نقل الأعضاء الآدمية..
بين التحليل والتحريم
ــ جذع المخ... بين الحياة والموت ــ
د/ رضاء الطيب
الأمين العام للجمعيات الشرعية
وعضو هيئة علماء الجمعية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلي آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
فإن الأمم العظيمة والشعوب العريقة.. تولد بعقيدتها.. وتحيا بذاكرتها.
والذاكرة .. هي الروح التي تسري في جسد الأمة فيطول بقاؤها.. وهي الدماء التي تتدفق في عروقها فتشتد عافيتها.
وبالذاكرة.. تتذكر الشعوب أحداث ماضيها.. وتتفهمها وتتدبر معانيها.. وتستخلص العبر منها.. والدروس التي فيها.
وبالذاكرة.. تتذكر الأمم عناصر قوتها وأسباب رفعتها فيما مضي من تاريخها فتبني حاضرها ومستقبلها علي نهجها.
وعندما تذبل الذاكرة في أمة من الأمم.. تذبل، وعندما تموت.. تموت.
وفي الصفحات التالية نتناول تباعًا بعض أحداث وقضايا الأمة الإسلامية العظيمة وهموم المسلمين.. نعرضها ونحللها لتعيش في ذاكرة الأمة وتحيا بها.
(( نقل الأعضاء الآدمية ...
بين التحليل والتحريم
جذع المخ... بين الحياة والموت ))
مرة أخري.. تنتفض من تحت الرماد.. وتشتعل تلك القضية الشائكة.. (قضية نقل الأعضاء الآدمية بين بني البشر).. تلك القضية التي احتار فيها العلماء وانقسم حولها الأطباء.. ما بين مؤيد متحمس ومعارض متوجس.. ما بين من جعل همه تحقيق مصلحةٍ للمنقول له.. وبين من نذر نفسه لدفع ضررٍ عن المنقول منه أو لحفظ حرمةٍ لجسدٍ ميت لا حول له ولا قوة.(1/1)
وبالرغم من أن المؤيدين من العلماء والأطباء عددهم أكبر وصوتهم أعلي إلا أنهم حصروا آراءهم وأقاموا أدلتهم وشغلوا عقولهم بالجوانب المادية البحتة لتلك القضية.. فكان جل همهم هو المصلحة المادية المنتظر تحققها للمنقول له العضو.. وغابت عنهم أمور خطيرة لا يمكن لهذه القضية أن تُعرض دون طرحها.. وغفلوا عن طلب أجوبة لأسئلة لا تكتمل الرؤية إلا بها.. ولا تصح الفتوي إلا بعلمها.. ومنها:
- هل الأحكام الشرعية تدور حيث تدور الفائدة المادية علي الإطلاق؟.. أو أن هناك ضوابط فقهية ومفاهيم أخلاقية تحكم ذلك؟
- وهل الأعضاء الأدمية تقتصر علي كونها قطعاً من اللحوم والجلود؟.. أو أن لها معاني أكبر وأسراراً أعمق؟
- وهل يملك الإنسان التصرف في جسده وأعضائه؟ وهل وصية الميت حال حياته بالتصرف في جسده بعد مماته مُعتَبَرةً شرعاً؟ وهل للورثة حق في جسد الميت والتصرف فيه غير التغسيل والتكفين والصلاة والدفن؟
أسئلة نحاول أن نستعرضها في هذا الملف إن شاء الله لنستكمل بها عرض القضيةمن مختلف جوانبها ومن خلال عرض آراء المؤيدين والمعارضين لعمليات نقل الأعضاء الآدمية.
نقل الأعضاء عبر التاريخ
إن عمليات نقل الأعضاء الآدمية ليست أمراً جديداً.. وليست وليدة القرن العشرين كما يتبادر إلي الذهن.. وإنما هي قديمة قدم التاريخ وإن كانت البدايات فيها متواضعة وبدائية وليست علي تلك الدرجة المبهرة من التطور والتقدم الذي نعيشه في هذا العصر.
فمنذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام عرف قدماء المصريين عمليات زرع الأسنان ونقلها عنهم اليونانيون والرومان.. كما عرفها أيضاً سكان الأمريكتين الأصليين.
وفي القرن السادس عشر للميلاد قام الطبيب الإيطالي (كوزي) بإعادة تركيب أنف مقطوع بواسطة رقعة مأخوذة من ذراع المريض.. وفي باريس قام الطبيب (جان هنتر) بإجراء العديد من عمليات زرع الأعضاء وخاصة الأسنان.(1/2)
وفي القرن التاسع عشر تمت عمليات نقل كثيرة للأعضاء مثل الأوتار والعضلات والجلد والأعصاب والغضاريف والقرنيات وغيرها.
ثم جاء النصف الثاني من القرن العشرين ليشهد تطوراً مذهلاً في العلوم الطبية والإنجازات العلمية عامة وفي مجال (نقل الأعضاء الآدمية) خاصة.. وقد تجسد هذا التطور في عام (1967م) في مدينة (كيب تاون) بجنوب أفريقيا حين استطاع جراح القلب الفرنسي الشهير (كريستيان برنارد) إجراء أول عملية لنقل قلب في التاريخ لمريض كان علي وشك الهلاك لتلف قلبه تلفاً شديداً.. وكانت هذه العملية هي الإعلان عن بداية عصر جديد في مجال نقل الأعضاء الآدمية.
>> بداية.. ما أهم الأعضاء الآدمية التي يتم نقلها الآن من شخص إلي آخر؟ وما أهميتها للإنسان؟ ومتي يصبح في حاجة إلي زرع عضو بديل لها؟
> يعتبر القلب والرئتان والكليتان والكبد والبنكرياس والقرنية أهم الأعضاء التي يمكن نقلها من شخص لآخر.. وفيما يلي توضيح مبسط لوظيفة كل منها ومكانه داخل جسد الإنسان ومتي يصبح في حاجة إلي نقل بديل له:
القلب: يقع القلب في منتصف التجويف الصدري بين الرئتين ويميل قليلاً إلي جهة اليسار.. ويستقبل القلب الدم من جميع أجزاء جسم الإنسان فيدفعه إلي الرئتين ليتخلص من ثاني أوكسيد الكربون ويحصل علي الأوكسجين ثم يعود الدم إلي القلب ليضخه إلي جميع أجزاء الجسم مرة أخري.. ويعتبر الإنسان مصاباً بما يسمي (فشل القلب) "HEART FAILUREس إذا أصيب بمرض يؤدي إلي تمدد عضلة القلب وضعفها عن ضخ الدم إلي الرئتين أو إلي الجسم علي النحو المطلوب.. وقد وصلت عمليات نقل القلب إلي درجة متقدمة في مجال التقنية الطبية والفنية.(1/3)
الرئتان: تقع الرئتان في تجويف الصدر.. رئة في الجانب الأيمن والأخري في الجانب الأيسر وبينهما القلب.. ووظيفة الرئة هي تخليص الدم الوارد إليها من القلب من ثاني أوكسيد الكربون وتزويده بالأوكسجين ليعود مرة أخري للقلب.. ويعتبر الإنسان مصابا بما يسمي (الفشل التنفسي) "RESPIRATORY FAILUREس أي فشل في وظيفة الرئة إذا أصيب بمرض يؤدي إلي تليف أنسجة الرئتين ويمنعها من إتمام عملية تبادل الغازات مع الدم.. وتعتبر عملية نقل الرئة أو الرئتين من العمليات الكبري وفي بعض الحالات يتم نقل الرئتين مع القلب وهذه تعتبر من أعقد وأصعب عمليات نقل الأعضاء وأشدها خطورة علي حياة المريض وأعظمها جهداً علي الأطباء القائمين بالجراحة.
الكبد: يقع الكبد في الجانب الأيمن العلوي لتجويف البطن تحت الحجاب الحاجز مباشرة.. والكبد له وظائف متعددة في منتهي الدقة والحيوية للجسم منها:
1- التعامل مع الغذاء القادم من الجهاز الهضمي وتحويله إلي مركبات يستطيع الجسم أن يستفيد منها، وتخزين السكر الفائض عن حاجة الجسم لحين الحاجة إليه.
2- إنتاج العصارة الصفراوية المسئولة عن هضم الدهون.
3- إنتاج بروتينات الدم وهي ما يسمي (ألبيومين)، (جلوبيولين) بالإضافة إلي الأحماض الأمينية الحيوية.. وهذه الأحماض ضرورية للعمليات الحيوية في الجسم.
4- إنتاج المواد المسئولة عن تجلط الدم في حالات النزيف.
5- التخلص من بعض المواد السامة في الجسم.
ويعتبر الإنسان مصاباً بما يسمي (الفشل الكبدي) LIVER CELL FAILURE إذا أصيب بمرض يؤدي إلي تليف خلايا الكبد وفشلها في أداء وظائفها.. وتعتبر عملية نقل الكبد كاملاً أو جزئياً من أحدث وأصعب العمليات التي أخذت تنتشر بين المراكز الطبية في العالم.. ولكنها مازالت لم تكتسب شهرة وانتشار عمليات زرع الكلية أو زرع القلب.. وذلك لأن وظائف الكبد أكثر دقة وتعدداً وتعقيداً من وظيفة الكلية والقلب.(1/4)
الكليتان: تقع الكليتان في الجزء الأعلي علي الجدار الخلفي داخل تجويف البطن وعلي جانبي العمود الفقاري.. ووظيفة الكلي الأساسية هي استخلاص بعض المواد السامة في الجسم مثل مادة (الكرياتنين) ومادة (البولينا) وإخراجها في البول.. ويعتبر الإنسان مصاباً بما يسمي (الفشل الكلوي) "RENAL FAILURE" إذا أصيب بمرض يؤدي إلي تليف أنسجة الكلي أو عجزها عن استخلاص السموم من الجسم.
البنكرياس: يقع البنكرياس في أعلي تجويف البطن علي الجدار الخلفي بشكل مستعرض ويقوم بإفراز الهورمونين المسئولين عن تنظيم نسبة السكر في الدم.. الأول هو (الإنسولين) الذي يخفض نسبة السكر في الدم عند ارتفاعها.. والثاني هو (الجلوكاجون) الذي يرفعها عند انخفاضها .. ويضاف إلي ذلك بعض العصارات البنكرياسية التي تساعد في عمليات هضم الطعام..
ومازالت عمليات نقل البنكرياس من العمليات المعقدة التي لم تصل أيضاً إلي شهرة وانتشار عمليات زرع الكلية أو القلب.
القرنية: هي الجزء الشفاف في مقدمة العين.. وإذا أصيبت بالعتامة نتيجة مرض أو إصابة انعدمت الرؤية وكف البصر.. وعملية نقل القرنية من العمليات الشائعة والمنتشرة منذ زمن طويل.. وتتميز بسهولة إجرائها وجودة نتائجها حيث تعود الرؤية للمريض بعد إجراء العملية مباشرة.
مشروعية نقل الأعضاء
وقد أثارت هذه العمليات ومازالت تثير الكثير والكثير من الجدل والنقاش بين فقهاء الشرع وعلماء الطب ورجال القانون حول مدي مشروعيتها.. وضرورتها.. وقانونيتها.. ومازال الجدل مستمراً.
وقد انقسم العلماء المعاصرون فيما يتعلق بقضية نقل الأعضاء إلي فريقين: فريق يعارض ويحرم.. وفريق يجيز ويؤيد.. وذلك علي النحو الآتي:
المعارضون(1/5)
ويأتي علي رأسهم فضيلة الشيخ (محمد متولي الشعراوي) والشيخ (محمد بن صالح العثيمين) والشيخ (عبد العزيز بن باز) رحمهم الله. ويقول هؤلاء: إن التبرع يكون فيما يملكه الإنسان وأن المالك الحقيقي لجسد الإنسان وروحه هو الله سبحانه وتعالي وحده.. والإنسان أمين فقط علي ذلك الجسد ومطلوب منه أن يحافظ عليه مما يهلكه أو يؤذيه استجابة لقوله تعالي: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ} ولقوله تعالي: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}.
ثم يستدل هؤلاء المعارضون ببعض الأصول الفقهية التي تؤيد ما استشهدوا به من النص القرآني.. ومنها:
1- (الضرر لا يزال بالضرر): فإذا كان المريض المطلوب نقل العضو له يعاني من الضرر قطعاً فإن المتبرع بذلك العضو سيصاب بالضرر حتماً.. لأنه إذا كان سيتبرع بإحدي كليتيه مثلاً وعلي افتراض عدم حدوث أية مضاعفات له بعد العملية الجراحية فإنه سيفقد نصف الطاقة الإجمالية لكليتيه وهذا بالتأكيد ضرر فادح ومؤكد.
2- (درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح): فإذا كان المريض الذي سيُزَرع له العضو سيحصل علي مصلحة محتملة.. والمتبرع بذلك العضو سيصاب بضرر مؤكد.. فإن درء المفسدة بعدم انتزاع العضو من المتبرع مقدم علي جلب المصلحة بنقل ذلك العضو للمريض المحتاج إليه.
3- (سد الذرائع): فإذا كان الحكم الشرعي في أمر ما بالإباحة ولكنه عند التطبيق سيؤدي إلي ضرر يفوق الفائدة المعتبرة من ورائه.. امتنع ذلك الحكم كراهة أو تحريماً.. وفي هذا فإن امتهان كرامة الإنسان ونشوء سوق لتجارة الأعضاء الآدمية بكل ما يستتبعه من تداعيات يمثل خطراً شديداً وضرراً بليغاً بالمجتمع المسلم قاطبة يوجب تعطيل أية إباحة لنقل الأعضاء علي فرض صحتها.
المؤيدون(1/6)
وهم أغلبية ومنهم الدكتور (يوسف القرضاوي) رئيس اتحاد علماء المسلمين والشيخ (جاد الحق علي جاد الحق) شيخ الأزهر الأسبق (رحمه الله)، والدكتور (نصر فريد واصل) مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور (محمد سيد طنطاوي) شيخ الأزهر، والدكتور (علي جمعة) مفتي الجمهورية، وغيرهم..
أما المجامع الفقهية التي أيدت هذا الرأي فمنها (المؤتمر الإسلامي الدولي) المنعقد بماليزيا عام (1969م) و(مجمع الفقه الإسلامي) المنعقد في جدة بالمملكة العربية السعودية عام (1988م).
هذا وقد انتهت (دار الإفتاء المصرية) في 5 ديسمبر عام (1979م) إلي أنه يجوز شق بطن الميت وأخذ عضو منه أو جزء من عضو لنقله إلي جسم إنسان حي يغلب علي ظن الطبيب استفادته منه.. وذلك قياساً علي إباحة بعض الفقهاء شق بطن الحامل التي ماتت والجنين يتحرك في أحشائها وترجي حياته إذا خرج منها وذلك إعمالاً لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".
وتوسع المؤيدون في جواز نقل الأعضاء من الإنسان سواء كان حياً أم ميتاً إلي إنسان آخر والانتفاع بها مادامت تحقق المصلحة وتنقذ حياة ذلك الإنسان.
>> وما أدلة هؤلاء المؤيدين علي ذلك القول؟
> تتلخص أدلة المؤيدين في أدلة نصية وأدلة اجتهادية:
فمن الأدلة النصية في القرآن الكريم قوله تعالي: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}. وقوله تعالي: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وقوله تعالي: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
أما من السنة الشريفة فقد استدلوا بحديث أسامة بن شريك حين قال: يا رسول الله أنتداوي؟ قال: "نعم، فإن الله لم يترك داء إلا وأنزل له شفاء عَلِمَه من عَلِمَه وجَهِلَه من جَهِلَه".
أما الأدلة من القواعد الفقهية فمنها: "الضرورات تبيح المحظورات" و"الضرر يزال" و"الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف".(1/7)
ويقول المؤيدون: إن من الوسائل الطبية في العلاج والدواء نقل عضو أو أكثر من إنسان إلي آخر سواء كان المأخوذ منه حياً أم ميتاً.
ويستمر المؤيدون فيقولون: إن الذي لا يملكه الإنسان ولا يملك التصرف فيه هو حياته وروحه وليس جسده.. لذلك فإنه يحرم عليه الانتحار ولا يجوز له إلقاء نفسه في التهلكة إلا لضرورة قصوي وهدف أسمي مثل الجهاد في سبيل الله والدفاع عن النفس.
كذلك فإنه لا يوجد دليل علي تحريم نقل الأعضاء.. ولا تحريم إلا بنص.. ومن يقول بالتحريم فعليه الدليل.
ثم يستشهد المؤيدون بالمذاهب الفقهية فيقولون: فيما يتعلق بالميت وبالرجوع إلي المذاهب الفقهية فإن كلاً من مذهب الإمام (أبي حنيفة) والإمام (الشافعي) رحمهما الله وكذا فقه الزيدية يجيز شق بطن الميت سواء لاستخراج جنين حي أم لاستخراج مال كان الميت قد ابتلعه حال حياته وله قيمة معتد بها عرفاً لينتفع به الورثة أو تقضي به ديونه.. أما مذهبا الإمام (مالك) والإمام (أحمد بن حنبل) رحمهما الله فيجيزان شق البطن في المال دون الجنين.
والخلاصة في ذلك هو جواز شق بطن الميت لمصلحة راجحة.. وبناءً عليه يجوز شق بطن الإنسان الميت وأخذ عضو أو جزء منه لنقله إلي جسم إنسان حي يغلب علي ظن الأطباء استفادته به.
أما فيما يتعلق بالإنسان الحي واقتطاع عضو أو جزء منه فقد أجاز فقه (الشافعية) و(الزيدية) أن يقطع الإنسان الحي جزءًا من نفسه ليأكله إذا أشرف علي الهلاك جوعاً بشرط ألا يجد مباحاً ولا محرماً آخر يأكله.. وبأن يكون الضرر الناشئ عن قطع ذلك الجزء أقل من الضرر الناشئ عن ترك أكله.. وقياساً علي ذلك فإنه يمكن القول بجواز تبرع إنسان حي بجزء من جسده لا يترتب علي اقتطاعه منه ضرر به متي كان ذلك مفيداً لمن ينقل إليه ذلك الجزء في غالب ظن الأطباء.
شروط نقل الأعضاء
وقد وضع المؤيدون عدة شروط يجب توافرها عند نقل عضو من إنسان حي أو ميت إلي إنسان آخر علي النحو الآتي:(1/8)
أولا: النقل من الأحياء:
1- أن يكون نقل العضو للضرورة القصوي بمعني أن يكون المنقول له العضو في حالة مرضية شديدة ولا توجد طريقة لإنقاذه من الهلاك إلا نقل ذلك العضو إليه.
2- أن يكون النقل محققاً لمصلحة مؤكدة للمنقول له في غالب ظن الأطباء المختصين.
3- ألا يتعرض المُتَبَرِّع لضرر يؤذيه كلياً أو جزئياً في الحال أو المآل.
4- أن يكون النقل تبرعاً ودون أي مقابل مادي حتي يكون بعيداً عن البيع والشراء وحتي لا يتحول جسد الإنسان الذي كرمه الله تعالي إلي قطع غيار تباع في الأسواق.
5- أن يكون المُتَبَرِّع عاقلا بالغاً مختاراً عالماً بنتائج تبرعه.
6- ألا يتم التبرع بأعضاء يؤدي انتزاعها إلي موت المتبرع مثل القلب والكبد أو إلي اختلاط الأنساب مثل الخصيتين والمبيضين أو إلي العجز عن ممارسة شئون الحياة وأداء الواجبات مثل اليدين والرجلين.
ثانياً: النقل من الأموات:
يضاف إلي ما سبق من الشروط ما يلي:
1- أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته يقيناً.
2- أن يكون الميت قد أوصي في حال حياته بالتبرع بأعضائه بعد موته.. وفي حال عدم وجود وصية فإن الورثة الأقربين يُفَوَّضون في الموافقة علي التبرع.. أما إن كان الميت مجهول الشخصية فإن الأمر يُفَوَّض لأولي الأمر أي السلطات المسئولة.
المناظرة
وفي مناظرة بين المؤيدين والمعارضين لنقل الأعضاء دار الحوار التالي:
المعارضون: كيف تبيحون للإنسان أن يتصرف في أعضائه وهي ليست ملكاً له وإنما هي ملك لله سبحانه وتعالي لا يجوز للإنسان التصرف فيها؟
المؤيدون: إن كل شيء ملك لله تعالي وليس الجسد فقط.. فالمال أيضاً ملك لله مصداقاً لقوله تعالي: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ومع ذلك فقد أذن لنا سبحانه وتعالي بالتصرف فيه.(1/9)
المعارضون: إن ملكية المال (ملكية تصرف) حدد لنا الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم وجوه التصرف فيها من حيث النفقة والتعاملات والزكاة والصدقات.. أما ملكية الإنسان لجسمه وأعضائه فهي (ملكية انتفاع) تتوقف عند الاستفادة منها ولا تتعداها إلي غيرها من التصرفات إلا ما حدده الله سبحانه وتعالي من وجوه لبذلها مثل الجهاد في سبيل الله والدفاع عن النفس والمال مصداقاً لقوله تعالي: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولقول النبي الكريم [: "من قتل دون ماله فهو شهيد..." الحديث رواه مسلم.
المؤيدون: إنما هي (ملكية تصرف) تماماً كملكية المال.
المعارضون: إذن فإن فعلكم يناقض قولكم.. فأنتم تبيحون للإنسان أن يتبرع بأعضائه وتحرمون عليه أن يبيعها.. والبيع والتبرع وجهان من وجوه الملكية.. فكيف تبيحون التبرع وتحرمون البيع؟!! إنكم إما أن تقولوا بملكية الإنسان لأعضائه (ملكية تصرف) فيحق له التبرع والبيع علي السواء.. وإما أن تحرموا عليه البيع فيكون ذلك إقراراً منكم بأنها (ملكية انتفاع).. وذلك ما نقول به.
المؤيدون: إنها (ملكية تصرف) ولكن يحرم عليه بيعها اتباعاً لقاعدة "سد الذرائع".. لأن في بيع الأعضاء أمرين خطيرين:
الأول: امتهان كرامة الإنسان الذي ستصبح أعضاؤه سلعة تباع في الأسواق.
والثاني: نشوء تجارة للأعضاء الآدمية تحمل بين طياتها آفاقاً خطيرة تهدد حياة الإنسان وتفقده الشعور بالأمن والأمان.
المعارضون: ها نحن قد التقينا.. ونحن نتفق معكم قلباً وقالباً في اتباع تلك القاعدة.. "سد الذرائع" وخلاصتها: "منع ما يجوز شرعاً إذا صار موصلاً إلي ما لا يجوز شرعاً" فهذا مبدأ شرعي متفق عليه بالإجماع.. فقد يكون الحكم الشرعي في أمر ما مباحاً في ذاته.. لكنه عند التطبيق يجر ضرراً يفوق الفائدة المعتبرة منه.. عند ذلك يمتنع الحكم كراهة أو تحريماً.(1/10)
ولكننا أبعد منكم نظراً وأكثر إدراكاً في تصور حجم الكوارث الدامية والمآسي المرعبة المتوقع حدوثها من وراء إباحة نقل الأعضاء سواء بالتبرع أو البيع فإن هذه التجارة المشئومة لن تتوقف عند بيع وشراء القلوب والكلي وأكباد البشر.. وإنما ستتخطي ذلك إلي استعباد الرجال واسترقاق النساء وخطف الأطفال لانتزاع أعضائهم وبيعها بأثمان غالية وأرباح فاحشة.. ولن يكون أي إنسان بمأمن علي نفسه وأهله من الوقوع في أيدي النخاسين الذين يطوفون الشوارع والطرقات يتاجرون في الأعضاء الآدمية تحت أي ظرف من الظروف.. وستسود موجات وموجات من الرعب والفزع بين الناس.. وكلما غاب طفل عن أسرته أو تأخر عليها كان الرعب أولاً من أن يكون قد تم اختطافه لانتزاع أعضائه وبيعها في تلك السوق.. وهذا ليس افتراضاً وخيالاً وإنما حقائق وقعت علي أقوام وأقوام من الفقراء والبؤساء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة.. ومن ذلك ما يلي:
- جاء في جريدة (الأهرام) يوم (6 / 10 / 1990م) نقلا عن جريدة (الجارديان) البريطانية خبر عن فضيحةٍ لبيع الأطفال لاستخدام أجسادهم كقطع غيار بشرية.. وجاء في الخبر: "أن وزير العدل البرازيلي طلب من شرطة بلاده التحقيق في المعلومات التي تتردد حول بيع أطفال برازيليين لأسر إيطالية بغرض التبني.. ولكن تم استغلالهم في عمليات غير مشروعة لنقل الأعضاء؛ حيث تم انتزاع أعضاء هؤلاء الأطفال بعد قتلهم لزراعتها للمرضي الأوروبيين الذين يحتاجونها.
- كذلك فقد جاء في جريدة (الوفد) المصرية يوم (31 / 10 / 1991م) ما يلي: "مزاد لبيع الأعضاء البشرية.. سوق في (العتبة) لبيع الكلي بالقاهرة.. خمسة عشر ألف دولار للبيع، وأربعون ألف دولار للشراء.. والفرق بين ثمن البيع والشراء يعود للسماسرة والأطباء".(1/11)
- نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ (12 / 3 / 1996م) مقالا عن عصابة سيريلانكية ولبنانية لبيع جثث السيرلانكيين في السوق السوداء بلبنان مقابل مبالغ تتراوح ما بين 600، 700 دولار أمريكي ليتم تشريحها وبيع أعضائها للمستشفيات بدءًا من الكلي وانتهاءً بالعيون.
- كما سبق أن نشرت تلك الجريدة بتاريخ (23 / 12 / 1989م) خبر جريمة بشعة تم فيها اختطاف طفلة من بيروت عمرها أربع سنوات واستئصال كليتها اليمني ثم تركها ومعها مبلغ 45 ألف ليرة لبنانية أي ما يوازي وقتها 107 دولارات أمريكية..
كذلك فقد ظهرت في تركيا عقب الزلزال العنيف الذي ضربها في (17 أغسطس 1999م) عصابات تتاجر في الأعضاء الآدمية كانت تقوم بخطف الأطفال الذين فقدوا ذويهم لاستئصال أعضائهم والاتجار فيها.
- إضافة إلي ذلك فإننا لا تغيب عنا تلك المأساة الدامية والمحنة العاصفة التي عاشتها الدنيا كلها في حينها وهي حرب "البوسنة والهرسك".. وذلك حين نصبت القوات الصربية المجازر والمذابح لمئات الألوف من النساء والرجال المسلمين في البوسنة والهرسك.. ثم أقبلت دول أوروبا علي تبني أطفالهم الأيتام بشكل مكثف ولافت للنظر تحت ادعاءات إنسانية ومزاعم أخلاقية.. وبالفعل سافر عشرات الألوف من هؤلاء الأطفال الأيتام إلي مصير مجهول لا يعلمه إلا الله.. وأخيراً حاولت جمعية فرنسية تتستر تحت مظلة الإغاثة الإنسانية خطف عشرات الأطفال السودانيين والتشاديين في حادثة رهيبة أفزعت العالم كله لكن أحداً من العالم لم يتحرك لأن الضحايا أطفال مسلمون.. وبعد مهزلة قضائية تشادية عاد الجناة المختطفون إلي بلادهم معززين مكرمين دون عقوبة أو جزاء.(1/12)
- كذلك فإنه لا يغيب عنا هنا في مصر مصير العشرات والمئات من الألوف من أطفال الشوارع الذين يخرجون من بيوتهم ولا يعودون.. والكثير منهم يصبح مصيره مجهولاً بعد حين.. وما زال مجتمعنا المسلم في مصر يعيش قضية تلك الجريمة الشنعاء التي أُلْقِي القبض فيها علي مجموعة من القتلة والسفاحين من زعماء عصابات أطفال الشوارع فيما عُرف باسم (عصابة التوربيني) الذين وجهت إليهم وثبتت عليهم التهم بقتل العشرات والمئات من هؤلاء الأطفال الأبرياء المساكين دون أي ذنب جنوه ودون أن يدري بهم ذلك المجتمع المسلم الذي من المفترض أن يكون أميناً عليهم محاسَباً عنهم بين يدي الله يوم القيامة.. ويعلم الله كم من هؤلاء الأطفال المساكين كان مصيرهم القتل والسلخ لانتزاع أعضائهم دون أن يدري أحد عنهم شيئًا..
كل ذلك يتم سراً وفي الخفاء وبعيداً عن الأعين لأنه ليس هناك قانون يبيح نقل الأعضاء رسمياً!!.. فكيف سيكون عليه الحال إذا صدر مثل هذا القانون الذي سيشكل غطاءً قانونياً لمثل هذه العصابات ولمثل هؤلاء القتلة والسفاحين في ممارسة أنشطتهم الجهنمية.؟!!
لذلك فإننا- يقول المعارضون- واحتراماً لقاعدة "سد الذرائع" واستشعاراً لهذه الأخطار المرعبة والمآسي الدامية نطالب بألا يصدر مثل ذلك القانون.
المؤيدون: إننا نبيح التبرع ولكننا نحرم البيع مثلكم.. لذلك فلا خوف من أن تنشأ تلك السوق!!(1/13)
المعارضون: وما الفرق بين البيع والتبرع تحت ضغط الحاجة والضرورة؟.. إننا إذا أبحنا التبرع نشطت تلك السوق وازدهرت تحت ذلك المسمي ولكنها في الحقيقة هي بيع وشراء.. وسوف يتسلم من يبيع كليته الثمن سراً أو علي صورة هدية مباحة.. والحقيقة أنها سوق سوف يبيع فيها الناس أعضاءهم ويشترون وخاصة بعد أن استشري الفقر وانتشر بين الناس وأصبحت الغالبية العظمي منهم من المحتاجين والمعوزين.. وليتخيل كل منا حال ذلك الرجل الفقير الذي ناءت أكتافه بحمل ثقيل من مطالب الحياة لأسرته وضاقت عليه الدنيا بما رحبت وأمامه باب يجلب له عشرات الألوف من الجنيهات ولا يصيبه بأي ضرر كما يدعي التجار!!.. أو يتخيل حال أرملة وأم أيتام مات زوجها وتقطعت بها السبل وعجزت عن إطعام أبنائها الأيتام.. أو كبرت إحدي بناتها وجاء من يطلبها للزواج.. فمن أين تدبر تكاليف زواج ابنتها اليتيمة وهي أرملة مسكينة وهذا أمر يعضل الكثير من الرجال؟.. وماذا ستفعل وأمامها باب سهل ولا ضرر منه كما يقول التجار يجلب لها نفقات إطعام أبنائها أو تكاليف زواج ابنتها.. لاشك أن هؤلاء لن يجدوا نجاة لهم من كروبهم إلا في الذهاب إلي تلك السوق ليبيعوا جزءاً من أجسادهم بادعاء التبرع به ويعودوا بالمال ليطعموا أبناءهم ويفرجوا كروبهم.
الادعاء والحقيقة
وهنا تناول (المؤيدون) طرف الحديث وبادروا المعارضين بالسؤال: وكيف تعارضون أنتم عمليات نقل الأعضاء وفيها مصلحة متحققة للمرضي المنقولة إليهم.. وفي الوقت نفسه لا تعود بأي ضرر علي المنقول منهم؟
المعارضون: هذا قول غير صحيح وادعاء يجافي الحقيقة.. فلا المنقول له مصلحته مضمونة التحقق. ولا المنقول منه ناجٍ من الضرر.. وهذه شروط تلزمكم لأنكم أنتم الذين اشترطتموها لإباحة تلك العمليات.
المؤيدون: وكيف ذلك؟(1/14)
المعارضون: إننا نؤكد هذه الحقيقة.. وقبل أن ندلل علي ذلك بالأدلة الطبية فإننا نستشهد بحكمة الخالق عز وجل في كمال خلقه.. فالأعضاء الثنائية في جسم الإنسان مثل الكليتين والرئتين والعينين ما لم تكن هناك حكمة من ازدواجها ما خلقها الله سبحانه وتعالي كذلك ولاكتفي جل وعلا في خلقنا بكلية واحدة أو برئة واحدة أو بعين واحدة.. كذلك فإن الأعضاء المنفردة مثل القلب والكبد والبنكرياس خلقها الله سبحانه وتعالي بحجم محدد وشكل معين وبمواصفات تحمل القدر الأكبر من المصلحة والمنفعة للإنسان.. ولو لم يكن ذلك ضرورياً ما خلقها الله سبحانه وتعالي علي صورتها مصداقاً لقوله تعالي: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وقوله تعالي: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فالله سبحانه وتعالي جلت قدرته عن أن يخلق شيئاً إلا لمصلحة وفائدة لا تتحقق إلا بوجوده. فإذا انتزعنا من الإنسان عضوا أو اقتطعنا جزءًا عاد عليه ذلك بالضرر المؤكد وعرض جسده لكثير من المفاسد.. وجَهْل الإنسان بهذه الحكمة الربانية في تشكيل وتصوير خلقه لا يعتبر حجة.. فالقاعدة: أن عدم العلم لا يعني العلم بالعدم.
المتبرع والأخطار
وفي هذا المقام فإننا نسمع منكم من يقول إن الإنسان يستطيع أن يعيش بنصف كلية واحدة أي بالربع من طاقة كليتيه الكاملتين.. أي أن ذلك الإنسان المتبرع بكليته لن يصيبه ضرر كما اشترطتم أنتم.. وهذا قول ناقص ويجافي الحقيقة. فصحيح أنه يمكن أن يعيش بذلك القدر من الكلية ولكنه سوف يكون كمن يعيش حياته علي حرف.. وسوف يصاحب ذلك أضرار ومفاسد جمة تصيب ما تبقي من تلك الكلية وعامة الجسد علي السواء.. ومنها علي سبيل المثال أن أي إصابة بميكروب أو التهاب بالكلية مهما كان ضئيلاً - ويمكن للإنسان الصحيح أن يتحمله بلا أدني خطورة- فإن الإنسان الذي فقد إحدي كليتيه لن يتحمل ذلك الالتهاب ومن الممكن أن يُقضي عليه بسهولة.(1/15)
كذلك فقد أثبتت الفحوص والتحاليل الطبية أن انتزاع كلية من جسد المتبرع يترتب عليه تضخم في الكلية الأخري في محاولة لتعويض وظيفة الكلية المنزوعة مع ما يصاحب ذلك من قصور عام في وظائف الكلي وارتفاع في نسبة (الكرياتينين) في الدم وهي المادة السامة التي تقوم الكليتان باستخلاصها وإخراجها من الجسد في البول.. كذلك يحدث ارتفاع في ضغط الدم وانخفاض في نسبة (الهيموجلوبين) الذي يحمل الأوكسجين في الدم من الرئتين إلي سائر الجسد.. وبالإضافة إلي ذلك تحدث درجات متفاوتة من التليف في بعض أنسجة الكلية المتبقية.. ويزيد علي كل ذلك أن المتبرع بكليته يعتبر في نظر الطب مريضا محتملا بالفشل الكلوي يجب متابعته من خلال نظام غذائي ورعاية صحية وطبية مستمرة ولصيقة طيلة حياته.
المزروع له والأخطار
ثم يكمل (المعارضون) كلامهم فيقولون:
أما فيما يتعلق بالشرط الآخر الذي اشترطتموه لإباحة نقل الأعضاء وهو تحقق الفائدة للمنقول له فذلك أيضاً يلزمكم لأن هذه الفائدة غير متحققة يقيناً بل علي العكس فإن احتمال الضرر.. بل الضرر الشديد الذي يمكن أن يودي بحياة المنقول له العضو هو حقيقة معتبرة ومعترف بها..(1/16)
فالمريض المزروع له الكلية يتعرض لأخطار كثيرة أولها وأخطرها أن يرفض جسده تلك القطعة الآدمية الغريبة عنه والمزروعة فيه فيعمل علي طردها والقضاء عليها.. لذلك فإن هذا المريض يعيش فترة طويلة من حياته علي تعاطي الأدوية المثبطة للمناعة والتي تضعف وتقلل من المناعة الطبيعية لجسم الإنسان حتي لا يقوم جسده بطرد الكلية المزروعة فيه.. وهذه الأدوية تضعف من مقدرة الجسم الدفاعية مما يجعله فريسة سهلة لأي غزو من الميكروبات أو الفيروسات التي تعرض حياته للخطر.. تماماً علي النحو الذي يعاني منه مريض "الإيدز".. ويزيد علي ذلك أنه بالرغم من كل الاحتياطات الطبية فإن هناك احتمالاً قائماً في نهاية الأمر بأن يرفض الجسم الكلية المزروعة رفضاً نهائياً.. فإما أن تصاب بالضمور وتذبل وتموت.. وإما أن يحيطها الجسم بالإفرازات الصديدية ويتعامل معها علي أنها خراج ملئ بالصديد والقيح ويسبب للجسم متاعب ومخاطر لا يجد الأطباء لها علاجاً إلا استئصال الكلية المزروعة حتي لا تقضي علي الجسد بالكامل.. خاصة أن الكلية المزروعة كثيراً ما تصاب بنفس المرض الأصلي المصاب به المريض المزروعة له والذي أدي إلي إصابته بالفشل الكلوي. وفي ذلك عظة لمن يتعظ إذ يقول الحق سبحانه وتعالي: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
كل ما سبق.. هو مخاطر ومضاعفات محتملة من الممكن أن تتوالي بعد عملية الزرع تدريجيا ولكنها تستغرق وقتا يمكننا من التعامل معها ومحاولة التغلب عليها..(1/17)
أما الخطر الأكبر والذي لا يترك فسحة من الوقت للتعامل معه.. فهو إصابة الكلية المزروعة بفشل فوري في أداء وظيفتها والمريض ما يزال علي منضدة العمليات أو بعدها بفترة قصيرة.. وذلك لأنه بعد أن تتم عملية الزرع وتوصيل الشريان والوريد والحالب في الكلية المزروعة بأمثالها في جسم الإنسان المزروع له الكلية.. فإن المفروض أن ينتظر الأطباء عدة دقائق ليتأكدوا من أن الكلية قد بدأت العمل ويتم معرفة ذلك بإدرارها البول في الحالب وهو شيء يراه الأطباء بأعينهم.. أما إذا لم تقم الكلية المزروعة بإدرار البول خلال فترة وجيزة بعد زرعها وتثبيتها فإن ذلك يضع الاحتمال المخيف بفشل تلك الكلية في أداء وظيفتها موضع الخطر الأكبر علي حياة المريض..
إذن مما سبق يتبين لنا أنه:
- لا الضرر بالمتبرع ممتنع.
- ولا الفائدة للمتبرع له مضمونة التحقق.
- فتلزمكم شروطكم.
نقل الكلي والبديل
ويستمر المعارضون قائلين: أما فيما يتعلق بشرطكم أنه لابد لإباحة نقل عضو من الإنسان إلي آخر ألا يكون هناك سبيل آخر لانقاذه من الهلاك فإن ذلك الشرط يلزمكم أيضاً.. ففي حالة المريض بالفشل الكلوي.. هناك سبيل آخر متاح ومأمون وفاعل يعيش به السواد الأعظم من المرضي حياة مستقرة وإن كانت دون الطبيعية وهي جلسات (الغسيل الكلوي) والتي يتم فيها وضع المريض علي جهاز لغسيل الكلي عدة ساعات في الجلسة الواحدة يتم فيها سحب دمه وتنقيته من السموم التي كانت تستخلصها الكليتان منه ثم يعود الدم من الجهاز إلي المريض خاليا من السموم.. وتتم هذه الجلسات مرة كل يومين أو ثلاثة وتستمر حوالي 4 -6 ساعات للجلسة الواحدة.. إذن فهناك بديل لعمليات زرع الكلي.. وهذا البديل مستقر ومقبول ويضمن للمريض أن يحيا حياة شبه طبيعية.. وبذلك ينتفي شرط عدم وجود السبيل البديل لعلاج ذلك المريض فيلزمكم ذلك.
نقل الأعضاء والبديل(1/18)
>> فهل هناك حل بديل لنقل الأعضاء الآدمية يخرجنا من ذلك المأزق الشديد والقضية الشائكة والخلاف المستعصي بين الأطباء والفقهاء؟
> نعم هناك عدة حلول.. بعضها يصطدم بالأصول الشرعية والقواعد الفقهية والبعض يصطدم بالمخاوف والمحاذير الطبية.. والبعض لا يخالف الأصول الشرعية ويتوافق مع القواعد الطبية ويفتح آمالاً كبيرة في ذلك المجال.. وذلك علي النحو التالي:
أولا: نقل الأعضاء من الحيوانات إلي الآدميين: وفي ذلك المقام فإن الحيوان الذي يخضع للاختبارات والأبحاث في الدرجة الأولي هو الخنزير.. وذلك لأن أعضاءه الداخلية هي أقرب الأعضاء الحيوانية شبها بأعضاء الإنسان.. وفي هذا المجال فقد قفز العلماء قفزات كبيرة وقطعوا خطوات واسعة إلي الأمام عندما تمكنوا من استنساخ عدد من الخنازير استطاعوا أن ينتزعوا من جيناتها ذلك الجين الذي يسبب رفض الجسم الآدمي لها.. ومعني ذلك أنهم -حسب ما يقولون- سوف يستطيعون زرع قلب خنزير لآدمي دون خوف من رفض الجسم له.. وهي المعضلة الكبري والمشكلة المستعصية علي الأطباء في مجال نقل الأعضاء.. ولكن في المقابل فإن الأطباء يتخوفون خوفاً شديداً من أن بعض الفيروسات قد استطاعت أن تخترق جينات الخنزير وتصبح جزءاً منها.. ومعني ذلك أنه في حالة زرع عضو من خنزير في جسد آدمي فإن تلك الفيروسات سوف تنتقل للآدميين وسوف تنتشر بينهم بصورة وبائية تهدد بحدوث كوارث طاحنة ببني البشر.
ثانياً: زرع أعضاء صناعية: وهذا المجال ضيق ومحدود ويقتصر علي بعض المجالات التي لا تتعلق بحياة الإنسان فلا تعتبر من الحاجات الحيوية أو الضرورية للحياة وإنما تعتبر من الحاجات الكمالية.. من ذلك زرع المفاصل الصناعية.. وزرع سماعات صناعية داخل عظام الأذن وزرع الأسنان.. ووضع منظمات لضربات القلب ووضع شرائح معدنية لتثبيت العظام وغيرها.. وهذه ليس فيها موانع شرعية ولا طبية.(1/19)
ثالثاً: الخلايا الجذعية: أما البديل الثالث فإنه يمر الآن بمرحلة التجارب النشطة والأبحاث المتقدمة.. وفي حالة نجاح هذه التجارب ووصولها إلي النتائج المرجوة فسوف يمثل ذلك البديل أو الحل ثورة علمية وطفرة طبية في مجال إصلاح الأعضاء التالفة واستبدال الأنسجة المريضة في جسد الإنسان.. وبه سوف يتم الاستغناء الكامل عن عمليات نقل وزرع الأعضاء.. ويتمثل ذلك الحل فيما يعرف باسم "الخلايا الجذعية" وهي تلك الخلايا المتشابهة والمتماثلة التي يتكون منها الجنين في مرحلة مبكرة داخل الرحم.
>> وما تلك الخلايا الجذعية؟ وممَّ وكيف تتكون؟
> بعد التقاء الحيوان المنوي من الذكر واتحاده بالبويضة في الأنثي تتكون البويضة المخصبة التي تلتصق بالجدار الداخلي للرحم ثم تبدأ في الانقسام المتضاعف إلي خلايا كلها متشابهة ومتماثلة تسمي "الخلايا الجذعية".. وهذه الخلايا تملك القدرة علي التحول إلي أنواع الخلايا المختلفة في جسم الإنسان.. فعند لحظة معينة تبدأ كل خلية منها في التخصص تبعاً للعضو الذي ستكون جزءاً منه في المستقبل في جسد ذلك الإنسان سواء كان ذلك التحول إلي خلية عصبية أم خلية عضلية أم جلدية أم عظمية.. وهكذا. وصدق الله تعالي إذ يقول: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
ويهدف العلماء من دراساتهم وتجاربهم إلي الوصول إلي سر كيفية ذلك التحول.. فإذا وصلوا إليه فإن ذلك يعني أنهم سيتمكنون من تحويل الخلية الجذعية إلي خلية متخصصة لأي عضو من أعضاء الجسد.. فإذا زرعوا تلك الخلايا في العضو التالف أو المريض بدأت في التخصص لنفس نوع خلايا ذلك العضو ثم التكاثر والحلول محل الخلايا المريضة أو التالفة.. ويستمر ذلك حتي يتم تجديد خلايا العضو بالكامل ويعود إلي حالة كاملة من الصحة والكفاءة.
>> ومن أين يتم الحصول علي تلك الخلايا الجذعية؟
> هناك طريقتان لذلك:(1/20)
الطريقة الأولي: استخلاصها من أعضاء الأجنة المجهضة أو من خلايا الحبل السُرِّي وقت الولادة أو من بعض الأنسجة البشرية مثل نخاع العظام.
الطريقة الثانية: استنساخها من الإنسان نفسه المطلوب زرعها فيه ويتم ذلك بالحصول علي خلية من جسمه وعادة ما تكون من الخلايا المبطنة لتجويف الفم واستخلاص النواة منها ثم يتم الحصول علي بويضة يتم تفريغها من النواة.. ثم يتم زرع نواة خلية ذلك الإنسان في البويضة المفرغة.. وتحت ظروف كيميائية ومعملية معينة يتم تنشيط تلك البويضة فتبدأ في الانقسام المتضاعف مكونة "الخلايا الجذعية" وكلها متشابهة ومتماثلة وغير متخصصة.
وقد تمكن مؤخراً فريق من العلماء من تحويل بعض الخلايات الجذعية المستخلصة من نخاع العظام إلي خلايا كبدية.. ويعني ذلك أملاً كبيراً في إمكانية التوصل مستقبلاً إلي الاستغناء الكامل عن عمليات زرع الأعضاء.. وبذلك نتخلص من أخطر ثلاث مشاكل نتجت عن تلك العمليات وهي:
المشكلة الأولي: ذلك الخلاف الطبي العنيف والجدل الفقهي الشديد بين المؤيدين لعمليات نقل وزرع الأعضاء وبين المعارضين لها.
المشكلة الثانية: رفض الجسم للعضو المزروع فيه لأنه غريب أما في حالتنا هذه فإن الجسم لن يرفض الخلايا المزروعة فيه لأنها مستخلصة منه.
المشكلة الثالثة: الندرة الشديدة في الأعضاء المطلوبة وصعوبة الحصول عليها لزرعها في من يحتاجونها.
والآن نأتي إلي بعض الأسئلة التي لابد من توضيح إجاباتها وجلاء أحكامها حتي تصبح الصورة أكثر وضوحاً ويستطيع العلماء أن يقدموا للأمة الفتوي الصحيحة في تلك القضية.
ضوابط المصلحة الشرعية
>> السؤال الأول: هل الأحكام الشرعية تدور حيث تدور الفائدة والمصلحة المادية مطلقاً؟.. أو أن هناك ضوابط فقهية ومفاهيم أخلاقية تضبط ذلك؟(1/21)
> بالتأكيد أنه توجد ضوابط لذلك.. بل إن تلك الضوابط قد تتعارض مع المصلحة المادية تعارضاً مباشراً وصريحاً.. ولكن ذلك بالطبع يكون لحكمة أعمق وهدف أسمي.. مثل تحصيل مصلحة أكبر.. أو دفع ضرر أشد.. فالمنفعة في الإسلام نوعان: منفعة معتبرة شرعاً ومأذون بها من الله.. ومنفعة غير معتبرة شرعاً وغير مأذون بها من الله.. فليس كل نافع مشروعا في الإسلام ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالي أثبت في كتابه الكريم نفعاً للخمر والميسر ومع ذلك فقد حرمهما وجعلهما من الكبائر مصداقاً لقوله تعالي: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}.. وندلل علي ذلك بأمر مشابه لنقل الأعضاء فيما يلي:
أطفال الأنابيب
في بعض الحالات بين الأزواج تكون (الخصية) في الزوج سليمة وتنتج (حيوانات منوية) صحيحة قادرة علي الإخصاب.. ويكون (المبيض) في الزوجة سليم وينتج (بويضات) صحيحة قابلة للإخصاب.. ولكن توجد عوائق تمنع التقاء الحيوان المنوي من الزوج مع البويضة في الأنثي ليتحدا ويستقرا في الرحم ويبدأ الحمل.. وقد تكون هذه العوائق في الزوج مثل أن يكون الحبل المنوي الذي ينقل تلك الحيوانات إلي العضو الذكري ومنه إلي مهبل الأنثي مسدوداً.. أو تكون في الأنثي مثل أن تكون القناة التي تنتقل خلالها البويضة من المبيض إلي الرحم والمسماة (قناة فالوب) مسدودة.. حينئذ يصبح هذان الزوجان عقيمين وغير قادرين علي الإنجاب.(1/22)
وكان من نعمة الله علي بني آدم ورحمته بهم أن هيأ لهم من العلم ما مكنهم من التغلب علي هذين العائقين فيما يسمي (أطفال الأنابيب).. وفي هذه العملية يتم الحصول علي الحيوان المنوي من الزوج إما بالطريق الطبيعي إن كان سليماً وإما من الخصية مباشرة بجهاز المنظار إن كان الحبل المنوي مسدوداً.. كذلك يتم الحصول علي البويضة من الزوجة باستخلاصها من المبيض مباشرة باستخدام المنظار.. ثم يوضع الاثنان في أنبوبة تحتوي علي محلول طبيعي يتيح لهما الحياة حتي يتحدا وينتج عنهما البويضة المخصبة.. ويتم ذلك خلال يوم أو يومين علي الأكثر.. حينئذ يتم نقل هذه البويضة المخصبة من الأنبوبة التي تكونت فيها إلي رحم الزوجة، وزرعها فيه لتبدأ حملاً طبيعياً تماماً كما يحدث بعد اللقاء الطبيعي بين الزوجين. فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
وبالتأكيد فإن تلك العملية فيها خير عظيم ومنافع جمة.. وفيها مصلحة متحققة لأي رجل أو امرأة يعانيان من العائقين اللذين ذكرناهما.. ولكن جاء الشارع الحكيم ليحدد لنا الضوابط الشرعية لتلك العملية فأباحها وجعلها حلالاً فقط بين زوجين في علاقة زوجية شرعية صحيحة.. وحرمها في كل ما عدا ذلك.. وذلك دفعاً لخطر أعظم وضرر أشد هو اختلاط الأنساب بكل ما يحمله من أخطاء شرعية وكوارث أخلاقية ومظالم قانونية.. وذلك بالرغم من أن في تلك العملية خيراً عظيماً ومصالح متحققة للملايين والملايين من الرجال العقيمين والنساء العقيمات من غير الأزواج.(1/23)
وعلي حين يضبط لنا الشرع حياتنا طاهرة نقية صحيحة تُقْبِل دول الغرب علي إجراء هذه العمليات بين أي ذكر وأي أنثي لا تربطهما علاقة الزوجية.. ودون أي اعتبار لأصول شرعية أو قواعد أخلاقية.. فقد يحصل الرجل علي بويضة من أي امرأة غير زوجته!! وقد تحصل المرأة علي حيوان منوي من أي رجل غير زوجها وهذا أمر شائع في دول الغرب حيث توجد بنوك تحتفظ بهذه المكونات مجمدة لمن يريد أن يشتري دون أن يعلم مصدرها أو حتي يهتم بذلك.. ويتقبل الاثنان هذا الأمر بفرح وسرور دون أي اعتبار لوازع من دين أو ضابط من أخلاق ودون أي اهتمام باختلاط الأنساب ودون أي شعور بنخوة أو رجولة حين يري الزوج زوجته تحمل في بطنها جنيناً ليس من صلبه ومن مني من ذكرٍ غيره.
أسرار الأعضاء الآدمية
>> السؤال الثاني: هل الأعضاء الآدمية تقتصر علي كونها قطعا من اللحوم والجلود يمكن تداولها بين الناس؟.. أو أن لها معاني أكبر وأسرارا أخفي وحرماتٍ أشد؟
> بالتأكيد أن هناك أسرارا كثيرة وخفايا عديدة أودعها الله في جسد ذلك المخلوق الآدمي ومازالت خافية علي الإنسان ولا يعلم عنها شيئاً.. وبالتأكيد أننا لا نعرف عن الأعضاء الآدمية إلا ما نراه بأعيننا وهو أقل من القليل.. أما ما وراء ذلك من الأسرار فلا يعلمها إلا الله.
فالقلب علي سبيل المثال ينظر إليه الملحدون واللادينيون علي أنه مجرد مضخة من العضلات تدفع بالدماء في شرايين الجسد، وينكرون أي قول يخالف ذلك.. بل قد يسخرون منه!!
أما الحقيقة فعلي العكس من ذلك تماماً.. فالقلب يمثل في ذاته حياة كاملة مبهرة ومذهلة في وظيفتها وعلاقاتها بسائر الجسد.. ويتبين ذلك فيما يلي:(1/24)
أولا: من القرآن الكريم: يقول الله تعالي: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}.. ويقول سبحانه وتعالي: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَي الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.. ويقول عز وجل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.. ويقول عز من قائل: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}.. ثم يقول {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً}.
مما سبق من الآيات الكريمة نعلم أن الله سبحانه وتعالي قد حدد للقلب وظائف وتكاليف تفوق عمله كمضخة ميكانيكية لضخ الدماء في الجسد.. فالقلب يطمئن ويعقل.. ويعمي ويبصر.. ويقسو ويلين.. ويؤمن ويكفر.. ويمرض ويشفي.. ويأثم ويتوب.
والقلب جزء من جسد الإنسان يكمل به ويتحد معه ويشكلان معاً كياناً واحداً.. فالإنسان المؤمن قلبه مؤمن والكافر قلبه كافر.. وهنا نأتي للسؤال المعضل.. ماذا يحدث إذا تم نقل قلب كافر إلي إنسان مؤمن.. أو العكس؟ هل يتحول المؤمن إلي كافر؟ أو يتحول الكافر إلي مؤمن؟. وهل سيكون القلب تابعاً للجسد الجديد؟ أو أن الجسد هو الذي سيكون تابعاً للقلب؟ أو أن القلب سيمحو تاريخه السابق ويبدأ من جديد؟ وعلي أي حال سيكون؟.. هذه أسئلة مهمة تتعلق بعقيدة المسلمين الذين يؤمنون بأن بعث الإنسان يوم القيامة سيكون بالروح والجسد كاملاً.. وأن الإنسان إما أن يدخل الجنة بكامل جسده أو يذهب إلي النار بكامل جسده.. فأي الجسدين يتبع القلب؟(1/25)
ونحن ننبه علماء المسلمين إلي أن هذه التساؤلات إذا كان يمكن للملحدين واللادينيين أن يتجاهلوها أو يسخروا منها.. فإن علماء المسلمين يجب عليهم أن يبحثوها ويمحصوها بكل دقة وحرص ويصلوا فيها إلي رؤية واضحة وجلية قبل أن يتخذ أي منهم قراراً بإباحة نقل الأعضاء أو تحريمها حتي يعلموا ما يفعلون.
ثانياً: من السنة: يكفينا قول النبي الكريم [ البليغ في ألفاظه المعجز في معانية حين يقول في جزء من حديثه [: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (البخاري).
فالنبي الكريم [ الصادق الصدوق الذي يُوحَي إليه من لدن حكيم عليم يخبرنا ويعلمنا أن القلب هو المُوَجِّه والمسيطر علي حياة الإنسان.. إما للطاعة أو المعصية.. إما للجنة أو النار.. فكيف يكون ذلك إذا كنا لا نري القلب إلا كما يراه اللادينيون والملحدون.. مجرد مضخة تؤدي دوراً ميكانيكيا فقط لضخ الدماء في الجسد؟
من العلم الحديث: ثم جاء العلم الحديث ليبين للناس صدق القرآن وصدق الحديث.. وذلك علي النحو التالي:(1/26)
- أجري بعض العلماء أبحاثاً عما يعرف بـ "ذاكرة الخلية" وذكروا أن كل خلية في جسد الإنسان تحتوي علي معلومات عن شخصياتنا وتاريخنا وأفعالنا.. بل إن لها الفكر الخاص بها.. وعند زراعة عضو من شخص في شخص آخر فإن خلايا ذلك العضو تحمل ذاكرتها القديمة المخزونة من الأول إلي الثاني.. فسبحان الله العظيم القائل: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون}.. فهذه الأعضاء لن تشهد علي الإنسان يوم القيامة إلا إذا كانت تحمل معها ذاكرتها الخاصة بها في ذلك الجسد بدليل أن اللسان إذا نطق كذباً يوم القيامة قامت الأعضاء علي الفور بتكذيبه بالنطق بالشهادة الخاصة بها.. وعندما يلومها اللسان قائلا: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} ترد قائلة: {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}.. أي أمرنا الله سبحانه وتعالي أن نسترجع ذاكرتنا الخاصة ونعلنها علي الملأ فخلايا القدم تسترجع ذاكرتها عن الأماكن التي مشت إليها والخطوات التي قطعتها.. وخلايا العين تسترجع ذاكرتها عن المشاهد التي نظرت إليها.. وخلايا الأذن تسترجع ذاكرتها عن الأصوات التي استرقت السمع إليها.. وخلايا اليد تسترجع ذاكرتها عن الأفعال التي عملتها.
وقد قدم د. (أندرو أرمور) في عام (1991م) ما يفيد أن هناك عقلاً صغيراً في القلب يتكون من خلايا عصبية وناقلات كيميائية تعمل باستقلالية عن خلايا المخ للتعلم والتذكر والإحساس ثم ترسل المعلومات إلي المخ.. ويعتقد هذا العالم أن الخلايا العصبية الذاتية للقلب إذا تم نقله إلي شخص آخر فإنها تستعيد عملها وترسل إشارات من ذاكرتها القديمة إلي الشخص الجديد.(1/27)
وقد وجدت د. (كاندي بيرت) أن كل خلية في الجسم والمخ تتبادل الرسائل بواسطة أحماض أمينية قصيرة كان يعتقد سابقاً أنها في المخ فقط ولكن ثبت وجودها في أعضاء أخري مثل القلب والأعضاء الحيوية.. وقد وجدت كذلك أن الذاكرة لا تُختَزن فقط في المخ ولكن في خلايا أعضائنا الداخلية.
تأثير القلب علي المخ: وقد تحدث العلماء كثيراً عن استجابة القلب للإشارات الصادرة له من المخ.. ولكنهم اكتشفوا الآن أن العلاقة بينهم ثنائية الاتجاه وأن كليهما يؤثر في الآخر.. وذكر الباحثون أربع وسائل يؤثر بها القلب علي المخ: عصبياً من خلال النبضات العصبية، وكيميائياً بوساطة الهورمونات، وفيزيائياً بموجات الضغط.. وأخيراً بوساطة الطاقة الكهرومغناطيسية للقلب التي تفوق طاقة المخ بمرات عديدة.
وصية الميت وحق الورثة
>> السؤال الثالث: هل وصية الميت حال حياته بالتصرف في جسده بعد مماته معتبرة شرعاً؟ وهل للورثة حق في جسد الميت والتصرف فيه غير التغسيل والتكفين والصلاة والدفن؟(1/28)
> لقد حدد الله لنا مصير أجسادنا بعد الموت فقال سبحانه وتعالي: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} ثم يؤكد لنا الله سبحانه وتعالي ذلك المصير بقوله تعالي: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَي} ثم يصوره لنا بجلاء ووضوح بقوله تعالي: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ}. أي أن المصير الشرعي للجسد هو الدفن في باطن الأرض.. ثم قال تعالي: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} أي بعثه.. فمن الذي يُدفن ومن الذي يُبعث؟.. وهل يملك الإنسان أن يحدد لنفسه مصيراً بعد الموت غير الدفن؟.. أي هل يجوز شرعاً أن يوصي الميت حال حياته بأن تحرق جثته بعد موته وتذروها الرياح؟!! أو يوصي بأن تصلب أو تعلق علي الأعمدة لتأكلها الطير أو تلقي في السهول والوديان لتأكلها السباع؟!! وإذا كان الدفن هو المصير الشرعي للجسد فمالمقصود بذلك الجسد؟ هل هو الجسد الكامل بجميع أعضائه الذي سيحاسب بين يدي الله يوم القيامة؟.. أما ذلك الجسد الذي أُفْرِغ من كل أحشائه وأعضائه ومحتوياته فأصبح مجرد وعاء فارغ من اللحوم والجلود والعظام..
وهل يملك الورثة جسد مَيِّتِهم (ملكية تصرف)؟ وهل يستطيعون أن يتصرفوا فيه بأي صورة غير الدفن الشرعي؟ وهل الضابط للتعامل مع جثة الميت هو حقوقه الشرعية؟ أو مصلحة الآخرين؟. وهل تجوز بعض التعبيرات الدارجة مثل (الحي أبقي من الميت) أو (إن جسد الميت سوف يتعفن وأعضاؤه سوف تبلي والأولي أن نأخذها ليستفيد بها الأحياء) هل يجوز أن تكون هذه الأقوال مصدراً للأحكام الشرعية؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تبحث عن إجابات شافية تلبي حاجات الناس وتتوافق مع تطورات عصرهم ولا تخرج عن أصول عقيدتهم وأحكام شرعهم.
الخاتمة(1/29)
هذه هي قضية (نقل الأعضاء الآدمية).. وهذه هي آراء المؤيدين والمعارضين.. ولكل حجته وأدلته.. فالمؤيدون يدورون حيث تدور المصلحة المادية للمنقول له.. ويضعون شروطاً لتحصيلها.. والمعارضون يفندون تلك المصلحة ويلزمونهم بتلك الشروط.. فلا المنقول له ضَمِنَ المصلحة والفائدة.. ولا المنقول منه أَمِنَ الضرر والخطر.. ثم يضاف إلي ذلك تلك الأسئلة التي تبحث عن إجابات شافية تتفق مع أصول العقيدة.
لذلك فإننا نوجه حديثنا ونصحنا لعلماء الأمة أن يتمهلوا ويتريثوا.. وأن يمحصوا ويبحثوا.. وألا يتعجلوا في إعلان رأيهم وفتواهم في هذه القضية.. فالعجلة هنا لن تأتي بخير.. وعلي الفقهاء أن يعودوا إلي أصول شريعتهم في بحث تلك القضية فلا ينظروا إليها من حيث الحكم الشرعي المجرد ولكن من حيث الحكم الشرعي المرتبط بفقه الواقع المؤثر فيه بأخطاره وأضراره ومفاسده.
وهذا الأمر يلقي بتبعات ثقيلة ومسئوليات كبيرة علي علماء الفقه والشريعة.. حتي يخرجوا للناس بفقه معاصر يلبي حاجاتهم ويتماشي مع تطورات واقعهم وعصرهم ولكن علي شرط ألا يمس أركان عقيدتهم ولا أصول شرعهم.
ندعو الله أن يوفق علماء أمتنا إلي ما فيه عز الإسلام وخير المسلمين والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل
جذع المخ...
بين الحياة والموت
نشر هذا الملف في العدد الرابع والثلاثين السنة الثالثة
من مجلة التبيان بتاريخ
جمادي الأولي 1428 هـ - يونيه 2007م
إنها مسألة عويصة.. ولغز محير.. وقضية شائكة.. تحيرت فيها العقول وتشتت حولها الأفكار وتضاربت فيها الآراء..
احتار فيها العلماء واختلف عليها الأطباء وتوقف عندها الفقهاء.
وقفوا جميعاً أمام جسدٍ ساكنٍ مسجي بين أيديهم.. غابت عنه الحياة ولكن بقي في داخله بعض منها.. أخذوا يتساءلون أميت هو أو حي؟.. هل فارقته الروح ورحلت عنه؟.. أو أنها لم تزل تسري في جسده وتسكن بين جنبيه؟.. أو تراها فارقت بعضاً منه وبقيت في بعضه؟(1/30)
وغاب عنهم جميعاً أن الله سبحانه وتعالي قد حسم ذلك الأمر منذ الأزل إذ قال جل وعلا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.. فهم يتجادلون في الروح ولا يعرفون وصفها.. ويختلفون في مفارقتها الجسد ولا يعرفون مكانها.. ويتناظرون فيها ولا يعرفون كنهها.. ولو فارقت الروح الجسد أمام أعينهم فلا يرونها أو يبصرونها.
وغاب عنهم أيضاً أن للإنسان مرحلة بين الحياة والموت هي مرحلة الاحتضار.. من بدأها فقد غادر الحياة فلا عودة لها.. وأمسكت به يد الموت فلا نجاة منها.
وفي هذا الملف نتناول بفضل الله تلك القضية الشائكة.. (موت جذع المخ).. فنبين بعض الحقائق .. في تبسيط غير مخل وشرح غير ممل.. فإن وفقنا الله في ذلك فمن فضله.. وإن كانت الأخري فمن أنفسنا.. والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل.
رحلة الموت
عندما يموت الإنسان فإن ذلك يتم علي ثلاث مراحل تعتمد علي موت ثلاثة أعضاء حيوية في الجسم هي (المخ) و(القلب) و(الرئتان) ثم موت خلايا الجسم وذلك علي النحو التالي:
المرحلة الأولي (الموت الإكلينيكي): وفيها يتوقف القلب والرئتان عن العمل فيتوقف دوران الدم في الجسم ويتوقف وصوله إلي المخ.. وتستمر هذه الفترة أقل من خمس دقائق وهي أقصي مدة يتحمل المخ فيها الحرمان من الأوكسجين والجلوكوز المحمولين له عن طريق الدم.. وفي هذه المرحلة يكون:
1- القلب والتنفس متوقفان.
2- خلايا المخ سليمة.
3- خلايا الجسم سليمة.
فإذا أمكن استعادة تشغيل القلب والتنفس خلال هذه الفترة سواء كان ذلك ذاتياً أو بالأجهزة الصناعية فإن الإنسان يظل مستمراً بعدها علي قيد الحياة ولا يعتبر ميتاً بالإجماع.
المرحلة الثانية (الموت الجسدي):(1/31)
إذا تعدت فترة توقف القلب وحرمان المخ من الأوكسجين أكثر من خمس دقائق فإن خلايا المخ تموت بما فيها الخلايا المسئولة عن تشغيل القلب والرئتين وبالتالي ينعدم الأمل في أية عودة ذاتية للقلب والتنفس ويدخل الإنسان في موت جسدي حقيقي لا رجعة منه.. وفي هذه المرحلة يكون:
1- القلب والتنفس متوقفان.
2- خلايا المخ ميتة.
3- خلايا الجسم سليمة.
فإذا أمكن وضع هذا الإنسان بسرعة علي أجهزة التنفس الصناعي فإن الدورة الدموية والتنفس يعودان إلي الاستمرار.. ويستمر وصول الأوكسجين إلي خلايا الجسم فتظل حية بالرغم من موت خلايا المخ.. وبنهاية هذه المرحلة يكون الإنسان قد مات ككائن بشري موتاً لا رجعة منه وذلك لموت خلايا المخ ولكن خلايا جسده تظل سليمة ما دام موضوعاً علي الأجهزة الصناعية وذلك لفترة لا يعلمها إلا الله.
وتعرف هذه الفترة بـ (الحياة الخلوية) وتشبه وضع خلايا الجنين في بطن أمه قبل نفخ الروح فيه.. فهي خلايا حية في كائن ليس فيه روح.. ومن المثير للتأمل أن هذه الحقيقة العلمية قد أكدتها السنة النبوية الشريفة في حديث عبد الله بن مسعود عن رسول الله [: "إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: (اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد.. ثم تُنفخ فيه الروح)" (رواه البخاري). ومعني ذلك أن الروح لا تُنفخ في الجنين إلا بعد أربعة أشهر".. وحياة الجنين قبل ذلك تقابل (الحياة الخلوية) التي ذكرناها آنفاً.. أي خلايا حية في كائن ليس فيه روح.. أما بعد نفخ الروح فإن حياته تقابل (الحياة الجسدية) أي خلايا حية في كائن تدب فيه الروح.
المرحلة الثالثة (الموت الخلوي):(1/32)
إذا انتهت المرحلة الثانية ومات المخ ولم يوضع الإنسان علي أجهزة التنفس الصناعي فإن الدورة الدموية تتوقف.. وبالتالي يتوقف الدم نهائياً عن الوصول إلي جميع أجزاء الجسم وتبدأ خلايا الجسم في الموت والتحلل وفي هذه المرحلة يكون:
1- القلب والتنفس متوقفان.
2- خلايا المخ ميتة.
3- خلايا الجسم ميتة.
.. فالخلية تظل حية ما توافر لها مادتان أساسيتان للحياة هما الأوكسجين والجلوكوز اللذان يصلان إليها عن طريق الدم.. وعندما يتوقف وصول الدم إليها فإن كل خلية يكون فيها كمية من هاتين المادتين تظل في أداء عملها حتي تستهلكها ولا يصلها مدد جديد فتبدأ في الموت والتحلل.. وهذا هو موت الخلية أو (الموت الخلوي).. ومن المثير للتأمل أن تلك الفترة الزمنية التي تستطيع خلايا الجسم أن تستمر في الحياة فيها بعد توقف القلب تختلف من عضو لآخر.. فخلايا المخ- مثلاً- لا تستطيع أن تتحمل الحرمان من الأوكسجين والجلوكوز أكثر من خمس دقائق.. وخلايا العضلات 45 دقيقة وخلايا قرنية العين 4 ساعات وخلايا الكبد ساعتين، أما خلايا الجلد فإنها تتحمل 24 ساعة وخلايا العظام 48 ساعة.
وهذه المرحلة (الموت الخلوي) هي الموت الحقيقي المتعارف والمتفق عليه بلا خلاف حيث يموت الإنسان ككائن حي فلا رجعة له.. ثم تموت خلايا جسده عضواً بعد عضو فلا رجعة لها.
لذلك فإننا يمكننا أن نقول: إن حياة الإنسان تنتهي بعكس ما بدأت به.. فهي تبدأ بحياة خلوية ثم حياة جسدية بعد نفخ الروح.. وتنتهي بموت جسدي بمفارقة الروح ثم موت خلوي بموت الخلايا.. ولا يتم الموت الحقيقي إلا بموت خلايا الجسم.
والحديث عن المرحلة الأولي وهي (الموت الإكلينيكي) والمرحلة الثالثة وهي (الموت الخلوي) لا خلاف فيه لأن في الأولي يكون الإنسان حياً بالاتفاق وبلا خلاف وفي الثالثة يكون ميتاً بالاتفاق وبلا خلاف.(1/33)
ولكن الخلاف والجدل والنزاع والحيرة كلها تدور حول المرحلة الثانية وهي مرحلة (الموت الجسدي) حيث تكون خلايا المخ قد ماتت ولا رجعة من موتها بينما خلايا الجسم حية وتؤدي وظائفها.. والخلاف هاهنا.. هل ذلك الإنسان حي؟. أو أنه ميت؟
>> وما السبب في ذلك الخلاف؟.. فإذا كان المخ قد مات ولا رجعة له فإن بقاء خلايا الجسد حية هو تحصيل حاصل ولا فائدة منه علي الإطلاق!!
> هذا هو جوهر المشكلة ولب النزاع!! فالمخ حينما يتوقف عن العمل لا يُشترط أن تكون قد ماتت خلاياه.. ففي بعض الحالات يكون ذلك التوقف لسبب غير موت الخلايا.. وقد يكون ذلك السبب قابلاً للزوال فيعود المخ إلي العمل مثل حدوث نزيف أو الإصابة بجلطة أو بورم سرطاني تضخم فضغط علي مراكز القلب والتنفس فتوقفت عن العمل.. ولو تم التعامل مع ذلك الورم بالعلاج الكيماوي والإشعاعي لَصَغُر حجمه وعادت هذه المراكز للعمل مرة أخري. وفي هذه الحالات يتوقف المخ عن أداء وظائفه لكنه لا يكون ميتاً لبقاء خلاياه حية.
>> إذن فمعني ذلك أننا لا نستطيع الاعتماد علي توقف الوظائف الحيوية للمخ والقلب والرئتين لتأكيد الموت وإعلان الوفاة وذلك قبل الوفاة الخلوية؟
> نعم.. إن توقف (القلب) و(الرئتين) و(جذع المخ) عن العمل لا يكفي للتشخيص المطلق للوفاة وذلك للآتي:
1- إن توقف القلب والرئتين يمكن التغلب عليهما واستعادتهما العمل بأجهزة التنفس الصناعي فتظل الدورة الدموية في سريانها ولا تتوقف.
2- إن توقف المخ عن العمل قد يكون لأسباب غير مَرَضية مثل تناول جرعات كبيرة من المهدئات أو المخدرات أو أدوية التخدير أثناء العمليات الجراحية فإذا زال تأثير هذه المواد عاد المخ إلي العمل.
لذلك فإننا يجب أن نعلم جيداً أن هناك حالتين لعطب المخ: الأولي التوقف عن العمل والثانية: موت خلاياه.
وموت خلايا المخ لا رجعة منه ويستتبعه توقف عن العمل.(1/34)
أما التوقف عن العمل فلا يُشترط فيه موت الخلايا ومن الممكن أن تكون له رجعة.
لذلك فإننا لا نستطيع أن نحكم بموت إنسان اعتماداً علي توقف المخ والقلب والرئتين عن أداء وظائفها وإنما لابد من موت خلايا المخ ثم البدء في موت وتحلل خلايا الجسد للتأكد من الموت وإعلان الوفاة.
>> دار الحديث وتكرر حول المخ وعلاقته بالقلب والتنفس.. فهل المقصود هنا المخ بكامله ونحن نعلم أن له وظائف عديدة غير ذلك أو أن المقصود شيء آخر؟
> في الحقيقة أن ذكر لفظة (المخ) طوال حديثنا كان علي سبيل المجاز.. لأن هناك جزءاً محدداً منه هو المقصود بحديثنا وهو الجزء الذي تقع فيه مراكز القلب والدورة الدموية والتنفس.. وهو ذلك الجزء الذي يُسَمَّي (جذع المخ).
الجهاز العصبي
>> فما جذع المخ؟.. وما وظيفته؟.. وممَّ يتركب؟ وأين يقع من المخ؟
> لكي نعرف ما هو جذع المخ ووظيفته يجب علينا أولاً أن نعرف ما هي مكونات المخ أو علي الأصح (الدماغ) لأن المخ جزء من الدماغ.. والدماغ جزء من الجهاز العصبي للإنسان وذلك علي النحو التالي:
يتكون الجهاز العصبي للإنسان من جزءين:
الأول: الجهاز العصبي المركزي.
والثاني: الجهاز العصبي الطرفي.
والجهاز العصبي المركزي يتكون من جزءين:
الأول: هو الدماغ وهو الجزء الذي يقع داخل جمجمة الإنسان.
والثاني: الحبل الشوكي الذي يبدأ من الدماغ ويسير داخل العمود الفقاري حتي نهايته أسفل ظهر الإنسان.. ومن هذا الحبل الشوكي وعلي الجانبين تخرج الأعصاب التي تكون الجهاز العصبي الطرفي والتي تغذي الأطراف العليا والسفلي وجدار الصدر والبطن.
الدماغ (BRAIN)
يتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء: المخ والمخيخ والنخاع المستطيل.(1/35)
1- المخ (CEREBRUM): يكون الجزء الأكبر من الدماغ ويتكون من نصفين كرويين يقعان داخل الجمجمة.. نصف أيمن ونصف أيسر.. ويتكون كل نصف من ثلاثة أجزاء: (المخ الأمامي) و(المخ الأوسط) و(المخ الخلفي) وتربطهم جميعاً شبكة أو جسر من الألياف العصبية تسمي (القنطرة).. ويغطي هذين النصفين من الخارج طبقة سميكة تسمي القشرة المخية تتركز فيها معظم الخلايا العصبية للمراكز العليا وهي مراكز التفكير والوعي والذاكرة ومراكز الحواس الخمس.
2- المخيخ (CEREBELLUM): يقع أسفل النصفين الكرويين للمخ وإلي الخلف منهما في مؤخرة الجمجمة وهو المسئول عن حفظ توازن الإنسان.. وحدوث أي خلل في وظيفته يؤدي إلي اختلال في توازن الجسم والشعور بالدوار.
3- النخاع المستطيل (MEDULLA OBLONGATA): يمتد من المخ الأوسط إلي الأسفل وهو الذي يربط المخ بالحبل الشوكي الموجود داخل العمود الفقاري.
جذع المخ (BRAIN STEM)
التركيب: يتركب جذع المخ من ثلاثة من الأجزاء التي ذكرناها هي (المخ الأوسط) و(النخاع المستطيل) و(القنطرة) وهي شبكة الألياف العصبية التي تربط أجزاء المخ المختلفة ببعضها البعض.
الوظيفة: ووظيفة جذع المخ هي القيام بالعمليات الحيوية اللاإرادية التي تتم دون تفكير مثل التنفس وخفقان القلب وضغط الدم.. يضاف إلي ذلك أنه المعْبَر الذي تمر خلاله جميع الألياف العصبية الصاعدة والهابطة بين الدماغ وبين عامة أجزاء الجسم.. لذلك فإن توقف جذع المخ عن وظيفته يؤدي إلي توقف القلب والتنفس.
وهناك ثلاث حقائق هامة يجب أن نعرفها هي:
1- أن الخلايا العصبية بما فيها خلايا المخ وجذع المخ التي تتلف لا تتجدد.. وذلك علي العكس من الخلايا في معظم أجزاء الجسم الأخري التي تتجدد بعد تلفها.
2- أنها لا تتحمل نقص الأوكسجين لأكثر من خمس دقائق تبدأ بعدها في الموت والتحلل.. لذلك فإن التوقف الكامل للقلب لمدة تزيد عن خمس دقائق يؤدي إلي موتها نهائياً.(1/36)
3- أن توقف جذع المخ عن العمل يكون علي وجهين:
الأول: التوقف عن أداء الوظيفة بينما تكون خلاياه حية كما يحدث في حالات تناول كميات كبيرة من المهدئات أو المخدرات.. وهذه الحالة من الممكن أن تشفي لو تم إسعافها في الوقت المناسب.
الثاني: التوقف عن أداء الوظيفة بسبب موت الخلايا.. وهذه الحالة موت حقيقي لا رجعة منه.
>> ومتي بدأ الاهتمام بموضوع موت جذع المخ؟
> بدأ الاهتمام بموت جذع المخ لتحديد لحظة الموت وإعلان الوفاة بعد أن استطاع جراح القلب الفرنسي الشهير (كريستيان برنارد) إجراء أول عملية نقل قلب من إنسان (يُحتضر) إلي إنسان حي مصابٌ بتلف شديد في قلبه بإحدي مستشفيات مدينة (كيب تاون) بجنوب أفريقيا في 3 ديسمبر عام (1967م).. وذلك لأن عمليات نقل القلب لا تنجح إلا إذا انتُزع القلب من الشخص المتبرع وهو لا يزال ينبض.
وكان أول من وضع موت جذع المخ كمقياس للموت في الإنسان هي (جامعة هارفارد) الأمريكية عام (1968م).. وقد حقق هذا المقياس للأطباء المشتغلين بنقل الأعضاء الآدمية فرصة لانتزاع الأعضاء من الأجساد بحالة سليمة وبالتالي ارتفاع نسبة نجاح عمليات نقل وزرع الأعضاء.
تحديد لحظة الموت
«محل النزاع»
>> ما هي بالتحديد قضية موت جذع المخ؟ وما محل النزاع فيها؟.. وما سبب ذلك الاهتمام الشديد والخلاف العنيف وتلك الحيرة التي تلف ذلك الموضوع؟
> بداية فإن القضية بالتحديد ومحل النزاع هي (تحديد لحظة الموت) في الإنسان الذي يموت فيه (جذع المخ) وذلك من خلال السؤال الآتي:
في (المرحلة الثانية) من الموت كما ذكرنا أي إذا توقف (جذع المخ) و(القلب) و(الرئتان) عن العمل (الموت الجسدي) وقبل أن تموت خلايا الجسد وتتحلل (الموت الخلوي).
هل يعتبر ذلك الإنسان ميتاً؟ أو ما يزال حياً؟
والخلاف والنزاع بين فريقين لكل منهما مبرراته وتفسيراته للانتصار لرأيه وذلك علي النحو التالي:
الفريقان المتعارضان(1/37)
الفريق الأول: (المؤيدون لاعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً): يري ذلك الفريق أن الإنسان بمجرد أن يموت (موتاً جسدياً) أي يتوقف جذع المخ والقلب والرئتان عن العمل فإنه يُعتبر ميتاً موتاً حقيقياً حتي لو كان موضوعاً علي أجهزة تنفس صناعي تحافظ علي استمرار عمل القلب والرئتين وتحافظ علي بقاء خلايا الجسد حية.. ويجوز أن يجري عليه ما يجري علي الأموات مثل انتزاع عضو من أعضائه ونقله لإنسان آخر.. وذلك طبعاً في المجتمعات التي تبيح نقل الأعضاء.
وهذا الفريق يتكون أساساً من الأطباء والجراحين العاملين بمجال نقل وزراعة الأعضاء الآدمية ومعهم بعض العلماء الشرعيين والقانونيين المتضامنين معهم.
الفريق الثاني: (المعارضون لاعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً): يري ذلك الفريق أن الإنسان عندما يموت موتاً جسدياً وقبل موته موتاً خلوياً فإنه يعتبر في مرحلة احتضار.. وأنه لا يُحكم بموته موتاً حقيقيا وتاماً إلا ببدء موت وتحلل خلايا جسده أي بدخوله الفعلي في مرحلة (الموت الخلوي) وظهور علاماتها علي جسده مثل ارتخاء الجسم ثم تيبسه وبرودته والرسوب الدموي وهو ظهور بقع داكنة اللون في الأجزاء القريبة من الأرض في الجسد الميت لترسب الدماء بها وشحوب الوجه وانعدام تعبيراته وشخوص البصر واتساع حدقة العين.
وهذا الفريق يتكون أساسا من الأطباء والجراحين الذين ينظرون إلي القضية نظرة شرعية وأخلاقية تحترم حياة الإنسان ومعهم بعض العلماء الشرعيين والقانونيين الناهجين نهجهم.(1/38)
والسبب في ذلك الخلاف هو أن الكثير من الأعضاء لا يمكن انتزاعها من إنسان لزرعها في إنسان آخر إلا في حالة استمرار القلب والرئتين في العمل وقبل أن يحدث (الموت الخلوي).. ومعني ذلك أن الإنسان لو أُصيب بتلف في جذع المخ واعتُبر ميتاً واستطاع المؤيدون أن يضعوه بسرعة علي أجهزة التنفس الصناعي التي تحفظ له الدورة الدموية والتنفس فإنهم يكونون قد حصلوا علي جسد هو في حكم ونظر المجتمع ميت- كما يطالبون.. ولكن الحقيقة أن كل خلايا جسمه سليمة وتظل كذلك طوال فترة بقائه علي تلك الأجهزة ويستطيعون في أية لحظة أن يفتحوا بطنه أو يشقوا صدره لينتزعوا منه كل أعضائه وأجهزته الحيوية التي يمكن نقلها للآخرين، ثم يتخلصون مما بقي منه بالغسل والتكفين والدفن الشرعي.. أي أن الاعتراف بأن موت جذع المخ هو موت حقيقي يحقق لفريق نقل الأعضاء ضمان انتزاع الأعضاء حية من الأجساد وبحالة سليمة وبالتالي ارتفاع نسبة نجاح عمليات نقل الأعضاء.. وطبعاً وفي المقابل فإنهم لو انتظروا كما يقول المعارضون حتي بداية الموت الخلوي وتفكك وتحلل خلايا الجسد لفسدت الأعضاء وضاعت فائدتها للنقل والزرع من إنسان لآخر.
الأسباب والأعراض
>> فما أسباب موت أو عطب جذع المخ؟
> هناك نوعان من الأسباب:
1- أسباب خارج جذع المخ: وتتمثل أساساً في حالات توقف القلب والتنفس (الموت الإكلينيكي) وتوقف وصول الدم محملاً بالأوكسجين والجلوكوز إلي جذع المخ لمدة أكثر من خمس دقائق.. وهذا الموت لا يثير جدلاً بين الأطباء لأن خلايا جذع المخ تموت فيه موتاً حقيقياً لا رجعة منه.(1/39)
2- أسباب داخل جذع المخ: وتشمل الإصابات والحوادث التي تصيب الرأس مثل حوادث السيارات والسقوط من ارتفاع وغيرها.. وتؤدي هذه الإصابات إلي تهتك بأنسجة المخ وأنزفة دموية به.. كما تشمل جلطات الأوعية الدموية وأورام المخ التي يحدث بها نزيف دموي أو تلف وتدمير للخلايا.. وكل هذه الأسباب هي التي تثير الجدل الشديد بين الأطباء لأن خلايا المخ فيها في مراحلها الأولي لا يشترط أن تموت.. كما أنه بوضع المريض علي أجهزة التنفس الصناعي من الممكن أن تتحسن حالته بدرجة أو أخري.
>> فما الأعراض التي يتم بها تشخيص (موت جذع المخ)؟
> هناك خمسة أعراض وفحوص طبية يتم بها ذلك الأمر وهي:
1- غيبوبة عميقة وعدم استجابة المريض لأي مؤثر خارجي مهما كانت قوة ذلك المؤثر مثل الوخز بالإبر أو الإضاءة الشديدة أو الأصوات العالية.
2- عدم قدرة المريض علي التنفس التلقائي لمدة 3 ، 4 دقائق إذا رفعنا عنه أجهزة التنفس الصناعي.
3- انعدام الأفعال المنعكسة الدالة علي نشاط جذع المخ.. والفعل المنعكس هو حركة أو فعل يستجيب بها عضو من أعضاء الجسم كلما تعرض لمؤثر خارجي معين.. وعلي سبيل المثال للفعل المنعكس: كلما وجهنا ضوءاً إلي حدقة العين فإنها تضيق.. فإذا أطفأنا الضوء تعود الحدقة للاتساع وهكذا.. وفي حال موت جذع المخ فإن كل الأفعال المنعكسة المرتبطة به تختفي.
4- عند فحص المريض بجهاز رسم المخ الكهربي فإنه لا يعطي أية إشارة تدل علي أي نشاط للمخ.
5- عند فحص الدورة الدموية للمخ سواء بالحقن بالصبغة أم بالموجات الصوتية أم بحقن المواد المشعة لايظهر أي أثر للدورة الدموية بجذع المخ وبشكل ثابت ودائم.
>> فما أسباب الاهتمام بتحديد لحظة الوفاة؟
> هناك ثلاثة أسباب لهذا الأمر:
الأول: انتشار عمليات نقل الأعضاء الآدمية وأهمية الحصول علي الأعضاء اللازمة في الوقت المناسب.(1/40)
الثاني: ارتفاع التكاليف الباهظة للحفاظ علي المريض المصاب بموت جذع المخ في وحدات الرعاية المركزة علي الأجهزة الصناعية.
الثالث: الضغوط النفسية والاجتماعية الشديدة التي يتعرض لها أقرباء ذلك المريض والأطباء المعالجون له وهم يرونه علي تلك الحال يوماً بعد يوم.
>> فما أهمية تحديد لحظة الوفاة الحقيقية؟
> هناك وجهان لأهمية تحديد لحظة الوفاة:
الوجه الأول: وهو ما يتعلق بالميت نفسه حيث إن التعدي عليه قبل وفاته بفتح بطنه وشق صدره لانتزاع أعضائه يعتبر قتلاً عمداً يوجب القصاص.. كذلك ما يتعلق بتغسيله وتكفينه ودفنه والتعجيل بذلك.
الوجه الثاني: وهو ما يتعلق بحقوق المجتمع والآخرين.. فللموت نتائج وآثار شرعية وقانونية وإنسانية.
فمن الآثار الشرعية للموت: سقوط العبادات وزوال التكاليف الشرعية عن الميت مثل سقوط النفقة الواجبة عليه لغيره حال حياته، ونهاية الوكالة، وانفساخ بعض العقود التي أبرمها، وسقوط الأحكام الصادرة عليه قبل موته.
وبالموت تنتهي العلاقة الشرعية بين الزوجين وتبدأ العدة للزوجة منذ لحظة الوفاة.. وبالموت يتم تحديد الورثة وتقسيم التركة وتوزيع الميراث.. وإذا كان الموت بسبب جناية وجب شرعاً القصاص أو الدية حسب نوع الجناية. تصديقاً لقوله تعالي: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقوله عز وجل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا}.
ومن الآثار القانونية: أن الموت يترتب عليه الكثير من المسائل كالعقود وحقوق الملكية والضرائب وتنفيذ الوصايا والتصرفات المضافة لما بعد الموت.. وبالموت كذلك تصبح جميع الديون العاجل منها والآجل مستحقة وواجبة السداد من تركة الميت.
>> فماذا يحدث بعد تشخيص موت جذع المخ؟(1/41)
> بعد تشخيص موت جذع المخ يري فريق المؤيدين أنه إذا كان المريض موافقاً مسبقاً علي التبرع بأعضائه بعد وفاته.. أو أن أهله يوافقون علي ذلك وهم يقبلون بمفهوم موت جذع المخ أي باعتباره موتاً حقيقياً للمريض فإنه يستمر موضوعاً علي أجهزة التنفس الصناعي والاحتفاظ به كمستودع للأعضاء تُنتزع منه عند الحاجة إليها.. أما إذا لم يكن الأمر كما سبق.. أي أنه لم يكن متبرعاً أو رفض أهله التبرع.. أو أنهم يرفضون مفهوم موت جذع المخ فهناك خياران (وهذا أيضا رأي فريق المعارضين): إما أن يوافق الأهل علي فصل الأجهزة عنه وتركه حتي يتوقف قلبه ويموت موتاً خلوياً حقيقياً فيُحكَم بموته وتُعلَن وفاته.. أو يبقي علي الأجهزة مع ما يترتب علي ذلك من أعباء نفسية ومادية علي أهله وعلي الأطباء المعالجين له.
أنواع غيبوبة المخ
>> ولكننا نري مرضي مصابين في الرأس في حوادث دخلوا في غيبوبة عميقة وغابوا عن الوعي بالكامل.. ومع ذلك ظلت قلوبهم تنبض والرئتان تتنفسان بدون أية أجهزة معاونة مثل أجهزة التنفس الصناعي.. فما السبب في ذلك وما الحكم عليهم؟
> بداية يجب أن نعرف أن هناك نوعين من الغيبوبة العميقة التي يكون سببها إصابة في الرأس: وذلك علي النحو التالي:(1/42)
النوع الأول: سببه تلف في خلايا (قشرة المخ) التي تحيط بنصفي المخ- كما ذكرنا من قبل- والتي تحتوي علي مراكز الوعي والإدراك والتفكير والحركة الإرادية ومراكز الحس المعروفة.. وهذه القشرة بعيدة ومنفصلة تماماً عن (جذع المخ) المسئول عن القلب والتنفس.. لذلك فإن المريض في هذه الغيبوبة يظل يتنفس وقلبه ينبض تلقائياً دون أية أجهزة معاونة.. وهذه الغيبوبة لا تعتبر موتاً حقيقياً بكل المقاييس الطبية والشرعية والقانونية حتي لو استمرت شهوراً أو سنين وذلك بلا خلاف لأن المريض تظهر عليه مظاهر الحياة مثل التنفس والتغذية والإخراج ومثل نمو الشعر والأظافر.. بل إن هناك في المراجع الطبية ما يفيد دخول بعض النساء الحوامل في غيبوبة عميقة سببها إصابة قشرة المخ، واستمرار حملهن سليماً حتي تم الوضع في ولادات طبيعية.
النوع الثاني: سببه تلف في خلايا (جذع المخ): الذي يحتوي علي المراكز المسئولة عن القلب والتنفس.. فإذا أُصيب بتلف دخل الإنسان في غيبوبة عميقة وتوقف التنفس.. أما القلب فإنه يستمر في الخفقان الذاتي للحظات قليلة ثم يتوقف بعدها.. فإذا لم يتدخل الأطباء بسرعة كبيرة بوضع المريض علي أجهزة التنفس الصناعي فإن القلب يتوقف نهائياً.. وبالتالي تتوقف بقية أجهزة الجسم لانعدام الأوكسجين وتبدأ عملية الموت والتحلل لخلايا جذع المخ.. وهنا يكون المريض قد دخل في موت محقق لا رجعة منه.. أما إذا وُضع المريض علي أجهزة التنفس الصناعي في خلال خمس دقائق من توقف القلب فإنه يعود إلي الخفقان وتعود الرئتان للتنفس.. وهنا ندخل في التشخيص محل النزاع.. هل هذا الجسد ميت؟.. أو حي؟
>> وما الظروف التي تثور فيها مشكلة موت جذع المخ تحديداً؟(1/43)
> إن مشكلة موت جذع المخ لا تثار بالتحديد في مريض أو مصاب خارج غرف الإنعاش والرعاية المركزة لأن ذلك المريض سرعان ما يتوقف قلبه عن الخفقان وتتوقف الدورة الدموية ثم يدخل في مرحلة الموت الخلوي لخلايا جسده وهو الموت الحقيقي الذي لا خلاف فيه.
ولكن المشكلة تكمن في ذلك المريض أو المصاب الذي أصيب في حادثة بتلف في جذع المخ ثم أسرع الأطباء فوضعوه علي أجهزة التنفس الصناعي في غرف الرعاية المركزة فتوقف تدهور حالته إلي مرحلة ما قبل الموت الخلوي وتم المحافظة علي جسده سليماً وقلبه ينبض وتنفسه مستمر وجميع خلايا جسده حية لم يدخل عليها موت ولا تحلل باستثناء ما أصيب في الحادث.. فهل هذا الإنسان يحكم عليه بأنه حي؟.. أو ميت؟. وهل إذا حكمنا عليه بأنه ميت ترفع عنه أجهزة التنفس الصناعي ويُغَسَّلَ ويُكَفَّن ويُدْفَن؟.. كما يقول المعارضون. أو أننا نعلن وفاته شرعياً وقانونياً ولكننا نؤجل الغسل والتكفين والدفن ونبقي عليه علي الأجهزة الصناعية من أجل المحافظة علي أعضائه صالحة حتي يحين لحظة انتزاعها منه لنزرعها في آشخاص آخرين؟ كما يطالب المؤيدون.
وهنا ينبري المؤيدون دعماً وإعلاءً لحجتهم فيؤكدون أن القلب سيتوقف حتما بعد موت جذع المخ ما بين ساعات أو أيام أو حتي أسابيع أو شهور حتي لو كان المريض موضوعاً علي جهاز التنفس الصناعي وبالتالي فإن خلايا جسده كلها ستموت إن عاجلاً أو آجلاً.. فيسارع المعارضون بالرد عليهم قائلين: فلماذا لا نصبر ونترك المريض علي تلك الأجهزة حتي يتوقف قلبه تلقائياً وتموت خلايا الجسد كما تقولون؟ وبذلك نخرج من الخلاف ويصبح هذا الجسد ميتاً بالاتفاق...
بداية الإصابة.. عطب أو موت
>> وهل هناك فرق بين أن تبدأ الاصابة في جذع المخ أولاً ثم يتلوها توقف القلب والرئتين وبين أن يتوقف القلب والرئتان أولا ثم يتلوهما موت جذع المخ؟(1/44)
> نعم.. فإن إصابة جذع المخ وتوقف القلب والرئتين عن العمل علي نوعين يختلفان عن بعضهما اعتماداً علي مكان بدء الإصابة.. هل بدأت بالمخ؟.. أو بدأت بالقلب والرئتين؟.. وذلك علي النحو التالي:
النوع الأول: أن تكون البداية إصابة أو تلفاً في جذع المخ ثم يتلوه توقف القلب والرئتين عن العمل.. وفي هذه الحالة إذا أسُعف المريض ووُضع علي أجهزة التنفس الصناعي فهناك احتمال ولو ضئيل في تحسن الإصابة التي لحقت بجذع المخ وعودته إلي العمل.. لأن هناك بعض الأسباب التي تؤدي إلي عطب في جذع المخ ويمكن أن تشفي أو تتحسن كما ذكرنا من قبل. إذن فتوقف جذع المخ عن العمل مع استمرار عمل القلب والتنفس صناعياً في هذه الحالة ليس موتاً حقيقيا لأنه يعني توقف وظائف المخ دون موت خلاياه.
النوع الثاني: أن تكون البداية بتوقف القلب لأي سبب من الأسباب المعروفة في ذلك المجال كما هو الحال في السكتة القلبية.. فتتوقف الدورة الدموية وتدفق الدماء إلي المخ.. وفي خلال خمس دقائق علي أكثر تقدير تموت خلايا جذع المخ لحرمانها من الأوكسجين.. وهذا موت نهائي لا رجعة منه. إذن فالمشكلة ليست في اعتبار موت جذع المخ الناتج عن توقف القلب والتنفس موتاً حقيقياً فهذا متفق عليه بلا خلاف.. ولكن المشكلة في النوع الأول أي في توقف القلب والتنفس الناتج عن عطب في جذع المخ لأن ذلك العطب من الممكن ولو في حالات نادرة أن يتحسن ويعود جذع المخ إلي العمل..
مطالب الفريقين
>> وما مطلب كل من الفريقين المتعارضين؟
> تتعارض مطالب الفريقين علي النحو الآتي:(1/45)
فريق المؤيدين: يطالب باعتبار موت جذع المخ بمختلف أسبابه سواء كان سابقاً لتوقف القلب أو لاحقاً له موتاً حقيقياً حتي لو كان المريض موضوعاً علي أجهزة التنفس الصناعي وأن يعامل شرعياً وقانونياً وطبياً معاملة الأموات.. وأن يُسمح لهم بإبقائه علي هذه الأجهزة حتي يتم الاحتفاظ بجسده سليماً لحين انتزاع أعضائه ثم يسلمونه لأهله أو أولي الأمر للقيام بتغسيله وتكفينه ودفنه.
فريق المعارضين: يطالب بعدم اعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً مادام قلب المريض ينبض حتي لو كان موضوعاً علي أجهزة التنفس الصناعي وأن يعامل شرعياً وقانونياً وطبياً معاملة (المُحتَضَر) لأنه لم يمت بعد.. ويطالبون الفريق الأول إذا أراد اعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً أن يقوم أولا برفع أجهزة التنفس الصناعي عنه حتي يتوقف القلب ثم تبدأ خلايا جسده في الموت والتحلل وتظهر عليه علامات الموت الحقيقية.. وحينئذ يمكن الحكم بموت المريض موتاً حقيقياً وتُعلن وفاته رسمياً.
وطبعاً يعارض فريق المؤيدين ذلك المطلب معارضة شديدة لأن ذلك لو تم فلن تكون هناك أية فائدة من أعضائه في عمليات نقل وزراعة الأعضاء حيث إنها ستكون قد بدأت في التلف نتيجة موت وتحلل خلاياها.
ويعود فريق المعارضين فيتخذ من تلك المعارضة الشديدة دليلاً يؤكد رأيهم القائل بأن موتي جذع المخ ليسوا أمواتاً حقيقيين وإنما هم مرضي تم الادعاء بأنهم أموات حتي يتم الاحتفاظ بأعضاء أجسادهم سليمة لزرعها في أجساد الآخرين كالأشجار التي يتم جني ثمارها المحرمة .. وأن بعض هؤلاء المرضي الذين يضحي بهم علي مذبح عمليات نقل وزراعة الأعضاء كان من الممكن أن يشفوا أو يفيقوا من غيبوبتهم لو أخذوا حقهم في العلاج الصحيح.(1/46)
مما سبق يتبين لنا أن ذلك التسرع الشديد في الحكم المبكر علي مريض جذع المخ بالموت علي اعتبار أنه سيموت عاجلاً أو آجلاً لايتم إلا من أجل غرض واحد هو انتزاع أعضائه من جسده وزرعها في أجساد الآخرين خاصة القلب.. وذلك لأن القلب لا يصلح للزرع إلا إذا انتُزع من صاحبه وهو ينبض.
بين الخطأ ومخالفة الضمير
>> هل معني ذلك أن هؤلاء الأطباء المؤيدين لموت جذع المخ من الممكن أن يخطئوا في التشخيص أو أن يخالفوا ضمائرهم بالحكم علي ذلك المريض بالموت لصالح مرضي آخرين؟
> ليست المسألة مسألة ضمير الطبيب.. فالطبيب كسائر البشر فيهم الخير وفيهم الشر بعضهم علي تُقي وهُدي والبعض قد ماتت ضمائرهم".. فهل لو وقف ذلك الطبيب يوماً أمام مريض مات فيه جذع المخ ووُضع علي أجهزة التنفس الصناعي.. وكان هذا المريض ابنه أو أباه.. أو مسئولاً كبيراً أو ملكاً أو أميراً.. فهل سيتسرع بالحكم عليه بالموت اعتماداً علي موت جذع المخ؟ أو أنه سيستمر في إبقائه علي الأجهزة حتي يموت موتاً حقيقياً.. وربما إلي ما بعد ذلك؟
وعلي جانب آخر فإن احتمال الخطأ في التشخيص وارد.. لأن جميع أعراض موت جذع المخ بما فيها رسم المخ الكهربي من الممكن أن تتشابه مع أمراض وأحوال أخري خاصة أن تشخيص تلك الحالات سوف يتم في فترة زمنية قصيرة ودون الانتظار فترة كافية حتي تظهر علامات الموت الأكيدة.(1/47)
وقد أكدت بعض الشواهد الطبية أن هناك حالات تم تشخيصها علي أنها وفاة جذع المخ ثم عادت إلي الحياة وعاشت بعدها حياة طبيعية.. فقد قام طبيب نرويجي يدعي الدكتور (جول جونسون) بتشخيص عدد من المرضي بموت جذع المخ تمهيداً لاختيار المتبرعين بالأعضاء منهم لانتزاع أعضائهم.. وفجأة استردت امرأة تبلغ من العمر 32 عاما وعيها كاملاً وعادت للحياة بعد أن كان قد تم اختيارها لانتزاع أعضائها.. وفي مركز (جلينديل) الطبي بولاية كاليفورنيا الأمريكية شَخَّص الأطباء حالة موت جذع المخ في فتاة وطالبوا عائلتها بالاستفادة من أعضائها إلا أن الأم رفضت وأصرت علي أن يستمر الأطباء في وضعها علي أجهزة التنفس الصناعي.. وبعد بضعة أيام بدأت الفتاة تعود إلي الوعي تدريجياً حتي استعادته كاملا وعادت إلي الحياة.. وفي كوريا قام الأطباء بتشخيص وفاة رجل في الخمسين من عمره كان يعالج من نزيف بالمخ علي أنه وفاة جذع المخ.. وعندما نزعوا أجهزة التنفس الصناعي لتسليمه لأهله لدفنه اتضح أنه مازال يتنفس فأعيد إلي المستشفي حتي تم استكمال علاجه. وصدق الحق تعالي إذ يقول: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَي لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَي السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.(1/48)
وقد شكك المؤيدون لموت جذع المخ في مثل تلك الشواهد الطبية بقولهم إن هذه الحالات لم تكن موت جذع المخ وإنما كانت غيبوبة لموت القشرة المخية التي لا يتوقف فيها القلب والتنفس أو أن تشخيص الأطباء لهذه الحالات كان تشخيصاً خاطئاً.. ولكن يقابل ذلك أن الواقع العملي يؤكد أن هذه الحالات كانت قد شُخِّصت علي أنها وفاة جذع المخ وليس هناك خطأ في التشخيص.. وحتي علي فرض أنه كان هناك خطأ في التشخيص فإن هذا يؤكد رأي المعارضين في وجوب عدم الاعتماد علي تشخيص قابل للخطأ في تحديد مصير الحياة الإنسانية.. إذن فما دامت نسبة الخطأ في التشخيص واردة حتي ولو كانت ضئيلة فإننا لا يجوز أن نحكم علي إنسان بالموت إلا علي سبيل اليقين.
المصير بين الحياة والموت
>> عندما يوضع المصاب بجذع المخ علي أجهزة التنفس الصناعي.. فما مصيره؟ وإلي متي يظل عليها؟ ومتي ترفع عنه هذه الأجهزة؟
> عندما يوضع ذلك المصاب علي الأجهزة فإن مصيره يعتمد علي أي الأعضاء أصيب أولا؟.. وفي ذلك هناك احتمالان:
الاحتمال الأول: أن يكون جذع المخ قد أصيب أولا ثم تلاه توقف القلب والتنفس.. وفي هذه الحالة من الممكن ولو باحتمال ضئيل أن يتحسن المصاب بدرجات مختلفة وأن يعود القلب والتنفس تلقائياً وأن ترفع عنه الأجهزة ويعود لاستكمال علاجه بدونها.
الاحتمال الثاني: أن يكون توقف القلب والتنفس قد حدث أولا ثم تلاه موت جذع المخ.. وفي هذه الحالة فإن خلاياه تكون قد ماتت موتاً لا رجعة منه.. وهذا المريض أو المصاب لن يعود قلبه إلي الخفقان ولا التنفس تلقائياً وسيظل علي أجهزة التنفس الصناعي إلي أن يموت في معظم الأحوال بسبب توقف القلب حتي وهو علي الجهاز الصناعي أو بسبب مشاكل طبية أخري تصاحب مثل هذه الحالات مثل حدوث قُرَح الفراش أو الإصابة بالالتهابات الرئوية أو الفشل الكلوي والكبدي.
الاحتضار والواجب الشرعي(1/49)
>> إذن في هذه الحالة الثانية حيث موت جذع المخ موت حقيقي لا رجعة منه وحيث إن المريض سوف يموت في النهاية.. فما فائدة تلك الأجهزة؟ وإلي متي يظل المريض عليها؟.. وهل من حق الأهل أو من حق المستشفي الذي يعالج فيه المريض أن يرفعوا عنه تلك الأجهزة؟
> بداية.. هذا المريض أو المصاب حكمه حكم (المُحتَضَر).. والاحتضار هو مرحلة يغادر فيها الإنسان الحياة فلا رجعة إليها كما قال رب العزة في محكم التنزيل: {حَتَّي إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَي يَوْمِ يُبْعَثُونَ} فالله سبحانه وتعالي قضي علي من دخل في الاحتضار ألا يعود للحياة.. وفي نفس الوقت فالمُحْتَضَر لم يمت كما جاء في قوله سبحانه وتعالي: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} فيعقوب عليه السلام يكلم أبناءه وهو يُحتَضر فهو لم يمت إذن.. فالُمحتْضَرَ هو في مرحلة بين الحياة والموت فلا يعتبر بين الأحياء ولا يُعَدُّ من الأموات.. ولا تسمي هذه المرحلة بالاحتضار أو (سكرات الموت) إلا إذا انتهت بالموت وهذا هو حال مريضنا أو مصابنا.. أما إذا لم تنته بالموت وعاد المريض إلي الحياة فإنها لا تكون احتضاراً وإنما تسمي (نذر الموت).
والمُحتَضَر لا يُعد ميتاً من الناحية الشرعية والطبية والقانونية.. ولا تسري عليه أحكام الموت إلا بعد أن تتوقف وظائف المخ والقلب والرئتين توقفاً تاماً لفترة من الزمن تؤدي إلي موت خلايا الجسم وحدوث تغيرات به تستحيل معها الحياة وذلك بعد رفع الأجهزة عنه.. أما توقف جذع المخ عن العمل مع بقاء القلب والتنفس يعملان حتي بالأجهزة الصناعية فهذا معناه أن المريض لا يزال في مرحلة الاحتضار.. ولا يعتبر ميتاً حتي وإن كان سيموت حتماً.(1/50)
فموت جذع المخ هو أحد أسباب الموت وليس الموت نفسه.. ولذلك فقد نصت معظم القوانين الطبية علي عدم دفن الميت إلا بعد مرور من 8 - 10 ساعات بعد الوفاة احتياطاً وضماناً لعدم الوقوع في الخطأ بدفن بعض الناس وهم لا يزالون أحياء.
والواجب الشرعي أن يظل ذلك المُحتَضَر علي أجهزة التنفس الصناعي حتي يأذن الله بموته.. ولا ترفع عنه الأجهزة إلا في الحالات
التالية:
1- أن يعجز الأهل عن تحمل التكاليف المادية الباهظة لبقاء مريضهم علي الأجهزة الصناعية خاصة في المستشفيات والمراكز الخاصة. وفي هذه الحالة تُرفع المسئولية الشرعية عن الأهل انطلاقاً من قوله تعالي: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} ولكن تبقي مسئولية المستشفي والمجتمع في الحفاظ علي ذلك المصاب علي الأجهزة.
2- أن يحضر إلي المستشفي مريض أو مصاب يحتاج إلي تلك الأجهزة وحالته أقل خطورةً من حال مريضنا وأكبر أملاً في الشفاء بإذن الله وليس في المستشفي أجهزة تكفي الاثنين فترفع عن الأول وتوضع للثاني وهذا أمر يحدده الأطباء الأمناء الأكفاء الذين يتقون الله ويعدلون بين الناس.
3- أن يتوقف قلب المريض وتنفسه تلقائياً حتي وهو علي الجهاز فيموت.. أو يُتَوفي إلي رحمة الله بأي سبب من الأسباب.
أما إذا كان الأهل قادرين علي تحمل النفقة وهم في سعة من العيش والمستشفي توجد به أجهزة كافية لكل المرضي فيجب ألا ترفع هذه الأجهزة عن المريض تحت أي ادعاء مثل الشفقة به أو عدم الرغبة في تعذيبه أو لليأس من شفائه أو لانعدام الفائدة من هذه الأجهزة في إعادته للحياة.. فهذه كلها أمور نَكِلُها إلي الله سبحانه وتعالي وحده الذي بيده الموت والحياة مصداقاً لقوله تعالي: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.
قانون يبيح الاغتيال
>> فماذا يحدث إذا صدر قانون باعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً؟(1/51)
> إذا صدر مثل هذا القانون فسوف تنفتح علينا ثلاثة أبواب من الفتن:
الباب الأول: أن المصاب بموت جذع المخ هو (مُحتَضَر) وليس ميتاً ومن يفتح بطنه أو يشق صدره لانتزاع قلبه أو رئتيه أو بقية أعضائه الحيوية هو قاتل متعمد وجزاؤه في الشرع القصاص.. فإذا صدر قانون يحميه فسوف نشهد بأعيننا عمليات قتل للعشرات والمئات بل والألوف ممن يُدَّعي أنهم موتي جذع المخ حقاً أو باطلاً من أجل نزع أعضائهم وزرعها في آخرين وهنا نذكر بقوله تعالي: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
الباب الثاني: إذا صدر مثل هذا القانون تحت مبرر أن مصاب جذع المخ ميت لا محالة، والأَوْلي شرعاً أن نستفيد بأعضائه من أجل الآخرين.. فهل سيُطبَّق هذا القانون علي كل حالة مماثلة.. علي سبيل المثال مريض بالسرطان في حالة متأخرة وقرر الأطباء أن حالته ميئوس منها ولا شفاء له، وأن ما بقي له من العمر أيام أو أسابيع معدودة.. أو مريض بتليف الكبد تدهورت حالته حتي دخل في غيبوبة شديدة لانجاة له منها كما يعلم الأطباء جيداً ولا نهاية لها إلا الموت.. أو مصاب أصيب في حادث بإصابات متعددة في جسده مثل كسر بالحوض ونزيف داخلي لتمزق الكبد والطحال وكسور بالفقرات وعظام الفخذ وغيرها.. ودخل المصاب في صدمة عصبية ودموية غير مرتجعة.. أي لا نهاية لها إلا الموت.. وحالات أخري كثيرة يعلم الأطباء جيداً من الممارسة الميدانية أن لا نجاة منها ولا مصير لها إلا الموت.. فهل نعامل هؤلاء المرضي والمصابين كما نعامل مريض موت جذع المخ؟. وهل ينطبق عليهم ما ينطبق عليه أي هل نستطيع أن نأخذهم وهم أحياء وقبل أن يموتوا موتاً حقيقياً فنفتح بطونهم ونشق صدورهم لانتزاع أعضائهم منهم ليستفيد بها الآخرون بحجة أنهم ميؤوس من شفائهم.. ولحتمية موتهم؟(1/52)
سؤال لا أجد له إجابة.. ولا أظن أن أحداً عنده إجابة.
الباب الثالث: إذا صدر مثل ذلك القانون فسوف تتكون منظمات، إن لم تكن عصابات مرتبطة بالمراكز والمستشفيات التي يتم بها نقل الأعضاء وظيفتها التربص وترصد مصابي جذع المخ.. فعلي سبيل المثال في المستشفيات ومراكز الإسعاف والطوارئ التي تقع علي الطرق السريعة والتي تستقبل حوادث الطرق ليلاً ونهاراً عندما يأتي مصاب في غيبوبة وتم تشخيص إصابته علي أنه موت جذع المخ وكانت أوراقه وإثبات شخصيته قد فقدت في الحادث عرضاً.. أوعمداً!!.. فسوف تُعَرَّف هويته بأنه (مجهول الشخصية).. وفي هذه الحالة فإن القانون سوف يبيح أن يتم تحويل مجهول الشخصية ودون إذن من أحد إلي مراكز نقل الأعضاء لفتح بطنه وشق صدره لانتزاع أعضائه ليستفيد بها الآخرون.. وقد يكون ذلك المصاب إبني أو ابنك، أو ابنتي أو ابنتك بل قد يكون أنا أو أنت.
وبريق المال له سطوته والنفوس البشرية لها سقطاتها وكبواتها.. ومثال حي علي ذلك ما نشرته جريدة الأخبار بتاريخ (16 / 5 / 1997م) ونصه: (شهدت مشرحة زينهم واقعة غريبة أول أمس.. فقد توجهت أسرة لاستلام طفلها الذي سقط من المرجيحة في أحد قصور الثقافة بالقاهرة.. وعندما كشفت عنه الغطاء للتعرف عليه فوجئت بجثة الطفل مُشرَّحة في كل أجزائها بالرغم من أن قرار النيابة لم يتضمن تشريح الجثة، وتبين أن جميع أجزاء الجثة قد أعيدت خياطتها بعد التشريح مما يرجح أن تكون أعضاء الطفل قد انتزعت منه وهو في كامل حياته لأن أعضاءه لا تصلح لزرعها في غيره إلا إذا أخذت منه حال حياته.. وما الذي يدرينا أنه كان مصاباً في جذع المخ ورأسه هي الآخري مفتوحة ومخيطة).
ملائكة وشياطين
>> ولكن أين ضمير الأطباء.. إن مثل هذه الأفعال لا يمكن أن يقدم عليها أي طبيب أو غيره عنده ضمير؟(1/53)
> نعم بلاشك هذا العمل لا يمكن أن يقدم عليه إنسان ذو ضمير يخشي الله ولكن من قال إن الناس كلهم ملائكة؟! وإن الناس كلهم عندهم ضمائر حية؟!. ومن قال إن الأطباء يختلفون عن غيرهم من البشر؟! فكما ذكرنا من قبل فيهم الخير وفيهم الشر.
ولو كانت المجتمعات الإنسانية من الممكن أن تقوم علي الضمير وحده ما سُنَّت القوانين وحُدَِّدت العقوبات.. ولو كان لكل إنسان ضمير حي وقلب مخلص ما جعل الله سبحانه وتعالي الثواب والعقاب.. والجنة والنار.
مواجهة عابرة
في لقاء عابر بين فريق المؤيدين لموت جذع المخ وفريق المعارضين دار بينهما الحوار التالي:
المؤيدون: لماذا تعارضون اعتبار موت جذع المخ موتاً حقيقياً ولا تسمحون لنا بمعاملة المصاب به معاملة الأموات؟
المعارضون: وكيف تقولون إنه ميت وقلبه ينبض والدماء تسري في جسده؟
المؤيدون: إن ذلك لايتم إلا باستخدام جهاز التنفس الصناعي ولو رُفع المصاب عن ذلك الجهاز لتوقف قلبه فوراً.
المعارضون: إذن فارفعوا عنه الجهاز واتركوه حتي يتوقف قلبه ويتحقق موته.
المؤيدون: ولكن ذلك سيؤدي إلي تلف الأعضاء فلن تصلح لانتزاعها لزرعها في أشخاص آخرين.
المعارضون: إذن فهذا هو غرضكم الحقيقي في توظيف قضية الحياة الإنسانية والحكم عليها بالموت قبل موعده.. فماذا تقولون في أن عامة أعضاء الجسم باستثناء جذع المخ تقوم بعملها.. فالكبد والكليتان والجهاز الهضمي والجهاز العصبي كلها تعمل بدليل أن ذلك المصاب يتغذي ويتبول ويتغوط ويعرق ويحتفظ بحرارة جسمه في الحدود البشرية وهذه كلها من العمليات الحيوية التي لاتتم إلا في كائن حي.(1/54)
المؤيدون: إن عمل القلب لا يعني حياة صاحبه كما أن حياة أي عضو لا تعني عدم موت صاحبه.. فكما ذكرنا تظل خلايا الجلد حية لمدة 24 ساعة بعد الوفاة.. لذلك فإن الشعر يستمر في النمو طوال تلك المدة بعد موت صاحبه ودفنه.. كذلك فإن القلب يمكنه أن يستمر سليماً خارج الجسد ومنفصلا عن صاحبه فترة من الزمن إذا توافرت له الظروف الطبية المناسبة وذلك في الوقت الذي يكون صاحبه فيه قد مات ودفن.. ويتضح ذلك بجلاء أثناء عمليات زرع القلب حيث يظل القلب المنقول ساكناً لا ينبض لمدة ساعات أثناء تثبيته وخياطته في صدر المريض المنقول إليه.. وفي هذه الأثناء يقوم جهاز صناعي خارج الجسم بضخ الدم في الدورة الدموية بدلاً من القلب.
وفي هذه الحالات وبالرغم من أن القلب متوقف إلا أن المريض الذي تجري له العملية حي وذلك لأن الدورة الدموية لم تتوقف.. وجذع المخ يحصل علي حاجته كاملة من الأوكسجين والجلوكوز.. ومعني ذلك أن القلب ليس مناط الحياة والموت.. وإنما هو جذع الخ.
مثل آخر يبين أن نبض القلب لايرتبط حتماً بالحياة.. فعندما يُشنق إنسان يتوقف وصول الدماء إلي المخ فتموت خلاياه بينما يظل القلب ينبض ذاتياً لعدة دقائق قد تصل إلي 20 - 30 دقيقة.. فهل المشنوق ميت أو حي؟
المعارضون: فكيف تقولون إن مصاب جذع المخ ميت وهو يبدي بعض الحركات والأفعال كالأحياء سواء كانت حركات يسيرة بأطراف اليدين والقدمين أم حركات كبيرة بكامل اليدين والقدمين.. وقد يرفع اليدين مع الكتفين إلي الأعلي فيما يطلق عليه (حركة لازارس) وهي التي تحدث عند رفع جهاز التنفس الصناعي عنه أو الضغط علي بعض أعضائه أو عند شق صدره أو فتح بطنه لاستئصال أعضائه.. بل إن طبيب التخدير قد يضطر لحقنه بدواء يسبب شلل أو ارتخاء العضلات والأعصاب حتي يتجنب تلك الحركات.(1/55)
المؤيدون: إن هذه الحركات لا قيمة لها ولا تدل علي الحياة فهي تشبه حركة الحيوان أو الطائر المذبوح.. فهل المذبوح سيعود إلي الحياة؟
المعارضون: صحيح إن المذبوح لن يعود إلي الحياة ولكنه لم يمت بعد وبالتأكيد هو يشعر ويحس ويتألم.. والدليل علي ذلك أن الله سبحانه وتعالي منعنا من سلخ الحيوان المذبوح إلا بعد أن تخمد حركته ويسكن جسده حرصا علي عدم إيذائه.. وماذلك إلا لأنه يتألم عند سلخه وتقطيع لحمه قبل أن يموت موتاً كاملا وتسكن حركته فقال سبحانه وتعالي: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}.. فإذا كان الله عز وجل قد منعنا من إيذاء الحيوان قبل تمام موته.. فهل يبيح لنا أن نفعل بالإنسان ما نهانا عنه في الحيوان؟!
أسئلة تتم بها الفائدة
هناك عدة أسئلة نطرحها ونريد إجابة العلماء عليها قبل أن يتخذوا قرارهم بإباحة أو تحريم مفهوم موت جذع المخ.. لعل هذه الإجابات تكون مرشداً وهادياً لهم وتبصيراً من الله ورحمة بهم:
>> إذا كان المؤيدون لموت جذع المخ يقولون إن المصاب به ميت فهل يستطيعون أن يقوموا بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وهو علي حاله تحت الأجهزة؟
>> وهل يمكنهم استخراج شهادة وفاة له وهو علي تلك الحالة؟
>> وهل يجوز لزوجته أن تحسب عدتها منذ بدء إصابته ثم تتزوج من رجل آخر وزوجها مازال علي الأجهزة في المستشفي؟
>> إذا كان ذلك المصاب موظفاً فهل يُصرف راتبه كالمعتاد من جهة وظيفته أو أنه سيعامل معاملة الأموات فيسوي معاشه أو يعطي مكافأة وينقطع راتبه؟
الخاتمة
- وفي الختام فإننا نقول بفضل الله: إن حجة المعارضين لاعتبار أن موت جذع المخ هو لحظة الوفاة ومفارقة الروح الجسد هي أقوي من حجة المؤيدين لذلك الأمر.. ورأيهم أعلي.. ومنطقهم أصوب.(1/56)
فإذا كان جذع المخ قد مات فعلاً والقلب توقف والأنفاس انقطعت فإن أعضاء وأجهزة الجسم الأخري مازالت تعمل.. فالروح قد فارقت بعضاً من أجزاء الجسد ولكنها مازالت تسكن بعضه.
-لذلك فإن من يُطلق عليهم (موتي جذع المخ) وعلي افتراض أنهم لا يُعدَّون من الأحياء فإنهم أيضاً لا يعتبرون من الأموات.. وإنما هم في مرحلة الاحتضار.. وهي المعبر والقنطرة بين الحياة والموت.. من وقف عليها فقد غادر دنيا الأحياء ولكنه لم يدخل عالم الأموات.. فلذلك وعلي أقل تقدير يجب علي أهل الطب والعلم والشرع أن يعاملوهم معاملة المحتَضَرين حتي يأذن الله بأمره وتحين ساعتهم التي حددها الله لهم منذ الأزل مصداقاً لقوله تعالي: {فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}.
ندعو الله أن يوفق علماء الأمة لما فيه خير الإسلام وصلاح حال المسلمين.. والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل.
المحتويات
الموضوع
المقدمة .......................................................... 3
نقل الأعضاء .. بين التحليل والتحريم ............. 7
جذع المخ... بين الحياة والموت ................... 61(1/57)