تأليف
د . عبد الحميد محمود البعلي
أستاذ الفقه المقارن والاقتصاد الإسلامي
المستشار باللجنة الاستشارية العليا للعمل
على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية
الديوان الأميري - الكويت
أدوات الاستثمار
في المصارف الإسلامية
الموضوع ... الصفحة
تمهيد : ... 10
أولاً : ... دور البنك الإسلامي للتنمية والأكاديمية العربية ... 10
ثانياً : ... العولمة الأوروبية والأمريكية والعالمية الإسلامية ... 11
ثالثاً : ... التحدي الأكبر للعالمية الإسلامية ... 13
رابعاً : ... تاريخ المصرفية الإسلامية يرجع إلى العصر الأول ... 17
خامساً : ... واجب استثمار المال في ذاته شرعاً ... 18
الفصل الأول : حزمة البيوع :
المبحث الأول : البيع بصفة عامة : ... 29
البيع في اللغة ... 29
البيع في اصطلاح الفقهاء ... 29
الحكم التكليفي ... 30
أهم الفروق الجوهرية بين البيع والقرض ... 31
أقسام البيع الجائز ... 32
أولاً : ... باعتبار المبيع ... 32
ثانياً : ... باعتبار طريقة تحديد الثمن ... 33
ثالثاً : ... باعتبار كيفية آداء الثمن ... 34
* أركان البيع وشروطه : ... 36
أولاً : ... الصيغة وشروطها ... 36
ثانياً : ... المبيع وشروطه ... 37
أن يكون موجوداً ... 37
أن يكون مالاً ... 37
أن يكون مملوكاً للبائع ... 38
أن يكون مقدور التسليم ... 38
أن يكون معلوماً للعاقدين : ... 38
أ _ تعيين المبيع . ... 38
ب – شمول المبيع لتوابعه وضابط الاستثناء منه ... 39
ج – حضور المبيع وغيابه ... 41
ثالثاً : ... الثمن وأحكامه ... 42
تعريف الثمن ... 42
الثمن والقيمة ... 42
هلاك المبيع أو الثمن المعين كلياً أو جزئياً قبل التسليم ... 44
* الشروط في البيع ... 47
- مذهب الحنفية ... 47
- مذهب المالكية ... 49
- مذهب الشافعية ... 51
- مذهب الحنابلة ... 54
* الآثار المترتبة على البيع : ... 57
أولاً ... انتقال الملك في البدلين ... 57
ثانياً ... نفاذ تصرفات البائع والمشتري وقيودها الفقهية ... 57
ثالثاً ... حق التقدم على المبيع ... 64
رابعاً ... آداء الثمن ... 64
خامساً ... التسليم للمبيع وتوابعه ... 64
المبحث الثاني : حزمة بيوع الأمانة
* حزمة بيوع الأمانة ... 65
تمهيد ... 65
الأمانة لغة ... 65(1/1)
الأمانة في الاصطلاح ... 65
أنواع بيوع الأمانة ... 65
* بيع المرابحة ... 68
المقصود بالمرابحة ... 68
شروط صحة المرابحة ... 70
الخلاصة ... 73
ما يضاف إلى رأس مال المرابحة : ... 73
- عند الحنفية ... 73
- عند المالكية ... 74
- عند الشافعية ... 75
- عند الحنابلة ... 75
* ما يجب على البائع مرابحة بيانه وجزاء المخالفة فيه ... 75
1 – عيوب المبيع ... 76
2 – الشراء بالأجل ... 76
3 – البيع بالترقيم ... 76
4 – تكرار التعاقد على السلعة ... 77
5 – تقسيم الصفقة ... 77
* الخيانة في المرابحة ... 78
1 - الخيانة في صفة الثمن ... 79
2 - الخيانة في قدر الثمن ... 79
* بيع المرابحة للآمر بالشراء ... 80
1 – في كتاب الحيل للإمام محمد بن الحسن الشيباني ... 81
2 – في كتاب الأم للإمام الشافعي ... 82
3 – الإمام الخليل ... 82
4 – ما جاز في إعلام الموقعين لابن القيم الجوزية ... 82
5 – صورة للمرابحة للآمر بالشراء اجتمعت فيها الكثير من المخالفات الشرعية ... 83
* كيفية بيع المرابحة للآمر بالشراء ... 84
* الوعد في المرابحة للآمر بالشراء ... 85
- تعريف الوعد ... 85
- الوفاء بالوعد ولزومه ... 85
- أقوال الفقهاء قديماً ... 86
- اتجاهات العلماء المعاصرين في المسألة ... 90
* بيع المرابحة للآمر بالشراء ونظام الاعتمادات المستندية ... 93
أولاً : ... تطور التجارة الدولية وظهور الاعتماد المستندي ... 94
ثانياً : ... المقصود بالاعتماد المستندي ... 95
ثالثاً : ... خصائص نظام الاعتماد المستندي ... 96
رابعاً : ... الاعتماد البسيط ... 101
خلاصة وتعقيب ... 102
* دور البنك الإسلامي في نظام المرابحة للآمر بالشراء والاعتماد المستندي ... 104
* الضوابط الشرعية لبيع المرابحة للآمر بالشراء بواسطة الاعتماد المستندي غير المغطي ... 107
*الفروق الرئيسية بين البيع بالمرابحة والتمويل بالقروض بفائدة ... 108
المبحث الثالث : السلم ... 110
* السلم في لغة العرب ... 110
* السلم في اصطلاح الفقهاء ... 110
* مشروعية السلم ... 111
* أركان السلم وشروط صحته ... 113
* شروط محل عقد السلم ... 115
1 – شروط ترجع إلى البدلين معاً ... 115(1/2)
2 – شروط رأس مال السلم ... 116
3 – شروط المسلم فيه ... 118
4 – شرط الأجل ... 123
5 – المسلم فيه ... 123
6 – مكان الإيفاء ... 123
* ما يترتب على السلم من أحكام ... 124
1 – انتقال الملك في العوضين ... 124
2 – إيفاء المسلم فيه وتعذره عند حلول أجله ... 126
3 – توثيق الدين المسلم فيه ... 127
* قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة ... 128
* السلم الموازي ... 131
المبحث الرابع : الاستصناع ... 135
تمهيد : ... 135
* الاستصناع في اللغة ... 135
* في اصطلاح الفقهاء ... 135
* الاستصناع عقد مستقل له شبه بالبيع والسلم والإجارة ... 137
* مشروعية الاستصناع ... 141
* شروط صحة عقد الاستصناع عند الحنفية : ... 143
1 – أن يكون المصنوع معلوماً ... 143
2 – أن يكون المصنوع مما يجري التعامل فيه ... 143
3 – الأجل في عقد الاستصناع ... 144
* حكم عقد الاستصناع وصفته ... 145
* الاستصناع الموازي ... 146
الفصل الثاني : حزمة المشاركات ... 147
المبحث الأول : الشركة والمشاركات في الفقه الإسلامي ... 147
- معنى المشاركات في اللغة ... 147
- المشاركات عند الفقهاء ... 147
- ما قيل في معنى المشاركة في كتابات المعاصرين ... 148
- التعريف الذي نراه ... 149
* الأعمال المدنية وتصنيف الشركات ... 150
المبحث الثاني : مبادئ النظرية المعيارية للشركات في الفقه الإسلامي ... 153
تمهيد : ... 153
أولاً : ... ارتباط المعاملات بالعقيدة والعبادات والأخلاق ... 154
ثانياً : ... المشاركات والمقصود بها ... 155
ثالثاً : ... الصعوبات العملية في التفريق بين الأعمال المدنية والتجارية ... 156
رابعاً : ... الذمة والشخصية المعنوية : ... 157
1 – في القانون ... 157
2 – في الفقه الإسلامي ... 158
3 – آثار الشخصية المعنوية ... 160
4 – المسلك الموضوعي للفقه الإسلامي ... 161
خامساً : ... مشروعية الشركة ودورها في بناء النموذج : ... 162
1 – الشركة عموماً في اللغة ... 162
2 – مشروعية الشركة ... 162
3 – الشركة في القانون ... 165
سادساً : ... المعايير المستفادة من أقسام وأنواع الشركات في الفقه الإسلامي ... 166(1/3)
سابعاً : ... المعايير المستنبطة من الشروط والأركان : ... 171
أ – من ناحية الأركان ... 171
1 – الصيغة المركبة ... 171
2 – المحل وتنوعه ... 172
3 – الغرض وقاعدته ... 172
ب – من ناحية الشروط : ... 172
1 – من حيث الشروط العامة عند الحنفية ... 172
2 – من حيث الشروط الخاصة ... 173
ج – فيما يتعلق بأركان وشروط الشركة في القانون ... 173
خلاصة : ... 174
المبحث الثالث : أقسام الشركات وأنواعها في الفقه ... 174
تمهيد : ... 174
أولاً : ... أقسام الشركات وأنواعها عند الحنفية ... 175
أ – شركة الملك وأنواعها ... 175
ب – شركة العقد وأنواعها وأنماطها من المفاوضة والعنان ... 178
ج – المضاربة ... 183
د – شركة الإباحة ... 184
ثانياً : ... أقسام الشركات وأنواعها عند المالكية ... 185
ثالثاً : ... أقسام الشركات وأنواعها عند الشافعية ... 187
رابعاً : ... أقسام الشركات وأنواعها عند الحنابلة ... 187
المبحث الرابع : أركان شركة العقد وشروطها في الفقه ... 190
أولاً : ... أركان الشركة عند الحنفية وعند جمهور الفقهاء ... 190
1 – الإيجاب والقبول ( الصيغة والأهلية ) ... 191
2 – المحل ... 194
3 – الغرض ( السبب ) ... 194
ثانياً : ... شروط الشركة ... 195
أ – الشروط التي تتعلق بالشركات عموماً ... 196
ب – الشروط الخاصة بأنواع شركة العقد في الفقه الإسلامي ... 197
أولاً : ... شركة الأموال ... 197
أ – الشروط الخاصة بشركة المفاوضة ... 199
ب – الشروط الخاصة بشركة العنان ... 200
ثانياً : ... شركة الأعمال ... 201
ثالثا : ... شركة الوجوه ... 201
المبحث الخامس : آراء الفقهاء في أنواع الشركات القانونية مع الترجيح ... 202
أولاً : ... شركة التضامن ... 202
ثانياً : ... شركة التوصية البسيطة ... 204
ثالثاً : ... شركة المحاصة ... 205
رابعاً : ... شركة المساهمة والأسهم ... 206
1 – المجيزون وقيودهم ... 206
2 – المحرمون وحججهم مع الترجيح ... 208
خامساً : ... شركة التوصية بالأسهم ... 216
سادساً : ... الشركة ذات المسئولية المحدودة ... 217
المبحث السادس : المشاركة المنتهية بالتمليك ( المتناقصة ) ... 218
* المقصود بها ... 218
* ما نراه بشأن هذا النوع من التعامل ... 219(1/4)
الفصل الثالث : الإجارة ... 224
تمهيد : ... 224
المبحث الأول : تعريف الإجارة وبيان خصائصها ... 225
1 – الإجارة في اللغة ... 225
2 – تعريف الإجارة في المذاهب الفقهية ... 226
3 – تعريف الإجارة في القوانين المدنية المأخوذة من الشريعة الإسلامية ... 227
4 – خصائص عقد الإجارة ... 228
المبحث الثاني : دليل مشروعية الإجارة وحكمها ... 230
1 – مشروعية الإجارة ... 230
2 – أدلة مشروعية الإجارة ... 230
3 – صفة الإجارة وحكمها ... 232
المبحث الثالث : أركان عقد الإجارة وشروطها ... 233
1 – أركان عقد الإجارة ... 233
الركن في اصطلاح الفقهاء ... 233
- عند الحنفية ... 233
- عند لجمهور ... 233
أولاً : ... الصيغة ... 234
ثانياً : ... العاقدان ... 237
ثالثا : ... محل الإجارة : ... 238
- منفعة العين المؤجرة ... 238
- شروط انعقاد الإجارة على المنفعة ... 239
- الأجرة ... 241
* الإخلال بشرط من شروط الإجارة ... 242
* التزامات المستأجر ... 244
* وقت تملك المنفعة وتملك الإجارة ... 245
* تأجير المستأجر العين لآخر ... 246
رابعاً : ... التأجير التمويلي والاستثماري ... 246
- المؤجرون في هذه المعاملة ... 248
- تحليلنا لهذه العملية ... 249
أولاً : عقد الإجارة هو العقد الرئيسي ... 249
ثانياً : العقود السابقة على عقد التأجير التمويلي ... 250
ثالثاً : العقود اللاحقة على عقد التأجير التمويلي ... 253
رابعاً : قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التأجير المنتهي بالتمليك ... 257
الفصل الرابع : حزمة الخدمات المصرفية ... 261
- تقسيم ... 261
- أقسام الخدمات المصرفية الرئيسة ... 262
- أنواع الخدمات المصرفية في البنك التقليدي ... 262
- خطابات الضمان ... 264
أولاً : تعريفها كما تحصل في الممارسة ... 264
ثانياً : أنواع خطابات الضمان ... 264
ثالثاً : رأي هيئات الرقابة الشرعية ... 266
رابعاً : رأينا في المسألة ... 268
خامساً : قرار مجمع الفقه الإسلامي ... 282
الفصل الخامس : صناديق الاستثمار ... 284
المبحث الأول : صناديق / محافظ الاستثمار ... 284
المبحث الثاني : عقد المضاربة هو الأساس المنظم لصناديق الاستثمار ... 285(1/5)
أحكام عقد المضاربة الشرعية ... 285
أهم الفروق الجوهرية بين الاقتصاد الإسلامي والوضعي ... 310
أهم الفروق الجوهرية بين البنك التقليدي والبنك الإسلامي ... 314
سعر الفائدة والمضاربة والمشاركة ... 319
ثانياً : ... : العولمة الأوروبية والأمريكية والعالمية الإسلامية :
العولمة لغة : تعميم شيء ما وتوسيع دائرة انتشاره ليشمل العالم كله .
وفي معجم ويبستوز :
" إكساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالمياً .
وفي المجال الاقتصادي :
إزالة الحواجز والحدود أمام حركة التجارة وإتاحة الحرية الكاملة لتنقل السلع ورؤوس الأموال (1) والحث على الانخراط في المنظمات الدولية التي تقف وراء وحدة السوق كالجات ومنظمة التجارة العالمية والمؤتمرات الدولية التي تقف وراء عولمة الفكر والثقافة والقيم كمؤتمر البيئة ومؤتمر السكان ومؤتمر المرأة ويقف وراء ذلك كله الشركات المتعددة الجنسيات .
أما العالمية :
فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصي إلى مستوى عالمي .
{ 1 } ... في التعددية الحضارية :
يقول الله تعالى :
" ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " . الروم /22 .
{ 2 } ... وفي التعاون والتعارف الحضاري :
يقول الله تعالى :
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن لله عليم خبير " الحجرات /13 .
{ 3 } ... وفي عالمية الرسالة والرسول :
يقول الله تعالى :
" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء /107 .
إذاً العالمية تدعو إلى التعاون لكي يتكامل الناس ولكي يتنافسوا في الخير ، وتقاسم الطيبات حتى يكون العالم كله سوقاً للعمل وسوقاً للإنتاج ومجالاً للتبادل والتداول .
أما العولمة في أصلها :
__________
(1) ... ادريس الكبنوري كاتب مغربي - المجتمع عدد 1414 في 12/8/2000 م .(1/6)
فتقوم على الهيمنة التقنية وفي سبيل ذلك أي هذه الهيمنة تنشأ هيمنة أخرى في السياسة والاجتماع والثقافة والفكر وكذلك تمهيد الطريق أمام الهيمنة التقنية التي هي جوهر الاقتصاد العالمي اليوم .
العولمة والإغواء الاقتصادي :
أي إغواء الدول المتواضعة تقنياً وعلمياً واقتصادياً بمشاركة العمالقة في مشاريع عابرة للقارات وفتح الأسواق لها (1) .
ثالثاً : ... التحدي الأكبر للعالمية الإسلامية :
يتمثل التحدي الأكبر للعالمية الإسلامية في كيفية استيعاب العولمة الأمريكية والأوربية باستخدام نفس أدواتها التقنية والاتصالية الإعلامية كما استوعبت من قبل الحضارة الإسلامية الحضارتين الفارسية والرومانية وصبغتها بصبغتها الشرعية .
ونعتقد أن شيئاً من ذلك ممكن باستنهاض ثقافتنا الإسلامية المتميزة في كافة المجالات وتوظيف قدرتنا وتوحيد جهودنا وتبادل خبراتنا فالعالمية لا تعني الزوبان بل الإسهام من موقع فعلي انطلاقاً من هُوية راسخة واضحة المعالم تقبل الاختلاف .
إن أعظم إنجاز حققه الفكر الشرعي الإسلامي في القرن العشرين هو :
المصرفية الإسلامية والمصارف الشاملة :
وما تقوم عليه من آلية متميزة للعمل المصرفي ( المالي والاستثماري ) .
تتبنى فيه برنامج الإصلاح الاقتصادي اليوسفي وما يقوم عليه من ركائز أربعة هي :
أولاً : ... ... تحفيز الإنتاج لقوله تعالى : " تزرعون سبع سنين دأباً " .
ثانياً : ... ... تشجيع الادخار لقوله تعالى : " فذروه في سنبلة " .
ثالثاً : ... ... ترشيد الاستهلاك لقوله تعالى : " إلا قليلاً مما تأكلون " .
رابعاً : ... ... المدة الزمنية اللازمة والكافية .
وهذا البرنامج الإصلاحي المِكرو (MECRO ECONOMIC ) يعمل في إطار الخطة الإصلاحية الهيكلية الماكرو (MACRO ECNOMIC ) والتي تقوم على المرتكزات الأساسية التالية :
__________
(1) ... د . سيد دسوقي حسن أستاذ بجامعة لقاهرة – المجتمع عدد 1359 20/7/1999 م .(1/7)
أولاً : ... تصحيح وظيفة النقود : إذ النقود رؤوس أموال يتّجر بها لا فيها .
ثانياً : ... تعدد قاعدة الملكية وتنوعها على ضوء الحاجة العملية والمصلحة الاقتصادية .
ثالثاً : ... تبني القيم الإسلامية في المجال الاقتصادي والمالي والمصرفي أي قيم الاقتصاد الإسلامي وتعظيم العنصر البشرى والجانب الاجتماعي .
رابعاً : ... تفعيل آلية العمل المصرفي وأخلاقياته الشرعية وما تقوم عليه من :
{ 1 } ... مبدأ الخراج بالضمان .
{ 2 } ... قاعدة الغرم بالغنم .
{ 3 } ... مباشرة التجارة والاستثمار من خلال الاتجار بالنقود لا الاتجار فيها ومن ثم تبنى القاعدة الإنتاجية لا الإقراضية .
فهي مؤسسات مالية مصرفية تحسن إنفاق المال على وجوهه الصحيحة كما أمر صاحب الشرع في قوله تعالى :
" آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " الحديد /7 .
فالإنفاق في المنهج الإسلامي يتنوع إلى ثلاثة أنواع هي :
{ أ } ... الإنفاق الإنتاجي : يقول تعالى : بعد آيات الربا وآية التداين .
" يا أيها الذين أمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خّلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون " البقرة /254 .
{ ب } ... الإنفاق الاستثماري :
فالاستثمار في اللغة : من ثمر وثمّر الشيء : إذا تولد منه شيء آخر (1) وثمّر الرجل ما له أحسن القيام عليه ونمّاه ، وثَمَرُ الشيء : هو ما يتولد منه وعلى هذا فإن الاستثمار هو : طلب الحصول على الثمرة والفقهاء يستعملون هذا اللفظ بهذا المعنى أيضاً (2) .
يقول الله تعالى :
" مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حّبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم " البقرة /261 .
{ ج } ... الإنفاق التصدقي بشقيه الفريضة والتطوعي :
يقول الله تعالي :
__________
(1) ... مقاييس اللغة – لسان العرب – المصباح .
(2) ... الموسوعة الفقهية الكويتية ح 3 ص 182 .(1/8)
" وآتي المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وآتى الزكاة 000 " . البقرة /176 .
وعلى هذا النحو وفي هذا الإطار استطاعت المصرفية الإسلامية ومؤسساتها المالية والاستثمارية أن تقدم أسلوباً عملياً في حل " إشكالية المال " في المنهج الإسلامي " وتردده بين " الخيرية والفتنة والابتلاء " وتنجح في الابتلاء إلى حد كبير أصبح مثال الفخر والاقتداء .
{ 1 } ... المال خير :
يقول الله تعالى :
" إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين " البقرة /180 .
" وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون " البقرة /272 .
{ 2 } ... المال فتنة :
يقول الله تعالى :
" واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم "الأنفال/28.
" إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ، فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ، إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم ولله شكور حليم " التغابن 15 – 17 .
{ 3 } ... الابتلاء :
يقول الله تعالى :
" ونبلُوكُم بالشرَّ والخير فتنةً وإلينا ترجعون " الأنبياء /35 .
إذن كيف نحقق خير وخيرية المال ونتّقي فتنته وننجح في الابتلاء ؟ .
رابعاً : ... تاريخ المصرفية الإسلامية يرجع إلى العصر الأول :
? يرجع تاريخها إلى زمن وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعده فالمغيرة بن شعبة والحصين بن نمّير كانا يكتبان " المداينات والمعاملات " للنبي صلى الله عليه وسلم (1) .
? كان البراء بن عازب وزيد بن أرقم يقولان : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف وكنّا تاجرين فقال : " إن كان يد بيد فلا بأس ولا يصلح نسيئة " (2) .
__________
(1) ... صبح الأعشى .
(2) ... أساس البلاغة للزمخشري – لسان العرب .(1/9)
? جعل عمر رضي الله عنه على بيت المال زيد بن أرقم (1) .
? وطبيعة بيت المال مؤسسة مالية مصرفية في ضوء ما تحمله من خصائص وأهداف ووظائف وأدوات .
? وعرفت الأدوات المالية غير النقود :
? كالسفتجة ، والصك والبراءة ، والمقاصة (2) الرقاع – الحوالة .
? كما عرفت النشاطات الائتمانية :
? فكان لنشاط الصيارفة أثر واضح في ازدهار الأعمال التجارية وتنشيط الأنشطة الائتمانية ، واستخدموا السفاتج والصكوك والرقاع واشتهر تجار مكة بإقامة الشركات على نطاق واسع مع تجار من الطائف والحيرة ومدن اليمن ويذكر أنه :
? كان لأبي سفيان تجارته وقوافله ومشاركاته مع قوافل قريش الأخرى ، وكان للعباس مال لدى التجار ، وللحجاج بن علاط السلمي مال متفرق في تجار أهل مكة .
? يروي أن ابن عباس ( رضي الله عنه ) كان يأخذ الوَرِق ( الفضة المضروبة دراهم ) بمكة على أن يكتب بها إلى الكوفة .
وكان عبد الله بن الزبير يأخذ من قوم دراهم بمكة ثم يكتب لهم إلى أخيه مصعب بالعراق فيأخذونها منه .
خامساً : واجب استثمار المال في ذاته شرعاً وما يتطلبه من نموذج
أمثل للمصارف :
الحكم التكليفي للاستثمار :
__________
(1) ... مآثر الأنافة للقلقشندي 1/89 .
(2) ... أقرأ مفاتيح العلوم للخوارزمي - أوراق البردي العربية حسن إبراهيم – التنظيم المحاسبي للأموال العامة – محمود المرسي لاشين .(1/10)
معنى الاستثمار لا بد من أن ينطلق من مقصد حفظ المال في الشريعة الإسلامية وحفظ المال يعني ناحيتين : من ناحية العدم بعدم التأثير عليه سلباً بالإتلاف والضياع والإهلاك ، بما يعني ضرورة بقائه ، ومن ناحية الوجود بتنميته وزيادته ونموه أي تثميره وهذا وذاك بما يعني حفظ المال ومن ثم العمل على استثماره ، ولكن في إطار هذا الاستثمار تتعدد الأدوات والوسائل والصيغ والسبل من بيع إلى إجارة إلى تجارة وجماع ذلك التجارة بما تعنيه من تقليب المال بالبيع والشراء : وتقليب المال يعني كل وسيلة تؤدي إلى تحريكه ولو في ذاته دون زيادة .
وهنا يمكن أن تدخل جميع الصيغ دون استثناء ، أما تقليبه بالبيع وهو يتضمن الشراء أيضاً فيشتمل على كل صور البيع من البيع المطلق إلى بيع التولية إلى الوضيعة إلى المساومة إلى المرابحة إلى السلم إلى الاستصناع إلى الإجارة إلى الاشتراك .
فالأصل الوجوب في استثمار المال في ذاته ولكن الصيغ والأدوات السبل ففيها الإباحة والندب حسب الظروف والأحوال والبيئات والأزمان والأعراف والعادات .
فالاستثمار أصل لما سواه من الصيغ والأدوات الاستثمارية من البيع والتجارة والإجارة أي المعاملات ، فإذا كان المعاملات لم يقل أحد من الفقهاء بوجوبها كأدوات كل أداة على حدة فقد يكون الاستثمار تخييراً في البيع أو التجارة أو الإجارة ولكن الأصل مأمور به وواجب حيث هو تنمية المال أصلاً وجوباً بأي أداة كانت على التخيير .
وإليك طائفة من أقوال الأئمة في هذا الشأن :
{ 1 } ... يقول الإمام الآمدى في الإحكام (1) :
- ... وأما بالنظر إلى المال فلهذا المعنى أيضاً فإنه لم يكن بقاؤه مطلوباً
لعينه وذاته بل لأجل بقاء النفس مرفّهة منعّمة حتى تأتي بوظائف التكاليف وأعباء العبادات .
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
ويقول :
__________
(1) ... 4/288 وح 1/141 وما بعدها ط دار الكتاب العربي .(1/11)
الواجب على العين والواجب على الكفاية لا فرق بينهما من الوجوب لشمول حد الواجب لهما .
الواجب المخّير يتعين بفعل المكلف وقيل بوجوب الجميع على التخيير .
والواجب ما لا يجوز تركة مع القدرة عليه .
المندوب : فعله خير من تركه ، مما يمدح فاعلة ولا يذم تاركه .
فالواجب أن يقال " هو المطلوب فعله شرعاً " .
{ 2 } ... ويقول أبو جعفر الدمشقي في الإشارة إلى محاسن التجارة (1) :
لا مال لأخرق ، وإن حق المال الإنفاق ما يرجو صاحبه من سرعة الخلف في إنفاقه .
{ 3 } ... ويقول محمد بن الحسن الشيباني (2) :
المذهب عند جمهور الفقهاء رحمهم الله من أهل السنة والجماعة أن الكسب بقدر ما لابد منه فريضة .
{ 4 } ... ويقول أبو بكر الخلال في الحث على التجارة والصناعة والعمل (3) :
كما قائل القائل :
" إلزم السوق تصل به الرحم وتعود به على عيالك "
إلزم سوقك فإن فيه غنى عن الناس وصلاحاً في الدين .
كان اسحا بن يسار يمر بالبزازين فيقول :
الزموا تجارتكم فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزاراً (4) .
وفي حديثه صلى الله عليه وسلم :
" لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " (5) .
قال سفيان الثوري " المال في هذا الزمان سلاح " (6) .
وقال : " كان المال فيما مضى يُكره فأما اليوم فهو ترس المؤمن " .
ويقول الله تعالى :
" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون " (7) .
__________
(1) ... ص 93 بند 149 وص 95 بند 153 .
(2) ... الاكتساب ص 27 – 29 ط دار الكتب العلمية بيروت .
(3) ... ص 25 وما بعدها .
(4) ... رواه أبو نعيم في الحلية 9/63 وإسناده صحيح .
(5) ... رواه البخاري في مواضع من صحيحه (الجنائز والوصايا والنفقات) ومسلم في الوصية من صحيحه.
(6) ... الحث على التجارة ص 50 .
(7) ... الجمعة /10 .(1/12)
وقال في الحث على التجارة (1) أخبرنا أبو بكر المروزي قال : سمعت أبا جعفر الخراساني حدثنا أبو صالح قال : سمعت يوسف بن أسباط يقول "لشعيب بن حرب : أشعرت أن طلب الحلال فريضة : قال نعم " .
" وابتغوا من فضل الله " فلابد من طلب المعيشة (2) .
" فابتغوا عند الله الرزق " العنكبوت /17 .
كان أسود بن سالم يقول " اشتر وبع لو برأس المال " .
- ... والآيات كثيرة في إقامة أمر الدين بالجهاد وعمارة الأرض وذلك لا يكون إلا بالمال ثم هو كذلك عون للمرء على دينه فيتصدق ويتعبد (3) .
- ... عن سعيد بن المسّيب قل : لا خير فيمن لا يطلب المال يقضي به دينه ويصون به عرضه ويقضي به زمانه وإن مات تركة ميراثاً لم بعده " .
" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" قال مجاهد من التجارة (4) .
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها " (5) .
... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " .. ما جعلنا المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " (6) .
{ 5 } ... يقول الإمام الشاطبي في الموافقات (7) :
تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام :
ضرورية ... ... وحاجية ... ... وتحسينية
? فأما الضرورية : فمعناها أنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، والحفظ لها يكون بأمرين :
? مراعاتها من جانب الوجود .
__________
(1) ... ص 53 من الحث على التجارة .
(2) ... ص 56 من الحث على التجارة .
(3) ... الحث على التجارة ص 73 .
(4) ... الحث على التجارة ص 107 .
(5) ... الحث على التجارة ص 116 أخرجه أحمد في مسنده بلفظ " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل " ح 3 ص 191 ، 184 .
(6) ... مسند أحمد 3/55 – الحث على التجارة والصناعة للخلال ص 74 .
(7) ... الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي ح 2 ص 8 ط دار المعرفة بيروت .(1/13)
? مراعاتها من جانب العدم .
والعادات : راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبه ذلك.
والمعاملات : راجعة ( أي بالمقدار الذي يتوقف عليه حفظ النفس والمال فهي بهذا المقدار من الضروري وهذا هو الذي عناه الآمدى بجعل المعاملات من الضروري ، أما مطلق البيع مثلاً فليس من الضروري بل من الحاجى خلافاً لإمام الحرمين) إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود ، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً لكن بواسطة العادات .
? والمعاملات ما كان راجعاً إلى مصلحة إنسان مع غيره كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع .
ومجموعة الضروريات خمسة ، فهي أصول الدين وقواعد الشريعة
وكلّيات الله .
ويقول رحمه الله فأصل البيع ضروري ومنع الغرر والجهالة مكمل فلو اشترط نفى الغرر جملة لا نحسم باب البيع وكذلك الإجارة ضرورية أو حاجيه واشتراط حضور العوضين في المعاوضات من باب التكميلات ، ولما كان ذلك ممكناً في بيع الأعيان من غير عسر منع من بيع المعدوم إلا في السلم .
وقد تقرر في كتاب الأحكام أن المندوب إليه بالجزء ينتهض أن يصير واجباً بالكل (1) ، فإذا ثبتت قاعدة كلية في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات فلا ترفعها آحاد الجزئيات 00 فالجزئيات مقصودة معتبرة في إقامة الكلى أن لا يتخلف الكلى فتتخلف مصلحته المقصودة بالتشريع .
... ونخلص إلى أن المنهجية الشرعية للاستثمار تجد مستندها فيما قاله أعلام الفقه الإسلامي على نحو ما سبق .
- ... وحيث يقول الإمام الشاطبي (2) :
اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة
على الضروريات الخمس – والتي منها حفظ المال (3) – وعلمها عند
__________
(1) ... المرجع السابق ص 23 ، 61 .
(2) ... الموافقات في أصول الشريعة 1/38 دار المعرفة بيروت .
(3) ... ولا شك أن الاستثمار من أساسيات وأوليات حفظ المال .(1/14)
الأمة كالضروري .
ويقول :
... والحفظ لها يكون بأمرين (1) :
أحدهما : ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود – أي بفعل ما به قيامها وثباتها .
والثاني : ما يدراً عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب اعدم – أي ترك ما به تنعدم .
ومفاد ذلك الذي قاله الشاطبي ومؤاده ونتيجته فيما يتعلق بموضوعنا هو :
أن الضوابط الشرعية للاستثمار باعتبار أنها تهدف إلى تحقيق مقصد الشرع في حفظ المال وهو مقصد ضروري فإنه يتعين أن تشتمل على
ما يؤدي إلى ذلك الحفظ أي حفظ المال المستثمر من جانبين :
{ 1 } ... جانب ما يتطلب تركه وتجنبه درءاً للاختلال الواقع أو المتوقع ويدخل فيه كل ما هو منهي عنه شرعاً من المحذورات الشرعية .
{ 2 } ... جانب ما يطلب فعله مما يقيم أركانه ( المال المستثمر ) ويثبت
قواعده وينميه .
... وهنا نقول إنهما – الجانبين – متلازمان لسلامة العملية الاستثمارية برمتها ومن ثم تحقيق مقصد الشرع في حفظ المال كمقصد ضروري ، فلا يقتصر الأمر في شأن هذه الضوابط على درء ومنع الاختلال بل أيضاً كل ما يجب عمله والأخذ به من فنون الاستثمار المعاصرة ، فلا يهلك المال المستثمر فقط بل يجب تثميره وتنميته أيضاً ، وهو معنى قول الشاطبي حفظها من ناحيتي الوجود والعدم .
بل إنني أؤكد على أن استيعاب الضوابط الشريعة لستثمار لما يجب فعله وليس فقط ما يطلب تركه وهو يحقق " مصلحة المال المستثمر " .
وفي هذا إلمام يقول سلطان العلماء وقاضي مصر الشهير العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى (2) :
__________
(1) ... الموافقات ح 2 ص 8 مرجع سابق .
(2) ... قواعد الأحكام ح 1 /5 ، 6 ح 2 /189 .(1/15)
ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه المصلحة لا يجوز إهمالها وأن هذه المفسدة لا يجوز قربانها وإن لم يكن فيه إجماع ولا نص ولا قياس خاص فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك .
ويقول :
لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن ، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود
حسن ، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود
حسن واتفق الحكماء على ذلك وكذلك الشرائع وعلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال 0000.
وتوغل رحمه الله أكثر في المسألة التي تهمنا هنا – وهي ما يمكن أن نسميه مصلحة الاستثمار الإيجابية أو حقوق الاستثمار وليس فقط مصلحته بدرء المفاسد عنه – فرتّب المصالح رتباً وقال (1) :
المصالح ضربان :
- الفاضل والأفضل والمتوسط بينهما .
- المندوب والواجب والمباح .
ونزيد الأمر تأكيداً على اشتمال " الضوابط الشرعية للاستثمار " للمطلوب فعله وما ينبغي أن يكون ، وليس فقط للمطلوب تركه من المفاسد ، بما قاله لعلامة ابن القيم (2) من " أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي وذلك من وجوه عديدة .
ونخلص مما تقدم إلى أن المنهجية الشرعية لدراسة الضوابط الشريعة للاستثمار وفق أصول الشرع تعتمد على جانبين :
- ... درء المفاسد عن الاستثمار وبيان محذوراته الشرعية .
- جلب المصالح للاستثمار وعليه تدخل وجوه السلامة المختلفة للاستثمتار كضوابط شرعية له فنياً وتجارياً وتنظيمياً وإدارياً ومالياً وقانونياً 000 الخ ، وقد توسعنا قليلاً في تأصيل هذه المنهجية باعتبارها المدخل الرئيسي
__________
(1) ... قواعد الأحكام 1/54 ، 55 مرجع سابق .
(2) ... الفوائد ص 154 وما بعدها – إعلام الموقعين 2/158 .(1/16)
لدراسة الموضوع والجامع لضوابطه الشرعية .
وكيف لا يكون الاستثمار واجباً في ذاته :
{ 1 } ... والاستثمار أحد الروافد الأساسية في عملية التنمية الشاملة في المجتمع ومن ثم يتعين رصد مجموعة اليم الشرعية التي تضبط عملية التنمية وتحدد طبيعتها .
{ 2 } ... الاستثمار يعمل من خلال أو في إطار نظام اقتصادي ومن ثم يتعين تحديد وضبط المبادئ الحاكمة للنظام الاقتصادي الإسلامي .
{ 3 } ... على أساس من الضوابط الشرعية في المسألتين السابقتين يتم تحديد أهداف الاستثمار بمراعاة الواقع والمصلحة فيه ولابد أن تكون أهدافاً متسقة مع أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي .
ومن هنا فإننا نتناول أدوات الاستثمار في المصارف الإسلامية على الخصوص والمؤسسات المالية الإسلامية على وجه العموم على التفصيل الوارد في هذا البحث على النحو التالي .
أدوات الاستثمار
في المصارف الإسلامية
الفصل الأول
زمرة البيوع
المبحث الأول : البيع بصفة عامة :
* البيع في اللغة :
البيع لغة مصدر باع وهو مبادلة مال بمال أو دفع عوض وأخذ ما عوض عنه والبيع من الأضداد – كالشراء – قد يطلق أحدهما ويراد به الآخر ويسمى كل واحد من المتعاقدين : بائعاً أو بيّعاً .
* البيع في اصطلاح الفقهاء :
قال المناوي (1) :
ومن أحسن ما وسم به البيع أنه تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد
بعوض مالي .
وأورد القليوبي (2) :
تعريفاً قال أنه أولى ونصه :
" عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة "
ثم قال : وخرج بالمعاوضة نحو الهدية وبالمالية نحو النكاح وبإفادة ملك العين الإجارة وبالتأبيد الإجارة أيضاً وبغير وجه القربة القرض المراد بالمنفعة بيع نحو حق الممر .
* الحكم التكليفي :
__________
(1) ... التوقيف على مهمات التعريف ص 153 ط دار الفكر دمشق .
(2) ... القليوبي 2/152 – شرح الروض 2/2 .(1/17)
اتفق الفقهاء (1) على أن البيع مشروع على سبيل الجواز ، دلّ على جوازه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول .
{ أ } ... من الكتاب :
قوله تعالى : " وأحل الله البيع وحرم الربا " (2) .
{ ب } ... من السنة النبوية الشريفة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الكسب أطيب ؟ فقال " عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور (3) وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره أصحابه عليه .
{ ج } ... الإجماع :
استقر الإجماع على جواز البيع ، فالبيع عقد صحيح جائز بالإجماع المتيقن المقطوع به من كل مسلم (4) .
{ د } ... أما المعقول :
فلأن الحكمة تقتضيه لتعلق حاجة الإنسان بما في يد صاحبه ولا سبيل
إلى المبادلة إلا بعوض غالباً ففي تجويز البيع وصول إلى الغرض ودفع للحاجة (5) .
البيع تعتريه أحكام أخرى :
- ... فقد يكون محظوراً إذا اشتمل على ما هو ممنوع بالنص كبيع المغصوب والمسروق .
- ... وقد يكون مكروهاً وهو ما فيه نهي غير جازم ولا يجب فسخه كبيع الحاضر للبادي وهو مكروه عند أبي حنيفة والشافعي مع صحته عندهما .
__________
(1) ... الموسوعة الكويتية 9/7 .
(2) ... البقرة /275 .
(3) ... أخرجه أحمد 4/141 ط الميمنية وأورده الهيثمي في المجمع 4/60 ط القدسي وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وفيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط . وبقية رجال أحمد رجال الصحيح .
(4) ... مرابت الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات لابن حزم رقم 89 مكتبة القدسي سنة 1357 – المغني لابن قدامه – تحقيق محمد خليل هراس 3 /501 ط الإمام مصر – المجموع للنووي 9/156 ط العاصمة – القاهرة – فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر 4/230 ط البهية مصر سنة 1348 هـ – المحلي لابن حزم تحقيق محمد خليل هراس 1509 ط الإمام – مصر .
(5) ... المغني والشرح الكبير 4/3 – كشاف القناع 3/145 – المقدمات لابن رشد الجد 3/213 – فتح القديرة 5/73.(1/18)
- ... وقد يعرض للبيع الوجوب كمن اضطر إلى شراء طعام أو شراب لحفظ المهجة.
- ... وقد يكون مندوباً كمن أقسم على إنسان أن يبيع سلعة لا ضرر عليه في بيعها فتندب إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرر مندوب (1) .
* أهم الفروق الجوهرية بين البيع الحلال والربا الحرام
م ... البيع الحلال ... القرض الربوي الحرام
1 ... عقد معاوضة مالية ... عقد إرفاق وقربه
2 ... تبادل مختلفين بين بائع ومشتري ... تبادل متجانسين بين مقرض ومقترض
3 ... يغنم فيه البائع ربحاً حالاً وقد لا يحصل ... الفائدة الربوية فيه متيقنة وقد تحسم ابتداء
4 ... نشاط تابع للنشاط التجاري ... نشاط تمويلي مستقلا بذاته
وإذا كان في شكل تمويل مشروع ما .
5 ... لا تجوز الزيادة على المشتري بعد تاريخ استحقاق الثمن نظير التأخير ( غرامة التأخير في السداد ) . ... تجوز الزيادة عند التأخير في السداد .
* أقسام البيع الجائز :
للبيع تقسيمات عددية باعتبارات مختلفة أهمها :
أقسامه باعتبار المبيع .
وباعتبار الثمن : من حيث طريقة تحديده ومن حيث كيفية أدائه .
أولاً : أقسام البيع باعتبار المبيع :
ينقسم البيع باعتبار موضوع المبادلة فيه إلى أربعة أنواع هي :
{ 1 } ... البيع المطلق :
وهو مبادلة العين بالدين وهو أشهر الأنواع وإليه ينصرف البيع عند الإطلاق .
{ 2 } ... بيع السلم :
وهو مبادلة الدين بالعين أو بيع شئ مؤجل بثمن معجل وسيأتي تفصيل القول فيه .
{ 3 } ... بيع الصرف :
وهو مبادلة الأثمان ويخص المالكية الصرف بما كان نقداً بنقد مغاير وهو بالعد فإن كان بنقد من نوعه فهو مراطله وهو بالوزن (2) .
__________
(1) ... الموسوعة الفقهية الكويتية 9/8 .
(2) ... الحطاب 4/226 – الدسوقي 3/2 .(1/19)
وقيل أن أصل الصرف من الفضل أو النقل وأن بيع الأثمان ببعضها إنما سمي صرفاً إمّا لأن الغالب على عاقده طلب الفضل والزيادة أو الاختصاص هذا العقد بنقل كلا البدلين من يد إلى يد في مجلس العقد (1) .
{ 4 } ... بيع المقايضة :
وهو مبادلة العين بالعين .
ثانياً : ... أقسام البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن :
ينقسم البيع بهذا الاعتبار إلى أربعة أنواع هي :
{ 1 } ... بيع المساومة :
وهو البيع القائم على المكايسه ولا يظهر فيه البائع رأس ماله .
{ 2 } ... بيع المزايدة :
وهو أن يعرض البائع سلعته ويتزايد المشترون فيها فتباع لمن يدفع الثمن الأكثر وعكسه المناقصة (2) .
{ 3 } ... بيوع الأمانة :
وهي التي يحدد فيها البائع ثمن المبيع بمثل رأس المال أو أزيد أو أنقص وسميت بيوع الأمانة لأن البائع يؤتمن فيها في إخباره برأس المال وهي ثلاثة أنواع هي :
{ أ } ... بيع المرابحة :
وهو البيع بما قمت به السلعة وزيادة ربح يتفقان عليه وسيأتي تفصيله.
{ ب } ... بيع التولية :
وهو البيع بمثل الذي اشتريت به السلعة بلا ربح ولا خسارة .
{ ج } ... بيع الوضعية أو الحطيطه أو النقيصة :
وهو بيع يحدد فيه الثمن بنقص عن رأس المال أي بخسارة .
* ... وإذا كان البيع لجزء من المبيع فيسمى بيع الإشراك (3)
ثالثاً : أقسام البيع باعتبار كيفية آداء الثمن :
... ينقسم البيع بهذا الاعتبار إلى أربعة أنواع هي :
{ أ } ... منّجز الثمن :
ويسمى بيع النقد أو البيع بالثمن الحال .
{ ب } ... مؤجل الثمن :
__________
(1) ... المُعْرب للمطرزي 1/472 ط حلب 1402 هـ المفردات للأصبهاني ص 412 والأنجلو المصرية – تعريفات الجرجاني ص 70 ط الدار التونسية للنشر 1971 .
(2) ... وهي أن يعرض المشتري شراء سلعة موصوفة بأوصاف معينة فيتنافس الباعة في عرض البيع بثمن أقل ويرسو ابيع على من رضي بأقل سعر ، الموسوعة الفقهية الكويتية 9/9 .
(3) ... رد المختار 4/3 – فتح القدير 5/455 .(1/20)
وهو ما يشترط فيه تأجيل الثمن .
{ ج } ... مؤجل المُثمن ( المبيع ) :
وهو بيع السلم وسيأتي تفصيله .
{ د } ... مؤجل العوضين :
وهو من بيع الدين بالدين أو بيع الكالئ بالكالئ وهو ممنوع ومنهي عنه (1) .
وهناك تقسيمات أخرى فرعيه للبيع باعتبارات كثيرة بحسب رؤية المبيع وعدمها وبحسب بت العقد والتخيير فيه وباعتبار الحكم الشرعي فأنواعه كثيرة منها :
* ... البيع المنعقد و ... يقابله البيع الباطل .
* ... البيع الصحيح ويقابله البيع الفاسد .
* ... البيع النافذ ويقابله البيع الموقوف .
* ... البيع اللازم ويقابله البيع غير اللازم ( الجائز أو المخير ) .
وهناك بيوع مسماة بأسماء خاصة ورد النهي النهي كبيع النجش وبيع المنابذة وبيع الملامسة وبيع المزابنة ونحوها .
وهناك أنواع أخرى من البيوع روعي في تسميتها أحوال تقترن بالعقد وتؤثر في الحكم كبيع المُكْره وبيع التلجئه وبيع الهازل وبيع الفضولي وبيع الوفاء .
ويندرج الاستصناع في عداد البيوع مع الخلاف في أنه بيع أو إجارة وسيأتي تفصيله .
* أركان البيع وشروطه :
جمهور الفقهاء ( المالكية والشافعية والحنابلة ) أن أركان البيع هي :
الصيغة والعاقدان ( البائع والمشتري ) والمعقود عليه أو محل العقد ( المبيع والثمن ) .
أولاً : الصيغة وشروطها :
الصيغة هي :
الإيجاب والقبول ويصلح لهما كل ما يدل على الرضا ، وتدل عبارات الفقهاء على أن العبرة بالدلالة على المقصود سواء أكان ذلك بوضع اللغة أم بجريان العرف قال الدسوقي (2) :
ينعقد البيع بما يدل على الرضا عرفاً سواء دلّ لغة أولاً من قول أو كتابة أو إشارة منهما أو من أحدهما .
وفي كشّاف القناع (3) : الصيغة القولية غير منحصرة في لفظ بعينه بل هي كل ما أدى معنى البيع لأن الشارع لم يخصه بصيغة معينة فيتناول كل ما أدى معناه .
__________
(1) ... فتح القدير 5/455 .
(2) ... حاشية الدسوقي 3/3 .
(3) ... للبهوتي 3/146 .(1/21)
ويشترط في صيغة العقد أن تكون بما يفيد إنشاء العقد في الحال وتوافق الإيجاب والقبول واتحاد مجلس العقد وهو يجمع المتفرقات فيه ، فلو
تراخي القبول عن الإيجاب أو عكسه صح المتقدم منهما ولم يلغ ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفاً .
ويشترط عدم الهذل في الإيجاب أو القبول وعدم رجوع الموجب وعدم
وفاته قبل القبول وعدم هلاك المعقود عليه أو أن يطرأ عليه تغيير
قبل القبول .
ثانياً : المبيع وشروطه :
للمبيع شروط هي :
{ 1 } ... أن يكون موجوداً حين العقد فلا يصح بيع المعدوم باتفاق الفقهاء وهذا شرط انعقاد عند الحنفية .
وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة " (1) ولما في ذلك من الغرر والجهالة وللحديث الشريف : " نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر " (2) .
ولا خلاف في استثناء بيع السَلَم فهو صحيح مع أنه بيع المعدوم ، وذلك للنصوص الواردة فيه ومنها " نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخّص في السلم (3) .
{ 2 } ... أن يكون مالاً : وقال المالكية والشافعية ما لا نفع فيه ليس بمال فلا يقابل به أي لا تجوز المبادلة به وهو شرط انعقاد عند الحنفية .
والعبرة بالمالية في نظر الشرع فالميتة والدم المسفوح ليسا بمال (4) .
{
__________
(1) ... أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من حديث ابن عمر 8/21 ط المجلس العلمي - وقوتي ابن حجر إسناده في التلخيص 3/12 ط شركة الطباعة الفنية .
(2) ... أخرجه مسلم 3/1153 ط الحلبي .
(3) ... فتح القدير 1/50 .
(4) ... البدائع للكاساني 5/149 – الدسوقي 3/10 – القليوبي 2/57 .(1/22)
3 } ... أن يكون مملوكاً للبائع وقد اعتبر الحنفية هذا الشرط من شروط الانعقاد ، وذلك لعدم مشروعية بيع ما لا يملكه الإنسان لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنهما : لا تبع ما ليس عندك " (1) .
{ 4 } ... أن يكون مقدور التسليم وهو شرط انعقاد عند الحنفية لنهي النبي صلى الله عليه وسلم : " عن بيع الغرر " فلا يصح بيع الجمل الشارد ولا الطير في الهواء ولا السمك في الماء ونحوها .
{ 5 } ... أن يكون معلوماً للعاقدين : ويحصل العلم بكل ما يميز المبيع عن غيره ويمنع المنازعة فبيع المجهول جهالة تفضي إلى المنازعة غير صحيح .
وقد زاد المالكية والشافعية في شروط المبيع طهارة عينة .
وذكر المالكية شرطين آخرين هما (2) :
- ... أن لا يكون من البيوع المنهي عنها .
- ... أن لا يكون البيع محرماً .
وهذا الشرط يشتمل على القيود الشرعية التالية :
{ أ } ... تعيين المبيع :
لا بد لمعرفة المبيع من أن يكون معلوماً بالنسبة للمشتري بالجنس والنوع والمقدار ، وتعيين المبيع أم زائد عن المعرفة به إذ يكون ذلك بتمييزه عن سواه بعد معرفة ذاته ومقداره ، وهذا التمييز :
إما أن يحصل في العقد نفسه بالإشارة إليه أو برؤيته (3) .
وإما أن لا يعين المبيع في العقد بأن كان غائباً موصوفاً بالوصف
الذي يميزه عن غيره أو قدراً من صُبره حاضرة في المجلس فلا يتعين
إلا بالتسليم .
وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة ومقابل الأظهر عند الشافعية وفي الأظهر عند الشافعية أنه لا يصح بيع الغائب (4) .
ومن المبيع غير المتعين بيع حصة على الشيوع سواء أكانت من عقاراً
__________
(1) ... أخرجه الترمذي 4/430 تحفة الأحوزي وحسّنه .
(2) ... منح الجليل 2/475 – 485 – مغني المحتاج 2/11 .
(3) ... مجلة الأحكام العدلية م (202 ) – الفواكه الدواني 2/121 – البهجة شرح التحفة 2/24 .
(4) ... مجلة الأحكام العدلية م (201) – كشاف القناع 3/163 وما بعدها – المغني 4/143 – مغني المحتاج 2/16 وما بعدها .(1/23)
أو منقول وسواء أكان المشاع قابلاً للقسمة أو غير قابل للقسمة فإن المبيع على الشيوع لا يتعين إلا بالقسمة والتسليم (1) .
{ ب } ... شمول المبيع لتوابعه :
يقع البيع على العين ومنافعها فيدخل في المبيع ما له صله به لتحقيق المنفعة المرادة منه وما يقضي به العرف ولو لم يصرح بذلك في العقد كما أنها لا تنفصل عنه إلا بالاستثناء ، ومعنى شمول المبيع لما له صلة به هو أنها تدخل معه بالثمن نفسه دون أن يكون لها حصة من الثمن لأن القاعدة
" أن كل ما يدخل في المبيع تبعاً لا حصة له من الثمن " (2) .
أما الاستثناء من المبيع فضابطه هو :
أن كل ما يجوز بيعه منفرداً يجوز استثناؤه ، وما لا يجوز إيقاع البيع عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه ، ولابد من كون المستثنَى معلوماً لأنه إن كان مجهولاً عاد على الباقي بالجهالة فلم يصح البيع وينبني حكم الاستثناء على ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن الثُنيا إلا أن تعلم " (3) .
فلا يجوز بيع ثمرة واستثناء أرطال معلومة منها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا ولأن الباقي بعد الاستثناء مجهول ويجوز ذلك عند الإمام مالك رضي الله عنه إذا كان قدر ثلث فأقل والجواز هو ظاهر الرواية عند الحنفية وهو قول أبن سيرين وسالم بن عبد الله وأبي الخطاب من الحنابلة لأنه استثنى معلوماً ويجوز استثناء جزء شاع كربع وثلث لأنه لا يؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه فصح وقال بعض الحنابلة لا يجوز .
ومما اختلف الفقهاء فيه من الاستثناء ما اعتبره بعضهم شرطاً صحيحاً فأجازه وأجاز البيع ، واعتبره غيرهم شرطاً فاسداً فأبطله وأبطل البيع ومثال ذلك :
__________
(1) ... مجلة الأحكام العدلية م (220) – خبايا الزوايا مسألة 180 .
(2) ... مجلة الأحكام العدلية م (234) .
(3) ... أخرجه مسلم 3/1175 ط الحلبي .(1/24)
من يبيع الدار ويستثنى سكناها شهراً مثلاً : فأجاز ذلك المالكية والحنابلة لحديث جابر أنه " باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة " أي ركوبه وفي لفظ قال : " بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي " (1)
... وعند الحنفية والشافعية لا يجوز ذلك ويبطل الشرط والبيع لأنه شرط غير ملائم (2) .
{ ج } ... حضور المبيع وغيابه .
يعبَر عن ذلك بالقاعدة الفقهية " الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر " إذا كان المبيع غائبا فإما أن يُشتري بالوصف الكاشف له وإمّا أن يُشتري دون وصف بل يحدد بالإشارة إلى مكانه أو إضافته إلى ما يتميز به " .
فإذا كان البيع بالوصف وتبينت المطابقة بين المبيع بعد مشاهدته وبين الوصف لزم البيع وإلا كان للمشتري " خيار الخلف " أي فوات الوصف عند جمهور الفقهاء .
أما الحنفية فإنهم يثبتون للمشتري هنا " خيار الرؤية " بقطع النظر عن سبق
وصفه أو عدمه لكن إذا تم الشراء على أساس " النموذج " ولم يختلف المبيع عنه فليس للمشتري خيار رؤية (3) .
وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة والحنفية والمالكية والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية والأظهر عند الشافعية أنه لا يصح بيع الغائب للنهي عن بيع الغرر .
وإجازة الحنفية ولو لم يسبق وصفة .
وفي قول للشافعية لابد من الوصف لأن للمشتري هنا " خيار الرؤية " على كل حال سواء على الوصف والمطابقة أو المخالفة ومع عدم الوصف وهو هنا " خيار حكمي " لا يحتاج إلى اشتراط (4) .
__________
(1) ... أخرجه البخاري – الفتح 5/314 السلفية – ومسلم 3/1221 ط الحلبي .
(2) ... ابن عابدين 4/40 وما بعدها – البهجة شرح التحفة 2/32 – الفواكه الدواني 2/238 – المغني 4/113 – شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/148 .
(3) ... مجلة الأحكام العدلية م 323 – 335 .
(4) ... فتح القدير 5/136 ط بولاق – نهاية المحتاج 3/396 و401 – المهذب 1/294 .(1/25)
وأجازه الحنابلة مع الوصف وقصروا الخيار على حال عدم المطابقة (1) .
وأجازه المالكية بثلاثة شروط هي :
- ... ألا يكون قريباً جداً بحيث تمكن رؤيته بغير مشقة .
- ... ألا يكون بعيداً جداً لتوقع تغيره قبل التسليم أو لاحتمال تعذر تسليمه.
- ... أن يصفه البائع بصفاته التي تتعلق الأغراض بها .
ثالثاً : الثمن وأحكامه :
- تعريف الثمن :
الثمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع .
والثمن أحد شقي المعقود عليه وهو الثمن والمثمن .
- والثمن غير القيمة :
لأن القيمة هي ما يساويه الشيء في تقويم المقومين أي أهل الخبرة ، أما الثمن فهو كل ما يتراضى عليه المتعاقدان سواء كان أكثر من القيمة أم
أقل منها أم مثلها .
وقد عقد ابن عابدين رحمه الله مطلباً في الفرق بين القيمة والثمن جاء فيه :
" والفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان سواء
زاد على القيمة أو نقص والقيمة ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان (2) .
__________
(1) ... المغني 3/580 – شرح منتهى الإرادات 2/146 .
(2) ... حاشية أبن عابدين ح 4 /613 ط 3 سنة 1404 هـ 1984 الحلبي مصر .(1/26)
والسعر هو الثمن المقدر للسلعة والتسعير تحديد أسعار بيع السلع (1) .
والجمهور عدا الحنفية أن كل ما صلح أن يكون مبيعاً صلح أن يكون ثمناً والعكس صحيح أيضاً وذهب الحنفية إلى أنه لا عكس فما صلح أن يكون ثمناً قد لا يصلح أن يكون مبيعاً (2) .
والثمن إما أن يكون مما يثبت في الذمة كالنقود والمثليات من مكيل
أو موزون ونحوه ، وإما أن يكون من الأعيان القيمية إذا كان رأس المال عيناً من القيميات كما في بيع المقايضة .
__________
(1) ... وللفقهاء خلاف مشهور في حكم التسعير حيث ذهب الحنفية والمالكية وابن تيميه وابن القيم من الحنابلة إلى جواز التسعير للحاجة إليه وذلك لفعل عمر رضي الله عنه حين مرّ بحاطب بن أبي بلتعه في السوق فقال له : أما أن ترفع السعر وإما أن تدخل بيتك فتبيع كيف شئت ( أخرجه مالك في الموطأ وقال عنه الشيخ عبد القادر الأرناؤط محقق جامع الأصول إسناده صحيح – جامع الأصول 1/594 ط الملاح ) وذهب الشافعية والحنابلة إلى تحريم التسعير وكراهه الشراء به وحرمه البيع وبطلانه إذا كان بالإكراه وذلك لحديث " إن الله هو المسّعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال " صححه الترمزي وابن حبانه جامع الأصول 1/595 بتحقيق الأرناؤوط ) ، أنظر الفتاوى الهندية 3/314 – المغني 3/164 ط القاهرة – الكافي لابن عبد البر 2/730 – شرح منتهى الإرادات 2/159 .
(2) ... مجلة الأحكام العدلية (م 152 – 211 ) الفتاوى الهندية 3/122 – ابن عابدين في حاشية 4/165 – البهجة شرح التحفة 2/86 – شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/142 .(1/27)
والفلوس أثمان والأثمان لا تتعين بالتعيين عند الحنفية والمالكية واستثنى المالكية الصرف والكراء فلو قال المشتري : اشتريت السلعة بهذا الدينار وأشار إليه كان له بعد ذلك أن يدفع سواه لأن النقود من المثليات وهي تثبت في الذمة والذي يثبت في الذمة يحصل الوفاء به بأي فرد مماثل ولا يقبل التعيين .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأثمان تتعين بالتعيين .
أما إذا كان الثمن قيميا فانه يتعين لأن القيميات لا تثبت في الذمة ولا يحل فرد منها محل آخر إلا بالتراضي (1) .
- ... هلاك المبيع أو الثمن المعين كليا أو جزئيا قبل التسليم :
من آثار البيع التزام البائع بالتسليم ـ تسليم المبيع إلى المشتري ومن ثم يظل البائع مسئولاً في حالة هلاك المبيع حيث تكون تبعة الهلاك عليه .
وكذلك الثمن إذا كان معيناً وهو ما لم يكن ملتزما في الذمة لان عينة في هذه الحالة مقصودة في العقد كالمبيع أما إذا كان الثمن في الذمة فانه يمكن للبائع أخذ بدله .
وإذا هلك المبيع كليا قبل التسليم بآفة سماوية فانه يهلك على ضمان البائع لحديث نهي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن (2) .
ويترتب على ذلك انفساخ البيع وسقوط الثمن لاستحالة تنفيذ العقد وهذا عند الحنفية وللشافعية قولان : المذهب انفساخ العقد والقول الآخر تخير المشتري بين الفسخ واسترداد الثمن أو إمضاء البيع وأخذ قيمة المبيع (3) .
__________
(1) ... حاشية ابنه عابدين 5/272 ط 2 الحلبي – الفروق للقرافي 3/255 – المجموع 9/269 – شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/205 .
(2) ... أخرجه أبو داود والنسائي والترمزي وأحمد في مسنده وقال الترمزي حديث حسن صحيح وصححه أحمد شاكر ، سنن الترمزي 3/535 ط الحلبي – جامع الأصول 1/457 – مسند أحمد 10/160 ط دار المعارف .
(3) ... مجلة الأحكام العدلية م 293 – مغني المحتاج 2/65 – شرح منتهى الإرادات 2/189 .(1/28)
وإذا هلك المبيع بفعل المشتري فإن إتلاف المشتري للمبيع بمنزلة قبض له ويلتزم بالثمن باتفاق الفقهاء (1) .
وإذا كان الهلاك بفعل أجنبي ومثله هلاكه بفعل البائع عند الحنابلة فان المشتري مخيّر ، إما أن يفسخ البيع لتعذر التسليم ويسقط عنه الثمن حينئذ وللبائع الرجوع على من اتلف المبيع وإما أن يتمسك المشتري بالبيع ويرجع على الأجنبي وعليه أداء الثمن للبائع .
وإذا هلك المبيع جزئيا أي بعضه .
فإذا كان الهلاك بآفة سماوية بما ترتب عليه نقصان المقدار فانه ينتقص من الثمن بمقدار الجزء التالف ويخير المشتري بين الفسخ والإمضاء .
وذهب الحنفية إلى انه إذا كان ما نشأ عن الهلاك الجزئي ليس نقصا في المقدار بل في الوصف وهو ما يدخل في ا لمبيع تبعا لم يقسط من الثمن شيء وللمشتري الخيار بين فسخ العقد أو إمضائه لان الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن إلا بالعدوان أو بتفصيل الثمن وتخصيص جزء للوصف (2) .
وإذا كان الهلاك الجزئي بفعل البائع سقط ما يقابله من الثمن مطلقا وتخير المشتري بين الأخذ والفسخ لتفرق الصفقة .
وإذا كان الهلاك الجزئي بفعل أجنبي كان للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء مع الرجوع على الأجنبي بضمان الجزء التالف (3) .
وإذا كان الهلاك بفعل المشتري نفسه فيكون على ضمانه ويعتبر ذلك
قبضا (4) .
أما المالكية فقد اعتبروا هلاك المبيع بفعل البائع أو بفعل الأجنبي يوجب عوض المتلف على البائع أو الأجنبي ولا خيار للمشتري سواء أكان الهلاك كليا أم جزئيا .
أما هلاك المبيع أو تعيبه بآفة سماوية فهو من ضمان المشتري كلما
__________
(1) ... مغنى المحتاج 2/65 – 66 جواهر الإكليل للمواق 2/53 .
(2) ... مجلة الأحكام العدلية م 234 – مغنى المحتاج 2/67 – شرح منتهى الإرادات 2/188 .
(3) ... مجلة الأحكام العدلية م 293 – حاشية ابن عابدين 4/46 .
(4) ... جواهر الإكليل للموافق 2/53 .(1/29)
كان البيع صحيحا لازما لأن الضمان ينتقل بالعقد ولو لم يقبض المشتري المبيع (1) واستثنى المالكية ست صور هي :
- ... ما لو كان في المبيع حق توفيه لمشتريه وهو المثلى من مكيل أو موزون أو معدود فإذا هلك بيد البائع فهو من ضمان البائع .
- ... السلعة المحبوسة عند بائعها لأجل قبض الثمن .
- ... المبيع الغائب على الصفة أو على رؤية متقدمة فلا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض .
- ... الثمار المبيعة بعد صلاحها فلا تدخل في ضمان المشتري إلا بعد أمن الجائحة .
- ... الرقيق حتى تنتهي عهدة الثلاثة أيام عقب البيع .
- ... المبيع بيعا فاسداً .
* الشروط في البيع :
هناك شروط مباحة للمتعاقدين وشروط محظورة لما أنها تناقض مقصود العقد أو تخالف القواعد العامة الشرعية أو مقصداً من مقاصد الشريعة ، وتفصيل القول في ذلك مراده إلى مصادر المذاهب الفقهية والتي نجملها في الآتي :
{ 1 } ... مذهب الحنفية :
وضع الحنفية ضابطاً للشرط المنهي عنه الذي يفسد العقد وهو :
" كل شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه وفيه نفع لأحد المتعاقدين أو الأجنبي أو لمبيع هو من أهل الاستحقاق ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه " (2) .
أما إذا كان الشرط ما يقتضيه العقد أي يجب بالعقد من غير شرط فيكون صحيحاً كما إذا باع بشرط أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن إذا كان حالاً ونحو ذلك فالبيع جائز .
وإذا كان الشرط ملائماً للعقد بأن يؤكد موجبة فإنه لا يفسد العقد لأنه يقرر حكمه من حيث المعنى ويؤكده كشرط رهن معلوم وشرط كفيل واشتراط حوالة البائع بالثمن على غير المشتري جائز استحساناً عند البعض .
__________
(1) ... الشرح الصغير 2/70 ط الحلبي – الفواكه الدواني 2/130 .
(2) ... حاشية ابن عابدين 4/121 – 123 البدائع 5/169 – تبين الحقائق 4/57 .(1/30)
وإذا كان الشرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين كما إذا باع دار على أن يسكنها البائع شهراً أو على أن يقرضه المشتري قرضاً فالبيع فاسد لأن زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وإنها مفسدة للبيع لحقيقة الربا (1) .
وإذا كانت المنفعة لأجنبي كما إذا باع طعاماً على أن يتصدق به فهو فاسد .
وإذا كانت المنفعة للمعقود عليه فالبيع فاسد لأنه شرط فيه منفعة للمبيع وإنه مفسد كما لو باع جارية على أن يوصي المشتري بعتقها .
أما ما لا منفعة فيه لأحد فلا يتناوله شرط المنفعة ولا يوجب الفساد كما لو باعه طعاماً على أن يأكله ولا يبيعه فهذا شرط لا منفعة فيه لأحد فلا يوجب في الصحيح الفساد لأن الفساد في مثل هذه الشروط كما يقول الكاساني لتضمنها الربا بزيادة منفعة مشروطة لا يقابلها عوض ولو يوجد في هذا الشرط الذي لا منفعة فيه لأحد فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة فالعقد جائز والشرط باطل (2) .
أما ما فيه مضرّة لأحد المتعاقدين كما لو باع الدار على أن يخربها فالبيع جائز والشرط باطل لأن شرط المضرة لا يؤثر في البيع .
واستثنى الحنفية من شرط المنفعة المفسد ما جرى به العرف وتعامل الناس به من غير إنكار ، وذلك مثل شرائه صوفاً منسوجاً ليجعله له البائع معطفاً فهذا ونحوه من الشروط الجائزة عند الحنفية فيصح البيع ويلزم الشرط استحساناً للتعامل الذي جرى به عرف الناس وبمثله يترك القياس (3) .
__________
(1) ... الهداية وشروحها 6/78 وما بعدها – المراجع الشابقة .
(2) ... البدائع 5/170 – العناية شرح الهداية 6/78 قارن ابن عابدين 4/122 .
(3) ... المراجع السابقة .(1/31)
كما يستثنى من شرط مخالفة اقتضاء العقد ما ورد به الشرع كشرط الأجل في دفع الثمن لحاجة الناس إلى ذلك وكشرط الخيار في البيع لأنه ثبت في حديث حبان بن منفذ رضي الله عنه " إذا بايعت فقل لا خلابة " (1) ثم أنت بالخيار في كل سلعة اتبعتها ثلاث ليال فإذا رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد .
{ 2 } ... مذهب المالكية :
فصّل المالكية في الشرط فقالوا :
- ... إما أن لا يقتضيه العقد وينافي المقصود منه .
- ... وإما أن يخل بالثمن .
_ ... وإما أن يقتضيه العقد .
_ ... وإما أن لا يقتضيه ولا ينافيه .
ومثال : الذي لا يقتضيه العقد ويتنافى في المقصود منه أن يشترط البائع على المشترى أن لا يبيع السلعة لأحد أصلاً ونحو ذلك فيبطل الشرط والبيع (2) .
واستثنى المالكية من هذا الشرط :
{ أ } ... الإقالة لأنه يغتفر في الإقالة ما لا يغتفر في غيرها . (3) .
{ ب } ... أن يشترط البائع على المشتري أن يقف المبيع أو أن يهبه أو أن يتصدق به فهذا كله جائز لأنها من ألوان البر التي يدعو إليه الشرع .
{ ج } ... أن يبيع أمةً بشرط تنجيز عتقها لتشّوف الشارع إلى الحرية .
ومثال الشرط الذي يخل بالثمن فيتمثل في أمرين هما :
{ أ } ... الجهل بالثمن كأن يبيع بشرط السلف أي القرض من أحدهما للآخر .
{ ب } ... شبهة الربا لأن البيع بشرط السلف يعتبر قرضاً جر نفعاً .
__________
(1) ... أخرجه بهذا اللفظ البيهقي 5/273 ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد – فتح الباري 4/337 ط لسلفية .
(2) ... القوانين الفقهية لابن جزي ص 171 – الشرح الكبير وحاشية الدردير عليه 3/66 – شرح الخرشي 5/80 .
(3) ... الشرح الكبير 3/66 .(1/32)
وقال ابن جزي أن اشتراط السلف من أحد المتبايعين لا يجوز بإجماع ، وعلل الخرشي صحة البيع بزوال المانع (1) . ومثال الشرط الذي يقتضيه العقد كشرط التسليم وغيره مما هو لازم دون شرط فإن شرطت – فهي تأكيد ومثال الشرط الذي لا يقتضيه العقد ولا ينافيه الأجل المعلوم والرهن والخيار والكفيل فهذه شروط تعود على العقد بمصلحة فإن شرطت عمل بها وإلا فلا .
وقد عرض ابن جزى لصورة من الشرط تعتبر استثناء أو ذات حكم خاص هي :
ما إذا شرط البائع لنفسه منفعة كركوب الدابة أو سكنى الدار مدة معلومة فإن البيع جائز والشرط صحيح (2) .
لحديث جابر وهو : أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال : ولحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه فسار سيراً لم يسر مثله فقال : بعنيه فقلت : لا . ثم قال : بعنيه فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلى " وفي رواية وشرطت ظهره إلى المدينة " (3) .
وعلّق الشوكاني على هذا الحديث بقوله : وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أم كثرت (4) وقال المالكية على الانتفاع اليسير بالمبيع إذا كان مما يركب من الحيوان كل مبيع بعد بيعه على سبيل الاستمرار تيسيراً نظراً لحاجة البائعين .
{ 3 } ... مذهب الشافعية :
أضيق المذاهب المشهورة في إجازة الشروط في البيع ولم يستثنوا إلا ما
ثبت بالشرع استثناؤه أو كان من مقتضيات العقد أو مصلحته ، وذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن بيع
__________
(1) ... القوانين الفقهية ص 172 – شرح الخرشي 5/81 .
(2) ... الشرح الكبير 3/67 وحاشية الدسوقي عليه 3/65 .
(3) ... أخرجه البخاري ( فتح البارى 5/314 ط السلفية – مسلم 3/221 ط عيسى الحلبي .
(4) ... نيل الأوطار 5/178 ، 179 .(1/33)
وشرط " (1) .
ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عند (2) .
- فإذا كان الشرط يقتضيه مطلق العقد كالقبض والانتفاع والرد بالعيب لا يضر بالعقد .
- فإذا كان الشرط لا يقتضيه العقد ويتعلق بمصلحة العقد كشرط الرهن والإشهاد فيصح الشرط نفسه .
- فإذا كان الشرط لا يقتضيه العقد ولا يتعلق بمصلحة العقد وليس فيه غرض يورث تنازعا فالشرط لاغ والعقد صحيح .
- فإذا كان الشرط لا يقتضيه العقد ولا يتعلق بمصلحة العقد وليس فيه غرض يورث تنازعا فهذا الشرط هو الفاسد المفسد كالأمور التي تنافي مقتضى العقد نحو عدم القبض وعدم التصرف وما أشبهه (3) .
واستثنى الشافعية مسائل معدودة من النهي صححوها مع الشرط هي :
- البيع بشرط الأجل المعين لقوله تعالى :
- " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " (4) .
- البيع بشرط الرهن المعلوم والكفيل المعلوم للحاجة إليهما في معاملة من لا يرضى إلا بهما .
- الإشهاد للأمر في قوله تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم " (5) .
- البيع بشرط الخيار لحديث حبان بن منقذ السابق .
- البيع بشرط عتق المبيع وفيه تفصيل أقوال أصحها أن الشرط صحيح والبيع صحيح لحديث عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريره للعتق فاشترطوا اولاءها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
__________
(1) ... أخرجه الطبراني في الأوسط ونقل الزيلعي عن ابن القطان أنه ضعفه ( نصب الراية 4/18 ط المجلس العلمي ) .
(2) ... أخرجه الترمذي (3/535 ط مصطفى الحلبي ) وقال حسن صحيح .
(3) ... حاشية الجمل على شرح المنهج 3/75 – تحفة المحتاج – المنهاج بحاشيتي الشرواني والعبادي 4/294 – 295 وشرح المحلي بحاشيتي قليوبي وعميرة .
(4) ... البقرة /282 .
(5) ... البقرة /282 .(1/34)
" اشتريها واعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق " (1) ولم ينكر النبي أن شرط شرط الولاء لهم إذا قال : " ما بال أقوم يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ومن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل (2) ولتشّوف الشرع للعتق وفيه منفعة دنيوية للمشتري بالولاء وأخروية بالثواب وللبائع بالتسبب (3) .
- البيع بشرط البراءة من العيوب في المبيع لأنه يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال وهو السلامة من العيوب (4) ، ولما روى أن ابن عمر رضي الله عنهما :
- باع عبداً له بثمانمائة درهم بالبراءة : فقال : له المشتري : به داء لم تسمه لي .
- فاختصما إلى عثمان رضي الله عنه فقضى على ابن عمر أن يحلف : لقد
باعه العبد وما به داء يعلمه ، فأبى أن يحلف وارتجع العبد فباعه بألف وخمسمائة (5) .
- ومما استثنوه أيضاً شرط نقل المبيع من مكان البائع وشرط أن يعمل البائع عملاً معلوماً في المبيع .
- اشتراط وصف مقصود في المبيع عرفاً ككون الدابة حاملاً أو ذات لبن فالشرط صحيح وللمشتري الخيار أن تخلف الشرط ووجه الصحة أنه يتعلق بمصلحة العقد .
{ 4 } ... مذهب الحنابلة :
- ما كان من الشروط من مقتضى العقد بحكم الشرع فكان وجوده كعدمه لا يفيد حكماً لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد فهو صحيح لازم كالتقابض وتصرف كل من المتعاقدين فيما يؤول إليه والرد بعيب قديم .
__________
(1) ... أخرجه البخاري ( فتح البارى 4/376 ط السلفية ) - مسلم 3/1145 ط عيسى الحلبي .
(2) ... أخرجه البخاري ( فتح البارى 5/326 ط السلفية .
(3) ... تحفة المحتاج 4/300 وفي تفصيل الآراء الأخرى أنظر حاشية الجمل 3/75 وما بعدها وأيضاً شرح المنهج فيها 3/76 – شرح المحلي على المنهاج 2/180 .
(4) ... شرح المنهج 3/132 ، 133 .
(5) ... ذكره الشيخ زكريا الأنصاري في شرح المنهج (3/132 ط الميمنيه ) وعزاه إلى البيهقي ونقل عنه أنه صححه – أنظر أيضاً حاشية الجمل على المنهج 3/132 – شرح المحلي على المنهاج 2/178 .(1/35)
- ما كان من الشروط من مصلحة العقد أي تعود به مصلحة على المشترط من المتعاقدين فهو صحيح لازم كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو رهن معين به أو كفيل معين به أو اشتراط صفة مقصودة في المبيع ككون خراج الأرض
كذا – وذلك لحديث " المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أم حرم حلالاً (1) .
- شرط ليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته ولا ينافي في مقتضاه لكن فيه نفعاً معلوماً لأحد المتعاقدين فهو صحيح كما لو شرط البائع سكني الدار لمدة معلومة وذلك لحديث جابر رضي الله عنه حين باع جمله من النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال : فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي " (2) .
وحديث جابر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن المحاقلة والمزابنه والثنيا إلا تعلم " (3) .
واستثنى الحنابلة من جواز شرط النفع المعلوم ما لو جمع في الاستثناء بين شرطين وكانا صحيحين كخياطة الثوب وتفصيله فإن البيع لا يصح لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن لا بيع ما ليس عندك " .
أما إذا كان الشرطان المجموعان من مقتضى العقد فإنه يصح بلا خلاف أو كان من مصلحة العقد كاشتراط رهن وكفيل معينين بالثمن (4) .
__________
(1) ... وفي رواية " على شروطهم " أخرجه الترمذي 3/625 ط عيسى الحلبي – وهو صحيح لطرقه (التلخيص الحبير لابن حجر 3/23 ط ش الطباعة الفنية ) .
(2) ... أخرجه البخاري ( فتح البارى 5/314 ط السلفية – مسلم 3/1221 ط عيسى الحلبي .
(3) ... أخرجه مسلم (3/1175 ط عيسى الحلبي – البخاري ( فتح البارى 5/50 ط السلفية ) دون قوله " والثنيا إلا أن تعلم " – الترمذي 3/85 ط الحلبي بلفظه .
(4) ... كشاف القناع 3/191 ، 192 – المغني والشرح الكبير 4/285 والشرح الكبير 4/52، 53 – الموسوعة الفقهية الكويتية 9/257 .(1/36)
- ... أما الشرط الفاسد المحرم : كأن يشترط أحدهما على صاحبة عقداً آخر كعقد قرض أو إجارة أو شركة وهذا مشهور المذهب لحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعه " (1) .
وقول ابن مسعود رضي الله عنه " صفقتان في صفقة ربا " ولأنه شرط عقداً في آخر فلم يصح كنكاح الشغار .
- وكأن يشترط في العقد ما ينافي مقتضاه كألا يبيع المبيع ولا يهبه وفي فساد البيع روايتان في المذهب والمنصوص عن أحمد أن البيع صحيح ويبطل الشرط
لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريره السابق ذكره أبطل الشرط ولم يبطل العقد .
- واستثنى الحنابلة من هذا الشرط الباطل العتق فيصح أن يشترطه البائع على المشتري لأنه حق الله تعالى كالنذر .
* الآثار المترتبة على البيع :
أولاً :
... انتقال الملك في البدلين فيملك المشتري المبيع ويملك البائع الثمن ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد العقد الصحيح ولا يتوقف على التقابض وإن كان للتقابض أثره في الضمان ، ولا يمنع من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري كون الثمن مؤجلا .
أما عقد البيع الفاسد عند الحنفية فلا يملك المشتري المبيع إلا بالقبض (2) .
ثانيا :
... أن تنفذ تصرفات المشتري في المبيع وتصرفات البائع في الثمن كما لو أحال شخصاً به على المشتري أما تصرف المشتري قبل القبض ففيه تفصيل :
{ أ } ... ذهب الشافعية وهو القول الأول لأبي يوسف وقول محمد ورواية عن الإمام أحمد أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه منقولاً أو عقاراً وإن أذن البائع وقبض الثمن (3) وذلك :
__________
(1) ... أخرجه أحمد 2/432 ط الميمنية – الترمذي 3/533 ط مصطفى الحلبي وقال : حديث حسن صحيح.
(2) ... مجلة الأحكام العدلية م 369 .
(3) ... أنظر فتح القدير 67/137 – شرح المحلي على المنهاج 2/212 – المغني 4/221 – الشرح الكبير 4/117 . ...(1/37)
لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله : إني اشترى بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم علّى ؟ قال : إذا اشتريت بيعا
فلا تبعه حتى تقبضه (1) .
ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك " (2) .
ومعنى " ربح ما لم يضمن " ربح ما بيع قبل القبض فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز لان المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري
منه لعدم القبض (3) .
ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (4) .
والمراد بجوز التجار وجود القبض .
ولضعف الملك قبل القبض لانفساخ العقد بتلفه (5) .
{ ب } ... ذهب الحنفية إلى انه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه ولو من بائعه (6) وذلك للأحاديث السابقة ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ العقد الأول على تقدير هلاك المبيع في يد البائع وانفساخ العقد فيتبين أنه باع ما لا يملك والغرر غير جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (7) .
__________
(1) ... أخرجه الترمذي 4/430 وحسنه – تحفة الأحوذي .
(2) ... أخرجه الترمذي 3/535 وقال حسن صحيح .
(3) ... كشاف القناع 3/242 .
(4) ... أخرجه أبو داود 3/765 وصححه ابن حبان – موارد الظمآن ص 274 ط السلفية.
(5) ... تحفة المحتاج 4/41 – شرح المحلي 2/213 – شرح المنهاج 3/162 .
(6) ... حاشية ابن عابدين 4/162 .
(7) ... أنظر الهداية وشرح العناية 6/135 ، 136 – تبيين الحقائق للزيلعي 4/80 – والحديث أخرجه مسلم 3/1153 ط الحلبي .(1/38)
ولما روى عن ابن عمر قال : ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني فيه ربحا حسنا فأردت أن أضرب على يده ( أي أقبل إيجابه) فاخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " .
وأجاز الشيخان من الحنفية ( أبو حنيفة وأبو يوسف ) بيع العقار قبل قبضه استحسانا لأنه لا يتوهم انفساخ العقد بالهلاك في العقار بخلاف المنقول إلا نادرا والنادر لا يعتد به .
وخالف الإمام محمد فلم يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه لاشتماله على ربح ما لم يضمن فان المقصود في البيع الربح وربح ما لم يضمن منهي عنه شرعا فيكون البيع فاسدا لأنه لم يدخل في ضمانه (1) .
{ ج } ... وذهب المالكية إلى أن المحرم هو بيع الطعام قبل قبضه دون غيره من جميع الأشياء فغير الطعام يجوز بيعه قبل قبضه وذلك :
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وفي لفظ " حتى يكتاله " وفي لفظ أخر حتى يستوفيه قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله وفي رواية : إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه (2) .
وفي فساد بيع الطعام شروط اشترطها المالكية ليس هنا تفصيل القول فيها .
{ د } ... وفي مذهب الحنابلة روايات متعددة في المسألة :
فروى أنه لا يجوز بيع الطعام وما أشبهه قبل قبضه مطلقا .
__________
(1) ... البدائع 5/234 وما بعدها – المبسوط 13/8 وما بعدها – فتح القدير 6/137 .
(2) ... أخرجه البخاري – فتح الباري 4/349 ط السلفية – مسلم 3/1160 ط عيسى الحلبي – ولفظ حتى يكتاله أخرجه مسلم ولفظ حتى يستوفيه أخرجه البخاري ومسلم ورواية إذا اشتريت بيعاً أخرجه أحمد – المسند 3/402 ط الميمنية .(1/39)
لقول ابن عبد البر : الأصح أن الذي يُمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة ما سواه قبل قبضه (1) .
ولقول ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه (2) .
قالوا : ولو دخل في ضمان المشتري جاز بيعه والتصرف فيه كما جاز ذلك بعد قبضه (3) .
وفي رواية أخري عن الإمام أحمد أن ما كان متعينا كالصُّبْرة تباع من غير كيل يجوز بيعها قبل قبضها وما ليس بمتعين كقفيز من صُبْرة فإنه لا يجوز بيعها قبل قبضها حتى تكال أو توزن لأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفيه فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون .
وفي رواية ثالثة عن الإمام أحمد أنه لا يجوز بيع شيء قبل قبضه .
والمذهب أن المكيل والموزون والمعدود والمذروع لا يصح تصرف المشتري فيه قبل قبضه من بائعه (4) وهذا مروي أيضا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وسعيد بن المسّيب والحسن والحكم وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي وإسحاق (5) .
لأن الطعام يومئذ مستعملاً غالباً فيما يكال ويوزن وقيس عليهما المعدود والمذروع لاحتياجهما إلى حق التوفيه (6) .
أما ما عدا المكيل والموزون ونحوهما فيجوز التصرف فيه قبل قبضه لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إني البيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع
__________
(1) ... أنظر الشرح الكبير مع المغني 4/116 .
(2) ... أنظر الشرح الكبير مع المغني 4/116 .
(3) ... الشرح الكبير 4/116 .
(4) ... الإنصاف 4/461 وقوله فهي المذهب وعليها الأصحاب والمشهور في المذهب .
(5) ... المغني 4/220 .
(6) ... كشاف القناع 3/241 .(1/40)
بالدراهم وآخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء (1) .
قالوا فهذا تصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين (2) .
- ... القبض وما يتحقق به عند الفقهاء :
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن قبض كل شيء بحسبه (3) :
{ أ } ... فإن كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أو مذروعاً فقبضه بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع .
لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم : بنو قنينقاع وأبيعه بربح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا عثمان إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكِل (4) .
وحديث جابر رضي الله عنه قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان : صاع البائع وصاع المشتري (5) .
والمالكية شرطوا في قبض المثلى تسليمه للمشتري وتفريغه في أوعيته (6) .
{ ب } ... وإن كان جزافا فقبضه نقله . لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال :
__________
(1) ... أخرجه أبو داود 3/651 – ونقل البيهقي عن شعبه أنه حكم عليه بالوقف على ابن عمر - التلخيص لابن حجر 3/26 ط ش الطباعة الفنية .
(2) ... المغني مع الشرح الكبير 4/221 ، 118 .
(3) ... المغني 4 /220 .
(4) ... علقه البخاري – فتح الباري 4/344 ط السلفية – ووصله أحمد – 1/62 ط الميمنية – وحسّنه الهيثمي 4/98 ط القدسي – ونوه بقوته البيهقي في سننه 5/315 ط دائرة المعارف العثمانية -الموسوعة الفقهية الكويتية 9/132 .
(5) ... أخرجه ابن ماجه 2/750 ط الحلبي والدارقطني 3/8 ط دار المحاسن ونقل ابن حجر عن البيهقي أنه رواه مراسلاً ثم قال : روى موصولاً من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي .
(6) ... الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3/144 .(1/41)
" كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه " وفي رواية " حتى يحولوه " (1) .
{ ج } ... وإن كان منقولا فقبضه بالعرف الجاري بين الناس كما يقول المالكية (2) ، أو بنقله إلى حيز لا يختص به البائع عند الشافعية (3) .
وفصّل الحنابلة في المنقول من العروض والأنعام فقالوا (4) :
* ... إذا كان المبيع دراهم أو دنانير فقبضها باليد .
* ... وإذا كان ثياباً فقبضها نقلها .
* ... وإذا كان حيواناً فقبضه تمشيته من مكانه .
{ د } ... وان كان عقاراً فقبضه بالتخِليَة بينه وبين المشتري بلا حائل دونه (5) وتمكينه من التصرف فيه .
ويشير الشافعية إلى أن هذا التفصيل إنما هو في القبض المصحح
للتصرف ، أما القبض الناقل للضمان من البائع فمداره على استيلاء المشتري على المبيع سواء نقله أم لا ، وسواء أخلى البائع بينه وبينه أم لا ، وسواء أذن له في القبض أم لا ، وسواء كان له الحق في الحبس أم لا ، فمتى استولى المشتري على المبيع انتفى الضمان عن البائع بمعنى أنه لو تلف حينئذ لا ينفسخ العقد أو تعيّب لا يثبت الخيار للمشتري ولو رجع إلى البائع لا يرجع الضمان إليه (6) .
أما الحنفية فقد اعتبروا التخلية بمعنى رفع الموانع والتمكين قبضاً حكماً على ظاهر الرواية وروى أبو الخطاب مثل ذلك عن أحمد وشرط مع التخلية التمييز (7) .
ثالثا :
__________
(1) ... أنظر فتح الباري 4/350 ط السلفية وأخرجه مسلم 3/1161 ط الحلبي .
(2) ... الشرح الكبير للدردير 3/145 .
(3) ... تحفة المحتاج 4/412 وما بعدها – شرح المنهج 3/166 .
(4) ... كشاف القناع 3/247 – المغني 4/220 .
(5) ... كشاف القناع 3/247 – المغني 4/220 .
(6) ... حاشية الجمل على شرح المنهج 3/168 .
(7) ... حاشية ابن عابدين 5/309 – المغني مع الشرح الكبير 4/220 .(1/42)
إذا قبض البائع الثمن ولم يقبض المشتري المبيع حتى لو مات البائع مفلساً فان للمشتري حق التقدم في المبيع على سائر الغرماء ويكون المبيع في هذه الحالة أمانة في يد البائع ولا يدخل في التركة (1) .
رابعا :
آداء الثمن والأصل في الثمن الحلول وهذا متفق عليه بين الفقهاء في الجملة (2) وقد يكون مؤجلا والثمن المؤجل إما أن يكون إلى موعد معين لجميع الثمن وإما أن يكون منجما - مقسطا - على مواعيد معلومة .
أما ما يترتب على إخلال المشتري بأداء الثمن الحال وكذلك الثمن المؤجل إذا حلّ أجله فقد اتفق الفقهاء على أنه : إذا كان المشتري موسراً فإنه
يجبر على أداء الثمن الحال ، كما ذهب الجمهور في الجملة إلى أن للبائع
حق الفسخ إذا كان المشتري مفلساً أو كان الثمن غائبا عن البلد مسافة القصر (3) .
خامسا :
تسليم المبيع وهو أهم الآثار التي يلتزم بها البائع في عقد البيع ويثبت عند تسليم الثمن الحال أما في الثمن المؤجل فلا يتوقف تسليم المبيع على أدائه وعلى البائع التسليم ولا يُطالب المشتري بتسليم الثمن إلا عند حلول الأجل .
كما يجب تسليم المبيع يجب تسليم توابعه .
المبحث الثاني : حزمة بيوع الأمانة :
- تمهيد
بيوع الأمانة شقص من البيوع لا نظير لها في الفكر الوضعي ولا في القانون الوضعي وفيها نموذج حّي وعملي على امتزاج الأخلاق بالمعاملات ومن ثم امتزاجهما بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ووجه الإلزام في بيوع الأمانة أنه يترتب على تخلف الأمانة فيها جزاء عقدي .
- الأمانة لغة (4) :
الاطمئنان ، يقال أمن أمنا وأمانا وآمنة : إذا اطمأن ولم يخف والمصدر الأمانة واستعمل في الأعيان مجازاً فقيل : الوديعة أمانة مثلاً .
- وفي الاصطلاح :
__________
(1) ... م 297 مجلة الأحكام العدلية .
(2) ... الكافي لابن عبد البر 2/726 .
(3) ... الموسوعة الفقهية الكويتية 9/38 .
(4) ... المصباح والمعجم الوسيط مادة ( أمن ) .(1/43)
يطلق بيع الأمانة على ما فيه اطمئنان من قبل البائع فبيع الأمانة مبني على الثقة والاطمئنان في التعامل بين الطرفين .
- أنواع بيوع الأمانة :
بيع الأمانة يطلق على (1) :
{ 1 } بيع الوفاء : وهو البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري المبيع إليه لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط .
{ 2 } بيع التلجئه : سماه الشافعية بيع الأمانة وصورته أن يتفقا على أن يظهرا العقد إما للخوف من ظالم ونحوه ، وإما لغير ذلك ويتفقان على أنهما إذا أظهراه لا يكون بيعا ثم يعقد البيع (2) .
{ 3 } ... بيع المرابحة : بيع ما ملكه بما قام عليه وبفضل وسيأتي تفصيله .
{ 4 } ... الوضيعة .
{ 5 } ... الإشراك .
{ 6 } ... بيع المسترسل أو البيع بسعر السوق : عرفّه الإمام أحمد بأن المسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المماكسة أو لا يماكس ويقول بعني كما تبيع الناس أو بسعر السوق أو بسعر اليوم ونحو ذك (3) .
فإذا كانت الأمانة مطلوبة من جهة المشتري فإنها تتحقق ببيع الوفاء وهو :
البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري المبيع لأنه يلزمه الوفاء بالشرط وأطلق عليه بيع أمانة عند من أجازه لأن المبيع بمنزلة الأمانة في يد المشتري لا يحق له فيه التصرف الناقل للملك إلا لبائعه ، وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية إلى جوازه (4) .
أما إذا كانت الأمانة مطلوبة من جهة البائع :
- ... فإذا كان المبيع بمثل الثمن الذي اشتراه به من غير زيادة ولا نقصان فهو بيع التولية .
- ... وإذا كان البيع بأقل من الثمن فهو بيع الوضيعة أو الحطيطة .
__________
(1) ... أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية 9/48 .
(2) ... المجموع 9/334 – أسنى المطالب 2/11 ط المكتبة الإسلامية .
(3) ... المغني 3/584 – مواهب الجليل 4/470 .
(4) ... ابن عابدين 4/246 – البحر الرائق للزيلعي 6/8 – معين الحكام للطرابلسي ص 184 الفتاوى الهندية 3/208 – الحطاب 4/373 – كشاف القناع 3/149 ، 150 .(1/44)
- ... وإن كان بيع بعض المبيع ببعض الثمن فهو بيع إشراك .
- ... وإن كان البيع بغض النظر عن الثمن الذي اشتُرى به المبيع من مساواة أو زيادة أو نقصان وكان بسعر السوق فهو بيع المسترسل أو البيع بسعر السوق .
- ... وإذا كان البيع بالثمن مع زيادة فهو بيع المرابحة وهو ما سنفرد القول فيه بالتفصيل لذيوعه في معاملات المؤسسات المالية الإسلامية .
ويقابل بيع الأمانة بيع المساومة وهو البيع بالثمن الذي يتراضى عليه الطرفان من غير نظر إلى الثمن الذي اشترى به البائع .
* بيع المرابحة :
* المقصود بالمرابحة في اصطلاح الفقهاء :
اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفها مع اتحاد المعنى والمدلول فهي :
بيع ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الذي قامت به السلع على البائع مع زيادة ربح معلوم يتفق عليه الطرفان (1) .
فالمرابحة من بيوع الأمانة التي تعتمد على الإخبار بالثمن الأول للسلعة وتكلفتها التي قامت على البائع .
* حكم المرابحة :
جمهور العلماء على جواز بيع المرابحة ومشروعيتها :
لعموم قوله تعالى : " وأحلّ الله البيع " (2) وقوله تعالى :" إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (3) وقوله تعالى : " ليس عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم " (4) والمرابحة ابتغاء للفضل من البيع .
ومن السنة النبوية الشريفة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
__________
(1) ... أنظر بدائع الصنائع للكاساني 7/3193 ط الإمام مصر – حاشية ابن عابدين 4/152 ، 153 – الهداية 3/56 حاشية الدسوقي 3/160 – الخرشي 5/180 – الزرقاني علي خليل 3/173 فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي مع المجموع 9/5 – نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 4/106 – مغنى المحتاج 2/77 – المهذب للشيزاوي 12/395 – الشرح الكبير مع المغني 4/102 – الروض المربع 2/91 .
(2) ... البقرة/275 .
(3) ... النساء /29 .
(4) ... البقرة /198 .(1/45)
" إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " وما روى عن عبادة بن الصامت قال :" الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواءً يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " (1) .
فدلّ على جواز بيع السلعة بأكثر من رأس المال .
وما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرى بأسا بده يازده وده ياوزده (2) .
الإجماع :
وقد حكى الإجماع الإمام الكاساني حيث قال : إن الناس قد توارثوا هذه البيوعات - المرابحة وغيرها - في سائر الأعصار من غير نكير وذلك إجماع على جوازها (3) .
وقال صاحب الهداية : والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع (4) .
وقال صاحب الإفصاح : وأجمعوا على أن بيع المرابحة صحيح واختلفوا في كراهيته فكرهه أحمد ولم يكرهه الآخرون (5) .
__________
(1) ... أنظر كتابنا فقه المرابحة في التطبيق الاقتصادي المعاصر ص 30 – حديث إذا أختلف الجنسان وفي رواية النوعان أورده الزيلعي في نصب الراية 4/4 ط المجلس العلمي وقال : غريب بهذا اللفظ ثم أحال على حديث عبادة بن الصامت الذهب بالذهب " أخرجه مسلم 13/1211 ط الحلبي .
(2) ... دَه بفتح الدال وسكون الهاء اسم للعشرة بالفارسية ويازده بالياء المثناة التحتية والزاي الساكنة ، اسم أحد العشرة بالفارسية ومعنى ذلك العشرة بأحد عشرة وداوزده إثنى عشر أي لا يرى بأساً أن يبيع ما اشتراه بعشرة بأحد عشر أو بإثني عشر - أنظر كتابنا المرجع السابق .
(3) ... بدائع الصنائع 7/3192 وما بعدها .
(4) ... ح 3/56 ط مصطفى الحلبي مصر .
(5) ... ابن هبيرة ص 350 .(1/46)
وفسّر المالكية (1) الجواز بأنه خلاف الأولى أو الأحب خلافه والمساومة أحب إلى أهل العلم من بيع المزايدة وبيع الاستئمان والاسترسال وأضيقها عندهم بيع المرابحة لأنه يتوقف على أمور كثيرة قلّ أن يأتي بها البائع على وجهها .
وقال ابن قدامه : ورويت كراهته ( بيع المرابحة ) عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما ومسروق والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار وعن إسحاق بن راهويه أنه لا يجوز لان الثمن مجهول حال العقد فلم يجز (2) .
* شروط صحة المرابحة :
يشترط لصحة المرابحة توافر الشروط الآتية :
{ 1 } ... أن يكون العقد الأول صحيحاً لا فاسداً لأن البيع الفاسد وإن كان يفيد الملك في الجملة عند الحنفية ، لكن يثبت الملك فيه بقيمة المبيع أو بمثله لا بالثمن المذكور في العقد لفساد التسمية وهذا يخالف مقتضى عقد المرابحة القائم على معرفة الثمن الأول ذاته لا القيمة أو المثل (3) .
{ 2 } ... أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني وهذا شرط صحة البيع وإلا فسد العقد ، ووجه فساد البيع في الحال هو جهالة الثمن لأن الثمن للحال مجهول ، إلا أن يعلم المشتري الثاني في المجلس فيختار إن شاء فيجوز لأن الرضا لا يتكامل إلا بعد معرفة مقدار الثمن ، فإذا لم يعرف اختل رضاه وهذا يوجب الخيار . ولو لم يعلم حتى افترقا عن المجلس بطل العقد لتقرر الفساد (4) .
{ 3 } ... أن يكون الربح معلوماً لأن الربح بعض الثمن في المرابحة والعلم بالثمن شرط في صحة البيوع .
__________
(1) ... الشرح الصغير 3/215 وما بعدها – مواهب الجليل للحطاب 4/488 وما بعدها .
(2) ... المغني 4/199 ط الرياض .
(3) ... بدائع الصنائع للكاساني 7/3197 ط الإمام مصر .
(4) ... مغنى المحتاج 2/77 – جواهل الإكليل 2/57 .(1/47)
وقد يكون الربح مقداراً مقطوعاً أو نسبة مئوية ويضم الربح إلى رأس المال ويصير جزءا منه وسواء أكان حالاً نقدياً أو مؤجلاً أو مقسطاً (1) .
{ 4 } ... أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال وهو شرط جواز المرابحة على الإطلاق . وبيان ذلك : أن رأس المال إما أن يكون مما له مثل : كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة : فإنه يجوز بيعه مرابحة على الثمن الأول سواء باعه من بائعه أم من غيره ، وسواء جعل الربح من جنس رأس المال في المرابحة أو من خلاف جنسه بعد أن كان الثمن الأول معلوماً والربح معلوماً .
وأما إن كان رأس المال مما لا مثل له أي قيمياً من العروض كالمعدودات المتفاوتة والذرعيات فإنه لا يجوز بيعه مرابحة ممن ليس ذلك العرض في ملكه لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول فإذا لم يكن الثمن الأول مثل جنسه فإما أن يقع البيع على غير ذلك العرض .
وإما أن يقع على قيمته وعينه ليس في ملكه وقيمته مجهولة تعرف بالحرز والظن لاختلاف أهل التقويم فيها .
وأما بيعه ممن العرض في ملكه وتحت يده فينظر :
فإن جعل الربح شيئا مفرداً عن رأس المال معلوماً كالدرهم وثوب معين ونحو ذلك جاز لأن الثمن الأول معلوم والربح معلوم .
وإن جعل الربح جزءاً من رأس المال بأن قال : بعتك الثمن الأول بربح درهم في العشرة لا يجوز لأنه جعل الربح جزءاً من العرض والعرض ليس متماثل الأجزاء وإنما يعرف ذلك بالتقوم والقيمة مجهولة لأنها تعرف بالحرز والظن وهذا تفصيل الحنفية (2) .
__________
(1) ... البدائع 7/3195 ط الإمام – الشرح الصغير 3/215 – مغني المحتاج 2/77 وما بعدها .
(2) ... فتح القدير 5/254 – البحر الرائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 6/118 .(1/48)
أما المالكية والشافعية ومثلهم الحنابلة فعندهم تفصيل في الثمن العرض ، لا نرى حاجة عملية معاصرة إلى إيراده فيرجع إليه في مصادره لمن أراد (1) .
{ 5 } ... ألا يكون الثمن في العقد الأول مقابلاً بجنسه من أموال الربا (2) وهذا شرط متفق عليه . فإن كان بأن اشترى المكيل أو الموزون ( عند الحنفية ) بجنسه مثلاً بمثل لم يجز بيعه مرابحة لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحاً فإن اختلف الجنس فلا بأس بالمرابحة كأن اشترى ديناراً بعشرة دراهم فباعه بربح درهم أو ثوب بعينه جازه ولو باع ديناراً بأحد عشرة درهما أو بعشرة دراهم وثوب كان جائزاً بشرط التقابض (3) .
الخلاصة :
ونخلص مما تقدم إلى أنه يشترط لصحة بيع المرابحة خمسة شروط هي :
- ... صحة العقد الأول .
- ... العلم بالثمن الأول وما قامت به السلعة .
- ... العلم بالربح .
- ... أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال .
- ... عدم مقابلة الثمن في العقد الأول بجنسه من أموال الربا .
* ما يضاف إلى رأس مال المرابحة (4) وما لا يضم إليه :
اختلفت اتجاهات المذاهب الفقهية في ذلك وتعددت الضوابط الفقهية فيه .
- فالحنفية :
__________
(1) ... الخرشي 5/172 – فتح الجليل 2/182 – فتح العزيز 9/11 – معنى المحتاج 2/79 .
(2) ... وأموال الربا عند المالكية كل مقتات ومدخر وعند الشافعية كل مطعوم وعند الحنفية والحنابلة كل مكيل وموزون واتفق الجميع على جريان الربا في الذهب والفضة وما يحل محلهما من الأوراق النقدية على الصحيح والمشهور .
(3) ... المبسوط 13/82،79 – بدائع الصنائع 5/222 .
(4) ... رأس مال الرابحة هو ما لزم المشتري الأول ( البائع مرابحة ) بالنقد لا ما نقده بعد العقد إذ أن ما نقده بعد العقد وجب بعقد آخر وهو الاستبدال – أنظر البدائع 7/3197 – حاشية الزرقاني على خليل 3/174 .(1/49)
وضعوا ضابطاً عاماً لذلك فقالوا : يلحق برأس المال كل ما جرت عادة التجار أن يلحقوه به ، وقالوا أيضاً كل ما يزيد في المبيع أو قيمته يضم
إليه ومثلوا لذلك بأجرة القصار والخياط والسمسار والكراء وعلف الدواب وتجصيص الدار وسقي الزرع وغرس الأشجار وحمل الطعام
وأجرة المخزن .
وفي هذه الحالة يقول البائع مرابحة للمشتري : قام علىّ بكذا .
أما ما لم تجر به عادة التجار فإنه لا يلحق بالثمن ومثلوا لذلك :
بأجر عمل قام به بنفسه أو تطوع به متطوع ونحو ذلك (1) .
- وذهب المالكية (2) :
إلى إن كل فعل له عين قائمة وزاد في ثمن المبيع فإنه يضاف إلى الثمن ويربح له أي تضاف إلى الثمن المؤن والتكاليف بالإضافة إلى ربح هذه الزيادة ومثلوا لذلك : بالصبغ والطرز والخياطة لأن ما زاد في الثمن كالثمن كما صرح ابن عرفه .
ولكن المالكية اشترطوا لذلك ألا يفعل البائع مرابحة ذلك بنفسه بل أن يستأجر عليه غيره .
أما إذا كان الفعل الذي قام به غير البائع يزيد في ثمن المبيع ولكن ليس له عين قائمة فإنه يحسب فقط ولا يربح له أي لا يحسب له ربح ومثلوا لذلك :
بأجرة الحمولة أي كطّي وشدا عتيد فعلهما .
وقد لجأ المالكية أيضاً إلى العرف فقالوا : إذا كان العرف والعادة جارية بأن يستأجر على الشّد والطّي فإنه يحسب أجرتهما ولا يحسب ربحهما أما إذا لم تجر العادة بذلك فإنه لا يحسب أصل ولا ربحه .
- أما الشافعية (3) :
__________
(1) ... المراجع السابقة – الهداية 1/56 .
(2) ... الخرشي 5/173 – حاشية الدسوقي 3/161 – حاشية الزرقاني علي خليل 3/174 القوانين الفقهية لابن جزي ص 174 – الموطأ للإمام مالك ص 557 .
(3) ... أنظر نهاية المحتاج 4/113 ، 114 – المهذب 1/296 – فتح العزيز 9/6 – 7 .(1/50)
فقد وضعوا ضابطا لكل ما يضاف إلى الثمن وما لا يضاف إليه فقالوا : يضاف إلى الثمن سائر المؤن التي يقصد بها الاسترباح ولا يضاف إليه سائر ما يقصد به استبقاء الملك دون الاسترباح وما عمله بنفسه أو عمله غيره تطوعاً .
ومثّلوا لما يضاف بأجرة الدلال والحارس وسائر المؤن المرادة للاسترباح كأجرة المكان حتى المُكس الذي يأخذه السلطان لأن ذلك من مؤن التجارة .
- وعند الحنابلة (1) :
كل ما يزيد المبيع قيمة أو ذاتاً يضم إلى الثمن .
ويتضح مما تقدم أنهم اتفقوا على أن ما يفعله البائع مرابحة بنفسه أو يعمله غيره له تطوعاً لا يضم إلى الثمن وأن عادة التجار محكّمة عند الحنفية والمالكية .
* ما يجب على البائع مرابحة بيانه وجزاء الخيانة فيه :
المرابحة كما سبق من بيوع الأمانة لأن المشتري ائتمن البائع دون أن يطالبه ببينه أو استحلاف ومن ثم تجب صيانتها عن الخيانة والتهمة .
ومن أهم الأمور التي يجب على البائع مرابحة بيانها للمشتري ما يلي :
{ 1 } ... عيوب المبيع :
فّرق الحنفية (2) بين العيوب الحادثة بآفة سماوية والعيوب الحادثة بغير ذلك فإذا كانت الأولى جاز البيع دون بيان ويلزم البيان في الثانية .
أما جمهور الفقهاء (3) فيوجبون البيان دون تفريق .
{ 2 } ... الشراء بالآجل :
اتفق الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أنه لو اشترى نسيئة لم
يبعه مرابحة حتى يبيّن ذلك للمشتري لأن الأجل شبهة المبيع وإن لم يكن مبيعاً حقيقة والشبهة ملحقة بالحقيقة في هذا الباب فيجب التحرر عنها
__________
(1) ... الشرح الكبير 4/106 .
(2) ... البدائع المرجع السابق ص 3200 ، 3201 – حاشية ابن عابدين المرجع السابق ص 158 .
(3) ... الخرشي ح 5/176 – حاشية الدسوقي 3/165 – نهاية المحتاج 4/116 – فتح العزيز 9/9 – 11 .(1/51)
بالبيان (1) فإن لم يبين كان المشتري بالخيار بين أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد حالاً وبين الفسخ وحكى ابن المنذر عن أحمد أنه إن كان المبيع قائما فإنه مخّير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلا لأنه الثمن الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له (2) .
{ 3 } ... البيع بالترقيم :
يجوز البيع مرابحة بالترقيم عند عامة العلماء فلو اشترى ثوبا بعشرة دراهم ورقّمه اثنى عشر فباعه مرابحة على الرقم من غير بيان جاز إذا كان الرقم معلوماً ، وروى عن أبي يوسف إن المشتري إذا كان لا يعلم عادة التجار وعنده أن الرقم هو الثمن لم يبعه مرابحة على ذلك من غير بيان (3) .
{ 4 } ... تكرار التعاقد على السلعة :
إذا تكرر التعاقد على السلعة ثم أراد بيعها مرابحة فعند أبي حنيفة والقاضي وأصحابه يطرح كل ما كسبه من ربح قبل ذلك ثم يبيعها مرابحة على ما يتبقى من رأس المال فإن لم يبق منه شيء بأن استغرق الربح الثمن لم يبعها مرابحة (4) .
وعند أبي يوسف ومحمد والشافعية يبيعها مرابحة على الثمن الأخير الذي اشتراها به من غير بيان ولا عبرة بالعقود المتقدمة ولا يلزمه البيان (5) وهو ما نرجحه لحاجة التجار والتجارة إليه .
{ 5 } ... تقسيم الصفقة :
وصورته أن يشتري شخص شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما مرابحة أو اشترى اثنان شيئا فتقاسماه وأرادا أحدهما بيع نصيبه مرابحة :
فإذا كان من المثليات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء فإنه يجوز بيع
بعضه مرابحة بقسطه من الثمن لأن ثمن ذلك الجزء معلوم يقينا . وقال
ابن قدامه (6) : لا نعلم فيه خلافاً .
__________
(1) ... البدائع 7/3202 – ابن عابدين 4/158 – الشرح الكبير 4/104 – المراجع السابقة .
(2) ... الشرح الكبير 4/104 .
(3) ... البدائع للكساني 7/3202 – الشرح الكبير 4/107 .
(4) ... الشرح الكبير 4/104 .
(5) ... البدائع للكساني 7/3202 – الشرح الكبير 4/107 .
(6) ... الشرح الكبير 4/105 .(1/52)
أما إذا كان من المتقوّمات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء فقد اختلف
فيه الفقهاء :
فذهب الحنفية والحنابلة والثوري وإسحاق (1) فإن على البائع أن يبين الحال على وجهه وإلا كان المشتري بالخيار بين الإمساك والرد لأن قسمة الثمن على المبيع طريقة الظن واحتمال الخطأ فيه كثير ، وبيع المرابحة أمانة فلم يجز فيه هذا .
وذهب الشافعية (2) إلى جواز بيعه بحصته من الثمن لأن الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته .
ونرجح الاتجاه الأول لأن البيع أمانة ومن ثم يلزم فيه البيان .
* الخيانة في المرابحة :
الخيانة ضد الأمانة . والخوف ضد الأمن والاطمئنان وكلاهما أي
الأمن والاطمئنان جوهر بيوع الأمانة عموماً والمرابحة خصوصاً لزيوع التعامل بهما .
وإذا ظهرت الخيانة في المرابحة : بإقرار البائع في عقد المرابحة أو ببرهان عليهما أو بنكوله عن اليمين .
وقد تظهر الخيانة في صفة الثمن أو في قدره :
{ أ } ... فإذا ظهرت في صفة الثمن :
بأن اشترى شيئا نسيئة ثم باعه مرابحة على الثمن الأول ولم يبين ثم علم المشترى فله الخيار عند الحنفية (3) إن شاء اخذ وان شاء رده لان المرابحة عقد مبني على الأمانة فكانت صيانة البيع الثاني عن الخيانة مشروطة دلالة فإن لم يتحقق الشرط ثبت الخيار .
{ ب } ... وإن ظهرت الخيانة في قدر الثمن فقال أبو حنيفة ومحمد (4) المشتري بالخيار لان المشتري لم يرضى بلزوم العقد إلا بالقدر المسمى من الثمن فلا يلزم بدونه ويثبت له الخيار لوجود الخيانة .
وقال أبو يوسف (5) :
__________
(1) ... بدائع الصنائع – مرجع سابق – الشرح الكبير – مرجع سابق .
(2) ... فتح العزيز 4/9 .
(3) ... البدائع 7/3206 ط الإمام – فتح القدير 6/507 .
(4) ... المبسوط 13/86 – حاشية ابن عابدين 4/163 .
(5) ... المبسوط 13/86 – حاشية ابن عابدين 4/1634 .(1/53)
لا خيار للمشتري ولكن يحط قدر الخيانة لأن الثمن الأول أصل في بيع المرابحة فإذا ظهرت الخيانة تبين أن تسمية قدر الخيانة لم تصح فتلغو التسمية في قدر الخيانة ويبقى العقد لازماً بالثمن الباقي .
وقال المالكية (1) :
إن كذب البائع بالزيادة في الثمن لزم المبتاع الشراء إن حطه البائع عنه وحط ربحه أيضاً وإن لم يحطه وربحه عنه كان المشتري بالخيار بين الإمساك والرد .
وذهب الشافعية :
إلى أنه يحّط الزيادة في مقدار الثمن وربحها وأنه لا خيار للمشتري .
وذهب الحنابلة :
إلى أن للمشتري الخيار بين أخذ المبيع والرد وفسخ العقد لان المشتري دخل عليه ضرر في التزامه فلم يلزمه كالمعيب أما الأخبار بالزيادة على رأس المال فيرجع المشتري على البائع بالزيادة وحطها من الربح (2) .
* بيع المرابحة للآمر بالشراء :
إن أول صيغة قانونية لبيع المرابحة للآمر بالشراء وهي السائدة في المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية ما ورد في قانون البنك الإسلامي الأردني حيث نص على أن :
" قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء الأول ما يطلبه
الثاني بالنقد الذي يدفعه البنك كلياً أو جزئياً وذلك في مقابل التزام الطالب بشراء ما أمر به وحسب الربح المتفق عليه عند الابتداء " (3) .
وبيع المرابحة للآمر بالشراء ليس مستحدثا كما ظن البعض (4) وان زاع التعامل به في المصارف الإسلامية في المرابحات الخارجية ولكننا نجد في كتب الفقه ما يسندها على النحو التالي :
{
__________
(1) ... الشرح الصغير 3/224 .
(2) ... القانون رقم 13/978 في المادة الثانية منه – منشور في الجريدة الرسمية العدد 2773 بتاريخ 1/4/1978 .
(3) ... القانون رقم 13/978 في المادة الثانية منه – منشورة في الجريدة الرسمية العدد 2773 بتاريخ 1/4/1978 .
(4) ... د . سامي حمود – تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية ص 480 وما بعدها.(1/54)
1 } ... في كتاب الحيل للإمام محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية ما نصه :
قلت ارأيت رجلاً أمر رجلاً أن يشتري داراً بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها الأمر بألف درهم ومائة درهم فأراد المأمور شراء الدار ثم خاف أن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها فتبقى في يد المأمور كيف الحيلة في ذلك ؟ قال : يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام ويقبضها ويجيء الأمر ويبدأ فيقول : قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم فيقول المأمور هي لك بذلك فيكون ذلك للآمر لازماً ويكون استيجابا من المأمور للمشتري : أي ولا يقل المأمور مبتدئا بعتك إياها بألف ومائة (1) .
{ 2 } ... وفي كتاب الأم للإمام الشافعي قال :
" وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال : اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعاً وان شاء تركه وهكذا إن قال اشتر لي متاعاً ووصفه له أو متاعاً أي متاع شئت ( رأي غير معين ولا موصوف ) وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الأول ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار وسواء في هذا ما وصفت أن كان قال قال ابتعه واشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكون بالخيار في البيع الأخر فإن حدداه جاز وان تبايعا به على أن ألزما أنفسهما فهو مفسوخ من قبل شيئين :
أحدهما : انهما تبايعا قبل أن يملكه البائع .
والثاني : انه على مخاطرة ( فوات السلعة بالتلف أو الهلاك ) انك إن اشتريته
علي كذا أربحك فيه كذا (2) .
{ 3 } ... قال الإمام خليل المالكي :
" جاز المطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بمال ولو بمؤجل بعضه " (3) .
{ 4 } ... جاء في أعلام الموقعين لابن القيم الجوزيه :
__________
(1) ... ص 79 وما بعدها .
(2) ... ح 3 ص 33 .
(3) ... متن خليل ص 179(1/55)
" قال رجل لغيره اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا فخاف أن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها أو لا يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر ثم يقول للآمر قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار فان لم يشترها الآمر إلا بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيار أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع ليتسع له زمن الرد أن ردت عليه (1) .
هذه نصوص فقهية لأربعة من كبار أئمة الفقه الإسلامي تبين بوضوح وجلاء أن بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تمارسه المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية ليس جديداً في ذاته وإنما الجديد فيه هو ممارسته بطريق أو بأسلوب ما يسمى بنظام " الاعتماد المستندي " وقبل أن نوضح ممارسة المرابحة للآمر بالشراء عن طريق الاعتماد المستندي نورد صورة من بيع المرابحة للآمر بالشراء اجتمعت فيها المخالفات الشرعية التي نحذر منها .
{ 5 } ... صورة للمرابحة للآمر بالشراء اجتمعت فيها الكثير من المخالفات الشرعية :
روى مالك في الموطأ أنه بلغه أن رجلاً قال لرجل :
ابتع لي هذا البعير بنقد حتى ابتاعه منك إلى أجل فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه (2) .
قال الباجي :" ولا يمتنع أن يوصف بذلك ( أي بيعتين في بيعة ) من وجهة انه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمن بيعتين :
أحدهما : الأولى وهي بالنقد
__________
(1) ... أعلام الموقعين 4/29 بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ط دار الفكر بيروت .
(2) ... الموطأ مع المنتقي 5/38 – ذكر مالك هذه المسألة في باب بيعتين في بيعه المنهي عنه .(1/56)
والثانية : المؤجلة وفيها مع ذلك بيع ما ليس عنده لان المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه ، وفيها سلف وزيادة لأنه يبتاع له البعير بعشرة على أن يبيعه منه بعشرين إلى أجل يتضمن ذلك أنه سلفه عشرة في عشرين إلى أجل وهذه
كلها معان تمنع جواز البيع والعينة فيها أظهر عن سائرها
والله أعلم " (1) .
* كيفية بيع المرابحة للآمر بالشراء وحكمه الشرعي :
يتقدم الشخص سواء كان طبيعياً أو اعتبارياً إلى المصرف الإسلامي طالبا منه شراء سلعة معينة بالمواصفات التي يحددها في طلب الشراء ونسبة الربح التي يتفق عليها وكيفية دفع الثمن وهذه هي الصورة الغالبة في التعامل المصرفي الإسلامي (2) .
وهذه العملية وكما صورها الكثيرون مركبة من وعد بالشراء ووعد بالبيع مرابحة وبهذا التصوير جاءت توصية مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي حيث نصت على :
" يرى المؤتمر إن هذا التعامل يتضمن وعداً من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها ووعداً آخر من المصرف بإتمام البيع بعد الشراء طبقا لذات الشروط (3) .
* الوعد في المرابحة للآمر بالشراء :
اختلف الفقهاء قديما وحديثا في الوعد ومدى إلزامه للواعد ووجوب
الوفاء به .
- تعريف الوعد :
__________
(1) ... المنتقى 5/38 وما بعدها .
(2) ... أنظر الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية ح 1/28 وما بعدها .
(3) ... توصيات مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1398 هـ 1979 م ص 14 .(1/57)
الوعد : كما قال ابن عرفه : هو إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل (1) أو هو ما يفرضه الشخص على نفسه لغيره بالإضافة إلى المستقبل لا على سبيل الالتزام في الحال (2) .
ويختلف العقد عن الوعد في أن الأول إذا وجد مستوفياً أركانه وشروطه الشرعية ترتب عليه أثره في الحال ووجب على كل من المتعاقدين الوفاء بالتزامه قبل الآخر بموجب العقد وإلا ألزمه القاضي الوفاء به .
( أما الوعد فيتضمن إنشاء التزام في المستقبل ) قال أبو هلال العسكري : والفرق بين الوعد والعهد إن العهد ما كان من الوعد مقروناً بشرط نحو إن فعلت كذا فعلت كذا (3) .
- الوفاء بالوعد ولزومه :
{ 1 } ... أقوال الفقهاء قديماً :
لا خلاف بين العلماء على إن الوفاء بالوعد مستحب وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في وجوب الوفاء بالوعد ، فيما إذا امتنع الواعد عن الوفاء به من غير مسوغ يجبره القاضي أم لا وذلك على النحو التالي :
{ 1 } ... جمهور الفقهاء (4) ( من الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية في قول ) :
__________
(1) ... الفروق في اللغة وفتح العلي المالك 1/254 ، يراجع د . بدران أبو العنين الشريعة الإسلامية تاريخها ونظرية الملكة والعقد ص 367 – تحرير الكلام من مسائل الالتزام ج 1 من فتاوى الشيخ عليش ص 254 – العيني علي البخاري ج 1 ص 256 .
(2) ... د . السنهوري – مصادر الحق ج 1 ص 45 وقد عرفت المادة 254 من القانون المدني الأردني الوعد بأنه ما يفرض الشخص على نفسه لغيره بالإضافة إلى المستقبل لأعلى سبيل الالتزام في الحال وقد يقع على عقد أو عمل – ويلزم الوعد صاحبه .
(3) ... الفروق في اللغة – المرجع السابق .
(4) ... أنظر العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحاق لابن عابدين 2/321 – تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب ص 154 – روضة الطالبين 5/390 – كشاف القناع 3/363 – الإنصاف للمرداوي5/190 .(1/58)
يرون أن الوفاء بالوعد غير واجب ، ولا ينال الواعد إثما إذا وعد وهو يريد الوفاء ، ثم عرض له ما منعه من الوفاء ، أما إذا وعد وهو عازم على عدم الوفاء فهذه إمارة النفاق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " (1) .
{ 2 } ... وبعض الحنفية :
يرون إن الوفاء بالوعد غير لازم إلا في حالة ما إذا صدر معلقاً على
شرط منعا للتغرير بالموعود له وذكر البغدادي في مجمع الضمانات :" وإن ذكر البيع من غير الشرط على وجه المواعدة جاز البيع ويلزم الوفاء بالوعد لان المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازما كحاجة الناس (2) .
{ 3 } ... ابن شبرمة (3) .
( ت 144 هـ ) وإسحاق بن راهوية (238هـ) والحسن البصري (110 هـ) ذهبوا إلى إن الوعد كله لازم ويجبر الواعد على الوفاء به قضاء .
{ 4 } ... المالكية :
اختلف المالكية في هذه المسألة على أربعة أقوال :
{ أ } ... إن الواعد لا يلزمه الوفاء في جميع الأحوال ما لم يمت أو يفلس وهذا موافق لرأي الجمهور وقد ضعفه الحطاب (4) .
{ ب } ... إن الواعد يجبر على الوفاء بوعده قضاء في جميع الأحوال أي سواء أدخل الواعد الموعود في سبب أم لا ، وسواء دخل في السبب بالفعل أم لم يدخل هذا موافق لرأي بن شبرمه - وقال الحطّاب : انه ضعيف جداً .
{ ج } ... أنه يلزم الوفاء بالوعد إذا كان معلقا على سبب وإلا فلا سواء دخل الموعود في السبب بالفعل أو لم يدخل .
{
__________
(1) ... أخرجه البخاري _ فتح البارى 1/89) من حديث عبد الله بن عمرو .
(2) ... ص 243 ط دار الكتاب القاهرة – حاشية ابن عابدين 4/121 ط دار إحياء التراث – بيروت .
(3) ... يراجع – المحلي لابن حزم ج 8 ص 28 ، أنظر أيضاً أعلام الموقعين ج 3 ص 402 – تحرير الكلام للحطاب ص 154 .
(4) ... يراجع – فتاوى الشيخ عليش ج 1 ص 256 .(1/59)
د } ... أنه ملزم بالوفاء بوعده إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في السبب بالفعل وهذا قول مالك وابن القاسم (1) .
والقول الأخير هو المشهور الراجح عند المالكية وتؤيده آيات القران الكريم وكذا السنة الآمرة بالوفاء بالوعد والعهد .
يقول الله تعالى : " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " (2) .
__________
(1) ... فتاوى الشيخ عليش ج 1 ص 256 ، 258 فتح العلي المالك ج 1 ص 217 - البهجة شرح التحفة ج 2 ص 251 ، 252 ، وقد جاء في كتاب الفروق ج 4 ص 24 ، 25 طبعة دار أحياء الكتب العربية ما يأتي :
... " أعلم أن الفقهاء اختلفوا في الوعد هل يجب الوفاء به شرعاً أو لا " .
... قال مالك : إذا سألك أن تهب له ديناراً فقلت نعم ثم بدا لك لا يلزمك ، ولو كان افتراق الغرماء عن وعد واشهاد لأجله لزمك لأبطالك مغرماً بالتأخير ( كذا ) .
... قال سحنون : الذي يلزم من الوعد قوله أهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به ، أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك ، أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك لأنك أدخلته بوعدك في ذلك أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به من مكارم الأخلاق .
... وقال أصبغ : يقضي عليه به تزوج الموعود أم لا ، وكذا اسلفني لأشتري سلعة كذا لزمك ، تسبب في ذلك أم لا والذي لا يلزم من ذلك أن تعده من غير ذكر سبب فيقول لك اسلفني كذا فتقول نعم . بذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وأن وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك لأنه اسيقاط لازم للحق سواء – قلت له : أؤخرك أو أخرتك وإذا أسلفته فعليك تأخيره مدة تصلح لذلك .
... وحينئذ نقول : وجه الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يقتضي بعضها الوفاء به وبعضها عدم الوفاء به أنه إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم كما قال مالك وابن القاسم وسحنون أو وعده مقروناً بذكر السبب ، كما قال أصبغ لتأكد العزم على الدفع حينئذ ويعمل عدم اللزوم على خلاف ذلك " .
... - أنظر أيضاً المدونة الكبرى ج 3 ص 264 دار الفكر - بيروت .
(2) ... الإسراء /34 .(1/60)
وحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له (1) .
وقوله صلى الله عليه وسلم :
" أربع من كن فيه كان منافقا إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " (2) .
مثال :
إذا قال شخص لآخر سأعطيك إذا نجحت في الامتحان مائة ريال ثم نجح فانه يجب الوفاء به قضاء عند ابن شبرمة وبناء على القول الثاني من أقوال المالكية .
وإذا قلت لشخص أريد إن اذهب إلى مكان كذا فأعرني سيارتك فقال لك نعم ثم بدا له إن يرجع فيما قال إن يدخل في السبب ( السفر ) فان هذا الوعد يلزمه قضاء على القول الثاني والثالث أما إن دخلت في السبب بالفعل بناء على هذا الوعد فانه يجب الوفاء قضاء على ما عدا القول الأول الموافق لرأي الجمهور .
{ 5 } ... ابن العربي (3) :
يذهب إلى إن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر .
ففي معنى قوله تعالى : يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون
( الصف /2 ) .
يقول إن من التزم شيئا لزمه شرعاً والملتزم على قسمين :
* ... نذر تقرب مبتدأ كقوله : لله على صوم وصلاة وصدقة فهذا يلزمه بالوفاء به إجماعاً .
* ... ونذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة ( كقوله : إن قدم غائبي فعلى صدقه ) أو علق بشرط رهبة ( كقوله : إن كفاني الله شر كذا فعلى صدقة ) فاختلف العلماء فيه :
فقال مالك وأبو حنيفة : يلزمه الوفاء به .
__________
(1) ... رواه أحمد عن أنس والبيهقي عن أنس وصححه المناوي في شرح الجامع الصغير ج 6 /381 .
(2) ... وورد بلفظ " أربع من كّن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق وحتى يدعها : إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " متفق عليه – نزهة المتقين شرح رياض الصالحين ح 2/280 ، 281 – رواه البخاري في كتاب الإيمان – رواه مسلم في كتاب الإيمان .
(3) ... أحكام القرآن ج 4 ص 1799 وما بعدها .(1/61)
وقال الشافعي : في أحد أقواله : انه لا يلزمه الوفاء به .
الثاني : إن كان المقول منه وعداً فلا يخلو إن يكون منوطاً بسبب أو وعداً مجرداً فان كان منوطاً بسبب كقوله : إن اتبعت حاجة كذا أعطيتك كذا فهذا لازم إجماعا من الفقهاء .
وأن كان وعداً مجرداً فقيل : يلزم بمطلقة وتعلقوا بسبب الآية فان روى انهم كانوا يقولون : لو نعلم أي الأعمال أفضل واحب إلى الله لعملناه فانزل الله عز وجل هذه الآية :
وقد روى مجاهد إن عبد الله بن رواحه لما سمعها قال :
لا أزال حبيساً في سبيل الله حتى أقتل .
وفي القرطبي : قال مالك فأما العدة مثل إن يسال الرجل الرجل إن يهب له الهبة فيقول له : نعم ثم يبدو له إلا يفعل فما أرى ذلك يلزمه .
والصحيح عند ابن العربي إن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر.
وذلك لعموم الآية لأنها بمطلقها تتضمن ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط .
وذهب جماعة منهم عمر بن عبد العزيز إلى إن الوفاء بالوعد واجب إذا لم يكن جازماً عند الوعد أما إذا جزم بالوفاء عند الوعد فلا بد من الوفاء وإلا فقد ارتكب حراما إلا إن يتعذر الوفاء (1) .
ونقل عن الشافعي وأبو حنيفة والجمهور انهم يرون إن الوفاء مستحب ، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه الشديد (2) .
{ 2 } ... اتجاهات العلماء المعاصرين في المسألة :
* ... انتهى مؤتمر المصرف الإسلامي الأول الذي انعقد في دبي سنة 1399 هـ 1979 م إلى :
* ... إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقاً لأحكام المذهب المالكي وملزم للطرفين ديانة طبقاً لأحكام المذاهب الأخرى وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه "
__________
(1) ... أنظر كتاب الشيخ عبد القادر أحمد عطا – هذا حلال وهذا حرام ص 272 ، 273 الطبعة 2 دار تراث العربا .
(2) ... المرجع السابق .(1/62)
* ... ذهب الشيخ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير في بحثه عن المرابحة للآمر بالشراء إلى القول :
" والصواب عندي هو عدم إلزام الأمر بالشراء للأدلة التي ذكرها المتقدمون من الفقهاء وأقواها إن بيع المرابحة للآمر بالشراء مع إلزام الآمر بوعده يؤدي إلى بيع الإنسان ما ليس عنده لأنه لا فرق بين إن يقول شخص لآخر بعتك سلعة كذا بمبلغ كذا والسلعة ليست عنده وبين إن يقول شخص لآخر اشتر سلعة كذا وأنا ملتزم بشرائها منك بمبلغ كذا وبيع الإنسان ما ليس عنده المنهي عنه بحديث : لا تبع ما ليس عندك " (1) ولا يغير من هذه الحقيقة كون البنك والآمر بالشراء سينشئان عقد بيع من جديد بعد شراء البنك السلعة وتقديمها للآمر ما دام كل واحد منهما ملزما بإنشاء البيع على الصورة والتي تضمنها الوعد " .
* ... انتهى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني الذي انعقد في الكويت سنة 1403 هجرية ـ 1983 ميلادية إلى :
... " يقرر المؤتمر إن المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً وطالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي .
__________
(1) ... الجامع الصحيح 3/536 – منتقى الأخبار مع نيل الأوطار – 5/252 – فتح القدير 6/337 ، 338 – أخرجه أبو داود – كتاب البيوع رقم 23503 – والترمذي رقم 1232 – والنسائي 7/289 وإسناده صحيح من حديث حكيم بن حزم – وفي السنن نحوه من حديث أبن عمرو – أخرجه أحمد 6628 ، 6671 وابن ماجه 2188 وسنده حسن .(1/63)
وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزماً للآمر أو المصرف أو كليهما ، فإن الأخذ بالإلزام هو الاحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل وان الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه " (1) .
* ... ويجري العمل في بنك فيصل الإسلامي بالسودان على إن هذه المعاملة ملزمة للبنك وغير ملزمة للآمر بالشراء وإنما هو بالخيار بعد ما يعرض عليه السلعة المشتراة .
* ... ذهب مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة التي انعقدت في الكويت جمادى الأولى سنة 1409 هـ ديسمبر 1988 في قراره إلى :
"الوعد وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب
ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة أما بتنفيذ الوعد وأما بتعويض عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر " .
* ... في ندوة البركة التاسعة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة بجده رمضان 1414 هـ فبراير 1994 م صدرت الفتوى رقم (12) في إلزام الآمر بالشراء في المواعدة على المرابحة ونصها :
" بناء على ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي بجده في القرار رقم (2) للدورة الخامسة بشأن المرابحة للآمر بالشراء من منع المواعدة من الطرفين على الإلزام لهما دون إن يكون لأحدهما الخيار لأنها حينئذ تشبه البيع ، فإن اللجنة ترى إن الطرف الأولى بإعطاء الخيار له لكي تنتفي المواعدة الملزمة من الطرفين هو الأمر بالشراء فينبغي إن تتوجه المصارف إلى عدم الالتزام في حق الآمر بالشراء أو في حق الطرفين كليهما " .
في سنة 1996 أصدرت الهيئة الشرعية الموحدة للبركة الفتوى التالية :
__________
(1) ... وبمثل هذه التوصية أخذت ندوة البركة – للاقتصاد الإسلامي المنعقدة بالمدينة المنورة – رمضان 1403 هـ يونيو 1983 .(1/64)
بالنسبة لإلزام الوعد في عقود المرابحة المصرفية فان حاجة البنوك إن تلزم الأمر بالشراء لا إن تلزم نفسها غير إن مجمع الفقه الإسلامي قال انه يفضل إن يكون الإلزام للبنك حتى يتحمل البنك هو المخاطرة ولكن ما دام أحد الطرفين هو ملزم فالأمر مقبول وهذا بموجب قرار المجمع الذي أجاز إلزام أحد الطرفين آيهما كان ومنع إلزام الطرفين معاً (1) .
* بيع المرابحة للآمر بالشراء ونظام الاعتمادات المستندية :
ظن الكثيرون إن بيع المرابحة للآمر بالشراء معاملة مستحدثة ، وصورها البعض على أنها نوع من الوساطة التي يستطيع فيها المصرف اللاربوي أن يقوم بأعمال الائتمان التجاري منافساً بكل قوة كافة البنوك الربوية .
وهذا الظن وذاك التصور غير صحيح وغير دقيق لما أثبتناه من وجود بيع المرابحة للآمر بالشراء في كتب الفقه المعتمدة منذ قرون خلت .
أما عن تصويرها بأنها نوع من الوساطة لتسهيل أعمال الائتمان التجاري فغير دقيق ويقتضي لبسط نظام الاعتمادات المستندية لنرى وجه الشبه من عدمه .
أولاً : ... تطور التجارة الدولية (2) وظهور الاعتماد المستندي :
نظراً لما اكتنف اتساع نطاق التجارة الخارجية بين الدول في العصر الحديث من صعوبات كبيرة في تسوية المدفوعات وازدياد المخاطر وضرورة توفير الضمانات الكفيلة بتحقيق مصلحة كل من البائع والمشتري والشاحن ويتمثل ذلك في حصول البائع على ثمن بضاعته والمشتري على البضاعة المطلوبة والمستندات اللازمة ( للتخليص ) عليها والشاحن عن طريق تحديد المستندات المتفق عليها والتي تكون ضرورية لسداد قيمة البضاعة والتخليص عليها في مواني الشحن والتفريغ .
__________
(1) ... فتاوى الهيئة الشرعية للبركة ص 92 .
(2) ... ليس معنى ذلك أن نظام الاعتماد المستندي مقصور على التجارة الخارجية بل من الممكن أن يجرى في التجارة الداخلية ولكن ارتبط ظهوره في الأعم والأغلب باتساع نشاط التجارة الدولية .(1/65)
كل ذلك أدى إلى ظهور الاعتماد المستندي كي يساعد على استقرار المعاملات الدولية وتسهيلها ومن ثم فقد اصبح دور الاعتماد المستندي في التجارة الخارجية غاية في الأهمية كي يتأكد البائع من قدرة المشتري على الوفاء وعزمه عليه رغم بعد الشقة واختلاف القوانين المطبقة والمحاكم المختصة ويتأكد المشتري أيضا من مطابقة المستندات للشروط التي يتطلبها في البضاعة كما يتجنب تجميد جزء من رأس ماله إلى حين استلام البضاعة وبيعها إذ لا يقوم بالدفع إلا عند استلام المستندات .
وأكثر ما يكون الاعتماد المستندي في التجارة الخارجية بين مستوردين ومصدرين بخاصة في البيوع البحرية .
ثانيا : المقصود بالاعتماد المستندي :
تعهد من البنك بناء على طلب المتعامل معه ( يسمى الآمر أو معطي الأمر) لصالح الغير المصدر ( ويسمى المستفيد ) يلتزم البنك بموجبه بدفع أو بقبول كمبيالات مسحوبة عليه من المستفيد وفقاً للشروط التي يتم الاتفاق عليها بين الآمر والبنك وغالباً ما يكون مضموناً برهن حيازي على المستندات المتمثلة للبضائع المصدرة (1) .
ونظراً لان العلاقات القانونية الناشئة عن الاعتماد المستندي ذات صبغة دولية في الغالب الأعم فقد عملت غرفة التجارة الدولية على وضع قواعد اتفاقية موحدة تحكم نظام الاعتماد المستندي وتم ذلك في مؤتمر لشبونه 1951 وعمل بها اعتباراً من عام 1951 وأصبحت تعرف بالقواعد والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية (2) .
وقد روجعت هذه القواعد والأعراف الموحدة عدة مرات كان أخرها ما تم اعتماده في 3 ديسمبر 1974 وعمل به منذ أول أكتوبر 1975 (3) .
__________
(1) ... أنظر العقود وعمليات البنوك التجارية د . علي البارودي ص 372 - المراجع الأخرى المشار
إليها فيه .
(2) ... أنضم إلى هذه الاتفاقية اتحاد البنوك التجارية بمصر عام 1958 .
(3) ... أنظر مذكرات الاعتمادات المستندية للأستاذ سيد بدوي – لطلبة المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي .(1/66)
ثالثا : خصائص نظام الاعتماد المستندي :
{ 1 } ... يخدم الاعتماد المستندي ثلاثة أطراف :
{ أ } ... طالب فتح الاعتماد ( العميل الأمر ) الذي يتقدم بطلب فتح الاعتماد للبنك .
{ ب } ... البنك الذي يقوم بفتح الاعتماد بعد دراسة طلب الآمر ومركزه المالي .
{ ج } ... الغير المستفيد ( البائع عادة ) .
{ 2 } ... العلاقة بين طالب فتح الاعتماد ( العميل الآمر ) والغير المستفيد :
علاقة مستقلة وسابقة على فتح الاعتماد ويحكمها العقد المبرم بينهما
(غالبا ما يكون عقد بيع ) ويتم فيه الاتفاق على دفع الثمن عن طريق فتح الاعتماد المستندي .
ولا شأن للبنك فاتح الاعتماد على الإطلاق بهذه العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد ، وليس للبنك أيضا إن يستند أو يتصرف أو يقدر بناء على العلاقة السابقة بين العميل الآمر والمستفيد وتنص الفقرة ( ج ) من مجموعة القواعد والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية على إن الاعتمادات بطبيعتها عمليات تجارية مستقلة عن البيوع أو العقود الأخرى التي قد تستند عليها والتي لا تعنى المصارف بأية صورة كما إن المصارف لا تلتزم بهذه العقود .
{ 3 } ... العلاقة بين طالب فتح الاعتماد والبنك .
الاعتماد أداة تمويل يستخدم العميل بمقتضاه تسهيلات مصرفية لتمويل نشاطاته المتعددة .
ويحكمه عقد فتح الاعتماد المبرم بين العميل والبنك بناء على طلب العميل والبنك الذي يقوم بدراسته والبت فيه على ضوء مركز العميل المالي وسمعته والتزاماته القائمة والضمانات التي يقدمها في ضوء نوع وحجم التسهيلات المطلوبة .(1/67)
وبعد موافقة البنك على طلب فتح الاعتماد يجب إن تحتوي تفاصيل الاعتماد على جميع البيانات الواردة في طلب العميل وبكل دقة منعا لكثير من المشاكل التي قد تحدث بسبب عدم مراعاة الدقة في تلك البيانات فهي أساس التزامه قبل طالب فتح الاعتماد بل تمثل اخطر التزامات البنك وأكثرها دقة إذ يتعين على البنك إن يتحقق من صحة المستندات التي طلبها العميل ومطابقتها لتعليماته . والتزام البنك بفحص المستندات والتحقق من مطابقتها التزام مقيد وحرفي ليقرر ما إذا كانت هي المطلوبة تماما وليس للبنك بعد ذلك إن يبحث فيما إذا كان ما جاء بهذه المستندات حقيقيا وينطبق تماما على نوع البضاعة المصدرة أو أنها خالية من الغش والتزييف أو عدم قانونيتها أو كفايتها أو دقتها أو الشروط المنصوص عليها فيها ففي عمليات الاعتمادات المستندية يتم تعامل جميع الأطراف المعنية بالمستندات وليس بالبضائع فلا يتحمل البنك أي التزام أو مسؤولية عن الكمية أو المواصفات أو التسليم أو القيمة أو وجود البضاعة التي تمثلها المستندات أو فيما يتعلق بحسن النية أو الإهمال أو التصرفات ( راجع المادتين 8 – 9 من مجموعة القواعد والأعراف الموحدة ) ويجب على البنك فحص كافة المستندات بعناية معقولة للتأكد من أنها تبدو في ظاهرها مطابقة لأحكام وشروط الاعتماد وأنها مقدمة قبل انتهاء مدة الاعتماد ولذلك فان عملية فحص المستندات يحتاج إلى خبرة ودقة حتى لا يضار البنك أو عميلة ( انظر
مادة 7 من القواعد المشار إليها ) ويلتزم العميل بمجرد فتح الاعتماد
المستندي إن يدفع للبنك الفوائد والعمولة المتفق عليها فهي تستحق للبنك قبل تنفيذ الاعتماد (1) .
{ 4 } ... علاقة البنك بالمستفيد ( البائع ) :
__________
(1) ... أنظر في ذلك – العقود وعمليات البنوك التجارية د . علي البارودي ص 379 .(1/68)
ويجب على البنك المصدر للاعتماد إن يرسل للمستفيد ( عن طريق الفرع أو المراسل الأجنبي ) خطابا يخطره فيه بفتح الاعتماد وقيمته ومدته وشروطه ويحدد له المستندات التي طلبها العميل وانه سيقوم بالدفع له أو لأمره أو بأن يدفع أو يقبل أو يتداول كمبيالات ( مسحوبات ) مسحوبة من المستفيد أو بأنه يصرح لمصرف آخر بتنفيذ هذه المدفوعات أو بدفع هذه المسحوبات أو قبولها أو تداولها ( خصمها ) وذلك مقابل مستندات محددة بالنص بشرط إن تكون مطابقة لأحكام وشروط الاعتماد ( انظر الفقرة ب من مجموعة القواعد الموحدة ) .
وحق المستفيد في مواجهة البنك مشروط بتقديم المستندات التي بينها البنك في خطاب الاعتماد وهو حق مستقل عن العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد ( البائع ) فلا يتأثر بسائر الدفوع التي يمكن إن تستند إلى عقد البيع سواء من جانب البائع أو المشتري ولذلك يظل التزام البنك قبل المستفيد قائم ولو شاب عقد البيع بطلان نسبي أو مطلق أو فسخ .
وهذا الاستقلال في علاقة البنك بالمستفيد هو جانب الأمان والاطمئنان للمستفيد في حصوله على الثمن .
كما إن هذه العلاقة مستقلة تماما عن علاقة فتح الاعتماد بين البنك والعميل المشتري فالبنك ملتزم بمقتضى الخطاب الذي أصدره للبائع وليس بعد ذلك إن يتذرع ببطلان عقد فتح الاعتماد أو فسخه أو انتهائه بإعسار العميل أو إفلاسه .
وتنص المادة الثالثة من مجموعة القواعد والأعراف الموحدة على أنه :
{ أ } ... مع احترام أحكام وشروط الاعتماد فان أي اعتماد غير قابل للإلغاء يشكل على المصرف التزاما نهائيا .
أولاً : بالدفع أو إعطاء أمر بالدفع إذا كان الاعتماد ينص على الدفع سواء مقابل سحب أو بدون سحب .(1/69)
ثانياً : بقبول المسحوبات إذا كان الاعتماد ينص على القبول من المصرف المصدر للاعتماد أو يتحمل مسؤولية قبول المسحوبات وسداد قيمتها في تاريخ الاستحقاق إذا كان الاعتماد ينص على قبول المسحوبات المحررة على طلب فتح الاعتماد أو على أي مسحوب عليه آخر ورد ذكره في الاعتماد .
ثالثاً : بشراء / تداول السندات المسحوبة من المستفيد بالاطلاع أو لأجل على طالب فتح الاعتماد أو على أي مسحوب عليه آخر مذكور في الاعتماد دون الرجوع على الساحبين أو على الحاملين حسني النية أو تأمين الشراء أو التداول بواسطة مصرف آخر إذا نص الاعتماد على الشراء أو التداول .
{ ب } ... يجوز تبليغ اعتماد ما غير قابل للإلغاء إلى المستفيد عن طريق مصرف آخر ( المصرف الذي يقوم بالتبليغ ) دون التزام من جانب هذا المصرف إلا انه عندما يصرح المصرف المصدر للاعتماد لمصرف آخر أو
يطلب منه تعزيز الاعتماد غير القابل (1) للاعتماد الصادر منه ويقوم هذا الأخير بذلك .
فان هذا التعزيز يشكل اعتزاما نهائيا على المصرف الذي يقوم
بالتعزيز بالإضافة إلى التزام المصرف المصدر للاعتماد مع مراعاة أحكام وشروط الاعتماد .
{ ج } ... لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الالتزامات دون موافقة جميع الأطراف
المعنية ولا يعتبر القبول الجزئي لأية تعديلات نافذا دون موافقة جميع الأطراف المعنية .
{ 5 } ... طبيعة التزام البنك النهائي قبل المستفيد ( البائع ) :
تعددت الآراء حول تفسير طبيعة هذا الالتزام فقيل بأنه كفالة وبأنه
__________
(1) ... من غير المتصور أن يكون الاعتماد القابل للإلغاء مؤيداً أو معززاً من بنك آخر إذ الغرض فيه أن البنك غير ملتزم فليس هناك ما يصلح أن يكون محلاً التعزيز أو التأييد .(1/70)
حوالة حق وبأنه اشتراط لمصلحة الغير وبالإنابة (1) وبأن خطاب الاعتماد سند مصرفي ذو طبيعة خاصة وبأن البنك وكيل بالعمولة ضامن وبأن
البنك يجمد مبلغا معينا لصالح البائع فيصبح جائز لحسابه وتحت تصرفه
أيا كان مصير العملية قيل بالإرادة المنفردة وبأنه عقد غير مسمى أنشأه العرف التجاري .
وحقيقة الأمر كما يحصل في الواقع هو إن التزام البنك يعتبر نهائيا مستقلا دون حاجة قبول صريح من جانب المستفيد ومدار الأمر في ذلك هو تحقيق الاطمئنان والضمان للعميل الآمر والمستفيد البائع بما يتوفر للبنك من ثقة كل منهما ومن هنا كان أساس تحديد التزام البنك بأنه مستقل ونهائي ومن ثم فان طبيعة هذا لالتزام اقرب إلى الإرادة المنفردة كمصدر له (2) وبخاصة إن عقد فتح الاعتماد المستندي عقد رضائي قائم على الاعتبار الشخصي لطالب فتح الاعتماد والثقة المتبادلة بينه وبين البنك كما إن العرف التجاري يعتبر المصدر البعيد لهذا الالتزام باعتبار إن العرف مصدر من مصادر القاعدة القانونية أو الحكم .
{ 6 } ... حق البنك في حبس المستندات :
للبنك على سبيل الضمان حق حبس المستندات كما إن له تسلم البضاعة بمقتضاها كدائن مرتهن رهناً حيازياً وهنا لابد إن تكون المستندات ممثلة للبضاعة حتى يستطيع البنك إن يباشر حقه في استلام البضاعة أو التأمين عند هلاكها بناءا على حيازته للمستندات التي يرتهنها وفي الحالات التي تكون فيها المستندات غير قابلة للتداول فان البنك قد يشترط إن تصدر باسمه مرسلا ومرسلا إليه حفظا لحقه في الرهن .
رابعا : الاعتماد البسيط :
- معناه :
__________
(1) ... أنظر الفقرة (ب) من أحكام عامة وتعريف من مجموعة القواعد الموحدة .
(2) ... أنظر العقود وعمليات البنوك التجارية د . علي البارودي ص 386 إذ يرى هذا الرأي وهو ما نرجحه.(1/71)
اتفاق يتعهد البنك بمقتضاه بأن يضع تحت تصرف عميلة مبلغا معينا من المال خلال مدة معينة وفي مقابل ذلك يتعهد العميل برد المبالغ التي يستعملها فعلا وما قد يتفق عليه من فوائد وعمولة ومصروفات . وقد لا يلجأ العميل إلى الاستفادة من الاعتماد المفتوح ولكن ذلك لا يؤثر في بقائه وترتيبه لأثاره بين الطرفين ، فالعميل يقتضي بعض المبلغ كله فورا ولكنه يلزم بفوائده كلها منذ استلامه (1) .
وتنحصر العلاقة في هذا الاعتماد بين البنك وعميلة على خلاف الاعتماد المستندي الذي يلتزم فيه البنك بدفع أو قبول كمبيالات مسحوبة عليه من الغير المستفيد ( البائع ) بشروط معينة يبينها البنك في خطاب الاعتماد ومضمون برهن حيازي على المستندات الممثلة للبضائع المصدرة .
- طبيعة هذا الاعتماد :
يذهب غالبية فقهاء القانون التجاري إلى اعتباره وعدا بالقرض (2) فالبنك وهو الواعد بالقرض – يلتزم بتقديمه عندما يرغب العميل في ذلك . وقد يقتصر العميل على الاستفادة منه استفادة جزئية وقد تكون في أشكال مصرفية متنوعة وذلك باعتبار إن قصد العميل من فتح الاعتماد في الغالب الأعم هو الاطمئنان إلى قوة مركزه الائتماني لمواجهة ديون تحل في المستقبل أو عمليات تجارية ينوي القيام بها ولذلك غالباً ما يقترن فتح الاعتماد بفتح الحساب الجاري لذلك فان طبيعة هذا الاعتماد مركبة من عقد قرض وعقد وديعة مندمجين .
- خلاصة وتعقيب :
اتضح لنا مما سبق سرده أن الاعتماد المستندي في النظام التقليدي آداة تمويل فقط وأنه التزام البنك الناشئ عند فتح الاعتماد التزام مقيد وحرفي وفقا لما نص عليه في طلب الأمر بفتح الاعتماد ومن ثم يكون تعامل جميع الأطراف المعنية بالمستندات وليس بالبضائع .
__________
(1) ... أنظر د . علي البارودي المرجع السابق ص 370 والمرجع المشار إليها فيه .
(2) ... أنظر عمليات البنوك من الوجهة القانونية د . علي جمال الدين ص 430 .(1/72)
كما انه لا شأن للبنك بالعلاقة السابقة بين العميل ( المشتري ) والمستفيد (البائع ) ومن ثم لا يتدخل ولا يجوز له في كمية أو مواصفات أو نوع البضاعة المصدرة أو حتى وجودها ومن هنا كان أهم التزام على البنك هو التحقيق من مطابقة المستندات لشروط الأمر بل إن البنك في هذه الحدود لا يجوز له إن يفحص مدى صحة المستندات أو حتى تزويرها أو كفايتها أو مدى قانونيتها .
وبذلك يتضح لنا الاستقلال التام في العلاقات فعلاقة العميل ( المشتري ) بالمستفيد ( البائع ) مستقلة عن علاقة العميل بالبنك ولا يجوز
للأخير في علاقته بعملية إن يستند على العلاقة السابقة حتى ولو شابها البطلان المطلق .
كما إن علاقة المستفيد بالبنك محدودة بما جاء في خطاب البنك إلى المستفيد ولا علاقة بما يكون بين المستفيد والعميل .
والبنك المصدر للاعتماد يقوم بهذا الدور في الاعتماد المستندي من باب الخدمات المصرفية والتسهيلات الائتمانية التي يتقاضى عنها العمولة والفوائد وكافة ما يتكبده من مصروفات أخري ، وما زالت الصعوبات الفنية تكتنف تحديد طبيعة دور البنك وبخاصة في علاقته بالمستفيد إذ لا يستطيع العميل إن يطلب من البنك الامتناع عن دفع الثمن للبائع كما لا يستطيع البنك الرجوع في هذا الالتزام حتى ولو أفلس العميل أو قام بما يبرر فسخ الاعتماد المفتوح ، ولذلك فان اقرب الآراء إلى تحديد طبيعة التزام البنك هو الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام والعرف التجاري كمصدر من مصادر القاعدة القانونية يلجأ إليه عند عدم وجود نص .(1/73)
كما اتضح لنا مما سبق سرده إن الاعتماد البسيط مبناه وعد ملزم من البنك لعميله بأن يضع تحت تصرفه مبلغا معينا من المال خلال مدة معينة ليطمئن العميل إلى قوة مركزه الائتماني فينطلق في معاملاته التجارية وتقتصر العلاقة في هذا الاعتماد على العميل والبنك فقط ولا يقوم فيه البنك بأي دور آخر كما هو الحال في الاعتماد المستندي ويتقاضى البنك العمولة والفوائد عن ذلك .
* دور البنك الإسلامي في نظام المرابحة للآمر بالشراء والاعتماد المستندي :
{ 1 } ... بعد ذلك نتساءل : هل دور البنك الإسلامي في بيع المرابحة ( سواء في صورتها البسيطة وهي إن السلعة حاضرة وموجودة لدى البنك أو في صورتها المتطورة وهو ما يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء أي إن السلعة موصوفة وغير حاضرة بعد ) هو نفس الدور الذي تؤديه البنوك الأخرى في نظام الاعتمادات بشقيها المستندية أو البسيطة ؟ .
{ 2 } ... هل من الممكن أن يؤدي البنك الإسلامي الدور الذي يؤديه البنك الربوي في الاعتمادات المستندية ؟
{ 3 } ... هل من الممكن إن تتم بيوع المرابحة وبخاصة بيع المرابحة للآمر بالشراء بنظام الاعتمادات المستندية ؟
لقد ثبت لنا من أحكام المرابحة أنها نوع من أنواع البيوع التجارية في الإسلام وأنه لابد فيها من ملكية البائع للسلعة المبيعة وبيان رأس مال السلعة ( المبيع ) وأن يكون الربح معلوما ومتفقا عليه بين البائع والمشتري .(1/74)
إذا كان ذلك ، كذلك فان البنك الذي يمارس بيوع المرابحة إنما يقوم بدور التاجر في السوق ومن هناك كان من الضروري أن يكون قسم المرابحة في البنك على دراية وخبرة تامة بالسلع وبأحوال السوق وأحوال الناس ومن ثم لا يتصور إن يكون دور البنك الإسلامي في بيوع المرابحة هو نفس دور البنوك الأخرى في نظام الاعتمادات المستندية ولا حتى دور الوسيط الذي يقوم به البنك التجاري في نظام الاعتمادات المستندية بافتراض انه وسيط مع أننا نرجح الرأي القائل بأن دور البنك التجاري في نظام الاعتمادات المستندية هو دور المشرف أو الحكم (1) .
والبنك الإسلامي إذ يمارس بيوع المرابحة انطلاقا من التزامه الشامل والأصيل بتطبيق أحكام الشرع الإسلامي في معاملاته وفقا لما تنص عليه نظمه وقوانينه فلا يتصور وجود منافسة بينه وبين البنوك الأخرى التي لا تتخذ من الشرع أسلوب ممارسة أو منهجا للتطبيق العملي على أساس من الشمول والعمومية . وإذا كان الاختلاف جوهريا بين النظامين فلا مجال لوجود منافسة وإنما هو نظام واحد صحيح ومنهج إسلامي مطبق وصدق الله العظيم إذ يقول :
" قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور "
الرعد /16 .
إن التزام البنك الأساسي والجوهري في نظام الاعتمادات المستندية يتمثل في القيام بالدفع للمستفيد أو لأمره أو بان يدفع أو يقبل أو يتداول كمبيالات (سحوبات ) مسحوبة من المستفيد أو بأن يصرح لمصرف آخر بتنفيذ هذه المدفوعات أو بدفع هذه السحوبات أو قبولها أو تداولها ( خصمها ) وذلك مقابل مستندات محددة بالنص بشرط إن تكون مطابقة لأحكام وشروط الاعتماد وممثلة للبضاعة .
وهذا الدور يتقاضى البنك عنه العمولة المتفق عليها والفوائد وكافة المصاريف الأخرى التي تتكلفها العملية .
فهل يستطيع البنك الإسلامي أن يقوم بهذا الدور الذي اشتدت إليه
__________
(1) ... أنظر د . علي البارودي ص 386 .(1/75)
حاجة المعاملات الدولية والتجارة الخارجية بصفة خاصة واستقر عليه العرف التجاري ؟
إذا تطهر نظام الاعتمادات المستندية من الربا وشبهاته وبخاصة قاعدة كل قرض جر نفعا فهو ربا وزالت المحظورات الشرعية وبخاصة في إنابة (العميل ) للبنك بالدفع وتسلم المستندات إذ لا يجوز للعميل إن ينيب غيره فيما لا يجوز له القيام به شرعا .
عندئذ يكون من المتصور إن يقوم البنك الإسلامي بعمليات المرابحة المتطورة ( بيع المرابحة للآمر بالشراء ) (1) مراعيا في ذلك وبكل دقة
أحكام وأركان المرابحة وشروطها على التفصيل السابق ذكره والضوابط الشرعية التالية .
* الضوابط الشرعية لبيع المرابحة للآمر بالشراء بواسطة الاعتماد المستندي غير المغطي :
{ 1 } ... أن يتم فتح الاعتماد باسم البنك لا باسم الأمر بالشراء .
{ 2 } ... أن يقوم البنك بشراء السلعة من البائع ( المصدر ) باسمه ولحسابه هو لا باسم العميل ( طالب الشراء ) أو لحسابه .
{
__________
(1) ... وقد أطلق عليها البعض " المرابحة الخارجية للآمر بالشراء " .
... أنظر نظام البنك الإسلامي الأردني وأنواع معاملاته – وقد أقرت هذا النظام لجنة الفتوى الشرعية بوزارة الأوقاف والمقدسات والشئون الإسلامية في المملكة الأردنية وبحسب هذه الطريقة يحدد التاجر مطلوبة الاستيرادي والمصدر ويطلب من البنك الإسلامي استيراد البضاعة لنفسه باسمه هو ( أي البنك) ويتفق الطالب معه على أن يشتريها منه وبعد وصولها بربح معين .
... ويرى الشيخ مصطفى الزرقا أن هذه طريقة سليمة بالنظر الإسلامي لا شائبة فيها وتحل مشكلة فتح الاعتمادات بحسب القواعد الفقهية مستفيدة من المذاهب الفقهية المعتبرة التي في اختلاف الأنظار بين أئمتها واتباعها سعة شرعية ورحمة .
... أنظر سلسلة المطبوعات العربية (13) التي يصدر المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بعنوان " المصارف – معاملاتها – وودائعها وفوائدها " ص 13 طبعة 1404 هـ 1983 م .(1/76)
3 } ... أن يتحمل البنك تبعة الهلاك قبل التسليم والرد بالعيب الخفي بعده .
{ 4 } ... بعد أن يتملك البنك السلعة ويتسلمها وتدخل في ضمانه يقوم بإبرام عقد بيع مرابحة مع الآمر بالشراء وفق الشروط المتفق عليها في طلب الشراء .
? الفروق الرئيسة بين البيع بالمرابحة والتمويل بالقروض بفائدة
م ... عنصر المقارنة ... التمويل بالقروض بفائدة ... البيع بالمرابحة
1 ... علاقة المتعامل مع المصرف . ... علاقة المدين بالدائن . ... علاقة البائع بالمشتري .
2 ... غرض العملية . ... لا يهتم بغرض القرض . ... يعتبر أهم عنصر يوليه المصرف الإسلامي عنايته .
3 ... محل العلاقة . ... إقراض نقود . ... يتحتم أن توجد بضاعة محددة وموصوفة ومملوكة ، وأن تنقل البضاعة من ذمة لذمة ، وبهذا توجد منفعة اقتصادية حقيقية تبرر ربح المصرف .
4 ... عائد البنك . ... فائدة ثابتة ترتبط بأصل القرض ومدته . ... ربح محدد يتفق عليه بالتفاوض بعد معرفة طالب التمويل التامة بتفاصيل كلفة شراء البضاعة ، ثم يضاف الربح فيصبح الثمن بذلك أمراً متفقاً عليه .
لا علاقة له بتكلفة المتعامل عند حصوله على الإيراد . ... يراعى في تحديد الربح ظروف السوق والسلعة وإتاحة فرصة للمتعامل لتحقيق مصلحته وألا تكون فيه مغالاة .
5 ... التأخير عن السداد ... يستأدي حقوقه بكل الوسائل وبصرف النظر عن السبب مع احتساب غرامة تأخير عن السداد . ... يفرق المصرف بين توقفه لأسباب لا ذنب له فيه ، فيطبق المبدأ الإسلامي : " فنظرة إلى ميسرة " والتوقف بسبب عوامل هو المسئول عنها مع قدرته على السداد فيطبق فيها المبدأ الإسلامي:
" مطل الغني ظلم " وعندئذ يكون من حق البنك استيفاء حقه بالطرق الشرعية والقانونية المناسبة .
6 ... الضمانات ... أهم عنصر يهتم به البنك الربوي بل أن القروض تصنف حسب الضمانات وتحدد قيمة القروض ارتباطاً بالضمانات المقدمة ( القيمة التسليفية ) . ... يتم الحصول على الضمانات من واقع القدرات المتاحة لطالب التمويل ووفقاً لطبيعة العملية .(1/77)
7 ... أركان العقد ... العاقدان + القرض بفائدة ... العاقدان + الثمن + محل العقد
8 ... طبيعة المستندات ... عقد تمويل + سند لأمر ... عرض سعر + فاتورة + عقد بيع + سند لأمر + أمر فسخ
9 ... دور البنك ... مُقرض ... بائع
10 ... القيود المحاسبية ... عدم وجود قيود وسيطة ... وجود قيوم وسيطة
11 ... الحكم الشرعي ... محرم بالقرآن والسنة والإجماع ... جائز
المبحث الثالث : السَّلَم
* السلم في لغة العرب الإعطاء والتسليف (1) .
* السلم في اصطلاح الفقهاء :
- عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً :
وهذا تعريف الشافعية الذين شرطوا لصحة السلم قبض رأس المال في المجلس وأجازوا كون السلم حالاً ومؤجلاً (2) .
- عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد :
وهو تعريف الحنفية والحنابلة الذين شرطوا لصحة السلم قبض رأس المال في مجلس العقد وتأجيل المسلم فيه احترازاً من السلم الحال (3) .
- بيع معلوم في الذمة محصور بالصفة بعين حاضرة أو ما هو في حكمها إلي
أجل معلوم :
وهذا تعريف المالكية الذين منعوا السلم الحال ولم يشترطوا تسليم رأس
المال في مجلس العقد وأجازوا تأجيله اليومين والثلاثة لأنه أي التأجيل يعتبر في حكم التعجيل بناء على أن ما قارب الشيء يعطي حكمه (4) .
- ويسمى الفقهاء المشتري في هذا العقد " رب السلم " أو " المسلم " .
والبائع " المسلم إليه " .
والمبيع " المسلم فيه " .
والثمن " رأس مال السلم " (5) .
* مشروعية السلم :
ثبتت مشروعية السلم بالقرآن والسنة والإجماع .
من القرآن الكريم :
__________
(1) ... لسان العرب .
(2) ... فتح العزيز للرافعي 9/207 – الروضة للنووي 4/3 .
(3) ... م 123 مجلة الأحكام العدلية " بيع مؤجل بمعجل " – كشاف القناع 3/276 – المطلع على أبواب المقنع للبعلي ص 245 .
(4) ... القرطبي - الجامع لأحكام القرآن ص 1186 ط دار الشعب – الشرح الكبير 3/195 – إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 173 .
(5) ... أنيس الفقهاء للقونوي ص 220 .(1/78)
قول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه (1) .
قال ابن عباس " أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ هذه الآية " (2) .
فدلت الآية على حلّ المداينات بعمومها وشملت السلم باعتباره من أفرادها إذا المسلم فيه ثابت في ذمة المسلم إليه إلى أجله .
قال ابن العربي " الدين هو عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها
نقداً والآخر في الذمة نسيئة فإن العين عند العرب ما كان حاضراً والدين ما كان غائباً (3) .
من السنة النبوية الشريفة :
ما روي ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة والناس يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال عليه الصلاة والسلام : " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " (4) .
وأما الإجماع :
قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم
جائز (5) .
وقال ابن نجيم السلم عقد جائز على خلاف القياس إذ هو بيع المعدوم ووجب المصير إليه بالنص والإجماع للحاجة (6) .
__________
(1) ... البقرة /282 .
(2) ... أثر ابن عباس أخرجه الشافعي في مسنده 2/171 – ترتيب السندي نشر دار الكتب العملية – والحاكم 2/286 ط دائرة المعارف العثمانية .
(3) ... أحكام القرآن 1/247 .
(4) ... أخرجه البخاري ( الفتح 4/429 ط السلفية ) ومسلم 3/1227 ط الحلبي واللفظ لمسلم - الشوكاني نيل الأوطار 5/256 .
(5) ... حكاه المغني لابن قدا 4/304 ولم نجده بلفظه وبصيغ أخرى في الإجماع لابن المنذر ص 162 ، 163 بتحقيق د . فؤاد عبد المنعم أحمد ط 1411 هـ 1991 م مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية .
(6) ... البحر الرائق 6/169 وخالف في دعوى أن السلم على خلاف القياس ابن تيميه وتلميذه ابن القيم في الفتاوى 20/529 وأعلام الموقعين 2/19 مراجعة طه عبد الرؤوف .(1/79)
ويقول ابن قدامه في المغني (1) ولأن المثمن في البيع أحد عوضي العقد فجاز أن يثبت في الذمة كالثمن ولأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع
والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم ( أي رب السلم ) بالاسترخاص .
وصرح في المدونة الكبرى بأن السلم رخصة مستثناة من بيع ما ليس عند بائعه (2) .
* أركان السلم وشروط صحته :
أركان السلم عند جمهور الفقهاء ( المالكية والشافعية والحنابلة ) ثلاثة هي :
- الصيغة ( الإيجاب والقبول ) .
- العاقدان ( المسلم والمسلم إليه ) .
- المحل ( رأس المال ( الثمن ) والمسلم فيه ) .
وخالف في ذلك الحنفية فركن السلم عندهم كغيره من العقود هو الصيغة المؤلفة من الإيجاب والقبول المتوافقين على إنشاء عقد السلم (3) .
اتفق الفقهاء على صحة الإيجاب بلفظ السلم أو السلف وكل ما اشتق منهما لأنهما بمعنى واحد وكلاهما اسم لهذا العقد وكذلك على صحة القبول بكل لفظ يدل على الرضا بما أوجبه الأول (4) .
* اختلف الفقهاء في صحة انعقاد السلم بلفظ البيع على اتجاهين :
الأول : أنه ينعقد السلم بلفظ " البيع " إذا بين فيه إرادة السلم وتحققت وشروطه (5) .
__________
(1) ... المغني 4/305 .
(2) ... منح الجليل للشيخ عليش 3/2 .
(3) ... التعريفات للجرحاني ص 59 ، 67 ط 1971 الدار التونسية .
(4) ... أنظر البدائع للكاساني 5/201 – منح الجليل للشيخ عليش 3/2 المهذب للشيرازي 1/304 – شرح منتهى الإرادات للبهوتي 2/214 .
(5) ... المراجع السابقة – هذا الاتجاه لأبي حنيفة وصاحبيه والمالكية والشافعية في القول المقابل للأصح والحنابلة - أنظر روضة الطالبين 4/6 – مواهب الجليل للحطاب 4/538 – الخرشي 5/223 فتح العزيز 9/224 .(1/80)
الثاني : أن السلم لا ينعقد السلم بلفظ " البيع " لأنه على خلاف القياس عند البعض (1) ولأن السلم غير البيع فلا ينعقد بلفظه إذ البيع لا يشترط فيه قبض رأس المال في المجلس (2) .
وقال ابن تيميه :
" التحقيق أن المتعاقدين إذا عرفا المقصود انعقدت فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد وهذا عام في جميع العقود فإن الشارع لم يحدّ ألفاظ العقود حدَّا (3) .
واشترط جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في صيغة السلم أن تكون باته لا خيار فيها لأي من المتعاقدين لأنه عقد يشترط لصحته تمليك رأس المال وإقباضه للمسلم إليه .
قبل التفرق ووجوب تحققهما ( التمليك والاقباض ) مناف لخيار الشرط (4) .
وخالف المالكية الجمهور : وقالوا بجواز خيار الشرط في السلم للعاقدين أو لأحدهما ثلاثة أيام فما دون ذلك وهذا هو المعتمد عند المالكية اتساقا مع قولهم بجواز تأخير قبض رأس مال السلم ثلاثة أيام فما دونها وهذا الخيار إن لم يُنقَد رأس المال ( بضم الياء وفتح القاف ) فإن نُقد فسد العقد مع شرط الخيار لتردد رأس المال بين السلفية والثمنية (5) .
* شروط محل عقد السلم :
{ 1 } ... شروط ترجع إلى البدلين معاً ( رأس المال ( الثمن ) والمسلم فيه ) :
- ... أن يكونا مالاً متقوماً فلا يجوز أن يكون أحدهما مما لا يعد مالاً منتفعاً به شرعاً كالخمر والخنزير .
__________
(1) ... زفر من الحنفية أنظر البدائع 5/201 – هذا الاتجاه للشافعية في وجه صححة الشيخان النووي والرافعي .
(2) ... أنظر المهذب 1/304 – أسنى المطالب 2/124 – المراجع السابقة لأصحاب هذا الاتجاه .
(3) ... القياس لابن تيميه ص 24 – مجموع الفتاوى 20/532 – إعلام الموقعين 2/23 .
(4) ... الأم 3/133 – بدائع الصنائع 5/201 – شرح منتهى الارادات 2/169 .
(5) ... منح الجليل للشيخ عليش 3/5(1/81)
- ... ألا يكون البدلان حالين يتحقق في سلم أحدهما بالآخر ربا النسيئة وذلك بألا يجمع البدلين أحد وصفي عّلة ربا الفضل إذ أن المسلم فيه مؤجل في الذمة فإذا جمعه مع رأس المال أحد وصفي عّلة ربا الفضل تحقق ربا النَّساء فيه وكان فاسداً باتفاق الفقهاء (1) وذلك لحديث عبادة بن الصامت المعروف : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد "
وجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن المنافع أموال بحد ذاتها وأنها تحاز بحيازة أصولها وهي الأعيان المنتفع بها ومن ثم أجازوا كونها رأس مال ومسلما فيه في عقد السلم وعلى ذلك قال رب السلم : أسلمت إليك سكني داري هذه سنة أو خدمتي شهراً في كذا إلى أجل كذا صح ذلك السلم .
ولو قال له : ... أسلمت إليك عشرين ديناراً في منفعة موصوفة في ذمتك إلى أجل كذا صح السلم .
وذهب الحنفية خلافا للجمهور إلى أنه لا يجوز أن يكون أي من البدلين في
السلم منفعة لأن المنافع مع أنها تملك لا تعتبر عندهم أموالاً فهي غير قابلة للإحراز والادخار إذ هي أعراض تحدث شيئاً فشيئاً
وآنا فآنا وتنتهي بانتهاء وقتها ومن ثم فلا يصح جعلها بدلاً في عقد
السلم عندهم (2) .
{ 2 } ... شروط رأس مال السلم :
{ أ } ... لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط في رأس المال أن يكون معلوماً لأنه بدل في عقد معاوضة مالية فإذا قبل الطرف الآخر وجب تعيين رأس المال في مجلس العقد وتسليمه إليه وفاء بالعقد .
{ ب } ... تسليم رأس المال في مجلس العقد :
__________
(1) ... القوانين الفقهية لابن جزي ص 273 – شرح منتهى الارادات للبهوتي 2/215 – بداية المجتهد لابن رشد 2/227 ط دار الكتب الحديثة – كشاف القناع 3/278 – بدائع الصنائع 5/214 – المغني 4/331 وما بعدها .
(2) ... الموسوعة الفقهية الكويتية ح 25 ص 200 .(1/82)
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن من شروط صحة السلم تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد فلو تفرقا قبله بطل العقد واستدلوا على ذلك بما يأتي :
قوله صلى الله عليه وسلم :" من أسلف فليسلف في كيل معلوماً ووزن معلوم إلى أجل معلوم " والتسليف هو الإعطاء فإن لم يدفع إليه رأس المال فإنه يكون غير مسلف شيئا بل واعداً بأن يسلف .
ولأن الافتراق قبل قبض رأس المال يكون افتراقا عن " كالئ بكالئ " أي نسيئة بنسيئة وهو منهي عنه بالإجماع (1) .
ولأن في السلم غرراً احتمل للحاجة فجبر ذلك بتعجيل قبض العوض الأخر وهو الثمن كيلا يعظم الضرر في الطرفين .
ولئلا تبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت لا له وللآخر فيكون التزاماً
بلا فائدة كما يقول ابن تيمية (2) .
وتنص المادة ( 387 ) من مجلة الأحكام العدلية على أنه :
" يشترط لبقاء صحة السلم تسليم الثمن في مجلس العقد فإذا تفرق العاقدان قبل تسليم رأس مال السلم انفسخ العقد " .
وخالف المالكية في المشهور عندهم جمهور الفقهاء وقالوا بجواز تأخير رأس مال السلم اليومين والثلاثة بشرط وبغير شرط لأن هذا التأخير اليسير معفوا عنه لأنه في حكم التعجيل فأشبه التأخير للتشاغل بالقبض (3) أما تأخيره فوق الثلاث بشرط فذلك لا يجوز باتفاق (4) .
أما لو عجّل المسلم بعض رأس المال في المجلس وأجل البعض الأخر ففي المسألة قولان :
أحدهما :
__________
(1) ... المغني 4/54 – نظرية العقد لابن تيميه ص 235 – تكملة المجموع للسبكي 10/107 – الموطأ باب جامع بيع الثمر 2/628 ، 660 – ط عيسى الحلبي .
(2) ... نظرية العقد المرجع السابق .
(3) ... الإشراف على المسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب البغدادي 1/280 .
(4) ... المقدمات الممهدات لابن رشد ص 516 – منح الجليل 3 / 4 .(1/83)
للحنفية والشافعية والحنابلة وهو أنه يبطل السلم فيما لم يقبض ويسقط بحصته من المسلم فيه ويصح في الباقي بقسطه (1) .
الثاني :
للمالكية وابن أبي ليلى وهو أنه يبطل السلم في الصفقة كلها لأنه ابتداء دين بدين (2) .
وماذا لو أراد رب السلم أن يجعل الدين الذي في ذمة المسلم إليه رأس مال سلم :
جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ومالك والأوزاعي والثوري
وغيرهم لا يجيزون ذلك لأنه يؤدي إلى بيع الدين بالدين (3) .
خالف في ذلك ابن تيمية وابن القيم وذهبا إلى أنه إذا كان الدين حالاً يجوز جعله رأس مال سلم لعدم تحقق المنهي عنه وهو بيع الكالئ بالكالئ أي الدين المؤخر بالدين المؤخر ولوجود القبض الحكمي لرأس مال السلم من قبل المسلم إليه في مجلس العقد لكونه حالاً في ذمته ولأن دعوى الإجماع على المنع غير مسلمة (4) .
{ 3 } ... شروط المسلم فيه :
{ أ } ... أن يكون دينا موصوفاً في الذمة وأنه لا يصح السلم إذا جعل المسلم فيه شيئاً معيناً بذاته لأن السلم موضوع لبيع شئ في الذمة بثمن معجل فإذا كان المسلم فيه معيناً تعلق حق رب السلم بذاته أي ذلك الشيء المعين لا ذمة المسلم إليه ولذلك يشترط أن يكون المسلم فيه موصوفاً في الذمة ليكون الوفاء بآداء أية عين تتحقق فيها الأوصاف المتفق عليها ولا يتعذر تنفيذ العقد لو تلف المسلم فيه قبل تسليمه إذ يسعه الانتقال عنه إلى غيره من أمثاله وينتفي الضرر الناشئ من عدم القدرة على تنفيذ العقد (5) .
__________
(1) ... البحر الرائق 6/178 .
(2) ... حاشية العدوى على كفاية الطالب الرباني 2/163 .
(3) ... رد المحتار لابن عابدين 4/209 – تبين الحقائق للزيلعي 4/140 – فتح العزيز 9/212 – الشرح الكبير على المقنع 4/336 – نهاية المحتاج 4/180 – شرح منتهى الإرادات 2/221 .
(4) ... أعلام الموقعين 2/9 .
(5) ... كشاف القناع 3/292 – أسنى المطالب 2/142 ، 130 .(1/84)
وبناءً على هذا الشرط ـ كون المسلم فيه موصوفا في الذمة ـ ذكر الفقهاء ما يصح أن يكون مسلما فيه من الأموال :
- ... المثليات والقيميات التي تقبل الانضباط بالوصف (1) .
قال الشيرازي (2) :
يجوز السلم في كل مال يجوز بيعه وتضبط صفاته كالأثمان والحبوب والثمار والثياب والدواب والأخشاب والأحجار والحديد والرصاص والزجاج وغير ذلك من الأموال التي تباع وتضبط بالصفات .
أما ما لا يمكن ضبط صفاته من الأموال فلا يصح السلم لأنه يفضي إلى المنازعة وعدمها مطلوب شرعا (3) .
وعلى هذا نص جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على جواز السلم في النقود على أن يكون رأس المال من غيرها لئلا يفضي ذلك إلى ربا النَّساء (4) .
قال ابن قدامه : " لأنها تثبت في الذمة صداقا فتثبت سلما كالعروض ولأنه لا ربا بينهما من حيث التفاضل ولا النساء ( لكون رأس المال عرضا لا نقد ) فصح إسلام أحدهما في الآخر كالعرض في العرض " (5) لقوله صلى الله عليه وسلم :" من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم " .
ولأن كل ما جاز أن يكون في الذمة ثمناً جاز أن يكون مسلماً فيه ولأن ضبطهما بالصفة ممكن بذكر نوع فضتها أو ذهبها وسكّتها ووزنها فانتفي كل مانع وتوفر مناط الجواز (6) .
وخالف الحنفية ... في ذلك وذهبوا إلى القول بعدم جواز كون المسلم فيه
__________
(1) ... البحر الرائق 6/169 – شرح منتهى الإرادات 2/214 ، 215 – أسنى المطالب 2/128 – فتح العزيز 9/268 ، الإفصاح 1/363 – بداية المجتهد 2/229 – المغني 4/318 – الموسوعة الفقهية الكويتية 25/208.
(2) ... المهذب 1/304
(3) ... كشاف القناع 3/276 – البدائع 5/208 – نهاية المحتاج 4/195 .
(4) ... المقدمات الممهدات 519 – شرح منتهى الإرادات 2/215 – كشاف القناع 3/278 – منح الجليل 3/11 .
(5) ... المغني 4/332 .
(6) ... الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب البغدادي 1/281 .(1/85)
نقداً لأن المسلم فيه لابد أن يكون مثمناً والنقود أثمان فلا تكون مسلماً فيها (1) .
{ ب } ... أن يكون المسلم فيه معلوماً علماً نافياً للجهالة عنه وسّد باب المنازعة
بين المتعاقدين عند تسليمه وذلك بأن ينص في عقد السلم على جنسه وعلى نوعه وقدره .
قال ابن المنذر ( ت 318 هـ ) (2) :
وأجمعوا على أن السلم الجائز أن يسلم الرجل صاحبه في طعام معلوم موصوف
من طعام أرض عامة لا يخطئ مثلها بكيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ودنانير ودراهم معلومة بدفع ثمن ما أسلم فيه قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه ويسمى المكان الذي يقبض الطعام فيه فإذا قبلا ذلك وكانا جائزي الأمر كان صحيحا (3) .
وأجمعوا على أن السلم في الطعام لا يجوز بقفير لا يعرف عياره ولا في ثوب بذراع فلان (4) .
وأجمعوا على أن السلم في الثياب جائز بذراع معلوم وصفة معلومة : الطول والعرض والرقة (5) .
وأجمعوا على أن السلم في الشحم جائز إذا كان معلوماً (6) .
وجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وأحمد في رواية عنه رجحها كثير من الحنابلة لا يرون بأسا في اتفاق العاقدين على تحديد المسلم فيه بأية وحدة قياسية عرفية تضبطه لأن الغرض معرفة قدره بما ينفي عنه الجهالة والغرر وعلى هذا فلو قدراه بأي قدر جاز (7) .
__________
(1) ... الهداية وفتح القدير والعناية 6/206 – حاشية ابن عابدين 4/203 .
(2) ... الإجماع ص 162 ، 163 بتحقيق د . فؤاد عبد المنعم أحمد .
(3) ... أيضاً الإشراف لابن المنذر 2/131 مخطوط بمكتبة أحمد الثالث باستانبول برقم 1100 - تفسير القرطبي 3/378 .
(4) ... أيضاً الإشراف المرجع السابق 2/132 أ – المغني 4/325 .
(5) ... أيضاً الإشراف المرجع السابق 2/133 أ – المغني 4/313 ، 326 .
(6) ... أيضاً الإشراف المرجع السابق 2/133 ب .
(7) ... نهاية المحتاج 4/191 – البدائع 5/208 – المغني 4/318 – المهذب 1/306 .(1/86)
وقال المالكية العبرة بعرف أهل البلد الذي جرى فيه السلم قال الخرشي : يشترط في صحة السلم أن يكون مضبوطاً بعادة بلد العقد (1) .
وخالف الحنابلة وقالوا : لا يصح سلم في مكيل وزنا ولا في موزون كيلا لأنه قدره بغير ما هو مقدر به في الأصل فلم يجز (2) .
أما إذا كان المسلم فيه من القيميات التي تختلف آحادها بحيث لا تقبل التقدير بتلك الوحدات القياسية وإن كانت صفاتها قابلة للانضباط فيجوز السلم فيها بشرط بيان صفاتها التي تتفاوت فيها الرغبات ويختلف الثمن بتفاوتها اختلافاً ظاهراً (3) واستقصاء كل الصفات قد يتعذر فيكتفي بالأوصاف التي تتفاوت فيها الرغبات ويختلف بها الثمن غالبا .
{ 3 } ... أن يكون المسلم فيه مؤجلاً على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء فلا يصح السلم الحال (4) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالأجل في السلم في قوله :
" من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " والأمر يقتضي الوجوب ، ولأن المسلف يرغب في تقديم الثمن لاسترخاص المسلم فيه ، والمسلم إليه يرغب فيه لموضع النسيئة وإذا لم يشترط الأجل زال هذا المعنى (5) .
وذهب الشافعية إلى جواز السلم الحال كالمؤجل وقياساً عليه فإذا جاز السلم مؤجلاً فهو حالاً أحرى بالجواز لأنه أبعد عن الغرر قال الشافعي : فإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل كان بيع الطعام بصفة حالاً أجوز (6) .
قال الباجي في المنتقى بعد عرض أقوال الفقهاء في أقل مدة الأجل في السلم :
__________
(1) ... الخرشي على خليل 5/212 – التاج والإكليل للمواق 4/530 .
(2) ... بداية المجتهد 2/230 .
(3) ... الخرشي 5/213 – مواهب الجليل 4/531 .
(4) ... البدائع 5/212 – المقدمات الممهدات لابن رشد ص 515 المغني 4/321 .
(5) ... الإشراف على مسائل الخلاف 1/280 – المغني 4/321 بداية المجتهد 2/228 .
(6) ... نهاية المحتاج 4/185 – روضة الطالبين 4/7 – المهذب 1/304 – الأم 3/95 .(1/87)
" إذا ثبت ما قلناه فالذي قاله القاضي أبو محمد إن تغير الأسواق في ذلك لا يختص بمدة من الزمان وإنما هو على حسب عرف البلاد ومن قدر ذلك بخمسة عشر يوماً أو أكثر إنما قدر على عرف بلده وتقدير ابن القاسم ذلك بخمسة عشر يوماً أو عشرين يوماً أظهر لأن هذا عرف البلاد ومقتضى ما علم من أسواقها فإنه يغلب تغيرها في هذه المدة " (1) .
{ 4 } ... ويشترط في الأجل أن يكون معلوماً لأن جهالة الأجل مفسدة للعقد كجهالة القدر (2) .
{ 5 } ... أن يكون المسلم فيه مقدور التسليم عند محله أي مما يغلب وجوده عند حلول الأجل وهذا شرط متفق عليه بين الفقهاء لصحة السلم وإلا كان من الغرر الممنوع ولأن السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة فلا يحتمل فيه غرر أخر لئلا يكثر الغرر فيه (3) .
{ 6 } ... اختلف الفقهاء في اشتراط مكان الإيفاء وتعيين مكان التسليم :
فاشترطه أبو حنيفة ولم يشترط صاحباه وقال المالكية لا يشترط ولكن
يفضل اشترطه وذهب الشافعية إلى التفصيل إذا كان المسلم فيه مؤجلاً أما السلم الحال فلا يشترط فيه تعيين مكان الوفاء ويتعين موضع العقد للتسليم ولم يشترطه الحنابلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره إلا أن يكون
موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كبحر وجبل ونحو ذلك فعندئذ يشترط بيانه (4) .
* ما يترتب على السلم من أحكام :
{ 1 } ... انتقال الملك في العوضين :
__________
(1) ... 4/298 .
(2) ... القوانين الفقهية ص 274 ط الدار العربية للكتاب – الخرشي 5/210 ، المقدمات الممهدات ص 515 – نهاية المحتاج 4/186 – بدائع الصنائع 5/213 .
(3) ... المغني 4/325 .
(4) ... حاشية ابن عابدين 4/207 – البحر الرائق 6/176 – بدائع الصنائع 5/213 – بداية المجتهد 2/229 – المنتقى للباجي 4/299 – القوانين الفقهية ص 275 – المهذب 1/307 – أسنى المطالب 2/127 – كشاف القناع 3/292 – المغني 4/333 .(1/88)
فيتصرف المسلم إليه في رأس مال السلم بعد قبضه بكل التصرفات الشرعية لأنه ملكه وتحت يده .
أما المسلم فيه فملكية المسلم له بمقتضى العقد غير مستقرة لأنه قد يطرأ انقطاع المسلم فيه فينفسخ العقد (1) .
وبناء على ذلك أي كون دين السلم غير مستقر ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه : لا يصح بيع المسلم فيه لمن هو في ذمته أو لغيره أو الاستبدال عنه (2) لأنه لا يؤمن فسخ العقد بسبب انقطاع المسلم فيه وامتناع الاعتياض عنه .
أما غير البيع من التصرفات ففيها خلاف :
قال الكاساني تجوز الحوالة بالمسلم فيه وكذلك الكفالة والرهن لأنه دين حقيقة (3) 0
وللشافعية في الحوالة بالمسلم فيه أو عليه ثلاثة أوجه أصحها : لا تجوز والثاني تجوز والثالث لا يجوز عليه الحوالة ويجوز به الحوالة (4) .
وقال الحنابلة : لا تصح الحوالة بدين السلم ولا الحوالة عليه لأنه في الأولى معاوضة بالمسلم فيه قبل قبضه وفي الثانية لا تصح الحوالة إلا على دين مستقر والسلم عرضة للفسخ (5) .
وخالف ابن تيميه وابن القيم جمهور الفقهاء وأجازا بيع المسلم فيه قبل قبضه لمن هو في ذمته بثمن المثل أو دونه لا أكثر منه حالاً وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ورواية عن أحمد (6) وذلك لانتفاء المانع الشرعي وأنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس وأن النص والقياس يقتضيان الإباحة .
__________
(1) ... الأشباه والنظائر للسيوطي ص 326
(2) ... تبين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 4/118 - نهاية المحتاج 4/87 - مجموع فتاوى ابن تيميه 29/500 – 506 .
(3) ... بدائع الصنائع 5/214 .
(4) ... المجموع شرح المهذب للنووي 9/273 .
(5) ... كشاف القناع 3/293 .
(6) ... مجموع الفتاوى 29/503 ، 504 ، 518 ، 519 تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته لابن القيم 5/111 وما بعدها .(1/89)
أما قولهم بعدم جواز الاعتياض عن المسلم فيه بأكثر من قيمته لأن دين السلم مضمون على البائع ولم ينتقل إلى ضمان المشتري فلو باعه المشتري من المسلم إليه بزيادة فقد ربح رب السلم فيما لم يضمن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " نهى عن ربح ما لم يضمن " (1) .
أما المالكية فقد أجازوا بيع المسلم فيه لغير المسلم إليه إذا لم يكن طعاماً أما بيعه من المسلم إليه فقد أجازوه بشروط هي :
* ... أن يكون المسلم فيه مما يباع قبل قبضه كما لو كان حيواناً .
* ... أن يكون المأخوذ مما يباع بالمسلم فيه يداً بيد كما لو أسلم دراهم في ثوب مثلاً فأخذ عنه طست نحاس إذ يجوز بيع الطست بالثوب يداً بيد .
* ... أن يكون المأخوذ مما يجوز أن يسلم فيه رأس المال كما لو أسلم دراهم في حيوان فأخذ عن ذلك الحيوان ثوباً فإن ذلك جائز إذ يجوز أن يسلم الدراهم في الثوب (2) .
{ 2 } ... إيفاء المسلم فيه وتعذره عند حلول الأجل :
اتفق الفقهاء على أنه إذا حّل أجل السلم المتفق عليه في العقد وجب على المسلم إليه إيفاء الدين المسلم فيه (3) .
وإذا انقطع المسلم فيه عند حلول الأجل وتعذر على المسلم إليه إيفاؤه في وقته للمسلم فقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي :
- جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر والحنابلة إلى أنه يخّير رب السلم بين أن يصبر إلى جود المسلم فيه أو أن يفسخ العقد ويرجع برأس ماله إن وجد أو عوضه إن عدم لتعذر رده (4) .
__________
(1) ... من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً " لا يحل سلف ولا بيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن " أخرجه الترمزي 3/527 ط الحلبي وقال حسن صحيح .
(2) ... بداية المجتهد 2/231 – شرح الخرشي 5/227 .
(3) ... روضة الطالبين 4/29 – 30 المغني 4/339 .
(4) ... شرح منتهى الإرادات 2/220 – بداية المجتهد 2/230 – المهذب 1/309 .(1/90)
- وذهب زفر وأشهب والشافعي في قول إلى أنه ينفسخ السلم ضرورة ويسترد رب السلم رأس المال ولا يجوز التأخير (1) .
- وقال سحنون : ليس لرب السلم فسخ السلم وإنما له أن يصبر إلى القابل (2) .
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الإقالة في السلم ويجب على المسلم إليه رد الثمن إن كان باقياً أو مثله إن كان مثلياً أو قيمته ان كان قيمياً إذا لم يكن باقياً وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائز (3) .
{ 3 } ... توثيق الدين المسلم فيه :
يكون بالكتابة أو الشهادة ونحو ذلك وكذلك بالكفالة والرهن وإن اختلف الفقهاء في توثيق الدين المسلم فيه بالكفالة فالجمهور من الحنفية ومالك والشافعي يرى جواز ذلك (4) وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى أنه لا يصح أخذ رهن ولا كفيل عن المسلم إليه (5) .
{ 4 } ... وفي جواز الاتفاق على تقسيط المسلم فيه اختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال:
- ذهب المالكية والشافعية في الأظهر إلى أنه يصح ذلك لأن كل ما جاز أن يكون في الذمة إلى أجل جاز أن يكون إلى أجلين وآجال كالأثمان في بيوع الأعيان (6) .
- وذهب الشافعي في قول ثان له إلى أنه لا يصح ذلك لأن ما يقابل أبعدهما أجلا أقل مما يقابل الأخر وذلك مجهول فلم يجز (7) .
__________
(1) ... الهداية مع العناية وفتح القدير 6/214 – المهذب 1/309 – بداية المجتهد 2/230 .
(2) ... بداية المجتهد المرجع السابق .
(3) ... المغني 4/336 ، 337 – المدونة 9/69 ط م السعادة 1323 هـ – المهذب 1/309 – البدائع 5/214.
(4) ... حاشية ابن عابدين 4/263 ، 5/318 – منح الجليل 3/252 – الأم 3/94 .
(5) ... شرح منتهى الإرادات 2/222 – المغني 4/342 – كشاف القناع 3/298 .
(6) ... الإشراف على مسائل الخلاف 1/280 أسنى المطالب 2/126 .
(7) ... المهذب 1/307 .(1/91)
- وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى التفصيل بحسب المسلم فيه (1) .
ملحق
قرار مجمع الفقه الإسلامي
بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة
قرار رقم 89/2/د 9
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي
بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ الموافق
1 – 6 إبريل 1995 .
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع :
" السلم وتطبيقاته المعاصرة ".
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله .
قرر أولاً بشأن السلم ما يلي :
{ 1 } ... السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل ما يجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت دينا في الذمة ، سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات .
{ 2 } ... يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم ، إما بتاريخ معين أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع ولو كان ميعاد وقوعه يختلف اختلافاً يسيراً لا يؤدي للتنازع كموسم الحصاد .
{ 3 } ... الأصل تعجيل قبض رأس مال السلم في مجلس العقد ويجوز تأخيره ليومين أو ثلاثة ولو بشرط على أن لا تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عن
الأجل المحدد للسلم .
{ 4 } ... لا مانع شرعاً من أخذ المسلم ( المشتري ) رهناً أو كفيلاً من المسلم إليه (البائع )
{ 5 } ... يجوز للمسلم ( المشتري ) مبادلة المسلم فيه بشيء آخر - غير النقد - بعد حلول الأجل سواء كان الاستبدال بجنسه أم بغير جنسه ، حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ولا إجماع وذلك بشرط أن يكون البدل صالحاً لأن
يجعل مسلماً فيه برأس مال السلم .
{ 6 } ... إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإن المسلم (المشتري ) يخير بين الانتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله ، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة .
{
__________
(1) ... كشاف القناع 3/286 ، 287 – شرح منتهى الإرادات 2/218 ، 219 – المغني 4/338 .(1/92)
7 } ... لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه لأنه عبارة عن دين ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير .
{ 8 } ... لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين .
قرر ثانياً بشأن التطبيقات المعاصرة للسلم :
يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية ، من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات
التمويل المختلفة ، سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطة أم طويلة ، واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء ، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى .
ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم ومنها ما يلي :
{ 1 } ... يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة ، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن ان يشتروها ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم فيقدَّم لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم .
{ 2 } ... يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي ، ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة ، وذلك بشرائها سلما وإعادة تسويقها بأسعار مجزية .
{ 3 } ... يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها .
ويوصي المجلس باستكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة .
* السلم الموازي(1/93)
استناداً إلى ما سبق في شروط صحة السلم وأن جمهور الفقهاء يذهب إلى تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد فلو تفرقا قبله بطل العقد كما يذهب إلى أنه لا يصح بيع المسلم فيه ( السلعة المشتراة ) قبل قبضه ، وخالف ابن تيميه وابن القيم الجمهور بشروط سبق ذكرها .
وعلى هذا يجوز لرب السلم ( المشتري ) أن يبيع سلماً من جنس ما أسلم فيه
اعتماداً على ما سوف يتسلمه في المستقبل ودون أن يربط في بيع السلم بين ما أسلم فيه في العقد الأول وبين ما التزم به في العقد الآخر ويكون العقد الآخر لمدة تالية لمدة السلم الأول ويظل كل عقد مستقلاً عن الأخر ولا يؤثر توافق المواصفات على هذا الاستقلال وهذا ما يسمى " بالسلم الموازي " في معاملات المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية وهي صورة مستحدثة والتوافق في المواصفات بين العقدين ضروري ليكون السلم موازياً .
ونزيد الأمر توضيحا بحالة عملية في شكل سؤال وجواب هيئة الرقابة الشرعية عليه وذلك على النحو التالي :
السؤال :
نرجو التكرم بإفادتنا بالرأي الشرعي حول قيام الشركة بشراء سلع ( كبترول أو معادن أو غيرها من السلع ) شراء سلم وذلك بدفع قيمتها حالاً على أن يتم استلام السلعة بعد فترة زمنية علماً بأن الشركة قد تبيع هذه السلع بيع سلم وذلك باستلام قيمة السلعة عند البيع على أن يتم تسليم البضاعة بتاريخ لاحق .
وبعد تأمل الهيئة في السؤال توصلت لما يلي :
القرار :(1/94)
إن خاصية عقد السلم أنه عقد على شيء موصوف في الذمة ( سلعة مثلية ) سواء أكان مكيلاً أم موزوناً أم مذروعاً أم معدوداً غير مختلف الآحاد وسواء في ذلك المنتجات الزراعية كالحبوب والزيوت والألبان والمنتجات الصناعية كالحديد والأسمنت والسيارات والطائرات ومنتجات المواد الخام أو نصف المصنعة كالنفط والكلنكر ويمكن للمسلم ( المشتري ) فيما بين تاريخ عقد السلم وتاريخ قبض المسلم فيه أن يكون مسلما إليه ( بائعا ) في سلعة مماثلة وبشروط مماثلة لشروط عقد السلم الذي أبرمه أو بشروط معّدلة وعقد السلم بهذا الوصف أداة ذات كفاءة عالية للوفاء بحاجة المصرف الإسلامي باعتبار أن الوظيفة الأساسية للمصرف هي تقديم خدمة الائتمان وأن موارده تعتمد بالدرجة الأولى على الاستفادة من عوض الأجل عند تقديم تلك الخدمة وتظهر مدى كفاءة عقد السلم كأداة لنشاط المصرف الإسلامي في مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة سواء أكان تمويلاً قصير الأجل
أم متوسطة أم طويلة واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء سواء من المنتجين الزراعيين أو الصناعيين أو المقاولين أم من التجار واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية وإذا كان التعامل في سوق الائتمان في البلاد المتقدمة يتم في نطاق منافسة تتسم بالحدة والحرج وإذا كانت البلاد الأخرى التي تتم المنافسة فيها بدرجة مرونة أكبر تقوم فيها عقبات حقيقية أمام أدوات الاستثمار الأخرى فإن هذه الأداة ( عقد السلم ) تعتبر وسيلة حيوية وهامة تتيح بأمان اقتحام الأسواق التي تتسم المنافسة فيها بالمرونة والسعة وفي الوقت نفسه تكون قابلة للتذرع بالضمانات الكافية ضد المخاطر المعتادة في تلك الأسواق كالمخاطر السياسية أو مخاطر التضخم .
مثال :(1/95)
يوجد مصنع ياباني لسحب وتشكيل قضبان الحديد يحتاج إلى تمويل لشراء كتل الحديد اللازمة ويحصل عادة على التمويل اللازم من البنك بالفائدة لأجل يمتد حتى تاريخ تسويق منتجاته ففي مثل هذه الحال يقوم المصرف الإسلامي بعرض التمويل اللازم على أساس عقد السلم فيأخذ مقابل التمويل المنتجات المصنعة من قضبان الحديد وتبرمج مواعيد وأمكنة التسليم ويتفق مثلاً أن يكون التسليم فوق ميناء التصدير أو فوق ميناء الاستيراد وفيما بين تاريخ إبرام العقد وتاريخ التسليم يمكن للمصرف الإسلامي أن يجري عقد أو عقود سلم مع مستثمرين أخر ين يكون المصرف فيها في موقف المسلم إليه ( البائع ) حيث يلتزم بتوريد قضبان حديد مماثلة لقضبان الحديد التي أبرم عقد السلم عليها من المصنع وذلك بشروط
مماثلة لعقده مع المصنع أو بشروط معّدلة كما يمكن للمصرف بدلاً من ذلك أن ينتظر حتى يتسلم القضبان فيبيعها للموردين في البلد المستورد أو لتجار التجزئة بثمن حال أو مؤجل وعلى العكس من الصورة السابقة يمكن أن يسبق زمنياً عقد السلم الذي يبرمه المصرف مع المستثمرين ويكون فيه مسلما إليه ملتزماً بقضبان الحديد عقد السلم الذي أبرمه المصرف مع المصنع الياباني وكان المصرف فيه في موقف المسلم (المشتري ) ويمكن للمصرف التوغل لمرحلة سابقة بأن يقوم بإبرام عقد سلم مع مصنع للصلب ينتج كتل الحديد ويحتاج لتمويل شراء خام الحديد حيث يقوم المصرف بالتمويل النقدي في مقابل الحصول على كمية مناسبة من كتل الحديد يتم بيعها لمصنع القضبان .(1/96)
ويجب التنبيه إلى انه حيثما ذكر عقد السلم فإنه مأخوذ في الاعتبار التقيد بالشروط الشرعية للعقد ومن أهمها فورية دفع الثمن وبهذا الشرط الأخير يقوم رادع يحول عملياً دون استغلال عقد السلم لاتخاذه حيلة لتوصل للتمويل بالفائدة الربوية وفي الأمثلة السابقة حيث أشير إلى الصور العكسية فربما يتبادر إلى الذهن ن صور هذه المعاملات ستكون قليلة في مجال العمل وليس الأمر كذلك إذا لاحظنا وجود عملاء جاهزين للدخول في هذه العمليات ومنهم محافظ الاستثمار المستقلة في المصرف المعني وغيره من المصارف بقيت إشارة مهمة إلى ان الرجل المصرفي سوف يلاحظ لأول نظرة الفرق بين التمويل بأداة عقد السلم والتمويل بأداة الفائدة الربوية الممول في الحالة الأولى ( عقد السلم ) عائدة عن التمويل الربح والممول في الحالة الثانية عائدة عن التمويل بالفائدة والفائدة مضمونة محددة المقدار في حين أن الربح قد يقل أو يكثر كما أنه ليس مضمونا لكن هذا الفارق هو السبب الجوهري في أن عقد التمويل بالسلم حلال وعقد القرض بالفائدة حرام غير أننا إذا قلنا أن الربح لا يمكن أن يكون مضموناً عقداً فهذا لا يعني أنه لا يكون موثوقا به واقعا إذ يمكن للمصرف بالدراسة والتبصر والانتفاع بالخبرة أن يهيئ ظروفا ملائمة توصله إلى درجة من الاطمئنان إلى الحصول على الربح دون أن يؤثر ذلك على مشروعية العقد ويساعد على الثقة بالربح أن عائد التمويل وهو الفرق بين ثمن الشراء المدفوع نقداً وثمن البضاعة المؤجلة لا يقل في الظروف العادية عن عائد الفائدة بل يدخل عند حساب الفرق المذكور ما يوفره البائع المنتج من نفقات التخزين والتسويق ومقابل العامل النفسي في اطمئنان المنتج مسبقاً إلى أنه ينتج سلعة قد ضمن بيعها وعرف ربحها ونلاحظ في عقد السلم سهولة اطمئنان المسلم إليه (البائع) إلى إمكانية الوفاء بدين السلم ( البضاعة ) عند تعذر مصدره المتوقع وذلك عن طريق الحصول عليه من مصدر أخر(1/97)
بملاحظة أن المسلم فيه هو من السلع النقدية عادة أي مما يتيسر الحصول عليها أو تسيلها في أي وقت كما نلاحظ سهولة اطمئنان المسلم (المشتري) إلى وفاء المسلم إليه بدين السلم ( البضاعة المبيعة ) بإمكانية أخذ الرهن أو الكفالة به وهذا وإن كان يوجد قول في المذهب الحنبلي بعدم جوازه فإن الصحيح من المذهب الجواز وهو المفتي به وهو رأي المذاهب الثلاثة الأخرى ولذلك لا تتردد الهيئة الشرعية في إجازة أخذ الرهن والكفيل بدين السلم (البضاعة) وفق ما نص عليه الفقهاء (1) .
المبحث الرابع :الاستصناع
تمهيد :
لقد أظهرت حاجة العصر المتطور أنواعا من المعاملات كانت الحاجة إليها ضئيلة فيما مضى من ذلك عقد الاستصناع لشراء مصنوعات لدى بعض المصانع لا تتوافر فيها المصنوعات المطلوبة لكمياتها أو لمواصفاتها الخاصة من الآليات والمعدات والسلع الغذائية المصنعة ونحو ذلك مما لا يحصى حيث يتعذر صناعة سلع قبل وجود مشتر معين لها كبناء منزل معين أو جسر بمواصفات معينة أو مصفاة بترول أو طائرة أو غواصة وهكذا ، وهذا التعذر قد يكون فنياً تقنياً وقد يكون لأسباب مالية ومن هنا تظهر الأهمية الاقتصادية لعقد الاستصناع .
* الاستصناع في اللغة :
مصدر استصنع الشيء أي دعا إلى صنعه وطلبها .
* في اصطلاح الفقهاء :
التعريف الذي رجحه الإمام الكاساني واختارته الموسوعة الفقهية الكويتية
هو (2) :
" ان الاستصناع عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل " وهذا التعريف هو الذي مال إليه " مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السابع في قراره رقم 67/3/7 حيث قال :
__________
(1) ... مجموعة فتاوى الهيئة الشرعية – شركة الراجحي المصرفية للاستثمار – قرار رقم (4) .
(2) ... الكاساني – البدائع 6/2677 ط الإمام – الموسوعة الفقهية الكويتية ح 3 /325 .(1/98)
إن عقد الاستصناع عقد وارد على العمل والعين في الذمة ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط (1) .
وعرفته مجلة الأحكام العدلية في مادتها رقم (24) حيث نصت على :
" الاستصناع عقد مقاولة (2) مع أهل الصنعة على ان يعمل شيئا فالعامل صانع والمشتري مستصنع والشيء مصنوع " .
فإذا قال شخص لأخر من أهل الصنائع : اصنع لي الشيء الفلاني بكذا درهما وقبل الصانع ذلك انعقد استصناعا عند الحنفية (3) وكذلك الحنابلة حيث يستفاد من كلامهم ان الاستصناع : لبيع سلعة ليست عنده على غير وجه السلم (4) أما المالكية والشافعية فقد ألحقوه بالسلم .
وعرفه المرحوم الشيخ الزرقا تعريفا نراه الأوفى وهو ان الاستصناع :
" عقد يشترى به في الحال شئ مما يصنع صنعا يلتزم البائع ( الصانع ) بتقديمه مصنوعا بمواد من عنده بأوصاف مخصوصة وبثمن محدد " (5) .
ويستفاد من هذا التعريف :
إن الاستصناع في حقيقته وطبيعته عقد ليس من قبيل إجارة الأشخاص المحضة ولا مجرد وعد . لأن الإجارة واردة على العمل فقط أما الاستصناع فالأصل المقصود فيه هو العين المستصنعة المملوكة للصانع ويكون ما
__________
(1) ... مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد7 الجزء 2 سنة 1412 /1992 ص 777
(2) ... انظر أيضا بدائع الصنائع للكاساني 6/2677 .
(3) ... المبسوط للسرخسي 12/138 ط السعادة – تحفة الفقهاء 2/538 ط 1 جامعة دمشق – ويستفاد من (تعريفات الحنفية أنهم سلكوا منهجين هما : التعريف بالحد والتعريف بالرسم ) .
(4) ... الفروع لابن مفلح 2/458 ط المنار – كشاف القناع 3/132 ط أنصار السنة المحمدية والصورة العديدة التي وردت فيه .
(5) ... بحثه عقد الاستصناع ومدى أهميته في الاستثمارات الإسلامية المعاصرة ص 21 – طبع البنك الإسلامي للتنمية – وهذا التعريف قريب من تعريف د . أحمد فهمي أبو سنة في كتابة نظرية العرف / 117 حيث قال : أن يطلب من الصانع عمل شيء مادته من عنده على وجه خاص .(1/99)
حدث بين الصانع والمستصنع قريبا من البيع وله شبه به وبالإجارة في
وجود العمل (1) .
ولذلك قالوا لا يمكن جعله إجارة لأنه استئجار على العمل في ملك الأخير وذلك لا يجوز (2) ولأنه تختلف عن المواعدة في كثير من الأمور منها :
- ... أن محمداً ( صاحب أبي حنيفة ) ذكر في جوازه القياس والاستحسان وذلك لا يكون في إثبات العدات .
- ... أن الاستصناع يعتبر عقداً من العقود اللازمة لكلا الطرفين وليس وعداً .
- ... وانه اثبت فيه خيار الرؤية وهذا يختص بالبياعات .
- ... أنه يجري فيه التقاضي وإنما يتقاضى في الواجب لا الموعود .
الاستصناع خاص بما تجري فيه الصنعة والمواعدة تجوز في كل شئ .
* الاستصناع عقد مستقل له شبه بالبيع والسلم والإجارة :
الحنفية جعلوا عقد الاستصناع عقدا مستقلا له اعتباره وخصائصه
التي تميزه عن غيره من العقود وأن وجدت أوجه شبه بينه وبين السلم والإجارة والبيع .
فالاستصناع على ما سبق في تعريفه محله العين والعمل معا : فهو عقد مستقل يختلف عن البيع المطلق الذي محله العين الموجودة عند التعاقد باشتراط العمل فيه (الاستصناع ) للمشتري وفي نفس الوقت يعد بيعا يقول الإمام السرخسي : أعلم أن البيوع أربعة :
{ 1 } ... بيع عين بثمن .
{ 2 } ... وبيع دين في الذمة بثمن وهو السلم .
{ 3 } ... وبيع عمل العين فيه تبع وهو الاستئجار للصناعة ونحوها .
{ 4 } ... بيع عين شرط فيه العمل وهو الاستصناع فالمستصنع فيه مبيع عين (3) .
__________
(1) ... فتح القدير 7/114 – 115 .
(2) ... كما لو قال رجل لآخر أصبغ ثوبك أحمر بكذا لا يصح .
(3) ... المبسوط 15/84 – 85 .(1/100)
ولكن المبيع شيئا مخصوصا ذكرت مادته ومواصفاته ملتزم به عند العقد في ذمة الصانع البائع ويرى ابن القيم رحمه الله (1) ونحن معه أن بيع المعدوم جائز إذا لم يكن فيه غرر لعدم ورود دليل من الكتاب ولا من السنة ولا من أحد من الصحابة ان بيع المعدوم لا يجوز لا بعموم اللفظ ولا عموم المعنى وإنما ورد في السنة النهي عن بيع الأشياء التي هي معدومة كما فيها النهي عن بيع بعض الأشياء الموجودة والى ان الشارع أورد نصا بجواز بيع
الثمر بعد بدو صلاحه مستحق الإبقاء إلى كمال الصلاح والحب بعد اشتداده .
ومعلوم ان العقد إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد فليست العّلة في المنع لا الوجود ولا العدم بل الذي وردت به السنّة النهي عن بيع الغرر وهو ما لا يقدر على تسليمه سواء كان موجوداً أو معدوماً فإذا كان البائع عاجزاً عن تسليمه فهو غرر ومخاطرة وقمار وهكذا المعدوم الذي هو غرر نهى عنه للغرر لا للعدم كما إذا باعه ما تحمل هذه الشجرة فالمبيع لا يعرف وجوده ولا قدره ولا صفته وكذلك سائر عقود المعاوضات .
كذلك يختلف عقد الاستصناع الذي محله العين والعمل معاً عن عقد السلم الذي محله العين الموصوفة في الذمة أي ان محله هو الذمة نفس اشتراط العمل في الاستصناع تميز له عن عقد السلم الذي هو بيع آجل بعاجل (2) .
أو شراء آجل بعاجل (3) .
وقبض الثمن فيه ( رأس المال ) شرط في صحة السلم قبل افتراق العاقدين بأنفسهما ، ولا يشترط ذلك في الاستصناع عند اكثر الفقهاء ولا يشترط في السلم ان المسلم فيه مصنوعا ويشترط ذلك في الاستصناع .
__________
(1) ... أنظر إعلام الموقعين 1/462 – 463 .
(2) ... فتح القدير 5/323.
(3) ... حاشية سعدي حلبي مع فتح القدير 5/323 .(1/101)
ولكن جمهور الفقهاء من المالكية على تفصيل والشافعية والحنابلة (1) يرى ان الاستصناع داخل في باب السلم ولذلك يخضع لشروطه وضوابطه .
ووجه الشبه بين الاستصناع والسلم ان كليهما ضرب فيه الأجل وان كان الأجل في الأول للاستعجال وفي الثاني للاستمهال ولكن ليس الاستصناع محض سلم فجاز تأخير رأس المال فيه ، ولابد فيهما ( السلم والاستصناع ) من بيان المستصنع والمسلم فيه بيانا يمنع النزاع ولا يصح فيهما ان يكون الثمن بينه وبين المثمن مما يحرم من الربا ، وإذا لم يكن الاستصناع بيعا مطلقا ولا سلما محضا فهو عقد خاص جمع بعض خصائص البيع وبعض خصائص السلم وسموه بيعة أهل المدينة .
وذهب بعض الحنفية إلى ان الاستصناع إجارة ابتداء وبيع انتهاء لكن قبل التسليم لا عند التسليم بدليل انهم قالوا : إذا مات الصانع يبطل ولا يستوفى المصنوع من تركته (2) .
وذهب البعض إلى ان الاستصناع أجاره محضة (3) ولكن الفرق بين الاستصناع والإجارة كبير إذ الإجارة واردة على العمل فقط .
أما الاستصناع فالأصل المعقود فيه هو العين المستصنعة المملوكة للصانع (في الإجارة على الصنع المادة فيها من طالب الصنعة أما الاستصناع فالمادة والعمل من الصانع ) وإنما أيضا بينهما وجه شبه في وجود العمل .
وعلى ضوء ما تقدم فان الاستصناع عقد مستقل خاص وان المستصنع طلب منه العمل والعين جميعا فلابد من اعتبارهما جميعا والعمل مشروط فيه لان هذا النوع من العمل اختص باسم فلابد من اختصاصه بمعنى يقتضيه ذلك الاسم (4) .
__________
(1) ... المدونة الكبرى للإمام مالك 9/18 – 19 ط السعادة القاهرة 1323 هـ – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/215 – 16 ط عيسى الحلبي روضة الطالبين 4/7 ط المكتب الإسلامي – بيروت – المغني لابن قدامه 4/310 –316 ط الرياض – المهذب للشيرازي 1/297 .
(2) ... فتح القدير 7/116 ط مصطفى الحلبي .
(3) ... العناية مع فتح القدير 5/356 .
(4) ... المبسوط 13/86 ، 87 .(1/102)
* مشروعية الاستصناع :
اختلف الفقهاء في جواز عقد الاستصناع إلى رأيين :
الرأي الأول :
يذهب جمهور الفقهاء من المالكية (1) والشافعية (2) والحنابلة (3) وزفر من الحنفية إلى عدم جواز عقد الاستصناع كعقد مستقل إذ القياس يقتضي عدم جوازه لأنه لا يمكن أن يكون عقد إجارة لأنه استئجار على العمل في ملك الأجير وذلك لا يجوز .
ولا يمكن ان يكون عقد بيع باعتبار أن المستصنع فيه مبيع لأنه بيع معدوم فلا يجوز للنهي عنه ولا يمكن أن يكون سلما لأنه لم يضرب له اجل ومن شروط صحة السلم ان يكون المسلم فيه ( المعقود عليه مؤجلا ) عند جمهور الفقهاء خلافا للشافعية .
__________
(1) ... الشرح الصغير للدردير 3/287 – المقدمات الممهدات لابن رشد 2/32 وقد ذكر علماء المذهب صورتين جميع بينهما أن المعقود عليه يسلم في المستقبل وكذا الثمن وقد أختلف الحكم فيهما وهما :
الأولى : الشراء من دائم العمل حقيقة أو حكماً كالخباز والجزار فليس بيعاً حقيقة ولا سلما محضاً فهو عقد خاص جمع بين بعض خصائص البيع وبعض خصائص السلم وسموه ( بيعه أهل المدينة ) والمشهور في المذهب جوازه لما جرى عليه عمل أهل المدينة ( حاشية الدسوقي 3/211 – المواق على الحطاب 8/538 ) .
أما الصورة الثانية : الشراء من غير دائم العمل لسلعة تصنع هو سلم وتأخذ أحكامه _( مواهب الجليل للحطاب 4/539 وما بعدها .
(2) ... المهذب للشيرازي مع المجموع 13/109 .
(3) ... الإنصاف للمرداوي 4/300 – الفروع لابن مفلح 4/24 وأوردوا صوراً لها تعلق باستصناع السلعة – كشاف القناع للبهوتي 3/165 ، 290 .(1/103)
وتكلم الجمهور عدا الحنفية ( خلافا لزفر ) عن " السّلم في الصناعات " ويشترطون فيها ما يشترط في السّلم فلم يجعلوا للاستصناع كعقد جديد مستقل باباً مستقلا كما فعل الحنفية وبهذا ندرك ان الخلاف بين الفقهاء في الأغلب لا على أصل التعامل الذي كان موجوداً من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما الخلاف في تخريج هذا النوع من التعاقد على الصنعة والمادة المصنوعة من عند الصانع .
الرأي الثاني :
يذهب الحنفية عدا زفر إلى جواز عقد الاستصناع كعقد مستقل بشروطه استحسانا لا قياسا فالقياس لا يجوز عقد الاستصناع لأنه باع ما ليس عند الإنسان على وجه السلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم ويجوز استحسانا لإجماع الناس على
ذلك في سائر الإعصار من غير نكير والقياس يترك بالإجماع كما يقول الكاساني (1) والتعامل بهذه الصفة وعلى هذا النحو يندرج في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " (2) .
وقال ابن مسعود : " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " (3) .
__________
(1) ... بدائع الصنائع 6/1678 – الهداية للمرغيناني 5/355 – فتح القدير 5/354 – 355 .
(2) ... رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير وابن أبي خيثمة عن أبي بصرة الغفاري مرفوعاً بلفظ سألت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطاينها " ورواه ابن ماجة عن أنس مرفوعاً بلفظ " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة " وله روايات كثيرة – مجمع الزوائد 1/177 ، 5،218 – المقاصد الحسنة للسخاوي ح 460 .
(3) ... حديث موقوف على ابن مسعود وله طرق رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ورواه أيضاً أبو داود والبيهقي ورواه ابن عباس - نصب الراية 4/133 - مجمع الزوائد 4/177 - المقاصد الحسنة ص 367 .(1/104)
وقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما واستصنع منبراً " (1) وقد احتجم صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام مع ان مقدار عمل الحجامة
وعدد مرات وضع المحاجم ومصها غير لازم عند أحد ومثله شرب الماء
من السقاء .
وسمع صلى الله عليه وسلم بوجود الحمام فأجازه بمئزر ولم يبين له شرطاً وتعامل الناس بدخوله من لدن الصحابة والتابعين على هذا الوجه إلى الآن وهو لا يذكر مقدار الماء المستهلك ولا مدة المكث في الحمام والمعدوم قد يعتبر موجوداً حكماً " (2)
* شروط صحة عقد الاستصناع عند الحنفية (3) :
{ 1 } ... أن يكون المصنوع معلوماً وذلك ببيان جنسه ونوعه وصفته وقدره لأنه مبيع فإذا جهل شئ من ذلك فسد العقد .
{ 2 } ... أن يكون المصنوع مما يجرى التعامل فيه بين الناس فلا يجوز الاستصناع في سلعة لم يجر العرف باستصناعها ويجوز ذلك على أساس عقد السلم إذا استوفى شروطه إذ يصح السلم في غير المثلي كالثياب والبسط ونحوها ومن ثم يمكن القول بأن كل مصنوع جرى التعامل فيه بين الناس اليوم مما يبيحه الشرع يكون جائزا ولهذا تنص المادة ( 389 ) .
__________
(1) ... شرح فتح القدير 5/355 – تبيين الحقائق 4/123 وحديث الخاتم روى في كتاب النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/56 وعقب عليه صاحب الاعتبار بأنه حديث صحيح ثابت وله طرق في الصحاح وحديث المنبر رواه البخاري – فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/397 – وعمدة القاري 6/214 - والروايات مختلفة في الصنع أهو رغبة من الرسول صلى الله عليه وسلم وإنجاز من المرأة والغلام أو هو عقد استصناع من الرسول صلى الله عليه وسلم نفذته المرأة .
(2) ... المبسوط للسرخسي 12/139 – حاشية ابن عابدين 4/222 وما بعدها .
(3) ... المبسوط – المرجع السابق – تبيين الحقائق للزيلعي 4/124 – حاشية ابن عابدين 4/225 – فتح القدير 6/242 – الفتاوى الهندية للعلامة نظام 3/203 – مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحردمات أفندي 2/107 .(1/105)
من مجلة الأحكام العدلية :
" كل شئ تعومل استصناعه يصح فيه الاستصناع على الإطلاق وأما ما لم يتعامل باستصناعه إذ بين فيه المدة صار سلما وتعتبر فيه حينئذ شروط السلم وإذا لم تبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضا " (1) .
{ 3 } ... الأجل في عقد الاستصناع :
إذا ضرب للاستصناع اجل اختلف في اعتباره استصناعا إلى رأيين عند الحنفية :
يرى أبو حنيفة خلافا لأبي يوسف ومحمد إذا ضرب المتعاقد للاستصناع آجلا صار سلما حتى يعتبر فيه شرائط السلم .
ويرى الصاحبان انه لا يشترط إلا يكون في عقد الاستصناع اجل وانه يكون عقد استصناع على كل بدون هذا الشرط ما دام الشيء المستصنع مما يجوز فيه الاستصناع وإلا ينقلب عقد الاستصناع سلماً بالاتفاق بين الصاحبين والإمام .
ووجه الصاحبان أن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع بقصد تعجيل العمل لا تأخير المطالبة .
* حكم عقد الاستصناع وصفته :
حكم عقد الاستصناع بمعنى الأثر المترتب عليه هو :
" ثبوت الملك للمستصنع في العين المصنوعة المبيعة في الذمة وثبوت الملك للصنائع في الثمن أو البدل المتفق عليه (2) .
وصفة هذا الحكم أو صفة عقد الاستصناع أنه يلزم التفريق بين أحوال
ثلاثة هي :
{ أ } ... حالة ما قبل العمل في الشيء المستصنع أي قبل الصنع فهو عقد غير لازم في حق الصانع والمستصنع معاً ومن ثم يكون لكل منهما الخيار في الإمضاء أو النسخ وذلك بلا خلاف عند الحنفية .
{ ب } ... حالة ما بعد الفراغ من العمل في الشيء المستصنع وقبل رؤية المستصنع الشيء المصنوع فهو أيضاً عقد غير لازم لأن العقد ما وقع على عين المستصنع بل على مثله في الذمة فلو باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع جاز لأن العقد غير ملزم .
{
__________
(1) ... أنظر تعليق علي حيدر على هذا النص وأن عجزها غير موافق لما في كتب الفقه غرر الحكام شرح المجلة 1/360 .
(2) ... أنظر الكاساني في البدائع – كتاب الاستصناع 5/3 ، 210 .(1/106)
ج } ... حالة بعد الانتهاء من العمل وإحضار الصانع العين المستصنعة على الصفة المشروطة للمستصنع ففي اللزوم وعدمه بالنسبة لكلا العاقدين الصانع والمستصنع ثلاث روايات :
الأولى :
سقوط خيار الصانع دون المستصنع أي يكون العقد لازماً للصنع دون المستصنع وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رضي الله عنهم .
الثانية : روى عن أبي حنيفة أن لكل واحد منهما الخيار دفعاً للضرر .
الثالثة : روي عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما أي أن العقد يكون لازماً ، وقد رجح المذهب جواب ظاهر الرواية فقال الكاساني هو الصحيح (1) .
* الاستصناع الموازي :
لما كانت المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تتخذ من الاستصناع صيغة للاسترباح ومن هنا كان لابد لها من أن تتعامل بصيغة الاستصناع بصفتين :
إحداهما : صفة الصانع والأخرى صفة المستصنع .
والصفة الثانية : هي ما جرى الاصطلاح عليها في الممارسة العملية بالاستصناع الموازي حيث يعبّر فيه المصرف عن رغبته في استصناع السلعة أو الشيء الذي التزم به في عقد الاستصناع الأول بصفته صانعاً وبنفس المواصفات مع الاتفاق مع الصانع على الثمن والأجل المناسبين وضرورة استقلال العقدين .
ويجوز للمصرف بصفته مستصنعا ان يفوض الصانع ( البائع ) في
تسليم السلعة إلى المستصنع الأول والذي يكون من حقه التأكد من مطابقة الشيء المستصنع للمواصفات ولكن يظل كل طرف مسئولا تجاه الطرف الذي تعاقد معه .
الفصل الثاني
حزمة المشاركات
* المبحث الأول : الشركة والمشاركات في الفقه الاقتصادي الإسلامي :
معنى المشاركات في اللغة :
المشاركات جمع مشاركة على وزن " مفاعلة " مصدر شارك شركا
ومشاركة (2) .
المشاركات عند الفقهاء :
__________
(1) ... البدائع 5/2 – 4 .
(2) ... الصحاح للجوهري 4/1593 مادة ( شرك ) – لسان العرب 2/306 ، 10/448 – المنجد ص 396 – المصباح المنير 1/333 .(1/107)
المشاركة اسم جنس يقابلها المعاوضة فهي تشمل أنواعا عدة من المشاركات والشركات وكل ما كان فيه معنى الاشتراك والمشاركة (1) .
فالمشاركات تشمل أنواعاً متعددة منها ما تحدث عنه الفقهاء تحت " باب الشركة " ومنها ما خص بباب مستقل " المضاربة والمساقاه والمزارعة والمغارسة " والمشاركة أقوى في الدلالة على المفاعلة بين الشركاء
والتعاون بينهم وشعور كل مشارك بأهمية دوره في نجاح المشاركة (2) .
- ما قيل في معنى المشاركة في كتابات المعاصرين :
قيل إن المشاركة أسلوب تمويلي مستحدث يقوم على أساس تقديم المصرف الإسلامي للتمويل الذي يطلبه المتعامل معه دون تقاضي فائدة وإنما يشارك المصرف في الناتج المحتمل إن ربحا أو خسارة في ضوء قواعد وأسس توزيعية متفق عليها بين الطرفين قبل بدء التعامل (3) .
وهذا التعريف لا يسلم من المناقشة من الوجوه الآتية :
{ أ } ... إنه حصر المشاركة في التمويل أو جعلها أسلوبا تمويليا فقط مما يخرج أنواعاً منها كشركات الوجوه والصناع أو الأعمال .
{
__________
(1) ... د . عبد العزيز الغامدي – المشاركات في الفقه الاقتصادي الإسلامي – ص 3 .
(2) ... فتاوى ابن تيمية 29/99 .
(3) ... التعامل بالمشاركة – إدارة البحوث – مركز الاقتصاد الإسلامي – المصرف الإسلامي الدولي بالقاهرة ص 6 ، 7 .(1/108)
ب } ... إن القول بأن الناتج المحتمل إن ربحاً أو خسارة يتم توزيعه في ضوء قواعد وأسس توزيعية متفق عليها بين الطرفين لا يستقيم لما هو متفق عليه في الفقه الإسلامي من أن تحمل الخسارة لا يخضع للاتفاق بين الشركاء وإنما دائما بنسبة رأس المال في المشاركة (1) وذلك خلافاً للنظام القانوني للشركات (2) .
{ 2 } ... قيل إن المشاركة هي صورة من المضاربة ذلك أن الفرق الأساسي بين الصيغتين أنه في حالة المضاربة يتم تقديم رأس المال من قبل صاحب المال وحده أما في حالة المشاركة فإن رأس المال يقدم من الطرفين (3) .
... وهذا المعنى أيضا لا يسلم من المناقشة فالمضاربة نوع شركة في الربح ومن ثم فالمشاركة أصل أو جنس والمضاربة فرع أو نوع منها .
ومن ناحية أخرى فإن المشاركة عند فقهاء الشريعة ليست قائمة على المال فقط من الجانبين فهذا أحد أنواعها كما سيأتي بيانه .
{ 3 } ... اعتبر البعض أن المشاركة هي المضاربة أو أنها شركة العنان أو أن المشاركة تجتمع فيها المضاربة والعنان (4) وقيل إنها تأخذ أحد شكلين فقهيين هما المضاربة والشركة (5) والمشاركة في حقيقتها لا تقتصر على المضاربة فقد لا تسفر عن شركة في الربح إذا لم يتحقق منه شئ والعنان صورة منها وليست كل أنواعها .
- والتعريف الذي نراه هو أن المشاركة :
__________
(1) ... أنظر الشيخ على الخفيف – الشركات ص 55 – البدائع 6/61 – المبسوط 11/176 – منتهى الإرادات 2/206 .
(2) ... م 5/7 ، م 40 شركات كويتي ، م 9 من نظام الشركات السعودي ، م 514 مدني مصري ، م 47 شركات أردني ، م 482 ، 483 مدني سوري ، م 1300 تونسي ، م 3103 مغربي .
(3) ... البنوك الإسلامية – إسماعيل حسن وآخرون ص 68 .
(4) ... الموسوعة العلمية والملية للبنوك الإسلامية 1/28 – البنوك الإسلامية د . شوقي إسماعيل ص 33.
(5) ... د . محمد عمر شابرا – نحو نظام نقدي عادل ص 93 – ط المعهد العالمي للكر الإسلامي .(1/109)
ما وقع فيه الاشتراك بمقتضى عقد بين إثنين أو أكثر على القيام بعمل أو نشاط استثماري على وفق مقاصد الشرع الإسلامي يشتركان فيه بأموالهما أو أعمالهما أو جاههما أو بالمال من أحد الطرفين والعمل من الآخر وما ربحاه أو حصلاه من الثمر أو الزرع فبينهما على ما شرطاه وما غرماه أي الخسارة فبحسب رأس المال إن كان من الجانبين أو بالمال من جانب
والعمل من الآخر وهذا التعريف لا يشتمل على كل أنواع الشركات التي تحدث عنها الفقهاء فحسب بل يشمل أيضا المساقاة والمغارسة والمزارعة .
* الأعمال المدنية والتجارية وتصنيف الشركات :
يقّسم القانون الوضعي وفقهاؤه الشركات بحسب النوع إلى شركات مدنية وأخرى تجارية ، والشركات المدنية هي التي تنشأ بين أشخاص ليست لهم صفة التاجر كما بينها القانون التجاري (1) وإن كان يتحقق فيها ربح مادي للشركاء ولكن بأعمال ونشاطات لا تدخل في نطاق الأعمال التجارية كما حددها القانون التجاري أيضا (2) .
والشركات التجارية على عكس الشركات المدنية طبقا لأي من المعيارين الموضوعي وهو الأعمال والأغراض التجارية التي تنشأ لتحقيقها أو المعيار الشكلي وهو الشكل الذي تتخذه الشركة من بين الأشكال المنصوص عليها في قانون الشركات أو القانون التجاري .
ويترتب على التفرقة بين الشركات المدنية والتجارية عدة آثار قانونية
من أهمها :
{ 1 } ... تخضع الشركات التجارية لما يخضع له التاجر من أحكام كالقيد في السجل التجاري وإمساك الدفاتر التجارية و شهر الإفلاس .
{ 2 } ... الاختصاص القضائي ، فالشركات التجارية تخضع للقضاء التجاري والمدنية للقضاء المدني .
{
__________
(1) ... أنظر المادة رقم 13 وما بعدها من قانون التجارة الكويتي رقم 68 لسنة 1980 م .
(2) ... أنظر المادة رقم 3 وما بعدها من قانون التجارة الكويتي رقم 68 لسنة 1980 م .(1/110)
3 } ... من حيث قواعد وطرق الإثبات فالالتزام التجاري لا يخضع لقيد الكتابة الوارد في الالتزام المدني بل إنه يتمتع بمبدأ حرية الإثبات في المسائل التجارية كما أن مدة التقادم في الالتزامات التجارية أقل منها في الالتزامات المدنية وغير ذلك من القواعد الخاصة بالالتزامات التجارية .
ونظرا للآثار المترتبة على التفريق بين الشركات المدنية والتجارية تعددت المعايير التي قال بها رجال القانون للتمييز بينهما بناء على مجموعة من النظريات (1) ونستطيع أن نجملها في معيارين هما :
المعيار الموضوعي :
يعتمد على طبيعة الأعمال التي تقوم بها الشركة والتي من أجلها قامت وما إذا كانت من طبيعة مدنية أو تجارية طبقاً للتحديد الذي نص عليه القانون وإذا اختلطت الأعمال بين مدنية وتجارية فإنها تحدد على أساس العمل الرئيسي الذي تقوم به الشركة .
وهذا المعيار منتقد نظراً لما يترتب عليه من مفارقات في الواقع إذ تعتبر بعض القوانين بعض الأعمال المدنية مثل شركات استخراج المعادن واستغلال الأراضي الزراعية على حين يعترف القانون لمحترفي الاتّجار في منتجات هذه الشركات بصفة التاجر .
المعيار الشكلي :
يعتمد على تحديد نوع الشركة على أساس الشكل القانوني الذي
تتخذه فالشركة التي تتخذ أحد الأشكال القانونية المنصوص عليها في
قانون الشركات أو قانون التجارة تعتبر شركة تجارية ولو قامت بأعمال
غير تجارية .
وفي هذا تنص مثلاً المادة 13/2 من قانون التجارة الكويتي على أنه يعتبر تاجرا كل شركة ولو كانت تزاول أعمالا غير تجارية وهذه الشركات هي :
- ... شركة التضامن .
- ... شركة التوصية بنوعيها ( بسيطة وبالأسهم ) .
__________
(1) * مثل نظرية التداول بمعنى أن التجارة تكمن في الوساطة في تداول السلع والنقود والصكوك والعمل التجاري هو الذي يسعى إلى تسهيل تداول الثروات .
* نظرية الحرفة أو المهنة .
* نظرية المقاولة والشروع ، أي تكرار العمل وممارسه بصورة معتادة .(1/111)
- ... شركة المحاصة .
- ... شركة المساهمة .
- ... الشركة ذات المسؤولية المحدودة .
ونظراً للصعوبات العملية التي تكتنف تطبيق اعتماد معيار واحد يذهب البعض (1) ونحن معه إلى أن الاصطلاح الشرعي يقضي بأن أعمال الشركات أعمال تتناولها التجارة وبهدف تحقيق الربح إذ التجارة في
عرف الشريعة عبارة عن البيع والشراء والمبادلة لاستجلاب الربح في أي عمل من الأعمال .
كما أن الشركة عموما تتكون بناء على عقد يتم بين الشركاء في جميع الأحوال ومن ثم فالاتجاه المنتظر هو عدم التفريق بين شركات مدنية أو تجارية واعتبار جميع الشركات تجارية للربح كما هو في القانون الإنجليزي والألماني (2) وهو الحال في الفقه الإسلامي .
* المبحث الثاني : مبادئ النظرية المعيارية للشركات في الفقه الإسلامي :
تمهيد :
إن المتأمل لمسيرة القوى الاقتصادية السائدة في العالم اليوم يجد ما يمكن أن نسميه مباريات النظريات الاقتصادية ومدى ما يحققه أي منها من سبق وما تقوم عليه هذه النظريات من قيم .
* ... فهناك مجموعة " القيم الفردية " التي تمجدها أمريكا وبريطانيا بالدرجة الأولى ومنها :
- ... تحقيق أقصى ربح ممكن وأثره على علاقة المؤسسة بالعملاء وبالعاملين والأجور فحملة الأسهم أصحاب المصلحة الأولى ثم العملاء ثم العمال حيث تلقين أفكار الشركة للعمال في المرتبة الثالثة وكذلك التدريب .
* ... وهناك مجموعة " القيم المجتمعة " التي تمجدها اليابان وألمانيا مثلاً حيث :
العمل كفريق ومن ثم الولاء للمؤسسة وتلقين أفكار الشركة للعمال ومن ثم التدريب فالعمال أصحاب المصلحة الأولى في المؤسسات اليابانية ثم العملاء ثم حملة الأسهم .
__________
(1) ... المرحوم الشيخ علي الخفيف ، الشركات ص 93 .
(2) ... د . عبد العزيز الخياط ، الشركات 2/96 .(1/112)
* ... وهناك مجموعة " القيم الشرعية " التي يمجدها الإسلام والفقه الإسلامي والتي تقوم عليها نظريات الشركات فيه وهي ما نعمل على إبرازه في هذا الجزء من البحث وما نسميه : " المبادئ المعيارية للشركات في الفقه الإسلامي " كما يلي :
أولاً : ارتباط المعاملات بالعقيدة والعبادات والأخلاق في الشريعة الإسلامية :
تفرد المنهج الإسلامي بتنظيمه الشامل لشئون الحياة جعل من أساسياته الارتباط الوثيق بين مفردات المنهج الإيمانية من العقيدة والعبادة وبين المعاملات والاقتصاد والأخلاق والجنايات والعقوبات والحدود .
وفي هذا الخصوص يقول ابن القيم رحمه الله تعالى (1) .
" وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات 00" .
ويقول ابن عابدين رحمه الله في حاشيته (2) :
" أعلم أن مدار أمور الدين على الاعتقادات والآداب والعبادات والمعاملات والعقوبات 000" .
بل إن ابن رشد رحمه الله اعتبر العبادات والمعاملات وما يتبعها من أنواع التعبدات فقال (3) :
" أنواع التعبدات من العبادات والمعاملات وما يتبع كل واحد منها من المكملات وهي أنواع فروع الكفايات 000" .
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى " والشريعة بمجموعها تنقسم إلى تعبدات ومعاملات وعقوبات " (4) .
وهكذا فالمنهج الإسلامي منهج متكامل وكل لا يتجزأ والتشقيق فيه يفوت الكثير والكثير من المنافع والمصالح ويضّبب على الكثير من المعاني أيضاً .
ثانياً : المشاركات والمقصود بها :
__________
(1) ... أعلام الموقعين 3/108 .
(2) ... ح 1 ص 79 ط 2 – 1376 هـ 1966 م – مصطفى الحلبي – مصر .
(3) ... الموافقات في أًصول الأحكام 3/266 .
(4) ... المنخول في تعليقات الأصول ص 500 ط 2 1980 هـ - دار الفكر دمشق .(1/113)
إن المشاركات وكما سبق تشمل أنواعاً متعددة منها ما تحدث عنها الفقهاء تحت باب الشركة ومنها ما خص باب مستقل كالمضاربة والمساقاة والمزارعة والمغارسة ولنا أن نضيف إليها كالمختلطة والتعاونية وغيرهما وعليها تتوقف قوة النظام الاقتصادي ونشاطاته وهي أقوى في الدلالة على قيم ثلاثة على الأقل هي :
- المفاعلة بين الشركاء .
- والتعاون .
- والشعور بأهمية دور الشريك في نجاح المشاركة .
وهي البديل : ( لنظام الفائدة الربوية المصرفية ) أو نظام الإقراض بفائدة .
المشاركات فيها تعريفات كثيرة على نحو ما سبق :
والتعريف الذي نرتضيه هو :
" ما وقع فيه الاشتراك بمقتضى عقد بين أثنين أو أكثر على القيام
بعمل أو نشاط استثماري على وفق مقاصد الشرع الإسلامي يشتركان فيه بأموالهما أو أعمالهما أو بالمال من أحد الطرفين والعمل من الآخر ، وما ربحاه أو حصّلاه من الثمر أو الزرع فبينهما على ما شرطاه وما غرماه
(أي الخسارة) فبحسب رأس المال إن كان من الجانبين أو بالمال من جانب والعمل من الآخر " .
وعلى وفق مقاصد الشرع مبدأ يدل على أن مقصد الشرع يعلو على مقصد الشركاء والشركة وقاعدة الربح على ما شرطا والغرم والخسارة على قدر رأس المال مبدأ لمنع الظلم وأكل أموال الناس بينهم بالباطل .
ثالثا :
الصعوبات العملية في التفريق بين الأعمال المدنية والتجارية وتصنيف الشركات تدعونا إلى الأخذ " بالمنهجية الموضوعية " في أعمال الشركات في الفقه الإسلامي ومن ثم فهي تجارية جميعها وهنا من حقنا أن نتساءل :
- أليس في شركة التضامن في القانون يكتسب الشركاء فيها صفة التاجر ولو لم يسبق لهم ممارسة التجارة واحترافها .
- أليس الشريك الموصي في شركة التوصية البسيطة – وقد يكون تاجراً -
لا يجوز له التدخل في الإدارة ولو بموجب توكيل ( م 46 شركات كويتي ) .
رابعاً : الذمّة والشخصية المعنوية :
{ 1 } ... في القانون :(1/114)
مثلاً : تنص المادة (2) من قانون الشركات الكويتي رقم 15 لسنة 1960 وتعديلاته على أنه :
" فيما عدا شركة المحاصة تتمتع جميع الشركات التجارية بالشخصية المعنوية " وقد ثار خلاف بين رجال القانون حول حقيقة هذه الشخصية الاعتبارية .
فالبعض (1) يعتبرها مجازاً قانونياً بغرض التبسيط من الناحية العملية وأطلق على هذا الاتجاه " نظرية الغرض القانوني " .
... وعيب على هذا الاتجاه بأنه لا ارتباط بين الشخصية القانونية والوجود الحسّي للكائن القانوني وإلا لما أمكن الإعتراف للدولة بالشخصية القانونية .
والبعض (2) يعتبر أن الشخصية المعنوية حقيقة قانونية حسية وهى نظرية " الوجود الواقعي " وأن هذه الشخصية الحقيقية مستقلة عن الشركاء .
... ويرى فريق ثالث (3) أن الشخصية المعنوية تعبير عن قيام ذمة للشركة مستقلة عن ذمم الشركاء .
... ويرى فريق رابع (4) أن الشخصية المعنوية ليست إلا مجموعة حقوق والتزامات ومسئوليات تنظمها مجموعة قواعد قانونية .
... هذا وتكتسب الشركة الشخصية المعنوية فيما عدا شركة المحاصة بعد قيدها في السجل التجاري (5) .
__________
(1) ... أنظر د. أبو زيد رضوان - المؤسسات العامة والشركات في التشريع المصري ص 101 - د. علي حسن يونس - الشركات التجارية ص 76-77.
(2) ... هوريو الفرنسي في كتابه موجز الحقوق الإدارية ص 124 مشار إليه د. عبد العزيز الخياط المرجع السابق ص209.
(3) ... الوسيط في الحقوق التجارية البرية للأنطاكي والسباعي 1/243 - 244 - الشركات التجارية د. علي حسن يونس ص 80.
(4) ... انظر د. طعمه الشمري - قانون الشركات التجارية الكويتي ص 146.
(5) ... م 10،195 من قانون الشركات التجارية الكويتي رقم 15 لسنة 1960 ويرى البعض أن الشركة تكتسب الشخصية المعنوية بمجرد إتمام العقد وهو غير مسلم طبقا لنص المادة 10 من القانون .
د. أبو زيد رضوان - المرجع السابق ص 103/104 - د. سميحة القليوبي - الشركات التجارية وفقا للقانون الكويتي مذكرات 75 - 67 ص 105 - 107.(1/115)
ونشر المحرر الصادر بتأسيس شركة المساهمة المقفلة في الجريدة الرسمية (1) .
... وتكتسب الشركة المساهمة العامة الشخصية المعنوية من وقت صدور المرسوم الأميري بتأسيسها ويجب نشره في الجريدة الرسمية (2) .
{ 2 } ... في الفقه الإسلامي :
... على الرغم من أن الفقهاء المسلمين لم يستخدموا تعبير " الشخصية المعنوية أو الاعتبارية " إلا أنهم كان لهم فضل السبق في الحديث وبحث " الذمة " وبيان معناها وما يترتب عليها من آثار على نحو تفصيلي ودقيق.
... وعلى الرغم من أن الفقهاء المسلمين اختلفوا في معنى " الذمة " : فعرفها بعضهم بأنها " ذات " فقال: إنها نفس لها عهد فإن الإنسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه عند جميع الفقهاء (3) .
وعرفها بعضهم (4) بأنها " وصف " يصير به الإنسان أهلاً للإيجاب له وعليه وأنها صفة معنوية قائمة بالشخص يلزمه الشارع بسببها بأداء ما التزم به.
وقد أطلقها الشافعية والمالكية على المعنيين معاً .
والأصح اعتبار الذمة " وصفا " لأنها معنى مقدّر في المحل قابل للإلزام والالتزام أو هي وصف شرعي يفترضه الشارع في الإنسان ويصير به أهلا للوجوب له أو عليه ومن ثم فالذمة وصف يتعلق بجميع الحقوق والواجبات (5) .
__________
(1) ... م (95) من قانون الشركات الكويتي .
(2) ... م (74) من قانون الشركات الكويتي .
(3) ... تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية لمحمد بن حسين المالكي 3/237 ط إحياء الكتب العربية بالقاهرة .
(4) ... تهذيب الفروق 2/237 - الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، 198 وهو قريب من تعريف بعض المالكية بأن الذمة قبول الإنسان للزوم الحقوق شرعا والتزامها واقتصر بعضهم على أنها قبول الإنسان للزوم الحقوق دون التزامها لكي تكون للصبي ذمة - حاشية ابن الشاطر - أنوار الشروق على أنواء الفروق 3/230.
(5) ... الخفيف - مختصر أحكام المعاملات الشرعية - أنوار البروق في أنواء الفروق للقرافي 3/235.(1/116)
... وعلى هذا يختلف مدلول ونطاق الذمة في الفقه الإسلامي عنه لدى رجال القانون، فالذمة لدى رجال القانون " مجموع الحقوق الموجودة أو التي قد توجد والالتزامات الموجودة أو التي قد توجد لشخص معين " ومن ثم فهي مجموع من المال وعليه فإنها الشخصية المعنوية وهذا تعريف للذمة بالذات لا بالوصف ومن هنا جاء تعريفها قاصرا عنه في الفقه إذ لا يعتبرها الفقه كمجموع من المال فقط أي كوصف ومن ثم يسهل إضفاء خصائص الشخصية المعنوية المحدثة عليها.
... وعلى هذا الأساس في الفقه الإسلامي فإن استصحاب الحال يقتضي إضفاء ذلك الوصف على الشخص المعنوي أي على غير الإنسان الحي إذ الحاجة العامة التي تنزل منزلة الضرورة داعية إليه لا سيما وأن الفقهاء قد أثبتوا لبعض الجهات كالوقف والمسجد وبيت المال أحكاما عدة تقتضي أن يكون لها حقوقا قبل غيرها .
وأن يكون عليها واجبات مالية أيضا (1) وذلك على الرغم من أن بعض الفقهاء صرح بنفي " الذمة " عن هذه الجهات .
... وتفريعاً على ذلك نستطيع القول بأن ذمة الشركة في الشريعة الإسلامية وصف يقوم بها ويجعلها صالحة للإلزام والالتزام في الحقوق والواجبات المالية (2) .
{ 3 } ... آثار الشخصية المعنوية :
__________
(1) ... الروضة للنووي 3/293 - الأم للشافعي 2/11،12- المغني لابن قدامه 5/601 - فتاوى قاضيخان 3/293 - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 194،202 - تحفة المحتاج 6/289 - نهاية المحتاج للرملي 3/116 5/370، 6/46 - منح الجليل للشيخ عليش 3/584 - الأحكام السلطانية للماوردي ص 112،190 - الخراج لأبي يوسف ص 23،50 وما بعدها.
(2) ... د. عبد العزيز الخياط - الشركات 1/223 - الشركات للخفيف ص 26،27.(1/117)
... إذا اكتسبت الشركة الشخصية الاعتبارية فإنها تتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية وذلك في الحدود التي يقررها القانون بمعنى أن القانون قد يقيد نشاط الشركة في بعض الأعمال (1) من هذه الآثار ما يلي :
{ أ } ... الذمة المالية المستقلة للشركة كأهم أثر يترتب على شخصيتها الاعتبارية ، مع ملاحظة ما قيل في معنى الذمة لدى كل من الفقهاء ورجال القانون .
{ ب } ... أهلية " الشركة في مباشرة الأعمال التي قامت من أجلها في الحدود التي نص عليها عقد تأسيسها أو نظامها الأساسي أو الغرض الذي نشأت من أجله ، فضلا عما يقرره القانون (2) وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية (3) .
{ ج } ... جواز أن يكون للشركة اسم وموطن وجنسية وممثل ينوب عنها ويباشر أعمالها.
{ 4 } ... المسلك الموضوعي للفقه الإسلامي :
وبحث الذمة في الفقه الإسلامي يعبّر عن المسلك الموضوعي والمنهجية القائمة
على الارتباط بحكم شرعي إذ الذمة تشمل التكاليف المالية والعبادية أيضاً ، وكذلك ما يسمى بالعبادة المالية ( وهي الزكاة ) فضلاً عن القيام بأعمال البّر لقوله تعالى :
" ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة (4) .
__________
(1) ... فمثلا تنص المادة 187 شركات كويتي على أن " لا تتولى الشركة ذات المسئولية المحدودة أعمال التأمين أو أعمال البنوك أو استثمار الأموال لحساب الغير بوجه عام ".
(2) ... انظر المادة 19 من القانون المدني الكويتي فيما يتعلق بالشخص الاعتباري.
(3) ... اختلف رجال القانون حول تملك الشركة بغير عوض كالوقف والتبرع والوصية وغيرها وليس في الشريعة ما يمنع منه طالما أثبتنا جواز أن يكون للشركة ذمة مستقلة.
(4) ... البقرة /177 .(1/118)
وهذه أحكام شرعية ينفرد بها المسلك الفقهي في المسألة وتعبّر عن معيار خاص في المسألة يجب الالتفاف إليه والعمل به .
خامساً : مشروعية الشركة ودورها في بناء " النموذج " واستخلاص " النظرية " من الأحكام التفصيلية ففي أدلة مشروعية الشركة :
- ... بُعد عقيدي وإيماني .
- ... وبُعد الإخلاص في العمل .
- ... وبعد يختص به المنهج الإسلامي وهو " البركة " أي أن تحل البركة في المال فينمو بدل أن يمحق .
على حين يبدو من تعريف القانون للشركة الأساس المادي البحت الذي تقوم عليه الشركة وإليك أدلة مشروعية الشركة وتعريفها .
{ 1 } ... الشركة عموماً في الفقه :
يختلف المعنى الاصطلاحي للشركة عند الفقهاء باختلاف نوعها حيث تتنوع إلى أنواع عديدة وقلَّ من الفقهاء من عرفها تعريفاً جامعاً يشمل جميع أنواعها وعلى هذا عرّفها البعض (1) بأنها " اختصاص اثنين فأكثر بمحل واحد ".
وعرفها البعض (2) بأنها " الاجتماع في استحقاق أو تصرف " .
{ 2 } ... مشروعية الشركة :
الشركة مشروعة وثابتة بالكتاب الكريم والسّنة والإجماع على الجملة والمعقول .
* الكتاب الكريم :
وردت آيات كثيرة تفيد مشروعية الشركة منها قوله تعالى :
" ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سَلَماً لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " الزمر/29 .
دلت هذه الآية على وجود الشركة في العبد ومن ثم يستفاد جوازها .
وقوله تعالى : " وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم " ص : 24 .
فدلت هذه الآية على الشركة والشركاء فالخلطاء هم الشركاء .
* السنة النبوية :
__________
(1) ... الدر المنتقى لمحمد علاء الدين – ط الإمام 2/722.
(2) ... المطلع للبعلي ص 260 - المغني لابن قدامه 5/109 - كشاف القناع 3/496 - نهاية المحتاج 5/281.(1/119)
- ... ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما " (1) .
- ... وفي رواية الدار قطني " فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما ".
- ... أخرج أبو داود وروى الحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا فإذا تخاونا
محقت تجارتهما فرفعت البركة منها " (2) وفي هذا الحديث دلالة على مشروعية شركة العقد .
- ... روى ابن ماجة وأبو داود والحاكم وصححه أن السائب بن أبي السائب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداريني ولا تماريني " ولفظ ابن ماجه (3) " كنت شريكي ونعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري" .
وفي هذا الحديث دلالتان : إحداهما أن الناس كانوا يتعاملون بالشركة قبل الإسلام وأقرهم عليها (4) والأخرى القواعد التي تحكم الشركاء وفضيلتها من عدم الدرأ بمعنى الدفع والممانعة والمراء أي الجدال والمحاورة .
* الإجماع على جواز الشركة في الجملة :
أجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة من غير نكير وإنما اختلفوا في أنواع منها ، وقد حكى الإجماع السرخسي (5) وابن قدامه (6) والبابرتي (7) .
* المعقول :
وهو أن الشركة طريق لابتغاء الفضل وهو مشروع لقوله تعالى: " وابتغوا من فضله " (8) .
{
__________
(1) ... رواه أبو داود - رقم 3383 وصححه الحاكم - سبل السلام 3/86 - جامع الأصول 6/108 - نيل الأوطار- 5/264 .
(2) ... الروض النضير 3/262 - المغني لابن قدامه بتحقيق محمد خليل هراس 5/3 .
(3) ... سنن ابن ماجة 2/23 - نصب الراية للزيلعي 3/ص326 .
(4) ... مجمع الأنهر 1/732 - الهداية 3/3 .
(5) ... المبسوط 11/155.
(6) ... المغني 5/109.
(7) ... شرح العناية على الهداية 5/3.
(8) ... حاشية الطحاوي على الدر المختار - على حيدر - درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج1 ص1.(1/120)
3 } ... الشركة في القانون :
تختلف القوانين الوضعية في تعريفها للشركة .
يعرّفها القانون الفرنسي (1) بأنها : " عقد بين إثنين أو أكثر يتفقون على وضع شئ بالاشتراك بينهم بقصد قسمة الأرباح التي تنشأ عنه بينهم ".
وعرّفها القانون المدني المصري (2) .
" الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع
مالي بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح
أو خسارة " .
- ويعرّف نظام الشركات السعودي الشركة بأنها: (3) .
" عقد يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما ينشأ عن المشروع من ربح أو خسارة" .
ولم يضع قانون الشركات الكويتي تعريفا عاما للشركة، وإنما عرّف بعض الشركات التجارية كشركة التضامن وشركة المحاصة وشركة المساهمة (4) .
إلا أن المشروع المقترح لقانون الشركات التجارية الكويتي عرّف
الشركة بأنها (5) .
" عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع اقتصادي وذلك بتقديم حصة من مال أو من عمل واقتسام ما قد ينشأ عن المشروع من أرباح أو ما قد ينتج عنه من خسائر" .
هذا وقد وجهت إلى التعريف القانوني للشركة انتقادات من أهمها أنه غير جامع
فإن بعض الشركات لا تتم بإرادة الأفراد الكاملة بل تحتاج في إنشائها إلى المرسوم الذي يرخص بقيامها بحيث لا يكفي في ذلك مجرد اتفاق الأطراف (6) .
وقد عرّفت المادة الأولى من نظام الشركات السعودي الشركة بأنها :
__________
(1) ... م 1832 فرنسي.
(2) ... م 505 مدني
(3) ... م 1 من نظام الشركات رقم م/6 في 23/3/1385هـ
(4) ... المواد أرقام 4،56، 63 من قانون الشركات التجارية رقم 15 لسنة 1960. ...
(5) ... م ( 2) من مشروع القانون المقترح والذي تمت مراجعته في إدارة الفتوى والتشريع وأرسل إلى وزارة التجارة والصناعة . ...
(6) ... وهو نفس نص المادة 505 مدني مصري و 1832 مدني فرنسي .(1/121)
" عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما ينشأ من المشروع من ربح أو خسارة " .
سادساً :
المعايير المستفادة من أقسام وأنواع الشركات في الفقه الإسلامي في بناء النظرية المعيارية للشركات في المنهج الإسلامي :
{ 1 } ... ... عند الحنفية :
قسم الحنفية الشركات إلى أربعة أقسام تشتمل على عشرة أنواع للشركة
ومن هذه الأقسام .
{ أ } ... ... شركة الملك بنوعيها الجبرية والاختيارية وهذا التقسيم لم يدخله القانون الوضعي في الشركات وإن كان القانون المدني يعرف الشيوع ولا يعتبره شركة لانتفاء نية الاشتراك والتعاون في قبول أخطار معينة ولا يعترف له (أي الشيوع ) بالشخصية المعنوية .
ولعلّ في اعتبار هذا النوع من الشركة تحقيق الالتزام بخاصية الشركات في الفقه الإسلامي من :
- الأمانة الواجبة بين الشركاء .
- ومراعاة المصلحة في إدارة المال المشترك .
{ ب } ... شركة العقد وهي أنواع ثلاثة :
بالمال ... ... - ... بالأعمال ... ... - وجوه
وكل منها إما :
مفاوضة أو عنان فتكون ستة أنواع :
- مفاوضة بالمال أو بالأعمال أو وجوه .
- عنان بالمال أو بالأعمال أو وجوه : ويقال مضاربة أيضاً فيكون المجموع سبعة أنواع لشركة العقد .
وما أسميه " نمط المفاوضة " أو " نمط العنان " يعطي في التحليل الاقتصادي لهذين النمطين من الشركات أبعاداً إضافية في نظرية الشركات الوضعية من الثقة والأمانة والحرية في التصرف وهذا ماثل في نمطي المفاوضة
والعنان ومن ثم البعد الإيماني في الشركة وهذا ما نحن بحاجة ماسة إليه الآن كأساس لـ :
- قياس فعالية الأداء .
- درجة الجودة .
- درجة التمسك بالقيم المتكاملة .
{ ج } شركة الإباحة : وأساسها كون العامة مشتركين في صلاحية التملك بالأخذ والإحراز للأشياء المباحة كالماء والكلأ والنار ويقاس عليها ما تعلقت به مصالح جماعة المسلمين .
وهنا أيضاً أقول :(1/122)
ماذا تعني شركة الإباحة في التحليل الاقتصادي : ألا تعني بوضوح : ضوابط استخدام المال العام والاعتناء به والانتفاع به .
{ 2 } ... عند المالكية :
الشركات عند المالكية تصل إلى عشرة أنواع منها أشكال لم يسبقهم غيرهم
في الحديث عنها تحت مسمى الشركة ومنها شركات أدخلت تعديلات عندهم على بعض شروطها مثل شركة العمل بشرط اتحاد الصنعة أو تلازمها ومن الجديد شركة الذمم وشركة الغنيمة وشركة المبتاعين واستخدموا مصطلحات جديدة لأنواع موجودة مثل شركة الذمم للتعبير عما يقابلها من شركة الوجاهة 00 ووفق الشروط التي اشترطوها لحالة المنع وحالة الصحة لشركة الذمم .
وهذا المسلك من المالكية يعطي مرونة في تناول الشركات حسبما تقتضيه المصلحة الشرعية .
{ 3 } ... عند الشافعية :
نوع واحد هو شركة العنان بشرط أن يكون الربح على قدر أو بنسبة الأموال وبذلك أصبح في الربح نظريتان :
- الاتفاق أو الشرط عند جمهور الفقهاء .
- نسبة رأس المال عند الشافعية .
{ 4 } ... عند الحنابلة :
قسم الحنابلة الشركات إلى قسمين يشتملان على تسعة أنواع من الشركات على النحو التالي :
- شركة في المال : اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق عين أو منفعة وهي تقابل شركة الملك عند غيرهم .
- شركة العقد وتشتمل على :
{ 1 } ... شركة المفاوضة قيدوها قط بألا يدخل الشركاء بينهم الكسب النادر كاللقطة أو الكنز أو ما يحصل لأحده من ميراث .
{ 2 } ... شركة العنان وهي قائمة على الأمانة والوكالة ومدارها المصلحة في عادة التجار .
{ 3 } ... شركة الوجوه .
{ 4 } ... شركة الأبدان وهي جائزة مطلقاً عندهم .
{ 5 } ... شركة المضاربة وفي المضاربة ذكر الخرقي كما نقل عنه صاحب المغنى ثلاثة أنواع هي :
- اشتراك بدنان بمال أحدهما .
- اشتراك مالان ببدن صاحب أحدهما .
- اشتراك بدن بمال .
وفي المضاربة نوع منها شركة وجوه بدنان بمال غيرهما .(1/123)
وجواز أن يجمع الشركاء بين شركة عنان ووجوه وأعمال وانعكاس ذلك في منهجية متميزة تتمثل في تعدد واجتماع أنواع مختلفة من الشركات فضلاً عن تحولها واندماجها و أثر ذلك في الربح وفي الضمان " ديناميكية فقهية" تقابل الشركات المختلطة في القانون ويقطع بأن :
- ... غرض الشركات جميعها عند الفقهاء هو التجارة وقصد الربح .
- ... وأن أسماء الشركات مصطلحات حادثة متجددة كما يقول صاحب
الروضة الندية .
{ 5 } ... وفي القانون الوضعي :
تنقسم الشركات إلى ثلاثة أقسام تشتمل على سبعة أنواع .
شركات أشخاص وشركات أموال وشركات مختلطة .
الخلاصة :
فيما يتعلق بأقسام الشركات وأنواعها اختلفت المسالك المعاصرة في تناولها مما ساهم إلى حد ما _ في تقديرنا _ في غموضه ولهذا بدا لنا أن أفضل طريقة لتناوله هي " الموضوعية المذهبية " و آثرناها على غيرها لتحقيق هدفين هما :
{ أ } ... إبراز وجه التكامل في تناول الفقهاء للموضوع ومن ثم ملاحظة وملاحقة ما قد يطرأ على تلك الصورة المتكاملة من أحكام فقهية للشركات بحسب ظروف الزمان والمكان والأحوال .
{ ب } ... إثراء عملية استكشاف واستنباط وتحديد معالم " النظرية المعيارية للشركات في الفقه الإسلامي " والتي بدونها لن نستطيع وصل الماضي بالحاضر ولا التخطيط للمستقبل فضلا عن انعدام القدرة "على التنبؤ" ومن ثم القدرة على تقنين أحكام الفقه الإسلامي في الموضوعات الحاضرة والمعاصرة .
سابعاً : المعياير الجزئية لنظرية الشركات والمستنبطة من الشروط والأركان :
{ أ } ... من ناحية الأركان :
{ 1 } ... نجد الصيغة المركبة من الإيجاب والقبول : إيجاب لأنه أوجب على صاحبه الابتداء ، والقبول قبول لأنه يدل على الرضا ، وبهما أي الإيجاب والقبول يحصل التراضي والاشتراك فيه لقيام الشركة .(1/124)
ويقول ابن تيميه وتنعقد الشركة بكل ما يدل عليه مقصودهما من قول أو فعل ، فأبرز " النية " واعتبرها ابن الهمام هي " المعيار " في تعيين المراد باللفظ ، ولا شك أن هذا معيار يفيد في صياغة بنود العقد .
* ... الكتابة وفيها يقول السرخسي : والشركة عقد يمتد فيستحب الكتابة في مثله ليكون حكماً .
* ... وفي صورة الكتابة :
* ... " هذا ما اشترك عليه فلان وفلان 0 اشتركا على تقوى الله تعالى وآداء الأمانة وعلى رأس مال قدره 000 وهذا كله في أيديهما 000 ثم تذكر الشروط 000 فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما أو حسبما يشترطان وما كان من وضيعة أو تبعة فهو على قدر رأس المال " .
{ 2 } ... المحل وتنوعه بين مال من الطرفين أو مال من طرف وعمل من الآخر أو عمل من الجانبين ويعكس تعدد وتنوع الشركات الشرعية .
{ 3 } ... الغرض أو السبب تحكمه قاعدة " إن كل ما أجازه الشرع جازت الشركة فيه وإن لم يجزه لم تجز الشركة فيه " .
{ ب } ... أما من ناحية الشروط ( شروط الشركة ) حيث نرى تعدد مناهج الفقهاء فيها وتكاملها فيما يبدو لنا في نفس الوقت .
{ 1 } ... فمن حيث الشروط العامة عند الحنفية ما يلي :
- قابلية المعقود عليه للوكالة على حين نجد في القانون في شركة التوصية البسيطة أنه لا يجوز للشريك التدخل في الإدارة ولو بموجب توكيل كما تنص مثلاً المادة ( 46 ) من قانون الشركات الكويتي .
- الربح جزء شائع معلوم غير معين وقيد المعلوم ليخرج المجهول دفعاً للنزاع بين الشركاء ، وقيد غير المعين ليخرج المحدد فتنقطع الشركة فيه .
- معلومية رأس المال عند العقد وأن يكون " حاضراً " عند البيع والشراء فلا تصح الشركة بمال غائب ولا دين في الذمة لأن الربح لا يتحقق إلا بالتصرف ، واكتفى بعض الحنابلة بحضور أحد المالين .
{ 2 } ... ومن حيث الشروط الخاصة :
- فيما يتعلق بشركة الأموال بالإضافة إلى ما تقدم يشترط :
أن يكون رأس المال من الأثمان المطلقة وهو منطقي .(1/125)
ومن العروض على اختلاف بينهم .
- وفي القانون يجوز أن يكون رأس المال دينا أو ملكية صناعية أو أدبية كالاسم التجاري أو العلامة التجارية أو براءة اختراع .
- وفيما يتعلق بشركة المفاوضة فكل واحد فيما وجب على صاحبه كفيل وفيما وجب لصاحبه وكيل إذا فقد شرط من شروطها انقلبت وتحولت إلى عنان .
- وفي شركة العنان العمل ركن فيها عند الحنابلة وبعض الشافعية وهو تابع للعاقدين ، وفي شركة الأعمال المالكية يشترطون اتحاد الصنعة أو تلازمها وكذلك يشترطون التعاون .
- ... وشركة الوجوه أساسها الوجاهة والثقة فيهم من التجار .
{ ج } ... وفيما يتعلق بأركان وشروط الشركة في القانون :
- فالربح بحسب الاتفاق دائماً وكذلك الخسارة أيضاً ، وفي الفقه اتجاهان في الربح على ما سبق :
- أحدهما :بحسب الشرط عند أبي حنيفة وصاحبيه والحنابلة .
- والثاني : بحسب مقدار رأس المال عند الشافعية والمالكية وزفر من الحنفية .
- أما الخسارة في الفقه فدائماً أبداً بحسب رأس المال باتفاق الفقهاء :
إذ كيف تترتب خسارة زائدة عن رأس المال وهي متعلقة بجزء
هالك منه !
وكيف تزيد خسارة أحد الشركين إذا تساويا في رأس المال .
خلاصة :
هذه هي " معايير نظرية الشركات " التي بدت لنا في كلام الفقهاء في الشركات وبذلك تصبح نظرية معيارية جاهزة للتطبيق في كل عصر ومصر كل بحسب متغيراته كما يعطي الفقه الإسلامي مرونة حركية وحيوية في استجابته لحاجات الناس الحياتية .
وإليك تفصيل ما أجملناه وسرد أقوال الفقهاء فيه .
المبحث الثالث : أقسام الشركات وأنواعها في الفقه :
- ... تمهيد :
- ... نظراً لاختلاف مسالك الباحثين في بيان أقسام الشركات في الفقه الإسلامي وما قد يؤدي إليه من عدم ضبط سنعرض تقسيمات المذاهب الفقهية للشركات ثم نستخلص الأنواع الرئيسة ثم التقريب بينها وبين الشركات في القانون الوضعي مع بيان آراء الفقهاء في أنواع الشركات في القانون.(1/126)
أولاً - أقسام الشركات وأنواعها عند الحنفية:
... تنقسم الشركة عندهم بصورة مطلقة إلى قسمين:
أحدهما: شركة الملك. ... ... والثاني : ... شركة العقد .
{ أ } ... شركة الملك :
هي كون الشيء مشتركا بين أكثر من واحد أي مخصوصا بهم بسبب من أسباب التملك كالاشتراء والاتّهاب وقبول الوصية والتوارث أو بخلط واختلاط الأموال يعني خلط الأموال بعضها ببعض بصورة لا تكون قابلة للتمييز والتفريق أو باختلاط الأموال بتلك الصورة بعضها ببعض (1) ..
وتنقسم شركة الملك إلى قسمين :
... * شركة جبر ... ... * شركة اختيار
والشركة الجبرية : هي الاشتراك الحاصل بغير فعل المتشاركين قهرا كالاشتراك الحاصل في صورة التوارث واختلاط المالين .
والشركة الاختيارية : هي الاشتراك الحاصل بفعل المتشاركين كالاشتراك الحاصل في صورة الاشتراء والإتهاب وبخلط الأموال .
وموضوع شركة الملك بنوعيها قد يكون عيناً من الأعيان وهو ما يعبر عنه أحياناً بالشيوع في الأملاك كالدار يرثها عدد من الورثة أو يتملكها بالشراء أكثر من مشتر واحد .
وقد يكون دينا كدين لمتوفى ينتقل بوفاته لورثته أو كثمن مبيع باعه مالكوه بثمن مؤجل بعقد واحد، والدين وصف شرعي فلا يعد من الأعيان ولا يعد من المنافع .
ويرى البعض (2) أن في اعتبار ملك الدين من شركة الملك نظر لأن الدين وصف شرعي اعتباري لا يملك فهو في حكم العدم بل هو عدم حقيقة وإنما أعطى حكم الوجود للحاجة إلى الاستقراض والشراء بالثمن المؤجل .
ويجاب على ذلك من وجهين (3) :
الوجه الأول : هو أنه وإن لم يكن الدين في الحال عيناً ومالاً، فهو باعتبار المآل والعاقبة مال وعين وعليه فشركة الدين باعتبار العاقبة شركة ملك .
__________
(1) ... م (1060 ) مجلة الأحكام العدلية.
(2) ... د. عبد العزيز الخياط - مرجع سابق 1/40.
(3) ... شرح مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر 10/15.(1/127)
الوجه الثاني : أن اعتبار شركة الدين شركة ملك هو بطريق المجاز لأن الدين وصف شرعي فلا يملك فلذلك ذكر أن هبة الدين للمدين قد اعتبرت مجازاً إسقاطاً وإبراء للدين .
ويرد على ذلك بأن الدين وإن كان قد اعتبر في حكم الموجود فجاز تملكه وهبته مجازا إلا أنه لا يدخل في شركة الملك لتعلقه بالذمة (1) .
ولم يدخل القانون الوضعي شركة الملك في الشركات وإن كان يعرف " الشيوع " ويميز بين الملكية الشائعة والملكية المشتركة ويبدو لنا أن الاختلاف بين الفقه والقانون في ذلك راجع إلى اختلاف مسلك كل منهما في أصل المسألة : فالفقه يعتبر أن ركن شركة الملك اختلاط الماليين بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر سواء أكان ذلك بالرضى أو بالجبر ومنها حالة اختلاط الماليين دون شيوع لبقاء كل مال على ملك صاحبه ومن ثم فشركة الملك لا تقتصر على حالة الشيوع .
... ورجال القانون لا يعتبرون الشيوع شركة وإن تحقق فيه الملك المشترك للمال لانتفاء نية الاشتراك والتعاون عن طريق قبول أخطار معينة وهذا عنصر نفسي من مقومات الشركة على حين أن الشركة لابد فيها من أن تكون عند الشركاء نية الاشتراك في نشاط ذي تبعة يأملون من ورائه الربح ولكن قد يعود عليهم بالخسارة ولا يقتصرون على مجرد استثمار مال مشترك بحسب طبيعته كما هو الحال في الشيوع (2) .
وثمرة الاختلاف أو التمييز بين الشركة والشيوع تبدو في أمرين :
أحدهما : الاعتراف للشركة بالشخصية المعنوية دون الشيوع (3) .
__________
(1) ... د. عبد العزيز الخياط - المرجع السابق 1/40 وفي تفصيل سلطات الشريك في شركة الملك انظر كتاب الشركة في جامع الفصولين - شرح الدر للحصكفي - وحاشية ابن عابدين ومجلة الأحكام العدلية المواد 1069 - 1191.
(2) ... الوسيط في شرح القانون المدني المصري للسنهوري 5/221 وما بعدها.
(3) ... د. طعمه الشمري - قانون الشركات التجارية الكويتي ص 117.(1/128)
الآخر : أنه في حالة اختلاط المالين دون شيوع لبقاء كل مال على ملك صاحبه وإن عسر تمييزه أو تعذر لابد من إذن الشريك لشريكه ليصح بيع حصته لغيره مادام المال مشتركا لم يقسم بعد. ويصح ذلك مطلقا إذا كانت الشركة على الشيوع وهذه التفرقة لا تعرف لغير الحنفية (1) .
{ ب } ... شركة العقد : المقصود بها :
... وتحصل بالإيجاب والقبول بين الشركاء (2) .
وعرّفها ابن عابدين في حاشيته بأنها : " عقد بين المتشاركين في الأصل والربح " (3) وقيد المتشاركين في الأصل يخرج المضاربة، والتعبير بالأصل أدق من التعبير برأس المال ليشمل شركتي الأعمال والوجوه وإن كان كل من العمل والوجاهة يمكن اعتبارهما من رأس المال باعتبارهما مصدراً من مصادره .
ويؤخذ على هذا التعريف أنه غير مانع من دخول عقد النكاح فيه وغير جامع لعقد المضاربة على الرغم من اعتبارها نوع شركة .
أنواعها :
شركة العقد عند الحنفية أنواع :
... { 1 } ... شركة بالمال .
... { 2 } ... شركة بالأعمال .
... { 3 } ... شركة وجوه .
... وكل من هذه الثلاثة إما مفاوضة أو عنان (4) .
...
فالأقسام ستة هي :
{ 1 } ... ... الشركة بالمال عنانا .
{ 2 } ... ... الشركة بالمال مفاوضة .
{ 3 } ... ... شركة الأعمال عنانا .
{ 4 } ... ... شركة الأعمال مفاوضة .
{ 5 } ... ... شركة الوجوه عنانا .
{ 6 } ... ... شركة الوجوه مفاوضة .
وبغية تأصيل هذه الأنواع نورد بعضا من أقوال فقهاء الحنفية في ذلك .
__________
(1) ... الطبعة التمهيدية لنماذج من الموسوعة الفقهية الكويتية - الشركة ص 17/2.
(2) ... شرح مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر 10/5.
(3) ... رد المحتار 3/343 كذا نقلوه عن صاحب الجوهرة - أنظر أيضا مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 1/722 – م ( 1329 ) من مجلة الأحكام العدلية – م ( 730 ) من مرشد الحيران .
(4) ... مرشد الحيران م ( 730 ) .(1/129)
يقول أبو الليث السمرقندي (1) :
" وإنما شركة العقود على أربعة أوجه: مفاوضة وعنان وشركة الصنائع وشركة الوجوه ويقال شركة المضاربة " .
ويقول الكاساني (2) :
" أنواع الشركة ثلاثة : شركة بالأموال وشركة بالأعمال وتسمى شركة الأبدان وشركة الصنائع وشركة التقبل وشركة بالوجوه، وأما بيان جواز هذه الأنواع الثلاثة فقد قال أصحابنا إنها جائزة عنانا كانت أو مفاوضة ".
ويقول الموصلي (3) :
" وشركة العقد نوعان شركة في المال وشركة في الأعمال فالشركة في المال أنواع مفاوضة وعنان ووجوه وشركة في العروض والشركة في الأعمال نوعان :
جائزة وهى شركة الصنائع وفاسدة وهى الشركة في المباحات ".
وجاء في حاشية فتح الله المعين لأبي السعود (4) :
“ جعلها المصنف تبعا لصاحب الهداية مفاوضة وعنانا وتقبلا ووجوها قال الاتقاني وفيه نظر لأنه يوهم أن شركة الصنائع والوجوه مغايرتان للمفاوضة والعنان والأولى في التقسيم ما ذكره الطحاوي الكوفي وعليه جرى الزيلعي".
ونستطيع أن نستنبط من تلك التقسيمات لشركة العقود أن لشركة العقد عند الأحناف وغيرهم كما سيأتي نمطان أو قالبان هما نمط المفاوضة ونمط العنان ، ونراهما يرتبطان بالدرجة الأولى بنظام الإدارة (5) ولذلك فبهما نبدأ.
{
__________
(1) ... خزائن الفقه - مخطوط في مكتبة محافظة الإسكندرية رقم 3083 - أيضا كشاف اصطلاح الفنون للتهانوي 1/863 وهذا المنحى يوهم أن شركتي المفاوضة والعنان مغايرتان للصنائع والوجوه وأنهما لا تكونان فيهما وهو عكس المنحى السائد في المذهب.
(2) ... بدائع الصنائع 6/56و57 ط القاهرة سنة 1328 هـ.
(3) ... الاختيار لتعليل المختار للموصلي – مراجعة الشيخ محمود أبو دقيقة ج2/74 القاهرة سنة 1356 هـ.
(4) ... حاشية على شرح الكنز ج2/489 - القاهرة سنة 1287 هـ
(5) ... انظر كتابنا أساسيات العمل المصرفي الإسلامي - الواقع والآفاق ص 77 وما بعدها.(1/130)
1 } ... نمط المفاوضة (1) :
يشترط فيها - عند الحنفية - تساوي الشركاء في رأس المال وفي الربح وفي القدرة على التصرف.
وتنعقد المفاوضة على أساس الاشتراك فيما يملكه كل شريك من مال يصح أن يكون رأس مال للشركة وهو النقود الحاضرة على أن يعمل كل شريك في مال صاحبه مستبدا برأيه ولأنها شركة عامة في جميع التجارات يفّوض كل واحد من الشريكين أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق (2) .
{ 2 } ... نمط العنان (3) :
... جائزة بالإجماع كما ذكر ابن المنذر. وإنما اختلف في بعض شروطها كما سيأتي وهى عقد يلتزم المتعاقدون بمقتضاه بأن يدفع كل منهم حصة معينة في رأس المال ويكون الربح بينهم بحسب ما يتفقون عليه والوضعية على قدر الحصة في رأس المال .
{ 3 } ... الفروق بين المفاوضة والعنان: تتمثل فيما يلي :
{ 1 } ... تشترط المساواة في الحصص المقدمة لرأس المال في شركة المفاوضة ولا يشترط ذلك في العنان.
{ 2 } ... كما يشترط التساوي في الأموال النقدية الخاصة في المفاوضة ولا يشترط ذلك في العنان.
{ 3 } ... يشترط المساواة في الربح في المفاوضة ولا يشترط ذلك في العنان .
{ 4 } ... تنعقد المفاوضة على الكفالة والوكالة معا ولا تنعقد العنان إلا على الوكالة فقط .
{ 5 } ... الشريك في المفاوضة مطلق التصرف على عكس العنان فإنه يقيد بالإذن في ذلك.
وتنقلب شركة المفاوضة عنانا إذا فقدت أياً من شروطها أو اشترط فيها شرط يفسدها (4) .
شركة الأموال:
إذا وضع كل واحد من الشركاء مقدارا من المال ليكون رأس مال للشركة وعقدوا الشركة على التجارة على أن يكون الربح أو الخسارة بينهما. فهذه الشركة تعتمد على المشاركة في رأس المال، وهى إما مفاوضة أو عنان .
__________
(1) ... انظر البدائع 6/58 - حاشية ابن عابدين 3/521 - الهداية 3/3 .
(2) ... الهداية شرح بداية المتبدي للمرغيناني 3/3.
(3) ... المبسوط 11/151- مختصر الطحاوي ص 107 - فتح القدير 5/20.
(4) ... الفتاوى الهندية 2/308.(1/131)
شركة الأعمال: (1)
إذا عقد الشركاء الشركة بأن جعلوا عملهم رأس مال على تقبل العمل
من آخر وتعهده والتزامه وعلى أن يقسموا الكسب الذي سيحصل أي
الأجرة بينهم .
وتسمى أيضا شركة أبدان وشركة صنائع وشركة تقبل - المحترفة .
وعلى ذلك فهي تعتمد على الحرفة والصنعة وضمان العمل. وهى إما مفاوضة أو عنان .
شركة الوجوه: (2)
وهى أن يعقد الشركاء الشركة ولا مال لهم ولكن لهم ثقة ووجاهة عند الناس على أن يشتروا مالاً نسيئة على ذمتهم ويبيعوه وأن يقتسموا الربح الحاصل بينهم.
وتسمى الشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال وتسمى أيضا شركة المفاليس. وهى إما مفاوضة أو عنان.
(ج) - المضاربة :
لم يعّد الأحناف المضاربة قسما من أقسام الشركة على نحو ما سلف (3) ولهذا أفردت بباب مستقل بخلاف غيرها من أقسام الشركة وأنها إنما تكون شركة إذا حصل ربح أما إذا لم يحصل ربح فتختلف باختلاف الأحوال (4)
وجُوزت عند الحنفية استحساناً ورخصة وتيسيرا على الناس (5) .
وعرّفتها المادة 1404 من مجلة الأحكام العدلية بأنها :
" نوع شركة على أن رأس المال من طرف والسعي والعمل من الطرف الآخر ويقال لصاحب رأس المال رب المال وللعامل مضارب ".
وشاع تسميتها مضاربة عند العراقيين كما شاع تسميتها قراضا أو مقايضة عند الحجازيين ويسميها بعض الناس معاملة.
{ د } ... شركة الإباحة :
نصت المادة ( 1045 ) من مجلة الأحكام العدلية (6) على أنه : " ويوجد سوى شركة الملك وشركة العقد شركة الإباحة وهى :
__________
(1) ... مجلة الأحكام العدلية م ( 1332 ) .
(2) ... المبسوط 11/154 - فتح القدير 5/30 - الفتاوى الهندية 2/327.
(3) ... انظر أبو الليث السمرقندي في بيان أقسام شركة العقد حيث ألحق بها قوله " ويقال شركة المضاربة ".
(4) ... الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري 3/61.
(5) ... بدائع الصنائع 6/79 - تبيين الحقائق 5/52.
(6) ... وشرحها لعلي حيدر 10/6.(1/132)
كون العامة مشتركين في صلاحية التملك بالأخذ والإحراز للأشياء المباحة التي ليست في الأصل ملكا لأحد كالماء والكلأ والأشجار النابتة في الجبال المباحة .
ونصت المادة ( 1234 ) من المجلة أيضا على أن الماء والكلأ والنار مباحة والناس في هذه الأشياء الثلاثة شركاء .
وليست جميع الأشياء الثلاثة المذكورة مباحة وليس جميع الناس شركاء فيها بل إن قسما منها مباح ومشترك وقسم منها غير مباح وغير مشترك (1) واشتراك الناس في الأشياء العامة عده بعض الفقهاء نوعا من الشركة هو شركة الإباحة لورود الحديث الشريف : (2)
" المسلمون شركاء في ثلاثة: في الماء والكلأ والنار " وما رواه أبو هريرة: " لا يمنع الماء والنار والكلأ " (3)
والفرق بين شركة الملك وشركة العقد وبين شركة الإباحة هو أن ما به الاشتراك في شركة الملك والعقد هو الأعيان والأموال وأن ما به الاشتراك في شركة الإباحة فهو صلاحية الإحراز والتملك (4) .
ثانيا – أقسام الشركة وأنواعها عند المالكية :
تنقسم الشركة عند المالكية إلى :
{ 1 } ... شركة الإرث : وهى اجتماع الورثة في ملك عين بطريق الميراث .
{ 2 } ... شركة الغنيمة : وهى اجتماع الجيش في ملك غنيمة .
{ 3 } ... وشركة المبتاعين شيئا بينهما وهى أن يجتمع اثنان فأكثر في شراء
دار ونحوه .
هذه الأقسام الثلاثة هي التي عبر عنها الحنفية بشركة الملك، وحكمها عند المالكية أنه لا يجوز لأحد الشريكين أن يتصرف بغير إذن صاحبه فإذا تصرف قيل يكون كالغاصب وقيل لا.
__________
(1) ... انظر تفصيل ذلك في المواد 1235، 1236، 1237، 1238، 1241 وما بعدها من مجلة الأحكام العدلية في بيان شركة الإباحة في الباب الرابع منها وفيه سبعة فصول وشرحها لعلي حيدر 10/263.
(2) ... أخرجه أحمد وأبو داود.
(3) ... سبل السلام 3/117.
(4) ... شرح مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر 10/6.(1/133)
وفي هذه الشركة مسائل وفروع كثيرة يرجع إليها في كتب المذهب. أما الأقسام المشهورة للشركة غير ما ذكر عند المالكية فهي (1) :
{ 1 } ... المفاوضة .
{ 2 } ... العنان .
{ 3 } شركة العمل : وهى المعروفة بشركة الصنائع أو الأبدان عند الحنفية كما سبق بشرط أن تكون الصنعة متحدة.
{ 4 } شركة الذمم : وهى أن يتعاقد اثنان على أن يشتريا شيئا غير معين بثمن مؤجل في ذمتهما بالتضامن بمعنى أن كلا منهما كفيل لصاحبه ثم يبيعانه وما حصل من ربح فهو بينهما وهى ممنوعة عندهم .
أما إذا اتفقا على شراء شيء معين ومبين حين عقد الشركة - وتساويا في التحمل فإنه يصح ، وهذه الشركة هي المعروفة عند الحنفية بشركة الوجوه .
أما شركة الوجوه عند المالكية فهي أن يتفق رجل ذو وجاهة مع رجل خمل لا وجاهة عنده على أن يبيع الوجيه تجارة الخمل وله في نظير ذلك جزء من الربح وهى ممنوعة عندهم أيضا لأن فيها تغرير بالناس .
وأما إذا وقع عقد شركة الذمم ونفذ فإنه يعمل مع الشريكين بحسب ما اتفقا عليه من الربح .
{ 5 } شركة الجبر : وهى أن يشتري شخص سلعة بحضرة تاجر اعتاد التجارة في هذه السلعة ولم يخطر أحداً بأنه يريد أن يشتريها لنفسه خاصة ولم يتكلم في ذلك فإن له الحق في أن يشترك فيها مع من اشتراها ويجبر من اشتراها على الشركة مع ذلك التاجر.
ويقولون إن عمر رضى الله عنه قضى بهذا عملا بالعرف في ذلك.
{ 6 } ... شركة التَّجرْ وهى: عقد بين مالكي مالين فأكثر على التجر فيها معاً (2)
{ 7 } ... شركة المضاربة .
ثالثا - أقسام الشركة وأنواعها عند الشافعية :
الشركة الجائزة عندهم نوع واحد وهى شركة العنان.
__________
(1) ... القوانين الفقهية لابن جزي ص 273 - الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري - مرجع سابق 3 ص 64،65، 66.
(2) ... انظر الشرح الصغير للدردير 3/455.(1/134)
والأنواع الأخرى للشركة باطلة عندهم. وشركة العنان هي : أن يتعاقد اثنان فأكثر على الاشتراك في مال للإتجار فيه. ويكون الربح بينهم على نسبة أموالهم بشرائط مخصوصة سنوضحها فيما سيأتي .
رابعا - أقسام الشركة وأنواعها عند الحنابلة :
قالوا : تنقسم الشركة إلى قسمين : شركة في المال وشركة العقود.
{ 1 } ... وشركة المال هي : اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق عين أو شراء أو هبة أو نحو ذلك ولا فرق بين أن يملكا العين بمنافعها أو يملكا رقبتها دون منفعتها أو منفعتها دون رقبتها (1) .
{ 2 } ... أما شركة العقود فتنقسم إلى خمسة أقسام (2) :
... { أ } ... ... شركة العنان . ... ... { ب } ... شركة الوجوه .
... { ج } ... ... شركة الأبدان . ... ... { د } ... شركة المفاوضة .
... { هـ } ... ... شركة المضاربة .
وقال ابن جزي (3) والشركة ثلاثة أنواع: شركة الأموال وشركة
الأبدان وشركة الوجوه ، والشركة في الأموال على نوعين: شركة عنان وشركة مفاوضة .
شركة المفاوضة :
وشركة المفاوضة عند الحنابلة هي الاشتراك في استثمار المال مع تفويض كل واحد لصاحبه في الشراء والبيع والمضاربة والرهن والارتهان والضمان وغير ذلك (4) وهذا هو النوع الجائز في جميع أنواع الشركة مثل أن يجمع الشركاء بين شركة العنان والوجوه والأعمال لأن كل نوع يصح على الانفراد فصح مع غيره ولا يصح أن يدخل الشركاء بينهم في شركة المفاوضة الكسب النادر كوجدان لقطة أو كنز أو ركاز ونحو ذلك (5)
وما يحصل لكل واحد من ميراث وهذا هو النوع غير الجائز من
شركة المفاوضة (6) .
__________
(1) ... الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري 3/66.
(2) ... المغنى لابن قدامه 5/3 وما بعدها.
(3) ... القوانين الفقهية لابن جزي ص 281.
(4) ... انظر الفقه على المذاهب الأربعة 3/67 - بداية المجتهد 2/271.
(5) ... منتهى الارادات لابن النجار 1/470.
(6) ... د. عبد العزيز الخياط 2/25.(1/135)
ويذهب المرحوم الشيخ علي الخفيف (1) أن شركة المفاوضة على ما ذهب إليه الحنفية لا تعدّ شركة واقعية وليس لوجودها بقاء أو استمرار إذا ما وجدت لأن اشتراط تساوي الأموال في القيمة وعدم اختصاص كل شريك بمال يصلح أن يكون رأس مال للشركة في جميع مراحل وجودها لا يبقى عليها زمنا طويلا لاحتمال زيادة في أموال كل من الشركاء ولكن ما ذهب إليه الشيخ الجليل مردود عليه بأن ما يقل وقوعه لا يمنع وجوده وجوازه (2) .
وشركة العنان :
أن يشترك اثنان فأكثر بمالين على أن يعملا معاً في تنميته والربح بينهما على ما اشترطا أو يشترك إثنان فأكثر بماليهما على أن يعمل أحدهما فقط بشرط أن يكون للعامل جزء من الربح أكثر من ربح ماله ليكون الجزء الآخر نظير عمله فإن شرط له ربحا قدر ماله فقط فهو إبضاع لا يصح لأنه عمل في مال الغير بدون أجر.
وهى مبنية على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما يدفع المال إلى صاحبه أمانة وبإذنه له في التصرف وكّله فيقف عليه - أي الإذن - ما إذا كان مطلقا أو مقيدا ويجوز لكل واحد منهما أن يتصرف على هذا الأساس كيف رأى المصلحة لأن هذه عادة التجار (3) .
وفي المضاربة ذكر المغُني : (4)
... ذكر الخرقي ثلاثة أنواع من الشركة الجائزة في خمسة أقسام . ثلاثة منها المضاربة . وهى :
إذا اشترك بدنان بمال أحدهما أو بدن ومال أو مالان وبدن صاحب أحدهما .
وقسم منها شركة الوجوه وهو إذا اشترك بدنان بمال غيرهما فقال القاضي في معنى هذا القسم أن يدفع واحدُ ماله إلى اثنين مضاربة فيكون المضاربان شريكين في الربح بمال غيرهما لأنهما إذا أخذ المال بجاهما فلا يكونان مشتركين بمال غيرهما .
__________
(1) ... الشركات ص 63.
(2) ... د. عبد العزيز الخياط 2/30.
(3) ... أنظر المغني لابن قدامه 5/13.
(4) ... انظر المغني المرجع السابق 5/9.(1/136)
وهذا محتمل والذي قلنا له وجه لكونهما اشتركا فيما يأخذان من مال غيرهما واخترنا هذا التفسير لأن كلام الخرقي بهذا التقدير يكون جامعا لأنواع الشركة الصحيحة وعلى تفسير القاضي يكون مخلا بنوع منها وهى شركة الوجوه ويكون هذا المذكور نوعا من المضاربة .
ولأن الخرقي ذكر الشركة بين اثنين وهو صحيح على تفسيرنا وعلى تفسير القاضي تكون الشركة بين ثلاثة وهو خلاف ظاهر قول الخرقي. أ.هـ
ومن ثمار هذا القول الثمين لابن قدامه إعطاء أنواع وأشكال متعددة للمضاربة في ذاتها هذا فضلا عن اجتماعها مع غيرها من الشركات كالصنائع والوجوه، ولاشك عندنا أن هذا يطور العمل الاستثماري والتجاري ويضفي عليه مرونة وقوة .
وشركة الأعمال :
جائزة مطلقا عندهم سواء اتحدت الصنعة أو اختلفت وسواء كان الاشتراك فيما يتملكانه بأبدانهما من مباح أو فيما يتقبلان في ذممهما من عمل .
المبحث الرابع : أركان شركة العقد وشروطها في الفقه :
أولاً : أركان الشركة :
يقوم عقد الشركة على أركان وشروط يتوقف عليها انعقاد وصحته ونفاذه ولزومه ويترتب على تمامه أحكامه .
وأركان الشركة عند الحنفية هي فقط الإيجاب والقبول وعند جمهور الفقهاء : العاقدان والصيغة والمحل ، ويشمل المال والعمل .
{ 1 } ... الإيجاب والقبول ( الصيغة والأهلية ) .
لا يوجد العقد إلا بهما وما صدر ابتداء من الطرف الأول دالاً على معنى الشركة يعتبر إيجاباً – وما صدر ثانياً من الطرف الثاني يعتبر مقبولاً .
وسمى الإيجاب إيجاباً لأنه أوجب على صاحبه الجواب ، وسمى القبول قبولاً لأنه يدل على الرضا ، وبهذا يشترك الاثنان في التراضي بقيام الشركة .
وصيغة عقد الشركة هي صورته من الإيجاب والقبول ، وهي قد تكون(1/137)
باللفظ أو الإشارة أو الكتابة ، والأساس في صحة الصيغة أن تدل في عرف الشركاء على معنى الشركة من قول كاشتراكنا ، أو فعل كخلط المالين (1) .
ويقول ابن تيميه " إنها تنعقد بكل ما دل عليه مقصودها من قول أو فعل (2) .
فأبرز النية وأن العبرة بها وجعل الكمال بن الهمام النيّة هي المعيار (3)
فإنها تعتبر في تعيين المراد باللفظ .
وذهب المالكية إلى ضرورة أن يكون لفظ الإيجاب والقبول دالاً على الإذن بالتصرف أو ما يقوم مقامه في الدلالة على ذلك (4) .
ويشترط الشافعية أن يكون اللفظ الدال على الإذن في التصرف والتجارة صريحاً واختلفوا في ما إذا لم يكن صريحاً (5) .
ويشترط في الإيجاب والقبول ما يلي :
{
__________
(1) ... الفتاوى الهندية 2/302 حيث أفاضت في بيان الألفاظ التي تصح بها الشركة ، مجمع الضمانات 294 – البحر الرائق شرح كنز القاق لابن نجيم 5/188 ، فتح العزيز للرافعي 10/404 – وفي أحوال الصيغة من المضارع والأمر والاستقبال تفصيل في المذاهب – الفتاوى الهندية 3/4 المغني لابن قدامه 4/53 – مواهب الجليل على مختصر خليل 4/229 .
(2) ... الفتاوى 3/268 .
(3) ... فتح القدير 5/75 وخالفه فقهاء الحنفية فقد جاء في الفتاوى التتارخانية " وينعقد بالماضي بلا نية " وفرّق البعض بين الألفاظ التي لا للحال في العقود كلفظ المضارع وأكدوا على ضرورة النية فيها ، وألفاظ الماضي حيث جعلت إيجاباً للحال فلم يبحثوا عن النية فيها – بدائع الصنائع 5/133 – وخصص البعض النية بصيغة المستقبل والاستفهام فلا تجوز الشركة بهما إلا بالنية – المغني لابن قدامه 4/53 .
(4) ... مواهب الجليل للحطاب 5/122 – شرح الزرقاني على مختصر خليل 6/41 .
(5) ... فتح العزيز شرح الوجيز 10/406 – تحفة المحتاج 5/281 .(1/138)
أ } ... أن يكونا صادرين ممن له أهلية الآداء ، وهي أن يكون الإنسان صالحاً للإلتزام بعبارته . وهي ناقصة وكاملة بحسب كمال العقل ونقصانه (1) .
{ ب } ... التوافق بين الإيجاب والقبول .
{ ج } ... اتحاد مجلس العقد بمعنى المكان أو الزمان الذي يوجد فيه المتعاقدان ، أو هما معاً ويبدأ مجلس العقد من وقت صدور الإيجاب (2) .
· كتابة عقد الشركة :
كما تنعقد الشركة بالقول تنعقد بالكتابة ، وإن كانت الكتابة في نظر الفقهاء في المرتبة الثانية بعد اللفظ لاحتمال دخول الشك فيها .
ويلجأ إلى الكتابة إذا كان المتعاقدان غائبين أو كان أحدهما غائباً .
أما الكتابة بالنسبة للحاضرين فإنه من المستحب لدى الفقهاء لا سيما الحنفية كتابة وثيقة العقد ، جاء في المبسوط للسرخسي (3) :
" والشركة عقد يمتد فيستحب الكتاب في مثله ليكون حكماً فيما جرى من المنازعة ، قال الله تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذ تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " ثم المقصود بالكتابة التوافق والاحتياط فينبغي أن يكتب على أوثق الوجوه ويتحرز فيه من طعن كل طاعن " .
وصورة الكتاب هي :
" هذا ما اشترك عليه فلان وفلان ، اشتركا على تقوى الله تعالى وأداء الأمانة وعلى رأس مال قدره كذا يدفعه صاحبه ، وهذا كله في أيديهما يشتريان به ويبيعان مجتمعين ومنفردين ، ويعمل كل منهما برأيه ويبيع بالنقد والتأجيل فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما أو حسبما يشترطان ، وما كان من وضعيه أو تبعة فهو على قدر رأس المال 000 " .
__________
(1) ... وفي شرط الدين لا يشترط الفقهاء التساوي في الدين بين الشركاء في جميع أنواع الشركات ما عدا شركة المفاوضة عند الأحناف فقط اختلفوا في أمر التساوي في الدين وفي تفصيل أقوال الفقهاء في الدين أنظر كشاف القناع 2/197 – المبسوط 11/196 – المحلي 8/146 .
(2) ... أنظر في تفصيل ذلك كتابنا ضوابط العقود ، دراسة مقارنة .
(3) ... السرخسي – المبسوط 10/155 .(1/139)
وعقد الشركة في القانون عقد شكلي يجب أن يكون مكتوباً وإلا كان باطلاً عدا شركة المحاصة وأن يكون في ورقة رسمية (1) .
بخلاف بعض القوانين التي لم تتطلب كتابة عقد الشركة (2) .
وكتابة العقد في الشريعة أمر مستحب للتوثق والاحتياط وفي القانون للإثبات وإن كان لولي الأمر أن يستجيب لمقتضيات المصلحة في اشتراط كتابة العقد ونحو ذلك .
{ 2 } ... المحل :
وهو ما تنعقد على الشركة من رأس المال والعمل .
والمال : إما أن يكون نقداً من الذهب والفضة أو ما في حكمهما من الفلوس والأوراق النقدية ، وإما أن يكون غير ذلك من العروض قيمياً كان أو مثلياً على تفصيل في أقوال الفقهاء في المذاهب الفقهية .
وأما العمل : كمحل في الشركة فله أحوال في الفقه : فالشركة قد تكون بمالين من طرفي التعاقد وعمل من الشركاء كلهم أو بعضهم ، وقد تكون بمال من جانب وعمل من جانب آخر ( مضاربة أو قراضاً ) ، وقد تكون بعمل من الجانبين (صنائع – وجوه ) .
{ 3 } ... الغرض ( السبب ) :
يجب أن يكون غرض الشركة مشروعاً ، وتعتبر الشركة غير صحيحة إذا كان غرضها محرماً كالإقراض بالربا قليلاً كان أو كثيراً ، أو كانت للمتاجرة بالخمر أو ما يتعلق بها أو بلحم الخنزير .
وتعرض الفقهاء بالسبب القصدي هو الباعث على الفعل كالهبة سببها إرادة الخير للواهب مثلاً (3) .
والقاعدة المعتبرة عند الفقهاء هي :
" إن كل ما أجازه الشرع جازت الشركة فيه وإن لم يجزه لم تجز
الشركة فيه " .
ثانياً : شروط الشركة :
__________
(1) ... المواد 6 ، 56 ، 59 ، 70 ، 197 من قانون الشركات الكويتي .
(2) ... م 457 مدني ليبي فالشركة المدنية فيه عقد رضائي – وكذلك قانون الموجبات والعقود اللبناني لا يتطلب كتابة عقد شركة المنقولات – م 848 منه .
(3) ... أنظر أعلام الموقعين لابن القيم 3/96 - نظرية السبب للدكتور مختار القاضي رحمه لله .(1/140)
لقد تعددت اتجاهات الفقهاء ومسالكهم في تناول شروط الشركة ، وكلها تتكامل عندنا في إعطاء تصور صحيح لشروط الشركات في الفقه الإسلامي.
فالحنفية قسموا الشروط بحسب أنواع الشركة ومن ثم فهي عندهم أربعة أقسام :
{ 1 } ... شروط تتعلق بجميع أنواع الشركات .
{ 2 } ... شروط تتعلق بشركة المال سواء كانت مفاوضة أو عناناً .
{ 3 } ... شروط تتعلق بشركة المفاوضة بأنواعها .
{ 4 } ... شروط تتعلق بشركة العنان .
- والمالكية قالوا الشروط تتعلق بالعقدين وبالصيغة وبرأس المال ( المحل ) .
- أما الشافعية فإن الشروط عندهم تتعلق بأركان شركة العنان فقط .
- والحنابلة قسموا الشروط في الشركة ثلاثة أقسام :
{ 1 } ... شروط صحيحة .
{ 2 } ... شروط فاسدة .
{ 3 } ... شروط تتوقف عليها صحة العقد .
وهكذا يبين وللوهلة الأولى في مناهج الفقهاء في تناول شروط الشركة تتعد وتنوع اتجاهاتهم وتكاملها في نفس الوقت .
وإليك موجز القول في هذه الشروط :
{ أ } ... الشروط التي تتعلق بالشركات عموماً عند الحنفية (1) والحنابلة (2)
وغيرهما هي :
{ 1 } ... أن يكون التصرف المعقود عليه عقد الشركة قابلاً للوكالة فيه (3) ليتحقق مقصود الشركة ، وهو الاشتراك في الربح وما يتضمنه ذلك من أهلية كل شريك للتوكيل والتوكل .
{ 2 } ... أن يكون الربح جزئا شائعا معلوما لا معينا فإن كان الربح مجهولا أو معينا بعدد فإن العقد يفسد للجهالة المفضية إلى النزاع في الحالة الأولى ، ولانقطاع الشركة في الحالة الثانية إذ قد لا يربح سوى ما تحدد من ربح أو مبلغ مقطوع .
{
__________
(1) ... أنظر بدائع الصنائع 6/58 وما بعدها – فتح القدير مع العناية 5/5 وما بعدها – الفتاوى الهندية 2/301 – جامع الفصولين 2/42 – رد المحتار 3/359 .
(2) ... كشاف القناع 3/420 – المغني لابن قدامه 5/109 .
(3) ... المباحات لا يراها الحنفية مما يقبل الوكالة خلافاً لغيرهم – مطالب أولى النهي 3/545 – دليل الطالب ص 127 .(1/141)
3 } ... والشروط الصحيحة هي التي لايترتب عليها ضرر الشركاء ، ولا يتوقف العقد عليها كما إذا اشترطا ألا يبيعا إلا بكذا أو ألا يتجر إلا في كذا ، أو ألا يبيع إلا بنقد بلد معين ونحو ذلك فهذا كله صحيح .
والشروط الفاسدة هي التي لا يقتضيها العقد وتؤدي إلى الغرر والجهالة المفضية إلى النزاع ، كاشتراط ما يترتب عليه جهالة الربح ، أو أن يكون تحمل الخسارة بأكثر من رأس المال ، أو ألا تكون عليه خسارة .
{ 4 } ... أن يكون رأس المال معلوماً وقت العقد (1) حاضراً عند البيع أو الشراء ، فلا تصح الشركة بمال غائب ولا دين في الذمة (2) لان مقصودها الربح ولا يتحقق ذلك إلا بالتصرف .
{ ب } ... الشروط الخاصة بأنواع شركة العقد في الفقه الإسلامي :
أولاً : شركة الأموال :
شركة الأموال سواء كانت مفاوضة أو عناناً يشترط فيها شروطاً خاصة هي:
{ 1 } ... أن يكون رأس المال حاضراً عند العقد أو عند الشراء عند جمهور الفقهاء (3) فلا تصح الشركة بمال غائب ولا دين في الذمة لأن المقصود من الشركة الربح ولا يتم ذلك إلا بالتصرف وهو لا يتحقق في المال الغائب أو دين في الذمة (4) ومن ثم لا يحصل مقصود الشركة – على أنه إذا أدى الدين أو حضر المال الغائب صحت الشركة وإن كان العقد قد قبل ذلك لتحقق المقصود منها (5) واكتفى بعض الحنابلة بحضور أحد المالين (6) .
__________
(1) ... الأحناف لا يشترطون ذلك – الفتاوى الهندية 2/206 .
(2) ... بدائع الصنائع 6/60 - المغني لابن قدامه 5/16 – الخياط مرجع سابق 169 .
(3) ... البدائع 6/59 وما بعدها – غاية المنتهى 2/166 – المغني 5/16 .
(4) ... لعد الأمن من الأداء لهذا الدين ومن حضور المال الغائب عند الحاجة إليه .
(5) ... الشركات للخفيف ص 14 ، 42 .
(6) ... الفروع لابن مفلح .(1/142)
فلو دفع شخص لآخر ألف دينار وقال له أخرج مثلها وأتّجر بها فما ربحت فهو بيننا وفعل ذلك ثم تصرف جازت الشركة وإن لم يكن ماله حاضراً وقت العقد ، وإنما كان حاضراً عند الشراء ، ولا يجب لانعقاد الشركة وتمامها أن يخلّي كل شريك بين ماله وصاحبه فليس ذلك بشرط لصحة تصرفه ونفاذه.
{ 2 } ... أن يكون رأس مال الشركة من الأثمان المطلقة (1) التي لا تتعين بالتعين في المعاوضات كالدراهم والدنانير مثلاً والعلّة في ذلك هي أنها أثمان المبيعات وقيم الأموال ، أما إذا كان في رأس المال عروض تجارة أو حيوان أو من المكيلات أو الموزونات أو المعدودات فإذا كان من غير النقدين ( أي عروضاً قيمياً كان أو مثلياً من الشركاء جميعاً أو من أحدهم والآخر نقوداً ) ففي هذه الصور اختلف الفقهاء :
- ... البعض (2) ( منهم الأحناف والحنابلة في إحدى الروايتين ) ذهب إلى عدم جواز الشركة في العروض من عقار أو منقول .
- ... ذهب البعض (3) ( منهم الشافعية ) إلى أن الشركة تصح في المثليات من العروض ولا تصح في القيميات .
- ... وذهب البعض ( منهم المالكية ) إلى أن الشركة تصح بعرض وعين ، وبعرضين مطلقاً سواء اتفقا جنساً أم اختلفا ، وتكون الشركة في العروض مقدرة بقيمتها ، فالشركة عقدت على رأس مال معلوم فأشبه بالنقود (4) .
__________
(1) ... تبيين الحقائق 3/316 – المبسوط 11/159 – المغني المحتاج 2/213 – المغني 5/13 وما بعدها – مواهب الجليل 5/23 – كشاف القناع – 2/254 – بدائع الصنائع 6/59 .
(2) ... تحرير الأحكام 1/272 – كشاف القناع 2/254 .
(3) ... فتح العزيز 10/407 .
(4) ... شرح الكبير 3/349 – بداية المجتهد 2/249 – شرح الزرقاني 6/43 .(1/143)
ولكن المانعين من جواز الشركة بالعروض (1) قالوا بحيلة لتجويزها ، ووسيلة ذلك عند ارادتها أن يبع كل واحد من الشركاء جزءاً شائعاً من عروضه للآخرين بجزء من عروضهم بطريق المقايضة ، لتصير عروض كل منهما شركة ملك على التساوي ، ثم يعقدان بينهما شركة عقد على الاتجار بهذه العروض المشتركة ، وهذا إذا كانت الشركة على التساوي ، أما إذا كان مال أحدهما عروضاً والآخر نقداً باع صاحب العروض عروضه بنصف نقود الآخر ، ويقبض ذلك ليتعين في يده ، ثم يعقدان على ذلك شركة عقد وإنما اشترط قبض الثمن لأنه قبل قبضه دين في الذمة ، ولا تصح الشركة بالدين على تفصيل في ذلك .
وهكذا فقد أجاز المالكية الشركة بالعروض وتعتبر قيمتها عند العقد وأجازها الفقهاء أيضا بالحيلة .
{ أ } ... الشروط الخاصة بشركة المفاوضة :
عند الحنفية (2) :
{ 1 } ... أن يكون لكل من الشركاء أهلية الوكالة والكفالة ، ويكون كل واحد من الشركاء فيما وجب على صاحبه بمنزلة الكفيل عنه وفيما وجب لصاحبه بمنزلة الوكيل .
{ 2 } ... التساوي في رأس المال قدراً بلا خلاف ، وقيمة في الرواية المشهورة ولا تشترط المجانسة فيه .
{ 3 } ... أن يكون كل ما يصلح أن يكون رأس مال للشركة لأحد المتفاوضين داخلاً في الشركة وإلا لم تكن مفاوضة وكانت عناناً (3) .
{ 4 } ... أن تكون الشركة عامة في جميع أنواع التجارة فلا يصح تخصيصها بنوع منها .
{ 5 } ... أن تكون بلفظ المفاوضة أو ما يقوم مقامه لأن للمفاوضة شرائط لا يجمعها إلا لفظ معبر عنه .
{ 6 } ... المساواة في الربح كما مرّ .
وشروط المفاوضة السابقة إذا فقد شرط منها انقلبت الشركة عناناً لأن شركة العنان لا تتطلب هذه الشروط .
__________
(1) ... أنظر في تفنيد حجج المانعين والرد عليها د . عبد العزيز الخياط – الشركات ج 1 ص 111 وما بعدها .
(2) ... البدائع 6 /60 – المبسوط 11/161 .
(3) ... حاشية ابن عابدين 3/372 – تبيين الحقائق 3/316 .(1/144)
ويشترط المالكية في المفاوضة التساوى في الربح بدون تفاوت وأن يطلق كل من الشركاء حرية التصرف للآخر ، وأن تكون عامة في كل أنواع التجارة.
{ ب } ... الشروط الخاصة بشركة العنان :
أجمع الفقهاء على جواز شركة العنان ، والعمل ركن فيها عند الحنابلة وبعض الشافعية ، إلا أنه تابع للعاقدين والمال فليس من الضروري النص عليه .
يشترط الحنفية ومعهم الشافعية ترتب الأثر في انعقاد شركة العنان على التصرف في رأس المال (1) ، ويذهب المالكية ومعهم الحنابلة إلى أنه بمجرد العقد يصبح المال في ضمان الشركاء (2) .
ثانياً : شركة الأعمال :
اتفق جمهور الفقهاء على جوازها ، وهي الشركة التي تعتمد على الجهد البدني أو الفكري ، وقد تكون شركة أعمال مفاوضة فيشترط فيها شرائط المفاوضة السابق ذكرها .
- وقد تكون شركة أعمال عنان فيشترط فيها أهلية الوكالة فقط وفي هذا يقول الإمام أبي حنيفة (3) " ما تجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة ، وما لا يجوز فيه الوكالة لا تجوز فيه الشركة " .
- ويشترط المالكية (4) في شركة الأعمال ما يلي :
{ 1 } ... اتحاد الصنعة بين الشركاء كحدادين أو نجارين أو خياطين أو نساجين أو كانت صنعة أحدهم تتوقف على صنعة الآخر ، أي إذا كان هناك تلازم بين الصنعتين وإلا فلا تجوز الشركة .
{ 2 } ... حصول التعاون في العمل ولو كانا بمحلين مختلفين كالدكاكين .
ثالثاً : شركة الوجوه :
__________
(1) ... البدائع 6/16 .
(2) ... الخفيف والمراجع المشار إليها فيه ص 33 – 35 .
(3) ... البدائع 6/63 وما بعدها .
(4) ... المدونة الكبرى رواية سحنون 11/4 – الخرشي على الخرقي 6/60 – كشاف القناع للبهوتي – ولم يذهب الحنفية والحنابلة إلى اشتراط شيء من هذه الشروط .(1/145)
وهي كما سبق تقوم على أساس وجاهة الشريكين وثقة التجار بهما وهي جائزة عند الحنفية والحنابلة وغير جائزة عند المالكية (1) والشافعية والظاهرية وقد تكون مفاوضة ومن ثم يشترط فيها شروطها السابقة وقد تكون عناناً فيصح التفاضل والتساوي في ثمن الشيء المشترى وعلى ذلك يكون قدر ملكيتهما فيه ويكون الربح على قدر الضمان في ثمن الشيء المشترى .
المبحث الخامس : آراء الفقهاء في أنواع الشركات القانونية مع الترجيح
أولا : شركة التضامن :
للعلماء فيها ثلاثة اتجاهات هي :
{ 1 } ... الجواز ما لم ينص في عقدها أو نظامها على أمر يخالف الشريعة الإسلامية وخرّجها بعضهم على شركة المفاوضة أو العنان في الفقه الإسلامي (2) .
{ 2 } ... التحريم مطلقا فهي عند أصحاب هذا الرأي شركة فاسدة تخالف شروطها شروط الشركات في الإسلام من النواحي الآتية (3) :
{ أ } ... إنه لا يشترط في الشريك إلا كونه جائز التصرف فقط ، ومن ثم فلا يصح اشتراط التضامن قبل الغير ، وهذا هو رأي الحنابلة والظاهرية والجعافرة فقط ، أما الحنفية والشافعية والمالكية فيشترطون في الشريك أن يكون ممن يملك توكيل غيره ويشترط الحنفية أن يكون من أهل الوكالة والكفالة فلا يكتفي بأن يكون جائز التصرف فقط بل لابد أن يكون ممن يملك التبرع .
{ ب } ... إن للشركة أن توسع أعمالها إما بزيادة راس المال أو بإضافة شركاء ، بينما لا يجوز ذلك في شركة التضامن ، وهذا غير مسلم إذ لا يتنافى مع شركة التضامن .
{ ج } ... إن الشريك غير مسؤول في الشركة شخصيا إلا بنسبة ماله من حصة فيها والأمر في شركة التضامن غير ذلك .
__________
(1) ... ويسمونها شركة ذمم كما سبق .
(2) ... د. وهبه الزحيلي - الفقه الإسلامي وأدلته 4/878 - د. عبد العزيز الخياط الشركات 2/134 ، 135 - الشيخ / محمد الكاظمي الخالصي - الإسلام سبيل السعادة والسلام ص 185 .
(3) ... الشيخ تقي الدين النبهاني - النظام الاقتصادي في الإسلام ص 130 ط3(1/146)
... وهذا غير وارد على إطلاقه ، اللهم إلا في شركة المضاربة فضلا عن أنه في شركة المفاوضة فإن الشركاء ملزمون بالوفاء بتعهدات وديون الشركة .
{ د } ... إن للشريك الحق في إن يترك الشركة في أي وقت يريد دون حاجة لموافقة الشركاء ، ولا يتم ذلك في شركة التضامن ، وهذا لا يصح على إطلاقه بل مقيد بعدم الإضرار بالشركاء ولذلك اشتراط البعض إعلام بقية الشركاء فضلا عما يتطلبه القانون من انتفاء الغش والخديعة والإضرار عند انسحاب الشريك (1) .
{ هـ } ... الشركة لا تنحل بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه بل تنفسخ شراكته هو وحده وتبقى شراكة باقي الشركاء إذا كانت الشركة مؤلفة من أكثر من اثنين وهذا بخلاف شركة التضامن .
... ويعلل الفقهاء انقضاء الشركة بالموت بأنها بنيت على
الوكالة وهذه تبطل بالموت (2) ولان الموت يبطل الملك وأهلية التصرف (3) .
... كما يجيز البعض استمرار باقي الشركاء في الشركة وتنفسخ فقط في حق المتوفى منهم ويعطي نصيبه لورثته (4) ما لم يختار الورثة استمرارهم في الشركة (5) .
{ 3 } ... الجواز بتفصيل (6) :
- إذا تم الاتفاق على أن يكون العمل في المال على الشريك المتضامن وحده أو بمن يستعين بهم كان عمله في مال الشركاء الآخرين مقارضة أو مضاربة .
- أما إذا عين الشركاء للشركة مديراً أجنبياً يقوم بجميع أعمالها كان هذا النوع مقارضة من جميع الوجوه .
__________
(1) ... انظر المادة 20 من شركات كويتي .
(2) ... مجمع الانهر ملتقى الأبحر 1/722 .
(3) ... حاشية ابن عابدين 3/542 - بداية المجتهد 2/280 - المغني 5/21 - فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي 10/423 .
(4) ... حاشية ابن عابدين 3/542 - الفتاوى الهندية 2/336 .
(5) ... فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي 10/424 - المغني 5/22 .
(6) ... الشيخ على الخفيف - الشركات ص 94 .(1/147)
وفي تخريجها على المضاربة نظر لان الشركاء في شركة التضامن مسؤولون بالتضامن والتكافل كما أن المدير الأجنبي لا شأن له في خسارة الشركة إذا حصلت (1) .
ثانيا : شركة التوصية البسيطة :
... خرجها البعض (2) على أساس شركة المضاربة في الفقه الإسلامي وأنها لا تخرج عن أن تكون نوعا منها في كثير من أساسياتها وفي حالة تعدد الشركاء المتضامنين تكون الشركة فيما بينهم شركة ( أعمال ) لأنهم يقومون بعمل واحد ويقتسمون ما يخصهم من الأرباح بحسب الاتفاق وتكون الشركة بين الشركاء الموصين شركة مضاربة .
... وخرجها البعض (3) على شركة العنان على أساس جواز اشتراط العمل لأحد الشريكين في العنان ويسأل عنه دون غيره ومن ثم يجوز اشتراط زيادة ربح العامل أو يقدر له مرتب خاص ويكون أجيرا .
ثالثا : شركة المحاصة :
... ولا تخلو من تفصيل (4) :
{ أ } ... إما أن يقوم كل شريك من جهته بالعمل في حصته في حدود غرض الشركة ثم تقسم الأرباح والخسائر بعد ذلك على جميعهم وعندئذ فلا شركة في الواقع ولا تدخل في نوع من أنواع الشركات الشرعية .
{ ب } ... إما أن ينقل الشركاء ملكية الحصص إلى أحد الشركاء للعمل فيها ثم توزع الأرباح والخسائر بحسب حصصهم في رأس المال وعندئذ لا تكون شركة شرعا .
{
__________
(1) ... د. عبد العزيز الخياط - الشركات ص 134 .
(2) ... د. عبد العزيز الخياط - الشركات ص 142 .
(3) ... الشيخ على الخفيف الشركات ص 94 - د. وهبه الزحيلي - مرجع سابق ص 879 .
(4) ... الشيخ على الخفيف - مرجع سابق ص 95 - د. عبد العزيز الخياط 2/148 وما بعدها - د. وهبه الزحيلي - مرجع سابق ص 880 وما بعدها .(1/148)
ج } ... إما أن يحتفظ كل شريك بملكية حصته مع تسليمها لأحد الشركاء للعمل فيها على أن يقتسموا الربح أو الخسارة فيما بينهم بحسب الحصص أو الاتفاق وهذه الصورة يصح تخريجها على شركة المضاربة إذ يقدم المال من أربابه إلى أحدهم لكنه لما كان متقدما بجزء من رأس المال فهو شريك عنان أيضا وقد أجاز بعض الفقهاء أن يجتمع في الشركة الواحدة نوعان أو أكثر من أنواع الشركة .
{ د } ... وقد يتفق الشركاء على أن تكون الحصص ملكية شائعة بينهم ، وهنا يصح تخريجها على المضاربة في رأي (1) وعلى العنان في رأي آخر (2) وهو الراجح عندنا .
رابعا : شركة المساهمة والأسهم :
{ 1 } ... المجيزون وقيودهم :
{ أ } ... يذهب رأي (3) إلى أن من نظر إلى القواعد المقررة في الشرع علم أن التشريع الإسلامي يتسع لجميع أنواع الشركات الموجودة في العالم ... وشرها وأضرها الشركات المشتملة على الربا والمصارف الربوية وهي التي حرمها الله تعالى في جملة ما حرم من الربا .
{ ب } ... ويذهب رأي (4) إلى أن جميع الشركات القانونية يمكن إدماجها في الشركات الفقهية ولا عبرة باختلاف الأحكام متى كانت لا تتعارض مع أصل من الأصول الدينية الكلية .
{ ج } ... ويذهب رأي (5) إلى الجواز مع تقييد التعامل الربوي فيها بالضرورة التي يقدرها العلماء من الفقهاء والاقتصاديين وأولي الرأي .
{
__________
(1) ... الشيخ على الخفيف - الشركات ص 96
(2) ... د. عبد العزيز الخياط - الشركات 2/ ص 150 .
(3) ... الشيخ الخالصي - الإسلام سبيل السعادة والسلام صـ 208
(4) ... المرحوم الشيخ على الخفيف - مرجع سابق صـ 97
(5) ... المرحوم الشيخ محمد شلتوت - الفتاوى صـ 327 طبعة 1959 .(1/149)
د } ... ويذهب رأي (1) أنه في المضاربة يجوز أخذ الربح المعين دراهم مسماة وأن هذا الاشتراط مخالف لأقوال الفقهاء ولكنه غير مخالف نصا في القرآن والسنة .
... وفي هذا الصدد يذهب رأي (2) إلى أن مخالفة الفقهاء في جعل الحظ
معينا قلّ الربح أو كثر لا يدخل ذلك في الربا الجلي المركب المخرب للبيوت .
{ هـ } ... ويذهب رأي (3) إلى تخريج الشركة المساهمة على شركة العنان لقيامها على أساس التراضي وكون مجلس الإدارة متصرفا في أمور الشركة بالوكالة عن المساهمين ودوام الشركة واستمرارها سائغ بسبب اتفاق الشركاء عليه وإصدار الأسهم جائز شرعا أما إصدار السندات أي القروض بفائدة فلا يحل شرعا .
{ و } ... ويذهب رأي ونحن معه إلى ضرورة دراسة أنواع الأسهم وإدراك واقعها ثم بيان حكم الشرع فيها قبل إصدار الحكم على شركة المساهمة بمجموعها .
· ونستطيع القول بأنه يوجد ثلاثة اتجاهات للعلماء في الأسهم (4) هي :
أولا : من يرى الحرمة من الفقهاء :
... يقول الشيخ / تقي الدين النبهاني : وأسهم شركات المساهمة ( سندات ) تتضمن مبالغ المخلوط من راس مال حلال ومن ربح حرام في عقد باطل ومعاملة باطلة دون أي تمييز بين المال الأصلي والربح .
__________
(1) ... المرحوم الشيخ عبد الوهاب خلاف - مجلة لواء الإسلام العدد 11طبعة 1951 المجلد الرابع .
(2) ... الشيخ محمد عبده - مجلة المنار ج 9 صـ 332 ط المنار طبعة 1906
(3) ... د. وهبه الزحيلي - مرجع سابق صـ 881 ، 882
(4) ... أيضا انظر بحث د. علي محي الدين القره داغي في الاستثمار في الأسهم - مجلة المجمع الفقهي الإسلامي رابطة العالم الإسلامي السنة 7 العدد 9 سنة 1995 صـ 247 وما بعدها - والمراجع المشار إليها فيه .(1/150)
... وهي في نفس الوقت ( سند ) بقيمة ( حصة ) من موجودات الشركة الباطلة وقد اكتسبت هذه الموجودات بمعاملة باطلة نهي الشرع عنها فكانت مالا حراما فتكون اسهم شركات المساهمة متضمنة مبالغ من المال الحرام وبذلك صارت هذه الأوراق المالية التي هي الأسهم مالا حراما لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا التعامل بها ) . ( النظام الاقتصادي صـ 143 ) .
... فهذا الرأي ينظر إلى الأسهم على أنها تمثل ( ثمن ) الشركة في وقت تقديرها ن ولا تمثل راس مال الشركة عند إنشائها ، وأنها جزء لا يتجزأ من كيان الشركة ، وليست جزءا من راس مال الشركة ، فهي عنده
بمثابة ( سندات ) بقيمة موجودات الشركة وان قيمتها تتفاوت وتتغير .
وعلى ذلك فالسهم لا يمثل راس المال المدفوع عند تأسيس الشركة وإنما يمثل راس مال الشركة عند البيع أي في وقت معين ، ومن ثم فأن
هذا المحرم يعمم الحكم على جميع أنواع الأسهم كما انه لا يتطابق مع الواقع العملي .
ثانيا : من يرى الجواز من الفقهاء مع الخلو من المحرمات :
... يقول الشيخ / محمود شلتوت (1) : ] أما الأسهم ، فهي أنصبة في راس المال فيغنم حاملها في حالة الربح ويغرم في الخسارة ، فليس فيها مخالفة في الشرع [ .
... يقول الدكتور / محمد يوسف موسى (2) : ] والغالب أن الشركات تقسم رأسمالها إلى أسهم يكتتب فيها من يريد وتكون أسهمه عرضة للخسارة أو الربح تبعا للشركة .. ولا ريب في جواز المساهمة في الشركات بملكية عدد من أسهمها لتوافر الشروط الشرعية فيها لصحتها ، ولان لها حقها من الربح وعليها نصيبها من الخسارة ، فالربح يستحق تارة بالعمل وتارة بالمال ولا شئ من الربا شبهته في هذه العملية [ .
... وقد بين الشيخ / على الخفيف رأيه في جواز التعامل بالشركات المساهمة في كتابه ( الشركات في الفقه الإسلامي ) .
__________
(1) ... الفتاوى صـ 327 – ط الأزهر 1379 هـ - 1959 م .
(2) ... الإسلام ومشكلاتنا الحاضرة صـ 58 ط 1958 .(1/151)
... كما بين الشيخ / محمد أبو زهرة (1) أن اسهم الشركات التجارية أموال ظاهرة تجب فيها الزكاة مما يفيد حلها .
... ويرى فضيلة الشيخ / محمد المختار السلامي - مفتي الجمهورية التونسية أن المساهمة في الشركات التجارية وغيرها هو في آن واحد مشارك وحامل لسهم وأبرز ظاهرة للسهم هي تخويله التصرف فيه بكامل الحرية فالتصرف في السهم بمعنى الخروج من الشركة وقطع الصلة بها وتعويض المساهم بغيره هو محل اتفاق ، ومن هذه التصرفات البيع مع مراعاة ضوابط رعاية مصلحة المشاركين في تقديم مساهم قديم على مساهم جديد أو في تقليص عدد المشاركين وبيع السهم يخضع في الفقه الإسلامي لشروط البيع وأركانه (2) .
ثالثا : من يرى التفصيل من الفقهاء :
{ أ } ... أنواع الأسهم وحكمها :
... السهم ابتداء ، جزء من رأس المال الأسمى لشركة ما وصاحب هذا الجزء له الحق في نصيب من الأرباح الموزعة ، وفي القيمة المتبقية عند تصفية الشركة انتهاء ، فالسهم إذن يمثل حصة الشريك في الشركة ابتداء وانتهاء.
... ويقول الدكتور / عبد العزيز الخياط :] أن أنواع الأسهم يحتاج إلى بيان وتفصيل [ (3) .
{ 1 } ... الأسهم لحاملها :
وهي التي لا تحمل اسم صاحبها ، بل يكون أي شخص يحمل هذا الصك هو المساهم في الشركة .
__________
(1) ... بحث في الزكاة للشيخ / محمد أبو زهرة صـ 151 المنشور في الجزء الثاني من نشرات مجمع البحث الإسلامي ط الأزهر 1385 هـ - 1965 م ، وقد انتهت الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة التي عقدها بيت الزكاة في الكويت في الجمهورية اللبنانية في الفترة من 18 - 20 ذي القعدة 1415 هـ الموافق 18 - 20 أبريل 1995 م بعنوان " أموال شركات المساهمة تعتبر أموالا ظاهرة " .
(2) ... بحث فضيلة الشيخ / محمد المختار السلامي المنشور في أعمال الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي صـ 29 ، 30
(3) ... عبد العزيز الخياط - الشركات مرجع سابق 2/220 وما بعدها .(1/152)
... وهذا النوع من الأسهم لا يصح إصداره شرعا لجهالة المشترك عند الدكتور / الخياط ، وقد صدر بجواز إصداره وتداوله قرار مجمع الفقه الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي (1) وقد جاء به : " بما أن المبيع في ( السهم لحامله ) هو حصة شائعة في موجودات الشركة ، وان شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة ، فلا مانع شرعا من إصدار اسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها " .
{ 2 } ... الأسهم لأمر :
وهي التي يكتب عليها عبارة ( للأمر ) وتتداول بطريقة التظهير ، وفيها يكون صاحب السهم معروفا على كل حال .
والتظهير جائز شرعا سواء أكان بعوض كالبيع أو بغير عوض كالهبة ولا شيء فيه إذ انه حقيقة نقل لملكية الأسهم .
{ 3 } ... الأسهم الممتازة :
وهي التي تعطي لأصحابها حقوقا تتميز بها عن الأسهم العادية ومنها ما هو جائز ومنها ما هو غير جائز .
{ أ } ... وغير الجائز منها :
· أن يكون الامتياز بأن تعطي بعض الأسهم حق الأولوية في الحصول على الأرباح بنسبة معينة ، ثم توزع الأرباح بعد ذلك على الجميع بالتساوي لكل سهم مع أن السهم واحد في القيمة لهم جميعا ، وهذا غير جائز شرعا لأنه ليس لأصحاب الأسهم الممتازة مال أو عمل يستحقون به هذه
الزيادة في الربح .
· أن يكون الامتياز بتقدير فائدة سنوية ثابتة لبعض الأسهم توزع على أصحابها سواء ربحت الشركة أو خسرت وهذا الامتياز " ربا " لأنه زيادة بلا مقابل .
· أن يكون الامتياز بأن يمنح صاحب السهم حق استرجاع قيمة السهم بكاملها عند تصفية الشركة ، وقبل إجراء القسمة بين الشركاء ، وهو غير جائز شرعا لمنافاته لمعنى الشركة .
__________
(1) ... القرار رقم 64/1/7 بشأن الأسواق المالية في دورة مؤتمره السابع بجده - ذو القعدة 1413 هـ مايو 1992 م المنشور بمجلة عالم الاقتصاد - العدد 8 السنة الأولى - سبتمبر 1992 م صـ 62 .(1/153)
· أن يكون الامتياز بمنح بعض الأسهم أكثر من صوت في الجمعية العمومية ، وهو غير جائز شرعا لمنافاته لمبدأ تساوى الشركاء في الحقوق التي يمنحها السهم .
{ ب } ... أما النوع الجائز من الأسهم الممتازة فهو :
... الذي يعطي لأصحاب الأسهم القدامى حق الأولوية في الاكتتاب في الأسهم الجديدة ، لأنهم أولى من غيرهم في أن تظل الشركة منحصرة فيهم ، ولهم حق الشفعة .
{ 4 } ... اسهم التمتع :
وهي الأسهم التي استهلكت قيمتها ، بأن ردت إلى أصحابها مع بقاء الشركة ويبقى لأصحابها اسهم تسمى ( السهم التمتع ) بها يحق لهم التمتع بأخذ نصيب من الأرباح أقل من اسهم راس المال وهذا السهم قد يكون جائزا شرعا وقد يكون غير جائز فان كانت القيمة التي أعطيت للشريك هي القيمة الحقيقية للسهم ) فهو غير جائز شرعا ( أي ما يأخذون ) لأنه إذا أعطى القيمة الحقيقية للسهم فان صلته بالشركة تكون قد انتهت ويكون المساهم قد استوفى من الأموال ما يوازي حصته التي تتمثل في رأس المال المدفوع وحقه في موجودات الشركة ورأس مالها الاحتياطي أو أي حق آخر فلا يستحق بعد ذلك شيئا من ربح الشركة .
وإذا كانت القيمة التي أعطيت للمساهم هي ( القيمة الاسمية ) فينظر : إذا كانت أقل من قيمتها الحقيقية فان علاقة الشريك المساهم بالشركة تظل قائمة ، إذ يبقى له حق في موجودات الشركة وفي راس مالها الاحتياطي وفي أي حق آخر غير رأس ماله الذي استرده فيستحق حينئذ أن يأخذ جزءا من أرباح الشركة ولو كان أقل من أرباح أولئك الذين لم يأخذوا قيمة أسهمهم من الشركة .
وهذه الصورة الجائزة شرعا يمكن اتباعها شريطة أن يتم ذلك برضاء الشركاء جميعا ، أما بأن ينص عليه في عقد الشركة أو في نظامها أو بأن يكون معروفا في عرف الشركات العام ، حتى تنطبق عليه القاعدة الشرعية " المعروف عرفا كالمشروط شرطا " .(1/154)
وإذا كانت القيمة الإسمية أعلى من القيمة الحقيقية للسهم ، فيذهب الشيخ / الخياط إلى أنه لا يبقى له حق في الشركة ، لأنه استوفى رأس ماله المدفوع كاملا ، ولم يشارك بقية المساهمين النقص في أموال الشركة أو الخسارة فيها فيكون قد انقطع عن الاشتراك فيها ، فإذا ربحت بعد ذلك فلا حق له في أرباحها لعدم وجود السبب ، ومن ثم لا يجوز حينئذ سهم التمتع في هذه الحالة .
* ... الأسهم وموجودات الشركة :
... يرى الأستاذ الشيخ / محمد الصديق الضرير (1) أن ] السهم حصة شائعة في موجودات الشركة وهذه الموجودات قد تكون نقودا وقد تكون أعيانا منقولات أو عقارات وقد تكون ديونا وقد تشتمل الموجودات كل هذه الأنواع وقد تقتصر على بعضها ، والسهم يمثل هذا الموجود ، فالتصرف في السهم هو تصرف فيما يمثله السهم وليس تصرفا في الصك المثبت لحق الشريك ومن ثم يختلف الحكم باختلاف كل نوع من موجودات الشركة مجتمعا ومنفردا مع غيره .
... هذا وقد اصدر مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي قراره (2) بجواز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشركة كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقا أو مشروطا بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء ، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة .
... كما أصدر المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي قراره بما
يلي (3) :
" بما أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعا " .
{ 2 } ... المحرومون للشركة المساهمة وحججهم مع الترجيح :
__________
(1) ... بحث فضيلته المنشور في أعمال الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي في الكويت خلال الفترة من 6 - 8 ذي القعدة 1413 هـ 27 – 29 أبريل 1993 م صـ 13 وما بعدها .
(2) ... قرار رقم 14/1/7 المرجع السابق .
(3) ... مجلة المجتمع العدد 9 السنة السابعة 1416 هـ 1995م صـ 343(1/155)
... يذهب رأي (1) إلى أن الشركات المساهمة من شركات الأموال في النظام الرأسمالي وهي من الشركات الباطلة شرعا ومن المعاملات التي لا يجوز للمسلم أن يقوم بها ووجه بطلانها وحرمة الاشتراك فيها يتبين مما يلي :
{ أ } ... أنها ليست عقدا بين شخص أو اكثر حسب أحكام الشرع الإسلامي وشركة المساهمة ليست إتفاقا بين اثنين وإنما هي موافقة من شخص واحد على شروط ، ولا شك أن الدعوة إلى تأسيس الشركة والقبول من الآخرين يعتبر عقدا كما يبين من أقوال الفقهاء في معنى الإيجاب والقبول والارتباط بينهما .
... كما انه لا يترتب على عقد الشركة أثره إلا بعد أن تختلط الأموال أو يتم البيع والشراء وهو اكثر احتياطيا من ترتيب الأثر القانوني على توقيع الصك .
{ ب } ... لم يحصل الاتفاق بين الشركاء في العقد على القيام بعمل مالي يقصد الربح وبذلك لم توجد شركة بمجرد الموافقة على دفع المال ومن هنا كانت باطلة أيضا .
... ومن المقرر فقها انه يشترط أن يقوم كل شريك بالعمل فقد يكون العمل من جانبه فقط كما في المضاربة أو من أحدهم كما في العنان ومن ثم فان الشركاء هم الذين يريدون الشركة حقيقة ويشرفون عليها عن طريق مجلس الإدارة هذا فضلا عن أن بعض القوانين كما مر (2) تعرف الشركة بأنها عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو اكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي .
{ ج } ... انه لا وجود للعنصر الشخصي فيها مطلقا وأنه إذا لم يوجد البدن لا تنعقد الشركة والحقيقة والواقع أن الذي يشترك بما له هو الشخص وهو الذي يوكل مجلس الإدارة في تصريف أمور الشركة واعتباره بمقدار ما يملكه من اسهم ضمانا لمصلحة الشركاء ومجلس الإدارة مسؤول أم الجمعية العمومية للمساهمين .
__________
(1) ... الشيخ تقي الدين النبهاني - مرجع سابق صـ 133 وما بعدها .
(2) ... انظر صـ 19 فيما سبق .(1/156)
... هذا وقد قرر الفقهاء أن الشركة تقوم على الوكالة إذا كانت عنانا وأنها تقوم على الوكالة والكفالة إذا كانت مفاوضة وأجازوا للشريك المضارب أن يوكل غيره في أعمال الشركة (1) .
وعلى نحو ما سبق لم تصمد حجة لهذا الرأي المحرم للشركات المساهمة.
خامسا : شركة التوصية بالأسهم :
... يرى الشيخ / الخفيف (2) أن العمل في أموال الموصين من قبل الشركاء المتضامنين من قبيل المقارضة لأنه عمل في مال الغير .
... يرى د. وهبه الزحيلي (3) أنها شركة جائزة شرعا لأنها نوع من شركات العنان التي يشترط فيها التضامن بين بعض الشركاء وتلك كفالة جائزة وحرية الشريك المتضامن بالتصرف مستمدة من إذن الشركاء الآخرين وعمل المتضامنين في أموال المساهمين خاضع لأحكام شركة المضاربة .
... يرى د. عبد العزيز الخياط (4) أن الجانب التضامني يخضع لأحكام شركتي المفاوضة والعنان وجانب المساهمة ، فيخضع للأحكام الشرعية في شركة المساهمة أما جانب العمل في أموال الموصين فيخضع لأحكام المضاربة وان شركة التوصية بالأسهم تخضع لأحكام شركات الأشخاص فيما يتعلق بالتضامن وتدخل في شركات الأموال بالأسهم ومن ثم فهي تخضع لهذين النوعين من الشركات (5) وهو جائز شرعا .
سادسا : الشركة ذات المسؤولية المحدودة :
__________
(1) ... انظر د. عبد العزيز الخياط ـ مرجع سابق صـ 178 وما بعدها - د. على القره داغي في بحثه الاستثمار في الأسهم المرجع السابق صـ 249 وما بعدها وقد فصل القول في تفنيد حجج هذا الرأي .
(2) ... الشركات صـ 94
(3) ... الفقه الإسلامي وأدلته صـ 882
(4) ... الشركات 2/235 وما بعدها .
(5) ... ضمن أحكام شركات الأشخاص انقضاؤها بموت أحد الشركاء المتضامنين أو انسحابه أو الحجر عليه ما لم يتفق على غير ذلك ومن أحكام شركات الأموال قابلية الأسهم للتداول وغير ذلك .(1/157)
... خرجها البعض (1) على شركة المضاربة ، وخرجها البعض (2) على شركة الضمان ويرى د. الخياط (3) أنها شركة جائزة شرعا لخضوعها لأحكام من شركة العنان وشركة المضاربة .
المبحث السادس : المشاركة المنتهية بالتمليك ( المتناقصة ) :
هذا النوع من الشركة أو المشاركة أوردته الموسوعة العملية والعملية للبنوك الإسلامية (4) وأطلقت عليه اسم " المشاركة المتناقصة " وجاء فيها ما نصه :
" وهذا النوع من المشاركة قد يميل إليه كثير من المضاربين الذين لا يرغبون في استمرار مشاركة البنك لهم وفي هذا النوع من المشاركة يعطي البنك الحق للشريك في الحلول محله في الملكية دفعة واحدة أو على دفعات حسبما تقتضيه الشروط المتفق عليه وطبيعة العملية على أساس إجراء ترتيب منظم لتجنب جزء من الدخل المتحصل كقسط لسداد قيمة الحصة ، ومن المجالات المناسبة لهذا النوع قطاع النقل والمباني بوجه خاص وإن كان لا يمنع هذا إمكان العمل به في غير ذلك من المجالات " .
وعرفتها المادة الثانية من قانون البنك الإسلامي الأردني رقم 13/1978 بأنها :
" دخول البنك بصفة شريك ممول – كلياً أو جزئياً – في مشروع ذي دخل متوقع وذلك على أساس الاتفاق مع الشريك الآخر بحصول البنك على حصة نسبية من صافي الدخل المتحقق فعلاً مع حقه في الاحتفاظ بالجزء المتبقي أو أي قدر منه متفق عليه ليكون ذلك الجزء مخصصاً لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل " .
· ما نراه بشأن هذا النوع من التعامل :
· عند تحليلنا لهذه العملية المتداخلة والمركبة نجد أنها تمر بثلاث مراحل متوالية هي :
أولاً : هذه العملية نوع من أنواع الشركة في الفقه الإسلامي ، وهي شركة العقد بين اثنين أو أكثر ، على كون رأس المال والربح مشتركاً بينهم .
__________
(1) ... الخفيف - الشركات صـ 97 .
(2) ... د. وهبه الزحيلي – مرجع سابق 4/882 .
(3) ... المرجع السابق 2 صـ 238
(4) ... ج 1 ص 28 الطبعة الأولى 1397 هـ /1977 .(1/158)
وكل قسم من شركة العقد يتضمن الوكالة ، فكل واحد من الشريكين 000 أو الشركاء وكيل الآخر .
وفي شركة العقد يتقوم العمل بالتقويم أي بتعيين القيمة .
وتقسيم الربح شرط بين الشركاء .
ثانياً : عائد المال المشترك في المشاركة المتناقصة ( الربح ) :
إن استحقاق الربح في شركة العقد يكون بالنظر إلى الشرط المذكور في عقد الشركة ، ويتم توزيعه على أساس نسبة الربح المشترطة في العقد .
وما يدره الملك المشترك في هذه المشاركة يكون أيضاً مشتركاً بين أصحاب الملك ، وإن كانت صورة ذلك العائد تختلف باختلاف وسيلة استغلال المال المشترك ، فيسوغ للشريكين أن يؤجرا مالهما المشترك لآخر أو لحدهما .
والضرر والخسارة الواقعة بلا تعد ولا تقصير منقسم على مقدار رأس المال.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نميز بين أمرين هما :
{ أ } ... تحقق العائد أو الربح فعلاً ، ولحصوله من سبب واحد مشترك ، فهو مال مشترك بين الشركاء ، وتخصم منه جميع التكاليف والنفقات اللازمة ، بما فيها مقابل عمل أحد الشركاء فيما لو كان هو الذي تولاه ، إذ العمل في شركة العقد يتقوم بالتقويم كما سبق .
{ ب } ... ملزومية من وجب في ذمته هذا العائد أو الربح به ، وقد يكون شخصاً آخر غير الشريكين أو أحدهما .
وفي حالة ما إذا كان أحد الشريكين ، فإنه يصبح مديناً ودائناً ، ومن ثم تجري المقاصة بين ما يستحقه وما يجب عليه ، ويصبح الباقي من الربح من حق الشريك الآخر يلتزم به ويقوم بدفعه إليه .
ثالثاً : بيع أحد الشريكين حصته لشريكه بقسطها من الثمن :(1/159)
وهو من الأمور المتعهد بها بين الطرفين ابتداء في عقد الشركة ، وهذا معتبر من وقت معين مستقبل (1) .
وعندئذ يجب تقويم حصة الشريك البائع بثمنها بسعر يومها وقت البيع ، ويشتريها الشريك الآخر ، وذلك على التفصيل التالي :
{
__________
(1) ... أنظر عكس ذلك توصيات مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي 1979 حيث رأى المؤتمر بصدد بحث ذلك النوع من المشاركة " أن يكون بيع حصص المصرف إلى المتعامل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل بحيث يكون له الحق في بيعها للمصرف أو غيره وكذلك الأمور بالنسبة للمصرف بأن تكون له حرية بيع حصصه للمتعامل شريكه أو لغيره .
ونرى أن ما انتهى إليه المؤتمر يعالج صورة بسيطة لعمليتين منفصلتين تماماً ، عملية مشاركة وعملية بيع حصص أحد الشركاء على حين أن الصورة المطروحة للبحث هي عملية مركبة ومندمجة ، تقتضي مصلحة لطرفين ابتداء الدخول في المشاركة والاتفاق على البيع في نفس الوقت ، ومن ثم كانت هذه المعاملة في حاجة إلى تحليل ، وتكييف يواجهها ، كما تجري في الواقع ، ويضبط حركتها ، ويسبغ عليه الحكم الشرعي في كل مرحلة من مراحلها ، وعليها كلها بالتالي .
وقد بسطت الموسوعة العملية للبنوك الإسلامية ح / 5 الشرعي المجلد / 1 ص 326 صور هذه المعاملة ونراها كلها تخرج عن حقيقة العملية كما تجري في الواقع ، فالمعاملة كما تجري في الواقع ذكرتها الموسوعة ج 1 كما ذكرناها في المتن ، وبذلك يتضح أن مؤتمر المصرف الإسلامي المشار إليه قد عالج صوراً بسيطة لهذه المعاملة ،ولم يتعرض لحقيقة المعاملة كما تجري في الممارسة والعمل.(1/160)
1 } ... الغالب ألا يبيع الشريك حصته جملة أو دفعة واحدة ، وإلا خرج من الشركة نهائياً دون ما صعوبة ، وهو ما قد يبدو على خلاف الصورة المعروضة ، إذ لا يتصدى لهذه المعاملة في حقيقتها ، ومن ثم فإن الشريك يبيع حصته في الشركة مجزأة أو على حصص ، كل حصة بقدرها الثمن بسعر يومها وقت البيع ، وذلك حتى يحل محله في تملك حصته بالكامل ، ويتم بذلك خروجه من الشركة .
{ 2 } ... أن الشريك المشتري لحصة شريكه قد يقوم بدفع ثمنها حالاً أو مؤجلاً أو مقسطاً حتى يتم السداد .
ويجب في هذه الحالة تسمية الثمن وتحديده حين البيع ، وأن يكون معلوماً وأن تكون المدة محددة ومعلومة أيضاً إذا كان الثمن مؤجلاً أو مقسطاً .
ومن المعلوم أن الثمن هو ما يكون بدلاً للمبيع ، ولكنه يتعلق بالذمة ، ومن ثم تصبح أموال المدين كلها ضامنة للوفاء به ، وليس مال الشركة فقط .
{ 3 } ... في هذه الصورة المركبة من المشاركة لا وجه لارتباط ثمن حصة الشريك البائع بالربح الذي يحصل عليه الشريك المشتري من استغلال المال المشترك وإن صح تزامن (1) سداد قسط الثمن مع حصوله على حصته من الربح ، ولكن المسألة تبدو أكثر تعقيداً في الحالات الآتية :
{ أ } ... إذا لم يحقق المشروع أو الشركة ربحاً .
{ ب } ... إذا تحققت خسارة للشركة .
{ ج } ... إذا هلك مال الشركة كله أو بعضه .
{ د } ... تصفية المشاركة قبل انتهاء مدة العقد .
ومن ثم فلا وجه للربط بين الربح المحقق وسداد ثمن حصة الشريك المبيعة لشريكه ، ومن هنا يتعين على الشريك البائع أن يأخذ هذه الاحتمالات في الاعتبار وما يستوجبه ذلك من آمرين :
{ أ } ... ملاءة الشريك المشتري أي أن تكون ذمته المالية كافية لسداد ما يجب عليه من ثمن .
{
__________
(1) ... أي توافق وقت السداد مع وقت حصوله على نصيبه من الربح المتحصل من الشركة ، كوسيلة من وسائل التيسير والتسهيل في دفع أقساط الثمن المستحق .(1/161)
ب } ... أخذ الضمانات الكافية للوفاء بالثمن في حالة الخسارة أو الهلاك ، إذ قد يهلك المبيع بعد حصول البيع وقبل التسليم بلا تعد ولا تقصير من البائع ، فيكون ذلك على ملك الشريك المشتري .
وبعد 000 فهذه هي في نظرنا الأصول التي تضبط هذا النوع من المشاركة وتقوم عليها ، ولا شك أن كل عملية منها تخضع لما تتضمنه من شروط وتفاصيل .
كما أن إطلاق موسوعة البنوك الإسلامية اسم " المضاربة " على هذه المعاملة فيه شيء من التجاوز ، فالمضاربة أصلاً ما تكون بين طرفين ، أحدهما برأس ماله والآخر بعمله ، ومن جهة تصرفه في رأس المال هو وكيل رب المال ، وإذا ربح فيكون شريكاً فيه .
ومع ذلك فإننا نعتبر هذه النوع من التعامل في حاجة إلى مزيد من البحث والتأصيل ، في ضوء كل عملية بحسب ظروفها وشروطها فمثلاً :
{ 1 } ... إذا كانت المشاركة المتناقصة تخفي عملية " قرض بفائدة " تعتبر باطلة ويظهر ذلك في حالة ما إذا كان القصد هو حصول الشريك على قرض وحصول البنك على رأسماله مع زيادة تسمى ربحاً من العائد المقدر للعملية فذلك تحايل على الربا وهو ممنوع شرعاً .
{ 2 } ... إذا شرط البنك في العقد أنه في حالة تصفية المشاركة قبل انتهاء مدة العقد فللبنك استيفاء أرباحه المتفق عليها والمتوقعة عن طيلة فترة العقد .
فهذا الشرط باطل لأنه يضمن البنك حصوله على أصل رأس ماله وزيادة متمثلة في الربح المتوقع عن فترة العقد المستقبلة وهذه الزيادة ربا .
كما أن كل شرط يضمن للبنك تلك الزيادة يعتبر باطلاً أيضاً .
{ 3 } ... عدم تعيين نسبة ربح الشريك في العقد يبطله .
{ 4 } ... كل شرط يضمن للبنك أن رأس المال أو أصل ما قدمه من تمويل مع حصوله على زيادة حتى ولو كانت نسبة من ربح المشروع يعتبر باطلاً لشبهة الربا إذ قصد البنك في أن يعود إليه ما دفعه من مال كاملاً وفوقه زيادة يبطل العقد إذ العبرة في العقود للقصود .
الفصل الثالث
الإجارة
تمهيد :(1/162)
عقد الإيجار من وسائل تضامن رأس المال ويمثله المؤجر والعمل ويمثله المستأجر ومما يساعد على قيام هذا التضامن التشريع المناسب مع حالة البلد الاقتصادية فيعمل التشريع على جعل مصالح الطرفين مشتركة لا متنافرة ومن هنا قيل بحق إن عقد الإيجار من أكثر العقود تداولاً .
وعقد الإيجار فوق ذلك يجعل المؤجر والمستأجر في اتصال دائم طوال مدة الإيجار مما يستدعى الدقة في وضع القواعد التي تضبط هذه العلاقة المستمرة وتبين حقوق كل من الطرفين وواجباته .
ولا غرابة فلإيجار من أقدم العقود عهداً بعد المقايضة والبيع (1) ، وفي ظل التقدم الاقتصادي المعاصر يعتبر عقد الإيجار من أهم المقومات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات على السواء .
المبحث الأول :تعريف الإجارة وبيان خصائصها :
{ 1 } ... الإجارة في اللغة (2) .
الإجارة في اللغة اسم للأجرة أو بمعنى الأجرة وقد استعملت في معنى الإيجار أيضا (3) .
والإجارة بكسر الهمزة على المشهور وحكى ضمها وفتحها فهي مثلثة الهمزة وهي مصدر سماعي لفعل أجر ومعناها الجزاء على العمل (4) .
وللإجارة معنيان :
الأول المعنى اللغوي وهو الأجرة والثاني المعنى المستعملة فيه وهو
الإجارة والأول مسبب عن الثاني لأن الإيجار سبب للأجرة فعلى هذا يكون استعمال لفظه الإجارة بمعنى ( الإيجار ) مجازاً لغوياً (5) .
__________
(1) ... الوسيط للسنهوري 6/1 ص 24 ط دار النهضة العربية – القاهرة .
(2) ... المغرب – مقاييس اللغة مادة ( آجر ) .
(3) ... م ( 405) من مجلة الأحكام العدلية .
(4) ... الفقه على المذاهب الأربعة 3،82 ط الريان للتراث ويقول وهو الصحيح .
(5) ... درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر 1/372 – ط دار الكتب العلمية بيروت .(1/163)
نقل عن المبرد أنه يقال : أجر وآجر إجاراً وإجارة وعليه فتكون مصدراً وهذا هو المعنى المناسب للمعنى الاصطلاحي (1) .
{ 2 } ... تعريف الإجارة في المذاهب الفقهية :
{ أ } ... عرفها الحنفية :
بأنها بيع المنفعة المعلومة في مقابلة عوض معلوم (2) .
وبأن الإجارة عقد يفيد تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من العين المؤجرة في الشرع ونظر العقلاء بعوض يصلح أجرة (3) .
فيجب أن تكون المنفعة التي يعقد عليها في الإجارة مقصودة في الشرع ونظر العقلاء ولابد أن تكون المنفعة قابلة للبدل حتى إن الإجارة بهذا القيد يجب أن تعقد على مدة مؤقتة أي أن التوقيت في الإجارة لازم (4) .
وأن تكون المنفعة معلومة والعلم بالمنفعة يكون تارة ببيان المدة وتارة يكون بالتسمية كاستئجار صباغ وتارة يكون بالتعيين والإشارة .
{
__________
(1) ... الموسوعة الفقهية الكويتية 1/252 – حاشية بن عابدين 5/2 ط بولاق – درر الحكام مرجع سابق في شرح المادة (404) من المجلة .والذي دعانا إلى هذا الاستطراد أن لفظة الإجارة هي الشائعة في استعمال فقهاء الشريعة ولفظ الإيجار هو المستعمل لدى رجال القانون ، ويقول د . وهبه الزحيلي ولقد آثرنا لفظ الإيجار على لفظ الإجارة لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطيت من كرار الأجير وهي ليست مصدراً لفعل " أجر " إذ لم تسمع مصدراً قط ومن المعروف أن مصدر الفعل الثلاثي سماعي لا قياس فيه وإذا استعملنا لفظ الإجارة أحياناً فهو مجاراة للاصطلاح الشائع – الفقه الإسلامي وأدلة 4/732 .
(2) ... م (405) من مجلة الأحكام العدلية – بدائع الصنائع 4/174 _ الهداية للمرغيناني 3/260 وما بعدها دار الكتب العلمية بيروت .
(3) ... م (564 ) من مرشد الحيران – حاشية ابن عابدين 16 .
(4) ... شرح المجلة لعلي حيدر 1/373 ط دار الكتب العلمية بيروت .(1/164)
ب } ... عند المالكية : (1)
عرفوا الإجارة بأنها عقد يفيد تمليك منافع شيء مباحة مدة معلومة بعوض غير ناشئ عن المنفعة (2) .
وقولهم غير ناشئ عن المنفعة خرج بين المساقاة والمضاربة لأن العوض ناشئ عن المنفعة .
{ ج } ... عند الشافعية :
قالوا في الإجارة عقد على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم (3) .
{ د } ... عند الحنابلة (4) :
الإجارة عد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئاً فشيئاً مدة معلومة بعوض معلوم .
وعرفها البهوتي بقوله (5) :
" عقد على منفعة مباحة معلومة مدة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو عمل معلوم بعضو معلوم " .
{ 3 } ... تعريف الإجارة في القوانين المدنية المأخوذة من الشريعة الإسلامية :
{ أ } ... المادة (658 ) من القانون المدني الأردني تنص على أن :
__________
(1) ... اصطلح المالكية على تسمية التعاقد على منافع الأولى والمنقول غير السفن والحيوان إجارة وعلى تسمية التعاقد على منافع ما لا ينقل كالأرض والدور والمنقول من السفن والحيوان كراء ( أنظر تعريف ابن عرفه في مواهب الجليل للحطاب 5/389 ) وبعض المالكية يرى أن الإجارة تطلق على العقد على منافع من يعقل والكراء يطلق على منافع ما لا يعقل ( أنظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 4/2 ) .
(2) ... الشرح الكبير للدردير 4/2 – الفروق للقرافي 4/4 – الفقه على المذاهب الأربعة 3/84 – التاج والإكليل - لمختصر خليل للمواق 5/389 .
(3) ... مغنى المحتاج 2/238 ، 333 – شرح التحرير للشيخ زكريا الأنصاري 2/83 – حاشيتي قليوبي وعميرة على الشرح المحلي 3/67 – نهاية المحتاج للرملي 5/261 – فتح الباري لابن حجر 4/439 – شرح المحلي على منهاج الطالبين 3/67 .
(4) ... المغني لابن قدامه 5/398 – كشاف القناع 3/537 .
(5) ... شرح منتهى الإرادات 2/350 – الروض المربع 2/240 .(1/165)
" الإيجار تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء عوض معلوم " .
{ ب } ... المادة ( 722 ) من القانون المدني العراقي تنص على أن :
" الإيجار تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة وبه يلتزم المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور " .
{ ج } ... المادة (742 ) من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة تنص على :
" الإيجار تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء أجر معلوم " .
{ د } ... المادة (549) من مشروع قانون المعاملات المدنية المصري تنص على:
" الإيجار عقد ينتفع المستأجر بمقتضاه بشيء مدة معينة لقاء أجر معلوم " .
{ هـ } المادة (561 ) من القانون المدني الكويتي تنص على أن :
" الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء لمدة محدودة في مقابلة عوض مالي " .
{ 4 } ... خصائص عقد الإجارة :
نخلص من جملة التعريفات السابقة أن لعقد الإجارة خصائص نجمل أهمها فيما يلي :
{ أ } ... عقد الإيجار عقد رضائي لا يتقيد بشكل معين .
{ ب } ... أنه من عقود المعاوضة والعوضان فيه هما :
... * الأجرة من المستأجر ... ... * والمنفعة من المؤجر .
{ ج } ... أنه عقد مؤقت فتحديد المدة عنصر جوهري فيه .
{ د } ... أن هناك ارتباط وثيق بين المدة والأجرة فالمدة هي مقياس الانتفاع بالشيء المؤجر والأجرة مقابل الانتفاع والمدة من وسائل معلومية
المنفعة (1) .
{ هـ } الإيجار عقد ملزم للجانبين ومن ثم ينشئ التزامات في جانب كل من المؤجر والمستأجر .
{
__________
(1) ... علي حيدر شرح مجلة الأحكام العدلية م (405) 1/373 .(1/166)
و } ... الإجارة نوع بيع أو نوع من البيع يرد على منافع الأشياء لا أدواتها أو أعيانها فتميز عقد الإيجار عن البيع المطلق أو العادي وعن بقية أنواع البيوع كالسلم والصرف وغيرهما من أنواع البيوع التي خصت بأسماء تميزها عن غيرها من أنواع البيوع (1) .
ومن ثم لا يلتبس عقد الإيجار بعقد البيع الذي يقع على الشيء ذاته .
المبحث الثاني : دليل مشروعية الإجارة وحكمها :
{ 1 } ... مشروعية الإجارة :
اتفق الفقهاء على مشروعية عقد الإجارة ما عدا أبا بكر الأصم وإسماعيل بن عليه والحسن البصري والكاشاني والنهرواني وابن كيسان لأن الإجارة بيع المنفعة وهي معدومة القبض حال انعقاد العقد ثم تستوفى شيئاً فشيئاً مع الزمن والمعدوم لا يحَّمل البيع ولا يجوز إضافة البيع إلى شيء في المستقبل.
ورد عليهم ابن رشد بأن المنافع وإن كانت معدومة في حال العقد فهي مستوفاة في الغالب ، والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفى في الغالب أو يكون استيفاؤه وعدم استيفائه على السواء (2) .
{ 2 } ... أدلة مشروعية الإجارة :
استدل الجمهور على مشروعية الإجارة بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول :
{ أ } ... من القرآن قوله تعالى :
__________
(1) ... الأم للشافعي 4/25 ط دار المعرفة بيروت – المغني لابن قدامه 5/322 ط مكتبة القاهرة بتحقيق د . طه محمد المزيني عكس ذلك ابن حزم – في المحلي 7/3 دار الكتب العلمية ط بيروت يقول .
"الإجارة ليست بيعاً وهي جائزة في كل ما لا يحل بيعه كالحر والكلب السنور وغير ذلك ولو كانت بيعاً لما جازت إجارة الحر والقائلون بها إنما يجيزون إجارة الحر فتناقضوا ولا يختلفون في أن الإجارة إنما هي الانتفاع بمنافع الشيء المؤجر الذي لم يخلق بعد ولا يحل بيع ما لم يخلق بعد فظهر فساد وهذا القول".
(2) ... الفقه الإسلامي وأدلته د وهبة الزحيلي 4/730 ط دار الفكر – ابن رشد – بداية المجتهد 2/218 ط – البرهان في أصول الفقه للإمام الجويني 2/607 فقرة 911 .(1/167)
" فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " (1) .
{ ب } ... من السنة :
ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي اله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره (2) .
{ ج } ... وأما الإجماع :
فقد أجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة إلا ما يحكى عن ابن الأصم وغيره ممن سبق ذكرهم .
قال ابن المنذر " وأجمعوا على أن الإجارة ثابتة (3) .
{ د } ... وأما المعقول :
يقول ابن قدامه (4) والعبرة أيضاً دالّة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع ولا ، يخفى بالناس من الحاجة إلى ذلك .
ومن ثم كانت الإجارة وسيلة للتيسير على الناس في الحصول على ما يبتغونه من المنافع التي لا ملك لهم في أعيانها فالحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان (5) ومراعاة حاجة الناس أصل في شرع العقود فيشرع على وجه ترتفع به الحاجة ويكون موافقاً لأصل الشرع .
{ 3 } ... صفة الإجارة وحكمها :
__________
(1) ... الطلاق /6 .
(2) ... صحيح البخاري مع فتح الباري لابن حجر 4/447 .
صحيح البخاري مع إرشاد الساري للقطلاني 4/132 .
منتقى الأخبار لابن تيميه مع نيل الأوطار 5/331 .
(3) ... الإجماع لابن المنذر ص 171 بتحقيق د . فؤاد عبد المنعم ط مؤسسة شباب الجامعة الإسكندرية – المغنى لابن قدامه 5/21 – بدائع الصنائع 5/2554 – الأم للشافعي 4/25 .
(4) ... المغني 5/321 .
(5) ... المبسوط 15/74 ، 75 – البدائع 4/174 – بداية المجتهد 2/240 .(1/168)
الإجارة الصحيحة عقد لازم لكلا الطرفين إذا توفرت شروط اللزوم (1) ، لأن الإجارة عقد معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات ولأنه يجب النظر من الجانبين في المعاوضات ولا يعتدل النظر بدون صفة اللزوم (2) ، قد قال الله تعالى " يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود " المائدة /1 .
وحكم الإجارة الصحيحة هو ثبوت الملك في المنفعة للمستأجر وثبوت الملك في الأجرة المسماة للمؤجر لأنها عقد معاوضة على المنفعة .
وحكم ا ... لإجارة الفاسدة (3) أنه استوفى المستأجر المنفعة أو يتمكن من استيفائها يجب أجر المثل .
المبحث الثالث : أركان عقد الإجارة وشروطها :
{ 1 } ... أركان عقد الإجارة :
الركن في اللغة :
الجانب الأقوى في الشيء ومن هذا المعنى قوله تعالى :
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود /113 .
الركن في اصطلاح الفقهاء :
- ... عند الحنفية ما توقف عليه وجود الشيء وكان جزءاً من أجزائه وداخلاً في الماهية بحيث لا يوجد إلا به .
- ... وعند الجمهور الركن ما لا بد منه لوجود الشيء أو تصوره سواء أكان جزءاً منه أو كان مختصاً به .
على أساس هذا المسلك ليس للإجارة عند الحنفية إلا ركن واحد فقط هو الصيغة ذلك أنهم ضيقوا من دائرة الركن حيث جعلوه مقصوراً على ما كان جزءاً من الشيء ، أما الجمهور فوسعوا من دائرة الركن فشمل ما كان جزءاً من الشيء أم كان مختصاً به ومن ثم تكون أركان الإجارة عندهم ثلاثة هي :
__________
(1) ... سيأتي تفصيل القول في شروط لزوم الإجارة وهي مثار خلاف بين الحنفية وجمهور الفقهاء.
(2) ... سيأتي في تفصيل القول في أحوال فساد الإجارة ومقدار أجر المثل .
(3) ... عبد الفتاح محمد عبد الرحيم – رسالة في الإجارة مقدمة لكلية الشريعة جامعة الأزهر سنة 1349 هـ 1930 م ص 25 غير مطبوعة – بداية المجتهد 2/227 – مغنى المحتاج 2/355 – غاية المنتهى 2/ 209 – البدائع 4/201 .(1/169)
الصيغة ( الإيجاب والقبول ) العاقدان والمعقود عليه ( المنفعة الأجرة ) .
وبعبارة أخرى : صيغة وعاقدان وعوضان .
وبعبارة ثالثة يجتمع في الإجارة :
الإيجاب والقبول والمؤجر والمستأجر المنفعة والأجرة (1) .
فلا قيام لعقد الإيجار إلا باجتماع ذلك كله ومن ثم يضحى الخلاف بين الحنفية
والجمهور لا كبير طائل منه .
أولاً : الصيغة :
اتفق الفقهاء على انعقاد الإجارة بالإيجاب والقبول ولكنهم اختلفوا فيما يتحقق به الإيجاب القبول .
وصيغة عقد الإجارة ما يتم به إظهار إرادة المتعاقدين من لفظ أو ما يقوم مقامه :
وجمهور الفقهاء على أن الإجارة تنعقد بأي لفظ دال عليها يعرف به غرض المتعاقدين كالاستئجار والاكتراء والإكراء كذلك تنعقد بلفظ الهبة والصلح والإعارة لأن العارية بعضو إجارة أو ملكتك منافع هذه الدار سنة بمنفعة دارك (2) .
وتوسع الحنابلة في ذلك حتى قالوا تنعقد الإجارة بلفظ أجرت وما في معناها كالكراء سواء إضافة إلى العين أو إضافة إلى النفع أو ملكتك نفعها وتنعقد أيضاً بلفظ بيع مضافاً إلى النفع (3) .
وقالوا : التحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت بأي لفظ كان من الألفاظ التي عرف بها المتعاقدان مقصودهما فإن الشارع لم يحد حداً لألفاظ العقد بل ذكرها مطلقة .
وانعقادها بلفظ البيع مضافاً إلى المنافع قول عند الحنفية أيضاً (4) وقول عند
الشافعية أنه صنف من البيع لأنه تمليك يتقسط العوض فيه على المعوض كالبيع فانعقد بلفظه (5) .
__________
(1) ... الوسيط في عقد الإيجار في الفقه الإسلامي د عبد الرحمن محمد عبد القادر ص 31 ، 32 ط دار النهضة العربية بالقاهرة .
(2) ... حاشية ابن عابدين 5/3 .
الفتاوى الهندية 4/409 .
مواهب الجليل 5/390 .
الشرح الصغير 4/7 .
حاشية الدسوقي 4/2 .
نهاية المحتاج 5/261 .
(3) ... كشاف القناع 3/457 .
(4) ... الفتاوى الهندية 4/409 .
(5) ... المهذب 1/395 ط عيسى الحلبي .(1/170)
وفي القول الأصح عند الشافعية وقول عند الحنفية لا تنعقد الإجارة بلفظ بعتك منفعتها لأن المنفعة مملوكة بالإجارة ولفظ البيع وضع لتمليك العين فذكره في المنفعة مفسد لأنه ليس بكفاية عن العقد ولأنه يخالف البيع في الاسم والحكم (1) ولأن بيع المعدوم باطل والمنافع المعقود عليها معدومة وقت العقد كما يقول الحنفية (2) .
* ... الإجارة بالمعاطاة أو الفعل :
اختلف الفقهاء في ذلك على النحو التالي :
أجاز المالكية (3) والشافعية في قول اختاره النووي وجماعة (4) والحنابلة (5) الإجارة بالمعاطاه مطلقاً .
والمذهب عند الشافعية المنع مطلقاً (6) .
وذهب الحنفية (7) إلى أن الإجارة تنعقد بالمعاطاة في المدة الصغيرة والأجور والأشياء الخسيسة دون النفيسة مما جرت عليه عادة الناس من
غير عقد .
والأصل في الإجارة أن تكون منجزة فإذا لم يوجد ما يصرف الصيغة عن التنجيز أو لم ينص على بداية العقد فإن الإجارة تبدأ من وقت العقد وتكون منجزة .
__________
(1) ... حاشية القليوبي 3/67 .
نهاية المحتاج 3/260 .
حاشية البيجرمي 3/174 .
(2) ... ابن عابدين 5/3 .
(3) ... شرح الخرشي على مختصر خليل 7/3 .
(4) ... نهاية المحتاج للرملي 5/375 و263 .
(5) ... المغنى 3/563 – القواعد النورانية لابن تيميه ص 126 .
(6) ... حاشية الشرقاوي على شرح التحرير 2/18 ، 84 – نهاية المحتاج 3/364 ، 5/308 .
(7) ... حاشية ابن عابدين 5/4 – الفتاوى الهندية 4/409 – البدائع 5/134 .(1/171)
ويذهب جمهور الفقهاء (1) إلى صحة إضافة الإجارة للمستقبل ، ويذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى صحة الإضافة فيما يثبت في الذمة لا فيما كانت واردة على الأعيان (2) إلا في بعض صور مستثناة أجازوا فيها الإضافة في إجارة الأعيان إذا كانت المدة بين العقد وبين المدة مضاف إليها زمناً يسيراً .
ويذهب الإمام محمد بن الحسن في إحدى الروايتين عنه إلى أن الإجارة المضافة يجوز لكل من طرفي العقد الانفراد بفسخها قبل حلول بدء مدتها (3) .
اتفق الفقهاء على أن الإجارة غير قابلة للتعليق وقد ترد في صورة التعليق ولكنها في الحقيقة إضافة (4) .
ثانياً : العاقدان (5) :
وهما المؤجر والمستأجر وهما من أركان عقد الإجارة عند جمهور الفقهاء غير الحنفية ويشترط في كل منهما أن يكون جائز التصرف شرعاً لأن عقد الإجارة من عقود التمليك .
ويشترط التراضي من العاقدين وولاية إنشاء العقد عند الحنفية والمالكية الذين يرون أن الولاية شرط للنفاذ ويرى الآخرون أنها شرط لصحة العقد .
__________
(1) ... الفتاوى الهندية 4/410 – الشرح الصغير 4/30 ط دار المعارف – كشاف القناع 4/3 – المهذب 1/399 .
(2) ... الإجارة الثابتة في الذمة هي الواردة على منفعة موصوفة مع التزامها في الذمة فأن أطلق ولم يذكر الذمة كانت إجارة عين وإجارة العين هي الواردة على منفعة عين كالعقار والحيوان ومنفعة الإنسان – والرافعي والنووي يريان أن التفرقة لفظية لأن إجارة الذمة أيضاً واردة على العين أي على منعتها – حاشية البيجرمي 3/174 – نهاية المحتاج 5/261 ط مصطفى الحلبي – حاشية القليوبي 3/71 ط عيسى الحلبي .
(3) ... الفتاوى الهندية 4/410 – مطالب أولى النهي 3/599 .
(4) ... نتائج الأفكار 7/210 – مطالب أولى النهي 3/77 – نهاية المحتاج 5/259 – بداية المجتهد 2/135 – المغني 6/256 .
(5) ... يجوز أن يكون العاقد مجموعة من الناس م (570) من مجلة الأحكام العدلية .(1/172)
ثالثاً : محل الإجارة : هو منفعة العين المؤجرة والأجرة :
· منفعة العين المؤجرة :
عند الحنفية (1) :
المعقود عليه في الإجارة مطلقاً هو المنفعة وهي تختلف باختلاف محلها .
عند المالكية والشافعية (2) :
المعقود عليه إما إجارة منافع أعيان وإما إجارة منافع في الذمة واشترطوا في إجارة الذمة تعجيل النقد للخروج من الدين بالدين .
عند الحنابلة (3) المعقود عليه في الإجارة إما :
{ أ } ... إجارة عمل في الذمة في محل معين أو موصوف وهو على نوعين :
- استئجار العقل مدة لعمل بعينه .
- واستئجار على عمل معين في الذمة كخياطة ثوب .
{ ب } ... إجارة عين موصوفة في الذمة .
{ ج } ... إجارة عين معينة لمدة محدودة .
* ... شروط انعقاد الإجارة على المنفعة :
{ 1 } ... ... أن تقع الإجارة عليها لا على استهلاك العين إلا إذا كانت المنافع يقتضي استيفاؤها إتلاف العين كالشمعة للإضاءة (4) .
{ 2 } ... ... أن تكون المنفعة متقومة مقصودة الاستيفاء بالعقد وتوسع الحنابلة حتى أجازوا الإجارة على منفعة مباحة (5) .
{ 3 } ... ... أن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء والقدرة على استيفائها حقيقة وشرعاً .
{ 4 } ... ... أن تكون المنفعة معلومة علماً ينفي الجهالة المؤدية إلى النزاع وتتعين المنفعة بما يلي :
__________
(1) ... البدائع 4/174 – الفتاوى الهندية 4/411 .
(2) ... الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4/3 ط دار الفكر – بداية المجتهد 2/249 – منهاج الطالبين بحاشية القليوبي 3/68 – المهذب 1 /399 .
(3) ... المغني 6/8 – كشاف القناع 3/469 .
(4) ... أدى اشتراط بيان محل المنفعة إلى تقسيم الإجارة إلى إجارة أعيان تستوفى المنفعة من عين معينة بذاتها بحيث إذا هلكت انفسخت الإجارة كاستئجار الدور للسكني وإلى إجارة موصوفة في الذمة تستوفى المنفعة مما يحدد بالوصف فإذا هلكت بعد التعيين قدم المؤجر غيرها .
(5) ... المهذب 1/396 .(1/173)
- ... ببيان المحل وقد تتعين بنفسها كما إذا استأجر رجلاً لخياطة ثوبه وبيّن له جنس الخياطة ، قد تعلم المنفعة بالتعيين والإشارة .
وجمهور الفقهاء يعتبر العرف في تعيين المنفعة المعقود عليها وكيفية الاستعمال تخضع للعرف والعادة .
- ... وتتعين المنفعة أيضاً ببيان المدة إذا كانت المنفعة معروفة بذاتها كاستئجار الدور للسكني ، وعند الحنابلة أن تكون المدة معلومة في إجارة العين لمدة لأن المدة هي الضابط للمعقود عليه .
- ... وأما إجارة العين لعمل معلوم كإجارة دابة موصوفة في الذمة للركوب عليها إلى موضع معين فإنه لا اعتبار للمدة فيها ويوافقهم الشافعية في ذلك عموماً .
- ... ... وتتعين المنفعة بتعيين العمل في الأجير المشترك وذلك في استئجار الصناع في الإجارة المشتركة ولابد من بيان جنس العمل ونوعه وقدره وصفته دفعاً للجهالة المفضية إلى النزاع وفساد العقد .
أما في الأجير الخاص فإنه يكفي بيان المدة (1) .
- ... وتتعين المنفعة ببيان العمل والمدة معاً وللفقهاء في هذا الجمع اتجاهان :
- ... اتجاه يرى (2) أن هذا لا يجوز ويفسد به العقد إذ العقد على المدة يقتضي وجوب الأجر من غير عمل إذ يعتبر أجيراً خاصاً ، وببيان العمل يصير أجيراً مشتركاً ويرتبط الأجر بالعمل .
- واتجاه آخر (3) يرى جواز الجمع لأن المقصود في العقد هو العمل وذكر المدة للتعجيل .
{
__________
(1) ... البدائع 4/184 – المهذب 1/396 ، 398 – حاشية الدسوقي 4/12 – كشاف القناع 4/5 ، 7 .
(2) ... وهو رأي أبو حنيفة والشافعية ورواية عند الحنابلة ( البدائع 4/185 – المهذب 1/396 – المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل للشيخ مجد الدين أبي البركات 1/356 ط دار الكتاب العربي بيروت .
(3) ... وهو قول صاحبي أبو حنيفة والمالكية ورواية عند الحنابلة – المراجع السابقة .(1/174)
5 } ... ... ويشترط في المنفعة إلا يطرأ عذر يمنع الانتفاع بها كما يرى الحنفية للزوم العقد لأن الإجارة إنما شرعت للانتفاع فإذا تعذر الانتفاع كان العقد غير لازم وإن كان الأصل فيها أنها عقد لازم اتفاقاً ، ونص المالكية والشافعية على أن الإجارة تفسخ بتعذر ما يستوفى فيه المنفعة (1) .
* ... الأجرة :
هي ما يلتزم به المستأجر عوضاً عن المنفعة التي يتملكها وكل ما يصلح أن يكون ثمناً في البيع يصلح أن يكون أجرة في الإجارة .
ويجب العلم بالأجرة وإن كان الأجر مما يثبت دنيا في الذمة كالدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات فلا بد من بيان جنسه ونوعه
وصفته ومقداره .
ويفسد العقد بجهالة الأجرة المفضية إلى النزاع فإن استوفيت المنفعة وجب أجر المثل وهو ما يقدره أهل الخبرة (2) .
ويجوز عند جمهور الفقهاء (3) أن تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه ومنع ذلك الحنفية إلا أن تكون الأجرة منفعة من جنس آخر (4) كإجارة السكني بالخدمة .
وللفقهاء في مسألة أن تكون الأجرة بعض النتائج من العمل المتعاقد عليه اتجاهان :
- ... جمهور الفقهاء عدا الحنابلة يرى عدم جواز ذلك لما فيه من الغرر لأنه إذ هلك ما يجري فيه العمل ضاع على الأجير أجره وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان (5) .
ولأن المستأجر يكون عاجزاً عن تسليم الأجرة (6) .
__________
(1) ... الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/12 – المهذب 1 /406 .
(2) ... الفتاوى الهندية 4/412 – الاختيار للموصلي 2/207 ط الحلبي .
(3) ... المهذب للشيرازي 1/399 – بداية المجتهد 2/213 – كشاف القناع 3/465 .
(4) ... حاشية ابن عابدين 5/52 .
(5) ... رواه الدار قطني والبيهقي من حديث أبي سعيد وفي إسناده من لا يعرف ووثقه ابن حبان 0 تلخيص الحبير 3/60 .
(6) ... الهداية 3/242 – الشرح الصغير 4/18 ط دار المعارف – منهاج الطالبين وحاشية القليوبي 4/68 – 69 .(1/175)
ويرى الحنابلة (1) جواز ذلك إذا كانت الأجرة جزءاً شائعاً مما عمل فيه الأجير تشبيهاً بالمضاربة والمساقاة فيجوز دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف ربحها والزرع أو النخل إلى من يعمل فيه بسدس ما يخرج منه لأنه إذا شاهده علمه بالرؤية وهي أعلى طرق العلم .
والمالكية (2) في بعض الصور التي يمكن فيها علم الأجر بالتقدير يذهبون مذهب الحنابلة وعّلة الجواز العلم ولو قال : احتطب أو أحصد ولك نصف ما احتطبت أو حصدت فذلك جائز على أنه من قبيل الجعالة ، والجعالة يتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة ، كما أورد الزيلعي من الحنفية صورة من هذا القبيل وقال : إن مشايخ بلخ جوزوه لحاجة الناس (3) .
* ... الإخلال بشرط من شروط الإجارة :
إذا اختل شرط من شروط الإجارة فللفقهاء في أثر ذلك اتجاهان :
- ... يذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة (4) إلى عدم صحة العقد بفوات ما شرع الشارع لكونه منهياً عنه سواء أكان النهي لخلل في أصل العقد أو لوصف ملازم له أو طارئ عليه ومن ثم عدم ترتب الأثر عليه ولا يلزم المستأجر الأجر المسمى وإنما يلزمه أجر المثل بالغاً ما بلغ إذا قبض المعقود عليه أو استوفى المنفعة أو مضى زمن يمكن فيه الاستيفاء .
- ... يذهب الحنفية إلى التفريق بين شروط الانعقاد وشروط الصحة في عقد الإجارة .
- ... فإذا اختل شرط من شروط الانعقاد بطلت الإجارة ولا يجب الأجر المسمى ولا أجر المثل أما إذا أختل شرط من شروط الصحة كان العقد فاسداً لا
__________
(1) ... المغنى والشرح الكبير 6/72 .
(2) ... وهو رأي في المذهب – أنظر الشرح الصغير 4/24 – 25 .
(3) ... قال في الفتاوى الهندية والصحيح خلافه 4/445 .
(4) ... المهذب 1/399 – المغني 5/331 – الشرح الصغير 4/19،23 ،31،43 .(1/176)
باطلاً ويكون للعقد وجود معتبر فجهالة المأجور أو الأجرة أو المدة أو اشتراط ما لا يقتضيه عقد الإجارة من شروط كل ذلك يجب فيه أجر المثل عند الحنفية باستيفاء المنفعة بشرط ألا يزيد أجر المثل عن الأجر المسمى عند الإمام وصاحبيه أما من غير استيفاء للمنفعة فلا شيء للمؤجر عند الحنفية وفي رواية عند أحمد (1) .
* ... التزامات المؤجر :
{ 1 } ... ... تسليم العين المؤجرة وتمكين المستأجر من الانتفاع بالمعقود عليه ويشمل التسليم توابع العين التي لا يتحقق الانتفاع المطلوب إلا بها حسب العرف .
ويترتب على التمكين من الانتفاع أن ما يعرض أثناء المدة مما يمنع الانتفاع بغير فعل المستأجر يكون على المؤجر إصلاحه .
{ 2 } ... ضمان العيوب :
يثبت خيار العيب في الإجارة والعيب الموجب للخيار هو ما يكون سبباً لنقص المنافع التي هي محل العقد ولو بفوات وصف في إجارة الذمة ولو حدث العيب قبل استيفاء المنفعة وبعد العقد .
ويكون المستأجر بالخيار بين فسخ العقد وبين استيفاء المنفعة مع الالتزام بتمام الأجر .
* ... التزامات المستأجر :
{ 1 } ... ... دفع الأجرة وإذا كانت معجلة كان للمؤجر حبس العين لاستيفاء الأجر عند من أجاز له الحبس (2) .
{ 2 } ... ... استعمال العين حسب الشرط أو العرف :
... يجب على المستأجر أن يستعمل العين حسبما أعدت له مع التقيد بما شرط في العقد أو بما هو متعارف عليه إذا لم يوجد شرط .
ولا خلاف في أن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر فإذا هلكت أو تلفت دون تعدي أو تقصير في الصيانة والحفظ أو مخالفة المأذون فيه فلا ضمان عليه .
{
__________
(1) ... البدائع 4/218 – حاشية بن عابدين 5/39 – تبيين الحقائق للزيلعي 5/221 – المغني 5/331 .
(2) ... الحطاب 5/431 – المغني 5/336 ، 395 – المهذب 1/401 ، 408 .(1/177)
3 } ... ... رفع المستأجر يده عن العين عند انتهاء الإجارة يستردها المؤجر ومن الشافعية (1) من قال يلزم المستأجر رد العين بعد انقضاء الإجارة ولو لم يطلبها المؤجر لأن المستأجر غير مأذون في إمساكها بعد انقضاء العقد فلزمه الرد .
وقت تملك المنفعة وتملك الأجرة :
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الأجرة تستحق باشتراط التعجيل أو استيفاء المعقود عليه ولا تستحق بنفس العقد (2) .
والقاعدة عند المالكية التأجيل خلافاً للبيع فالأصل فيه التعجيل إلا في أربعة مسائل يجب فيها التعجيل للأجرة وهي (3) .
إن شرط ذلك أو جرت به العادة أو إذا عين الأجر أو إذا كان الأجر لم يعين والمنافع مضمونة في ذمة المؤجر فإن شرع فيها فلا بأس وإن لم يشرع لأكثر من ثلاثة أيام فلا يجوز إلا إذا عجل جميع الأجر وإلا أدى إلى ابتداء دين بدين ، وقيل لابد من تعجيل جميع الأجرة ولو شرع لأن قبض الأوائل ليس قبضاً للأواخر .
ويذهب الشافعية والحنابلة إلى أن العقد إذا أطلق وجبت الأجرة بنفس العقد ويجب تسليمها بتسليم العين أو التمكين من الانتفاع وإن لم ينتفع فعلاً (4)
* ... تأجير المستأجر العين لآخر :
جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والأصح عند الحنابلة على جواز إيجار المستأجر إلى غير المؤجر الشيء الذي أستأجره وقيضة في مدة العقد ما دامت العين لا تتأثر باختلاف المستعمل وسواء أكان بمثل الأجرة أم بزيادة .
إجارة العين المستأجرة للمؤجر :
__________
(1) ... المهذب 1/401 – الجمل على المنهج 3/554 .
(2) ... البدائع 4/202 – الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 348 .
(3) ... حاشية الدسوقي 4/4 .
(4) ... المهذب 1/399 – نهاية المحتاج 5/322 ، 361 .(1/178)
جائزة عند المالكية والشافعية مطلقاً عقاراً أو منقولاً قبل القبض أو بعده وهو أحد وجهين للحنابلة والوجه الآخر أنه لا يجوز قبل القبض بناء على عدم جواز بيع ما لم يقبض (1) .
ومنع الحنفية (2) إيجارها للمؤجر مطلقاً وذلك لأن إيجارها للمؤجر تناقض لأن المستأجر مطالب بالأجرة فيصبح دائناً ومديناً من جهة واحدة وهذا تناقض .
انقضاء الإجارة :
اتفق الفقهاء على أن الإجارة بانتهاء المدة أو بهلاك المعقود عليه المعين أو بالإقالة وذهب الحنفية أيضاً إلى أنها تنتهي أيضاً بموت أحد المتقاعدين أو طروء عذر يمنع من الانتفاع المستأجرة بناء على أهم يرون أن الأصل في الأجرة أنها تتجدد بتجدد المنفعة .
التأجير التمويلي أو الاستثماري :
وهي تسمية مستحدثة لمعاملات ذائعة احتلت أهمية اقتصادية كبيرة في الوقت الحاضر وبخاصة من الناحية المحاسبية والتمويلية والسياسة الاقتصادية والاستثمارية ولإيجاد نوع من البدائل في تصحيح الممارسات المالية والاقتصادية للمؤسسات المالية والمصرفية والمنشآت الصناعية .
والتأجير التمويلي نوع من أهم أنواع إجارة منافع الأعيان التي اتخذت أشكالا عديدة في الممارسات العملية وضروبا متنوعة .
ويقوم التأجير التمويلي في صورته الغالبة على عقد بين المؤجر والمستأجر لاستئجار أصل معين ( محل الإجارة ) يختاره المستأجر ( وغالبا ما يكون تاجراً ) من صانع أو بائع مثل هذه الأصول أو بنك للمدة المتفق عليها على أن يدفع المستأجر سلسلة من المدفوعات إلى المؤجر والتي في مجموعها تزيد عن ثمن الشراء للأصول المستأجرة أي تكفي لاستهلاك الإنفاق الرأسمالي وتوفير عنصر ربح للمؤجر .
__________
(1) ... حاشية الدسوقي والشرح الكبير 4/7 ، 8 – المهذب 1/403 – الحطاب 5/417 ط النجاح .
(2) ... ابن عابدين في حاشيته 5/56 ط بولاق .(1/179)
ويلتزم المستأجر باستئجار هذا الأصل للمدة المتفق عليها فالعقد في الغالب لا يكون قابلا للإلغاء إلا في شروط محددة وهذا يخلع على الدخول في هذا العقد صفات القرار الاستثماري من قبل المستأجر لأنه بمجرد توقيع العقد فإن المدفوعات الإيجارية المتفق عليها لا يمكن تغييرها كما لا يمكن إلغاء العقد بقرارات إدارية .
وفي هذا العقد المستأجر مسؤول عن جميع تكاليف التشغيل مثل الصيانة والتأمين على الأصل ويأخذ في حسبانه التقادم أو الاستهلاك السريع للأصل .
وعند نهاية المدة يكون أمام المستأجر خيارا من أحد أمور ثلاثة هي :
{ 1 } ... أن يشتري الشيء بقيمته عند مباشرة هذا الخيار .
{ 2 } ... أن يكتفي بالانتفاع عند نهاية المدة ويعيد الشيء للمؤجر الذي يستعمل سلطاته عليه .
{ 3 } ... أن يطلب تجديد الإجارة مدة أخرى تكون عادة بأجر أقل ومن ثم تخفض الدفعات الايجارية إلى مبلغ رمزي .
وتحديد الفترة الإيجارية يتوقف على فترة الحياة النافعة المقدرة للأصل ( عمر الأصل ) .
وقد تتم العملية مركبة على هذا النحو كما قد تتم في صورة اعتماد مصرفي بقصد التمويل (1) وفي هذه الحالة الأخيرة يشترط البنك على العميل ( التاجر ) الذي يعين الشيء والبائع الذي يشتريه منه عدم مسئوليته أمام " العميل " عن عدم مطابقة الشيء لحاجات العميل ولا عن تأخير البائع في التسليم وغالبا ما يشترط البنك أيضا في عقد الاعتماد إعفاءه من عيوب الشيء .
وإذا كان الشيء لم يحصل شراؤه فإن عقد الاعتماد يتضمن وعدا من البنك
بشرائه كطلب العميل ووعدا من البنك للعميل بتأجير الشيء له ووعدا من العميل باستئجاره.
وغالباً ما يشترط البنك على المستأجر أن تقع عليه مخاطر الهلاك أو التلف .
__________
(1) ... انظر عمليات البنوك من الوجهة القانونية د. على جمال الدين ص 556 وما بعدها .(1/180)
وضمانا لدين الأجرة واسترداد الشيء قد يطلب البنك كفالة أو يضع شرطا فاسخا صريحا في العقد أو وديعة نقدية أو خطاب ضمان .
المؤجرون في هذه المعاملة :
والمؤجرون في هذه العملية ينقسمون إلى ثلاث مجموعات رئيسية (1) :
{ 1 } ... البنوك وبيوت التمويل .
{ 2 } ... مدراء الأعمال التي تتضمن تأجير الأصول لفترات مختلفة من الزمن .
{ 3 } ... المنتجون أو التجار الذين يلجئون للتأجير كوسيلة لتسويق منتجاتهم للعملاء .
تحليلنا لهذه العملية :
لا شك إن هذه العملية مركبة من عدة عناصر تؤثر في بعضها وتشكل في النهاية نظاما اقتصاديا فريدا في المعاملات يقوم أساسا على عقد الإيجار وهو العقد الرئيسي في هذه العملية ولكن تسبقه عقود أخرى وقد تلحق به عقود أخرى وذلك بحسب طبيعة وظروف كل عملية .
أولاً : عقد الإيجار هو العقد الرئيسي :
والمؤجر في عقد الإيجار قد يكون هو المالك للعين المؤجرة وقد يكون مالكا للمنفعة فقط أو مأذونا له فيها ويجب عليه كل ما يتمكن به المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر والمستأجر هو من يملك منفعة العين المؤجرة فقط يستوفيها بنفسه أو بغيره مدة الإجارة فقط ولا يجوز له التصرف في العين بالبيع أو الرهن ونحو ذلك وتجب عليه الأجرة بالعقد إن لم تؤجل بأجل معلوم ولا يضمن التلف أو الهلاك في العين المؤجرة إلا إذا تعدى أو فرط أو خالف المأذون فيه لأنها أمانة في يد المستأجر وإذا وجد المستأجر العين معيبة له الفسخ إن لم يزال العيب بلا ضرر يلحقه وعليه
أجرة ما مضى لاستيفائه المنفعة فيه .
__________
(1) ... انظر بحث المحاسبة عن التأجير التمويلي في البنك الإسلامي - د. كوثر الأبجي - مقدم لندوة البنوك الإسلامية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية عقدها بنك فيصل الإسلامي المصري 3/5 ديسمبر 1983 نقلا من بحث د. حسن أبو زيد المحاسبة عن إيجار الأصول الثابتة مجلة المال والتجارة العدد 174 سنة 1983 .(1/181)
ونخلص من ذلك إلى قاعدة هامة في شأن التزامات المؤجر والمستأجر هي :
يجب على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من النفع لأن عليه التمكين من
الانتفاع برفع الموانع في جميع المدة (1) .
ويجب على المستأجر كل ما حصل بفعله .
وكل شرط على خلاف ذلك فغير صحيح لمخالفته لمقتضى العقد .
وبناء عليه نرى إن شرط التأمين على العين المؤجرة يقع على المؤجر وليس على المستأجر لأنه من شروط التمكين من الانتفاع وشرط مصاريف التشغيل يتحملها المستأجر شرط صحيح لأنها من لوازم استمرار الانتفاع أما مصاريف الإهلاك والتجديد فيتحملها المؤجر للقاعدة السابقة .
والإجارة عقد لازم من الطرفين لأنها نوع من البيع عند عامة العلماء (2) فهي بيع ملك المنفعة مدة العقد فيترتب بمقتضاها ملك الأجرة للمؤجر وملك المنافع للمستأجر ومن ثم لا يجوز لأحدهما الفسخ لغير عيب أو نحوه ولو منع المؤجر المستأجر الشيء المؤجر كل المدة أو بعضها فلا شيء له من الأجرة وغن عدل المستأجر قبل انقضاء المدة فعليه جميع الأجرة لأنها عقد لازم ومن هنا كان الشرط الوارد في التأجير التمويلي في عدم قابلية العقد للإلغاء والتزام المستأجر باستئجار الأصل للمدة المتفق عليها صحيح شرعا .
هذا فضلاً عما سبق أن ذكرناه في خواص ملك المنفعة وضوابط الإجارة في الفقه الإسلامي .
ثانيا : العقود السابقة على عقد التأجير التمويلي :
فقد يسبق عقد التأجير التمويلي قيام المؤجر بشراء الأصل المؤجر بقصد استغلاله بأسلوب التأجير التمويلي وذلك في حالة عدم ملكيته لهذه الأصول إذا لم يكن منتجا لها .
ويخضع عقد الشراء أو البيع للأحكام العامة في عقد البيع .
__________
(1) ... انظر البدائع للكاساني ج 9 ص 179 الروض المربع للبهوتي ج 2 باب الإجارة .
(2) ... وقال شريح أنها غير لازمة وتفسخ بلا عذر لأنها إباحة المنفعة فأشبهت الإعارة .(1/182)
ولكن الأمر يبدو أكثر تعقيدا إذا تم الشراء بناء على طلب المستأجر وطبقا لمواصفاته في الشيء المطلوب فهنا يجب الفصل بين طلب المستأجر وقيام المؤجر بالشراء ما لم تكن المواعدة من الطرفين أساسا لعمليتي الشراء والتأجير فهنا لا يجب الخلط بحال بين عملية البيع والشراء التي تقوم على رقبة الشيء وبين عملية التأجير التي تقوم على منفعة الشيء وما يتبع كل معاملة من أحكام تختص بها دون غيرها فالبيع والشراء نقل ملكية العين على التأييد والإجارة نقل منفعة العين على التأقيت وسلطات مالك الرقبة تمتد إلى التصرف فيه ذاته أما المستأجر المنتفع فلا يدخل في سلطاته على الشيء التصرف فيه بذاته .
وبناء عليه لا يصح شرط انتفاء مسؤولية المؤجر المالك للشيء عن الهلاك أو التلف بغير تعد أو تفريط من المستأجر .
ولا يصح شرط عدم مسؤولية المؤجر عن تأخير البائع في التسليم لان التسليم من التزامات المؤجر لتمكين المستأجر من الانتفاع .
ولا يصح شرط إعفاء المؤجر من عيوب الشيء لأنه من أسباب الفسخ في عقد الإجارة التي يخير فيها المستأجر .
أما أية ترتيبات أخرى يضمن بمقتضاها كل طرف منع حصول ضرر يحيق به فتخضع للقواعد العامة في ضمان الضرر في الفقه الإسلامي فكل من تسبب في حصول ضرر تقع عليه مسؤولية ضمان ذلك الضرر الواقع فعلا وبمقداره .
الإجارة المضافة :
وفي هذا الصدد يهمنا أن نوضح إن الإجارة المضافة صحيحة وتلزم قبل حلول وقتها وهي إيجار معتبر من وقت معين في المستقبل فمثلا :
لو استأجرت دار بكذا من الأجرة ولمدة كذا اعتبارا من أول الشهر الفلاني الآتي تنعقد حال كونها إجارة مضافة (1) .
وليس لأحد العاقدين فسخها بمجرد قوله ما آن وقتها مع ضرورة الأخذ في الاعتبار شرط القدرة على التسليم للعين المؤجرة على نحو ما سلف .
__________
(1) ... انظر المادتين 408 ، 440 من مجلة الأحكام العدلية .(1/183)
ويقول الإمام الكاساني (1) في بيان صحة الإجارة المضافة إن تعجيل الحكم قبل الوجوب بعد وجود سبب الوجوب جائز وعلى هذا الأصل تبنى الإجارة المضافة إلى المستقبل إذ العقد ينشأ شيئا فشيئا على حسب حدوث المعقود عليه شيئا فشيئا (2) وهو المنفعة فكان العقد مضافا إلى حين وجود المنفعة من طريق الدلالة فالتنصيص على الإضافة يكون مقرراً بمقتضى العقد وهو تعليل وجيه يجعل قول الشافعي لدينا مرجوحا إذ لا يجوز عنده إضافة الإجارة لأن الإجارة بيع المنفعة وطريق جوازها عنده أن يجعل منافع المدة موجودة تقديرا عقيب العقد تصحيحا له إذ لابد وان يكون محل حكم العقد موجودا ليمكن إثبات حكمه فيه فجعلت المنافع موجودة حكما
كأنها أعيان قائمة بنفسها وإضافة البيع إلى عين ستوجد لا تصح كما في بيع
الأعيان حقيقة .
ويجيب الكاساني على حجة الشافعي بالإضافة إلى ما تقدم أن إجازة الإضافة في الإجارة دون البيع للضرورة لأن المنفعة حال وجودها لا يمكن إنشاء العقد عليها فدعت الضرورة إلى الإضافة ولا ضرورة في بيع العين لإمكان إيقاع العقد عليها بعد وجودها لكونها محتملة للبقاء فلا ضرورة إلى الإضافة وهذا أولى لان جعل المعدوم موجودا كما يقول الشافعي تقدير للمحال وتقدير المحال محال ولا إحالة في الإضافة إلى زمان مستقبل (3) .
ثالثا : العقود اللاحقة على عقد التأجير التمويلي :
ذكرنا فيما سبق أن المستأجر عند نهاية مدة الإيجار يكون مخيرا بين أمور ثلاثة يهمنا منها هنا شرائه للشيء المستأجر .
ولصحة هذه المعاملة لابد من الفصل بين عقد الإيجار السابق وعقد البيع اللاحق بمعنى أن كلا منهما عقد مستقل بذاته يختلف معناه والغرض منه باختلاف كل عقد وطبيعته .
__________
(1) ... البدائع ج 4 ص 203
(2) ... انظر شرح منتهى الارادات للبهوتي ج 2 ص 375 المكتبة السلفية .
(3) ... البدائع ج 4 ص 203(1/184)
فقعد الإيجار يقع على منفعة الشيء فقط دون عينه أو رقبته التي تظل على ملك المؤجر يكون له حق التصرف فيها بالبيع أو الرهن أو الهبة على تفصيل في ذلك أما عقد البيع فيقع على عين الشيء ومن ثم فعلا تعارض ولهذا يجوز عند كثير من الفقهاء (1) بيع عين مؤجرة أثناء مدة الإجارة لأن الإجارة عقد على المنافع فلا تمنع البيع بل ذهب البعض إلى أن البيع لا يفتقر إلى إجازة المستأجر وبه قال الشافعي (2) وإن كان العقد موقوفا في حقه كما يذهب إلى ذلك الإمام الكاساني (3) حتى تنتهي مدة الإجارة .
وإذا كان البيع شاملا للعين وللمنافع ولم يستثن شيئا لم تكن المنافع ولا عوضها مستحقا للبائع لشمول البيع للعين ومنافعها فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه منها هذا إذا كان المشتري غير المستأجر .
إذا كان المشتري هو المستأجر :
إذا كان المشتري للشيء هو المستأجر له اجتمع على المستأجر للبائع الأجرة والثمن لأن عقد البيع لم يشمل المنافع الجارية في ملكه بعقد التأجير لأن شراء الإنسان لملك نفسه محال ولأنه ملك المنفعة بعقد الإجارة ثم ملك العين بعقد البيع فلم يتنافيا (4) .
وبناء عليه فليس في المسألة على النحو الفائت تعليق لعقد الإجارة على بيع مستقبل وإلا فسدت المعاملة (5) وذلك لاختلاف معنى العقدين ومقصودهما .
__________
(1) ... البدائع ج 4 ص 207
(2) ... انظر شرح منتهى الارادات ج 2 ص 376
(3) ... انظر البدائع للكاساني ج 4 ص 207
(4) ... شرح منتهى الارادات ج 2 ص 376
(5) ... انظر بحث إلغاء الفائدة من الاقتصاد ( تقرير مجلس الفكر الإسلامي في الباكستان ) ص 30 هامش 3 قام بنشره المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز .(1/185)
وقد اصطلح على تسمية هذه المعاملة " بالبيع التأجيري " أو " الشراء التأجيري " (1) ولصحة هذه المعاملة شرعا يجب ألا يتضمن عقد الإيجار انتقال ملكية الأصل إلى المستأجر في نهاية مدة التعاقد التي تمثل غالبا معظم الحياة الاقتصادية للأصل وتكون غالبا كافية لاقتضاء المؤجر قيمة الأصل بالإضافة إلى عائد مناسب عن فترة التعاقد .
وإنما يكون المستأجر في نهاية مدة الإجارة بالخيار في اقتناء الأصل بالشراء وبشرط الخيار يتيح هذا النوع من التعامل للمستأجر إمكانية تملك الشيء المستأجر بمقتضى عقد بيع بعد انقضاء عقد الإجارة وغالبا ما يكون آلات ومعدات ضخمة يجهز بها منشآته كما يتيح للمؤجر فرص توظيف أمواله بعوائد مجزية .
البيع الايجاري أو البيع وإعادة التأجير :
يبدو لنا إن هذه العملية غير واضحة في كتابات الباحثين لوجود شيء من الخلط أو اللبس بينها وبين غيرها من العمليات (2) .
ففي الحالة السابقة وهي التأجير التمويلي تقوم العملية أساسا على علاقة ايجارية ابتداء ثم تنتهي بأحد أمور ثلاثة على نحو ما سبق منها الشراء للأصل وغالبا ما يكون ذلك في حالة ما إذا كانت الدفعات الايجارية لا تكفي لأن يسترد المؤجر كامل الإنفاق الرأسمالي الأصلي ومن ثم يسترد الباقي من خلال التصرف في الأصل وهنا يمكن تسمية العملية بالبيع الايجاري أو الشراء الاستئجاري (3) ، حيث يقوم البائع ببيع الأصل بعد تأجيره وكذلك المستأجر يقوم بشراء الأصل بعد استئجاره وهنا لا يجب الخلط بين التأجير التمويلي الذي يعود فيه الأصل المستأجر إلى المالك " المؤجر " وبين البيع الايجاري أي بيع الأصل بعد استئجاره وانتهاء المدة المحددة للإيجار ثم إبرام عقد بيع .
__________
(1) ... انظر بحث د. كوثر الابجي ص 8 مرجع سابق .
(2) ... انظر د. كوثر الابجي البحث السابق ص 8
(3) ... انظر بحث إلغاء الفائدة من النظام الاقتصادي سبق ذكره ص 28(1/186)
وهناك نوع آخر من التعامل يسمى البيع وإعادة التأجير (1) فتحت ترتيبات البيع وإعادة التأجير تقوم المنشأة المالكة للأصل ( أراضي ـ مباني ـ آلات ) ببيع هذا الأصل إلى مؤسسة مالية وفي نفس الوقت تعقد اتفاقا مع هذه المؤسسة المالية على استئجار الأصل لمدة محددة وتحت شروط معينة وهذا النوع من التأجير يعتبر نوعا خاصا من التأجير الاستثماري .
وقد أطلق البعض على العمليتين البيع التأجيري والبيع وإعادة التأجير اسم
" التأجير التشغيلي " (2) ويقتصر أساسا على أنواع معينة من المعدات مثل أجهزة الكمبيوتر والسيارات وآلات نسخ الصور وغيرها من الأصناف المماثلة .
وهذا القسم من التعامل في تقديرنا لا يجب المجازفة فيه بوضع مبادئ عامة وأصول كلية إذ يعتمد أساسا على كيفية المحاسبة ونوع النشاط وطريقة تحديد الثمن والقيمة الايجارية وطرق تحديد أقساط الإيجار ومن ثم يجب دراسة كل حالة على حده بشروطها لإمكان تكييفها التكييف الشرعي الصحيح وإنزال الحكم الصواب .
التأجير الجاري أو الخدمي (3) :
وهو نوع من التأجير المستند إلى عقد يستطيع المستأجر إلغاءه بناء على إخطار منه إلى المؤجر فهذا النوع من التأجير لا يتضمن أي التزامات ثابتة مرتبطة بالمستقبل وذلك على عكس التأجير التمويلي أو الاستثماري حيث لا يجوز إلغاء عقد الإيجار من قبل أي من الطرفين طوال المدة المتفق عليها .
ولا شك أن التأجير الجاري يصطدم مع ما هو مقرر من أن الإيجار عقد لازم على نحو ما سبق تفصيله ، وهنا أيضا يجب دراسة كل عقد على حده للوقوف على ما يتضمنه من شروط ومعرفة الصحيح من غيره واثر ذلك على العقد نفسه .
__________
(1) ... انظر مجلة البحوث الإدارية ـ العدد الأول أكتوبر 1983 ص 54 .
(2) ... انظر بحث إلغاء الفائدة من النظام الاقتصادي ص 28 .
(3) ... انظر مجلة البحوث الإدارية ـ مرجع سابق ص 54 .(1/187)
وإذا كان ملك المنفعة يعبر عنه بالملكية الناقصة في الفقه الإسلامي فان لكسب ملك المنفعة أسباب أخرى غير الإجارة هي : الإعارة والوقف والوصية .
التأجير المنتهي بالتمليك وقرار مجمع الفقه الإسلامي (1)
وندوة البركة (18) (2) .
رابعاً : قرار رقم 110 (4/12) بشأن موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية ، ومن 25 جمادى الآخرة 1421 هـ إلى غرة رجب 1421 هـ ( 23 – 28 سبتمبر 2000 ) .
بعد إطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع ( الإيجار المنتهي بالتملك وصكوك التأجير ) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء .
قرر ما يلي :
- الإيجار المنتهي بالتملك :
أولاً : ضوابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي :
{ ا } ... ضابط المنع : أن يرد عقدان مختلفان ، وفي وقت واحد ، على عين واحدة ، في زمن واحد .
{ 2 } ... ضابط الجواز :
{ أ } ... ... وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر ، زماناً بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة والخيار يوازي الوعد في الأحكام .
{ ب } ... أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع .
{ ج } ... أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من ضرر غير ناشئ من تعدي المستأجر أو تفريطة ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة .
{
__________
(1) ... الدورة (12) لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بالرياض – المملكة العربية السعودية في الفترة من 2 جمادى الثانية إلى غرة رجب 1421 هـ ( 23 – 28 /9/2000 .
(2) ... المنعقدة بدمشق – الجمهورية السورية 7 ، 8 رجب 1421 هـ 4 – 5 تشرين الأول ( أكتوبر ) 2000 م .(1/188)
د } ... إذ اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياً ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر .
{ هـ } يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتملك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين .
{ و } ... ... تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة .
ثانياً من صور العقد الممنوعة :
{ أ } ... ... عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة ، دون إبرام عقد جديد بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً .
{ ب } ... إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ، ولمدة معلومة ، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة ، أو مضاف إلى وقت في المستقبل .
{ ج } ... عقد إجارة حقيقي ( اقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر ، ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل محدد ( هو آخر مدة عقد الإيجار ) .
وهذا ما تضمنه الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية ، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربة السعودية .
ثالثا : من صور العقد الجائزة :
{ أ } ... عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة ، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر ، معلقاً على سداد كامل الأجرة ( وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم ( 13/1/3) في دورته الثالثة ) .
{ ب } ... قد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الايجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة ( وذلك وفق قرار المجمع رقم 44/5 ) في دورته الخامسة ) .
{(1/189)
ج } ... عقد إجارة يمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة ، واقترن به وعد بيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان .
{ د } ... عقد إجارة يمكّن المستأجر من الانتفاع باللعين المؤجرة ، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة ، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق ( وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم ( 44/5 ، 6 ) أو حسب لاتفاق في وقته ) .
رابعاً : هناك صور من عقود التأجير المنتهي بالتمليك محل خلاف وتحتاج إلى دراسة تعرض في دورة قادمة بإذن الله تعالى .
... انطلاقاً من مشروعية الإجارة ومرونته في التطبيق والدور الذي تؤديه صيغة التأجير المنتهي بالتمليك في تسهيل تمليك أصحاب الحاجة أدوات المهنة وآلات الإنتاج والمساكن ووسائل النقل ، مع حفظ حقوق المؤسسات المالية الإسلامية ، يؤكد المشاركون ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن التأجير المنتهي بالتمليك والتفصيل الوارد فيه بين الصور الممنوعة التي فيها تداخل عقدي الإجارة والبيع ، والصور المشروعة التي تراعي جميع أحكام الإجارة ومسئوليات المؤجر كالصيانة الأساسية والتأمين .
الفصل الرابع
حزمة الخدمات المصرفية
إن البدء بتقسيم الخدمات المصرفية لسهولة تناولها بالبحث أمر لازم ، ومن ثم لابد من اتخاذ معيار لمنهجية التقسيم وهل يتحدد ذلك المعيار بالنظر ابتداء إلى المتعامل مع البنك فيغلب طابع الخدمة ، أم بالنظر إلى البنك ابتداء فيغلب طابع التشغيل والربح ، أم بالنظر إلى الأمرين معاً فيجتمع في المسألة طابع الخدمة وطابع الربح معاً .
ولا شك عندي في أن طبيعة عمل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تجعلنا نأخذ بالمعيار المختلط وبنسب متفاوتة بالنظر إلى خدمة معينة دون أخرى .(1/190)
ولما كان معيار التقسيم يعكس أثره على الحكم الشرعي في المسألة فنستطيع القول بأن هناك مجموعة من الخدمات المصرفية يغلب على البنك فيها طابع الآخذ للأموال كمدين بها وليس بالضرورة هنا أن يكون في حكم المقترض هذا الوصف.
وهناك مجموعة أخرى من الخدمات يغلب على البنك فيها طابع الإعطاء للأموال كدائن بها وليس بالضرورة هنا أن يكون مقرضاً هذا الوصف بصرف النظر بالطبع عما يعطيه البنك في الحالة الأولى أو يأخذه في الحالة الثانية فالأحكام الشرعية هنا حاكمة وضابطة ، فالبنك الإسلامي لا يتعامل بالفائدة الربوية أخذاً أو عطاءً إذ الآخذ والمعطي في الربا سواء ،كما أن معاملات البنك الإسلامي يجب أن لا يداخلها غش ولا غرر ولا استغلال ولا خلابة 0000 الخ .
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقسم الخدمات المصرفية إلى ثلاثة أقسام رئيسية :
يغلب على القسم الأول منها طابع المديونية .
ويغلب على القسم الثاني طابع الدائنية .
وذلك بالنظر إلى البنك ابتداء باعتباره محور العملية ، هذا فضلاً عن عدم تجريد هذين القسمين من سمة الخدمة المصرفية باعتبار أن القائم بها بنك أو مصرف أو تجريدها من صعوبة إدراج خدمة معينة في قسم دون غيره .
والقسم الثالث يجمع بين الصفين ( المديونية ، والدائنية ) فبالنظر إلى طرف يكون البنك مديناً وبالنظر إلى طرف آخر يكون البنك دائناً .
وتعتبر الايداعات بأنواعها عمدة القسم الأول ، وتعتبر خطابات الضمان والاعتمادات المستندية غير المغطاة كلياً أو جزئياً عمدة القسم الثاني ، وبقية أنواع الخدمات المصرفية تدخل في الغالب في القسم المختلط أو المشترك الذي يجمع بين الصفتين .
وعلى هذا الأساس نورد أنواع الخدمات المصرفية في البنك التقليدي :
{ 1 } ... قبول الايداعات بأنواعها المختلفة .
{ 2 } ... إصدار خطابات الضمان .
{ 3 } ... فتح الاعتمادات المستندية .
{(1/191)
4 } ... تحصيل وحفظ الشيكات والكمبيالات والكوبونات والأوراق التجارية الأخرى.
{ 5 } ... تحويل النقد داخلياً وخارجياً .
{ 6 } ... شراء وبيع النقد الأجنبي وإصدار الشيكات السياحية .
{ 7 } ... خصم الكمبيالات وإعادة خصمها لدى البنك المركزي .
{ 8 } ... سداد الديون نيابة عن العملاء وتحصيل ما يستحق لهم .
{ 9 } ... إصدار الأوراق المالية لحساب العملاء وشرائها وبيعها لهم .
{ 10 } إدارة الممتلكات نيابة عن العملاء .
{ 11 } الاستشارات .
وتتناول أهم تلك الأنواع بالتخريج على ضوء الأحكام الشريعة أو تصنيفها في إطار حكم شرعي أو عقد شرعي مسمى أو غير مسمى إذ العقود الشرعية منها ما سمى وعُرف ، ومنها عقود غير مسماة وجديدة تحتاج إلى تخريج وضبط فقهي في إطار العمل المصرفي الإسلامي .
وقد سبق أن تناولنا نظام المرابحة للآمر بالشراء بأسلوب الاعتمادات المستندية ولهذا سنكتفي هنا بتناول خطابات الضمان لأهميتها .
خطابات الضمان :
أولاً : تعريفها كما تحصل في الممارسة :
لعل أدق تصوير للمسألة ما ورد عن بنكي فيصل الإسلامي المصري والسوداني وهو أن خطابات الضمان عبارة عن :
تعهد كتابي يتعهد بمقتضاه البنك بكفالة أحد عملائه في حدود مبلغ معين تجاه طرف ثالث بمناسبة التزام ملقى على عاتق العميل المكفول وذلك ضماناً لوفاء هذا العميل بالتزامه تجاه ذلك الطرف خلال مدة معينة على أن يدفع البنك المبلغ المضمون عند أول مطالبة خلال سريان الضمان بغض النظر عن معارضة المدين أو موافقته في ذلك الوقت 000 حالة فشل العميل بالوفاء بالتزاماته تجاه الطرف الثالث أو إخلاله بشروط التعاقد معه (1) .
وهذه الخدمة تمنح العميل ميزة لدى الطرف الثالث وضماناً أقوى ويتقاضى البنك عنها العمولات الآتية :
{ 1 } ... عمولة إصدار خطاب الضمان .
{
__________
(1) ... سينصرف الحديث أساساً إلى خطابات الضمان غير لمغطاة أو المغطاة جزئياً باعتبارها محور وأهم خطابات الضمان .(1/192)
2 } ... عمولات التمديد أو التعديل .
ثانياً : أنواع خطابات الضمان :
تنقسم خطابات الضمان باعتبارات مختلفة إلى أقسام عديدة على النحو التالي:
{ 1 } ... باعتبار تقييدها وإطلاقها تنقسم إلى خطاب ضمان مشروط وخطاب ضمان غير مشروط .
والمشروط : مقيد بعجز العميل عن الدفع للمستفيد أو عدم الوفاء بالالتزامات وتقديم ما يثبت ذلك دون الالتفات إلى ما يقدمه العميل من طعون .
وغير المشروط يستحق فيه المستفيد الدفع بمجرد تقديمه للبنك .
{ 2 } ... باعتبار الغرض تنقسم إلى خطابات ضمان بقصد الاشتراك في المناقصات والمزايدات وخطابات ضمان لتسهيل مصالح الأفراد والمؤسسات مثل خطابات الضمان المتعلقة بالاستيراد وتسهيل حركة البضائع .
والأول له ثلاث صور هي :
{ أ } ... خطاب ضمان ابتدائي لضمان جدية المتقدم للعطاء ويسترد مقدمه إذا لم يرسو العطاء عليه .
{ ب } ... خطاب ضمان نهائي لضمان قيام مقدم الخطاب بتنفيذ العمل وفق المواصفات المنصوص عليها في العقد .
{ ج } ... خطاب ضمان سداد الدفعات عند إبرام العقد .
{ 3 } ... باعتبار التأمين العيني أو النقدي للخطاب أي " العطاء " تنقسم خطابات الضمان إلى :
خطاب ضمان مغطي بالكامل .
وخطاب ضمان مغطي تغطية جزئية .
فالأول : يقوم طالب الخطاب بتغطية قيمته بالكامل والعكس صحيح في الثاني ولا يجوز لطالب خطاب الضمان أن تصرف في الغطاء سواء كان كلياً أو جزئياً حتى ينتهي التزام البنك مصدر الخطاب .
ثالثا : رأي هيئات الرقابة الشرعية :
والسؤال الذي طرح على هيئات الرقابة الشرعية هو :
هل يعتبر هذا العمل ـ من الناحية الشرعية ـ حلالا أو تحوم حوله أية شبهة ؟(1/193)
وكان رأي هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل المصري عدم موافقة الهيئة على أن يقوم البنك بإصدار خطابات الضمان نظير عمولات يتقاضاها وأنه يمكن للبنك أن يشارك العميل في العملية المطلوب من أجلها الضمان وعندما تقوم المشاركة بين البنك وعميلة وفقا للأسس التي سبق للهيئة أن عرضت لها فإن ما يصدره البنك في هذه الحالة من خطابات ضمان لتقديمها إلى الجهة الأخرى المتعاقد معها ( أي البنك وعميله ) يعتبر إصداراً من قبله لخطابات ضمان بصدد عملية هو شريك فيها وطبيعي أن يتم هذا الإصدار دون عمولة لأن ما يقدمه البنك من جهد في هذه الحالة إنما يدخل ضمن مجهوداته في المشاركة ومن المعلوم أن ربح المشاركة ونصيب كل من البنك وشريكه العميل متفق عليه فيما بينهما ومراعى في تحديده ما يقدمه كل شريك من مال وجهد .
وفي فتوى لاحقة في نفس الموضوع انتهت الهيئة أيضا إلى عدم الموافقة على إصدار خطابات ضمان فقط ـ أي مجردة من العمل ـ نظير عمولة وأنه يمكن للبنك إصدار خطابات الضمان في مشاركات البنك مع العميل في العمليات المطلوب من أجلها الضمان وبالمصاريف الفعلية التي تدخل ضمن مصاريف المشاركة .
وكان رأي هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السوداني إن خطابات الضمان التي أصدرها البنك تدل على أن هذه المعاملة " عقد كفالة " وذلك لأن الكفالة هي :
ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بدين أو عين أو نفس ـ فالبنك يلتزم في خطاب الضمان لدى الطرف الثالث ـ المكفول له ـ بتأدية ما على العميل من الحق في حالة فشله في الوفاء بالتزاماته ، وبما أن الكفالة مشروعة باتفاق الفقهاء فإن خطاب الضمان يكون مشروعا أيضا هذا بالنسبة لخطابات الضمان التي ليس لها غطاء أما خطابات الضمان التي لها غطاء كلي أو جزئي فأنها تتضمن الوكالة والكفالة معا ، ولا مانع شرعا من خطاب الضمان على هذا التكييف لأن الوكالة عقد مشروع باتفاق الفقهاء أيضا .(1/194)
أما عن أخذ البنك أجراً نظير خطاب الضمان فإنه لا يجوز فأخذ الأجر عن الكفالة ممنوع لأنها من عقود التبرعات ... قال الحطاب (1) :
" ولا خلاف في منع ضمان بجعل لان الشرع جعل الضمان والقرض والجاه لا يفعل إلا لله بغير عوض فأخذ العوض عليه سحت " .
وعلل ابن عابدين المنع (2) :
" بأن الكفيل مقرض في حق المطلوب وإذا شرط له جعل مع ضمان المثل فقد شرط له الزيادة على ما قرضه فهو باطل لأنه ربا " .
أما إذا كان الأجر الذي يأخذه البنك نظير ما قام به من خدمة ومصاريف تتطلبها إجراءات إكمال خطاب الضمان فلا مانع شرعاً (3) .
ويقول فضيلة الشيخ بدر المتولي عبد الباسط : لا أعلم من فقهاء الإسلام من أجاز أخذ أجر على الضمان (4) .
وقد ورد في كتاب الخدمات المصرفية في المصارف الإسلامية أن اخذ الأجرة على الكفالة لم يجزه جمهور الفقهاء (5) .
رابعا : رأينا في المسألة :
ونظرا لتعدد و تشابك جوانب الموضوع فإننا نحاول بسطه على نطاق فسيح من البحث على النحو التالي :
{ 1 } الجوانب القانونية للمسألة :
__________
(1) ... مواهب الجليل ج 4 ص 242 ـ الدسوقي كه تلشرج تلطبير د 3 ص 67
(2) ... منحة الخالق على البحر الرائق ج 6 ص 3242 ـ تقنين الشريعة على مذهب الإمام مالك ـ القسم الثاني ص 201 ، 202
(3) ... تاوى هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني ص 65
(4) ... الفتاوى الشرعية لبيت التمويل الكويتي ص 70
(5) ... إصدار إدارة البحوث بمركز الاقتصاد الإسلامي بالمصرف الإسلامي الدولي ص 18 ونسب ما ذهبي إليه الجمهور إلى فتاوى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني بدبي ـ د. على السالوس ـ حكم أعمال البنوك في الفقه الإسلامي ـ ملحق مجلة الأزهر عدد ذو الحجة سنة 1402 هجرية .(1/195)
نعتقد أن الجوانب القانونية في الموضوع ترجع أساسا إلى لائحة المناقصات والمزايدات وتوحيد عمليات الشراء الصادر بها القرار الوزاري رقم 542 لسنة 1957 وتعديلاته والقانون رقم 236 لسنة 1954 بنظم المناقصات والمزايدات وتعديلاته في مصر .
تنص المادة 48 من اللائحة المذكورة على أنه :
" يجب أن يقدم مع كل عطاء تأمين مؤقت .. ويكون التأمين نقدا أو كفالة
أو ..... " .
وتنص المادة 49 من نفس اللائحة على أنه :
" ... وإذا كان التأمين كتاب ضمان وجب أن يصدر من أحد المصارف المحلية المعتمدة وألا يقترن بأي قيد أو شرط وأن يقر فيه المصرف بأن يدفع تحت أمر الوزارة المختصة أو ... مبلغا يوازي التأمين المؤقت وأنه مستعد لأدائه بأكمله أو تجديد مدة سريان كتاب الضمان لمدد أخري حسبما تراه الجهة الصادر لصالحها التأمين عند الطلب منها دون التفات إلى أية معارضة من المتعهد أو المقاول .
وعندما ترد لإحدى وزارات الحكومة أو مصالحها كفالة عن تأمين نهائي من أحد المصارف المرخص بها في إصدار كتب كفالة أو أحد فروعها عليها أن تتحقق من أن المصرف أو الفرع قد أعطى إقرارا على هذه الكفالة بأنه لم يجاوز الحد الأقصى المعين لمجموع الكفالات المرخص للمصرف في إصدارها " .
كما تضمن نص المادتين (51 ، 54 ) من اللائحة المشار إليها أن
الغرض من هذا التأمين هو ضمان تنفيذ العقد وقيام المتعهد أو المقاول بالوفاء بالتزاماته العقدية .
ونخلص مما جاء في لائحة المناقصات والمزايدات إلى ما يأتي :
{ أ } بناءاً على نص القانون أو اللائحة تتطلب الجهة الإدارية تأميناً عندما يقدم العميل على التعاقد معها في عملية توريد أو مقاولة مثلا وقد يكون هذا التأمين نقداً أو كفالة أو غير ذلك مما أورده النص .
{ ب } إذا قدم التأمين في شكل كفالة من أحد المصارف روعي أن تكون في حدود السقف المحدد للمصرف في هذا الخصوص .
{(1/196)
ج } أن النص قد أطلق على كتاب الضمان الذي يصدره المصرف لصالح الجهة الإدارية اصطلاح " كفالة " .
{ د } إن كتاب الضمان أو الكفالة يحل بذاته محل التأمين المطلوب من العميل ولذلك يشترط النص فيه عدة شروط هي :
- ألا يقترن بأي قيد أو شرط .
- أن يقر فيه المصرف بأن يدفع تحت أمر المستفيد مبلغا يوازي التأمين المؤقت وأنه مستعد لأدائه بأكمله أو تجديد مدة سريان كتاب الضمان لمدد أخري حسبما يراه المستفيد عند الطلب .
- عدم الالتفات إلى أية معارضة من المتعهد أو المقاول ( العميل ) .
{ هـ } إن كتاب الضمان أو الكفالة المصرفية إنما صدر بمناسبة أو متعلق بضمان تنفيذ العميل للعقد المبرم بينه وبين المستفيد ( الجهة ) وعدم إخلاله بشروط ذلك العقد وقيامه بالوفاء بالتزاماته العقدية على أكمل وجه .
{ 2 } إن نصوص المواد من ( 772 إلى 801 ) من القانون المدني المصري تضمنت أحكام الكفالة ونخص بالذكر من هذه المواد ما يلي :
" تنص المادة رقم ( 772 ) :" على أن الكفالة عقد بمقتضاه يكفل
شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه " .
وتنص المادة ( 776 ) على أن الكفالة لا تكون صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا .
وتنص المادة 778 على أن الكفالة تجوز في الدين المستقبل إذا حدد مقدما المبلغ المكفول كما تجوز الكفالة في الدين الشرطي .
وتنص المادة 779 على ان كفالة الدين التجاري تعتبر عملا مدينا ولو كان الكفيل تاجراً .
وفي تنظيم العلاقة بين الكفيل والدائن تنص المادة ( 782 ) على أن للكفيل أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين ويبرأ بمجرد براءة المدين .
وتنص المادة ( 786 ) على أنه إذا أفلس المدين وجب على الدائن ان يتقدم في التفليسة بالدين وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما أصاب هذا الأخير من ضرر بسبب إهمال الدائن .(1/197)
وتنص المادة ( 788 ) على انه لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين ولا يجوز له أن ينفذ على أموال الكفيل إلا
بعد تجريده المدين من أمواله ويجب على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسك بهذا الحق .
وفي تنظيم العلاقة بين الكفيل والمدين تنص المادة ( 799 ) على أنه إذا
وفى الكفيل الدين كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين ولكن إذا لم يوف إلا بعض الدين فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفى الدائن كل حقه من المدين .
وتنص المادة ( 800 ) على أن للكفيل الذي وفي الدين أن يرجع على المدين بأصل الدين وبالفوائد والمصروفات ويكون للكفيل الحق في الفوائد القانونية عن كل ما قام بدفعه ابتداء من يوم الدفع .
{ 2 } الجوانب الفقهية للمسألة :
لقد أردت من العرض السابق إيضاح الواقع القانوني والعملي كما تجريه المصارف التجارية لمسألة خطابات الضمان ولا شك أن قيام البنوك الإسلامية بهذا الدور في نطاق الخدمات المصرفية يفرض عليها بعض القيود أو المحاذير التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ومن
هنا نعرض لبعض الأحكام الأساسية في المسألة في الفقه الإسلامي على النحو التالي :(1/198)
إنه لما يجدر ذكره أن الفقه الإسلامي استعمل مصطلحي " الضمان " و " الكفالة " مجتمعين ومنفردين ، وأن الربط بين الضمان والكفالة أمر وارد لدى الفقهاء إذا كان المال محلا للالتزام في كل منهما وذكر بعضهم أن الكفالة نوع من الضمان ومع ذلك قال الخلوتي : ويمكن أن يجاب بأن الضمان أضيق من الكفالة لأنه إذا ضمن الدين لم يسقط إلا بأداء أو إبراء بخلاف الكفالة بالدين فأنها تسقط بهما وبموت المكفول وغير ذلك ولا يلزم من كون الشيء نوعا في شيء آخر مساواة أحدهما الآخر في الحكم بل قد يختلفان كما في السلم مع البيع (1) .
كما أن كلا من الضمان والكفالة تبع لأصل هو المضمون عنه والمكفول عنه وأنه لا يدخل الضمان والكفالة خيار لان الخيار جعل ليعرف ما فيه الحظ .
والضمان والكفيل دخلا على أنه لاحظ لهما ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول فلم يدخله خيار وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وذكر ابن قدامه أنه لا يعلم فيه خلافا وذلك لأن مقتضى الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه أو كفل به والخيار ينافي ذلك ذكره القاضي (2) ... .
وما سبق مقدمات أساسية ذكرناها للربط بينهما وبين معطيات المسألة في التطبيق المصرفي المعاصر .
وعّرف الضمان بأنه ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد وحكى عن مالك في إحدى الروايتين عنه أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه ولأنه وثيقة فلا يستوفى الحق منها إلا مع تعذر استيفائه من الأصل كالرهن (3) .
__________
(1) ... أنظر حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتي وحاشيتها للشيخ عبد العزيز العنقري ج2 ص 188 ـ مكتبة الرياض الحديثة .
(2) ... انظر الشرح الكبير لابن قدامه ج 3 ص 47 طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
(3) ... انظر الشرح الكبير لابن قدامه ج 3 ص 34 طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .(1/199)
وقيل في تعريفه ـ وهو الأدق والأشمل في نظرنا ـ إنه : " التزام ما
وجب على غيره مع بقائه وما قد يجب ويصح بلفظ ضمين وكفيل ... " (1) .
وقيل :" الضمان تبرع بالتزام حق " (2) .
وعّرفت الكفالة بأنها ضم ذمة إلى ذمة في مطالبة شيء ( م 612 مجلة الأحكام العدلية ) وتصح الكفالة بالحق المالي كالضمان والكفيل هو ما تعهد بما تعهد به الأصيل أو المكفول عنه ( م 618 مجلة ) .
وتصح الكفالة بالدين المستقبل ( م 636 مجلة ـ بتصرف ) .
{ 3 } النتائج المستخلصة مما سبق :
{ أ } لا غضاضة في الفقه الإسلامي من الجمع بين الكفالة والضمان إذا كان محلهما مالا وهو ما تضمنته نصوص لائحة المناقصات والمزايدات على نحو ما سبق .
{ ب } إن خطاب الضمان الذي يصدره ا لبنك إنما يصدر بمناسبة تنفيذ عقد بين العميل والمستفيد من خطاب الضمان أو الجهة المالكة ومن ثم فإنه وإن كان خطاب الضمان منفصل عن نصوص العقد إلا انه متعلق به وبمناسبته فضلا عن أنه قد يكون تنفيذا لنص القانون على نحو ما سلف بيانه في نظام المناقصات والمزايدات .
{ ج } إن الخيار ينافي مقتضى عقد الكفالة والضمان في الفقه الإسلامي وذلك يتفق معه ما جاء بالنصوص النظامية (3) من أن خطاب الضمان لا يقترن بأي قيد أو شرط والاستعداد لأدائه دون التفات إلى أية معارضة من المتعهد أو المقاول .
{ د } إن خطاب الضمان والكفالة يحل محل " مبلغ التأمين " المطلوب من العميل .
{
__________
(1) ... انظر الروض المربع ج 2 ص 180 ـ مرجع سابق .
(2) ... انظر الروض المربع ج 2 ص 182 ـ مرجع سابق .
(3) ... ان مصطلح " نظامية " يتسع لنص القانون أو غيره من أدوات التشريع كاللائحة والقرار .(1/200)
هـ } لا إشكال في الوضع القانوني حول ما يستفيده البنك من إصدار خطابات الضمان إذ هو يتقاضى العمولة والمصروفات والفوائد إذا أدى الدين فضلا عن أصله على حين أن ذلك مثار نزاع كبير مع الفقه الإسلامي للاتفاق على تحريم الفوائد ولغلبة الرأي بأن الضمان والكفالة من عقود التبرعات وهي بغير عوض وأن الكفيل مقرض واشتراط الزيادة على القرض ربا وما قاله الفقهاء واضح ومسلم به بشرط أن تنمحض الصورة المعروضة لخطابات الضمان في الدلالة على الكفالة المعروفة في كتب الفقه الإسلامي .
وهو ما يجعلنا نعرض للعرف المصرفي في المسألة .
{ 4 } الجوانب المصرفية المستحدثة في المسألة :
من الملاحظة الدقيقة لمتطلبات العمل المصرفي في البنوك التجارية يتضح أنها لم تقنع بما تقدمه الكفالة من أحكام لكي تواجه بها خطابات الضمان بما تقوم عليه من أنها تصدرها بلا قيد أو شرط ودون التفات إلى معارضة العميل عند الآداء أو الوفاء ويتضح ذلك مما يأتي :
{ 1 } إذا كانت الكفالة المالية التزام بما وجب أو ما قد يجب من المال على الغير لسداده لصالح المكفول له فإن البنك في خطاب الضمان يطلق تعهدا مجردا عن ظروف التزام العميل أمام المستفيد ومن ثم فلا حاجة بالدائن المستفيد أن يثبت مديونية مدينه العميل واستحقاقه لها (1) وهو ما توجبه أحكام الكفالة شرعا وقانونا ـ إذ تشترط صحة الدين ـ ومن هنا كان محل الالتزام أو طبيعته تختلف في خطاب الضمان عنها في الكفالة .
{
__________
(1) ... انظر في هذا المعنى د. على جمال الدين عوض ـ عمليات البنوك من الوجهة القانونية ص 486 طبعة 1981 ـ دار النهضة العربية .(1/201)
2 } إن التزام الكفيل في الفقه الإسلامي تبع للأصل ووثيقة له على ما سبق ومن ثم يدور التزام الكفيل مع التزام المكفول في وجوده وثبوته وصحته ووصفه ومقداره الأقصى وانقضائه وفي ذلك يتفق معه ما جاء بالنصوص القانونية على نحو ما ذكرت ولكن الأمر على خلاف ذلك في خطاب الضمان كما تجريه المصارف فالتزام البنك في خطاب الضمان غير مرتبط بالتزام العميل المضمون فالمبلغ الثابت في خطاب الضمان مستحق فور طلب المستفيد ودون التفات إلى معارضة العميل ومن ثم كان التزام البنك في خطاب الضمان التزاما مستقلا عن نصوص العقد المبرم بين العميل والمستفيد .
{ 3 } بالنسبة لرجوع الدائن على الكفيل فالحكم في القانون المدني على
أنه لا يجوز أن يطالب الدائن الكفيل قبل المدين ولا أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد تجريده المدين من أمواله وذلك بعد ثبوت الدين المطالب به .
وقد جاء في مجلة الأحكام العدلية أن الطالب مخير في المطالبة إن شاء طالب الأصيل وإن شاء طالب الكفيل ومطالبته أحدهما لا تسقط حق مطالبة الأخر وبعد مطالبته أحدهما له أن يطالب الآخر ويطالبهما معا ( م 644 ) .
ومما يجدر التنبيه إليه أن تبعية دين الكفيل لدين المكفول من حيث الوجود والثبوت والصحة والوصف مما يتعلق بأطراف المعاملة جميعهم ( الدائن والمدين والكفيل ) ولا تؤثر هذه التبعية على النحو السابق على حق الدائن في المطالبة التي خيرته فيها مجلة الأحكام العدلية ومن أخذت عنهم من الفقهاء (1) .
__________
(1) ... أيضا انظر الروض المربع ج 2 ص 182 ـ المرجع السابق فقد جاء في باب الضمان : أن الحق ثابت في ذمة المضمون والضامن فملك الدائن مطالبة من شاء منهما ... وكل من الضمان والكفالة حق مالي فصحت الكفالة به كالضمان ص 187 أيضا .(1/202)
ومن ثم يختلف حكم المطالبة في الفقه الإسلامي عنه في القانون الوضعي الذي لم يجز مطالبة الكفيل قبل مطالبة المدين وألا ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد تجريد المدين من أمواله وكلا الحكمين مختلف عما عليه العمل في خطابات الضمان كما تجريها البنوك التجارية فالمبلغ الثابت في خطاب الضمان مستحق فور طلبه دون التفات إلى معارضة المدين ( العميل ) (1) .
{ 4 } إن البنك في التزامه بخطاب الضمان ليس نائبا عن العميل وليس له
أن يتمسك بالدفوع التي للعميل ضد المستفيد وذلك يبعده عن أحكام الكفالة الواردة في القانون المدني الذي يجيز للكفيل المتضامن أن يتمسك بما يتمسك به الكفيل غير المتضامن من دفوع متعلقة بالدين على حين أن البنك في خطاب الضمان يلتزم بالدفع أيا كان مركز المضمون وأيا كان مصير العقد بين البنك وبين عميلة أو مصير العلاقة بين العميل والمستفيد من الخطاب مما حدا بالبعض إلى القول بأن التزام الكفيل يجب أن يكون موضوعه التزام المدين الأصلي فأن اختلف المضمونان انفصل التزام الكفيل واصبح مستقلا عن التزام المدين ولم نعد أمام عقد كفالة تابع بل أمام عمل أصيل فإذا كان المدين الأصلي ملتزما بتوريد بضائع فلا يجوز أن يلتزم الكفيل بأن يدفع مبلغا من النقود في حالة عدم وفاء المدين .
فإذا كان محل تعهد البنك مبلغا نقديا وكان محل التزام المدين الأصلي شيئا آخر غير دفع مبلغ من النقود كان التزام البنك الناشئ من خطاب الضمان التزاما أصليا .
__________
(1) ... يرى د. علي جمال الدين ـ خلافا لما ذهبنا إليه ـ أن تبعية التزام الكفيل لالتزام المدين تؤدي إلى عدم جواز مطالبة الدائن للكفيل إلا بعد رجوعه على المدين حتى يكون الدين ثابتا قبل المضمون ممكنا طلبه قضاء وبذلك فرق بين مبدأ التبعية والمطالبة مع اختلاف طبيعة كل منهما على نحو ما أوضحنا عمليات البنوك من الوجهة القانونية ص 498 ، 499(1/203)
أما إذا اتحد المحل في التزام البنك والتزام المدين الأصلي ( عميل البنك ) بأن كان التعهد في الحالتين بمبلغ من النقود كان معيار التفرقة بين كون التزام البنك أصليا أو تابعا هو استظهار إرادة البنك مصدر خطاب الضمان وهي قد تكون صريحة في عبارة الخطاب وقد تكون مستخلصة من الظروف التي أحاطت إصدار الخطاب ويذهب هذا القول إلى حد أن القاعدة العامة هي اعتبار خطابات الضمان المصرفية التزامات أصلية لا التزامات تابعة ناشئة عن عقد الكفالة ما لم تكن صياغة خطاب الضمان تدل على أن البنك قصد إبرام كفالة بالمعنى الوارد في المادة ( 77 ) مدني والتي تنص على أن :
" الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه " (1) .
خلاصة :
نخلص من سرد الجوانب القانونية والفقهية والمصرفية في خطابات الضمان البنكية إلى أن إدخالها في إحدى الصيغ المنصوص عليها في القانون أو في الفقه الإسلامي أو إسباغ أوصاف هذه الصيغ عليها يعتريه إغفال كثير من مستحدثات العرف المصرفي في المسألة على نحو ما سبق ذكره تفصيلا .
ومن هنا كانت المحاولة الذكية لاعتبار خطاب الضمان جزءا من مشاركة أو مضاربة بين المصرف وعميلة ولكنها محاولة لا تفي بالغرض لما يأتي :
{ أ } أنها على خلاف قاعدة الأمور بمقاصدها .
{ ب } أنها في مضمونها تقوم على اعتبار أن الربح يستحق بأسباب ثلاثة هي : المال ـ العمل ـ الضمان .
__________
(1) ... المجلة الاقتصادية التي يصدرها البنك المركزي ـ المجلد الأول ـ العدد الأول ـ القاهرة سنة 1960 ص 111 ـ تعليق على الحكم محكمة القاهرة المستعجلة في 5/3/1960 ـ انظر د. علي جمال الدين عوض ـ المرجع السابق ص 506 هامش 2(1/204)
على حين أن حقيقة المسألة ـ أو أن المسألة في حقيقتها ـ ليست كذلك فالبنك الإسلامي يستعير من العمل المصرفي التجاري عمليات خطاب الضمان بفتياتها المنبتة الصلة عن فنيات الالتزام الأصلي بين العميل والبنك على نحو ما سلف شرحه مع محاولة تطهيرها من الربا .
وفي هذا الخصوص أود أن أشير إلى حديث :" الخراج بالضمان " وهل في معناه متسع لمقابل طاهر أو جزاء عادل إذا قلنا : إن من يتحمل تبعه ضمان شيء لو تلف يكون من حقه أن يحصل على منفعة من الشيء المضمون فالمنفعة مقابل الضمان في هذه الحالة ويجري الاجتهاد حول الأساس العادل لتحديد ذلك المقابل أو الجزاء لاشتراك البنك وعميلة في المنفعة ؟.
ففي معنى الحديث وقواعد الفقهاء متسع للمسألة فخراج الشيء هو كل ما خرج منه ومن ثم فالخراج في الحديث هو المنافع جعلها لمن عليه الضمان (1) وقال الزركشي رحمه الله في قواعده (2) : إن الخراج ما خرج من الشيء من عين ومنفعة وغّلة .
ومن قواعد الفقهاء في معنى الحديث الشريف ما قاله شريح بن الحارث الكندي : " من ضمن مالا فله ربحه " (3) .
__________
(1) ... انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي ـ تحقيق عبد العزيز الوكيل ص 151 ، 152 طبعة مؤسسة الحلبي وشركاه سنة 1387 هجرية ( 1968 ميلادية ) .
(2) ... المنثور في القواعد ج 2 ص 9 طبعة أولى تحقيق تيسير فائق احمد محمود مؤسسة الخليج للطباعة والنشر بالكويت ـ الأشباه والنظائر للسيوطي ص 150 ، 151 ـ دار أحياء الكتب العربية .
(3) ... أنظر أخبار القضاة لوكيع بن حبان ج 2 ص 319 طبعة عالم الكتب بيروت مشار إليه في القواعد الفقهية لعلي احمد الندوي ص 83 طبعة دار العلم دمشق .(1/205)
وعلى هذا الأساس نقول :" إن البنك وقد ضمن عميلة في خطاب الضمان فيكون له نصيب من الربح العائد للعميل من العملية المضمونة أو محل الضمان لشراكته مع العميل في هذه العملية " شراكة عقد " محله ضمان عمل العميل وضمان العمل نوع من العمل (1) وكما أن استحقاق الربح يكون تارة بالمال أو بالعمل ، يكون تارة بالضمان وساقت المادة ( 1347 ) من مجلة الأحكام العدلية مثلا لذلك فنصت على أنه :
" إذا أخذ واحد من أرباب الصنائع تلميذا عنده وأعمله ما تقبله وتعهده من العمل بنصف أجرته فيكون جائزا والكسب يعني الأجرة المأخوذة من أصحاب العمل كما يكون نصفها مستحقا لذلك التلميذ بعمله ويكون نصفها الآخر مستحقا للأستاذ أيضا بتعهده وضمان العمل " .
فالمثال المذكور قدر حق المتعهد والضامن النصف في كسب المتعهد العامل المضمون في عمله .
وعلى هذا النحو لا يجوز أن يكون حق البنك متمثلا في نسبة من قيمة خطاب الضمان فذلك واضح الشبهة بل صريح الربا فما يأخذه البنك في هذه الحالة سحت ومن ثم كان والأعدل والأصوب هو أن يكون للبنك الضامن حظ من كسب العميل وربحه المأخوذ من عمله أو العملية بالنسبة التي يتم الاتفاق عليها بينهما وبذلك تخرج عمليات خطابات الضمان عن الكفالة بمعناها الدقيق والضيق وتصير بما تحمله من مستحدثات العرف المصرفي نوعا من الأنشطة الهامة والرئيسية في المصارف .
{ ج } إن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني كما هي القاعدة الفقهية المستقرة فليس البنك بمقترض ولا المستفيد مقترضا والعملية كما تجرى في الواقع العملي خطاب ضمان صادر من البنك بمبلغ محدد لصالح المستفيد وغير مغطى كليا أو مغطى جزئيا ويأخذ حكم الأول في الجزء الغير مغطي .
تقييم هذا الرأي عمليا :
__________
(1) ... انظر المادة 1346 من مجلة الأحكام العدلية .(1/206)
قد يقول قائل : إن المتعاملين سيحجمون عن التعامل مع البنك الإسلامي لأن نسبة الفائدة المصرفية ستكون أقل من نسبة الربح مما يغريهم بالتعامل مع البنوك الربوية وهذا القول يتجاهل ما يأتي :
إن دخول البنك الإسلامي كشريك في العملية يخفف مخاطر العميل ومن ثم تثور مسألة جواز تحمل البنك لنصيبه في المخاطر بنسبة الربح لمجرد الضمان والحصول على نسبة ربحه وعلى ذلك تكون نسبة الربح أساس عادل لتحديد نسبة التحمل في الخسارة في حالة الشركة على أساس الضمان فقط .
خامساً : وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثانية المنعقدة في جده 10 –16 ربيع الثاني 406 هـ الموافق 22 – 28 /12/1985 م ما يلي :
{ 1 } ... إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والنهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه ، فإن كان بدون غطاء فهو ضم ذمته إلى غيره فيما يلزم حالاً أو مالاً وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم ( الضمان ) أو ( الكفالة ) وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي ( الوكالة ) ، والوكالة تصح بأجر مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له ) .
{ 2 } ... إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد للإرفاق والإحسان ، وقد قرر جمهور الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة ، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جّر نفعاً على المقرض وذلك ممنوع شرعاً ، ولذلك فإن المجمع قرر ما يلي :
أولاً : أن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان ( والتي يراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته ) سواء أكان بغطاء أم بدونه .
ثانياً : أما المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعاً مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل ، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء ، والله أعلم .(1/207)
وبناء على ما سبق يجوز إصدار خطاب الضمان من قبل البنك الإسلامي مقابل أجرة فعلية للإصدار والمصاريف الإدارية ، وليس مقابل تسليف مبلغ الضمان ومدته ، سواء أكان مغطى تغطية كاملة عن طريق العمل نفسه أو عن طريق كفيل آخر أو غير مغطى ، ولا يزال خطاب الضمان بحاجة إلى دراسات فقهية جادة تنظر إليه على أنه معاملة قائمة بذاتها لها شبه بالكفالة والوكالة ، وتستخرج لها الأحكام الفقهية التي تناسبها ، فقد سبق أن الفقهاء وضعوا للخراج أحكاماً خاصة به وإن كان له شبه بالإجارة والبيع .
الفصل الخامس
صناديق الاستثمار
المبحث الأول : أهمية ومزايا صناديق / محافظ الاستثمار :
لقد كان للبنوك والمؤسسات المالية الاستثمارية دوراً بارزاً في مجال صناديق الاستثمار والقدرة على تجميع الأموال وتشغيلها من خلال هذه الصناديق الاستثمارية والحرص على أن تباشر هذه الصناديق أعمالها ونشاطاتها وفق أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية .
وتحقق هذه الصناديق / المحافظ الاستثمارية الإسلامية العديد من المزايا من أهمها :
- تعبئة الموارد الصغيرة في مشروعات ضخمة قد لا تقوى هذه الموارد الصغيرة على تحمل تبعتها .
- تنوع مجالات الاستثمار ومن ثم تقليل المخاطر .
- الحرص على سهولة التسييل لجانب كبير من رأس المال .
- الدراسة الجادة الاقتصادية والاجتماعية لأنشطة ومشاريع حيوية .
ويتم تكوين صندوق الاستثمار وفق ضوابط وإجراءات محددة قد ينص عليها القانون في بعض البلدان مثل المرسوم رقم 31 لسنة 1990 في شأن تداول الأوراق المالية وإنشاء صناديق الاستثمار الكويتي .
فضلاً عن رقابة ومتابعة الجهات المعنية في الدولة وخضوع أعمال وأنشطة الصندوق لهيئة رقابة شرعية متخصصة .(1/208)
والهدف الرئيسي للصندوق / المحفظة الاستثمارية بعد تلقي أموال المكتتبين هو استثمار الأموال المجمعة في المجالات المحددة في نشرة الاكتتاب (1) في الصندوق ولائحة العمل به وتوزيع الأرباح على النحو المبين تفصيلاً في تلك النشرة .
المبحث الثاني : عقد المضاربة هو الأساس المنظم لصناديق الاستثمار :
إن العلاقة بين الجهة المصدرة للصندوق والمكتتبين فيه يحكمها أحكام عقد المضاربة الشرعية إذ :
تقوم الجهة المصدرة للصندوق بدور المضارب الذي يقوم باستثمار رأس مال المضاربة أو الصندوق المقدم من المكتتبين الذين يعتبرون في مجموعهم رب المال وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في نشرة الاكتتاب أو لائحة الصندوق والتي يجب أن تكون طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية .
وإليك أهم أحكام عقد المضاربة الشرعية :
{ 1 } ... ... المضاربة عقد ابتداء وشركة عند حصول الربح انتهاء ، وهي بهذا شركة في الربح ، ومن ثم تنطوي المضاربة على فكرتي العقد والشركة ، ويسمى الطرف المعطي لمال المضاربة رب المال وإن تعدد هذا الطرف في العقد أي كان أكثر من شخص (2) ويسمى الطرف الآخر المضارب وإن تعدد أي كان أكثر من شخص مضارب (3) .
وإعطاء المال للمضارب بغرض أن يتجر في هذا المال ويثمره وينميه ويعمل فيه ، أخذاً بالاتجاه الذي لا يحصر عمل المضارب في التجارة فقط بمعنى البيع والشراء ، وإنما يكون له أن يقوم بكل ما من شأنه أن يثمر المال وينميه طبقاً لما ينص عليه عقد المضاربة .
__________
(1) ... تتضمن نشرة الاكتتاب كامل التفاصيل عن نشاط الصندوق وشروط الاكتتاب وحقوق والتزامات جميع الأطراف .
(2) ... أنظر حاشية ابن عابدين 8/315 ، 316 - المحلي على المنهاج 3 / 55 - نهاية المحتاج 4/118.
(3) ... أنظر المضاربة للماوردي بتعليق د . عبد الوهاب حواس ص 300 .(1/209)
وهذا الاتجاه الموسع هو رأي الحنفية (1) والمالكية (2) والحنابلة (3) . والشافعية (4) .
{ 2 } ... ... وعمل المضارب في رأس مال المضاربة إنما هو على جزء شائع معلوم من الربح يتفقان عليه عند العقد ، ولهذا تجتمع في الربح كركن من أركان المضاربة شروط صحته من :
{ أ } ... أن يكون مشتركاً بين المتعاقدين ومختصاً بهما .
{ ب } ... أن يكون نصيب كل منهما معلوماً عند التعاقد ، وهذا مما اتفق عليه الفقهاء (5) فمعلومية الربح لا تتحقق إلا بالنص عليه في العقد .
{ ج } ... أن يكون نصيب كل من المضارب ورب المال من الربح حصة شائعة منه وهو مما اتفق عليه الفقهاء (6) .
{ 3 } ... أقسام المضاربة وأشكالها ، وهي إما مطلقة أو مقيدة ، وكلاهما صحيح شرعاً والمضاربة تكون مطلقة إذا لم تقيد المضارب بعمل معين ، أو مكان معين ، أو زمان محدد ، أو لم يتقيد المضارب بمن يعامله ، وتكون المضاربة مقيدة أو خاصة إذا قيدت بشيء مما ذكر في المطلقة .
وبتقييد المضاربة بعمل معين وتخصصها بنوع من التجارة مثلاً قال الحنفية والحنابلة (7) .
__________
(1) ... انظر الكاساني في البدائع 8/3608 - فتاوى قاضيخان 3/169.
(2) ... ابن رشد في بداية المجتهد 2/226 - المدونة الكبرى 4/63 .
(3) ... ابن قدامه في المغني 5/36 ، 37 .
(4) ... نهاية المحتاج للرملي 4/161 .
(5) ... بدائع الصنائع 8/3606 .
(6) ... بدائع الصنائع 8/3602 - تنوير الحوالك شرح موطأ مالك 2/175 الإجماع لابن المنذر كما أورده ابن قدامه في المغني مع الشرح الكبير 5/148/149.
(7) ... المغنى 5/184 - تكملة فتح القدير للمرغيناني 8/454 والكاساني في بدائع الصنائع 8/3633 .(1/210)
وبتقييد المضارب بالمكان قال الحنابلة (1) والحنفية (2) .
وبتقييد المضاربة بالزمان قال الحنفية (3) والحنابلة (4) .
وتقييد المضارب بمن يعامله قال به الحنفية (5) والحنابلة (6) .
وتقييد المضارب بما يكون النماء فيه نتيجة البيع والشراء ( أي صفة العمل ) قال به الشافعية (7) .
ومراعاة قيد وشرط رب المال في المضاربة المقيدة أو الخاصة هو نص المادة (1420) من مجلة الأحكام العدلية ، وعلّة ذلك أن اقتدار المضارب على التصرف في مال الغير هو لتفويض رب المال له بالتصرف ، فيتقيد المضارب بالقيد الذي يقيد به رب المال ، والتقييد على هذا الوجه مفيد ، لأن التجارة تختلف باختلاف الأمكنة والأمتعة والأوقات والأشخاص ، وإذا كان قيد شرط رب المال مفيداً له فيكون القيد معتبراً ويقتضي مراعاته وإذا لم يراعه المضارب يكون مخالفاً لشرط رب المال (8) .
أما تحول المضاربة من عامة مطلقة أو خاصة مقيدة فقد نص عليه الماوردي (9) وعلله بأن العقد ينعقد جائزاً وليس ينعقد لازماً .
{ 4 } ... الشروط التي يتعين توافرها لصحة المضاربة وهذه الشروط هي :
{ أ } ... ... أن تتوافر لدى كل من رب المال والمضارب أهلية التصرف :
__________
(1) ... الكافي في فقه الإمام أحمد 2/ 280 - المغني لابن قدامه 5/185 .
(2) ... الكاساني في بدائع الصنائع 8/3632 ) والشافعية في اسنى المطالب 2/382 - حاشية القليوبي على شرح جلال الدين المحلي على متن المنهاج 3/53 - الماوردي المضاربة مرجع سابق ص 155- مغني المحتاج 2 / 311- نهاية المحتاج 5/234 .
(3) ... الكاساني 8/3633 - تكملة فتح القدير 8/454 – 457.
(4) ... كشاف القناع للبهوتي 3/502 ).
(5) ... الكاساني في البدائع 8/3634 ، 3635 .
(6) ... المغني 5/184 - 185 .
(7) ... مختصر المزني 0 الأم 3/61 - المضاربة للماوردي - مرجع سابق ص 157.
(8) ... شرح المجلة لعلي حيدر 3/451 .
(9) ... المرجع السابق ص 153.(1/211)
والمضاربة عقد يتم بتلاقي في إرادتين على إنشائه ، ومن ثم يشترط في طرفي عقد المضاربة أن تتوافر فيهما أهلية التصرف فلا بد وأن يكون رب المال أهلاً لأن يوَّكل ، لأن المضارب يتصرف بأمره وأن يكون المضارب أهلاً لأن يكون وكيلاً فيشترط فيه ما يشترط في الوكيل (1) .
وأهلية التصرف أوسع من أهلية الوكالة ، فأعمال الاستثمار التي يباشرها المضارب غالباً ما تكون من أعمال التصرف ، ولذا سوى النص بين رب المال والمضارب في اشتراط أهلية التصرف لدى كل منهما ، وهو ما أخذ به مشروع التقنين المدني المصري طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية في المادة (513) وهي تتفق في حكمها مع المادة (1408) من مجلة الأحكام العدلية .
{ ب } ... أن يكون رأس المال معلوماً وصالحاً للتعامل فيه .
اتفق الفقهاء على أن يكون رأس مال المضاربة معلوماً معيناً عند العقد ، علماً نافياً للجهالة ، لأن جهالة رأس المال تؤدي إلى جهالة الربح ، ومعلومية الربح شرط صحة المضاربة (2) .
وشرط أن يكون رأس المال صالحاً للتعامل فيه مما اتفق عليه الفقهاء ، فقد جاء في المغني لابن قدامه (3) " قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة ، وهو قول عطاء والحكم وحماد وإسحاق وأبي ثور ، وهذا يعني أن يكون رأسمال المضاربة مالاً حقيقياً عند عقد المضاربة ، يمكن تعيينه وتسليمه إلى المضارب ليعمل فيه (4) ومن ثم اتفق الفقهاء على أن يكون رأس المال عيناً (أي معيناً) حاضرة لا ديناً ، فلا تصح المضاربة على دين ولا مال غائب.
{
__________
(1) ... بدائع الصنائع للكاساني 8/3593 - مغني المحتاج للشربيني 2/314 .
(2) ... حاشية ابن عابدين 8/281 - مواهب الجليل 5/358 - نهاية المحتاج للرملي 5/222 - المغني لابن قدامه 5/191 .
(3) ... 5/190 .
(4) ... بدائع الصنائع للكاساني 8/3595 - المغني لابن قدامة 5/139 .(1/212)
ج } ... ... تسليم رأس المال إلى المضارب ليعمل فيه :
والمراد كما يقول صاحب مغني المحتاج (1) أن يستقل العامل باليد عليه والتصرف فيه ولا يصح الإتيان بما ينافي ذلك .
ويقول الكاساني في البدائع (2) " وتسليم رأس المال إلى المضارب لأنه أمانة فلا يصح إلا بالتسليم ، وهو التخلية كالوديعة ، ولا يصح مع بقاء يد الدافع على المال " وبهذا أيضاً قال المالكية (3) .
{ د } ... ... أن تكون حصة كل من المتعاقدين في الربح جزءاً معلوماً شائعاً .
حصة كل من المتعاقدين في الربح الناتج من تقليب رأس المال يشترط فيها ما يلي :
{ 1 } ... ... ... أن تكون معلومة .
{ 2 } ... ... أن تكون حصة شائعة في جملة الربح .
فلا يصح أن يكون الربح لكل من المتعاقدين مجهولاً ، أو محدداً كعشرة مثلاً وهذا محل اتفاق بين الفقهاء ، فتحديد الربح بمبلغ مقطوع محدد يقطع الشركة فيه ، وقد حكى ابن رشد الإجماع في ذلك فقال :
" أجمعوا على صفته ( القراض ) أن يعطي الرجل الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من الربح أي جزء كان مما يتفقان عليه ..." (4) .
وبهذه الشروط في الربح قال الحنفية (5) والشافعية (6) والحنابلة (7) .
{
__________
(1) ... 2 / 310 ونهاية المحتاج 5 / 221 .
(2) ... 8/3569 .
(3) ... المدونة الكبرى 4/59 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 520.
(4) ... بداية المجتهد 2/226.
(5) ... شرح فتح القدير 8/149 - بدائع الصنائع 8/3606.
(6) ... تكملة المجموع 14/197 - مغني المحتاج 2/313.
(7) ... الروض المربع للبهوتي 2/210 وابن حزم ( المحلي 9،247 ) .(1/213)
5 } ... ... المضاربة بالعروض - العروض ما عدا النقدين من الأعيان - إذا أضيفت إلى أثمانها لا إلى أعيانها ، كأن يقول صاحب العروض للمضارب بع هذه العروض واعمل بثمنها مضاربة ، فهو بهذا يكون قد عقد المضاربة على ثمن العروض وأضافها إلى زمن بيعها ، وقد أجاز هذه الصورة الحنفية (1) .
كما أن إضافة المضاربة إلى بدل الدين على شخص ثالث غير طرفي المضاربة جائز عند الحنفية والحنابلة لأن المضاربة أضيفت إلى المقبوض فكان رأس المال عيناً لا ديناً (2) ، أما الدين في ذمة المضارب نفسه فجائز المضاربة به على الرأي الآخر عند الحنابلة فقط (3) .
... والمضاربة بالمعدات والآلات يضعها رب المال تحت تصرف المضارب بجزء من النماء أو الناتج ، وهو ما أجازه فريق من الحنابلة قياساً على المساقاة والمزارعة (4) .
كما ذهب الحنابلة إلى صحة المضاربة على حرفة للعامل جاء في المغنى " وإن دفع غزلاً إلى رجل ينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو ربعه جاز ، وعلل ذلك بقوله بأنها عين تنمو بالعمل فيها فصح دفعها (5) .
{ 6 } ... ... حالة ما إذا اشترك الطرفان في رأس المال ويعمل فيه أحدهما ، وهي الصورة التي تجمع بين الشركة والمضاربة ، وهو أمر جائز شرعاً .
قال الإمام الكاساني (6) .
" الشركة لا تمنع المضاربة ، فإن المضارب لو ربح يصير شريكاً في المال ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة ، فإذا لم يمنع البقاء لا يمنع الابتداء".
__________
(1) ... حاشية ابن عابدين 5/647 - بدائع الصنائع 7 / 3446 - البحر الرائق 7/264 - والحنابلة ( شرح منتهى الإيرادات 2/330 - كشاف القناع 3/502 - الإنصاف للمرداوي 5/431 .
(2) ... بدائع الصنائع 8/3596 - المغني لابن قدامه 5/190 - حاشية ابن عابدين 5/647
(3) ... المغني 5/190 - مطالب أولي النهي 3/522 .
(4) ... المغني لابن قدامه 5/191 - القواعد النورانية لابن تيميه 189 مطالب أولي النهى 3/542 ، 543
(5) ... المغنى 5/193.
(6) ... البدائع 8/3596 .(1/214)
ويقول ابن قدامه (1) :
" وإن جمعنا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح ، لأن كل واحد منها يصح منفرداً فيصبح مع غيره كحالة الانفراد " (2) .
{ 7 } ... سلطات المضارب في المضاربة المطلقة ، فيكون مأذوناً بالعمل فيما هو من لوازم المضاربة ومقتضياتها والأشياء التي تتفرع عنها بمجرد عقد المضاربة ومقتضاه ، وهو ما نصت عليه المادة ( 1414 ) من مجلة الأحكام العدلية وضربت له الأمثال كالبيع والشراء ، والحوالة والتوكيل ، والإيداع والارتهان والرهن والإيجار والاستئجار والسفر لأجل البيع والشراء .
وضابط ذلك بأنه من ضرورات التجارة ، وجرت به عادة التجار وصار عرفاً بينهم ويؤدى إلى تثمير المال وتنميته فهذا طبيعة العمل في عقد المضاربة فقد جاء في حاشية الشرقاوي على التحرير (3) " ويشترط في العمل كونه تجارة " (4) ووظيفة العامل التجارة ، وهي الاسترباح بالبيع والشراء " (5) وممن وسعوا في عمل المضارب على النحو الذي أخذت به هذه المادة الحنفية والمالكية والحنابلة (6) .
{ 8 } ... ... حالة ما إذا فوض رب المال المضارب أمور المضاربة وأذن له فيها إذناً عاماً فيكون له بمقتضى ذلك التفويض - التصرفات والأعمال التالية :
{ 1 } ... خلط مال المضاربة بغيره سواء كان مال نفسه أو مال آخر ، فالمضارب لا يملك الخلط بمطلق العقد لأنه يوجب في مال رب المال حقاً لغيره ، ولا يجوز ذلك بغير إذنه وهذا ما يراه الحنفية
والحنابلة (7) .
__________
(1) ... في الشرح الكبير على متن المقنع 5/198 .
(2) ... أنظر أيضاً المغني لابن قدامه 5/139 فقد أفاض في المسألة.
(3) ... 2/102 .
(4) ... جاء في مغني المحتاج 2 / 311 .
(5) ... أيضاً الكاساني ( 8/3606 ).
(6) ... الكاساني 8/3608 - المدونة للإمام مالك 12/119 - المغني لابن قدامة 5/154.
(7) ... المغني لابن قدامة 5/162 - بدائع الصنائع 8/3625 - حاشية ابن عابدين 5/649 - وقد رد في الهداية للمرغنياني 3/210 .(1/215)
" وخلط مال المضاربة بماله أو مال غيره لأن رب المال رضى بشركته لا بشركة غيره وهو أمر عارض لا يتوقف عليه التجارة فلا يدخل تحت مطلق العقد ، ولكنه جهة في التثمير فمن هذا الوجه يوافقه فيدخل فيه عند وجود الدلالة ، وقوله اعمل برأيك دلالة .
{ 2 } ... إعطاء المال إلى غيره مضاربة :
فشخصية المضارب محل اعتبار عند رب المال وبصفة خاصة من ناحيتي الأمانة والخبرة ومن هنا لزم التفويض من قبل رب المال للمضارب وبه يكتفي الحنفية والحنابلة لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه (1) .
{ 3 } ... الشركة بمال المضاربة :
لا يملك المضارب ذلك بمطلق عقد المضاربة لأن الشركة عقد آخر وأعم من المضاربة وهي فوق المضاربة ، لأنها شركة في رأس المال وهو أصل ، بينما المضاربة شركة في الربح وهو فرع والشيء لا يستتبع مثله فما فوقه أولى (2) ولهذا ذهب الحنفية والحنابلة إلى اشتراط التفويض والإذن العام ، فإذا فوض رب المال المضارب في أمور المضاربة وتصريف شئونها يملك المضارب المشاركة بمال المضاربة أو بجزء منه .
{ 9 } ... ... الأعمال والتصرفات المحظورة أصلاً على المضارب ، ولا يجوز له القيام بها إلا بالنص الصريح عليها في العقد ، أو حصول إذن خاص من رب المال بها ، وهذه الأعمال هي :
{ أ } ... الاستدانة على مال المضاربة : ويقصد بها أن يشتري المضارب بأكثر من رأس المال الذي في يده ، أو أن يشتري شيئاً للمضاربة بثمن ليس في يده من جنسه .
__________
(1) ... الكاساني في البدائع 8/3628 - المغنى لابن قدامه 5/161.
(2) ... بدائع الصنائع للكاساني 8/3625- المغني لابن قدامه 5/162.(1/216)
فمن المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز للمضارب بمطلق العقد أن يستدين على المضاربة " لأن الاستدانة إثبات زيادة في رأس المال من غير رضا رب المال ، بل فيه إثبات زيادة ضمان على رب المال من غير رضاه .. . فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لألزمناه زيادة ضمان لم يرض به وهذا لا يجوز " (1) .
ويذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمضارب في المضاربة المقترنة بالتفويض الاستدانة على مال المضاربة إلا بالإذن الصريح من رب المال ، ولم يخالف في هذا إلا الحنابلة في قول لهم (2) .
{ ب } ... التبرع بمال المضاربة :
التبرع بمال المضاربة سواء كان هبة أو إقراضاً أو تصدقاً أو وصية ونحو ذلك لا يجوز للمضارب لأن مال الغير لا يحتمل التبرع ، أما إذا أذن رب المال للمضارب إذناً صريحاً بالتبرع جاز ، لأن المنع كان لحق رب المال وقد أسقطه بنفسه (3) .
{ 10 } التصرفات المحظورة على المضارب ، ولو أذن له فيها رب المال ويدخل فيها كل التصرفات التي ورد الشرع بتحريمها والنهي عنها ، فلا يجوز للمضارب مثلاً أن يتعامل بالفوائد الربوية وسائر البيوع المحرمة ،
لأن المنع لحق الله تعالى ، وما كان كذلك فلا يملكه المضارب مطلقاً ،
حتى ولو كانت المضاربة مطلقة أو فوضت أمورها إليه أو كان مأذوناً من رب المال .
__________
(1) ... بدائع الصنائع 8/3612 ، 3615 - الزيلعي في تبيين الحقائق 5/59.
(2) ... الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 5/419.
(3) ... بدائع الصنائع 8/3617 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/538 الإنصاف للمرداوي 5/414.(1/217)
ولما كان ما يرتبه النص من أثر أو جزاء على مخالفة حكمه هو القوة الملزمة له فقد نصت تلك المادة أيضاً على أنه إذا خالف المضارب حكم هذه المادة وقع تصرفه فاسداً ويصير متعدياً على مال المضاربة ، ومن ثم يكون عليه الضمان ، لما يصيب رأس المال من تلف أو خسارة بسبب هذه المخالفة باتفاق الفقهاء (1) وجاء به " روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبى قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي (2) ) وجاء به : " قال المزني : ولو اشترى في القراض خمراً أو خنزيراً أو أم ولد ودفع الثمن فالبيع باطل وهو للمال ضامن في قياس قوله (3) .
{ 11 } ضوابط المصاريف والنفقات التي تلزم المضارب في ماله ولا تتحملها المضاربة ، وذلك في مقابل حصته من الربح . وهي المتعلقة بإدارة النشاط الاستثماري ويفرضها عمل المضارب ، وأن تكون مما جرت به عادة التجار في العرف التجاري أن يفعلوه بأنفسهم في أموالهم ، مثل عرض الأمتعة ، ومباشرة العقود ، وقبض الأثمان ، واقتضاء الديون . فكل ذلك على العامل ، لأنه به ملك الربح كما يقول الماوردي (4) .
أما بقية المصروفات اللازمة لتنفيذ العمليات فتحسب على مال المضاربة (5) .
{
__________
(1) ... المغنى لابن قدامه مع الشرح الكبير (5/165 ).
(2) ... أيضاً المحلى لابن حزم 8/249 - الماوردي المضاربة مرجع سابق ص 268.
(3) ... " أيضاً الكاساني في البدائع 8/3630 - المبسوط للسرخسي 22/60.
(4) ... المضاربة مرجع سابق ص 170 - انظر أيضاً بدائع الصنائع 8/3647 - الدسوقي على الشرح الكبير 3/530 المهذب 1/386 - مغني المحتاج للشربيني 2/317، 318) ، - أيضاً الطبعة التمهيدية للموسوعة الفقهية الكويتية الموضوع 10 ص 80 ، 81 .
(5) ... انظر الفتوى الثانية للحلقة الفقهية الاقتصادية الأولى للبركة .(1/218)
12 } الربح المتحصل من المضاربة محل عقد المضاربة عند كثير من الفقهاء ، والاشتراك فيه هدف طرفيها ومقصدهما بحيث لا يختص به أحدهما دون الآخر ، فرب المال يأخذ حصته بماله ، والمضارب يأخذ حصته من الربح بعمله ، ومن هنا إن شرط جميع الربح لرب المال كان العقد إبضاعاً ، وإن شرط جميع الربح للمضارب كان العقد قرضاً ، ولذلك يشترط بيان كيفية قسمة الربح بين الطرفين في المضاربة فهما شركاء فيه وهو ما اتفق عليه الفقهاء ، فمن معلومية الربح أن يتفق المتعاقدان على كيفية توزيعه بينهما ، وأن ينص على ذلك في العقد ، لأن الربح هو المعقود عليه ، وجهالة المعقود عليه تفسد العقد (1) .
ويجوز المحاسبة وقسمة الربح إذا نضَّ مال المضاربة بمعنى أنه يمكن لطرفيها اقتسام الربح عند ظهوره مع استمرار المضاربة على حالها بنفس الشروط السابقة (2) " جاء في كشاف القناع " وتحرم قسمته أي الربح - والعقد باق إلا باتفاقهما على قسمته .... فلا يجبر واحد منهما ... وإن اتفقا - أي المتقارضان - على قسمته أي الربح أو قسمة بعضه أو اتفقا على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدراً معلوماً جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما (3) أيضاً تبين الحقائق فقد جاء به :
" إذا اقتسما الربح والمضاربة باقية على حالها ولم يفسخاها .... " .
__________
(1) ... بدائع الصنائع 8 / 3606 - نهاية المحتاج 5/227 - كشاف القناع على متن الإقناع 3/498.
(2) ... جاء في كشاف القناع للبهوتي (3/519 ، 520 ).
(3) ... انظر أيضاً الزيلعي في تبيين الحقائق (5/68.(1/219)
ولعل هذا أكثر مناسبة للمضاربات المصرفية المعاصرة ، وكونها مستمرة بطبيعتها ومتشابكة الأطراف والعلاقات ، ولهذا أجاز الحنابلة فيما يتعلق باقتسام الأرباح أن يجريا - الطرفان - حساباً كالقبض وهو الذي ذكره الإمام أحمد رحمه الله ، وأشار إليه ابن قدامه في المغنى (1) : قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضارب يربح ويضع مراراً " فقال : يرد الوضعية على الربح إلا أن يقبض المال صاحبه ثم يرده إليه ، فيقول اعمل به ثانية ، فما ربح بعد ذلك لا تجبر به وضيعة الأول فهذا ليس في نفسي منه شيء وأما ما لم يدفع إليه فحتى يحتسبا حساباً كالقبض ، كما قال ابن سيرين . قيل : وكيف يكون حساباً كالقبض ؟ قال : يظهر المال يعني ينضَّ ويحسب عليه فإن شاء صاحب المال قبضه ..."
وفي موضع آخر يقول ابن قدامه (2) : " ولنا على جواز القسمة أن المال مالهما فجاز لهما أن يتقاسما بعضه كالشريكين ، أو نقول إنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربح قبل المفاصلة كشريكي العنان ".
{ 13 } ... يجوز للطرفين الاتفاق على :
{ 1 } ... أن يكون الربح نسبة متدرجة معلومة وشائعة .
ومثل هذا الاتفاق على نسبة متدرجة من الربح في المضاربة لا ينافى معلومية الربح المستحق للطرفين كأن يتفقا على الربع إذا بلغ مقدار الربح ألفين ، وكالثلث إذا بلغ أربعة آلاف وهكذا (3) .
{ 2 } ... الترديد في نسبة الأرباح :
__________
(1) ... 5/44.
(2) ... 5/179.
(3) ... أجوبة الهيئة الشرعية بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي على مسائل شركة الراجحي المصرفية ص30.(1/220)
فالترديد في نسبة الأرباح أيضاً لا يخل بالعلم بها وفي هذا يقول الكاساني (1) وقال ابن سماعه سمعت محمداً قال - في رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة فقال له : إن اشتريت به الحنطة فلك من الربح النصف ولي النصف وإن اشتريت به الدقيق فلك الثلث ولي الثلثان - فقال هذا جائز ، وله أن يشتري أي ذلك شاء على ما سمي له رب المال (2) .
{ 3 } ... أن يُشترط لأحد الطرفين مبلغ معين من الربح لا يستحق إلا إذا زادت الأرباح عن حد معين يشتركان فيه ، فإن هذا الاشتراط لا يؤدي إلى قطع الاشتراك في الربح (3) .
وجاء في تأكيد ذلك الفتوى الرابعة لندوة البركة الأولى ونصها " هل يجوز أن يتفق رب المال مع المضارب على أنه إذا زاد الربح عن نسبة 15 % مثلاً في السنة عن رأس المال فإن الزيادة تكون من نصيب المضارب ؟ .
والجواب " أن هذا الشرط جائز شرعاً طالما أن الربح مقتسم نتيجة المحاسبة طبقاً للنسبة الشائعة المتفق عليها ، وأن رب المال يتحمل الخسارة إذا تبين وقوعها " .
وقد يكون في هذا حثا للمضارب على حسن الأداء ، وأيضاً تحقيق مصلحة لرب المال في حصول ربح وفير .
وفي هذا المعنى يقول ابن قدامة في المغني (4) إذا دفع إلى رجل ثوباً وقال : بعه بكذا فما ازددت فهو لك صح نص عليه أحمد في رواية احمد بن سعيد ، وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال ابن سيرين وإسحاق ... ولنا ما روى عطاء عن ابن عباس : أنه كان لا يرى بأساً بأن يعطى الرجل لرجل الثوب أو غير ذلك فيقول : بعه بكذا وكذا فما ازددت فهو لك ، ولا يعرف له في عصره مخالف ، ولأنها عين تنمى بالعمل فيها أشبه دفع مال المضاربة .." .
{
__________
(1) ... بدائع الصنائع 6/81 .
(2) ... أنظر أيضاً العناية على شرح الهداية 7/73 - الموسوعة الفقهية الكويتية - الطبعة التمهيدية 10 ص 34.
(3) ... بهذا صدرت فتوى المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت جمادى الآخرة 1403 هـ الموافق مارس 1983 .
(4) ... 5/366.(1/221)
4 } ... أن يدفع المضارب كل فترة زمنية محدده نسبة معينه من الأرباح على أن تتم التسوية لاحقاً ، وأن يتحمل رب المال الخسارة إذا وقعت.
فقد جاء في كشاف القناع للبهوتي (1) " وإن اتفقا المتضاربان على قسمته أي الربح أو على قسمه بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدراً معلوماً جاز ، لأن الحق لهما لا يعدوهما " .
إذ جاء به " والربح على ما اصطلحا عليه ، ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة ...فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير (2) ..." .
{ 14 } عقد المضاربة موجب لاشتراك رب المال والمضارب الربح ، ولا يختص به أحدهما دون الآخر لأن المال والعمل متقابلان المال في مقابلة عمل المضارب ، ولذلك وجب أن يشتركا في الربح ووجب أن يمنعا مما يؤدى إلى اختصاص أحدهما بالربح دون الآخر ، لأنه قد لا يحصل من الربح إلا المشروط فينفرد به أحدهما (3) .
والجهالة أيضاً بقدر الربح مبطلة للقراض ، ومن هنا اتفق الفقهاء على شرط معلومية الربح وقت العقد (4) .
وحرصاً على إعمال قاعدة تصحيح العقود ما أمكن أولى ، فإن كل شرط لا يؤدى إلى الجهالة في الربح أو قطع الشركة فيه يقتصر أثره على بطلان الشرط فقط وتصح المضاربة ، وذلك فيما يتعلق بركن الربح فيها وهو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة (5) .
{
__________
(1) ... 3/510.
(2) ... أيضاً الشرح الكبير مع المغني 5/140 .
(3) ... الماوردي في المضاربة ص 151 - المغني لابن قدامه مع الشرح الكبير 5/148،149.
(4) ... الماوردي في المضاربة 41 المجموع شرح المهذب 14/197 - الكاساني في البدائع 8/3602 - المغني لابن قدامه مع الشرح الكبير 5/187.
(5) ... الكاساني في البدائع 8/3602 - المغني لابن قدامه مع الشرح الكبير 5/187.(1/222)
15 } يتحمل رب المال وحده الخسارة في رأس المال إذا كانت بدون تعدى أو تقصير أو تفريط من المضارب ، وعلى هذا انعقد إجماع العلماء ، ومن ثم لا يعتبر أي شرط ينفى أو يتعارض مع هذا الحكم ويقع باطلاً : جاء في المغني مع الشرح الكبير لابن قدامه (1) والوضيعة في المضاربة على المال خاصة ليس على العامل منها شيء لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بملك ربه لا شيء للعامل فيه " لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم " وتنص هذه المادة في فقرتها الثانية على أنه إذا نقص مال المضاربة بسبب الخسارة أو التلف حُسب النقص أولاً من الربح جبراً لرأس المال فالربح وقاية لرأس المال كما يقول الفقهاء وجابر له من الخسران - فإن جاوزه - أي التلف مقدار الربح حُسب الباقي من التلف من رأس المال ولا يتحمل ضمانه المضارب .
وهو نص المادة ( 520 ) من مشروع القانون المدني المصري المأخوذ من الشريعة الإسلامية والمستمدة من المادتين (1427 ، 1428 ) من مجلة الأحكام العدلية ، ونص المادة ( 462 ) من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان على أن :
" ما هلك من مال المضاربة يصرف إلى الربح فإن زاد الهالك على الربح لم يضمن المضارب " .
وجاء في المغني لابن قدامه (2) وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال يعنى أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضيعة من الربح ... لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وما لم يفضل فليس بربح " .
{ 16 } يَجوز لرب المال أن يطلب من المضارب كفيلاً أو ضماناً في حالات ثُبوت مسئولية (3) .
{
__________
(1) ... 5/148 .
(2) ... 5/41.
(3) ... وهو ما ذهبت إليه الندوة الأولى للبركة في فتواها رقم (59) وأخذت به الهيئة الشرعية للمعهد العالمي للفكر الإسلامي في أجوبتها على مسائل شركة الراجحي المصرفية ص31.(1/223)
17 } أن مخالفة الشروط موجب للضمان لأن المضاربة فيها معنى الوكالة ، والوكالة تقبل التقييد ، ويجب على الوكيل أو المضارب أن يلتزم بقيود الموكل أو رب المال فإن خالف ضمن ، وهذا وإن كان من مقتضى الأحكام الشرعية إلا أن النص عليه وهو من مقتضى الشرع يزيد الأمر تأكيداً (1) .
{ 18 } صحة اشتراط ضمان طرف ثالث في المضاربة أي غير المضارب ورب المال ، ويقتصر على ضمان أصل رأس المال وأن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة .
وصحة مثل هذا الشرط لأنه من قبيل التبرع من الطرف الثالث ، ويتعلق هذا التبرع بمقدار ما يحصل من نقص في رأس المال ، والجهالة في التبرعات مغتفرة كما هو مقرر عند الفقهاء .
هذا وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة بجدة القرار
رقم (5) بشأن سندات المقارضة على ضمان الطرف الثالث في البند التاسع ونصه " ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء التزاماتهم بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد " .
وقد قررت مبدأ ضمان الطرف الثالث ندوة البركة الأولى في الفتوى
رقم (50) .
{
__________
(1) ... هذا وقد جاء في فتاوى الندوة الأولى للبركة رقم ( 59 ) أن اشتراط تقديم الكفيل أو الضمان على المضارب أو الشريك جائز شرعاً لضمان التعدي أو التقصير .(1/224)
19 } حرصاً على توفير وسائل حماية لأموال المستثمرين ينص على تطوع المضارب بضمان رأس مال المضاربة دون أن يكون هذا مشروطاً عليه في العقد وتأكيداً ذلك بعبارة " بعد الشروع في العمل " أي بعد تمام العقد وبدء التنفيذ .
وهذا التطوع جائز عند المالكية فقد جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " وأما لو تطوع العامل بالضمان ففي صحة ذلك القراض وعدمها خلاف " (1) .
وجاء في شرح الزرقاني " إذا أطاع العامل بضمان المال امتنع ذلك عند الأكثر ، وأجازه القاضي أبو المطرف ووافقه عليه ابن عتاب (2) .
وهذا ما أفتت به هيئة الرقابة الشرعية بمصرف قطر الإسلامي (3) .
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين (4) : وإنما جاز ذلك -حيلة ضمان مال المضاربة بالقرض - لأن المضارب هو الملزم نفسه الضمان " .
{ 20 } الأصل المجمع عليه لدى الفقهاء أن المضارب غير ضامن وأن يده يد أمانة على المال من حيث المبدأ ، ولكن الفقهاء ذكروا حالات كثيرة يضمن فيها المضارب مثل .
_ ... إذا خالف المضارب مقتضى عقد المضاربة سواء كانت المضاربة مطلقة أو مقيدة كان مفرطاً فيكون ضامناً وفي ذلك يقول ابن تيميه .
" ... بحيث يكون العامل في المضاربة والمزارعة والمساقاة إذا ترك التصرف الذي اقتضاه العقد ... مفرطاً فهذا هو الظاهر .." (5) .
ويقول النووي : " تقيد تصرف العامل بالمصلحة كتصرف الوكيل " (6) .
__________
(1) ... حاشية الدسوقي 3/520.
(2) ... شرح الزرقاني مع حاشية الرهوني 6/323 / أيضاً معين الحكام 2/542 - حاشية أبى الشقاء الصنهاجي 1/279 مشار إليه في بحث د . علي القره داغي - بحث مجلة المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي .
(3) ... مجلة المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي - بحث د . على محي الدين القره داغي السنة /8 العدد 10 سنة 1417 هـ 1996 م ص 116.
(4) ... 3/214 .
(5) ... مجموع الفتاوى 29/406-407 .
(6) ... الروضة 5/127 .(1/225)
- ... مخالفة الشروط المقترنة بالعقد : فالقيود والشروط المشروعة التي اتفق عليها المضارب ورب المال إذا خالفها المضارب يكون ضامناً لما يحدث من خسارة في المال بسبب هذه المخالفة .
يقول الكاساني " .. فإذ خالف شرط رب المال صار بمنزلة الغاصب ، ويصير المال مضموناً عليه " (1) وفي هذا تنص المادة ( 517 ) من مشروع القانون المدني المصري المأخوذ من الشريعة على أنه " إذا كانت المضاربة مقيدة وجب على المضارب أن يراعي الشرط المتفق عليه ... "
- ... الخيانة والتعدي من المضارب : يقول ابن رشد : " ولا ضمان على العامل فيه لأنه أمانة بيده إلا أن يتعدى فيه أو يخالف إلى شيء مما نهي عنه " (2) .
ويقول الشيرازي " والعامل أمين فيما في يده فإن تلف المال في يده من غير تفريط لم يضمن " (3) .
ويقول ابن قدامه " ولا ضمان على العامل في مال المضاربة فيما يتلف بغير تعدية وتفريط " .
ويقول أيضاً " إذا تعدى المضارب وفعل ما ليس له فعله ، أو اشترى شيئاً نهى عن شرائه فهو ضامن للمال " .
- ... وإلى جانب أحوال ضمان المضارب التي ذكرها النص على النحو السابق كان من الطبيعي أن يورد النص في عجزه ضمان ما لحق رب المال من ضرر بسبب ما ذكر من مخالفات ، وهذا تطبيق للقواعد العامة في الفقه في جبر الضرر والتعويض عن الفعل الضار .
وفي هذا تنص المادة ( 517 ) من مشروع القانون المدني المصري المأخوذ من الشريعة على أنه " إذا كانت المضاربة مقيدة وجب على المضارب أن يراعى الشرط المتفق عليه فإن خالفه كان ضامناً ما يصيب مال المضاربة من هلاك أو تلف ، وما يلحق رب المال بسبب هذه المخالفة من ضرر " (4) .
{ 21 } إن خسارة المال يتحملها رب المال .
يقول ابن رشد :
__________
(1) ... بدائع الصنائع 8/3604 ، 3605 .
(2) ... المقدمات الممهدات 3 / 8 .
(3) ... المهذب 1/388 .
(4) ... المواد : 1420 - 1423 من مجلة الأحكام العدلية .(1/226)
" أجمعوا على أن ...لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذ لم يتعد " (1) .
وإنما كان تحمل المضارب ضمان رأس المال ممنوعاً شرعاً لأنه يخالف مقتضى عقد المضاربة ، وتكون خسارته منحصرة في ضياع جهده ، ويتحمل رب المال خسارة ماله ، لأن المالك يتحمل تبعة ملكه ما لم يوجد سبب شرعي لضمان المضارب على نحو ما سبق .
وعلى ذلك فمتى شرط على المضارب ضمان المال أو سهماً من الوضيعة فالشرط باطل ويقول ابن قدامة " ولا نعلم فيه خلافاً " (2) .
ويقول الإمام مالك شرط الضمان في القراض باطل (3) .
وصرح الحنفية والحنابلة بأن كل شرط فاسد لا يعود بجهالة الربح لا يفسد به عقد المضاربة (4) .
هذا وقد أصدرت ندوة البركة الخامسة في القاهرة - ربيع أول سنة 1409 هـ الفتوى التالية :
" بعد استعراض البحوث المقدمة للندوة ، وبعد الاستماع إلى المناقشات التي دارت بشأنها قررت اللجنة أن شرط ضمان العامل لرأس المال ينافي مقتضى العقد فلا يجوز " (5) .
وجاء في تعليل فساد هذا الشرط وكونه لغواً فلا يفسد المضاربة ما قاله على حيدر في شرح مجلة الأحكام " لأن هذا الشرط زائد فلا يوجب الجهالة في الربح أو قطع الشركة فلا تفسد المضاربة به حيث إن الشروط الفاسدة لا تفسد المضاربة " (6) .
{ 22 } تفسد المضاربة باختلال شرط من شروط صحتها ، ومن آثار المضاربة الفاسدة :
__________
(1) ... بداية المجتهد 2/226 .
(2) ... المغني لابن قدامة 5/184 .
(3) ... الموطأ مع تنوير الحوالك 2/177 .
(4) ... المغني 5/186 ، 187 - تبيين الحقائق للزيلعي 5/55 ، 56 .
(5) ... منشورة بمجلة مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي السنة 8 العدد /10 سنة 1317 هـ 1996 م ص 64 .
(6) ... 3 / 459.(1/227)
- ... سلامه الربح كله إن حصل ربح لرب المال لأنه فائدة ماله ونماؤه ، فلذلك يكون جميع الربح له في المضاربة الفاسدة . والمضاربة الفاسدة في معنى الإجارة الفاسدة ، فيكون جميع الربح لرب المال لأن الاستحقاق للربح
إنما حصل بعقد المضاربة ، ولما كان عقد المضاربة فاسداً فلا يستحق المضارب الربح ، وإنما كانت الإجارة فاسدة لعدم وجود العقد الصحيح المفيد للإجارة ، (1) .
- ... يكون المضارب بمنزل الأجير فيأخذ أجر المثل بدل عمله ويكون عاملاً لرب المال والربح الذي شرط له كأجرة عمله ، فإذا فسدت المضاربة يظهر معنى الإجارة ، ولا يستحق الربح لأن الربح إنما يكون في المضاربة الصحيحة ، ولكن ليس له أخذ أجر المثل بالغاً ما بلغ بل له أخذه بشرط ألا يتجاوز المقدار المشروط حين العقد ، ومن ثم يجوز أن يكون أقل من المشروط .
وإذا لم يكن ربح في المضاربة الفاسدة فلا يستحق المضارب أجر المثل عند أبي يوسف - خلافاً للجمهور - كما أنه - إذ لم يكن ربح - لا يستحق شيئاً من الربح في المضاربة الصحيحة حتى لا تربو المضاربة الفاسدة عن المضاربة الصحيحة مع أن الصحيحة فوق الفاسدة ، ولأن العقد الفاسد يؤخذ حكمه من العقد الصحيح من جنسه .
ويقول ابن عابدين اتفق الشراح على صحة هذا التعليل (2) ويقول على حيدر في شرح المجلة درر الحكام : ورأي أبو يوسف هو الذي اختارته المجلة في المادة ( 1426 ) (3) .
{ 23 } جواز توقيت المضاربة بمدة معينة فإذا انتهت هذه المدة انتهت المضاربة ، وهو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة .
فقد جاء في البدائع للكاساني " ولو قال خذ هذا المال مضاربة إلى سنة جازت المضاربة عندنا ... لأن المضاربة توكيل والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت " (4) .
__________
(1) ... انظر الكاساني في بدائع الصنائع 8/3654.
(2) ... حاشية ابن عابدين 5/646.
(3) ... درر الحكام لعلي حيدر 3/457 ، 458 .
(4) ... 8/3633 .(1/228)
وجاء في المغني لابن قدامه " ويصح تأقيت المضاربة مثل أن يقول ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا انقضت فلا تبع ولا تشتر قال مهنأ : سألت أحمد عن رجل أعطى رجلاً ألفا مضاربة شهراً ... قال لا بأس به ..." وعلل ابن قدامه ذلك بقوله " ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجار توقيته في الزمان كالوكالة " (1) .
... ويجوز إذا أنهى الطرفان المضاربة قبل انقضاء مدتها جاز لمن لحقه ضرر مالي فعلي من جراء ذلك الرجوع بالضمان على الطرف الآخر .
أهم الفروق الجوهرية
بين
الاقتصاد الإسلامي والوضعي
... ... ... ... ... ... ... ... ... جدول رقم ( 1 )
م ... عنصر المقارنة ... الاقتصاد الوضعي ... الاقتصاد في الإسلام
1 ... المعنى ... هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة سلوك الأفراد والمجتمع في إدارة الموارد الإنتاجية النادرة وتنميتها لإشباع الحاجات الإنسانية اللانهائية . ... هو ذلك العلم الذي ينظم علاقة الأشخاص بالمال في كسبه وفي إنفاقه وفق أحكام الشريعة التفصيلية ومقاصدها الكلية .
2 ... الوفرة / الندرة في المواد ... هي أساس النظر والتعامل معه الموارد الإنتاجية وكيفية توزيع الموارد النادرة ذات الاستعمالات البديلة بين الأهداف المتعددة . ... الوفرة هي أساس النظر والتعامل مع الموارد الإنتاجية لقوله تعالى " وبارك فيها وقد فيها أقواتها 000 سواء للسائلين " فصلت /10 ولقوله تعالى :
" وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها " إبراهيم / 34 .
3 ... سعر الفائدة ... أساس التعامل النقدي في حركة النشاط الاقتصادي . ... محرم بجميع أشكاله وصوره ومسمياته بالقرآن والسنة والإجماع.
الربوية
4 ... إشباع الحاجات والرغبات ... مقصد أساسي وهي حاجات ورغبات لا نهائية تقوم على تحقيق أقصى إشباع ممكن وأكبر متعة ولذة شخصية . ... مقصد مشتق أي تابع لأحكام الإسلام عقيدة وشريعة ، فهي ليست لا نهائية حيث تنتهي عند حد السرف والترف والتبذير ومحكومة بأحكام الحلال والحرام .
__________
(1) ... ح 5 /185.(1/229)
5 ... الأساس الفكري والفقهي ... أساسه المذهب الفكري القائم على مجرد العقل والفكر البشري ، سواء كان نظاماً رأسمالياً أو اشتراكياً ومن ثم المادية البحتة . ... أساسه الدين بأحكامه الكلية والتفصيلية عقائدية وتشريعية ، ومن ثم التوفيق بين المادة والروح والأخلاق .
6 ... المصلحة العامة ... اختلاط مفهوم المصلحة الخاصة الفردية والعامة المجتمعة سواء في ذلك النظام الرأسمالي وسيطرة طبقة البرجوازية في النظم الليبرالية وسيطرة طبقة البروليتاريا في النظم الاشتراكية . ... المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة عند التعارض وحقوق الله يجب مراعاتها في جميع الأحوال .
7 ... التكاليف المالية ... الأصل فيها الضرائب ( التوظيف ) . ... الأصل فيها الزكاة .
8 ... ملكية الأموال ... أساسها والأصل فيها الملكية الخاصة أو الفردية في النظام الرأسمالي والملكية العامة أو المجتمعة في النظام الاشتراكي . ... أساسها والأصل فيها الاستخلاف فهي محكومة بقواعد الشرع وأنها تتعدد وتجتمع بنسب متفاوتة بين الخاصة والعامة والوقف .
9 ... المصرفية والنظام المصرفي ... تقوم على الإتجار في النقود على أساس القرض الربوي . ... تقوم على الاتجار بالنقود وأن القرض لا يفعل إلا لله قرضاً حسناً لا ربوياً.
10 ... السوق ... يعمل لصالح الأغنياء ومن يملك القوة الشرائية ومن ثم فهي عرضة للاحتكار والمنافسة الاحتكارية ، ومن هنا تسودها الحرية المشوهة في النظام الرأسمالي والتخطيط المركزي في النظام الاشتراكي . ... دستورها حديث الرسول صلى الله عليه وسم : " هذا سوقكم لا ينتقصن ولا يضربن عليه خراج " .
( أخرجه ابن ماجة في سننه رقم 2233).
11 ... الثروة ... دُولَة بين الأغنياء ، ومن ثم الصراع الطبقي البغيض . ... عدالة توزيع الثروة كي لا تكون دولة بين الأغنياء بنظام الإرث والزكاة وغيرهما .(1/230)
12 ... نظام الحماية الجنائية والعقابية ... تدل الإحصاءات الميدانية على أنه لم يفلح في السيطرة على مظاهر الفساد. ... العكس تماماً وعلى رأس نظام تلك الحماية تأتي الحدود .
13 ... الضمانات في المعاملات ... تتسم بالقصور وعدم الفاعلية ، ويظهر عكس ذلك من النظر في نظام الضمانات في الاقتصاد في الإسلام . ... المعاملات تحكمها منظومة متكاملة من الضمانات : الوقائية المتمثلة في التزام النواهي والأوامر والخيارات الفقهية .
- الضمانات التابعة العلاجية : كالعربون ودفعة ضمان الجدية وتعويض الأضرار المالية الفعلية والرهن والكفالة والحق في الاحتباس والحوالة .
- الضمانات الإجرائية والإثبات : آية المداينات ومقصد حفظ الأموال في الشرع الدين يجتمع في إثباته : الكتابة وصدورها من كاتب عدل ، وإقرار المدين أو وليه بالعدل والشهادة .
14 ... البطالة ... تعمل آليته القائمة على مبدأي تعظيم رأس المال وتعظيم الربح على وجود البطالة وتزايدها . ... تعمل آليته من خلال التزاوج بين عنصري العمل ورأس المال والمشاركات وسلة العقود الاستثمارية ، ومن ثم المزيد من فرص العمل على مكافحة البطالة.
15 ... التضخم ... تعمل آليته القائمة على مبدأ سعر الفائدة وتركيز الثروة ، ومن ثم التهيئة للاحتكار على وجود التضخم. ... تعمل آليته من خلال مبدأ الربح والخسارة والغرم بالغنم وتصحيح وظيفة النقود على مكافحة التضخم.
16 ... الصراع / التكافل الاجتماعي ... تعمل آليته الفردية على توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء وتأجيج الصراع الطبقي الاجتماعي . ... تعمل آلية التعاون والتكافل على ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء ومكافحة الصراع الطبقي والاجتماعي .
17 ... آلية النشاط الاقتصادي ... يحكمه مبدأ تعظيم الربح وتعظيم الثروة وسعر الفائدة . ... تحكمه المطلوبات والمحظورات الشرعية ومبدأ الربح والخسارة والغرم والغنم .(1/231)
18 ... المحصلة ... * الفقر المذل المهين إذ سوف يصل عدد الفقراء إلى نحو 1.9 مليار نسمة بحلول عام 2015 حسب آخر إحصائية للتنمية في العام ... * عصر عمر بن عبد العزيز والقضاء المبرم على الفقر .
99/2000 أجراها البنك الدولي . ... * الاقتصاد في الإسلام نظام إصلاح وعمارة ، لقوله تعالى :
* تركيز الثروة فـ (35 ) شركة كبرى تستأثر بما نسبته 40 % من التجارة العالمية (10) شركات تستأثر بما نسبته 86 % من قطاع الاتصالات 1 % يملكون 50 % من الثروة في U S A . ... " ولا تعثوا في الأرض مفسدين " هود /85 .
* المضاربات فكل (1) دولار من ... * لقوله تعالى :
(50) يستخدم في الاستثمار الحقيقي و49 في المضاربات . ... " زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " ال عمران /145 .
* الانهيارات المالية نيويورك 87 جنوب شرق آسيا 1997 – المملكة المتحدة 92 ، وروسيا 1999 . ... * المال خير وفتنة ، ومن ثم ضرورة إتباع منهج الله فيه : لقوله تعالى :
* التلوث البيئي المخيف . ... " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " طه /153 – 124 .
* التضخم الركودي والبطالة . ... التغيير يحتاج إلى تغيير فاقتصادنا دين وتربية .
أهم الفروق الجوهرية بين
البنك التقليدي والبنك الإسلامي
... ... ... ... ... ... ... ... ... جدول رقم ( 2 )
م ... عنصر المقارنة ... البنك التقليدي ... البنك الإسلامي
1 ... النشأة ... نزعة فردية مادية للاتجار في النقود وتعظيم الثروة . ... أصل شرعي لتطهير العمل المصرفي من الفوائد الربوية والمخالفات الشرعية .(1/232)
2 ... المفهوم ... أحد مؤسسات السوق النقدي التي تتعامل في الائتمان النقدي وعمله الأساسي والذي تمارسه عادة قبول الودائع لاستعمالها في عمليات مصرفية كخصم الأوراق التجارية وشرائها وبيعها ومنح القروض وغير ذلك من عمليات الائتمان . ... مؤسسة مالية مصرفية تتقبل الأموال على أساس قاعدتي الخراج بالضمان والغرم بالغنم للاتجار بها واستثمارها وفق مقاصد الشريعة وأحكامها التفصيلية .
3 ... طبيعة الدور ... مؤسسات مالية وسيطة بين ... لا يتسم دوره بحيادية الوسيط بل يمارس المهنة المصرفية
المدخرين / المودعين والمستثمرين. ... والوساطة المالية بأدوات استثمارية يكون فيها بائعاً ومشترياً وشريكاً ..
4 ... أساس التمويل ... يقوم على أساس القاعدة الإقراضية بسعر فائدة . ... يقوم على أساس القاعدة الإنتاجية وفقاً لمبدأ الربح والخسارة .
5 ... صفة المتعامل معه ... - مُودع ومُدخر فهو مقرض ودائن أو مقترض ومدين وكلاهما على أساس الفائدة . ... - صاحب حساب جاري على أساس القرض الحسن والخراج بالضمان.
- مستأجر لبعض الخدمات المصرفية كصناديق الأمانات . ... - صاحب حساب استثماري فهو رب مال .
- مشتري / بائع في جميع أنواع البيوع الحلال .
- مشارك .
6 ... المحظور والجائز ... - يحظر عليه ممارسة التجارة أو الصناعة أو أن يمتلك البضائع إلا سداداً لدين له على الغير عل أن يبيعه خلال مدة معينة . ... - يجوز له ممارسة التجارة والصناعة وتمّلك البضائع وشراء العقارات والتعامل في أسهم الشركات التجارية بالضوابط الشرعية .
- يحظر عليه شراء عقارات غير التي يحتاج إليها لممارسة أعماله ، أو أن يتملكه سداداً لدين له على أن يبيعه خلال مدة معينة .
- يجوز له أن يشتري لحسابه الخاص أسهم الشركات التجارية الأخرى في حدود نسبة محددة من أمواله الخاصة أو بناء على موافقة مسبقة من البنك المركزي .
7 ... الموارد المالية الذاتية ... يستطيع إصدار أسهم ممتازة . ... لا يستطيع ذلك لما تقوم عليه من الفائدة الربوية .(1/233)
8 ... الموارد المالية الخارجية ... الودائع والقروض على أساس الفائدة. ... لا يقرض ولا يقترض بفائدة ويوجد به حسابان للاستثمار :
ح . ث . العام . و ح . ث الخاص ، ويؤسس الأول على قواعد المضاربة المطلقة ويؤسس الثاني على قواعد المضاربة المقيدة .
9 ... الاحتياطي العام ... يستقطع من صافي ربح البنك ... يستقطع من صافي الربح الذي يخص المساهمين فقط .
10 ... استخدامات الأموال ... الجزء الأكبر من الأموال يستخدم في الإقراض بفائدة . ... الجزء الأكبر من الأموال يتم توظيفه على أساس صيغ التمويل الإسلامية من البيوع والمشاركات والمضاربات وغيرها .
11 ... الوظيفة الرئيسة ... يقوم بصفة أساسية ومعتادة بقبول الودائع وتقديم القروض للغير على أساس الفائدة . ... مضارب في مضاربة مطلقة باعتبار المودعين في مجموعهم رب مال وللمضارب أي البنك أن يضارب فيكون ربَّ مال وأصحاب العمل (المستثمرون ) هم المضارب ,
12 ... الإدخار وتنمية الوعي الإدخاري ... طبقاً للنظرية الوضعية الادخار هو الفائض من الدخل بعد الاستهلاك لذلك يبحث البنك التقليدي عن الأموال لدى الأغنياء . ... الادخار تأجيل انفاق عاجل إلى آجل فهو عملية سلوكية لذلك يبحث البنك الإسلامي عن الأموال لدى جميع الأفراد أغنياء وفقراء .
لذلك يهتم بكبار أصحاب الأموال على حساب تنمية الوعي الادخاري لدى الأفراد عموماً . ... لكل فئة من فئات المجتمع دوافعها الادخارية ولذلك تتنوع هذه الدوافع ومن هنا يهتم البنك الإسلامي بتنمية الوعي الادخاري لدى الجميع تحقيقاً لدوافعهم الخاصة .
13 ... المتاجرة على الملكية ... تغطي الملكية إجمالي الأموال التي يستطيع البنك التجاري بناء عليها أن يحصل على القروض واستخدام الأموال المقترضة على أساس سعر الفائدة لتحقيق أكبر عائد لأصحاب البنك . ... لا يعتمد على المتاجرة على الملكية ومن ثم على الفرق بين الفائدة الربوية الدائنة والمدنية وإنما يعتمد على استثمار الأموال والاتجار بها وفق الصيغ والأدوات الشرعية .(1/234)
14 ... الربح ... يتحقق من الفرق بين الفائدة الدائنة والمدينة في عمليات البنك . ... يتحقق بأسبابه الشرعية من : المال – العمل – الضمان – وفق الأساليب الشرعية المحددة لكل
سبب .
15 ... الخسارة ... يتحملها المقترض وحدة حتى ولو كانت لأسباب لا دخل له فيها . ... يتحملها البنك إذا كان رب مال في مضاربة وفي البيوع إذا حدثت حوالة الأسواق وبقدر رأس المال دائماً في المشاركات .
16 ... عناصر الـ ... الأهمية النسبية للضمانات أكثر الاهتمام برأس المال وبالقدرة الإيرادية أكثر . ... الأهمية النسبية لشخصية المتعامل أكثر .
:5C’S ... الاهتمام بالقدرة الايرادية أكثر والمهم أن الوزن النسبي لهذه العناصر الخمسة يختلف عن البنك التجاري بحسب طبيعة كل منهما المختلفة وكذلك طبيعة أعماله ونشاطاته التي يقوم بها وآليتها في الممارسة العملية .
CAPITAL.
COLLATERAL
COPACITY.
CHARACTER
CONDITION
17 ... الخدمات المصرفية ... تؤدي مقابل ما يسمى عمولة تعتبر مصدراً من مصادر الإيراد لا تتقيد بـ : طبيعة الخدمة ولا بالحلال والحرام . ... تؤدي نظير التكاليف الفعلية لهذه الخدمة وتتقيد بالحلال والحرام .
18 ... طريقة احتساب الفائدة ... تحتسب الفائدة ضمن عناصر تكلفة رأس المال ومن ثم تؤثر على الربح . ... الربح أو الخسارة بعد خصم المصروفات والنفقات فقط والربح وقاية لرأس المال وجابر له من الخسران .
19 ... الرقابة ... نوعان من الرقابة : من قبل لجمعية العمومية ، والسلطات النقدية . ... ثلاثة أنواع من الرقابة : الرقابة الشرعية ، ومن قبل الجمعية العمومية ، والسلطات النقدية .
20 ... إعسار المدين ... إذا كان غير مماطل فلا يسمح له بمهلة سداد ، ويلتزم بفوائد تأخير ، وإذا كان مماطلاً فبالإضافة إلى ما تقدم تكون المقاضاة . ... إذا كان غير مماطل يعطى مهلة سداد (فنظرة إلى ميسرة ) ولا يلتزم بأي زيادة على الدين ، وقد يعفى من الدين في حالة الإعسار الكامل وضآلة المبلغ .
وإذا كان موسراً مماطلاً تكون المقاضاة .(1/235)
21 ... صندوق الزكاة ... لا مكان له فيه . ... أحد الركائز في تطبيق المنهج الاقتصادي الإسلامي ولتحقيق التكافل الاجتماعي فهو أحد المزايا التنافسية القوية .
22 ... مقاصد الشريعة وأولوياتها ... ليس لها مكان فيه وإن حصل بعض التوافق فهو جزئي . ... من أهم محددات آلية العمل وممارسة النشاط .
مثال سعر الفائدة والمضاربة والمشاركة
... ... ... ... ... ... ... ... ... جدول رقم ( 3 )
تعامل مستثمر مع بنك تقليدي وبنك إسلامي
ماله كمشارك ... عمله كمضارب
والمطلوب مبلغ يساوي رأس المال .
* ... البنك التقليدي يأخذ 10 % سعر فائدة على قروضه .
* ... البنك الإسلامي يتعامل معه العميل على أساس 20 %
مقابل العمل .
وباقي العائد يوزع حسب رأس المال وهو النصف أي بالتساوي بنسبة 50 % .
وعليه يمكن تصور احتمالات المعاملة على النحو التالي :
إجمالي الربح ... عائد العميل مع البنك التقليدي ... عائد العميل كمضارب مع البنك الإسلامي 20 % ... عائد المشاركة مع البنك الإسلامي 50 %
أو الخسارة
خسارة 4 % ... خسارة 14 % ... خسارة 2 % حسب مقدار رأس المال بالتساوي
(10 % + 4 % )
لم يحقق ربحاً ولا خسارة ... خسارة 10 % (مقابل الفائدة ، فضلاً عن العمل ) ... -
ربح 7 % ( أقل من سعر الفائدة ) ... خسارة 3 % (فرق سعر الفائدة ) ... 1.4 % ... ربح 2.8 %
(بمقدار 20 % )
ربح 10 % ... - ... 2 % ... ربح 4 %
(مساو لسعر الفائدة) ... (استفد العائد في سعر الفائدة مع خسارة عمله )
ربح 20 % ... ربح 10 % فقط (بعد دفع الفوائد ) ... 4 % ... ربح 8 %
· حاصل على درجة العالمية ( الدكتوراه ) في الفقه المقارن من كلية الشريعة – جامعة الأزهر بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى .
· حاصل على درجة العالمية (الماجستير) في الفقه المقارن من كلية الشريعة – جامعة الأزهر.
· حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق – جامعة القاهرة .
· حاصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من كلية الحقوق – جامعة عين شمس .(1/236)
· تلقى علوم الفقه والاقتصاد والقانون على يد خمسين عالماً من المبرّزين في هذه
التخصصات الثلاثة .
· له خبرة أكثر من خمسة وعشرين عاماً في حقل الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية.
· له أكثر من ( 50 ) مادة علمية في الفقه الاقتصادي المقارن والبنوك الإسلامية ما بين كتاب وبحث علمي منشور .
· صمم ونفذ وشارك في عشرات البرامج التدريبية والمواد العلمية الأكاديمية والتدريسية
الخاصة بالاقتصاد والبنوك الإسلامية وأشرف على عشرات الرسائل العلمية .
· أول مستشار للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية .
· أول أمين منتخب للهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية .
· أول رئيس لقسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن عبد العزيز الإسلامية - بالجنوب المملكة العربية السعودية .
· رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي بقبرص التركية .
· عضو هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للعديد من المؤسسات المالية والشركات
الاستثمارية الإسلامية .
· العضو المنتدب للشركة العالمية للاستثمار والتنمية – شركة مساهمة مصرية .
· مارس التدريس الجامعي لسنوات عديدة في الجامعات المصرية والعربية ومارس
القضاء أيضاً.
· شارك في العديد من المؤتمرات والندوات حول الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية .
· حالياً المستشار الاقتصادي باللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية – بالديوان الأميري – دولة الكويت .(1/237)