الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
حكم وقف الأسهم
والصكوك والمنافع
إعداد
أ . د . خليفة بابكر الحسن
خبير أول بمعلمة القواعد الفقهية بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد .
فهذا بحث عن " حكم وقف الأسهم والصكوك والمنافع ", أعددته للدورة التاسعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي المقرر عقدها في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة في: 2 / جمادى الأولى / 1430 هـ . الموافق : 26 / 4 / 2009 .
وقد جعلت بحثي في :
1 ـ تمهيد عن تعريف الوقف ومرونته وقابليته للاجتهاد .
2 ـ مبحث أول عن و قف الأسهم والصكوك .
3 ـ مبحث ثان عن وقف المنافع .
4 ـ خاتمة البحث .
أسأل الله التوفيق فيما أنا بصدده كما أسأله أن يجعل جهدي هذا في حسناتي يوم الدين "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ".صدق الله العظيم .
خليفة بابكر الحسن
تمهيد عن مرونة الوقف وقابليته للاجتهاد(1/1)
ليس من شك في أن الوقف في الإسلام يمثل وجها من وجوه البر والإحسان الممتدة الدائمة , وبابا واسعا من أبواب الصدقة الجارية النافعة , حث عليها القرآن الكريم حين حث على الصدقات وندب إلى الإنفاق بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ } (1) ، وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا } (2) ، وقوله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } (3) وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته الشريفة حين أصاب سيدنا عمر رضي الله عنه أرضا بخيبر وأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها , فقال : يا رسول الله إني أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس عندي منها فما تأمرني فيها ؟ فقال : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها , ولا يبتاع , ولا يوهب , ولا يورث , قال : فتصدق بها عمر رضي الله عنه في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه (4) . وحين وقف أراضي مخيريق الذي كان يهوديا ثم أسلم وقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد , وقال لقومه : إن أُصِبْتُ فمالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء , ثم خرج فقاتل حتى قتل رضي الله عنه , فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : مخيريق خير يهود . وجعل أملاكه وقفا . (5)
__________
(1) ـ ... البقرة : 267 .
(2) ـ ... الكهف : 107 .
(3) ـ ... آل عمران : 92 .
(4) ـ ... الحديث في صحيح البخاري , كتاب الوصايا حديث رقم : 2764 . 7 / 308 . ط : على نفقة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مطبعة أبي حيان .
(5) ـ ... الإسعاف للطاربلسي : ص : 7 . وسيرة ابن هشام مع الروض الأنف : 3 / 168 . دار المعرفة للنشر ..(1/2)
وحين قال صلى الله عليه وسلم : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له ". (1) وتبع الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حينما عملوا على وقف كرائم أموالهم , ونفائس ضياعهم على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل , وولجوه بابا من الأبواب الواسعة التي ساعدت في سد خلة المحتاجين , والتخفيف عن أبناء السبيل العابرين باسطين من خلاله التكافل الاجتماعي بين أفراد مجتمعهم الذي نعم ـ آنذاك ـ بسلامة نواياهم , وطهارة قلوبهم , وعلو مقاصدهم , وجملة ما تشربت به نفوسهم الزكية من تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم على الحق , والفضيلة , والخير , والرحمة , والود , والتآخي .
وفي ظل تلك المعاني كلها تطور الوقف الإسلامي ـ من بعد ـ في عصر التابعين والأئمة المجتهدين ومن تلاهم من فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم , ومن ثم أتباعهم وتلاميذهم من المصنفين والشراح الذين طوروا مباحث الوقف في إطار تطور مجتمعاتهم , وازدياد حاجاتها واتساع متطلباتها فتأسس من ذلك بنيان فقهي متين غطى كل جوانب الوقف من حيث مفهومه , وأحكامه , وشروطه , وأنواعه , وإدارته , واستثماره .
وأصل الوقف في اللغة مصدر وقف بمعنى حبس . تقول : وقفت الدابة والسيارة بمعنى حبستها ومنعتها من السير , وتقول : وقفت عن السير بمعنى حبست نفسي عنه .وتستعمل كلمة الوقف مجازا بمعنى الاطلاع أو الإحاطة تقول : وقفت على معنى كذا بمعنى اطلعت عليه , ووقفته على ذنبه بمعنى أطلعته عليه , وكما تستخدم في الحسيات تستخدم في المعنويات تقول : وقف جهوده على فعل الخير بمعنى حصرها فيه وهكذا , والفعل يستخدم في العربية لازما ومتعديا . أما أوقف فاستعمال غير فصيح (2) .
__________
(1) ـ ... الإسعاف للطرابلسي : ص : 7
(2) ـ ... أساس البلاغة للزمخشري والقاموس المحيط للفيروزابادي .(1/3)
... وقد جاء استعمال المادة في القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (1) , وقوله:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ. } (2)
وفيما وراء ذلك فقد اشتهر استعمال المصدر " الوقف " في اسم المفعول تقول : هذا وقف أي موقوف مثلما أطلق الرأي وهو مصدر على المرئي , تقول : هذا رأي فلان أي ما يراه .
... أما في الاصطلاح فقد اختلف الفقهاء في تعريف الوقف تبعا لاختلاف نظرتهم وتكييفهم له من جهة اللزوم وعدمه .
فالإمام أبو حنيفة ـ الذي يقول بعدم لزومه ـ يعرفه بأنه : "حبس العين على ملك الواقف والتبرع بمنفعتها بمنزلة الإعارة ". (3)
ومقتضى تعريفه هذا أن الوقف هو التبرع بالمنفعة فقط , أما العين فمحبوسة على ملك الواقف وغير خارجة عنه , وهذا الوضع يتيح له التصرف فيها بأي تصرف ناقل للملكية فله بيعها وهبتها والوصية بها , كما أنه إذا مات تكون جزءا من تركته كسائر أملاكه إلا في صور ثلاث نص الإمام أبو حنيفة على أن الواقف لا يملك الرجوع فيها لاعتبارات خاصة بها . (4)
أما الصاحبان محمد وأبو يوسف فيريان أن الوقف لازم , ولذا يعرفانه بأنه حبس العين على حكم ملك الله والتصدق بمنفعتها في الحال والمآل . (5)
__________
(1) ـ ... سورة : الصافات : 24 .
(2) ـ ... سورة الأنعام : 27 .
(3) ـ ... فتح القدير : 6 / 19 , 191 , الدر المختار : 6 / 519 , الإسعاف للطرابلسي : 3 .
(4) ـ ... الصور الثلاث هي : 1ـ أن يحكم فيه حاكم يقول بلزوم الوقف إذا تنوزع فيه . 2 ـ أن يخرج الواقف وقفه مخرج الوصية كأن يقول : إذا مت فأرضي هذه صدقة فيأخذ حكم الوصية , ويلزم الورثة . 3 ـ أن يقف أرضه مسجدا بأن يبنيه ويأذن للناس بالصلاة فيه .( راجع بدائع الصنائع للكاساني : 6 / 218 . )
(5) ـ ... فتح القدير : 6 / 191 . الدر المختار : 6 / 521 , 522 . وخلاصة أحكام الوقف للشيخ علي حسب الله . ص : 5 .(1/4)
ومقتضى تعريفهما هذا لزوم الوقف وعدم جواز الرجوع فيه للواقف أو التصرف فيه بأي تصرف ناقل للملكية , وعدم أيلولته لورثته إذا مات لخروج الوقف عن ملكه وصيرورته على ملك الله تعالى . ويوافق الصاحبين في لزوم الوقف وصيرورته على حكم ملك الله تعالى الإمامان الشافعي وأحمد في أحد قولين لهما وهو الأصح (1) . وفي قول لهما ثان يقولان بدخول العين الموقوفة في ملك الموقوف عليهم إلا أن هذا الملك لا يبيح لهم التصرف فيها بأي تصرف ناقل للملكية كما أنها لا تورث عنهم إذا ماتوا فملكهم لها ملك غير تام أو ملك صوري (2) .
أما المالكية فيعرفون الوقف بأنه : "جعل منفعة مملوك ولو بأجرة أو غلته لمستحق بصيغته مدة ما يراه المحبس ". (3)
ومن تعريفهم هذا يتضح أن الوقف عندهم لازم كما أنه يكون في العقار الذي له غلة وفي المنافع كالإجارة , وأنه يمكن أن يكون مؤقتا , وأن ملكية العين تكون للواقف لكنه يمنع من التصرف فيها بأي تصرف ناقل للملكية , ولا يجوز للواقف الرجوع في وقفه لأنه ملزم بالتصدق بالمنفعة كل مدة الوقف مؤبدة أو مؤقتة .
وللشافعية والحنابلة قول يوافق المالكية في أن الموقوف يكون على ملك الواقف . (4)
والراجح القول بلزوم الوقف وهذا اتجاه الصاحبين المفتى به في المذهب الحنفي , وهو أيضا اتجاه المذاهب الثلاثة. (5)
__________
(1) ـ ... المغني لابن قدامة : 8 / 186 . ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي : . والإقناع للحجاوي : 3 / 2 .
(2) ـ ... أحكام الوصايا والأوقاف للدكتور محمد مصطفى شلبي : 307 .
(3) ـ ... الشرح الصغير على أقرب المسالك : 4 / 97 , 98 .
(4) ـ ... المغني لابن قدامة : 8 / 186 .
(5) ـ ... أحكام الوصايا والأوقاف للشيخ محمد مصطفى شلبي : ص: 316 .(1/5)
كما أن الراجح فيما أراه ـ في ملكية العين الموقوفة أنها تكون على حكم ملك الله تعالى , وهو رأي الصاحبين والإمامين الشافعي وأحمد في الأصح , لأن بقاءها على ملك الواقف ـ وهو رأي المالكية والمحكي أيضا عن الإمامين الشافعي وأحمد ـ يحوج إلى قيد هو عدم جواز التصرف للمالك في العين , ومثله القول بأنها تكون على ملك الموقوف عليهم, لأنه هو الآخر يحوج إلى قيد وهو عدم جواز التصرف للمالكين في ملكهم , أما الاتجاه الأول فهو على الأصل ولا يحوج إلى قيد , ولا شك أن ما لا يحتاج إلى قيد أولى مما يحتاج إلى قيد , والله أعلم . (1)
قابلية الوقف للاجتهاد
يعد الوقف من أوسع الأبواب الفقهية التي تقوم على الاجتهاد وذلك لسببين :
أولهما : أن القرآن الكريم لم يذكر شيئا عن الوقف بخصوصه وعينه , وما استدل به عليه منه إنما يتركز في التوجيه العام الذي بسطته الآيات الكثيرة التي دعت للإنفاق في الخير والبر , وتلك التي حذرت من الشح والبخل , وتلك التي عملت على التنبيه إلى أهمية بذل المال في الدنيا قبل الآخرة , ولذلك فإن أبا طلحة ـ كما أثر ـ لما سمع قول الله تعالى : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون َ } (2) . قال : إن ربنا يسألنا عن أموالنا , فأشهدك يا رسول الله أني جعلت أرضي لله (3) .
__________
(1) ـ ... المرجع السابق والصفحة . وبحث " استثمار موارد الأوقاف والأحباس " للأستاذ الدكتور خليفة بابكر الحسن .مجلة المجمع الفقهي . العدد ( 12 ) جزء (1) ص : 53 , 57 .
(2) ـ ... آل عمران : 92 .
(3) ـ ... الحديث في صحيح البخاري , باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه . حديث رقم : 2752 . فتح الباري شرح صحيح البخاري : 7 / 289 . طبعة أبي حيان على نفقة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم . وانظر : الوقف وأثره في تنمية المجتمع للدكتور محمد بن أحمد بن صالح الصالح . ص : 43 , طبعة مكتبة الملك فهد , الطبعة الأولى : 1422 هـ / 2001 م .(1/6)
كما أن السنة النبوية لم تتعرض لمعظم أحكامه التفصيلية بقدر ما ركزت على أصل مشروعيته , ولذلك كانت أكثر أحكامه اجتهادية (1) .
ثانيهما : أن الوقف ليس تعبديا محضا لا يعقل معناه , وإنما هو تصرف معقول المعنى ومرتبط بمقاصد الشرع , ومبتغاه تحقيق مصالح الموقوف عليهم , وتحقيق النفع للمحتاجين وللمجتمع في عمومه , وفي هذا المعنى يقول القرافي : ولا يصحح الشرع من الصدقات إلا المشتمل على المصالح الخالصة والراجحة (2) , كما أن الإمام العز بن عبد السلام صنفه في معقولات المعنى (3) , وخاصية معقولية المعنى في الوقف تجعله مرنا قابلا للاجتهاد والنظر , لأن الاجتهاد دائما ينبني على ما هو معقول المعنى من الأحكام , أما ما كان تعبديا محضا فلا مجال للرأي والاجتهاد فيه .
وقوة قابلية الوقف للاجتهاد نلاحظها أكثر إذا تتبعنا المصادر الاجتهادية التي تم استخدامها فيه والتي قد نصل من خلالها إلى أن الأحكام الاجتهادية الوقفية كثيرة وتتمتع بتغطية كل المصادر الاجتهادية تقريبا , ونبدأ في ذلك بالعرف الذي بدأ استخدامه كمصدر اجتهادي في الوقف منذ بدايات التفريع الفقهي فيه .
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي : 8 / 158 . ط : دار الفكر , ط : أولى . 1404 هـ / 1984 م .
(2) ـ ... الذخيرة للقرافي : 6 / 302 . ط : دار الغرب الإسلامي . تحقيق الأستاذ سعيد غراب . ط أولى : 1994 م .
(3) ـ ... القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام تحقيق نزيه حماد وعثمان ضميرية: 2 / 137 . ط : دار القلم ط ثانية 1428 هـ / 2007م . بحث الدكتور عبد الله بن بيه عن " أثر المصلحة في الوقف " . ص : 213 . مجلة مجمع الفقه الإسلامي . العدد : 12 / 1 .(1/7)
فالحنفية أثر عنهم من قديم الزمن أن وقف المنقول لا يجوز إلا إذا كان تبعا للعقار أو ورد به النص كالسلاح والخيل أو جرى به العرف كوقف الكتب والمصاحف والفأس والقدوم وأدوات الجنازة وثيابها والدنانير والدراهم والمكيل والموزون ووقف السفينة بالمتاع لتعامل الناس به , والتعامل يترك به القياس لخبر ابن مسعود رضي الله عنه : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن , ولأن الثابت بالعرف ثابت بالنص . (1)
وفوق العرف الاستنباطي نجد أن للعرف التفسيري مجالا في تفسير عبارات الواقفين وشروطهم ودلالات كلامهم . (2)
ثم تأتي المصالح المرسلة وهي المصدر الاجتهادي الكبير الذي أسس لمقابلة احتياجات الزمان والمكان في إطار أنه يمثل المصلحة الداخلة في مقاصد الشرع التي لم يشهد لها نص بالاعتبار أو الإلغاء. (3)
وبنظرة كلية شاملة نجد أن الأحكام الوقفية التي اعتمد الفقهاء فيها على المصلحة كثيرة , منها :
1ـ ... أن الفقهاء بمختلف مذاهبهم جعلوا المعيار لتصرف ناظر الوقف هو تحري مصلحة الوقف حيث أن تصرفه إذا كان في حدود مصلحة الوقف كان جائزا وإذا خالف تلك المصلحة لم يجز (4) . بل إن مراعاة الناظر للمصلحة في هذا الخصوص مبدأ كلي مقرر في القاعدة الفقهية المعروفة " تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة (5) .
ومن بين الفروع التي سلكها الفقهاء فيها : أن ناظر الوقف والقاضي إذا أجرا عقار الوقف بغبن فاحش فإن تصرفهما هذا لا يصح . (6)
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي : 8 / 163 .
(2) ـ ... المرجع السابق : 8 / 180 .
(3) ـ ... علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف :.
(4) ـ ... فقه الوقف في الإسلام للدكتور الصديق الضرير : . ص : 21 .
(5) ـ ... القاعدة الخامسة في الأشباه والنظائر لابن نجيم : ص : 124 . ط : الحلبي تحقيق وتعليق عبد العزيز محمد الوكيل .
(6) ـ ... شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقاء . ص : 309 .(1/8)
2ـ ... إن الفقهاء قرروا أن القاضي هو صاحب الإشراف على نظارة الوقف بحكم ولايته العامة أيا كانت جهة تعيين أولئك النظار , وعليه فإن الناظر ـ إذا خان ـ فالقاضي بالخيار إما أن يعزله ، وإما أن يضم إليه ثقة أمينا حفظا لمال الوقف ورعاية لحقوق المستحقين لأنه مكلف بالنظر في مصلحة الوقف . (1)
3ـ ... أن الفقهاء راعوا في معايير شروط الواقف ألا تتعارض مع مصلحة الوقف , ومن ثم قرروا أن الواقف إذا شرط شرطا فاسدا بطل الشرط وصح الوقف , وعدوا في الشرط الفاسد الشرط الذي لا فائدة فيه , وفي هذا الصدد عد الحنفية سبع مسائل يجوز فيها مخالفة شرط الواقف , ومن بينها : عدم الاستبدال , أو عدم عزل الناظر , وشرط عدم إجارة وقفه أكثر من سنة والناس لا يرغبون في أجرة سنة فقط (2) . وكلها من الشروط التي تتعارض مع مصلحة الوقف , بل وكرسوا في هذا الاتجاه قاعدة فقهية هي : " كل شرط كان مخالفا لنصوص الشرع أو كان فيه تفويت لمصلحة الوقف أو المستحقين فهو شرط باطل . (3)
__________
(1) ـ ... حاشية ابن عابدين : 3 / 532 , والإنصاف : 7 / 13 .
(2) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته : 8 / 181 .
(3) ـ ... حاشية ابن عابدين : 4 / 344 .(1/9)
4ـ ... رغم تشدد الفقهاء في استبدال الوقف إذا كان عقارا , وبخاصة المالكية والشافعية , فإننا نجد من المتأخرين من المالكية من أجازه , ومن ثم جرى العمل به عملا بالمصلحة , وفي هذا الصدد عزي لبعضهم قوله : يباع ويعوض بثمنه ما هو أغبط للمحبس .قلت : وبهذه الفتوى جرى العمل (1) . وقد روي هذا القول أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك في زمن سابق, وقد اشترطوا في ذلك خراب العقار وأن لا يكون في غلته ما يفي بإصلاحه , وفقد من يصلحه تطوعا مع اليأس من أن يرجع إلى حالته الأولى . كما أنه نقل في المعيار عن عبد الله العبدوسي جريان العمل بالمعاوضة في الحبس بالشروط السالفة (2) , وجاء عن صاحب العمل المطلق أن العقار إذا خرب وصار لا ينتفع به الانتفاع التام أنه يباع كما ذكروا جواز بيعه إذا خيف على الموقوف عليه الهلاك بالجوع أفتى به القاضي أبو الحسن علي بن محمود ونقله ابن رحال عن اللخمي وعبد الحميد . (3)
__________
(1) ـ ... بحث " أثر المصلحة في الوقف ". د . عبد الله بن بيه . ص : 226 .
(2) ـ ... المرجع السابق : ص : 225 .
(3) ـ ... المرجع السابق .(1/10)
5ـ ... من أوجه استخدام المصلحة في باب الوقف إجازة بعض الفقهاء لاستعمال فائض الوقف في غيره من أوجه البر إذا لاحت مصلحة في ذلك . وبذلك أفتى أبو عبد الله القوري بل أسند هذه الفتوى لابن القاسم وهو قول عبد الملك بن الماجشون وأصبغ وبه أفتى ابن رشد أيضا. (1) وفي ذلك قالوا : ما كان لله فلا بأس أن يوضع بعضه في بعض (2) . وبذلك أفتى ابن تيمية أيضا إذا لم يكن للواقف شرط فالزائد يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه وما يشبهها (3) . على أن العبدوسي من فقهاء المالكية شرط أن يكون ذلك على وجه المسالفة وأن يكون المسلف غنيا لا يحتاج إلى ما أسلف منه لا حالا ولا مستقبلا . (4)
6ـ ... من أوجه استخدام المصلحة في الوقف تقديم ذوي الحاجة والفاقة على ذوي القربى وعدم اتباع شرط الواقف في ذلك . نقل في الموازية عن ابن القاسم بحثا بين فيه إيثار ذوي الحاجة والفاقة على غيرهم ولو أن الحبس على ذوي القربى . (5)
7ـ ... ومنه جواز تغيير بعض أماكن المرافق الوقفية إذا دعت المصلحة إلى ذلك كتغيير الميضئة إلى غرفة أو تغيير بعض الخلاوى لتكون لسكنى الطلبة . (6)
__________
(1) ـ ... المعيار للونشريسي : 7 / 187.
(2) ـ ... المرجع السابق : 7 / 146 , 147 .
(3) ـ ... المرجع السابق . فتاوى ابن تيمية : 18 / 31 .
(4) ـ ... المعيار للونشريسي : 7 / 45 , و بحث " أثر المصلحة في الوقف " للدكتور عبد الله بن بيه ص : 231 . مجلة المجمع : 12 / 1 .
(5) ـ ... المنتقى للباجي : 6 / 126 . وبحث "أثر المصلحة في الوقف " للدكتور عبد الله بن بية ص : 236 .
(6) ـ ... مواهب الجليل شرح مختصر الشيخ خليل للحطاب : 6 / 36 .(1/11)
8 ـ ... ومن صور مراعاة المصلحة ما أفتى به أبو الحسن القابسي من جواز إخراج الكتب الموقوفة على مسجد معين إلى من يريدون قراءتها ثم يقرأونها أو ينسخونها ويعيدونها , وعلل ذلك بأن الغرض من وضعها في مكان معين هو تعريفها بذلك المكان وفائدة من يصلح للنظر فيها فيه فإذا انتفع بها في غير ذلك الموضع في حيطة حتى ترد فلا بأس (1) . وأفتى بمثل ذلك فيما إذا شرط الواقف أن لا تعطى الكتب إلا كتابا كتابا واحتاج الطالب إلى كتب حال أن تلك الكتب ليست نوعا واحدا وإنما أنواع شتى أفتى بأن الطالب إذا كان مأمونا يمكَّن من عدة كتب مراعاة لقصد الواقف وهو الانتفاع بهذه الكتب . ومثله إخراج الكتب من المدرسة مع اشتراط الواقف عدم الخروج بها فقد جرت العادة بخروجها بحضرة المدرسين ورضاهم لهم ولغيرهم . (2)
وكما استخدم دليل المصالح المرسلة وهو دليل اجتهادي كثيرا في باب الوقف فقد كان للمصدر الذي يقرب منه وهو الاستحسان مجال في ذلك .
ومن صور الاستحسان في الوقف :
1 ـ ... دخول حقوق الارتفاق في الوقف وإن لم ينص على وقفها صراحة . جاء في الإسعاف : فلو قال : أرضي هذه موقوفة ولم يزد تصير وقفا ويدخل ما فيها من الشجر والبناء دون الزرع والثمرة كما البيع , ويدخل فيه أيضا الشرب والطريق استحسانا (3) , ولعل هذا الفرع من الفروع المعروفة المتداولة في باب الاستحسان عند الأصوليين , ويدخل عندهم في الاستحسان بتقديم القياس الخفي على الجلي. (4)
__________
(1) ـ ... المعيار : 7 / 37 .
(2) ـ ... المعيار : 7 / 34 . وبحث " أثر المصلحة في الوقف " للدكتور عبد الله بن بية ص : 236 .
(3) ـ ... الإسعاف : 19 .
(4) ـ ... علم أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب :(1/12)
2ـ ... جواز وقف ما جرى فيه التعارف كالمصاحف والكتب والفأس والقدوم والمنشار والقدر والخبازة لوجود التعارف في هذه الأشياء وبه ترك القياس (1) .وقد تقدم ذكر هذا الفرع أيضا في إطار الحديث عن جريان العرف في الوقف , ووروده هنا لأنه من باب الاستحسان بالعرف ذلك أن الاستحسان يكون بالنص وبالإجماع والعرف والمصلحة مع مراعاة تفاصيل الأصوليين لذلك بين الحنفية والمالكية خاصة (2) .
3 ـ ... حمل بعض الفقهاء قول الواقف ـ فيما لو قال : مالي في المساكين صدقة ـ على التصدق بكل مال تجب فيه الزكاة استحسانا . والقياس أن يتصدق بالكل لأن اسم المال ينطلق على الكل. (3)
وكما استخدم العرف والمصلحة والاستحسان في باب الوقف فقد استخدم القياس وهو رأس مصادر الرأي والاجتهاد في :
1 ـ ... أحكام وقف المريض قياسا على تبرع المريض ووصيته .وفي هذا الصدد روى الطحاوي عن الإمام أبي حنيفة أنه أجاز وقف المريض , ويعتبر من الثلث ويكون بمنزلة الوصية (4) كما أن الفقهاء يقررون في هذا الصدد أن حكم الواقع في المرض كله حكم الوصية . (5)
__________
(1) ـ ... الإسعاف : 24 , وبدائع الصنائع للكاساني : .
(2) ـ ... راجع : الاستحسان في الأدلة المختلف فيها عند الأصوليين .د . خليفة بابكر الحسن . ص : 12 ـ 21 .
(3) ـ ... بدائع الصنائع : 6 / 221 .
(4) ـ ... الدر المختار , ورد المحتار : ص : 8 .
(5) ـ ... الموسوعة الفقهية الكويتية : 37 / 26 , شرح زروق على الرسالة : 2 / 315 . طبعة المطبعة الجمالية بمصر 1330 هـ .(1/13)
2 ـ ... تقرير صلاحيات ناظر الوقف وأحكام ضمانه وعزله قياسا على أحكام صلاحيات الوكيل والوصي وفي ذلك قالوا : الوصية أخت الوقف (1) وأن باب الوقف والوصية واحد. (2) جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم : " الناظر وكيل الواقف عند أبي يوسف , ووكيل الفقراء عند محمد . فينعزل بموت الواقف عند أبي يوسف وله عزله , ويبطل ما شرطه له بموته خلافا لمحمد في كل ذلك. (3)
وفيما وراء ذلك فإن الاجتهاد في باب الوقف للاحتياج الشديد إليه فقد اتسع وتعدى المصادر الاجتهادية المباشرة إلى تخريج أحكامه على القواعد والكليات الفقهية كقولهم إن القاضي لا يملك التصرف في الوقف مع وجود الناظر إعمالا للقاعدة الفقهية المشهورة " إن الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة, (4)
... ومثل خضوع ما يشترطه الواقف للكلية الفقهية " كل شرط وافق مقتضى العقد ولم ينافه فإنه شرط صحيح (5) .
وحتى في الفتوى يفتى في الوقف بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى وإبقاء للخيرات (6) .
__________
(1) ـ ... حاشية ابن عابدين : 6 / 686 .وكشاف القناع : 4 / 282 . وديون الوقف بحث للدكتور ناصر بن عبد الله الميمان ص : 75 . مجموعة بحوث منتدى قضايا الوقف الأول . اكتوبر 2003 م . الكويت .
(2) ـ ... الفروع : 3 / 196 . والمبدع : 5 / 340 .
(3) ـ ... الأشباه والنظائر : ص : 198 .
(4) ـ ... مجلة الأحكام العدلية : 23 . والمبدع : 4 / 373 383 . والأشباه والنظائر للسيوطي : 154 .
(5) ـ ... الإنصاف: 5 / 167 . وكشاف القناع : 3 / 349 .
(6) ـ ... حاشية ابن عابدين : 4 / 386 .(1/14)
وإذا كان الوقف قد قبل بل وتطلب الأحكام الاجتهادية وفق الصورة السابقة فهو من باب أولى يتطلب ويتقبل الاجتهاد لتخير الآراء المناسبة عند اختلاف الفقهاء في مسائله الفقهية وهو ضرب من الاجتهاد , ويتوجه ذلك من أننا إذا استصحبنا الأحكام الفقهية الاجتهادية للوقف , وهي كثيرة كما سلف بسطه ـ فإنه لا بد أن يصحبها اختلاف , لأنها مبنية على الأعراف وهي مختلفة أحيانا وعلى المصالح وهي متباينة أحيانا أخرى من جهة التوسع فيها أو الإقلال منها فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذه الاختلافات في الآراء الاجتهادية لم يسلم منها حتى المذهب الواحد في البلد الواحد فضلا عن المذاهب الفقهية فيما بينها فإن ذلك يلزم بالتخير من هذه الآراء وبخاصة في الأحوال التي يتحتم فيها التشريع المكتوب وتقنين الوقف في مدونة جاهزة ومتفق على أحكامها , وقد حدث هذا بالفعل فإن الدول الإسلامية حين عمدت لتقنين الوقف قادها ذلك إلى التخير من آراء الفقهاء المختلفة حتى ولو كان ذلك من مذهب آخر غير المذهب المعمول به في بلد التقنين . ومن الأمثلة التي نجدها في هذا الصدد أن قانون الوقف المصري لسنة 1948 قد أخذ بالرأي القائل بعدم اشتراط القبول للاستحقاق في الوقف أخذا برأي الحنفية رغم أن المالكية والشافعية وبعض الحنابلة يعتبرون القبول ركنا إذا كان الوقف على معين (1) . كما أجاز نفس القانون وقف المنقول مطلقا أخذا برأي الجمهور في حين أن الحنفية لا يجيزون وقفه إلا في حالات خاصة . وقضى بعدم جواز وقف الحصة الشائعة في عقار غير قابل للقسمة أخذا برأي المالكية وإن كان قد أحاط ذلك ببعض الشروط .
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي : 8 / 160 .(1/15)
كما أخذ بجواز الرجوع في وقف غير المسجد وهو مأخوذ من قول الإمام أبي حنيفة الذي يرى عدم لزوم الوقف , أما الأئمة الثلاثة فإنهم يقولون بعدم جواز الرجوع عملا بمبدئهم في لزوم الوقف , وأخذ بمذهب الحنفية وقول بعض المالكية في وقف غير المسلم , وأخذ برأي الجمهور غير المالكية في تأبيد الوقف في المسجد , وأخذ برأي المالكية في تأقيت الوقف في الوقف على غير المساجد كالمشافي والملاجئ والمدارس والفقراء توسعة في عمل الخير (1) وغير ذلك كثير يجده من يتابع قوانين البلاد الإسلامية في الوقف لا القانون المصري وحده .
__________
(1) ـ ... المرجع السابق : 8 / 163 .(1/16)
وفي كل الأحوال فإن الاجتهاد في فقه الوقف يمثل بابا واسعا استوعب قضايا كثيرة في باب الوقف من قديم الزمن سواء كان ذلك في الموقوف نفسه كجواز وقف النقود أو كان في الشروط المتصلة به وتجديدها كالشروط التوثيقية العشرة أو في ظهور بعض أنواع الإجارات حال استثماره كحق الحكر (1) وحق الإجارتين (2) والمرصد (3) وحق الكدك.
__________
(1) ـ ... الحكر عقد يتم بمقتضاه إجارة أرض الوقف للمحتكر مدة طويلة وإعطاؤه حق القرار فيها ليبني أو يغرس مع إعطائه حق الاستمرار فيها ما دام يدفع أجرة المثل . وهو تدبير اهتدى إليه الفقهاء لمعالجة مشكلة عقارات الوقف التي لم تستطع إدارة الوقف تعميرها . استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة للدكتور علي محيي الدين القرة داغي ص : 479 . الدورة الثالثة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي . مجلة المجمع : 13 / 21 .
(2) ـ ... حق الإجارتين هو عقد إجارة مديد بأذن القاضي على عقار الوقف الذي عجزت إدارة الوقف عن إصلاحه ولم يوجد من يستأجره بأجرة واحدة كالمعتاد فيؤجر بأجرة معجلة تقارب تسميته ليعمر بها , وإجارة مؤجلة قليلة سنوية يتجدد العقد عليها وتدفع كل سنة . وهو نمط استثماري اجتهادي استخدمته الدولة العثمانية في القرن الحادي عشر الهجري عند خراب الأوقاف إثر انتشار حريق كبير في مدن الأناضول . استثمار الأوقاف في الفقه الإسلامي للدكتورين : محمود الدليل ومحمد سلطان العلماء . مجلة مجمع الفقه الإسلامي . دورة 13 , جزء 2 ص 33 .
(3) ـ ... هو ما ينفقه المستأجر على عمارة الوقف حينما يتخرب ويحتاج للإصلاح , ولا يتمكن متوليه من إجارته إجارة طويلة يأخذ منها معجلا ينفقه على تعميره مع عدم وجود غلة سابقة يمكن إصلاحه بها , ووجد من يستأجره ويصلحه بحيث يكون الإصلاح دينا مرصدا على الوقف . حاشية ابن عابدين : 6 / 560 . وبحث استثمار مواد الأوقاف للباحث : ص 23 .(1/17)
(1) وغير ذلك كثير.
وأخيرا فلعل هذه الإلمامة بمرونة الوقف وقابليته للاجتهاد تعتبر أوفق مدخل للحديث عن حكم وقف الأسهم والصكوك , وهي مدار الحديث , وموضوع الدراسة .
المبحث الأول"
وقف الأسهم والصكوك
أولا : حقيقة الأسهم والصكوك
... الأسهم في اللغة جمع سهم , ومعانيه في اللغة كثيرة تبدأ من المعنى الحسي له وهو العود الذي في طرفه نصل يرمى به عن القوس وتمتد إلى الحظ والنصيب . (2)
... أما في اصطلاح الاقتصاديين فقد يطلق على الصك أو الوثيقة , وقد يطلق على النصيب , فبالاعتبار الأول قالوا : السهم هو صك يمثل جزءا من رأس مال الشركة يزيد وينقص حسب رواجها , وبالاعتبار الثاني قالوا : السهم هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال . (3)
__________
(1) ـ ... الكدك : كلمة تركية الأصل تطلق على المنشآت التي تلحق عقارات الوقف على سبيل القرار والدوام بناء على أن العمل فيها قد اقتضاها كالمصاطب والرفوف ونحوها وذلك بإذن المتولي , وقد أقر الفقهاء بحق القرار لصاحب الكدك ما دام أنه يدفع للوقف أجرة المثل , لأن في إخراجه ضررا يلحقه بما صرف عليها , ولا ضرر على الوقف من بقائه . بحث الدكتور محمود أبو ليل : ص 33
(2) ـ ... القاموس المحيط . ولسان العرب . والمعجم الوسيط : مادة " سهم "
(3) ـ ... الشركات التجارية علي حسن ص : 539 . ط : الاعتماد . القاهرة .(1/18)
... والتعريف الثاني ـ وهو النصيب ـ أولى وأقرب إلى المعنى اللغوي , لأن السهم في حقيقته ما هو إلا نصيب , أما " الصك " فممثل لذلك النصيب , وعلى هذا فإن الإطلاق أو التعريف الأول إطلاق مجازي , وقد أحسن في هذا الصدد من جمع بين الإطلاقين وبالتالي عرَّف السهم في الاصطلاح المالي بأنه حصة شائعة في الشركة المساهمة وما يترتب لها أو عليها من حقوق يمثلها صك قابل للتداول , وتمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة وتكون متساوية القيمة . (1)
... ولعله من المناسب هنا, وتفاديا للتداخل الذي يحدث بين السهم والصك والسند , أن نعرف بكل واحد منها أيضا في اللغة والاصطلاح ثم نقارن بينها جميعا .
... الصك في اللغة الضرب الشديد أو الدفع بقوة , وقيل الضرب عامة , ويطلق أيضا على الإغلاق يقال : صك الباب بمعنى أغلقه , وعلى الاضطراب ومنه : اصطكت ركبتاه إذا اضطربتا .
... وفي الاصطلاح العام هو الكتاب الذي تكتب فيه المعاملات والأقارير ووقائع الدعاوى , (2) ومن هذا المعنى انبثق التصكيك في المصطلح المعاصر وهو تقسيم ملكية الموجودات من الأعيان والمنافع أو هما معا إلى وحدات متساوية القيمة وإصدار صكوك بقيمتها , وعلى هذا عرفت الصكوك بأنها " صكوك ذات قيمة متساوية تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو موجودات في مشروع معين أو نشاط استثماري خاص مثل صكوك الإجارة , وصكوك المشاركة , وصكوك المضاربة أو المقارضة . (3)
... وبالمقارنة بين المفهوم المالي للأسهم والصكوك يتضح ما يلي :
__________
(1) ـ ... " الاستثمار في الأسهم " بحث للدكتور علي محيي الدين القرة داغي . ص : 61 . مجلة المجمع : 9/ 2 .
(2) ـ ... موسوعة الفقه الإسلامي الكويتية : 27 / 46 .
(3) ـ ... " وقف النقود والأوراق المالية " للأستاذ الدكتور عبد الله بن موسى العمار . ص : 73 , 74 . بحوث الملتقى الأول للوقف بالكويت .(1/19)
1 ـ ... أن كليهما يمثل حصة شائعة غير أن تلك الحصة الشائعة المعبر عنها بالسهم تكون في شركة مساهمة وتحكمها قوانين تلك الشركة , أما الحصة الشائعة المعبر عنها بالصك فتكون في مشروع معين أو نشاط استثماري خاص , وتحكمها طبيعة وقوانين ذلك المشروع المعين أو النشاط الاستثماري .
2 ـ ... أن قوة الصك دون قوة السهم من حيث أن المساهم شريك وليس كذلك صاحب الصك .
3 ـ ... أن النشاط المعين أو الاستثماري الذي تعبر عنه الصكوك يجري في غالب الأحوال في إطار شركات , أما النشاط المعبر عنه بالأسهم فيأتي في إطار شركات أو بنوك فهو أعم وأوسع . (1)
وفيما عدا ذلك فإن إطلاق الصك على السهم ما هو إلا إطلاق مجازي كما مر بيانه لأن مضمون كل واحد منهما مختلف عن الآخر من الناحيتين الاقتصادية والقانونية .
أما المقارنة بين الصكوك والسندات فتأتي من جهة أن السند في اللغة كل ما يستند عليه من حائط أو غيره . (2)
وفي الاصطلاح المالي هو الأوراق التي تنشأ ممثلة لمديونية محضة ، أو هي صكوك ذات قيمة متساوية تمثل قرضا في ذمة مصدرها يستحق الوفاء في تاريخ محدد مع استحقاق مالكها فائدة سنوية محددة . (3)
ومن هذا التعريف والتعريف الذي سبق للصكوك يتضح الفرق بينهما المتمثل في الأمرين التاليين :
1 ـ ... أن الصكوك تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو هما معا , أما السندات فتمثل دينا لأصحاب السندات على الشركات أو الحكومات المصدرة لتلك السندات .
2 ـ ... أن عائدات الصكوك أرباح , أما عائدات السندات فهي فوائد محددة .
__________
(1) ـ ... " وقف النقود والأوراق المالية " للأستاذ الدكتور عبد الله العمار . ص : 74 .
(2) ـ ... لسان العرب , والمعجم الوسيط . مادة " سند " , والموسوعة الفقهية : 25 / 262 .
(3) ـ ... " الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية " د . منذر قحف . ص : 27 وما بعدها . مجلة المجمع: 9 / 02 ز(1/20)
وفيما عدا ذلك فإن الصكوك والسندات تشتركان في أن كلا منهما يستوفى في الوقت المحدد له , وأن صاحبهما ليس له حق في الملكية وما يترتب عليها من آثار قانونية كالتصويت والاشتراك في مجالس الإدارات , وبهذا العنصر تفترقان عن الأسهم .
وبعد هذه المقارنة بين الأسهم والصكوك والسندات يمضي الحديث في بيان أقسام الأسهم والصكوك مستثنيا في ذلك السندات لأن عائدها فوائد محددة بنص القانون في المفهوم المالي .
وفي هذا الصدد نجد أن الأسهم تنقسم إلى أقسام مختلفة , فهي من جهة الشكل الذي تظهر به تنقسم إلى :
1 ـ ... السهم الاسمي : وهو ما يحمل اسم صاحبه حسب دفاتر الشركة والبيانات الأخر المتصلة به .
2 ـ ... السهم لحامله : وهو الذي لا يحمل اسم صاحبه وإنما يكون لحامله , وتكون ملكيته بحيازته .
3 ـ ... السهم الإذني أو للأمر : وهو ما يسبق اسم صاحبه بعبارة " لإذن " أو " لأمر " وتنتقل ملكيته بتظهيره .
ومن جهة الحقوق التي تثبت وتخول لمالكها تنقسم إلى :
1 ـ ... السهم الممتاز : وهو السهم الذي يختص ببعض المزايا كالأولوية في الأرباح , والأولوية في التصفية , وأحيانا قد يمتاز بزيادة الأصوات .
2 ـ ... السهم العادي : وهو ما ليس له امتياز وعادة ما يوزع عليه ربحه مما يبقى بعد أرباح الأسهم الممتازة .
3 ـ ... سهم التمتع : وهو الصك الذي يستلمه المساهم عند استهلاك قيمة سهمه , ويتأخر حق صاحبه في الربح عند التصفية عن أصحاب الأسهم غير المستهلكة .
ومن جهة الاستثمار فيها تنقسم إلى :
1ـ ... سهم الصناديق المغلقة للاستثمار في الأسهم والسندات , والسهم فيها يكون في شركة تعمل في إنتاج السلع والخدمات كشركات السيارات , والكهرباء , والنقل , والتأمين الخ ..
2 ـ ... أسهم الصناديق المفتوحة للاستثمار في الأسهم والسندات وهي تختلف عن الصناديق المغلقة من جهة أن رأس مالها مفتوح وغير محدد سلفا , ولهذا فإن صندوق الاستثمار المفتوح يقبل دخول وخروج المساهمين في كل وقت .(1/21)
ويدخل في هذا القسم صناديق الاستثمار المتخصصة , وصكوك العقارات المؤجرة (1) , وغير ذلك مما لا داعي للتعرض إليه هنا لأن الحديث فيما يتصل بالوقف سوف يقتصر على الأسهم والصكوك المباح التعامل فيها, وإنما جاء ذلك للدخول للحكم , إذ أن بعض الأقسام في الأسهم التجارية قد يطالها التحريم كما سوف نرى .
وعندما نأتي للحديث عن حكم التعامل بالأسهم نجد القرارات الآتية :
1 ـ ... قرار رقم ( 10 ) دورة مجمع الفقه الإسلامي الثانية عام : 1406 هـ . وقراره رقم ( 1 ) دورة المؤتمر الثالث عام : 1407 هـ . وفيهما نص على أن الزيادة أو الفائدة مقابل تأجيل دين حل أجله, أو على القرض منذ بدايته ربا محرم . (2)
__________
(1) ـ ... "الاستثمار في الأسهم والسندات والوحدات في الصناديق الاستثمارية " للدكتور منذر قحف ص : 26 . مجلة المجمع العدد ( 9 ) جزء ( 2 ).
(2) ـ ... ـ قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدورات : 1 ـ 14 ص : 61 . والاستثمار في الأسهم والسندات للدكتور منذر قحف ص : 35 . مجلة المجمع العدد ( 9 ) جزء ( 2 ).(1/22)
2 ـ ... قرار المجمع بشأن جواز أسهم المقارضة بشروطها الشرعية الواردة في القرار المشار إليه قرار رقم ( 5 ) دورة المؤتمر الرابع عام : 1408 هـ (1) . ومن ضمن شروط الإجازة تحريم السندات الملتزم فيها بدفع فائدة أو نفع مشروط , والسندات ذات الكوبون الصفري , والسندات ذات الجوائز (2) . مع الدعوة إلى تأسيس الشركات المساهمة ذات الأغراض والأنشطة المشروعة , وتحريم الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم , وإجازة الأسهم للحامل وتداولها مع منع الأسهم الممتازة لما تؤدي إليه من ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح أو تقديمها عند التصفية أو عند توزيع الأرباح مع إجازة إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية , إجازة بيع السهم أو رهنه بشروطه , عدم جواز عقود الاختيارات لأن المعقود عليه فيها ليس مالا , ولا منفعة , ولا حقا ماليا يجوز الاعتياض عنه , عدم جواز خصم الأوراق التجارية لأيلولته إلى ربا النسيئة المحرم . (3)
3 ـ ... فتاوى ندوة البركة فيما يتصل بالموضوعات السابقة , وكذلك فتاوى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر وغيرها كثير . (4)
__________
(1) ـ ... قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدورات : 1 ـ 14 ص : 120 .
(2) ـ ... القرار رقم ( 60 , 11 / 6 ) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدورات : 1 ـ 14 ص : 199 , 200 .
(3) ـ ... القرار رقم ( 63 , 1 / 7 ) قرارات وتوصيات المجمع ص : 211 وما بعدها , والاستثمار في الأسهم والسندات للدكتور منذر قحف ص : 35 . مجلة المجمع العدد ( 9 ) جزء ( 2 ).
(4) ـ ... راجع الفتاوى المشار إليها في بحث الدكتور منذر قحف السابق الإشارة إليه . ص : 35 , 36 . مجلة المجمع العدد ( 9 ) جزء (2)(1/23)
4 ـ ... وقد ترتب على إجازة المجمع للأسهم والصكوك بعد تحريرها من النمط الرأسمالي ومنع ما لا يتفق مع الشريعة الإسلامية منها كما تقدم عرضه أن بحث موضوع زكاة الأسهم بحثا مستفيضا , وانتهى إلى وجوب زكاتها وفق الحيثيات والتفصيلات التي تضمنها القرار رقم ( 28 , 3 / 4 ) في دورة المجمع الرابعة بجدة بالمملكة العربية السعودية سنة : 1408 هـ الموافق : 1988 م . (1)
وبناء على ذلك كله فسوف تدور هذه الدراسة في إطار الأسهم والصكوك التي نصت قرارت المجمع على إجازتها , وغني عن البيان أن السندات لا محل لها في الحديث لما يترتب عليها من فائدة مشروطة نصت قرارات المجمع على تحريمها ـ كما سبق بيانه ـ . والله ولي التوفيق .
ثانيا : وقف الأسهم
... تعقيبا على تعريف السهم بأنه نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال , وأن الأسهم يجوز تداولها بيعا وشراء , وأنها تورث بنص القوانين وقرارات المجمع المنظمة لذلك (2) . فإن هذا يعتبر مدخلا مناسبا للحديث عن حكم وقفها , لأن الوقف ـ كما تقدم ـ ما هو إلا تصرف في الأموال بحبس أصلها وتسبيل منفعتها (3) , على أن المقام يلزمنا ونحن بصدد الحديث عن وقف الأسهم أن نستصحب خاصيتين أساسيتين للوقف .
... الأولى : أن الوقف يدخل في زمرة عقود التبرعات وهي العقود التي تقوم على المنحة والمعونة من أحد الطرفين للآخر كالهبة والإعارة والوقف , وتقابلها المعاوضات وهي تقوم على التقابل بأن يأخذ كل واحد من الطرفين شيئا ويعطي مقابله شيئا , وذلك كالبيع والإجارة والصلح عن مال بمال. (4)
__________
(1) ـ ... قرارات وتوصيات المجمع .الدورات : 1 ـ 14 . ص : 113 .
(2) ـ ... قرار المجمع : 63 ( 1 / 7 ) بشأن الأسواق المالية .
(3) ـ ... راجع : ص : . من هذا البحث .
(4) ـ ... المدخل الفقهي العام للأستاذ مصطفى الزرقا : 1 / 513 , 578 .(1/24)
... ويترتب على هذا التمييز آثار منها أن المعاوضات لا تقبل التعليق ولا الإضافة مطلقا , أما الوقف ومثله الوصية فتقبلان التعليق على الموت (1) , وأن المعاوضات لا تغتفر فيها الجهالة والغرر إلا إذا كان الغرر يسيرا , أما التبرعات ومن بينها الوقف فيغتفر فيها الجهالة والغرر عند المالكية لأنها إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال وإن كان الإمام الشافعي يمنع الجهالة فيها أيضا . (2)
... الثانية : أن الوقف انطلاقا من أنه تصرف ذو طبيعة خاصة فله ترتيبا على ذلك مكوناته الخاصة التي تنسجم مع طبيعته , وتستجيب لمقاصده , وتحقق أغراضه فلا بد إذن والحال كذلك من أن نتعرف على تلك المكونات , ومن ثم ننظر في مدى تحققها عند إجراء الوقف على الأسهم .
... ومكونات الوقف هي : ركنه (3) وهو الصيغة عند الحنفية (4) التي تتمثل في الألفاظ الدالة عليه , ومن البداهة أن نشير إلى أنه لا مدخل للصيغة في وقف الأسهم من حيث إجازته وعدم إجازته من الناحية الموضوعية , لأن الأسهم موقوفة , والصيغة تصدر عن الواقف معبرة عن إرادته في وقف الأسهم التي يملكها , اللهم إلا أن يكون ذلك في حدود أن يقول الواقف : جعلت أسهمي التي أملكها في شركة كذا وقفا على جهة كذا , وهذا أمر بدهي متى تم الوصول إلى صلاحية الأسهم للوقف من الناحية الشرعية وهو محل البحث .
__________
(1) ـ ... المرجع السابق : 1 / 513
(2) ـ ... الفروق للقرافي : الفرق الرابع والعشرون : 1 / 150 , 151 .
(3) ـ ... الركن ما كان داخلا في الشيء أو جزءه الذي يتألف منه , والشرط ما كان خارجا عن حقيقة الشيء , متقدما عليه , مستمرا فيه . شرح الكوكب المنير : 4 / 12 .
(4) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي : 8 / 159 .(1/25)
... أما عند جمهور الفقهاء فيتمثل ركن الوقف بالإضافة إلى الصيغة ـ في الواقف , والموقوف , والموقوف عليه (1) ,ولكل ركن من هذه الأركان شروط خاصة به تكمله , ومتى تكاملت تلك الشروط في الأركان المشار إليها انعقد الوقف صحيحا , غير أن هذه الأركان بشروطها قد لا تهمنا كلها إلا بالقدر الذي يتطلبه البحث في بعض الأحوال .
... ولهذا فسوف يتركز الحديث على الموقوف من الأركان , وهو النوع الذي يندرج تحته وقف الأسهم .
... فما الموقوف ؟ وما شروطه ؟ وما مدى تحققها في الأسهم ؟
... الموقوف اسم مفعول من " وقف " التي مصدرها " الوقف " , ويعني ما يقع عليه الوقف , ويطلق عليه بعض الفقهاء " عين الوقف " (2) , وعند بعضهم " محله " (3) , كما أن كلمة الوقف نفسها تطلق عليه من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول , وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .
... وتتمثل فكرة الشروط التي يشترطها الفقهاء في جملتهم في الموقوف في :
... 1 ـ المالية . 2 ـ المعلومية . 3 ـ الملكية للواقف .
... هذا وإن اشترك جميع الفقهاء في الفكرة المشار إليها في الموقوف إلا أنهم قد يختلفون من حيث إضافة بعضها إليها أو الوقوف ببعضها عند نوع واحد دون غيره كما أنهم يختلفون في تعبيراتهم وصيغهم لهذه الشروط .
... وفي كل الأحوال فسوف نعرض لهذه الشروط وفق الاتفاق عليها ومن ثم نخرج وقف الأسهم عليها بالإضافة إلى ذكر الشروط التي انفرد بها بعض الفقهاء مع تخريج حكم وقف الأسهم عليها أيضا , وفضلا عن ذلك فسوف نبين حكم وقف الأسهم في إطار الشروط مجتمعة وفي إطار القواعد العامة للشريعة الإسلامية إن شاء الله .
... والشروط التي اتفق الفقهاء عليها في الموقوف هي :
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته : 8 / 159 .
(2) ـ ... تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي : 6 / 240 . ط : دار إحياء التراث العربي .
(3) ـ ... البحر الرائق في شرح كنز الدقائق : 5 / 234 . / جامع الفقه . والفقه الإسلامي وأدلته للكتور وهبة الزحيلي : 8 / 160 .(1/26)
1 ـ ... أن يكون مالا متقوما . والمال في اللغة ما ملك من جميع الأشياء (1) , وفي الاصطلاح يعرفه الحنفية بأنه ما أحرز وأمكن الانتفاع به عادة (2) . على أن الجمهور يعرفونه بأنه ما له قيمة مالية تلزم متلفه (3) , وبالمقارنة بين التعريفين تتضح عمومية تعريف الجمهور الذي يجعل معيار المالية هو القيمة , ولهذا كانت المنافع والحقوق أموالا عندهم , أما الحنفية فإن معيار المالية عندهم هو الإحراز وعليه فالذي لا يحرز لا يكون مالا عندهم كالمنافع والحقوق .
... وفي كل الأحوال فإن طبيعة هذا الشرط تقضي بأن غير المحرز لا يمكن وقفه كالطير في الهواء والسمك في الماء لأنه ليس ثمة سيطرة عليه , وبالتالي لا تتوفر فيه حرمة أو قيمة مالية تبرر وقفه كما أن المحرمات لا يصح وقفها كالخمر والخنزير لعدم الانتفاع بها في حال السعة والاختيار , ولأن الوقف قربة إلى الله , والتقرب إلى الله لا يكون بالمعصية لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا (4) و { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } (5)
__________
(1) ـ ... لسان العرب : مادة " مول ".
(2) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي : 8 / 40.
(3) ـ ... المرجع السابق : 8 / 42 .
(4) ـ ... صحيح مسلم : 2 / 703 . ط : دار إحياء التراث العربي بيروت .
(5) ـ ... الآية : 222 . من سورة البقرة .(1/27)
... ولا يصح وقف المنافع والحقوق المالية مثل حقوق الارتفاق حق الطريق والمسيل .الخ . وحدها منفصلة عن أعيانها عند الحنفية لأنها ليست بمال عندهم كما تقدم . أما إذا كانت تابعة للعقار الذي يحصرون المالية فيه في باب الوقف فيصح وقفها تبعا لأصولها كالشجر والبناء المتصل بالأرض الموقوفة , ويوافقهم في ذلك الشافعية والحنابلة الذين لا يجيزون وقف المنافع مستقلة (1) . أما المالكية فيجيزون وقف المنافع والدراهم والدنانير بل والطعام كما جاء في المدونة من إجازة وقف الحنطة للسلف , والمعيار طول مدتها مع إمكان رد بدلها (2) وغير ذلك مما يتم تناوله في موضعه من هذا البحث .
... وبعد بيان المراد بهذا الشرط وبيان ما يترتب عليه من حكم الوقف في إطار مفهوم الفقهاء للمالية واختلافهم فيها وأثر ذلك على مفرداته نأتي لتطبيق هذا الشرط على الأسهم فنجد أن الأسهم تتمتع بالمالية لأنها تدخل في عداد الأوراق المالية التي نشأت بعد الأوراق النقدية , ولئن كانت الأوراق النقدية معبرة عن القيمة المادية الكلية فإن وظيفة الأسهم هي تمثيل الموجودات النقدية والحقوق المالية بأصول مالية هي عبارة عن الأوراق والوثائق المثبت عليها أنها تمثل حصة شائعة من رأس المال في شركة مساهمة (3) , ولهذا فالأسهم أموال متقومة وأصحابها ملاك لأنهم في مجموعهم ملاك للشركة المساهمة (4) , كما أنه يجوز تبادلها بالبيع والشراء وتوهب وتورث ويتم بها التخارج .
__________
(1) ـ ... " محاضرات في الوقف " للشيخ محمد أبي زهرة . ص: 98 , 99 .
(2) ـ ... راجع " بحث استثمار موارد الأوقاف والأحباس " للدكتور خليفة بابكر الحسن .ص : 84 مجلة المجمع : 12 / 1 .
(3) ـ ... بحث الدكتور منذر قحف مجلة المجمع ص : 21 . 9 / 12 .
(4) ـ ... المرجع السابق والصفحة .(1/28)
... ومن ضوابط جمهور الفقهاء في الموقوف : " أن ما يصح وقفه كل ما جاز بيعه والانتفاع به" (1) . ونجد في هذا الشأن أن الشافعية والحنابلة يشترطون في العين الموقوفة " أن تكون مملوكة ملكا يقبل النقل بالبيع ونحوه " (2) بل إن المالكية توسعوا في ذلك فقالوا بجواز وقف ما لا يصح بيعه كجلد أضحية وكلب صيد وعبد آبق . (3)
... وكل ذلك يصل بنا إلى ثبوت هذا الشرط وتحققه في الأسهم .
2 ـ أن يكون الموقوف معلوما . وقد فسر الحنفية المعلومية بتعيين القدر كدونم أرض , أو بالتعيين عن طريق النسبة إلى معين كنصف الأرض التي تقع في الجهة الفلانية وفسرها الشافعية والحنابلة بأنها ما ليس في الذمة .
... ومقصد هذا الشرط هو انتفاء الجهالة لأن الجهالة تفضي إلى النزاع (4) .
__________
(1) ـ ... المغني مع الشرح الكبير : 6/ 237 . و"الوقف في الشريعة الإسلامية " للدكتور صالح الصالح . ص : 72 .
(2) ـ ... مغني المحتاج : 2 / 377 . والفقه الإسلامي وأدلته : 8 / 187 .
(3) ـ ... حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : 4 / 75 . ط: دار الفكر - بيروت ، تحقيق : محمد عليش .
(4) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي : 8 / 185 .(1/29)
... وفي كل الأحوال فإن هذا الشرط ليست ثمة صعوبة أو عسر في تحققه في وقف الأسهم , لأن صاحبها باستطاعته أن يوقفها جميعا أو يوقف عددا منها , وعليه ليس ثمة احتمال للجهالة المفضية للنزاع التي هي مبعث هذا الشرط كما أنه لا يتأتى الاعتراض هنا بأن الأسهم في الشركات المساهمة حصص شائعة في الشركة غير معينة في ممتلكات محددة من ممتلكاتها عملا برأي الشافعية والحنابلة في جواز وقف المشاع مطلقا , وبرأي المالكية في جوازه فيما يقبل القسمة لأن الأسهم مما يقبل القسمة (1) , ولأن التسليم الذي يستلزم الإفراز ليس بشرط أصلا في الوقف بدليل وقف سيدنا عمر رضي الله عنه مائة سهم له في خيبر . (2) فضلا عما يؤكد ذلك ويحسم التردد ويقف في مقابلة الاعتراض المنوه عنه وهو ما نص عليه قانون الوقف المصري رقم (48)لسنة 1946 م الذي نص صراحة على ذلك حيث كان من بين الحالات التي أجاز فيها وقف الحصص الشائعة أن تكون الحصة الشائعة حصة أو سهما في شركات مالية بشرط أن تكون طرق استغلال أموال الشركة جائزة شرعا من صناعة أو زراعة أو تجارة فإن كانت محرمة شرعا كالطرق الربوية فلا يصح وقف أسهمها . (3)
3 ـ ... أن يكون الموقوف ملكا للواقف , ومبعث اشتراط هذا الشرط أن الوقف تصرف في الموقوف , والتصرف فرع الملك الذي هو سلطة تتيح لصاحبها التصرف فيما يملك.
... وقد فسر جمهور الفقهاء هذا الشرط بأن ملكية الواقف للموقوف ساعة الوقف ملكية تامة في حين أجاز المالكية تعليق الوقف على الملك (4) .
... وهذا الشرط ـ هو الآخر ـ ليس ثمة خلاف في تحققه في الأسهم لأن المساهم الذي يقف أسهمه هو مالك لتلك الأسهم ملكا تاما لا نزاع فيه . (5)
__________
(1) ـ ... المرجع السابق : 8 / 187 .
(2) ـ ... الوقف للشيخ عيسوي : ص 31 .
(3) ـ ... الوقف للشيخ عيسوي : ص 31 .
(4) ـ ... الدسوقي . باب " وصح وقف مملوك " : 4 / 76 .
(5) ـ ... "وقف النقود والأوراق المالية " للدكتور عبد الله العمار ص : 95 .(1/30)
4 ـ ... أن يكون الموقوف عقارا , وهذا الشرط قال به الحنفية , والعقار عندهم هو ما لا يمكن نقله وتحويله . أما المنقول فلا يصح وقفه عندهم إلا إذا كان تبعا لغيره كالبناء والشجر التابع للأرض الموقوفة أو جرى به التعامل كالكتب وأدوات الجنازة , ولا يجوز عند الإمام أبي حنيفة وقف الخيول والسلاح في سبيل الله لأنها من المنقول ولم تجر العادة بوقفها على أن الصاحبين قد أجازا وقفها (1) .
... وعملا بهذا الشرط الذي اشترطه الحنفية فإن الأسهم لا يصح وقفها بإطلاق ,لأنها ليست بعقار وإن كانت مالا كما وأنها وإن كانت منقولا فإنهم لا يجيزون وقف المنقول إلا في حالات خاصة سلفت الإشارة إليها فضلا عن أن اشتراطهم في الموقوف أن يكون عقارا سببه أن الوقف مؤبد فيناسبه العقار لاستمراره وبقائه على الدوام , والأسهم مؤقتة فلا يتأتى جواز وقفها على رأيهم , ويتعين تخريج جواز وقفها على رأي جمهور الفقهاء الذين يجيزون وقف المنقول وعلى رأي المالكية والجعفرية الذين يجيزون تأقيت الوقف (2) . على أن هناك حالة يمكن إجازة وقف الأسهم فيها على رأي الحنفية , وذلك في حالة ما إذا كانت الشركة محل الأسهم شركة عقارية خالصة لأن الأسهم في هذه الحالة تكون معبرة عن العقار وممثلة له . (3)
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته : أ . د . وهبة الزحيلي : 8 / 185 .
(2) ـ ... محاضرات في الوقف للشيخ محمد أبي زهرة ص : 99 .
(3) ـ ... وقف الأوراق المالية وتطبيقاته المعاصرة . للأستاذ .د . عبد الغزيز القصار . ص : 209 . بحوث الملتقى الوقفي الكويتي .(1/31)
... على أنه بقي أن نذكر أن الشافعية والحنابلة يوافقون الحنفية في مبدأ بقاء الأصل وديمومته لكنهم يتوسعون في ذلك ولا يجعلونه محصورا في العقار وحده , وفي هذا يقول الإمام الغزالي في الموقوف : وشرطه أن يكون مملوكا معينا تحصل منه فائدة أو منفعة مقصودة مع بقاء الأصل. (1)
... ويعبر عن رأي الحنابلة في هذا الصدد البهوتي في كشاف القناع فيقول : ويعتبر في العين الموقوفة أيضا أنه يمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها عرفا كإجارة واستغلال ثمرة ونحوه . (2)
... وهذا المعنى متوفر في الأسهم لأنه يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها .
نظرة كلية في شأن وقف الأسهم
... بعد أن ظهر لنا من خلال عرض شروط الموقوف وتطبيقها على وقف الأسهم تحقق تلك الشروط فيها مما ساعد في تخريج إجازة وقفها ندعم ذلك بإيراد بعض الأدلة العامة والكليات التي تؤيد جواز وقف الأسهم وهي :
__________
(1) ـ ... الوسيط في المذهب للإمام محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبي حامد. : 4 / 239 . ط : دار السلام - القاهرة - 1417 ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : أحمد محمود إبراهيم , محمد محمد تامر .
(2) ـ ... كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي : 4 / 243 . ط : دار الفكر - بيروت - 1402 ، تحقيق : هلال مصيلحي مصطفى هلال .(1/32)
... 1 ـ أن الفتوى في الوقف عموما لا بد من أن تتجه دائما إلى ما هو أنفع له عند اختلاف العلماء فيه نظرا للوقف , وصيانة لحق الله تعالى فيه , وإبقاء للخيرات (1) . ووقف الأسهم من الوقوف العملية التي تقتضي المصالح إجازتها لتتسع دائرة الوقف وقد أدرك هذا المعنى قبل زمن طويل الإمام أحمد بن حنبل فقال رحمه الله حين سئل عن الوقف : " هو جائز في كل شيء " . (2)
... أما المصلحة في إجازة وقف الأسهم فهي ما تقود إليه من اتساع دائرة الوقف , وتعميم نفعه إسهاما في حل الضوائق المعيشية التي تغشى الفقراء والمحتاجين في زماننا هذا , والمساعدة في انبساط النمو العمراني , ونشر التعليم وتوفير الرعاية الصحية .
2 ـ ... أن إجازة وقف الأسهم تنشط حركة المؤسسية في الوقف الإسلامي بحيث تنشأ المحافظ والصناديق الوقفية , ومن ثم المؤسسات المالية الوقفية الكبيرة , وهو اتجاه فوق ما يؤدي إليه من حلول للمشاكل الاجتماعية الكبيرة فيه تجاوب مع الحركة الاقتصادية المعاصرة , وارتفاع بالوقف إلى مستوى المؤسسية التي هي سمة من سمات هذا العصر كما أن من شأن هذا الاتجاه مؤازرة البنوك الإسلامية وترسيخ مبادئ الاقتصاد الإسلامي الذي يرمي في عمومه إلى غايات إنسانية نبيلة من البر والتكامل .
3ـ ... سبق للمجمع أن رجح القول بجواز وقف النقود في دورته الخامسة عشرة المنعقدة في مسقط حاضرة سلطنة عمان عام : 1425 هـ ضمن قراره رقم : 140 / 6 / 15 . ونص القرار :
1 ـ ... وقف النقود جائز شرعا , لأن المقصد الشرعي من الوقف , وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة متحقق فيها , ولأن النقود لا تتعين بالتعيين , وإنما تقوم أبدالها مقامها .
__________
(1) ـ ... حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبي حنيفة لابن عابدين : 4 / 344 . ط : دار الفكر للطباعة والنشر. - بيروت. - 1421هـ - 2000م.
(2) ـ ... كتاب الوقف في مسائل الإمام أحمد بن حنبل الشيباني : 1 / 228 , 229 .(1/33)
2 ـ ... يجوز وقف النقود للقرض الحسن وللاستثمار بطريق مباشر أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد , أو عن طريق إصدار أسهم نقدية تشجيعا على الوقف , وتشجيعا على المشاركة الجماعية فيه .
... وإجازة وقف النقود فيه دلالة على جواز وقف الأسهم , لأن رأس مال الأسهم في أصله نقود بل إن وقف الأسهم أولى لأنها في تعريفها تمثل أصولا عينية أو نقدية في مال الشركة . (1) فضلا عن أن قرار المجمع جعل من المجالات التي توظف فيها النقود الموقوفة إصدار أسهم نقدية تشجيعا على الوقف والمشاركة الجماعية كما هو منطوق قراره , وفوق ذلك فإن المحذور الذي تحامى به المانعون لإجازة وقف النقود , وهو عدم الانتفاع بها مع بقاء عينها , منتف في الأسهم التي انقلبت إلى أصول ثابتة . والله أعلم .
4 ـ ... أن الأسهم حصص شائعة في ممتلكات الشركة من أعيان ثابتة كالعقارات , وأعيان منقولة ونقود وغيرها , وهذه يجوز وقفها بأفرادها , أما العقار فلا خلاف في جواز وقفه , كما أن الجمهور يجيزون وقف المنقول , وإذا جاز وقف العقار والمنقول جاز وقف الأسهم لأنها تمثل خليطا من عقار ومنقول .
ثالثا : وقف الصكوك
__________
(1) ـ ... " وقف النقود والأوراق المالية وأحكامه في الشريعة الإسلامية " د. ناصر عبد الله الميمان . ص : 139 .(1/34)
... تقدم تعريف الصك بأنه يمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات , كما تمت المقارنة بينه وبين السند وبيان الفرق بينهما من جهة أن الصكوك تمثل حصصا شائعة حسب الكيفية الواردة في تعريفها, أما السندات فتمثل ديونا لأصحابها على الجهات المصدرة لها سواء كانت حكومات أو شركات , كما أن عائد الصكوك بحكم طبيعة نشاطها أرباح , أما عائد السندات ففوائد محددة , وعلى ذلك كانت قرارات مجمع الفقه الإسلامي التي حرمت التعامل بالسندات لما فيها من الربا , ولهذا تم استبعادها من هذا البحث , وإن كانت السندات والصكوك تأتي متداخلة في الإطار المالي العام القائم على النظام الرأسمالي الذي لا يمنع الفوائد وإنما يؤسس اقتصاده عليها كما تم التنويه إلى الفروق بينها وبين الأسهم من جهة أن الأسهم تكون في شركات مساهمة , ومحكومة بالتالي بقوانين تلك الشركات ونظمها وأنها تتيح لصاحبها حقوقا مثل التصويت والاشتراك في مجلس الإدارة , وأن قوتها أكثر من قوة الصكوك لأن المساهم شريك وليس كذلك صاحب الصك كما أن مجالها الذي تدور فيه أوسع من الصكوك .
... وبناء على هذه الفروق تم الفصل بين الحديث عن وقف الأسهم ووقف الصكوك لاختلاف كل منهما عن الآخر .
... وفي كل الأحوال فإن أنواع الصكوك كثيرة منها صكوك المضاربة والمشاركة والإجارة والسلم , والأخيرة غير قابلة للتداول إذا كان المشتري هو المسلِم , إذ تمثل تلك الصكوك حينئذ المسلَم فيه وهو الدين (1) . وصكوك الاستصناع ويجري عليها من حيث الحكم ما يجري على صكوك السلم .
__________
(1) ـ ... " الصكوك والمستندات الاستثمارية " للدكتور عبد الستار أبي غدة . ص : 34 بحث غير مطبوع مقدم للدورة السابعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي .(1/35)
... وسوف يقتصر الحديث في هذا البحث على صكوك المضاربة أو المقارضة , وهي الصكوك التي حددها وعرفها وأجازها مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة بجدة بموجب قراره رقم : 30 ( 3 / 4 ) وفيه جاء تعريف صكوك المضاربة أو المقارضة بأنها صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة , وما يتحول إليها بنسبة ملكية كل منهم فيه (1) .
... وبناء على ما رتبه القرار على ذلك التعريف من ثبوت جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها (2) . فإن للمالك حق وقف تلك الصكوك للاعتبارات الآتية :
1 ـ ... ملكية صاحب الصكوك لها وذلك يتيح له وقفها لتوفر شرط ملكية الواقف للموقوف وهو واحد من شروطه باتفاق الفقهاء , وقد سبق تناوله عند الحديث عن حكم وقف الأسهم .
2ـ ... اشتراط قرار المجمع أن يمثل الصك حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله (3) لا يحول دون جواز وقف الحصص لأن جمهور الفقهاء غير المالكية يجيزون وقف المشاع الذي لا يحتمل القسمة , والمشاع القابل للقسمة أجازه الإمام أبو يوسف من الحنفية , وهو المفتى به ووافقه في ذلك المالكية والشافعية والحنابلة (4) .
3 ـ ... إن الشروط الأخرى في الموقوف متوفرة في الصكوك من حيث إنها أموال متقومة ومعلومة , ولا يؤثر في ذلك أنها منقولة لأن بعض الفقهاء أجاز وقف المنقول كما تقدم بيانه , ولأن ربحها ناتج عن المضاربة مع العلم أن الذين أجازوا وقف النقود نفسها أجازوها للمضاربة فيها على أنه لا بد من ملاحظة أن قرار المجمع قد نص على :
__________
(1) ـ ... قرار المجمع رقم : 30 . بند ( 1 ) .
(2) ـ ... القرار المشار إليه . العنصر الأول .
(3) ـ ... القرار المشار إليه . العنصر الأول .
(4) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته . أ . د . وهبة الزحيلي : 8 / 164 , 165 .(1/36)
أولا : أن مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل إذا كان ما يزال نقودا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف وهذه المسألة ـ حينئذ ـ مكانها وقف النقود , وتلحقها الضوابط الخاصة بجوازه . ... (1)
... على أن الذي يمكن تقريره هنا هو عدم جواز وقف صكوك المقارضة التي لا تزال مالا قد تجمع ولم يدخل في دورة العمل لاعتبارات :
... أولها : أن في المضاربة بالنقود عن طريق الصرف ضربا من المخاطرة واحتمال الخسارة لعلاقتها المباشرة بتغير قيمة النقود وسعر الصرف الذي يتجدد كل يوم , والوقف للتصرف فيه حرمة شرعية خاصة وهو كمال اليتيم ينبغي التصرف فيه وفق المصلحة , وذلك يقتضي البعد به عن المخاطرة والمجازفة .
__________
(1) ـ ... بما أن قرار المجمع الذي جاء بصدد جواز وقف النقود جاء عاما حيث تناول مبدأ الجواز ومجال استثمار النقود في القرض الحسن أو الاستثمار المباشر أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد أو عن طريق إصدار أسهم وقفية نقدية تشجيعا على الوقف والمشاركة الجماعية فيه (انظر في هذا الخصوص بحث وقف النقود والأوراق المالية للدكتور ناصر الميمان ص : 135 , 137 .) من غير أن يدخل في المسائل البينية التي تؤدي إلى تداخل بين أوجه الاستثمار للمال الوقفي فقد أرى من المناسب إعادة النظر فيه بحيث يكون قرارا واحدا جامعا شاملا لوقف النقود والأسهم والصكوك والحقوق والمنافع وعلى أن يكون القرار أيضا شاملا للقرار الخاص باستثمار أموال الوقف بعد صدوره للتداخل بين أصل جواز وقف المسائل الاجتهادية المذكورة واستثمارها ، أما استثمار الأوقاف المعهودة السابقة فمعروف ولا يعدو الأمر فيه سوى الضبط اللازم لوسائل الاستثمار لكثرتها واتساعها وتداخلها مع المعاملات المعاصرة التي ليست من إنشاء الفقهاء ولا معهودهم , ولهذا فهي بحاجة إلى ضبطها فقط بحيث تنسجم مع قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها .(1/37)
... ثانيها : أن هذه الصكوك وهي نقود لا تزال في مرحلة عدم المعلومية من جهة كونها صكوكا أو نقودا والموقوف يشترط فيه أن يكون معلوما علما نافيا للجهالة .
... ثالثها : أن في إجازتها الآن إحداثا لتداخل بين أصل الجواز وهو المقصود في هذا البحث , وبين طرق الاستثمار وهي مجال آخر غير أصل الجواز وإن كان بينهما تلازم , وقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في هامش رقم (4 ) من الصفحة السابقة .
... ثانيا ـ أن مال القراض إذا أصبح ديونا فإن أحكام التعامل بالديون تطبق على تداول صكوك المضاربة (1) .
وهذا الضابط يترتب عليه أن وقف تلك الصكوك إذا كان بعد صيرورة مال القراض ديونا لا يصح عند جمهور الفقهاء الذين لا يجيزون وقف الديون جاء في مغني المحتاج :" يجوز وقف عقار ومنقول ومشاع لا عبد وثوب في الذمة " إذ لا ملك والوقف إزالة ملك عن عين (2) . وفي الشرح الكبير للدردير : " ولا يصح وقف مرهون ومؤجر وعبد جان حال تعلق حق الغير به" (3) . إلا عند الحنفية الذين يجيزون للراهن وقف المرهون مع بقاء حق المرتهن بها متعلقا بالمرهون فإن وفى الراهن الدين خلصت العين المرهونة من حق المرتهن بها , وإلا فللمرتهن المطالبة بإبطال الوقف وبيع المرهون. (4)
رابعا : أحكام متعلقة بوقف الأسهم والصكوك
... من الطبيعي أن تقابل وقف الأسهم والصكوك بعض العقبات والإشكالات , وهذه العقبات سببها أمران :
__________
(1) ـ ... القرار المشار إليه . العنصر (3) و (2).
(2) ـ ... مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لمحمد الخطيب الشربيني : 2 / 378 . ط : دار الفكر – بيروت .
(3) ـ ... الشرح الكبير : 3 / 77 . ط : دار الفكر , تحقيق : محمد عليش .
(4) ـ ... مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لمحمد الخطيب الشربيني : 2 / 378 . ط : دار الفكر – بيروت .(1/38)
... أولهما : أن الأسهم والصكوك هي أنماط من المال مستجدة اقتضتها التطورات الاقتصادية المعاصرة التي دعت لتحويل الأصول والمنافع إلى أوراق مالية تيسيرا لتداول حركة المال في وقت اتسعت فيه الحياة الاقتصادية , وتضخم فيه التبادل , ومن الطبيعي ـ نتيجة لذلك ـ أن تكون لهذه الأوراق أوضاعها الخاصة فيما يتصل بطريقة استثمارها وتداولها , وتحركها وقابليتها للتحويل إلى أصول أخرى إذا واجهتها خسارة فادحة كما أنها عرضة لتغير قيمتها من حين لآخر فضلا عن أن الشركات والمؤسسات التي تكون الأسهم والصكوك جزءا منها عرضة ـ هي الأخرى ـ للإفلاس ومن ثم التصفية .
... ثانيهما : أن الوقف له طبيعته من حيث عدم قابليته للبيع , وعدم قابليته للتغيير والتبديل إلا في إطار ضوابط فقهية خاصة بسطها الفقهاء في باب الوقف وغير ذلك من المسائل التي قد لا تتفق فيها طبيعة الموقوف ـ وهو الأسهم والصكوك ـ مع طبيعة الوقف الذي نشأ أصلا في ظروف وأوضاع لم تألف التعقيدات الكثيرة التي صاحبت الحركة الاقتصادية المعاصرة والتي كانت ـ هي الأخرى ـ نتيجة طبيعية ومتوقعة لما اعترى ويعتري التعامل الاقتصادي في عمومه من تضخم واتساع وتداخل .
... وفي كل الأحوال فإن هذه العقبات والإشكالات يحتم الواقع استنباطها واستقراءها ومن ثم وضع الحلول والتدابير الفقهية المناسبة لها , والاجتهاد في هذا الإطار يعتبر اجتهادا مكملا لتخريج الأحكام الخاصة بإجازة وقف الأسهم والصكوك الذي هو أساس المسألة , وقد توصل البحث إلى أن المسائل التي لا بد من تناولها في هذا الإطار هي :
... 1 ـ طبيعة استثمار الأسهم والصكوك والوقف .
... 2 ـ تحويل الأسهم والصكوك إلى أصول أخرى .
... 3 ـ تغير قيمة أصول الوقف .
... 4 ـ أيلولة ملكية الأسهم في حال تصفية الشركة أو المؤسسة .
... وذكر هذه المسائل من باب التمثيل لا الحصر لأن البحث والنظر قد يكشف عن مسائل أخرى تضاف إليها .(1/39)
... وقد اختار البحث تسمية هذه المسائل بأحكام متعلقة بوقف الأسهم والصكوك بحسبان أنها أثر من آثاره , ومتعلقات به من شأنها أن تعود إليه .
... وسوف يتم تناول هذه القضايا بحسب الترتيب السابق لعرضها .
1 ـ طبيعة استثمار الأسهم والصكوك والوقف
... يتمثل استثمار الأسهم أصالة في العائد والربح الذي يتحصل عليه البنك من عمله كما يتمثل في صكوك المقارضة والمضاربة أيضا في العائد أو الربح الذي يتم الحصول عليه من عملية المضاربة .
... وهذا النوع من الاستثمار لا غبار عليه ولا يتعارض مع وقف الأسهم والصكوك في شيء , لأن العائد في الحالين يعود إلى الموقوف عليهم كما أنه يتفق مع تعريف الوقف بأنه حبس الأصل وتسبيل المنفعة , فالأصول محفوظة وهي الأسهم والصكوك , والمنفعة مسبلة لعودها على الموقوف عليهم , إلا أن هناك نوعا آخر من الاستثمار في الأسهم والصكوك وهو تداولها عن طريق البيع والشراء , وقد أقر المجمع هذا النوع من الاستثمار في الأسهم حيث جاء ذلك في قرار المجمع رقم : 63 ( 1 / 7 ) وورد فيه في رقم : (8) تحت بند " أولا ": يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشركة كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقا بمراعاة أولوية المساهمين في الشراء. (1)
... والصكوك يجوز تداولها أيضا وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأسمال المضاربة . (2)
... وهذا الاستثمار يتعارض مع الوقف الذي لا يجوز بيعه لأنه عقد لازم يكون الموقوف فيه على حكم ملك الله تعالى على الراجح بحيث لا يجوز بيع أصله ولا التصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرفات الناقلة للملكية إلا عند الإمام أبي حنيفة الذي يرى عدم لزوم الوقف .
__________
(1) ـ ... قرارات وتوصيات المجمع ص : 214 .
(2) ـ ... قرار المجمع رقم : 30 . ( 3 / 4 ) العنصر الأول .(1/40)
... وقد جاء هذا المعنى واضحا في كثير من تعابير الفقهاء كقول بعضهم : " مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته " (1) إلا أن جمهور الفقهاء , وإن اتفقوا على عدم جواز بيع الوقف , لكنهم أتاحوا للواقف أن يشترط ما يسمونه بالشروط العشرة ومن بينها جواز الإبدال وهو بيع عين الوقف ببدل سواء كان ذلك البدل عينا أخرى أو نقودا , والاستبدال وهو شراء عين بدل العين التي بيعت , وبعض الفقهاء يفسر الإبدال بالمقايضة والاستبدال ببيع العين الموقوفة بنقود وشراء عين أخرى بتلك النقود (2) غير أن هذا الإبدال والاستبدال لم يسلم هو الآخر من الخلاف فيه , ولعل ذلك كله أثر من آثار فكرة وطبيعة ومفهوم الوقف من حيث لزومه ودورانه على ثبات الأصل ومرونة التحرك في المنفعة .
... وعلى العموم فإن الوقف بالقياس إلى البدل والاستبدال تعتريه حالتان :
__________
(1) ـ ... كشاف القناع عن متن الإقناع امنصور بن يونس بن إدريس البهوتي : 4 / 240 . ط : دار الفكر - بيروت - 1402 ، تحقيق : هلال مصيلحي مصطفى هلال .
(2) ـ ... "فقه الوقف في الإسلام " للأستاذ الدكتور صديق الضرير ص : 16 .(1/41)
1 ـ ... الحالة الأولى حالة الوقف العامر وهذا لا يجوز الإبدال والاستبدال فيه إلا في حالات استثنائية قليلة قائمة على وجود مصلحة حقيقية في ذلك , وممن ذهب إلى ذلك الإمام أبو يوسف وبعض فقهاء الحنفية وورد ذلك ضمن المسائل التي يجوز فيها للقاضي مخالفة شرط الواقف إذا كان ذلك أصلح للوقف (1) جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم " السادس " شرط الواقف عدم الاستبدال فللقاضي الاستبدال إذا كان ذلك أصلح (2) كما يقرر ابن نجيم في موضع آخر أن استبدال الوقف لا يجوز إلا في مسائل منها شرط الواقف له حالة الغصب وإفساده بإجراء الماء فيه بحيث يغدو غير صالح للزراعة , وحالة جحد الغاصب له ولا بينة , وحالة رغبة الإنسان فيه ببدل أكثر غلة , وأحسن وصفا فيجوز على قول أبي يوسف , وقد جاء ذلك أيضا عن الإمام ابن تيمية .
2 ـ الحالة الثانية حالة الوقف الخرب وهذا يمنع المالكية بيعه إلا أن يشتري منه بقدر الحاجة لتوسعة مسجد أو طريق إلا أنهم يجيزون بيع العروض والحيوانات وصرف ثمنها في مقابلها إذا لم تعد ذات فائدة عند ابن الماجشون وإن كان ابن القاسم لا يجيز ذلك . (3)
... والشافعية يجيزون بيع العقار أما المنقول فيجيزون على الأصح بيعه (4)
... أما الحنابلة فيجوز البيع عندهم مطلقا في أي وقف تخرب وتعطلت منافعه , والحنفية يجيزون بيع الموقوف غير المسجد في حالة الضرورة الملحة , والمصلحة الراجحة ونصوا في ذلك على بعض الحالات . (5)
__________
(1) ـ ... الأشباه والنظائر لابن نجيم : ص : 195 .
(2) ـ ... المرجع السابق : 194 , 195 .
(3) ـ ... الشرح الكبير حاشية الدسوقي : 5 / 479 , والقوانين الفقهية : 244 , والفقه الإسلامي وأدلته : 8 / 323 .
(4) ـ ... مغني المحتاج : 2 / 392 , وتكملة المجموع : 15 / 347 .
(5) ـ ... خلاصة أحكام الوقف للشيخ علي حسب الله :ص : 32 , 33 .(1/42)
... والخلاصة أن أحكام الإبدال والاستبدال في الوقف العامر والخرب تفسح المجال للقول بجواز تداول الأسهم والصكوك الموقوفة عن طريق البيع والشراء وبخاصة أن بيع الأسهم والصكوك ليس بيعا كاملا للموقوف وإنما يأتي في إطار الاستثمار بتقليب تلك الأوراق بين البيع والشراء باستمرار , كما أنه لا يمكن أن يكون متعارضا مع شرط الواقف بل يدخل في باب شرط الواقف دلالة بحكم أن الواقف يعلم أن تداول تلك الأسهم والصكوك بالبيع والشراء جزء من وظائفها الاستثمارية المباشرة , على أنه ليس هنالك ما يمنع من وضع قيود لهذا التعامل في حالة وقف الأسهم والصكوك خاصة , وأن تكون الشركات الإسلامية على علم بذلك بحيث لا تسوغ البيع مطلقا وإنما تضع له الضزابط اللازمة التي تتفق مع طبيعة الوقف . والله أعلم .
2 ـ تحويل الأسهم والصكوك إلى أصل الآخر .(1/43)
... قد يترتب على التعامل في الأسهم والصكوك بالبيع والشراء والتداول , وهو المبدأ الذي تم علاجه في الفقرة السابقة في إطار قرارات المجمع التي تسمح بتداول الأسهم والصكوك ومن ثم تخريج المسألة على شرطي الإبدال والاستبدال قد يترتب على ذلك التعامل أحيانا أو لاعتبارات أخرى كالجوائح والأزمات الاقتصادية أن تدخل الشركات المساهمة في حالات خسارة متصلة , وتغدو ـ بالتالي ـ صكوكها وأسهمها في خطر , فهل يجوز ـ في مثل هذه الحالة ـ تدارك الأمر بتحويل تلك الأسهم والصكوك إلى أصول أخرى كالعقارات مثلا أم أن ذلك لا يجوز ؟ أظن أن من الأوفق إجازة ذلك بناء على قاعدة الإبدال والاستبدال التي سبق الحديث عنها , وأن شأن الأسهم والصكوك في مثل هذه الأحوال شأن الوقف المتخرب ومثل ذلك ما إذا كانت الأسهم والصكوك غير متداولة , وكان إفلاس البنوك والشركات بسبب الجوائح المالية غير المتوقعة (1) , والله أعلم .
3 ـ تغير قيمة أصول الوقف
__________
(1) ـ ... وقف النقود والأوراق المالية وأحكامه في الشريعة الإسلامية , بحث للدكتور ناصر عبد الله الميمان ضن بحوث ملتقى الوقف بالكويت : 151 , 152 .(1/44)
... قيمة الأسهم والصكوك عرضة للارتفاع والهبوط تبعا لحالة السوق , وعليه فإن الأسهم الوقفية إذا ارتفعت قيمتها السوقية عن قيمتها الاسمية فإن الزائد عن رأس المال يعتبر ربحا للوقف , وإذا نقصت فإن نقصانها يعني خسارة الأصل الموقوف ويمكن علاج ذلك بالإبدال والاستبدال إذا كانت الخسارة كبيرة , أما إذا كانت الخسارة محدودة فلا بد من تداركها بقدر الإمكان ويأخذ الناظر دوره في هذا الصدد وإلا عد ذلك من باب الإهمال والتقصير الذي لا يجوز صدوره منه , وفيما يتصل بصكوك المضاربة فإن مجمع الفقه أصدر قرارا يبين فيه طريقة جبر الخسارة المتوقعة , ونصه : ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة . (1)
4 ـ أيلولة بدل ملكية الأسهم في حال تصفية الشركة أو المؤسسة
__________
(1) ـ ... قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ص : 124 , 125 . قرار رقم : 30 ( 3 / 4 ).(1/45)
... سبق للبحث أن خرج إجازة وقف الأسهم والصكوك على رأي القائلين بجواز وقف المنقول , وعلى رأي القائلين بجواز تأقيت الوقف لأن الأسهم والصكوك من المنقولات المؤقتة , وبناء على ذلك فإن الواقف إذا جعل وقفه للأسهم أو الصكوك إلى زمن محدد أو إلى وقت انتهاء الشركة فيجوز ذلك وينتهي وقفه بانتهاء الشركة أو المؤسسة أو بالميقات الذي حدده , وعلى ذلك جاء قانون الوقف الكويتي في المادة ( 52 ) منه حيث نص " على أنه لا ينتهي الوقف الخيري إلا إذا كان مؤقتا بزمن محدد وانقضت مدته " (1) وفي مثل هذه الحال يعود الموقوف إلى الواقف أو إلى ورثته بعد موته عملا بقول محمد بن الحسن الشيباني أن الوقف إذا انهدم وصار لا ينتفع وليس له من الغلة ما يمكن عمارته أنه يبطل ويعود إلى ملك الواقف إذا كان حيا , ولورثته إذا كان ميتا (2) .
__________
(1) ـ ... مشروع قانون الوقف الكويتي نقلا عن بحث وقف النقود والأوراق المالية وأحكامه في الشريعة الإسلامية للدكتور ناصر الميمان : ص : 149 .
(2) ـ ... فتح القدير : 6 / 212 , والبحر الرائق : 5 / 237 .(1/46)
... أما إذا لم ينص الواقف على تأقيت وقفه فإن الأصل فيه الدوام والتأبيد , وعليه إذا تمت تصفية الشركة أو المؤسسة التي بها الأسهم أو الصكوك بعد أن وصلت تلك الأسهم أو الصكوك إلى مرحلة انعدام فائدتها بحيث لا يمكن جبرها بالإبدال أو الاستبدال فإن الوقف يغدو كالعدم ، وإلا طبق عليه مبدأ الإبدال والاستبدال عملا بالمصلحة في ذلك وتحويله إلى مؤسسة مالية أخرى بعد بيعه وشراء بدل له إذا أوفى ثمنه بذلك , وإن لم يوف ثمنه يمكن ضمه إلى وقف آخر يتفق معه في غرضه عملا بقول الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في شأن الفرس الحبيس للجهاد إذا كبر ولم يعد صالحا للغزو تباع ويشترى بثمنها غيرها تكون موقوفة على الجهة الموقوفة أو بيعه وتوزيع قيمته على الموقوف عليهم (1) , وقد أثر عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه " إذا تلف الموقوف وصارت قيمته تالفة بتوزيعه أو بيعه وتوزيع قيمته على الموقوف عليهم . (2)
التوصية
... إجازة وقف الأسهم والصكوك عملا برأي الجمهور القائلين بجواز وقف المنقول , ورأي المالكية والجعفرية القائلين بتأقيت الوقف مع مراعاة وضع الضوابط التي تحكم استثمارها وتحويلها وتغير قيمتها وأيلولة ملكيتها في حالة تصفية الشركات والمؤسسات المالية التي كانت مستثمرة فيها . والله أعلم .
المبحث الثاني
وقف المنافع
أولا : حقيقة المنفعة وماليتها
... المنفعة في اللغة مصدر ميمي من النفع وهو الخير والإفادة , وهي كل ما ينتفع به كمنافع الدار أي مرافقها , والمنافع العامة وهي ما كان فيه نفع مشترك بين الناس . (3)
__________
(1) ـ بحث وقف النقود والأوراق المالية وأحكامه في الشريعة الإسلامية للدكتور ناصر الميمان : ص : 149 .
(2) ـ المدونة : 4 / 342 .
(3) ـ ... المعجم الوجيز .(1/47)
... وفي الاصطلاح كل ما يقوم بالأعيان من أعراض , وما ينتج عنها من غلة كسكنى الدار وأجرتها , وثمرة البستان , ولبن الدابة . (1)
... والعنصر الهام في المنفعة الذي ينبغي أن يطاله الحديث ونحن بصدد الحديث عن حكم وقفها هو ماليتها , لأن أول شرط من شروط الموقوف كما سلف بيانه ـ أن يكون مالا متقوما , وقد كان موضوع مالية المنفعة محل خلاف كبير بين جمهور الفقهاء من ناحية والحنفية من ناحية أخرى , وسبب ذلك الاختلاف يرجع إلى تعريف المال عند كل منهما فالحنفية الذين يعرفون المال بأنه ما يقبل الإحراز والادخار لوقت الحاجة لا يعتبرون المنافع أموالا لعدم إمكان إحرازها وإنما هي أعراض قائمة بالأعيان ونواتج عن الأعيان كالغلة والأجرة والثمرة الخ . وطبيعة عرضيتها هذه تجعلها متجددة متغيرة لا تلبث بعد أن توجد أن تختفي لتخلفها منفعة أخرى وهكذا , ولهذا لا يمكن إحرازها , وقد عزز الحنفية اتجاههم في عدم مالية المنافع بالآتي :
1 ـ ... أن المنافع لا تضمن بالإتلاف بل إن الإتلاف لا يتصور فيها لأنها أعراض دائرة بين الوجود والعدم .
2 ـ ... أن ضمانها بالمال المتقوم لا يتأتى لأنها غير متقومة لفقدانها لخاصية الإحراز , وفي هذا يقول صدر الشريعة :" لا تضمن المنافع بالمال المتقوم لأنها غير متقومة إذ لا تقوُّم بلا إحراز , ولا إحراز بلا بقاء , ولا بقاء للأعراض . " (2)
3 ـ ... المنفعة ليست مالا لأنها لا تماثل العين إذ العين جوهر وهي عرض لذلك الجوهر .
4 ـ ... أن المنفعة قبل كسبها تكون معدومة , والمعدوم لا يكون مالا . (3)
__________
(1) ـ ... " الميراث والوصية " للشيخ زكريا البرديسي . الدار القومية للطباعة والنشر : 1964 .
(2) ـ ... التوضيح في حل غوامض التنقيح لصدر الشريعة البخاري : 1 / 319 .
(3) ـ ... راجع بحث " الحقوق المعنوية , بيع الاسم التجاري للأستاذ الدكتور عجيل النشمي ص : 2313. وما بعدها مجلة المجمع : 5 / 3.(1/48)
... غير أن الحنفية وإن اعتبروا المنافع ليست مالا إلا أنهم قالوا إنها تملك , لأن الملك ما يتصرف فيه بملك الاختصاص (1) .
... أما عند الجمهور فإن المنافع أموال لأنهم يعرفون المال بأنه ما له قيمة ويلزم متلفه بضمانه (2) والمنافع لها قيمة بل هي الغرض الأظهر من جميع الأموال (3) . ويستدل الجمهور على مالية المنافع بتقومها , وميلان الطبع إليها , والسعي في ابتغائها , وأن العرف العام يجعلها أموالا كما أن الشارع الحكيم اعتبرها مهرا في الزواج : { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَج .. } [ الآية : 27 . من سورة القصص .] والمهر لا بد أن يكون مالا (4) .
ثانيا : أسباب ملك المنفعة
وبناء على مالية المنافع فإنها تملك عند الجمهور وقد سبق أن الحنفية يجعلون الملك واردا عليها أيضا لا لماليتها وإنما لأن الملك اختصاص , والاختصاص يرد على المنافع كما يرد على الأعيان.
وأسباب ملك المنفعة هي :
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته . أ ز د . وهبة الزحيلي : 8 / 41 .
(2) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته . أ . د . وهبة الزحيلي : 8 / 41 .
(3) ـ ... المرجع السابق :
(4) ـ ... الحقوق المعنوية بيع الاسم التجاري بحث أ . د . عجيل جاسم النشمي ص : 2312 . مجلة المجمع العدد (5) جزء (3) .(1/49)
1 ـ ... الوصية وهي تصرف يضاف إلى ما بعد الموت بغرض التبرع وترد على العين كما ترد على المنفعة , وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على الوصية بالمنفعة وخالف في ذلك ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأهل الظاهر وبعض الإباضية محتجين بأن المنافع تورث وتنتقل إلى ملك الوارث فلا يغدو للمالك سلطة عليها لموته أو بتعبير آخر المنافع معدومة ولا تصح الوصية بمعدوم , أو أنها تتبع الرقبة أو العين فلا تتأتى الوصية بها مستقلة , وقد يجاب عن اعتراض المخالفين الأخير بأن المنافع تتبع الرقاب إذا لم تكن مفردة بالتمليك بالوصية بها , وهنا قد أفردت بالتمليك , وهي قابلة لذلك كالإجارة .
وعلى كل حال فإن هذا الخلاف المفصلي قد حسمه العز بن عبد السلام بقوله : الوصايا خولفت فيها القواعد تحصيلا لمصالحها ، نظرا إلى الأموات إذا انقطعت حسناتهم, لافتقارهم إلى رفع درجاتهم , وتكفير سيئاتهم بحسناتهم . (1)
وقول الإمام العز بن عبد السلام هو الماضي في ذلك بدليل أن الأصوليين يجعلون جواز الوصية من باب " الاستحسان " . (2)
2 ـ ... الإجارة وهي تختلف عن الوصية لأن الوصية تبرع , أما الإجارة فعقد معاوضة على تمليك منفعة (3) , وعقد الإجارة عقد أساسي يضارع البيع الذي يرد على الأعيان لحاجة الناس إليه ودورانه بينهم قديما وحديثا , وهو عقد يكشف عن أهمية المنفعة .
3 ـ ... الإعارة وهي تمليك المنافع مجانا (4) , وقد اعتبرها الشافعية في الأصح عنهم وجمهور الحنابلة والكرخي من الحنفية إباحة لا تمليكا . (5)
__________
(1) ـ ... القواعد للعز بن عبد السلام : 2 / 147 . والملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام العبادي : 1 / 280 .
(2) ـ ... راجع فصل الاستحسان في كتب أصول الفقه.
(3) ـ ... الموسوعة الفقهية الكويتية : 1 / 252 .
(4) ـ ... الملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام العبادي : 1 / 281 .
(5) ـ ... المرجع السابق : 282 .(1/50)
4 ـ ... الوقف يعتبر هو الآخر سببا من أسباب ملك المنفعة للمستحقين لأن الوقف كما سبق ذكره أكثر من مرة هو حبس الأصل وتسبيل المنفعة , على أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن بعض الفقهاء يعتبرون الوقف من باب ملك الانتفاع لا ملك المنفعة (1) .
ثالثا : وقف المنفعة
تقرر أن المنفعة مال حسب رأي الجمهور وأنها قابلة للملك باتفاق الفقهاء كما أن هناك أسبابا عديدة لتملكها فإن هذا يفسح المجال للنظر في إمكانية وقفها . فما رأي الفقهاء في ذلك ؟
نجد الإجابة على هذا السؤال في الفقرتين التاليتين :
1 ـ ... جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة لا يجيزون وقف المنفعة مستقلة وإن كانت مالا عندهم وإنما هي تابعة للعين , وأصرحهم الفقهاء الأوائل الذين يعرفون الوقف بأنه عين كتعريف الإمام أبي حنيفة له " حبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها أو صرف منفعتها على من أحب " ومن التعاريف اللاحقة تعريفه بأنه : "حبس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة " . ومقتضى هذا النوع من التعاريف عدم جواز وقف المنفعة لأن العين أو الأصل الذي ينصب عليهالوقف قسيم المنفعة ومقابلها .
ويتبع هذا الفريق أيضا الفقهاء الآخرون الذين يعرفون الوقف بأنه مال كتعريف الرملي من الشافعية له بأنه " حبس مال يمكن الانتفاع به بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود" (2)
__________
(1) ـ ... المرجع السابق والصفحة . وملك المنفعة هو الإذن للشخص في أن يباشر هو بنفسه أو يمكن غيره من الانتفاع بعوض أو بغير عوض , وملك الانتفاع الإذن للشخص بأ يباشر بنفسه فقط .
(2) ـ ... مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لمحمد الخطيب الشربيني : 2 / 378 . ط : دار الفكر – بيروت .(1/51)
وتعريف البهوتي من الحنابلة له بأنه :" تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف أو غيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر ". (1)
وقد يقال إن أصحاب التعاريف الأخيرة يلزمهم القول بجواز وقف المنفعة لأنهم يعرفون الوقف بأنه مال , والمنفعة مال عندهم فيلزمهم القول بجواز وقف المنافع (2) لكن هذا في نظري بعيد لأنهم يصفون المال في تعاريفهم نفسها بالأعيان والرقاب . والله أعلم .
2 ـ ... المالكية وهم صريحون في إجازة وقف المنافع جاء ذلك في تعريف الدسوقي له بأنه :" جعل المالك منفعة مملوكه ولو كان مملوكا بأجرة أو جعل غلته كدراهم لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبس " (3) .
وفي هذا المعنى يقول الدردير في الشرح الصغير :" وشمل قوله : ولو بأجرة . ما إذا استأجر دارا مملوكة أو أرضا مدة معلومة وأوقف منفعتها ـ ولو مسجدا في تلك المدة ـ وما إذا استأجر وقفا وأوقف منفعته على مستحق آخر غير الأول في تلك المدة , وأما المحبس عليه فليس له تحبيس المنفعة التي يستحقها لأن الحبس لا يحبس . (4)
فالمنفعة عند المالكية يصح وقفها عندهم حتى لو كانت منفعة موقوف في حالة استئجار شخص له مدة , ومن ثم وقف منفعته على مستحق آخر غير الأول مع ملاحظة أن المحبس عليه نفسه لا يصح له تحبيس المنفعة لأن الحبس لا يحبس .
ويتضح من نص المالكية هذا بالإضافة إلى إجازة وقف المنافع إجازتهم لوقف المنقول والنقود كما يتضح منه أيضا جواز تأقيت الوقف حسبما يراه المحبس .
__________
(1) ـ كشاف القناع عن متن الإقناع امنصور بن يونس بن إدريس البهوتي : 4 / 240 . ط : دار الفكر - بيروت - 1402 ، تحقيق : هلال مصيلحي مصطفى هلال .
(2) ـ قضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإوقاف الإسلامية . د . منذر قحف . ص : 79 .
(3) ـ الشرح الكبير : 4 / 76 .
(4) ـ الشرح الصغير : 4 / 98 . تحقيق الدكتور مصطفى كمال وصفي .ط. دولة الإمارات العربية المتحدة .(1/52)
ويبدو ـ والله أعلم ـ أن توسع المالكية في تعدد أصناف الموقوفات سببه أن الوقف عندهم يكون على ملك الواقف , ولهذا يتوسعون في حريته فيه سواء كان ذلك في مضمون الموقوف أو في شروطه .
وجواز وقف المنافع حسبما يراه المالكية هو الرأي الذي يرجحه البحث معززا إياه بالأدلة التالية :
1 ـ قياس الوقف على الوصية
سبقت أكثر من مرة الإشارة إلى أن الوقف من فصيلة الوصية , وفي هذا الصدد جاءت بعض الضوابط الفقهية كقولهم :"الوصية أخت الوقف " وبشكل أكثر تفصيلا يمكن القول بأن الوقف والوصية يشتركان في طبيعة العين الموقوفة أو الموصى بها من حيث إباحة تملكها وتمليكها, وأن المباشر لكل واحد منهما لا بد أن يكون جائز التصرف , وأن يكون كل من الموقوف عليه والموصى له مما يصح له التمليك , وأن الحكم في كل منهما الاستحباب , وأن كلا منهما يبطل بما فيه ظلم كما أن كلا منهما يتقيد بشروط الواقف والموصي . (1)
وما دام أن الوصية والوقف متقاربان إلى هذا الحد , وأن الوصية بالمنافع جائزة عند الأئمة الأربعة حتى الحنفية الذين لا يرون المنافع أموالا بناء على صحة تمليكها حال الحياة, فيجوز قياس وقف المنافع على الوصية بها تعضيدا لرأي المالكية في هذا الصدد .
2 ـ حمل وقف المنافع على نذر التصدق بالمنفعة
__________
(1) ـ ... مأخوذة من مقارنة عقدها الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع في بحثه عن" الأوقاف والأحباس وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفها " . مجلة مجمع الفقه الإسلامي دورة : 13 / 1 ص 598 .(1/53)
ويمكن الاستئناس في ذلك بقول الكاساني وهو يتحدث عن جواز الوقف حيث قال : " لا خلاف بين العلماء في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بالفرع ما دام الواقف حيا حتى أن من وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار والأرض , ويكون ذلك بمنزلة النذر بالتصدق بالغلة (1) .
3 ـ مما يمكن أن يكون معززا لقول المالكية في إجازة وقف المنافع العرف
والعرف كما رأينا في تمهيد هذا البحث ليس بعيدا عن فقه الوقف إذ كان بمثابة المصدر الاجتهادي الذي صحبه منذ بداياته , متمثلا فيما جاء عن الحنفية من إجازتهم لوقف المنقول الذي جرى به العرف والتعامل فقد حدث ذلك رغم تشددهم في تأبيد الوقف , واشتراطهم في الموقوف أن يكون عقارا .
والعرف في زماننا هذا تحرك كثيرا نحو التعامل في المنافع بفضل تطور الحركة الاقتصادية واتساع دائرة التعامل والتبادل فيها وهي حركة نستطيع أن نقول معها أن نسبة التعامل في المنافع فيها أكثر من التعامل في الأصول , وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين المختصين في مجال الاقتصاد " أما المنافع فأنواعها الحديثة كثيرة , وإذا كان حق الطريق أو العبور من الحقوق التي عرفها الفقه الإسلامي وفرع عليها , فإنه أيضا من الحقوق القابلة للتحبيس أو الوقف ومثل حق الطريق في ذلك خدمات أخرى كخدمات نقل الأشخاص ونقل البضائع والعبور المجاني أو بالرسم المخفض على الجسور والطرقات التي توضع لها رسوم عبور " الخ . (2)
رابعا : قضايا تتصل بوقف المنفعة
__________
(1) ـ ... بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني : 6 / 218 . ط : دار الكتاب العربي - بيروت - 1982 ، الطبعة : الثانية. والنذر هو أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر . الفقه الإسلامي وأدلته . أ . د . الزحيلي : 3 / 468 .
(2) ـ ... قضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية للدكتور منذر قحف على الإنترنت ص : 82 .(1/54)
ما دام أن البحث قد انتهى إلى جواز وقف المنافع حسب رأي المالكية في ذلك مع تعزيزه لهذا الاتجاه بقياس وقف المنافع على الوصية بالمنافع , ومعاملته معاملة نذر المنفعة , وإعمال العرف المعاصر في شأن المنافع وأهميتها وحاجة الناس إليها فإن لزوم هذا الرأي يستدعي بحث بعض القضايا والمسائل التي يثيرها وقف المنافع وهي :
1 ـ الفرق بين وقف المنافع والأعيان .
2 ـ علاقة وقف المنافع بالتصرف في الرقبة .
3 ـ طريقة الانتفاع بالمنفعة الموقوفة .
4 ـ المنافع التي يجوز وقفها .
5 ـ وقف المنافع بين التأقيت والتأبيد .
6 ـ صور لوقف المنافع .
وسيتولى البحث النظر في هذه القضايا بحسب ترتيب ذكرها .
1 ـ الفرق بين وقف المنافع والأعيان
لا شك أن وقف الأعيان هو الأصل كما أن وقفها يقتضي تبعية المنفعة لها , لأن الأصل محبس وموقوف والمنفعة متصدق بها , وهذا واضح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها . كما أنه واضح من خلال تعاريف الفقهاء للوقف " تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة أو تسبيل الثمرة " وأثر هذا الوقف على العين أنه يقطع ويمنع التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات البيع والهبة وغيرها على القول الراجح المفتى به , وفي حديث سيدنا عمر رضي الله عنه على " أن لاتباع ولا توهب ولا تورث " وعدم جواز التصرف في العين لتستمر في إدرار المنفعة أو الغلة أو الريع الذي يصرف على جهة البر الدائمة , وهذا يستلزم بالضرورة تبعية المنفعة للعين لأنها ملازمة لها في ذلك كما أنها مقصودة في الوقف فمنع التصرف في العين سببه أن المنفعة هي ناتج العين وعرضها وفي هذا يقرر الفقهاء أن " حيازة المنافع بحيازة أصولها " (1)
__________
(1) ـ ... بحث الحقوق المعنوية للدكتور عجيل النشمي ص : 2322 . مجلة المجمع / 5 / 3 .(1/55)
ويتفرع هذا المعنى عن ملكية الأعيان من جهة أن الوقف يشترط فيه ملكية الواقف للموقوف ملكية تامة , ومتى ملك الواقف العين فإن ملكه يكون شاملا لرقبتها ومنافعها , لأن المقصود من شرع الملك هو الانتفاع بالأشياء على وجه الاختصاص . (1) ويسمى هذا الملك بالملك التام . وهو ملك العين والمنفعة معا على أن هذا الملك يتغير بفعل الوقف فيغدو الموقوف عليهم مالكين للمنفعة وحدها وهو من باب ملك المنفعة دون العين , وتكون العين على حكم ملك الله تعالى أو على ملك الواقف حسب آراء الفقهاء في ذلك فيكون الملك في الحالين من باب الملك الناقص , على أن المنافع قد تنفك عن العين إذا أوصي بها مستقلة عن العين أو وقفت مستقلة كأن يؤجر شخص دارا ويقفها مدة إجارته لها فهو مالك للمنفعة فقط التي نقل ملكيتها بموجب وقفه للموقوف عليهم . أما العين فعلى ملك المؤجر تعود إليه أو لورثته بعد موته عند انتهاء عقد الإجارة .
وخلاصة القول أن وقف الأعيان يقتضي الملك التام قبل الوقف , وبعد الوقف تكون المنفعة للموقوف عليهم , وتكون العين على حكم ملك الله تعالى أو ملك الواقف , وفي رأي تكون على ملك الموقوف عليهم (2)
أما وقف المنفعة مستقلة فهو كالوصية بها من باب ملك المنفعة فقط إلا على رأي من يرى أن الموقوف يكون على ملك الموقوف عليهم , فيكون ملكهم حينئذ ملكا تاما للعين والمنفعة معا .
2 ـ علاقة وقف المنافع بالتصرف في الرقبة
__________
(1) ـ ... راجع تعاريف الملك في كتاب الملكية في الشريعة الإسلامي للأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي : 1 / 152 .
(2) ـ ... راجع تعريف الوقف في تمهيد هذا البحث .(1/56)
وقف المنافع يمنع مالك العين من التصرف فيها إلى حين انتهاء مدة الوقف , لأن المنفعة موقوفة ووقفها يمنع التصرف في العين التي هي منشؤها وأصلها وهذا تخريجا على رأي الحنفية في شأن التصرف في العين الموصى بمنفعتها أما الجمهور فيجيزون لمالك العين التصرف فيها بالبيع ونحوه ويبقى للموقوف عليهم حق الانتفاع بالعين ويستوفونه حتى على ملك المشتري لو بيعت (1)
3 ـ طريقة الانتفاع بالمنفعة الموقوفة
تخضع طريقة الانتفاع بالمنفعة الموقوفة ابتداء لشرط الواقف فإن قيد الموقوف عليهم بالانتفاع الشخصي فليس لهم الحق في إجارتها لغيرهم وإنما يستوفون منافعها بأنفسهم , وإن لم يقيدهم بنوع معين من الانتفاع فلهم الاستغلال أو السكنى ,وإن قيدهم بالاستغلال فالراجح أن لهم السكنى لأن من ملَّك غيره السكنى ملكها بنفسه من باب أولى , وقيل ليس له السكنى (2) جاء في الذخيرة للقرافي قاعدة " من ملك المنفعة ملك المعاوضة عليها , ومن ملك أن ينتفع فليس له المعاوضة كسكنى المدارس والربط والجلوس في المساجد والطرق ليس لأحد أن يؤجر مكانه في المسجد والمدرسة والطريق لأنه لم يملك المنفعة بل يملك أن ينتفع بنفسه فقط . (3)
4 ـ المنافع التي يجوز وقفها
المعيار في المنافع التي يجوز وقفها والتي لا يجوز وقفها هو الشروط التي تشترط في الموقوف وهي :
1 ـ ... أن تكون المنفعة متقومة ومعلومة بحسبها علما ينفي الجهالة التي قد تفضي إلى النزاع .
2 ـ ... أن تكون المنفعة مملوكة للواقف ـ حين وقفه لها ـ وخالية من الخيار والتعليق .
3 ـ ... أن تكون مباحة لا معصية فيها .
__________
(1) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته أ . د . وهبة الزحيلي : 8 / 93 .
(2) ـ ... الفقه الإسلامي وأدلته للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي : 8 /88 .
(3) ـ ... الذخيرة للقرافي : 6 / 340 .(1/57)
4 ـ ... أن تكون مقدورا على استيفائها . (1)
وبالجملة فإن تفصيل أحكامها يمكن الرجوع فيها للإجارة , وإلى أحكام الوصية بالمنفعة .
5 ـ وقف المنافع من حيث التأبيد والتأقيت
الأصل في الوقف أن يكون مؤبدا لكن تأقيته جائز عند المالكية وهم القائلون بجواز وقف المنافع والمنقول , قال الإمام مالك في حبس الدنانير لسنة أو لسنتين : " هي حبس للأجل الذي جعلها إليه حبسا ". (2)
كما أقر بوقف ثمرة الحائط سنتين أو ثلاثا . (3) وكذلك الإمام أبو يوسف روي عنه القول بالتوقيت . (4) والمرداوي من فقهاء الحنابلة يصحح وقف الند والصندل وقطع الكافور لشم المريض , وكذلك وقف الطيب للكعبة ويلزم على وقف هذه الأشياء إجازته لتوقيت الوقف لكنه هو نفسه يصرح ببطلان الوقف المؤقت (5) . والرملي من الشافعية يجيز وقف البناء أو الغراس في الأرض المستأجرة (6) , والبناء والغراس مؤقت .
__________
(1) ـ ... راجع بحث " الحقوق المعنوية : بيع الاسم التجاري للأستاذ الدكتور عجيل جاسنم النشمي . ص : 2324 . مجلة المجمع : 5 / 3 .
(2) ـ ... المدونة . كتاب العارية . باب : " عارية الدراهم والدنانير " . وقضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية للدكتور منذر قحف : ص : 41 .
(3) ـ ... المدونة كتاب الزكاة باب زكاة الزرع الأخضر . وقضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية للدكتور منذر قحف : ص : 41 .
(4) ـ ... فتح القدير : 6 / 214 . والمبسوط : 12 / 47 . وقضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية للدكتور منذر قحف : ص : 41 .
(5) ـ ... الإنصاف للمرداوي كتاب الوقف . وقضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية للدكتور منذر قحف . ص : 49 .
(6) ـ ... نهاية المجتاج إلى شرح المنهاج للرملي : 5 / 393 . وقضايا فقهية معاصرة . د . منذر : ص 44 .(1/58)
وفي شأن تأقيت الوقف يقول ابن شاس المالكي : " حيث قلنا : لا يتأبد . فإنه يرجع بعد انقراض ما جعل فيه ملكا لمالكه المحبس له , ثم ينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه . (1)
وفي كل الأحوال فإن القول بجواز تأقيت الوقف لا يتبع المنافع وحدها , وإنما يتبع المنقولات والمنافع ولهذا جاءت فيه بعض الآراء عن فقهاء من غير المالكية من الذين يجيزون وقف المنقولات كما هو واضح من العرض السابق للآراء في تأقيت الوقف , أما المالكية الذين هم أصل القول بإجازة وقف المنافع فالأمر عندهم بين وواضح لأنهم يقولون بإجازة وقف المنقولات والمنافع كما يقولون بجواز الوقف المؤقت والمؤبد . (2)
6 ـ صور لوقف المنافع
الصورة التقليدية المعروفة لوقف المنافع هي وقف العين المؤجرة كأن يستأجر إنسان دارا ثم يوقفها . وقد شاعت هذه الصورة لأن الإجارة من أوسع أسباب ملك المنفعة , وفيما وراء ذلك فإن كل من يملك عينا لها منفعة أو ثمرة أو غلة فإنه يملك حق وقف تلك المنفعة أو الثمرة أو الغلة على القول بجواز وقف المنافع الذي انتهى إليه البحث , وفي زماننا هذا كثرت المنافع ذات الثقل لكثرة الأعيان نفسها , وتعدد أنواع استغلالها واستثمارها طلبا لمنافعها فمن يملك ـ مثلا ـ طائرة يمكنه أن يقف منفعة ركوبها للمحتاجين لذلك في مواسم معينة أو من غير تقييد , ومن يملك بساتين يمكنه أن يقف ثمارها على الجهة التي يرى حاجتها لذلك في دورة زراعية محددة أو بإطلاق من غير تحديد , ومن يملك شركات لتعبئة المياه أو لمنتجات الألبان في وسعه أن يقف منتجاته في هذا الإطار على من يرى وقفها عليهم وهكذا (3) .
توصية
__________
(1) ـ ... عقد الجواهر الثمينة لابن شاس : 3 / 37 . ط : دار الغرب الإسلامي .
(2) ـ ... محاضرات في الوقف للشيخ محمد أبي زهرة ص : 99 . ط : دار الفكر العربي .
(3) ـ ... راجع بحث قضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية للدكتور منذر قحف ص : 82 .(1/59)
إجازة وقف المنافع عملا برأي المالكية , وقياسا على جواز الوصية بالمنفعة , وعلى نذر التصدق بالمنفعة , وتلبية للأعراف المعاصرة التي لا تعارض الشريعة في شأن اتساع المنافع وكثرتها وانبساطها وقوتها وأثرها الاقتصادي على أن يؤسس لها الفقه الوقفي المعاصر الذي يحكم الصلة بينها وبين وقف الأعيان ويبين طريقة الانتفاع بها وضوابطه وتأبيد وقفها وتأقيته , بالإضافة إلى توسيع صورها وأنماطها . والله ولي التوفيق .
خاتمة البحث
عالج هذا البحث موضوع وقف " الأسهم والصكوك والمنافع " من خلال تمهيد ومبحثين وخاتمة .(1/60)
تناول التمهيد التعريف بالوقف ووظيفته الخيرية ودوره الاجتماعي , ومن ثم ركز على مرونة الوقف وقابليته للاجتهاد باعتباره تمهيدا لبحث يتناول قضايا وقفية جديدة ومن ثم أبان أن الوقف من أوسع الأبواب الفقهية التي تقوم على الاجتهاد والنظر معتمدا في ذلك على أن كثيرا من مسائله اعتمدت على العرف , والاستحسان , والمصالح المرسلة , والقياس , بل واعتمدت ـ في بعض الأحوال ـ على القواعد الفقهية الكلية سواء كان ذلك في بنية أحكامه أو في ترجيح بعضها في بعض الأحوال التي تستلزم الترجيح وأورد النماذج اللازمة لذلك كله وفي المبحث الأول تناول قضايا الأسهم والصكوك بادئا ذلك بالتعريف بها وبيان أنواعها مع المقارنة بين المصطلحات المالية الدائرة في هذا الإطار ثم خلص إلى بيان أنواع الأسهم والصكوك التي أجاز مجمع الفقه الإسلامي التعامل بها مع بيان ضوابط ذلك التعامل جاعلا ذلك مدخلا للحديث عن حكم وقفها من خلال النظر فيها في إطار شروط الموقوف وآراء الفقهاء ومقرراتهم مخرجا على ذلك حكم وقفها ثم أتبع ذلك ببيان بعض الأحكام والآثار التي تتوقف على وقف الأسهم والصكوك , والتي تحتاج إلى معالجة تمكن من التوفيق بين طبيعة الوقف وأحكامه , وطبيعة الأسهم والصكوك وأحكامها المالية والقانونبة خالصا من ذلك كله إلى محاولة إيجاد الصيغة الفقهية المناسبة لهذا الإطار , وانتهى هذا المبحث بالتوصية بإجازة وقف الأسهم والصكوك ( التوصية في الصفحة : 29 . من هذا البحث ).(1/61)
وفي المبحث الثاني عرف البحث بالمنافع وعرض للعنصر الهام فيها فيما يلي الوقف وهو ماليتها مبينا رأي الحنفية ورأي الجمهور في إطار تعريف كل منهما للمال , ثم أورد آراء الفقهاء متمثلا في رأي المالكية , وعزز هذا الرأي بقياس وقف المنفعة على الوصية بالمنفعة , وحمله على النذر بالتصدق بالمنفعة , والعرف المعاصر الذي وسع من مواعين التعامل في المنافع في ظل النشاط الاقتصادي المعاصر ثم تناول بعض المسائل التي اقتضت الحال تناولها .
وانتهى إلى التوصية التي يرى مناسبتها لإجازة وقف المنافع ( التوصية في الصفحة : 38 . من هذا البحث ). والله ولي التوفيق والسداد ومنه وبه الإعانة بدءا وختما . والسلام .
المراجع
(1) أثر المصلحة في الوقف ابن بية .(الأستاذ الدكتور عبد الله بن بية .) مجلة مجمع الفقه الإسلامي : 12 / 1 .
(2) أحكام الوصايا والأوقاف . شلبي . ( الأستاذ الدكتور محمد مصطفى شلبي .) الدار الجامعة للنشر ـ بيروت . الطبعة الرابعة : 1402 هـ / 1982 م .
(3) الاستثمار في الأسهم ـ القرة داغي ـ ( الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي ) مجلة مجمع الفقه الإسلامي : 9 / 2 .
(4) في الأسهم والوحدات الاستثمارية ـ منذر ـ ( الأستاذ الدكتور منذر قحف ) مجاة المجمع : 9 / 2 .
(5) الإسعاف في أحكام الأوقاف ـ الطرابلسي ـ ( العلامة برهان الدين بن موسى بن أبي بكر بن الشيخ علي الطرابلسي . مطبوع بالمطبعة الهندية بالأزبكية بمصر : 1320 هـ / 1902م.
(6) الأشباه والنظائر . ابن نجيم . ( زين الدين بن إبراهيم بن نجيم ) تحقيق وتعليق عبد العزيز محمد الوكيل . الناشر : وؤسسة الحلبي للنشر والتوزيع : 1387 هـ / 1968 م .
(7) المرداوي ـ ( علي بن سليمان بن أحمد المرداوي) دار إحياء التراث العربي.
(8) الأوقاف والأحباس ـ منيع ـ ( الشيخ عبد الله بن سليمان بن المنيع ) مجلة المجمع الفقهي : 13 / 1 .(1/62)
(9) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ـ الكاساني . ( الإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي .) الطبعة الثانية دار الكتب العلمية بيروت : 1406 هـ/ 1986 م.
(10) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ـ ابن نجيم ـ ( زين الدين بن إبراهيم بن نجيم) دار الكتاب الإسلامي .
(11) تحفة المحتاج ـ ابن حجر الهيتمي ـ (أحمد بن محمد بن علي الهيتمي ) دار إحياء التراث العربي .
(12) التوضيح في حل غوامض التنقيح ـ صدر الشريعة البخاري (عبيد الله بن مسعود المحبوي البخاري الحنفي .) طبعة دار الكتب العلمية . 1416 هـ / 1996 م .
(13) الحقوق المعنوية بيع الاسم التجاري . النشمي . ( الأستاذ الدكتور عجيل النشمي ) مجلة المجمع : 5 / 3 .
(14) خلاصة أحكام الوقف في الفقه الإسلامي . حسب الله . ( الأستاذ الشيخ علي حسب الله ) مطبعة دار البيان العربي . الطبعة الأولى : 1375 هـ / 1965 م .
(15) ديون الوقف . ( الأستاذ الدكتور ناصر الميمان . منتدى قضايا الفقهية الأول بالكويت .
(16) الذخيرة للقرافي ( العلامة شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي .) تحقيق : سعيد غراب . طبعة دار الغرب الإسلامي . الطبعة الأولى : 1994 م .
(17) رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ـ ابن عابدين ـ ( محمد أمين المشهور بابن عابدين ) دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى : 1415 هـ / 1994 م .
(18) الشرح الصغير على " أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك " ـ الدردير ـ ( أحمد بن محمد بن أحمد الدردير )طبعة وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمرات العربية المتحدة بتعليق د . مصطفى كمال وصفي . طبعة أولى : 1410 هـ/ 1989 م .
(19) الشرح الكبير ـ الدردير ـ ( أحمد بن محمد بن أحمد العدوي الشهير بالدردير ) طبعة دار الكتب العلمية بيروت ـ الطبعة الأولى :1417 هـ / 1996 م . وطبعة : دار الفكر تحقيق محمد عليش .(1/63)
(20) شرح الكوكب المنير ـ ابن النجار ـ ( العلامة محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار ) تحقيق أ . د . وهبة الزحيلي . و أ . د . نزيه حماد . مكتبة العبيكان : 1417 هـ / 1996 م .
(21) شرح القواعد الفقهية ـ الزرقا ـ ( العلامة الشيخ أحمد بن محمد الزرقاء ) طبعة دار القلم بدمشق .
(22) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ـ البخاري ـ ( أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ) طبعة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الطبعة الأولى : 1316 هـ / 1996 م . دار أبي حيان.
(23) صحيح مسلم بشرح النووي ـ مسلم ـ ( الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري ) طبعة على نفقة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الطبعة الأولى : 1415 هـ / 1995 م . دار أبي حيان. وطبعة دار إحياء التراث العربي . بيروت .
(24) الصكوك والسندات الاستثمارية .ـ أبو غدة ـ الأستاذ الدكتور عبد الستار أبو غدة. مجمع الفقه الإسلامي . الدورة السابعة عشرة .
(25) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ـ ابن شاس ـ جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس .) تحقيق محمد أبي الأجفان وعبد الحفيظ منصور . طبعة دار الغرب الإسلامي . الطبعة الأولى : 1415 هـ / 1995 م .
(26) فتح القدير ـ ابن الهمام ـ ( كمال الدين بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام )طبعة دار الفكر . الطبعة الثانية .
(27) الفروق ـ القرافي ـ ( العلامة شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المعروف بالقرافي .)طبعة دار إحياء الكتب العربية . طبعة أولى : 1323هـ .
(28) الفقه الإسلامي وأدلته ـ الزحيلي ـ ( الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي .) طبعة دار الفكر العربي . الطبعة الأولى : 1404 هـ / 1984 م .
(29) فقه الوقف في الإسلام ـ الضرير ـ (الأستاذ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير) بحث مطبوع على الآلة الكاتبة .(1/64)
(30) قضايا فقهية معاصرة في الأوقاف الإسلامية ـ منذر ـ ( الأستاذ الدكتور منذر قحف) على الإنترنت
(31) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ـ ابن عبد السلام ـ ( الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام ) دار الكتب العلمية بيروت . وطبعة دار القلم أولى : 1994 م .
(32) القوانين الفقهية ـ ابن جزي ـ ( أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي ) طبعة دار الكتب العلمية بيروت .
(33) كشاف القناع عن متن الإقناع ـ البهوتي ـ ( منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ) دار الفكر بيروت . ودار الكتب العلمية .
(34) المجموع شرح المهذب ـ النووي ـ (الإمام أبو زكريا محمد بن محيي الدين بن شرف النووي )طبعة دار الفكر .
(35) مجموعة فتاوى ابن تيمية ـ ابن تيمية ـ ( شيخ الإسلام أحمد بن تيمية .) عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع . الرياض : 1412 هـ / 1991م .
(36) محاضرات في الوقف ـ أبو زهرة ـ( الشيخ محمد أبو زهرة )الطبعة الثانية . دار الفكر العربي .
(37) المدخل الفقهي العام ـ الزرقاء ـ ( الأستاذ الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء .) طبعة دار الفكر الطبعة التاسعة : 1968 م .
(38) المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفرقيا والأندلس والمغرب ـ الونشريسيـ أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي ) نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية . : 1401 هـ / 1991 م .
(39) المغني ـ ابن قدامة ـ ( موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقي الصالحي الحنبلي ) طبعة هجر تحقيق الدكتور عبد الله التركي والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو .
(40) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ـ الشربيني ـ ( الشيخ محمد الخطيب الشربيني .)طبعة دار الفكر , ودار الكتب العلمية .
(41) الملكية في الشريعة الإسلامية ـ العبادي ـ ( الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي .) طبعة مؤسسة الرسالة . 1421 هـ / 2000 م .(1/65)
(42) المنتقى شرح الموطأ ـ الباجي ـ ( القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي .)مطبعة دار السعادة بمصر .
(43) مواهب الجليل شرح مختصر خليل ـ الحطاب ـ ( محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب )طبعة دار الفكر .
(44) الموسوعة الفقهية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت . الطبعة الأولى : 1412 هـ / 1992 م .
(45) الميراث والوصية ـ البرديسي ـ ( الشيخ زكريا البرديسي ) الدار القومية للطباعة والنشر 1964 م .
(46) الوسيط ـ الغزالي ـ ( الإمام محمد الغزالي ) تحقيق أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر . الطبعة الأولى : 1417 هـ .
(47) الوقف في الشريعة الإسلامية وأثره في تنمية المجتمع ـ صالح ـ ( الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد صالح الصالح ) الطبعة : الأولى : 1422 هـ / 2001 م .
(48) وقف النقود والأوراق المالية ـ الميمان ـ ( الأستاذ الدكتور عبد الله الميمان ) ملتقى الوقف الكويتي . (1)
فهرست الموضوعات
الموضوع ... ... ... ... ... ... ... ... ... الصفحة
1 ـ تمهيد عن مرونة الوقف وقابليته للاجتهاد ............................ 3 ـ 12
2 ـ حقيقة الأسهم والصكوك وأنواعها مع المقارنة ....................... 13
3 ـ قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة بشأن الأسهم .............. 14 ـ 16
4 ـ وقف لأسهم ..................................................... 17 ـ 24
5 ـ وقف الصكوك ................................................... 25 ـ 27
6 ـ أحكام متعلقة بوقف الأسهم والصكوك ............................ 28 ـ 32
7 ـ التوصية ......................................................... 32
8 ـ حقيقة المنافع وماليتها ............................................ 33 ـ 35
9 ـ وقف المنافع .................................................... 35 ـ 37
__________
(1) ? ... راعيت في ترتيب المراجع الترتيب الهجائي .
? ...(1/66)
10 ـ قضايا تتصل بوقف المنافع ..................................... 38 ـ 41
11 ـ التوصية ...................................................... 41
12 ـ خاتمة البحث ................................................ 42
13 ـ المراجع ...................................................... 43 ـ 46
14 ـ الفهرس ..................................................... 47(1/67)