكون باقياً، فإذا كان قد ذهب وجعله ديناً عليه كان في ذلك ضرر عظيم، وكان هذا منفراً عن التوبة...، وكثير من العلماء يقولون: إن السارق لا يغرم لئلا يجتمع عليه عقوبتان...وهذا أولى لئلا يجتمع على المرابي عقوبتان إسقاط ما بقي والمطالبة بما أكل وإن كان عين المال باقياً فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه...، بل قبضه باختياره ورضاه بعقد من العقود، وهو لو كان كافراً ثم أسلم لم يرده، وقد قال -تعالى-: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله..." [البقرة:275]، ومن تدبر أصول الشرع علم أنه يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق.
من كتاب (تفسير آيات أشكلت 2/574-595)
================
الوفاء بدين الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 212)
الوفاء بدين الربا
المجيب د.حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/ الربا والقرض/بطاقات الائتمان
التاريخ 17/10/1423
السؤال
قبل سنوات كان لدي عدد من بطاقات الائتمان ) (Credit Cards))، وبعد مدة طويلة من الاستخدام والتسديد جاء وقت لم أستطع فيه الوفاء بالاستحقاقات الشهرية، فبدأت لا أدفع، وكنت أظن أنه لا ذنب علي؛ لأن شركات بطاقات الائتمان لم تكن شركات إسلامية. وبعد محادثة مع صديق لي أحسست بالندم على ما فعلت. فماذا يجب علي الآن أن أفعل؟ إذ من الصعب الاتصال بجميع الشركات، كما أنها ستطالب بتسديد المبالغ إضافة إلى غرامات التأخير في السداد، وكذلك الفوائد الربوية (interest)، فماذا أفعل لكي تبرأ ذمتي، وتقبل توبتي؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب
فيما يتعلق بالاستحقاقات المترتبة عليك بسبب بطاقات الائتمان -كما ورد في السؤال-، أولاً: يجب عليك التوبة والندم وعدم العودة؛ لأنك ارتكبت أمراً عظيماً باشتراكك في عقود تعلم أن فيها ربا.
وثانياً: يجب عليك أن ترد الحقوق لأهلها -وإن كانوا غير مسلمين-، لكن إن استطعت أن تعطيهم حقوقهم فقط بدون زيادة بسبب ربا، أو عقد باطل فلك ذلك، أقول: إن استطعت ولم يلحقك مسؤولية، أو ضرر فلك ذلك، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
=============
هل هذا من الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 254)
هل هذا من الربا
المجيب د. عبد الله بن محمد السعيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/ الربا والقرض/مسائل متفرقة
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
لي زميل في العمل تقَّدم بطلب للحصول على شقة من أحد المشاريع لإسكان الشباب، حيث تبلغ قيمة الوحدة نحو: 27000 جنيه، يدفع منها قبل استلام الوحدة 12500جنيه، والباقي بأقساط شهرية على 33سنة، مع العلم بوجود زيادة على أصل المبلغ، مقابل التقسيط في الدفع "يدفع المبلغ المتبقي بإجمالي أقساط نحو 25000جنيه"، وكذا وجود غرامات للتأخير في دفع الأقساط الشهرية، مع العلم أن هيئة المجتمعات العمرانية قد اتفقت مع بنك الإسكان والتعمير على الحصول على قرض 15000جنيه للوحدة الواحدة، تسدَّد بمعرفة المنتفع على 33سنة 25000جنيه.
1-هل هذا من باب الربا المحرم؟
2-ماذا أفعل لو كانت من الربا؟
أ-إذا دفعت جميع المبلغ المتبقي دفعة واحدة (15000 جنيه) لن يتبقى معي من المال ما أستطيع الزواج به وتجهيز بيت الزوجية، وبالتالي سيتأخر زواجي نحو أربع سنوات تقريباً.
ب-هل أقوم بتقسيط المبلغ على أربع سنوات اختياراً لأخف الضررين بالنسبة لي؟
ج-هل أفسخ العقد، مع العلم بأني سأخسر مبلغاً من المال؟
الجواب
يا أخي -حفظك الله- قد تضمن سؤالك عدة مسائل:
أولها: أن قيمة الشقة نقداً= 27 ألفاً، ولا إشكال في ذلك.
ثانيها: أن قيمة الشقة بالتقسيط=37500 جنيه ولا إشكال في ذلك، إذا خلا من موانع أخرى.
ثالثها: ما يفرض من غرامة على تأخير سداد الأقساط، وهو ربا لا يجوز الوفاء به، ويمكن تلافيه من خلال الالتزام بالوفاء في الوقت المحدد.
رابعها: اتفاق هيئة المجتمعات العمرانية مع بنك الإسكان والتعمير على تقديم قرض بقدر 15000يسدد على مدار 33سنة بقدر 25000، والقرض بهذه الصورة ربا لا يجوز، فإن كان المقترض هو هيئة المجتمعات العمرانية فإن ذلك يحتمل احتمالين:(2/87)
الاحتمال الأول: أن مشتري الشقة يسدد للبنك الربوي بالنيابة عن المدين الأصلي للبنك وهي هيئة المجتمعات العمرانية، وعلى هذا الاحتمال الأولى أن يجتنب المشتري التسديد للبنك، ويسدد للبائع مباشرة، فإن لم يمكنه ذلك، وكان محتاجاً للسكن، ولا تسعفه إمكانات في الشراء من جهة غير هذه الجهة، فأرجو ألا حرج عليه، فإنه ليس طرفاً في الربا، إذ إن طرفيه الهيئة، والبنك.
الاحتمال الثاني: أن مشتري الشقة يسدد للبنك الربوي على وجه الحوالة، بمعنى أن الهيئة -وهي مدين للبنك - قد أحالت دائنها (البنك)، على مدينها (مشتري الشقة)، ويكون ذلك بعقد بين الأطراف يتم بعد إبرام عقد البيع بين الهيئة والمشتري، وعلى هذا الاحتمال يكون عقد الحوالة باطلاً، فلا يؤدي المشتري الثمن للبنك، لكن للهيئة، فإن ألزمته الهيئة بالدفع للبنك كان ذلك على وجه الوكالة؛ نظراً لبطلان الحوالة، وإذا كان على وجه الوكالة فقد تقدم الكلام عليه في الاحتمال الأول.
فإذا لم يكن المشتري طرفا في الربا، ولم يكن قصده، أو رضي به وأرغم على الوفاء للبنك كما تقدم، وكان محتاجاً، ولا يجد طريقاً غير ذلك، فأرجو ألا حرج عليه.
وإن كان المقترض هو مشتري الشقة، بمعنى أن هيئة المجتمعات العمرانية قد اتفقت مع بنك الإسكان والتعمير على أن يقدّم البنك للمشتري قرضاً قدره 15000ليرده المشتري إلى البنك بعد 33سنه بقدر 25000فهذا ربا، فإذا أقدم عليه المشتري وقع في الربا، فعليه التوبة إلى الله -تعالى-، وعليه الخروج من هذا الربا بما يمكنه من طرق مشروعة منها:
1-أن يتفق مع البنك على إسقاط الفائدة.
2-أو يتفق معه على أن يعجل له القرض لتسقط الفائدة، ويمكنه حينئذ أن يتجه إلى بنك إسلامي في بلاده؛ ليشتري منهم بنظام المرابحة "التورق" ما يحصل منه على سيولة عاجلة يسدد بها ما عليه من قرض دفعة واحدة، ثم يسدد للبنك الإسلامي ثمن ما اشتراه منه على أقساط حسب اتفاقهما.
3-أو أن يفسخ العقد، إذا لم يجد مخرجاً يخرج به من الربا.
"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"[الطلاق: 2-3].
أما قولك: (هل أقوم بتقسيط المبلغ على أربع سنوات...) لم تظهر لي فيه وجه تلافي الربا.
وأخيراً فإني أوصي بتقوى الله -عز وجل- فإن الدنيا فانية والآخرة باقية، ومن تقواه:
أ-اجتناب الشبهات "فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه...) الحديث رواه البخاري(52)، ومسلم(1599) من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-.
ب-السؤال عن الشيء قبل الوقوع فيه.
ج- الرجوع إلى الحق بعد تبينه، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
==============
كفالة مقترض الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 327)
كفالة مقترض الربا
المجيب أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الضمان والكفالة
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك مؤسسة تعنى بشؤون الإسكان تقدم قروضا لمن يرغب في استكمال إعمار بيته بفائدة قليلة 3% ولمده تزيد على خمس سنوات من باب مصاريف الموظفين، وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهل يجوز لي أن أكفل شخصاً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟
الجواب
لا يجوز الاقتراض بفائدة ربوية مهما قلت النسبة ولو وزعت على عشرات السنين لأن قليل الربا وكثيره حرام، وتبرير هذه النسبة الربوية على أنها أتعاب ومصاريف للموظفين غير صحيح وإنما ذلك تزيين من الشيطان والنفس أمارة بالسوء ولا أعرف فتوى معتبرة لأهل العلم كما ذكرت في سؤالك، إذ ربما السؤال أو تعليل الجواب على غير هذه الصورة المسؤول عنها هنا. وعلى فرض وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن تجتنب الشبهات فتأخذ بالأحوط فيما يخصك لحديث النعمان بن بشير "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" البخاري (52)، ومسلم (1599) وفي الحديث الصحيح " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس" مسلم (2553) وفي الحديث الآخر: "استفت قلبك البر ما اطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك" أحمد (18006). وعلى هذا فلا يجوز لك أن تكفل شخصاً يتعامل بهذه المعاملة. وصلى الله على نبينا محمد.
===============
هل هذا الصرف من الربا؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 9 / ص 351)
هل هذا الصرف من الربا؟
المجيب د. محمد بن سعود العصيمي
أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الحوالة
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
أنا تاجر، وأشتري -من عند أحد الصرافين أحياناً- مبالغ من الدولار أو اليورو محولة إلى الصين والهند، وتكون طريقة البيع كالتالي: نتفق على السعر للدولار أو اليورو الواحد مقابل العملة الوطنية(330 أوقية مقابل الدولار الواحد مثلا) أعطيه نصف المبلغ أو أقل منه، ويقوم هو بتحويل المبلغ إلى الدولة المطلوبة، وبعد وصول المبلغ أدفع له الباقي.هل يوجد في هذه العملية ربا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لا بد أولاً من التصارف الصحيح، وذلك بأن يسلم من يريد الحوالة كامل المبلغ إلى محل الصرف أو البنك التجاري، ويستلم القيمة بالعملة المطلوبة، وهي الدولار الأمريكي أو اليورو كما في السؤال. ثم تجري الحوالة بعد ذلك. وقد جعل مجمع الفقه الإسلامي القيد البنكي قبضا. وعليه، فلو سلم طالب الحوالة المبلغ، وقيد البنك ما يقابله بالعملة المطلوبة (وهي الدولار أو اليورو)، فتعد قبضا، ويصح عقد الصرف. ثم تجري الحوالة بعد ذلك.
والله أعلم وأحكم.
==============
العمل في شركة أصل مالها من الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 10 / ص 32)
العمل في شركة أصل مالها من الربا
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الإجارة والجعالة
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
أعمل في شركة كبيرة، وأنا موظفة بها منذ سنة، رأس مال الشركة عبارة عن قرض ومجموعة مساهمين دفعوا مبالغ لإنشاء هذه الشركة، ولكن بعد سنوات تم شراء الشركة من قبل الدولة، وتم سداد القرض، وتم إرجاع المبالغ الخاصة بالمساهمين، أي أن الشركة أصبحت تابعة للدولة، وأصبحت إيراداتها تابعة لخزينة الدولة، وأصبحت مرتبات موظفيها من خزينة الدولة، ولكن سؤالي هل مرتباتنا حرام باعتبار أن الشركة عندما بدأت كانت عبارة عن قرض ربوي أي ما بني على باطل فهو باطل، وهل يجوز لي العمل في مكان أختلط به مع الرجال قليلاً علما بأن المسؤول عندنا رجل، وأنا أتعامل مع الرجال أحياناً. .أفيدوني مما أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:(2/88)
ما دام الحال ما ذكر وحيث إن الدولة قامت بشراء هذه الشركة وسداد هذا القرض، وتم إرجاع المبالغ الخاصة بالمساهمين، فكأن الدائرة قد بدأت من جديد والعقد السابق بين الشركة وموظفيها قد ألغي ، وقامت الدولة بالتعاقد من جديد معكم فلا يرد الإشكال المذكور، أما سؤالك عن حكم العمل في مكان يحصل به اختلاط قليل فالجواب إن من القواعد المقررة في الشريعة منع كل ما يؤدي إلى الرذيلة، ومتى علم وجود سبب يفضي غالباً إلى المحرم فهو محرم، فالاختلاط متى أدى إلى الفتنة فهو محرم، أما إذا كان يسيراً كما تذكرين ولم يصاحبه خلوة أو تبرج وسفور، أو خضوع بالقول فلا حرج في ذلك إن شاء الله -تعالى-.
===============
القانون يُلزمه بتسديد فائدة الربا فماذا يفعل؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 196)
القانون يُلزمه بتسديد فائدة الربا فماذا يفعل؟
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ استشارات اجتماعية/أخرى
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
تحملت عن امرأة ديناً عليها، أخذته عن طريق الربا وصورته: (أنها أخذت من امرأة ذهباً بقيمة 350 ألف ريال يمني إلى أجل، على أن ترده مع الزيادة، وأنا الآن أسدد عنها الدين مع الزيادة، لكونها فقيرة ولا تقدر على التسديد، وقد تتعرض لمشاكل عظيمة، فما حكم ذلك؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
إذا كان السائل والمرأة المدينة يستطيعون أن يكتفوا بسداد رأس المال فقط فنقول ينبغي لهم ذلك، أما إذا كان هناك إجبار، وهناك قوة تمثيلية تأخذ منهم الحق، سواء أكان ذلك بحق مشروع أو غير مشروع فينبغي أن يسدد عنها، وأن تبعد عن أسباب إهانتها وإجبارها على أمور لا تستطيع ردها.
==============
هل الربا ضرورة اقتصادية؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 392)
هل الربا ضرورة اقتصادية؟
المجيب د. يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/شمول رسالة الإسلام وعمومها
التاريخ 29/3/1425هـ
السؤال
أنا طالب مقيم في دولة غربية، وخلال إقامتي ناقشت بعض المسلمين الذين يجعلون العقل هو الحكم في قبول أدلة الشرع، فأخذوا يناقشوني في حرمة الربا وأن الحال الآن في العالم من العولمة والبورصة العالمية تستلزم التعامل بالفوائد، ولقد حاولت تبيين عظم حرمة الربا، ولكن للأسف من غير فائدة، أرجو من سماحتكم توجيهي في طريقة مناقشتهم والكتب التي تنصح في قراءتها لمناقشة مثل هذا الصنف من الناس. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فمن الممكن مناقشة هؤلاء من خلال عدة محاور:
الأول: بيان ما يجب على المسلم تجاه النصوص الشرعية من التسليم والانقياد لحكم الله، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً حقاً حتى يحكم النصوص الشرعية سواء وافقت عقله القاصر وهواه أو لم توافقه ، وأن من مقتضى الإيمان بالله أن يستسلم العبد لحكمه ، يقول سبحانه: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما " [النساء:65].
الثاني: على العبد أن يوقن دوماً أن حكم الله فيه غاية المصلحة والخير الدنيوي والأخروي للعباد، وأن العبد إذا ظهر له خلاف ذلك فإنما هو لقصوره البشري؛ لأن الله تعالى هو واضع هذه الأحكام، وهو أدرى بمصالح العباد من أنفسهم ، يقول تعالى: "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " [المائدة:50].
الثالث: وأما كون النظام السائد في الأسواق العالمية هو نظام الفائدة فهذا لا يعني أنه أفضل من النظام الاقتصادي الإسلامي، لأن انتشار نظام الفائدة كان له أسبابه ومبرراته، ومنها الدعم الكبير الذي حظي به هذا النظام من قبل المؤسسات الرأسمالية وأصحاب النفوذ والسلطة ، وهم المستفيد الأول منه، وصاحب ذلك ضعف سياسي عند المسلمين نتج عنه غياب أو انحسار البدائل الشرعية المناسبة، وكون الدول الرأسمالية قد حققت قدراً أكبر من الرفاهية مقارنة بالدول الأخرى لا يرجع ذلك بالضرورة إلى نجاح نظامها الاقتصادي ، فثمة عدة عوامل ساعدت على ذلك من أهمها: الاستقرار السياسي، وبناء مؤسسات المجتمع المدني من سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية على نحو تفوقت فيه على كثير من الدول، والأهم من ذلك هو ابتزازها لخيرات الشعوب الأخرى، وتسخيرها لكافة إمكانياتها العسكرية والسياسية والاستخباراتية ، لدعم نظامها الاقتصادي ، تحت مسميات متعددة، فتارة باسم الاستعمار ، وتارة بالضغوط الخارجية، وأحياناً بالحصار الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب، وأحياناً بدعوى الإصلاح الإداري..، وقل ما شئت من المسميات التي لا تنطلي على عاقل، ويدرك اللبيب أن المقصود منها هو التضييق على بقية الدول وامتصاص خيراتها وإجهاض أي محاولة لمنافسة الدول الاستعمارية.
الرابع: ولا يخفى على الناظر بتمعن ما سببه النظام الرأسمالي من ويلات ونكبات على الشعوب والمجتمعات، حيث نجد دولاً برمتها تنهار اقتصادياتها في أيام معدودة بسبب الجو الملائم لمثل ذلك الذي أوجده هذا النظام ، كما يكفي أن نعرف أن أكثر من نصف سكان الأرض - في ظل النظام الرأسمالي - يعيشون تحت خط الفقر ، وأن 5% فقط من العالم تعادل ثروتهم ثروة بقية العالم، بل نجد المؤشرات الاقتصادية داخل الدول الرأسمالية نفسها تشير إلى أن كفة الأغنياء في تصاعد مستمر على حساب الفقراء، ومرد ذلك إلى الآلية التي يسير عليها النظام الرأسمالي والتي من شأنها أن تزيد الغني غنىً والفقير فقرا ، فكيف يؤمل بعد ذلك أن يعم الرخاء بسيادة هذا النظام في العالم.
الخامس : وقد ظهرت بعض البدائل المتفقة مع االشريعة الإسلامية في العقدين الماضيين في البلدان الغربية نفسها ، فظهر ما يعرف ب (صناديق الاستثمار) (Investment funds) وهي في الحقيقة مبنية على نظام المشاركة في الربح والخسارة الذي عرفه الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، وقد حققت تلك الصناديق نجاحاً منقطع النظير على حساب نظام الفائدة ، مما حدا بكثير من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا إلى أن تجعلها من ضمن الأعمال الأساسية التي تمارسها البنوك التجارية، بعد أن كان مترسخاً في الأذهان لقرون متعددة أن دور المصارف يقتصر على الإقراض بالفوائد ، ويكفي أن نعرف أن القيمة السوقية لصناديق الاستثمار في أمريكا وحدها تزيد عن ثلاثة ترليونات دولار ، وفي اعتقادي أن صناديق الاستثمار خطوة في الاتجاه الصحيح للتخلص من نظام الفائدة والاعتماد على الاستثمار بنظام الربح المبني على عقد المشاركة.
السادس: وإتماماً للفائدة أشير إلى مقارنة سريعة بين نظام الربح المبني على المشاركة ، ونظام الفائدة المبني على عقد القرض ، فقد جاء تحريم الفائدة الربوية وإباحة الربح في الشريعة الإسلامية ، لتحقيق مقاصد عظيمة، ومصالح كبيرة تعود بالخير على البشرية جمعاء، دفعاً للظلم عنهم ، وتحقيقاً للعدل بينهم ، إلا أن الإنسان ذلك الظلوم الجهول بما يعتري فطرته من الانتكاس والغفلة ، لا يتوانى عن الخضوع ذليلاً لكل ما يشرعه أهل الأرض بما تحمله تلك التشريعات من ظلم وجور وطغيان.
فالإسلام حين حرم الفائدة فإنما حرمها لما تنطوي عليه من الظلم والفساد بين العباد، وحين أباح الربح فلما فيه من العدل والإصلاح بين الناس ، ولنتأمل في بعض الآثار الاقتصادية لكل منهما:(2/89)
1- فالربح يحقق الأهداف التنموية للبلاد على عكس ما تؤديه الفائدة ، ذلك أنه من المعروف أنه فيما عدا بعض القروض التنموية الممنوحة من هيئات متخصصة فإن سوق القروض يعد سوقاً قصير الأجل بمعنى أن المقرضين في الغالب يتحاشون الإقراض طويل الأجل خوفاً من تقلب أسعار الفائدة أو تدني القوة الشرائية للنقود أو التغير في معدلات الصرف .
لذلك يبدو التعارض قائماً بين أهداف المقرضين وسلوكهم وبين الحاجة للاستثمار طويل الأجل في معظم المجالات الاقتصادية الحيوية ، والتي لا تتحقق إلا باعتبار الربح معياراً للإنتاج.
2- ونظام الربح يضمن تحول رأس المال في المجتمع إلى رأس مال منتج يساهم في المشروعات الصناعية والزراعية وغير ذلك ، بينما في نظام الفائدة يودع الناس فائض أموالهم النقدية في البنوك مقابل فائدة منخفضة السعر يقررها البنك لودائعهم، ثم يقوم بتحويل هذه الأموال إلى خارج البلاد واقتضاء فوائد مضمونة عليها، دون أن تشارك هذه الأموال في التنمية الاقتصادية.
3- الربح عامل توزيع للموارد الاقتصادية بخلاف الفائدة التي تعتبر أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد، وذلك لأن آلية الربح تشجع على توجيه الأموال إلى الاستثمارات الأعلى جدوى والأكثر إدراراً للعائد ، بينما تتحيز الفائدة بصفة رئيسية للمشروعات الكبيرة التي تحصل بحجة ملاءتها على قروض أكبر بسعر فائدة أقل، بصرف النظر عن إنتاجيتها، مما يساعد على تركيز الثروات في أيدي قلة قليلة من المرابين .
4- ولأن الربح ناتج عن ارتباط المال بالعمل فالتدفقات النقدية التي تتحقق وفقاً لهذا النظام مرتبطة بتدفقات مقابلة من السلع والخدمات الضرورية للمجتمع ، وذلك بخلاف نظام الفائدة حيث تنطوي عمليات منح الائتمان في المصارف التقليدية على زيادة كمية النقود المعروضة بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخميه.
5 - أن البنوك في استغلالها للودائع بنظام الفائدة إنما تخلق نقوداً مصطنعة هي ما يسمونه بالائتمان التجاري، وهي بهذا تغتصب وظيفة الدولة المشروعة في خلق النقود بما يحف هذه الوظيفة من مسئوليات ، ولا ينفرد بهذا الرأي علماء المسلمين بل قد أجمع كثير من علماء الاقتصاد في الغرب على أن الائتمان الذي تقدمه البنوك سواء كان في قروض الاستهلاك أو الانتاج من شأنه أن يزعزع النظام الاقتصادي لأن التعامل في البلاد الرأسمالية لم يعد بالذهب أو بالفضة أو بأوراق النقد إلا في القليل النادر، أما أكثر التعامل فيجرى بالشيكات، والثابت بحكم الواقع أن البنوك تميل في أوقات الرخاء إلى التوسع في الإقراض بفتح الاعتمادات التي تربو على رصيدها أضعافاً مضاعفه، وميلها في أوقات الركود إلى الإحجام عنه وإرغام المقترضين على السداد ، فهذا البسط والقبض الذي تتحكم فيه إرادة القائمين على المصارف الربوية هو من أهم العوامل التي تهز الكيان الاقتصادي ويفضي إلى تتابع الأزمات.
6- ولا ينقضي عجب الإنسان حين نعلم أن من علماء المسلمين المتقدمين من تحدث عن الأضرار الاقتصادية للربا وكأنما هو يصف حالة التخبط التي يعيشها العالم الاقتصادي اليوم:
فيقول الإمام الغزالي رحمه الله: (إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهم زائد نقداً أو آجلاً خف عليه اكتساب المعيشة فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق ، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعة والإعمار).
ويتحدث ابن القيم - رحمه الله - عن الضرر الناشئ عند الاسترباح بالنقود وحكمة تحريم ربا الفضل فيقول: (والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره إذ يصير سلعة يرتفع، وينخفض فتفسد معاملات الناس، ويقع الحلف ويشتد الضرر كما رأيت حد فساد معاملاتهم، والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم ، فالأثمان لا تقصد لأعيانها بل يقصد منها التوصل إلى السلع، فإذا صارت في نفسها سلعة تقصد لأعيانها فسد أمر الناس).
وفي تفسير المنار: (وثم وجه آخر لتحريم الربا من دون البيع، وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزاناً لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم فإذا تحول هذا وصار النقد مقصوداً بالاستغلال فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس، وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال).
وختاماً فهذه بعض أسماء الكتب المفيدة في الموضوع:
1- نحو نظام نقدي عادل، للدكتور: محمد عمر شبابرا ، وهو من مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وهذا المعهد موجود عندكم في أمريكا ، وعنوانه على الشبكة العالمية هو: http://www.iiit.org
2- موسوعة الاقتصاد الإسلامي للدكتور / محمد عبد المنعم جمال
3- بالإضافة إلى عدد من المطبوعات لدى معهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا، وهو موجود في ولاية فرجينيا، وعنوانه على الشبكة العالمية: www.iiasa.org وبإمكانك الاتصال بهم على الرقم : 7032073901 وسيقومون بإذن الله بتزويدك بما تحتاج إليه من كتب .
=============
الصلاة في مركز إسلامي اشتُرِي بمال الربا
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 405)
الصلاة في مركز إسلامي اشتُرِي بمال الربا
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
نصلي الصلوات المكتوبة بأحد المراكز الإسلامية، وقد قام القائمون عليه بتسديد ثمنه بقرض ربوي أفتاهم بجوازه أحد المشايخ في أوربا، فهل الأفضل لنا الاستمرار في أداء المكتوبات بالمسجد؟ أم نصلي في بيوتنا؟ علماً أن أقرب مسجد يبعد حوالي 6 كيلو متر. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
فتوى من ذكرت لا تصح، ولا يجوز بناء المساجد من أموال ربوية أو مسروقة، ولو نظرت إلى مشركي قريش حينما أرادوا بناء الكعبة حينما تهدمت فإنهم جنبوا الأموال المحرمة في بنائها، حتى قصر بناؤهم عن بناء جميع الكعبة، فحجروا الجزء الذي لم يبن، وأما إذا تم البناء وانتهى فالإثم على من أفتاكم، وأما صلاتكم فيه فصحيحة.
================
هل يدخل هذا في الربا؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 275)
هل يدخل هذا في الربا؟
المجيب أ.د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
تقدمت للحصول على سكن من إحدى الشركات التابعة للدولة، بحيث دفعت ربع القيمة والباقي على أقساط شهرية تخصم من الراتب بعد الاستلام، مع العلم بأن الثمن مبين مسبقاً، ولكن دخل طرف ثالث من غير علمنا وهو المصرف العقاري، بحيث غطى باقي المبلغ {ثلاثة أرباع الثمن المتبقي عليَّ}، ووضع عمولة وعائد خدمة، بحيث زاد الثمن عن الثمن المتفق عليه أولاً، فهل تعتبر هذه الزيادة من الربا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(2/90)
فهذا من الربا الواضح، فهذه الزيادة سواء سميت عمولة أو عائد أو غير ذلك فهي ربا صريح، لأنهم دفعوا عنك مبلغاً وتعيده بعد مدة أكثر مما دفعوا عنك، ونصيحتي لك أن تتخلص وتسدد إن كنت تقدر، وإلا فألزم الشركة التي كتبت معها عقداً أن تلتزم بالعقد، وألا تطلب منك زيادة، و"المؤمنون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً"، والله أمرنا بالوفاء بالعقود.
وإن كان هذا الأمر بغير اختيارك ولم تستطع أن تسدد حاضراً أو تتخلص من المعاملة فأنت معذور، والله لا يكلف نفساً فوق طاقتها، والمشقة تجلب التيسير، ويتحمل الوزر من ألزمك وأوقعك في المحذور، وفقك الله لطيب المطعم، ورزقنا وإياك الحلال وجنبنا الحرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
==============
هل هذا من بيع الآجل أم الربا؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 356)
هل هذا من بيع الآجل أم الربا؟
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
أنا أعمل لدى متعهد (مؤسسة خاصة) للدوائر الحكومية، طبيعة عملها شراء وتأمين ما تحتاجه بعض القطاعات الحكومية من السوق داخليا أو خارجياً، وبعد ذلك تقوم بإضافة نسبة العمولة (20%) إلى سعر السوق، بحيث إن القطاع الحكومي يدفع للمؤسسة بالآجل، وفي بعض الأحيان يحتاج القطاع الحكومي إلى السيولة لشراء ما يحتاجه، فتقوم المؤسسة بإعطائك المال نقدًا، وعند السداد تقوم بإضافة نسبة العمولة.
فهل يعد هذا ربا؟ وفي حالة وجود ربا فهل راتبي الذي أخذته يعتبر حرامًا؟ وهل يجب عليَّ ترك العمل والبحث عن عمل آخر، وإخبار صاحب المؤسسة بسبب تركي العمل؟ أفيدوني، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن ما تقوم به المؤسسة المذكورة من توفير احتياجات بعض القطاعات الحكومية، حيث تقوم بالشراء من السوق، وتضيف هامش ربح، على أن تسدد الجهة العامة نقدا أو بالآجل لا حرج فيه ولا إشكال، فهو من البيع الذي أحله الله في كتابه، وإن كانت الجهة العامة هي التي تعين السلعة، وتطلب من المؤسسة الخاصة شراءها لها على أن تسدد بعد مدة بسعر أعلى متفق عليه فهذا أيضا لا إشكال فيه، وهو ما اصطلح على تسميته اليوم بالمرابحة للآمر بالشراء، وهو جائز -إن شاء الله- بشرطه، بحيث يدخل في ملك المؤسسة، ثم تبيعه على الجهة العامة.
وأما أن تقرض المؤسسة الخاصة الجهة الحكومية مالاً -على أن تسدده هذه الأخيرة بعد مدة مضافًا إليه نسبة من القرض قلَّت أو كثرت- فهو عين الربا الذي حرمه الله في كتابه.
وأما عن مشروعية العمل في مثل هذه المؤسسات، فهذا يعود إلى طبيعة عمل المؤسسة أساسا، فإن كان عملها الأصلي هو الحلال وهو الغالب عليها، وإنما يدخل عليها بعض المال الحرام، فالعمل فيها جائز، وعلى المرء أن يتجنب عقد الصفقات المشبوهة أو المحرمة ولا يقربها، وراتبه الذي يأخذه على عمله الحلال حلال إن شاء الله، ومن وجد عملا مكافئا لعمله في مكان آخر لا شبهة فيه فالأحوط لدينه أن ينتقل. والله أعلم.
==============
هل أنا مُعينٌ لهم على الربا؟
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 444)
هل أنا مُعينٌ لهم على الربا؟
المجيب أ.د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/05/1427هـ
السؤال
أعمل في شركة يتطلب العمل بها سيارة، فتقوم الشركة بسحب قرض من البنك باسمي وبضمان الشركة لتشتري السيارة، على أن تسدد الشركة القرض بفوائده على مدار خمس سنوات، علماً أني لا أدفع شيئاً، والشركة هي التي تتحمل كل شيء. فهل هذا العمل حرام؟ وماذا عليّ أن أفعل لأسرتي. لأني لو تركت العمل سيصبح باقي المبلغ في ذمتي؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا العمل لا يجوز، حيث قامت الشركة بالاقتراض من البنك قرضاً باسمك؛ لأنه من الربا، والله تعالى نهانا عن التعامل بالربا، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ" [البقرة:278]، وموافقتك على سحب قرض من البنك باسمك لصالح الشركة من التعاون على الإثم والعدوان، الذي نهى الله عنه بقوله: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة:2].
وقيام الشركة بالسداد عنك للبنك لا يخلي ذمتك من المشاركة في هذا العمل، فعليك بالتوبة والاستغفار وكثرة العمل الصالح، وإن استطعت أن ترد باقي المبلغ الذي اقترضته للبنك فهو أولى وأفضل، وإن لم تستطع فعليك بالصبر حتى تقوم الشركة بالسداد عنك لقوله تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن:16].
وأوصيك -أخي الكريم- بعدم العودة إلى هذا العمل الذي وقعت فيه؛ لأن الربا من أشد المعاصي التي يبغضها الله تعالى، وتوعد عليها بالحرب لمن تعامل به، فاحرص على طيب مطعمك، وطلب الرزق الحلال، وتذكر قوله تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق:2-3].
وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
==============
التخلص من الربا بإعطائه للأم!
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 16)
التخلص من الربا بإعطائه للأم!
المجيب د. عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/02/1427هـ
السؤال
ادخرت بالبنك قيمة مالية، وبما أنه بنك ربوي فإن هذه القيمة ارتفعت، وأريد التخلص منها, فهل يجوز لي أن أعطيها لأمي؟ علما بأنها أرملة ولا دخل لها إلا ما نجود به عليها.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإذ كنتم تجودون على أمكم من قدرتكم المالية بما لا يؤثرُ على ما تحتاجونه لأمور حياتكم المشروعة فاستمروا على ذلك، دون أن تعطوها من الفوائد الربوية.
أما إذا كان ما تدفعونه للوالدة لسدِّ حاجاتها وضروراتها يؤثر عليكم، بحيث لا تسطيعون سد حاجاتكم؛ لأنكم تمنحون الوالدة جزءًا أقربُ ما يكون إلى عدم قدرتكم على سد الحاجات والضرورات فلا بأس أن تدفعوا لها الناتج الربوي، على أن يقتصر ما تدفعونه من ذلك على الضروريات أو الحاجات الملّحة للوالدة، والباقي من الفوائد الربوية الزائدة على حاجة الوالدة يدفع للمحتاجين من الفقراء الآخرين، والأولى دفع الباقي للمحتاج من الفقراء، وأحقهم الفقراء الأقارب غير الورثة. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
الربا والصرف
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 277)
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الأول ص88-93
قرار هيئة كبار العلماء
رقم(10)وتاريخ17/4/1393هـ
الورق النقدي
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه،وبعد:(2/91)
فبناء على توصية رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والأمين العام لهيئة كبار العلماء -بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلماء؛ استناداً إلى المادة السابعة من لائحة سير العمل في الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة يتم بطلب من ولي الأمر، أو بتوصية من الهيئة،أو من أمينها، أو من رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،أو من اللجنة الدائمة المتفرعة عن الهيئة- فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمال الهيئة لدورتها الثالثة المنعقدة فيما بين1/4/1393هـ و 17/4/1393هـ، وفي تلك الدورة جرى دراسة الموضوع بعد الاطلاع على البحث المقدم عنه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد استعراض الأقوال الفقهية التي قيلت في حقيقة الأوراق النقدية من اعتبارها أسناداً، أو عروضاً، أو فلوساً،أو بدلاً عن ذهب أو فضة، أو نقداً مستقلاً بذاته،وما يترتب على تلك الأقوال من أحكام شرعية - جرى تداول الرأي فيها، ومناقشة ما على كل قول منها من إيرادات. فتنتج عن ذلك العديد من التساؤلات التي تتعلق بالإجراءات المتخذة من قبل الجهات المصدرة لها:وحيث أن الموضوع من المسائل التي تقضي المادة العاشرة من لائحة سير عمل الهيئة بالاستعانة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأنظمة العامة بما في ذلك القضايا البنكية والتجارية والعمالية، فإن عليها أن تشرك في البحث معها واحداً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم- فقد جرى استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور أنور علي،وحضر معه الدكتور عمر شابريه أحد المختصين في العلوم الاقتصادية، ووجهت إلى سعادته الأسئلة التالية:
س1:هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقد السعودي نقداً قائماً بذاته أم تعتبره سندات تتعهد الدولة بدفع قيمتها لحاملها،كما هو مدون على كل فئة من فئات أوراق النقد السعودي،وإذا لم يرد معنى هذه العبارة، فما معنى الالتزام بتسجيلها على كل ورقة،وهل يعني ذلك التعهد أن ورق النقد السعودي مغطى بريالات فضية أم لا؟
س2: هل لكل عملة ورقية غطاء مادي محفوظ في خزائن مصدريها، إذا كان كذلك فهل هو غطاء كامل أم غطاء للبعض فقط، وإذا كان غطاء للبعض فما هو الحد الأعلى للتغطية، وما هو الحد الأدنى لها؟
س3:ما نوع غطاء العملات الورقية، وهل توجد عملة لأي دولة ما مغطاة بالفضة،وله هناك جهات إصدار تخلت عن فكرة التغطية المادية مطلقاً؟
س4:المعروف أن الورقة لا قيمة لها في ذاتها،وإنما قيمتها في الخارج عنها، فما هي مقومات هذه القيمة؟
س5:نرغب في شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة، وما هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي والمحلي؟
س6:هل الغطاء لا يكون إلا بالذهب، وإذا كان بالذهب وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبار أنه قيمة له، وهل يكفي للغطاء ملاءة ومتانة اقتصادها وقوتها ولو لم يكن لنقدها رصيد؟
===============
(الربا والقرض والعمل في البنوك)
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 828)
من قرارات المجمع الفقهي حول العملة الورقية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرر ما يلي
أولاً أنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية.
وحيث أن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعية، فضلاً ونسياً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسا عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانياً يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الاصدار في البلدان المختلفة، بمعني أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي
( أ ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى
من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي
بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض.
( ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء
كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقاً، بأحد
عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئة أو يداً بيد.
( ج ) يجوز بيع بعضة ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع
الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو
أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر إذا
كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة
ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يداً بيد لأن ذلك يعتبر بيع جنس
بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثالثاً وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة،
أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعاً جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات.
والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
التحايل على الربا
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 831)
التحايل على الربا
س احتجت إلى مبلغ من المال لإكمال بناء منزلي في إحدى مدن المملكة وذهبت إلى شخص وطلبت منه أن يسلفني ما يستطيع من مال فقال أريد أن أعطيك سيارة ــ اسم أنني بعت عليك سيارة ــ فأعطاني (000'12) ريال وسجلها عنده بواحد وعشرين ألف ريال وحيث أنني لم أشاهد السيارة ولا أدري ما لونها، فقط سجلها بالورقة وقال تسدد كل شهر ألف ريال وحيث أنني رضيت بهذا العمل في نفس الوقت حين كنت مضطراً إلى المال وأنا الآن سددت (8500) ريال فقط وبقي (12500) فهل يلزمني تسديد المبلغ الزائد عن رأس ماله أرجو إفادتي جزاكم الله خيراً..؟(2/92)
ج إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فهذه المعاملة باطلة وقد اجتمع فيها ربا الفضل وربا النسيئة، وليس للذي دفع لك الدراهم إلا رأس ماله وهو اثنا عشر ألف ريال فقط لأنه لم يعطك السيارة ولا باعها عليك حسب ما ذكرت وإنما أعطاك دراهم بدراهم وهذا منكر ظاهر وربا صريح فعليكما جميعاً التوبة إلى الله من ذلك وعدم العود إلى مثله. نسأل الله أن يتوب عليكما.
الشيخ ابن باز
============
التحايل على الربا أيضاً
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 832)
التحايل على الربا أيضاً
س عندي كمية من أكياس الأرز وهو بمستودع لنا ويأتي إلي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرون فإذا صار على حظ المدين أخذته من بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عداً في محله فهل هذه الطريقة إثم أم لا أفيدونا جزاكم الله خيراً.؟
ج نعم هذه الطريقة حيلة على الربا. الربا المغلظ الجامع بين التأجير والفضل، أي بين ربا الفضل وربا النسيئة، وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة. وأحياناً يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا من الدراهم، العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل، ثم يأتيان إلى هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ الإسلام ابن تيمية الحيلة الثلاثية، وهي بلاشك حيلة على الربا، ربا النسيئة وربا الفضل، فهي حرام ومن كبائر الذنوب، وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه، بل إن التحايل عليه يزيده خبثاً ويزيده إثماً، ولهذا ذكر عن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين قال إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، وصدق رحمه الله، فإن المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلال.
الشيخ ابن عثيمين
=============
ليس هذا المال من الربا
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 839)
ليس هذا المال من الربا
س نحن مجموعة حضرنا من السودان وتعاقدنا مع شركة في الخارج كعمال وعند وصولنا مقر الشركة وجدنا أن الشركة تعاقدت مع البنوك، والبنوك تتعامل بالربا مع الزبائن، واشتغلنا في الحراسة أي حراس لصالح الشركة التي هي أبرمت عقودات مع البنوك وهي تعطينا جزءاً يسيراً من المبلغ الذي تعاقدت معه مع البنوك، أحد زملائنا قال إن هذا ربا لأن المال يصلنا بواسطة وسيط هي الشركة. الرجاء أن تعرفونا هل هذا ربا؟.
ج لا أري بذلك بأساً حيث إن عملكم إنما هو مع الشركة ولا صلة لكم بالبنوك، فأنتم تشتغلون كحراس لصالح الشركة، وهي التي تصرف لكم الرواتب، أما عملها مع البنوك فالغالب أن الشركات كلها تتعامل مع البنوك في الإيداع والضمان والإيراد والاقتراض ونحو ذلك والإثم على أهل الشركة.
الشيخ ابن جبرين
=============
هذه المعونة عين الربا
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 863)
هذه المعونة عين الربا
س أحد البنوك عرض على المسؤولين عن صندوق الطلبة حفظ أموال الصندوق مقابل ما يسميه البنك معونة وهي عبارة عن مبلغ من المال يتم إعطاؤه دون مقابل سوى حفظ المبلغ، ويقوم البنك بدوره بتشغيله واستثماره. فهل يجوز إيداع المبلغ في ذلك البنك؟
ج هذا العمل لا يجوز، لأنه عين الربا، وحقيقته أن البنك يتصرف في أموال الصندوق بفائدة معلومة يسلمها للصندوق، وإنما سماها البنك معونة تلبيساً وخداعاً وتغطية للربا.
والربا ربا وإن سماه الناس ما سموه. . والله المستعان.
الشيخ ابن باز
==============
العمل في بنوك الربا إعانة لها على الإثم
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 870)
العمل في بنوك الربا إعانة لها على الإثم
س لي ابن عم شغال في أحد البنوك كاتباً، وأفتاه بعض العلماء ألا يبقى فيه وأن يبحث عن وظيفة أخرى غير البنك أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيراً هل يجوز أم لا؟
ج قد أحسن الذي أفتاه بالفتوى المذكورة، لأن العمل في البنوك الربوية لا يجوز، لكون ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه يقول (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال ((هم سواء)).
أخرجه مسلم في صحيحة.
الشيخ ابن باز
===============
العمل في بنوك الربا لا يجوز
فتاوى إسلامية - (ج 2 / ص 874)
العمل في بنوك الربا لا يجوز
س كنت في مصر أعمل في أحد البنوك التابعة للحكومة، ومهمة هذا البنك إقراض الزراع وغيرهم بشروط ميسرة لمدة تتراوح ما بين عدة شهور إلى سنوات، وتصرف هذه السلف والقروض النقدية والعينية نظير فوائد وغرامات تأخير يحددها البنك عند صرف السلف والقروض مثل3%أو 7%أو أكثر من ذلك زيادة على أصل القرض، وعندما يحل موعد سداد القرض يسترد البنك أصل القرض زائداً الفوائد والغرامات نقداً، وإذا تأخر العميل عن السداد في الموعد المحدد يقوم البنك بتحصيل فوائد تأخير عن القرض مقابل كل يوم تأخير، زيادة عن السداد في الميعاد.
وعليه فإن إيرادات هذا البنك هي جملة فوائد على القروض، وغرامات تأخير لمن لم يلتزم بالسداد في المواعيد المحددة.
ومن هذه الإيرادات تصرف مرتبات الموظفين في البنك.
ومنذ أكثر من عشرين عاماً، وأنا أعمل في هذا البنك، تزوجت من راتب البنك وأتعيش منه وأربي أولادي وأتصدق وليس لي عمل آخر، فما حكم الشرع في ذلك؟
ج عمل هذا البنك يأخذ الفوائد الأساسية والفوائد الأخر من أجل التأخير كلها ربا، ولا يجوز العمل في مثل هذا البنك لأن العمل فيه من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله سبحانه وتعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
وفي الصحيح عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال ((هم سواء)). رواه مسلم. . أما الرواتب التي قبضتها فهي حل لك إن كنت جاهلاً بالحكم الشرعي لقول الله سبحانه (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن حاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم)، أما إن كنت عالماً بأن هذا العمل لا يجوز لك فعليك أن تصرف مقابل ما قبضت من الرواتب في المشاريع الخيرية ومواساة الفقراء، مع التوبة إلى الله سبحانه، ومن تاب إلى الله توبة نصوحاً قبل الله توبته وغفر سيئاته كما قال الله سبحانه (ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار) الآية.
وقال تعالى (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).
الشيخ ابن باز
==============
الربا والتحايل عليه
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 120)
الربا والتحايل عليه
محمد بن صالح العثيمين
عنيزة
الجامع الكبير
الخطبة الأولى
أما بعد:(2/93)
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحذروا أسباب سخطه وعقابه واحذروا الربا فإنه من أسباب لعنة الله ومن الكبائر التي حذر الله عنها ورسوله قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنينفإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [البقرة:278-279]. وقال النبي : ((الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) [رواه الحاكم وله شواهد].
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء يعني في الإثم)).
أيها المسلمون: إن الربا فساد في الدين والدنيا والآخرة، إنه فساد في المجتمع واستغلال مبني على الشح والطمع، ولكن المرابي قد زين له سوء عمله فرآه حسنا، فهو من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
أيها المسلمون: لقد بين النبي الربا وأين يكون وكيف يكون فقال : ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء)) [رواه أحمد والبخاري].
فهذه هي الأصناف التي نص عليها رسول الله وألحق بها العلماء ما كان في معناه، بين النبي أن هذه الأصناف إذا بيع الشيء منها بجنسه فلا بد فيه من أمرين: الأول القبض من الطرفين في مجلس العقد، والثاني التساوي بأن لا يزاد أحدهما على الآخر، فإن اختل أحد الأمرين وقع المتعاقدان في الربا.
أيها الناس: إن من المعلوم أن أكثر الدول الآن لا تتعامل بالذهب والفضة وإنما تتعامل بالأنواط بدلا عن الدراهم والبدل له حكم المبدل، فيكون لهذه الأنواط حكم ما جعلت بدلا عنه من الذهب والفضة وإذا كان معلوما أنه لا يجوز أن يعطى الرجل مئة من هذه الأوراق بمائة وعشرة مثلا إلى أجل لأن هذا ربا صريح فإنه لا يجوز التحيل على ذلك بأي نوع كان من الحيل، ولكن الشيطان وهو عدو بني آدم فتح على كثير من الناس باب التحيل على محارم الله كما فتحها على اليهود وغيرهم، والحيلة على المحَّرم أن يتوصل الإنسان إلى المحرم بشيء صورته صورة المباح.
وقد حذر النبي أمته من التحيل على المحرمات فقال: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) وقال بعض السلف في المتحايلين أنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، والحيلة على المحرم لا ترفع التحريم عنه وإنما هي فعل للمحرم مع زيادة المكر والخداع لله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والمتحايل على المحرم لا يقصد إلا المحرم فله ما نوى. قال النبي : ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).
أيها المسلمون: إن للتحايل على الربا صورا كثيرة أكثرها شيوعا بيننا طريقة المداينة التي يستعمله كثير من الناس وهي أن يتفق الدائن والمدين أولا على المعاشرة يتفق معه على الدراهم يقول أريد عشرة آلاف ريال العشرة بعشرة ونصف مثلا ثم يذهب الدائن المدين إلى صاحب دكان عنده أموال مكدسة إما سكر أو ربطات خام أو غيرها فيشتريها الدائن شراء صوريا ليس له بها غرض سوى الوصول إلى بيع العشرة بعشرة ونصف، والدليل أنه شراء صوري أنه لا يكاسر بالثمن ولا يقلب السلعة ولا يفتشها كما يفعل المشتري حقيقة وربما كانت هذه الأموال أفسدها طول الزمن أو أكلتها الأرض لأنها لم تنقل ولم تقلب ولم تفتش وبعد هذا الشراء الصوري يبيع الدائن هذه السلع على المدين بما اتفقا عليه من الربح ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان ويخرج بدراهم وهذا العمل بعينه هو ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب أبطال التحليل من جملة صور الحيل حيث قال رحمه الله: وكذلك بلغني أن من الباعة من قد أعد بزا لتحليل الربا، فإذا جاء إلى من يريد أن يأخذ منه ألفا بألف ومائتين ذهبا إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطى ذلك البز ثم يعيده للآخذ ثم يعيده الآخذ إلى صاحبه وقد عرف الرجل بذلك بحيث أن هذا البز الذي يحلل به الربا لا يكاد يبيعه البيع البات انتهى.
وقد قال قبل ذلك فيا سبحان الله العظيم أن يعود الربا الذي عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجيء في غيره إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب.
وقال في الفتاوي أيضا وكذلك إذا اتفقا على المعاملة الربوية ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعا بقدر المال فاشتراه المعطى ثم باعه على الآخذ إلى أجل ثم أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلك فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما بجُعْلٍ فهذا من الربا الذي لا ريب فيه انتهى.
أيها المسلمون: إن المداينة بهذا البيع الصوري- الذي يعلم الله جل وعلا ويعلم المتعاقدان أنفسهما أنهما لم يريدا حقيقة البيع، وإنما أرادا دراهم بدراهم فالدائن أراد الربح والمدين أراد الدراهم وأدخلا هذا العقد الصوري بينهما.
أقول: إن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير:
الأول: أنها تحيل على المحرم وخداع لله ورسوله، ونحن نقول لهذا المتحايل أن حيلتك لن تغني عنك من الله شيئا. ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ ألم تعلم بأن الحساب يوم القيامة على ما في قلبك؟ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبوروحصل ما في الصدور يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر [الطارق].
المحذور الثاني: أن هذه المعاملة توجب قسوة القلب والتمادي في الباطل، فإن صاحبها يظن أنه على حق، فلو أتيته بكل دليل ما سمع منك لأن قلبه مغمور بمحبة هذه المعاملة السيئة لسهولتها، والنفس إذا اعتادت على الربح المحرم بهذه الطريقة السهلة صعب عليها تركها إلا أن يعينها الله بمدد منه، وتعرف حقيقة واقعها وشؤم عاقبة معاصيها، وأن هذه الأرباح التي تحصل لها بطريق التحايل على محارم الله ليس منها إلا الغرم والإثم.
المحذور الثالث: إن في هذه المعاملة السيئة معصية لله ولرسوله فقد نهى النبي عن بيع السلع حتى تنقل. قال ابن عمر رضي الله عنهما كان الناس يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حتى ينقلوه روه البخاري.
وعن زيد بن ثابت أن النبي نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم رواه أبو داود فكيف ترضى لنفسك أيها المسلم أن تتعامل بمعاملة يكون فيها معصية الله ورسوله والوقوع فيما حذر الله ورسوله منه من أجل كسب لا يعود عليك بالخير والبركة، فتب إلى ربك واتق الله في نفسك واعرف حقيقة الدنيا وأنها زائلة ولا تقدمها على الآخرة، قولوا سمعنا وأطعنا ولا تقولوا سمعنا وعصينا.
فكروا في هذه المعاملة تفكيرا سليما من الهوى يتبين لكم حقيقة أمرها، واسلكوا طريقتين سليمتين إحداهما طريقة الإحسان وهي القرض بدون ربح فإن أبيتم ذلك فاسلكوا الطريقة الثانية طريقة السلم وهي التي تسمى المكتب تعطون دراهم بسلع معينة إلى أجل معلوم كما كان الناس يفعلون ذلك على عهد النبي مثل أن تعطيه ألف ريال بعشرين كيس سكر مثلا يعطيك إياها بعد سنة، فهذا جائز.
وكذلك إذا احتاج إلى سلعة معينة كسيارة تساوي عشرة آلاف فبعتها عليه بأحد عشر ألفا أو أكثر إلى أجل معين، فلا بأس به سواء كان الأجل مدته واحدة أو كان موزعا على الأشهر والسنوات.(2/94)
وفقني الله وإياكم لسلوك طريق الزهد والورع وجنبنا ما فيه هلاكنا من الشح والطمع وجعلنا ممن رأى الحق حقا واتبعه ورأى الباطل باطلا واجتنبه إنه جواد كريم.
==============
بعض حيل الربا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 183)
بعض حيل الربا
محمد بن صالح العثيمين
عنيزة
الجامع الكبير
الخطبة الأولى
أيها الناس اتقوا الله تعالى واحذروا أسباب سخطه وعقابه احذروا ما حذركم الله منه إن كنتم مؤمنين واحذروا الربا فإنه من أسباب لعنة الله تعالى ومقته إن الربا من أكبر الكبائر التي حذر الله تعالى عنها في كتابه وحذر رسول الله عنها في سنته وأجمع المسلمون على تحريمها ، اسمعوا قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [البقرة:278-279]. اسمعوا قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعفا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون [آل عمران:130-132]. واسمعوا قول الله تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم [البقرة:275-276]. اسمعوا هذه الآيات وافهموها وعوها ونفذوها فإن لم تفهموها فاسألوا أهل اذكر إن كنتم لا تعلمون أو طالعوا ما قاله المفسرون فيها إن كنتم تقدرون لقد قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تفسير الآية الثالثة : ذكر الظالمين أهل الربا والمعاملات الخبيثة وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين عوقبوا في البرزخ والقيامة بأنهم لا يقومون من قبورهم أو يوم بعثهم ونشورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي من الجنون والصرع ، ولقد صدق رحمه الله تعالى فإن المرابين كالمجانين لا يعون موعظة ولا يرعون عن معصية نسأل الله لنا ولهم الهداية .
أيها الناس اسمعوا ما صح عن رسول الله من حديث جابر أن النبي : ((لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء))، رواه مسلم ، اسمعوا ما صح عنه من حديث سمرة بن جندب أن النبي : ((رأى في منامه نهرا من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فرده حيث كان فجعل الرجل في نهر الدم كلما جاء ليخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فيرجع كما كان فسأل النبي عن هذا الرجل الذي رآه في نهر الدم فقيل هذا آكل الربا)) رواه البخاري ، اسمعوا ما رواه أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي : ((أتى ليلة أسري به على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا))، واسمعوا ما جاء في الحديث: ((الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) رواه الحاكم وله شواهد.
أيها المسلمون : لقد بين رسول الله لأمته الربا أين يكون وكيف يكون بيانا شافيا واضحا إلا لمن به مرض أو عمى لقد قال رسول الله : ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)) رواه مسلم . وفي لفظ له فإذا اختلفت هذه الأصناف الستة إذا بيع الشيء منه بجنسه مثل أن يباع الذهب بالذهب فلا بد فيه من شرطين اثنين أحدهما أن يتساويا في الوزن والثاني أن يتقابض الطرفان في مجلس العقد فلا يتفرقا وفي ذمة أحدهما شيء للآخر فلو باع شخص ذهبا بذهب يزيد عليه وزنا ولو زيادة يسيرة فهو ربا حرام والبيع باطل. ولو باع ذهبا بذهب مثله في الوزن ولكن تفرقا قبل القبض فهو ربا حرام والبيع باطل. وبين رسول الله أن هذه الأصناف الستة إذا بيع أحدها بجنس آخر فلا بأس أن يكون أحدهما أكثر من الآخر ولكن لا بد من التقابض من الطرفين في مجلس العقد بحيث لا يتفرقان وفي ذمة أحدهما للآخر شيء. فلو باع ذهبا بفضة وتفرقا قبل القبض فهو ربا حرام والبيع باطل.
أيها الناس لقد كان التعامل سابقا بالذهب والفضة وأصبح التعامل الآن بالأوراق النقدية بدلا عنها والبدل له حكم المبدل فلا يجوز التفرق قبل القبض إذا أبدلت أوراقا نقدية بجنسها أو بغير جنسها فلو قلت لشخص خذ هذه الورقة ذات المائة اصرفها لي بورقتين ذواتى خمسين فإنه يجب أن تسلم وتستلم قبل التفرق فإن تأخر القبض من الطرفين أو أحدهما فقد وقعا في الربا، ولقد صار من المعلوم عند الناس أنك لو أخذت من شخص مائة ريال من النقد الورقي بمائة وعشرة مؤجلة إلى سنة أو أقل أو أكثر لكان ذلك ربا وهذا حق فإن هذه المعاملة من الربا الجامع بين ربا الفضل وربا النسيئة بين الربا المقصود والذريعة ولكن من المؤسف أن كثيرا من المسلمين صاروا يتحيلون على هذا الربا بأنواع من الحيل، والحيلة أن يتوصل الشخص إلى الشيء المحرم بشيء ظاهره الحل فيستحل محارم الله بأدنى الحيل.
وإن الحيلة على محارم الله تعالى خداع ومكر إنها خداع ومكر يخادع بها العبد ربه يخادع بها من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أفيظن هذا المخادع الذي لاذ بخديعته أن أمره سيخفى على الله أفلا يقرأ قول الله تعالى: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه [البقرة:235]. أليس في نيته وقرارة نفسه أنه يريد ما حرم الله ولكن يكسوه بثوب من الخداع والمكر لا ينطلي إلا على مثله ممن جعل الله على بصره غشاوة.(2/95)
إن الحيل على الربا كثيرة ولكن أكثرها شيوعا أن يجيء الرجل لشخص فيقول له إني أريد كذا وكذا من الدراهم فهل لك أن تدينني العشر أحد عشر أو إثنى عشر أو أقل أو أكثر حسب ما يتفقان عليه ثم يذهب الطرفان إلى صاحب دكان عنده بضاعة مرصوصة معدة لتحليل الربا قد يكون لها عدة سنوات إما خام أو سكر أو رز أو هيل أو غيرها مما يتفق عند صاحب الدكان أظن أن لو وجدا عنده أكياس سماد يقضيان بها غرضهما لفعلا فيشتريها الدائن من صاحب الدكان شراء صوريا لا حقيقيا أقول شراء صوريا لا حقيقيا لأنه لم يقصد السلعة من الأصل بل لو وجد أي سلعة يقضي بها غرضه لاشتراها ثم هو لا يقلب السلعة ولا يمحصها ولا يكاسر في الثمن وربما كانت السلعة معيبة أفسدها طول الزمن أو أكلتها الأَرَضَةُ وهو لا يعلم ثم بعد هذا الشراء الصوري يتصدى لقبضها الصوري أيضا فيعدها وهو بعيد عنها وربما أدرج يده عليها تحقيقا للقبض كما يقولون ثم يبيعها على المدين بالربح الذي اتفقا عليه ولا أدري هل يتصدى المدين لقبضها ذلك القبض الصوري قبل بيعها على صاحب الدكان فإذا اشتراها صاحب الدكان سلم للمدين الدراهم وخرج بها قال شيخ الإسلام ابن تيميه من 109من كتاب إبطال الحِيَل لقد بلغني أن من الباعة من أعد بزا لتحليل الربا فإذا جاء الرجل إلى من يريد أن يأخذ منه ألف بألف ومائتين ذهب إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطي ذلك البز ثم يعيده للآخذ ثم يعيده الآخذ إلى صاحبه وقال فيه أيضا فيا سبحان الله العظيم أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيرها إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب وقد ذكر شيخ الإسلام هذه المسألة أيضا في الفتاوي (جمْع ابن قاسم ص441ج29) وقال هي من الربا الذي لا ريب فيه مع أن هذه الحيلة الربوية التي شاعت بين الناس تتضمن محاذير:
الأول: أنها خداع ومكر وتحيل على محارم الله والحيلة لا تحلل الحرام ولا تسقط الواجب ولقد قال بعض السلف في أهل الحيل يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.
المحذور الثاني: أنها توجب التمادي في الباطل فإن هذا المتحيل يرى أن عمله صحيح فيتمادى فيه أما من أتى الأمر الصريح فإنه يشعر أنه وقع في هلكة فيخجل ويستحي من ربه ويحاول أن ينزع من ذهبه ويتوب إلى ربه.
المحذور الثالث : أن السلعة تباع في محلها بدون قبض ولا نقل وهذا معصية لرسول الله فعن زيد بن ثابت أن النبي : ((نهى أن تباع السلع حيث تبتاع)) يعني في المكان الذي اشتريت فيه حتى يحوزها التجار إلى رحالهم رواه أبو داود والدارقطني ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان الناس يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حتى ينقلوه)) رواه البخاري.
وقد يتعلل بعض الناس فيقول إن عد هذه الأكياس قبض لها فنقول إذا قدرنا أنه قبض فهل هو نقل وحيازة والنبي : ((نهى عن بيع السلع حتى تحاز إلى الرحال)) ثم هل جاء في السنة أن مجرد العد قبض إن القبض هو أن يكون الشيء في قبضتك وذلك بحيازته إلى محلك بالإضافة إلى عده أو كيله أو وزنه إن كان يحتاج إلى ذلك.
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واحذروا التحيل على محارمه واعدلوا عن المعاملات الحرام إلى المعاملات الحلال إما بطريق الإحسان إلى المحتاجين بإقراضهم وإما بالسلم الذي تسمونه الكتب تعطونه دراهم بسلعة في ذمته يسلمها لكم وقت حلولها وإما ببيع السلعة التي يحتاجها بعينها إذا كان يحتاج لسلعة معينة كفلاح يحتاج لمكينة وهي عندك فتبيعها عليه بثمن مؤجل أكثر من ثمنها حاضرا وكشخص محتاج لسيارة فتبيعها عليه بثمن مؤجل أكثر من ثمنها حاضرا.
والمعاملات البديلة عن تلك المعاملة المحرمة كثيرة ومن أراد استيضاحها فليسأل عنها أهل العلم ، وفقني الله وإياكم للهدى والتقى والعفاف والغنى وحمانا مما يغضبه إنه جواد كريم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
=============
الربا في الذهب
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 184)
الربا في الذهب
محمد بن صالح العثيمين
عنيزة
الجامع الكبير
الخطبة الأولى
أما بعد: فقد قال الله عز وجل: والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [النساء:27-28]. هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العاملة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خلق ضعيفا، خلق ضعيفا في نشأته: من أي شيء خلقه من نطفة خلقه نطفة صبابة من الماء المهين.
وخلق ضعيفا في علمه: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [الإسراء:85]. فعلمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم المستقبل حتى في تصرفات الخاصة: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا [لقمان:34]. خلق ضعيفا في تصرفه وإدراكه قد يتصور البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضارا والضار نافعا ولا يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته.
ومن أجل هذا الضعف وهذا القصور رحم الله الخلق بإرسال الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فيسيروا على صراط الله المستقيم ويستنيروا بهدى الله العليم الحكيم ولئلا يبتدعوا تشريعات من عند أنفسهم يسلكون بها المتاهات في الظلم والجور والنزاع والخلاف أو يسنوا أنظمة متناقضة فوضوية إن أصلحت جانبا من الحياة أفسدت جوانب، أو يتبعوا أهواءهم ويطلقوا حرياتهم في تصرفاتهم وفي معاملاتهم ولا يمكن لشخص أن يطلق حريته بدون قيود إلا كان ذلك على حساب حرية الآخرين.
ولقد عمي قوم أو تعاموا عن الحق حيث ظنوا أو عموا أن شرائع الله تعالى إنما جاءت لإصلاح العبادات والأخلاق دون المعاملات فاتبعوا أهواءهم في معاملاتهم فشرعوا القوانين وتصرفوا كما يشاءون فشاركوا الله تعالى في شرعه وعتوا عن أمره في شريعته: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين . أفلا يرجع هؤلاء إلى رشدهم ويتبعون سبيل ربهم ويلتزمون بشريعته ويقفون عند حدوده ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يكونون كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون أو كالذين قالوا: سمعنا وعصينا.
أيها الناس إن شريعة الله نظمت للناس طرق معاملاتهم فيها بينهم كما نظمت طرق أخلاقهم ومعاملاتهم مع ربهم فالواجب على كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يدين لله بالطاعة في عباداته وأخلاقه ومعاملاته ولا يكون كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، يدين لله في عباداته وأخلاقه ويتبع هواه في معاملاته فإنه مسؤول عن ذلك كله، وكم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله من وعد لمن استقام في معاملاته على أمر الله ووعيد على من تعدى فيها حدود الله.(2/96)
أيها الناس لقد جرم الله تعالى الربا في كتابه وفي سنة رسوله وأجمع على ذلك علماء المسلمين في كل عصر وفي كل مصر لم يختلف منهم في تحريمه اثنان قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله [البقرة:278-279]. وأي جرم في المعاملة أبلغ من معاملة يكون فيها الإنسان معلنا بحرب الله رسوله . وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء)) رواه مسلم. ولقد بين رسول الله ما يكون فيه الربا وكيف يكون ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت أن النبي قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثْلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)). وله من حديث أبي سعيد أن النبي قال: ((فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)).
فبين رسول الله في هذا الحديث أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا بشرطين، الأول: أن يكونا سواء في الوزن لا يزيد أحدهما على الآخر، والثاني: أن يكون ذلك يدا بيد بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصاحبه ما بادله به قبل أن يتفرقا فإن زاد أحدهما على الآخر فهو ربا والعقد باطل، وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين فالعقد باطل، وهو من الربا أيضا، وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضة أو البر بالبر أو الشعير بالشعير أو التمر بالتمر أو الملح بالملح فلا بد من هذين الشرطين: التساوي والقبض من الطرفين فلو باع صاعا من بر بصاع منه وزيادة فهو ربا ولو كانت القيمة واحدة، وعلى هذا فإذا كان عند امرأتين حلي وأحبت إحداهما أن تبادل الأخرى فلا يجوز إلا أن يوزن حلي كل واحدة منهما فيكونا سواء وأن تتقابضا قبل التفرق، وأجاز بعض العلماء التبادل مع زيادة أحدهما على الآخر إذا كان مع الناقص شيء يقابل الزيادة أما إذا بيع الذهب بالفضة فإنه لا يشترط التساوي وإنما تشترط التقابض قبل التفرق بحيث يقبض البائع الثمن كاملا ويقبض المشتري ما اشتراه كاملا، فلو باع شخص سوارين من ذهب بمائتي ريال وكل واحد يساوي مائة فأعطاه المشتري مائة ريال وأخذ السوارين وقال آتي لك بعد قليل ببقية الثمن فهذا حرام عليهما ولا يصح البيع إلا في سوار واحد فقط أما السوار الثاني فبيعه باطل لأن ما يقابله من الثمن لم يقبض.
ولقد بلغني أن الصواغ وتجار الحلي يبيعون الحلي بالدراهم ولا يقبضون الثمن من المشتري وهذا حرام عليهم وحرام على المشتري وهو من الربا الملعون فاعله على لسان محمد وفي ظني أن بعضهم لا يدري على حكم هذا المسألة وإلا فلا أظن أن مؤمنا بالله واليوم الآخر يعلم أن هذا ربا ثم يتعامل به لا سيما وأن في التقابض سلامة من الربا ومصلحة للطرفين فالبائع ينتفع بنقد الثمن ويسلم من مماطلة المشتري أو نسيانه أو إعساره المشتري يفك ذمته بتسليم الثمن وخلو ذمته من الطلب. وقد يفتي بعض المتعاملين بهذا نفسه فيقول: أنا لم أبع ذهبا بفضة وإنما بعت ذهبا بقرطاس فنقول هذه الفتوى غلط فإن هذه الأوراق جعلت نقدا وعملة بين الناس بمقتضى قرار الحكومة فلها حكم ما جعلت بدلا عنه فإذا جعلت بدلا عن الريالات الفضية كان لها حكم الفضة وكل أحد يعلم بأن هذه الأوراق النقدية ليس لها قيمة باعتبار كونها ورقا فالأسواق مملوءة من قصاصات الورق التي بقدر ورقة النقد وليس لها قيمة أصلا بل هي ملقاة في الزبل للإتلاف والإحراق . فاتقوا الله عباد الله وسيروا في عباداتكم ومعاملاتكم وجميع تصرفاتكم على شريعة الله ولا تتبعوا أهواءكم فإن الله يقول: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [القصص:50].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
===============
دروس من سورة يوسف عليه السلام ( التمكين ) - الربا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 343)
دروس من سورة يوسف عليه السلام ( التمكين ) - الربا
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقال الله تبارك وتعالى: وقال ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم [يوسف:54].
هذه بداية مرحلة جديدة في قصة يوسف عليه السلام، وطويت مرحلة، فلم يعد للقصة بعد ذلك أي ذكر للعزيز وامرأته فهنا مرحلة مطوية، هي مرحلة المحنة والابتلاء وفيها تجلى صبر يوسف وإصراره على عدم المعصية، وتجلى فيها عقله وحكمته وحسن تصرفه وتدبيره - وانتهت تلك المرحلة وطويت وجاءت المرحلة الجديدة، مرحلة التمكين، تتمثل فيها العاقبة الحميدة للمتقين وعناية الله تعالى وحمايته للصابرين، ونصرته لعباده الصالحين - وها هو يوسف يخرج من جوف المحنة وظلمات السجن معززا مكرما عظيم المكانة في القلوب، فها هو الملك نفسه يستخلفه لنفسه لما رأى من أمانته وعفته وموهبته وإخلاصه، فإن الغالب على أحوال الناس أن من كان منهم صاحب موهبة وخبرة يكون بلا أمانة وإخلاص وإن من كان منهم ذا تقوى وورع يكون بلا موهبة وخبرة، وأما إذا تواجدت الصفتان في شخص واحد فيكون نادرا. ولذلك استخلص الملك يوسف عليه السلام لنفسه وعزم على الاستفادة منه والاستعانة به، من خبرته وأمانته ولقد كان في أمس الحاجة إليه، فغالب الحاشية والموظفين منافقون ومرتشون سراقون.
ويبدو أنه كان ملكا حكيما وإن كان وثنيا كافرا، ومن عقله عرف قيمة هذا الشخص فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين أي لما كلمه وسمع منه، وقد كان يسمع عنه واشتد شوقه إليه وليس من رأى كمن سمع، فلما شاهده زادت هذه الشخصية كبرا وعظمة في نفسه. فاختار يوسف المالية، خزائن الأرض، ولكنه ما اختار ذلك إلا بعد أن رأى عزم الملك على توليته، فلا يقال كيف طلب الوزارة لنفسه ونحن نعلم أن طلب الإمارة منهي عنه في شريعتنا، ومن طلب الإمارة أو المناصب لا يولى إياها في شريعتنا، ولكن يوسف ما طلب هذه المسؤولية الشائكة إلا بعد أن عرض عليه الملك ذلك. إنه اختيار مدروس، فإن يوسف كان على علم بما ينتظر هذا المجتمع من كوارث نتيجة للفساد في هذا المجتمع من نهب ورشوة وفرض إثاوة وغير ذلك من أسباب مما يؤدي إلى انهيار الدول.
واختياره ذلك يدل على أنه عليه السلام لم ينظر لهذا المنصب نظرة رجل مهتم بالمنصب والمغنم ولكن نظرة رجل صاحب رسالة يريد الإصلاح، لذلك نظر إلى ذلك التمكين الذي عرض عليه - فاختار أصعب منصب وأشق مهمة في هذا المجتمع وهو التصدي للفساد وخاصة الفساد الاقتصادي الذي نخر في المجتمع.
وهكذا يجب أن يكون لنا في ذلك القدوة وخاصة أصحاب المراتب القيادية فإن المنصب والوظيفة ليست فرصة للنهب والسرقة والاختلاس، بل إنها مهمة وأمانة كلفت بها، فيجب أن تنظر إليها نظرة إصلاح.
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن الربا يجر على المجتمع المصائب الآتية:
اللعنة الإلهية أو الطرد من رحمة الله عز وجل، أعلن ذلك الصادق الأمين حينما قال في الحديث الذي نوهنا به سابقا ((لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه))(1)[1] فجميع من عمل به مطرودون من رحمة الله والعياذ بالله.
آكل الربا ومن يتعامل به حجز لنفسه مكانا في جهنم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل جسد نبت عن السحت فالنار أولى به))(2)[2].(2/97)
كل من أكل الربا أو تعامل به فقد أتى بابا من أعظم أنواع الكبائر، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((درهم من ربا يأكله الرجل أشد من ست وثلاثين زنية))(3)[3].
من أكل الربا أو تعامل به فقد حكم على ماله بالمحق والهلاك والدمار ونزع البركة ولا يغرنه الاستدراج والإمهال إذا كثرت أمواله الربوية: يمحق الله الربا ويربي الصدقات [البقرة:276].
فإنه يعاتب بألا يستجاب دعاؤه وألا تستجاب استغاثته، فإن الإنسان ضعيف تعرض له كوارث ونكبات فيحتاج إلى ربه، ولا يجد في كثير من الأحيان بل كل الأحيان، لا يجد إلا الدعاء، فإذا حرم من الاستجابة فهذا من أشد العقوبات. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رب رجل أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له))(4)[4]، أي لا يستجاب له أبدا. فاحذر أكل الحرام وأعظم الحرام هو الربا. وقد قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا سعد أطب مكسبك تجب دعوتك))(5)[5].
ومن أعظم المصائب التي تحل على المجتمع بشؤم أهل الربا والمتعاملين بها أن يحل بهم العذاب فيؤخذون بالسنين - أي بحبس المطر والغيث - فلولا دعاء المساكين ورجاء الفقراء والمساكين وبكاء الأطفال الذين لا يعقلوا ورغاء البهائم ما نزل المطر، ولكن الله رحيم وببركة هؤلاء ينزل المطر.
فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنين، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب))(6)[6].
أما بعد: فإن أفضل الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) مسلم كتاب المسافاة (1598).
(2) حلية الأولياء (1/31).
(3) أحمد (5/225)، صححه الألباني اسناده في المشكاة (2/859).
(4) مسلم كتاب الزكاة (1015).
(5) عزاه الهيثمي في المجمع للطبراني في الصغير ، وقال : (وفيه من لم أعرفهم) (10/294).
(6) أحمد (4/205).
================
دروس من سورة يوسف ( الربا )
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 348)
دروس من سورة يوسف ( الربا )
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقال الله تبارك وتعالى: وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين [يوسف:56].
التمكين من المكنة والمكانة، ومعناه القدرة والسلطان والرفعة. وقوله مكنا ليوسف أي أعطيناه القدرة والسلطان والمكانة الرفيعة بين الناس. وهذا التمكين مطلق بخلاف التمكين الذي ذكر في الآية قبل ذلك: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض [يوسف:21]. فالمقصود بالأرض في هذه الآية بيت العزيز وأملاكه، فذاك تمكين محدود، انتهى لم يستمر، انتهى بسجن يوسف، ولكنه كان منزل في الطريق إلى هذا التمكين النهائي.
فإن يوسف عليه السلام كان من المحسنين، أحسن في نفسه، وأحسن مع ربه، وأحسن في اتباع المنهج المنزل. ومن سنن الله الكونية التي لا تبدل أن من أحسن في اتباع الوسائل والأسباب أنه يحصل النتيجة، فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجره، فإن من أخذ بأسباب القوة والظفر حصل على ذلك مؤمنا كان أو كافرا، هذه من مقتضى عدل الله سبحانه وتعالى: نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ، هذا الإحسان معنى شامل يشمل الإحسان في اتخاذ الأسباب والوسائل.
فما بالك بالمؤمن إذا أحسن وكان إحسانه متكاملا، فهو مع معرفته بالله عز وجل وتوحيده له، عمل واجتهد وصبر وتجلد وأحسن في اتباع المنهج فإن هذا يحصل النتيجة وتدركه الرحمة الخاصة بالمؤمنين دون غيرهم.
أما المؤمن إذا استعجل دون أن يعمل وأخطأ المنهج المنزل فلم يشفع له صلاحه ولا صدق نيته فإن النتائج لم تعلق على الإيمان فقط ولكن على الإيمان والعمل - التمكين لم يربط بمجرد الإيمان ولكن بإحسان العمل مع الإيمان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان [الرحمن:60]. مع أن القرآن قد يطلق الإيمان في بعض الأحيان ويقصد بهذا أي الإيمان مع الإحسان في العمل.
ولما كان إحسان العمل شرطا في التمكين فإن الدوام على ذلك أيضا شرط في التمكين، الالتزام بشرع الله شرط الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:41]. تأمل هذه الخاتمة العجيبة، خاتمة الآية، إنها تطمئن المؤمنين العاملين بشرع الله ألا يخافوا أحدا من الخلق فإن الله هو مولاهم وناصرهم وسيجعل العاقبة له، فالملك كله له، فإن الذي يصرف الملك هو مولاهم يحميهم وينصرهم.
وفي هذه الخاتمة أيضا تهديد للمسلمين إذا ما تخاذلوا عن شرع الله وانحرفوا عن إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي انحرفوا عن المنهج المنزل، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينزع الملك ويسلط على المتخاذل عدوه ويجعل العاقبة لغيره وقال ذلك سبحانه وتعالى صراحة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم [محمد:38]. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا [التوبة:39].
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:
حقيقتان هامتان يجب أن نعرفهما حتى نفقه ونفهم لماذا حرم الله الربا وأحل البيع بدلا منه:
أن المال في الحقيقة هو ملك الله تعالى والإنسان مستخلف فيه، ليس هذا المال ملكك أيها الإنسان، فعليه أن ينفذ فيه أوامر المالك الحقيقي سبحانه وتعالى: آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه [الحديد:7].
أن المالك الحقيقي والشارع الحكيم أراد أن يكون هذا المال سببا في عمارة الأرض، لقضاء مصالح المجتمع وسد حاجات الناس ولذلك أمر بأن يحرك في السوق، بأن يوجه في السوق، ويحرك بأنواع الاستثمارات التي فيها رخاء المجتمع ونماؤه. فصاحب المال إذا أنشأ بماله بقالة أو محطة بنزين أو مستشفى أو صيدلية أو مخبزا أو غير ذلك من المشاريع النافعة، فإنه يكون قد حقق بذلك لنفسه الربح بالبيع الحلال، هذا هو هدف الشارع الحكيم وهو تحريك المال حتى يرجع النفع على الطرفين صاحب المال والمجتمع.
أما الفوائد الربوية فهي تحقق أكبر عائق أمام استثمار هذه الأموال، فهي تجمد الأموال وتدور هذه الأموال في دائرة مغلقة تصب في مصلحة صاحب المال فقط، فهذه المؤسسات الربوية هي رمز لاستبداد صاحب المال وأنانيته.
أرأيتم لو أن كل من عنده مال استمرأ هذه الفائدة الربوية السهلة المضمونة وأودع أمواله في البنوك وتجمدت فماذا استفاد المجتمع منها.(2/98)
هذا وأصحاب تلك المؤسسات الربوية ولو تعددت أسماؤها وأشكالها، فإنهم في الحقيقة ينهبون أموال الناس ويستغلون حاجتهم ويتلاعبون بمصالحهم ثم يكذبون على الناس فيدعون أن الربا ينفع المجتمع بينما يعرف الناس كلهم أن الفائدة الربوية هي أكبر عائق أمام التنمية، الغربيون يعرفون ذلك وكتبوه في دراساتهم، فلا تكذبوا على الناس أيها الكاذبون، كم مرفقا يخدم المجتمع أنشأتموه؟ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، كفّوا عن الربا وحولوا أموالكم الهائلة إلى ما فيه الخير للمجتمع، إلى ما أحله الله تعالى، إلى البيع، إلى التجارة، إلى الأرض بالجهد والعمل، فالله تعالى حكيم، ما حرم للناس شيئا إلا وحلل آخر بدلا منه، فهنا قد حرم الربا لما فيه من تعطيل لحركة النمو وأحل البيع.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [البقرة:278].
=============
الربا والقرض
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 367)
الربا والقرض
عثمان بن جمعة ضميرية
الطائف
الخطبة الأولى
وبعد :
فإن الله تعالى بعث لنبيه خاتما لأنبيائه ، وأنزل عليه كتابا خاتما لكتبه ، وأمرنا فيها وأن لا نرفع أصواتنا فوق صوته وألا نتقدم بين يدي أمره ، وقد تولاه ربه فيما ينطق: وما ينطق عن الهوى ، ثم أمرنا بالأخذ بما أتانا ونهانا عنه: وما أتاكم الرسول فخذون وما نهاكم عنه فانتهوا ، وحذرنا من مخالفة أمره: فليحذر الذين يخالفون أمره أن تصيبه فتنة أو يصبهم عذاب أليم .
أيها المؤمنون: رأينا الأضرار الكبيرة والمفاسد العظيمة للربا ، ولذلك وقف النبي في حجة الوداع ليبطله، إن الإسلام يقيم مجتمعه على دعائم من الإيمان الصادق بالله والثقة بما عنده ، ويربط بين أفراده برباط الاخوة والتعاون والتآزر ، ويجعل الفرد في كفالة إخوانه ورعايتهم ، فلا يجوز أن يتركوه للحاجة ، ولا أن يستغلوا حاجته فيفرضوا عليه الربا الحرام ، وعندما يغلق الإسلام أمامنا بابا من أبواب الحرام فإنه يفتح أبوابا كثيرة من الحلال ، فعندما حرم الربا، أباح لنا خروجا من الأثام ، القرض والمضاربة في المعاملات .
أما القرض فهو قربة من القربات ، فيه إيصال النفع للمقترض وقضاء حاجة وتفريج كربته وإعانته على كسب قربة أخرى ويصبح هذا القرض واجباً علينا..إذا كان المقترض مضطرا لذلك محتاجا إليه وقد حث الله تعالى على القرض وجعله معاملة معه سبحانه: من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون والحياة بيد الله والرزق بيد الله والقرض يضاعف، مالا وبركة وذكرا حسنا وكنى سبحانه في الحديث عن الفقير المحتاج بنفسه ليحث هذه المعاملة فقال فيما يرون عن ربه: (( يقول الله تعالى يوم القيامة يا بن آدم مرضت فلم تعدني.. أستطعمتك فلم تطعمني....)) .
وقرن الله تعالى القرض بالصلاة والزكاة: وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً .
وقرنه مع الإيمان بالرسل ومع شعائر العبادة ووعد عليه بتكفير الذنب ودخول الجنات: لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل .
وتواردت أحاديث النبي : (( من منح منيحة لبن أو وَرِق أو هدى زقاقا كان له مثل عتق رقبة )) وروى أن رجل دخل الجنة فرأى مكتوبا على بابها: ((الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر)).
(( ما من مسلم يقرض مرتين إلا كان كصدقة مرة)) .
وفي القرض تيسير على وقضاء لحاجة وتعاون على البر والتقوى: وتعاونوا على .. (( من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة )) والقرض شكر بنعمة الله تعالى تستوجب الآيات لئن شكرتم لأزيدنكم .
وبعد القرض يرغب الإسلام في التيسير المقترض المعسر وإمهاله في الدفع بل يرغب في التنازل عنه والوضع ، فعن أبي قتادة أنه طلب غريما له فتوارى عنه ، ثم وجده فقال إني معسر ، فقال : آلله قال : فإني سمعت رسول الله يقول : (( من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة ، فلينفس عن معسر أو يضع عنه)) ، وعن حذيفة: (( تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا : حملت من الخير شيئا ؟ قال لا ، قالوا: تذكر، قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوز عن الموسر ، فقال الله تعالى: تجاوزوا عنه ))
وعن بريدة: ((سمعت رسول الله ، من أنظر معسرا فله كل مثله صدقة ، قال : ثم سمعته يقول : من أنظر ، فله كل يوم مثليه، قال: له كل يوم مثله صدقة ، قبل أن يحمل الدين ، فإذا حل فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة )) .
وهذه الأحاديث وغيرها في فضل القرض ومريد العون وسد خلة المحتاج ، إنما تواردت كلها ترغب في القرض، فقد يبخل الإنسان بالقرض أو يحسب حسابا لعدم الوفاء ، أو يعطل المال فيمسك ولا يقرض .
وهو أيضا : مال مضمون حتى لو هلك بيد المقترض أو خسر المقترض ، فإن المال ثابت في ذمته ، أما لو كان في شركة فإنه يهلك على حصة الاثنين .
أيها المسلمون: هذه وسيلة من الحلال تنقى بها الحرام ويبتعد عن الربا .
أما الوسيلة الثانية فهي بيع السلم ، أما الوسيلة الثالثة فهي شركات المضاربة .
ولئن حث الإسلام على القرض فإنه يحث المقترض على الوفاء والسعي من أجل ذلك ويصدق: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله)) وكان صلى الله عليه وسلم يقضي الدين عن المدين فيقول: (( من مات وترك مالا فلأهله ، ومن ترك كلا أو ضياعا فإلي وعلي )).
وقال ((الدين دينان فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته ، ليس يومئذ دينار ولا درهم )).
وفي قصة الرجل من بني إسرائيل دليل على ذلك وشاهد .
تحريم مطل الغني ظلم.
==============
الربا وآثاره
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 368)
الربا وآثاره
عثمان بن جمعة ضميرية
الطائف
الخطبة الأولى
وبعد: أيها المسلمون:
فإن من البديهيات المسلمة والتي يؤمن بها كل واحد منا أن الله سبحانه وتعالى هو مالك كل موجود لأنه هو خالقه وقد جعل الله تعالى هذا الإنسان خليفة في هذه الأرض وفق منهج الله وحسب شريعته، فكل ما خالف هذه الشريعة والمنهج كان باطلا وكان ظلما وكان عدوانا، فإن لله سبحانه وتعالى على خلقه شروطا وعهودا وحقوقا.
وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين أن يكونوا متعاونين متكافلين، فيكون بعضهم أولياء بعض، وأن ينتفعوا برزق الله الذي أعطاهم على أساس هذا التكافل، فأوجب الزكاة، وشرع القرض الحسن، ثم أوجب عليهم أن يلتزموا في معاملاتهم جانب القصد والاعتدال ويتجنبوا السرف والتبذير والشطط فيما ينفقون، وكتب عليهم الطهارة في النية والعمل، والنظافة في الوسيلة والغاية هذه جملة من المبادئ العقائدية، والأخلاقية والاجتماعية التي أقام الإسلام نظامه الاجتماعي عليها، ومن ثم كان التعامل بالربا عملية تصطدم مع قواعد الإيمان، لا رعاية فيها لعقيدة، ولا خلق ولا مبادئ ولا غايات سامية .(2/99)
إن الربا يقوم ابتداء على أساس أنه لا علاقة بين إرادة الله وحياة البشر، فكأن من يعامله به يجعل نفسه سيد هذه الأرض ابتداء، وهو غير مقيد بعهد من الله أو أنه غير ملزم باتباع أوامره في الكسب والعمل وتنمية المال، كما يجعل غاية الغايات في الوجود الإنساني هو تحصيل المال بأي وسيلة ومن ثم يتكالب عليه وعلى المتاع به، ويدوس في الطريق كل مبدأ وكل صالح للآخرين، ثم ينشئ في النهاية نظاما يسحق البشرية سحقا، ويشقيها في حياتها أفرادا وجماعات ودولا وشعوبا لمصلحة جماعة من المرابين، ويحطمها أخلاقيا ونفسيا وعصبيا عندما يجعل المال في النهاية بيد حفنة المرابين، هؤلاء الذين يمتصون جهود وعرق ودماء الآخرين المحتاجين للمال، ثم إن جميع المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشرة لهؤلاء المرابين، فإن أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون فائدة المال الذي يقترضونه بالربا إلا من جيوب المستهلكين، فهم يزيدون في أثمان السلعة الاستهلاكية، فيتوزع عبؤها على أهل الأرض لتدخل في جيوب المرابين.
ولذلك أيها المسلمون: يجب أن تذكروا أنه لا إسلام مع قيام نظام ربوي لأنه يتنافى مع أصل الإيمان، حتى ولو خادع بعض الناس أنفسهم في تبرير شيء من ذلك الربا.
وإن النظام الربوي بلاء على الإنسانية في إيمانها وفي أخلاقها وفي حياتها الاقتصادية، فهو أبشع نظام يمحق سعادة البشر محقاً، على الرغم من أنه يبدو كأنه مساعده من هذا النظام للنمو وسد الحاجات، واذكروا أن التعامل الربوي لابد أن يفسد ضمير الفرد وخلقه وشعوره تجاه أخيه في الجماعة، ثم يفسد حياة الجماعة وتضامنها بما ينشره فيها من روح الطمع والجشع والأثرة والمغامرة.
لهذا كله أيها المسلمون: ولغيره من الأسباب وقف الإسلام من الربا موقف الحرب الساخنة التي لا هوادة فيها، وشنع على أصحاب هذه المعاملة أبلغ تشنيع، وحمل عليهم حملة مفزعة مرعبة وهددهم تهديدا معنويا وحسيا فقال سبحانه وتعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم .
فأكلة الربا لا يقومون في الحياة لا يتحركون فيها إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي لا يستقر له قرار ولا طمأنينة ولا راحة، يعيش حياة القلق والاضطراب والخوف والأمراض النفسية والعصيبة والخوف على المال، والخوف من الخسارة والخوف من المحق، ثم الخوف من الكفر والله لا يحب كل كفار أثيم ثم ينادي الله تعالى الذين يريدون تحقيق إيمانهم فيقول: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .
ثم يربط الله تعالى هذه الأحكام جميعا بتقوى الله والخوف من عقابه يوم الحساب واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
ثم تواردت أحاديث النبي تحذر من الربا وتبين عواقبه ففي الصحيحين عن أبي هريرة: ((اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك بالله السحر وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات)).
الربا سبب للعن والطرد من رحمة الله، يشترك في ذلك كل من له علاقة بالربا شهادة أو كتابة أو أخذا أو إعطاء، وفي الصحيحين عن ابن مسعود : ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله)). وعن جابر: ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)).
وإذا كان الجزاء من جنس العمل فاسمعوا إلى عقوبة أخروية تبدأ بعد الموت إلى قيام الساعة مع ما ينتظر صاحبها من عقوبة بعد البعث، فقال : ((رأيت الليلة رجلين (أي ملكين)، فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فمه، فرده حيث كان، فقلت: ما هذا الذي رأيت في النهر؟ فقال: آكل الربا)).
وفي الحديث الصحيح كذلك تشنيع لهذه المعاملة وجعلها في مستوى الزنا بل هي أشد من الزنا، فكيف إذا كان الزنا بالأم، فعن النبي قال: ((الربا ثلاث وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه))، وقال: ((الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام)).
وهو سبب لعذاب الله وسبب للعقوبات العاجلة في الدنيا، ففي الحديث: ((ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله))، وفي حديث عمرو بن العاص: ((ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب)).
وقد رأى عليه الصلاة والسلام عقوبة رهيبة لآكلة الربا وهو في رحلة الإسراء والمعراج فقال: (( رأيت ليلة أسرى بي لما انتهينا إلى السماء السابعة، فنظرت فوقي فإذا أنا برعد وبروق وصواعق، فأتيت على قوم: بطونهم كالبيوت فيها الحيات (الأفاعي) ترى من خارج بطونهم قلت : من هؤلاء يا جبريل، قال: هؤلاء آكلة الربا)).
فاحذروا ذلك كله على أنفسكم أيها المؤمنون فما من أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة، وليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره.
أيها المسلمون: فقد يقول بعض إني مضطر للقرض بربا كي أكمل عمارتي أو أوسع تجارتي، أو ما شابه ذلك والضرورات تبيح المحظورات، فاعلموا أن ذلك ليس من الضرورة التي تبيح المحرمات.
وقد يقول بعضهم كيف أعطي أموال للآخرين ينتفعون بها وأعطلها عن العمل ولا استفيد منها.
ونسي هؤلاء أن القرض يجب أن يكون منزها عن هذه المنفعة المادية ولا يراد به إلا وجه الله، وفيه ضمان للمال فسيرده صاحبه كاملا دون خسارة، ولو كان عندك لم يكن مضمونا.
أما إذا ردت النفع المادي مع ذلك فإن الإسلام شرع شركة المضاربة.
==============
الربا .. حكمه وخطره
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 557)
الربا .. حكمه وخطره
عبد الله بن صالح القصير
الرياض
جامع الأمير متعب
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بطاعتكم له وكثرة ذكره تسعدوا، وأكثروا الصدقة في السر والعلانية ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا، ولا يتطاولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، ولا يلهينكم الأمل فكل ما هو آت قريب، وإنما البعيد ما ليس بآت، فلا تكونوا ممن خدعته العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة، فركن إلى دار سريعة الزوال وشيكة الانتقال، بل خذوا الأهبة للنقلة، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، فإن كل امرئ على ما قدم قادم، وعلى ما خلّف نادم.(2/100)
أيها الناس: كان نبيكم محمد كثيراً ما يذكر الربا في خطبه ومواعظه، محذرا منه، مبيناً خطره، منبهاً على عظم شأنه وسوء عاقبة أهله في العاجلة والآجلة؛ إقامة للحجة، وقطعاً للمعذرة، ونصحاً للعباد، وتذكيراً بسوء حال أَكلتِهِ يوم المعاد؛ فقد صح عنه أنه عدّ أكل الربا من السبع الموبقات - التي توبق أهلها في الإثم، ثم تغمسهم في النار - وقرنه بالشرك بالله والسحر. وصح عنه أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: ((هم في الإثم سواء)). واللعن من الرسول هو الدعاء بالطرد والإبعاد عن مظان الرحمة. فأي عاقل ناصح لنفسه يرضى لنفسه أن تحقق فيه دعوة النبي عليه باللعن؟! وصح عنه أنه رأى آكل الربا يسبح في نهر من دم كلما أراد الخروج منه رُمِيَ في فيه بحجر فأبعد.
وروي عنه أنه وقف يوما على الصيارفة فقال: ((أبشروا بالنار)). وروي أنه قال: ((أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمهاً: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه))، وروي عنه أنه قال: ((إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل)). وروي أنه قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل ان ينكح الرجل أمه)). وكفى بذلكم - يا عباد الله - زجراً عن الربا، وتنبيهاً على فظاعة التعامل به، وتحذيراً من سوء منقلب آكله، فما أشنعه من معاملة! وما أشأمه من كسب! ولذا روي عنه أنه قال: ((شر المكاسب كسب الربا)).
أيها المسلمون: ولقد جاءت نصوص القرآن المجيد بوعيد أكلة الربا بضروب العقوبات وألوان الوعيد، وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم [سورة البقرة:275-276].
وقال تعالى: يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [سورة البقرة:278-279].
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين [سورة آل عمران:130-131].
فأخبر سبحانه أن أكلة الربا يقومون يوم القيامة من قبورهم مجانين - أو في هيئة المجانين - يصرعون ويخنقون، وكفى بذلك تنبيها على سوء حالهم يوم المعاد، وفضيحة لهم بين العباد على رؤوس الأشهاد. ولما كان أكلة الربا يحاربون الله ورسوله بهذه المعاملة الظالمة الآثمة آذنهم الله بحرب منه ومن رسوله، ومن حاربه الله ورسوله فهو مهزوم مغلوب، فأين المدَّكر؟؟ سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر [القمر:45-46].
ولذا توعدهم الله يوم القيامة - إن لم يتوبوا عن الربا وينتهوا - بالنار التي أعدت للكافرين؛ هم أصحابها، وهي صاحبتهم، يلازمونها وتلازمهم ملازمة الغريم لغريمه، فلا فكاك لأحدهما من الآخر في ذلك اليوم الآخر، فهذا جزاؤهم إن جازاهم الله يوم تبلى السرائر.
وأي لحم نبت من سحت فالنار أولى به. فيا ويل آكل الربا يوم حسابه مما بين النبي ذلك في فصيح خطابه: ((إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)) فما أعظم الحسرة والندامة!!.
أيها المسلمون: لقد تواطأت السنة مع القران في وعيد أكلة الربا لما ارتكبوه من شنيع الإثم وعظيم العدوان، فاحذروا أن تكونوا ممن يشمله هذا الوعيد، فإن عذاب الله شديد. فقد صح في الحديث عن النبي أنه قال: ((إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخص قدميه جمرة من النار يغلي منها دماغه)).
أيها المسلمون: اعلموا أنكم اليوم في زمان ومكان قد فشا فيهما الربا، وأكله كثير من الناس إيثاراً للحياة الدنيا على الآخرة، فتعامل به، وأكله كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، وهم يعلمون أنه كسب حرام، فتحقق قول النبي : ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال، أمن الحلال أم الحرام)).
فيا ويحهم - إن لم يتوبوا - يوم يعرضون لا تخفى منهم خافية، فيسألون عما ارتكبوه في هذه الدنيا الفانية، فلزم الجواب، وزال الارتياب فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون [سورة الحجر:92-93].
أيها المسلمون: إن كثيرين من الناس اليوم استحلوا الربا بالبيع باسمه وصورته وتحت ستاره، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، وما منهم أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فليعدوا للسؤال جواباً، وليكن الجواب صواباً، وإلا فليحذروا النار فإنها موعودة بكل آثم كفار.
أيها المسلمون: إن مما تجري به معاملات الناس اليوم أخذ الزيادة التي يسمونها زوراً وبهتاناً: الفائدة؛ يأخذها الدائن من المدين نظير تأجيل الدين من قرض أو ثمن مبيع أو نتيجة تفضيل أحد المبيعين على الآخر مما يجري فيه ربا الفضل: كالذهب بالذهب، وغيره مما فيه علة الربا، وقد تكون هذه الزيادة مشروطة، وقد تكون متعارفاً عليها كما هو واقع كثير من المعاملات البنكية وغيرها من المعاملات الربوية الشائعة في هذا الزمان والتي اكتوى بنارها كثير من بني الإنسان. من ذلك:
- الإقراض النقدي من شخص أو مؤسسة مالية لطرف آخر إلى أجل، حيث يفرضون على هذا القرض زيادة تقدر بنسبة مئوية.
- الفوائد التي تؤخذ مقابل تأجيل الديون الحالة على الأشخاص أو المؤسسات إلى فترة أخرى يرجى أن تتمكن من تسليم ما عليها من التزامات، وتتضاعف هذه الفائدة كلما تأخر التسديد.
فهاتان الصورتان من ربا النسيئة الذي كانت تتعامل به الجاهلية حين نزل القران، وجاء بشأنها الوعيد الشديد والتهديد الأكيد، حيث كان أهل الجاهلية يقرضون أو يقترضون الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة تزداد كلما تأخر الوفاء، وكانوا يأخذونها أيضا مقابل تأجيل الدين الحالِّ إلى أجل آخر، حيث يقول الدائن لمدينه: إما أن تقضي أو تربي.
ومن صور الربا المعاصر ما يقوم به بعض الأشخاص أو المؤسسات المالية من تمويل بعض المشروعات العمرانية أو الزراعية أو الصناعية ونحوها بما يلزم لإنشائها من المواد ونحوها بسعر السوق - وقت العقد أو الطلب - على أن يرد صاحب المشروع للممول هذا المبلغ مع زيادة تقدر بنسبة مئوية قد تكون قابلة للزيادة مقابل ذلك.
ومن صور الربا - أيضا - بيع عملات الدول المختلفة عملة بأخرى دون تسليم وقبض المبيعين أو أحدهما في مجلس البيع. وكذلك بيع الذهب بالأوراق النقدية دون قبض.
أيها المسلمون: فهذه صور من الربا وغيرها كثير مما لا يمكن حصره في هذه الذكرى مما يتعامل بها بعض الناس، وهي ربا صريح، ومنكر قبيح، وكثيرين يجهلون ذلك، وآخرون يعرفون ولكن قتلهم الشح والتهالك، اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فبئس ما يشترون، قد عرضوا أنفسهم لأليم العذاب وشديد العقاب: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم [سورة التوبة:63].(2/101)
أيها المسلمون: اجتنبوا الربا وكل كسب حرام؛ فإنه يمنع إجابة الدعاء، ويورث الشقاء، ويجلب أنواع البلاء، ويقسي القلوب، ويغريها بالإثم والفحشاء، لا تسمع من صاحبه الدعوات، ولا تقبل منه الصدقات، ولا يبارك الله في التجارات، ولا يثاب على النفقات، عليه غرمه ولغيره غُنمه.
فاتقوا الله يا أهل الإسلام، واجتنبوا الحرام، واحذروا الآثام ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن استغنى عن شيء أغناه الله عنه، ومن يستعفف يعفه الله ن ومن يتق الله يرزقه الله: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً [سورة الطلاق:2-3]. ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً [سورة الطلاق:4-5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
================
حول الربا والبنوك والمؤسسات الربوية والمساهمة فيها
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 1809)
حول الربا والبنوك والمؤسسات الربوية والمساهمة فيها
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الطائف
سعيد الجندول
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيكثر القيل والقال في كثير من مسائل الدين حين تعرض بصورة قد تماثل الدعاية للشر أو أقل مما يبرز الخير وينبِّه الناس ويحذرهم من التعامل بما يخالف شرع الله سبحانه وتعالى، ولكن النفوس المريضة والتي لم يباشرها الإيمان ويستقر في سويداء قلوبها تصطاد في الماء العكر وتحسن السباحة فيه، وهذا شأن المنافقين في كل زمان ومكان من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة لأنهم داء عضال ينخر في جسم الأمة المسلمة بإثارة الشبهات وتزييف القول وإعطاء الأمور هالة إعلامية وإثارة القلاقل والفتن في المجتمع والتربص بالمؤمنين للإيقاع بهم، ذلك دينهم وهذا شأنهم في الحياة، وهذا معلوم لدى العلماء وطلبة العلم ولكن عامة الناس الذين يثار في أوساطهم ما يخالف تعاليم الإسلام تنطلي عليهم ألاعيب القوم ومعسول قولهم.
مع علم الجميع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجمل لأحكام الحلال والحرام ووجود المشتبهات بين ذلك والتي لا يعلمها كثير من الناس وأن الذي يتقي الشبهات فإنما يستبرئ لدينه وعرضه بابتعاده عن الوقوع في الأمور المشتبهة فضلاً عن الوقوع في الأمور المحرمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
إن مما يؤسف له في مجتمعات المسلمين اليوم هو تحكيم عقولهم واتباع رغباتهم وشهوات أنفسهم في كثير من أمور دينهم دون مستند من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس بل هو الهوى وتحكيم العقل بعلم وبغير علم، فعندما تثار قضية أو يعرض أي أمر من أمور الشرع سواء كان الشخص خالياً بنفسه أو في مجتمع، صغر ذلك المجتمع أو كبر نجد تناول ذلك الموضوع بعيداً عن أدلة الكتاب والسنة والوقوف عندها، نجد تحكيم العقل والواقع والمنطق والهوى، وياله من بعدٍ عن الحق وقربٍ من الباطل. ومن تلك الأمور التي تثار بين الناس أمور واضحة التحريم بنص الكتاب والسنة، وإذا وجد النص من الكتاب أو السنة فلا اجتهاد مع النص، ومنها ما هو داخل في الأمور المشتبهة على بعض الناس أو على كثير منهم، وتثار تلك الأمور إما بقصدٍ حسن لمعرفة الحكم الشرعي أو بسوء قصدٍ لأمور متعددة عند أصحاب المقاصد السيئة، هم أول الناس علماً بمقاصدهم السيئة.
ومن تلك الأمور السؤال عن الربا، والربا معلوم تحريمه في دين الإسلام بنص القرآن الكريم والسنة المطهرة سواء كان المتعامل به فرداً أو جماعة أو مؤسسة أو هيئة أو اتخذ أي شكل من الأشكال وصيغة من الصيغ، فالربا حرام في الإسلام التعامل به، وهو من كبائر الذنوب التي تسبب محق البركة وغضب الله عز وجل وعدم قبول العمل والدعاء، وليس التحريم من عالم من العلماء أو شخص من المسلمين وليس لهم ذلك ولا غيره، وإنما حرمه الله عز وجل ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم [البقرة:275-276]. ثم أعقبها سبحانه بآيات واضحة لمن كان له أدنى بصيرة أو خوف منه عز وجل أو يريد الإيمان إن لم يكن مؤمناً ومصدقاً بوعد الله ووعيده. فبعد أن ذكر تحريم الربا في الآية السابقة وورد نص قطعي الدلالة لا غبار عليه ويعرفه العالم والجاهل وهو قوله عز وجل: وحرَّم الرِّبا. أعقب ذلك في آية أخرى بمناداة المؤمنين ومخاطبتهم بأحب الأسماء إليهم ليسترعي انتباههم وليترفعوا عن المحرمات ويتقوا الله ويحذروا أليم عقابه بأن يبتعدوا عن الربا إذا كان لديهم إيمان، وإذا لم يفعلوا فهم محاربون لله ورسوله محادون مبغضون لتعاليم الكتاب والسنة، وما أعظم جريمة من يحارب الله ورسوله، فالخزي والعذاب والنكال هو جزاؤه في الدنيا والآخرة. قال تعالى: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279]. هذه بعض الأدلة من القرآن الكريم، أما من السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وشهادة الزور)). وعن جابر رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال:هم سواء)). فهذه بعض الأدلة التي تبين تحريم الربا على الفرد والمجتمع وأن من تعامل به وتعاطاه فهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ومحارب لله ورسوله.
ومهما كثر المروجون للربا والمتعاملون به فلا يخرجه عن دائرة التحريم قيد شعرة، ولا يغتر المسلم بكثرة الهالكين والواقعين فيه والداعين إليه وإلى غيره من المحرمات، قال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]. وقال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].(2/102)
ولقد أصبح هم كثير من الناس جمع المال من أي طريق سواء كان حلالاً أو حراماً، وهذا تصديق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: ((يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل من أين اكتسب ماله من الحلال أم من الحرام)). وكما قال عليه الصلاة والسلام: ((يأتي على الناس زمان لا يبقى بيت إلا ويدخله الربا، وإن لم يدخله نالهم من غباره)). وهذا الواقع المؤلم في مجتمعات المسلمين مؤذن بحلول غضب الله ونقمته التي سوف تعم الصالح والطالح حيث قال سبحانه وتعالى محذراً ومنذراً من شؤم المعاصي والذنوب: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25]. فهمُّ كثير من الناس اليوم هو جمع المال واستغلال حاجة بعضهم بعضاً لنهب ما في أيديهم وإثقالهم وتحميلهم الديون بالحيل الموقعة في المعاملات الربوية والاحتيال على شرع الله ومشابهة اليهود الذين يرتكبون المحرمات بأدنى الحيل، وقد أصبح هذا الشبه والخلق اليهودي في مجتمعات المسلمين بما يروجه شياطين الإنس والجن من تزيين المكاسب المحرمة وتلبيسها لباس الحلال باسم البيع، حيث دخلت المعاملات الربوية تأخذ أشكال الحلال في الظاهر ولكن القصد منها هو الوقوع في الربا والتعامل به ولكن بطرق ملتوية ظاهرها الحِلّ وباطنها الحرمة ظانين بأن ذلك يخفى على رب العزَّة والجلال إذا هو خفي على البشر. فما أقل الورع في هذه الأيام وما أكثر الوقوع في المحرمات وفي الشبهات التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من وقع فيها فسوف يقع في الحرام لا محالة بقوله عليه الصلاة والسلام قبل نهاية الحديث: ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)).
فاتقوا الله عباد الله واحذروا الوقوع في الربا والتعامل به والمساهمة والمساعدة والمعاونة عليه بالإيداع لغير ضرورة أو غيرها في المصارف الربوية المسماة بالبنوك أو لدى المرابين أفراداً أو جماعات أو مؤسسات وشركات لأنه تعاون على الإثم والعدوان ومحاربة لله ورسوله، وتوبوا إلى الله عز وجل كما أمر الله تبارك وتعالى حيث قال عز وجل في التوبة من الربا بعد التحذير منه وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:279]. وكما قال ذلك بعد ذكر تحريم الربا: فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]. وقال تعالى آمراً عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى وناهياً ومحذراً لهم من التعاون على أي إثم وعدوان: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده عز وجل وأشكره وأثني عليه الخير كله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فلقد استمرأ بعض المسلمين الكسب الحرام وانتشر انتشاراً يؤذن بالعقوبة إن لم يؤخذ على أيدي مرتكبيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأطر أصحابه على الحق أطراً، لأن سفينة نجاة المجتمع الماخرة في هذه الحياة الدنيا لا تنجو إلا بالقيام بهذا الركن العظيم الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عموماً.
وحينما يأخذ المنكر والأمر المحرم صبغة الحلال في نظر الناس واعتقادهم حينئذٍ يجب البيان والتوضيح إجمالاً وتفصيلاً على حسب الحالة دون إخلال بقواعد الشرع المطهر، وعليه يجب التنبيه إلى أمر انتشر وليس على مستوى المؤسسات الربوية لكن على مستوى الأفراد حيث يتم التعامل بالربا الذي هو المقصود من تلك المعاملة ولكن باسم البيع في الظاهر، حيث المؤسسات أو الأفراد يبيعون ما لا يملكون، وإنما هي الأوراق التي يتم التوقيع عليها من الطرفين، وكذلك الطرف الثالث المالك والبائع الحقيقي، حيث يأتي صاحب الحاجة إلى المؤسسة أو الفرد المرابي حقيقة، وفي الظاهر تعامله إسلامي شرعي لا غبار عليه، يأتي يريد منه أرضاً، أو عقاراً، أو سيارة، أو أثاثاً، أو أدوات أياً كانت وهو لا يملكها ويذهبان إلى الذي يملكها أو بمكالمة هاتفية ليدفع الطرف الثاني الثمن للطرف الثالث الذي يملك دون أن يمتلك الثاني تلك السلعة أو يحوزها لملكيته، ولو حازها وملكها على الأوراق فلا يخرجها ذلك عن الوقوع في الربا المحرم شرعاً والذي يستغل به حاجة أخيه المسلم لينهب ما في يديه ويثقل كاهله بالديون ويأكل ماله حراماً وسحتاً، مع أن أطول آية في القرآن وهي آية الدين معطل العمل بها بين المسلمين اليوم والتي جاءت بعد ذكر الآيات المحرمة للربا والناهية والزاجرة والمتوعدة لمن يتعامل بالربا بالعذاب الأليم والتي أمر عز وجل في نهايتها باتقاء يوم يرجع فيه العباد إلى الله ويقفون بين يديه ثم أعقبها بأطول آية تبث الرحمة والألفة والتعامل الكريم بين المسلمين الطالبين للأجر متى عملوا بهذه الآية كتابة وشهادة وأداءً وطلباً للأجر الموعود به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يقرض أخاه المسلم ويمهله بضعفين من الأجر إلى ثمانية عشر ضعفاً، وجعل القرض من حق المسلم على المسلم حين قال عندما عد الحقوق: ((وإذا استقرضك أقرضته)).
إنه لما غاب عن واقع المسلمين تطبيق الآيات والأحاديث في كثير من معاملاتهم صار همُّ أكثرهم نهب ما في أيدي إخوانهم المسلمين بالحرام الصريح وبالمشتبه وبالتحايل سواء بالربا أو بأكل المال حراماً عنوة واقتطاعه منهم ظلماً أو الرشوة أو الغش المنتشر في البيع والشراء الذي لا تكاد تخلو منه سلعة أو التحايل على الربا باسم البيع وغيرها من المعاملات البعيدة عن روح الإسلام وسماحته وأخلاق أهله العاملين به نصاً وروحاً والمطبقين له في كل صغيرة وكبيرة.
وعلينا أن نبتعد عن طريق اليهود في العمل بالحيل التي لا تحل الحرام أبداً والتي انتشرت بين المسلمين في معاملاتهم واتخذت أشكالاً وصوراً متعددة وهي محرمة شرعاً مهما تحايل أصحابها المتعاملون بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها)). وفي رواية للجماعة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه)). أي لما حرمت عليهم شحوم البقر والغنم التي حول المعدة والكليتين احتالوا على التحريم بِجَمْلِهَا على النار في القدور وبيعها وأكل ثمنها، كذلك الحال في احتيالهم على صيد السمك يوم السبت عندما اختبرهم الله وامتحنهم بذلك فاحتالوا على انتهاك محارم الله بما تعاطوه من الأسباب الظاهرة التي هي في الباطن تعاطي الحرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)).(2/103)
وهذه الحيل تنطبق على أعداد ليست بالقليلة من المسلمين في التحايل على المعاملات الربوية التي ظاهرها البيع ولكن حقيقتها هو استحلال الربا بتلك الطرق الملتوية والتي أخذت أشكالاً وصوراً مختلفة، هدفها صيد الفريسة وإيقاعه في شباك الحيل، أي صاحب الحاجة الذي أتى للشركات أو المعارض أو المصارف أو الأفراد والذي يريد الحصول على نقود يحتاجها في زواج أو خلافه ثم يصطاده أولئك المتربصون به وبأمثاله من الملايين ولا أقول العشرات أو المئات أو الألوف وعشراتها ومئاتها لأن غالب الناس اليوم واقعون في تلك الديون المتراكمة عليهم منذ عشرات السنين بسبب حاجتهم الأولى لبعض النقود التي أدت نتيجتها وسلبياتها الحتمية إلى هذه المآزق التي قد لا يتخلص منها كثير من الناس في حياتهم وقبل موتهم بل تبقى ذممهم مرهونة لتلك الديون التي لم تنفك عنهم طوال حياتهم وذاقوا مرارة الحياة من استغلال أصحاب الأموال من الأغنياء لحاجات الفقراء والضعفاء وعامة الناس ومن خلال استدراج المصارف المسماة بالبنوك الربوية وغيرها التي تستدرج الناس بما تنشره من دعايات لتوفير حاجاتهم وإصدار البطاقات التي يغترّ بها كثير منهم ومن ثم يقعون في الربا خطوة خطوة، وقد أصاب الإفلاس بعض أصحاب مئات الملايين بعد تعاملهم بالربا مع تلك المصارف، فاستمراء الناس للربا وانتشاره وتسمية الأموال التي تأتي عن طريق التعامل به الفوائد والأرباح لا يغيّر من الواقع شيئاً ولا تحوِّل تلك الأسماء المسميات من الحرام إلى الحلال أبداً فهي ربا صريح محرم في دين الإسلام، والأسماء الجديدة للربا حيث يسمى بالفوائد والأرباح المركبة والبسيطة، وللخمور بالقهوة والمشروبات الروحية وللأغاني والموسيقى والطبول بالفنون والتسلية والترفيه لا يخرجها قيد أنملة من الحرام إلى الحلال، فاختراع أسماء للمحرمات غير ما سميت لا يخرجها عن مسمياتها بل إن ذلك من علامات الساعة التي ورد عنها الخبر من سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم.
فليحذر كل مسلم من التعامل بالربا وأخص أصحاب معارض السيارات الذين استغلوا حاجات الناس باسم التقسيط وقد تجلس السيارة في المعرض إلى أن تتلف عجلاتها وإطاراتها ويتغير لونها، وتباع من صاحب الحاجة لأحد الوسطاء والسماسرة الذين يسمّون بالشريطية المحللون للبيع ثم تعاد لصاحب المعرض وهكذا وهي في مكانها، أو تخرج للحيلة فقط لأن القصد اصطياد أصحاب الحاجات وتسجيل الديون المضاعفة عليهم والسيارات التي هي حيل وخداع باسم البيع والشراء، ومثل ذلك في التجار الذين تتلف لديهم أكياس الحب والسكر والبن والهيل والأرز، وطرق المعاملات الربوية كثيرة ليس هذا مجالها ولكن التنبيه والإشارة كافية، هذا ما تم إيضاحه على سبيل الإجمال من أجل الذكرى التي ينتفع بها المؤمنون ولمن كان له قلب واع خائف وجل من الله عز وجلّ قال تعالى: وَذَكّرْ فَإِنَّ الذّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]. وقال عز وجل: فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الاْشْقَى الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [الأعلى:9-12]. وقال تعالى: إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].
فعلينا أن نتقي الله تعالى ونخشى عذابه وبطشه في الدنيا، ويوم يقوم الناس لرب العالمين يوم يتخلى عنا أقرب قريب لنا ولا يبقى إلا الحسنات والسيئات وتأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى ما عملت في هذه الحياة الدنيا، وتذكروا دائماً الآية القرآنية التي جاءت بعد آيات تحريم الربا والتحذير من عواقبه وقد جاءت آيتان كريمتان بعدها مباشرة، فيهما الحلول الشافية الكافية الكفيلة بإذن الله بما يبعد الناس عن الربا والوقوع فيه فلنتأمل هذه والتي بدأت بالحث على الإنفاق ولنربط بين كل الآيات ابتداءً من الآية التي قبل آية الكرسي ونتأمل ونتدبر كلام ربنا ونعمل به ونطبقه في حياتنا فذلك خير لنا في الدنيا والآخرة. قال تعالى: وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
============
عن الربا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 1823)
عن الربا
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الطائف
سعيد الجندول
الخطبة الأولى
أما بعد:
فعلينا أن نتقي الله ونحذر من دخول الربا في معاملاتنا واختلاطه بأموالنا فإن أكل الربا وتعاطيه من أكبر الكبائر عند الله، وقد توعد الله المرابي بالنار وآذنه بحرب من الله ورسوله، قال عز وجل: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279].
فهذا النص القرآني واضح الدلالة على تعليق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا، فهم ليسوا بمؤمنين إلا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا، ليسوا بمؤمنين ولو أعلنوا أنهم مؤمنون، فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد واتباع لما أمر الله به، ولا يدع إنساناً يتستر وراء كلمة الإيمان بينما هو لا يطيع ولا يرتضي ما شرع الله عز وجل، ولا ينفذ هذا الشرع في حياته ولا يحكمه في معاملاته، فالذين يفرقون في الدين بين الاعتقاد والمعاملات ليسوا بمؤمنين مهما ادعوا الإيمان وأعلنوا بلسانهم أو بشعائر العبادة الأخرى أنهم مؤمنون!! فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]. ماذا يستطيع أن يواجه هذا الإنسان الضعيف الفاني في حرب رهيبة معروفة المصير، إنه يفتح على نفسه باب الخسران والهلاك.
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامله على مكة بعد نزول هذه الآيات التي نزلت متأخرة أن يحارب آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي، وقد أمر صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية _ وأوله ربا عمه العباس _ عن كاهل المدينين الذين ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حال الجاهلية فقال في معرض خطبته عليه الصلاة والسلام: ((وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأول ربا أضع ربا العباس. .)).(2/104)
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وما ظهر الربا والزنا في قوم إلا ظهر فيهم الفقر والأمراض المستعصية التي لم تكن في أسلافهم وظلم السلطان. إن الربا يهلك الأموال ويمحق البركات وإن تراءت لأصحابها بأنها كثيرة في نظرهم. قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوااْ وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]. لقد شدد الله الوعيد على آكل الربا وجعل أكله من أفحش الخبائث وأكبر الكبائر وبين عقوبة المرابي في الدنيا والآخرة وأخبر بأنه محارب لله ولرسوله، فعقوبة الربا في الدنيا أنه يمحق بركة المال، ويعرضه للتلف والزوال حتى يصبح صاحبه من أفقر بني آدم، وكم نسمع من تلف الأموال العظيمة بالحريق والغرق والفيضانات فيصبح أهلها فقراء بين الناس، وإن بقيت هذه الأموال الربوية بأيدي أصحابها فهي ممحوقة البركة لا ينتفعون منها بشيء، بل هي شر عليهم يعانون منه ويلاقون العذاب من أتعابها. ويتحملون حسابها ويَصْلَوْنَ عذابها يوم القيامة ويرثها غيرهم في الدنيا.
والمرابي مبغض عند الله وعند الناس لأنه يأخذ ولا يعطي، يجمع ويمنع، لا ينفق ولا يتصدق، شحيح جشع جموع منوع، تنفر منه القلوب وينبذه المجتمع، وهذه عقوبات عاجلة، وأما عقوبته الآجلة فهي أشد وأبقى، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة ما يلاقيه المرابي، فورد في القرآن الكريم عن حال المرابي عند قيامه من قبره للحشر والنشور قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَوااْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ [البقرة:275]. وذلك أن الناس إذا بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين إلى المحشر كما قال الله عز وجل: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الاْجْدَاثِ سِرَاعاً [المعارج:43]. إلا آكل الربا فإنه يقوم ويسقط كحالة المصروع الذي يقوم ويسقط بسبب الصرع، لأن أكلة الربا في الدنيا تكبر بطونهم بسبب تضخم الربا فيها فكلما قاموا سقطوا لثقل بطونهم، وكلما همّوا بالإسراع مع الناس تعثروا وتأخروا عقوبة وفضيحة لهم ثم يأتيهم بعد ذلك العذاب الأليم.
وفي حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسبح في نهر من الدم وكلما جاء ليخرج من هذا النهر استقبله رجل على شاطئ النهر وبين يديه حجارة يرجمه بحجر منها في فمه حتى يرجع حيث كان، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأُخبر أنه آكل الربا. وجاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ليلة أسري به على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: ((من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا)).
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)). وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)).
أيها المسلمون: إن الربا حرام في جميع الشرائع السماوية قال الله تعالى في حق اليهود: فَبِظُلْمٍ مّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:160-161].
وفي الإسلام مر تحريم الربا بأدوار أربعة تدرج فيها في تقرير التحريم حيث نزلت الآية السالفة الذكر وفي المرة الثانية حيث التلويح فيها بالتحريم لا التصريح، وقد سبقتها الآية الكريمة حيث قال تعالى: وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن رِباً لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ وَمَا ءاتَيْتُمْ مّن زكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم:39]. ثم نزل قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً [آل عمران:130]. ثم نزل التحريم الكلي القاطع الذي لا شك فيه لدى كل مؤمن ولا تفريق فيه بين قليل أو كثير حيث قال تعالى: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278-279]. وذلك بعد الحكم الصريح بالتحريم في الآية التي سبقت هذه الآيات حيث قال عز وجل: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوااْ فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]. ومع هذا الوعيد الشديد لمن أكل الربا فإن كثيراً من المسلمين لا يبالون في جمع المال من أي طريق، لا يهمهم إلا تضخيم الثروة وتكديس الأموال _ التي سوف يجدون عاقبة الخسران فيها في الدنيا والآخرة، فالحرام عندهم ما تعذر عليهم أخذه، والحلال في عرفهم ما تمكنوا من تناوله من أي طريق، وهذا يدل على عدم خشية الله في قلوبهم وإعراضهم عن دينهم وعدم مبالاتهم بأحكام الشريعة وتطبيقها في حياتهم، وإذا وصل حال المجتمع إلى هذا المستوى فعقوبة ذلك قريبة، ولا خير في حياة تبنى على الربا ولا في كسب مورده حرام، إن مالاً يجمع من حرام كالمستنقع المتجمع من الماء النجس القذر، يتأذى من نتن ريحه كل من قرب منه أو مرّ عليه.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى أحمده تبارك وتعالى وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فلقد اعتبر الإسلام الربا من أكبر الجرائم الاجتماعية والدينية، وشن عليه حرباً لا هوادة فيها، وتوعد الله جل جلاله المتعاملين بالربا بالعذاب الأليم، ويكفي أن نعلم عظم هذه الجريمة النكراء من خلال تصوير حالة المرابين ذلك التصوير الشنيع الفظيع الذي صورهم به في القرآن الكريم، صورة الشخص الذي به مسٌّ من الجن، فهو يتخبط ويهذي كالمجنون الذي أصيب في عقله وجسمه، ولم يبلغ من تفظيع أمر من أمور الجاهلية _ أراد الإسلام إبطاله _ ما بلغ من تفظيع أمر الربا، ولا بلغ من التهديد في منكر من المنكرات كما بلغ في شأن الربا والمرابين، فالربا في الإسلام جريمة وكبيرة من الكبائر ومن السبع الموبقات التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم، والربا أساس المفاسد وأصل الشرور والآثام، وهو الوجه الكالح الطالح الذي يقابل الصدقة والبر والإحسان والزكاة والدين المأمور بها في الإسلام، ولو تدبر المسلمون ووعوا قرآنهم وقرأوا الآيات التي قبل هذه الآيات التي تحرم الربا وفي ثناياها وبعدها لو فعلوا ذلك لأدركوا سر التحريم وكذلك ما يصلح المجتمع المسلم ويجعل حياته آمنة مطمئنة قائمة على المحبة والإخاء والإيثار، بعيدة عن حب الذات والأنانية والأثرة.(2/105)
إن الصدقة والدين عطاء وسماحة، وطهارة وزكاة للمال والنفس، وتعاون وتكافل. والربا شح وقذارة ودنس وجشع وأثرة وأنانية، الصدقة والزكاة إعطاء المال للغير بدون عوض ولا رد من البشر، ولكن الأجر مدخر عند الله جل جلاله متى صلحت النية وكان صواباً وتقبله رب العزة والجلال، أما الربا فهو استرداد للدين ومعه زيادة حرام متقطعة من جهد المدين أو من لحمه من جهده إن كان قد عمل بالمال الذي استدانه فربح نتيجة لكدّه وعمله، ومن لحمه إن لم يربح أو خسر، أو كان قد أخذ المال للنفقة على نفسه وأهله.
فلا عجب إذاً أن يعده الإسلام أعظم المنكرات والجرائم الاجتماعية والدينية، وأن يعلن الحرب على المرابين: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]. وذلك للأضرار الفادحة والمساوئ التي تترتب عليه من النواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يولد في الإنسان حب الأثرة والأنانية فلا يعرف إلا نفسه ولا يعرف إلا مصلحته ونفعه وبذلك تنعدم فيه روح التضحية والإيثار ومعاني حب الخير، ويغدو المرابي وحشاً مفترساً لا يهمه من الحياة إلا جمع المال، وامتصاص دماء الناس، واستلاب ما في أيديهم.
ويولّد الربا العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ويقضي على كل مظاهر الشفقة والبر والإحسان، ويزرع في القلب الحسد والبغضاء، ويدمر قواعد المحبة والإخاء، ويقسم الناس إلى طبقتين، طبقة مترفة: تعيش على النعيم والرفاهية والتمتع بعرق جبين الآخرين. وطبقة معدمة: تعيش على الفاقة والحاجة والبؤس والحرمان وبذلك ينشأ الصراع بين الطبقتين.
إن المعاملات الربوية لها صور متعددة, وهي تتفاوت في الإثم فأدناها مساعدة المرابي بوضع المال عنده ليحفظه، وأعلاها ما يسمى بالفوائد وهو عين الربا، وما نذكره هنا هو صورة من صور متعددة.
إن بعض المسلمين إذا لم يذكر له الحكم صريحاً في الربا لا يفهمه تلويحاً وتعريضاً، فتكثر الأسئلة عن حكم أخذ ما يسمى بالفوائد من المصارف أو ما يسمى بالبنوك؟ وعن وضع المال عندهم أمانة؟ وعن عمل الموظف لديهم؟
لذا فإن تسمية الربا بالفوائد هو من باب التدليس والتلبيس على الناس، فذلك هو عين الربا الصريح المحرم في القرآن والسنة، ومن تعامل بهذه المعاملة سواء كان آخذاً أو معطياً أو كاتباً أو شاهداً فهو من المرابين الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المحاربين لله ورسوله، ولا يخرج منه الموظف الذي يعمل في المصارف لأنه كاتب للربا وشاهد عليه ومعين ومساعد على انتشاره في المجتمع، وأبواب الرزق الحلال مفتوحة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)). فذلك عام سواء كان على مستوى الفرد أو الشركات التي تتعامل بالربا المكونة من مئات الأفراد، هذا بالنسبة للأخذ والعطاء في حال القرض أو الأقراض زيادة على رأس المال.
أما الذين يودعون أموالهم عند المرابين فهو يعاونونهم على أكل الربا وعلى الإثم والعدوان ويمدّونهم بالمال لكي ينتشر الحرام في المجتمع، فلا عذر لأحد في هذا البلد أن يضع ماله لدى المصارف الربوية، والمصارف البعيدة عن التعامل بالربا موجودة أيضاً، فعلى كل مسلم أن يتقي الله ويخاف من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة ولا يتعامل بالربا ولا يساعد عليه، وعليه أن ينصح من كان واقعاً فيه وعليه أن يسحب أمواله ولا عذر له في ذلك في هذا البلد ولا يغتر بكثرة الهالكين والواقعين في ذلك، فإنهم ليسوا قدوة صالحة في فعلهم ذلك كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:3]. أما إن كان في بلد غير آمن فإن وضع المال لدى المرابين يكون من باب الضرورة فقط والخوف على ضياعه، ومتى وجد طريقاً غير ذلك فإنه لا عذر له في الإيداع لديهم لأنه بذلك يدعمهم بالمال ويعينهم على الربا وأكل أموال الناس بالباطل. فاتقوا الله عباد الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين.
================
التحذير من الربا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 2217)
التحذير من الربا
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
الرياض
4/11/1422
جامع الإمام تركي بن عبد الله
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن الله جل وعلا حكيم عليم فيما أمر به، وفيما نهى عنه، وعلى المؤمن حقاً أن يعتقد تحريم ما حرمه الله، ويؤمن بذلك، فكل أمر حرمه الله في كتابه، أو حرمه رسوله في سنته، فالمؤمن حقاً يؤمن بهذا، يحلّ ما أحل الله، ويحرِّم ما حرم الله، ويعتقد أن الدين ما شرعه الله ورسوله.
سأل رجل النبي قائلاً: يا رسول الله، أرأيت إن حرَّمتُ الحرام، وحللت الحلال، أدخل الجنة؟ قال: ((نعم))(1)[1].
وقد ذم الله من لم يلتزم بتحريم ما حرم الله، قال تعالى: قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فاسمع قوله تعالى: وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ، فالمؤمن يحرم ما حرم الله ورسوله، ويعتقد ذلك إيماناً.
أيها المسلم، إن ما حرم الله من المحرمات فليس تحريمه خاصاً بزمن معين، وإنما هذا التحريم باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
فلا يمكن أن تتحوَّل المحرمات إلى طاعات وعبادات، المحرمات محرمات، كما حُرِّمت بالأمس فهي حرام إلى قيام الساعة.
حرم الله نكاح الأمهات والبنات والأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت والعمات والخالات وأمهات النساء وزوجات الآباء والأبناء، أيُمكن للمسلم أن يقول: قد يأتي زمان يباح للمسلم أن ينكح أمه أو بنته أو أخته؟! حاشا لله، فالمحرمات محرماتٌ إلى الأبد، ولا يمكن أن يأتي زمن يتحول الحرام فيه حلالاً، ذاك مخالف لشرع الله، فلن يصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها.
أيها المسلم، فاعتقد تحريم ما حرم الله اعتقاداً جازماً؛ لتكون من المؤمنين بالله وبكتابه وبرسوله.
أيها المسلمون، إن من تلكم المحرمات المعاملات الربوية، فالمعاملات الربوية حرمها الله في كتابه، وحرمها رسوله ، وتحريمها معلوم من دين الإسلام بالضرورة، فالمؤمن يعتقد أن الربا حرام، أن التعامل بالربا حرام، يعتقده إيماناً جازماً، ويبتعد عنه طاعة لله ورسوله، فإن البعد عنه عنوان الإيمان، ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [البقرة:278]، فالإيمان الصحيح يحول بين المرء المسلم وبين المعاملات الربوية، الإيمان الصحيح يحول بين المرء المسلم وبين التعامل بالربا؛ لأن الربا محرم في شرع الله، بل حُرمته في الشرائع السابقة، فلم تأت شريعة بحل الربا، ولذا ذم الله اليهود بقوله: وَأَخْذِهِمُ الرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ [النساء:161].
أيها المسلم، إن الله حرم الربا في كتابه العزيز، وحرمه رسوله محمد ، فمن اعتقد حله وقد سمع الآيات والأحاديث، من اعتقد حله فإنه مفارق للإسلام، وخارج من ملة الإسلام؛ لكونه مكذباً لله ورسوله، راداً على الله ورسوله.(2/106)
أيها المسلمون، إن الله حرم الربا لما فيه من البلاء والفساد، قال تعالى: وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، فسمى الله الربا ظلماً، نعم، إنه ظلم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إنه ظلم لمن تعامله فتأخذ منه أكثر مما تعطيه، إنه ظلم للإنسانية، ظلم للبشر. وأي ظلم أعظم من ظلم الربا؟! إنه يقسي القلب، إنه يقطع أسباب الخير وفعل الخير، إنه يسبب محق البركة، وذهاب الرزق، يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوااْ [البقرة:276]، إنه ينشر الجريمة، ويكثِّر البطالة، ويجعل الأنانية في قلوب العباد، إنه ليس [بيعاً] ولكنه ظلم وعدوان، تتكون طبقة غنية إلى آخر الحدود، وطبقة فقيرة مدقعه، إن هذا الربا والتعامل به سبب لحلول العقوبات والمثلات، سبب لسخط الرب جل وعلا، وسبب لحصول الكساد والإفلاس والعياذ بالله. إن الله جل وعلا حرمه لما يعلم جل وعلا فيه من الفساد العظيم، وما توعد الله كبيرةً بعد الشرك ما توعد به آكل الربا، فإنه قال فيه ما قال: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]، وقال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132].
أيها المسلمون، ليس الربا عملية اقتصادية؛ ولكنها عملية ظلم وامتصاص للأموال، وأكل لها بالباطل، وقضاء على معنويات الناس، وتحطيم لقيمهم ومعنوياتهم، وجعل الأمة تعيش كسلاً وخمولاً، تُبعدهم عن المكاسب النافعة، والمشاركات الناجحة، والمضاربات المفيدة، إلى أن تجعل تلك المعاملات إنما هي ربح على الناس بغير حق.
أيها المسلم، مالك مالُك، وقد خولك الله مالا وملَّكك إياه، ولكنه جل وعلا ينهاك أن تسخِّر هذا المال في سبيل ظلم البشرية، وإنما يرشدك إلى أن يكون هذا المال مالاً نافعاً، ينفعك وينفع غيرك.
أيها المسلمون، إن الله يقول: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:278، 279]، وقال: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ، وأخبر أن الربا ممحوق البركة: يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوااْ وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276]، ورسول الله يلعن آكل الربا، ويلعن موكل الربا، ويلعن كاتب الربا، ويلعن الشاهدين على عقود الربا، كل أولئك ملعونون على لسان محمد (2)[2].
أيها المسلم، إن دعاة الربا والمتعامل بالربا يبررون قبيح أعمالهم وظلمهم وجورهم بأن الربا إنما يحرم في الأمور الاستهلاكية، وأما الأمور الإنتاجية فلا مانع من ذلك، كل هذا من الخطأ، فالربا محرم قليله وكثيره، مع المسلم أو مع غير المسلم، لأنه ظلم واقتطاع مال بغير حق، سواء كان في الأمور الاستهلاكية أو في الأمور الإنتاجية، كل ذلك حرام في شريعة الله.
يبرِّر المرابون أعمالهم بأن التراضي بين المتعاملين يسوغ تلك المعاملة الخبيثة، فنقول: أيها المسلم، وإن حصل التراضي فذاك معصية لله، ومحادة لأمر الله، فإن الله جل وعلا حرم الربا بين المسلمين ولو تراضى المتعاملان، فإن الربا حرام وليس رضاهما بمحلٍّ ما حرم الله.
أيها المسلم، إن الربا ليس بيعاً، وقد ردَّ الله على من جعله من البيع فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَوااْ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوااْ [البقرة:275].
أيها المسلم، لا يغرنك ما تقوله المصارف والبنوك بأنهم يقدمون لك سيولة لتقضي حاجتك، إنهم يقدمونها لك ولكنها بالفوائد، ولا تزال فائدة تلو فائدة حتى تكون الفوائد فوائد مركزة، تئنّ تحت وطأتها بعد حين، ترضى بها يوماً ويوماً، ثم تتابع عليك الفوائد حتى تقضي على كل ثرواتك وكل ممتلكاتك.
أيها المسلم، لا يخدعنك قولهم: إنها فرصٌ سانحة، لا وربّي، إنها شقاء وعناء، إنها ظلم لذلك الإنسان الذي يأتي وينخدع بهذه التسهيلات، ويظنها أمراً يسيراً، ولكن في العواقب يستبين له الضرر، ويستبين له الخطر، ويعلم أنه قد ألحق الأذى بنفسه.
أيها المسلم، إن الربا بكل صوره واجبٌ على المسلم تقوى الله والبعد عنه، نبينا حرم الربا في سنته فقال في حجة الوداع: ((ألا كل ربا من ربا الجاهلية فموضوع تحت قدمي، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب))(3)[3] وكان العباس رضي الله عنه قبل أن يسلم كسائر [أهل] الجاهلية عندهم ربا القرض، إذا أقرضوا الفقير قرضاً طالبوه بأن يكون هناك زيادة عند الوفاء، وكذلك إذا حلّت آجال الديون قالوا له: إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي، إما تعطي الحق في وقته، وإما يضيف عليه فوائد مقابل التأخير. هذا الربا الذي كان في الجاهلية، فجاءت آيات القرآن تحرمه، وتمنع منه، وتحذر الأمة من شره، وأنه بلاء وظلم للعباد.
وجاءت السنة تحرم ربا الفضل بين النوعين، بين نوعي الذهب، أنه لا يباع الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، سواء بسواء، ولا تباع الفضة إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، سواء بسواء، ولا يباع البر والشعير والتمر والملح إلا مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، ولو كان أحدهما أجودَ من الآخر، سداً لباب ربا النسيئة.
إن الإسلام حرم الربا، وحرم على المسلمين التعامل به، فليتق المسلم ربه.
أيها المسلم، لا تقل: الربا عمّ شره، وعمّ ضرره، وكثر خطره، فأنا أسير مع الناس في مسارهم، لا يا أخي، أنقذ نفسك من عذاب الله، ولا يغرنك من هلك مع الهالكين، أنقذ نفسك من عذاب الله، واحذر التعامل بالربا، والله جل وعلا إذ حرم الربا فإنه ليس ضرورياً للعباد، فهناك المكاسب الطيبة الحميدة التي فيها الخير الكثير، بما يغني عن الربا لو عقل المسلمون ذلك، لو فكر المسلمون في التعاون فيما بينهم، تعاون رأس المال مع الخبرات، لأدى ذلك إلى منافع وخيرات كثيرة، ولكن الأنانية سيطرت على كثير من النفوس، فأراد مالا في البنك، يُعطى عنه كل سنة نسبة معينة، ويعدّ نفسه أنه من المرتاحين، وأنه من الغانمين، ولا يعلم أنه ممن حقّت عليه لعنة الله.
أيها المسلم، فاتق الله في نفسك، وخلص معاملاتك من الربا، وابتعد عنه بكل صورة، فإن ابتعدت عنه طاعة لله أغناك الله بما هو خير لك منه، وفتح الله عليك ما هو خير لك منه، فاتق الله أيها المسلم، وابتعد عن التعامل بالربا، واحذر كل الحذر الربا، وما يقرب إليه، ذلك علامة الإيمان. ومن وقع في الربا فليعلم أنه حارب الله ورسوله، قال بعض السلف: "جُرِّب على أكلة الربا أنهم لا يُختم لهم بخير والعياذ بالله"، أنه لا يختم لهم بخير، وأنهم عند موتهم يظهر من ندمهم وسوء حالهم ما الله به عليم.
فلنتق الله في مكاسبنا، ولنطهِّر أموالنا من الربا، فإن المسلم يجب أن يحاسب نفسه، وأن ينقذها من عذاب الله.
اسأل الله أن يطهر مكاسبنا من كل خبيث، وأن يحفظنا بالإسلام، ويعيذنا من تلك المعاملات الخبيثة، إنه على كل شيء قدير.(2/107)
(/)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن نبينا جعل الربا أحد السبع الموبقات، فقال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا))(4)[1] فجعل أكل الربا أحد السبع الموبقات المهلكات.
فيا أخي المسلم، تبصّر في مالك، تبصّر في تجارتك، تبصّر في مصالحك، فإياك أن تقدم على الربا، وإياك أن تغتر بالمرابين، وإياك أن يخدعك المرابون. إن الربا بلاء عظيم، وإن زعم أهله أنهم يحسنون، فهم يسيئون للناس.
أيها المسلم، احذر الربا، وابتعد عنه، سواء في الاعتمادات أو غيرها، لا تفتح اعتماداً إلا على قدر ما تستطيع وتملك، وإياك أن يخدعك المصرف فيعطيك ما تريد بأسباب الربا، اتق الله وابتعد عن الربا، وارض بما قسم الله لك، قُل لاَّ يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]، لا يغرنك تسهيلاتهم، فهم والله لم يسهلوا لك محبة لك، وإنما يريدون اقتناصك، فاليوم تكون الأمور سهلة، وغداً تجتمع عليك الديون، وتتراكم عليك الديون الكثيرة، فلا تستطيع وفاءها، فتعود مفلساً فقيراً بعدما كنت غنياً، فاتق الله فإنها معاملة حرّمها الله عليك، وحرمها عليك رسولك ، فابتعد عنها طاعة لله، ابتعد عنها طاعة لله وخوفاً من عقوبة الله، هكذا يكون المؤمن.
أسأل الله أن يثبت الجميع على دينه.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ...
__________
(1) أخرجه مسلم في الإيمان (15) من حديث جابر رضي الله عنهما.
(2) حديث لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه آخرجه مسلم في المساقاة (1598) من حديث جابر رضي الله عنهما.
(3) جزء من حديث جابر الطويل في حجة النبي ، أخرجه مسلم في الحج (1218).
(4) أخرجه البخاري في الوصايا (2767)، ومسلم في الإيمان (89) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
==============
أكل الربا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 3858)
أكل الربا
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث
طرابلس
7/5/1425
بلال بن رباح
الخطبة الأولى
أما بعد: نتكلم اليوم ـ بإذن الله ـ عن كبيرة من كبائر الذنوب والمعاصي، حرمها ديننا الحنيف تحريما قاطعا لما فيها من مخالفة لشرع الله وضرر وظلم للناس، وتوعد الله ورسوله مرتكب هذه الكبيرة بوعيد عظيم.
نتكلم عن معصية أكل الربا والتعامل به، فالله سبحانه أحل للمسلم أن يسعى في طلب المال من حله، وأن يتاجر بالحلال ليكسب الأموال، ولم يحل له أن يستغل حاجة المحتاجين ليضاعف أمواله أو أن يقترض بالربا، يقول سبحانه: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].
والأصل في معنى الربا: الزّيادة، يقال: ربا الشّيء إذا زاد، ومن ذلك قول اللّه تبارك وتعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، أي: ينميها ويزيدها.
وهذا الربا ـ إخوة الإيمان ـ قبيح ومذموم ومحرم في كل الشرائع، قال بعض العلماء: "إنّ الرّبا لم يحلّ في شريعةٍ قطّ لقوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ [النساء:161]، يعني: في الكتب السّابقة". ولكن أهل الكتاب حرفوا كتبهم وغيروا فيها، فصار اليهود يحلون التعامل بالربا مع غير اليهود ليمتصوا ثرواتهم ويستولوا على أملاكهم، ثم توسعوا فيه حتى صاروا لا يتعاملون إلا به، ثم أفلحوا في أن يعمموه على كل العالم، فصار العالم كله يتعامل بالربا لتصب فوائده في النهاية في جيب اليهود في أكثر الأحيان.
وقد عرف عرب الجاهلية الربا وكانوا يتعاملون به، وكان إذا استدان بعضهم من بعض وحان وقت السداد يقول الدائن للمدين: "تقضي أم تُربي"، أي: إن كان لديك مالا تقضي دينك وإلا أزيدك في المدة وتزيدني في المال، ولكن العرب مع تعاملهم بهذا الربا إلا أنهم كانوا يعرفون خبثه وأنه كسب حرام، فكانوا لا يضعون أموال الربا في الأمور المقدسة لديهم، يروى عن ابن وهب بن عمرو بن عائذ وهو خال عبد الله والد النبي وكان شريفا من رجالات العرب في الجاهلية، يروى عنه أنه قال مخاطبا قريش عند إعادة بناء الكعبة: "يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس"، وهذا أكبر دليل على خبث الربا وخسته واتفاق الناس حتى في الجاهلية على ذمه.
ثم جاء شرعنا المطهر وشريعتنا الإسلامية السمحة فحذرت من هذا الذنب العظيم وهذه المعاملة الممقوتة التي تُستغل فيها حاجة المحتاج ليُسلب منه ماله أو متاعه ويؤول إلى جيب المرابي، جاء الإسلام والناس يتعاملون بالربا فحرمه عليهم، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]، هذا تحذير من أن يملأ المسلم بطنه بكسب الربا، تحذير من أن ينبت لحم المسلم من سحت الربا وفوائده؛ لأنه بذلك لا يُنعم جسمه بل يضره ويعرضه إلى عذاب الله وعقابه، نعم يعرضه إلى عذاب الله لأن رسول الله يقول: ((لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به)) أخرجه الترمذي عن كعب بن عجرة.
إذا نبت لحم الإنسان من سحت الحرام ومن سحت الربا ومن سحت السرقة وغيرها فإنه يهيئ هذا الجسم لعذاب النار، يهيئه ليصلى نارا حامية، فما أخبث هذا الدرهم الذي يتمتع به الإنسان في هذه الدنيا الفانية ثم يعقبه عذاب متواصل لا يطاق.
إننا ـ عباد الله ـ إذا أردنا أن نتخذ وقاية من النار وإذا أردنا أن نجعل سترا بيننا وبين النار فعلينا أن نبتعد عن الحرام وأن نتخذ من الحلال رزقا وكسبا، يقول في الحديث الذي أخرجه ابن حبان عن النعمان بن بشير: ((اجعلوا بينكم وبين الحرام سترا من الحلال))، أي: استعينوا بما أحل الله من رزق وكسب كي لا تقعوا فيما حرم الله.
والربا من أهم المحرمات في الكسب، بل إن الله أنذر القائمين على الربا والمتعاملين به بحرب من الله ورسوله، وهو ما لم ينذر به أي عاص بمعصية أخرى غير الربا، وهذا ينبيك بفداحة هذه المعصية، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278، 279]، قال قتادة كما في تفسير ابن كثير: "أوعدهم اللّه بالقتل كما يسمعون، وجعلهم بهرجًا ـ أي: دماؤهم مهدورة ـ أين ما أتوا، فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا، فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه، فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة" رواه ابن أبي حاتم. وقيل: إن معنى الآية: إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله أي أعداء لله ورسوله، وروى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب.(2/108)
هذا هو التحذير العظيم لآكل الربا، فما الذي يدعو المسلم لارتكاب هذا الذنب؟! وكيف تهون عليه نفسه فيعرضها إلى حرب من الله ورسوله، حرب من رب السموات والأرض، من خضعت له المخلوقات جميعا، من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، وحرب من رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين؟! هل عاقل من يعرض نفسه إلى هذا الخطر؟! وهل حكيم من يدخل هذه الحرب المعلومة النتيجة؟!
ولعل من أهم الدوافع إلى الربا قلة إيمان الإنسان بموعود الله في الرزق، فلو كان الإنسان مؤمنا حقا وموقنا بأنه لن يُحرم رزقا كتبه الله له فلن يلجأ أبدا إلى دخول باب حرم الله دخوله، ولكن الثقة في الرزق مهزوزة، والاعتماد على الرزاق ضعيف، لهذا يلجأ الإنسان إلى كل الأبواب ولا يلجأ إلى باب العزيز الوهاب الذي كتب الأرزاق لعباده وحددها، يقول سبحانه: وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:22، 23]، كما أن الإنسان إذا ابتعد عن دين الله وركن إلى الدنيا وشغف بمتاعها وزينتها فإنه لا يبالي من أي مكان جلب المال وكسبه، وهذا يجعله يقع في المحظور، يقول : ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء مما أخذ المال أمن حلال أم من حرام)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة. ولكن المسلم الحق والمسلم الصادق لا يمكن أن يستسهل أمرا لعن الله فاعله وأنذره وبالغ في ذمه لأن اللعنة تعني الغضب وتعني العذاب، فالمتعامل بالربا كما يخبر رسول الله معرض للعنة الله رب العالمين سواء كان مقرضا أو مقترضا وهذا ليس بالأمر الهين، أخرج الإمام أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله قال: ((لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه)). فاللعنة ليست على المقرض بالربا وحده، بل هي على الطرفين، بل إنها تشمل حتى من يكتبه ومن يشهد عليه، كل هؤلاء تلحقهم لعنة الربا والعياذ بالله.
وآكل الربا ـ إخوة الإيمان ـ يعذب على هذه المعصية عذابا شديدا، وصف رسول الله شيئا من هذا العذاب في حديث الرؤيا التي رآها، والذي أخرجه البخاري عن سمرة، يقول في هذا الحديث: ((رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال: آكل الربا))، كما بين الله سبحانه أن آكل الربا يقوم يوم القيامة من قبره كالمجنون جزاء ما أكل من أموال محرمة، يقول سبحانه: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، قال ابن كثير: "أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه يقوم قياما منكرا"، وقال ابن عباس: (آكل الربا يبعث مجنونا يخنق)، هذه هي فداحة، هذه المعصية العظيمة، وهذا ما تجنيه على صاحبها من عقوبات مادية ومعنوية.
قال السّرخسيّ: ذكر اللّه تعالى لآكل الرّبا خمسًا من العقوبات:
إحداها: التّخبّط، قال اللّه تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275].
الثّانية: المحق، قال تعالى: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا [البقرة:276]، والمراد: الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع حتّى لا ينتفع به ولا ولده بعده.
الثّالثة: الحرب، قال اللّه تعالى: فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه [البقرة:279].
الرّابعة: الكفر، قال اللّه تعالى: وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة:278]، وقال سبحانه بعد ذكر الرّبا: وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276]، أي: كفّارٍ باستحلال الرّبا، أثيمٍ فاجرٍ بأكل الرّبا.
الخامسة: الخلود في النّار، قال تعالى: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].
فلا ينبغي ـ إخوة الإيمان ـ لمسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا أن يلجأ إلى هذه المعاملة الممقوتة، فيبني بها بيتا أو يطعم منها أهلا وولدا، بل على المسلم أن يصبر، وأن يسعى للكسب من الحلال، وأن يدعو الله سبحانه أن يفتح عليه أبواب رزقه، فإن الله سبحانه لا يعجزه شيء.
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه وهداه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
معشر المسلمين، لقد نظر الإسلام إلى الربا نظرة ملؤها المقت والكره، لهذا حذر أتباعه منه وذمه لهم، وقد بلغ من هذا التحذير أن رسول الله يقول كما في مسند أحمد من حديث عبد الله بن حنظلة وهو في صحيح الجامع: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية))، كما أنه ركز على أمر الربا فيما ركز عليه من أمور مهمة في خطبة حجة الوداع، تلك الخطبة التي أوصى فيها المسلمين بأهم الوصايا، يقول في تلك الخطبة العظيمة كما عند ابن ماجه من حديث عمرو بن الأحوص: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا))، ثم يقول : ((وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا يا أمتاه: هل بلغت؟)) ثلاث مرات، قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد)) ثلاث مرات.
هذه وصية الوداع من رسول الله قبل أن يغادر هذه الدنيا، يوصي بها أمته ناصحا مشفقا، ويُشهد الله على ذلك، فهل تكون أمة تابعة لنبيها مطيعة له أمة تعصيه في آخر وأهم وصاياه؟! وماذا تنتظر الأمة إذا عصت هذا الأمر الإلهي وهذه الوصية النبوية؟! هل تنتظر رفعة وعزا؟! ماذا تنتظر أمة تعاملت بالربا المحرم؟! هل تنتظر رخاءً ونماءً؟! لا يمكن أن يكون رخاء ونماء فيما حرمه الله سبحانه، لهذا قد ينتعش اقتصاد يقوم على الربا ولكنه انتعاش يحمل في طياته الهلاك والخسران وإن طال الزمن، يقول فيما أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله))؛ لهذا ينبغي علينا أن نبتعد عن هذه المعصية، وأن لا نقترب منها إن كنا نريد الفلاح وإن كنا نريد النجاة، فلا سبيل إلى النجاة إلا في الابتعاد عما حرم الله، يقول سهل بن عبد الله كما في تفسير القرطبي: "النجاة في ثلاثة: أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي "، فالنجاة إذًا في طلب الحلال، أما الاعتماد في هذه الحياة ومطالبها على الحرام واللجوء إلى الربا وغيره مما حرم الله فإنه لا ينفع ولا يدوم ولا يفضي إلا إلى القلة والفقر مهما استكثر الإنسان منه، عن ابن مسعود أن رسول الله قال: ((ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة)) أخرجه ابن ماجه.
فلنتق الله عباد الله، ولا يدفعنا طلب الرزق أو قلته إلى أن نطرق أبواب الحرام.
أسأل الله أن يهدينا إلى صالح الأقوال والأعمال، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه...
==============
خطر الربا
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 5076)
خطر الربا(2/109)
محمد بن مبروك البركاتي
الليث
جامع بايزيد
الخطبة الأولى
لقد أقر القرآن الكريم القصة سلاحًا قويًا ومؤثرًا من أسلحة الدعوة إلى الإسلام وانتشاره؛ للتنفير من الرذيلة والقبائح والترغيب في القيم الخلقية والفضائل، وأخذت حيزا كبيرًا من القرآن الكريم، في قصص الرسل مع أقوامهم في عصور كثيرة، وقصص الصالحين من عباده، قال الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ [يوسف: 3]، وقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف: 111]، وقوله تعالى: فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 176]، وقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ [الكهف: 13].
وإليكم هذه القصة لأخذ العبرة منها:
تزوج شاب في عنفوان شبابه بشابة ذات دين وحسب ونسب وجمال، وقد كانت الحياة بينهم من أجمل ما يكون بين امرأة وزوجها، يحب بعضهم بعضا، وقد رزقه الله منها ابنًا إلا أن هذه الحياة لم يرد الله لها الاستمرار، فقد حدث لهذا الشاب حادث مروريّ راح ضحيتَه، وما إن انقضت عدة هذه الشابة إلا والخطّاب يتقاطرون عليها، كلّ يريدها، ولكنها آلت على نفسها أن لا تتزوج لتتفرّغ لتربية ابنها الذي كانت تحبّه أشدّ الحب وترى فيه العِوَض عن زوجها الذي أحبّته، وقد اجتهدت بالفعل في تربيته، وتبذل له كل غال ونفيس، وما يرغب أمرا إلا ويجده ملبى.
وتمر الأيام على هذا الابن وأمّه، ويدخل المرحلة الابتدائية وهي أكبر معين له بعد الله، تساعده في مذاكرته وتذلّل له العوائق حتى كان من المتفوّقين في دراسته، ولا تزال الفرحة تملأ قلبها بهذا الابن المتفوّق، ثم يدخل المرحلة المتوسطة ولا يزال في تفوقه، ويشاء الله ويكوّن هذا الشاب علاقة مع بعض زملائه مع اختبارات الفصل الدراسي الثاني من الصف الثاني المتوسط، حيث يذهب ليذاكر معهم، وبدأ يسهر معهم للمذاكرة، ولكن أمّه الحنون لا يطاوعها قلبها أن يسهرَ ابنها خارج المنزل، فما زالت به تناصحه وتحاول أن لا يخرج بعيدا عنها، فهي تحتاجه وتخاف عليه، حتى رضي أن تكون مذاكرتهم وسهرهم في منزله قريبًا من أمّه، ففرحت المسكينة وأخذت تجهّز له ولزملائه ما يحتاجونه من وسائل الراحة، ونذرت نفسها لخدمته وزملائه.
وتمر الأيام وإذا بها ذات يوم تشتكي آلاما تجدها، وتذهب لابنها ليوصلها لأقرب مستشفى ليكشف عليها، إلا أن الابن أخذ يتبرّم ويعتذر بعدم وجود السيارة، فعندما لم يجد بدّا من توصيلها أخذ سيارة أحد أصحابه ثم ذهب بها إلى باب المستشفى ثم تركها وذهب إلى أصحابه، وفي المستشفى تأبى إلا أن تكشف عليها طبيبة، ولكن لما لم تجد طلبت من الطبيب أن لا يرى منها إلا ما دعت الحاجة إليه، وطلب منها الطبيب بعض التحاليل. ثم بعد خروج النتيجة قال لها الطبيب: مبارك أنت حامل، فلم تكترث بقوله ظنّا منها أنه يمزح معها، فكرر عليها الطبيب أن نتيجة الفحوصات تقول: إنك حامل، فلما رأت أن الطبيب جادّ في كلامه قالت: يا دكتور، كيف حامل وأنا غير متزوجة ولم يطأني بشر؟! قال: وكيف حملت؟! فلما رأى استغرابها بدأ يبحث معها في الأمر حتى عرَف حالها مع ولدها وأصحابه، فقال: منهم قد أُصِبتِ، فاذهبي إلى بيتك وكوني على عادتك حتى تكتشفي الأمر.
وبالفعل ذهبت إلى بيتها وجاءها ابنها على عادته دائما ليسقِيَها كأس حليب قبل النوم، فأخذته منه وتظاهرت أنها شربته، وبقيت متحسسة الخبر، وإذا به يأتيها ليأخذ حاجة الرجل من امرأته منها وهي نائمة كما كان قد عملها معها قبل ذلك، فانتبهت فإذا به ابنها يريد منها ما يريد الرجل من امرأته، وإذا به ليس بعقله فقد استخدم المخدّر حتى أفقده عقله وجاء إلى أمه ليزني بها، فأصيبت بخيبة أمل في ابنها وبمصيبة في نفسها، وصدق رسول الله حين وصف الخمر بقوله: ((الخمر أم الخبائث)) رواه الطبراني وصححه الألباني، فهي تجمع كل الخبائث الدينية والدنيوية، فصاحبها مفسد لعقله، مفسد لبدنه وقوته ومنهك لصحّته، مؤذ لأهله وجيرانه وملائكته، وصاحب الخمر مغضب لربه سبحانه وتعالى الذي نهى عن شربها وتوعّد صاحبها بالعذاب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة: 90، 91]. والمخدرات أخبث من الخمر لأنها تؤدّي إلى ذهاب العقل، فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله : ((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)) رواه مسلم.
عباد الله، لعلكم استبشعتم هذا الفعل من هذا الشاب عندما زنى بأمه أعاذني الله وإياكم، ولا شك أنه أمر بشع غاية البشاعة، ولعلكم تظنون أنني سقت هذه القصة لكم لنحذر خطر المخدرات، صحيح أنه أحد الأمور التي أردت أن أحذّر منها، ولكن ـ يا عباد الله ـ إن ما يقدِم عليه كثير من الناس اليوم من التعامل بالربا أشد من هذا بنص حديث رسول الله ، فقد أخرج الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح من طريق ابن مسعود مرفوعا قوله: ((الربا ثلاث وسبعون بابا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه))، وأخرج أيضًا بإسناد لا بأس به من طريق أبي هريرة مرفوعا: ((الربا سبعون بابا، أدناها كالذي يقع على أمه)). فهل استشعرتم معي خطر الربا؟! إنه حرب لله ورسوله، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 278، 279]، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ومن يطيق محاربة الله؟!
ولقد تحدثنا في الأسبوع الماضي عن الأسهم والمساهمات والمضاربة فيها والاستثمار، وذكرنا كيف إقبال الناس على ذلك من غير تورّع ولا خشية أن يقع أحدهم في الربا، بل لقد تساهل البعض في ذلك تساهلا كبيرًا، وعندما تذكر له شركة بأنها مقترضة بالربا أو مودعة بالربا لا يكتَرِث، ونسي المسكين أو تناسى هذه الأحاديث والآيات.(2/110)
عباد الله، قال اللّه تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275]. وتواترت السنة الشريفة في المسألة، وبلغت حدا لا يسع أيّ مسلم ولو كان قرويّا أن يدّعي الجهل به، جاء من غير طريق أن رسول الله لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه، صح عنه : ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول اللّه، وما هن؟ قال: ((الشرك باللّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا)) الحديث، وأخرج البزار من طريق أبي هريرة مرفوعا: ((الكبائر سبع، أولهن الشرك بالله، وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا))، وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي جحيفة: لعن رسول الله الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله، وأخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا: ((أربعة حق على اللّه أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه))، وأخرج البزار بإسناد صحيح مرفوعا: ((الربا بضع وسبعون بابا، والشرك مثل ذلك))، وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سلام مرفوعا: ((الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام))، وعن عبد الله موقوفا: (الربا اثنان وسبعون حوبا، أصغرها حوبا كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية)، قال: (ويأذن اللّه بالقيام للبرّ والفاجر يوم القيامة إلا آكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)، وأخرج أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح من طريق عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة مرفوعا: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)).
أبعد هذه النصوص يأتي متأوّل أو متساهل ويقول: إن الربا في الشركة الفلانية يسير لا يضر؟! وما أسكر كثيره فقليله حرام.
فالحذر الحذر ـ عباد الله ـ من الربا قليلا كان أو كثيرًا، واستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك.
===============
الربا: صوره، أقسام الناس فيه
مجلة البيان - (ج 2 / ص 28)
الربا .. صوره - أقسام الناس فيه
بقلم فضيلة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً ، وبعد..
فإن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس وأودع فيهم العقول والإدراك وبعث فيهم الرسل وبث فيهم النذر ليقوموا بعبادته والتذلل له بالطاعة مقدمين أمره وأمر رسله على ما تهواه أنفسهم ، فإن ذلك هو حقيقة العبادة ومقتضى الإيمان ، كما قال الله تعالى : (( ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً)) [الأحزاب: 36].
فلا خيار للمؤمن -إن كان مؤمناً حقاً - في أمر قضاه الله ورسوله ، وليس أمامه إلا الرضا به ، والتسليم التام سواء وافق هواه أم خالفه ، وإلا فليس بمؤمن ، كما قالي الله تعالى : ((فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء:65].
وقد أخبر الله تعالى أن العدول عن حكمه وعن اتباع رسوله أنه أضل الضلال فقال تعالى : ((فَإن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)) [القصص:50].
إذا تبين هذا فاعلم أن أوامر الله تعالى تنقسم إلى قسمين : قسم فيما يختص بمعاملته سبحانه ؛ كالطهارة والصلاة والصيام والحج ، وهذه لا يستريب أحد في التعبد لله تعالى بها . وقسم فيما يختص بمعاملة الخلق وهي المعاملات الجارية بينهم من بيع وشراء وإجارة ورهن وهبة ووصية ووقف وغيرها ، وكما أن تنفيذ أوامر الله تعالى والتزام شريعته في القسم الثاني أمر واجب ، إذ الكل من حكم الله تعالى على عباده ، فعلى المؤمن تنفيذ حكم الله والتزام شريعته في هذا وذاك .
ولقد شرع الله تعالى لعباده في معاملاتهم نظماً كاملة مبنية على العدل لا تساويها أي نظم أخرى ، بل كلما ابتعدت النظم أو ابتعد الناس عن العمل بنظم الشريعة كان ذلك أكثر الظلم ، وأوغل في الشر والفساد والفوضى .
وإن من الظلم في المعاملات واجتناب العدل والاستقامة فيها أن تكون مشتملة على الربا الذي حذر الله تعالى منه في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأجمع المسلمون على تحريمه .
قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ * وإن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ وأَن تصدقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * واتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ)) [البقرة:278-281].
وقال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * واتَّقُوا النَّارَ الَتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وأَطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) [آل عمران: 130-132].
وقال تعالى : ((الَذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلاَّ كَمَا يَقُومُ الَذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ومَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ويُرْبِي الصَّدَقَاتِ واللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ))[البقرة : 275-276] ، يعنى لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المُخَبَّل المجنون الذي يصرعه الشيطان . هكذا قال ابن عباس رضى الله عنهما وغيره . وفى صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء . واللعن : الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى .(2/111)
وفى صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه نهراً من دم ، فيه رجل قائم ، وعلي شط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج ، رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رماه الذي على شط النهر بحجر فيرجع كما كان ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الرجل الذي في نهر الدم فقيل آكل الربا .
ولقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته أين يكون الربا ، وكيف يكون ، بياناً شافياً واضحاً ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر - بالتمر ، الملح بالملح . مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطى فيه سواء . رواه مسلم . وفي لفظ : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد .
فهذه الأصناف الستة هي محل الربا بالنص(1) : الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفية الربا فيها فأوضح أن التبايع فيها يكون على وجهين :
الوجه الأول :
أن يباع منها بجنسه مثل أن يباع ذهب بذهب ، فيشترط فيه شرطان اثنان :
أحدهما : أن يتساويا في الوزن .
والثاني : أن يكون يداً بيد بحيث يتقابض الطرفان قبل أن يتفرقا . فلو باع ذهباً بذهب يزيد عليه في الوزن ولو زيادة يسيرة فهو ربا حرام ، والبيع باطل ولو باع ذهباً بذهب يساويه في الوزن وتفرقا قبل القبض فهر ربا حرام ، والبيع باطل ، سواء تأخر القبض من الطرفين أو من طرف واحد .
الوجه الثاني :
أن يباع واحد من هذه الأصناف بغير جنسه ، مثل أن يباع ذهب بفضة فيشترط فيه شرط واحد ، وهو أن يكون يداً بيد بحيث يتقايض الطرفان قبل أن يتفرقا ، فلو باع ذهباً بفضة وتفرقا قبل القبض فهو ربا حرام ، والبيع باطل ، سواء تأخر القبض من الطرفين أو من طرف واحد .
ولقد كان الذهب والفضة منذ أزمنة بعيدة محل التعامل بين الناس قيماً للأعيان والمنافع ، فأصبح التعامل بالأوراق النقدية بدلاً عنها والبدل له حكم المبدل ، فإذا بيعت ورقة من النقود بورقة أخرى فلابد من التقايض قبل التفرق ، سواء كانت من جنسها أم من غير جنسها ، وسواء كانت هذه الأوراق بدلاً عن ذهب أم بدلا عن فضة فلو صرفت ورقة نقدية سعودية من ذوات المائة بورقتين من ذوات الخمسين فلابد من التقابض من الطرفين قبل التفرق . ولو صرف دولاراً بأوراق نقد سعودية فلابد في التقابض من الطرفين قبل التفرق أيضاً. ولو اشترى حلي ذهب أو فضة بأوراق نقدية فلابد من التقابض من الطرفين قبل التفرق لأنه كبيع الذهب بالفضة الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد .
ولقد انقسم الناس في المعاملات الربوية إلى ثلاثة أقسام:
قسم : هداهم الله تعالى ونور بصائرهم ووقاهم شح أنفسهم وعرفوا حقيقة المال ، بل حقيقة الدنيا أنها عارية مسلوبة ، وفيء زائل ، وأن كمال العقل والدين أن يجعل الرجل المال وسيلة لا غاية ، وأن يجعله خادماً لا مخدوماً فتمشوا في اكتساب أموالهم وصرفها على ما شرعه لهم خالقهم الذي هو أعلم
بما يصلحهم وأرحم بهم من أنفسهم ، فأخذوا بما أحل الله واجتنبوا ما حرم الله ، وهؤلاء هم الناجون المفلحون . قال الله تعالى : ((ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)) [الحشر:9] .
القسم الثاني : من تعاملوا بالربا على وجه صريح ، إما جهلاً منهم أو تجاهلاً أو عناداً ومكابرة ، وهؤلاء مستحقون لما تقتضيه حالهم من الوعيد على أكل الربا ، على ما جاء في نصوص الكتاب والسنة .
القسم الثالث : من تعاملوا بالربا من وجه الحيلة والمكر والخداع ، وهؤلاء شر من القسم الثاني ، لأنهم وقعوا في مفسدتين : الربا ، ومفسدة الخداع ، ولهذا قال بعض السلف في أهل الحيل : يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ، لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون .
ونحن نذكر من فعل هذين القسمين ما كان شائعا بين الناس . فالشائع من فعل القسم الأول ربا البنوك وهو على وجهين :
أحدهما : أن يأخذ البنك دراهم من شخص بربح نسبة مئوية يدفعها البنك كل شهر أو كل سنة ، أو عند انتهاء مدة الأجل إن كان مؤجلاً .
الثاني : أن يعطي البنك دراهم لشخص بربح نسبة مئوية يأخذها البنك كل شهر أو كل سنة أو عند انتهاء مدة الأجل ، إن كان مؤجلاً .
فأما إذا أخذ البنك الدراهم من شخص بدون ربح فله وجهان :
أحدهما : أن يأخذ هذه الدراهم على وجه الوديعة بأن يحفظ الدراهم بأعيانها لصاحبها ، ولا يدخلها في صندوق البنك ، ولا يتصرف فيها ، بل يبقيها في مكان إيداعها حتى يأتي صاحبها فيأخذها ، فهذا جائز ، وهذا الوجه ليس للبنك فيه فائدة اللهم إلا أن يكون بين القائمين عليه وبين صاحب صحبة . فيحسنوا إليه بحفظ دراهمه في حرز البنك . ولذلك لو طلب البنك أجرة على حفظها لكل شهر أجرة معلومة لكان ذلك جائزاً .
الوجه الثاني : أن يأخذ البنك هذه الدراهم على وجه القرض ، بحيث يدخلها في صندوق البنك ، ويتصرف فيها كما يتصرف في ماله ، فهذه قرض وليست بإيداع وإن سماها الناس إيداعاً ، فالعبرة بالحقائق لا بالألفاظ ، وإذا كانت قرضاً للبنك فهي إرفاق به ومساعدة وتنمية لربحه ، فإذا كان البنك لا يتعامل إلا بالربا فلا ريب أن إعطاءه الدراهم على هذا الوجه حرام لأنه عونٌ ظاهر على الربا ، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن كاتب الربا وشاهديه فكيف بمن يضم ماله إلى مال المرابي فيزداد ربحه ومراباته .
أما إذا كان البنك له موارد أخرى غير ربوية مثل أن يكون له مساهمات في شركات طيبة المكسب ، وله مبايعات وتصرفات أخرى حلال فإن إعطاءه الدراهم على هذا الوجه ليس بحرام ، لأنه لا يتحقق صرفها في الوجه الربوي من تصرفات البنك ، لكن البعد عن ذلك أولى لأنه موضع شبهة ، إلا أن يحتاج الإنسان إلى ذلك ، فإن الحاجة تبيح المشتبه لقوة المقتضى وضعف المانع . هذا هو الشائع من فعل القسم الأول من المتعاملين بالربا .(2/112)
أما الشائع من فعل القسم الثاني من المتعاملين بالربا فهو أن يأتي الرجل لشخص فيقول : إني أريد من الدراهم كذا وكذا فهل لك أن تدينني العشر أحد عشر أو ثلاثة عشر أو أقل أو أكثر حسب ما يتفقان عليه ، ثم يذهب الطرفان إلى صاحب دكان عنده بضائع مرصوصة قد يكون لها عدة سنوات إما خام أو سكر أو رز أو هيل أو غيره مما يتفق عند صاحب الدكان ، أظن أن لو وجدوا أكياس سماد يقضيان بها غرضهما لحصل الاتفاق عليها فيشتريها الدائن من صاحب الدكان شراءً صورياً غير حقيقي ، نقول إنه صوري لا حقيقي لأنه لم يقصد السلعة بعينها بل لو وجد أي سلعة يقض بها غرضه لاشتراها ولأنه لا يقلب السلعة ولا يمحصها ولا يماكس (يكاسر) في الثمن وربما كانت السلعة معيبة من طول الزمن أو تسلط الحشرات عليها ، ثم بعد هذا الشراء الصوري يتصدى لقبضها ذلك القبض الصوري أيضاً ، فيعدها وهو بعيد عنها ، وربما أدرج يده عليها تحقيقاً للقبض كما يزعمون ، والقبض في مدلوله اللغوي أن يكون الشتيء في قبضتك ، وبعد هذا القبض الصوري يبيعها على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل ، ولا ندري هل يتصدى هو أيضاً لقبضها القبض الصوري كما قبضها الدائن أو يبيعها على صاحب الدكان بدون ذلك ، فإذا اشتراها صاحب الدكان سلم للمدين الدراهم وخرج بها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (إبطال التحليل ص 109) : بلغني أن من الباعة من أعد بزاً لتحليل الربا فإذا جاء الرجل إلى من يريد أن يأخذ منه ألفا بألف ومائتين ذهباً إلى ذلك المحلل فاشترى المعطى منه ذلك البز ثم يعيده الآخذ إلى صاحبه ، وقد عرف الرجل بذلك بحيث إن البز الذي يحلل به الربا لا يكاد يبيعه البيع البتات ا هـ .
وقال في الفتاوى 29/ 430 ، جمع ابن قاسم : إذا اشترى له بضاعة وباعها له فاشتراها منه أو باعها للثالث صاحبها الذي اشتراها المقرض منه فهذا ربا . وفي ص 436 - 437 من المجلد المذكور : فهذان المتعاملان إن كان قصدهما أخذ دراهم بدراهم إلى أجل فبأي طريق توصل إلى ذلك كان حراماً وفى ص438 منه : فهذه المعاملة وأمثالها من المعاملات التي يقصد بها بيع الدراهم بأكثر منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية ، قال : وعلى ولى الأمر المنع من هذه المعاملات الربوية وعقوبة من يفعلها ، وفي ص 441 منه : وكذلك إذا اتفقا على المعاملة الربوية ، ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعاً بقدر المال فاشتراه المعطى ثم باعه على الآخذ إلى أجل ، ثم أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلك فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما بجُعل؟ فهذا أيضاً من الربا الذي لاريب فيه . وفي ص 447 منه : وأصل هذا الباب أن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى ، فإن كان قد نوى ما أحله الله فلا بأس ، وإن نوى ما حرم الله وتوصل إليه بحيلة فإن له ما نوى . وقال في أبطال التحليل ص 108 : فيا سبحان الله العظيم ، أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن ، وأوجب محاربة مستحله ، ولعن أهل الكتاب بأخذه ، ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه ، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيره إلى أن يستحل جميعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلاً إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزأ بها أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبياً من الأنبياء فضلاً عن سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بضرب من العبث والهزل الذي لم يقصد ولم يكن له حقيقة وليس فيه مقصود المتعاقدين قط ؟!.
وقال ابن القيم وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الذي لم نر مثله في بابه : (إعلام الموقعين 3/148) تحقيق عبد الرحمن الوكيل : وهكذا الحيل الربوية ، فإن الربا لم يكن حراماً لصورته ولفظه ، وإنما كان حراماً لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع ، فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة ركبت ، وبأي لفظ عبر عنها ، فليس الشأن في الأسماء وصور العقود ، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له.ا هـ .
وهذه المعاملة الشائعة بين الناس في التحايل على الربا تتضمن محاذير منها: أنها خداع ومكر وتحيل على محارم الله تعالى . والحيلة لا تحلل الحرام ، ولا تسقط الواجب ، بل تزيد القبيح قبحاً إلى قبحه ، حيث تحصل بها مفسدته مع مفسدة الخداع والمكر ، ولهذا قال بعض السلف في المتحايلين : يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون . ومنها : أنها توجب التمادي في الباطل ، فإن المتحيّل يرى أن عمله صحيح فيتمادى فيه ، ولا يشعر نفسه بأنه مذنب ، فلا يؤنبها على ذلك ، ولا يحاول الإقلاع عنه ، أما من أتى الباطل على وجه صريح فإنه يشعر أنه وقع في هلكة فيخجل ويستحي من ربه ويحاول أن ينزع من ذنبه ويتوب إلى الله تعالى.
ومنها : أن السلعة تباع في محلها بدون قبض صحيح ولا نقل ، وهذا معصية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع - أي في المكان الذي اشتريت فيه - حتى يحوزها التجار إلى رحالهم . رواه أبو داود ، ويشهد له حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما قال : كان الناس يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق ، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعوه حتى ينقلوه . رواه البخاري.. وقد يتعلل بعض الناس فيقول : إن عد هذه الأكياس قبض لها فنقول : القبض مدلول لفظي وهو أن يكون الشيء في قبضتك وهذا لا يتحقق بمجرد العدّ ، ثم لو قدرنا أن العد قبض ، فهل حصل النقل والحيازة ؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
وقد يتعلل بعض الناس بأن هذه المعاملة من التورق ، فنقول : ليست هذه من التورق الذي اختلف في جوازه فإن التورق أن يشتري المحاج سلعة بثمن مؤجل زائد عن ثمنها الحاضر من أجل أن يبيعها وينتفع بثمنها ، فهو يشتري سلعة بعينها مقصودة مملوكة للبائع ، أما المعاملة الشائعة هذه فليست كذلك فان البائع والمشتري يتفقان على الربح ، وهى ليست في ملكه ، ثم إن السلعة ليست معلومة لهما ولا معلومة الثمن ولا مقصودة ، ولذلك يأخذان أي سلعة تتفق عند صاحب الدكان بأي ثمن كان ، حتى إن بعضهم إذا لم يجد سلعة عند صاحب الدكان تكفي قيمتها للدراهم التي يحتاجها المتدين رفع قيمتها حتى تبلغ الدراهم المطلوبة ، وربما اشتراها الدائن فباعها على المتدين ثم باعها المتدين على صاحب الدكان ثم عاد صاحب الدكان فباعها على الدائن مرة ثانية ثم باعها الدائن على المتدين ، وهكذا يكررون العقد مرات حتى تبلغ الدراهم المطلوبة فأين هذه المعاملة من التورق الذي هو موضع خلاف بين العلماء(2) ، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية أبي داود على أنها -أي مسألة التورق- من العينة ذكره ابن القيم في تهذيب السنن 5/108 ، وذكر في الإنصاف عن الإمام أحمد فيها ثلاث روايات : الإباحة والكراهة والتحريم ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية تحريم التورق وكان يراجع فيها كثيراً فيأبى إلا تحريمها. وقد شاع في هذه المعاملة المتحيل بها على الربا . أن الناس يقولون فيها : (العشر أحد عشر) ، وهذا مكروه في البيع الذي ليس حيلة على الربا . وعن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه الربا ، وقال أيضاً : كأنه دراهم بدراهم لا يصح .(2/113)
وقد تدرج كثير من الناس بهذه المعاملة إلى الوقوع في الربا الصريح ، ربا الجاهلية الذي يأكلونه أضعافاً مضاعفة ، فإذا حل الأجل ولم يوف المدين إما لعجزه أو مماطلته قال له الدائن . خله يبقى بمعاشرته فيربى عليه كل سنة ذلك الربح الذي اتفقا عليه وسمياه معاشرة ، نسأل الله تعالى السلامة .
المخرج المشروع :
والموفق يستطيع التخلص من هذا الفخ الذي أوقعه فيه الشيطان والشح ، فيصرف تعامله إلى البيع والشراء على الوجه السليم ، ويقضي حاجة المحتاج إما بإقراضه ، وإما بالسلم بأن يعطيه دراهم بعوض يسلمه له بعد سنة أو أكثر حسبما يتفقان عليه ، مثل أن يقول : هذه عشرة آلاف ريال اشتريت بها منك ، مائة كيس سكر تحل بعد سنة ، وقيمة الكيس بدون أجل مائة وعشرة ريالات ، فهنا حصل للبائع الذي هو المستدين انتفاع بالدراهم ، وحصل للمشتري الذي هو الدائن انتفاع بربح عشرة ريالات في كل كيس ، وربما يرتفع سعره عند الوفاء فيربح أكثر ، وربما ينزل فلا يحصل له إلا دراهمه أو أقل وبهذا يخرج عن الربا ويكون كالبيع المعتاد الذي يربح فيه أحد المتعاقدين أو يخسر حسب اختلاف السعر . وهذه المعاملة كانت شائعة بين الناس إلى عهد قريب وتسمى في لغة العامة (المكتب أو الكتب) ينطقون الكاف بين السين والكاف ? فهاتان طريقتان لقضاء حاجة المحتاجين : القرض والمكتب . فإن لم يشأ المتعاقدان ذلك فثم طريقة ثالثة إذا كانت حاجة المدين بشيء معين مثل أن يكون محتاجا لسيارة أو ماكينة وقيمتها كذا وكذا ، فيبيعها الدائن عليه بأكثر إلى أجل يتفقان عليه ، لأن قصد المدين هنا نفس تلك العين لا دراهم بدراهم .
((ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ))[الطلاق : 2-3] ، ((ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)) [الطلاق:4] ، هكذا قال الله تعالى . وقال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ويُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ))[الأنفال:29].
وقال تعالى : ((وأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ومَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))[البقرة:275] .
فالتوبة إلى الله تعالى إذا كانت نصوحاً تمحو ما قبلها ، وإذا كانت هذه المعاملات المحرمة فعلها العبد تقليداً لمن يحسن الظن به أو تأويلاً اشتبه عليه به وجه الصواب ثم رجع إليه بعد علمه به فإنه لا يؤاخذ به ، فإنما المؤاخذة فيمن علم الخطأ وتمادى فيه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
الهوامش :
1- وألحق جمهور العلماء بها ما يساويها في العلة والحكمة على خلاف بينهم في تحقيق العلة ، وليس هذا محل بسطها.
2- ولذا يحكى ابن تيمية الخلاف في التورق ، ولكن يقول في هذه المعاملة : هو من الربا الذي لا ريب فيه.
==============
فتاوى حول الربا والمفطرات
مجلة البيان - (ج 18 / ص 49)
الفتاوى
وصلت المجلة هذه الأسئلة من الأخوة القراء وقد توجه بها مندوبنا إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب عليها مشكوراً ، وجزاه الله خيراً ونفع به.
ما حكم الإيداع في البنوك الربوية ؟
يجوز للضرورة إذا لم يوجد غيره من البنوك الإسلامية وخيف عليها من اللصوص ...
ما حكم المساهمة في شركات تتعامل في الربا وأصل نشاطها ليس ربويًّا ؟
لا يجوز المساهمة في مثل هذه الشركات إذا كانوا يودعون عند البنوك ويأخذون فوائد ربوية يضيفونها إلى رأس المال.
ما حكم المضاربة في المصارف الإسلامية ؟
يجوز إذا تحقق أنها إسلامية ليس فيها شبهة ولا تدخل مع البنوك الربوية.
ما حكم التجارة بشراء العملات سواء عن طريق البنوك أو عن طريق شركات خاصة ؟
يجوز الصرف الذي هو بيع نقد بنقد بشرط الحلول والتقابض قبل التفرقة ويقوم قبض الشيك الذي له رصيد مقام قبض النقد.
ما الذي يفطرمن الأشياء التالية:
- القطرة: العينية ، الأنفية ، الأذنية ؟
- الحقنة: العضلية ، الوريدية،الجلدية ؟
- حقن المخدر في اللثة لقلع الأسنان؟
- استعمال فرشاة ومعجون الأسنان أثناء الصيام ؟
- المبخرات عن طريق الفم كاستنشاق الدواء عن طريق الفم في مرض الربو ؟
- التحاميل الشرجية، الحقن الشرجية ؟
- تفطر الأنفية إذا وصلت إلى الحلق ، ولا تفطر العينية والأذنية وإن كانت مكرو هة ..
- يفطر من الأبر ما يصل إلى الجوف كحقن الوريد وما كان مغذيًّا أو مقويًّا من غيرها.
لا تفطر حقن المخدر حيث إن أثرها موضعي لا يتجاوز موضع الأسنان.
- استعمال الفرشاة والمعجون مكروه مخافة أن يختلط بالريق ويدخل الجوف ، وإذا تحفظ فإنه لا يفطر.
- المبخرات يكره إلا لضرورة وحينئذ فلا يفطر.
- التحاميل تفطر حيث إنها تدخل إلى الجوف.
والله أعلم.
=============
تنويه ورد (حول كلام الشيخ ابن باز فى الربا)
مجلة البيان - (ج 36 / ص 94)
تنويه وردّ
أرسل لنا الدكتور علي السالوس - حفظه الله - عن طريق هيئة الرقابة الشرعية في مصرف قطر الإسلامي هذا الرد من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على ما كتبته جريدة "الأهرام" :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه .
أما بعد : فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة "الأهرام" - الصادرة في 18/2/1411 هـ الموافق 7/7/1990 م نقلاً عن معالي وزير الأوقاف المصري بأنني أفتيت بجواز التعامل مع البنوك بالفوائد من أجل الضرورة .. اهـ المقصود .
ومن أجل إيضاح الحق للقراء وغيرهم أعلن أن هذا النقل لا صحة له ، وقد صدرت عني فتاوى كثيرة نُشرت في الصحف المحلية وغيرها بتحريم الفوائد البنكية المعروفة ؛ لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على ذلك. وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ونسأل الله أن يوفق المسلمين جميعاً لكل ما يوافق شرعه المطهر ويعيذهم من أسباب غضبه . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
==============
الربا والأدوات النقدية المعاصرة (1)
مجلة البيان - (ج 100 / ص 36)
دراسات اقتصادية
الربا والأدوات النقدية المعاصرة
(1)
د. محمد بن عبد الله الشباني
يمثل تعدد أنواع وأشكال الأدوات النقدية المستخدمة في سداد الالتزامات المالية أهم المتغيرات في المجتمع المعاصر فيما يتعلق بموضوع التبادل النقدي، بجانب اتساع نطاق الاتجار بالعملات الورقية، التي تمثل الأداة النقدية ذات الإلزام النظامي في سداد الالتزامات الناشئة عن التبادل السلعي والخدمي في المجتمع.
إن دراسة ظاهرة استخدام الأدوات النقدية المتعددة في سداد الالتزامات الناشئة عن ممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة (مثل: الشيكات، وبطاقات الائتمان المختلفة) كأدوات تحل محل النقود المعدنية أو الورقية، يرجع إلى ما يكتنف هذه الأساليب من تساؤلات عن مدى شرعية هذه الأدوات من ناحية، ومواطن الربا التي يمكن أن توجد نتيجة لاستخدام هذه المستجدات من وسائل سداد الالتزامات من خلال الوحدات المصرفية المختلفة من ناحية أخرى.
يرتبط فهم طبيعة هذه الأدوات ودورها في تحقيق أهم وظائف النقود بفهم النظرية النقدية، التي تهتم بربط النقود بالمتغيرات الاقتصادية.(2/114)
إن فهم النظرية النقدية يستدعي تحديد ماهية النقود، وتكوينها، وأشكالها، وطبيعة العلاقات المرتبطة بتأديتها لوظائفها، وإبراز وجهة النظر الشرعية من خلال فهم ودراسة النصوص من القرآن والسنة، مع تحديد النظرة الشرعية لمفهوم النقد (بوصفه معياراً لتفسير التغيرات في أثمان السلع والخدمات) والأدوات المعاصرة المستخدمة في تحقيق وظيفة النقد الخاصة بتيسير التبادل السلعي والخدمي، ومواطن الحرمة عند استخدام هذه المستجدات من الأدوات.
وفي هذه المقالة سوف أحاول دراسة الجوانب الشرعية لهذه الأدوات ومواطن الربا جميعاً، مع محاولة إلقاء الضوء بشكل مختصر على ماهية النقود من وجهة النظر الإسلامية.
ماهية النقود:
تحاول الدراسات التاريخية للنظام النقدي الإجابة على السؤال التالي:
ماذا يُعنى بالنقود؟ وتأتي الإجابة على أنها: سلعة متميزة تمتاز من بين باقي السلع للقضاء على المقايضة، ولها وظائف تقليدية وأشكال معينة، وترتبط بهيئات اقتصادية محددة. (1)
لقد ترتب على النظرة المتعلقة بأن النقد ما هو إلا سلعة مختارة من بين السلع: حصر نطاق التحليل النقدي في الجانب العيني؛ فالظواهر الأساسية في الحياة الاقتصادية يمكن دراستها من خلال الجانب العيني (سلع وخدمات)، أما النقود فهي مجرد غطاء خارجي للأشياء، يجب معرفة ما وراءه، فقيمة المنتجات لا تجد مقياسها في الأسعار النقدية، وإنما في علاقات المبادلة بين السلع في الأسعار النسبية بينها، وإن ما يتخذ مظهراً نقديّاً ما هو في الحقيقة إلا عملية توفيق بين عناصر الإنتاج من: رأس مال، وعمل، ومعرفة فنية، وموارد طبيعية، وأجر نقدي.
أما الادخار: فهو يمثل الجزء الحقيقي من السلع التي لم تستهلك خلال فترة معينة، أما أهمية الاستثمار: فلا تعود إلى رأس المال النقدي، وإنما في تحوله إلى رأس مال طبيعي، أي: إلى أجهزة وآلات ومبانٍ، فالقاعدة العامة إذن هي: أن حقيقة الظواهر الاقتصادية ما هي إلا ظواهر عينية، وما النقود إلا أداة فنية ليس لها من وظيفة سوى تسهيل عمليات المبادلة والتراكم الرأسمالي في اقتصاد مبادلة الإنتاج.
إن هذا الاتجاه التحليلي لماهية النقود، لم يكن حدثاً عارضاً بقدر ما كان نتاج مجموعة من الظروف التاريخية والفكرية المصاحبة للتغيرات التي حدثت في الاقتصاديات الأوروبية خلال فترة تراجع الأمة الإسلامية، ودخولها في فترة الاضمحلال والجمود والانفصام ما بين معطيات ومبادئ الشريعة الإسلامية والركود الذي أصاب مختلف أوجه الحياة في الأمة الإسلامية، أما بالنسبة للاقتصاديات الأوروبية، فقد تميزت بتعدد الاضطرابات النقدية والتجارب في تطوير العمل المصرفي، مع تغير وتبدل الظروف التاريخية، التي أدت إلى تفسير الكثير من العلاقات النقدية غير المتوازنة والمرتبطة بالإنتاج والأسعار، وفي مواجهة هذا الاتجاه (الاتجاه العيني) برز اتجاه فكري مضاد له قائم على رفض تجريد الاقتصاد العيني من كل خصيصة نقدية؛ حيث يرى أن للنقود دوراً وأهمية في تفسير الظواهر العينية، مما أعطى للتحليل النقدي دوراً على حساب التحليل العيني.
يرتبط دور النقود في أداء مهامها بوصفها ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد متعددة من حيث إنها تمثل وسائل الدفع التي يحتاج إليها الاقتصاد بتطور العلاقات الاقتصادية (إنتاجاً وتوزيعاً) من مرحلة الإنتاج الذاتي القائم على إشباع الحاجات الذاتية إلى مرحلة الإنتاج المتخصص المقترن بالحاجة إلى المبادلة، التي بدأت بالمقايضة وما صاحبها من معوقات بسبب تعدد الأطراف وتعدد السلع، مما أدى إلى اختيار سلعة معينة كقاعدة للمقارنة، وبها تقاس قيم السلع الأخرى، وما استتبع ذلك من قبول هذه السلعة، باعتبار أن لها قيمة ذاتية تقبل من الجميع في عمليات التبادل، مع إمكانية تخزينها وانتقالها من حيث الزمان والمكان.
لقد واجه الإنسان مشكلة اختيار السلعة القابلة لأن تكون وسيطاً للمبادلة، ومقبولة من الجميع، وتكون مقياساً للسلع الأخرى.
خصائص النقود:
لقد توصل الإنسان من خلال تجاربه إلى ضرورة أن تتصف النقود بخصائص معينة، حتى تقوم بوظائفها، وهذه الخصائص يمكن إجمالها في الأمور التالية (2):
1- أن تكون الوحدات التي تتكون منها السلعة كنقد مقبولة من الجميع، وهذا القبول يعطيها خاصية الإلزام، وبعد تولي الدولة فرض القبول لوحدات النقد ساعد ذلك الأمر على أن تصبح النقود الورقية التي يصدرها البنك المركزي ملزمة للجميع ومبرئة للذمة، وبالتالي: ظهرت النظرية التي تقول: إن النقود ليست لها قيمة في ذاتها، وإنما تستمد هذه القيمة من سلطة الإجبار، فالدولة هي التي توجِد النقود، وهي التي تزيل عنها هذه القدرة.
2- أن تكون لها صفة الدوام والثبات، ففقدان النقد لهذه الصفة يضعفها من القيام وظائفها المتمثلة في أنها مخزن للقيمة، ووسيلة لتسديد الديون، فعدم الثبات يؤدي إلى الاضطراب في المعاملات.
3- توفر عنصر الندرة، فالندرة عنصر أساس لفرض الاحترام والتناسب مع حجم المعاملات والمحافظة على القيمة، لقد كان اختيار الذهب والفضة في الماضي مؤسسًاً على ما يتمتعان به من ندرة نسبية في الوجود الطبيعي، وبعد قيام الدولة بالإلزام بقبول النقود الورقية، فقد استخدم لتحقيق هذه الخاصية فرض القيود على الإصدار النقدي الورقي.
4- إمكانية الانقسام، أي: إمكانية تجزئتها إلى وحدات صغيرة نهائية أو لا نهائية، وهذه القابلية تستلزم القدرة على تجزئة قيمتها، وبالتالي: تجزئة الوحدات النقدية الموازية على أن يتبع هذا الانقسام التكافؤ أو المساواة بين قيمة مجموع الأجزاء المقسمة ووحدة النقد الكلية، ولمواجهة الحاجة إلى انقسام الوحدات النقدية تعمد الدولة في العصر الحديث إلى إصدار ما يسمى بالعملة المساعدة؛ سواء أكان على أساس معدني أو أوراق نقدية مساعدة تقوم بدور وحدات التجزئة لوحدات النقد الورقية، والغرض منها: تسهيل المعاملات ومواجهة اختلاف أحجام السلع.
وظائف النقود:
على ضوء ما سبق من مناقشة لماهية النقود والخصائص التي يجب أن تتوفر في أي سلعة تتخذ نقداً: يتضح أن النقود ليست غاية في ذاتها، بقدر ما هي أداة لتأدية وظائف معينة يمكن إجمالها في الأمور التالية (3):
1- قياس قيم السلع والخدمات: فالنقود هي مقياس للقيمة ووحدة للمحاسبة، فعدد الوحدات النقدية اللازمة للحصول على السلعة، التي تستبدل بها السلعة، تعتبر ثمناً أو قيمة لهذه السلعة، وحيث إن النقود هي وحدة القياس المشتركة لقيم جميع السلع، وبالتالي: يمكن المقارنة بين القيم النسبية لمختلف السلع عن طريق تقدير عدد الوحدات النقدية اللازمة للحصول على كل سلعة.
2- أداة للدفع ووسيط للمبادلة: فالنقود تستخدم كأداة للمدفوعات؛ للحصول على السلع والخدمات من خلال الشراء، والبيع، وتقديم الخدمة، أوالحصول عليها، فعن طريق تقديم كمية من النقود أو فتح حساب في البنك التجاري: يتم دفع المعاملات المالية وإشغال الذمة وإبراؤها، فالنقود أداة لتسديد كافة الالتزامات.
3- النقود مخزن للقيمة: وهذه الوظيفة مرتبطة بخاصية الثبات والدوام، فالنقود بما تمثله من قوة شرائية يمكن أن تكتنز في لحظة معينة، أي: يحتفظ بها لتنفق في لحظة تالية، وهي بذلك تربط قيمة السلع بالزمن، والنقود بفكرة المضاربة، والقيام بتحقيق الادخار وتراكم رؤوس الأموال.(2/115)
وفي الماضي، حينما كانت المعادن النفيسة (الذهب والفضة) يتم تداولها نقوداً، فيتمثل التخزين في الاحتفاظ بها، أما بعد أن حلت النقود الورقية محلها، فيتمثل التخزين في الإيداع في البنوك، وينتج عن الاحتفاظ بها في البنوك: الحصول على ثمن لهذا الإيداع يتمثل في الفائدة التي تمنح للمودعين.
طبيعة النظام النقدي:
من خلال الاستعراض السابق اتضحت لنا ماهية النقود من حيث خصائصها ووظائفها، الأمر الذي سيساعدنا على معرفة طبيعة النظام النقدي، وبالتالي: تحديد التكييف الفقهي كما نراه للنظام النقدي المعاصر، مع توضيح ومناقشة الأبعاد الشرعية للأدوات المستجدة للدفع في النظام النقدي المعاصر، مع محاولة تحديد مواطن الربا التي يمكن أن تنشأ من خلال استخدام هذه الأدوات.
النظام النقدي لأي مجتمع من المجتمعات ما هو إلا مجموعة من العلاقات والتنظيمات التي تحكم الوضع النقدي ضمن فترة زمنية معينة ونطاق مكاني محدد، وبالتالي: فلا بد من توفر ثلاث خصائص للنظام النقدي(4)، وهي:
1) قيام النظام على عدد من العناصر، من أهمها: عنصر القاعدة النقدية، التي يقصد بها المقياس الذي يتخذه المجتمع أساساً لحساب القيمة الاقتصادية، والغاية منها: المحافظة على القيمة الاقتصادية للنقود (أي: قوتها الشرائية) في النطاقين الداخلي والخارجي.
تقوم القاعدة النقدية على ظاهرة الندرة للموارد النقدية عندما كان النقد يأخذ شكلاً ماديًّا متمثلاً في المعادن النفيسة، التي تتمتع بندرة طبيعية، ولكن الأمر اختلف عندما استندت القاعدة النقدية على القيمة الورقية (قاعدة النقد الورقية)، وبالتالي: حل الجانب التنظيمي، الذي يتمثل في مجموعة الشروط والقواعد التي تضعها السلطات النقدية في الدولة، للتعبير عن تصورها للقيمة النقدية وارتباطها بالقيم الاقتصادية، وهي شروط تهدف غالباً إلى تحقيق الاستقرار النقدي، أي: تحقيق التوافق بين حجم وسائل الدفع وقدرات الجهاز الإنتاجي، وبالتالي: فكفاءة القاعدة النقدية تقاس بقدرتها على التحكم في عرض النقود القانونية، عن طريق غطاء الإصدار والائتمان، عن طريق التحكم في الودائع وفي رقابة البنك المركزي على البنوك التجارية، بجانب هذا العنصر الأساس هناك عناصر ثانوية في النظام النقدي، ومن أهمها: وحدة النقد الرسمية المستخدمة في الحسابات النقدية، فلكل اقتصاد قومي وحدة نقد رسمية تستخدم في الحسابات النقدية، مثل: الريال، والجنيه، والدولار... ترتكز عليها المدفوعات الداخلية الناتجة عن دفع الالتزامات المالية (البيع، والشراء، والأجور، والأرباح...إلخ)، ويلزم لهذه الوحدة الحسابية صفتان أساسيتان: الأولى: الصفة القانونية، أي: التمتع بقوة إبراء مطلقة في الوفاء بالالتزامات يُجْبَر الدائن على قبولها وفاءً لدينه، ويعفى المدين من دينه بمجرد السداد بها، ويقبلها الجميع في المعاملات. الثانية: الصفة الإلزامية لسعرها، بحيث لا يسمح بتحويلها إلى أي نوع آخر من النقود، ولكن وظائف وعلاقات النقود الأساسية طغت على دور وأهمية القاعدة النقدية، وهذا ما نشاهده في أن العلاقة بين وحدات النقد الأساسية (الريال/ الدولار، مثلاً) وأدوات الدفع الأخرى (نقود ائتمانية، أذون خزانة، أوراق مالية) مرتبطة بموضوع السيولة؛ فالنقود الأساسية بصفتها نقوداً قانونية ونهائية تمثل قيمة السيولة، أما أدوات الدفع الأخرى: فهي تتمتع بدرجات متفاوتة من السيولة قد تتحول عاجلاً أو آجلاً إلى نقود أساسية بحسب دورها في النشاط الاقتصادي.
2) النظام النقدي نظام اجتماعي لا يمكن فصله عن البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي يعمل فيها، فهي تعكس بالضرورة الاقتصاد الذي وجد لخدمتها، فالنظام النقدي في الاقتصاد الرأسمالي الربوي يختلف عن النظام النقدي في اقتصاد تقوم قيمه على الإسلام، فمثلاً: النظام النقدي الرأسمالي يقوم على الربا، فجميع أشكال المعاملات في هذا النظام تدور حول تلك الفائدة الربوية، أما النظام النقدي الإسلامي في حالة قيامه في مجتمع يلتزم بالنظام الاقتصادي الإسلامي: فلن يكون للفائدة الدور المؤثر والفاعل، بل سيحل مفهوم الربح والخسارة محل مفهوم الفائدة الربوية.
3) النظام النقدي نظام متغير حسب ما يحدث في النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي ينتمي إليه، فالنظام النقدي يمثل الشكل الخاص لتداول النقود في اقتصاد المبادلة، فمثلاً: التغيرات التي حدثت في النظام الاقتصادي الرأسمالي أثرت في تطور النظام النقدي؛ حيث مر هذا النظام من مرحلة قاعدة الذهب إلى مرحلة قاعدة النقد الورقية، ومرحلة الليبرالية النقدية إلى مرحلة التدخل النقدي، وهذا التغير كان نتيجة لطبيعة التوافق بين البيئة الاقتصادية والظواهر النقدية؛ بقصد المحافظة على الأهداف الرئيسة للنظام الرأسمالي.
النظام النقدي والنقود الورقية:
يقتضي فهم النظام النقدي المعاصر معرفة العلاقة ودراستها بين خاصية النظام النقدي (القاعدة النقدية) والنقود الورقية والائتمانية، وهذا يقتضي إلقاء الضوء على تطور هذه العلاقة في كلّ من النظامين الإنجليزي والفرنسي؛ باعتبار أن هذين النظامين يمثلان القوتين الرئيستين في النظام الرأسمالي؛ حيث كان لهما الريادة في ابتكار النظم النقدية وتطويرها في القرن التاسع عشر، ومنهما انتقلت هذه النظم إلى بقية اقتصاديات العالم.
لقد اعتبر النظامان وحدات النقد الذهبية نقوداً قانونية ونهائية، أي: إنها تمثل نقود القاعدة النقدية، فوحدة النقد أصبحت تساوي وزناً معيناً من الذهب، وهذا يعني: أن كمية معينة من هذا المعدن النفيس تعتبر مقياساً للقيم الاقتصادية في المجتمع، ووحدة الحساب لهذه القيم، وقد أدى التطور الاقتصادي واتساع نطاق التبادل إلى ظهور أدوات دفع أخرى، بعضها يتمتع بخاصية قوة الإبراء دون الخاصية النهائية، أي: القدرة على التحول إلى نقود أخرى (النقود الورقية)، و بعضها الآخر لا يتمتع بالقبول الإجباري ولا بالخاصية النهائية (النقود الائتمانية)، وإنما تستخدم في المعاملات على أساس القبول الاختياري وثقة الأفراد في المؤسسات التي تصدرها، ومن المعروف أن النقود الورقية نمت وتطورت من خلال تطور النظام النقدي الفرنسي، كما أن النقود الائتمانية نمت وتطورت من خلال تطور النظام النقدي الإنجليزي.(2/116)
ومن خلال التجربة التاريخية للفترة من سنة 1797م حتى سنة 1818م توصل النظامان إلى جعل وحدة النقد تساوي وزناً معيناً من الذهب أو الفضة، وقصر حق الإصدار للنقود الورقية (المصرفية) على بنك فرنسا وبنك إنجلترا، وأصبح لهاتين المؤسستين الخيار بالنسبة لغطاء الإصدار، إما بضمان احتىاطي معدني (ذهب أو فضة) أو تغطية الإصدار بالائتمان الذي تمنحه، وبالتالي: تصبح النقود الورقية أداة ائتمان ووسيلة للإقراض والتمويل لقطاعات التجارة والمعاملات، فعندما يكون غطاء الإصدار متمثلاً في الائتمان: يتم اتباع أسلوب الخصم وإعادة الخصم باستخدام الأوراق التجارية، وبصفة خاصة (السند الإذني) و(الكمبيالات)، وبالتالي: فإن إصدار النقود الورقية من خلال الضمان يتم تغطيته بالكمبيالات المخصومة، بحيث يكون غطاءً لها بدون حاجة إلى زيادة الرصيد المعدني، والنتيجة: أنه يمكن أن يتجاوز حجم النقود المصدرة حجم غطاء الإصدار المعدني، وتحت نظام الإصدار الورقي بضمان الائتمان: فإن جملة النقود الورقية المعروضة في التداول كانت مغطاة جزئيّاً بالنقود المعدنية، أما الجزء الآخر فيكون مغطّى فعليّاً بالائتمان، كما أن النظام الإنجليزي اتبع طريقة فتح الاعتماد وأداتها النقود الائتمانية (الشيكات).
على ضوء ما سبق من إيضاح لفكرة تطور النظام النقدي وتحديد طبيعته وماهيته، يتضح لنا: أن النظام النقدي المعاصر مؤسس على النقود الورقية، التي تتمتع بصفتي القانونية والنهائية؛ لتساعدها وتكملها في تحقيق وظائفها وحجمها: النقود الائتمانية، وهما معاً يكونان الرصيد النقدي، أي: مجموع أوراق الدفع المتاحة لاقتصاد معين في فترة زمنية معينة.
وبهذا برزت قاعدة النقد الورقية، حيث انفصلت القيمة الاقتصادية للنقود عن أي قيمة اقتصادية لأي سلعة مادية معينة وبصفة خاصة: الذهب فقيمة النقود في قوتها الشرائية، أي: في قدرتها على التحول إلى سلع وخدمات، وبذلك تصبح النقود أداة الدفع في اللحظة الحالية وتمثيل للثروة في اللحظة المستقبلية.
إن قاعدة النقد الورقية لا تتجسد في مظهر مادي معين، وإنما هي تتمثل في مجموعة الشروط والقيود التنظيمية التي تضعها الدولة لإصدار النقود الورقية القانونية، وهذه القاعدة أدت إلى ظهور أدوات دفع متعددة ومتنوعة، وخاصة بعد ثورة الاتصالات، التي ساعدت على ظهور وسائل جديدة، يتم بموجبها سداد الالتزامات بدون استخدام النقود الورقية، مثل: (بطاقات الصرف)، و(بطاقات الائتمان)، و(الشيكات)؛ مما يستدعي دراسة هذه الأدوات من الناحية الشرعية، وتحديد مناط الربا فيها.
وللحديث صلة
__________
1) الاقتصاد والنقد المصرفي، د. مصطفي رشدي شيحة، ص34.
2) المرجع السابق، ص70.
3) المرجع السابق، ص73،82.د.
4) المرجع السابق، ص83،88.د.
================
الربا والادوات النقدية المعاصرة (2)
مجلة البيان - (ج 101 / ص 34)
دراسات اقتصادية
الربا والأدوات النقدية المعاصرة
(2)
د. محمد بن عبدالله الشباني
في الحلقة الأولى من هذه الدراسة تمت مناقشة ماهية النقود ووظائفها، وطبيعة النظام النقدي والنقود الورقية. وفي هذه الحلقة: سوف تتم مناقشة ماهية النقود في الإسلام، والتخريج الفقهي الخاص بالعملات الورقية والمواطن الربوية فيها.
ماهية النقود في الإسلام :
يرتكز الأصل الشرعي فيما يتعلق بطبيعة النقود: على أساس أن النقد هو الأداة التي تقيّم بها الأشياء، وليس على أساس أن النقد سلعة بحد ذاتها، ولكنه أداة للتبادل، ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله (تعالى): ((وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)) [يوسف: 20] ففي هذه الآية تفريق بين الثمن وبين أداة الثمن، وألحقت بالثمن صفة ملازمة له وهي التفسير؛ حيث وصف ثمن بيع يوسف (عليه السلام) بالبخس، أي: بالقلة، قاله مجاهد والشعبي(1). لقد أشارت الآية إلى أمرين: الأول: أن قيمة وثمن يوسف (عليه السلام) كان قليلاً لا يتفق مع حقيقة قيمته، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام ابن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسيره لهذه الآية بقوله: (وقيل في (بخس) أنه بمعنى حرام، ولا وجه له، وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة؛ لأن إخوته إن كانوا باعوه، فلم يكن قصدهم ما يستفيدون من ثمنه، وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهم عنه)(2).
الأمر الثاني: أن الإشارة إلى الدراهم بعد إيراد لفظ الثمن ما هو إلا إشعار بأنها أداة لتحديد القيمة، وبالتالي: يمكن أن تكون الأداة المستحدثة في الثمن تتفاوت وتتعقد أشكالها وأنواعها حسب ظروف الناس وطبيعة المجتمعات.
لقد فهم فقهاء المسلمين وعلماؤهم طبيعة النقد وعلاقته بالعمليات التبادلية، فقد أشار ابن قدامة في كتابه القيم (المغني) إلى حقيقة النقد وطبيعته عندما تحدث عن الزكاة، فقام بالتفرقة بين زكاة الزروع والثمار، وزكاة المعدن المستخرج من الأرض، وأشار إلى الفرق بينهما مع أن مصدرهما واحد، وهو الأرض، يقول (رحمه الله): (أما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها، تتكامل عند إخراج الزكاة منها، فتؤخذ الزكاة منها حينئذ، ثم تعود في النقص لا في النماء، فلا تجب فيها زكاة ثانية؛ لعدم إرصادها للنماء، والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض بمنزلة الزرع والثمر، إلا أنه إن كان من جنس الأثمان ففيه الزكاة عند كل حول؛ لأنه مظنة للنماء من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورأس مال التجارات، وبهذا تحصل المضاربة والشركة؛ وهي مخلوقة لذلك: فكانت بأصلها وخلقتها كمال التجارة المعد لها)(3).
فقد ربط ابن قدامة بين قيم الأموال والأثمان، حيث يتم تحديد قيم الأموال من خلال تحديد الأثمان؛ ولهذا: عندما تحدث في (باب الربا والصرف) عرّف الصرف بأنه: بيع الأثمان بعضها ببعض(4)، وقد أوضح هذا المفهوم المتمثل في أن طبيعة النقد تتمثل في أنها الوسيلة لتحديد قيم مختلف الأشياء، حيث أكد ذلك عند مناقشة زكاة الذهب والفضة الصحيحة والمكسرة، حيث رأى جواز الإخراج عن الذهب والفضة الصحيحتين أكثر من المكسرة؛ معللاً ذلك بأن (الفرق بينهما (أي: الصحيحة والمكسرة): أن القصد من الأثمان القيمة لا غير، فإذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والقدر جاز، وسائر الأموال يقصد الانتفاع بعينها، فلا يلزم من التساوي في الأمرين الإجزاء؛ لجواز أن يفوت بعض المقصود)(5).
ويوافق ابنُ عابدين ابنَ قدامة في هذا المفهوم، حيث يقول: (رأينا الدراهم والدنانير ثمناً للأشياء، ولا تكون الأشياء ثمناً لها... فليست النقود مقصودة لذاتها، بل وسيلة إلى المقصود)(6).(2/117)
ويتولى ابن القيم (رحمه الله) في كتابه (إعلام الموقعين) إيضاح طبيعة النقود ودورها بشكل جلي، وبمنطق اقتصادي سليم، عند تحديد علة الربا بالنسبة للذهب والفضة باعتبار أنهما الوسيلتان المستخدمتان في التبادل، يقول: (...العلة فيهما (الدراهم والدنانير): الثمنية، وهذا: قول الشافعي، ومالك، وأحمد في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح، بل الصواب... فالتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة، فهو طرد محض، بخلاف التعليل بالثمنية، فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار، به يُعرف تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع، لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة؛ وذلك لا يكون إلا بثمن تقوّم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوّم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، فتفسد معاملات الناس، ويقع الخُلف ويشتد الضرر... فلو أبيح ربا الفضل في الدراهم والدنانير، مثل: أن يعطى صحاحاً ويأخذ مكسرة، أو خفافاً ويأخذ ثقالاً أكثر منها: لصارت متجراً، أو جر ذلك إلى ربا النسيئة فيها ولا بد، فالأثمان لا تقصد لأعيانها، بل يقصد التوصل بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعاً لأعيانها: فسد أمر الناس، وهذا معنى معقول يختص بالنقود لا يتعدى إلى سائر الموزونات)(7).
من خلال هذه المناقشة التي أوردها ابن القيم (رحمه الله) يتضح دور النقود؛ حيث يجب أن يقتصر على أن تكون أداة لتحديد قيم الأشياء؛ وبالتالي: فلا يجوز أن تستخدم النقود سلعاً يتجر بها، وبهذا: فإن ما يتم من مضاربات في سوق العملات يجعل النقود سلعاً تُعد للربح، حيث نتج عن ذلك أضرار كبيرة كما هو مشاهد في الواقع المعاصر، فيما يتعلق بتذبذب أسعار العملات، واتجاه كثير من فوائض الأموال إلى الاتجار فيها بدلاًً من الاستثمار في المشروعات الإنتاجية.
على ضوء ما سبق يمكن القول: إن الشرع الإسلامي لا يشترط شكلاً معيناً، أو مادة معينة للأداة النقدية؛ فقد تكون مسكوكات ذهبية، أو فضية، أو نحاسية، أو أي نوع من المعادن، أو ورقية، وتعتبر نقوداً إذا توفرت فيها العناصر التي أشار إليها ابن القيم، وهي:
1- اعتبار النقد أداة للدفع ووسيلة للتبادل للسلع والمنافع.
2- اعتباره أداة لتقييم الأشياء ومعرفة أثمان المبيعات.
3- ثبات قيمة الوسيلة التي تستخدم لتقييم الأشياء وثبات معيارها، بحيث لا ترتفع ولا تنخفض.
4- عدم الاتجار بها، أي: عدم اعتبارها سلعة يتجر بها.
ووفقاً لهذه الضوابط: فإن النظرية النقدية كما توصل إليها ابن القيم تتفق في بعض جوانبها مع ما تم التوصل إليه في هذا العصر في ظل ما عرف بقاعدة النقد الورقية، حيث انفصلت القيمة الاقتصادية للنقود عن أي قيمة اقتصادية لأي سلعة مادية معينة، وبالتالي: فإن هذه القاعدة تتمثل في مجموعة الشروط والقيود التنظيمية التي تضعها الدول لإصدار النقود الورقية وما تطور من وسائل في التداول النقدي، وهو ما عرف بالنقود الائتمانية، ومن هذا يتضح: أن وجهه نظر ابن القيم تختلف عما هو متعارف عليه في العصر الحاضر؛ فابن القيم يرى عدم جواز الاتجار في النقود؛ بخلاف النظام النقدي المعاصر الذي يقوم على اعتبار النقود سلعة مثل باقي السلع لها قيمة ذاتية تتمثل في قيمة الزمن، الذي يقوم على فكرة الربا؛ حيث إن العلة في التذبذب في أسعار العملات في السوق المالية العالمية يعود فيما أظنه إلى نقص الضوابط الخاصة بالنقود حسب ما أشار إليها ابن القيم، ومنها منع الاتجار بالنقود.
على ضوء ما سبق من تحديد لمفهوم النقد عند ابن القيم وغيره من فقهاء المسلمين: فما هو الموقف تجاه النقود الورقية من حيث شرعيتها ومدى جريان الحكم الشرعي للذهب والفضة عليها، بعد أن أصبح التعامل بالذهب والفضة مستحيلاً؛ لاتساع وكبر حجم التبادل السلعي والخدمي بين أفراد المجتمع؟.
إن الإجابة على هذا التساؤل ترتبط وفق ما سبق مناقشته بأن استخدام معدني الذهب والفضة وسيلةً للتبادل وإبراء الذمة، وارتباط علة الربا بالنسبة للذهب والفضة بالثمنية، وأن قيام الأوراق النقدية مقام الذهب والفضة يؤدي إلى سريان العلة عليها، وبالتالي: سريان الأحكام المترتبة على الذهب والفضة عليها، باعتبار أن العملات هي أجناس؛ حيث إن الذهب جنس والفضة جنس، وأن العلة الجامعة بين الذهب والفضة في أحكام الصرف هي الثمنية، وبالتالي: سريان هذه العلة على النقود الورقية لاعتبارين:
1- اجتماع طبيعة الجانب المادي من حيث إن المادة للعملات الورقية هي الورق، بينما الجامع للذهب والفضة مادة المعدن.
2- اجتماع علة الثمنية بعين الذهب والفضة، وهذا يسري على العملات الورقية المختلفة لمختلف الدول.
على ضوء هذا: تصبح العملات الورقية أجناس بتعدد جهات إصدارها، فالنقد الأمريكي مثلاً جنس، والنقد السعودي جنس... وهكذا، وقد أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية بأن العملات الورقية أجناس(8).
حيث نص على جريان الربا بنوعيه (الفضل والنساء) في العملات الورقية، كما يجري الربا بنوعيه في النقود المسبوكة من الذهب والفضة وغيرها من المعادن كالفلوس، وقد أيد المجمع الفقهي الإسلامي هذه الفتوى(9).
على ضوء هذا: فإن عمليات الصرف الحاضر بين العملات المختلفة جائزة عند توفر شرطي الحلول والتقابض، أي: جواز شراء الدولار الأمريكي بسعر ثلاثة ريالات ونصف أو أكثر أو أقل، بشرط التقابض بسعر اليوم، استناداً إلى حديث ابن عمر الذي جاء فيه: (كنت أبيع الإبل بالبقيع؛ فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله في بيت حفصة، فقلت يا رسول الله: رويدك، أسألك: إنى أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله : لا بأس أن تأخذ بسعر يومها؛ ما لم تفترقا وبينكما شيء)(10) فالواضح من هذا الحديث: أن التصارف الجاري فيه تقابض بمظهره الشكلي على أساس الحق القائم بهيئة دنانير في الذمة بتسديده بما يساويه من دراهم بسعر ذلك اليوم.
وعليه: فما هو حكم التعامل العملي الذي يحدث في البنوك من حيث أسلوب التصارف؟، فمن المعروف أن عملية الصرف: إما أن تكون من خلال الصندوق، أو بالقيد على حساب العميل، وما يرتبط بذلك أيضاً من عملية البيع والشراء بالعملات من خلال أسواق العملات العالمية. فما هي مواطن الربا على ضوء هذا الواقع؟.
أما بالنسبة للدفع والأخذ من البنك مباشرة بتبادل عملة ورقية مقابل شراء عملة أخرى: فلا إشكال فيه من ناحية توافر شرط التقابض؛ حيث يسلم الراغب في الشراء النقود المحلية، ويتسلم العملة الأخرى، فهذا تقابض حال ومنجز، أما إذا كان دفع العملة من حساب الشخص في البنك نفسه بخصم قيمة العملة المشتراة من حساب المشتري لدى البنك، وحيث إن البنك يتعامل مع الحساب المفتوح لديه من قبل المشتري على أساس أنه وكيل له الحق بالدفع والإضافة عند ورود تعميد من صاحب الحساب، فإذا كان الأمر كذلك، فإنه يتوفر في هذا الأسلوب أساس التقابض؛ حيث إن البنك يتسلم ما يقابل قيمة العملة المشتراة من حسابه المودع لدى البنك، وهذا المال هو وديعة محفوظة لديه وهو مفوض بالتصرف فيها مع ضمانها للمودع.(2/118)
المواطن الربوية في عمليات تبادل العملات الورقية :
أصبح التعامل بالعملات شراءً وبيعاً أسلوباً من أساليب الحصول على الأرباح، وبالتالي: ظهرت صناديق خاصة في البنوك تتولى التعامل بها في سوق العملات في أوروبا وأمريكا، وتحولت النقود إلى سلع يتم الاتجار بها، واعتبر الاتجار فيها من الأمور التي تزاولها بعض البنوك الإسلامية كوسيلة لتحقيق الأرباح لعملائها المودعين لديها بدلاً من أخذ الفائدة الربوية.
يأخذ أسلوب الاتجار بالعملات صوراً متعددة، وقبل مناقشة مواطن الربا في هذه الصور والتعامل لا بد من مناقشة المبدأ الأساس، وهو: هل يجوز الاتجار بالعملات شراءً وبيعاً؟... تختلف الآراء حول ذلك: فمن مجيز للاتجار فيها إذا تحقق التقابض في مجلس العقد، وذلك بالخصم من حسابات المتاجرة بالعملات لدى السمسار الذي يتولى إجراء عمليات البيع والشراء نيابة عن المُتاجِر (قد يكون السمسار بنكاً أو مؤسسة أو فرداً يقوم بهذا العمل) وفق شروط وقواعد تحدد من يقوم باتخاذ قرار البيع والشراء سواء أكان السمسار باعتباره وكيلاً مفوضاً من قبل المتاجر في العملات، أو تلقي التعليمات الخاصة بإنفاذ البيع والشراء من قبل المتاجر وفق إجراءات معينة.
يقوم السمسار بعمليات الاتصال بمندوبيه في أسواق العملات العالمية بإنفاذ التعليمات الخاصة بالشراء أو البيع لصالح عملائه، وقيدها بالإضافة أو الخصم على حسابه لدى مندوبيه في تلك الأسواق، ويتحقق شرط التقابض من خلال القيد على الحسابات المختلفة باعتبار أن قيد الإضافة والخصم يماثل عمليات التقابض المادي للعملات؛ لهذا: فإن بعض البنوك الإسلامية تزاول نشاط الاتجار في بيع وشراء العملات وفق هذا الأسلوب، باعتبار أنه أسلوب من الأساليب الجائزة لتحقق شرط التقابض، وبالتالي: انتفاء الربا من هذا الأسلوب واعتباره قناة من قنوات استغلال المدخرات واستثمارها.
إن الحرمة لهذا التعامل كما أراها لا تقوم على أساس تغير وسيلة التقابض في مجلس العقد، حيث تبدل أسلوب التقابض وطبيعة مجلس العقد؛ فقد أصبح مجلس العقد يتم من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي سهلت ووسعت نطاق مجلس العقد من خلال التخاطب بالتهاتف والفاكس والحاسب الآلي، أي: أصبحت الأسواق متقاربة وكأنها في مكان واحد، وأصبح حلول القيد على الحسابات المختلفة، بديلاً عن التقابض المادي والحصول على التفويض والالتزام بذلك باستخدام هذه الوسائل الحديثة.
إن الحرمة تأخذ جانباً آخر، وهو: تغير طبيعة وظيفة النقود، فالنقود ليست سلعة يتجر فيها مثل بقية السلع، وخاصة النقود الورقية التي لا يمكن تحويلها إلى سلعة اقتصادية مثل الذهب والفضة اللذين يمكن شراؤهما كسلع لاستخدامهما موادّاً أولية لصناعات مختلفة، وبالتالي: الخروج بالنقود عن طبيعتها التي جعلت لها، والتي من أجلها تم قبولها، وهي: أنها أداة للدفع ووسيلة للتبادل، وقد سبق أن أوضحنا وجهة نظر الإمام ابن القيم واستشهادنا بقوله.
إن التحليل والمنطقية التي وصل إليها ابن القيم (رحمه الله) فيما يتعلق بالنقود، والتي حددت مشكلة النظرية النقدية المعاصرة في أن الاتجار في العملات هو العلة في اضطراب أسواق النقد العالمية؛ حيث إن الاتجار بالعملات قد أفسد عملية التبادل التجاري، وألحق الضرر بالتبادل من خلال اضطراب أسعار السلع العالمية، فأصبحت العملات تخضع لتقلبات قانون العرض والطلب؛ مما أثر على أسعار السلع؛ فالتاجر الذي يرغب في شراء أي عملة بقصد الاستيراد لسلعة معينة من أي بلد سيتأثر بالتذبذب في أسعار العملات التي يود الاستيراد بواسطتها من خلال عمليات المضاربة في العملات، حيث إن العرض والطلب على العملات غير حقيقي، حيث تتم المضاربة فيها والاتجار فيها بيعاً وشراءً، ليس بقصد شرائها لذاتها لتحقيق الوظيفة الأساسية للنقود... وهذا يؤدي إلى مفسدة وإضرار بالناس، كما قال ابن القيم، حيث قال: (وسر المسألة: أنهم مُنعوا من التجارة في الأثمان بجنسها؛ لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأثمان، ومنعوا من التجارة في الأقوات بجنسها، لأن ذلك يفسد عليهم مقصود الأقوات، وهذا المعنى بعينه موجود في بيع التبر والعين؛ لأن التبر ليس فيه صنعة يقصد لأجلها؛ فهو بمنزلة الدراهم التي قصد الشارع ألا يفاضل بينها، ولهذا قال: (تبرها وعينها سواء) فظهرت حكمة تحريم ربا النَّساء في الجنس والجنسين، وربا الفضل في الجنس الواحد)(11) وفي موضع آخر أورد (رحمه الله) مناقشة لطيفة خاصة عن استعمال المادة المضروبة منها العملة المعدنية لأغراض أخرى غير غرض النقد، تدل على مدى عمق فهمه لمفهوم النقد ودوره في الحياة الاقتصادية، مع معالجته لازدواجية استخدام معدن الذهب لأغراض صناعية وكأداة للنقد، يقول (رحمه الله): (إن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وسائر السلع وإن كانت من غير جنسها؛ فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان، وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها ولا يدخلها (إما أن تقضي، وإما أن تربي) إلا كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل)(12)، ومن هذا النص ندرك: أنه يجوز شراء الحلي المصنوعة من مادة العملة المعدنية، ولو تفاضلت من حيث اختلاف الوزن ما بين وزن الحلي ووزن العملة المعدنية، إذا تم التقابض يداً بيد في مجلس العقد مثل بيع الذهب بالفضة.
وعلى ضوء ما سبق: فإن الاتجار في العملات بيعاً وشراءً بقصد الربح، وليس بقصد استخدامها من أجل تمويل الاستيراد والتجارة في السلع: مكروه، وقد يصل إلى الحرمة؛ للأمور التالية:
1- التوسع في البيع والشراء في أسواق العملات العالمية أدى إلى هروب أموال المسلمين إلى الدول الكافرة، وهذا الاتجار لا يهدف إلى الحصول على سلع وخدمات يحتاجها المسلمون، ولكنه بقصد المضاربة لتحقيق الربح؛ مما أدى إلى ضياع فرصة الاستفادة من هذه المدخرات التي يتم استخدامها في الاتجار في العملات الأجنبية، والقاعدة الشرعية تقول: عند اجتماع المصالح مع المفاسد، فإذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة: درأنا المفسدة، ولو تأتى ذلك بفوات المصلحة، والمصلحة الفائتة هي ما يمكن أن يحققه المتاجر في العملات في أسواق العملات الأجنبية من أرباح، لكن مفسدة تسرب أموال المسلمين من بلاد المسلمين وعدم استغلالها فيما فيه منفعة ومصلحة للاقتصاد يحقق مفسدة أكبر من المصلحة التي قد يحققها المتاجر في العملات، يقول (تعالى): ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)) [البقرة: 219] فحرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما.
2- أن خروج الأموال من بلاد المسلمين بقصد الاتجار بالعملات الأجنبية للدول الكافرة يحدث أضراراً بميزان المدفوعات للبلاد الإسلامية؛ حيث إن هذا الخروج لا يقابله سلع ولا خدمات تفيد اقتصاد الدول الإسلامية، بل إن ذلك يمثل تهريباً لفائض الإنتاج المحلي وضخه لصالح القوى الأجنبية، وفي هذا تعاون على الإثم بإضعاف اقتصاديات الدول الإسلامية وحرمانها من الأموال التي يمكن لو تم استثمارها في مجالات إنتاجية أن تزيد الناتج القومي وتسهم في تشغيل القوى العاملة العاطلة.(2/119)
3- يرتبط الاتجار في العملات بشبهات أخرى تؤكد الحرمة، ومن ذلك: ما يعرف ببيع وشراء الخيارات، حيث لا يتم الشراء والبيع في محل العقد، وإنما يتم إعطاء خيار لمشتري العملة بإتمام الصفقة أو عدمها خلال فترة زمنية معينة، ويتم دفع مبلغ معين من قيمة الصفقة خلال فترة الخيار، يحق للمشتري أو البائع فيها إمضاء البيع والشراء، ويتم الاتجار في هذه الخيارات أيضاً، وإذا انتهت فترة الخيار ولم يقم المشتري بالتصرف بهذا الخيار بإتمام الصفقة أو بيع الخيار بسعر أعلى مما اشتراه به: يخسر ما دفعه، وهذا الأسلوب يقوم على التوقعات والمضاربة، فهو شراء وبيع غير ناجز، وبالتالي: حصل المحذور الشرعي بعدم التقابض الحسابي.
تتم ممارسة الاتجار بالعملات من قبل بعض البنوك الإسلامية، وقد أوجدت لها صناديق استثمارية، وأجيز شراء وبيع العملات بهدف تحقيق الربح نتيجة للتذبذب في أسعار العملات، ولذا: فإن الواجب الامتناع عن ذلك، أما شراء العملات من المصارف بقصد تمويل عمليات الاستيراد، وليس بقصد تحقيق الربح من خلال الاتجار فيها: فهذا أمر جائز؛ لأن ذلك بقصد تحقيق التبادل السلعي والخدمي، وهي الوظيفة الأساسية التي من أجلها جعلت النقود، ويدل على ذلك حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) الذي رواه أبو داود والنسائي، جاء فيه: (أتيت رسول الله وهو في بيت حفصة، قلت: يا رسول الله: رويدك، أسألك، إني أبيع بالبقيع؛ فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، و أعطي هذه من هذه، فقال رسول الله : لابأس أن تأخذ بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء)(13)، فهذا الحديث يوضح دور التصارف وتبادل النقود بعضها ببعض من أجل تيسير التجارة؛ حيث إن القصد من ذلك: إتمام عمليات التبادل السلعي، وبالتالي: فإن شراء العملة الأجنبية بسعر يومها عند فتح الاعتماد أو سداد قيمة السلعة الواردة عند وصول البضاعة بسعر فتح الاعتماد وبسعر سداد قيمة الاعتماد: هو ما يمكن أن يقاس على حديث ابن عمر (رضي الله عنهما).
أما الصورالأخرى للتعامل بالعملات، التي يمكن أن يشوبها الربا، فهي الصور التالية:
1- بيع وشراء العملات على أساس السعر الآجل ولو كان القصد من ذلك تثبيت قيمة السلع المستوردة، وقصد هذا التعامل هو: التعاقد على شراء العملة حالياً، ولكن تنفيذها أو قيدها لصالح المشتري وخصمها من رصيد البائع لا يتم إلا بعد مدة مؤجلة متفق عليها: شهر، أو ثلاثة أشهر...، والسعر إما أن يكون مساوياً للسعر الحاضر، أو أعلى منه، أو أقل منه، والاختلاف في السعر يعود إلى توقع ارتفاع الفائدة أو انخفاضها بين مراكز بيع العملات العالمية.
وربوية هذا التعامل تتمثل في عدم تنفيذ التعاقد في مجلس العقد، وهو مخالف للمنع الوارد في الأحاديث النبوية المحرمة لربا النِّساء والتفاضل.
2- الشراء والبيع الآجل للعملات، وهو ما يعرف في سوق العملات باسم سواحب، حيث يتم شراء عملة مؤجلة التسلم، وفي الوقت نفسه: يتم بيعها بعملة أخرى مؤجلة؛ فمثلاً: يتم شراء دولارات مقابل جنيهات إسترلينية حاضراً أو مؤجلاً، ثم بيع ما اشتراه نفسه بريالات مؤجلة، أي: يتم التسليم على ما تعاقد عليه عند حلول الأجل.
إن التصارف على هذا الأساس باعتبار أن العملات أجناس أثمان يتوفر فيها علة الثمنية عند من اعتبر أن العلة هي الثمنية.. هذا التعامل من الصرف يعتبر تعاملاً ربويًّا لحديث عبادة بن الصامت عن عبدالله (... سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً بعين. فمن زاد أو ازداد فقد أربى...).(14)
الهوامش :
1) النكت والعيون : تفسير الإمام أبي الحسن الماوردي جـ 3 ص
2) أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي جـ 3 ص1067.
3) المغني جـ 2 ص 625.
4) المغني جـ 4 ص 59..
5) المرجع السابق، جـ 3 ص 10.
6) مجموعة رسائل ابن عابدين، ص 57.
7) إعلام الموقعين، لابن القيم، جـ 2 ص 137.
8) القرار رقم 2 الصادر في الدورة الثالثة المنعقده فيما بين 1/4/1393هـ إلى 17/4/1393هـ.
9) القرار رقم 6 الدورة الخامسة المنعقدة برابطة العالم الإسلامي فيما بين 8 16/4/1402هـ.
10) أخرجه النسائي: كتاب البيوع، جـ 7 ص283
11) إعلام الموقعين،، جـ 2 ص 140.
12) السابق، جـ 2 ص 141.
13) سبق تخريجه
14) مسلم، باب المساقاة، ح/1587.
==============
الربا والأدوات النقدية المعاصرة (3)
مجلة البيان - (ج 103 / ص 28)
دراسات اقتصادية
الربا والأدوات النقدية المعاصرة
(3)
د.محمد بن عبدالله الشباني
في الحلقة السابقة من هذه الدراسة تمت مناقشة ماهية النقود في الإسلام، والمواطن الربوية في عمليات العملات الورقية، وفي هذه الحلقة سيتم مناقشة أدوات الدفع من غير النقود الورقية، ومواطن الربا في هذه الأدوات.
لقد تعددت أدوات الدفع المستخدمة في النظام النقدي المعاصر، كما تعددت أشكال الوسائل المستخدمة في دفع الالتزامات، وبخاصة بعد ثورة الاتصالات الإلكترونية، بحيث أصبح العالم مرتبط بعضه ببعض حيث تتم المبادلات التجارية، وسداد الالتزامات في وقت حدوث عمليات التبادل، مهما تباعدت الأقاليم وتعددت أمكنة السداد، فأصبح من الممكن استخدام بطاقات الصرف الإلكتروني لسداد الالتزامات في أي مكان في العالم.
أساليب سداد الالتزامات الجديدة:
لا بد من إلقاء الضوء على تلك الوسائل المستخدمة في سداد الالتزامات بدون استخدام النقود الورقية وتحديد مواطن الربا فيها، وتتمثل هذه الأدوات في الأشكال التالية:
الشيكات:
تنقسم الشيكات التي يتم تبادلها لسداد الالتزامات إلى نوعين:
النوع الأول: شيكات يصدرها الأفراد على البنوك التي يوجد لديها حسابات خاصة بهم ويتم الإيداع فيها، و (الشيك) بهذه الصفة هو أمر مكتوب وفق أوضاع شكلية استقر عليها الصرف، تتضمن أمراً صادراً من شخص (هو الساحب) إلى شخص آخر (هو المسحوب عليه ـ البنك): بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو لحامله (المستفيد) مبلغاً معيناً بمجرد الاطلاع(1)، والشيك إذا كان لأمر ساحبه فهو ورقة ثلاثية الأطراف، ويشبه عندئذ السّفْتَجَة (2) مع اختلاف بين السفتجة والشيك، من حيث: إن سحب الشيك بدون وجود رصيد للساحب لدى المسحوب عليه يفي به، يُعتبر جريمة يستحق عليها الساحب العقوبة، وهي عقوبة مقصورة على ساحب الشيك، والشيك بهذا الاعتبار: هو ورقة تجارية، والتكييف الفقهي للشيك يرتبط بأن الإيداع في البنك المسحوب عليه من الساحب ليس إيداعاً حقيقة، وإنما هو صورة من صور الإقراض يترتب عليها انتقال ملكية النقود إلى البنك المودع لديه، وبهذا يكون السحب على الحساب الجاري في البنك من قبيل تقاضي دين أو جزء منه، وهذا حق للمقرض: يباشره بنفسه إن شاء، أو بمن ينوب عنه؛ حيث يتم تظهير الشيك تظهيراً ناقلاً للملكية، أو تظهير توكيل، والذي يقصد منه تمكين المظهّر إليه من تحصيل قيمة الشيك لحساب المظهِر.
على ضوء ذلك: فإن الشيك يمثل نوعاً جديداً من أساليب سداد الالتزامات واعتباره صورة من صور وسائل إيجاد النقود الائتمانية من خلال توسيع نطاق نقل الأموال حسابيّاً بين مختلف الحسابات سواء في البنك الواحد أو فروعه أو بين مختلف البنوك الأخرى وفروعها.(2/120)
الشيك ـ وفق أسلوب التعامل به الجاري عرفاً بوصفه أداة للتحويل على مدينه (البنك) بسداد ما عليه من التزام من وديعته التي لدى البنك ـ جائز شرعاً؛ على أساس القاعدة الشرعية: الأصل في الأمور الإباحة إلا ما جاء دليل بحرمتها، ولا يدخل الربا في الشيك نفسه بوصفه وسيلة من وسائل دفع الالتزامات المستحدثة، أي: إنها تقوم بدور النقود من حيث سداد الالتزام عند شراء سلعة من السلع... و إذا كانت السلعة ذهباً أو فضة مصنعة، فهل يجوز دفع قيمة هذه السلع المصنعة من الذهب أو الفضة بالشيك، بحكم أن أساس النقود الورقية مرتبط بالذهب من حيث ما يعرف بالتغطية عند إصدار النقود الورقية أو عملة ورقية أخرى مغطاة جزئيّاً أو كليّاً بالذهب، أو مربوطة سوقيّاً من حيث التأثير في قيمتها بالذهب مثل الدولار؟.
إن الشبه تثار على أساس أن الشيك حوالة على البنك، و بالتالي: فقدان شرط التقابض في المجلس، وعليه: فلا يجوز شراء الذهب أو الفضة؛ باعتبار أن هذين المعدنين هما أصل النقدين، وأن النقود الورقية أجناس، والذهب جنس، والفضة جنس، والعلة الجامعة بينهما هي الثمنية، وبالتالي: فلا بد من التقابض في مجلس العقد، وعليه: فلا يجوز استخدام الشيك بدلاً عن النقد عن شراء هذين المعدنين، أما الرأي الآخر: فيرى جواز ذلك؛ حيث إن الذهب والفضة المصنعة أو التبر لا يعتبرون نقوداً، وبالتالي: فقدوا شرط الثمنية، وإنما يعتبرون سلعة من السلع، يجوز شراؤها وسداد قيمتها بالشيك الذي يمثل وسيلة من وسائل الدفع باعتباره حوالة، حيث يجوز أن يحيل المدين على دائنه ـ وهو البنك الذي قام المحُيل بوضع نقود لديه ـ وديعة مسموحاً للبنك بالتصرف فيها، مع شرط إعادتها أو جزء منها حسب طلب المودع أو بموجب أمر منه، وهذا الرأي يقوم على ما يراه ابن القيم (رحمه الله): بأن النقود هي وسيلة لتقويم السلع، وأن الذهب أو الفضة ـ سواء أكانا حلية أو سبائك ـ هما سلع خرجت عن طبيعة النقود، وهو رأي سبقت الإشارة إليه في الحلقات الماضية، ونحن نميل إلى الأخذ به، وعليه: فلا بأس من سداد قيمة المصوغات والتبر والسبائك من الذهب أو الفضة بالشيكات التي يصدرها المشتري على البنك الذي أودع لديه ماله.
النوع الثاني: (الشيك السياحي) وهو أسلوب من أساليب السداد الخاصة بالمسافرين تمكنهم من سداد التزاماتهم المالية التي نشأت خلال قيامهم بالسفر خارج بلدانهم، ويُعرّف (الشيك السياحي) بعدة تعاريف، منها(3): (أنه شيك مسحوب على مراسل البنك المصدر له)، ومنها: (أنه الشكل المعدل لخطاب الاعتماد السياحي، ويتميز بقابليته للوفاء لدى البنوك على المستوى العالمي)، ومنها: (أنه أحد أنواع الشيكات التي استحدثت لتمكين السياح من الحصول على ما يلزمهم من نقود دون حاجة إلى حملها معهم والتعرض لمخاطر السرقة والضياع).
بوجه عام، فإن الشيك السياحي هو: عبارة عن شكل من تلك الصكوك التي يستخدمها المسافرون أداةً للوفاء، وتتميز بالسهولة من ناحية، حيث تكون مقبولة في الوفاء، ليس فقط لدى فروع البنك المصدر لها أو لدى مراسليه، وإنما لدى الأفراد أيضاً، ويقبل هؤلاء تسوية حقوقهم عن طريقها.
فالشيك السياحي هو: صك يحمل اسم شيك لكنه سند محرر في شكل تعهد بالوفاء.
يأخذ الشيك السياحي المواصفات والشروط نفسها للشيك العادي الذي يصدره الأفراد، إلا أنه يختلف عنه في أن من يقوم بإصدار الشيك السياحي يجمع بين صفة الساحب والمسحوب عليه في الوقت نفسه، وبهذا يأخذ شكل الأوراق النقدية؛ حيث له خصائص أوراق النقد نفسها التي تتميز عن غيرها من الصكوك في: أنها تصدر في مجموعات، كما تنقسم إلى قطع ذات قيم متساوية، كما أنها تصدر بدون تحديد مدة معينة لتقادمها، ولكنها تختلف عن الأوراق النقدية من حيث إنها تعتبر تعهداً بالدفع من جانب البنك المصدر لها مقابل إيداع بعض أوراق النقد، كما إنها من ناحية التداول تتم على أساس التظهير، أما النقود فهي صكوك للحامل تنتقل من يد إلى أخرى عن طريق التسليم المادي(4)، وبالتالي: فإن الشيك السياحي هو نوع من أنواع النقود الائتمانية يمكن عن طريقه تسوية الالتزامات دون حاجة إلى الالتجاء إلى الأوراق النقدية.
تتمثل العلاقة في الشيك السياحي في أن لها ثلاثة أطراف: فالطرف الأول: البنك أو الشركة المُصْدِرة للشيك السياحي، والطرف الثاني: المراسل أو البائع الذي يتولى بيع هذه الشيكات للجمهور، حيث يعتبر وكيلاً عن المُصْدِر للشيك، فالمراسل هو وكيل عن الشركة المصدرة لهذا الشيك، فالشيك لديه بمثابة وديعة، وهو غير ملزم برد الثمن إلا بعد صرفها على المشتري، ويتقاضى البنك المراسل عمولة لقاء مصارفته لهذه الشيكات، أما الطرف الثالث: فهو المشتري لهذا الشيك، حيث يقوم بدفع مبلغ معين من النقود، إما بالعملة نفسها المصدر بها الشيك أو بعملة أخرى؛ فالعلاقة بين الشركة المصدرة للشيك السياحي والمشتري علاقة تصارف، تمت من خلال المراسل الوكيل للبنك المصدر وفق عقد الإصدار الذي يوقع عليه المشتري لهذه الشيكات، فيما يعرف بطلب الشراء، حيث حددت التزامات المشتري التي من ضمنها التوقيع على الشيكات المشتراة في المكان المخصص لحظة الشراء، والالتزام بالتوقيع مرة ثانية عند قبض قيمة الشيك أو عند تظهيره لشخص آخر لقاء حصوله على سلع أو خدمات، وتنتهي دورة الشيك السياحي بقيام المصدر الأول بسداد قيمتها لمن يقوم بالمطالبة بالسداد سواء المشتري الأصلي أو من ظُهِّر له الشيك(4).
من خلال الاستعراض السابق لطبيعة الشيك السياحي، فإن مجال الخوف من تحقق الربا هو عند الشراء وعند البيع لهذا الشيك، فمن ناحية: شراء الشيكات السياحية بقيمة دولارية تدفع عنها ريالات مثلاً؛ ففي هذه الحالة يعتبر الأمر مصارفة ولا يتم التقابض النقدي، حيث يتم شراء صك ذمة بقيمة عدد من الدولارات مقابل دفع ريالات وبموجب هذا في أي مكان من الأمكنة لدى مراسليه (وكلائه) مع قابليته للتظهير، فهو سند دين، وبهذا: فهو لا يعتبر نقداً، ولكنه بديل عن النقد، وعلى هذا الأساس: يمكن اعتبار تسليم الشيك مقابل العملة التي تم شراؤه بها: تقابضاً ماديّاً، وعليه: فإذا تم إصدار الشيك بالعملة نفسها، وتم شراؤه بالعملة المصدر بها، فلا يجوز الزيادة في قيمة الشيك، وما يتم دفعه يمكن تخريجه على أساس السّفْتَجَة. والسفتجة تعرف: بأنها إعطاء مال لآخر مع اشتراط القضاء في بلد آخر، والقصد منها: ضمان السلامة من خطر الطريق، فهو يدفع قيمة الشيك السياحي على سبيل القرض لا على سبيل الأمانة(6)، لكن في حالة قيام المشتري بشراء الشيك السياحي بنقد مخالف للنقد الذي صدر به الشيك؛ فلو كان الشيك مصدراً بالدولارات، وتم دفع قيمة هذا الشيك بالريالات فيمكن تخريج الشيك على أنه مصارفة، يتم التبادل فيها بين الشيك السياحي والعملة المشتراة به بسعر صرف العملة الواردة في الشيك السياحي مع العملة المشترى بها، أي: إنه يجب توافر شرط التقابض في مجلس العقد، أي قبض قيمة الشيك بالعملة المشتراة بها؛ سواء أكان القبض نقداً أو بتسجيل على الحساب مع تسليم الشيك السياحي للمشتري، باعتبار أن الشيك السياحي يتصف ببعض صفات النقود الورقية.(2/121)
إن موطن الربا في الشيك السياحي هو: إذا تم شراء الشيك السياحي بالعملة نفسها المصدر بها الشيك السياحي، وتفاوتت القيمة بين الشيك وما تم دفعة، أما إذا اختلف نوع العملة المشترى بها الشيك مع العملة المصدر بها، فتنطبق أحكام الصرف من حيث ضرورة توافر شرط التقابض، وكذلك ينطبق الأمر في حالة بيع الشيك السياحي أو تظهيره.
بطاقات الائتمان:
بدأ استعمال بطاقة الائتمان بعد الحرب العالمية الثانية، وتقوم فكرة بطاقة الائتمان على فكرة الشراء على الحساب؛ حيث كان يستعملها أصحاب المتاجر مع فئة معروفة من عملائهم؛ حيث يسمح لهم بالشراء حاضراً، ثم الدفع في نهاية الشهر أو بداية الشهر الذي يليه، ثم تطورت الفكرة لدى بعض المتاجر الكبيرة ذات الفروع المتعددة، فأصدرت بطاقات بلاستيكية تحمل اسم الزبون ورقم حسابه مع المتجر، ويسمح له أن يشتري على الحساب على أن يتم الدفع بعد إرسال الفاتورة له، أو يقوم بدفع المستحق عليه على أقساط شهرية، بالإضافة إلى رسوم تحدد على البطاقة، حيث يتم الاتفاق مع البنوك بإعطائهم ائتماناً على المبالغ المستحقة لهم لدى الزبائن الممنوح لهم هذه البطاقات، حتى أصبح كل متجر يصدر مثل هذه البطاقات، فأصبح يتعين على الزبون حمل عدة بطاقات، لكل متجر من المتاجر التي يتعامل معها بطاقة، لأنه لا يستطيع استعمال بطاقة متجر في متجر آخر، وهذا أدى إلى ظهور بطاقة واحدة على المستوى القومي تغطي كافة حدود الدولة، وتقبل في جميع المتاجر في داخل الدولة الواحدة، وبالعمله المحلية، ثم تطور الأمر بضمان حصولهم على قيمة مبيعاتهم وحسب السعر السائد لعملة كل دولة، بحيث لا يتحمل التاجر أي مخاطر من تغيير سعر صرف العملة، ويحصل على مستحقاته بسرعة وبعملته المحلية بدون الدخول في متاهات أسعار الصرف بين مختلف العملات في دول العالم.(7)
كيفية عمل بطاقات الائتمان:
إن أسلوب عملية التعامل ببطاقات الائتمان يتمثل في تقديم بطاقة الائتمان التي يتم الحصول عليها، إما مباشرة من المصدِر لها، أو عن طريق البنك الذي يتعامل معه حامل البطاقة، فعند شرائه لسلعة من السلع أو صرف مبلغ من المبالغ من خلال أجهزة الصرف الآلي لا يحتاج الأمر إلا إلى إدخال البطاقة في الجهاز الذي يتولى جميع الإجراءات الخاصة بالسحب وإعطائه إشعاراً بما تم خصمه ودفعه إليه، أو قيام البائع الذي يتولى استلام بطاقة الائتمان الخاصة بالمشتري التي تحمل اسمه ورقم حسابه وتوقيعه، حيث يتم إدخال البطاقة في جهاز خاص وكتابة المبلغ المحدد في نموذج ورقي يقوم المشتري حامل البطاقة بالتوقيع عليه، بما يماثل التوقيع الذي يوجد على البطاقة، وفي بعض الأحيان: يقوم البائع بالاتصال برقم معين، ليتأكد من وجود رصيد كافٍ في حساب حامل البطاقة، وبعد إتمام العملية يسلم البائع المشتريات التي وقع عليها المشتري، ويحتفظ بنسخة منها لديه، ونسخة ثانية ترسل إلى الجهة المصدرة للبطاقة للقيام بسداد المستحق للبائع، وفي نهاية الشهر تُرسل فاتورة بها كشف الحساب بجميع المشتريات والمسحوبات النقدية على عنوان حامل البطاقة حيث يقوم بدفع كامل المبلغ أو دفعه على أقساط شهرية، ويتم الدفع: إما نقداً، أو بشيك، أو خصماً من الحساب لدى البنك الوسيط في منح صاحب الحساب لديه هذه البطاقة.
أنواع البطاقات:
تتعدد أنواع البطاقات، ويمكن تقسيمها إلى نوعين:
النوع الأول: بطاقات المتجر التي يمكن استعمالها فقط في تلك المتاجر أو فروعها المنتشرة في أنحاء البلاد.
أما النوع الثاني: ـ وهو أكثر شيوعاً ـ: فهو البطاقات الشاملة التي لها طبيعة دولية، مثل بطاقات (أمريكان اكسبرس) و (ميروا) (وماستر كارد)...إلخ.
كما تنقسم تلك البطاقات ـ من حيث الدفع ـ إلى نوعين:
النوع الأول: يعرف ببطاقة السحب، وهي التي تسمح لحاملها بإمكانية السحب النقدي من حساب حامل البطاقة، شريطة توفر ما يغطي المبلغ المسحوب من الحساب وتسديد قيمة المشتريات من البضائع والخدمات لدى نقاط البيع المتوفر لديها أجهزة الاتصال، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: قسم خاص بالسحب وتسديد المشتريات داخل الدولة الواحدة، وقسم يتم السحب فيه خارج الدولة من خلال شبكة الاتصال العالمية، ويتم القيد على حساب العميل مباشرة، وبعض بطاقات السحب الدولية التي تصدرها بعض البنوك لا تشترط في حالة السحب من أجهزتها تسجيل أي عمولة، ولكن في حالة السحب من أجهزة بنوك أخرى يتم تسجيل عمولة سحب على حساب حامل البطاقة، ولا تستفيد الجهات المصدِرة لهذا النوع من البطاقات التي لا تحتسب فائدة على السحب عند شراء البطاقة من مراكز البيع في خارج الدولة أو داخلها من حساب حامل البطاقة، ولكنها تأخذ عمولة على مقدار المباع بما يعادل أحياناً ما بين 2% إلى 7% من قيمة ما قام حامل البطاقة بشرائه.
النوع الثاني: ما يعرف ببطاقة الائتمان، حيث يمكن لحامل البطاقة السحب أو الشراء وسداد ما قام بسحبه أو ما قام بشرائه من نقاط البيع على دفعات حسب رغبته وضمن أقساط شهرية بحد أدنى تحدده الجهة المصدرة للبطاقة، وفي هذه الحالة: فإن الجهة المصدرة للبطاقة تتقاضى فائدة على الرصيد المتبقي على حامل البطاقة تتراوح بين 18% إلى 24% سنويّاً.
التكييف الفقهي لبطاقات الائتمان، ومواطن الربا فيها:
على ضوء ما سبق من تحديد لماهية بطاقات الائتمان: فإن هذه البطاقات تمثل نوعاً جديداً من أساليب سداد الالتزامات وصورة من صور وسائل إيجاد النقود الائتمانية من خلال توسيع نطاق نقل الأموال حسابيّاً بين مختلف الحسابات للبنك الواحد أو البنوك المختلفة.
والسداد والسحب ـ من حساب الشخص ـ الذي يجري التعامل به باستخدام بطاقات السحب الائتمانية جائز شرعاً على أساس القاعدة الشرعية: الأصل في الأمور الإباحة إلا ما جاء دليل بحرمته، وهو يمثل سحباً وسداداً من وديعته التي لدى البنك، ولا يدخل الربا إلا فيما يعرف ببطاقات الائتمان؛ حيث يتم تسديد ما تم سحبه، وما تم سداده من قبل البنك المصدر للبطاقة، واحتساب الفوائد على الرصيد غير المسدد، فهذا يعتبر إقراضاً لمن يحمل هذا النوع من البطاقات الائتمانية، وكذلك ما يتم تحميله على حساب حامل البطاقة الذي يقوم بالسحب النقدي بموجب بطاقات الائتمان، كما أن هناك صورة أخرى للتعامل الربوي بالنسبة لمن يحمل بطاقة الائتمان، حيث يقوم باستخدامها لسداد مشترياته، ويتم القيد الفوري على حسابه، ولكن مُصدِر البطاقة الذي يقوم بالسداد للبائع نيابة عنه يأخذ نسبة من قيمة ما تم شراؤه من البائع ما بين 2% إلى 7% من قيمة فاتورة البيع، فإن ما يأخذه البنك يعتبر رباً؛ لأن ما يتم يشبه الخصم؛ فالبائع يقدم للبنك المصدر للبطاقة فاتورة الشراء لخصمها لديه، وهو يقبل ذلك من أجل تنمية مبيعاته.
كلمة لمستخدم هذه البطاقات:
ولهذا: فإن مستخدم بطاقات الائتمان، ولو كان لا يدفع هو فائدة على ما يقوم بشرائه لكفاية رصيده، فإنه يكون متعاوناً على الإثم، من خلال تشجيعه للبنوك باشتراكه في هذه البطاقات، بجانب ما تسببه هذه البطاقات من محاذير، منها:(2/122)
1- الإسراف في الاستهلاك؛ فوجود هذه البطاقات يؤدي إلى سهولة الشراء الفوري والدفع المؤجل، مما يدفع بعض الأفراد إلى الإنفاق بدون حساب؛ حيث لا يشعر المرء بتلك المدفوعات إلا عندما يتسلم كشف الحساب الشهري ويستحق عليه الدفع، وهذا قد يقع تحت النهي الذي جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن عبدالله بن مسعود: (أن رسول الله نهى عن التعقر في المال والأهل)، كما قد يضطره إلى دفع فوائد ربوية لعدم كفاية الرصيد عند المطالبة بالسداد.
2- رسوم الاشتراك لبعض بطاقات الائتمان تتراوح ـ حسب نوعية البطاقة: عادية، فضية، ذهبية ـ من ثلاثمئة ريال سعودي إلى ألف ريال سعودي، بجانب أن هناك رسوم تجديد سنوية تتراوح ما بين ثلاثمئة إلى سبعمئة ريال، وهذه الرسوم التي تؤخذ نوع من أكل الأموال بالباطل من قبل مُصْدِري هذه البطاقات.
3- هناك بعض البنوك التي تحاول أن تمارس العمل على ضوء الشريعة، ولكنها فيما يتعلق ببطاقات الائتمان تتساهل في الممارسة؛ بحكم أنها تقوم بعمل الوكالة للشركات المصدرة لهذه البطاقات، فتقوم بإشعار عملائها بأن من يستخدم أجهزة سحبها لا تأخذ عليه عمولة للسحب النقدي، وإذا تم السحب من أجهزة خاصة ببنوك أخرى، فإنها تأخذ رسماً خاصّاً بالسحب النقدي، أما بالنسبة للشراء من نقاط البيع: فهذه البنوك لا تأخذ من العميل شيئاً، حتى لو تجاوز ما تم دفعه رصيد حسابه، لكنها تأخذ من البائع نسبة معينة لقاء سدادها للمشتريات التي تم استخدام البطاقة المصدرة من قبلها، ولا شك أن ما تأخذه من البائع هو نوع من الخصم الربوي، لا يجوز أن تمارسه تلك البنوك، وخاصة أنها تحاول أبراز الصورة الإسلامية للتعامل.
4- العمولات (الربا) على الرصيد الذي لا يستطيع العميل أن يسدده عند استلامه لكشف الحساب الوارد له من البنك مما يؤدي إلى تراكم الفوائد على الرصيد حيث تصل نسبة الربا إلى ما بين 18% إلى 24% سنويّاً.
هل لاستخدام هذه البطاقات فوائد؟:
حقق التعامل ببطاقات الائتمان بعض الفوائد، من أهمها:
1- الأمان: فالشخص لا يحتاج إلى حمل مبالغ نقدية كبيرة معه في كل الأوقات، سواء أكان في داخل حدود بلده أو كان مسافراً في البلاد الأخرى؛ وبذلك يقل تعرضه للسرقة، أو فقدان ما يحمله من نقود.
2- سهولة إجراء التعاملات التجارية ودفع فواتير الفنادق وإيجار السيارات وغيرها.
وتحقيق هذه الفوائد وتجنب المحاذير الشرعية من استخدام بطاقات الائتمان يمكن أن يتحقق إذا اقتصر الفرد على بطاقات السحب فقط، حيث إن هذه البطاقات تماثل الشيكات من حيث اعتبارها وسيلة لسداد الالتزامات أو للسحب من مال حامل البطاقة لدى البنك.
سؤال مهم:
والتساؤل الذي يمكن أن يثار فيما لو أخذ البنك عمولة لقاء استخدام بطاقات السحب سواء على كل عملية سحب أو استفسار، أو عمولة مقطوعة سنوية لقاء منح حامل البطاقة خدمة استخدام أجهزة الصرف الآلي.
ولا شك أن هناك مصاريف يتحملها البنك لقاء توفير هذه الخدمة سواء ما يتعلق بقيمة الجهاز أو تكاليف الخطوط الهاتفية المستخدمة من قِبَل هذه الأجهزة، فهل يجوز أخذ هذه العمولة؟.
إن الإجابة على ذلك يحددها واقع السوق من ناحية، وواقع أعمال البنوك، فإذا كانت البنوك تلتزم في أعمالها أحكام الشريعة، وكان توفير هذه الخدمة سوف يؤدي إلى خسائر يتحملها البنك المصدر لهذه البطاقة، فلا بأس بأخذ عمولة مقطوعة كأجرة لتوفير هذه الخدمة لمستخدم هذه البطاقة، بشرط عدم ربط هذه العمولة بالزمن أو بالمبلغ المسحوب، وإنما هي أجرة تدفع للبنك لقاء توفيره لهذه الخدمة، على أساس أن هذه الخدمة تؤدي إلى تحمل البنك نفقات إضافية، أما بالنسبة لأخذ عمولة على نقاط البيع التي تستخدم أجهزة الصرف، فهذا لا يجوز أخذه، لسببين:
الأول: أن البنك لم يتحمل أي خسارة، فالمبلغ تم خصمه من حساب حامل البطاقة؛ وبالتالي: فأخذ أي عمولة يعتبر أخذاً لأموال الناس بالباطل.
الثاني: أن أخذ عمولة لقاء سداد قيمة ما اشتراه حامل البطاقة من البائع؛ سواء أكانت البطاقة بطاقة ائتمان أو بطاقة سحب دولية، فإن فاتورة البيع التي يتم الخصم عليها تشبه (الكمبيالة)، ومن الأمور المتفق عليها: أن ما يؤخذ من خصم لقاء سداد قيمة الكمبيالة من تاريخ استحقاقها يعتبر ربا، ويسري هذا الحكم على ما يؤخذ من البائعين؛ حيث يقوم مُصْدِر البطاقة بسداد قيمة ما اشتراه حاملو البطاقات مقابل الخصم الذي يحصل عليه هو، أي: مُصْدِر البطاقة وليس حامل البطاقة، وأن ما يعطيه البائع للمُصْدِر هو بمثابة خصم... فلو لم يقم البائع بهذا الخصم، لما قام مصدر البطاقة بسداد قيمة ما قام حامل البطاقة بشرائه، فالبائع إنما خضع لذلك رغبة في زيادة مبيعاته، حيث إن معظم حاملي البطاقات قد لا يكون لديهم الرصيد الكافي لتغطية مشترياتهم، وبالتالي: فإن عملية البيع التي تتم بين حامل البطاقة والبائع هي بيع بالأجل، وضمان مصدر البطاقة الائتمانية وقيامه بالسداد بعد خصم النسبة المقررة مسبقاً لقبول السداد للبائع، ثم مطالبة الحامل بالسداد، سواء بالكامل أو بالتقسيط لمصدر البطاقة: هو نوع من أنواع بيع الدين بالدين.
الهوامش :
1) بنوك تجارية بدون ربا، ص76، لكاتب الدراسة.
2) حوالة صادرة من دائن، يُكَلّفُ فيها مدينه دفع مبلغ معين لإذن شخص ثالث أو لإذن نفسه، أو لإذن الحامل للحوالة، المعجم الوجيز، ص312.
- البيان -
3) الشيكات السياحية: طبيعتها ونظامها القانوني، د. أميرة صدقي، ص 21ـ 22.
4) المرجع السابق، ص 73 ـ 79.
5) المرجع السابق، ص 112 128.
6) الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، د. عمر بن عبدالعزيز المترك، ص279.
7) بطاقة الائتمان: عيوبها ومحاسنها، د. وديع أحمد فاضل كابلي، مجلة (أهلاً وسهلاً)، 18 مارس 94م .
================
من مسائل الربا
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 4 / ص 112)
من مسائل الربا
لسماحة رئيس الجامعة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.(2/123)
أما بعد، فقد سألني غير واحد عن معاملة يتعاطاها كثير من الناس وهي أن بعضهم يدفع إلى البنك أو غيره مالاً معلوما على سبيل الأمانة أو ليتجر به القابض على أن يدفع القابض إلى الدافع ربحا معلوما كل شهر أو كل سنة مثال ذلك أن يدفع شخص إلى البنك أو غيره عشرة آلاف ريال أو أقل أو أكثر على أن يدفع إليه القابض مائة ريال أو أكثر أو أقل كل شهر أو كل سنة، وهذه المعاملة لا شك أنها من مسائل الربا المحرم بالنص والإجماع وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن أكل الربا من كبائر الذنوب ومن الجرائم المتوعد عليها بالنار واللعنة. قال الله سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} . ففي هذه الآيات الكريمات الدلالة الصريحة على غلظ تحريم الربا وأنه من الكبائر الموجبة للنار كما أن فيها الدلالة على أن الله سبحانه يمحق كسب المرابي ويربي الصدقات أي يربيها لأهلها وينميها حتى يكون القليل كثيرا إذا كان من كسب طيب. وفي الآية الأخيرة التصريح بأن المرابي محارب لله ورسوله وأن الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وأخذ رأس ماله من غير زيادة. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء، فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله سبحانه ويراقبه في جميع الأمور وأن يحذر ما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال والمكاسب الخبيثة ومن أعظمها وأخطرها مكاسب الربا الذي أنزل الله فيه ما يوجب الحذر منه والتواصي بتركه، وقد نقل أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة رحمه الله في كتابه المغني عن الحافظ ابن المنذر إجماع العلماء على تحريم مثل هذه المعاملة وفي ذلك كفاية ومقنع لطالب الحق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
===============
التحذير من الربا وخطره
عبدالعظيم بدوي الخلفي ... ... ...
الخطبة الأولى ... ... ...
عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله : ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله تعالى من ستة وثلاثين زنية)).
إن الصدقة هي الوجه المشرق الصالحة للمعاملة التي يتعامل بها الناس، ويقابلها الوجه الكالح الطالح وهو الربا، وشتّان بين الوجهين:
فالصدقة عطاء وسماحة، وطهارة وزكاة، وتعاون وتكافل.
والربا شح وقذارة ودنس، وأثرة وفردية.
والصدقة نزول عن المال بلا عوض ولا رد.
والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة من جهد المدين أو من لحمه، من جهده إن كان قد عمل بالمال الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده، ومن لحمه إن كان لم يربح أو خسر، أو كان قد أخذ المال للنفقة منه على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا.
ولهذا تحدث القرآن عن الصدقة ثم أتبعها بالحديث عن الربا، الوجه الآخر الكالح الطالح، وكشف عما في عملية الربا من قبح وشناعة، ومن جفاف في القلب وشر في المجتمع، وفساد في الأرض وهلاك للعباد.
ولم يبلغ من تفظيع أمر أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا، ولا بلغ من التهديد في اللفظ والمعنى ما بلغ من التهديد في أمر الربا.
ولما كان الربا قد شاع في عصرنا هذا شيوعا كثيرا جعل السلامة منه من الصعوبة بمكان، كان لابد من الحديث عن الربا وبيان خطره وخطر عقوبته لعل المرابين يتقون أو يحدث لهم ذكرا، فنقول وبالله التوفيق:
الربا في اللغة: الزيادة
قال تعالى: وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت [الحج:5].
وهو في الشرع: الزيادة في الدين على رأس المال قلّت أو كثرت، وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة [آل عمران:130].
وليس القيد هنا لإفادة الشرطية، ولكنه لبيان الواقع فلا يعتد به، بدليل قوله تعالى: وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم [البقرة:279].
وقال النبي : ((اجتنبوا السبع الموبقات...)) وعدّ منها الربا.
وقال : ((الربا بضع وسبعون بابا، أهونها مثل إتيان الرجل أمه)).
وقال : ((ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة)).
وفي حديث الرؤيا الطويل عند البخاري: ((أن النبي أتى على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع فغر له فاه فألقمه حجرا، فقال : ما هذا؟ فقيل له: إنه آكل الربا)).
ولقد شن القرآن الكريم حملة شديدة عنيفة على المرابين نسوقها بلفظها ثم نأتي عليها بالبيان.
قال تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [البقرة:275-281].
إنها الحملة المفزعة، والتصوير المرعب الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وما كان أي تهديد معنوي ليبلغ إلى الحس مبلغ هذه الصورة المجسمة الحية المتحركة، صورة الممسوس المصروع وهي صورة معروفة معهودة للناس. والنص يستحضرها لتؤدي دورها الإيحائي في إفزاع الحس لاستجاشة مشاعر المرابين، وهزّها هزّة عنيفة تخرجهم من مألوف عادتهم ومن حرصهم على ما يحققه لهم من الفائدة.
والذين يأكلون الربا ليسوا هم الذين يأخذون الفائدة الربوبية وحدهم، إنما هم كل المتعاونين على إجراء العملية الربوية:
عن جابر بن عبد الله قال: ((لعن رسول الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء)).
والقرآن يصفهم بأنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس(2/124)
إنهم لا يقومون في الحياة ولا يتحركون إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي لا ينال استقرارا ولا طمأنينة ولا راحة، وهذا أمر أصبح مشاهدا في هذا العصر، فالناس مع الحضارة والرقي والتقدم والرخاء قلقون خائفون مضطربون، قد فشت فيهم الأمراض العصبية والنفسية، والسبب هو خواء الأرواح من زاد الإيمان، الذي هو سبب الطمأنينة والسكينة والهدوء والراحة الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد:28].
وحين يشقى العالم وهو في رخاء مادّي لابد أن يعلم أن السبب هو فقد الغذاء الروحي، الذي سببه الإعراض عن ذكر الله، كما قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى [طه:124].
ولكن القوم لا يستحضرون هذا السر، ولا يهتدون إليه سبيلا، لأن لهم قلوب لا يفقهون بها [الأعراف:179].
ولقد اعترض المرابون في عهد رسول الله على تحريم الربا وتحليل البيع ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وكانت الشبهة التي ركنوا إليها هي أن البيع يحقق فائدة وربحا، كما أن الربا يحقق فائدة وربحا، وهي شبهة أوهى من بيت العنكبوت.
فالعمليات التجارية قابلة للربح والخسارة، أما العمليات الربوية فهي محدودة الربح في كل حالة، هذا هو مناط التحريم والتحليل: إن كل عملية يضمن فيها الربح على أية وضع هي عملية ربوية محرمة، بسبب ضمان الربح وتحديده، ولا مجال للمماحلة في هذا ولا للمداراة، ولذا أحل الله البيع وحرم الربا .
ولما كان الله تعالى لا يؤاخذ إلا بعد إقامة الحجة قال: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ، فمن سمع موعظة من ربه فلا يكلّف بردّ ما أخذ من الناس قبل ذلك، وحسبه أن لا يزيد عليهم بعد الموعظة، لكن انظر إلى خطر الأمر وهو قوله تعالى: وأمره إلى الله ليظلّ متوجّسا من الأمر خائفا منه يقول: كفاني ما مضى، ولعل الله أن يغفر لي إذا تبت وأنبت ولم أقع فيه بعد ذلك.
(ومن عاد) بعد بيان الله وتذكيره وتوعّده لأكلة الربا فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . وفي هذا التصريح بأن أكلة الربا في النار خالدون إلا من مات منهم على التوحيد، فإن خلوده ليس كخلود الكافرين، وإنما ينفعه التوحيد يوما ما، كما عُلم من النصوص الأخرى.
ولما علم الله أن من عباده من لا يقيم وزنا ليوم الحساب، ويسقطه من حسابه، فقد أنذرهم بالمحق في الدنيا يمحق الله الربا .
والمحق: هو محو الشيء والذهاب به، وقد اشتهر هذا حتى عرفه العامة، فكم من آكل ربا حل به البلاء فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون [النحل:26].
ذلك لهم خزي في الدنيا [المائدة:33].
ثم يوم القيامة يخزيهم [النحل:27].
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا [النمل:52].
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [الحج:46].
والله سبحانه يعقّب على هذا الوعيد فيقول: والله لا يحب كل كفار أثيم والكفار هو الذي كفر نعمة الله وجحد منّة ربه. والأثيم من أثم بإصراره على المعصية، وفي هذا النص إشارة إلى أن الله يحب الشاكرين ويحب التوابين.
ثم أدخل هذه الآية وهي قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أدخلها بين آيات الربا ليبين أن أكبر الأسباب التي تعين على ترك الربا الإيمان، وأن آكل الربا لا يأكل الربا وهو مؤمن، قال تعالى: إن الذين آمنوا أي: صدّقوا إذعان بما جاء من عند الله في هذه المسألة وغيرها وعملوا الصالحات التي تصلح بها نفوسهم وشأن من يعيش معهم، ومنها مواساة المحتاجين، والرحمة بالبائسين وإنظار المعسرين وأقاموا الصلاة التي تذكّر المؤمن بالله فتزيد في إيمانه وحبّه لربه، حتى تسهل عليه طاعته في كل شيء وآتوا الزكاة التي تزكي النفس من رذيلة البخل والحرص وتمرّنها على أعمال البر حتى تسهل عليها ويكون ترك أكل أموال الناس بالربا أسهل.
وإنما ذكر الصلاة والزكاة لأنهما أعظم العبادة النفسية والمالية، فمن أتى بهما كاملتين سهل عليه كل عمل صالح.
والله يعدهم بأن لهم أجرهم عند ربهم يحفظه لهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون فهو وعد بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، في القوت الذي يتوعد فيه أكلة الربا بالمحق والسحق، وبالتخبط والضلال، وبالقلق والخوف.
وفي ظل هذا للرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة التي تنبذ الربا من حياتها فتنبذ الكفر والإثم، وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والصلاة والزكاة، في ظل هذا الرخاء الآمن يهتف بالذين آمنوا بالهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت، وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فوصفهم بالإيمان، وذكّرهم بالتقوى، ثم انتقل إلى الأمر بترك ما بقي من الربا لمن كانوا يرابون.
ثم وصل ذلك بقوله: إن كنتم مؤمنين أي إن كان إيمانكم تاما شاملا لجميع ما جاء به محمد من الأحكام فذروا بقايا الربا.
ويؤخذ من هذا أن من لم يترك ما بقي من الربا بعد نهي الله تعالى عنه وتوعده عليه فلا يعدّ من أهل هذا الإيمان التام الشامل.
وهكذا يأخذهم بالترغيب أولا، ثم ثنىّ بالترهيب الذي يقصم الظهور، ويزلزل القلوب: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .
أي: إن لم تتركوا ما بقي لكم من الربا كما أمرتم فاعلموا واستيقنوا بأنكم على حرب من الله ورسوله.
ويا للهول: حرب من الله ورسوله!! إن الخصم ليعرف أن عدوّه يعدّ العدة ليشن الغارة عليه فلا يهدأ ولا ينام، مع احتمال أن يدفع عن نفسه، وأن يكون هو المنتصر. فكيف إذا أعلم بالحرب من الله ورسوله؟! وهي حرب رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة، لا هوادة فيها، وأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجبّارة الساحقة الماحقة؟!.
وهذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع. إنها حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على البركة والرخاء، وحرب على السعادة والطمأنينة، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض، حرب المطاردة والمشاكسة، حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش، والدول، إنها الحرب المشبوبة دائما، وقد أعلنها الله على المرابين، وهي مسعرة الآن تأكل الأخضر واليابس، والبشرية غافلة عما يفعل بها.
ثم عرّض بالتوبة فقال: وإن تبتم يعني من المعاملات الربوية فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون الناس بأخذ الربا ولا تظلمون ببخسكم رؤوس أموالكم. فكل من تاب من الربا: فإن كانت معاملات سالفة فله ما سلف لا يكلّف ردّه ولا إضاعته، وأمره إلى الله ينظر فيه.
وإن كانت معاملات موجودة وجب عليه أن يقتصر على رأس ماله، فإن أخذ زيادة فقد تجرأ على الربا.
ثم يرشد صاحب المال إلى ما يجب عليه نحو الذي عليه الدين فيقول: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .
إنها السماحة النديّة التي يحملها الإسلام للبشرية. إنه الظل الظليل الذي نادى إليه البشرية المتعبة في هجير الأثرة والشح والطمع والتكالب، إنها الرحمة للدائن والمدين، وللمجتمع الذي يظل الجميع.(2/125)
إن المعسر في الإسلام لا يطارد من صاحب الدين أو من القانون والمحاكم، إنما ينظر حتى يوسر، ثم إن المجتمع المسلم لا يترك هذا المعسر وعليه دين، فالله يدعو صاحب الدين أن يتصدق بدينه إن تطوع بهذا الخير، وهو خير لنفسه كما هو خير للمدين، وهو خير للجماعة كلها ولحياتها المتكالفة ولو كان يعلم ما يعلمه الله من سريرة هذا الأمر.
وقد كثرت الأحاديث في الترغيب في إنظار المعسر والتجاوز عنه، ومنها: قوله : ((من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظلّه)).
وعن حذيفة قال: قال رسول الله : ((أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة قال: ماذا عملت لي في الدنيا؟ فقال: ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها - قالها ثلاث مرات - ثم قال عند آخرها: يا رب إنك كنت أعطيتني فضل مال، وكنت رجلا أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله عز وجل: أنا أحق من ييسر، أدخل الجنة)).
ثم يجئ التعقيب العميق الإيحاء الذي ترجف منه النفس المؤمنة وتتمنى لو تنزل عن الدين كله ثم تمضى ناجية من الله يوم الحساب: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله فأنجع شيء لمرض القلوب تذكر يوم الدين وهو يوم عسير، له في قلب المؤمن وقع شديد، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
كان هذا التحذير من ربا النسيئة: وهو الزيادة في الثمن من أجل الزيادة في الأجل.
ومن باب سد الذرائع حرّم الإسلام نوعا آخر من الربا وهو ربا الفضل.
وربا الفضل معناه: بيع جنس بجنسه متفاضلاً.
وهو محصور في أصناف ستة، بيّنها قوله : ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيدا)).
فهذه الأصناف الستة لا يجوز بيع الجنس منها بجنسه متفاضلا: فلا يجوز بيع مائة جرام ذهبا قديما بتسعين جراما ذهبا جديدا، وكذلك الفضة.
ولا يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلة من قمح جيد، وهكذا بقية الأصناف.
ولا يجوز التأخير في القبض وإن كان هناك تماثل، بل لابد من التقابض في المجلس.
فإن اختلفت الأجناس والعلة جاز البيع والشراء متفاضلا وجاز التأخير، كأن تشتري قمحا بنقد، أو ملحا بنقد.
وإن اختلفت الأجناس واتحدت العلة جاز التفاضل دون التأخير: فيجوز أن تشتري عشرين جراما ذهبا بمائة فضة مثلا. أو تشتري كيلتين قمحا بأربع شعيرا، أو تشتري مائة ريال سعوديا بتسعين جنيها مصريا، فهذا التفاضل جائز شريطة التقابض في المجلس. فلا يجوز أن تشتري مائة ريال بتسعين جنيها وتبقى لك أو عليك بقية.
وكذلك لا يجوز أن تشتري ذهبا بنسيئة، ولا أن تدفع بعض القيمة ويبقى عليك بعضها، بل لابد من دفع القيمة كلها نقدا قبل مغادرة المجلس. ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس عند استبدال الذهب القديم بجديد أنهم يبيعون القديم ولا يقبضون ثمنه، ثم يشترون الجديد ويدفعون الفرق، وهذا داخل في ربا الفضل، والصحيح أن تبيع ما معك وتقبض ثمنه، ثم تشتري الجديد وتدفع ثمنه.
فاعتبروا يا أولي الأبصار وخذوا حذركم، وتفقهوا في دينكم، فإنه ((من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين)). ... ... ...
================
أشر ما دخل جوف ابن آدم الربا
موسوعة الدين النصيحة 1-5 - (ج 1 / ص 222)
فأقول بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله إن من ترك صلاة مكتوبة واحدة حتى يخرج وقتها وهو قادر على أدائها كفر كفراً مُخرجاً عن الملة الإسلامية في أرجح قولي العلماء، وأجمعت الأمة على قتله إلاَّ قليلاً منهم إذا جيء به إلى الحاكم أو من ينوب عنه وذُكِّرَ بخطورة ترك الصلاة فأبى عن أداء صلاة واحدة حتى خرج وقتها.
ممن روي عنه كفر تارك الصلاة كسلاً من الصحابة: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبي الدرداء رضي الله عنهم، وقال عمر: "لا حظَّ في الإسلام لمن ضيع الصلاة"، وقال عبد الله بن شقيق وهو من كبارالتابعين: "لم يجمع الصحابة على أن ترك شيء من الأعمال كفر سوى الصلاة".
وممن قال يكفر تارك الصلاة كسلاًمن التابعين ومن بعدهم إبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، واستدل هؤلاء من القرآن بالآتي:" أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غِيَّاً"، "وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين"، "إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة".
قيل لإبن مسعود رضي الله عنه إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن" الذين هم على صلاتهم دائمون"، " والذين هم على صلاتهم يحافظون"، " فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون"، فقال عبد الله: على مواقيتها. فقال له قائل: ما كنا نرى إلاَّ أن نترك. فقال عبد الله: تركها كفر.
ومن الأحاديث الصحيحة الصريحة بالآتي:
1. "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" وفي رواية" وبين الشرك ترك الصلاة".
2. "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
3. "نهيت عن قتل المصلين".
4. "من ترك صلاة العصر متعمداً فقد حبط عمله".
5. "ما منعك أن تصلي مع الناس الست برجل مسلم".
قال ابن عبد البر معلقاً وشارحاً للحديث السابق: (وفي هذا والله اعلم أن من لا يصلي ليس بمسلم وإن كان موحداً).
ولهذا فإن حكم تارك الصلاة في الدنيا:
1. لا يزوج بمسلمة وإن كان متزوجاً بمسلمة فرِّق بينهما.
2. لايسلم عليه، ولايزار، ولايعاد، ولايؤاكل، ولايسكن معه، ولاتجاب دعوته زجراً له ولأمثاله.
3. ليس له ولاية على بناته وحريمه.
4. إن كان يصلي ثم تركها حبطت أعماله السابقة كلها من صلاة، وزكاة، وحج، فإذا عاود الصلاة عليه حجة الإسلام، وإخراج الزكاة.
5. مهدر الدم، والمال، والعرض.
6. لا يغسل إذا مات، ولا يكفن، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أهله في أرجح قولي أهل العلم.
أما في الآخرة: فمصيره إلى سواء الجحيم: "قالوا لم نَكُ من المصلين"، هل يعلم تارك الصلاة أن أسوته من الخلق إبليس وخلفائه من كل خبيث: "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاَّ إبليس".
قال إسحاق بن راهويه: (فمن لم يجعل تارك الصلاة كافراً، فقد ناقض، وخالف أصل قوله وقول غيره، قال: ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة التي أُمِرَ بسجودها، قال: وكذلك تارك الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها كافر إذا أبى قضاءها).
وهل يعلم أن الله غني عن صلاته وصلاة غيره: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه".
وهل يعلم تارك الصلاة أن نزلاءه ورفقاءه في سقر هامان، وقارون، وفرعون، وأبَيُّ بن خلف، وغيرهم من أئمة الكفر والضلال؟
قال أحمد بن حنبل: لا يكفر أحد بذنب إلاَّ تارك الصلاة عمداً.
وقال إسحاق بن راهويه: وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها. قال إسحاق: وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر.
ألا يعلم تارك الصلاة أن الموت آت وكل آت قريب وأنه قد يموت الآن؟ أما آن لتارك الصلاة أن يُحاسِب نفسه قبل أن يُحاسَب، وأن يتوب إلى الله قبل أن يحال بينه وبين ذلك؟(2/126)