نماذج وقفية من القرن التاسع الهجري
إعداد
فضيلة الدكتور/ عمر زهير حافظ
صفحة رقم (774)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
نماذج وقفية
من القرن التاسع الهجري
مقدمة:
الوقف هو الصدقة الجارية، وفي الاصطلاح الفقهي: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة. وهو نظام ارتبط، منذ فجر الإسلام، بمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي كانت رافداً هاماً في الحياة، سواء على مستوى الأسرة أو الجماعة أو الأمة.
والمتتبع لمسيرة المجتمعات الإسلامية في التاريخ المعاصر، يلاحظ أن تحولاً جذريا أصاب مؤسسة الوقف، فبعد أن كانت مؤسسة أهلية ذات درجة عالية من الاستقلال الإداري والمالي والوظيفي، ارتبطت بها مهام اجتماعية واقتصادية متعددة كالتعليم والصحة والمساجد وغير ذلك أصبحت مؤسسة الوقف مؤسسة حكومية تحكمها أنظمة وسياسات الحكومات وخططها. وبالتالي فقدت هذه المؤسسة توهجها ودورها والتفاف الناس حولها، وفقدت المجتمعات الإسلامية ذلك النسيج من العلاقات الإنسانية التراحمية والتكافلية التي ربطت بين الدنيا والآخرة في إطار رائع من الحب والتعاون المدفوع بالرغبة فيما عند الله تعالى، من نعيم لا ينفد.
وهذا الخلل الذي أصاب مؤسسة الوقف وعطل وظائفها، يعكس مرضاً عضالاً أصاب المجتمعات المسلمة خاصة والمجتمعات التي تسمى بالنامية عامة. وهذا المرض تمثل في مفهوم الشمولية في الدولة المركزية الحديثة، الذي لا يسمح بالحياة لكيان تنظيمي اجتماعي أهلي مستقل عن هيمنة الدولة. وهذا النمط من التفكير الحديث أدى إلى تصفية المؤسسات الأهلية وتحويلها إلى مؤسسات حكومية أو شبه حكومية خاضعة لسياسة الدولة وتعليماتها.(1/1)
وهذه الورقة تعريف بنماذج وقفية في مصر، في القرن التاسع الهجري وذلك من خلال دراسة نصوص حجج وقفية، مع محاولة تطبيق عناصر نموذج الحجة الوقفية. ومن ذلك سنرى كيف كانت حرية الواقف، واستقلالية المؤسسة الوقفية، و تعدد الوظائف الاجتماعية والإنسانية التي عملت على تحقيقها.
وقد رجعت في هذه الدراسة الموجزة إلى كتاب منشور أصله تحقيق لمخطوط قديم تضمن خلاصة لأربع وعشرين حجة وقفية، قدمه المحقق في إطار رسالة للدكتوراه، ثم نشره مستقلا عام 1963م. ولم أستطع لضيق الوقت المتاح لإعداد الدراسة أن أتوسع في الرجوع إلى مصادر أخرى أو الرجوع إلى أصل هذه الحجج مفصلة. لذا أرجو من القارئ الكريم أن يراعي ذلك.
والله ولي التوفيق.
عناصر نموذج الحجة الوقفية
عقد الدكتور إبراهيم البيومي غانم، في رسالته للدكتوراه بعنوان: الأوقاف والسياسة في مصر(1)، فصلاً مستقلاً حول حجج إنشاء الأوقاف. وعرض لعناصر نموذج الحجة الوقفية. وأقوم هنا بعرض أهم ما أورده بتصرف يقتضيه الهدف من هذا العرض.
إن وثيقة أو حجة الوقف، تعتبر مرآة تعكس العلاقات الاجتماعية والسياسية في المجتمع في مرحلة إنشاء الوقف، ويمكن من خلال تحليل ودراسة حجج الأوقاف في مرحلة تاريخية معينة، رسم صورة واضحة لتلك العلاقات ودور القطاع الأهلي في الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع. وهذا إضافة إلى ما يمكن استخلاصه من التوجه الفقهي المذهبي في صياغة الحجة.
وعلى أي حال، فإن هناك عناصر سبعة، تحتوي عليها حجة الوقف وهي:
1 – المقدمة أو الاستهلال.
2 – التوثيق.
3 – الشهود.
4 – صيغة الوقف.
5 – أغراض الوقف ومصارفه.
6 – شروط الواقف.
7 – الخاتمة.
__________
(1) ... غانم، إبراهيم البيومي، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق 1419هـ القاهرة،
ص 110 – 127.(1/2)
أما المقدمة فهي تمهيد يتضمن البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله @، وذكر بعض الآيات والأحاديث الشريفة الدالة على عمل الخير وأمثلة من الأسوة الحسنة في الأوقاف بدءاً برسول الله @ والصحابة والتابعين، وعزم الواقف على الاقتداء وتحصيل الأجر في الدنيا والآخرة.
ومن دراسة هذا العنصر في العديد من حجج الأوقاف، تبين أن التمهيد في هذه الحجج قد تغير من فترة لأخرى وقل الاهتمام بالتوسع فيها حتى كادت تتلاشى في بعض الحجج المعدة لدى مكاتب التوثيق. وهذا مؤشر يقيس جوانب من التغير الفكري والثقافي في المجتمع.
وأما التوثيق، فيختص بإثبات اسم القاضي الشرعي واسم الواقف وتاريخ تحرير الحجة واسم المحكمة الشرعية. وتتوسع بعض الحجج في المعلومات الخاصة باسم الواقف ونسبه وسنه. وتظهر أهمية هذا التفصيل في حجج الأوقاف الأهلية لإثبات الأنساب وصلة المستحقين بالواقف، إلى غير ذلك من المسائل الإجرائية التي ينص عليها النظام أو القانون.
وأما الشهود، فهم الجماعة الذين حضروا واقعة تحرير الحجة لغرض التعريف بالواقف. وإن كان حضور الشهود ليس شرطاً في صحة الوقف إلا أن الاحتفاء بالواقعة والابتهاج بها، جعل من حضور الشهود عنصراً وارداً في كثير من الحجج، كما جعل الكثير من أصحاب الجاه والبر والخير يحرصون على الحضور. وهذا فيه إشادة بعمل الخير وتأسيس الأسوة والقدوة والتشجيع على ذلك. وللأسف الشديد اضمحلت هذه المعاني في العصور الأخيرة.
وأما صيغة الوقف، فهي الصيغة التي تحدد الممتلكات الموقوفة وتعينها وهي متعددة الألفاظ، كوقف وسبّل، وحبَّس، وأخرج من ملكه وتصدق لله تعالى بما هو في ملكه …… وهكذا.
والممتلكات الموقوفة في صيغة الوقف قد تكون أعيانا كالعقارات والأراضي، والمباني، وقد تكون منافع.(1/3)
وتحتوي الحجج الوقفية على تفصيلات هامة ودقيقة للموقوفات كالمساحة والموقع والحدود والعدد والوصف والملكية وكيف آلت إليه شرعاً دون اغتصاب أو سرقة، أو انشغال بديون وحقوق الآخرين.
والنص على صيغة الوقف متضمنة الممتلكات الموقوفة شرط لصحة الوقف.
وأما أغراض الوقف ومصارفه، فهي تحديد المنتفعين من الوقف وفي هذا الخصوص، فإن هناك ثلاثة أنواع من الوقف، أولها الخيري الخاص أو العام، وثانيها الذري أو الأهلي، وثالثها المشترك الذي يجمع الخيري والذري.
ويذكر الدكتور غانم أن هذا التقسيم ليس معروفا في فقه الوقف، وإنما هو تقسيم عرفي ثبتته الحكومات الحديثة لتسهيل سيطرتها على الأوقاف. ويورد قول الشيخ عبدالمجيد سالم – مفتى الديار المصرية – سنة 1932م حيث يقول: لم نعثر في كتب الفقهاء المعتد بهم تقسيم الوقف إلى أهلي وخيري(1).
وأما شروط الواقف، فهي تأتي بعد ذكر الأغراض ومصارف الوقف وهي متعددة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعرف بالشروط العشرة وهي الإعطاء والحرمان، والإدخال والإخراج، والزيادة والنقصان، والتغير والتبديل، والإبدال والاستبدال. والثانية تخص الشروط المتعلقة بالنظارة على الوقف أو الولاية عليه، وهي محددات لإدارة أعيان الوقف وتسييره وتوزيع عوائده على المستحقين، كما تشمل الصفات التي يجب أن يتحلى بها الناظر وأجرته ومدته والشروط التي يجب أن يلتزم بها في تأجير أعيان الوقف ومدته، إلى غير ذلك من التفصيلات التي ترقى في بعض الحالات إلى لائحة داخلية إدارية للنظر أو الولاية على الوقف. والمجموعة الثالثة من الشروط تخص إجراءات صرف الغلة أو العائد وسلم أولويات هذا الصرف.
ودراسة وتحليل حجج الأوقاف، تدل على أن قوانين الوقف المعاصرة حاولت التدخل في توجيه شروط الواقفين والحد من حرياتهم مما أدى إلى عدم الإقبال على الوقف.
__________
(1) ... مرجع سابق، ص 47 الهامش.(1/4)
وأخيراً، الخاتمة، التي غالباً ما تذكر لزوم الوقف وتحذر من الاعتداء عليه أو انتهاك حرمته. جاء في حجة وقف محمد منصور الفقي التي حررت بتاريخ 19/4/1302هـ أمام محكمة ثغر الإسكندرية الشرعية ما نصه: صار من أوقاف الله الأكيدة، مدفوعاً عنه بقوته السديدة، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه إلى ربه القوي صاير، أن يغيره أو يبدله أو يسعى في إبطال شيء من منافعه، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع عليم(1).
والخاتمة تحتوي أيضا على ختم القاضي وتوقيع الواقف والشهود والتاريخ ومحرر الحجة أو الصك وما يتعلق بذلك.
تلك هي العناصر السبعة التي تحتويها حجج الأوقاف والتي يجب أن تتعرض لها أي دراسة أو تحليل لهذه الحجج أو الصكوك. وفي الجزء التالي من هذه الورقة، نحاول أن نتتبع هذه العناصر في مجموع الحجج الوقفية موضع الدراسة.
حجج أوقاف الأشرف برسباي
في القرن التاسع الهجري
تحتفظ وزارة الأوقاف المصرية بحجة وقفية كبيرة عدد أوراقها (229) ورقة، وهناك ملخص لهذه الحجة بدار الكتب المصرية، يحتوي على 24 حجة خاصة بالأوقاف التي أوقفها السلطان المملوكي الأشرف برسباي أثناء سنوات حكمه، على مدى أربع عشرة سنة منذ 828هـ إلى 841هـ.
وقد نشر هذا الملحق، في كتاب مستقل، الدكتور أحمد دراج من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1963م بواسطة مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية.
ومن الطريف العجيب، أن السلطان برسباي نقش حجج أوقافه هذه على جدار الإيوان الغربي لمدرسته الأشرفية التي أوقف عليها الكثير من الأوقاف كما سيأتي ذكره، وهي تفوق لذلك أية حجة أخرى مخطوطة، وهي كذلك الوحيدة الموجودة نقشاً في مصر.
وسأقوم هنا بتحليل نص هذه الحجج على أساس العناصر السبعة التي ذكرتها قبل. فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المقدمة أو الاستهلال
__________
(1) ... مرجع سابق، ص 126.(1/5)
اشتملت مقدمة ملخص الحجة الكبيرة على البسملة والصلاة على رسول الله @. ولم تحتو على الحديث عن سنة الوقف وسندها الشرعي وعزم الواقف على الاقتداء بالسنة وغير ذلك. ولعل السبب في ذلك أن هذا هو الملخص وليس الحجة الكبيرة المحفوظة في وزارة الأوقاف المصرية التي فشل ناشر هذا الملخص، على حد قوله، في الحصول على نسخة مصورة لها. وسيتضح لنا بعد، أن كثيراً من التفصيلات لم ترد في الملخص.
ثانياً: التوثيق
لم يشمل الملخص المذكور على اسم القاضي الشرعي واسم المحكمة الشرعية، واكتفى بإثبات تاريخ إنشاء الوقف في نهاية كل حجة من الحجج الأربعة والعشرين. كما لم يشتمل الملخص على تفصيل اسم الواقف ونسبه وسنه، وقد يعود ذلك لأن الواقف كان حاكماً سلطانا وقتذاك، وشهرته ومكانته تغنى عن ذلك.
ثالثاً: الشهود
لم يشتمل الملخص على أسماء الشهود للتعريف بالواقف والاحتفاء بالمناسبة وقد يعود ذلك لشهرة الواقف ومكانته وعدم الحاجة إلى الإشهاد على ما يقرره.
وفي الملخص إشارة في نهاية كل حجة إلى أنه شهد به في تاريخ كذا. ولعل أسماء الشهود موجودة في الحجة الكبيرة ليس لغرض التعريف بالواقف وإنما لغرض الاحتفاء بذلك الحدث الخيري العظيم.
رابعاً: صيغة الوقف وأعيانه
ابتدأت الحجة الأولى بعد البسملة والصلاة على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، بالقول: وقف، وهذه صيغة مقبولة من الصيغ المعتمدة فقها، ثم ذكر الأعيان الموقوفة. ولم يحتو الملخص في عدة مواضع على تفصيل حدود الأعيان واكتفى بالقول أن ذلك وصف وحدد. وفيما يلي ما احتوته الحجة الأول من الأعيان وعددها ثمانية:
1 – جميع المكان الكامل أرضاً وبناءً بالقاهرة برأس الحريريين.
2 – جميع مدرسة الجامع الأشرفى.(1/6)
3 – جميع الوكالة بخط الركن المُخلق على يسرة السالك ذاهباً إلى مدرسة جمال الدين الأستادار والخانقاه الصلاحية وغير ذلك، بها مخازن سفلي وعليا عدتها ثمانية وخمسون مخزناً وبظاهر بابها الذي بالدرب الأصفر سبعة مخازن وبها طباق بعضها مُطل على رحبتها وبعضها على الدرب الأصفر وبعضها حبيس وعُدتها ثمانية وثلاثون طبقة. ومن حقوق الوكالة المذكورة مطلع به طبقة مطلة على رحبتها. ووصف ذلك جميعه وحدد.
4 – ... جميع المكان الكائن بخط الدجاجيين بالقرب من الجامع الأفمر وهو الربع والحوانيت. ووصف ذلك وحدد أيضاً.
5 – ... جميع المكان بخط الصنادقيين المجاور للمدرسة السيفية وهو الربع وبه طباق علو الحوانيت السبعة. ووصف ذلك وحدد أيضاً.
6 – ... جميع الحصة التي مبلغها النصف من بناء البئر الكائنة بجنينة الصلاحي ابن الكويز ببركة الحاجب بباب الشعرية. ووصف ذلك وحدد أيضاً. والحصة التي مبلغها النصف اثنى عشر سهماً من جميع الطاحونة والسرجة يسار باب الشعرية على يمنة السالك إلى باب البحر وغيره، ووصف ذلك وحدد.
7 – ... جميع الحاصل الكائن بخط الخراطين بالقاهرة المحروسة على يمنة السالك إلى الجامع الأزهر ووصف ذلك وحدد أيضاً. وجميع النصف من بناء الحوانيت الكائنة بالخراطين وعدتها ثمانية، ومن الطباق علوها وعدتها متجاورة مطلة على الطريق، وحدد ذلك ووصف أيضاً.
8 – ... جميع الحوانيت المتجاورة الكائنة بخط الوراقين وعدتها ستة والطباق علوها وعدتها أربعة عشر طبقة متجاورة ومتطابقة ووصف ذلك وحدد أيضا.
أما الحجة الثانية، فهي إضافة أعيان موجودة في دمشق الشام وليست في مصر، وبدأها بالقول ثم وقف …… وكذلك الحجة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، فكل أعيانها، في مصر، وهي إضافات على ما ورد في الحجة الأولى، أوقفت لصالح الجامع الأشرفي.
أما الحجة الثامنة فقد كانت مشتركة بين الذرية والجامع الأشرفي.
والحجة التاسعة كانت خاصة بابنته فاطمة.(1/7)
والحجج العاشرة والحادية عشر والثانية عشر، تخص أوقافا مشتركة بين الذرية والمدرسة.
أما الحجة الثالثة عشر فتخص حوض السبيل بناحية السواد.
والحجتان الرابعة عشر والتاسعة عشر تخصان الزاوية بالصحراء والصوفية وشيخهم.
والحجة الخامسة عشر، فيها وقف خاص بالسبيل الكائن بالتربة ولقارئ المصحف بالتربة.
ثم يعود الواقف، في الحجة السادسة عشر والسابعة عشر والحجة العشرين والحجة الرابعة والعشرين الأخيرة، ويوقف أعيانا أخرى لصالح المسجد الأشرفي.
وأما الحجة الثامنة عشرة، ففيها أوقاف خاصة بالمسجد داخل باب النصر والمدرسة المجاورة للتربة والزاوية بالصحراء.
وفي الحجة الواحدة والعشرين، أوقاف خاصة لشيخ الزاوية والصوفية.
وفي الحجة الثانية والعشرين، أوقاف خاصة بالذرية.
والحجة الثالثة والعشرين، فيها أوقاف خاصة بجامع سرياقوس.
وقد احتوت كل حجة من الحجج الأربعة والعشرين على بيان لحدود وأوصاف ومحتويات الأعيان الموقوفة، أحيانا يكون مفصلاً وأحيانا يكون مختصراً. ومثال المفصل ما ورد في الحجة الثامنة، وفيها التالي:(1/8)
ومنها جميع المكان الكامل أرضاً وبناءً المعروف بإنشائه الكائن بالقاهرة برأس الحريريين تجاه الجامع الأشرفي. صفته أن يشتمل من ظاهره على واجهة مبنية من الحجر الفص النحيت. بها من الجهة البحرية ستة عشر باباً متجاورة، شارع في الطريق منها باب كبير مربع يغلق عليه زوجا باب يدخل منه إلى فندق يأتي ذكره. وبقية الأبواب يدخل من كل منها إلى حانوت يشتمل كلٌ من ذلك على مصطبة وداخل وزراريب إلا اثنين منها. واحد يعرف بسكن الفقاعي ببابه مصطبة مفروشة الأرض بالرخام الملون بوزرة قائمة وشاذروان وقواديس ينزل إليهما الماء من الشاذروان، يقابل المصطبة باب يتوصل منه إلى داخل الحانوت. وواحد بالصفة إلا أن مصطبته لم تكن مرخمة. ويشتمل من ظاهره أيضاً من الجهة الغربية والقبلية على تسعة أبواب مبنية بالحجر منها ستة في الجهة الغربية. أحدهما يدخل منه إلى الحانوت والسادس يدخل منه إلى مجاز به سلم يصعد من عليه إلى طباق متطابقة ومتجاورة، فالمتطابقة عشرة مطلة على شارع الخراطين، والمتجاورة ثلاث مطلات على الفندق. ومنها ثلاث من الجهة القبلية، اثنان منها يدخل من كل منهما إلى مخزن والثالث يدخل منه إلى مجاز لطيف يتوصل منه إلى سلم يصعد من عليه إلى أربع وأربعين طبقة. وأما الفندق الموعود بذكره فإنه يشتمل على ساحة كبيرة وثلاثة عشر مخزناً، ولذلك حدود: القبلي إلى الزقاق، والبحري إلى الشارع المسلوك، والشرقي بعضه إلى المسجد وبعضه إلى الصنادقية، والغربي بعضه إلى المسجد وباقيه إلى الخراطين.
تلك مواصفات تفصيلية طريفة في لغتنا الهندسية المعاصرة، ويصعب علينا تخيل بعضها وتطبيقها، وما هو معني الطبقة؟هل هو الطابق المعروف لدينا الآن؟
أما المختصرات فهي كثيرة ويشار إليها في الملخص، أنها قد حددت ووصفت كما مر معنا قبل.(1/9)
وليس هنا حاجة إلى اقتطاف المزيد من أعيان الأوقاف ومواصفاته في الحجج الأخرى. ولكني أكتفي بما ذكرت مؤكدا على استيفاء الحجج للصيغة الشرعية للوقف باستخدام قوله وقف، مع تحديد الأعيان الموقوفة ومواصفاتها. وهذا عنصر هام في الحجة الوقفية وشرط واجب لصحة الوقف.
خامساً: أغراض الوقف ومصارفه
احتوت الحجج الأربعة والعشرون على جميع أغراض وأنواع الوقف المعلومة التي أشرنا إليها سابقا، وهي الخيري والأهلي والمشترك، فبعضها كان وقفاً خيرياً (18 حجة) (الوقف على الجامع الأشرفي، 11 حجة، والوقف على الزاوية والصوفية وشيخهم، 3 حجج، والوقف على جامع سرياقوس، حجة واحدة، والوقف على المسجد داخل باب النصر، حجة واحدة، والوقف على حوض السبيل، حجتان) وفي الأربع والعشرين حجة حجتان تمثلان وقفاً على الذرية (22.9)، والأربع الحجج الباقية حجج مشتركة بين الخيري والذري.
ولكن يجب أن نلاحظ أنه حتى الوقف الخيري، فإن الواقف ينص في كثير من الأحيان، كما جاء في الحجة الأولى، على أن ما فاض من الريع بعد الإنفاق على ما نص عليه، ينفق عل ذريته.
ونظرا لأن هذا القسم من الحجة الوقفية يتضمن النص على المنتفعين من الوقف، وهو ما يعكس صورا من الحياة الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة وقت إنشاء الوقف، فإنني سوف أتوسع في النقل من بعض الحجج خاصة ذات الأوقاف الخيرية.
ومن خلال دراسة نص الوقف الخيري في الحجة الأولى الخاصة بالجامع الأشرفي، نجد ما يلي:
نص الواقف على أن الغلة أو الريع المتحصل من جميع ما وقف وذكر، يصرف بعد العمارة (أي عمارة المسجد وصيانته)، على:
1 – ثلاثة مؤذنين حسني الصوت (1100درهم) لكل منهم.
2 – رجل من أهل الخير والدين حافظ لكتاب الله العزيز، يؤم الناس ويصلى بهم وأن يكون حنيفاً عالما بأحكام الصلاة محسناً للقراءة (1000درهم).(1/10)
3 – رجل من أهل العلم والدين والخير عارف بطريق الوعظ يخطب بالناس أيام الجمع والعيدين ويؤم بهم بعد الخطبة (500 درهم).
4 – رجل عالم بالأوقات يتولى مباشرة الأوقات على العادة (300 درهم).
5 – رجل يخرج أمام الخطيب يوم الجمعة ويؤذن أمام المؤذنين (100 درهم).
6 – رجل من أهل العلم حنفي المذهب موصوف بالديانة يكون شيخاً للصوفية (3000 درهم).
7 – 25 رجلاً من طلبة العلم الحنفية الموصوفين بالخير والدين والفقر، بالسوية بينهم (7500درهم) لكلٍ 300درهم في كل شهر على أن يجتمعون هم وشيخهم المذكور في كل يوم بعد صلاة العصر وتفرق عليهم الربعة الشريفة ويوضع المصحف الشريف بين يدي الشيخ المذكور ويقرأ كل منهم حزباً من تجزئة ستين حزباً، فإذا فرغ من القراءة يقرأ قراء الصفُة الآتي ذكرهم ما سيذكر.
8 – يصرف لأربعة نفر حسني الأصوات يجلسون مع الصوفية ويقرؤون ما شرط على كل من الصوفية. فإذا فرغوا من القراءة قرأ الأربعة سورة الإخلاص على العادة في ذلك، وإذا فرغوا ذكر واحد منهم شيئاً من كلام أهل الحقيقة ثم يدعوا على العادة.
9 – يصرف لرجل يقوم في خدمة شيخ المكان ويجتمع مع مباشريه إذا اجتمعوا في المكان لعمل مصلحة الوقف ومستحقيه ويوم النفقة وما جرت العادة به لأمثاله من الفلوس الموصوفة (400 درهم).
10– يصرف لرجل يتولى بسط سجادات الصوفية قبل الحضور وطيها بعده وتفرقة الربعة الشريفة على الصوفية على العادة ويبخر يوم الجمعة والمؤذون على المتدنة على العادة مبلغ (100 درهم).
11– يصرف لرجل من أهل الدين والأمانة يضبط غيبة أرباب الوظائف مبلغ (100 درهم).
12– يصرف لخمس جوق كل جوقة ثلاث نفر من حفاظ القرآن العظيم، تقرأ كل جوقة بعد كل صلاة حزبين من القرآن العظيم على العادة (1000درهم).
13– يصرف لرجل من حفاظ القرآن الكريم يقرأ في المصحف الشريف في كل يوم جمعة حزباً واحداً مبلغ (100 درهم ).(1/11)
14– يصرف لرجل عارف بقراءة حديث سيدنا رسول الله @ يقرأ البخاري من أول شهر رجب من كل سنة ويختمه في العشر الأخير من شهر رمضان في كل شهر مبلغ (200 درهم).
15– يصرف لعشرين يتيماً في كل شهر مبلغ (2000 درهم) وفي كل سنة كسوة الشتاء والصيف (9000 درهم) من الفلوس الموصوفة.
16– يصرف لمؤدبهم في كل شهر (300 درهم) ويكون حافظاً للقرآن ومن أهل العفة والصيانة والدين مشهور بذلك يتولى تعليمهم على العادة. على أن من بلغ منهم وحفظ القرآن الكريم استبدل به. وإن بلغ وقد بقى عليه اليسير فيستمر في المكتب إلى أن يكمل حفظ القرآن إذا رجى فلاحه وخيره ثم يستبدل به غيره.
17– يصرف لرجل من أهل الأمانة يتولى خزانة كتب العلم على العادة (300درهم ).
18– ويصرف لرجلين من أهل الخير والأمانة وطلبة العلم الشريف يكونان شاهدين بالوقف على العادة مبلغ(600درهم) بالسوية.
19– يصرف لرجل عارف بنظم الحسابات ووضعها يكون عاملا بالوقف على العادة في كل شهر (400 درهم).
20– يصرف لرجل يكون من أهل الدهقنة والمروءة يقيمه الناظر شاداً بالوقف على العادة في كل شهر(500 درهم).
21– يصرف لرجل يقيمه الناظر برداراً بالوقف على العادة مبلغ (200درهم).
22– يصرف لرجل من أهل الأمانة والحراسة يقيمه
الناظر بواباً بالجامع المذكور على العادة في كل شهر (400درهم).
23– يصرف لرجل يسقي المسلمين بالسبيل على العادة في رمضان بعد المغرب إلى بعد عشاء الآخرة مبلغ (500 درهم).
24– يصرف لأربعة نفر فراشين على العادة مبلغ (800 درهم) بالسوية.
25– يصرف من ذلك في كل شهر لرجلين وقادين على العادة مبلغ (400 درهم) بالسوية.
26– يصرف لرجل يكون سواقاً بساقية الجامع المذكور على العادة مبلغ (400 درهم).
27– يصرف برسم علوفة أ ثوار الساقية وكلفة ثمن قادوس وناشوش وطونس وغيره على العادة مبلغ (600 درهم).(1/12)
28– يصرف برسم الصهريج بالجامع الأشرفي في كل شهر مبلغ (750 درهم) في ثمن ماء عذب من النيل المبارك من جريانه ما فيه كفايته إلى آخر السنة.
29– يصرف في ثمن الزيت برسم الوقود مبلغ (2000 درهم) في كل شهر، وبرسم التوسعة في شهر رمضان من كل سنة على العادة مبلغ (250 درهم).
30– يصرف لمن يتولى الكنس والرش أمام الجامع المذكور على العادة مبلغ (300 درهم).
31– يصرف لرجل من أهل الدين والأمانة يتولى استخراج ريع الوقف وقبضه وصرفه مبلغ (600 درهم).
وفيما سبق من أغراض يبدو واضحا شكل النشاط الديني والثقافي الذي وقفت عليه الأموال والعناية بحفظ القرآن الكريم وتعليمه ورسم طرائق خاصة بما يعكس أحوال البيئة الدينية آنئذ، مما قد لا يتيسر الآن.
وفي الفقرة التالية يحدد الواقف، أجر الناظر ويحدد صلاحياته:
32– يصرف للناظر على الوقف على أن يتولى عمل مصالح الوقف ومستحقيه ومساعدة مباشريه ويتفقد أحواله ويجتهد في كف أسباب الضرر عنهم وتنمية ريع الوقف على العادة مبلغ (2000 درهم).
وبعد النص على الأغراض الخيرية، يورد الواقف، توجيهات تخص الفائض من العوائد المالية بعد الصرف على عمارة الوقف وصيانته والأغراض التي ذكرها سابقاً. وقد جاءت هذه التوجيهات بالترتيب التالي:
الذرية، فإذا انقرضت،
الجامع الأشرفي، فإذا تعذر ذلك،
فقراء الحرمين الشريفين، فإذا تعذر ذلك،
الجامع الأشرفي، فإن تعذر،
الفقراء والمساكين أينما كانوا.
وفيما يلي بيان ذلك:(1/13)
33– مهما فضل بعد ذلك يتناوله الواقف لنفسه ما دام حياً ثم من بعده يكون الفاضل لمن يوجد من أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه وذريته من الذكور والإناث من أولاد الظهر والبطن طبقة بعد طبقة تحجب العليا السفلي أبداً ما توالدوا. يستقل به الواحد إذا انفرد ويشترك الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع، يستوي الذكر والأنثى. على أنه من توفى منهم وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه، فإن لم يترك أحداً ممن ذكر انتقل إلى من هو في درجته من أهل الوقف من الذرية، فإن لم يكن فإلى أقرب الطبقات إلى المتوفى. وعلى أنه من مات منهم أجمعين قبل دخوله في هذا الوقف وترك ولداً أو ولد ولدٍ أو أسفل من ذلك وآلـ الوقف إلى حال لو كان المتوفى حيا لاستحق، قام ولده وإن سفل مقامه في الاستحقاق. فإذا انقرضوا كان مصروفاً في مصالح الجامع على ما يراه الناظر ويؤدي إليه اجتهاده.
34– ... عند تعذر الصرف إلى الجامع يصرف إلى فقراء الحرمين الشريفين بالسوية، وعند تعذره عليهما – والعياذ بالله تعالى، صرف إلى الآخر. فإن عاد إمكان الصرف إلى الجهة المتعذر إليها صرف إليها، فإن تعذر الصرف إلى الحرمين وأمكن الصرف إلى الجامع صرف إليه، فإن تعذر ذلك كله صرف للفقراء والمساكين أينما كانوا.
ومما سبق يتضح لنا الشمول في الأغراض والاستيعاب للمتغيرات المستقبلية، مما يظهر صفة الديمومة والأبدية في الوقف وأغراضه. وهو أيضا يثير قضية فقهية هامة تتعلق بالعمل في حال تغير الأزمان والأحوال، كيف يكون التصرف في الأموال وإلى أي مدى تتأثر الأغراض بالمصالح المرسلة للناس مع تطور الأزمان؟
أما الحجة الثانية، فقد نصت على أغراض أخرى، من المفيد ذكرها هنا لبيان علاقتها بما قبلها، وما أضافته من أغراض أخرى.
يقول الواقف بعد صيغة الوقف وبيان أعيانه:
(أن الناظر يبدأ من ريعه بعمارته ومرمته وما فضل يضاف إلى ريع الوقف السابق ذكره).(1/14)
وبعد تأكيد ضرورة الصرف على العمارة والترميم في الأول وقبل كل صرف يقول الواقف، محددا أغراض الوقف:
ويصرف منه في ثمن خبز قرصه ما يكفى من يذكر من أرباب الوظائف المدرسة المذكورة. ويترتب من ذلك في كل يوم لشيخ الصوفية بالمدرسة المذكورة ستة أرطال. ولكل من خادم الربعة الشريفة وخادم الشيخ والصوفية، وخازن الكتب وكاتب الغيبة، والإمام، والخطيب، وقراء الصفة، والأيتام، ومؤدبهم، وزمام القبة، والوقادين، والفراشين، والبواب، والمزملاتى، والمشرف وقرا خوند، والسواق في كل يوم ثلاثة أرطال بالمصرى.
ويصرف لنفرين حافظين لكتاب الله الكريم يقرأ كل منهما في المصحف الشريف بالمدرسة المذكورة أربعة أحزاب من تجزئة ستين حزباً، يقرأ واحد بعد صلاة الصبح من كل يوم وواحد بعد حضور التصوف في كل شهر مبلغ ستمائة درهم من الفلوس أو ما يقوم مقامها بالسوية بينهما.
ويصرف للمشرف خارجاً عن الخبز في كل شهر مائتا درهم على أن يتولى تفرقة الخبز على المستحقين المشار إليهم.
ويصرف لمن يكون ناظراً على الأوقاف الشامية في كل شهر من الدراهم النقرة معاملة دمشق مائة درهم واحدة ولمن يتولى جباية ريع الأماكن بالشام في كل شهر ستين درهماً من الدراهم المذكورة أو ما يقوم مقامها من النقود.
ويصرف من ذلك لثلاثة نفر من المؤذنين بالمدرسة المذكورة زيادة على ما ذكر في الوقف السابق ستمائة درهم بالسوية. ومهما فضل بعد المصاريف المعينة يصرف على حكم فاضل الريع على الحكم المشروح في كتاب الوقف السابق على هذا.(1/15)
ومن النص السابق، نلاحظ ربط الصرف على الموظفين، بقيمة سلع عينية وهي الخبز، وليس مخصصا ماليا كعدد من الدراهم، وإنما ثمن كذا رطل من الخبز. وهذا يعني أن القيمة المصروفة من ريع الوقف سوف تتغير بتغير الأسعار. وفي هذا إشارة هامة إلى أن غرض الواقف هو توفير كمية معينة من الخبز وهو سلعة أساسية للحياة، وليس مبلغا معينا من المال احتياطا لأثر التضخم وارتفاع الأسعار.
كما يتضمن النص زيادة في الصرف على المؤذنين، وإحداث إنفاق جديد للناظر على الأوقاف الشامية التي ورد ذكرها في نص الحجة الثانية. وختم الواقف أغراض الوقف بتأكيد ما نص عليه في الحجة الأولي، من أن الفاضل يصرف بنفس الطريقة التي أشرنا إليها سابقا في تحليلنا لنص الحجة الأولي.
وفي الحجة الوقفية الرابعة الخاصة بالجامع الأشرفي، ورد ما يلي:
ثم أشهد عليه أنه زاد في مصاريف الوقف المذكور لمن يذكر فيه من أرباب الوظائف، في كلٍ تسعون رطلا على التفصيل الآتي ذكره لأرباب الوظائف المنزلين بالجامع المذكور، فمن ذلك للمؤذنين ورئيسهم ثلاثون رطلا لكلٍ منهم ثلاثة أرطال كل يوم. ولقراء الشباك ممن ليس لهم خبز في التصوف اثنان وأربعون رطلاً. لكل نفر منهم ثلاثة أرطال وما لقارئ البخاري ثلاثة أرطال، وما هو للشيخ شرف الدين موسى المكتب الرومي في اليوم ثلاثة أرطال خبز وفي الشهر ثلاثمائة درهم فلوساً أو ما يقوم مقام ذلك من النقود، ليتعاهد شرف الدين المذكور أرباب الوظائف بتعليم رسم الكتابة على العادة في مثل ذلك، وما هو لعصفور الكناس تجاه الجامع في اليوم ثلاثة أرطال خبز وفي الشهر ثلاثمائة درهم فلوساً أو ما يقوم مقام ذلك من النقود، وما هو لمباشري الوقف وهم أربعة نفر لكل نفر منهم ثلاثة أرطال خبز.
وفي هذا النص، تغيير للأغراض والمصاريف بالزيادة لمن سبق النص عليهم في الحجة الأولي.
وفي الحجة الوقفية السادسة الخاصة بالجامع الأشرفي أيضاً ورد ما يلي:(1/16)
وأشهد عليه أن يصرف من ريع الموقوف الموصوف في كتاب الأوقاف المسطرة في هذا المكتوب لمن يذكر فيه ما يعين فيه زيادة على ما هو مقرر لذلك.
فيصرف في كل سنة، في ثمن ماءٍ عذبٍ تحمل من النيل المبارك إلى الصهريج الكائن بجامعه المذكور، ما مبلغه من الفلوس ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم أو ما يقوم مقام ذلك من النقود ليكمل له في كل سنة أثنى عشر ألف درهم فلوساً جدداً.
ويصرف لكاتب غيبة أرباب الوظائف بالجامع المذكور، في كل شهر مائة درهم، ليكمل له في كل شهر ثلاث مائة درهم فلوساً.
ويصرف في كل يوم ثمن قدحين فول صحيح بالمصرى زيادة في علوفة ثور الساقية التي بالجامع المذكور بالغاً ما بلغ.
وفي النص السابق، إشارات لطيفة لزيادة المخصص من الأوقاف لتوفير المياه في الجامع، وكأن تكلفة ذلك قد زادت منذ تحرير النص السابق. وكذلك زيادة مخصص لمراقب دوام أصحاب الوظائف. ومن النكات اللطيفة، النص على علف ثور الساقية من الفول المصري الصحيح وأن المبلغ الذي يصرف على ثمن قدحين ليس له حدود بالغا ما بلغ (يا ليت ثيران العصر الحديث يعلمون بذلك النعيم والغذاء السليم الذي كان ينعم به أخوهم ثور الساقية في القرن التاسع!). وكل ذلك يمثل عناية فائقة بالتغيرات الاقتصادية التي تحدث، مما يثير قضية فقهية هامة حول ضرورة تغيير الأغراض في الحجج القديمة لكي تلائم الأوضاع المتجددة. وإذا كان الواقف ~ قد تدارك ذلك في حياته فمن يقوم بذلك بعد وفاة الواقف؟
وفي الحجة الوقفية الثامنة المشتركة بين الجامع الأشرفي والذرية فقد أجرى فيها الواقف تغييرات كثيرة في أغراض الأوقاف ومصارفه الخاصة بالجامع الأشرفي والذرية، ونص على:(1/17)
أن الناظر على هذا الوقف والمتولي عليه يبدأ من ريع الأماكن جميعها والحصص الموصوف ذلك بعمارتها ومرمتها وإصلاحها وصلاحها وما فيه بقاء عينها ودوام منفعتها ولو أنفق في ذلك جميع غلتها، ثم ما فضل بعد ذلك بعد صرف ما عين صرفه للذرية، كما شرح فيه، يصرف الناظر منه في ملء الصهريج الكائن بالجامع الأزهر في ثمن ماءٍ عذبٍ ينقل أيام زيادة النيل المبارك من ماء النيل إلى الصهريج المذكور في كل سنة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسمائة درهم فضة وزناً بصنج الفضة، نصفها مائة درهم وخمسون درهماً أو ما يقوم مقامها من النقود.
وهذا النص جاء بعد أن أشهد الواقف أنه رجع عن مصرف ريع أماكن عديدة كثيرة وصفها وحددها في الحجة الثامنة، رجوعا شرعيا وجعل مصرف ريعها فيما ذكره في الحجة الثامنة، ومنه ما ذكرناه في الفقرة السابقة حيث أكد على أن المصرف الأول للريع هو عمارة الموقوف وإصلاحه ودوام منفعته وبقاء عينه، ثم على ذريته كما مر معنا، ثم خص الجامع الأزهر بالصرف على ملئ صهريج مائه، وبعد ذلك يصرف على الآتي ذكرهم:
1 – ... يصرف لمن قرره الواقف ممن يذكر فيه زيادة على من قرره مولانا الواقف المشار إليه قبل تاريخه وعينه في كتاب وقف الجامع الأشرفي وهم:(1/18)
شيخ شافعى المذهب له طاقة على إشغال الطلبة وتدريسهم العلم الشريف وعشرون نفراً من الطلبة الشافعية المذهب يجلسون مع الشيخ المذكور بالإيوان البحري بالجامع الأشرفي في كل يوم بكرة النهار وأيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك ليلقى عليهم الشيخ المذكور ما تيسر له إلقاؤه من العلم الشريف، ويحضر الطلبة خاصة وظيفة التصرف بعد صلاة العصر بالجامع المذكور. ويصرف للشيخ المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسون درهماً. نصفها خمسة وعشرون فضة، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ولكل نفر من الطلبة الشافعية الصوفية المذكورين فيه كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية وزناً بصنج الفضة عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
2 – ... شيخ مالكي المذهب له طاقة على إشغال الطلبة بالعلم الشريف وتدريسهم، وعشرة أنفار من المالكية يجلسون مع الشيخ المذكور بالجامع المذكور في كل يوم بكرة النهار في أيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك يلقى عليهم ما تيسر إلقاؤه من العلم الشريف، ويحضر الطلبة المالكية المذكورون وظيفة التصوف بعد صلاة العصر بالجامع المذكور كما شرح أعلاه. ويصرف للشيخ المالكي المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسون درهماً، نصفها خمسة وعشرون فضة، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ويصرف لكل نفر من الطلبة المالكية المذكورين فيه من كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية وزناً بصنج الفضة عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.(1/19)
3 – ... شيخ حنبلي المذهب له طاقة على إشغال الطلبة بالعلم الشريف وتدريسهم، عشرة أنفار من الطلبة الحنابلة يجلسون مع الشيخ المذكور بالجامع المذكور في كل يوم بكرة النهار أيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك ويلقى عليهم الشيخ المذكور ما تيسر له إلقاؤه من العلم الشريف، وتحضر الطلبة المذكرون وظيفة التصوفي في كل يوم بعد صلاة العصر. ويصرف للشيخ الحنبلي المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسون درهماً، نصفها خمسة وعشرون درهماً، وزناً بصنج الفضة وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ويصرف لكل من الطلبة الحنابلة المذكورين في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
4 – ... عشرة أيتام من المسلمين يجلسون بمكتب السبيل بالجامع المذكور مع الأيتام ومؤدبهم المنزلين قبل تاريخه بالمكتب المذكور لتعليم القرآن العظيم وحفظه وتعليم الخط العربي على العادة في مثل ذلك، ويصرف لكل يتيم منهم في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسة دراهم نصفها درهمان ونصف درهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
5 – ... يصرف لخادم شيخ الحنفية بالجامع المذكور في كل يوم من الخبز المذكور أعلاه ثلاثة أرطال بالمصرى زيادة على ما هو مقرر له قبل تاريخه في كتاب الوقف السابق.
6 – ... يصرف لرجل من أهل الخير والدين، يتولى تفرقة أجزاء الربعة الشريفة عند حضور وظيفة التصرف بالجامع المذكور على طهارة كاملة وجمع أجزائها بعد فراغ القراءة ووضعها في محلها، في كل شهر من الأهلة من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز ثلاثة أرطال.(1/20)
7 – ... يصرف للأيتام المذكورين كسوة في كل سنة على حكم ما شرط الواقف المذكور في كتاب وقفه السابق المسطر أعلى أعلاه.
8 – ... يصرف لكل واحد من شاد الوقف، وشاهديه معاً بالسوية، وعامله وجابيه في كل شهر من شهور الأهلة من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة زيادة على ما هو مقرر له قبل تاريخه في كتاب الوقف السابق.
9 – ... يصرف لرجل فراش يتولى كنس الميضأة المنسوبة للجامع المذكور وخلاوى الطهارة على العادة في مثل ذلك من كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسة عشر درهماً، نصفها سبعة دراهم ونصف، وزناً من الفضة، وفي اليوم ثلاثة أرطال من خبز البر.
10– فإن تعذر الصرف لما عين صرفه فيه، صرف ذلك من المصاريف المعين الصرف إليها بعد المصاريف المعينة في كتاب الوقف السابق حالاً ومآلاً وتعذراً وإمكانا واستحقاقاً نظراً. فإن عاد إمكان الصرف إلى ما تعذر الصرف إليه وقدم على غيره، يجرى الحال في ذلك وجوداً وعدماً أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وإن كان من تعليق على هذه المصارف، فإنها تدل على تغير منهج الواقف في النظر إلى المذاهب الفقهية، فبعد أن خص أصحاب المذهب الحنفي فقط في الحجج السابقة، أضاف إليهم أصحاب المذاهب الأخرى من أهل السنة والجماعة. والغرض الجديد هو تحديد مجموعة من الأيتام للصرف عليهم.
وأكتفي بما سبق من الأمثلة والنقول، للدلالة على اشتمال هذه النماذج الوقفية على عنصر أغراض الوقف اشتمالا واضحا دقيقا مراعيا للتغير في الأحوال.
سادسا: شروط الوقف
احتوت كل حجة على شروط للواقف السلطان أشرف برسباي. ولكن لأغراض التحليل واستخراج النتائج، نذكر ما ورد من شروط في الحجة الأولى.
وقد بدأ الواقف هذا بقوله، وشرط 0000وفيما يلي هذه الشروط:(1/21)
1 – من توفي من أرباب الوظائف المذكورة وله ولد صالح لوظيفة والده قرره الناظر مكان والده فيها بمعلومه، فإن لم يكن له ولد قرر الناظر فيها واحداً من المترددين إلى الجامع من طلبة العلم الشريف المتصفين بالصفات المذكورة أولا، ويبدأ بالأسبق منهم في التردد فإن اشتركوا وتساووا في السبق قدم أفضلهم.
2 – أن من غاب من أرباب الوظائف عن وظيفته شهراً كاملاً من غير عذر وهو مقيم بالقاهرة قطع واستبدل به غيره، فإن غاب عنها أقل من شهر من غير عذر قطع معلومه لجهة الوقف مع بقائه على وظيفته، فإن حج حجة الإسلام جرى عليه معلومه مدة غيبته فإذا جاور قطع واستبدل به غيره. ومن حج نفلاً ولم يجاور قطع معلومه زمن الحج لجهة الوقف، فإن عاد أجرى عليه معلومه بشرط مباشرته الوظيفة. وأن لشيخ الصوفية وللصوفية المسامحة ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يبطلوا حضور الدروس على جارى عادة الفقهاء بالديار المصرية أيام العيدين والتشريق والمطر المانع من الحضور ويجرى عليهم معلومهم مدة البطالة. وألا ينزل أحد منهم عن وظيفته بالجامع المذكور، فإن نزل فلا يمضى له وينزل غير المنازل والمنزول له.
3 – أن لا يؤجر شيء من الوقف أكثر من سنتين ولا يدخل عقد على عقد قبل مضي ما قبله ولا يؤجر بأقل من أجرة المثل ولا لمتجوه ولا لأحد من أرباب الشوكة، ولا لمشهور بسوء المعاملة.
4 – أن لا يستبدل بشيء من الوقف ولو بلغ من الخراب ما بلغ، وتقطع جوامك المستحقين إلا المؤذنين والإمام والخطيب حتى يعمر الوقف، فإن كان في الوقف ما يعمر به صرف في العمارة ولا يقطع شيء من الجوامك. وأن يجري الماء من البئر المستأجرة إلى الفسقية بقيسارية بكتمر الساقي في كل يوم للوضوء وغيره ما دامت في إيجار الوقف.
5 – أنه جعل لنفسه الزيادة فيما قرره من الجوامك وفي أوقافه على الجامع ما يرى زيادته وينقص ما يرى نقصه ويغيره بحسب ما يراه ويعيده إن شاء ويستبدل به من شاء ولم يكن ذلك لأحد بعده.(1/22)
6 – أن يتعهد كتاب الوقف في كل عشر سنين بالإثبات والتنفيذ على السادة القضاة قضاة، ويصرف أجرة الموقعين على العادة وثمن أوراق وغير ذلك.
7 – أن يتعاهد كتاب الوقف بالقراءة في كل سنة بحضرة شيخ الصوفية والمستحقين ليحيطوا علماً بحال الوقف وشروطه.
8 – جعل النظر لنفسه وله أن يسنده ويفوضه، فإن مات بغير إسناد ولا تفويض أو أسند وفوض وتعذر نظر المسند إليه كان النظر للدوادار بالديار المصرية مع مشاركة الأرشد من أولاد الواقف وأولاد أولاده، وإن سفلوا على الشرط المتقدم في الاستحقاق يقدم الأرشد فالأرشد من الذكور على الإناث. فإن تعذر واحد ممن جعل له النظر نظر من بقي من المشروط له النظر، فإن عاد الإمكان عاد النظر إليه فإن تعذر النظر لمن ذكر كان النظر في ذلك لحاكم المسلمين بالديار المصرية.
من النص السابق الذي سنكتفي به كنموذج للشروط في الحجج الوقفية، يتضح لنا أن الواقف ~ وضع شروطا دقيقة كأنما وضع لوائح إدارية للعاملين في الجامع الأشرفي والمدرسة الأشرفية من حيث الحضور والغياب والإجازات. كما وضع لائحة موجزة للتأجير، فالعقد يجب أن لا يتجاوز السنتين، وفي هذا حفظ لمصالح الوقف، ويجب أن لا يبرم عقد آخر حتى ينتهي العقد الأول، وأن لا يقل الإيجار عن أجر المثل، وأن لا يؤجر لأرباب الشوكة ولا لمشور بسوء المعاملة، وشروط أخرى كلها يدل على وعي وحصافة الواقف وحرصه الشديد على ضبط التصرفات لمصلحة وغبطة الوقف.
سابعاً: الخاتمة
هذا هو العنصر الأخير من عناصر الحجج الوقفية. وقد احتوت الحجج الأربعة والعشرون المختصرة عن الحجج الكبيرة التي أشرنا إليها سابقاً، على خاتمة اقتصرت على أنه شهد به في تاريخ كذا. وعلى سبيل المثال ورد في خاتمة الحجة الأولى، أنه شهد به في تواريخ آخرها يوم الثلاثاء السدس عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
وفي الحجة الرابعة والعشرين، ورد في خاتمتها ما يلي:(1/23)
وقف ذلك على مصالح مدرسته الأشرفية برأس الحريريين بالقاهرة المحروسة ومصالح أرباب وظائفها، على حكم شرطه في كتبا وقف المدرسة المذكورة في الحال والمآل والتعذر والإمكان والاستحقاق والنظر، في الرابع والعشرين من رجب سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، محكوم به منفذ في الشرع الشريف والحمد لله وحده.
ما سبق كان محاولة تحليل لبعض نصوص حجج وقفية من القرن التاسع عشر الهجري وحاولت من خلال ذلك إبراز العناصر التي يجب أن تتوفر في نموذج الحجة الوقفية، وبعض ما تعكسه تلك النصوص من واقع الفكر والوقفي والاجتماعي والفقهي. أرجو أن أكون قد وُفقت بعض التوفيق.
نتائج الدراسة
تعتبر النصوص التي اشتملت عليها الحجج الوقفية في القديم وفي كل زمان، مرآة تعكس التوجّه الفقهي السائد وقت ……… البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حين وأثناء إقرار الوقف.
وكان ذلك جلياً من خلال دراستنا لحجج أوقاف السلطان المملوكي الأشرف برسباي، التي بلغت 24 حجة أثناء فترة حكمه. والنص الذي رجعنا إليه هو ملخص للحجج الكبيرة التي بلغت صفحاتها 229 صفحة وهي منقوشة حتى وقتنا الحاضر على جدار الباب الغربي بالمدرسة الأشرفية.
ويمكن أن نخلص من التحليل السابق إلى ما يلي:
1 – التوجّه الخيري عند حكام المسلمين للوقف توجّه أصيل، يجب الإقتداء به وقد بدأه أفضل الخلق رسول الله @، ويجب لذلك أن يحرص الناس في كل زمانٍ على تسجيل ولاة الأمر على الوقف، وحثهم عليه. والملاحظ أن ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية ينفقون الكثير من الأموال على أعمال البر والخير، ولو توجّهت بعض هذه الأموال لإنشاء الأوقاف والصرف من عوائدها ضماناً لديمومة الأجر والمثوبة، فإن في ذلك خيراً عميماًً وصدقةًً لا تنقطع.(1/24)
2 – إن الأغراض التي نص عليها أجدادنا، لا يمكن تنفيذ الكثير منها مع تطور الأزمان والأحوال والأمم. وهنا يحتم الاجتهاد الفقهي المعاصر في الأغراض مع الأخذ بقادة شرط الواقف نص شرعي لا يجوز خلافه، بما يحقق أهداف الواقفين. والذي أخشاه أن بعض الناس يلغي الوقف نظراً لعدم إمكان تنفيذ أغراض وشروط الوقف. وهذا فيه حرمان للمنتفعين من الوقف.
والذي أراه، والله أعلم، أن وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي مدعوة إلى العمل في هذا الشأن عملاً دؤوباً مستمراً حتى تؤدي الأمانات إلى أهلها ويحكم بين الناس بالعدل الذي شرعه الله - عز وجل -.
3 – التداخل بين الوقف الخيري والوقف الذري، شائع وأصيل في مؤسسة الوقف في الإسلام، وقد أخطأ من ألغاه أو جعل له حدوداً بالطبقة الأولى أو الثانية. ويجب على علماء الأمة الإسلامية الدعوة إلى العودة إلى الأحكام الشرعية في هذا المجال، وحبذا لو توجّه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو يضم العلماء من كل قطر إسلامي، بالنصح للدول الإسلامية التي ألغت الوقف الذري، أن تعود إلى الأخذ به ففيه خيرٌ كثير. والله أعلم.
صفحة رقم (814)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة(1/25)
شروط الواقفين وأحكامها
إعداد
فضيلة الدكتور/ علي بن عباس الحكمي
صفحة رقم (152)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
شروط الواقفين وأحكامها
مقدمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعه واهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن شروط الواقفين من أهم ما يلزم بحثه ومعرفة أحكامه من مباحث الوقف إن لم يكن هو أهمها وأجدرها به، وما ذلك إلا لأن شروط الواقفين هي المحور الأساسي الذي يدور حول تحقيق المقصد المطلوب من الوقف، وهو تنفيذ غرض الواقف من وقفه وإيقاعه موقعه بضوابطه الشرعية المعلومة.
وسيكون حديثنا عن أحكام شروط الواقفين في فصلين، وخاتمة:
الفصل الأول: في المراد بشروط الواقفين وأقسامها.
الفصل الثاني: في مذاهب الفقهاء في أحكام شروط الواقفين.
الخاتمة: فيما يتوصل إليه البحث من خلال مناقشات الفقهاء عند عرض مذاهبهم.
الفصل الأول
المراد بشروط الواقفين
أولاً: المعنى المراد بشروط الواقفين:
لم يذكر كثير من الفقهاء المتقدمين تعريفاً محدداً للمعنى المراد بشروط الواقفين، بل كانوا يكتفون بذكر بعض الأمثلة لها مع بيان أحكامها.
ولكن بعض المتأخرين من الباحثين في الوقف ذكر لها تعريفاً يجمعها ويمكن أن تدخل تحته جميع الأمثلة والصور التي لا حصر لها.
ومن أمثلة الفقهاء المتقدمين، وتعريفات الباحثين المتأخرين، يمكن أن نستخلص تعريفاً لشروط الواقفين، يجمعها، ويلم شتاتها فنقول:
شروط الواقفين: هي ما تفيده وتشتمل عليه صيغة الوقف من القواعد التي يضعها الواقف للعمل بها في وقفه من بيان مصارفه، وطريقة استغلاله، وتعيين جهات الاستحقاق، وكيفية توزيع الغلة على المستحقين، وبيان الولاية على الوقف، والإنفاق عليه، ونحو ذلك(1).
__________
(1) ... انظر محاضرات في الوقف لأبي زهرة ص 136، والوقف في الشريعة والقانون لزهدي يكن ص 50، وتيسير الوقوف للمناوي ج 1 ص 95، وشرح منتهى الإرادات 2/501.(2/1)
وقد تكون الصيغة اللفظية المفيدة للاشتراط صريحة بلفظ أشترط كذا، أو مع اشتراط كذا ونحوها، وقد تكون بأداة من أدوات الشرط اللغوية، مثل: وقفت داري على أولادي، ومن لم يحافظ على الصلاة فلا شيء له في الوقف.
ومثلها سائر المخصصات والمقيدات اللفظية المتصلة، كالاستثناء مثل: وقفت على أولادي إلا زيداً. والصفة، كالمتعلمين أو الفقراء ونحوهما. وعطف البيان نحو: وقفت على ولدي أبي محمد عبدالله، وفي أولاده من كنيته أبو محمد غيره. فيختص به عندئذ عبدالله دون غيره.
ومثل بدل البعض، فإذا قال: وقفت على أولادي فلان وفلان وعلى أولاد صلبه إذا كان له أولاد غير الثلاثة.
ومثل ذلك أيضاً الجار والمجرور المتعلق بصيغة الوقف نحو: على أن لفلان كذا وفلان كذا.
ونحو ذلك من الصيغ اللفظية الدالة على إدخال شيء أو إخراجه، أو ترتيبٍ أو تقديم أو تأخير، أو جمعٍ، أو مساواةٍ أو تفضيل، أو إعطاءٍ أو حرمان أو تقييدٍ في النظر بشخص معين أو صفةٍ معينةٍ أو زمانٍ أو مكانٍ معينين(1).
ثانياً: أقسام شروط الواقفين:
شروط الواقفين – كما رأينا – هي ما يذكره الواقفون عند إنشاء الوقف من بيانٍ لأوجه الصرف والاستحقاق والنظر والولاية على الوقف والإنفاق عليه ونحو ذلك.
وهذه الشروط والقيود تعد جزءاً من صيغة عقد الوقف وإيقاعه ولها ثلاثة تقسيمات باعتبارات ثلاثة.
فلها تقسيم باعتبار موافقتها لمقتضى الوقف وعدمها.
وتقسيم ثانٍ باعتبار تعلقها بالموقوف والموقوف عليهم.
وتقسيم ثالث باعتبار أثرها في الوقف صحة وبطلاناً.
وفيما يلي بيان ما يدخل تحت هذه التقسيمات بإيجاز:
1 – أقسام شروط الواقفين من حيث موافقتها الوقف وعدمها:
__________
(1) ... المهذب مع تكملة شرح المجموع 4/251، وتيسير الوقوف للمناوي 1/95 – 96، وشرح منتهى الإرادات 2/501.(2/2)
الوقف عقد أو إيقاع لازم يقتضي الدوام والتأبيد بمجرد صدوره عند جمهور العلماء، ويقتضي التنجيز، ولا يقبل التعليق، كما يقتضي حصول الانتفاع به. وقد تكون الشروط والقيود التي تصدر عن الواقف حين إنشاء هذا العقد أو الإيقاع موافقة ومؤكدة لمقتضى الوقف، وقد تتعارض وتختلف مع مقتضاه.
وعلى هذا فشروط الواقفين تنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين:
القسم الأول: ما يكون من الشروط موافقاً لمقتضى الوقف، ومؤكداً لتحقيق المقصود منه، كأن يشترط أن لا يباع ولا يورث، وأن لا يستبدل به غيره مادام للمقصود منهن وأن تصرف غلته على أوجه البر والمعروف ونحو ذلك.
القسم الثاني: ما يكون على خلاف مقتضى الوقف، ومناقضاً لأصله وحقيقته كاشتراط الواقف أن له أو للموقوف عليه بيعه وصرف ثمنه في حوائجه، ومثل أن يشترط أن لا ينتفع به. ونحو ذلك من الشروط المخالفة لحقيقة الوقف التي هي تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
2 – أقسام شروط الواقفين من حيث ما تتعلق به من أركان الوقف:
شروط الواقفين إما أن تكون متعلقة بعين الموقوف: إبقاء أو تغييراً أو إنفاقاً عليه، أو تكون متعلقة بالموقوف عليهم وبيان استحقاقاتهم، أو تكون متعلقة بالنظارة والولاية على الوقف وإدارة شؤونه.
وعلى هذا فيمكن أن تنقسم شروط الواقفين بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
أحدهما: شروط تتعلق بعين لوقف إبقاءً أو تغييراً واستبدالاً وإنفاقاً عليه ونحو ذلك، كأن يشترط أن له حق لاستبدال بالوقف إذا نقصت منافعه أو مطلقاً، أو يشترط أن يكون الإنفاق على الوقف وترميمه إن كان عقاراً من غير غلته، ويقدَّم الصرف عليه قبل الصرف على المستحقين إلى غير ذلك من الشروط المتعلقة بالموقوف.
القسم الثاني: شروط تتعلق بالموقوف عليهم وجهات صرف غلة الوقف، كأن يشترط صرف الغلة للفقراء، أو لجهات متعددة يحددها، ويذكر لكل جهة حصة معينة كالثلث أو الربع، أو مرتباً محدداً كألفٍ كل شهر أو كل سنة ونحو ذلك.(2/3)
القسم الثالث: شروط تتعلق بالولاية والنظارة على الوقف وإدارة شؤونه كأن يشترط أن تكون له الولاية مادام حياً، أو أن تكون لفلان مدى حياته، أو تكون للأصلح أو للأكبر من أولاده، ونحو ذلك.
3 – أقسام شروط الواقفين من حيث أثرها على صحة الوقف وعدمه:
وجميع شروط الواقفين بأقسامها السابقة تنقسم من حيث أثرها على الوقف صحة وبطلاناً إلى قسمين:
أحدهما: ما يكون مبطلاً للوقف، مانعاً من انعقاده. وهو كل شرط مخالف لمقتضى الوقف من التأبيد ولتنجيز ونحوهما.
الثاني: ما يكون غير مبطل للوقف، بل ينعقد الوقف مع وجوده، وينشأ صحيحاً. وهذا القسم نوعان:
نوع يكون باطلاً في ذاته، غير مبطل للوقف.
ونوع يكون صحيحاً مع صحة الوقف.
وهذا التقسيم في حقيقته هو تقسيم لشروط الواقفين من حيث أحكامها إذ أن الفقهاء يقسمونها إلى صحيحة وباطلة، والباطلة نوعان نوع منها يبطل العقد، والنوع الثاني لا يبطله، وإن بطل هو في نفسه. وذلك ما سنفصله – إن شاء الله تعالى – في الفصل الآتي.
الفصل الثاني
أحكام شروط الواقفين
تمهيد:
إن من يلقي نظرة فاحصة على كلام الفقهاء عند حديثهم عن شروط الواقفين جوازاً ومنعاً، قبولاً ورداً، تأثيراً في بطلان الوقف وعدم تأثير، إضافة إلى أدلة الشرع وقواعده العامة، وإلى المقاصد من العقود والتصرفات في الشريعة الإسلامية يجد أن البحث في أحكام شروط الواقفين يستلزم أولاً بيان أمور ثلاثة:
أحدها: نوع وصفة مشروعية الوقف.
الثاني: معرفة مذاهب الفقهاء في الأصل في العقود والشروط من حيث الإباحة والحظر.
الثالث: نظرة الفقهاء إلى الوقف من حيث الاشتراطات فيه إلى كونه قربة وعبادة أو إلى كونه من التصرفات والمعاملات المالية غير العبادات.
وسنتحدث بإيجاز عن كل واحد من هذه الأمور الثلاثة ليتبين مدى أثره على مذاهب أهل العلم في أحكام شروط الواقفين.
أولاً: نوع وصفة مشروعية الوقف:(2/4)
الوقف مشروع في الإسلام على سبيل الندب والاستحباب بإجماع القائلين بصحته ومشروعيته، وهم جماهير أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم(1).
وهذا الحكم مأخوذ من أدلة مشروعيته، فإنها جميعاً إنما تطلبه وتحث عليه من غير إلزام به أو تحتيم لفعله (2).
ولهذا جاءت عبارات الفقهاء معللة حرية الواقف في اشتراط ما شاء من الشروط في حدود ضوابط الشرع بقولهم: "لأن ابتداء الوقف مفوض إلى واقفه"(3).
وسيأتي مزيد بيان لتعلق أحكام شروط الواقفين بهذه الصفة للمشروعية.
ثانياً: الأصل في العقود والشروط:
اختلف أهل العلم في الأصل في العقود والشروط فيها، هل هو الإباحة والجواز، أو هو الحظر والمنع حتى يقوم دليل خاص بالجواز؟
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذين القولين للعلماء، فقال: "والذي يمكن ضبطه فيه قولان:
أحدهما: أن يقال: الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته. فهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول
أبي حنيفة تنبني على هذا، وكثير من أصول الشافعي وأصول طائفة من أصحاب مالك وأحمد …
أما أهل الظاهر فلم يصححوا لا عقداً ولا شرطاً إلا ما ثبت جوازه بنص أو إجماع، وإذا لم يثبت جوازه أبطلوه، واستصحبوا الحكم الذي قبله…
وأما أبو حنيفة فأصوله تقتضي أنه لا يصح في العقود شروطاً تخالف مقتضاها في المطلق … وذكر أمثلة.
والشافعي يوافقه على أن كل شرط خالف مقتضى العقد فهو باطل، لكنه يستثنى مواضع للدليل الخاص … وذكر أمثلة.
__________
(1) ... انظر المغني 8/184، 185، والمهذب مع تكملة شرحه المجموع 14/216، وشرح الدردير 4/75.
(2) ... ومن تلك الأدلة حديث عبدالله بن عمران أن رسول الله قال لعمر في الأرض التي جاء يستأمره فيها "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أن لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث" قال: فتصدق بها عمر… الحديث متفق عليه.
(3) ... انظر مثلاً شرح منتهى الإرادات 2/501 وشرح فتح القدير 6/200.(2/5)
وطائفة من أصحاب أحمد يوافقون الشافعي على معاني هذه الأصول، لكنهم يستثنون أكثر مما يستثنيه الشافعي … وذكر أمثلة، ثم قال: "وهؤلاء الفرق الثلاث يخالفون أهل الظاهر، ويتوسعون في الشروط أكثر منهم، لقولهم بالقياس والمعاني وآثار الصحابة، ولما يفهمونه من معاني النصوص التي ينفردون بها عن أهل الظاهر.
وعمدة هؤلاء – يعني القائلين بالحظر جميعاً – قصة بربرة المشهورة وذكر الحديث، وفيه قال رسول الله @: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط.." ثم بَيَّن وجه استدلالهم بالحديث، ثم قال:
القول الثاني: أن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وبطلانه نصاً أو قياساً عند من يقول به. وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه لكن أحمد أكثر تصحيحاً للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحاً للشروط منه…".
ثم رجح هذا القول، واستدل له بعدة أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، مع الاستصحاب وعد الدليل المنافي (1).
هذا وللإمام الشاطبي ~ تقسيم مؤصل للشروط في العقود، أوضح فيه ما يصح منها، وما لا يصح، وما هو محل نظر واجتهاد لتردده بين الطرفين.
قال ~: "والشروط مع مشروطاتها على ثلاثة أقسام".
أحدها: أن يكون مكملاً لحكمة المشروط وعاضداً له، بحيث لا يكون فيه منافاة لها على حال، كاشتراط الصيام في الاعتكاف عند من يشترطه، واشتراط الكفء، والإمساك بالمعروف، والتسريح بإحسان في النكاح، واشتراط الرهن والحميل، والنقد أو النسيئة في الثمن في المبيع، واشتراط العهدة في الرقيق واشتراط مال العبد وثمر الشجر، وما أشبه ذلك، وكذلك اشتراط الحول في الزكاة، والإحصان في الزنا، وعدم الطول في نكاح الإماء، والحرز في القطع.
__________
(1) ... الفتاوى 29/126 – 138.(2/6)
فهذا القسم لا إشكال في صحته شرعاً، لأنه مكمل لحكمة كل سبب يقتضي حكماً. فإن الاعتكاف لما كان انقطاعاً إلى العبادة على وجه لائق بلزوم المسجد كان للصيام فيه أثر ظاهر … وسائر تلك الشروط المذكورة تجرى على هذا الوجه، فثبوتها شرعاً واضح.
والثاني: أن يكون غير ملائم لمقصود المشروط، ولا مكمل لحكمته، بل هو على الضد من الأول، كما إذا اشترط في الصلاة أن يتكلم فيها إذ أحب، أو اشترط في النكاح أن لا ينفق عليها أو أن لا يطأها، وليس بمجبوب ولا عنين، أو اشترط في البيع أن لا ينتفع بالمبيع، أو إن انتفع فعلى بعض الوجوه دون بعض، أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه إن تلف، أو يصدقه في دعوى التلف، وما أشبه ذلك.
فهذا القسم لا إشكال أيضاً في إبطاله، ولأنه منافٍ لحكمة السبب، فلا يصح أن يجتمع معه، فإن الكلام في الصلاة منافٍ لما شرعت له من الإقبال على الله، والتوجه إليه، والمناجاة له … وهكذا سائر الشروط المذكورة، إلا أنها إذا كانت باطلة فهل تؤثر في المشروطات أم لا؟
هذا محل نظر يستمد من المسألة التي قبلها(1).
والثالث: أن لا يظهر في الشرط منافاة لمشروطه ولا ملاءمة، وهو محل نظر هل يلحق بالأول من جهة عدم المنافاة، أو بالثاني من جهة عدم الملاءمة ظاهراً. والقاعدة المستمرة في أمثال هذا التفرقة بين العبادات والمعاملات، فما كان من العبادات لا يكتفي فيه بعدم المنافاة، والأصل فيها أن لا يُقْدم عليها إلا بإذن، إذ لا مجال للعقول في اختراع التعبدات، فكذلك ما يتعلق بها من الشروط، وما كان من العادات يكتفى فيه بعدم المنافاة، لأن الأصل الالتفات إلى المعاني دون التعبد، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه"(2).
__________
(1) ... يعني المسألة السابقة التي فرضها في الشروط مع مشروطاتها وهي ما إذا كان السبب يتوقف اقتضاؤه للحكم على شرط 10/274 –282.
(2) ... الموافقات 1/283 – 285.(2/7)
والشاطبي بهذا يحرر موضع الخلاف بين القائلين بحظر الشروط إلا ما قام الدليل على جوازه، والقائلين بالجواز إلا ما قام الدليل على منعه.
وهو ما كان من الشروط لا تظهر فيه منافاة لمشروطه ولا ملاءمة، فهذا محل الخلاف والنظر، هل يصح ويعتبر لكونه غير منافٍ للعقد والتصرف، إذ الأصل في العقود والشروط الإباحة ما لم يقم دليل على منعها، ولا دليل على منع هذا النوع من الشروط.
أولا يصح ولا يعتبر، لكونه غير ملائم للعقد والتصرف، ولا مكمل لحكمته فليس عليه دليل شرعي لاعتبراه، والأصل في الشروط الحظر إلا ما قام الدليل على جوازه، وهذا النوع لم يقم دليل على جوازه.
على أنه لابد لنا من الإشارة هنا إلى أن كون الشرط مكملاً لحكمة العقد والتصرف أو ملائماً لهما، أو غير مكمل ولا ملائم، وكذا كونه منافياً لهما أو غير منافٍ محل اجتهاد أيضاً، فقد يرى بعض الفقهاء بعض الشروط ملائماً للعقد غير مناف له، فيصححه ويعتبره، وقد يراه بعضهم غير ملائم، بل يراه منافياً، فيبطله، ومن هنا يحصل الاختلاف في بعض الصور الفرعية، مع الاتفاق على أصل القاعدة.
هذا وقد زاد الشاطبي في تقسيمه المذكور تفصيلاً آخر هو التفريق بين العبادات والعادات، فما كان من العبادات لا يكتفي فيه يكون الشرط لا ينافي تلك العبادة، ليحكم بصحته دون أن تظهر ملاءمته لها، لأن الأصل فيه التعبد، وعدم الالتفات إلى المعاني، وأنه لا يقدم على العبادات إلا بإذن، فكذلك ما يكون متعلقاً بها من الشروط.
وأما ما كان من العادات فإنه يكتفي فيه بعدم المنافاة لمقتضى العقد أو التصرف لأن الأصل فيه اعتبار المعاني والالتفات إليها، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه، فكذلك ما تعلق بها من الشروط.
وهذا التفصيل له أثره الواضح على اعتبار الشروط في الوقف وعدم اعتبارها عند من ينظر إلى الوقف بصفته عبادة وقربة.(2/8)
ثالثاً: هل ينظر إلى الوقف من حيث الاشتراطات فيه إلى معنى العبادة والقربة أو إلى معنى المعاملات والعادات:
لاشك أن الوقف بصفته تبرعاً وصدقة يقصد صاحبه من ورائه غالباً الأجر والثواب عند الله، والبر والإحسان والمعروف إلى الخلق، يعد قربة من أفضل القرب المندوبة والمستحبة في الشرع، فهو بذلك منتظم في سلك العبادات.
وهو باعتباره تصرفاً مالياً وإخراجاً لبعض مال الإنسان من ملكه بصيغة معينة، له شبه بالمعاملات المالية، الداخلة في الغالب في باب العادات. من هنا اختلفت نظرة الفقهاء إلى الشروط فيه توسعاً وتضييفاً إطلاقاً وتقييداً.
فمنهم من نظر إلى ما فيه من معنى العبادة، ومنهم من نظر إلى ما فيه من معنى العادة، كما سنرى ذلك عند ذكر مذاهب الفقهاء في الشروط في الوقف فيما يأتي:
مذاهب الفقهاء في أحكام شروط الواقفين:
بعد أن عرفنا من خلال العرض السابق، اتجاهات الفقهاء في الشروط في العقود إجمالاً، وعرفنا صفة مشروعية الوقف، وأنه على سبيل الندب والاستحباب، وأنه يمكن أن ينظر إليه بصفته عبادة وقربة، فتطبق عليه أحكام العبادات من حيث إدخال الشروط عليه، أو ينظر إليه بصفته عقد مالي فيدخل في زمرة العقود المالية المنتظمة في سلك العادات والمعاملات، من حيث الاشتراطات فيها.
لنتعرف الآن على مذاهب الفقهاء في أحكام شروط الواقفين، وما مدى تأثرها بما سبق ذكره.
وسنقتصر على المذاهب الأربعة المشهورة لأن ما عداها داخل فيها إجمالاً وما خالفها في الأصول لا يعتد بخلافه.
مذهب الحنفية:
الحنفية: وإن كانت أصولهم في أغلبها مبنية على أن الأصل في العقود والشروط فيها الحظر إلا ما قام الدليل على إباحته – كما رأينا من قبل – إلا أنهم توسعوا في الاشتراطات في الوقف أكثر من سائر العقود وأكثر من سائر الفقهاء (1).
وهم يقسمون شروط الواقفين من حيث صحتها وأثرها على الوقف إلى ثلاثة أقسام:
__________
(1) ... محاضرات في الوقف لأبي زهرة، ص 141.(2/9)
القسم الأول: شروط باطلة في نفسها، مبطلة للوقف مانعة من انعقاده. وهي ا لشروط التي تنافي اللزوم والتأبيد، كأن يشترط الواقف عند إنشاء صيغة الوقف أن يكون له حق بيعه أو هبته، أن يعود إلى ورثته بعد موته أو يصير ملكاً لهم عند احتياجهم، وغير ذلك من الشروط التي تنافي التأبيد لأن الصيغة إذا اقترنت بهذه الشروط تصير غير منشأة للوقف إذ بطل مدلوله وسقط مفهومه، ولم يثبت التزام على مذهبهم (1).
القسم الثاني: شروط باطلة في نفسها، غير مبطلة للوقف، فإذا اقترنت به صح الوقف وبطلت هي من غير أن تؤثر فيه.
وهذه هي الشروط التي يكون منهياً عنها أو تكون مخالفة للمقررات الشرعية أو ليست في مصلحة المستحقين.
فكل ما كان كذلك من الشروط فهو فاسد لكونه ممنوعاً شرعاً، لا لكونه مناقضاً ومخالفاً لمقتضى الوقف، ولهذا حكم بفسادها هي وعدم تأثيرها على صحة الوقف تبرع، والتبرعات لا تبطلها الشروط الفاسدة.
ومن الأمثلة التي ضربها فقهاء الحنفية لهذه الشروط الباطلة مما شرطها بعض الواقفين في أوقافهم، وأفتى المفتون فيها بالإبطال، وحكم القضاة بعد الأخذ بها ما يلي:
1 – إذا جعل الواقف النظر لشخص أو أشخاص، واشترط أن لا يعزلوا ولو خانوا.
فإن اشتراط عدم عزلهم مع ثبوت خيانتهم، مخالف للمقررات الشرعية، لما فيه من إقرار الخائن على خيانته، وهو أيضاً منافٍ لمصلحة الوقف والمستحقين (2).
2 – إذا شرط الواقف أن للمتولى أن يؤجر الوقف بما يشاء، ولو كان أقل من أجرة المثل.
فهذا الشرط غير معتبر، لما فيه من إضرار بالوقف وبالمستحقين، حتى ولو كان المتولى هو المستحق(3).
__________
(1) ... المرجع السابق، وانظر حاشية ابن عابدين 3/539 وأحكام الوقف للكبيسي 1/274.
(2) ... حاشية ابن عابدين 4/389.
(3) ... حاشية ابن عابدين 3/551.(2/10)
3 – إذا اشترط الواقف في وقفه أن لا يُعَمَّر أو يرمم حتى ولو تهدم وتعطلت منافعه، أو اشترط أن عطاء الموقوف عليهم مقدم على عمارة الوقف وصيانته.
فهذه الشروط وأمثالها باطلة، لا يلتفت إليها، لما فيها من الإضرار بالوقف وبالمستحقين.
القسم الثالث: شروط صحيحة، وهي الشروط التي لا تنافي مقتضى الوقف وليس فيها مخالفة لنصوص الشرع وقواعده المقررة، ولا تؤدي إلى ضرر بالوقف أو بالمستحقين.
كاشتراط الغلة لجهة معينة، واشتراط أداء دين ورثته من الغلات إذا لزمتهم ديون، واشتراط أن يكون لمتوللى الوقف الزيادة والنقصان في المرتبات، واشتراط أن يكون الاستحقاق في الغلات على مقدار الحاجة، واشتراط الصرف لأقاربه الفقراء على جهة الأولوية في الأوقاف الخيرية.
فهذه الشروط وأمثالها يجب الأخذ بها، والعمل على تنفيذها، وعدم مخالفتها، لأنها تحدد المصرف، وتُعيِّن المستحقين، وتنظم التوزيع من غير أن يكون هناك ضرر على أحد، ولا ضرر بالوقف، وليس فيها معصية ولا مخالفة للمبادىء الشرعية المقررة(1).
هذا تقسيم الفقهاء الحنفية لشروط الواقفين من حيث صحتها وبطلانها وأثرها على الوقف بطلاناً وعدمه.
وهذا التقسيم بمثابة القواعد العامة لأحكام شروط الواقفين في هذا المذهب لكنهم عند التطبيق في المسائل والفروع وبخاصة عند المتأخرين منهم نجدهم يوجبون تنفيذ قد لا يتفق مع مقاصد الشرع العامة، أو مع مصلحة المستحقين، في نظر بعض الباحثين.
ومن ذلك:
أن يشترط الواقف لاستحقاق زوجته في سكنى الوقف أو في الغلة أن لا تتزوج من بعده.
ومخالفة هذا الشرط للشرع تمكن في أنه يؤدي إلى الوقوع في المنهي عنه شرعاً، وفي أنه يعارض ما تقرر في الشرع من الحث على الزواج والترغيب فيه لتحقيق مقاصد شرعية متعددة.
ومع هذه المخالفة، فقد قال بعض فقهاء المذهب بوجوب الأخذ به، وعدم مخالفته.
__________
(1) ... حاشية ابن عابدين 3/536، والمبسوط 12/46، ومحاضرات في الوقف لأبي زهرة، ص 45.(2/11)
مذهب المالكية:
رأينا عند الكلام على مذاهب العلماء في أصل العقود والشروط فيها أن من أكثر المذاهب توسعاً في الشروط وإجازة لها مذهب الإمام مالك ~، وليس أوسع منه في ذلك إلا مذهب الإمام أحمد ~.
هذا من حيث الإجمال.
وإذا أردنا التعرف على مذهب المالكية في الشروط في الوقف خاصة فإننا سنجده مطرداً مع قاعدتهم العامة في العقود والشروط فيها، فهم يرون صحة ولزوم كل شرط جائز شرعاً في الوقف، ويعنون بالشرط الجائز ما لايكون ممنوعاً شرعاً – وإن كان مكروهاً – وما لا ينافي مقتضى الوقف، أو يكون فيه ضرر على الواقف أو المستحقين(1).
وتتضح هذه القاعدة في حكم شروط الواقفين عندهم بما ضربوه من الأمثلة للشروط الممنوعة، فمنها:
1 – أن يشترط بأن له حق بيعه أو هبته في أي وقت يشاء، فهذا شرط باطل، ومبطل للوقف، لأنه شرط منافٍ لمقتضى الوقف من اللزوم والدوام(2).
2 – أن يشترط أن يكون إصلاح الوقف على مستحقه من غير غلته. فهذا الشرط ممنوع غير معتبر، لأنه يحول الوقف إلى كراء مجهول وكراء المجهول ممنوع شرعاً، فالشرط باطل، والوقف صحيح.
3 – أن يشترط الواقف تقديم الصرف على منافع أهله من غلة الموقوف، ويؤخر إصلاح ما تهدم منه إن كان عقاراً، أو الإنفاق عليه إن كان حيواناً، فهذا الشرط باطل لما فيه من الإضرار بالوقف، فلا يلزم الأخذ به، بل يجب تركه والبدء بمرمة الوقف والنفقة عليه من غلته حفاظاً على بقاء عينه(3).
4 – أن يشترط الواقف حرمان البنات من الاستحقاق في الوقف مطلقاً أو بعد الزواج.
__________
(1) ... شرح الدردير وحاشية الدسوقي عليه 4/88.
(2) ... شرح الخرشي 7/92 وأحكام الوقف للكبيسي 1/264.
(3) ... شرح الخرشي 7/93 وحاشية الدسوقي 4/90.(2/12)
فهذا الشرط باطل على الراجح في المذهب، ويبطل به الوقف لما فيه من ارتكاب المنهي عنه شرعاً وهو حرمان البنات. قال الدردير: "وبطل على معصية … أول على بنيه دون بناته" وقال الدسوقي في حاشيته عليه: "أي إذا أخرجهن ابتداء أو بعد تزوجهن بأن وقف على بنيه وبناته جميعاً وشرط أن من تزوجت من بناته فلا حق لها في الوقف، وتخرج منه، ولا تعود له، ولو تأيمت"(1).
وقد ذُكر في المذهب خلاف في هذه المسألة على سبعة أقوال، لكن هذا أرجحها عندهم.
ونلاحظ هنا أن المالكية مع كون مذهبهم أوسع المذاهب بعد مذهب الإمام أحمد في تصحيح الشروط في العقود واعتبارها إلا أنهم يمنعون بعض الشروط في الوقف مما يجيزه غيرهم كاشتراط حرمان البنات من الاستحقاق.
وذلك ليس خلافاً لقاعدهم في الشروط، وإنما هو تطبيق لها بناء على أن هذا المثال ونحوه مما قام الدليل الشرعي على النهي عنه، لأن الشرع قد نهى عن التفريق بين البنين والبنات في الهبات والأعطيات، وقد فرض للبنات حقاً معلوماً في الميراث.
والمخالفون لهم لا يعتبرون ذلك نهياً مباشراً عن ذلك الشرط في الوقف مع موافقتهم في أن ما نهى عنه الشارع لا يجوز اشتراطه.
فالخلاف في التطبيق على المسائل وتحقيق المناط فيها، وليس في اصل القاعدة كما أشار إلى ذلك ابن تيمية ~ بقوله: "وما كان من الشروط مستلزماً وجود ما نهى عنه الشارع فهو بمنزلة ما نهى عنه، وما علم ببعض الأدلة الشرعية أنه نهى عنه فهو بمنزلة ما علم أنه صرح بالنهي عنه، لكن قد يختلف اجتهاد العلماء في بعض الأعمال هل هو من باب المنهي عنه؟ فيختلف اجتهادهم في ذلك الشرط بناء على هذا. وهذا أمر لابد منه في الأمة"(2).
وسيأتي لذلك مزيد بيان عند المقارنة بين المذاهب في شروط الواقفين في خاتمة هذا البحث إن شاء الله.
مذهب الشافعية:
__________
(1) ... انظر شرح الجامع الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 4/79.
(2) ... الفتاوى 31/58.(2/13)
الشافعية بناء على كثير من أصول الإمام الشافعي يذهبون إلى أن الأصل في الشروط العقود الحظر إلا ما قام دليل على جوازه وصحته.
وهم في شروط الوقفين لا يتجاوز هذه القاعدة، ولكنهم يرون أن كل شرط في مصلحة الوقف والمستحقين، وليس منافياً لمقتضى الوقف فهو داخل تحت ما قام الدليل على صحته وجوازه، بل إنهم يرون أن الدليل الخاص قد قام على صحة بعض شروط الواقفين، ولو كانت هناك قاعدة شرعية عامة تعارضها مثل التفريق بين الأولاد في استحقاقات الوقف.
ولهذا كانت القاعدة الشرعية العامة عندهم في حكم شروط الواقفين أنها تكون مرعية إذا كانت تحقق مصلحة للوقف، أو للمستحقين وما لم يكن فيها منافاة لمقتضى الوقف، كشرط الخيار فيه أو شرط أن يبيعه ونحوه، فالشرط باطل. وهل يبطل به الوقف؟ الصحيح في المذهب بطلان الوقف عندئذ. وقيل: يصح الوقف، ويلغو الشرط.
ففي مغني المحتاج "والأصل فيه أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف".
وفيه "(ولو وقف بشرط الخيار) لنفسه في إبقاء وقفه والرجوع فيه متى شاء أو شرطه لغيره أو شرط عوده إليه بوجهٍ ما كان شرط بيعه أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء (بطل على الصحيح)… ومقابل الصحيح: يصح الوقف ويلغو الشرط، كما لو طلَّق على أن لا رجعة له"(1).
ومع أن الشافعية يرون صحة وجواز كل شرط يحقق مصلحة للوقف أو المستحقين إلا أنهم قد يختلفون في أن شرطاً بعينه يحقق المصلحة فيصح، أو لا يحققها فلا يصح، ولو لم يعارض نصاً شرعياً.
ومن الصور المختلف فيها عندهم بناء على ذلك ما جاء في منهاج النووي وشرحه للشربيني من اختلاف نظر الأصحاب في اشتراط الواقف عدم إجارة الوقف، أو تحديد مدة الإجارة.
فقد جاء فيها: (والأصح أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر) أصلاً، أولاً: يؤجر أكثر من سنة صح الوقف و(اتبع شرطه) كسائر الشروط المتضمنة للمصلحة.
__________
(1) ... مغني المحتاج 2/385، 386.(2/14)
والثاني: لا يتبع شرطه، لأنه حجر على المستحق في لمنفعة"(1).
واستناداً إلى قاعدة مراعاة مصلحة الوقف والمستحقين في شروط الواقفين أفتى بعض الفقهاء منهم بأن يستثنى من هذا المثال حال الضرورة، كما لو اشترط أن لا تؤجر الدار أكثر من سنة، ثم انهدمت، وليس لها جهة عمارة إلا بإجارة سنتين , فابن الصلاح أفتى بالجواز مخالفة لشرط الواقف، لأن المنع في هذه الحال يفضي إلى تعطيل الوقف، وهو مخالف لمصلحته. ووافقه على ذلك السبكي والأذرعي(2).
مذهب الحنابلة:
مذهب الإمام أحمد بن حنبل ~ أكثر المذاهب توسعاً في تصحيح الشروط في العقود – كما ألمحنا إلى ذلك من قبل – حيث لا يمنع إلا ما قام الدليل على منعه. وجمهور الحنابلة لا يخالفون هذه القاعدة في شروط الواقفين. بل يسيرون عليها بوضوح، ويرون أن كل شرط منافٍ لمقتضى الوقف داخلٌ تحت ما ورد الشرع بمنعه فيبطل، وكذلك كل شرط محرم أو يفضي إلى أمر محرم، أو إلى إخلال بالمقصود الشرعي، وأن كل شرط غير منافٍ لمقتضى الوقف، ولا هو منهي عنه شرعاً فهو شرط جائز معتبر. ومن نصوصهم في هذا الباب.
ما جاء في شرح منتهى الإرادات للبهوتي.
"وشرط بيعه أي الوقف متى شاء الواقف، أو شرط هبته متى شاء أو شرط خيار فيه، أو شرط توقيته، كقوله: هو وقف يوماً أو سنة ونحوه، أو شرط تحويله، أي الوقف كوقفت داري على جهة كذا على أن أحولها عنها أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت، مبطل للوقف، لمنافاته لمقتضاه"(3). وفيه أيضاً "ويرجع في أمور الوقف إلى شرط واقف كشرطه لزيد كذا، ولعمرو كذا. لأن عمر > شرط في وقفه شروطاً، فلو لم يجب اتباعها لم يكن في اشتراطها فائدة. ولأن ابتداء الوقف مفوض إلى واقفه فاتبع شرطه…(4).
وفي المقنع والشرح الكبير:
__________
(1) ... مغني المحتاج على المنهاج 2/385.
(2) ... المرجع السابق.
(3) ... شرح منتهى الإرادات 2/497.
(4) ... المرجع السابق 2/501.(2/15)
"ويرجع إلى شرط واقف في قسمة على الموقوف عليهم، وفي التقديم والتأخير، والجمع والترتيب، والتسوية والتفضيل، وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة، وفي الناظر فيه، والإنفاق عليه، وسائر أحواله) لأنه ثبت بوقفه، فوجب أن يتبع فيه شرطه، ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه، فكذلك تفضيله وترتيبه. وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة، مثل أن يقول: من تزوج منهم فله، ومن فارق فلا شيء له، أو عكس ذلك.. أو من كان على مذهب كذا فله، ومن خرج منه فلا شيء له. وكذلك إن وقف على أولاده على أن للأنثى سهماً وللذكر سهمين أو على حسب ميراثهم، أو العكس، أو على أن للكبير ضعف ما للصغير، أو للفقير ضعف ما للغني، أو عكس ذلك، أو عَيَّن بالتفضيل واحداً معيناً، أو ولده، وما أشبه هذا، فهو على ما قال، لما ذكرنا. فكل هذا صحيح، وهو على ما شرط…"(1).
وهكذا نرى أن مذاهب الحنابلة هو وجوب اعتبار شرط الواقف ما لم يكن منافياً لمقتضى الوقف أو منهياً عنه شرعاً، وأن الشروط المباحة واجبة الاعتبار، فلا يلزم لصحة الاشتراطات كونها مستحبة.
ففي الإنصاف – تعليقاً على قول ابن قدامة: ويرجع إلى شرط الواقف في قسمة و… "ظاهر كلام المصنف وغيره أن الشرط المباح الذي لم
يظهر قصد القربة منه يجب اعتباره في كلام الواقف قال الحارثي: وهو
ظاهر كلام الأصحاب، والمعروف في المذهب الوجوب، قال: وهو الصحيح"(2).
هذا ولشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم تفصيل لشروط الواقفين، يختلف قليلاً عن ظاهر كلام جمهور فقهاء المذهب الحنبلي من حيث النظر إلى الشروط المباحة. فهما لا يريان وجوب الالتزام إلا بشرط مستحب شرعاً، انطلاقاً منهما من اعتبار القربة في أصل الوقف.
__________
(1) ... مجموعة المقنع والشرح الكبير والإنصاف 16/440 – 442.
(2) ... الإنصاف 16/442.(2/16)
يقول ابن تيمية "الأعمال المشروطة في الوقف من الأمور الدينية، مثل الوقف على الأئمة والمؤذنين والمشتغلين بالعلم والقرآن والحديث والفقه، ونحو ذلك، أو بالعبادة، أو بالجهاد في سبيل الله تنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: عمل يتقرب به إلى الله تعالى، وهو الواجبات والمستحبات التي رغب رسول الله @ فيها، وحض على تحصيلها. فمثل هذا الشرط يجب الوفاء به، ويقف استحقاق الوقف على حصوله في الجملة.
والثاني: عمل قد نهى رسول الله @ عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه فاشتراط مثل هذا العمل باطل باتفاق العلماء، لما قد استفاض عن رسول الله @ أنه خطب على منبره، فقال: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرطه أوثق.
ثم قال: ومن هذا الباب أن يكون المشترط ليس محرَّماً في نفسه، لكنه مناف لحصول المقصود المأمور به …
القسم الثالث: عمل ليس بمكروه في الشرع ولا مستحب، بل هو مباح مستوى الطرفين.
فهذا قال بعض العلماء بوجوب الوفاء به، والجمهور من العلماء من أهل المذاهب المشهورة وغيرهم على أنه شرط باطل، ولا يصح عندهم أن يشترط إلا ما كان قربة إلى الله تعالى، وذلك أن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلا لما فيه منفعته في الدين أو الدنيا، فما دام الرجل حياً فله أن يبذل ماله في تحصيل الأغراض المباحة لأنه ينتفع بذلك، فأما الميت فما بقي بعد الموت ينتفع من أعمال الأحياء إلا بعمل صالح قد أمر به، أو أعان عليه، أو قد أهدى إليه، ونحو ذلك.
فأما الأعمال التي ليست طاعة لله ورسوله فلا ينتفع بها الميت بحال.(2/17)
فإذا اشترط الموصي أو الواقف عملاً أو صفة لا ثواب فيها كان السعي في تحصيلها سعياً فيما لا ينتفع به في دنياه وآخرته، ومثل هذا لا يجوز وهو إنما مقصوده بالوقف التقرب إلى الله تعالى، والشارع أعلم من الواقفين بما يتقرب به إلى الله تعالى، فالواجب أن يعمل من شروطهم بما شرطه الله ورضيه في شروطهم …"(1).
ويأتي كلام شمس الدين ابن القيم مقرراً ومؤكداً لكلام شيخه في شروط الواقفين فيقول:
"إنما ينفذ من شروط الواقفين ما كان طاعة وللمكلف مصلحة، وأما إن كان بضد ذلك فلا حرمة له كشرط التعزب والترهب … وبالجملة فشروط الواقفين أربعة:
شروط محرمة في الشرع، وشروط مكروهة لله - سبحانه وتعالى -، وشروط تتضمن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله، وشروط تتضمن فعل ما هو أحب إلى الله ورسوله.
فالأقسام الثلاثة الأول لا حرمة لها ولا اعتبار، والقسم الرابع هو الشرط المتبع الواجب الاعتبار"(2).
تلك هي مذاهب الفقهاء في شروط الواقفين، وقبل أن نأتي على ختام البحث فيها، ومقارنتها، وتحديد مواضع الاتفاق ومواضع الاختلاف منها، لابد لنا من أن نعرج على مسألتين هما من متممات البحث في هذا الموضوع، بل هما من جملة مسائله، وهما:
بيان المراد بقول الفقهاء: "شرط الواقف كنص الشارع".
حق الواقف في تغيير الشروط.
أولاً: معنى قول الفقهاء: "شرط الواقف كنص الشارع".
كثيراً ما يذكر الفقهاء في كتبهم عند الكلام على شروط الواقفين هذه الجملة "شرط الواقف كنص الشارع".
وقد أثار هذا التشبيه لشرط الواقف بنص الشارع خلافاً بينهم في معنى هذا القول وفي المراد به.
فافترقت أقوالهم إلى ثلاثة:
أحدها: أن شرط الواقف كنص الشارع في وجوب اتباعه والعمل به.
__________
(1) ... الفتاوى 31/58 –63.
(2) ... إعلام الموقعين 3/96 –97.(2/18)
وممن نص على ذلك الخرشي من المالكية في شرحه على مختصر خليل، وصاحب مطالب أولي النهى من الحنابلة(1).
القول الثاني: أن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة، لا في وجوب العمل به واتباعه.
وممن نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وشمس الدين ابن القيم.
فقد قال ابن تيمية: "والمقصود إجراء الوقف على الشروط التي يقصدها الواقف، ولهذا قال الفقهاء: إن نصوصه كنصوص الشارع. يعني في الفهم الدلالة، فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة، كما يفهم مقصود الشارع"(2).
ويوضح رأيه أكثر عندما يقول: "ومن قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كالفاظ الشارع فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف، لا في وجوب العمل، أي أن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة، كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه، فكما يعرف العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع، فكذلك تعرف في الوقف من ألفاظ الواقف… وأما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العلم بها، فهذا كفر باتفاق المسلمين، إذ لا أحد يطاع في كل ما يؤمر به من البشر بعد رسول الله @ …"(3).
__________
(1) ... شرح الخرشي على مختصر خليل 7/92. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 4/312.
(2) ... الفتاوى 31/98.
(3) ... المرجع السابق 31/47 – 48.(2/19)
وقال ابن القيم: ".. وأما ما قد لهج به بعضهم من قوله. شروط الواقف كنصوص الشارع. فهذا قد يراد به معنى صحيح ومعنى باطل، فإن أريد أنها كنصوص الشارع في الفهم والدلالة، وتقييد مطلقها بمقيدها، وتقديم خاصها على عامها والأخذ فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذا حق من حيث الجملة. وإن أريد أنها كنصوص الشارع في وجوب مراعاتها والتزامها وتنفيذها، فهذا من أبطل الباطل، بل يبطل منها ما لم يكن طاعة الله ورسوله، وما غيره أحب إلى الله وأرضى له ولرسوله منه، وينفذ منها ما كان قربة وطاعة كما تقدم"(1).
القول الثالث: أن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة وفي وجوب إتباعه والعمل به.
وممن نص على ذلك صاحب الدر المختار من الحنفية حيث قال: "قولهم شرط الواقف كنص الشارع أي في المفهوم والدلالة ووجوب العمل به فيجب عليه خدمة وظيفة أو تركها إن لم يعمل، وإلا أثم، لاسيما فيما يلزم بتركها تعطيل"(2).
وهكذا يبدو للناظر في هذه الأقوال لأول وهلة أن هناك تبايناً في تفسير هذه الجملة بين القول الأول والقول الثاني، وحملها على معنيين مختلفين، ولكن إذا نظرنا إلى أحكام شروط الواقفين لدى الفقهاء، نجدهم جميعاً متفقين فيها على ما يضيق دائرة هذا الاختلاف حتى يكاد يكون لفظياً.
ذلك أن الفقهاء متفقون على أن شروط الواقفين منها ما هو صحيح، ومنها ما هو باطل، ولا يتصور من أحد من أهل العلم القول بوجوب العلم بالشرط الباطل مع علمه ببطلانه.
__________
(1) ... إعلام الموقعين 4/186 – 187.
(2) ... الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 3/575.(2/20)
وأيضاً فالفقهاء متفقون على أن مراد الواقفين إنما يفهم من كلامهم، وما تضمنته صيغة أوقافهم من اشتراطات، فهي نصوص لفظية تحتاج في معرفة المراد منها إلى القواعد التي تطبق على نصوص الشارع من حيث ترتيب دلالاتها وحمل عامها على خاصها ومطلقها على مقيدها، ونحو ذلك، فهذا القدر لا ينبغي أن يكون محل خلاف، وإن فرق بعض العلماء في بعض الحالات بين دلالة كلام الشارع ودلالة كلام سائر المتكلمين، إلا أن هذا في النزر اليسير.
وعلى هذا فالقول بأن شرط الواقف كنص الشارع في وجوب العمل به محمول على ما إذا استوفى شروط صحته، وعدم الموانع عند القائلين به وهذا المعنى لا يخالفهم فيه أحد.
ولا خلاف في أن شروط الواقفين كنصوص الشارع من حيث الفهم والدلالة في الجملة.
وبهذا يتبين أن القول الثالث هو الذي ينبغي أن تحمل عليه تلك الجملة، ويكون المقصود منها عدم الاجتهاد في التصرف في الوقف وغلته ونظارته بما يخالف تلك الشروط إذا كانت صحيحة، وأن تفهم دلالاتها كما تفهم دلالات نصوص الشارع.
ثانياً: حق الواقف في تغيير اشتراطاته في الوقف:
الأصل أن الوقف إذا صدر عن أهله مستجمعاً لشروط صحته ولزومه يكون لازماً، فلا يصح الرجوع فيه مطلقاً، ولا يجوز تغييره أو تبديله إلا لضرورة، أو مصلحة راجحة، على تفصيل عند أهل العلم.
ولزوم أصل الوقف يستتبع لزوم شروط الواقفين المعتبرة وثباتها واستقرارها. فلا يجوز لهم فيها تغيير أو تبديل، ولا الرجوع عنها، كما لا يجوز لهم تغيير أصل الوقف ولا الرجوع عنه.
هذا إذا أطلق الواقف الشروط، ولم يحتفظ لنفسه بحق التغيير.
لكن إذا اشترط الواقف عند إنشاء الوقف أن له حق تغيير ما اشترطه فيه، فهل يعتبر ذلك الشرط، ويثبت له حق التغيير والتبديل في المصرف أو في المستحقين، أو في الناظر وما يتعلق به، ونحو ذلك، أو لا يعتبر، ويكون ما اشترطه أولاً هو اللازم المعتبر؟.(2/21)
في هذا تفصيل لأهل العلم، وقد ظهر بحث ذلك في كتب فروع المذهب الحنفي أكثر من غيره، وقد عرفت هذه الشروط بالشروط العشرة. وهي:
الزيادة والنقصان، والإدخال والإخراج، والإعطاء والحرمان، والتغيير والتبديل، والإبدال والاستبدال.
ومنهم من يلحق بها التفضيل والتخصيص، ومنهم من جعلهما مكان الإبدال والاستبدال، باعتبار أنهما لا يتعلقان بتغيير مصارف الوقف، بل بتغيير عينه، ومنهم من جعل التخصيص والتفضيل مكان التغيير والتبديل(1).
وفي حين قال بعض الباحثين عن هذه الشروط العشرة أو الأثني عشر إنها ليست مترادفة الألفاظ، متحدة المعنى، بل هي مختلفة المعاني، لكلٍ منه مدلوله الخاص الذي يختلف عن مدلول الآخر(2).
يرى آخرون أنها مترادفة الألفاظ، متداخلة فيما بينها، وترجع كلها إلى شرطين اثنين فقط.
يقول الأستاذ الزرقاء: "ومن الواضح أن هذه الشروط، وإن عدوها عشرة أو اثني عشر من حيث اختلاف ألفاظها، هي من حيث المعنى أقل عدداً، للترادف والتداخل بين بعضها وبعض، وهذا الأسلوب في تعداد المترادفات المتكررة بلا فائدة إنما هو من عمل الموثقين كتاب الصكوك، وليس من عمل الفقهاء النظار، فإن الإعطاء والحرمان هو في معنى الإدخال والإخراج، وإن التفضيل والتخصيص عين الزيادة والنقصان، وكل هؤلاء يدخل في التغيير والتبديل، وإن التبديل عين التغيير، وكذا الإبدال يرادف الاستبدال، فكلها تؤول في المعنى إلى شرطين: تغيير الشروط، واستبدال الموقوف".
__________
(1) ... انظر أحكام الوقف للكبيسي 1/291 –292، ومحاضرات في الوقف لأبي زهرة ص 149.
(2) ... أحكام الأوقاف للعاني ص 29، نقلاً عن أحكام الوقف للكبيسي 1/292.(2/22)
وهذا القول له وجهه الواضح، وحجته البينة عند انفراده كل شرط من الشروط عما يوافقه في المعنى، ولكنك إذا نظرت إلى عبارات هذه الشروط عند اجتماعها لابد أن تجد بينها فرقاً قد يلحظه الواقف، ويقصده المتكلم، ولهذا قال الشيخ محمد بخيت المطيعي "إنها إذا أفردت جمعت، وإذا جمعت أفردت"(1).
ومن هنا لزم بيانها على أساس اجتماعها، ولنتكلم عن كل شرط منها وما يقابله فيما يلي:
أولاً: الزيادة والنقصان:
الزيادة أن يزيد الواقف في نصيب مستحق معين أو جهة معينة من المستحقين في الوقف. والنقصان بخلافه.
وقد تتلازم الزيادة والنقصان، وقد لا يتلازمان.
مثال تلازمهما: أن يقول وقفت أرضي على أن تكون غلتها موزعة جمعية الحرمين الخيرية بحصة الثلث وندوة الشباب الإسلامي بحصة السدس وهيئة الإغاثة الإسلامية بحصة النصف.
فإذا زاد في حصة ندوة الشباب الإسلامي مثلاً ورفعها إلى النصف ففي هذه الحالة لابد أن ينقص من حصتي جمعية الحرمين الخيرية وهيئة الإغاثة بقدر تلك الزيادة.
ومثال عدم تلازمهما: أن يذكر عند إنشاء الوقف مرتبات محددة من الغلة ألف ريال لجمعية الحرمين، وألف ريال لندوة الشباب الإسلامي، وألف ريال لهيئة الإغاثة، ثم يزيد في المرتبات المذكورة، أو في بعضها من أصل غلة الوقف، فقد لا يكون للزيادة أثر بالنقص من المرتبات الأخرى، وذلك فيما إذا كانت غلة الوقف تزيد عن المرتبات المقررة.
فإذا اشترط الواقف الزيادة أو النقصان أو كليهما جاز له ذلك.
وعند اشتراطه الزيادة والنقصان ليس له أن يحرم مستحقاً من كل استحقاق، لأنه لم يشترط حرمانه.
ثانياً: الإدخال والإخراج:
الإدخال أن يجعل من ليس مستحقاً في الوقف من أهل الاستحقاق.
والإخراج أن يجعل المستحق في الوقف غير موقوف عليه.
وقد اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الإدخال والإخراج.
__________
(1) ... محاضرات في الوقف لأبي زهرة ص 149.(2/23)
فذهب الحنفية إلى جوازه مطلقاً، فللواقف أن يشترط في وقفه إدخال أو إخراج من يشاء، فيجعل من كان من أهل الوقف ابتداء عنه، ومن كان خارجاً عنه داخلاً ومستحقاً فيه، دون أن يعلق ذلك بصفة في الموقوف عليهم(1).
وذهب الشافعية إلى عدم جواز اشتراط إدخال من شاء وإخراج من شاء على إطلاقه، لأن ذلك ينافي مقتضى الوقف.
جاء في المهذب للشيرازي "ولا يصح تعليقه على شرط مستقبل، لأنه عقد يبطل بالجهالة … ولا يصح بشرط الخيار، وبشرط أن يرجع فيه إذا شاء أو يبيعه أو يدخل فيه من شاء أو يخرج فيه من شاء، لأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يصح مع هذه الشروط(2).
وما ذكره بعض الباحثين المعاصرين من أن الشافعية أجازوا الإدخال والإخراج إذا كان مقيداً بصفة فيمن أريد إدخاله أو إخراجه، ومثل لذلك بقوله: كأن يقول: وقفت على أولادي على أن من تزوجت من بناتي فلا حق لها، أو على أن من استغنى من أولادي فلا حق له فيه(3).
ما ذكره هذا الباحث ليس من هذه المسالة وهي اشتراط الإدخال والإخراج لمن شاء في المستقبل، بل هي من قبيل تعليق الاستحقاق بصفة في المستحق ابتداء، وهذه لا خلاف في جواز اشتراطها، بخلاف مسألتنا.
أما الحنابلة فإنهم أجازوا اشتراط الإدخال والإخراج لمن شاء من المستحقين للوقوف دون غيرهم.
فإذا قال: وقفت على أولادي بشرط أن أدخل من أشاء منهم وأخرج من أشاء، صح الوقف والشرط، وجاز له إدخال من شاء منهم وإخراج من شاء.
وأما إذا اشترط إدخال من يشاء من غيرهم، فإنه لا يجوز، ويبطل معه الوقف.
__________
(1) ... الإسعاف ص 29، وأحكام الوقف لمحمد الكبيسي 1/294.
(2) ... المهذب مع تكملة شرح المجموع جـ 14/232.
(3) ... أحكام الوقف للكبيسي 1/294.(2/24)
ففي شرح منتهى الإرادات "ويرجع إلى شرط واقف في تقديم بعض أهله أي الوقف … ويرجع إلى شرطه في إخراج من شاء من أهل الوقف مطلقاً أو بصفة … ولا يصح شرط إدخال من شاء من غيرهم، كوقفت على أولادي، وأدخل من أشاء معهم. كشرط تغيير شرط، فلا يصح، وظاهره سواء شرط ذلك لنفسه أو للناظر بعده، لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف، فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع به، بخلاف إدخال من شاء منهم وإخراجه، لأنه ليس بإخراج للموقوف عليه من الوقف، وإنما علَّق لاستحقاق بصفة، فكأنه جعل له حقاً في الوقف إذا اتصف بإرادة إعطائه، ولم يجعل له حقاً إذا انتفت تلك الصفة فيه(1).
ثالثاً: الإعطاء والحرمان:
الإعطاء: هو إيثار بعض المستحقين بالعطاء من الغلة مدة معينة أو دائماً. والحرمان: أن يمنع الغلة عن بعض المستحقين مدة معينة أو دائماً. والفرق بين الإعطاء والحرمان وبين الإدخال والإخراج إذا اجتمعت في شرط الواقف هو أن الإعطاء والحرمان إنما يكون لمن هم من أهل الوقف والإدخال والإخراج، قد يكون لمن هم من أهل الوقف ابتداء، وقد يكون لغيرهم.
ولهذا فإن الحرمان لا يخرج الموقوف عليه من زمرة أهل الوقف، والإخراج يجعله ليس منهم(2).
والظاهر إن اشترط الإعطاء والحرمان مثل اشتراط الإدخال والإخراج في الحكم، فالقول بجوازه مشروط بأن لا يؤدي إلى الإخلال بأي شرط من شروط صحة أصل الوقف.
ولذا نرى الحنفية يمنعونه، بل يبطلون الوقف بسببه إذا أدى إلى صرف غلته كلها في غير جهة القربة، كمن وقف على أولاده وشرط أن يعطي من يشاء منهم، ويحرم من يشاء، ثم أعطى الغلة كلها للأغنياء ففي هذه الصورة يبطل الوقف عندهم(3).
رابعاً: التغيير والتبديل:
__________
(1) ... شرح منتهى الإرادات 2/502.
(2) ... محاضرات في الوقف لأبي زهرة ص 150.
(3) ... الإسعاف ص 108، وأحكام الوقف للكبيسي 1/299.(2/25)
قال الشيخ أبو زهرة: إذا ذكر هذان الشرطان مع غيرهما من الشروط العشرة فإنه يضيق تفسيرهما، وموضوعهما في هذه الحال هو التغيير في مصارف الوقف فيجعلها مرتبات بدل أن تكون حصصاً، أو على بعض من الموقوف عليه بدل أن تكون عامة … وإذا ذكر هذان الشرطان منفردين فإنهما يعمان عموماً شاملاً، فيشملان الإدخال والإخراج والزيادة والنقصان، والإعطاء والحرمان، والإبدال والاستبدال لأن كلمة التغيير تشمل كل تغيير في المصرف، وكلمة التبديل تشمل كل تبديل في الأعيان. وإذا ذكر هذان الشرطان مع الزيادة والنقصان مثلاً شملا ما عداه … وإذا ذكر التغيير وحده شمل التغيير في المصارف والأعيان الموقوفة، وإذا ذكر التبديل وحده شمل أيضاً التبديل في كل الأعيان الموقوفة وفي المصارف أيضاً(1).
هذا من حيث المعنى، أما الأحكام ففيها التفصيل الذي ذكر بعضه في بقية الشروط العشرة.
خامساً: الإبدال والاستبدلال:
الإبدال: إخراج العين الموقوفة عن جهة وقفها ببيعها. والاستبدال شراء عين أخرى تكون وقفاً بدلها. وعلى هذا يكون الإبدال والاستبدال في الواقع متلازمين، وهذا معنى كل منهما إذا ذكر الشرطان معاً، أما إذا أفرد أحدهما بالذكر فإنه يفسر بمعنى يجمعهما، فإذا ذكر الإبدال وحده، يكون المعنى بيع العين الموقوفة وشراء أخرى لتحل محلها، وكذلك الحال في الاستبدال إذا ذكر وحده(2).
ولاستبدال الوقف أحكام وشروط، وللعلماء فيه مذاهب مفصلة في غير هذا الموضع، وهو من أهم مباحث الوقف.
سادساً: التفضيل والتخصيص:
لا يخرجان في معناهما عن الإعطاء والحرمان، وعن الزيادة والنقصان وقد سبق بيان أحكامها.
تلك هي معاني الشروط العشرة التي يذكرها الموثقون في صكوك الوقف وعني بإفراد البحث فيها متأخروا فقهاء الحنفية.
__________
(1) ... محاضرات في الوقف ص 152، 153.
(2) ... المرجع السابق.(2/26)
وبقي لنا من بحثها ذكر قواعد عامة تحكم العمل بهذه الشروط أوردها الفقهاء والباحثون وبخاصة المتأخرين منهم(1). وتلك القواعد هي:
القاعدة الأولى: أن هذه الشروط يجب النص عليها عند إنشاء الوقف فهي ملحقة به، وتعد جزءاً منه، فإن لم يشترطها عند إنشائه فإنها لا تثبت مطلقاً.
القاعدة الثانية: أن هذه الشروط تثبت للواقف إذا اشترطها لنفسه وتثبت للناظر أيضاً إذا اشترطها الواقف له. أما إذا لم يشترطها الواقف للناظر فإنه لا يثبت له شيء منها.
وهل إذا اشترطها الواقف للناظر ولم يشترطها لنفسه تثبت للواقف أو لا؟
مذهب الحنفية أنها تثبت للواقف ضمناً عند اشتراطها للناظر، لأن الناظر يستمد الولاية منه وهو وكيله عندهم أو صيه، ولا يمكن أن يثبت للوكيل ما لم يثبت للأصيل.
القاعدة الثالثة: أن من شرطت له هذه الشروط لا يحق له فعلها إلا مرة واحدة، إلا إذا نص على التكرار مرة بعد أخرى، وهل العبرة بالفعل في إيقاعه مرة واحدة ولو في بعض المستحقين أو العبرة بعدد المستحقين، فلا يعتبر الفعل متكرراً إذا طبقه في كل واحد منهم مرة واحدة.
الظاهر أن العبرة بالمعنى الثاني، فلا يعد مكرراً للشرط إلا إذا كان قد فعله أكثر من مرة في كل واحد من المستحقين على حدة، أو في كل صنف من المستحقين على حدة، فيكون متكرراً فيمن نفذه في حقه، ولا يعد تنفيذه في غيره تكراراً.
القاعدة الرابعة: أن هذه الشروط العشرة ليست لازمة، بل هي قابلة للإسقاط لأنها حقوق مجردة، وليست مقتضيات شرعية، فإذا اشترط الواقف حق الزيادة والنقص، أو حق الإعطاء والحرمان ونحوها فله أن يسقط ذلك، ويقول: أسقطت أو أبطلت ما اشترطته من كذا. فيسقط ويبقى الوقف على حاله بدون ذلك الشرط(2).
خاتمة البحث
__________
(1) ... محاضرات في الوقف لأبي زهرة ص 154 – 157، و أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية للكبيسي 1/301 – 303.
(2) ... الإسعاف ص 106، وأحكام الوقف للكبيسي 302، والوقف لأبي زهرة ص 155.(2/27)
من خلال العرض السابق لشروط الواقفين حقيقتها وأقسامها، ومذاهب الفقهاء في أحكامها، وفي فهمها ودلالتها، وكيفية أخذ المعاني والمقاصد، يمكن أن نستخلص النتائج التالية:
1 – أن شروط الواقفين هي ما يقيد به الواقفون التصرف في أوقافهم من حيث إبقاؤها واستبدالها، وحفظها والإنفاق عليها، وجهات صرف غلاتها وريعها، وكيفية توزيع استحقاقات المستحقين لها، والولاية عليها وإدارة شؤونها، وكل ما يتعلق بها.
2 – أن تلك الشروط منقسمة إلى ما يتعلق بالموقوف، وإلى ما يتعلق بالموقوف عليه، وإلى ما يتعلق بالنظر والولاية.
3 – وأن تلك الشروط أيضاً تنقسم من حيث أثرها على صيغة الوقف إلى قسمين أساسيين:
قسم يبل معه الوقف، فلا ينعقد وقفاً، بل يبقى ملكاً لصاحبه.
وقسم لا يبطل معه الوقف، وإن بطل الشرط في حد ذاته.
4 – أن شروط الواقفين تنقسم من حيث الحكم عليها بإجماع العلماء إلى صحيحة، وباطلة.
5 – أن الشروط الصحيحة واجبة لاعتبار، لا يجوز مخالفتها إلا لضرورة بإجماع الفقهاء، أو لمصلحة راجحة للوقف أو للمستحقين عند بعض العلماء.
6 – أن الفقهاء متفقون على قاعدة عامة في أحكام شروط الواقفين هي أن ما لم يناف مقتضى الوقف منها، ولم يكن منهياً عنه، أو مخالفاً لقاعدة من قواعد الشرع، وفيه مصلحة للوقف أو للمستحقين فإنه يكون جائزاً وصحيحاً يلزم الأخذ به، ولا تجوز مخالفته إلا لضرورة أو مصلحة راجحة.
7 – أن الاختلاف الظاهر بين كل مذهب من المذاهب الأربعة وبين غيره من تلك المذاهب، أو بين فقهاء المذهب الواحد. وتباين آرائهم في شروط الواقفين توسيعاً في تصحيحها وتضييقاً، إنما هو اختلاف في تحقيق المناط، وهو تطبيق القاعدة المذكورة أنفاً على ما يشترطه الواقفون في الواقع.
فقد يرى مذهب أو فقيه أن شرطاً من الشروط صحيح لأنه غير منهي عنه، ولا يخالف قاعدة من قواعد الشرع الثابتة، ويراه المذهب الأخر غير صحيح لكونه منهياً عنه، ومخالفاً لقاعدة شرعية.(2/28)
فمثلاً: اشتراط إخراج البنات من الوقف مطلقاً أو إذا تزوجن فيما إذا كان الوقف على الأولاد.
هذا الشرط يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة جوازه وصحته ولزوم الأخذ به. لعدم النهي عنه في حد ذاته، ولعدم تعارضه مع قاعدة الميراث. في حين أن المالكية في الراجح من مذهبهم ومعهم بعض الفقهاء من المذاهب الأخرى يرون بطلانه وبطلان الوقف، وبعضهم يرى بطلان هذا الشرط وحده وصحة الوقف. لأنه شرط مخالف للنهي عن التفريق بين الأبناء في الأعطيات، ومخالف للقاعدة الشرعية في المواريث. ومثل ذلك اشتراط إخراج الزوجات في حالة زواجهن.
وهكذا سائر الفروع والصور المختلف في صحة الشروط فيها.
8 – أن لاعتبار القربة في أصل الوقف أثراً على شروط الواقفين جوازاً ومنعاً، صحة وبطلاناً عند بعض الفقهاء.
فالحنفية – مع توسعهم الكبير في شروط الواقفين – يولون القربة في الوقف اهتماماً بالغاً حتى إنهم ليبطلون الوقف إذا آل به الشرط لإعطاء الأغنياء وحدهم دون الفقراء. كمن وقف على أولاده واحتفظ لنفسه بحق إعطاء من شاء وحرمان من شاء ثم أعطى الغلة كلها للأغنياء فإن الوقف يبطل عندهم بسبب ذلك.
وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لا يعتبران أي شرط من شروط الواقفين إذا لم يكن مستحباً.
ويريان أن ما لم يكن قربة ومستحباً فإنه لا يحقق مقصود الواقف من وقفه الذي هو التقرب به إلى الله، وإذا لم يحقق المقصود فإنه عندئذ يكون مخالفاً لقاعدة عامة في الشرع. ولهذا فاشتراطهما القربة مندرج تحت القاعدة العامة في تصحيح شروط الواقفين، مع اختلاف في تحقيق المناطق كما أسلفنا.
9 – أن شروط الواقفين هي المحور الذي تنطلق منه جميع التصرفات والأعمال المتعلقة بالوقف فلابد من فهم معانيها ومقاصد الواقفين منها، بواسطة القواعد اللغوية والأصولية الموضوعة للتوصل بها لمعرفة دلالات الألفاظ واستخراج الأحكام منها، كما هو الحال في النصوص الشرعية.(2/29)
وكذلك يلزم اتباع تلك الشروط ولا تجوز مخالفتها متى ما كانت صحيحة ومعتبرة شرعاً. وهذا هو المراد من قول الفقهاء "شروط الواقف كنصوص الشارع: وأن ما اشتهر من إنكار ابن تيمية وابن القيم للقول بأن المراد مشابهتها في وجوب العمل بها، ذلك الإنكار إنما هو على ما يوهمه ظاهر العبارة من وجوب العمل بكل ما يصدر عن الواقفين من شروط مطلقاً.
10– أن ما ذكر في هذا البحث إنما هو بمثابة القواعد الكلية والضوابط العامة للحكم على شروط الواقفين، أما تفاصيل الفروع والجزئيات، فأمر لا يدخل تحت حصر، وقد ذكر الفقهاء في المدونات الفقهية كثيراً من تلك الفروع والصور والجزئيات، وكل ما ذكروه إنما هو أيضاً على سبيل المثال لا الحصر.
ذكر بعض الفقهاء أنه إذا جهل شرط الواقف، بأن قامت بينة بالوقف دون شرطه، عمل بعادةٍ جاريةٍ ثم بعرفٍ، لأن العادة المستمرة والعرف المستقر في الوقف يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الاستفاضة، ثم إن لم تكن عادة ولا عرف ببلد الواقف، كمن ببادية فيساوى بين المستحقين لثبوت الشركة دون التفضيل(1).
والله أعلم وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم…
قائمة المصادر والمراجع
أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية. د. محمد عبيد عبدالله الكبيسي، مطبعة الإرشاد، بغداد، عام 1397هـ، 1977م. ... (1)
تيسير الوقوف على غوامض أحكام الوقف. لعبداللطيف المناوي، نشر مكتبة نزار الباز، الطبعة الأولى، عام 1418هـ. ... (2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، عام 1388هـ، 1968م. ... (3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، نشر دار الفكر. ... (4)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي الحنبلي، مطبوع مع المقنع والشرح الكبير، تحقيق د. عبدالله التركي، الطبعة الأولى عام 1415هـ. ... (5)
__________
(1) ... شرح منتهى الإرادات 2/503.(2/30)
شرح الخرشي على مختصر خليل، المطبعة الأميرية عام 1317هـ. ... (6)
حاشية ابن عابدين، "رد المحتار على الدر المختار" نشر دار الفكر، الطبعة الثانية، عام 1386هـ، 1966م. ... (7)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار، مطبوع مع حاشية ابن عابدين. ... (8)
الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي. ... (9)
الشرح الكبير على المقنع، لشمس الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن قدامة المقدسي، مطبوع مع المقنع والإنصاف. ... (10)
شرح منتهى الإرادات، للشيخ منصور البهوتي الحنبلي. نشر دار الفكر. ... (11)
فتح القدير شرح الهداية، لابن الهمام الحنفي، طبع ونشر مكتبة مصطفى الحلبي، عام 1389هـ، 1970م. ... (12)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم، طبع عام 1398هـ. ... (13)
محاضرات في الوقف، للشيخ محمد أبي زهرة. نشر دار الفكر العربي، الطبعة الثانية، عام 1971م. ... (14)
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى. لمصطفى السيوطي الرحيباني، نشر المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الأولى، عام 1961م. ... (15)
المغني. لابن قدامة. تحقيق، د. عبدالله التركي و د. عبدالفتاح الحلو، الطبعة الأولى، عام 1409هـ. ... (16)
مغني المحتاج شرح المنهاج، للخطيب الشربيني، طبع ونشر مكتبة ومطبعة، مصطفى الحلبي، عام 1377هـ، 1958م. ... (17)
المقنع، لموفق الدين ابن قدامة. مطبوع مع الشرح الكبير والإنصاف، بتحقيق د. عبدالله التركي، الطبعة الأولى، عام 1415هـ. ... (18)
منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، للفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار، مطبوع مع شرحه لمنصور البهوتي. ... (19)
الموافقات، للشاطبي، نشر دار المعرفة، بيروت، طبعة مصورة بتعليقات عبدالله دراز. ... (20)
المهذب، للشيخ أبي إسحاق الشيرازي الشافعي، مطبوع مع شرحه المجموع بتكملة الشيخ محمد نجيب المطبعي، نشر دار الإرشاد، جدة. ... (21)(2/31)
الوقف في الشريعة والقانون، لزهدي يكن، نشر دار النهضة العربية، عام 1388هـ. ... (22)
صفحة رقم (204)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة(2/32)
مشروعية الوقف ومذاهب العلماء فيه
إعداد
فضيلة الدكتور/ حسين بن عبد الله العبيدي
صفحة رقم (108)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
مشروعية الوقف
ومذاهب العلماء فيه
المقدمة:
الحمد لله الذي من على المسلمين بفتح أعمال الخير أمامهم، وجعل لهم من القرب ما يستمر ثوابها ولا ينقطع بالموت رفعه في درجاتهم، فله الفضل والمنة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين الذي ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلا حذرهم منه نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فان الوقف من الأمور التي قررتها الشريعة واختص به المسلمون كما قال الإمام الشافعي ~: «لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام»(1) ولا شك أن الوقف من القرب التي يتقرب بها إلى الله - سبحانه وتعالى - حتى يبقى ثوابها ولا ينقطع حتى بعد الممات ولما فيه من المنفعة للواقف في الدنيا والآخرة في حياته وبعد مماته، ومن المنفعة للموقوف عليهم وتفريج كرباتهم ودفع حاجاتهم لذا جاء الحث على الوقف وأنه أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه جل وعلا، ومن هنا كان الاهتمام بالأوقاف وكتابة البحوث عنها من الأمور المهمة تجلية لأحكام هذه القربة وحثاً لمن آتاه الله خيراً أن ينفع نفسه وإخوانه بالأوقاف ولذا أوجدت دولتنا ـ وفقها الله لكل خير ـ وزارة من أعمالها متابعة الأوقاف والبحث عنها وتنميتها وتولي شؤونها وذلك بالبحوث وعقد الندوات حولها.
ومن هنا جاءت المساهمة في الكتابة حول الموضوع بعنوان «مشروعية الوقف ومذاهب العلماء فيه» لبيان مشروعية الوقف وإيضاح مذاهب الفقهاء في مشروعيته مع ذكر الأدلة وبيان الرأي الراجح الذي يعضده الدليل.
__________
(1) ... تهذيب الأسماء واللغات: 3/194، بجيرمي على الخطيب: 3/242، حاشية الشرقاوي: 2/172، نهاية المحتاج: 5/359.(3/1)
لذا سأتكلم في هذا البحث عن مسألة من مسائل كتاب الوقف الكثير وهي: «مشروعية الوقف ومذاهب العلماء فيه» لأهمية هذه المسألة إذ هي المدخل للأوقاف والتنافس فيها، وهي بمثابة الفاتحة لأحكامه الأخرى.
لذا تناولت المسألة المذكورة وكتبت عنها بالتفصيل وذلك ضمن المنهج الآتي:
1 – تم إيضاح حكم المسألة في ضوء مذاهب الأئمة الأربعة مع توثيق الأقوال من كتب المذاهب الأصيلة المعتمدة.
2 – أتبعت الأقوال بالأدلة مقدماً الأدلة النصية على الأدلة العقلية.
3 – ذكرت المناقشة التي أوردها أصحاب كل قول على أدلة القول الآخر وأجبت عن تلك المناقشات.
4 – ذكرت القول الراجح ووجه الترجيح.
5 – رقمت الآيات التي وردت في البحث بذكر رقم الآية والسورة التي وردت فيها.
6 – خرجت الأحاديث والآثار من كتبها المعتمدة، فان كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به ولم أذكر من خرجه سواهما لما للصحيحين من مزية.
7 – ترجمت للأعلام غير المشهورين الذين مر ذكرهم في البحث.
8 – ختمت البحث بخاتمة بينت فيها خلاصة موجزة للمسألة المبحوثة.
9 – ذكرت فهارس للموضوع تفيد من أراد الرجوع إلى جزئية منه، وهي: فهرس للآيات, وفهرس للأحاديث, والآثار, وفهرس للأعلام, وفهرس للمراجع, وفهرس للموضوعات.
خطة البحث:
ذكرت تمهيداً تضمن معنى الوقف في اللغة والاصطلاح ثم تكلمت عن مشروعية الوقف وبينت خلاف الفقهاء فيه، ثم تكلمت عن مسألة لزومه من عدمه.
وفي النهاية ذكرت خاتمة تضمنت خلاصة عن الموضوع مبيناً فيها ما توصلت إليه في تلك المسألة المبحوثة.
وفي الختام أسأل الله أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، إنه خير مسؤول وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تمهيد لبيان معنى الوقف في اللغة والاصطلاح
أولاً: التعريف اللغوي:
الوقف بفتح فسكون مصدر وقف الشيء وأوقفه، يقال: وقف الشيء(3/2)
وأوقفه وقفاً أي حبسه، ومنه وقف داره أو أرضه على الفقراء لأنه يحبس الملك عليهم، قال ابن فارس(1): «الواو والقاف والفاء أصل واحد يدل على تمكث في الشيء يقاس عليه»(2) ومن هذا الأصل المقيس عليه يؤخذ الوقف فإنه ماكث الأصل.
فالوقف لغة الحبس، والوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، يقال: وقف وقفاً أي: حبسه، ويقال: وقفت الدار وقفاً أي: حبستها في سبيل الله، وشيء موقوف، والجمع وقوف وأوقاف مثل ثوب وأثواب ووقت وأوقات ووقفت الرجل عن الشيء وقفاً منعته عنه، وسمى الموقوف وقفاً لأن العين موقوفة، وحبساً لأن العين محبوسة.
والفصيح أن يقال: وقفت كذا ـ بدون الألف ـ ولا يقال: أوقفت ـ بالألف ـ إلا في لغة رديئة (3).
ثانياً: التعريف الاصطلاحي:
تعددت تعريفات الفقهاء للوقف نظراً لاختلافهم في العين الموقوفة هل تنتقل إلى ملك الموقوف عليه أو إلى ملك الله تعالى، أو تبقى على ملك الواقف؟
ولن أطيل في هذه المسألة، لذا أذكر تعريفاً واحداً هو أجمعها، لذكره
__________
(1) ... هو: أحمد بن فارس بن زكريا القزويني المعروف بالرازي أبو الحسين ابن فارس أحد علماء اللغة كان نحوياً على طريقة الكوفيين من تصانيفه المجمل في اللغة وغيره مات بالري سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. بغية الوعاة: 1/352.
(2) ... معجم مقاييس اللغة: 6/135.
(3) ... لسان العرب: 9/359، الصحاح: 4/1440، معجم مقاييس اللغة: 6/135، تهذيب الأسماء واللغات: 3/194، المصباح المنير: 2/669، القاموس المحيط: 3/205، المطلع على أبواب المقنع ص 285، طلبة الطلبة ص 219، المغرب ص 491، أنيس الفقهاء ص 197، شرح حدود ابن عرفة: 2/539.(3/3)
معنى الوقف وشرط الواقف، وهو: تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف المالك وغيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى (1).
ومعنى التعريف: أن يحبس المالك أو وكيله إذا كان جائز التصرف أي: حراً مكلفاً رشيداً ـ ماله الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عين الوقف، أي: إمساك المال عن أسباب التملكات بقطع تصرف مالك أو غيره في رقبته بشيء من التصرفات، يصرف غلته وثمرته ونحوها بسبب تحبيسه إلى جهة بر يعينها الواقف، وهذا معنى قول الفقهاء في تعريف الوقف: إنه تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة أو الثمرة.
ومعنى قوله في التعريف «تقرباً إلى الله» أي: أن ينوي به القربة، ولعل ذلك القيد لترتب الثواب عليه لا لصحته ولزومه، فقد يقف الإنسان وقفاً لا يقصد به القربة ومع ذلك يكون لازماً لا ثواب فيه كمن وقف بقصد الرياء، أو خوفاً من الحجر عليه وبيع ماله ونحو ذلك فإنه يكون وقفاً لازماً ولا ثواب فيه لأنه لم يبتغ به وجه الله تعالى، أو أن هذا القيد لبيان أصل مشروعية الوقف.
مشروعية الوقف ومذاهب العلماء فيه
لا خلاف بين الأئمة الأربعة في مشروعية الوقف، وأنه مسنون، ومن القرب المندوب إليها بل إن أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بسنية الوقف وأنه من أحسن ما تقرب به إلى الله تعالى لأنه صدقة دائمة ثابتة(2).
__________
(1) ... المبدع: 5/313، كشاف القناع: 4/240، 141، شرح منتهى الإرادات: 2/489، 490، مطالب أولي النهي: 4/270، 271، المطلع ص 285، حاشية ابن قاسم على الروض المربع: 5/531.
(2) ... المبسوط: 12/27، فتح القدير: 5/419، شرح الخرشي: 7/79، الكافي لابن عبدالبر: 2/1012، مواهب الجليل: 6/18، الحاوي الكبير: 9/368، تكملة المجموع: 15/323، حلية العلماء: 2/763، المغني: 8/184، شرح منتهى الارادات: 2/489، الاختيار لتعليل المختار: 4/40، مطالب أولي النهي: 4/271.(3/4)
قال جابر >: لم يكن أحد من أصحاب النبي @ ذا مقدرة إلا وقف وقفا(1) وقال الشافعي ~: بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات يعني أوقافاً(2).
وقد نقل ابن هبيرة(3) الاتفاق على جواز الوقف (4). والعمل عليه عند أهل العلم كما نقل ذلك الترمذي (5)~ حيث قال: «والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي @ وغيرهم لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك»(6).
__________
(1) ... هذا الأثر ذكره عن جابر > ابن قدامة في المغني: 8/186 والخطيب الشربيني في مغني المحتاج: 2/376، ولم أقف على من خرجه في كتب الأثار حسب ما اطلعت عليه من المراجع.
(2) ... مغني المحتاج: 2/376.
(3) ... هو: عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد ابن هبيرة الشيباني وزير المقتضى وابنه، ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة، تفقه على مذهب الإمام أحمد، ألف كتابه الإفصاح عن معاني الصحاح ذكر فيه اتفاقات الأئمة، مات سنة ستين وخمسمائة. شذرات الذهب: 4/191، 195.
(4) ... الافصاح: 2/52.
(5) ... هو: محمد بن عيسى بن سورة أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع أحد الأئمة الثقات متفق على إمامته وجلالته، مات سنة تسع وسبعين ومائتين، وهو من أبناء السبعين. ميزان الاعتدال: 3/678.
(6) ... سنن الترمذي: 3/660. ...(3/5)
وقال الشوكاني(1)~: «اعلم أن ثبوت الوقف في هذه الشريعة وثبوت كونه قربة أظهر من شمس النهار»(2) مما يدل على اتفاق عامة أهل العلم على جواز الوقف ومشروعيته، وقال النووي(3) ~ تعليقاً على حديث عمر > حينما وقف أرضه: «وفي هذا الحديث دليل على صحة أصل الوقف، وأنه مخالف لشوائب الجاهلية، وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير، ويدل عليه أيضاً إجماع المسلمين على صحة وقف المساجد والسقايات»(4).
وقال ابن نجيم(5):«والحاصل أنه لا خلاف في صحته، وإنما الخلاف في لزومه»(6).
ولم يرَ شريح (7) ~ الوقف (8) وهو منقول أيضاً رواية عن
__________
(1) ... هو: أبو عبدالله محمد بن علي الشوكاني الصنعاني، ولد سنة ألف ومائة وثلاث وسبعين، وهو أحد المكثرين من التأليف في شتى العلوم، توفي سنة ألف ومائتين وخمسين. هدية العارفين: 2/365.
(2) ... السيل الجرار: 3/313. ...
(3) ... هو: يحيى بن شرف بن مري النووي الدمشقي الشافعي، محيي الدين أبو زكريا: فقيه لغوي محدث، ولد بنوى سنة إحدى وثلاثين وستمائة، مات بنوى سنة سبع وسبعين وستمائة. طبقات الشافعية الكبرى: 8/395 ـ 396، تذكرة الحفاظ: 4/250. ...
(4) ... شرح النووي لصحيح مسلم: 11/86. ...
(5) ... هو: زين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم، فقيه حنفي، أحد المحققين في مذهب الحنفية، صنف كتباً كثيرة في المذهب منها البحر الرائق شرح كنز الدقائق وغيره، توفي سنة سبعين وتسعمائة. شذرات الذهب: 8/358.
(6) ... البحر الرائق: 5/209.
(7) ... هو: شريح بن الحارث بن قيس بن معاوية الكندي – أبو أمية الكوفي – القاضي المشهور، كان في زمن النبي @ ولم يسمع منه، استقضاه عمر على الكوفة وأقره علي، مات سنة ثمان وسبعين من الهجرة. تذكرة الحفاظ: 1/59، تهذيب التهذيب: 4/327، 328.
(8) ... المغني: 8/185، بدائع الصنائع: 6/219، الحاوي الكبير: 9/369، المحلى: 9/17.(3/6)
أبي حنيفة ~(1).
الأدلة
أولاً: استدل القائلون بمشروعية الوقف بالسنة والأثر والإجماع وبيان ذلك على النحو الآتي:
الدليل الأول: فعل النبي @ للوقف كما في حديث عمرو بن الحارث(2)> قال: «ما ترك رسول الله @ ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة»(3) فالنبي @ تصدق بمنفعة الأرض فصار حكمها حكم الوقف(4).
__________
(1) ... هذه الرواية ذكرت عن الإمام أبي حنيفة ~ ونقلها عنه معظم أتباعه كما في فتح القدير: 5/419، المبسوط: 12/27، تبيين الحقائق: 3/325، حاشية ابن عابدين: 4/338، لكنهم ذكروا أن الأصح عنده الجواز إلا أنه لا يلزم عنده فهو بمنزلة العارية حتى يجوز له أن يرجع فيه أي وقت شاء ويورث عنه إذا مات كما سيأتي بيانه ـ إن شاء الله ـ. قال السرخسي في المبسوط: 12/27: «وظن بعض أصحابنا رحمهم الله أنه غير جائز على قول أبي حنيفة وإليه يشير في ظاهر الرواية فنقول: أما أبو حنيفة فكان لا يجيز ذلك ومراده أن لا يجعله لازما، فأما أصل الجواز ثابت عنده …» الخ وكذا قال ابن عابدين في حاشيته: 4:338: والصحيح أنه جائز عند الكل وإنما الخلاف بينهما في اللزوم وعدمه. وسيأتي.
فتبين بهذا أن الأصح عند الإمام أبي حنيفة جواز الوقف ومشروعيته في الأصل فهو بهذا يوافق عامة أهل العلم من السلف والخلف.
(2) ... عمرو بن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي المصطلقي أخو أم المؤمنين جويرية بنت الحارث. الإصابة: 4/292.
(3) ... أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له في كتاب المغازي برقم 4461، صحيح البخاري مع فتح الباري: 8/148.
(4) ... فتح الباري: 5/360.(3/7)
الدليل الثاني: حديث ابن عمر { أن عمر بن الخطاب > أصاب أرضا بخيبر(1) فأتى النبي @ يستأمره فيها فقال: يارسول الله: إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول». وفي لفظ أن عمر قال: يارسول الله: إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي @: «تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به»(2).
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على صحة أصل الوقف مما يدل على مشروعيته وفضله، وأنه من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه تبارك وتعالى لأنه صدقة دائمة ثابتة.
الدليل الثالث: ما روى أبو هريرة > أن رسول الله @ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(3).
__________
(1) ... هذه الأرض يقال لها «ثمغ» بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة وقد ورد التصريح باسمها في رواية البخاري كما في صحيحه في الحديث رقم 2764.
(2) ... الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له في كتاب الوصايا، باب وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته برقم 2764، صحيح البخاري مع فتح الباري: 5/392 وبنحوه مسلم في صحيحه، باب الوقف برقم 1632، صحيح مسلم بشرح النووي: 6/96.
(3) ... أخرجه مسلم في صحيحه برقم: 1631 في كتاب الوصية باب ما يلحق الانسان من الثواب بعد وفاته، صحيح مسلم بشرح النووي: 6/95.(3/8)
ففي هذا الحديث دلالة على انقطاع عمل الإنسان وتجدد الثواب له بموته إلا في هذه الأشياء الثلاثة فإن أجرها لا ينقطع ومنها: الصدقة الجارية وهي محمولة عند العلماء على الوقف فإن غيره من الصدقات ليست جارية بل يملك المتصدق عليه أعيانها مما يدل على فضله ومشروعيته وأنه من أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله - سبحانه وتعالى -(1).
الدليل الرابع: حديث أنس بن مالك > قال: كان أبو طلحة
أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء(2)
مستقبلة المسجد، وكان النبي @ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب،
قال أنس: فلما نزلت: { صدق الله العظيم - - } - قرآن كريم ( - - - - جل جلاله - - - { - ( - ( - - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( { (( - ( - - - - ( تم بحمد الله - - قرآن كريم - تمهيد (- رضي الله عنه -( تم بحمد الله } [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة فقال: يارسول الله إن الله يقول: { صدق الله العظيم - - } - قرآن كريم ( - - - - جل جلاله - - - { - ( - ( - - - - (( - - مقدمة } - قرآن كريم ( { (( - ( - - - - ( تم بحمد الله - - قرآن كريم - تمهيد (- رضي الله عنه -( تم بحمد الله } [آل عمران: 92]، وإن أحب أموالي إلى بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك
__________
(1) ... شرح النووي لصحيح مسلم: 6/95، نيل الأوطار: 6/130.
(2) ... قال ابن الأثير ~: هذه اللفظة كثيراً ما تختلف ألفاظ المحدثين فيها فيقولون: بيرحاء بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمد فيهما وبفتحهما والقصر وهي اسم مال وموضح بالمدينة، وقال الزمخشري في الفائق: 1/84 أنها فيعلى من البراح وهي الأرض المنكشفة الظاهرة. وفيها كلام غير هذا ينظر: النهاية 1/114، فتح الباري: 5/397، نيل الأوطار: 6/135.(3/9)
الله …» الحديث (1).
والحجة في هذا الحديث ظاهرة على مشروعية الوقف وفضله فان أبا طلحة > لما سمع الآية رغب في وقف أحب أمواله إليه وأقره النبي @ بل أعجب بفعله وعظم أمره(2).
__________
(1) ... الحديث متفق عليه خرجه البخاري في صحيحه واللفظ له في كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة برقم: 2769، صحيح البخاري مع فتح الباري: 5/396، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين برقم 998، صحيح مسلم بشرح النووي: 4/91.
(2) ... نيل الأوطار: 6/137، فتح الباري: 5/398.(3/10)
الدليل الخامس: أن كثيراً من الصحابة } وقفوا بعض أموالهم، وأقرهم النبي @ على فعلهم، ومن ذلك أن خالد بن الوليد > وقف أدرعه وأعتاده في سبيل الله كما قال النبي @ «… وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فقد احتبس أدرعه وأعتاده(1) في سبيل الله…» الحديث(2) أي أحبسها ووقفها في سبيل الله وفي هذا دلالة على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح، ومن ذلك أيضاً أن أنسا > وقف داراً(3) وتصدق الزبير > بدوره(4)، ومنها أن عثمان بن عفان > اشترى بئر رومه(5) وجعلها وقفاً للمسلمين يشربون منها الماء(6) وغير ذلك من أوقاف الصحابة(7)}، مما يدل على اتفاقهم على جواز الوقف ومشروعيته وأنه من
__________
(1) ... الأعتاد جمع قلة للعتاد، وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب. النهاية في غريب الحديث: 3/176.
(2) ... الحديث متفق عليه خرجه البخاري في صحيحه واللفظ له في كتاب الزكاة برقم: 1468، صحيح البخاري مع فتح الباري: 3/331، ومسلم في صحيحه كتاب الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، برقم: 983، صحيح مسلم مع شرح النووي: 4/63.
(3) ... البيهقي في سننه، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرمات: 6/161.
(4) ... رواه البيهقي في سننه، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرمات: 6/161، وابن حزم في المحلى: 9/180، وابن أبي شيبة في المصنف برقم: 974، كتاب البيوع والأقضية، باب من كان يرى أن يوقف الدار والمسكن: 6/251.
(5) ... بضم الراء اسم لبئر كانت بالمدينة اشتراها عثمان > وسبلها. النهاية في غريب الحديث: 2/279.
(6) ... رواه النسائي في سننه، كتاب الأحباس، باب وقف المساجد: 6/233، والترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب في مناقب عثمان بن عفان > برقم 3699: 5/584، والدارقطني في سننه، باب وقف المساجد والسقايات: 4/195، والبيهقي في سننه، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرمات: 6/161.
(7) ... لمزيد من الإطلاع على أوقاف الصحابة } ينظر سنن البيهقي: 6/161، والمحلى: 9/180.(3/11)
أفضل القرب، ولذلك قال جابر >: «لم يكن أحد من أصحاب النبي @ ذا مقدرة إلا وقف وقفاً»(1) مما يدل على إجماعهم على ذلك بلا خلاف عندهم(2).
ثانياً: استدل القائلون بعدم مشروعية الوقف بما يأتي:
الدليل الأول: ما ورد عن ابن عباس { أنه قال لما نزلت الفرائض في سورة النساء قال رسول الله @: «لا حبس بعد سورة النساء» وفي لفظ أنه قال: «لا حبس عن فرائض الله»(3) والمعنى أنه لا مال يحبس بعد موت صاحبه عن القسمة بين ورثته، وفي الوقف حبس عن فرائض الله عزوجل فيكون منفياً شرعاً(4).
الدليل الثاني: ما ورد عن شريح أنه قال: جاء محمد @ بإطلاق الحبس(5) أي جاء بمنع الأحباس وهي الأوقاف فلا مال يحبس عن أهله(6).
المناقشة والترجيح
... تناقش أدلة القائلين بعدم مشروعية الوقف بما يأتي:
1 – استدلالهم بحديث ابن عباس { «لا حبس بعد سورة النساء» يجاب عنه:
__________
(1) ... تقدم ذكره في ص 5.
(2) ... فتح الباري: 5/402، المغني: 8/185، نيل الأوطار: 6/131.
(3) ... رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/96، والبيهقي في سننه، كتاب الوقف، باب من قال: لا حبس عن فرائض الله عزوجل: 6/162، وابن حزم في المحلى: 9/177، ورواه ابن أبي شيبه في مصنفه موقوفاً على علي > بلفظ: «لا حبس عن فرائض الله إلا ما كان من سلاح أو كراع» برقم 970، كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يجعل الشيء حبساً في سبيل الله: 6/250 وهو حديث ضعيف لضعف إسناده، وسيأتي إيضاح ذلك في المناقشة ص 12.
(4) ... بدائع الصنائع: 6/219، تبيين الحقائق: 4/325، عمدة القارئ: 14/25.
(5) ... رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/96، والبيهقي في سننه، كتاب الوقف، باب من قال: لا حبس عن فرائض الله عزوجل: 6/163، وابن أبي شيبة في المصنف برقم: 972، في كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يجعل الشيء حبساً في سبيل الله: 6/251.
(6) ... شرح معاني الآثار: 4/97، بدائع الصنائع: 6/219.(3/12)
بأن الحديث من رواية ابن لهيعة(1) عن أخيه(2) وهما ضعيفان لا يحتج بروايتهما(3)، بل قال ابن حزم(4) عن هذا الحديث: «هذا حديث موضوع، وابن لهيعة لا خير فيه وأخوه مثله، وبيان وضعه أن سورة النساء أو بعضها نزلت بعد أحد ـ يعني آية المواريث ـ وحبس الصحابة بعلم رسول الله @ بعد خيبر وبعد نزول المواريث في سورة النساء، وهذا أمر متواتر جيلاً بعد جيل، ولو صح هذا الخبر لكان منسوخاً باتصال الحبس بعلمه عليه الصلاة والسلام إلى أن مات»(5).
ويمكن أن يراد بالحديث ـ على فرض صحته ـ النهي عن حبس المال عن وارث جعل الله له شيئاً من المواريث وعدم إطلاقه إلى يده، على أن هذا الحديث إنما يعرف من كلام شريح موقوفاً عليه (6)، ولو فرض أن المراد بحديث ابن عباس { الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصاً بالأحاديث الدالة على مشروعية الوقف فهي أحاديث صحاح فهي مقدمة ومخصصة لهذا الحديث (7).
2 – استدلالهم بقول شريح إن محمدا @ جاء بإطلاق الحبس ـ
__________
(1) ... هو: عبدالله بن لهيعه بن عقبه الحضرمي ـ أبو عبدالرحمن ـ قاضي مصر وعالمها، ولكنه ضعيف الحديث، قال عنه يحيى بن معين: ضعيف لا يحتج به. ميزان الاعتدال: 2/475، تهذيب التهذيب: 5/373.
(2) ... هو: عيسى بن لهيعه، وهو ضعيف في الحديث. قال عنه الدارقطني ضعيف. ينظر سنن الدارقطني: 4/68، ميزان الاعتدال: 3/322.
(3) ... سنن الدارقطني: 4/68، سنن البيهقي: 6/162.
(4) ... هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، ولد بقرطبة من بلاد الأندلس سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، يعد ممن تزعم المذهب الظاهري له مجموعة من المصنفات أشهرها كتاب المحلى في الفقه، مات سنة ست وخمسين وأربعمائة. وفيات الأعيان: 3/325 ـ 328، تذكرة الحفاظ: 3/1146.
(5) ... المحلى: 9/177، 178.
(6) ... سنن البيهقي: 6/162.
(7) ... الحاوي الكبير: 9/371، نيل الأوطار: 6/130.(3/13)
يجاب عنه:
بأن هذا أثر موقوف على تابعي فهو مرسل ولا حجة بالمرسل (1)، وهو اجتهاد منه ليس بحجة على أحد. على أنه يمكن أن يكون أراد به الأحباس التي كانت تفعلها الجاهلية، وقد ذكرها الله تعالى في كتابه فقال: { ما جعل الله من بحيرة(2) ولا سائبة(3) ولا وصيلة(4) ولا حام … } الآية(5)، ولذلك قال مالك ~: «الحبس التي جاء محمد @ باطلاقه هو الذي في كتاب الله { - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - عليه السلام - - - (- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - رضي الله عنه - تمهيد (( - - - رضي الله عنهم - - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - ((- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - الله - - رضي الله عنه - فهرس } [المائدة: 103]»، وقال أيضاً:
__________
(1) ... الحاوي الكبير: 9/371، المحلى: 9/177، الأم: 4/52.
(2) ... البحيرة: هي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس فإن كان ذكراً ذبحوه فأكله الرجال دون النساء، وإن كان أنثى جدعوا آذانها وشقوها وسيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها، المفردات ص 37، تفسير ابن كثير: 2/107، 108.
(3) ... السائبة: هي الناقة إذا ولدت عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم تركب ولم تحلب. تفسير ابن كثير: 2/108.
(4) ... الوصيلة: هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا إلى السابع فإن كان ذكراً وهي ميت اشترك فيه الرجال دون النساء، وإن كان أنثى استحيوها، وإن كان ذكراً وأنثى استحيوهما وقالوا وصلته أخته فحرمته علينا. تفسير ابن كثير: 2/108.
(5) ... الحام: هو الفحل من الإبل إذا ولد لولده قالوا حمى هذا ظهره فلا يحملون عليه شيئاً ولا يمنعونه من شيء. تفسير ابن كثير: 2/108.(3/14)
«إنما جاء محمد @ بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة، فأما الوقوف فهذا وقف عمر بن الخطاب > حيث استأذن النبي @ فقال: «حبس أصلها وسبل ثمرتها، وهذا وقف الزبير»(1).
فتبين بهذا عدم صحة الاحتجاج بهذا الأثر على بطلان الوقف وعدم صحته، وأن محمداً @ جاء بإثبات الحبس.
وبناء على ما تقدم فيظهر والله تعالى أعلم صحة ما عليه جمهور أهل العلم من السلف والخلف على صحة الوقف ومشروعيته، وأنه من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه تبارك وتعالى لثبوت مشروعيته بالسنة الصحيحة وإجماع السلف على مشروعيته، وقد اشتهر ذلك بين الصحابة فلم ينكره أحد منهم.
وبعد أن تبين لنا اتفاق الأئمة الأربعة على مشروعية الوقف وجوازه، وأنه سنة، نبين الآن أنهم اختلفوا في لزوم الوقف من عدمه بمعنى أن من وقف وقفاً لله بأن قال: داري وقف على ذريتي ثم بدا له أن يبيعه أو يرجع في وقفه فهل يجوز له ذلك أو لا؟
هذا محل خلاف بين الفقهاء على قولين:
القول الأول: أن من وقف شيئاً زال ملكه عنه بنفس الوقف ولزم الوقف فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه فهو وقف لازم، وهذا قول جمهور الفقهاء فهو مذهب المالكية(2) والشافعية(3) والحنابلة(4) وقال به صاحبا
__________
(1) ... ذكره البيهقي في سننه: 6/163.
(2) ... الكافي: 2/1012، شرح الخرشي: 7/79، مواهب الجليل: 6/18.
(3) ... الحاوي الكبير: 9/368، مغني المحتاج: 2/376، تكملة المجموع: 15/323، حلية العلماء: 2/763.
(4) ... المغني: 8/185، الإنصاف: 7/3، المبدع: 5/352، شرح منتهى الإرادات: 2/490، كشاف القناع: 4/241.(3/15)
أبي حنيفة أبو يوسف(1) ومحمد(2) وعليه الفتوى عندهم(3).
__________
(1) ... هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي، ولد سنة ثلاث عشرة ومائة، أخذ الفقه عن الإمام أبي حنيفة، وهو المقدم من أصحابه، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة. الجواهر المضية: 3/611، 612، الفوائد البهية ص 225.
(2) ... هو: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني ـ بالولاء ـ فقيه مجتهد صاحب أبي حنفية أخذ عنه الفقه ثم عن أبي يوسف، ولد بواسط ونشر علم أبي حنيفة، توفي بالري سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. الجواهر المضية: 3/122، 126، الفوائد البهية ص 163.
(3) ... شرح معاني الآثار: 4/95، المبسوط: 12/28، بدائع الصنائع: 6/218، فتح القدير: 5/418، تبيين الحقائق: 3/325، البحر الرائق: 5/209، حاشية ابن عابدين: 4/338، الاختيار لتعليل المختار: 3/41.(3/16)
القول الثاني: أن الوقف لا يلزم بمجرده فهو بمنزلة العارية، وللواقف الرجوع فيه مع الكراهة ويورث عنه، ولا يلزم إلا بأحد أمرين: إما أن يحكم(1) به القاضي أو يخرجه الواقف مخرج الوصية بأن يقول: إذا مت فقد جعلت داري أو أرضي وقفاً على كذا، وفيما عدا هاتين الحالتين فإن الوقف لا يكون لازماً وللواقف بيع الموقوف وهبته، وإذا مات يصير ميراثاً لورثته، وهذا قول أبي حنيفة، واختاره زفر بن الهذيل (2) رحمهما الله من أصحاب أبي حنفية (3).
الأدلة
أولاً: استدل القائلون بلزوم الوقف بمجرد التلفظ به فلا يباع ولا يوهب ولا يورث بما يأتي:
__________
(1) ... طريقة الحكم أن يريد الواقف الرجوع بعدما سلم الوقف إلى الولي محتجاً بعدم اللزوم فيختصمان إلى القاضي فيقضي باللزوم فيلزم لأنه قضى في محل مجتهد فيه. مجمع الأنهر: 1/731.
(2) ... هو: زفر بن الهذيل بن قيس البصري أحد المشهورين من أصحاب أبي حنيفة وهو= =أقيسهم، كان ثقة مأمونا، دخل البصرة ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائة، وكان مولده سنة عشر بعد المائة. الفوائد البهية ص 75.
(3) ... المبسوط: 12/28، شرح معاني الآثار: 4/95، بدائع الصنائع: 6/218، فتح القدير: 5/418، تبيين الحقائق: 3/325، البحر الرائق: 5/209، حاشية ابن عابدين: 4/338، الاختيار لتعليل المختار: 3/241، عمدة القارئ: 14/24، مجمع الأنهر: 1/731.(3/17)
الدليل الأول: ما ورد في وقف عمر > وفيه أن النبي @ قال له: «تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته تلك في سبيل الله …»(1) الحديث، وهذا صريح أن الشرط من كلام النبي @، وفي رواية أخرى أن الشرط من كلام عمر > فقد جاء في الحديث: «فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث …» الحديث، ولا منافاة في ذلك لأنه يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي @، وفي الحديث دلالة صريحة على أن الوقف حبيس لازم لا يجوز الرجوع فيه ولا يورث، وفي قول النبي @ عن الوقف:
«لا يباع ولا يوهب ولا يورث» بيان لماهية التحبيس التي أمر بها عمر، وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه وإلا لما كان تحبيسا والمفروض أنه حبيس، وإن لم يحكم به حاكم فتلزم هذه الأمور بمجرد الوقف(2).
الدليل الثاني: ما تقدم من حديث أبي هريرة > أن النبي @ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية…»(3) الحديث، فإن قوله: «صدقة جارية» يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه ولا الرجوع فيه، إذ لو جاز نقضه لكان الوقف صدقة منقطعة وقد وصفه النبي @ في هذا الحديث بعدم الانقطاع، كما أن وصف الصدقة بكونها جارية يستلزم عدم جواز النقض من الغير(4).
الدليل الثالث: ما تقدم من قول النبي @ في حق خالد بن الوليد >: «وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فقد احتبس أدرعه وأعتاده في سبيل الله …» الحديث (5) والتحبيس يستلزم التأبيد والدوام (6).
__________
(1) ... طرف من حديث سبق تخريجه في ص 11.
(2) ... نيل الأوطار: 6/130، المغني: 8/185، الحاوي الكبير: 9/369.
(3) ... طرف من حديث سبق تخريجه في ص 12.
(4) ... نيل الأوطار: 6/130، السيل الجرار: 3/314، مغني المحتاج: 2/376.
(5) ... جزء من حديث سبق تخريجه في ص 13.
(6) ... شرح النووي لصحيح مسلم: 4/63.(3/18)
الدليل الرابع: أن الوقف إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا أنجزه حال الحياة لزم من غير حكم كالعتق (1).
ثانياً: استدل من قال بعدم لزوم الوقف إلا إذا أوصى به أو حكم به حاكم بما يأتي:
الدليل الأول: أن عبدالله بن زيد(2)> أتى رسول الله @ «فقال: يارسول الله حائطي هذا صدقة وهو إلى الله ورسوله فجاء أبواه فقالا: يارسول الله كان قوام عيشنا فرده رسول الله @ إليهما ثم ماتا فورثهما ابنهما بعد» (3) ولو كان الوقف يلزم بمجرده لما نقضه رسول الله @ ورده إلى أبويه فدل على أنه لا يلزم (4).
__________
(1) ... المغني: 8/186، الحاوي الكبير: 9/370.
(2) ... هو: عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج الأنصار رائي الأذان، مات سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة، وصلى عليه عثمان >. الإصابة: 4/72.
(3) ... أخرجه البيهقي في سننه، كتاب الوقف، باب من قال لا حبس عن فرائض الله عزوجل: 6/163، والدارقطني في سننه في باب وقف المساجد والسقايات: 4/201، وابن حزم في المحلى: 9/178 وهو حديث ضعيف لأنه مرسل، وسيأتي إيضاح ذلك في المناقشة ص 20.
(4) ... المغني: 8/185، الحاوي الكبير: 9/369، الاختيار لتعليل المختار: 3/41.(3/19)
الدليل الثاني: ما ورد عن عطاء بن السائب (1) أنه قال: سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الآخر فالآخر من ولده فقال: «إنما أقضي ولست أفتي قال: فناشدته فقال: «لا حبس عن فرائض الله»(2) فهذا شريح وهو قاضي الخلفاء الراشدين يرى ذلك ولا ينكر عليه منكر من أصحاب رسول الله @ ولا من تابعيهم مما يدل على عدم لزوم الوقف بمجرده(3). وفي لفظ أنه قال: «جاء محمد @ ببيع الحبس»(4) وفيه دليل على أن لزوم الوقف كان في شريعة من قبلنا، وأن شريعتنا ناسخة ذلك(5).
الدليل الثالث: عن ابن عباس { قال: سمعت رسول الله
@ بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس(6) مما يدل على عدم لزوم الوقف، وأنه بمنزلة الصدقات التي يرجع فيها صاحبها متى ما أراد، لذا أخبر ابن عباس { أن الأحباس منهي عنها غير
جائزة وأنها كانت قبل نزول الفرائض بخلاف ما صارت عليه بعد نزول الفرائض(7).
الدليل الرابع: أن الوقف إخراج للمال من الملك على وجه القربة فلم يكن لازما بمجرد القول كسائر الصدقات (8).
وأما إذا حكم حاكم بلزوم الوقف فإنه يلزم لأن حكمه صادف محل الاجتهاد، وأفضى اجتهاده إليه، وقضاء القاضي في موضع الاجتهاد بما أفضى إليه اجتهاده جائز كما في سائر المجتهدات.
__________
(1) ... هو: عطاء بن السائب بن مالك، ويقال: ابن زيد الثقفي أبو السائب الكوفي، مات سنة سبع وثلاثين ومائة، وقد كان تغير في آخر عمره، وقال عنه ابن معين: لا يحتج بحديثه. تهذيب التهذيب: 7/203، ميزان الاعتدال: 3/70.
(2) ... سبق ذكره وتخريجه.
(3) ... شرح معاني الآثار: 4/99، بدائع الصنائع: 6/219، تبيين الحقائق: 3/325.
(4) ... سبق ذكره.
(5) ... شرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير: 5/421.
(6) ... سبق ذكره وتخريجه.
(7) ... شرح معاني الآثار: 4/97، المبسوط: 12/29.
(8) ... المغني: 8/185، الحاوي الكبير: 9/369.(3/20)
وكذا إذا أضافه إلى ما بعد الموت فانه يلزم لأنه قد أخرجه مخرج الوصية فيجوز كسائر الوصايا (1).
المناقشة
أولاً: تناقش أدلة القائلين بلزوم الوقف بمجرد التلفظ به بما يأتي:
1 – استدلالهم بقول النبي @ لعمر: «تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث …» يجاب عنه:
بأن هذا لا يستلزم التأبيد بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره لذلك، وقد ورد عن عمر > ما يدل على أنه قد كان له نقضه بدليل قوله: «لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله @ أو نحو هذا لرددتها» (2) فلما قال عمر هذا دل على أن الوقف لا يلزم بمجرد التلفظ به، وأن له أن يرجع وإنما منعه من الرجوع فيها أن رسول الله @ أمره فيها بشيء وفارقه على الوفاء به فكره أن يرجع عن ذلك(3).
وبمثل هذا يجاب عن كل دليل دل على التأبيد والجريان إنما يكون ذلك مدة إرادة صاحبه ولا يستلزم عدم جواز الرجوع فيه كسائر الصدقات.
وردت هذه المناقشة بما ذكره ابن حجر(4) عن هذا التأويل حيث قال: «ولا يخفى ضعف هذا التأويل، ولا يفهم من قوله: «وقفت وحبست إلا التأبيد» (5).
__________
(1) ... تبيين الحقائق: 3/326، البحر الرائق: 5/208، الاختيار لتعليل المختار: 3/41، مجمع الأنهر: 1/731.
(2) ... ذكره الطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/99.
(3) ... شرح معاني الآثار: 4/99، تبيين الحقائق: 3/326.
(4) ... هو: أبو الفضل أحمد بن علي الكناني العسقلاني المصري الشافعي، المعروف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه، ولد سنة 773هـ شارح صحيح البخاري في كتابه فتح الباري= =الذي يعد أبرز شروح الصحيح، مات سنة 852 هـ. شذرات الذهب: 7/270.
(5) ... فتح الباري: 5/403.(3/21)
ويجاب عن هذا الأثر المروي عن عمر > وأنه هم بالرجوع بأنه لم يثبت عن عمر > فهو منقطع (1)، ولو ثبت فلا حجة فيه لأن أقوال الصحابة وأفعالهم لا حجة فيها إلا إذا وقع الإجماع منهم، ولم يقع ههنا، بل ثبت إجماعهم على مشروعية الوقف ولزومه كما مر بيانه في الأدلة السابقة(2).
ثانياً: تناقش أدلة القائلين بعدم لزوم الوقف إلا إذا حكم به حاكم أو إضافة إلى ما بعد الموت بما يأتي:
1 – استدلالهم برد النبي @ وقف عبدالله بن زيد يجاب عنه من عدة وجوه:
الأول: أن هذا الحديث ضعيف إذ هو حديث مرسل (3) لأنه من رواية أبي بكر بن حزم (4) وهو لم يدرك عبدالله بن زيد.
الثاني: أن هذا الحديث ـ لو ثبت ـ فليس فيه ذكر الوقف والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوفة استناب فيها رسول الله @ فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما، ولهذا لم يردها عليه وإنما دفعها إليهما وما زاده بعض الرواة من لفظة «صدقة موقوفة» (5) فهي زيادة غير صحيحة فقد انفرد بها من لا يحتج بحديثه كما ذكر ذلك ابن حزم ~(6).
الثالث: أن هذا الحائط المذكور كان لوالديه وكان عبدالله يتصرف فيه بحكم النيابة فتصرف به هذا التصرف بغير إذنهما فلم ينفذاه وأتيا النبي @ فرده إليهما يدل ذلك أن في الحديث أنهما ماتا فورثهما(7).
__________
(1) ... نيل الأوطار: 6/131، المحلى: 9/181.
(2) ... نيل الأوطار: 6/131، المغني: 8/186، المحلى: 9/182.
(3) ... سنن البيهقي: 6/163، المحلى: 9/178.
(4) ... هو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري البخاري المدني القاضي، اسمه وكنيته واحد، ثقة عابد، مات سنة عشرين ومائة وقيل غير ذلك. تقريب التهذيب ص 624.
(5) ... ذكر هذه الرواية ابن حزم في المحلى: 9/178، ولم أقف على من خرجها من كتب السنة التي رجعت إليها.
(6) ... المحلى: 9/178.
(7) ... المغني: 8/186، الحاوي الكبير: 9/371.(3/22)
الرابع: أن النبي @ إنما رده ـ لو صح الخبر ـ لأنه لم يكن لهم عيش سواه ولذا قالا: «كان قوام عيشنا» وليس لأحد أن يتصرف بقوام عيشه بل هو مفسوخ إن فعله(1).
2 – استدلالهم بما ورد عن شريح أنه قال: «لا حبس عن فرائض الله» يجاب عنه:
بأن هذا قول تابعي فلا يحتج به مع ثبوت الأحاديث عن رسول الله @ بلزوم الوقف وثبوته(2) ثم إنه يترتب على هذا القول أمر فاسد وهو إبطال كل هبة وصدقة ووصية لأنها مانعة من فرائض الله - سبحانه وتعالى - بالمواريث، ولا يختلف الفقهاء في جواز الهبة والصدقة في الحياة والوصية بعد الموت وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض الله عزوجل(3).
وقولهم: إن لزوم الحبس منسوخ بهذا الأثر ممنوع باتصال الحبس بعلم النبي @ إلى أن مات وحبس الصحابة } بعد خيبر وبعد نزول المواريث مما يدل على ثبوته (4).
3 – استدلالهم بحديث ابن عباس وفيه أن النبي @ نهى عن الحبس بعد نزول سورة النساء يجاب عنه، بما سبق ذكره عند نقل هذا الحديث (5).
4 – استدلالهم بالقياس على سائر الصدقات يجاب عنه:
بأن هذا قياس مع الفارق فلا يكون صحيحا فإن الصدقة تلزم في الحياة بغير حكم حاكم وإنما تلزم بالقبض ثم يمكن قياس لزوم الوقف إذا حكم به الحاكم على ما إذا لم يحكم به نظراً لعدم وجود الدليل الدال على لزومه بالحكم، فكما أن الوقف يلزم إذا حكم به حاكم فكذلك إذا لم يحكم به فيكون وجود الحكم وعدمه سواء (6).
الترجيح
__________
(1) ... المحلى: 9/178.
(2) ... الحاوي الكبير: 9/371.
(3) ... المحلى: 9/177.
(4) ... المحلى: 9/177، 178.
(5) ... المغني: 8/186، الحاوي الكبير: 9/371.
(6) ... أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الأحباس، باب كيف يكتب الحبس: 4/192.(3/23)
بعد عرض الأقوال وأدلتها وما ورد عليها من المناقشات يتبين لي ـ والله - سبحانه وتعالى - أعلم ـ رجحان ما عليه جمهور أهل العلم من لزوم الوقف وثبوته بمجرد التلفظ به فلا يباع ولا يوهب ولا يورث، وإنما يلزم بمجرد الوقف فهذا القول هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة الصريحة وكذا أفعال الصحابة }، وعدم اختلافهم في ذلك.
ومما يرجح هذا القول أن القول بعدم لزوم الوقف وجواز الرجوع فيه مخالف للسنة الثابتة عن رسول الله @ وإجماع الصحابة } فإن النبي @ قال لعمر في وقفه: «تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن تنفق ثمرته»، وفي لفظ «احبس الأصل وسبل الثمرة «وهذا نص صريح في لزوم الوقف وثبوته، وفي لفظ آخر أن عمر > قال: «إني حبست أصلها وجعلت ثمرتها صدقة … ولا يباع ولا يوهب ولا يورث ما قامت السموات والأرض …» الحديث (1) فهي ألفاظ صريحة في اقتضاء الوقف اللزوم والتأبيد ولهذا كان أبو يوسف ~ يجيز بيع الوقف فبلغه حديث عمر هذا فقال: لا يسع أحدا خلافه ولو بلغ أبا حنيفة لقال به فرجع عن بيع الوقف(2) وهذا أحسن ما أعتذر به عن أبي حنيفة ~، حتى قال الحافظ ابن حجر بعد حكايته لرجوع أبي يوسف: «حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد»(3). وقال أيضاً نقلاً عن القرطبي: «رد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه، وأحسن ما يعتذر به عمن رده ما قال أبو يوسف فإنه أعلم بأبي حنيفة من غيره» (4) وقال الشوكاني ~: «فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره» (5).
الخاتمة
__________
(1) ... أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الأحباس، باب كيف يكتب الحبس: 4/192.
(2) ... الاختيار لتعليل المختار: 3/41، المبسوط: 12/28.
(3) ... فتح الباري: 5/403.
(4) ... فتح الباري: 5/403.
(5) ... نيل الأوطار: 6/131.(3/24)
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، كما أحمده على أن يسر وأعان على كتابة هذا البحث، وفي النهاية ألخص ما ظهر لي من هذا البحث وذلك في ضوء النقاط الآتية:
1 – لا خلاف بين الأئمة الأربعة ـ على الصحيح من مذاهبهم ـ في مشروعية الوقف وجوازه، وأنه مسنون ومن القرب التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا.
2 – أن الوقف أفضل الصدقات التي حث الله - سبحانه وتعالى - عليها ورسوله @ لأنه صدقة دائمة ثابتة إذا كان المقصود به ابتغاء وجه الله - سبحانه وتعالى -.
3 – أن الوقف مشتمل على منافع متعددة للواقف في حياته وبعد مماته، وفيه منافع متعدية لغيره من الموقوف عليهم إما لقرابتهم، وإما لحاجتهم، ومن هنا انفرد أهل الإسلام بالوقف واختصوا به.
4 – أن الوقف عقد لازم لا يجوز بيعه ولا هبته وإرثه، وهذا بإجماع الصدر الأول من الصحابة والمتقدمين من أهل العلم، وهو قول عامة العلماء، وهو مقتضى السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله @.
5 – أن الحاجة ماسة إلى أن يلزم الوقف لحاجة الواقف إلى أن يصل ثواب الوقف إليه على الدوام ولا طريق إلى ذلك إلا بلزومه.
فهرس المراجع
الاختيار لتعليل المختار، لعبدالله بن محمود الموصلي الحنفي، نشر دار الدعوة سنة 1987م. ... (1)
الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني. نشر دار الكتب العلمية ـ بيروت. ... (2)
الإفصاح عن معاني الصحاح، لأبي المظفر يحيى بن هبيرة. نشر المؤسسة السعيدية بالرياض. ... (3)
الأم: للامام محمد بن إدريس الشافعي، طبع دار المعرفة، الطبعة الثانية، بيروت، بإشراف محمد النجار. ... (4)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلي بن سليمان المرداوي. الطبعة الأولى، صححه وحققه محمد حامد الفقي. ... (5)
أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، لقاسم القونوي. الطبعة الأولى 1406هـ، نشر دار الوفاء بجدة، تحقيق د. أحمد الكبيسي. ... (6)(3/25)
بجيرمي على الخطيب. لسليمان البجيرمي. طبعة دار الفكر 1415هـ. ... (7)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق. لزين الدين ابن نجيم الحنفي. طبعة دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1413هـ. ... (8)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. لعلاء الدين الكاساني. طبعة دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1402هـ. ... (9)
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. للحافظ جلال الدين السيوطي. طبعة دار الفكر، الطبعة الثانية، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. ... (10)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. لعثمان بن علي الزيلعي. الطبعة الثانية، دار المعرفة، بيروت. ... (11)
تذكرة الحفاظ. لمحمد بن أحمد الذهبي. طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت. ... (12)
تفسير القرآن العظيم. للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير. طبعة دار المعرفة، بيروت 1403هـ. ... (13)
تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني. نشر المكتبة العلمية بالمدينة النبوية. ... (14)
تكملة المجموع. لمحمد بن نجيب المطيعي. طبعة دار الفكر. ... (15)
تهذيب الأسماء واللغات. للإمام يحيى النووي. نشر دار الكتب العلمية. ... (16)
تهذيب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. نشر دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى 1325هـ. ... (17)
الجواهر المضية في طبقات الحنفية. لابن أبي الوفاء القرشي الحنفي. نشر دار الدعوة بالرياض، تحقيق مصطفى الحلو. ... (18)
حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب. للشيخ عبدالله بن حجازي الأزهري الشهير بالشرقاوي. طبعة دار المعرفة، بيروت. ... (19)
حاشية ابن عابدين «رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار». لمحمد أمين الشهير بابن عابدين. الطبعة الثانية عام 1386هـ. ... (20)
حاشية ابن قاسم على الروض المربع. جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم. الطبعة الثانية 1403هـ. ... (21)
الحاوي الكبير. للامام أبي الحسن علي الماوردي. طبعة دار الفكر، بيروت 1412هـ، توزيع المكتبة التجارية. ... (22)(3/26)
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء. لأبي بكر محمد الشاشي. الطبعة الأولى 1417هـ، نشر مكتبة نزار الباز، تحقيق سعيد عبدالفتاح وفتحي عطية. ... (23)
سنن الترمذي «الجامع الصحيح». لأبي عيسى محمد الترمذي. الطبعة الأولى 1408هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق كمال الحوت. ... (24)
سنن الدارقطني. لعلي بن عمر الدارقطني. نشر دار المحاسن للطباعة، القاهرة، تحقيق وتصحيح عبدالله بن هاشم اليماني المدني. ... (25)
السنن الكبرى. لأحمد بن الحسين البيهقي. الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند. ... (26)
سنن النسائي. لأبي عبدالرحمن النسائي. نشر دار الجيل، بيروت. ... (27)
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار. لمحمد بن علي الشوكاني. طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت. ... (28)
شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لابن العماد الحنبلي. طبع دار الفكر، بيروت. ... (29)
شرح حدود ابن عرفة الموسوم «الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية». لأبي عبدالله محمد الأنصاري الرصاع. الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت، تحقيق محمد أبو الأجفان ـ الطاهر المعموري. ... (30)
شرح الخرشي لمختصر خليل. لأبي عبدالله محمد الخرشي. طبع دار صادر، بيروت. ... (31)
شرح العناية على الهداية المطبوع مع فتح القدير. لمحمد البابرتي. نشر دار إحياء التراث العربي. ... (32)
شرح معاني الآثار. للإمام أبي جعفر أحمد الطحاوي الحنفي. الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت 1407هـ. ... (33)
شرح منتهى الارادات. للشيخ منصور البهوتي. طبع ونشر مكتبة الرياض الحديثة. ... (34)
شرح النووي لصحيح مسلم. الطبعة الأولى 1415هـ، طبع ونشر دار
أبي حيان. ... (35)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. لاسماعيل الجوهري. الطبعة الثالثة 1404هـ، دار العلم للملايين، تحقيق أحمد عطار. ... (36)(3/27)
صحيح البخاري مع فتح الباري. نشر وتوزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالرياض. ... (37)
صحيح مسلم مع شرح النووي. الطبعة الأولى، طبع ونشر دار أبي حيان. ... (38)
طبقات الشافعية الكبرى. لتاج الدين عبدالوهاب السبكي. الطبعة الأولى. ... (39)
طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية على ألفاظ كتب الحنفية. لنجم الدين أبي حفص النسفي. طبع المطبعة العامرة 1311هـ. ... (40)
عمدة القارئ شرح صحيح البخاري. للعلامة بدر الدين محمود العيني. نشر دار إحياء التراث العربي. ... (41)
الفائق في غريب الحديث. للعلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري. طبع دار الكتب العلمية ـ بيروت. ... (42)
فتح الباري شرح صحيح البخاري. لابن حجر العسقلاني. نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض. ... (43)
فتح القدير للكمال بن الهمام. نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت. ... (44)
الفوائد البهية في تراجم الحنفية. للعلامة محمد اللكنوي الهندي. الطبعة الأولى بمطبعة السعادة بمصر 1324هـ. ... (45)
القاموس المحيط. لمجد الدين محمد الفيروز أبادي. طبع ونشر دار الفكر، بيروت. ... (46)
الكافي في فقه أهل المدينة. لأبي عمر يوسف ابن عبدالبر. الطبعة الأولى، تحقيق محمد الموريتاني، نشر مكتبة الرياض الحديثة. ... (47)
كشاف القناع عن متن الاقناع. للشيخ منصور البهوتي. نشر مكتبة النصر الحديثة. ... (48)
لسان العرب. للعلامة أبي الفضل جمال الدين ابن منظور. دار صادر، بيروت 1388هـ. ... (49)
المبدع في شرح المقنع. لأبي اسحاق إبراهيم ابن مفلح الحنبلي. طبع ونشر المكتب الإسلامي 1394هـ. ... (50)
المبسوط. لشمس الدين السرخسي. دار المعرفة، بيروت 1406هـ. ... (51)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر. لعبدالرحمن بن سليمان المع روف بقاضي زاده. طبع دار الطباعة العامرة. ... (52)
المحلى. لأبي محمد علي ابن حزم. نشر دار الآفاق الجديدة، بيروت. ... (53)(3/28)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. لأحمد الفيومي. طبع ونشر المكتبة العلمية، بيروت. ... (54)
المصنف. للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة. الطبعة الثالثة، الدار السلفية بالهند، حققه وصححه عبدالخالق الأفغاني. ... (55)
مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهي. للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني. الطبعة الأولى، من منشورات المكتب الإسلامي، دمشق. ... (56)
المطلع على أبواب المقنع. لأبي عبدالله محمد البعلي الحنبلي. طبع ونشر المكتب الإسلامي. ... (57)
معجم مقاييس اللغة. لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. الطبعة الأولى، دار إحياء الكتب العلمية. ... (58)
المغرب في ترتيب المعرب. لأبي الفتح ناصر المطرزي. طبع ونشر دار الكتاب العربي، بيروت. ... (59)
المغني. لأبي محمد عبدالله بن قدامة المقدسي. الطبعة الأولى، مطبعة هجر، تحقيق عبدالله التركي وعبدالفتاح الحلو. ... (60)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. لمحمد الخطيب الشربيني. طبع ونشر دار الفكر، بيروت. ... (61)
المفردات في غريب القرآن. لأبي القاسم المعروف بالراغب الأصفهاني. دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. ... (62)
مواهب الجليل. لأبي عبدالله محمد المغربي المعروف بالحطاب. طبع دار الفكر، الطبعة الثانية. ... (63)
ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لشمس الدين محمد الذهبي. طبع دار المعرفة، بيروت، تحقيق علي البجاوي. ... (64)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. لشمس الدين محمد الرملي. طبع دار الفكر، بيروت. ... (65)
النهاية في غريب الحديث والأثر. لأبي السعادات المبارك الجزري المعروف بابن الأثير. الطبعة الثانية، مطبعة دار الفكر. ... (66)
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار. للعلامة محمد الشوكاني، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض. ... (67)(3/29)
هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين. لإسماعيل باشا البغدادي. طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة باستنبول، نشر مكتبة المثنى ببغداد. ... (68)(3/30)
مجالات الوقف ومصارفه في القديم والحديث
إعداد
فضيلة الدكتور/ حمد بن إبراهيم الحيدري
صفحة رقم (816)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
مجالات الوقف
ومصارفه في القديم والحديث
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن الأوقاف مورد معين، ورافد من روافد اقتصاد المسلمين، وهو من وجه آخر علم على التراحم، والتواصل، والتكافل بين المسلمين، ثم هو يتميز بأمرين:
أحدهما: أن دافع الإنفاق فيه الإيمان، واحتساب الأجر والثواب. وهذا سبب عظيم من أسباب سخاء النفس الإنسانية وبذلها، ذلك أن المسلم يدرك الآثار الكثيرة للصدقة الواردة في الكتاب والسنة. والوقف ليس صدقة فحسب، وإنما هو صدقة جارية يتطلع المحتسب إلى طول أمدها، ويبذل الأسباب لذلك.
الثاني: أن الأوقاف سبب من أسباب سد حاجات المسلمين، ودعم الأنشطة الدعوية، وسائر الوجوه الشرعية الخيرية التي يحتاج فيها إلى المال باستمرار دون انقطاع.
وواقع الأوقاف عند المسلمين على اختلاف العصور شاهد على ذلك ومن الأمثلة التي يمكن إيرادها في هذا الصدد:
1 – ذكر أبو شامة في تراجم رجال القرنين السادس والسابع ص 14 أن مجاهد الدين قايماز الخادم الرومي الحاكم على الموصل المتوفى سنة 549هـ بنى الجامع المجاهدي المنسوب إليه، والمدرسة والرباط، والمارستان بظاهر الموصل على دجلة، ووقف عليها الأوقاف، وكانت رواتب كثيرة، بحيث لم يدع في الموصل بيتا فقيرا إلا أغنى أهله.
2 – يلاحظ أن إنتاجية الأوقاف أو ما يسميه بعض المؤرخين (الارتفاع) عالية كما سيتضح – إن شاء الله تعالى – من بعض الأمثلة في المصارف التي سيأتي ذكرها في هذا البحث.(4/1)
3 – مما يشجع على الوقف أن هناك أوقافا كتب لها الاستمرار مددا طويلة تبلغ القرون، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن العماد في شذرات الذهب في وفيات سنة 946هـ فقد ذكر أن شهاب الدين أحمد بن بركات بن الكيال الدمشقي الشافعي كان ناظرا على أوقاف الصحابي الجليل سعد بن عبادة >. ولعظيم أثر الوقف وعائدته على المسلمين أولت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية هذا الجانب ما يستحقه من عناية تتناسب مع مكانة الوقف وذلك من جوانب عدة منها عقد الندوات المتنوعة لهذا الغرض، ومن هذه الندوات ندوة بعنوان: (الوقف في الشريعة الإسلامية ومجالاته).
وقد شرفت بدعوة الوزارة لي للإسهام مع الباحثين في إثراء هذه الندوة، فكان من نصيبي البحث في موضوع عنوانه: (مجالات الوقف ومصارفه في القديم والحديث).
وقد قسمته إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التصرف في غلة الأموال الموقوفة.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الأصل في مصرف الغلة وما يستثنى منه.
المطلب الثاني: كيفية تقسيم الغلة على من عينه الواقف.
المطلب الثالث: حكم الوقف المنقطع ومصرفه.
المطلب الرابع: إذا وقف وقفا ولم يعين مصرفه.
المبحث الثاني: مجالات الوقف ومصارفه في القديم.
المبحث الثالث: مجالات الوقف ومصارفه العصرية.
فالمبحث الأول جعلته كالتمهيد في مسائل فقهية لم استقص فيها نظرا لضيق الوقت، وخشية من تجاوز حجم البحث المحدد.
وأما المبحث الثاني فقد تبادر إلى ذهني أنني سأفيد من كتب الفقه وبخاصة كتب الفتاوى؛ ولكني لم أجد إلا القليل، وأكثر ما أفدت منه في هذا المبحث كتب التاريخ والتراجم كما هو ملاحظ من مصادره.(4/2)
وكنت قد أزمعت على أن أستخرج المصارف الواردة في الأحاديث والآثار أولاً ثم المصادر الأخرى، وأقسمها تقسيما مبنيا على الوحدة الموضوعية فأجعل مصارف الدعوة مثلا قسما، ومصارف التعليم قسما، ومصارف الصحة قسما.. وهكذا فلم ينضبط ذلك لتداخل وجوه المصارف، فلذلك جعلتها متسلسلة حسب حروفها. وأما المبحث الثالث فمصادره صكاك الأوقاف الحديثة، ومؤسسات الأوقاف كمؤسسة الوقف الإسلامي، وكذلك الفروع الوقفية في المؤسسات والجهات الخيرية كسنابل الخير في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ومؤسسة ا لحرمين الخيرية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي. وقد كاتبت هذه الجهات المذكورة، وبذلت السبل للحصول على معلومات حول هذا الموضوع، فوصلني جواب بعضها، ولم يصل بعض آخر مع أني موعود به؛ ولكن موعد تسليم البحث سبق، وأعد إن شاء الله أن أعيد النظر إن جدَ شيء، وأبذل الجهد إن شاء الله تعالى للاطلاع على المزيد من المصارف وإثباتها. والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المبحث الأول
التصرف في غلة الأموال ا لموقوفة
الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة أو المنفعة، والثمرة أو الغلة إنما هي نماء للأصل فمن يستحق أن يصرف له هذا النماء؟ فيه مطالب:
المطلب الأول: الأصل في مصرف الغلة وما يستثنى من ذلك.
من وقف وقفاً صحيحا فقد صارت بذلك جميع منافعه للموقوف عليه وزال عن الواقف ملكه وملك منافعه فلم يجز أن ينتفع بشيء لكن يستثنى من ذلك ما يلي:
1 – أن يكون قد وقف شيئاً للمسلمين فيدخل في جملتهم كأن يقف مسجداً فله أن يصلي فيه، أو مقبرة فله ان يدفن فيها، أو بئراً للمسلمين فله السقيا منها قال ابن قدامة ~: "لا نعلم في هذا كله خلافاً"(1).
2 – أن يشترط عند وقفه أن يأكل منه فيكون له مقدار ما يشترط لكن هل له ذلك وهل يصح الوقف معه؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
__________
(1) ... المغني مع الشرح الكبير 6/215، ط (1) 1404هـ، وزارة الأوقاف – الكويت.(4/3)
القول الأول: أن ذلك يجوز الوقف معه، وبه قال أبو يوسف والإمام أحمد وهو القول المقابل للأصح عند الشافعية(1) واحتجوا بما يأتي:
أولاً : بما ورد أن في صدقة رسول الله @: "أن يأكل أهلها منها بالمعروف غير المنكر"(2) .
ثانياً: بما روي عن النبي @ أنه كان يأكل من صدقته(3) وجه الدلالة: أن المراد بالصدقة الموقوفة ولا يأكل منها إلا بالشرط فدل على صحته(4).
ثالثاً: أن عمر > قال في كتاب وقفه "ولا بأس على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً غير متمول فيه"(5) وكان الوقف في يده إلى أن مات >.
رابعاً: أنه إذا وقف وقفاً عاماً كالمساجد والسقايات كان له الانتفاع به فكذلك هاهنا(6).
__________
(1) ... الهداية مع البناية 6/170، وفتح القدير 6/225 تبيين الحقائق 3/328.
... وللحنابلة: المغني مع الشرح 6/215 والإنصاف 7/18 والمبدع 5/321.
... وللشافعية: نهاية المحتاج 5/367، ومغني المحتاج 2/380.
(2) ... أخرجه ابن أبي شيبة المصنف 6/253. كتاب البيوع والأقضية وكذلك في 14/167 منه كتاب الرد على أبي حنيفة. ولم أجد من ذكره إلا الألباني في الإرواء 6/38، ولم يبين درجته ولا تكلم عليه.
(3) ... الهداية مع فتح القدير 6/226، قال في نصب الراية بعد أن أورده "قلت غريب أيضا وفي مصنف ابن أبي شيبة في باب الأحاديث التي اعترض بها على أبي حنيفة: حدثنا ابن عيينة عن ابن طأووس عن أبيه أخبرني حجر المدري قال: في صدقة النبي @ يأكل منها أهلها بالمعروف غير المنكر "انتهى نصب الراية 3/479 وقال العيني في البناية 6/172 عنه: غريب ليس له أصل، وقال في فتح القدير 6/226: والحديث بهذا اللفظ لم يعرف.
(4) ... الهداية مع فتح القدير 6/226.
(5) ... أخرجه البخاري باب هل ينتفع الواقف بوقفه من كتاب الوصايا 3/191 ومسلم كتاب الوصية باب الوقف 5/74.
(6) ... المغني مع الشرح 6/216.(4/4)
خامساً: أن مقصود الواقف القربة وفي الصرف على نفسه ذلك(1). لقوله #: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك"(2)..الحديث.
القول الثاني: أن اشتراط الواقف أن يأكل من وقفه غير جائز.
وبذلك قال محمد بن الحسن والإمام مالك والشافعي في الأصح من مذهبه(3).
قالوا: إن جعل الغلة كلها لنفسه من غير أن يعين من بعده فالوقف باطل بذلك. فإن جعل جزءاً للمساكين فلا شيء له والوقف صحيح وإن وقف على نفسه ثم على المساكين صار إلى المساكين ويكون منقطع الابتداء(4).
ومما احتجوا به: "أن الوقف تبرع على وجه التمليك، فاشتراط بعض الغلة أو كلها لنفسه يبطله، لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة المنفذة(5) بأن يتصدق على فقير بمال ويسلمه إليه على أن يكون بعضه له فلم يجز إذا لم يكن مملكا على هذا التقدير إلا ما وراء ذلك القدر فكذا في الصدقة الموقوفة(6) أو نقول: "إذا اشترط لنفسه من الغلة فكأنه ملك نفسه ملكه، وهذا تحصيل الحاصل وهو ممتنع"(7).
الترجيح:
__________
(1) ... الهداية مع فتح القدير 6/226.
(2) ... رواه مسلم، صحيح مسلم، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة 3/79.
(3) ... الهداية مع البناية 6/172، فتح القدير 6/226، تبيين الحقائق 3/328.
وللمالكية: انظر حاشية الدسوقي 4/80 وجواهر الإكليل 2/206 والإشراف 2/328.
... وللشافعية: انظر: نهاية المحتاج 5/367، ومغني المحتاج 2/380، وشرح الجلال المحلي مع حاشيتي القليوبي وعميرة 3/100.
(4) ... حاشية عميرة مع شرح الجلال المحلي 3/100، وحاشية الدسوقي 4/80.
(5) ... الصدقة المنفذة هي مقابل الموقوفة الأصل والمقصود الصدقة المعهودة.
(6) ... الهداية مع البناية 6/171، 172، ومع فتح القدير 6/226.
(7) ... نهاية المحتاج: 5/367.(4/5)
والراجح – والله أعلم – هو القول بالجواز فيجوز للواقف أن يستثني لنفسه من الغلة، وما احتج به من ذهب إلى خلاف ذلك فيجاب عنه بأن استثناء الواقف لنفسه من الغلة لا يعد تمليكاً من نفسه لنفسه بل هو إبقاء لبعض ما يملكه في ملكه ولو سلّم فليس بتحصيل حاصل لأمور:
الأول : أنه لما أخرجه عن ملكه ثم استثنى فكأنه قد أخرجه غير ما استثنى، فالمستثنى يعد باق على ملكه كما مر وذلك مثل ما لو استثنى من الأصل بأن قال: هذه الأشجار والنخيل وقف إلا خمساً أو كذا ونحو ذلك.
الثاني: استحقاق الشيء وقفاً غير استحقاقه ملكاً(1).
الثالث: مما يؤيد ذلك أن رسول الله ٍ@ أعتق صفية وجعل عتقها صداقها(2) فأخرجها عن ملكه بالعتق وردها بالشرط فدل على عدم امتناع ذلك(3) .
الرابع: ما رواه أبو هريرة > أن رسول الله رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها، قال يا رسول الله @: إنها بدنه، قال: اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة(4) ووجهه: أنه إذا جاز له الانتفاع بما أهداه بعد خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشرط أولى(5).
ومما يؤيد رجحان القول بجواز الاستثناء ما سبق أن أورده القائلون بذلك وفيه نصوص صحيحة، والله أعلم.
__________
(1) ... شرح الجلال المحلي على المنهاج 3/100 مع حاشيتي القليوبي وعميرة.
(2) ... أخرجه البخاري 5/74 كتاب المغازي باب غزوة خيبر، وصفية هي بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين كانت تحت كنانة بن الربيع النضري وقتل عنها يوم خيبر أعتقها وتزوجها رسول الله @ توفيت سنة 50هـ. وقد وهم الزركلي فذكر في الأعلام أنها من الخزرج وإنما هي من ذرية هارون #. (سير أعلام النبلاء 2/231، والأعلام 3/206).
(3) ... فتح الباري 5/473.
(4) ... صحيح البخاري 3/191.
(5) ... فتح الباري 5/451.(4/6)
3 – إذا اشترط أن يأكل أهله من وقفه صح الوقف والشرط(1) لما روى ابن أبي شيبة عن حجر المدري(2): "أن في صدقة النبي @ " يأكل منها أهلها بالمعروف غير المنكر"(3).
المطلب الثاني: كيفية تقسيم الغلة على من عينه الواقف.
غلة الوقف غير ما استثني مما سبق تكون على من عينه الواقف، فيرجع فيه إلى صيغة الواقف، فإن ذكر ما يدل على الترتيب فيرتب حسب لفظه، وإن لم يذكر ما يدل على الترتيب فإن الغلة تقسم على من ينطبق عليه الاسم أو الوصف.
فإذا وقف على قوم وأولادهم وعقبهم ونسلهم كان الوقف بين القوم وأولادهم ومن حدث من نسلهم على سبيل الاشتراك إن لم تقترن به قرينة تقتضي الترتيب لأن الواو تقتضي التشريك فيشارك الآخر الأول وإن كان من البطن العاشر.
وإن رتب فقال: وقفت على هؤلاء القوم ثم أولادهم ثم أحفادهم فيكون على ما شرط ولا يستحق البطن الثاني شيئاً حتى ينقرض البطن كله(4).
__________
(1) ... المغني مع الشرح 6/216.
(2) ... حجر المدري قال ابن حجر عنه: أرسل حديثا فأخرجه بقي بن مخلد في الصحابة، وهو وهم فإنه تابعي معروف روى عن علي وزيد بن ثابت وغيرهما. قال العجلي: تابعي ثقة من خيار التابعين. الإصابة 1/293. وفي طبقات ابن سعد حجر المدري من همدان روى عن زيد بن ثابت وروى عنه طاووس الطبقات 5/536 ولم أر من بسط ترجمته.
(3) ... المصنف 6/253 ولعل هذا الحديث هو الذي قصده الحافظ آنفا.
(4) ... المغني ومعه الشرح 6/220 – 223 وفيه تفصيل لا أرى لزوما للاستطراد بذكره إذْ المقصود التمثيل والإشارة فقط.(4/7)
لكن يشترط أن يكون مصرف الغلة على بر كالفقراء والأقارب والمساكين وكل آدمي معين مسلماً كان أو ذمياً لأن في كل كيد رطبة أجراً إلا ما استثناه الشارع كالحربي مثلاً، ولا يجوز أن تصرف إلى غير البر فلا يجوز على الكنائس، أو طباعة التوراة أو الإنجيل وكل كتاب ينافي الإسلام، ولا على من لا يملك كالميت ونحو ذلك(1).
المطلب الثالث: حكم الوقف المنقطع ومصرفه
إذا انقطعت جهة مصرف الوقف التي عينها الواقف كأن يقف على فئة معينة فتنقرض ولم يكن عيّن أحداً بعدها ففي صحة هذا الوقف خلاف، وذلك أن الوقف إما أن يكون معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع مثل أن يجعل على المساكين أو على طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم فهذا صحيح بالاتفاق، وإما أن يكون غير معلوم الانتهاء مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة، ولم يجعل آخره بعدهم للمساكين ولا لجهة غير منقطعة وهذا قد اختلف العلماء في صحته.
فذهب الإمام مالك، وأبو يوسف والشافعي في أحد قوليه وأحمد إلى صحة الوقف حينئذ(2).
وذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي في القول الآخر إلى عدم صحة الوقف(3).
__________
(1) ... الكافي لابن قدامة 2/449، 450 ببعض تصرف.
(2) ... المدونة 6/101، والإشراف 2/82، ومواهب الجليل 6/29، وحاشية الدسوقي 4/85، ولأبي يوسف يرجع إلى البناية شرح الهداية 6/154، وفتح القدير 6/213.
... وللشافعية: نهاية المحتاج 3/373 تكملة المجموع للمطيعي 15/334، 337.
... وللحنابلة: المغني مع الشرح 6/239، كشاف القناع 4/252، والفروع 4/589.
(3) ... الهداية مع البناية 6/154، وفتح القدير 6/213، وللشافعية: روضة الطالبين 5/326 لكنه ذكر أن في صحة الوقف ثلاثة أقوال: الصحة، البطلان، والثالث: إن كان الموقوف عقاراً فباطل، وإن كان حيواناً صح، لأن مصيره إلى الهلاك، وذكر أن الأول أظهر ولم يذكر في نهاية المحتاج إلا قولين 3/373.(4/8)
فمن قال بعدم الصحة فينتهي الأمر بذلك، وأما من قال بصحة الوقف فيبقى البحث فيما إذا انقطعت الجهة المعينة، أين يكون مصرف غلة الوقف بعدها؟
اختلف من صحح الوقف في هذه الحالة على قولين:
القول الأول: يرتفع الوقف ويعود ملكاً للواقف أو إلى ورثته إن كان مات، وهذا قول عند الشافعية ورواية عن أحمد(1) وعللوا لهذا بأن بقاء الوقف بلا مصرف متعذر وإثبات مصرف لم يذكره الواقف تَعد فتعين ارتفاعه(2).
القول الثاني: يبقى وقفاً وهذا مذهب المالكية والأظهر عند الشافعية، ورواية عن أحمد هي المذهب(3).
وعلل أصحاب هذا القول لما ذهبوا إليه بأمور:
أحدها: أن وضع الوقف الدوام والتأبيد كالعتق(4).
الثاني: أن الملك زال عن المالك بالوقف فلا يعود ملكاً(5).
الثالث: أن مقتضى الوقف الثواب على التأبيد فحمل فيما سماه على ما شرطه وفيما سكت عنه على مقتضاه ويصير كأنه وقف مؤبد ويقدم المسمى على غيره(6).
والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني. وأما قولهم: إن إثبات مصرف لم يذكره الواقف بعيد فغير مسلم لأن مقتضى الوقف حبس الأصل وتسبيل الثمرة على التأبيد لما ورد في الحديث أنه لا يباع أصله ولا يوهب ولا يورث، فهذا يدل على أنه لا يعود ملكاً بأي وجه من وجوه التملك، ثم إن المقصود من الوقف نفع ا لمحتاج وثواب الواقف، وهذا يتحقق في الوقف المنقطع الآخر بصرف غلته بالاجتهاد، ولا يمنع تعيينه من الواقف تطبيق الحكم الشرعي فيه وهو التأبيد، والله أعلم.
__________
(1) ... روضة الطالبين 5/326، وللحنابلة: الفروع 4/589، 590، وذكره في المبدع احتمالاً، المبدع 5/326.
(2) ... نهاية المحتاج 5/373.
(3) ... الإشراف على مسائل الخلاف 2/82، ومواهب الجليل 7/29، وحاشية الدسوقي 4/85، وجواهر الإكليل 2/207.
... وللشافعية: روضة الطالبين 5/326، وللحنابلة الإنصاف 7/29، 30 والفروع 4/589.
(4) ... نهاية المحتاج 5/373.
(5) ... المبدع 5/326.
(6) ... المهذب 1/448، 449.(4/9)
والقائلون بهذا القول مع اتفاقهم على بقاء الوقف إلا أنهم اختلفوا في مصرفه بعد انقطاع المصرف الذي عينه الواقف، ولهم في ذلك عدة أقوال، وبعض هذه الأقوال يتفرع عنها اختلاف في تعيين المقصود بالقول فمثلاً من أقرب الأقوال في محل المصرف أنه يكون في أقرب الناس إلى الواقف لكن من هو الأقرب قيل: عصبة الواقف، وقيل قرابة الرحم، وقيل: الورثة مطلقاً، وإنما كثر الاختلاف لعدم النص فحيث فقد النص تعددت الآراء وكثر الخلاف وهذه الأقوال في مصرف الوقف المنقطع كما يأتي:
القول الأول: يكون مصرف الوقف المنقطع إلى أقرب الناس إلى الواقف وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية في الأظهر ورواية عن الإمام أحمد(1).
واحتجوا بالآتي:
__________
(1) ... انظر حاشية الدسوقي 4/85، وجواهر الإكليل 2/207، ومواهب الجليل 6/29، ومن كتب الشافعية، روضة الطالبين 5/326. والحنابلة: الإنصاف 7/29، والفروع 4/589، 590، والمغني مع الشرح 6/239.(4/10)
1 – عن أنس بن مالك > قال: كان أبو طلحة(1) أكثر أنصاري بالمدينة مالاً وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله @ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية ? ? - ? المحتويات - ? الله أكبر ? - الله ? الله الله أكبر - الله الله } - جل جلاله - } - ? - - - عليه السلام -? بسم الله الرحمن الرحيم - - الله - المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - - ?? الله - - - جل جلاله - - - الله أكبر - ? [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله @ فقال: إن الله - عز وجل - يقول في كتابه: ? ? - ? المحتويات - ? الله أكبر ? - الله ? الله الله أكبر - الله الله } - جل جلاله - } - ? - - - عليه السلام -? بسم الله الرحمن الرحيم - - الله - المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - - ?? الله - - - جل جلاله - - - الله أكبر - ? [آل عمران: 92] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال رسول الله @: بخ ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين "فقسمها أبو طلحة في أقاربه، وبني عمه(2).
__________
(1) ... أبو طلحة هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام البدري النجاري الخزرجي كان من الرماة من الصحابة الشجعان المعدودين في الجاهلية والإسلام شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد توفي 34هـ (طبقات ابن سعد 3/504، وسير أعلام النبلاء 2/27، الأعلام 3/58).
(2) ... رواه مسلم 3/79 باب النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين من كتاب الزكاة والآية من سورة آل عمران رقم: 90.(4/11)
2 – عن سلمان بن عامر(1) عن النبي @ قال: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة(2).
3 – أن في ذلك تحقيقاً لمقصد الواقف، وهو سد حاجة المحتاج وحصول الثواب؛ والقريب أحق من غيره، وصرفها إليه أعظم ثواباً للأحاديث المتقدمة(3).
ويتعلق بهذا القول فرعان:
أحدهما: من هو الأقرب، أو من هو أحق الأقارب؟ في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الأول : أن المراد به أقرب عصبة الواقف وإليه ذهب المالكية والحنابلة في رواية(4).
الثاني: أن المقصود بالقرابة قرابة الرحم فيقدم ابن البنت على ابن العم، وهذا أصح وجهين عند الشافعية، وعللوا بأن المقصود صلة الرحم(5).
الثالث: أن المقصود بالقرابة من يستحق الإرث، وهذا هو الوجه الآخر عند الشافعية ورواية عن أحمد هي المذهب(6).
الفرع الثاني: هل يختص به فقراء الأقارب أم يشاركهم الأغنياء؟
__________
(1) ... سلمان بن عامر بن أوس الضبي سكن البصرة روى عنه ابن سيرين وأخته حفصة بنت سيرين وروت عنه بنت أخيه أم الرابح الرباب بنت صليف قيل مات في خلافة عمر وقيل بل في خلافة عثمان وصوب الحافظ تأخر وفاته إلى زمن معاوية ونقل عن الدارقطني أن عامراً كان شيخاً في حياة النبي @ (الاستيعاب 2/60، والإصابة 2/60، وتهذيب التهذيب 4/137).
(2) ... سنن ابن ماجه 1/340 كتاب الزكاة باب فضل الصدقة، ومسند ا لإمام أحمد 4/17، وسنن الترمذي بشرح ابن العربي كتاب الزكاة، باب الصدقة على ذي القرابة 3/160، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الألباني صحيح ابن ماجه باختصار السند 1/309.
(3) ... تكملة المجموع للمطيعي 15/236.
(4) ... مواهب الجليل 6/29، وجواهر الإكليل 2/207، وبالإنصاف 7/30، والمبدع 5/326.
(5) ... روضة الطالبين 5/326.
(6) ... روضة الطالبين 5/326، وللحنابلة الإنصاف 7/29، 30 لكنهم – أي الحنابلة – قالوا: يصرف إلى ورثة الواقف نسباً فقيدوه بالنسب وبذلك يخرج من عداهم كالزوج والزوجة والمعتق والمعتقة.(4/12)
في ذلك قولان:
الأول : يختص به الفقراء وإليه ذهب المالكية وهو أظهر قولين عند الشافعية ووجه عند الحنابلة(1).
الثاني: يشتركون وهو القول الآخر عند الشافعية، والوجه الآخر عند الحنابلة(2).
القول الثاني: يكون مصرف غلة الوقف المنقطع إلى المساكين، وبه قال أبو يوسف، وهو وجه عند الشافعية ورواية في مذهب الإمام أحمد(3).
واحتجوا: بأنه مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإذا وجدت صدقة غير معينة المصرف انصرفت إليهم كما لو نذر صدقة مطلقة(4).
القول الثالث: يصرف إلى المصالح العامة، وهذا وجه عن الشافعية ورواية عن الإمام أحمد(5).
القول الرابع: يصرف إلى مستحقي الزكاة وهذا وجه عند الشافعية(6).
القول الخامس: يجعل في بيت مال المسلمين، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وعللوا لذلك بأنه مال لا مستحق له فأشبه مال من لا وارث له(7).
والذي يترجح أن يقال: يوضع النماء والغلة حيث المصلحة، وهي تختلف بحسب الزمان والمكان والحال، وأما على وجه العموم فالأولى أن يكون فقراء الأقارب أحق بها؛ لأن فيهم قربتين: الصدقة والصلة، وفي هذا بر بالواقف بصرف وقفه إلى أحسن وجوه الثواب.
__________
(1) ... مواهب الجليل 6/29، وحاشية الدسوقي 4/85، وللشافعية: المهذب 1/449، وروضة الطالبين 5/326، وللحنابلة: الإنصاف 7/31، 32، والمبدع 326.
(2) ... المراجع السابقة.
(3) ... البناية شرح الهداية 6/154، وفتح القدير 6/213، وتبيين الحقائق 3/326، وللشافعية: روضة الطالبين 5/326، وللحنابلة: المغني مع الشرح 6/239، والفروع 4/590.
(4) ... المغني مع الشرح 6/239.
(5) ... روضة الطالبين 5/239، وللحنابلة: الفروع 4/590.
(6) ... روضة الطالبين 5/326.
(7) ... المغني مع الشرح 6/239.(4/13)
أما الأغنياء من الأقارب فالحاجة في حقهم منتفية، وأما المساكين من غيرهم فقد ترجح عليهم المسكين القريب بالقرابة، ولكن لو لم يوجد إلا أقارب أغنياء ومساكين من غير الأقارب فلعل المساكين هنا أولى لموضع الحاجة – والله أعلم –.
المطلب الرابع: إذا وقف وقفاً ولم يعين مصرفه.
أولاً : اختلف العلماء في صحة الوقف فيما إذا قال الشخص: وقفت ولم يعين جهة، ثم إن القائلين بصحة الوقف حينئذ اختلفوا في مصرف الوقف، واختلافهم هذا مبني على ما تقدم في مصرف الوقف المنقطع وسأعرض الخلاف في صحة الوقف باختصار:
القول الأول: إن الوقف يصح ولو لم يعين مصرفاً، وإلى هذا ذهب أبو يوسف، ومحمد، وهلال الرأي من الحنفية(1)، وهو قول المالكية(2) ومقابل الأظهر عند الشافعية صححه الشيرازي وغيره(3)، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة(4)، واحتجوا بما يأتي:
__________
(1) ... الإسعاف ص 15، وفتح القدير 6/202، والبحر الرائق 5/205، وحاشية رد المحتار 4/240، وهلال الرأي هو: هلال بن يحيى بن مسلم البصري من أعيان الحنفية من أهل البصرة لقب بهلال لكثرة أخذه بالقياس له كتاب "أحكام الوقف" وكتاب "الشروط" توفي سنة 245هـ – الأعلام 8/92.
(2) ... المدونة 6/101، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي 4/87، 88.
(3) ... المهذب 1/449، وروضة الطالبين 5/331، ونهاية المحتاج 5/375، وتكملة المجموع للمطيعي 15/336.
(4) ... المغني مع الشرح الكبير 6/242، والفروع 4/590، وكشاف القناع 4/253، والروض المربع بحاشية ابن قاسم 5/545. وقد قال ابن قدامة عن حكم الوقف الذي لم يعين سبيله لا نص فيه، ونقل عن القاضي أبي يعلى تخريجه على النذر المطلق.
... وفي الإنصاف بعد أن ذكر أن الوقف صحيح عند الأصحاب، قال: "وقال في الروضة على الصحيح عندنا" انتهى قال المرداوي: فظاهره في الصحة خلافاً أهـ 7/34، 35 لكنهم لم يذكروا من خالف ولم يصرحوا بوجود قول آخر فيما اطلعت عليه.(4/14)
1 – أنه إزالة ملك على وجه القربة، فوجب أن يصح مطلقاً كالأضحية والوصية(1).
2 – أن ما أطلق من كلام الآدميين يحمل على المعهود في الشرع وقد أمكن ذلك هنا فلا يبطل(2).
القول الثاني: إن الوقف يبطل حنيئذ، وإليه ذهب بعض الحنفية(3)، وهو الأظهر عند الشافعية(4) واحتجوا بالآتي:
1 – أن الوقف تمليك فلا يصح مطلقاً كما لو قلت بعت داري ووهبت مالي، إذ إن الوقف تمليك للمنافع فلابد من متملك معين(5).
2 – أن جهالة المصرف كقوله مثلاً "وقفت على من شاء الله" أو على من شئت ولم يعينه عند الوقف تبطله فعدمه أولى(6).
والراجح – والله تعالى أعلم – هو القول الأول: وما احتج به من قال بعدم الصحة فجوابه بالفرق بين البيع والهبة وبين الوقف، فإن الأول تمليك على سبيل المعاوضة ليست في أصلها من القرب فلابد من التعيين فيها بخلاف الوقف فهو إزالة ملك على وجه القربة ورجاء الثواب وهذا مصارفه معلومة في الشرع فلا جهالة إذن.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري مما يستفاد من حديث عمر في الوقف: إنه لا يشترط تعيين المصرف لفظاً(7). والله أعلم.
بعد ذلك ما مصرف الوقف إذا لم يعينه واقفه؟
فيه ثلاثة أقوال عند من صححوا الوقف:
__________
(1) ... المهذب 1/449، والمغني مع الشرح 6/242.
(2) ... تكملة المجموع للمطيعي 15/236 بزيادة يسيرة.
(3) ... الإسعاف ص 15.
(4) ... روضة الطالبين 5/231، ونهاية المحتاج 5/375، وأما الحنابلة فتقدمت الإشارة إلى أنهم ذكروا أن القول بصحة الوقف هنا هو الصحيح من المذهب ولم يذكروا من قال بخلاف ذلك.
(5) ... المهذب 1/449، ونهاية المحتاج 5/375.
(6) ... نهاية المحتاج 5/375.
(7) ... فتح الباري 5/473. ولعله أخذه من قوله @: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ولم يعين له مصرفاً مع قوله لأبي طلحة: أرى أن تجعلها في الأقربين.(4/15)
أحدها: أن مصرفه مصرف الوقف المتصل الابتداء المنقطع الانتهاء". وبه قال الشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب(1) وتقدمت حجتهم هناك.
الثاني: يرجع إلى الواقف لبيان المصرف فإن تعذر فيصرف فيما يقصد بالتحبيس عليه غالباً في عرف أهل بلد الواقف كأهل العلم فإن لم يكن هناك عرف غالب فالفقراء يصرف عليهم بالاجتهاد وهذا مذهب المالكية(2).
الثالث: يصرف إلى الفقراء والمساكين وهو قول من قال بصحة الوقف من الحنفية(3) وقد تقدمت حجة ذلك في الوقف المنقطع الانتهاء.
والأولى أن يكون حكمه حكم الوقف المنقطع الانتهاء لأنّه ملك أزيل على وجه القربة ولم يعين مصرفه.
المبحث الثاني
مجالات الوقف ومصارفه في القديم
المقصود بمصارف الوقف المصارف الشرعية وهي ما كان على برٍّ وقربة لله تعالى وأما الأوقاف التي تخالف الشرع فأوقاف أهل البدع مثل الوقف على بناء القبور وإنارتها فهي خسار بل وبال على أصحابها. ومن مصارف الوقف في القديم ما يأتي:
1 – الأسرى:
وقفت الوقوف لفك الأسرى من المسلمين الذين أسرهم الأعداء والملاحظ أن أكثر هذه الوقوف كانت حين كانت الحروب الصليبية وما بعدها ومن النماذج على ذلك:
أ – القاضي عبدالرحيم البيساني ببغداد أوقف وقوفاً على الصدقة وفك الأسرى(4) .
__________
(1) ... المهذب 1/449، وللحنابلة: الإنصاف 7/35، وكشاف القناع 4/253 والروض بحاشية ابن قاسم 5/545.
(2) ... حاشية الدسوقي 4/87 هكذا ذكروه وفي المدونة: فإن كان صاحب ذلك الذي حبس الدار لم يسم شيئاً فإنها لا تباع ولا تورث يسكنها الأقرب فالأقرب أهـ المدونة 6/101 وهذا أقرب إلى قولهم في الوقف المنقطع الانتهاء.
(3) ... الإسعاف ص 15، وفتح القدير 6/202.
(4) ... الكامل في التاريخ لابن الأثير 12/159، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر بيروت 1965م.(4/16)
ب – ذكر ابن كثير في البداية أنه كان لعبد الرحيم بن القاضي الأشرف والذي عمل كاتبا أيام الفاطميين وصلاح الدين بديوان الإنشاء أوقاف على تخليص الأسارى من يد النصارى(1).
ج – وذكر ابن كثير أيضا في البداية أن بعض الأوقاف في الشام كانت موقوفة لفك الأسارى من المسلمين(2).
د – وفي نشوار المحاضرة للتنوخي أن هناك وقفاً في أرض المشركين على أسرى المسلمين لديهم(3).
2 – الأطباء:
قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أحداث سنة ثمان وعشرين وستمائة: "وفيها المهذب الدخوار عبدالرحيم بن علي بن حامد الدمشقي شيخ الطب وواقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الأطباء…"(4).
3 – الأقارب:
__________
(1) ... البداية لابن كثير 13/23، مكتبة المعارف بيروت الطبعة الثانية 1977م.
(2) ... البداية 14/252.
(3) ... نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة تحقيق عبود الشالجي بيروت 1971 – 1973م.
(4) ... شذرات الذهب 5/127، دار الفكر، بيروت ط (1) 1399هـ-1979م. والدارس في تاريخ المدارس 2/138 لعبد القادر بن محمد الدمشقي 927، تحقيق جعفر الحسني مطبوعات المجمع الطبي العربي بدمشق مطبعة الترقي دمشق 1367هـ، 1948م.(4/17)
عن أنس > قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل فقال يا رسول الله، إن أحب أموالي إليّ بيرُحاء وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال: "بخ! ذلك مالٌ رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه"(1) وفي بعض روايات البخاري "فجعلها لحسان وأُبيّ بن كعب"(2).
4 – الأولاد:
قال الحميدي: "تصدق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه بينبع وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده وتصدق سعد بداره بالمدينة على ولده وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط(3)، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده فذلك كله إلى اليوم"(4).
روى هشام بن عروة: "أن الزبير جعل دُوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضراً بها، فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف"(5).
وفي هذا زيادة تنبيه على مصرف ذي أهمية وهو المطلقات وبخاصة من بنات الواقف.
5 – الأيتام:
__________
(1) ... أخرجه البخاري كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، ص 290.
(2) ... في الوصايا باب إذا أوقف أو أوصى لأقاربه ص 557، دار السلام للنشر والتوزيع ط1 1417هـ –1997م، مجلد واحد وأخرجه مسلم في الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، صحيح مسلم بشرح النووي 7/84 دار الفكر – 1403هـ.
(3) ... الوهط: ما كان لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من مرج.
(4) ... المغني لابن قدامة 8/185، 186، هجر للطباعة والنشر – القاهرة ط (1) 1409 تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي د. عبدالفتاح الحلو ~.
(5) ... المغني لابن قدامة 8/205، 206.(4/18)
ذكر ابن العماد الحنبلي ~ في ترجمة نور الدين محمود زنكي ~ سنة تسع وستين وخمسمائة أنه بنى المكاتب للأيتام ووقف عليها الأوقاف(1).
وذكر أيضا أن عماد الدين عبدالرحيم بن أحمد بن عبدالرحيم بن الترجمان الحلبي كان ذا ثروة وبنى مكتباً للأيتام ووقف عليه وقفاً(2).
في رحلة ابن جبير خلال وصفه لمدينة دمشق قال: "وللأيتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقف كبير يأخذ منه المعلم لهم وهذا أيضا من أغرب ما يحدّث به من مفاخر هذه البلاد"(3).
6 – أبناء السبيل:
أخرج البخاري عن ابن عمر {: (أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله @ – وكان يقال له ثمغ – وكان نخلاً، فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي @: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره" فتصدق به عمر فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقاً غير متمول به"(4).
وأخرج البخاري عن عمر بن الحارث قال: "ما ترك رسول الله @ ديناراً ولا درهما ولا عبداً ولا أمة إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة"(5).
وأخرج البخاري هذا الحديث في كتاب الوصايا لكن بدون ذكر ابن السبيل إنما ورد ذكره في روايته التي أوردها في كتاب المغازي. كما في تخريج الحديث في الهامش السابق.
__________
(1) ... شذرات الذهب 4/228.
(2) ... المصدر نفسه 6/291.
(3) ... رحلة ابن جبر 245 دار صادر، بيروت 1400هـ، 1980م.
(4) ... صحيح البخاري في الوصايا باب ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته ص 561.
(5) ... صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرض النبي @ ووفاته ص 919.(4/19)
قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن المنير: أحاديث الباب مطابقة للترجمة – الوصايا – إلا حديث عمرو بن الحارث هذا فليس فيه للوصية ذكر قال: لكن الصدقة المذكورة يحتمل أن تكون قبله ويحتمل أن تكون موصى بها فتطابق الترجمة من هذه الحيثية "انتهى".
ثم عقب الحافظ بقوله: ويظهر أن المطابقة تحصل على الاحتمالين لأنه تصدق بمنفعة الأرض فصار حكمها حكم الوقف وهو في هذه الصورة في معنى الوصية لبقائها بعد الموت"(1).
قال ابن بطوطة في رحلته: "كان بأيدي القضاة في مصر والشام الأوقاف والصدقات لمساعدة أبناء السبيل"(2).
7 – أتباع المذاهب":
يلاحظ كثرة الوقوف على أتباع المذاهب الأربعة أو بعضها إما ممن ينتسب إلى مذهب على مذهبه أو من عالم أو غني يقف على مذهبين أو على المذاهب الأربعة بل تجد بعض علماء الشافعية يقف على أتباع مذهب الإمام أحمد مما يدل على عدم التعصب لمذهبه".
وسأذكر نماذج من ذلك:-
أ – أبو البركات أحمد بن علي بن عبدالله الحنبلي أوقف دارا له في بغداد على أصحاب أحمد بن حنبل(3).
ب – قاضي القضاة كمال الدين محمد بن عبدالله الموصلي الشافعي أيام نور الدين زنكي اشترى قرية الهامة وأوقف نصفها على الحنابلة والمقادسة، ونصفها الآخر على فك الأسرى(4).
ج – المستنصر بالله بنى مدرسة في بغداد وأوقفها على المذاهب الأربعة(5).
د – الملك الظاهر بيبرس بنى مدرسة للشافعية والحنفية وأوقف عليها أوقافا كثيرة(6).
هـ – أوقف محمد بن منصور أبو سعد شرف الملك الخوارزمي مدرسة في مرو على أصحاب أبي حنيفة(7).
__________
(1) ... فتح الباري 5/424، دار الريان للتراث – القاهرة، ط (1) 1407هـ.
(2) ... تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار 1/66 مؤسسة الرسالة ط2، 1399هـ تحقيق د. علي المنتصر الكناني.
(3) ... شذرات الذهب 4/97.
(4) ... المصدر نفسه 4/243.
(5) ... المصدر نفسه 5/209.
(6) ... المصدر نفسه 5/350.
(7) ... البداية والنهاية لابن كثير 12/161.(4/20)
و – بنى بهرام بن بهرام أبو شجاع البيِّع مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل بكلواذي ووقف قطعة من أملاكه على الفقهاء بها(1).
ز – ... بنى صلاح الدين الأيوبي مدرسة للشافعية بمصر وأوقف عليها الروضة وغيرها(2).
ح – بنى جمال الدين عبدالله بن محمد بن عيسى التدمري مدرسة بدمشق وأوقفها على الحنابلة(3).
8 – إعمار الأوقاف:
قرر الفقهاء أن نفقة إعمار الوقف تكون من حيث شرط الواقف فإن لم يكن عين مصدراً فإنها تكون من غلته(4) وقد تُوقَف الأوقاف لإحياء أوقاف سابقة لأهميتها أو لمحل موقفها ومن ذلك ما ذكره الزبير بن بكار أن بعض خلفاء بني العباس كانوا يوقفون غلات بعض الضياع على إعمار صدقات النبي @(5).
9 – البر:
__________
(1) ... المصدر نفسه 12/197.
(2) ... المصدر نفسه 12/263.
(3) ... المصدر نفسه 14/307.
(4) ... المغني 8/234.
(5) ... الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار 491، 492 تحقيق سامي مكي العاني – بغداد، 1972م.(4/21)
الأصل أن الوقف لا بد أن يكون على بر(1) ووجوه البر كثيرة لكن تجد في أوقاف الماضين من يطلق ويجعل وقفه في وجوه البر وبعض الفقهاء إذا كانت عبارة الواقف تفيد كون وقفه على بر يقيِّد ذلك بالآية الواردة في سورة البقرة وهي قوله تعالى: ? ?? } صدق الله العظيم - الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم - ? الله الله } - جل جلاله - } - ? - - ? - - - المحتويات - ? بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر ? الله ? - الله أكبر - ?? الله أكبر ? الله ?? - - - ? الله ? الله - - جل جلاله -? المَشْرِقِ - - - - { الله أكبر الله أكبر ?? الله ? - ? - - الله ? الله الله ?- جل جلاله -? - الله أكبر - ? الله ? الله الله } - جل جلاله - } - ? - - ?? الله ? الله ? الله ? - - ? - جل جلاله - - ? - - - - جل جلاله - - ? إلى قوله: ? ? الله الله أكبر - - - ? الله ? الله ? - الله ? - ? - - - عليه السلام -? - ? الله ? - - جل جلاله -? الله - جل جلاله - الله أكبر - - - ? - ? - - - عليه السلام -? الله الله أكبر - ? - الله أكبر - ? - ? - - - عليه السلام -? الله ? - الله أكبر الله أكبر الله - الله - - ? - - الله ? الله ? - - جل جلاله -? - الله أكبر الله أكبر الله { الله ? - ? - - الله ? الله ? صدق الله العظيم الله أكبر - - - الله ? - ? - - جل جلاله - - - الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله { ? - - الله ? - - جل جلاله -? تمهيد - ? - - - عز وجل - - الله أكبر الله أكبر { ? - - الله ? ? الله ? - - - الله الله أكبر ? الله - - ? - - .. ? [البقرة: 77] (2).
وفي شذرات الذهب أن بهاء الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن عبدالرحمن الدمشقي أوقف أوقافاً على وجوه البر(3).
10 – البريد:
__________
(1) ... المغني 8/238.
(2) ... ينظر طبقات الشافعية للسبكي 6/184.
(3) ... شذرات الذهب 6/54.(4/22)
ذكر صاحب النجوم الزاهرة في حوادث 747هـ أنه ورد الخبر إلى السلطان(1) باختلال مراكز البريد بطريق الشام قال: فأخذ من كل أمير مقدم ألف أربعة أفراس…. وكُشف عن البلاد المرصدة للبريد فوجد ثلاث بلاد منها وقف الملك الصالح إسماعيل؛ وَقَفَ بعضها، وأخرج باقيها إقطاعات، فأخرج السلطان عن عيسى بن حسن الهجان بلداً تعمل(2) في كل سنة عشرين ألف درهم وثلاثة آلاف إردبّ وجعلها مرصدة لمراكز البريد(3) .
17 – الوقف على البلاد المقدسة:
ورد في كتب التاريخ والتراجم والأدب وغيرها من كتب التراث جملة من الأخبار التي تفيد بوجود أوقاف كثيرة على البلاد المقدسة مثل مكة والمدينة أو على المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومن ذلك:
أ – ذكر ياقوت في معجم الأدباء أن أحمد بن عبدالوهاب بن هبة الله ابن السيني مؤدب الخلفاء وقف وقوفاً على مكة والمدينة(4).
ب – في صبح الأعشى نقل عن تاريخ المدينة لابن النجار أنه كان بمصر أوقاف على مسجد الرسول @ ومرافقه من إضاءة
وتطييب(5).
__________
(1) ... كان السلطان آنذاك هو حاجي بن محمد بن قلاوون.
(2) ... هكذا وقد يكون اللفظ "تحمل" بالحاء أي يحمل منها.
(3) ... النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة 10/157، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، ولم يذكر عدد الطبعة ولا تاريخها، عدد المجلدات (16) تأليف جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكي.
(4) ... معجم الأدباء ياقوت بن عبدالله الحموي 1/465 دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1)، 1411هـ.
(5) ... صبح الأعشى للقلقشندي 4/304 نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية، صورتها وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر ولم تذكر عدد الطبعة المصورة ولا تاريخها.(4/23)
ج – أوقف الملك الصالح بن محمد بن قلاوون ناحية سردوس على كسوة الكعبة(1).
د – ذكر ابن كثير أن صلاح الدين الأيوبي ~ قد أوقف أوقافا على المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمدارس بالقدس بعد استعادتها من الإفرنج(2).
هـ – في معجم الأدباء أن الوزير علي بن عيسى بن الجراح ~ أشار على المقتدر أن يقف العقار ببغداد على الحرمين والثغور وغلتها ثلاثة عشر ألف دينار في كل شهر والضياع الموروثة بالسواد وارتفاعها نيف وثمانون ألف دينار سوى الغلة ففعل ذلك وأشهد على نفسه الشهود وأفرد لهذه الوقوف ديوانا سماه ديوان البر(3).
12 – التزويج:
من الأوقاف التي وجدت سنة 878هـ وقف تزويج الأيامى يعطى كل من تزوج من فقراء الحنابلة(4).
13 – الثغور(5):
أ – أوقف الخليفة المقتدر ~ ما غلته تسعون ألف دينار على الحرمين وعلى الثغور وأنشأ ديوانا للوقف سماه ديوان البر.
__________
(1) ... الدرر الكامنة 2/303 لابن حجر العسقلاني مطبعة المدني، القاهرة ط (2) 1966م تحقيق محمد سيد جاد الحق وكسوة الكعبة يمكن أن تكون مصرفاً.. مستقلا.
(2) ... البداية والنهاية 11/326، 327، 351.
(3) ... معجم الأدباء 4/189.
(4) ... الدارس في تاريخ المدارس 2/126 لعبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي ت 1927هـ تحقيق جعفر الحسني، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق مطبعة الترقي دمشق 1367هـ.
(5) ... جمع ثغر وهو الموضع الذي يكون حداً بين بلاد المسلمين والكفار. القاموس الفقهي ص 51 لسعدي أبو جيب، دار الفكر ط (1) 1402هـ.(4/24)
ب – ذكر ياقوت الحموي ~ ما خلاصته أن موسى الهادي بنى مدينة بإزاء قزوين تعرف بمدينة موسى وابتاع أرضاً ووقفها على مصالح تلك المدينة: ونقل عن محمد بن إبراهيم الأصبهاني قال: "واجتاز الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان فاعترضه أهل قزوين وأخبروه بمكانهم من بلد العدو وعنائهم في مجاهدتهم وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم فسار إلى قزوين ودخلها وبنى جامعها وكتب اسمه على بابه في لوح حجر وابتاع بها حوانيت ومستغلات ووقفها على مصالح المدينة وعمارة قبتها وسورها…".
14 – الجيش:
أ – أمير الجيوش بمصر بدر الجمالي وقف ضياعاً وقرى على الجيش ويسمى بالحبس الجيوشي.
ب – زين الدين عبدالباسط خليل بن إبراهيم الدمشقي ت 458هـ ناظر الجيوش بالديار المصرية يقف وقوفا على الجيش والمدارس بالحرمين والقدس ومصر ودمشق(1).
ج – كانت بعض القرى وقفاً على المقطعين أي المقاتلة غير المسجلين في الديوان(2).
15 – الضعفاء(3):
في بعض روايات وقف عمر أنه تصدق به على الضعفاء والمساكين وابن السبيل.
16 – العلماء:
الإمام النيسابوري عبدالملك بن أبي عثمان بن محمد بن إبراهيم يوقف أوقافاً على الفقراء وخزانة كتب على العلماء(4).
17 – الفقراء والمساكين:
__________
(1) ... الدارس في تاريخ المدارس 2/142، وينظر النجوم الزاهرة 15/552.
(2) ... تاج العروس للزبيدي 5/475، المطبعة الخيرية بمصر ط (1) 1306هـ.
(3) ... سير أعلام النبلاء 12/159، وضعف شعيب الأرناؤوط إسناده ثم عزاه إلى البخاري من طريق أخرى لكن ما في البخاري ليس فيه ذكر للضعفاء.
(4) ... سير أعلام النبلاء 17/257.(4/25)
فيه وقف عمر >، وقد ورد أن عليا > أوقف ضيعتين على فقراء المدينة إلا أن يحتاجها الحسن أو الحسين(1). وهذا من أشهر مصارف الوقف فلا يحتاج إلى كثرة أمثلة.
18 – المدارس الشرعية:
أ – عثمان بن صلاح الدين الأيوبي يبني المدرسة العزيزية بدمشق ويوقف عليها الأوقاف(2).
ب – صاحب إربل مظفر الدين أبو سعيد كبوري يوقف أوقافا كثيرة على المدارس(3).
ج – ذكر ابن خلدون ~ أنه كثرت الأوقاف على المدارس والزوايا والرباطات في دولة الترك (الأيوبيون والمماليك) (4).
د – أوقف إبراهيم باشا بن عبدالمنان الدمشقي المتوفى 1043هـ أملاكه وعقاراته على تدريس الفقه بدمشق(5).
19 – المساجد:
لم يزل المسلمون قديماً وحديثاً يبنون المساجد ويقفون الأوقاف على مرافقها من إنارة وفرش وسقاية وغيرها والأمثلة على ذلك كثيرة(6).
20 – المسلمون:
الأصل في الأوقاف أو غالبها أن تكون على المسلمين أو على فئة منهم ولكن قد يكون الوقف على عموم المسلمين ومن ذلك:
__________
(1) ... تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله @ من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، لأبي الحسن علي بن محمد الخزاعي التلمساني، ص 574 تحقيق أحمد محمد سلامه، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – القاهرة 1980م.
(2) ... وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلّكان 3/270 تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد – مكتبة النهضة المصرية القاهرة ط (1) 1948م.
(3) ... المصدر نفسه 6/205.
(4) ... العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون 1/778، 779 دار الكتاب اللبناني بيروت 1961م ط (2).
(5) ... خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي 1/30.
(6) ... ينظر مثلا: وفيات الأعيان 3/128، شذرات الذهب 3/261، تاريخ ابن خلدون "العبر" 5/91.(4/26)
أ – لما فتح عمر > الفتوح جعل أرض الغنيمة – أرض العنوة – وقفاً على المسلمين كما ذكره الفقهاء(1).
ب – وقف الخطيب البغدادي ~ كتبه على المسلمين(2).
21 – المصحات والمستشفيات:
يلاحظ أن الأوقاف على المصحات والمستشفيات كثيرة وتسمى البيمارستان(3) فهذه توقف عليها الأوقاف المغلة، وتوقف عليها الكتب ومن أمثلة ذلك:
أ – نور الدين محمود بن زنكي بنى بيمارستانا ومدرسة ودار حديث في دمشق وأوقف عليها الأوقاف(4).
ب – معز الدولة بن بويه يبني مارستانا ببغداد ويوقف عليه الأوقاف بما قيمته خمسة آلاف دينار(5).
ج – أوقف نور الدين زنكي كثيراً من كتب الطب على بيمارستان دمشق(6).
د – أوقف فخر الدين المارديني الطبيب كتبه في الطب على أهل ماردين(7).
هـ – بنى الملك المنصور بيمارستانا في القاهرة وقرر له وقفاً مقداره في السنة أربعون ألف مثقال ذهب(8).
المثقال = 4.25 جرام فتكون غلة هذا الوقف مائة وسبعين ألف جرام من الذهب.
__________
(1) ... مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لمحمد بن أحمد الشربيني 2/377، دار إحياء التراث العربي بيروت 1933م.
(2) ... وفيات الأعيان 1/77.
(3) ... لفظة فارسية استعملتها العرب ومعناه "مجمع المرضى" لأن "بيمار" معناه المرض، و"ستان" هو الموضع. ينظر قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل لمحمد الأمير بن فضل الله المحبي ت 1111هـ 1/320 مكتبة التوبة الرياض (1) 1415هـ تحقيق د. عثمان بن محمود الصيني.
(4) ... شذرات الذهب 4/230.
(5) ... المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي 7/33 – مطبعة دائرة المعارف العثمانية ط (1) 1358هـ.
(6) ... الوافي بالوفيات صلاح الدين خليل بن أيبك 4/24.
(7) ... المصدر نفسه 3/255.
(8) ... زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لخليل بن شاهين الظاهري ت 873هـ تحقيق بولس راويس طبع مدينة باريس، المطبعة الجمهورية 1894م ص 29.(4/27)
و – ... عضد الدولة البويهي يبني المارستان في بغداد ويوقف عليه الأوقاف فقد قال ابن الجوزي ~ في ترجمته: "واستحدث المارستان… وجلب إليه ما يصلح لكل فن وعمل بين يديه سوقاً للبزازين ووقف عليه وقوفاً كثيرة وعمل له أرحاء بالزبيدية من نهر عيسى ووقفها عليه"(1).
22 – المقابر:
المقصود بالوقف على المقابر هبة الأرض، وجعلها وقفاً للدفن ووقف الأوقاف لعمل اللبن، وحفر القبور، وتهيئة ما يحتاج إليه لدفن الميت، وأما الوقف على القبور لبناء المشاهد عليها وإنارتها والقراءة عليها فكله من البدع المحدثة التي ضل بها كثيرون بسب الجهل وقد يصل الأمر ببعض أصحابها إلى الشرك.
نسأل الله العافية. والأمثلة على الوقف المشروع على المقابر كثيرة مشاهدة قديما وحديثاً لأنها مما يحتاج إليه المسلمون في كل زمن(2).
23 – الموالي :
وفي هذا دلالة على رحمة المسلمين بمواليهم من العبيد والإماء فقد وُقفت عليهم الأوقاف ومن ذلك:
أ – كان عبدالرحمن بن أحمد بن محمد الإدريسي المكناسي المتوفى 1085هـ ~ يعتق العبيد ويوقف عليهم الأوقاف(3).
ب – أوقاف السليمانية بدمشق كانت للمعتقين من العبيد
وذراريهم(4).
24 – أهل البيوتات وذوو الأقدار:
قد تصيب بعض علية القوم مصائب وكوارث، وتأبى عليهم نفوسهم وأقدارهم أن يسألوا الناس فراعى بعض أصحاب الأموال هذا الجانب وأوقفوا الأوقاف في هذا المصرف ليقيلوا بها ذوي الأقدار عثراتهم.
ومن الأمثلة على هذه الوقوف:
__________
(1) ... المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 7/114.
(2) ... ينظر شذرات الذهب 5/122، 147. والفتاوى الهندية (عالمكير) 2/464 –473، دار إحياء التراث بيروت، ط (4).
(3) ... خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 2/347.
(4) ... المصدر نفسه 4/385، 386.(4/28)
أ – أوقف حميد بن عبدالحميد الطوسي ضياعاً على أهل البيوتات وذوي الأقدار غلتها مائة ألف دينار أيام المأمون(1).
ب – أوقف الملك عنبر ملك الهند المتوفى سنة 1035هـ أرضاً في مدينة بيجافور في الدكن تصرف غلاتها على السادة والعرب(2).
ج – أوقف أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح ا لهمداني السبيعي الحلبي المتوفى 371هـ حمام السبيعي على العلوية(3).
25 – أهل الحديث:
الوقوف على أهل الحديث الذين يعتنون بالسنة كثيرة في المصادر مما يدل على عناية الأمة بسنة رسول الله @ من قبل أهل العلم وأهل المال وأهل السلطان ومن الأمثلة على هذا المصرف:
أ – نور الدين محمود زنكي ~ يبني داراً للحديث ومكاتب للأيتام والمساجد في دمشق ويقف عليها ما قيمته كل شهر تسعة آلاف دينار صورية(4).
ب – ملك الديار المصرية والشام ناصر الدين محمد بن العالي بنى في القاهرة سنة 635هـ دار حديث ورتب لها وقفا جيداً(5).
ج – كان للإمام الفقيه دعلج بن أحمد المتوفى سنة 351هـ صدقات جارية على أهل الحديث بمكة والعراق وسجستان(6).
د – لأحمد بن طولون أوقاف جزيلة على دار بناها لأهل
الحديث(7).
26 – تأليف الكتب:
__________
(1) ... زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لخليل بن شاهين الظاهري ت 873هـ تحقيق بولس راويس طبع مدينة باريس المطبعة الجمهورية 1894م ص 29.
(2) ... خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 3/233.
(3) ... تذكرة الحفاظ لأبي عبدالله شمس الدين محمد الذهبي 3/952، دار إحياء التراث العربي.
(4) ... كتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسي ت 665هـ 1/10، دار الجيل – بيروت, والدنانير الصوريّة يظهر أنّها من ضرب مدينة صور.
(5) ... شذرات الذهب 5/172.
(6) ... تذكرة الحفاظ 3/881، والبداية لابن كثير 11/242.
(7) ... البداية والنهاية 11/103.(4/29)
من الأوقاف التي وجدت سنة 878هـ وقف يسمى وقف الأعراض ويُعطى منه كل من ألف كتاباً على مذهب الإمام أحمد(1) وقياساً عليه في هذا الزمان لو وقفت الوقوف التي يؤخذ من ريعها للأبحاث النافعة للمسلمين سواء في أحكام الشرع أم في البحوث الطبية والهندسية وسائر ما ينتفع به المسلمون حقيقة.
27 – تعليم القرآن الكريم:
وقفت الوقوف لتعليم القرآن الكريم والتشجيع على تعلّمه وبناء الدور له، ومما يجدر بالملاحظة أن بعض هذه الأوقاف مخصص لمن تعلم القرآن الكريم ممن لم يسبق لهم تعلمه من الشيوخ والكهول حثاً لهم على استدراك أعمارهم بعظيم ينفعهم ومن أمثلة الوقوف في هذا المجال:
أ – ذكر ابن بطوطة في رحلته أن مدرسة بربض الصالحية شمال دمشق تسمى مدرسة ابن عمر موقوفة على من أراد أن يتعلم القرآن الكريم من الشيوخ والكهول، وتجرى لهم ولمن يعلمهم كفايتهم من المآكل والملابس(2).
ب – ذكر النعيمي في كتابه: الدارس في تاريخ المدارس أن رجلاً يقال له زين الدين دلامة بنى داراً للقرآن الكريم ورتب لها إماما وقِيما وعاملا وناظراً ويجري عليهم الرواتب والأرزاق وتوفي هذا الرجل سنة 853هـ(3).
ج – قال النعيمي ايضا: وكان لرشا بن نظيف المتوفى 444هـ دار موقوفة على القراء، وكذلك ذكر أن علم الدين الصابوني يوقف الأوقاف على دار القرآن الصابونية(4).
د – بنى التاجر بافريدون المتوفى 749هـ مدرسة بدمشق وجعلها داراً للقرآن وأوقف عليها أوقافا جيدة(5).
28 – الحجر الصحي:
__________
(1) ... الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 2/126.
(2) ... تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لمحمد بن عبدالله اللواتي المشهور بابن بطوطة 1/14، 15، مؤسسة الرسالة بيروت، ط (2) 1399هـ تحقيق د. علي المنتصر الكناني.
(3) ... الدارس في تاريخ المدارس 1/9، 10.
(4) ... المصدر نفسه 1/11 –17.
(5) ... البداية والنهاية 14/277.(4/30)
ذكر الفقيه المالكي أبو عبدالله محمد بن حسون بن أيوب المزجلوي ~ في معرض جوابه عن أسئلة وجهت إليه أن من الأحباس بقعة كان القصد من وقفها الأضرّاء بالجذام إذا كثروا ليكونوا بناحية عن الناس لئلا يضروا بالناس(1).
29 – دور الضيافة:
وهذا المصرف أعم من مصرف أبناء السبيل، ومن الأمثلة عليه أن الخليفة المستنصر أحيا أرضاً وأوقفها على دور ضيافة الفقراء في بغداد(2).
30 – رصف الطرق وتعديلها:
ذكر ابن بطوطة في رحلته عند حديثه عن أوقاف دمشق أن من المصارف أوقافا على تعديل الطريق ورصفها قال: لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما ا لمترجلون ويمر الركبان بين ذلك(3).
31 – زوجات النبي @:
في مراصد الاطلاع أن عبدالرحمن بن عوف > تصدق بسهمه من أموال بني النضير على زوجات الرسول @(4).
32 – سقاية الماء وتوفيره:
سقاية الماء تشمل حفر الأنهار والآبار، وإجراء العيون وفتح القنوات وإيصال المياه إلى مواضع حاجة الناس إليها وتوفير آلات استخراج هذه المياه وهذا سبيل قديم قدم حاجة الناس إلى الماء ومن حين شرع الوقف. ومن ذلك أن عثمان > اشترى بئر رومة ووقفها على المسلمين، وفي بعض روايات البخاري أنه > قال لما حوصر: "أنشدكم الله ولا أنشد إلا أصحاب النبي @ ألستم تعلمون أن رسول الله قال: من حفر بئر رومة فله الجنة، فحفرتها؟…"(5).
33 – سقي الحجيج:
__________
(1) ... المعيار المعرب لأحمد بن يحيى الونشريسي ت 914هـ 7/38، 39 دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1401هـ.
(2) ... مراصد الاطلاع لابن عبدالحق البغدادي 2/953. وانظر رحلة ابن جبير 16، 17.
(3) ... تحفة النظار 1/118.
(4) ... مراصد الاطلاع 2/1191.
(5) ... صحيح البخاري 564. وينظر في وقف وسقاية الماء بالصور المذكورة: شذرات الذهب 5/261.(4/31)
سقاية الحاج مما يتقرب إلى الله تعالى به وقد كانت قريش تتنافس عليها، ويعدونها من أفضل القرب، وبعد الإسلام جُعلت السقاية إلى العباس بن عبدالمطلب حين سألها رسول الله @ وقد شجعهم عليه الصلاة والسلام وقال: "اعملوا فإنكم على عمل صالح" ثم قال: "لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه" يعني عاتقه، واشار إلى عاتقه(1). ومن الأمثلة على ذلك:
أ – أوقفت رملة بنت عبدالله بن عبدالملك بن مروان دارا بمكة يسقى فيها الشراب للحجيج(2).
ب – إقبال الشرابي ت 653هـ جدد عين عرفة التي في الموقف وأجرى ماءها لانتفاع الحجيج به وأوقف على ذلك أوقافاً سنية(3).
وأعمال زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر زوجة الرشيد رحمهم الله في هذا المجال أشهر من أن تذكر(4).
34 – سكنى الحجيج وإطعامهم:
أ – أوقف عمر بن الخطاب > داره التي في مكة على الحجاج(5).
ب – تصدق عمر بن عبد العزيز ~ بداره على الحجاج والمعتمرين(6).
ج – أوقف المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ضيعة له لعمل طعام بمنى أيام الحج(7).
35 – طريق الحج:
أوقف السلطان أحمد بن محمد بن مراد أوقافاً على طريق الحج بين مصر ومكة(8).
36 – طلاب الأدب:
أوصى مسلمة بن عبد الملك بالثلث من ماله لطلاب الأدب(9).
37 – العاجزون عن الحج:
__________
(1) ... صحيح البخاري 324: وفيه أيضا أنّ العباس > استأذن رسول الله @ أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له.
(2) ... أخبار مكة لمحمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي ت 244، 2/249 تحقيق رشدي الصالح ملحس دار الثقافة، بيروت ط (3) 1979م.
(3) ... شذرات الذهب 5/261.
(4) ... وينظر أخبار مكة 237، 327.
(5) ... أخبار مكة 2/263.
(6) ... المصدر نفسه 2/241.
(7) ... كتاب نسب قريش لمصعب الزبيري 2/305، 306.
(8) ... خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 1/290.
(9) ... أخبار مكة 2/38.(4/32)
ذكر ابن بطوطة ~ في رحلته أثناء حديثه على الأوقاف في دمشق أن منها أوقافاً على العاجزين عن الحج يعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته(1).
38 – في سبيل الله:
في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة > قال: أمر رسول الله @ بصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس بن عبدالمطلب فقال النبي @: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله…" الحديث(2).
والأمثلة على ذلك كثيرة وفي ما تقدم كفاية(3).
39 – المحاويج والأرامل:
كان لنور الدين محمود زنكي أوقاف دارّه على جميع أبواب الخير وعلى الأرامل والمحاويج(4).
40 – مدارس الطب:
عبدالرحيم بن علي الداخور (الطبيب) أوقف داره في دمشق مدرسة للطب(5).
41 – المراصد الفلكية:
عيّن هولاكو التتري نصير الدين الطوسي على المراصد الفلكية وعلى أوقافها في مختلف البلاد(6).
42 – المساجين:
أوقف عبدالله بن مشكور الحلبي ناظر الجيش والمتوفى سنة 778هـ أوقافاً على المساجين(7).
43 – الوقف على الجيران:
قال في الفتاوى الهندية: "إذا أوقف على جيرانه ففي القياس يصرف إلى الملاصق، وفي الاستحسان يصرف إلى من يجمعه وإياهم مسجد المحلة"(8).
44 – وقف الكتب وغيرها على الجوامع:
__________
(1) ... تحفة النظار 1/118.
(2) ... صحيح البخاري 292، 293.
(3) ... ينظر سير أعلام ا لنبلاء 1/275، والبداية والنهاية 9/139.
(4) ... البداية والنهاية 12/278.
(5) ... فوات الوفيات 2/315. ويظهر أن هذا الوقف الذي سبق ذكره في مصرف (الأطباء) فقد ذُكر في ثلاثة مصادر لكن اختلفت العبارات.
(6) ... الوافي بالوفيات 1/182، 183 نشر سنة 1962م.
(7) ... الدرر الكامنة 2/412.
(8) ... الفتاوى الهندية 2/390 والقياس فيما يظهر ما كان على وفق القواعد المقررة بالأدلة،= =والاستحسان ما استثني من القاعدة لدليل، ولعل الدليل هنا هو العرف، والله تعالى أعلم.(4/33)
أ – أحمد بن يوسف المنازي الكاتب وزير أحمد بن مروان الكندي كان يهتم بجمع الكتب ووقفها على جامعي ميافارقين وأمد توفي ~ سنة 437هـ(1).
ب – أوقف نور الدين محمود زنكي قرية على جامعه الذي بناه في الأصل(2) .
المبحث الثالث
مجالات الوقف ومصارفه العصرية
من المتقرر شرعاً أن مصرف الوقف في الجملة هو البر والقربة ووجوه البر كثيرة ومتجددة بتجدد صور حاجات الناس وما ينتفعون به في أمور دينهم وأمور دنياهم. وهذه المصارف منها مصارف متكررة مشتركة لا فرق فيها بين زمن وزمن، وإن كانت قديمة الجنس إلا أن بعض وجوه الصرف فيها جديدة مثل: تكييف المساجد وفرشها، وطباعة الكتب الشرعية ونشرها، ونحو ذلك. ومن هذه المصارف مصارف جديدة حدثت بسبب تجدد الحاجات الناتجة عن تغير أحوال الناس وكيفية حياتهم وسبل معاشهم… إلخ ومن هذه المصارف الجديدة ما يأتي:
1 – الإعلام:
وقد عُرِّف الإعلام بأنه: (تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة، والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع، أو مشكلة من المشكلات) (3).
ويمكن عن طريق الإعلام الهادف تبصير الناس بدينهم، ودحض الشبهات، وبيان الإسلام على حقيقته، ودعوة الناس إليه، وتبليغ دعوة النبي @.
ومن أهداف الإعلام الإسلامي إيجاد البديل النافع للمجتمع المسلم، وللأسرة المسلمة وللفرد المسلم؛ وهذا كله داخل في باب البر ذلك الباب الواسع المنضبط لمصارف الوقف. ومن حيث الواقع فإن مؤسسة الوقف الإسلامي من أبرز الجهات الوقفية ا لمهتمة بهذا الجانب، فهي تصدر مجلتي: (الأسرة) و(مساء) باللغة العربية، ومجلة دعاء باللغة التركية.
__________
(1) ... وفيات الأعيان 1/26 و 1/143 دار صادر بيروت تحقيق/ إحسان عباس.
(2) ... شذرات الذهب 4/229.
(3) ... الإعلام والاتصال بالجماهير، د. إبراهيم إمام. ص 12، ط (1)، 1969م، مكتبة الانجلو المصرية.(4/34)
2 – إقامة الدورات الشرعية أو الإسهام فيها(1).
3 – إيجاد فرص عمل للعاطلين أو الذين لم يجدوا مجالاً يعملون فيه(2).
ولا شك أن هذا يأتي بضوابطه من اختيار المؤهلين ومراعاة مصلحة كلٍ من الوقف والجهة المذكورة.
4 – بناء المساكن لأئمة ومؤذني المساجد.
فيوقف على كل مسجد مسكن للإمام ومسكن للمؤذن إعانة على الانتظام في الحضور لقرب السكن من المسجد، وتشجيعاً لهما على القيام برسالة المسجد. وقد انتشر هذا النوع من الوقف لا سيما في البلاد السعودية ولله الحمد. والوقف على الأئمة والمؤذنين في غير السكن موجود قبل توفير الإعانات الشهرية من قبل ولاة الأمر(3).
5 – تخفيف الآلام عن المصابين وأصحاب الحمالات(4).
ومثل هذا النوع من أبواب البر قديم قدم الشرائع ولكن الجدة فيه، من حيث كونه مصرفاً من مصارف الوقوف الحديثة.
6 – التفريج عن المعسرين عن طريق القروض المؤجلة أو المساعدات(5).
وهذا من المصارف التي ذكرها من يرى جواز وقف النقود، ويتم ذلك بعدة وجوه منها إقراض المعسرين وإنظارهم(6).
وهذا المصرف في الصورة الحديثة يكون بالإقراض من غلة الوقف لا من أصله كما في وقف النقود.
7 – تفطير الصائمين:
__________
(1) ... خطاب جوابي من مؤسسة الحرمين الخيرية برقم 2128/20/28 وتاريخ 22/11/1420هـ.
(2) ... عن صك مقترح لوقف زود به الدكتور يحيى اليحيى – جزاه الله خيراً – وأفاد أن هذا الصك المقترح عمل به في وقف أثبت في المحكمة ا لكبرى في المدينة النبوية.
(3) ... وينظر في ذلك فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ~ 9/88, 89، 113 ط (1) مطبعة الحكومة بمكة المكرمة 1399هـ.
(4) ... عن صك مقترح سبق ذكره.
(5) ... المصدر السابق.
(6) ... رسالة في وقف النقود لأبي السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي. ت 983هـ، مخطوطة بالمكتبة المركزية بجامعة الملك سعود ف 1633 ص 1.(4/35)
في زمان قريب كانت توقف الأوقاف على تفطير الصائمين بكثرة(1) وفي هذا الوقت انتشر تفطير الصائمين بكثرة ولكن في الغالب من صدقات مقطوعة.
8 – تكييف المساجد وتهويتها.
وذلك بسبب تغير حياة الناس وحاجتهم إلى آلات التهوية والتكييف العصرية وهذا مما يعين على الخشوع في الصلاة وعدم الانشغال عنها
بسبب الحر والبرد، وقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى على أن الصلاة
تكره في محلٍ شديد الحر أو البرد لأنه يذهب الخشوع الذي هو لب
الصلاة(2).
9 – تمويل مسابقات إذاعة القرآن الكريم(3).
وهذا المصرف فيه إعانة على البر والتشجيع على حفظ القرآن الكريم والعناية به وهو من أشرف المقاصد. والعناية بالقرآن ليست جديدة إنما الجدة في الصورة المذكورة.
10 – دعم المراكز الإسلامية(4).
المراكز الإسلامية تنتشر – ولله الحمد – في أنحاء العالم وغالبها في بلاد غير المسلمين تفيد منها الأقليات الإسلامية في تلك البلاد فهي منارات خير وهدى، وسبب لاتصال المسلمين ببعض، واتصالهم بالمسلمين خارج بلادهم، فيها تبصير بأمور الدين وتعاون على البر والتقوى، وهذه المراكز تحتاج إلى المال وإلى الدعاة والأوقاف مصدر ثابت في الغالب فدعمها بالأوقاف متعين.
11 – دعم المعاهد والكليات الخيرية في العالم الإسلامي(5).
12 – دعم النشاطات الدعوية التي لا يجوز الصرف عليها من الزكاة، ولها أهميتها(6).
__________
(1) ... فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبرااهيم 9/185 وكذلك عدة وصايا وينظر التقرير السنوي 1420 –1421هـ لمؤسسة الوقف الإسلامي ص 27.
(2) ... المصدر السابق 9/54.
(3) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/20/28.
(4) ... المصدر السابق.
(5) ... المصدر السابق.
(6) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/20/28.(4/36)
13 – رعاية أسر من غاب عنهم عائلهم وتوفير الاحتياجات اللازمة لهم فترة غياب عائلهم(1).
وأصل ذلك قول النبي @:"من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في سبيل الله بخيرٍ فقد غزا"(2) وهذا المصرف من التضامن والتعاون والتراحم بين المسلمين.
14 – طباعة الكتب وتوزيعها ونشرها(3).
وهذا المصرف قديم الجنس جديد الصورة، صورته الجديدة أوسع بكثير مما كان في الماضي. لسهولة توفير النسخ عن طريق الطباعة.
15 – المشاركة والإسهام في تكاليف علاج الحالات المرضية المستعصية ا لتي تتطلب علاجاً خاصاً لا يتوفر في المستشفيات العامة(4).
16 – المنكوبون بحوادث السيارات والهدم والحرائق وغيرها إذا احتاجوا بشرط أن لا يكون المتسبب قد فرط أو أهمل(5).
17 – نسخ وتوزيع الأشرطة الإسلامية(6).
والأشرطة الإسلامية في هذا الزمن شقيقة الكتاب وأثرها ظاهر، فهي من أعظم اسباب الدعوة، فكم اهتدى بها من شخص، فيها حفظ للمحاضرات والندوات والفتاوى وغيرها, وتسجل بعدة لغات.
مصارف أخرى
1 – الأرامل، وهذا موجود من قديم(7).
2 – الأضاحي(8).
__________
(1) ... عن صك وقفي مقترح سبقت الإشارة إليه.
(2) ... صحيح البخاري ص 577.
(3) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/ 20/28 وكذلك صك وقف صادر عن المحكمة الشرعية بالدلم برقم 56/3/11 في 8/4/1416هـ.
(4) ... عن صك وقفي مقترح سبقت الإشارة إليه.
(5) ... صك وقفي صادر من المحكمة الكبرى بالرياض لم يتيسر الحصول على رقمه وقد اشترط الواقف أن يكون محل الصرف من أهل السنة والجماعة.
(6) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/ 20/28.
(7) ... صك وقفي مقترح. سبقت الإشارة إليه.
(8) ... فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 9/69، 97، 157.(4/37)
والوقوف على الأضاحي كثيرة جداً وبخاصة عند أهل نجد لكنها وقوف على أضاحٍ يُضحى بها عن الميت أو عن والديه أو أحد أقاربه أو أحبابه ولم أجد حسب اطلاعي في الأوقاف القديمة شيئاً من ذلك، وإنما كان المضحي يضحي من مال الحاضر ولا يوصي أو يقف لذلك وقفا.
3 – الحج(1).
بعض الوقوف يكون على وجوه البر ويذكر من تلك الوجوه الحج عنه مرة أو مرتين أو أكثر.
4 – الدعوة إلى الله(2).
وهذا مصرف عام، وهناك مصارف صورتها جديدة تدخل تحت هذا المصرف العام سبق الإشارة إلى بعضها.
5 – اليتامى(3).
والوقف على اليتامى مصرف مهم لا سيما في هذا العصر لكنه لا يوصف بالجدة، وما أكثر اليتامى من المسلمين الذين فُقد آباؤهم وأمهاتهم في الحروب الظالمة في أفغانستان، والشيشان، والبوسنة، وكوسوفا، وكشمير.
6 – بناء المساجد(4).
وهو مصرف متجدد تمس الحاجة إليه دائماً.
7 – تجهيز الغزاة(5).
8 – تحفيظ القرآن الكريم(6).
9 – توزيع المصاحف(7).
10 – توفير السكن المؤقت لطلبة العلم المحتاجين(8).
__________
(1) ... عن صك وقفي صادر من محكمة تيماء برقم 398 وتاريخ 17/11/1415هـ.
(2) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/ 20/28، وكذلك صك وقفي صادر من المحكمة الكبرى بالرياض. لم يتيسر الحصول على رقمه.
(3) ... صك وقفي مقترح. سبقت الإشارة إليه.
(4) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/ 20/28، وكذلك صك وقفي صادر من المحكمة الكبرى بالرياض. لم يتيسر الحصول على رقمه.
(5) ... عن صك وقفي صادر من محكمة الدلم برقم 54/5/3 وتاريخ 1/7/1420هـ.
(6) ... عن صك وقفي صادر من محكمة تيماء برقم 159/1 وتاريخ 22/8/1418هـ. وكذلك صك وقفي صادر من المحكمة الكبرى بالرياض. لم يتيسر الحصول على رقمه.
(7) ... عن صك وقفي صادر من محكمة الدلم برقم 56/3/11 وتاريخ 8/4/1416هـ.
(8) ... عن صك وقفي مقترح سبقت الإشارة إليه.(4/38)
11 – توفير السكن الملائم للمحتاجين عن طريق القرض أو التبرع(1).
12 – دورات المياه بجانب المساجد والطرق وغيرها(2).
13 – سُقيا الماء وتبريده(3).
14 – صيانة الأوقاف(4).
15 – مساعدة الفقراء والمحتاجين(5).
خلاصة البحث
1 – الراجح أنه يجوز للواقف أن يأكل من وقفه، وأن يستثني لنفسه منه.
2 – تقسم الغلة على من عينه الواقف بحسب صيغته.
3 – الراجح أن الوقف المنقطع صحيح ويوضع حيث المصلحة وأولى جهة هم الفقراء من أقارب الواقف.
4 – إذا وقف الإنسان وقفاً ولم يعين مصرفه فهو صحيح وحكمه حكم الوقف المنقطع الانتهاء.
5 – من مصارف الوقف القديم: (الأسرى – الأطباء – الأقارب – الأولاد – الأيتام – أبناء السبيل – أتباع المذاهب – إعمار الأوقاف – البر – البريد – البلاد المقدسة – التزويج – الثغور – الجيش – الضعفاء – العلماء – الفقراء والمساكين – المدارس الشرعية – المساجد – المسلمون – المستشفيات – المقابر – الموالي – أهل البيوت وذوي الأقدار – أهل الحديث – تأليف الكتب – تعليم القرآن – الحجر الصحي – دور الضيافة – رصف الطرق وتعديلها – سقاية الماء – سقي الحجيج – إسكان الحجيج وإطعامهم – طرق الحج – طلاب الأدب – العاجزون عن الحج – في سبيل الله – المحاويج والأرامل – مدارس الطب – المراصد الفلكية – المساجين – الجيران – وقف الكتب وغيرها على الجوامع.
__________
(1) ... المصدر السابق.
(2) ... فتاوى إسلامية 3/23 جمع محمد بن عبدالعزيز المسند. دار الوطن، الرياض ط (2) 1414هـ.
(3) ... عن صك وقفي صادر من محكمة الدلم برقم 54/5/3 وتاريخ 1/7/1420هـ.
(4) ... خطاب جوابي سابق من مؤسسة الحرمين الخيرية. برقم 2128/ 20/28.
(5) ... المصدر نفسه.(4/39)
6 – من مصارف الوقف العصرية: (الإعلام – إقامة الدورات الشرعية – إيجاد فرص عمل للعاطلين – بناء مساكن للأئمة والمؤذنين – تخفيف الآلام عن المصابين وأصحاب الحمالات – التفريج عن المعسرين عن طريق القرض أو التبرع – تفطير الصائمين – تكييف المساجد – تمويل المسابقات في حفظ القرآن الكريم – دعم المراكز الإسلامية – دعم المدارس الشرعية – الدعوة إلى الله – رعاية أسر من غاب عنهم عائلهم – طباعة الكتب وتوزيعها – المشاركة في علاج الحالات المرضية المستعصية – المنكوبون بحوادث السيارات، والهدم.. – نسخ وتوزيع الأشرطة الإسلامية – تجهيز الغزاة – توفير السكن المؤقت لطلبة العلم – توفير السكن الملائم للمحتاجين قرضا أو تبرعا.
صفحة رقم (878)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة(4/40)
تاريخ الوقف عند المسلمين وغيرهم
إعداد
فضيلة الدكتور/ أحمد بن صالح العبد السلام
صفحة رقم (564)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
تاريخ الوقف عند المسلمين وغيرهم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد..
فإن شريعة الإسلام خاتمة الشرائع، وأفضلها وأتمها وأكملها، فقد جاءت وافية بحاجات الناس ومتطلباتهم في شتى أمورهم، فشرعت لهم فعل الطاعات وترك المنهيات، تقرباً إلى الله وابتغاء مرضاته، ولم يقتصر تحصيل الأعمال الصالحة في ظلها على الحياة الدنيوية فحسب، بل أمتد ليشمل الحياة الأخروية، حيث شرعت من الأسباب ما يحقق تلك الغاية بعد الوفاة، وهي الصدقات الجارية، والتي من أهمها الوقف، ومن المعلوم أن الأوقاف الشرعية في شتى أصنافها كانت رافداً عظيماً لاستمرار حركة العلم والتعليم والتنمية، من عهد الصحابة }، إلى عصرنا الحاضر، وعبر العصور الإسلامية المختلفة، وإن المتأمل لتاريخ الوقف ليجد حرص المسلمين عليه، ويجد كذلك أن الأوقاف لم تكن محصورة على المدارس والمساجد فحسب، بل كانت تشمل أنواع احتياجات المجتمع الإسلامي في ذلك العصر حتى ذكر أهل التاريخ أن هناك وزارة للأحباس في بعض العصور الماضية في المغرب الإسلامي، تشرف على الأنشطة الوقفية في تلك العصور. والتاريخ الإسلامي خير شاهد على ما نقول، ولا يسع المتأمل لمسيرة تاريخ الوقف الإسلامي عبر العصور الإسلامية الماضية، إلا أن يقدر لهؤلاء الكرام جهدهم وأن يدعوا لهم بالرحمة والمغفرة.
وقد جاء إعداد هذا البحث بصورة سريعة ومختصرة، لبيان تاريخ الوقف عند المسلمين من عهد النبي @إلى عصرنا الحاضر، وكذلك تاريخ الوقف عند غير المسلمين، وسمت هذا البحث بعنوان: تاريخ الوقف عند المسلمين وغيرهم.
خطة البحث:
... انتظمت خطة هذا البحث في مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة.(5/1)
الفصل الأول: في حقيقة الوقف، وبيان حكمه، وفيه مبحثان
1 – المبحث الأول: تعريف الوقف.
2 – المبحث الثاني: حكمه وأدلة مشروعيته
الفصل الثاني: تاريخ الوقف وفيه مبحثان
1 – المبحث الأول: تاريخ الوقف عند غير المسلمين.
2 – المبحث الثاني: تاريخ الوقف عند المسلمين وفيه ثمانية مطالب:
- المطلب الأول: حال الوقف في عصر النبي @.
- المطلب الثاني: حال الوقف في عصر الخلفاء الراشدين >.
- المطلب الثالث: حال الوقف في آخر عهد الصحابة }.
- لمطلب الرابع: حال الوقف في عصر الدولة الأموية.
- المطلب الخامس: حال الوقف في عصر الدولة العباسية.
- المطلب السادس: حال الوقف بعد ضعف الدولة العباسية.
- المطلب السابع: حال الوقف في العصر الحديث.
- المطلب الثامن: حال الوقف في المملكة العربية السعودية.
الفصل الثالث: إلغاء الأوقاف الذرية (الأهلية) وفيه ثلاثة مباحث
- المبحث الأول: أقسام الوقف.
- المبحث الثاني: شبه إلغاء الوقف الأهلي.
- المبحث الثالث: إلغاء الوقف الأهلي.
- الخاتمة وأهم التوصيات.
وقد بذلت الجهد والوسع في هذ البحث، رجاء إبراز هذا البحث بأسلوب علمي رصين، مع الحرص على سلامته من الأخطاء اللغوية والإملائية، ومن أراد المزيد والإطلاع، فليراجع مصادر البحث ومراجعه.
وأسأل الله تعالى أن يغفر لي ما حصل مني من خطأ أو زلل في هذا البحث، وأسأله تعالى أن يتقبله، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفصل الأول
في حقيقة الوقف وبيان حكمه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريف الوقف:
أولاً: الوقف في اللغة:
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: الواو والقاف والفاء أصل واحد يدل على تمكث في شيء ثم يقاس عليه( ).
ويطلق الوقف ويراد به الحبس كما أنه يطلق ويراد به المنع.
فأما الوقف بمعنى الحبس فهو مصدر من قولك: وقفت الشيء وقفاً أي حبسته، ومنه وقف الأرض على المساكين، والحُبس بالضم هي ما وقف.(5/2)
وأما الوقف بمعنى المنع: فلأن الواقف يمنع التصرف في الموقوف فإن، مقتضى المنع أن تحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده، وهو خلاف الإعطاء( ).
والجمع أوقاف وأحباس.
وسمى وقفاً: لأن العين موقوفة، وحبساً؛ لأن العين محبوسة( ).
ثانياً: الوقف في الاصطلاح:
عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة، باعتبارات مختلفة، حتى أننا نجد لفقهاء المذهب الواحد أكثر من تعريف.
أولاً: تعريف الحنفية:
أختلف فقهاء الحنفية في تعريف الوقف، والسبب في هذا يرجع إلى اختلافهم في الوقف هل هو لازم أم لا؟ ولذلك فإن فقهاء الحنفية في تعريفهم للوقف يفرقون بين تعريفه على رأي أبي حنيفة وبين تعريفه على رأي الصاحبين.
وتعريف أبي حنيفة للوقف هو: حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدق بالمنفعة على جهة الخير.
وبناء عليه يصح للواقف الرجوع عن الوقف وله بيعه؛ لأن الوقف عند أبي حنيفة غير لازم كالعارية( ).
أما عند الصاحبين الذين يريان أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف فالوقف هو: حبس العين على ملك الله تعالى، وصرف منفعتها على من أحب( ).
ثانياً: تعريف المالكية للوقف:
... عرّف فقهاء المالكية الوقف بأنه:
إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيها ولو تقديراً( ).
وعليه فإن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، وتبرع بريعها لجهة خيرية شرعاً، لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، فلا يشترط فيه التأبيد.
ثالثاً: تعريف الشافعية:
من أشهر تعاريف الشافعية للوقف هو تعريف الشربيني حيث قال: إنه حبس مال يمكن الإنتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود.
وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى( ).
رابعاً: تعريف الحنابلة:
عرفه فقهاء الحنابلة بأنه: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة( ).
وبهذا التعريف تخرج العين عن ملك الواقف وتكون في سبيل الله، لا يجوز بيعها ولاهبتها، ولا الرجوع فيها،(5/3)
ولعل هذا التعريف هو أرجح التعريفات للوقف وذلك لما يأتي:-
1 – أنه مقتبس من قول الرسول @ لعمر بن الخطاب > (أحبس أصله، وسبّل ثمرته) ( ).
2 – أن هذا التعريف اقتصر على ذكر حقيقة الوقف فقط، ولم
يدخل في تفصيلات أخرى دخلت فيها بقية التعريفات، بل ترك بيان ذلك وتفصيله عند الكلام على الأركان والشروط،
إذ إن الدخول في التفاصيل يخرج التعريف عن دلالته.
والله أعلم.
المبحث الثاني: حكم الوقف وأدلة مشروعيته:
أولاً: حكم الوقف:
الوقف جائز شرعاً، وهذا قول جماهير أهل العلم من الحنفية( )، والمالكية( )، والشافعية( )، والحنابلة( )، وهو قول الظاهرية( ).
قال في المغني: وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف( ).
ثانياً: أدلة مشروعية الوقف:
... دل على مشروعية الوقف الكتاب، والسنة، والإجماع، وعمل الصحابة.
1 – الكتاب.
قوله تعالى:( ((( (((((((((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ( [آل عمران:92].
يقول أنس >: لما نزلت هذه الآية ( ((( (((((((((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ([آل عمران:92].
قام أبو طلحة إلى رسول الله @ فقال يا رسول الله: يقول الله في كتابه ( ((( (((((((((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ( وإن أحب أموالي إليَّ بيرحى، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عندالله، فضعها يارسول الله حيث شئت، فقال رسول الله @: ((بخ ذلك مال رابح، ذلك مال الرابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)) ( ).
وفي لفظ قال النبي @: ((أجعلها في قرابتك)) فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب.
2 – السنة:
استدلوا بأحاديث كثيرة منها:
(أ) عن أبي هريرة > أن النبي @ قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))( ).(5/4)
قال النووي ~ في شرح هذا الحديث: فيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه أ.هـ( ).
(ب) عن ابن عمر <: أن عمر بن الخطاب > أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي @ يستأمره فيها، فقال: يارسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها))، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يبتاع، ولا يورث أو لا يوهب، قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، في سبيل الله، وابن السبيل والضعيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه( ).
يقول النووي ~: في هذا الحديث دليل على صحة أصل الوقف، وأنه مخالف لشوائب الجاهلية أ.هـ( ).
3 – الإجماع:
يقول الترمذي معلقاً على حديث ابن عمر < السابق في وقف عمر > للأرض التي أصابها بخيبر.. (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي @ وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك) ( ).
وقد حكى الكاساني في البدائع: الإجماع على جواز وقف المساجد( ).
وقال القرطبي ~: لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك( ).
4 – عمل الصحابة:
قال جابر >: ما أعلم أحدً كان له مال من المهاجرين والأنصار، إلا حبس مالاً من ماله صدقه مؤبدة لا تشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث( ).
وقال الحميدي شيخ البخاري: (تصدق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بربعة عند المروة، وعثمان برومة، بئر بالمدينة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكه، و داره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده،وتصدق سعد بداره بالمدينة، و داره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكه على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده.
قال: فذلك كله إلى اليوم، فإن الذي قدر منهم على الوقف، وقف، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً) ( ).
الفصل الثاني
تاريخ الوقف(5/5)
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تاريخ الوقف عند غير المسلمين:
الوقف معروف عند الأمم السابقة قبل ظهور الإسلام وبعده، وإن لم يسم بهذا الإسم، فالإنسان في القدم عرف المعابد ورصد عليها العقارات، والأراضي، للإنفاق عليها من غلتها، وعلى القائمين بأمرها، ولا يفسر هذا إلا على أنه في معنى الوقف.
ومن هنا يمكن القول، إن فكرة الوقف كانت موجودة قبل الإسلام عند كثير من الأمم الكفارة، فقد وجدت عند قدماء المصريين فكانت الأراضي ترصد على الآلهة والمعابد والمقابر، وتؤخذ غلتها للنفقة عليها، كذلك ينفق على الكهنة والخدام من هذه الأموال، وكان الناس وقتها مدفوعين إلى هذا التصرف بقصد فعل الخير والتقرب إلى الآلهة كما زعموا.
وكان هذا الشيء موجوداً عند قدماء العراقيين، وعند الرومان وغيرهم( ).
ومن الأوقاف التي اشتهرت عند العرب قبل الإسلام، الوقف على الكعبة المشرفة، بكسوتها وعمارتها كلما تهدمت، وأول من كسا الكعبة، ووقف عليها (أسعد أبو كريب ملك حمير) ( ).
أما قول الشافعي ~: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته داراً، ولا أرضاً تبرراً بحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام( ) فالإمام الشافعي هنا لم ينف وجود الأحباس في الجاهلية قطعاً، بل نفى وجود الأحباس التي يقصد منها القربة والبر آنذاك، وعلى هذا فإن فكرة الوقف أو حبس العين عن التمليك والتملك، وجعل منافعها مخصصة لجهة معينة، فكرة قديمة معروفة قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد( ).
وفي العصر الحاضر: في بعض الأنظمة الغربية ما يشبه الوقف، ومن ذلك أن النظام الألماني جعل هناك ذمة مالية لمجموعة من الأموال، يصرف ريعها وغلتها على الأعمال الخيرية، ويوجد هناك مشرف لهذا المال، يشبه الناظر على الوقف في النظام الإسلامي.
كذلك يوجد ما يعرف بالإنفاق على الكنائس والمعابد من قبل الناس، بقصد القربة.
المبحث الثاني: تاريخ الوقف عند المسلمين:
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: حال الوقف في عصر النبي @.(5/6)
لقد عُرف الوقف عند المسلمين في حياة النبي @ حيث كان @ من أجود الناس في بذل الخير، والصدقات، والإحسان إلى الناس، حتى أن من تناول سيرته @ ذكروا أبواباً خاصة في بيان صدقاته @ وإنفاقه في الخير( ).
إلا أن علماء الإسلام اختلفوا في تحديد أول وقف وصدقه في حياته @.
فذهب بعضهم ـ وهم من المهاجرين ـ إلى أن أول صدقة في الإسلام هي صدقة عمر >.
وقال الأنصار: إن أول صدقة في الإسلام هي صدقة النبي @ يدل لذلك ما رواه عمر بن شبه عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: سألنا أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول الله @ ( ).
وقال عنه ابن حجر في الفتح: في إسناده الواقدي( ).
وقد أخرج ابن خزيمة عن ابن عمر <: أن أول صدقة تُصدق بها في الإسلام، صدقة عمر بن الخطاب >، وأن عمر قال لرسول الله @:
إن لي مالاً وأنا أريد أن أتصدق به، فقال رسول الله @ ((حبس أصله وسبل ثمره)) قال: فكتب( ).
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب أنه قال: أول صدقة في الإسلام وقف رسول الله @ أمواله لما قُتل مخيريق بأحد، وأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله @، فقبضها رسول الله @ وتصدق بها( ).
وقال الحافظ في الفتح: وفي مغازي الواقدي إن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبي @ فوقفها النبي @ ( ).
وعند النظر في هذه الأدلة يتبين تقدم وقف النبي @ على وقف عمر > بسنوات؛ ولذلك أخرج الخصاف في كتابه الأوقاف عن صالح بن جعفر عن المسور عن رفاعة عن ابن كعب قال: أول صدقة في الإسلام وقف رسول الله @ أمواله، فقلت لابن كعب: فإن الناس يقولون صدقة عمر > أول، فقال: قتل مخيريق بأحد على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله @، وأوصى إن أُصبتُ فأموالي لرسول الله @، فقبضها رسول الله @، وتصدق بها، وهذا قبل ما تصدق به عمر، وإنما تصدق عمر سنة ثمان حين رجع رسول الله @ من خيبر سنة سبع من الهجرة( ).
أوقاف النبي @ في المدينة:(5/7)
أولاً: أموال مخيريق اليهودي بالمدينة المنورة:
قال الخصاف: حدثني محمد بن بشر بن حميد عن أبيه قال: سمعت عمر ابن عبدالعزيز يقول في خلافته بخناصره: سمعت بالمدينة والناس يومئذ كثير من مشيخة من المهاجرين والأنصار أن حوائط رسول الله @ السبع التي وقف من أموال مخيريق، وقال: إن أُصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله، وقد قتل يوم أحد، قال رسول الله @: ((مخيريق خير يهود، ثم دعا لنا بتمر، فأتى به تمر في طبق، فقال: كتب إلى أبوبكر بن حزم يخبرني أن هذا التمر من العذق الذي كان على عهد رسول الله @، وكان رسول الله @ يأكل منه فقلت: يا أمير المؤمنين فاقسمه بيننا، فقسمه، فأصاب كل واحد منا تسع تمرات.
قال عمر بن عيد العزيز وقد دخلتها إذ كنت والياً بالمدينة، وأكلت من هذه النخلة ولم أر مثلها من التمر أطيب ولا أعذب( ).
ثانياً: ذكر الخصاف بسنده عن أبي كعب القرظي قال:
كانت الحبس على عهد رسول الله @ سبعة حوائط بالمدينة: الأعواف، والصافية، والدلال، والمثيب، وبرقه، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم( ).
وقد ذكر الخصاف بسنده إلى محمد بن سهل بن أبي خيثمة قال: كانت صدقة رسول الله @ من أموال بني النضير وهي سبعة، الأعوف، والصافية، والدلال، والمثيب، وبرقه، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم؛ لأن أم إبراهيم ماريِّة كانت تنزلها، وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضيري( ).
ثالثاً: أموال خيبر وفدك وبعض قرى المدينة:
ذكر الإمام ابن شبه بسنده عن حسيل بن خارجة قال: بعث يهود فدك إلى رسول الله @ حين افتتح خيبر فقالوا: أعطنا الأمان منك وهي لك، فبعث إليهم محيصة بن حرام، فقبضها @ فكانت له خاصة، وصالحه أهل الوطيح وسلالم، من أهل خيبر على الوطيح وسلالم وهي أموال خيبر، فكانت له خاصة، وخرجت الكتيبة من الخمس، وهي مما يلي الوطيح وسلالم، فجعلت شيئاً واحدا، فكانت مما ترك رسول الله @ من صدقاته، وفميا أطعم أزواجه( ).
(ناظر الوقف) والي أوقاف النبي @.(5/8)
... لقد باشر النبي @ النظر في شؤون صدقاته، وجعل مولاه أبا رافع واليا عليها، فكان يأخذ منها كفايته، وكفاية أهل بيته لمدة عام، والباقي يصرفه صدقات في مصالح المسلمين.
وروى البخاري في صحيحه أن علي > قد تولى الإشراف ونظارة بعض أموال النبي @، فروى عن عمر بن الزبير قال: صدق بن أوس، أنا سمعت عائشة < زوج النبي @ تقول: أرسل أزواج النبي @ عثمان إلى أبي بكر يسأله ثمنهن مما أفاء الله على رسوله، فكنت أردهن فقلت لهن: ألا تتقين الله، ألم تعلمن أن النبي @ كان يقول: لا نورث، وما تركناه صدقة، – يريد بذلك نفسه – يأكل آل محمد @ من هذا المال، فانتهى ازواج النبي @ إلى ما أخبرتهن( ).
قال ابن حجر: فكانت هذه الصدقة بيد عليِّ، ومنعها عباساً فغلبه عليها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسين وحسن بن حسن، وكلاهما كان يتداولها ثم بيد زيد بن حسن، وهي صدقة رسول الله @.
أوقاف الصحابة في عهد النبي @:
ذكر الخصاف في الأوقاف عن محمد بن عبدالرحمن عن سعد بن زراة قال: ما أعلم أحداً من أصحاب رسول الله @ من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلا وقد وقف من ما له حبساً، لا يشترى، ولا يورث ولا يوهب، حتى يرث الله الأرض ومن عليها( ).
ومن أوقاف الصحابة } ما يلي:
1 – وقف عمر بن الخطاب > ( ).
2 – وقف عثمان >، حيث إنه لما حصر وأحيط بداره، أشرف على الناس فقال: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله @ لما قدم المدينة لم يكن بها بئر يستعذب إلا بئر رومة، فقال رسول الله @: من يشتريها من خالص ماله، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، وله خير منها في الجنة، فاشتريتها من خالص مالي، فأنتم تمنعوني أن أشرب منها( ).
3 – وقف أبي طلحة( ).(5/9)
4 – وقف خالد بن الوليد، فقد روى أبوهريرة > قال: بعث رسول الله @ عمر على الصدقة، فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبدالمطلب، فقال رسول الله @: ((ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس بن عبدالمطلب فعم رسول الله @ فهي عليّ صدقة ومثلها معها ثم قال: يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنواُبيه))( ).
5 – وقف الزبير >، فعن هشام عن أبيه أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لاتباع ولا تورث، وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضار بها، فإن هي استغنت بزوج فلا حق لها( ).
6 – وقف أنس > فقد، روى البيهقي في سننه أن أنساً وقف داراً له بالمدينة، فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل في داره( ).
7 – وقف فاطمة <، فقد روى البيهقي أن فاطمة بنت رسول الله @ تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب( ).
وقال الحميدي ~: (تصدق أبوبكر بداره على ولده، وعمر بربعة عند المروة على ولده، وعثمان برومة بئر بالمدينة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة، وداره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وبداره بمكه على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك كله إلى اليوم) أ.هـ( ).
المطلب الثاني: حال الوقف في عصر الخلفاء الراشدين
يعد عصر الخلفاء الراشدين أفضل العصور الإسلامية بعد عصر النبوة، حيث اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتطور المجتمع الإسلامي.
وتطلّب ذلك توجه الناس للنشاطات المختلفة. في مجال البر والإحسان وكان من أثر ذلك أن كثرت الأوقاف الإسلامية في مختلف المجالات( ) ولعلنا نبرز هنا بعض النماذج للأوقاف، التي وجدت في عصر الخلفاء الراشدين }.
1 – المساجد:(5/10)
إن إيقاف المساجد في عصر الراشدين بلغ ذروته، حيث كانت المساجد مربوطة بالخلفاء الراشدين، والأمراء مباشرة، فهم أئمة المساجد، والجوامع الكبرى.
ففي زمن عمر > كثرت المساجد، وأمر ببنائها في مختلف الأمصار الإسلامية.
فقد أمر سعد بن أبي وقاص بتأسيس مسجد الكوفة( )، كما أن عمر > قد قام بتوسعة المسجد الحرام حيث اشترى بعض الدور المجاورة له وأدخلها فيه( ).
كما أن عثمان > قد وسّع المسجد الحرام، حيث اشترى عدداً من الدور المجاورة له، وأدخلها فيه( ).
كما أن علي > قد قام ببناء عدد كبير من المساجد في مناطق مختلفة( ).
2 – أوقاف عامة:
لقد اهتم الصحابة } في عصر الخلفاء الراشدين بالأوقاف العامة والتي من أهمها( ).
(أ) وقف الدور، وهي أشهر الأوقاف عند الصحابة }.
(ب) وقف الأراضي الزراعية، ومن أشهر الموقفين لها عمر بن الخطاب وعثمان وعلي والزبير بن العوام }.
(ج) حبس المال والدواب والسلاح للجهاد في سبيل الله كما في الحديث السابق ((أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله)) ( ).
وقد كان عمر > يجهز الكثير من الغزاة في سبيل الله، بأمتعة خاصة للجهاد في سبيل الله( ).
(د) حفر الآبار وتسبيل المياه، ومن أشهرها بئر رومة، ومن ذلك أن عمر >، أمر سعد بن أبي وقاص أن يحفر نهراً لأهل الكوفة( ).
وقد أمر أبا موسى الأشعري كذلك بحفر نهر لأهل البصرة أثناء ولايته لها( ).
المطلب الثالث: حال الوقف في آخر عهد الصحابة }.(5/11)
لقد شاع بين كثيرين اتخاذ الوقف ذريعة لحرمان بعض البنات من نصيبهن – وخصوصاً فيما يتعلق بالوقف الأهلي – وقد أنكرت عائشة أم المؤمنين < هذا الفعل وقالت: ما وجدت للناس مثلاً اليوم في صدقاتهم إلا ما قال الله: ( (((((((((( ((( ((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((((((((( (((((((((( (((((( (((((((((((( ( ((((( ((((( (((((((( (((((( ((((( (((((((((( ( ( [الأنعام: 139]. والله إنه ليتصدق الرجل بالصدقة العظيمة على ابنته، فترى غضارة صدقته عليها، وترى ابنته الأخرى، وإنه لتعرف عليها الخصاصة، لما حرمها من صدقته.
ولقد همَّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ~، أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء، ولكن المنية وافته قبل أن يعمل هذا الشيء( ).
قال الإمام مالك ~: وما كان من عزم عمر بن عبد العزيز على أن يرد ما أخرجوا منه البنات، يدل على أن عمر ثبت عنده أن الصدقات كانت على البنين والبنات أ.هـ( ).
المطلب الرابع: حال الوقف في العصر الأموي:
لقد ازدهرت الأوقاف في العصر الأموي ازدهاراً عظيماً، وذلك في مصر والشام وغيرهما من البلاد المفتوحة، وذلك بسبب كثرة الأموال التي تحصّل عليها المجاهدون من الفتوحات الإسلامية، وكان من ثمار ذلك، أن اتسعت مجالات الوقف في ذلك العصر. فلم يعد الوقف قاصراً على جهات الفقراء والمساكين فقط بل تعدى ذلك إلى بناء دور العلم والإنفاق على طلاب العلم، وإنشاء المساجد والدور الخيرية.
وقد أدى إقبال الناس على الوقف والاهتمام به، إلى إنشاء هيئات تتولى الإشراف عليه، وتتولى مصالحه، وقد كانت الأوقاف في بادىء الأمر تدار من قبل الواقفين، أو ممن يوكلون إليه إدارتها والقيام بمصالحها، إلا أن كثرة الأوقاف وتنوعها، استدعى ذلك أن تقوم بعض الأجهزة بالاهتمام بالأوقاف.(5/12)
وقد كان القضاة في بغداد وغيرها من حواضر العالم الإسلامي يتولون الإشراف على الأوقاف بأنفسهم ويحاسبون المتولين عليها، فإذا رأوا منهم أي تقصير، أو تهاون في حفظ الأوقاف وصيانتها قاموا بتأديبهم والأخذ عليهم( ).
وقد ولي قضاء مصر في زمن هشام بن عبد الملك (توبة بن نمر بن حومل الحضرمي) (ت 120هـ) ( )، فقال: ما أرى موضع هذه الصدقات إلا إلى الفقراء والمساكين، فأرى أن أضع يدي عليها حفظاً لها من الثواء والتوارث.
ولم يمت حتى صار للأحباس ديوان مستقل عن بقية الدواوين،
تحت إشراف القاضي، وهذا الفعل من توبه، أمر لا بد منه، فقد جاء في حيثياته أنه يخشى على الأوقاف من الالتواء والتوارث، فحفظها من الاغتيال( ).
ويُعدُ هذا الديوان أول تنظيم للأوقاف، ليس في مصر فحسب، بل في الدولة الإسلامية كافة. وصار من المتعارف عليه في ذلك العصر، أن يتولى القضاة النظر على الأوقاف( ).
ويسجل لنا التاريخ عناية بعض القضاة بالأوقاف في ذلك العصر، ومن هذه المواقف، أن القاضي أبا الطاهر عبد الملك بن محمد الحزمي الأنصاري، كان يتفقد الأحباس بنفسه كل ثلاثة أيام من كل شهر، ويأمر برمتها وإصلاحها، وكنس ترابها، ومعه طائفة من عماله عليها، فإن رأى خللاً في شيء منها ضرب المتولي عليها عشر جلدات( ).
المطلب الخامس: حال الوقف في العصر العباسي:
لقد توسع نظام الوقف في العصر العباسي، فلم يعد الوقف قاصراً على جهة الفقراء والمساكين أو طلاب العلم، بل تعدى ذلك إلى تأسيس المكتبات والإنفاق عليها، وإنشاء المصحات وكانت مخصصة لعلاج المرضى بالمجان، وكذلك إنشاء الدور لسكن الفقراء والمساكين.
كذلك في العهد العباسي كان لإدارة الوقف رئيساً يسمى (صدر الوقوف) أنيط به الإشراف على إدارتها وتعيين الأعوان لمساعدته على النظر عليها. وفي عهد المأمون الخليفة العباسي نظّم قاضيه بمصر، (لهيعة بن عيسى الحضرمي) الأحباس.(5/13)
يقول الكندي عنه: كان من أحسن ما عمله لهيعة في ولايته أن قضى في أحباس مصر كلها، فلم يبق منها حبساً حتى حكم فيه، إما ببينة، وإما بإقرار أهل الحبس وكان يقول: سألت الله أن يبلغني الحكم فيها، فلم أترك شيئاً منها حتى حكمت فيه وجددت الشهادة به( ).
وكان العمري من أشد الناس لعمارة الأحباس والأوقاف. فقد كان يقف عليها بنفسه، ويجلس مع البنائين أكثر نهاره، والعمرى هذا ولي قضاء مصر من قبل هارون الرشيد سنة (185هـ) ( ).
ولم يستمر هذا الأمر طويلاً فمع بداية النصف الأول من القرن الرابع الهجري، كان يعين هناك متولي للأحباس، ونفقة الأيتام، بالإضافة إلى القاضي، ولعل أهم من تولى النظر في الأحباس ونفقة الأيتام بعد فصلها عن القضاء، بكران بن الصباغ، وقام معه أحمد بن عبدالله الكشي، وقد جعل لهما النظر في الأحباس في عهد الخليفة العباسي الراضي في ربيع الأخر سنة (321هـ).
وكانت هذه الخطوة بداية إنشاء ديوان مستقل للأحباس منفصل عن ديوان القضاء( ).
وكانت الأحباس والأوقاف تلقى دعماً من خلفاء الدولة العباسية، فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (631هـ) أنه كمل فيها بناء المدرسة المستنصرية ببغداد، والتي بناها المستنصر بالله، ولم يُبن مدرسة قبلها مثلها، ووقفت على المذاهب الأربعة، من كل طائفة اثنان وستون فقيهاً، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب، وشيخ حديث، وقارئان، وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب، ومكتب للأيتام، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة مافيه كفاية لكل واحد( ).
المطلب السادس: حال الوقف بعد ضعف الدولة العباسية.
تمهيد:
لما ضعفت الدولة العباسية، نشأت دول عديدة، واستقلت عن الخلافة العباسية في مصر والشام، ويصعب حصر هذه الدول في هذا المبحث، ولكن لعلي أن أشير في هذا المبحث إلى أهم هذه الدول، مبيناً كذلك حال الوقف خلال حكم هذه الدول للعالم الإسلامي.(5/14)
أولاً: الدولة الفاطمية الباطنية في مصر:
تطورت الأوقاف في الدولة الفاطمية الباطنية في مصر، فقد جعل للوقف ديوان مستقل يشرف على جباية ريع الأحباس، سواء التي حبسها الأفراد أم الرؤساء، وهذا الديوان يشرف كذلك على الأوقاف، وعلى وجوه صرف ريعها وعلى شروط الواقفين فيها( ).
وفي العهد الفاطمي كذلك اهتم بعض الخلفاء، ومنهم الحاكم بأمر الله بالأوقاف وخصوصاً فيما يتعلق بالمساجد والمؤسسات الخيرية، وكذلك فعل الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن زريك والذي أوقف أوقافاً كثيرة( ).
ثانياً: الدولة الأيوبية في مصر:
لقد كثرت الأوقاف في الدولة الأيوبية، وكان سلاطين الدولة الأيوبية كذلك يولون الوقف عناية خاصة، وعلى سبيل المثال في زمن الملك
العادل نور الدين محمود بن زنكي (ت 569هـ) الذي اشتهرت الدولة في عهده بالمسارعة في إقامة المنشآت والمرافق العامة، وتموينها عن طريق الأوقاف الدارّة عليها، فقد أمر نور الدين بإنشاء المدارس والخانقاهات
وأكثر منها في كل بلد، ووقف عليها الوقوف الكثيرة، وأمر ببناء الربط والخانات في الطرقات، فأمن الناس، وحفظت أموالهم، كما أقام
بدمشق داراً للحديث، ووقف عليها وعلى من بها من المشتغلين، الوقوف الكثيرة، وهو أول من بنى داراً للحديث في الإسلام وبنى أيضاً في كثير من بلاده مكاتب للأيتام، وأجرى عليهم وعلى معلميهم الجرايات الوافرة، وبنى أيضاً مساجد كثيرة، ووقف عليها وعلى من يقرأ بها القرآن أوقافاً كثيرة.
يقول الأصفهاني عن ذلك: ولو شغلت بإحصاء وقوفه وصدقاته في كل بلد لطال الكتاب ولم أبلغ أمده( ).
كذلك كان للسلطان صلاح الدين اهتمام بالأوقاف، فقد أوقف مدينة بلبيس على فك أسرى المسلمين الذي أسرهم الصليبيون في حملتهم على مصر سنة (564هـ).
وقد استمر هذا الوقف إلى أن تم فكاك جميع الأسرى( ).(5/15)
وقد شملت أوقاف صلاح الدين جميع النواحي الخيرية في البلاد، وقد أوقف كذلك ثلث ناحية سندبيس من أعمال القليوبية، وبلدة نقادة من عمل قوص على أربعة وعشرين خادماً لخدمة المسجد النبوي الشريف، وذلك في ربيع الأخر سنة(569هـ) ( ).
وإلى هذا الحد والأوقاف تتمتع بعناية خاصة من السلاطين ومن متوليها حتى تطرق الفساد إلى دواوينها في عهد الملك الكامل الأيوبي، وسبب ذلك، هو قيام بعض الجهات بتولي ديوان الأحباس، وكانت النتيجة لهذا الفساد، خراب الأوقاف ونهبها، ومن مظاهر هذا الفساد الذي تطرق إلى الأوقاف في العصر الأيوبي تحكير المساحات التابعة لديوان الأحباس.
وينقل د/ محمد أمين، حالة الفساد في ذلك الوقت فيقول: ومن الحيف في الأحباس أن يحكر من الديوان مساحة لمدة خمسين سنة، بخمسة وعشرين ديناراً، فيعجل منها النصف، ويقسط النصف للمدة ربع دينار في السنة، وتعمر تلك المساحة قيسارية أو غيرها فتكون أجرتها في الشهر خمسة وعشرين ديناراً، ولو كان الديوان عمرها من ماله لتضاعف ارتفاعه( ).
وكانت نتيجة هذا الحيف من الديوان، أن نقصت أمواله بحيث لا تكفي لعمارة الأوقاف، وبدلاً من التعمير يقوم الديوان ببيع أنقاضها( ).
ثالثاً: دولة المماليك البحرية:
في الدولة المملوكية انتشرت الأوقاف انتشاراً عظيماً، حتى شملت أراضي كثيرة في مصر والشام، وقد اعتنى المماليك بالأوقاف وأكثروا منها، ونتيجة لذلك خففت الأوقاف على الدولة عبئاً كبيراً من مرتبات أئمة المساجد، والمصالح الخاصة بتلك المساجد، والعناية بها، وأصبحت الأوقاف رافداً يمد بيت المال في الدولة المملوكية عند الحاجة إليه( ) حتى أن الدولة أخذت أموال الأوقاف على سبيل القرض في عام (649 هـ) نظراً للحاجة اليها( ).(5/16)
كذلك أهتم سلاطين المماليك بالوقف على الحرمين اهتماماً كبيراً، ويدل على ذلك ما أنفقوه وأوقفوه على هذه البقاع المقدسة، أو ما يتصل بهما من خدمات، أو أماكن، وكذلك تسهيل الطرق الموصلة إليهما، وما يحتاجانه من خدمات وحماية.
وتتمثل تلك الأوقاف في قرى ومنشآت في كلٍ من مصر والشام، خصصت للصرف والإنفاق على الحرمين، وماله صلة بهما.
وقد ذُكر هذا في بعض المصادر التاريخية المعاصرة للدولة المملوكية، وقد دلت على تلك الأماكن الموقوفة وثائق وقفية مهمة، يُحتفظ بها في دور المخطوطات المهتمة بذلك، وتشتمل تلك الوثائق في مجموعة من الحجج الشرعية التي أوقفها السلاطين والأمراء وغيرهم للصرف على تلك الأماكن المقدسة( ).
ويحدثنا التاريخ كذلك أن الأوقاف في العصر المملوكي في مصر قد ازدهرت وتنوعت وعمت كل شيء تقريباً، وعظم ريعها، مما جعلها مطمعاً للحكام في ذلك الوقت، وساعد الحكام على الاستيلاء عليها وحلها ضعاف النفوس من بعض العلماء والقضاة، حيث أفتوا الحكام بحل أوقاف السلاطين السابقين، وأحياناً كان الحكام ينفذّون رغباتهم بدون الرجوع إلى الفقهاء والقضاة( ).
وقد ذكر المقريزي في خططه: أن الناصر محمد بن قلاوون حاول أن يستولي على النصف من أحباس المساجد التي بلغت (130) ألف فدان، ولكنه قُبض قبل أن يتم له شيء مما أراد( ).
يقول أبو زهرة: كان هذا يجري في القرن السابع والثامن وما يليه، وبذلك صارت الأوقاف نهباً مقسوماً( ).
ومع ذلك فقد وجد من العلماء الربانيين من أنكروا هذا الفعل، وسجل لهم التاريخ بماء من الذهب، مواقف مشهورة للتصدي لهذا العدوان ومن أمثال هؤلاء شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام، والإمام النووي رحهمها الله.(5/17)
ومن هذه المواقف: أن الظاهر بيبرس اضطر إلى فرض ضرائب كثيرة في مصر والشام بسبب الحروب مع التتار، وقد سلك طرقاً في الإستيلاء على الأراضي كلها والأوقاف من بينها، وقد جرت مساجلات بينه وبين العلماء، وذلك أنه جاء إلى كل مالك لعقار، وطلب منه أن يُقدم المستند الدال على ملكيته، فإن كان المستند مثبتاً تركه، وإن لم يجد مستنداً، وذلك هو السائد، قام الملك بالاستيلاء عليه.
ولكن الإمام النووي ~ تصدى له وخاطبه بقوله: إن ذلك هو غاية الجهل والعناد، وأنه لا يحل عند أحد من علماء المسلمين، ومن في يده شيء فهو ملكه، لا يحل لأحد الإعتراض عليه، ولا يكلف إثباته، فاليد دليل الملك ظاهراً.
ومازال النووي يعظه حتى كف الظاهر عن رغبته في امتلاك أراضي مصر( ).
وقد سجل السيوطي ~ في كتابه حسن المحاضرة طائفة كبيرة من المكاتبات التي جرت في هذا المقام بين العلماء وبين الظاهر بيبرس( ).
وشهد القرن الثامن الهجري أنواعاً متنوعة من ظلم الحكام وتعديهم على الأوقاف وغصبها، حتى ما كان منها على الحرمين الشريفين، ويتم ذلك عن طريق بعض القضاة الجشعين( ).
وكما سجل التاريخ المواقف الحميدة للعلماء الذين تصدوا للحكام، سجل كذلك المواقف السيئة لبعض قضاة ذلك العصر، فقد سجل على قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحنفي ظلمه في الحكم بما يرضي شره الأمير جمال الدين، في اغتصاب الأوقاف( ).
وكذلك سجل على قاضي القضاة شرف الدين الحراني ظلمه في إصدار حكمه إرضاء لشره الملك الناصر محمد بن قلاوون.(5/18)
يقول المقريزي: وكان هذا الحكم مما شنع عليه فيه، ثم اختلفت الأيدي في الاستيلاء على هذه الدار، واقتدى القضاة بعضهم ببعض في الحكم باستبدالها( ) وكان الاستبدال هو طريق التحايل على الأوقاف، بأن يشهد الشهود بأن هذا القصر يضر بالجار والمار، وأنه مستحق للإزالة والهدم، فيحكم قاضي القضاة باستبداله، وأكثر من تولي كبر ذلك من الولاة: جمال الدين يوسف، والذي عاونه في تحقيق شرهه قاضي القضاة: كمال الدين عمر بن العديم الحنفي، فتظاهرا معاً على نهب الأوقاف، وصار كل من يريد بيع وقف، أو شراء وقف، سعى بهذه الطريقة عند القاضي المذكور بجاه أو مال فيحكم له بما يريد( ).
وبذلك صارت الأوقاف نهباً مقسوماً باسم الاستبدال للحكام، يعينهم في ذلك فسقة بعض القضاة والشهود، جرى ذلك في القرن السابع والثامن، وكان لهذا الجور، أثره في الفقهاء الذين عاصروا ذلك الأمر وأشباهه،
فلا عجب أن رأينا بعض الفقهاء يتشدد في موضوع الاستبدال أيما تشدد، حتى أنهم اشترطوا أن يكون القاضي الذي يحكم بالاستبدال عالماً
عادلاً، وهو الذي يعبر عنه بقاضي الجنة وحاول العلماء الاحتياط،
ولكن ذهب احتياطهم صرخة في واد؛ لأن الأوقاف كغيرها من الأموال
لا تحمى بالشروط وإنما تحمى بالعدالة، والعلم في القضاة، والنزاهة في الولاة( ).
رابعاً: حال الوقف في الدولة العثمانية:
لما تولى العثمانيون مقاليد السلطة في معظم البلاد العربية، اتسع نطاق الوقف، لإقبال السلاطين وولاة الأمر في الدولة العثمانية عليه، وصارت له تشكيلات إدارية تعنى بالإشراف عليه، وصدرت قوانين وأنظمة متعددة لتنظيم شؤونه وبيان أنواعه، ولا زال الكثير من هذه الأنظمة معمولاً بها في بعض الدول العربية( ).(5/19)
غير أنه لما جاء عصر محمد علي باشا – حاكم مصر – استولى على الأوقاف كلها، وتعسف بالشعب، وطالبهم بإبراز الوثائق التي تثبت ملكيتهم لتلك الأوقاف، والتي لا يملكها إلا القليل، ولم يكن في عهد محمد علي باشا من العلماء أمثال النووي، والعز بن عبدالسلام، ومن هذا الباب، ولج محمد علي، ونفَّذ مآربه فألغى الأوقاف كلها، وأصبحت ملكاً له( ).
وقد سلك محمد علي مسلكاً خطيراً في القضاء على الأوقاف، يحسن بنا أن نشير إليه هنا، وذلك أنه يُعد من المؤيدين لحركة حزب الإصلاح في تركيا، الذي ألغى الأوقاف في تركيا، فأراد محمد علي أن يحذو حذو هذا الحزب، وينهي الأوقاف في مصر، وهذا ليس بالأمر السهل، إذ ليس من العقل أن يحدث حدثاً بدون مستند شرعي؛ لذلك عمد إلى مفتي الحنفية بالإسكندرية محمد محمود الجزايرلي، يسأله عما إذا كان لولي الأمر أن يمنع وقف الأماكن المملوكة لأهلها سداً لذريعة ما غلب على العامة من التوسل به لأغراض فاسدة من حرمان بعض الورثة، والمماطلة بالديون في الحياة، وتعريضها للتلف بعد الممات، فأفتاه المفتي بأنه يجوز ذلك لولي الأمر سداً للذريعة؛ ولأنه مما تقتضيه السياسة الشرعية، فأصدر أمره في التاسع من رجب سنة (1262هـ) بمنع الأوقاف، إبقاء على عمارة الملك ووقاية له من الأضرار، وسداً للذرائع، ورداً لأغراض المبطلين الذين يحاولون من طريق، وقف أموالهم وعقاراتهم، الفرار من أداء ما عليها من الديون وحرمان الورثة( ).(5/20)
وانتهى عهد محمد علي وجاء من بعده الوالي سعيد، الذي اتجه إلى الإصلاح وأصدر أمره في سنه (1891) بإعطاء الملكية التامة للمجتمع، فأصبح الوقف مباحاً للجميع، وأقدم الناس على الوقف، وتحققت رغباتهم، ولكنهم أساءوا الاستعمال، فعمدوا إلى حرمان بعض الورثة، مما جعل أبناء الأسرة الواحدة يتفاوتون يساراً وإعساراً، أو كان لهذا الفعل المجافي للشرع عاقبته الوخيمة التي لا بد منها، فانصرف الأولاد الذين اختصهم آباؤهم بأوفر نصيب وبأكثر مما جعل الله لهم إلى ملاذهم ومتعهم، ونفد ما بأيديهم، وبالتالي لا يمكنهم العيش دون مستواهم السابق، فاقترضوا بالربا الفاحش، وسّلط على هذه الأوقاف نظاراً يأكلون غلاتها أكلاً لمّاً، وبذلك أصبح أولئك المحظوظون نهباً للنظار والمرابين( ).
ومجتمع هذا حاله لا بد وأن تعمه الفوضى والظلم وينقسم إلى غالب ومغلوب، ونتيجة لذلك ارتفع ضجيج صاخب، ينادي بالشكوى من الوقف الأهلي، وكان هناك خصوم للوقف يثيرون ذلك الضجيج، واتخذوا منه وسيلة للبرهنة على أن الوقف شر مستطير، ونظام فاسد، وقد شعر بهذا الشر بعض العلماء والقضاة، وحاولوا حث الناس على إصلاح أمور الأوقاف، والقضاء على الشروط التعسفية لدى الواقفين ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، ولذلك أستغل خصوم الوقف هذه الفرصة واستعانوا بها في بث دعايتهم ضد الأوقاف الأهلية( ).
المطلب السابع: حال الوقف في العصر الحديث(5/21)
مع إطلالة القرن الرابع عشر الهجري، بدأ أفول كثير من الأوقاف الإسلامية، في العالم الإسلامي، ويعزو شكيب أرسلان ذلك، إلى انحطاط القوى السياسية في العالم الإسلامي، وتلاعب النظار بالأوقاف واستبداد بعض الحكومات بأوقاف المسلمين، وغلبة الدول الإستعمارية المعاصرة على القسم الأكبر من العالم الإسلامي، وفي ذلك يقول شكيب أرسلان أيضاً: ولما غلبت الدول المستعمرة على القسم الأكبر من العالم الإسلامي، ووجدت من صنيع الحكومات الإسلامية التي ورثتها ما وجدته في الأوقاف عموماً، وأوقاف الحرمين خصوصاً غب هذه المفسدة، واتخذت منها حجة تستظهر بها في طمس الأوقاف الإسلامية، وإخفاء معالمها.. ويقول كذلك: وإن الإفرنج عندما غلبوا على بلاد المسلمين، استولوا على كثير من هذه الأوقاف ووهبوها إلى الكنائس، وإلى جمعيات المبشرين، وإلى الرهبان، ورأوا بذلك الجمع بين غرضين مهمين:
أما الغرض الآخر: فهو طمس هذه الأوقاف من أصلها؛ لأن الإفرنج لا يكرهون في الدنيا شيئاً كرههم للأوقاف الإسلامية، ولا يخافون في مستعمراتهم من شيء كمخافتهم منها؛ لأنهم يعتقدون أن المسلمين إذا أحسنوا إدارتها، وضبط حاصلاتها، كان لهم منبع إمداد عظيم في أمورهم السياسية، فلذلك تراهم يسعون بقدر طاقتهم في محو رسومها.
وأما الغرض الثاني: فهو إمداد المبشرين والرهبان وتوطيد أقدامهم في بلاد الإسلام، ليتمكنوا من بث دعايتهم بين المسلمين، فبدلا من أن هذه الحكومات المستعمرة تشتري لهؤلاء المبشرين والدعاة عقارات، وأراضي من مالها، تجد الأقصد والأوفق أن تصرفهم في أوقاف المسلمين، فتكون أغنتهم من كيس غيرها، وتكون جمعت بين دفع ما تعتقده ضرراً، وجر ما تعتقده منفعة.(5/22)
ثم يقول ~ أيضاً: وإذا رجعنا إلى أصل البليّة، وجدناها من المسلمين أنفسهم، لأن حكوماتهم لما كانت غير مستقلة؛ ولأن حكوماتهم المستقلة الباقية إلى اليوم، تصرفت بالأوقاف تصرفاً سيئاً مخالفاً للشريعة، منافياً للأمانة، فمهدت للدول المستعمرة العذر في طمسها لهذه الأوقاف أصلاً، إذاً فالتلاعب بالأوقاف والحبوس كان مبدؤه من المسلمين أنفسهم.أ.هـ( ).
ومن أسباب اضمحلال الأوقاف الإسلامية في العصر الحديث كذلك: تأميم الأوقاف، ومصادرتها، وإلغاؤها بنصوص تشريعية أحياناً، وبتوجيه الممتلكات الوقفية من غير مراعاة للأحكام الشرعية أحياناً، وهذا يحصل في كثير من البلاد الإسلامية.
المطلب الثامن: حال الوقف في المملكة العربية السعودية
بعد أن آلت الجزيرة العربية إلى موحدها الملك عبدالعزيز ~ وكل إلى القضاه الإشراف على الأوقاف في معظم مناطق المملكة، ماعدا مكة والمدينة، حيث كان لهاتين المدينتين المقدستين، تنظيم خاص جرى العمل به من قبل الدولة العثمانية، فأبقى الملك عبدالعزيز هذا النظام في بداية التأسيس للمملكة، وفي عام (1353هـ) صدر الأمر بتوحيد شؤون الأوقاف في مكة والمدينة بإدارة واحدة، ( ) وقد تكفلت الحكومة السعودية في ذلك الوقت بالصرف على شؤون الحرمين من تعميد وفرش ورواتب للعاملين بهما، وقد كانت عناية الملك عبدالعزيز ~ بالأوقاف تتسم بالحرص، والمتابعة، والاهتمام، وخصوصاً فيما يتعلق بالحرمين الشريفين( )، كذلك أهتم الملك عبدالعزيز ~ بالأوقاف وبتوثيقها، وضبطها، وإعادة تنظيم الوثائق القديمة إن وجدت.(5/23)
يقول الشيخ عبدالله بن بسام عن الشيخ عبدالله بن دهيش ~: وخلال عمله بالمحكمة قام بتنظيم محكمة الأحساء، وتسجيل الصكوك في سجلات، حيث أمر الملك عبدالعزيز ~ أن تعرض عليه جميع صكوك الأحساء القديمة، فضبطها في سجلات خاصة، ودوّن تطوراتها وصفة انتقالها، سواء ببيع أو بإرث أو بوقف أو بقسمة، وضبط حدودها، وحقوقها الجارية عليه من ماء ونحوه( ).
ولما انتظم العمل في المحاكم الشرعية، ونصب القضاة في سائر مناطق المملكة. وبعد أن نظمت سجلات المحاكم، صار العمل على أن توثيق الأوقاف بأنواعها يكون بيد القضاة في المحاكم الشرعية، ويسجل في سجلاتها، ويسلّم الواقف في ذلك صكاً بإثبات الوقفية، حيث يبين في الصك الأعيان التي يملكها محدداً مواقعها، وأطوالها، ثم يذكر أرقام صكوك ملكيتها، وبعد ذلك يقول: قد أوقفتها كاملة لوجه الله تعالى، وقفاً منجّزاً، ثم يحدد المصارف، ثم يذكر أسماء النظار، ويبين مهامهم، ثم يبين من هم النظار، ثم يقول: أطلب إثبات ذلك، وفي خاتمة الصك يقول القاضي: هذا وجرى الإطلاع على صكوك العقارات المذكورة أعلاه فوجدتها كما ذكر المنُهي، فبناء على ما تقدم فقد ثبت لديّ صحة هذا الوقف ولزومه على صفة ما أنهى المنهي.(5/24)
وفي نطاق عناية الدولة بالأوقاف كذلك أنشئت في عام (1381هـ) وزارة للحج والأوقاف( )، وتولت الوزارة إدارة شؤون الأوقاف ورعايتها، وصدر نظام مجلس الأوقاف الأعلى المرسوم الملكي ذي الرقم م/35 وتاريخ 18/7/1386هـ، حيث خصص المجلس بالإشراف على جميع الأوقاف الخيرية، المشكل من الوزير رئيساً، ووكيل الوزارة لشؤون الأوقاف عضواً، ونائباً للرئيس، إضافة إلى عدة أعضاء من الجهات الأخرى ذات العلاقة، وقد اشتمل النظام على وضع القواعد والخطط المتعلقة بالأوقاف، وكيفية إدارتها، واستغلالها وتحصيل غلتها وصرفها وحدد مهمات المجلس وكيفية أدائه لأعماله، كما اشتمل النظام على إنشاء مجالس أوقاف فرعية في مناطق المملكة، وقد أكد النظام على عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، الواجب اتباعها في كل ما يتعلق بالأوقاف( ).
الفصل الثالث
إلغاء الأوقاف الذرية (الأهلية)
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أقسام الوقف
قبل الكلام عن أقسام الوقف، أحب أن أوضح أن هذا التقسيم
يعتبر من المصطلحات الحديثة، وإلا فإن الوقف إذا أطلق فإنه يشمل
عموم الوقف، فمنه الخيري والأهلي، كما في وقف عمر > المتقدم،
فإنه جعل من مصارف وقفه ذوي القربى، وكما في وقف أبي طلحة المتقدم أيضاً.
أقسام الوقف:
ينقسم الوقف من حيث استحقاق منفعته إلى قسمين( ).
1 – الوقف الأهلي أو الذُريّ: والمراد به ما كان نفعه خاصاً منحصراً على ذرية الواقف ومن بعدهم، على جهة بر لا تنقطع، ويمثله وقف الزبير >، (فإنه جعل دوره صدقة، وقال للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضربها فإن استغنت بزوج فلا شيء لها) ( ).
والوقف الأهلي فيه من النفع ما لا يخفى على أحد، فهو نفع دائم على ممر الزمان، ينتفع به أولاد الواقف وأحفاده، طبقة بعد طبقة، وجيلاً بعد جيل، تدر عليهم الأعيان الموقوفة بغلات سنوية.(5/25)
وهذا النوع من الوقف قد جرى عليه تضييق من قبل بعض الأنظمة المعاصرة في بعض الدول الإسلامية، خصوصاً مع بدايات القرن الرابع عشر الهجري، حيث وصل الأمر في بعض الدول إلى إلغائه.
2 – النوع الثاني: الوقف الخيري
وهو الذي يقصد به الواقف التصدق على وجوه البر والخير، سواء كان على أشخاص معينين كالفقراء، والمساكين، وطلاب العلم، أم كان على جهة من جهات البر، كالمساجد، والمدارس والمستشفيات، وغيرها مما ينتفع به الناس( ).
المبحث الثاني: شبه إلغاء الأوقاف الأهلية
كانت هناك بعض الحجج التي يثيرها ويدعيها من يرى إلغاء الأوقاف الأهلية، على أن هذه الحجج والشبه التي تمسكوا بها، حجج ضعيفة وواهية، وفي هذا يقول الشيخ السنهوري: والشكوى من نظام الوقف لم تكن يوماً ناشئة عن إحساس داخلي، ولا وليدة تنبه ذاتي إلى الأضرار التي يزعهما خصوم الوقف، وإنما كانت حركة تقليدية، وصدى لما يراه الأجنبي أو يفعله( ).
ومن أهم هذه الشبه ما يلي:
1 – أن الوقف بنوعيه، ليس معروفاً في الإسلام، بنص من كتاب الله ولا سنة رسول الله @.
2 – أنه ليس في الوقف الذري أثر لصدقة أو قربة.
3 – أن الوقف الأهلي (الذري) يسبب فشو البطالة والكسل في المجتمعات الإسلامية.
4 – وجود الظلم في الأوقاف الأهلية، ويتمثل هذا الظلم في وجود بعض الشروط التعسفية من قبل الواقفين، من أجل الإضرار بالورثة، أو حرمانهم، وكذلك شره النظار والقائمين على الأوقاف.
والرد على هذه الشبه نقول:
أما الشبهة الأولى، فقد فصلنا الرد عليها عند البحث في مشروعية الوقف، وعند الكلام على أقسام الوقف في المبحث السابق.
أما الشبهة الثانية، وهي أن الوقف ليس فيه أثر لصدقة، أو قربة، فإنها مردودة من وجوه أهمها:
1 – أن هناك أحاديث ثابتة عن النبي @، حث فيها بالإنفاق والصدقة على ذوي القربي.
ومنها حديث: أبي طلحة فقد حثه رسول الله @ أن يجعل صدقته في الأقربين( ).(5/26)
وهذا الحديث دليل على صحة الوقف على الأقارب.
2 – أن عمر بن الخطاب > جعل صدقته في الفقراء والقربي والرقاب( ). فدل ذلك على صحة الوقف على ذوي القربى؛ لأن عمر > فعل ذلك بمشورة النبي @.
3 – أن كثيراً من الصحابة > وقفوا على أولادهم وأقاربهم( )، ولم ينكر أحد عليهم فكان إجماعاً.
أما الشبهة الثالثة، بأن الوقف الذري يساعد على البطالة.
فيجاب عن هذه الشبهة بما ذكره الدكتور الكبيسي في أحكام الأوقاف( ) حيث يقول: وحجة المؤيدين – أي لإلغاء الوقف الأهلي – أنه يساعد على البطالة والتسكع بين المستفيدين، وكان الأمر يبدو مقبولاً لو أن هؤلاء وضعوا الحلول لمواطن البطالة الأخرى بين الناس، إلى أن قال: وكأني أكاد أجزم بأنهم لم يكونوا ليلحظوا ذلك فيه لو أنه نظام مستورد من غرب أو شرق، ولكنه الإسلام الذي أصبح غرضاً يرمى، وهدفاً يصاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أهـ.
أما الشبهة الرابعة: وهو وجود الظلم والجور في الأوقاف الأهلية.
فيجاب عنها: بأنه مهما طرأت على الوقف الأهلي من انحرافات عن مقصده الشرعي، من بعض الواقفين الذين يجعلون منه قسمة ضيزى بين الأولاد والبنات، ومهما كان من شره النظار وتعنتهم بالمستحقين، وغير ذلك من أنواع التعديدات، فإن هذا كله لا يمس جوهر الوقف كتشريع إسلامي بأذى، فالعيب من المنحرفين والمتسلطين ولا يكمن في النظام، فالوقف كغيره من النظم الإسلامية التي تعترضها المشاكل من ضعاف النفوس، فالنكاح مثلاً والبيع والإجارة، وغيرها، كلها من النظم الإسلامية التي جاء بها الشرع لتنظيم حياة المسلمين، ومع ذلك فإن المحاكم تضج من مشاكل هذه التشريعات التي يوجدها بعض ضعاف النفوس، وهكذا حال الوقف( ).
المبحث الثالث: إلغاء الأوقاف الأهلية في بعض البلاد الإسلامية.
أولاً: في مصر:(5/27)
لم تكن هذه الفكرة وليدة عصرنا، وإنما كانت قديمة في هذا البلد الإسلامي، كما مر بنا في المبحث الرابع، عندما أراد الظاهر بيبرس الاستيلاء على الأراضي الوقفية، ولكن العلماء في ذلك العصر تصدوا له ووقفوا له بالمرصاد( ).
وفكَّر في إنهاء الأوقاف في مصر كذلك برقوق أتابك، وهو من المماليك البحرية، فقد هم بإبطال الأوقاف الأهلية، حيث يقول المقريزي: إنه عقد مجلساً من العلماء، فيه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، لاستفتائهم في ذلك فلم يوافقوه( ).
كذلك ألغى محمد علي باشا الأوقاف في مصر، واستولى عليها كما بينا ذلك في المبحث السابق( ).
أما في العصر الحاضر: فيقول الدكتور السنهوري: إن الشكوى من نظام الوقف في مصر، لم تكن يوماً ناشئة عن إحساس داخلي، ولا وليدة تنبه ذاتي إلى الأضرار التي يزعمها خصوم الوقف، وإنما كانت حركة تقليدية، وصدى لما يراه الأجنبي أو يفعله، ومصر بلد لو لم يكن به نظام الوقف لوجب أن يدخله( ).
وفي سنة (1926م) قام رجل من أهل الشام بفتوى يقول فيها: إن الوقف على النفس والأولاد باطل وبدعة ذميمة منهي عنها، ونشرت الأهرام هذه الفتوى في السنة نفسها، فبادر شيخ مصر ومفتيها محمد بخيت المطيعي ~ برد هذه الفتوى وتزييفها، ونشر الشيخ رسالة في الرد عليها أسماها (المرهفات اليمانية في عنق من قال ببطلان الوقف على الذرية).
وفي السنة نفسها قام رجل يدعى (علوية باشا)، وهو أحد أعضاء لجنة الأوقاف بمصر، قام بإلقاء محاضرة بمحكمة الاستئناف، هاجم فيها الوقف، وحاول أن يلغيه، بحجة أنه مدني صرف لا علاقة له بالدين.
وقام الشيخ المطيعي بالرد على هذه المحاضرة، وقام علماء الأزهر في سنة (1927م) بإخراج بيان ردوا فيه على (علوية)، وحذروا من كلامه.
وهذا البيان وقع عليه (460) من علماء الأزهر.(5/28)
وفي سنة (1936م) عاد خصوم الوقف إلى نشاطهم، فتطرقت لجنة الأوقاف بمجلس النواب لموضوع إلغاء الوقف الأهلي، وقست في حملتها على نظام الوقف، واقترحت بأكثرية الآراء الموافقة على استصداد تشريع يمنع الأوقاف الأهلية مستقبلاً، وأيضاً بتحديد أعيان الأوقاف الخيرية في مصر وأشارات اللجنة في تقريرها عام (1937م) إلى أن كل رغبة في إصلاح هذا النظام مع الإبقاء عليه غير مجدية ولا تؤدي إلى النتيجة المرجوة، وأن المهم هو القضاء على النظام نفسه حتى ننتفي الأضرار الناشئة عنه.
وفي عام (1936م) تقدم رجل يدعى عبدالحميد عبدالحق إلى مجلس النواب بمشروع القانون الذي اقترحته اللجنة، وقال في مذكرته التفسيرية إنه أول عضو ارتفع في مجلس النواب بأنه لا سبيل إلى درء أضرار الوقف إلا بالخلاص منه بمنعه في المستقبل، وأن يحل الموجود منه حلاً نهائياً.
ويقول الشيخ السنهوري معقباً على ما جرى من حوادث: إن المراقب الدقيق ليتبين من حوادث السنوات العشر، أن محاربة نظام الوقف والثورة عليه كانت واضحة( ).
وفي عام (1952م) اتجهت الحكومة المصرية إلى الرأي، فاصدرت قانونها بمنع الأوقاف الأهلية، وألغت ما كان موجوداً من الأوقاف الأهلية، وجعلت الأموال الموقوفة عليها حرة طليقة، كما منعت إحداث أوقاف أهلية جديدة في المستقبل.
ثم قامت الحكومة في سنة (1966م) ببيع وتصفية ما تبقى في حوزتها من أعيان كانت موقوفة وقفاً أهلياً، ولم تتم قسمتها، أو لم يتسلمها أربا بها( ).
2- إلغاء الوقف في سوريا
... أقدمت سوريا على إلغاء الوقف الذري، في سنة (1949م).
3- الغاء الوقف في العراق(5/29)
كانت أول خطوة لإلغاء الوقف في العراق في سنة (1929م) عندما قدّم جماعة من النواب في مجلس الأمة العراقي، اقتراحاً إلى الحكومة يسن تشريعاً يرمي إلى إلغاء الوقف الذري، إلا أن هذا المشروع لاقى معارضة شديدة من العلماء، أرغمته على الاحتجاب حتى سنة (1952م) حين تشكلت لجنة لسن لائحة في هذا الموضوع، فاستقر الرأي على سن تشريع يقضي بجواز إلغاء الوقف الذري، وذلك في عام (1954م) ( ).
الخاتمة
أختم هذا البحث ببيان أهم النتائج التي توصلت إليها:
1 – أن الوقف في الإصطلاح هو: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
2 – أن الوقف جائز شرعاً، بل هو من التبرعات والقرب المندوبة.
3 – اهتمام الصحابة } بالوقف، وعنايتهم به.
4 – ظهر من خلال هذا البحث أهمية الوقف في الحياة العامة لدى المسلمين، والنتائج التي حققها أثناء تطبيقه، وخصوصاً في العصور الإسلامية السالفة.
5 – يحتاج الوقف إلى أيدٍ أمينة، ترعاه وتقوم على مصالحه العامة.
6 – توسيع مفهوم الوقف، لكيلا يحصر في العقارات فقط، بل يشمل المشاريع الزراعية، والدعوية، والصحية وغيرها.
7 – الاهتمام بدراسة العوامل السلبية التي طرأت على الأوقاف ومؤسساته في القرون المتأخرة، والتي استغلها بعض المغرضين في تشويه صورة الوقف.
8 – التخطيط لإشاعة الوعي بأهمية دور الوقف في التنمية الشاملة، وذلك بإبراز دوره التاريخي في تنمية الحضارة الإسلامية.
9 – ظهور الفرق بين الوقف في الجاهلية، وبين الوقف عند المسلمين، فالوقف في الجاهلية مقصود منه الفخر والمكابرة، أما الوقف عند المسلمين فإن الأصل فيه أنه يكون قربة لله تعالى.
10– أن الوقف ينقسم إلى قسمين:
وقف خيري عام، وهو ما كان الوقف فيه على جهة من جهات البر كالمساجد والمدارس وغيرها.
وقف ذري (أهلي) وهو ما كان خيره وريعه وغلته على الذرية والأقارب.
11– الاستفادة من المؤلفات والرسائل الجامعية والأبحاث، والدراسات والندوات الوقفية.(5/30)
12– أن في الوقف إسهاماً في تخفيف العبء على أجهزة الدولة ذات العلاقة بمجالاته، وتقليل النفقات والمصروفات المالية على موازنة الدولة.
ولا يفوتني وأنا أسطر هذه الكلمات أن أتوجه إلى الله ? بالشكر على نعمه الظاهرة والباطنة، ومنها إكمال هذا البحث على هذا الوجه، ويطيب لي من باب الوفاء، أن أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على هذه الوزارة، وأخص بالذكر معالي وزيرها فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ، وأسال الله تعالى أن يضاعف لهم الأجر والمثوبة.
وختاماً أسال الله أن يغفر لي ما حصل مني من خطأ أو زلل في هذا البحث. وأسأله تعالى القبول، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس
المصادر والمراجع
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلي بن بلبان الفارسي، ت(739هـ) تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى (1412هـ).
أحكام الأحكام لابن دقيق العيد.
أحكام الأوقاف، لأبي بكر أحمد بن عمرو الشيباني (الخصاف) ت(261هـ)، الطبعة الأولى (1322هـ).
أحكام الوصايا والأوقاف، لمحمد شلبي، الطبعة الرابعة، بيروت الدار الجامعية (1402هـ).
أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية: محمد بن عبيد الكبيسي، مطبعة الإرشاد ببغداد (1397هـ).
أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، محمد بن إسحاق الفاكهي ت(244هـ) تحقيق: د. عبدالملك بن دهيش، الطبعة الأولى (1407هـ) مطبعة النهضة بمكة.
الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، شكيب أرسلان، الطبعة الأولى (1350هـ).
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل لمحمد ناصر الدين الألياني، المكتب الإسلامي (1399هـ).
الإسعاف في أحكام الأوقاف: إبراهيم الطرابلسي ت (922هـ)، مطبعة دار الرائد العربي (بيروت).
أعمال سلاطين المماليك على الحرمين، لراشد القحطاني، نشر مكتبة الملك فهد الوطنية.(5/31)
الأوقاف والحياة الإجتماعية في مصر د. محمد محمد آمين، الطبعة الأولى، (1980م)، دار النهضة.
أوقاف السلطان الأشرف شعبان، راشد القحطاني، مكتبة الملك فهد الوطنية.
بحوث (ندوة مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية).
أثر الوقف في الجانب التوجيهي للمجتمعات للشيخ الدكتور/ صالح بن غانم السدلان.
الواقع المعاصر للأوقاف في المملكة العربية السعودية. د. عبدالله الزيد.
الوقف وأثره في التنمية في عصر الخلفاء الراشدين. د.عبدالعزيز العمري.
تاريخ الأوقاف في المملكة العربية السعودية. د. عبداللطيف الحميد.
الوقف مشروعيته وأهميته الحضارية. د. أحمد الدريويش.
بحوث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية.
الوقف ودوره في تشييد بنية الحضارة الإسلامية. إبراهيم المزيني.
الأوقاف النبوية، ووقفيات بعض الصحابة. د. عبدالله الحجيلي.
بدائع الزهور في وقائع الدهور، لأبي البركات محمد بن أحمد الحنفي، ت(930هـ)، طبعة بولاق، (1311هـ).
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، ت (587) دار الكتاب العربي، بيروت.
البداية والنهاية: للحافظ إسماعيل بن كثير ت (774)هـ، مكتبة المعارف بيروت.
تاريخ الكندي(كتاب الولاة وكتاب القضاة) لأبي عمر محمد الكندي، مطبعة الآباء، بيروت (1908م).
تاريخ الطبري، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت (310)، دار الفكر بيروت.
الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبدالله محمد القرطبي ت (671هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت.
الجامع الصحيح، للإمام أبي عبدالله، محمد بن اسماعيل البخاري، ت(256هـ)، مطبوع مع فتح الباري.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لمحمد بن أحمد الدسوقي ت(1230هـ)، دار الفكر.
حاشية ابن عابدين (رد المختار) لمحمد أمين الشهير بابن عابدين ت(1252هـ)، مطبعة مصطفى الحلبي (1386هـ).(5/32)
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لمحمد بن أحمد الشاشي الشافعي، ت(507هـ). تحقيق د. ياسين دردكة، مكتبة الرسالة، الأردن، الطبعة الأولى، (1407هـ).
حسن المحاضرة، لجلال الدين السيوطي (911هـ) دار الكتب العلمية، بيروت.
الخطط للمقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، لأحمد بن علي المقريزي، منشورات دار إحياء العلوم.
روضة الطالبين لأبي زكريا يحيى النووي ت(676هـ) المكتب الإسلامي.
سنن أبي داود، للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السحبستاني ت(275هـ)، دار الفكر.
سنن الترمذي، للحافظ أبي عيسى الترمذي ت(297هـ)، مطبعة الحلبي.
سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني ت(385هـ) عالم الكتب،(1413هـ).
سنن الدارمي، لأبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدرامي، ت(255هـ)، دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى (1407هـ).
السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت(303هـ)، دار
المعرفة.
السنن الكبرى، للإمام أبي عبدالرحمن النسائي ت(303هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى (1411هـ).
سنن ابن ماجه، للحافظ أبي عبدالله محمد القزويني ت(275هـ)، المكتبة الإسلامية بتركيا.
سنن النسائي، للإمام أبي عبدالرحمن النسائي ت (303هـ)، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب (1409هـ).
الشرح الكبير، لأبي الفرج، عبدالرحمن المقدسي، ت(682هـ)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الصحاح، لإسماعيل بن حماد الجوهري، ت(393هـ)، تحقيق: أحمد عطار، دار العلم للملايين، بيروت.
صحيح ابن خزيمة، للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ت(311هـ) تحقيق: محمد الأعظمي، المكتب الإسلامي.
الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ت(230هـ) دار الكتب العلمية، بيروت.
عقد الجواهر الثمينة، لنجم الدين عبدالله بن نجم شاس، المالكي، ت(616هـ)، دار الغرب الإسلامي (1415هـ).
علماء نجد خلال ثمانية قرون، لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولى (1418هـ).(5/33)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، ت(852هـ)، دار الفكر.
فتح القدير، لمحمد بن عبدالواحد المعروف بابن الهمام، ت(681هـ)دار الفكر (1397هـ).
فتوح البلدان، لأبي الحسن أحمد بن يحيى البلاذري ت(271هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت (1398هـ).
الكامل لابن الأثير.
كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، شهاب الدين أبو شامة المقدسي ت(665هـ)، تحقيق: محمد حلمي أحمد، القاهرة.
لسان العرب، لجمال الدين محمد بن مكرم، المشهور بابن منظور ت(711هـ)، دار صادر.
المبسوط، لأبي بكر، محمد بن أبي سهل السرخسي، الحنفي، ت(483هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت.
محاضرات في الوقف، لمحمد أبو زهرة دار الفكر العربي، مصر.
مجموعة القوانين المصرية المختارة من الفقه الإسلامي، محمد أحمد فرج السنهوري، مطبعة مصر (1368هـ).
المحلى، لأبي محمد، علي بن أحمد بن حزم ت(456هـ)، دار التراث، مصر.
المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، ت(179هـ)، دار صادر، بيروت.
المسند، للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، ت (241هـ)، وضع حواشيه، وفهارسه أحمد شاكر، دار المعارف، مصر.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأحمد بن محمد الفيومي. ت(770هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت (1414هـ).
معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس، مطبعة البابي الحلبي، الطبعة الأولى(1366هـ).
المغني، لأبي محمد، عبدالله بن قدامة المقدسي، الحنبلي، ت(620هـ). تحقيق د.عبدالله التركي و د. عبدالفتاح الحلو، دار هجر للطباعة مصر (1406هـ).
منح الجليل على مختصر خليل، لمحمد عليش المالكي ت (1299هـ) مكتبة النجاح ليبيا.
مواهب الجليل شرح مختصر خليل، لأبي عبدالله، محمد المغربي، المعروف بالحطاب ت (954هـ)، دار الفكر.
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لمحمد بن أبي العباس الرملي الشافعي، ت(1004هـ)، مكتبة الحلبي.(5/34)
نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار لمحمد بن علي الشوكاني، ت(1250هـ)، دار الفكر، الطبعة الأولى (1402هـ).
الوقف الأهلي. د. طلال عمر بافقيه، دار القبلة بجدة، الطبعة الأولى، (1419هـ)
الوقف في الشريعة والقانون، زهدي يكن، دار النهضة، لبنان (1968م).(5/35)
عناية الدعوة الإصلاحية
في الجزيرة العربية بالوقف
إعداد
فضيلة الدكتور/ صالح بن غانم السدلان
صفحة رقم (1004)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
عناية الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية بالوقف
أولاً: مقدمة البحث:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"( ) أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ما دام الليل والنهار،وسلم تسليماً كثيراً. ثم أما بعدُ:
... فإنه ليس أدل على رقي أمتنا الإسلامية وجدارتها بالحياة واستحقاقها لقيادة العالم من سمو النزعة الإيمانية بين أفرادها سمواً يفيض بالخير والبر والرحمة على طبقات المجتمع عامة؛ بل على كل من يعيش على الأرض من إنسان وحيوان. وبهذا المقياس تخلد حضارات الأمم وبآثارها في هذا السبيل يُفاضَل بين حضارتها ومدنيتها. وقد تعددت مجالات وصور استجابة المؤمنين في التاريخ الإسلامي لأوامر الإنفاق في سبيل الله وحفلت بها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة وأهم هذه المجالات وتلك الصور. والوقف فهو من أعظم ما يدخل في وجوه البر والإحسان بل هو أعمها وأشملها،وهو من الآثار التي قال الله تعالى فيها ( ((((( (((((( (((((( (((((((((((( (((((((((( ((( ((((((((( (((((((((((((( ( (((((( (((((( ((((((((((((( (((( ((((((( ((((((( ([يس، 12] فآثار المرء التي تبقى بعده وتذكر بفوته من خير أو شر يجازى عليها من أثر حسن: كعلم علمه أو مصحف ورَّثه أو كتاب صنفه أو مسجد بناه أو بيت لابن السبيل أواه. وأيضاً كل عمل راقب المسلم فيه ربه، وعَمِل فيه بمرضاته؛ فكل ما قدمت أيديهم من أعمال وكل ما خلَّفته أعمالهم من آثار تُكتب وتحصى ولا يسقط منها شيء ولا ينسى!!(6/1)
* نعم:إن الوقف من أهم القربات وأحد روافد الخير الذي قررها الإسلام لبناء المجتمع الإنساني على أساس من الحب والعطف والتراحم تقرباً إلى الله تعالى وطلباً للأجر.
وقد كان ولا يزال للوقف دوره المشهود في مجال التكافل الاجتماعي ويعد معلماً بارزاً من معالم التطبيق الإسلامي لفلسفة المال في الإسلام الذي يجعل الخلق مستخلفين في أموالهم ويأمرهم بالإنفاق منها إنفاق الوكلاء المسؤولين عن المال اكتساباً وإنفاقاً.
* كما كان للوقف دور رائد في بناء المجتمعات وتيسير أمور الحياة العلمية ودعم المؤسسات الدعوية وقد تعددت أوجهه وتشعبت مجالاته واستيعابه لكل جوانب الحياة فشملت: المسجد، والعلم، والتعليم، والبحث والتأليف والضمان الاجتماعي، والصحي وآلات الزراعة والحرف والصناعات والطرق والجسور وحفر الآبار … الخ. مما يزيِّن وجهَ الحياة ويستكمل محاسنها حتى المساهمة في إعداد الجيوش وبناء القلاع والحصون لحماية العمران والذود عن ديار المسلمين،وقد أدت الأوقاف في التاريخ الإسلامي دوراً عظيماً في حل ومعالجة مشكلات الفقر والحاجة ومازالت الأوقاف تؤدي هذا الدور في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
* ولاتساع أثر الوقف في تاريخ الحضارة الإنسانية كان باباً حياً من أبواب الفقه يتفاعل مع الواقع ويستجيب لحاجة المجتمع ويتسق مع درجة النمو والازدهار في الدولة الإسلامية.(6/2)
* نعم إن الظروف الراهنة التي يمر بها الاقتصاد العالمي،ومتطلبات العصر الحديث تستدعي منا جميعاً العمل على إحياء هذه السنة المباركة (الوقف الخيري) الذي يمكن أن يساهم في دعم العمل الخيري والاقتصاد الوطني، وتنمية المجتمع:فمثلاً يساهم الوقف من خلال ريعه في تبني، ودعم الأسر المحتاجة عن طريق الجمعيات الخيرية المختلفة والمبرات الشاملة، وتطوير قدراتها وإمكانيتها، حتى يستحيل أفراد هذه الأسر إلى عناصر إيجابية وأفراد صالحين قادرين على الانخراط في نسيج المجتمع بدلاً من تركهم عالة يتكففون الناس ويثيرون الفتن والقلاقل في المجتمع.
* إنه إذا كانت الشريعة الإسلامية هي شريعة الزمان والمكان ومصادر فقهها وينابيع عطاءها محفوظة بحفظ الله لها على مدى السنين والأيام فما على فقهاء الإسلام في طول البلاد الإسلامية وعرضها إلا أن يشمروا عن ساعد الجد والعمل؛ ليعلم من يريد أن يعلم قدرة الفقه الإسلامي على التجدد والعطاء ومرونته في تلبية حاجات العصور المتجددة وصلاحيته لمواكبة الحضارات الإنسانية في نموها وازدهارها عسى أن تسمع الدنيا أن شريعة الإسلام هي الشريعة العالمية السمحة الخالدة المعطاءة الشاملة المتجددة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويقوم الناس لرب العالمين.
* نعم:إنه قد حان الوقت لتضافر الجهود في سبيل إحياء سنة(6/3)
(الوقف الخيري خاصة)،ذلك للحاجة الماسة للمجتمعات المسلمة إليه لمواكبة ركب الحضارة والتقدم والجد في تقديم الحلول الإيجابية لما يجد من حاجات العصر وذلك واجب كفائي شرعي؛ فعلى أهل الفقه والاختصاص أن يقدموا لأمة الإسلام الحلول في كل ما يجد من قضايا،ويحدث من مشكلات في كل زمان ومكان،فإذا لم يقوموا بها في عصر من العصور أثمت الأمة الإسلامية بأكملها! لكونها لم تواكب في تشريعها عجلة الحياة ولم تساير في فقهها ركب التقدم وعلى الفقهاء الذين يشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه في كليات الشريعة في العالم الإسلامي أن يعنوا عناية بالغة بالبحوث الإسلامية التي تعالج قضايا العصر،وترتبط بمشكلات الحضارة حتى يخرجوا فقهاء قد تربوا عملياً على ملكة الاستنباط، عسى أن يقوموا بدورهم في المستقبل في تقديم أعظم الحلول للقضايا المستجدة والمسائل المستحدثة.(6/4)
ومن توفيق الله تعالى أن شهدت العقود الأخيرة بحمد الله تعالى وعياً دينياً وصحوة إسلامية راشدة صاحبها انتعاش للأوقاف وإحياء لنشاطها من خلال المؤسسات الوقفية الرسمية في البلاد الإسلامية وعقد المؤتمرات واللقاءات والندوات المتخصصة ونشر المؤلفات والأبحاث والأدبيات المتعلقة بنظام الوقف، ومجتمعنا في المملكة العربية السعودية خاصة يشهد بحمد الله قيام كثير من المؤسسات الخيرية التي تتمثل فكرة الوقف الإسلامي وتساهم في دفع حركة المجتمع في المجالات الحيوية وقد حققت وستحقق هذه المؤسسات بفضل الله كثيراً من غاياتها بما يوليه إياها أصحاب الأملاك والموسرين وعلى رأسهم حكام هذه البلاد المباركة من عناية ورعاية منذ قيام بواكير هذه الدولة الفتية وظهور الدعوة الإصلاحية بدءً من الشيخ الإمام محمد بن عبد الواهب ~ وحتى قيام الدولة السعودية الثالثة التي كتب الله لها الاستقرار والاستمرار إلى يومنا هذا فمنذ أن قامت وهي تدرك مكانة الأوقاف وأهمية العناية بها عطاءً يتواصل حصراً، وتنمية، وإثباتاً، وتسجيلاً، واستثماراً، وتطويراً،وإننا لننتهز هذه الفرصة المباركة للتعبير عن عظيم تقديرنا وشكرنا لمن منحنا المشاركة في هذا الجمع الحاشد. وخيراً فعلت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في إقامتها وراعيتها لهذه الندوة العلمية وما سبقها من مؤتمرات وندوات فإن هذا ليعد خطوة عملية رائدة في نشر الوعي الإيماني بالدور الرائد للوقف ومجالاته في مملكتنا الحبيبة، راجياً أن تكون هذه الندوة انطلاقةً ناجحة نحو إقامة ندوات ومؤتمرات ولقاءات أوسع على مستوى وزارات الأوقاف في عالمنا العربي والإسلامي بأسره وبمشاركات فاعلة من قبل الجمعيات الخيرية والدعوية والأفراد والمؤسسات بما يدعم الأغراض الوقفية تمويلاً وتطويراً وينمي الوعي في وجدان المسلمين المتطلعين إلى جريان طاعتهم وصالح أعمالهم ما دام الليل والنهار. وإنه لشرف لي أن(6/5)
أتقدم إلى هذه الندوة بهذا البحث المتواضع بعنوان:عناية الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية بالوقف شاكراً المسؤولين والقائمين عليها دعوتهم لنا – جزاهم الله خيراً – سائلاً الله تعالى أن ينفع بالأعمال وأن يكلل الجهود بالتوفيق والنجاح ويسدد الخطا على الدرب. إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثانياً: نبذة عن الأوقاف عبر العصور الإسلامية:
تعتبر مؤسسة الأوقاف من المؤسسات الإسلامية المتميزة،فقد كان لها شأن كبير في المدن الإسلامية حتى أواسط القرن الحالي،وساهمت مساهمة فعالة في التنظيم العمراني للمدن الإسلامية،وكان تحقيق الهدف من الوقف هو العمل بحديث رسول الله @:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث… الحديث " (1) وظل نشوء المؤسسات الوقفية في المدن حافزاً كبيراً لقيام الأعمال العمرانية، وقد انتشرت لهذا أعمال الوقف انتشاراً واسعاً،و دفع تطور المجتمع الإسلامي وتشعب مؤسساته الإجتماعية والعلمية والصحية وغيرها أصحاب الأملاك والموسرين منهم إلى المساهمة في شد أزر بعض هذه المؤسسات جنباً إلى جنب مع السلطة القائمة تقرباً إلى الله،وطلباً للأجر ومشاركة في أعمال البر أدى ذلك إلى انتشار نظام الوقف في العالم الإسلامي وتعدد أوجهه،وكانت الأوقاف في بادي الأمر من قبل الواقفين،أو من ينصبونه لإدارتها والنظر فيها دون إشراف أو تدخل من الدولة،إلا أن كثرة الوقوف وتطور الحياة في المجتمعات الإسلامية استدعى قيام مؤسسة تتولى مسؤولية الإشراف المباشر عليها.
"وكان @ هو أول من أوقف أموالاً من أمواله الخاصة ثم تبعه بقية الصحابة } وكثرت الأوقاف في الحجاز ومن بعدها في بقية ديار الإسلام المفتوحة خاصة؛ في العراق ومصر والشام مما احتيج معه إلى تنظيم شئونها.(6/6)
وفي زمن الخليفة هشام بن عبد الملك أوجد قاضيه على مصر للأوقاف تنظيماً بعد وضع يده عليها وأنشأ لها ديواناً مستقلاً عن بقية الدواوين ووضعه تحت إشرافه وعلى هذا فإن الأوقاف قد وضعت تحت تنظيم وإشراف القاضي وتبعت ديوان القضاء في الإشراف عليها،وكان بعض القضاة يتفقدها ويرعى شؤونها بنفسه مع العاملين معه ومعهم العاملون عليها فيؤمر بترميمها وإصلاحها إذا وجدها بحاجة إلى ذلك فإذا ما وجد تقصيراً من المتولين أو من غيرهم عقابهم على ذلك.
وفي سنة 118هـ أنشئ أول جهاز مركزي للإدارة والإشراف على الأوقاف العامة تحت عنوان ديوان (الأحباس) يقدم تقريره إلى قاضي القضاة بدلاً من الوزير كما حدث في زمن الخليفة المعز للدين الفاطمي وقد وضعت الأوقاف آنذاك تحت سلطة قاضي القضاة وأنشئت مؤسسة خاصة سميت باسم (بيت مال الأوقاف) لاستلام الموارد العامة التي تغلها مصادر الأوقاف. لأن أموال الأوقاف وإدارتها لم تكن جزءاً من الإدارة العامة وأموالها ومواردها جزءاً من أموال الدول العامة التي يشرف عليها بيت مال المسلمين وديوان الخراج.(6/7)
وقد أنشأ المسلمون في العصر الأموي أول ديوان أوكلت إليه مهمة الإشراف على الأوقاف،فكان القاضي توبة بن نمر بن حوقل الحضرمي أول قاض في زمن هشام بن عبد الملك يتولى إدارة الأوقاف،وفي عهد هذا القاضي صار للأحباس ديوان مستقل عن بقية الدواوين بإشراف القاضي، وفي العصر العباسي كان على الشخص الذي يعهد له القاضي بالإشراف على أموال الأوقاف وإدارتها والصرف عليها أن يقدم حسابه في نهاية كل سنة وقد ازدهرت الأوقاف فشملت تأسيس دور العلم والإنفاق على طلابه والقائمين عليه وإنشاء المساجد والملاجئ والمكتبات ودور الرعاية الصحية والاجتماعية.. الخ وفي العهدين المملكوي والعثماني تضاعفت الأوقاف وعني السلاطين والأمراء والوجهاء بالأوقاف عناية ملحوظة خاصة على الحرمين الشريفين وطرق الحج والخدمات العامة الدائمة( )" لهذا كانت الأوقاف على مر العصور الإسلامية دائماً مصدر قوة اقتصادية لدى المسلمين وأداة فاعلة لتقوية تكافلهم وترابطهم الديني والاجتماعي،وكان يقوى دورها وتظهر آثارها بوضوح في المجتمع المسلم في حقبة الزمن ثم تضمحل وتنحسر في حقبة أخرى تبعاً للمتغيرات والظروف الاقتصادية والسياسية والعادات الاجتماعية التي يعيشها المسلمون أفراداً وجماعات. أضف إليه انحطاط القوى السياسية في الدول الإسلامية وتلاعب النظار بالأوقاف وإهمالهم لها فحين كان الوقف يدر دخلاً ثابتاً أكلوه وحين تعطلت منافعه أهملوه وتركوه. وأخيراً استبداد بعض الحكومات بأوقاف المسلمين وسيطرة الدول المستعمرة على القسم الأكبر من العالم الإسلامي( ).
... وقد عنيت المملكة العربية السعودية عبر تاريخها ومروراً بجميع أطوارها وأدوارها بالأوقاف ويعنينا في هذا المقام أن ندرس عناية الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية بالأوقاف ويحسن أن نعطي نبذة موجزة عن الجزيرة العربية جغرافيتها وتاريخها وإليك البيان:
ثالثاً: جغرافية الجزيرة العربية وتاريخها(6/8)
" إذا كان صحيحاً ما يقوله المؤرخون من أن الجغرافيا تصنع التاريخ فإن ذلك أصح ما يكون بالنسبة للجزيرة العربية وإنسانها في جاهليتها وإسلامها وإذا علمنا أن هذه الجزيرة ليس لها مدلول اسمها إلا كونها محاطة بالماء من جنوبها وشرقها وغربها،ثم هي بعد ذلك كتلة من الصحراء الجرداء تهبط حيناً وترتفع حيناً. وقد قسم العرب جزيرتهم إلى خمسة أقسام:تهامة والحجاز ونجد واليمن والعروض، ونجد يشكل
الجزء الأكبر من مساحة الجزيرة العربية.. وسمى نجد لارتفاع أرضه"( ).(6/9)
ويشتمل على مسطحات هائلة من الصحاري الجافة مثل:الرِّبع الخالي وتقدر مساحة هذا الرِّبع بربع مليون ميل مربع..وربما كان أكبر بقعة رملية مجتمعة في العالم كله. وبالإضافة إلى صحراء الربع الخالي هناك صحراء الدهناء،وصحراء النفود،والصمان وغالبية هذه الصحاري كثبان رملية ثابتة أو متحركة وقليل منها قفار صخرية( ) ولم تنل الجزيرة العربية شيئاً من اهتمام الدول الإسلامية المتعاقبة إلا بالقدر اللازم لتأمين سبل الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة وزيادة المسجد النبوي بالمدينة المنورة"( ) " وخلف حجب العزلة التي انسدلت أستارها على نجد والجزيرة العربية تهيأت الأسباب لتفشي كل بدعة ضالة ونزعة منحرفة وحدث في الناس من فتنة الشهوات والتمادي في فعل المحرمات فضعفت بسبب هذا سلطان الدين وتفشى الشرك وضعف العلم بحقائق الإيمان والإسلام وبدأ الظلام يزحف على العالم الإسلامي رويداً رويداً حتى إذا ذهبت الحضارة الإسلامية بالغزو التتري البربري الذي أسقط بغداد عام 656هـ توقف المد الإسلامي وتبلدت العقول بالمعارف واستحكم الجمود وساد التقليد وتعاقبت القرون بالمسلمين ابتداءً من القرن السابع الهجري في تخلف فكري متزايد ولم تفلح الشموع التي أضاءها بعض العلماء المصلحين في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي في تبديد ظلامه حتى إذا حل القرن الثاني عشر الهجري كان المسلمون قد هبطوا فكرياً إلى حد الاحتجاب الكامل عن حقائق الإسلام وكلياته الأساسية في شتى مجالات العقيدة بما ينبثق عنها من عبادات ومعاملات وأصبح معول الناس في سائر هذه الأمور على تقليد آراء السابقين بسيادة هذا الوهم فسدت العقائد وتلبس التوحيد بالشرك الخفي والجلي وكسدت بضاعة العلم والمعرفة لتروج الأساطير والخرافات وتحلل الناس من تكاليف الشرع بشتى الحيل وتلاشت سنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يكن من سبيل إلى الإصلاح إلا بعلاج الداء من جذوره دون الوقوف عند عرض من(6/10)
أعراضه( )". فإذن الله لهذا الليل أن ينجلي وتنزاح أسداله وأستاره وللصبح أن ينكشف وتنجلي بركاته وأنواره ويبدد نور العلم والعرفان ظلام الجهل والشرك والطغيان بظهور الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية فإلى البيان:
رابعاً: مجالات الوقف في الجزيرة العربية قبل وبعد الدعوة الإصلاحية:
تاريخ الأوقاف في المملكة عبر أطوارها وأدوارها:
... قسم المؤرخون الدولة السعودية إلى أدوار ثلاثة( )وهي:
1 – الدولة السعودية الأولى: من 1157هـ – 1744م حتى 1233هـ – 1817م.
2 – الدولة السعودية الثانية:من 1234هـ – 1818م حتى 1309هـ – 1891م.
3 – الدولة السعودية الثالث:من 1319هـ – 1902م حتى وقتنا الحاضر.
وهذه الأدوار الثلاثة متشابهة في نشأتها وعطائها ووجه الشبه بينها هو حرص الحكام والعلماء على الأسس والقواعد الإسلامية وتقديم النفس والنفيس في سبيل نشر الدعوة السلفية، واتخاذ الشريعة الغراء أساساً ومنهجاً لشئون الحكم والحياة وبهذا سادت روح التعاون والمحبة والألفة والأخوة وفاض المجتمع بالبر والتعاون والتكافل في جميع مناحي الحياة وكان الوقف أحد أبرز هذه الجوانب.(6/11)
وإذا كان من المعلوم سلفاً أن المجتمعات الإسلامية تتباين في بيئاتها وظروفها التاريخية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية.. فيأتي التباين في طبيعة الأوقاف وفق الظروف المحلية والمعطيات الذاتية،مع الاتفاق في المبادئ والأسس والضوابط الشرعية وقد قدَّمتُ أن الجزيرة العربية لم تنل شيئاً من عناية الدول الإسلامية المتعاقبة إلا بقدر ما يؤمن لها سبل الحج والعمرة وإلا فما الحاجة لهم في هذه الجزيرة المترامية الصحاري والقفار! فقد كان وسط الجزيرة العربية يعيش في بيئة معزولة نسبياً،نائياً عن الحواضر الإسلامية الكبرى التي كانت تنعم بالمبرات الخيرية الوقفية؛ وتحيطه ظروف قاسية مناخياً واقتصادياً. ومع كل هذا فإن مبدأ العمل الخيري والوقف لم يغب عن أذهان القادرين والموسرين،وفق الإمكانات المتاحة التي يغلب عليها وقتئذ جانب البساطة.
وسيتطرق الحديث هنا عن الأوقاف في الجزيرة العربية في مرحلتين:
أ – المرحلة الأولى:مرحلة ما قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ~.
ب – المرحلة الثانية:مرحلة ما بعد الدعوة،وما صاحب ذلك من وعي وتصحيح لبعض الأمور المتعلقة بالأوقاف من وجهة نظر شرعية. وإليك التفصيل:
أ/ المرحلة الأولى مرحلة ما قبل الدعوة الإصلاحية:
"يتبين من دراسة بعض المصادر التاريخية التي تحدثت عن الأوضاع الدينية في نجد قبل الدعوة الإصلاحية وقيام الدولة السعودية الأولى معاناة هذه المنطقة من انتشار الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية،واختلاط قسم من شعائرها بالبدع والخرافات إلا أن ذلك لم يكن بالصورة القاتمة التي تفهم من قراءة بعض المراجع.(6/12)
نعم وجدت بعض المظاهر المخالفة للعقيدة الصحيحة لكن في بعض الأماكن خاصة في نجد وجد هناك عدد من العلماء وطلبة العلم الذين قاموا بمهام التعليم والقضاء والإفتاء"( ) وتوجيه الناس وإرشادهم وحثهم على فعل الخير ومساعدة المحتاجين من إخوانهم المسلمين،وكان لدى قسم من الأهالي الاستعداد والرغبة في الإحسان وتقبل نصائح علمائهم ووعاظهم في تبني المشروعات الخيرية ومنها الأوقاف على المساجد والصوام والمحتاجين، وتعتبر وثائق صبيح،وصقر بن قطام،ورميثة بن قضيب، وسلطان بن رميح في أشيقر( ) من أوائل الأوقاف التي حفظت وثائقها واليك البيان:
1- الأوقاف خيرات تتجدد في أشيقر قبل الدعوة الإصلاحية(6/13)
" لما كانت أشيقر بلدة علم وعلماء،فإنها عرفت الأوقاف الخيرية،في جميع مجالات الحياة،بوصفها ركيزة مهمة أرستها الحضارة الإسلامية، كما كانت بدورها أساسياً من أسس ازدهارها ورقيها. ومن مجالات الأوقاف التي شاعت في أشيقر، ومارسها أهلها:الوقف على صوام رمضان، وعلى الفقراء والمساكين، وعلى السرج لإضاءة المساجد والطرقات والميادين، فكانت تنعم أشيقر بإضاءة شوارعها ومساجدها،بينما كانت أوربا تعيش في ظلام،إذ كان يتم الصرف على تلك السرج من أوقاف الخيرين من أهالي البلدة،الذين كانوا كذلك يشاركون جميعاً في إكرام الضيف،كل حسب ما تتيحه قدراته المالية. ومن مظاهر الاهتمام بإكرام الضيف وجود نظام دقيق للقيام بهذا الواجب الذي يفرضه الإسلام،فقد كانت المزارع والبساتين تصنف إلى فئات مختلفة حسب المساحة ومقدار الإنتاج،فكان يؤخذ نصيب معين عند الحصار والجذاذ من كل أهل البلدة،وكان يحدد لكل واحد منهم عدد من يكلفهم من ضيوف، وكانت المواد الغذائية تخزن في مستودع،يقوم عليه أحد المعروفين بالنزاهة،وكان يصرف من هذا المستودع على الضيوف الذين ينزلون في مكان معلوم يكون في الغالب ملاصقاً للمسجد ويعرف بدار الغرباء،بل كان هناك منادٍ ينادي كل ليلة في البلدة ليستعلم إذ كان يوجد جائع أو غريب.
كما عرف أهل أشيقر الأوقاف الخيرية لعمارة المساجد وترميمها، فكانوا يوقفون أملاكهم لهذه الغاية،ومن أهم المساجد الوقفية:المسجد العتيق المسمى بالجامع،ومسجد الشمال،ومسجد الفيلقية،ومسجد الربيعية،بل إن إمام المسجد لم يكن يتلقى أجراً من الدولة،وإنما كان يأخذ أجره من ريع الوقف الذي يحدده له الواقف.
وشملت الأوقاف الخيرية الدُّلي التي تستخرج بها المياه من الآبار وخصص لنظافة الطرقات والأسواق ونظافة البلدة عموماً نصيب من ريع الأوقاف الخيرية،للصرف على العمال، وشراء الأدوات التي يستخدمونها، وعرف هذا النوع من الوقف (بالمساعي).(6/14)
ولم يكن لأهل العلم في أشيقر أن يغفلوا أهمية تخفيض الأوقاف الخيرية للمصاحف وكتب العلم والمدارس، بل هناك علماء من أشيقر أوقفوا كتباً ومخطوطات على المدارس والمكتبات في بعض البلدان التي نزحوا إليها طلباً لمزيد من العلم، فعلى سبيل المثال أوقف الشيخ أحمد بن إبراهيم بن محمد حميدان ثلاثة كتب هي،الفروع للزركشي والإنصاف وتقع في (40) مجلداً على مدرسة أبي عمر الصالحية بدمشق، وكان هذا العالم يدرِّس الفقه الحنبلي في دمشق،ومثل هذه الأعمال الخيرية تحث أفراد المجتمع على المشاركة الفاعلة،وتلمس الحاجات الضرورية لهذا المجتمع،وإيجاد الوسائل المناسبة لتلبيتها،ومن بينها الأوقاف التي كانت من أهم خصائص الحضارة الإسلامية وأسباب ازدهارها.
وهناك بعض المخطوطات التي توضح أوقاف بعض الخيرين من أهل أشيقر، وأنواع هذه الأوقاف ومدتها،وكيفية ضمان استمرايتها. ومن ذلك وقف صبيح عتيق عقبة الذي اشتهرت وصيته،لأنها جاءت جامعة،وشملت وجوه خير كثيرة كما شملت جميع أهل أشيقر،ومن يمر بها من ضيوف،وحرص صاحبه على استمرار الوقوف،وأن يجدد كلما تقادم به العهد حتى يرث الله الأرض ومن عليها "( ).
ومن هذا العرض يتضح لنا:
بروز ظاهرة التكافل الاجتماعي في المجتمع النجدي،واهتمام القادرين بتخفيف ما يعانيه إخوانهم المحتاجون،وتلمس أصحاب الأوقاف لجهات الصرف التي يرون استحقاقها أكثر من غيرها،وتحديد الأوقاف الفاضلة لصرف علة أوقافهم،وإجازتهم لأولياء الأوقاف بالاجتهاد وصرف الغلة في غير مواعيدها المحددة إذا رأوا المصلحة في ذلك، وطلب بعضهم إخراج جزء من أوقافهم ليلة الثلاثين من رمضان ليشارك المحتاجون إخوانهم الأغنياء بالفرحة بمناسبة عيد الفطر، وتأكيدهم على الاهتمام بالفقراء المتعففين الذين يمنعهم الحياء من السؤال،واهتمامهم بعمارة أوقافهم، وتهديدهم ووعيدهم لمن يحاول التغيير فيها أو التعدي عليها.(6/15)
الورع والزهد الذي يتضح من حرص بعض الورثة على إثبات رغبة مورثهم في إيقاف جزء من ماله بعد وفاته وإثبات ذلك عند الحاكم الشرعي وهو القاضي أو المفتي آنذاك"( ).
2-واقع الأوقاف على الحرمين الشريفين قبل الدعوة الإصلاحية وبعدها
... " اختص الله ? الجزيرة العربية بأن جعلها منبع الرسالة المحمدية، ومنها شع نور الإسلام إلى جميع البلاد،وبها يوجد الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة،لهذا عُنى ولاة المسلمين ببلاد الحجاز خاصة،على مر العصور،وتبعهم على ذلك الأغنياء وأهل اليسار من المسلمين،فكثرت الأوقاف على الحرمين الشريفين من ولاة المسلمين والسلاطين، وأهل الخير من المسلمين، وتميزت مكة المكرمة،والمدينة المنورة، بكثرة الأوقاف فيهما،ومن أجل تنظيم الأوقاف وضبط مصارفها والإشراف على شؤونها أوجدت إدارات خاصة للوقف، وطور العثمانيون العمل بها ورتبوا شؤونها في غالب البلاد التي كانت تحت ولايتهم ومنها بلاد الحرمين الشريفين،وصارت تلك التنظيمات هي المعمول بها في معظم البلاد الإسلامية،بعد زوال الدولة العثمانية"( ).
"وقد كان الإشراف على الأوقاف إلى القاضي، لأنه السلطة المختصة بتعريف السائغ والممنوع من تصرفات النظار، من حيث تنفيذ الشروط فيها، وانطباقها على مرامي الشرع ومقاصده، ووجوه المصلحة فيها، ثم هو الذي يعرف ما للناظر من حق شرعي وما عليه من واجب بمقتضى أحكام الشريعة، ولأن كل تحقيق له جزاء يجب أن يسند إلى السلطة القضائية، ولا شك أنَّ المحاسبة تحقق لها جزءا مادياً،وأدبياً، إذا قد تنتج تعويضاً وغرماً، وقد تنتج كفاً وعزلاً، وكلاهما عقوبة مادية ومعنوية معاً "( ).(6/16)
ويرى بعض الفقهاء أن لولي الأمر أن ينصب ديواناً ومستوفياً لحساب أموال الأوقاف عند المصلحة،كما أنَّ له أن ينصب دواوين لحساب الأموال السلطانية التي تؤول إلى بيت المال من تركات ونحوها،كما أنَّ له أيضاً أن يفرض لمن يعمل على حفظ الأوقاف والإشراف عليها ما يستحقه مثله من مال، جاء في كتاب كشاف القناع ما نصه:" ولولي الأمر أن ينصب ديواناً ومستوفياً لحساب أموال الأوقاف عند المصلحة،كما له – أي ولي الأمر – أن ينصب دواوين لحساب الأموال السلطانية كالفيء وغيره،مما يؤول إلى بيت المال من تركات ونحوها،وله – أي ولي الأمر – أن يفرض للمستوفي على حساب أموال الأوقاف أو غيرها على عمله ما يستحقه مثله من مال يعمل فيه بمقدار ذلك المال الذي فيه، وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له،وإن لم يقم به لم يستحقه،ولم يجز له أخذه "( ).
"وحين آلت ولاية الجزيرة العربية إلى موحدها الملك عبد العزيز(6/17)
آل سعود ~ وكل إلى القضاء الإشراف على الأوقاف في معظم مناطق المملكة، ما عدا مكة المكرمة، والمدينة المنورة،حيث كان لها تنظيم جرى العمل به من قبل الدول العثمانية فأبقى الملك عبد العزيز ~ العمل بذلك التنظيم في بدابة التأسيس حتى اكتمل عقد تأسيس المملكة العربية السعودية، وحين صدرت التعليمات الأساسية للمملكة سنة 1345هـ شملت من ضمنها، الحرمين الشريفين والأوقاف،والمساجد. وفي عام 1353هـ صدر الأمر بتوحيد شؤون الأوقاف في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بإدارة واحدة، وقد كانت عناية الملك عبد العزيز ~ بالأوقاف تتسم بالصرامة والحرص على متابعة أمورها،والمحافظة عليها من التعدي،ومن هذا المنطلق توالت صدور الأوامر والتعليمات التي تنظم شؤون الأوقاف. وقد تكفلت الحكومة السعودية فيما بعد بالصرف على شئون الحرمين من تعمير وفرش ورواتب للعاملين بهما ورصدت موارد أوقاف الحرمين "( ) لإقامة مشاريع إنمائية لتنمية واستثمار هذه الأوقاف فقامت وزارة الحج والأوقاف بإنشاء الفنادق والعمارات السكنية الإنمائية على بعض الأراضي الموقوفة على الحرمين الشريفين وفي نطاق عناية الدولة بالأوقاف أنشئت في عام 1381هـ وزارة الحج والأوقاف، فنالت الأوقاف عناية أكثر وتولت الوزارة إدارة شؤون الأوقاف، ورعايتها، ونظمت أعمال الأوقاف، بما يتفق مع نظم الإدارة الحديثة"( ) (وسأزيد هذا الموضوع بياناً وتفصيلاً عند الحديث عن موضوع: الملك عبد العزيز وجهوده في الأوقاف).
ب/ المرحلة الثانية:مرحلة ما بعد ظهور الدعوة الإصلاحية:(6/18)
... بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ~ في منتصف القرن الثاني عشر الهجري بدأت ملامح نهضة دعوية كان لها أثرها الكبير في تصحيح العقيدة والأوضاع المخالفة للشريعة،وتصحيح بعض المسائل الفقهية في أوضاع الأوقاف في نجد. كمنع نسل البنات من الاستفادة من الوقف، وحصر الوقف على الورثة، واستثناء غلة الوقف مدى الحياة … الخ. ما كان سائداً من الشروط المصادمة لأحكام الوقف على ضوء قواعد الشريعة الإسلامية؛ فأبطل تلك الأوقاف وصححها ورد على القائلين بجوازها وفند أقوالهم ودحض شبههم من واقع الأحكام الفقهية والقواعد الشرعية في هذا المجال وإليك البيان:
ظهور الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية ورائدها الإمام الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ~.
كانت دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب ~ من أعظم أحداث القرن الثاني عشر الهجري ليس في جزيرة العرب وحدها وإنما في أقطار العالم الإسلامي بأسره … يقول معالي الأستاذ الدكتور الشيخ عبد الله ابن عبد المحسن التركي حفظه الله:(6/19)
" إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – في ظني – من أعظم حركات الإصلاح في التاريخ الإسلامي بعد أن توقف المد الإسلامي وضعف كيان الدولة الإسلامية وتضعضع بنيانها. ولم يكن أحد في الجزيرة العربية ولا في العالم الإسلامي – والعربي منه بخاصة – يحلم أن تقوم دولة على أساس من الدين وأن تنتظم أمورها على أساس دعوة الإسلام وأن تكون لها الغلبة والقوة والتأييد وأن تعيد للناس عهود الدولة الإسلامية الأولى. ذلكم أن الفترة التي قامت فيها هذه الدولة تعد فترة ركود وانحطاط في البلاد العربية والأمة الإسلامية بخاصة تزداد هبوطاً وانحداراً وحقيقة ما حصل في الجزيرة العربية يدعو إلى الدهشة والعجب ذلك أن الأمر فيها أسوأ والحالة فيها متأخرة ولم يكن متصوراً أن تقوم في الجزيرة العربية حركة إصلاحية لها من العمق والشمول والتأثير ما لحركة الإمام محمد بن عبد الوهاب مع التسليم بأنه ليس من دين في الدنيا جامع لأبنائه بعضهم مع بعض موحد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروقها كدين الإسلام فضلاً عن أن الجزيرة العربية مهبط الوحي ومأرز النبوة ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ولكن ما حدث يضيف إلى تاريخ الدعوات وقيام الجدول وحصول النهضات أمراً جديداً.(6/20)
إن قيام الدولة السعودية على دعوة الإسلام في هذه الحقبة من الزمن والآثار والتغيرات التي حدثت نتيجة لذلك تستوجب دراسة عميقة للدعوة التي أحدثت ذلك التنفيذ وللقوة التي دفعت بتلك الدعوة وجاهدت في سبيلها وطبقتها وما واجهها من صعوبات ومارست عليه من خطط وما سبقها وصاحبها وتبعها من أحداث. فالدعوة التي أحدثت التغير هي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والقوة التي دفعت بها وجاهدت في تطبيقها هي ما قيضه الله لهذه الدعوة من منافحة ومؤازرة بقيادة الإمام محمد بن سعود. وهذه ميزة الإسلام، لابد أن يجمع في دعوته بين الفكر والعمل، والمنهج والتطبيق، والتشريع والحكم، ولابد أن يؤمن به الناس،ويلتزموه ويدافعوا عنه،فالحاكم يدين بالإسلام ويحكم به ويجاهد في سبيله. والعلماء يعلِّمون الناس ويدعون إلى الحق،ويعينون الحكام في مهمتهم وفق شريعة الله،وهدف الجميع واحد وهو عبادة الله وتطبيق شرعه،وإخراج الناس من الظلمات إلى النور( ).
" ومما مكن لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التأثير في عالم الفكر الإسلامي عناية الشيخ محمد بن عبد الوهاب حال حياته بتثقيف وتخريج أكبر عدد ممكن من الطلاب الذين يعتقدون فكره ومنهجه علماً وعملاً،وقد أثمرت جهوده في هذا المجال ثماراً يانعة فتخرج على يديه جيل من العلماء العاملين عنيت بذكرهم وإيراد سيرهم مختلف المصنفات التي عرضت للدعوة ومؤسسها على نحو مفصل. فقد أخذ عنه جمع كثير من العلماء الأجلاء من بنيه وبني بنيه وغيرهم من قضاة النواحي ومن علماء الأقطار( )" وقد عاش هذا الجيل من علماء مدرسة الإمام محمد بن عبد الوهاب وفياً لفكر صاحب الدعوة ومنهجه في مختلف المجالات.
... كما عاش جيل العلماء من طلابه أوفياء لمنهجه في الحث على طلب العلم وربط العلم بالعمل.(6/21)
نعم:كان طلاب الإمام محمد بن عبد الوهاب أوفياء لمنهج شيخهم في بناء المجتمع المسلم على العقيدة وحدها دون العصبية الجاهلية التي سادت نجداً قبل ظهور دعوة الشيخ.
وفي الوقت نفسه تابع طلابه منهجه في تخريج أجيال متتابعة من الطلاب ذوي الإخلاص والغيرة،وكان من أثر هذا التتابع أن ظل الفكر السلفي له تأثيره الفعال في مجالات الفكر الإسلامي إلى عصرنا الحاضر،وقد حرص دعاة فكر الإمام محمد بن عبد الوهاب على جمعه مسلسلاً على امتداد الأجيال،فصدرت مطبوعات للرسائل والكتب المتضمنة لهذا الفكر نخص منها بالذكر:
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية في ثلاثة أقسام وقد توفر على ترتيبها أحد علماء نجد الأعلام (وهو الشيخ / عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي) فأخرجها باسم الدرر السنية في الأجوبة النجدية( )وقد حفلت بنماذج من أجوبة علماء الدعوة الإصلاحية على ما كان يردهم من أسئلة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي( ).
ويستطيع الباحث من هذه الأجوبة أن يلتمس وحدة الفكر في المسائل التي تعلقت بها الأجوبة رغم تعدد العلماء الذين عنوا بهذه الأجوبة على امتداد الفترة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى اليوم،مما يدل على عمق تأثير دعوة الشيخ من بعدهم على أن هذا التأثير جاوز نطاق الجزيرة العربية إلى أنحاء شتى من العالم الإسلامي( ). وهذا يجزنا إلى الحديث عن سمات
الدعوة الإصلاحية لنؤصل على أساسها مسائل الوقف ومجالاته آنذاك وإليك البيان.
خامساً: السمات الأساسية للدعوة الإصلاحية(6/22)
" كان الارتباط القائم في ذهن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين العلم والعمل أن كليهما متلازمان فإن قلة الفهم وقلة العمل كليهما يدخل الخلل على الدين فواجب على المسلم أن يتصف بعلم يعمل به وبعمل يقوم على الفهم لقواعد الدين وأحكام الشريعة الغراء. ولهذا كانت توجيهاته ~ دائماً رسائل حية تناقش أوضاع الناس وتصيب المجتمع في المحز ولم تكن مجرد كتب ونظريات تسود بها القراطيس ويخلو منها واقع الناس،فإن العلم والعمل عنصران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في سائر جوانب عقيدة المسلم ومعاملاته وأخلاقه وسلوكه "( ).
وقد أصل ~ لدعوته وأبان عن أسس منهجه ولم يكتف الشيخ بربط العلم بالعمل فحسب بل فصل درجات الإخلاص في العمل بما يتضمن الحض على التسامي فيه حتى يكون القصد منه وجه الله تعالى وبين أن من دون هذه المرتبة العليا مراتب أدنى مناط كل منها نية العبد فهو يقول ~ " إذا أمر الله العبد بأمر وجب عليه فيه سبع مراتب:
1- العلم به.
2- محبته. ...
3- العزم على الفعل.
4- العمل
5- كونه يقع على المشروع خالصاً صواباً
6- التحذير من فعل ما يحبطه
7- الثبات عليه "( ).
وفي هذا السياق يضرب الأمثال بنماذج من العاملين قد تتحد أعمالهم ولكن تتباين درجاتهم بتباين نياتهم:
" ففريق من الناس يعمل العمل الصالح ولكنه يرجو ثواب الدنيا بحفظ ماله ونفع ذريته وما أكثر ما وجد من هذا الصنف في عصره (يوقفون الأوقاف لهذا الغرض) فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق قال تعالى: ( (((((( (((((((( ((( ((((((( (((((((( (((((((( ((( (((((((((( ((((( ((((( ((( (((((((((( (((( ((((((( ((((( ( [البقرة، 200].
2- وفريق يعمل أعمالاً صالحة ونيته رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة مثل الذي يتعلم العلم ليقال له عالم ويتصدق ليقال له جواد ويجاهد ليقال شجاع … الخ.(6/23)
3- أن يعمل العبد الأعمال الصالحة ويقصد بها مغنماً مثل الحج لمال يأخذه لا لله أو يجاهد لأجل المغنم فقد ذكر أيضاً هذا النوع ودلل له بما ورد في الصحيح عن النبي @ أنه قال " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش"( ).
4- أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصاً لله وحده ولكنه على عمل يكفرِّه كفراً يُخرج به عن الملة مثل (اليهود والنصارى) إذا عبدوا الله وتصدقوا وصاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة،ومثل كثير من هذه الأمة، الذين فيهم شرك أو كفر أكبر يخرجهم عن الإسلام ويمنع قبول أعمالهم"( ).
وعلى ضوء هذا المنهج عالج الشيخ ~ كثيراً من مسائل العقيدة والفقه والسلوك والمعاملات وغيرها ومن ذلك الأوقاف التي كانت قبل عهده وشاعت في نجد وبقية أنحاء الجزيرة العربية في أيامه وإليك نماذج من الأوقاف التي كانت في مدن وقرى المملكة بعد ظهور الدعوة الإصلاحية ومعالجة إمام الدعوة ومعالجته لبعضها على ضوء منهجه السابق فإلى التفصيل …
سادساً: نماذج من الأوقاف في مدن وقرى المملكة بعد ظهور الدعوة الإصلاحية:
" يمكن أن نشير هنا إلى نماذج وقفية من مدن وقرى متعددة بالمملكة في مرحلة ما بعد ظهور الدعوة الإصلاحية.
* ففي شقراء مثلاً:أوقف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين المتوفى سنة 1232هـ كتبه. وسلاحه في سبيل الله ومنها:مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري،ومفتاح دار السعادة،وإعلام الموقعين،ومختصر الشرح الكبير،والموطأ. وكذا أوقف محمد بن عبدالله بن ناصر كتبه في سنة 1338هـ وأوصى عبد العزيز بن إبراهيم الجميح بثلث تركته وقفاً يجعل في أرض ونخل قادم في غلته عشرون وزنة تمر للصوام في رمضان في المسجد الجامع،وخمس وزان لسراج مسجد الحسيني،وعشر وزان للإمام في المسجد الجامع،وسبع وزان للمؤذن،وعشر وزان لمعلم القرآن في المدرسة الخ.(6/24)
وقد تجاوزت الأوقاف المسبلة في هذه البلدة ذلك إلى وقف الآلات المتداولة في المجتمع مثل وقف حمد بن يحيي الذي أوصى بوقف " المنحاز " و " المقرصة " و " القفان " و " الكُلاَّب: مقلاع الضروس ".
* وفي المجمعة أوقف عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماز أرضاً ونخلاً على مسجد الخزام تصرف غلته أثلاثاً لإمام المسجد وصوام رمضان ولسراج ودلو المسجد.
* وفي عنيزة أوقف محمد العبد الله داره على ابنته ثم ذريتها ما تعاقبوا وتناسلوا. وهناك وصايا أخرى لبعض آل بسام جمعت في نصوصها بين الوقف والوصية.
* وفي مدينة الرس جملة من الأوقاف محصورة في وثيقة واحدة،مما يعني حرص الأهالي وعلماء البلدة على تدوين وجمع الأوقاف القديمة والتالية في سجل موحد. وقد سارت على هذا المنهج العديد من البلدان مثلما ما ذكرنا في أوقاف أشيقر قبل الدعوة الإصلاحية سابقاً.
* وفي مكة المكرمة أوقف (عاشور مودة) بيتاً للسكن.
* وفي الرياض أوقف الإمام فيصل بن تركي سنة 1259هـ.
* وفي الرس جملة أوقاف لأهالي البلدة وهي عبارة عن أراض زراعية ودور ونخل. وفي الأحساء وجدت أوقاف على المساجد في القرن الثاني عشر الهجري.
* وفي الطائف أوقف مبارك بن حمود بن علي على مسجد ابن عباس {.
* وفي عسير وحائل وجدت كتب موقوفة على طلبة العلم عام 1290هـ.
* ولم تكن هذه الأوقاف خاصة بالرجال فقط بل أوقفت المرأة السعودية في نجد أنواعاً كثيرة من الأوقاف خلدتها لها الأجيال وامتلأت بها المخطوطات والكتب والمجلات.
* ففي الرياض مثلاً وجدت كتب موقوفة سنة 1276هـ باسم الواقفة نورة بنت الإمام فيصل بن تركي. وفي الرياض أيضاً وجدت موقوفة باسم حصة بنت أحمد السديري.
* كما وجد في أشيقر أوقاف باسم مريم بنت محمد بن قاسم وهي تمثل أرضا ونخلاً وأثاثاً وداراً للسكنى
* وفي الدرعية أوقفت سارة بنت علي بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتباً وكان هذا في بداية القرن الثالث الهجري.(6/25)
* وفي حائل أوقفت طريفة بنت عبيد بن علي بن رشيد كتباً على طلبة العلم عام 1314هـ.
وهكذا يتواصل العطاء ويشارك في الخير كل طبقات المجتمع من طبقات المجتمع من مواطني هذا البلد الكريم رجالاً ونساءً كل يوم من مواطني هذا البلد الكريم ويسود التعاون ويعم البر والخير والإحسان أرجاء مملكتنا الحبيبة على مر تاريخها وسجلِّها،الوضاء خير شاهد على ذلك "( ).
سابعاً: موقف إمام الدعوة من الأوقاف التي كانت قبل ظهور الدعوة وشاعت في عصره:(6/26)
عني علماء الدعوة بالوقف ضمن عنايتهم بالأحكام الفقهية لأبواب الفقه الأخرى فكتبوا الرسائل وألفوا الكتب وأجابوا عن الفتاوى وكان مما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ~ ثلاث رسائل في (وقف الجنف والإثم) قال الشيخ حسن بن حسين بن علي آل الشيخ " الوقف على الذرية لا يجوز سواء كان كله أو فاضلاً وللشيخ والدنا ~ في هذا الوقف. مبطلاً له ورسالة سماها (إبطال وقف الجنف والإثم والميل وأقام الأدلة القاطعة على ذلك فراجعها) وسبب تأليف الشيخ لهذه الرسائل ما كان معهوداً عند أهل نجد من الوقف على الذرية باستثناء أولاد البنات حيث أبان ~ ما في هذا الوقف من الظلم لأنه يعد تقسيما للإرث على مقتضى الهوى وفراراً من قسمة الله ? حيث يريد الرجل أن لا ترث امرأته أو لا يرث أولاد بناته من بناته إذا توفين بعده بل يبقى المال في أولاده الذكور فقط وأولادهم ما داموا من صلبه ومن الأمثلة على ذلك:وقف مريم بنت محمد ابن قاسم حيث جاء في وثيقة هذا الوقف " وافقت مريم المذكورة جميع ماذكرنا أرض ذلك ونخله وجميع حقوقه الداخلة فيه والخارجة منه قربة إلى الله تعالى على جميع الدهر،يخرج في ليلة الجمعة وفي يومها في جميع السنة يقسمه الولي حسب الإمكان على المحتاجين من أولادها وأولادها ماتعاقبوا وتناسلوا الذكر والأنثى بالسوية،وليس لأولاد البنات في ذلك الوقف نصيب بل هو على المحتاج من أولاد الواقفة المذكورة وأولاد ذكورهم ما تعاقبوا وتناسلوا دون أولاد البنات فلا يستحقون شيئاً( )".(6/27)
"ويسمح بعض الواقفين لأولاد بناته بالاستفادة من الوقف إذا كانت من صلب الواقف والأولاد من صلب هذه البنت ويشترط بعض الواقفين لاستفادة أولاد البنات من وقفهم كون هؤلاء الأولاد من عائلة الواقف. ومن الواقفين من يجعل وقفه على ذريته من الأولاد دون البنات إلا أنه ينص في كتابة وقفه على أنه في حالة انقطاع الذكور من ذريته تعود غلة الوقف على ذريته من البنات،ومن ذلك وقف الشيخ حسن بن علي بن بسام الذي جاء فيه قول الواقف " وأرض نجلا سبيل حبيس لاتباع ولا توهب ونخلها تبع لها وهي على جميع أولادي بطناً بعد بطن الأعلى فالأعلى،وبعد حديثه عن ولاية الوقف. قال:" فإن انقطعت الذكور من ذريتي والعياذ بالله فأرض نجلا راجعة إلى الإناث من ذريتي على الترتيب المذكور. وهناك عدد من الواقفين لم يمنعوا اولاد بناتهم من الاستفادة من هذه الأوقاف بل جعلوا قسمتها كقسمة الميراث. ومن الواقفين من يزيد من وقفه عن الثلث،ومن ذلك وقف صقر بن قطام الذي جاء في أوله " وقف وسبل وحبس ونجز صقر بن قطام بن صقر في حالة صحة عقله وبدنه وطوعه ورضاه وجواز أمره جميع أملاكه في قرية أشيقر" ويستدل بالعبارة الأخيرة على أن الموقف أكثر من الثلث،ولا يرد على هذا القول بإمكانية وجود أملاك له في غير أشيقر تعادل ضعفي ذلك لأن الغالب تركز أملاك الإنسان في بلده في تلك الفترة( ).
" ويفهم من كلام بعض العلماء النجديين عدم معارضتهم نص بعض الواقفين على منع نسل البنات من الاستفادة من أوقافهم،واختلافهم في دخول أولاد البنات في كلمة الذرية أو الأولاد التي ترد في وصايا الواقفين. كما نقل الشيخ أحمد البجادي فتوى للشيخ محمد بن إسماعيل في حكم وقف امرأة وقفت على بنتها ونسلها من الذكور والإناث جاء فيها قول الشيخ محمد " ولا يدخل فيه نسل الإناث من نسل بنتها " وأيده الشيخ سليمان بن علي بن وهيب "( ).(6/28)
وقد كان لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ~ في نجد أثرها الكبير في تصحيح الأوضاع المخالفة للشريعة الإسلامية خاصة ما يتصل منها بالمسائل العقدية،واشتمال هذا التصحيح على بعض المسائل الفقهية ومنها أوضاع الأوقاف المنتشرة في نجد حيث قال الشيخ محمد ~ بمخالفة الكثير منها لأحكام الشريعة الإسلامية وحكم ببطلانها. ويتفق إمام الدعوة ~ مع غالبية العلماء النجديين السابقين له والمعارضين له في تحريم الوقف بأكثر من الثلث،إلا انه يختلف معهم في تصحيحهم لكثير من الأوقاف المشتملة على ما يراه مخالفاً للحكم الشرعي كمنع نسل البنات من الاستفادة من الوقف،وحصر الوقف على الورثة، واستثناء غلة الوقف مدة الحياة،وقد كتب الشيخ ~ رسالة أوضح فيها رأيه في هذه الأوقاف وضمنها الأدلة الشرعية المؤيدة لوجهة نظره في ذلك،وبيَّن أن الوقف المشروع:هو ما كانت وصيته والشروط الواردة فيه مطابقة لما أمر به الرسول @ وسار عليه الصحابة في أوقافهم كعمر وطلحة رضى الله عنهما، وأكد ~ تحريم تشريع شيء من الواجبات أو المستحبات وأشار إلى أقوال بعض التابعين،وطلبهم النظر في وصاياهم وإمضاء ما وافق الشرع منها ورد المخالف عملاً بقوله # …" ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ورد"( ).(6/29)
" وفي هذا السياق أورد الشيخ ~ في هذه الرسالة ما رواه الإمام أحمد من تطليق أحد الصحابة نساءه وقسمة ماله بين أبنائه،واتهام عمر > له بشعوره بقرب نهايته ورغبته في حرمان نسائه من ماله وحجره على بنيه وغضب عمر >عليه،ومطالبته بمراجعة زوجاته ثم تساءل الشيخ محمد عن كيفية جعل هذا الأمر الذي أغضب عمر أمراً مشروعاً، وإجازة الوقف فيه،وطلب المثوبة على حرمان النساء وغيرهن،والتحيل على ذلك بطلب الصدقة والقربة،وشبه أصحاب هذه الأوقاف بمن قال الله فيهم: ( ((((((((( ((( ((((((( ((((((( (((( (((( ((((((((((( ( ( [التوبة: 49] حيث تخيل هؤلاء المنافقون على ترك الجهاد بدعوى الورع وأصحاب هذه الأوقاف تحيلوا على تعدي الحدود بهذه الأوقاف ".
وانتقل الشيخ ~ بعد ذلك إلى الحديث عن الوقف على الورثة ونقل قول الإمام أحمد:" احب إلى أن لا يقف ماله ويدعه على فرائض الله "واستنتج من ذلك عدم صحة الوقف على الورثة عند الإمام أحمد لأنه لو صححه لكان أحب إليه من تركه لكونه قربة مطلوبة للشارع( )، ثم أخذ ~ في إيراد حجج المخالفين له والرد عليها ومنها احتجاجهم بقوله # " صدقتك على ذي الرحم صدقة وصلة " وقوله # " ثم أدناك أدناك "( ) وقد تعجب الشيخ من الاستدلال بمثل هذه الأدلة العامة!!.
ومن هذه الحجج أيضاً وقف الصحابة على أولادهم. وأجاب الشيخ محمد عن ذلك بعدم ثبوته عن الصحابة واختلاف وقفي عمر والزبير { عن الوقف المختلف فيه وهو الوقف على الذرية لأن عمر – جعل ولاية وقفه إلى ابنته حفصة التي تستفيد من الوقف مقابل إشرافها عليه، وأما الزبير – فقد تصدق بدوره وميز المردودة من بناته بحقها في السكن، وضرب الشيخ محمد مثلاً لتوضيح ذلك بمن وقف على بر مثل المسجد والفقراء والأضاحي وقال إن افتقر أحد من ذريتي فهو مقدم على ذلك.(6/30)
وقد رد عدد من العلماء على الشيخ في هذا الموضوع واتهموه بإبطال أوقاف كتبها العلماء وحكموا بصحتها،وبتحريض الناس على بيع الأوقاف المحبسة والمحرم بيعها بنص الشرع وبتأكيد أصحابها الذين حرصوا وبالغوا في إيراد العبارات المطلوبة الشديدة لمن يحاول التعرض لأوقافهم بالتغيير أو التحريف فكيف بمن يتجرأ على بيعها؟!
ثامناً: إجابة إمام الدعوة على المعترضين لمنهجه:
وقد أجاب إمام الدعوة ~ على ردودهم بما يفحم الخصم ويظهر الحق بقوله: الدليل على بطلان أوقاف كثير من أهل الوقف على الذين يرثونهم أمور كثيرة من الأصول والفروع،ويعرف ذلك بمعرفة الوقف المشروع وذلك أن النبي @ شرط في أنواع الصدقة أن يتصدق الإنسان ببعض ما له في الطرف التي أمر الله بها مريداً بذلك وجه الله والدار الآخرة ويجعلها صدقة جارية بحسب الأصل مع الانتفاع بالفرع كما فعل عمر وطلحة وغيرهما،فإذا عرفت أن الوقف بالإجماع ما قصد به القربة فهنا قاعدة مجمع عليها،وهي:أنه لا يجوز لأحد بعد الرسول @ أن يشرع شيئاً من الواجبات ولا من المستحبات بل يكون ذلك العمل بدعة وضلالة يضر ولا ينفع والدليل ليس على النافي بل على المثبت فإذا لم يرد دليل عن الشارع أن هذا الوقف مشروع فالأصل مع النافي وهو أنه:لا دين إلا ما شرعه الله ورسوله يوضح هذا أن العباس بن عتبة أوصى بوصايا عند موته. فسأل الوالي القاسم بن محمد فقال انظر ما وافق الحق منها فأمضه ومالا يوافقه فرده فإن عائشة حدثنني أن رسول الله @ قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فإذا كان بعض مشاهير التابعين يرد من وصاياه كل ما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلك،فكيف بما حدث بعد ذلك؟كما لو لم نجد نصاً في المسألة. واختتم ~ رسالته التي سميت (إبطال وقف الجنف والإثم) بقوله (فوالله الذي لا إله إلا هو:إِنَّ فِعْل الخير في اتباع ما شرع الله،وإبطال من غيرَّ حدود الله،والإنكار على من ابتدع في دين الله،هذا هو فعل(6/31)
الخير المعلق به الفلاح خصوصاً مع قوله @:" وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " وقوله " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "
وقوله:" لعن الله اليهود،حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها " فليتأمل اللبيب الخالي عن التعصب والهوى الذي يعرف أن وراءه جنة وناراً الذي يعلم أن الله يطلع على خفيات الضمير هذه النصوص ويفهمها فهماً جيداً، ثم ينزلها على مسألة وقف الجنف والإثم فيتبين له الحق إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم( )". هذا آخر ما ذكره الشيخ ~ في الرد على من أجاز وقف الجنف وبيان الوقف الصحيح الموافق لما فعله أصحاب رسول الله @.
تاسعاً: عناية الواقفين بأوقافهم مظهر من مظاهر عناية الدعوة الإصلاحية بها ومن صور هذه العناية.
أ – عمارة الأوقاف:
" عُني الواقفون بعمارة أوقافهم من غلة الأوقاف لضمان استمراريتها في الصرف على الجهات المحددة لها فقد جاء في وصية ما نصه:" ويبدأ الولي بعمارة الوقف وكل ما يزيد في نمائه،وجاء في وصية صقر بن قطام قوله:فالولي الناظر على جميع ذلك سليمان بن عبدالله بن موينع يصلح الأوقاف من غلتها بما يزيد من نمائها من خدمة وغيرها ويخرج ما ينوء بها من الأغرام في بناء حيطانها او غرم أو سيل أو جراد أو غير ذلك"( ).(6/32)
ب – ... كما عُني الواقفون العناية بالأثاث الموقوف وإصلاحه لضمان استمرار استعماله والاستفادة منه كما جاء في وصية مريم بنت محمد بن قاسم قولها:" وقادم في ذلك الوقف بعد ما يحتاجه من العمارة عمارة قدر فيه عشرة أمداد نحاس وقد أيضاً فيه مد ونصف نحاس ولا تنقص القدور عما ذكرنا ما نقص منها من الاستعمال زيد فيه حتى يتم ورحا ومقرصة كل جميع ما ذكرنا قادم في غلة ذلك الوقف " وجاء في وصية عائشة بنت محمد بن حسن آل الشيخ قولها:" إنها وقفت قدرين أحدهما يسع صاعاً ونصفاً والآخر يسع مدين،ومقرصة حديد ورحاوين،وإن عمار ما خرب وتعطل منهن من غلة ذلك الوقف فإن تلف شيء من ذلك رد مكانه مثله من غلة الوقف أيضاً،ويلاحظ أن الموقف من الأثاث من وصايا النساء وذلك يرجع لشعورهن بالحاجة إلى هذه الأواني وأهميتها لمباشرتهن العمل بها في بيوتهن"( ).
ج – " وكما يحرص الواقفون على عمارة أوقافهم يحرصون أيضاً على حمايتها مما يضر بها،فقد وقف أحمد بن عبد الرحمن بن عتيق نخلة له في أشيقر ومنع أن يغرس شيء بالقرب منها يكون سبباً في ضررها حيث جاء في وصيته قوله عن النخلة الموقوفة:ولها مما يليها من الأرض طول عسيبها لا يغرس فيه شيء مما يضربها " وكاتب الوقف هو الشيخ محمد بن إسماعيل "( ).
د – ومن ذلك أيضاً حرص ورثة الواقفين على استعادة أوقاف مورثيهم ممن تعدى عليها.
لما كانت الأوقاف مطمعاً لذوي النفوس الضعيفة ممن يشرفون عليها فإنها قد تتعرض لاستغلالها وأكلها وإنكارها في بعض الأحيان ممن لا يعينهم الواقف أو أحفاده، ويحدث ذلك غالباً عند خروج الواقف أو أحفاده من البلاد، وينتج عن ذلك استغلال الوقف ممن نصَّب نفسه مشرفاً عليه وربما أولاده من بعده،والأكل منه متأولين عملهم هذا بأنهم من الفقراء والمساكين الذين لهم الحق في الأخذ من غلة هذه الأوقاف وقد تنبه لهذا الأمر بعض القضاة والمفتين فحكموا بإعادته إلى أصحابه:(6/33)
من ذلك ما ورد من فاطمة بنت الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ~ إلى الشيخ عبد الله أبا بطين تطلب منه استرداد وقف جدها من آل خريف،ومما جاء في رسالتها " من فاطمة بنت الشيخ عبد الله بن الشيخ إلى الشيخ المكرم عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد لنا سبيل في أشيقر لجد جدي قيوم إن الله مغنينا عنه وحما ما درينا عنه ويوم أن الله أحوجنا فنحن أحق به ومستولي عليه عبد العزيز بن خريف "( ).
ويفهم من الوثيقة أن القضاة يحكمون باعادته إلى أصحابه إذا ثبت لعم أحقية المطالبين به.
"ومن ذلك حرص الأبناء على إثبات أوقات آبائهم:يحرص بعض الأبناء على تنفيذ رغبات والديهم في إيقاف بعض أملاكهم في حالة وفاتهم قبل إتمام إجراءات تثبيت ذلك عند الحاكم الشرعي مع أن النظرة المادية القصيرة تقتضي إبقاء هذا الملك طلقاً وقسمته على الورثة مع بقية التركة. ومن ذلك وقف عائشة بنت محمد بن حسن الذي أثبته الحاكم الشرعي بتصديق ابنيها وإمضائهم لشهادة شاهد على وقفها حيث جاء في وثيقة هذا الوقف " فلما سمع ابناها عبدالله وسليمان شهادة الشاهد المذكور بالوقف المذكور على شروطه المذكورة وصدقاه وأمضياه وأقرا بلزومه وثباته فكان وقفاً صحيحاً لازماً ثابتاً دائماً ".
ومن ذلك تورع بعض أصحاب الأوقاف وتعففهم عن الأخذ منها:ينص بعض الواقفين على أولادهم أن تكون غلة الوقف خاصة بالمحتاجين منهم،وينص البعض الآخر على قسمة غلة الوقف بين أولاده غنيهم وفقيرهم،ويفهم من بعض وثائق الأوقاف تورع بعض الأغنياء وتعفف بعض المحتاجين عن الأخذ من غلة هذه الأوقاف،ولتوقع بعض الواقفين حدوث ذلك يطلبون تحويل حق لاغني المتورع إلى المحتاجين من عائلة الموقف، وتحويل المحتاج المتعفف إلى المحتاجين من عامة المسلمين.(6/34)
ومن الأمثلة على ذلك على وقف محمد بن قاسم الذي تضمن عدداً من الوصايا وجهات صرفها حيث جاء في أحدهم بلزوم صرفها " على ظنا الواقف الغني والفقير ومن تعفف منهم عن نصيبه أخرج نصيب المتعفف على بنات أخيه مشلب المحتاج منهن "،وجاء في وصية أخرى قوله " فإن كان ذرية الواقف أغنياء فعلى المحتاجين من آل قاسم فإن لم يكن من آل قاسم محتاج أو كان ولم يطلبها مع علمه بها فعلى الفقراء من المسلمين"( ).
عناية أئمة الدعوة وعلماؤها بالوقف:
عُني أئمة الدعوة وعلماؤها بالوقف فوقفوا من أموالهم الخاصة،وجعلوا للأوقاف نصيباً من بيت المال يصرف في بناء المساجد والمدارس ونحوها.
وباستعراض تاريخ الدعوة وتاريخ أئمتها وعلمائها نجد أمثلة ظاهرة من أعمال البر والأوقاف التي أوقفها الأئمة والعلماء من أموالهم الخاصة منها:
1- وقف المدارس لطلبة العلم الشرعي:
فقد أسس جمع من علماء الدعوة على اختلاف أعصارهم مدارس يدِّرسون فيها الطلاب،وقاموا بعملهم حسبة الله ? فقد ذكر الشيخ ابن بسام في ترجمة الشيخ حسين بن الشيخ محمد عبد الوهاب رحمهم الله:(وكان قرب بيته مدرسة لطلبة العلم من الغرباء،ونفقتهم من بيت المال،فكانوا يأخذون عليه العلم،وتخرج على يديه منهم أناس كثيرون) ( ).
ومن ذلك أيضاً المدرسة التي أسسها الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن الكنهل وأخوه ناصر في اليمامة( ).
2- وقف الكتب على طلاب العلم:
"حيث اشتهر أئمة الدعوة وعلماؤها بوقف الكتب،إذا كانوا يقفون كتبهم على طلبة العمل،ويخص بعضهم الحنابلة منهم،أو طلبة العلم في بلده،أو طلبة العلم من ذريته،ولكن الكتب إذ ذاك لم تكن كثيرة فلم يتسع العلم بوقفها وإنما اشتهرت الكتب الموقوفة حين اتساع نطاق المستفيدين منها بعد انتشار الكتب المطبوعة.(6/35)
وقد قام جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ~ بطبع عدد كبير من الكتب ووقفها على العلماء وطلاب العلم والمكتبات،حصر تلك المؤلفات معالي الأستاذ/ عبد العزيز الرفاعي في بحث له بعنوان:عناية الملك عبد العزيز بنشر الكتب وقد أحصى ثمانية وتسعين كتاباً من أشهرها (مرتبة على الحروف الأبجدية) منها:
1- ... الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل للمرداوي.
2- ... الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين بن مفلح.
3- ... البداية والنهاية للحافظ ابن كثير.
4- ... الدرر السنية (مجموع رسائل ومسائل أعلام نجد الأعلام)،جمع الشيخ/ عبد الرحمن بن قاسم.
5- زاد المعاد في هدى خير العباد لابن قيم الجوزية.
6 - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العزي الحنفي.
7- ... كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس البهوتي.
8- ... مجموعة التوحيد النجدية،وتشتمل على مجموعة من كتب ورسائل أئمة الدعوة في التوحيد.
9- ... مجموعة الحديث النجدية،وتشتمل على مجموعة من كتب ورسائل أئمة الدعوة في الحديث.
10- مجموعة الرسائل النجدية (فتاوى ورسائل لعلماء نجد الإعلام).
11- مدارج السالكين شرح منازل السائرين لابن قيم الجوزية.
12- منهاج السنة النبوية لابن تيمية.(6/36)
ومن أشهر الكتب الموقوفة، وأنفعها، وأكثرها تداولاً بين الناس (مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) الذي جمعه الشيخ:عبد الرحمن ابن محمد بن قاسم بمعونة ابنه الشيخ محمد فقد تتابع على طباعة هذا الكتاب ووقفه الملوك الكرام جلالة الملك سعود، وجلالة الملك فيصل، وجلالة الملك خالد،وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – أيده الله – ولا يزال العمل إلى اليوم قائماً على وقف الكتب وتوزيعها على طلاب العلم في أنحاء كثيرة من العالم يقوم بذلك ولاة الأمر،والتجار،والوجهاء من الناس،بل والعامة أيضاً مما كان له أثر بالغ في انتشار الدعوة السلفية الصحيحة داخل البلاد وخارجها( ).
3- مساكن طلاب العلم:
... " ومن الأوقاف المشهورة في ذلك والتي رعاها أئمة الدعوة وكان لها الأثر الظاهر في النهضة العلمية الشرعية في المملكة العربية السعودية بل كان لها أثرها في المملكة العربية السعودية في سائر جوانب التنمية فيها ما عرف بـ (بيوت الأخوان) حيث بنيت بيوت في دخنة قريباً من مسجد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم يسكن فيها طلاب العلم الذي يقدمون للدراسة على الشيخ وأخيه الشيخ عبد اللطيف وعلى الشيخ:صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم من العلماء.
4- المكتبات:
فقد اهتم علماء الدعوة بتأسيس المكتبات لانتفاع طلاب العلم،فأسس الشيخ محمد بن إبراهيم ~ المكتبة السعودية التي كانت عامرة بالكتب، ومحلاً لمراجعة طلاب العلم المسائل، وقراءة الكتب التي لا يمكنهم الحصول عليها.(6/37)
ولقد كان اجتهادهم – رحمهم الله – في الوقف ممتداً إلى خارج حدود بلادهم ففي زمن متقدم وقبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة امتدت أوقاف بعض علماء الدعوة إلى بعض البلاد العربية والإسلامية القريبة،فعلى سبيل المثال كان الشيخ/ محمد بن محمود بن عثمان الضالع من العلماء المقيمين بحلب من ديار الشام،ومن علماء الدعوة المنافحين عنها،المجتهدين في نشر العقيدة السلفية الصحيحة وقد أنشأ ~ عام 1300هـ مسجداً في حلب وخصص له عقارات بجانبه تفي مواردها لوظائف إقامة الشعائر "( ).
من مظاهر عناية الدعوة الإصلاحية بالوقف قيام القضاة والعلماء بتوثيقه
خلف علماء نجد وقضاتهم طائفة كثيرة من وثائق الوصايا ووثائق الأوقاف ووثائق البيع والشراء والعقارات والصلح وأمثالها والتي تكشف نواحي متعددة من تاريخنا القديم وقد أدرك كثير من الباحثين والمعنيين بدراسة التاريخ ما لهذه الوثائق من أهمية تاريخية. فلذلك جرت عدة محاولات لجمع هذه الوثائق وتحليلها ودراستها كما تناولت بعض المجلات المتخصصة دراسات عن الوثائق القديمة مع أن قدراً كبيراً من الوثائق قد يضن به أربابه فلا يطلعون أحد عليه رغبة في إخفاء بعض ما تحتويه من حيث إيضاح بعض النواحي المالية التي يرون أخفائها مصلحة لهم أو لسبب من الأسباب يرون في اخفائها مصلحة لهم او لسبب من الأسباب الأخرى"( ). ومن بين الوصايا التي حظيت بالتوثيق ثلاث وصايا هي:
أولاً:"وصية صبيح مولى عقبة والتي تداول كتابتها عدد من النساخ أولهم كاتبه سنة 747هـ والذي لم يذكر اسمه ثم علي بن شفيع كتبها في رمضان سنة 890 ـ ثم محمد بن أحمد بن محمد بن منيف ابن بسام وكتبها في 19 رمضان سنة 986هـ ثم محمد بن عبداللطيف كتبها في جمادي الأولى سنة 1245هـ وأخيراً كتبها عبدالرحمن بن عبد اللطيف بن موسى في شهر صفر سنة 1299هـ.(6/38)
ثانياً:وصية صقر بن قطام بن صقر الأشيقري وقد توالى على كتابة هذه الوثيقة عدد كان أولهم الشيخ طلحة بن حسن بن علي بن عبد الله ابن بسام كتبها في شوال سنة 942هـ ثم نقلها سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد جد رائد الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد ابن عبد الوهاب في شهر محرم سنة 1075هـ ثم عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عدوان نقلها في رجب سنة 1175هـ وأخيراً نقلها محمد ابن عبد الله بن عبد اللطيف في خامس جمادى الأولى عام 1245هـ ثم عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن موسى في شهر صفر سنة 1299هـ.
ثالثاً:وصية رميثة بن قضيب التي كتبها محمد بن أحمد بن محمد بن منيف في التاسع عشر من رمضان سنة 986هـ ثم أحمد بن سليمان ابن مشرف ثم محمد بن عبد اللطيف ثم عبد الرحمن بن عبداللطيف بن موسى.
وهذه الوصايا الثلاث تناولت بعض الأوقاف الموجودة في بلدة أشيقر وهذه الوصايا نفذت وفقاً للمذهب الحنبلي( ).
وقد عُني الأئمة وولاة الأمر منذ بواكير هذه الدولة المباركة بالأوقاف وتوثيقها وضبطها،وإعادة تنظيم الوثائق القديمة إن وجدت،يقول الشيخ عبد الله البسام عن الشيخ عبدالله بن دهيش ~: (وخلال عمله بالمحكمة قام بتنظيم محكمة الأحساء،وتسجيل الصكوك في سجلات خاصة حيث أمر الملك عبد العزيز ~ أن تعرض عليه جميع صكوك الأحساء القديمة، فضبطها في سجلات خاصة،ودون تطوراتها وصفة انتقالها،سواء ببيع أو بإرث أو بوقف أو بقسمة،وضبط حدودها،وحقوقها الجارية عليه من ماء ونحوه) ( ).
وكان مما صدر من وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية تعميم حول أوقاف الأسرة المالكة الكريمة (من آل سعود) حيث جاء فيه " بالإشارة إلى الأمر السامي الكريم حول إثبات بعض الأوقاف التي لها وثائق شرعية قديمة وليس لها حجج استحكام مستوفية للإجراءات الشرعية والإدارية،حيث جاء في الأمر الكريم ما يلي:(6/39)
... (نرغب إليكم إبلاغ المحاكم المختصة بإخراج صكوك شرعية لأوقاف آل سعود بموجب الوثائق التي لدى الناظر وفقاً للأوقاف،وإنهاء للمشكلة،وقد زودت الجهات المعنية بنسخة من أمرنا هذا للاعتماد فأكملوا ما يلزم بموجبه)(1).
ولما انتظم العمل في المحاكم الشرعية،ونصب القضاة في سائر البلدان بعد توحيد المملكة العربية السعودية،ونظمت سجلات المحاكم صار العمل على أن توثيق الأوقاف يكون بيد القضاة في المحاكم الشرعية،ويسجل في سجلاتها ويسلم الواقف صكاً بإثبات وقفيته. ويبدأ الصك في المعتاد بحمد الله ثم إثبات حضور المنهي الذي يريد إثبات الوقفية حيث يبين الأعيان التي يملكها محدداً مواقعها،وأطوالها وحدودها،ثم يذكر أرقام صكوك ملكيتها،وبعد ذلك يقول:(وقد أوقفتها كاملة لوجه الله تعالى وقفاً منجزاً) ثم يحدد المصارف،ثم يذكر أسماء النظار،ويبين مهامهم ثم يبين من هم النظار بعد النظار المعينين بوصفهم،ثم يقول (أطلب إثبات ذلك) وفي خاتمة الصك،يقول القاضي:(هذا وجرى الإطلاع على صكوك العقارات المذكورة أعلاه فوجدتها كما ذكر المنهي فبناء على ما تقدم فقد ثبت لدى صحة هذا الوقف ولزومه على صفقة ما أنهى المنهي).
من مظاهر عناية الدعوة الإصلاحية بالوقف قيام أئمة الدعوة وعلمائها بمهام التعليم والتوجيه والفتوى.
أخذ الله الميثاق على العلماء أن يبينوا ولا يكتموا شيئاً من الحلال أو الحرام إلا وضحوه كما أخذ الميثاق على العامة أن يتعلموا فإنه كما قيل " إنما دواء العي السؤال ". ودائرة فتاوى علماء الدعوة الإصلاحية في ذلك واسعة وفتاواهم ملأت كتبهم على هيئة مجاميع أو رسائل ومن ذلك:
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية لبعض علماء نجد الأعلام.
الدور السنية في الأجوبة النجدية.
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ.(6/40)
وتُظهر هذه الفتاوى حرص أئمة الدعوة وعلمائها على الدليل والتسليم لمقتضاه والاتباع لا الابتداع في الدين وزوعهم إلى الاجتهاد والتطبيق العملي وعدم الاكتفاء بالتنظير والرد إلى الله ورسوله عند التنازع والرجوع إلى الحق إذا لاح واتضح ولهذا نجد فتاواهم قد تنوعت ولم تقتصر على مذهب أو رأي معين بل التعويل على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح من هذه الأمة كما تبرز هذه الفتاوى كمال إطلاعهم على أحوال أهل زمانهم ومناسبتها لما عليه أهل هذا الزمان والرجوع إلى العرف ومقاصد الناس ومراعاة العادات والتقاليد وعدم الخروج عما اعتاده الناس وألفوه إذا لم يصادم نصاً أو يتعارض مع قاعدة شرعية وقد أسلفت أن هؤلاء العلماء قد استقوا فكرهم وأصلوا منهجهم على ضوء منهج الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله- وفكره.
إبطال الأوقاف المبتدعة والمخالفة لقواعد الشريعة:
جاءت فتاوى أئمة الدعوة مصرحة بتحريم الأوقاف الشركية المبتدعة والتحذير منها:جاء في الدرر السنية (1):
"سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن ~ عن مراعاة شرط الواقف فأجاب: منصوص علمائنا رحمهم الله في كتبهم يلزم بشرط مستحب وخاصة وأن الشرط المكروه باطل اتفاقاً،قال شيخ الإسلام:وقول الفقهاء نصوص الواقف نص الشارع يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظ الموقف والموصي والناذر والحالف وكل عاقد يُحمل على عادته ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أو لغة الشارع أولاً،وقال لا خلاف من أنه وقف إذا وقف على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعي لم يصح والشرط إنما يلزم الوفاء به إذا لم يفض ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي.(6/41)
وأشهر فتاوى أئمة الدعوة،ورسائلهم في الوقف تحمل نفس مفهوم رسائل إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ~ في التحذير من (وقف الجنف والإثم) فقد كان من الجاري عند أهل نجد الوقف على الذرية مع استثناء أولاد البنات إذا يقول بعضهم على سبيل المثال أنه (وقف ملكه المذكور، وسبله، وأبده وحبسه قربة إلى الله تعالى على أولاد الذكور والإناث الموجودين ومن سيوجد ما تناسلوا وتعاقبوا للذكر مثل حظ الأنثيين فمن مات من الذكور عن ولده فنصيبه لولده للذكر مثل حظ الأنثيين،ولو لم يكن له إلا بنت واحدة فنصيبه كله لها،وإن لم يكن له ولد فنصيبه راجع على أهل الوقف وليس للبنات إلا حياة عيونهن،وليس لضناهن منه شيء،ولو لم يبق من ذرية سليمان (الواقف) إلا بنت واحدة فالوقف كله لها وليس لأولادها منه شيء) …
وكانت هذه عادة جارية في ديار نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ~ فلما ظهرت دعوة الشيخ ~ أسماه:وقف الجنف والإثم،وألف في إبطاله ورد على مخالفيه في ذلك ردوداً شافية كافية.
ومن الأوقاف التي أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ~ ببطلانها وقف رجل على أولاده وزوجته ومن بعدهم أولاد أبنائه الذكور دون الإناث، وأن يصرف من ريع الثلث على تعليم اثنين من أبنائه في الخارج.
إذ قال ~: (إن الأولى والحالة ما ذكر حل هذه الوصية،وجعلها ميراثاً،لأنها وصية على الورثة القصد منها في الحقيقة حرمان أولاد البنات وتخصيص بعض الورثة بزيادة نفع،وحرمان من قد سيحدث من ورثة الزوجتين، وأيضاً لو قدر حاجة ابنيه الذين يتعلمان في ألمانيا وفرنسا إلى نفقة على تعلمهما هناك فإن الوقف على التعليم في الخارج لدى الدول الكافرة ليس جهة بر يصح الوقف عليها) ( ).(6/42)
وإجابة عن سؤال حول وقفٍ على قبة من القباب قال الشيخ محمد إبراهيم ~ (الحمد لله. الذي يظهر من كتابك أن هذه القبة مبنية على ضريح قبر من القبور التي يغلو فيها الجهال وأشباههم،وأن هذا القبر ستقام عنده المزارات والاحتفالات،فإذا كان الأمر كما ذكرته فلا شك في عدم جواز ذلك،وأن الوقف على القبور غير صحيح لأن من شرط صحة الوقف أن يكون على جهة بر وقربة،والغلو في القبور،والبناء عليها وإقامة الزيارات والاحتفالات عندها من البدع المنهي عنها،بل هو من وسائل الشرك المحرمة،وقد ثبت في الأحاديث الصحة النهي عن الغلو في القبور والبناء عليها واتخاذها أعياداً،فعلى هذا يتعين المنع من إقامة الحفلات عندها،ورتميمها والبناء عليها،وأما صرف الريع لعمل بر أجدى مما ذكر كبناية المساجد،وتفطير الصوام،ونحو ذلك،فهذا حسن،والله الموفق) ( ).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم ~ أيضاً:(الوقف على التنوير على القبور لا يصح،ولا يجوز البناء عليها،أما إذا وجد فيها الدثور ساغ أن يجدد صورة قبر في الظاهر،لئلا توطأ أو نحو ذلك. أما أن تعمل بشيء بشكل جميل فلا،وكثيراً ما عبدت القبور لأجل المادة،السدنة يحصل لهم الشيء الكثير).
وفي الكلام الكثير عن بعض الأوقاف نص الشيخ على ألا يصرف الوقف على مكان بدعه أو على فعل مبتدع فقال:فاشتراط الواقف.. أن يعود الموقوف بعد انقراض أولاده وأولاده من البطون إلى فقراء الزاوية. يغلب على الظن أن مثل هذه الزوايا لا تخلو من محظور،فإذا لم تكن هذه الزاوية مكاناً للعبادة الباطلة،والبدع والمنكرات وتحققت القربة في صرف ما يصرف من الوقف عليها، ولم يكن واحد من أهلها جماعاً للمال غير متخلق بالأخلاق الفاضلة،والآداب الشرعية،فلا بأس به،ولا مانع من اعتباره.
من مظاهر عناية الدعوة الإصلاحية بالوقف إبطال أئمتها للأوقاف المحرمة أو المشتبه فيها تحرزاً عن الوقوع في الحرام.(6/43)
الوقف قربة من القرب الشرعية وطاعة من الطاعات ولا سبيل للتقرب إلى الله بالمحرم فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته وقد ثبت عن النبي @: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) ( )ولهذا نجد أئمة الدعوة وعلماءها يحذرون من الوقوف المحرمة وينادون بالتحرز من الوقوع في الشبهات في مثل هذه القرب التي يتعين أن تكون من مال حلال لا شبهة فيه.
ومن ذلك ما أجاب به سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ~ لما أن سئل عن رجل جمع مبلغاً من المال من كسب حرام،وقرر أن يعمر منه مسجداً دامراً يخشى سقوطه،وأودع المبلغ عند ثلاثة رجال جعلهم مشرفين على عمارة المسجد،أثناء ذلك توفي الرجل قبل الشروع في بناء المسجد المذكور …
هل يجوز أن يعمر المسجد بهذا المال؟
فقال ~: (الحمد لله ثبت عن النبي @أنه قال:إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) فإن كان تعلمون علما يقينا أن هذا المال بعينه مجموع من كسب كله حرام،فهذا له حكم.
وإن كنتم لا تعلمون ذلك يقينا،وإنما هو توهم أو مجرد ظن أو نقله لكم إنسان بحسب ما تصوره من غير يقين،فهذه الأشياء لا يلتفت إليها،وينفذ ما أمضاه الرجل،ويعمر المسجد بهذا المال قبل أن يسقط فيصعب تلافيه
وفي الحالة الأولى وهي:ما إذا تيقنتم جزما أن جميع هذا المال مجموع من كسب حرام،فلا يجوز أن يعمر المسجد بمال حرام،ولكن يجعل هذا المال في المرافق العامة على نظر القاضي،ويكتب لوزارة الأوقاف عن هذا المسجد لتقوم بعمارته) ( ).
ومن مظاهر عناية الدعوة الإصلاحية بالوقف إفتاء العلماء ببيع الوقف وإبداله إذا كان فيه مصلحة له وهذا يدل على مرونة العلماء وسعيهم في ما
هو أنفع للبلاد والعباد:
جاء في فتوى للشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ ما نصه إذا
أبدل الملك الوقف فإن كان ذلك لمصلحة الوقف بحيث يكون دامراً أو كثير الخلط وأراد إبداله بمصحف عامر فهذا يجوز على القول الراجح وهو القول بجواز المنافلة بالوقف للمصلحة كما هو اختيار الشيخ تقي الدين(6/44)
وابن القيم رحمهما الله تعالى،لكن بشرط أن يكون ذلك صادراً ممن له ولاية
على الوقف من جهة الواقف أو من جهة الحاكم،وأما على كلام الحنابلة من كثير من الفقهاء فلا يجوز إلا أن تتعطل منافع الوقف وحينئذ فمتى صدرت المنافلة على غير الوجه المأذون فيه فالوقف بحالة لا تتغير وقفيته ولا يملك بالمبادلة.
ومن فتاوى الشيخ سليمان بن الشيخ علي بن الشيخ عبد الله في هذا المعنى:
(الثلاثون) إذا كان هنا أرض على الصوام وقصر التمر عن إتمام الشهر وصار التمر ما يكفي رمضان كله،فهل يصح بيع العيش ويشتري بثمنه تمراً يوضع في المسجد أم لا يصح بيعه بل يوضع فيه ويؤكل بنفسه،والتمر أنفع للصوام كما لا يخفي عليك.
(الجواب) أما بيع الغلة البر الموقوف بتمر فجائز سيما إذا كان
أنفع( ).
الاستثمار لمصلحة الوقف مظهر من مظاهر العناية بالوقف:
ومن فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ~في ذلك:
1 – الاستثمار لمصلحة الوقف جائز حيث ورد سؤال من الشيخ سالم ابن محفوظ يتعلق بهذا الموضوع فأجاب ~ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
بالإشارة إلى الاستفتاء الموجه منكم بتاريخ 6/5/75هـ المتضمن بيان ما عزمتم عليه من إنشاء جامع كبير،وأنكم قد نويتم وقف جانب من تلك العمارة المجاورة للمسجد لمصلحة المسجد،مع الاحتفاظ لنفسك بجانب منها وهو الجانب الذي يقع علوه على جانب من جدران المسجد الأصلية، وطلبكم الإفادة إذا لم يكن في عملكم هذا مخالفة للوجه الشرعي.
نفيدكم أنه إذا كانت الحال كما ذكرتم فلا نرى مانعا فيما ستختصون به في الجهة التي ترغبون – نرجو الله لنا ولكم التوفيق لما فيه الخير والصلاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته( ).
العناية بالأوقاف والأمر بصيانتها وترميمها وتهيئتها مظهر من مظاهر العناية بالوقف في الدولة السعودية قديماً وحديثاً:(6/45)
ومن ذلك ما أجاب به سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم حينما ما ورد إليه ~ من جماعة مسجد الجامع الكبير بالرياض شاكين إليه شدة وطأة الحر وذكروا أن مراوح المسجد قديمة وصغيرة ويأملون في تغييرها كتب إلى معالي وزير الحج والأوقاف بالنيابة آن ذاك قال … " وعليه فينبغي منكم وفقكم الله الأمر على من يلزم بتبديل المراوح المذكورة بمراوح جديدة من النوع الجيد الكبير،وكذلك تقوية التيار الكهربائي،وإبدال ما يلزم لذلك من طبلون وعداد وأسلاك وغير ذلك مما يتطلب هذا المشروع،لأن هذا مسجد جامع أثري يؤمه المصلون من كل جهة،ويصلي فيه الأجانب الذين يأتون للبلاد،فيتعين تكميله بكل ما يحتاج إليه من هذه النواحي وغيرها. ولا تستكثر النفقة في مثل هذا؛ فإن أفضل ما أنفقت الأموال في عمارة المساجد. وقد قال تعالى:(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) والله الموفق والسلام "( ).
الدولة السعودية الحديثة وجهودها في خدمة الأوقاف إمتداد للدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية وعنايتها بالوقف( ).(6/46)
الوقف يعتبر بوابة ميسرة لتحقيق بناء المجتمع وإسهام الأفراد في تنمية مجتمعهم منذ أن قامت الدولة السعودية الثالثة التي كتب الله لها الاستقرار والاستمرار وهي تدرك مكانة الأوقاف وأهمية العناية بها حتى أينعت ثمارها المباركة. ففي طليعة اهتماماته منذ بدأ تأسيس المملكة - والناظر في منهج الإدارة الذي سلكه الملك عبد العزيز ~ في جميع شؤونه يدرك الفقه الإداري الذي يتمتع به – حيث شّكلّت أولُ إدارة للأوقات في عهد الملك عبدالعزيز عام 1343هـ، واقتصرت في نشاطها على أوقاف الحرمين الشريفين، إلى أنْ تم إنشاءُ إدارة عامة للأوقاف في أنحاء البلاد،وصدر بذلك مرسوم في 27/12/1354هـ وكانت الأوقاف العامة قبل ذلك خاضعة لنظارة القائمين عليها من قبل الموقفين، على نحو غير منظم ودونه رقابة حكومية.
وقد أسهم الملك عبد العزيز في تعضيد الأوقاف وإنقاذها من الضياع، سواء من جهة إلحاقها بالإدارة الحكومية ومتابعة شؤونها والنظر في أحوالها وصرف غلاّتها على مصارفها الشرعية بقدر الإمكان،أو من جهة ما قام به من الوقف على الجهات الخيرية من المساجد والمبرات وحلقات العلم،وبناء الأربطة لطلاب العلم،وإجراء المقررات والقواعد للفقراء والمهاجرين،ووقف الكتب المفيدة والمراجع المهمة في الفقه وغيره.
... وقد أوقف لهذا الغرض بساتين كبيرة في الرياض وغيره،للإنفاق على هذه المصارف،ومن ذلك بُستان الحُذيفي في البديعة على ضفة وادي حنيفة الغربية، وبُستان الجُفرة في صياح جنوب الرياض، وبُستان سُلطانة في شعيب الغذوانة.(6/47)
كما شجع آل بيته في الوقف على وجوه البر، ومنهم زوجته الكريمة الجوهرة بنت مساعد بن جلوي، وأبناؤه منهم الأمير تركي (ت 1338هـ) والأمير منصور (ت 1370هـ) وغيرهم. وأتاح لبعض الأمراء من غير أهل البلاد الوقف على طلاب العلم،ومنهم:الأمير الجليل قاسم بن محمد آل ثاني (ت 1331 هـ) حيث أوقف بستان قاسم في الغذاونة،ونخل إبراهيم في العريجا وغيرهما. وجعل النظر فيها إلى العالم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف. وبالرجوع إلى الأنظمة والأوامر الملكية والإدارات السنية التي صدر عن جلالة الملك عبد العزيز يتبين مدى الحرص في الدراسة والدقة قبل إصدار الأمر أو الموافقة للوصول إلى أكمل نظام يحقق الانضباط متوخياً من ورائه تحقيق مصالح الناس من ذوي العلاقة حتى لا تستفيد فئة على حساب أخرى.
الحماية من الإهمال والتلاعب عملت الدولة على إثبات الأوقاف وتدوينها في سجل خاص مع تدوين أرقامها وتواريخ سجلاتها في سجلات المحكمة الشرعية المحفوظة والتصديق عليها من قبل المحكمة ومديرية الأوقاف وتسهيل مهمات القائمين على هذا الأمر،وبهذا يتبين حرص ولاة الأمور على متابعة أمور الأوقاف وحفظها من التعدي عليها وحمايتها من الإهمال.
الوزارة والعناية بالأوقاف: في عام 1414هـ أصبحت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد هي الجهة التي تنفذ سياسة الدولة الرشيدة في مجال الوقف. وقد وضعت الوزارة في سبيل ذلك الخطط اللازمة في سبيل ذلك الخطط اللازمة في سبيل ذلك وهي خطط محكومة بشروط الواقفين وتشمل العمل على حصر وتسجيل الأوقاف بشكل عام مع التركيز على الأوقاف المجهولة الهوية أو المتعدي عليها.
غلال الأوقاف:حرصت الدولة – أعزها الله – على الإنفاق بسخاء على المحافظة على الأوقاف وصرف غلالها في مصارفها الشرعية حسب شروط واقفيها ووضعت لذلك تنظيمات تكفل تنمية أعيان الأوقاف وصرف غلالها في مصارفها الشرعية.(6/48)
وكالة متخصصة: وحرصاً من الوزارة على العمل المتخصص والمتابعة الدقيقة والمستمرة لهذا المجال الهام أوكلت مهمة الإشراف على العمل الوقفي إلى وكالة الوزارة على العمل الوقفي إلى وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف وخصصت لها مهمات وتقوم وكالة الوزارة بالمهمات المنوطة بها فقد أنشئ لها الهيكل الإداري المكون من 8 إدارات.
وقد أنيط بكل إدارة مهام واختصاصات محددة لتحقيق مهمات الوكالة على الوجه الأكمل.
التوصيات والمقترحات
إن إحياء سنة الوقف تحتاج إلى عدد من الأمور الهامة منها:
أولاً : ... " إن نظام الوقف في الشريعة الإسلامية قد لا يلقى اتفاقاً بين الفقهاء في أكثر مسائله؛ فكان البحث فيه مجالاً فسيحاً وميداناً رحباً للوقوف على مسلك الفقهاء وطرق معالجتها لما أنه حدثت مخالفات وقع فيها بعض المسلمين في الميراث وليس في ذلك عيباً على الوقف ونظامه وإنما جاء التطبيق العملي لهذه الأحكام أحياناً عن الأهداف التي شرعت لأجلها "( ).
... وهي وإن قلت في هذه الأيام فذلك يعود إلى خبو الوازع الديني في قلوب الناس،وبعدهم عن شريعة الله في كل زوايا حياتهم،ومع ذلك ستظل الأوقاف الكثيرة توقف هنا وهناك،وسيظل في الناس الكثير من الخير الذي يجب أن ينمى ويراعى بكل الوسائل والسبل الممكنة خاصة ونحن نعيش في عصر تيسرت فيه كل سبل الإدارة والتنظيم والتطوير.
ثانياً: ... " إن دراسة ملكيات الأراضي في المدن الإسلامية مهم جداً لانفراد هذه المدن بمميزات خاصة تؤثر في نمو استخدام الأراضي وتتعلق هذه المميزات بظاهرة الاتفاق التي قد تعكس إلى حد ما نمط الحياة وسبل المعيشة وسلوكيات الأفراد ومقدار التمسك بأحكام الشريعة والتطبيق العملي لخصائص الإسلام ومدى التكافل الاجتماعي في الأمة وبعض المضامين الاقتصادية ومعيار التقدم والرفاهية في المجتمع ومؤازرة أفراد بعضهم بعضا "( ).(6/49)
ثالثاً: ... التذكير بأهمية الوقف من خلال برامج إعلامية تعليمية داخل مناهج الجامعات أو يمكن أيضاً إنشاء مؤسسات جديدة بعيداً عن الإدارة الحكومية تضمن مشاركة الواقفين،وضرورة العمل على ربط مشاريع الوقف الجديدة بالاحتياجات المعاصرة للمجتمع المسلم ويجب كذلك السعي والتخطيط لإفادة الثقة في أهلية إدارة الأوقاف الحالية للأوقاف القديمة وتثميرها وتنميتها لإعطاء صور صادقة للأجيال القادمة في العالم الإسلامي،فيجتمعون بشكل دوري كل عام مرتين على الأقل،ليبحثوا القضايا المستجدة التي تتصل بمعاملات الناس،وتستمد من واقعهم. ولابد أن يصلوا بعد التحاور والتداول إلى الحلول الإيجابية، والأحكام الشرعية في معالجتها والحكم لها أو عليها.
رابعاً: ... العمل من قبل وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي على تنظيم موسوعة فقهية مرتبة أحكامها على الأحرف الأبجدية تشمل كل مذاهب أهل السنة والجماعة التي تلقت الأمة الإسلامية فقه أصحابها بالقبول كالأئمة الأربعة،ومذاهب الصحابة والتابعين،وما جاء بعدهم بإحسان كالشيخ ابن تيمية،حيث تكون سهلة المرجع والمتناول في الرجوع إلى أي حكم من أحكام الشريعة قال به مجتهد او إمام.
خامساً:تنظيم مؤتمرات لفقهاء الإسلام دورية ومستمرة. تتبناها هيئات إسلامية مخلصة كرابطة العالم الإسلامي أو الجامعة الإسلامية او وزارات الأوقاف في دول إسلامية تستشعر أحوال المسلمين وآمالهم.(6/50)
... لا شك أن عمل البشر في حاجة إلى النظر الدائم ليرقي إلى الأحسن والأولى وفق القواعد والمنطلقات العامة التي بني عليها العمل،وإن التجربة الميدانية والممارسة للأعمال تفصح عن مدركات جديدة يجب أخذها في الاعتبار ينبغي أن يستفاد من التطورات الحديثة في الإدارة للوصول بالأوقاف إلى مرحلة الإسهام في بناء المجتمع القوي السليم القادر على تجاوز الأزمات والمشاركة في بناء الحضارة الحديثة حسب المنطلقات الإسلامية التي تعتمد على العقيدة الصحيحة وفق ما شرعه الله تعالى وبينه رسوله محمد @ لأمته،وحري بالوقف أن يسهم في بناء حضارة حديثة،تعتمد على نفسها في البناء والتشييد وتتخلص من التبعية الممقوتة التي تجرعت الأمة الإسلامية منها صنوف العذاب والنكال.
سادساً:إنَّ من اللازم لقياس مؤسسات وقفية ذات دور فعال في البناء والإعمار وجود أنظمة تجمع بين الشمول والمرونة والواقعية،وتتلائم مع النظم الحديثة في إدارة الأعمال،فحري بنظام الوقف أن يتطور وفق متطلبات العصر،وأن يتبنى إنشاء منظمات وقفية قادرة على الوفاء باحتياجات المجتمع في شتى المجالات العلمية والثقافية والإعلامية والطبية وغيرها مما يلزم لكل مجتمع.
... وقد رأينا أنَّ الأوقاف في المملكة تمتلك أساساً قوياً يعتمد على الشريعة الإسلامية،وهو النظام الأعلى للأوقاف الذي مثل الرغبة الصادقة للقيادة الحكيمة لهذه البلاد لقيام نظام وقفي يسهم في البناء والتشييد،ويدعم جهود الدولة في تطوير البلاد والرقي بالمجتمع إلى آفاق أوسع من التقدم الحضاري الذي باتت جميع أمم الأرض تتطلع إليه.
سابعاً: ... توعية المجتمع بأهمية الوقف،وتحديث أنظمة الوقف مع أهمية العمل وجذب العاملين في مجالات الأوقاف،ثم الاستفادة من ثمرات مهورهم مع اعتماد السبل العلمية والإحصائية في إدارة الأوقاف.(6/51)
ثامناً: ... إيجاد مجالات للوقف أكثر رحابة في خدمة الدعوة إلى الله من خلال تفصيل مجالات الدعوة مثل طباعة الكتب الدعوية ونشرها وتوزيعها وتوظيف الدعاة وتمويل المؤتمرات والندوات والدورات والملتقيات الدعوية وكذلك الإيقاف على البرامج التلفازية والإذاعية الخاصة بالدعوة إلى الله وغير ذلك كثير مما يتولد عن هذه المناشط( ).
فهرسة المراجع والمصادر
أبحاث ندوة نحو دور تنموي للوقف بالكويت، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت 1993م.
أحكام الوقف للخصاف، دار الكتب العلمية – لبنان.
بحاث الأراضي الوقف في المدينة المنورة، تأليف: د. محمد شوقي إبراهيم، مجلة الدارة،العدد 2،السنة العاشرة،محرم 140هـ.
أساليب استثمار الأوقاف وأسس إدارتها، تأليف. نزيه كمال حماد، ندوة نحو دور تنموي للوقف بالكويت – 1993م.
أشيقر بلد العلم والنخيل والأوقاف، تأليف/ سعود اليوسف، وحمد الحميد، مجلة الفيصل ع 272،صفر 1420هـ.
إسهام المرأة في وقف الكتب، تأليف د. دلال الحربي، جامعة الملك سعود، بحث لم ينشر.
أضواء على الوقف عبر العصور، تاليف: حسن عبد الغني أبو غده، مجلة الفيصل – العدد 217 – رجب 1415هـ.
الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، تأليف: د. عبدالله الرويشد، مطابع الحلبي بمصر 1972م.
أوضاع الأوقاف في نجد قبل الدعوة الإصلاحية وموقف الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب منها، تأليف: د. أحمد بن عبد العزيز البسام، مجلة الدارة
– ع1 – السنة 24 لعام 1419هـ
أوقاف السلطان الأشرف شعبان على الحرمين الشريفين، تأليف: د. راشد سعد القحطاني، مكتبة الملك فهد الوطنية 1414هـ.
الأوقاف في المملكة العربية السعودية، وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد، 1418هـ.
تاريخ الأمم الإسلامية، تأليف: محمد الخضري، الطبعة الخامسة بمصر.(6/52)
تاريخ الأوقاف في المملكة العربية السعودية وسبل تطويرها، تأليف: د.عبداللطيف محمد الحميد، أبحاث ندوة مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية مكة المكرمة 1420هـ.
تاريخ البلاد العربية السعودية، تأليف: منير العدلاني، مطابع النهضة المصرية
بالقاهرة 1972م.
تاريخ المساجد في الرياض، تاليف: الحافظ ابن عساكر، ضمن وثائق الوصايا والأوقاف بمكتبة الملك فهد الوطنية.
تاريخ نجد، تأليف: محمود شكري الألوسي، دار الآفاق – مصر.
تاريخ نجد، تأليف: حسين بن غنام، تحقيق: الدكتور ناصر الدين الأسد، مطابع المدني بمصر 1961م.
جريدة أم القرى، مؤسسة اليمامة بالرياض، ع3 شعبان 1386هـ.
الحياة العلمية في نجد في القرني الحادي والثاني عشر الهجريين وأثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيها ن، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط 1414هـ.
الدارة (دارة الملك عبد العزيز بالرياض)، تأليف/ د. أحمد عبد العزيز البسام، السنة الرابعة والعشرون العدد الأول لسنة 1419هـ و ع2 السنة العاشرة محرم 1405هـ
الدرر السنيبة في الأجوبة النجدية، تأليف/ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي، مطابع الحكومة بالرياض 1393هـ.
الدور الاجتماعي للوقف، تأليف/ عبد الملك أحمد السيد، ضمن وقائع الحلقة الدراسية لتثمير ممتلكات الأوقاف بجدة البنك الإسلامي للتنمية 1410هـ.
سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تأليف/ أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثالثة 1358هـ
شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، دار العلم للملايين – لبنان.
الشيخ الإمام بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة، تأليف/ د. آمنة محمد نصير، دار الشروق بمصر ولبنان 1403هـ
صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، تأليف/. محمد بن عبدالله
ابن بليهد، الطبعة الثالثة 1399هـ
علماء نجد خلال ستة قرون وثمانية قرون، تأليف الشيخ/ عبدالله بن بسام،(6/53)
ط الأولى 1398هـ – مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة بمكة المكرمة.
عنوان المجد في تاريخ نجد، تأليف/ عثمان بن عبدالله بن بشر، مطابع القصيم بالرياض الطبعة الثالثة 1385هـ.
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ~، محمد بن عبد الرحمن بن قاسم العاصمي، الطبعة الاولى – مطابع الحكومة بمكة المكرمة 1399هـ
قيام الدولة السعودية، تأليف/ عبد الكريم محمود غرايبة، مجلة دراسات الفريد والجزيرة العربية العدد 11 – رجب 1977م
القمة والقاعدة، تأليف/ محمد حسين زيدان، مجلة الدارة العدد الاول لعام 1396هـ.
كشاف القناع عن مكن الإقناع، تأليف/ منصور بن يونس البهوتي تحقيق هلال مصلحي هلال، مطابع الرياض مكتبة النصر الحديثة 1374هـ.
لفحات الوجد من فعالات أهل نجد، تأليف/ عبد الله محمد الحبشي، مجلة العرب السعودية العدد 9 و10 ربيع الأول 1403هـ
مجلة العرب، حمد الجاسر، فيصل بن عبد العزيز المبارك، مؤسسة اليمامة 1387هـ السنة الثانية.
مجلة الوعي الإسلامي، العدد 322 جمادى الآخرة 1413هـ
مجلة الفيصل، حسن عبد الغني أبو غده، العدد 217 رجب سنة 1415هـ.
محاضرات في الوقف، الشيخ محمد أبو زهرة، دار الوفاء بمصر 1976م.
مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، قسم الرسائل الشخصية – الرسالة الثانية عشرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1414هـ.
المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، مطابع دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان.
مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حق المصنفات.د. عبد العزيز الرومي – د. محمد البلتاجي – د. سيد حجاب، نشر وتوزيع إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1414 –1415هـ
المغني لابن قدامه، ابن قدامة المقدسي الحنبلي، إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد.
مجموعة المسائل والرسائل النجدية، تأليف/ بعض علماء نجد الأعلام محمد ابن عبد الرحمن بن قاسم العاصمي، مطابع الحكومة بمكة المكرمة.(6/54)
الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة، طبع ونشر مؤسسة أعمال الموسوعة باشراف لجنة مكلفة من قبل سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز 1417هـ.
الملك عبد العزيز وأثره وجهوده في خدمة الفقه الإسلامي، تأليف/ أ د. الوليد ابن عبد الرحمن الفريان، مؤسسة الرسالة – لبنان.
نظام الوقف في الإسلام وآثاره المترتبة عليه، تأليف/ د. عباس طه، مجلة الأزهر، شعبان، 1386هـ.
وثائق وقف العصر العثماني، تأليف/ محمود عباس حموده، مطابع نهضة الشرق بمصر 1984م.
ورقة مقدمة للحلقة الدراسية بتثمير ممتلكات الأوقاف، البنك الإسلامي للتنمية بحدة، 1404هـ.
وثائق الوقف على الأماكن المقدسة، تأليف/ عبد اللطيف إبراهيم، جامعة الملك سعودمصادر تاريخ الجزيرة العربية
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. الهدف والتوجه، مجلة المنهل، العدد 555 شوال 1419هـ.
الوقف في الشريعة الإسلامية، تأليف/ د. محمد عبدالله الكبيسي، مطابع الإرشاد بغداد – 1397هـ.(6/55)
الوقف الخيري وتميزه عن الوقف الأهلي
إعداد
فضيلة الدكتور/ محمد بن أحمد الصالح
صفحة رقم (880)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
الوقف الخيري
وتميزه عن الوقف الأهلي
تمهيد:
قال تعالى: ? - الله ? الله - الله أكبر ? - - - - - الله أكبر الله أكبر الله الله أكبر ? - ? الله أكبر ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - المحتويات - ? - ? الله ? - - ? المحتويات - ? - ? الله } صدق الله العظيم } - - المحتويات - ? - - - - ?? - - الله ? المحتويات - ? - - - الله أكبر - صدق الله العظيم ? - - الله ? ?? الله أكبر ? الله الله الله أكبر - الله } المحتويات - ? الله أكبر ? - الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر { ?? - - الله ? الله } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - - ? - - ?? - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? الله ? - ? الله ?? - - - جل جلاله - الله أكبر ? { الله أكبر ? - - - } - - { ? [الحج: 77].
فهذه هي أسباب الفلاح العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة الجماعية على قاعدة من الإيمان وسلامة الاتجاه فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله واستقامة الحياة واستقام ضميرها فاستقامت حياتها(1).
ولا ريب أن من أهم أعمال الخير هو الوقف الذي يبقى اصله ويمتد نفعه للأجيال على وجه البر والخير.
__________
(1) ... في ظلال القرآن (4/2445).(7/1)
قال تعالى: ? ? - ? المحتويات - ? الله أكبر ? - الله ? الله الله أكبر - الله الله } - جل جلاله - } - ? - - - عليه السلام -? بسم الله الرحمن الرحيم - - الله - المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - - ?? الله - - - جل جلاله - - - الله أكبر - - الله ? الله ? المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - ?- جل جلاله -? - ? { ? الله ? الله الله ? - تمهيد - الله الله أكبر ? - ? الله - - - - - جل جلاله -?- جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله الله أكبر ? } - - { ? [آل عمران: 92]، وقد فهم المسلمون معنى هذا التوجيه الآلهي وحرصوا على أن ينالوا البر وهو جماع الخير كله بالنزول عما يحبون ويبذلون الطيب من المال سخية بها نفوسهم في انتظار ما هو أكبر وأفضل وهو مرضاة الله فلبوا توجيه ربهم الذي هداهم إلى البر كله يوم هداهم إلى الإسلام ويتحررون بهذه التلبية من استرقاق المال ومن شح النفس ومن حب الذات فيبلغوا بهذا أعلى المراتب في السمو عن ملذات الدنيا إلى الدرجات العلا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وقال رسول الله @: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه الإمام مسلم].
وبرغبة صادقة وعزم أكيد تنافس المسلمون على أعمال القرب بالوقف على بناء المساجد وبناء المدارس والمشافي والمكتبات ودور الرعاية.
وأخرج ابن ماجه أن رسول الله @ قال: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً نشره أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته).
وقد قال العلامة السيوطي في الوقف شعراً(1):
عليه من فعال غير عشر ... إذا مات ابن آدم ليس يجري
__________
(1) ... حاشية الشبرملسي بهامش نهاية المحتاج (5/358).(7/2)
وغرس النخل والصدقات تجري ... علوم بثها ودعاء نجل
وحفر البئر أو إجراء نهر ... وراثة مصحف ورباط ثغر
إليه أو بناء محل ذكر ... وبيت للغريب بناه يأوى
فخذها من أحاديث بحصر ... وتعليم لقرآن كريم
وقد وقف رسول الله @ ووقف أصحابه المساجد والأرض والآبار والحدائق والخيل والعتاد في سبيل الله.
عن أنس > قال: لما قدم رسول الله @ المدينة وأمر ببناء المسجد قال: (يا بني النجار: ثامنوني بحائطكم هذا) فقالوا: والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى. فأخذه فبناه مسجداً. رواه الثلاثة(1).
وعن عثمان > أن رسول الله @ قال: (من حفر بئر رومة فله الجنة. قال فحفرتها) أخرجه البخاري والترمذي والنسائي.
وفي رواية للبغوي: إنها كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمُدّ، فقال له النبي @: (تبعنيها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان > فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي @ فقال: (أتجعل لي ما جعلت له؟ قال: نعم. قال: قد جعلتها للمسلمين)(2).
أخرج الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة > أن رسول الله @ قال: (من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً واحتساباً فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات).
وفي حديث خالد بن الوليد > أن رسول الله @ قال: (أما خالد فقد احتسب أدراعه وأعتاده في سبيل الله) وأعتاده بمعنى: ما أعده المجاهد من السلاح والدواب وآلة الحرب.
معنى الوقف في اللغة وتعريفه في الاصطلاح:
وقف وقوفاً قام من جلوس وسكن بعد المشي والدار ونحوها حبسها في سبيل الله ويقال وقفها على فلان وله. والموقوف عند الفقهاء العين المحبوسة إما على ملك الواقف، وإما على ملك الله.
والواقف الحابس لعينه، إما على ملكه، وإما على ملك الله. والوقف حبس العين على ملك الواقف. أو على ملك الله.
__________
(1) ... صحيح البخاري 5/479.
(2) ... فتح الباري بشرح صحيح البخاري 5/478.(7/3)
والوقف في الاصطلاح: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.
ويمكن تعريف الوقف بما يأتي: "تحويل الأموال من وظيفتها الاستهلاكية إلى استثمارها في أصول رأسمالية إنتاجية تنتج المنافع والخدمات والإيرادات التي تستثمر في المستقبل في أوجه البر والخير".
إذن فالوقف عملية تجمع بين الادخار والاستثمار معاً فهي تتألف من اقتطاع أموال كان يمكن للمالك أن يستهلكها إما مباشرة أو بعد تحويلها إلى السلع ليستهلكها بنفسه أو يستهلكها ورثته من بعده.
فالواقف يمتاز بأنه نئا بهذا المال عن الاستهلاك إلى الاستثمار بهدف زيادة الثروة الإنتاجية في المجتمع وهذه الثروة الإنتاجية الموقوفة تنتج خدمات ومنافع في مجالات متعددة منها مساجد للعبادة والتعليم، ومنها مدارس ولوازمها من مقاعد وكتب وأقلام ووسائل الإيضاح للتلاميذ والطلاب، ومستشفيات وما يلزم لها من أسرّة وفرش ومعدات وأدوات ودواء وما ينبغي لكافة خدمات المرضى.
كما أن هذه الثروة الموقوفة يمكن أن تنتج أي سلعة أو خدمات أخرى تباع للمستهلكين وتوزع عائداتها الصافية على أغراض الوقف حسب شروط الواقف ونصوصه التي لا تخالف أحكام الشريعة فالوقف بحق ميزانه الإسلام حالا أو مالاً في غالب البلدان والمساس به يضر المجتمع الإسلامي ضرراً بيّن.
ولولا الأوقاف الخيرية لما وجدت الجوامع والمساجد والمعاهد والمشافي والملاجي ولولا غلات الأوقاف لما وجد المعوزون مدداً لا ينقطع لأن في انقطاع ذلك كل الخسار للمجتمع الإسلامي.(7/4)
وإذن فمما ندبت إليه شريعة الإسلام الوقف الخيري سواء كان للقريب أو للغريب أو لسائر مصالح الأمة وعليه درجت الأمة من فجر الإسلام إلى اليوم والمالك هو صاحب الشأن في التصرف في ماله في شتى أنواع العقود سواء كانت عقود معاوضات من بيع وإجارة ومساقاة ومزارعة أو عقود توثيقات من رهن وضمان وكفالة وحوالة أو عقود الأرفاق من عارية وقرض ووديعة وعقود التبرعات من وقف وهبة ووصية وغير ذلك من وجوه التصرف المعتبرة مادام الواقف عاقلاً بالغاً حرا رشيدا لم يفقد شيئاً من أهلية التصرف وإليه دون من سواه تحديد الشروط في الوقف وتعين مصارفه مادامت في أوجه الخير والبر المشروع.
حكم الوقف:
الحكم يطلق ويراد به أحد أمرين الأول: الصفة الشرعية من كونه مطلوب الفعل أو الترك، الأمر الثاني: يُطلق ويراد به الأثر المترتب عليه بعد وجوده.
فعلى المعنى الأول اختلف الفقهاء في مشروعية الوقف، فمنهم
من أجازه مطلقاً، ومنهم من أجازه في حال، ومنعه في أخرى، ومنهم
من ذهب إلى القول باستحباب الوقف وأنه من الأعمال الباقية
الصالحة، ولعل هذا هو الراجح، وعلى المعنى الثاني فإن حكم الوقف
بعد وجوده هو عقد لازم لايصح إلغاؤه أو الرجوع عنه إلا إذا تعطلت منافعه.
قال ابن قدامة: والوقف مستحب ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.
أدلة مشروعية الوقف:
أولاً: من الكتاب العزيز:(7/5)
1 – قال الله تعالى: ? المحتويات - ? - ? - - جل جلاله -? - - - الله ? الله ? - ??- عز وجل - - ?? - - المحتويات - ? - الله أكبر - - - ? الله ? - الله ? - ? الله أكبر ? } بسم الله الرحمن الرحيم - { ? - - - الله ? الله ? المحتويات - ? - ?- جل جلاله - بسم الله الرحمن الرحيم - الله ? - الله أكبر - - رضي الله عنهم - الله أكبر ?- جل جلاله - { - ?? - - - - جل جلاله - درهم ??- جل جلاله - الله ? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - - ?? - - ? مقدمة - جل جلاله -? - الله - ?- جل جلاله -? - - ?- جل جلاله - - - - الله الله ? تمهيد - - الله - ? - - - - الله ?- جل جلاله - - - ?? الله أكبر ? الله ? صدق الله العظيم ? الله الله أكبر - - } - - جل جلاله -? الله - } - - - { ? [البقرة: 110].
جاء التوجيه في هذه الآية الكريمة إلى المؤمنين ليشحنوا أنفسهم بالطاقة الهائلة المعبرة عن تعلقهم بجناب الله بأداء أنواع من العبادات من صلاة وزكاة وفعل للخيرات ولا ريب أن الوقوف الخيرية من أبرز أنواع البر والخير.(7/6)
2 – قال الله تعالى: { - { { ( - { - { - ( - ( - - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - قرآن كريم - - - عليه السلام - قرآن كريم ( - ( المحتويات ( - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - (- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنه - تمهيد ( - ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - ((- رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم ( - ( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - { - ( - ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( ( - - - ( - ( الله ( قرآن كريم - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ( - - - رضي الله عنهم - - - ( { - تمهيد (((( فهرس - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - (- رضي الله عنه - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - صدق الله العظيم (( - - ( - } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - - - عليه السلام -(- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه - - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - - فهرس - - رضي الله عنه -( (( مقدمة ( مقدمة تمهيد ( مقدمة - (- صلى الله عليه وسلم - - - - - فهرس - ( - ( { ( - - - - - - رضي الله عنهم - - (- رضي الله عنه - - - عليه السلام - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - ( - - - رضي الله عنهم - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنه -((( - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - ( تمهيد - - - - - } [البقرة: 177].(7/7)
البر هو جماع الخير, وقيمة إيتاء المال على حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل هي الانعتاق من قيود الحرص والشح والأثرة، انعتاق الروح من حب المال الذي يقبض الأيدي عن الإنفاق فهي قيمة ثمينة يشير إليها ذلك النص على حب المال وقيمة شعورية أن يبسط الإنسان يده وروحه فيما يجب من مال فهي قيمة إنسانية كبرى في نظر الإسلام الذي يسعى لتحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها ويعمل على تقوية صلتها بذوي القربى لما فيها من تحقيق مروءة النفس وكرامة الأسرة وتقوية وشائج القربى والأسرة هي النواة الأولى للجماعة هي لليتامى تكافل بين الكبار والصغار وبين الأقوياء والضعفاء وتعويض لهؤلاء الصغار عن فقدان الحماية والرعاية الأبويتين وحماية للأمة من تشرد صغارها وتعرضهم للفساد، وهي للمساكين الذين لايجدون ما ينفقون, وهم مع ذلك ساكنون لا يسألون ضناً بماء وجوههم, احتفاظ لهم بكرامة نفوسهم وصيانة لهم من البوار وإشعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة التي لا يهمل فيها فرد ولا يضيع فيها عضو(1).
__________
(1) ... في ظلال القرآن (1/159).(7/8)
قال الله تعالى: ? ?? الله الله أكبر ?? الله أكبر ? - الله الله أكبر الله أكبر ? { الله الله أكبر ? - - - - الله ? - الله ?? - ?- جل جلاله -? الله أكبر ? - الله أكبر ? صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - - الله ? - رضي الله عنهم - - - الله أكبر { الله أكبر ? الله ?? - - - ??- جل جلاله - الله ? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - - جل جلاله -? - الله ? - ?- جل جلاله -? الله الله أكبر ? الله ? - - جل جلاله - الله أكبر - الله - - ? - - - - ? - - الله ? - عليه السلام -? الله ? - الله أكبر الله أكبر الله - الله - - ? - - الله ? - ? - - جل جلاله -? - الله أكبر الله أكبر الله { الله ? - ? - - الله ? - ? صدق الله العظيم الله أكبر - - - الله ? - - ? - - عز وجل - - - جل جلاله - - الله أكبر { ? - - - الله ? الله ? المحتويات - ? الله أكبر ? الله ? { الله أكبر ? الله الله أكبر - ??- جل جلاله -? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - الله الله ? - تمهيد - الله الله أكبر ? - ? الله - - - - - جل جلاله -?- جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله ? } - - - { ? [البقرة: 215].
هذه الآية تبين المجالات التي يشرع فيها الإنفاق فالإنفاق ضرورة لقيام الجماعة المسلمة وضرورة من ناحية التضامن والتكافل بين أفراد الجماعة بحيث يشعر كل فرد أنه عضواً في الجسد فإذا كان سد الحاجة أمر معتبر له قيمته فإن شعور الفرد المسلم بأنه جزء من هذا المجتمع أمر لابد منه للشعور بالتماسك والترابط بين أفراد الأمة.(7/9)
ولهذا جاء بيان أنواع الإنفاق في هذه الآية: ? صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - - الله ? - رضي الله عنهم - - - الله أكبر { الله أكبر ? الله ?? - - - ??- جل جلاله - الله ? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - ? [البقرة: 215] فهذا الإنفاق يحقق الخير لصاحب المال وهو المعطي ويحقق الخير للآخذ وهو كذلك خير للأمة لأنه عمل مبرور ولا سيما إذا حرص المنفق على أفضل ما لديه فالإنفاق تطهير للقلب وتزكية للنفس ثم عون للآخرين لما يحقق من مصالحهم فالآية تدعو إلى تطويع النفس لبذل ما هو خير والترغيب فيه.
فمصرف الإنفاق لمن جعل الله حقهم مقترناً بحقه جل وعلا:
? - - عليه السلام -? الله ? الله الله أكبر ? الله ? ?? الله - الله أكبر - الله } - بسم الله الرحمن الرحيم - درهم - - - المحتويات - - ? - - - - الله أكبر صدق الله العظيم ? الله الله أكبر - - - بسم الله الرحمن الرحيم - درهم تمهيد - - - ? - الله الله الله أكبر ? تمهيد - - - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - - جل جلاله -? - الله ? - ? - - - جل جلاله - - الله ? - - } ? - الله أكبر الله { صدق الله العظيم - - تمهيد - ?? [الإسراء: 23]،(7/10)
? - المحتويات - ? - - - الله أكبر - صدق الله العظيم ? - - الله ? - ? الله - - - - الله درهم الله ?تُشْرِكُوْا - جل جلاله -?- جل جلاله - - - - - - الله أكبر الله أكبر صدق الله العظيم الله أكبر - الله ? - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - - جل جلاله -? - الله ? - ? - - - جل جلاله - الله أكبر - الله ? - - الله أكبر الله أكبر ? - الله أكبر الله { صدق الله العظيم - - تمهيد - ??[النساء: 36]. والإنفاق بعد ذلك يجمع بين فئات من الناس بعضهم تربطه بالمنفق رابطة النسب وبعضهم رابطة الرحم، وبعضهم رابطة الرحمة وبعضهم رابطة الإنسانية الشاملة في نطاق عقيدة الإسلام والترتيب في هذه الآية وفي آيات أخرى مماثلة تزوده بعض الأحاديث النبوية وضوحاً وبياناً كالذي جاء في صحيح مسلم عن جابر > أن رسول الله @ قال لرجل: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شي فلأهلك فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا..) (1).
ولقد علم الله أن الإنسان يحب ذاته فأمره أولاً بكفايتها قبل أن يأمره بالإنفاق على من سواها وأباح له الطيبات من الرزق فالصدقة لا تبدأ إلا بعد الكفاية فالمصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول) (2).
فالإنسان يحب الأقربين من أفراد أسرته الوالدين والأولاد وهؤلاء
لهم في الميراث نصيب مفروضاً كما جاء في الآيات [11 –12] و [176]
__________
(1) ... صحيح مسلم.
(2) ... صحيح مسلم.(7/11)
من سورة النساء(1)
__________
(1) ... ? ?- رضي الله عنهم - الله أكبر ? - - جل جلاله -?? - ? - ? - - - - ??- جل جلاله -? - صدق الله العظيم ? - } - جل جلاله - - - الله أكبر - ? صدق الله العظيم ? - - - - - الله أكبر الله } بسم الله الرحمن الرحيم - - ?- جل جلاله -? - ? { الله أكبر الله أكبر - - جل جلاله -? ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? الله - - - ? صدق الله العظيم - الله - الله - ? - الله أكبر - ? - - ? - تمهيد - الله الله أكبر ? الله الله ? الله أكبر ? - ? - - الله أكبر - الله أكبر الله أكبر الله أكبر { - جل جلاله -? ??? الله الله أكبر ? - ? صدق الله العظيم - الله - الله الله أكبر ? - - - - الله الله ? - ? - ? الله الله أكبر ? - الله الله أكبر - - الله أكبر ? الله أكبر - - الله ? - ?? الله - الله - ? تمهيد - - الله ? { - الله الله أكبر ? - - ? - ? الله - - جل جلاله - - - الله ? - الله ? - ? الله الله أكبر ? - ?? { ? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله -?? - - - جل جلاله -? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله ? الله الله أكبر - - - - - درهم الله ? الله - ? الله أكبر ?- جل جلاله -? - - الله أكبر - جل جلاله - - - الله ? - الله ? - ? صدق الله العظيم ? الله أكبر - جل جلاله - الله ? ? { - - - ? { ? - - - الله الله ? الله - جل جلاله -? ?? الله - الله الله أكبر - ? تمهيد - - الله ? - - ? - سبحانه وتعالى - - ? - ? - - - - ? الله ? ? - تمهيد - الله الله أكبر ? صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - بسم الله الرحمن الرحيم - ? ? الله أكبر ? الله ? - سبحانه وتعالى - - ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? تمت - - ? الله ? - - سبحانه وتعالى - - ? الله الله أكبر - - } الله ? الله ? - ? - الله ? الله الله أكبر - - - - - جل جلاله -?- جل جلاله - الله ? - الله أكبر - - الله الله أكبر ? - ? - - الله أكبر ? بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر - ? - - ? - تمهيد - الله الله أكبر ? الله ? - - ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? تمت ? الله ? { الله أكبر الله أكبر - تمهيد - - - جل جلاله -?- جل جلاله - الله ? - - الله أكبر - الله الله أكبر ? - ? { - - - ? { ? - - - ?- جل جلاله -? - جل جلاله - - صدق الله العظيم ? الله الله أكبر - - ? الله أكبر الله الله - - جل جلاله -? الله ? ? - ?? - ? - - الله ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم ? - - - - - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - صدق الله العظيم ? - } - ? - - الله - ? - ? صدق الله العظيم ? - } - ? - - الله الله أكبر ? صدق الله العظيم الله أكبر - - - - الله ? - الله درهم الله ?? - } صدق الله العظيم - الله الله أكبر - صدق الله العظيم ? - ? الله - الله أكبر ? - - - ? - الله - { الله أكبر الله أكبر ? - - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - الله أكبر ? - ? - - - الله أكبر ? { الله أكبر ? الله الله أكبر ? - ? - الله أكبر الله أكبر ?? - - الله الله أكبر ? - ?- جل جلاله - الله ? - - ?- جل جلاله - - - - الله الله ? تمهيد - - - ? الله - - - الله ? - - ? - } الله أكبر ? - - جل جلاله -? الله ? - - الله أكبر ? - - جل جلاله -? الله - } - - { صدق الله العظيم ? - - - ? الله ? ?? { ?- جل جلاله -? - الله ? ?? الله - الله الله أكبر - صدق الله العظيم ? - - - - - الله ? صدق الله العظيم } - - - ? تمهيد - - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - بسم الله الرحمن الرحيم - ? ? الله أكبر ? الله ? - عز وجل - - ? - ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - - - ? الله ? ? - تمهيد - الله الله أكبر ? الله ? - الله } الله الله ? - ? - ? تمت - - ? الله ? - ? - - - ? الله الله أكبر ? - ? - الله أكبر - الله - - ? - - - - عز وجل - - الله أكبر الله أكبر الله أكبر ?- جل جلاله - الله ? الله - ? صدق الله العظيم } الله - الله الله أكبر - - ?- جل جلاله -? - جل جلاله - - صدق الله العظيم ? الله الله أكبر - - ? الله أكبر الله الله - - جل جلاله -? الله ? - ? - - جل جلاله -?? - ? - - الله ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم ? - - - صدق الله العظيم - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - - عز وجل - - ? - ? - ? الله ? - ? - الله أكبر - الله - - ? - - - الله الله ? الله - جل جلاله -? صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - - { الله أكبر } الله - الله الله أكبر - ? تمهيد - - صدق الله العظيم ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? ? - - الله ? صدق الله العظيم ? الله أكبر ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - - - ? الله ? ? - تمهيد - الله الله أكبر ? الله ? - الله } صدق الله العظيم ? - - - ? تمت - - ? الله ? الله الله ? - ? - ? الله الله أكبر ? - ? - ? بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر - ? - - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - صدق الله العظيم ? - - { الله أكبر } الله - الله الله أكبر - - ?- جل جلاله - الله ? - جل جلاله - - صدق الله العظيم ? الله الله أكبر - - ? الله أكبر الله الله - - جل جلاله -? الله ? - ?? - ?? - الله أكبر - - - - الله أكبر الله أكبر ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم ? - - - صدق الله العظيم - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - ? تمهيد - - الله ? الله ? - - ? تمت ? - - الله } ? - الله } ? - ? - ? - ? - الله أكبر - ? الله } - ? - - - تمت ? - - - الله - صدق الله العظيم ? - - - - سبحانه وتعالى - - ? - ? الله ? - ? - - - - صدق الله العظيم ? - - - - رضي الله عنه - - { الله أكبر الله أكبر - - الله أكبر - الله - ? الله أكبر ?- جل جلاله -? الله الله أكبر ? - - الله أكبر - جل جلاله - - - الله ? - الله ? - ? صدق الله العظيم ? الله أكبر - جل جلاله - الله ? ? - { - - - ? { ? - - ? - تمهيد - الله الله أكبر ? المحتويات - - ? - الله أكبر ? - الله } الله - الله الله أكبر - صدق الله العظيم } - - - ?- جل جلاله -? ??- جل جلاله -? - - - صدق الله العظيم ? - ? الله الله أكبر ? - ? - - الله } الله - - ? ? - - - - الله أكبر ? بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر - ? - - - ?- جل جلاله -? - جل جلاله - - صدق الله العظيم ? الله الله أكبر - - ? الله أكبر الله الله - - جل جلاله -? الله ? - عليه السلام -? الله ?? - الله أكبر ? - - الله ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم ? - - - - ? صدق الله العظيم الله أكبر ? الله - الله } صدق الله العظيم - الله أكبر الله ?? الله - - } - - - الله أكبر الله أكبر ? - ? - ? الله الله - - جل جلاله -? الله ? الله ?- جل جلاله - الله ? - ?- جل جلاله - - - - - - - ? - ? - - - - الله ? { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله ? - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله - } - - { ?، ? ?? الله الله أكبر ?? - الله أكبر { - ? الله - { الله أكبر { الله ? - ? - الله أكبر ? - ? - - - - صدق الله العظيم ? - - - - جل جلاله - - { الله أكبر ? - ? ? - جل جلاله - - ? - ? - الله أكبر - ? - ? - ? - - - ? تمهيد - - المحتويات - - ? - - صدق الله العظيم ? - - ?? - ? الله ? ? } صدق الله العظيم - - ? - سبحانه وتعالى - - ? - ? تمت - - ? الله ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? الله ? - رضي الله عنه - - { الله أكبر الله أكبر - - الله أكبر - - الله ? - ? الله الله أكبر ? ?? { ?- جل جلاله -? - الله ? - ?? الله - الله الله أكبر - الله ? - ? الله ? - - الله أكبر الله أكبر الله ? - الله أكبر - - - الله الله أكبر ? ? تمهيد - - صدق الله العظيم ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? ? الله أكبر ? الله ? - الله ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - - - ? الله ? ? - تمهيد - الله الله أكبر ? - الله أكبر الله - الله الله أكبر ? - - ? - جل جلاله -? صدق الله العظيم - الله أكبر الله - الله ? - - - - - الله ? - ? - ? الله الله أكبر ? - ? - الله الله أكبر - - الله أكبر ? بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر - ? - - - الله الله ?- جل جلاله -? - ?? الله - الله الله أكبر - ? تمهيد - - الله ? المحتويات - - ? - ? - - ? - ? الله ? { الله أكبر الله أكبر - تمهيد - - - - درهم - الله - - جل جلاله - الله } - ? - - - الله أكبر الله أكبر { - جل جلاله -?? - - الله } بسم الله الرحمن الرحيم - - ? الله أكبر - جل جلاله -? الله أكبر ? - ? - - - جل جلاله -? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله -?? الله - - جل جلاله - - ? صدق الله العظيم - الله أكبر الله - الله - ? - الله أكبر - ? - - - ? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله - - الله - - ? - ? - - - - صدق الله العظيم ? - - - ? ? - - - - المحتويات - ? بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر ?- جل جلاله -? الله الله أكبر - - - ? - ? - - - - الله ? الله - ? الله أكبر ?- جل جلاله - - { ? { ? الله ? - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله ? } - - تمهيد { ?.(7/12)
فشرع الله للإنسان كفالة الآخرين ثم سار به
خطوة في الإنفاق وراء أهله الأقربين لقضاء حاجة هؤلاء
لينفق على طوائف أخرى يثيرون بضعهم عاطفة النخوة
والرحمة والمشاركة وفي أ ولهم اليتامى ثم المساكين الذين لايجدون ما ينفقون ثم أبناء السبيل الذين قد يكون لهم مال ولكنهم انقطعوا
عنه وهؤلاء جميعاً أعضاء في المجتمع ينتضمون في رابطة التكافل والتراحم ثم يربط هذا كله بالأفق الأعلى فيستجيش في القلب
صلته بالله فيما يعطي ? - الله ? الله ? المحتويات - ? الله أكبر ? الله ? { الله أكبر ? الله الله أكبر - ??- جل جلاله -? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - الله الله ? - تمهيد - الله الله أكبر ? - ? الله - - - - - جل جلاله -?- جل جلاله - - - - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله ? } - - - { ? [البقرة: 215] بهذا يصل بالقلوب إلى الأفق الأعلى وإلى درجة الصفاء
والتجرد والخلوص لله وهذا هو المنهج التربوي الذي يضعه العليم الخبير(1).
4 – قال تعالى: ? ? الله الله ? - - - ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - ?? - - صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - ? الله - - - - } ?? - الله أكبر الله الله أكبر ? - - الله أكبر ? الله { الله - - سبحانه وتعالى - - ? الله ?- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - - الله الله أكبر ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? - - الله أكبر ? - الله ? { ? - - - - - ? الله } - - جل جلاله - - الله } ? [البقرة: 245].
فالمال لا يذهب بالإنفاق إنما هو قرض حسن لله مضمون عنده يضاعفه أضعافاً كثيرة يضاعفه في الدنيا مالاً وبركة وسعادة وراحة ويضاعفه في الآخرة نعيماً ومتعاً ورضى وقربى من الله.
__________
(1) ... في ظلال القرآن (1/220) بتصرف.(7/13)
5 – وقال تعالى: ? - ? الله الله أكبر - الله أكبر الله الله ? الله ??- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - الله ?? - الله أكبر ?- جل جلاله -?? - الله أكبر ? صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ? - ? - الله ? صدق الله العظيم ? - - - ? - ? - - جل جلاله - - - الله أكبر الله أكبر ? - ?- جل جلاله - - - - - ? الله - الله ? - ? { ? الله الله - الله أكبر الله - { - الله - الله - الله أكبر - الله أكبر ? - - - الله ? صدق الله العظيم - الله ? ??- جل جلاله - - - الله ? الله ? ? الله - ? - ? - ? - ? - الله أكبر - - ? - ? - ? الله الله أكبر - الله أكبر ? المحتويات - - جل جلاله - الله ? - - ? الله الله - الله أكبر الله - - - ? - ? - - - - الله ? ??- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - الله أكبر ? ? الله ?- جل جلاله -? يَشَآ - ? - - ? - ? - - - - الله ? { ? - ? - الله ? { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله ? } - تمهيد - { الله ??- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - الله ?? - الله أكبر ?- جل جلاله -?? - الله أكبر ? ?? - ? - ? - الله ? صدق الله العظيم ? - - - ? - ? - - جل جلاله - - - الله أكبر الله أكبر الله أكبر ? - ?- جل جلاله - - - - الله الله ? الله أكبر - - الله درهم الله ?? - ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم - - الله أكبر ? - - الله ? المحتويات - ? - الله أكبر ? الله ?? - - - - - الله الله أكبر ? الله ? - - الله درهم الله ? - ? - - - - - ?? - ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? ?? - ? - - صدق الله العظيم - - - - الله - ?- جل جلاله -? ?? - ? الله - جل جلاله - الله أكبر - الله } - الله درهم الله ? - ??? الله أكبر الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ? صدق الله العظيم - - ? الله ? - الله درهم الله ? ?? - ? - ?? - الله أكبر ? الله { مقدمة ? مقدمة ? صدق الله العظيم - } -(7/14)
تمهيد - { ? [البقرة: 261 – 262].
نتبين في هاتين الآيتين بناء قواعد الاقتصاد الاجتماعي الذي يقوم عليها المجتمع المسلم ويتحقق بها تنظيم حياة المجتمع في التكافل والتعاون المتمثل في الصدقات والتي من أبرز أنواعها الوقف على وجه البر والخير.
ويتجلى أثر هذا البذل وهذا الإنفاق في الآداب النفسية والاجتماعية التي تجعل الصدقة عملاً تهذيبياً لنفس معطيها وعملاً نافعاً مربحاً لآخذيها وتحول المجتمع إلى أسرة واحدة يسودها التعاون والتكافل والمودة والرحمة وترفع البشرية إلى مستوى كريم يصدق فيه حديث المصطفى الكريم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(1) وإلى جانب ذلك التشبيه الرائع لترابط المجتمع الإسلامي وتكافله.. تشبيه لا يقل عنه روعة: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) (2)، أي مثل للتكافل الاجتماعي أروع من ذلك التكافل إذا مرض المسلم وجد أخوته عنده إذا تألم المسلم وجد أخوته عنده إذا ألمت به مصيبة وجد أخوته عنده.
__________
(1) ... صحيح مسلم (2/389).
(2) ... صحيح البخاري ومسلم.(7/15)
جسد واحد يتداعى لكل ما يصيب العضو، لأن العضو جزء منه، جزء عزيز جد عزيز ويرفع الإسلام هذا اللون من التكافل ليجعله تعاملاً مع الله (أن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين: فقال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما أنك لوعدته لوجدتني عنده) وقس على المرض كل ألم.. وقس عليه كل مصيبة من باب أولى وتكتمل الصورة بما جاء في باقي الحديث: (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين، قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) (1).
وإذا عدنا إلى الآية الكريمة الأولى وجدناها تعرض صورة من صور الحياة النامية التي تفيض بالأُعطيات والهبات: الزرع هبة من الله الزرع الذي يعطي أضعاف ما يأخذه ويهب غلاته مضاعفة فهي حبة واحدة عائدها سبعمائة حبة هذه عملية حسابية وإلا ففضل الله أوسع وأوفى وأكثر استجابة للضمير وتأثير في المشاعر وشحذا للهمم واستنهاضاً للعزائم وحثا على بذل المزيد والمزيد من العطاء والهبات.
__________
(1) ... صحيح مسلم (2/384).(7/16)
ليكون العائد أوسع وأشمل فهذا الإنسان الكريم يأخذ أضعاف ما يعطي وماله يزداد أضعافاً مضاعفة: { ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - ((( - (( - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ( - (( - - - رضي الله عنه -( - - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( } [البقرة: 261] إن الله يضاعف لمن يشاء يضاعف بلا حساب يضاعف من رزقه الذي لا يعلم أحد حدوده، ومن رحمته التي لا يحيط أحد من الناس بشمولها وصداها ? - - ? - ? - - - - الله ? { ? - ? - الله ? { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله ? ? [البقرة: 261] واسع لا ينقص عطاؤه ولا ينضب، عليم بالنوايا.. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. هذا الجزاء والثواب لمن أنفق عن أريحية ونقاء ويكون إنفاقه ابتغاء مرضاة الله.
6 – وقال - عز وجل -: ? الله ??- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - الله ?? - الله أكبر ?- جل جلاله -?? - الله أكبر ? ?? - ? - ? - الله ? صدق الله العظيم ? - - - ? - ? - - جل جلاله - - - الله أكبر الله أكبر الله أكبر ? - ?- جل جلاله - - - - الله الله ? الله أكبر - - الله درهم الله ?? - ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم - - الله أكبر ? - - الله ? المحتويات - ? - الله أكبر ? الله ?? - - - - - الله الله أكبر ? الله ? - - الله درهم الله ? - ? - - - - - ?? - ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? ?? - ? - - صدق الله العظيم - - - - الله - ?- جل جلاله -? ?? - ? الله - جل جلاله - الله أكبر - الله } - الله درهم الله ? - ??? الله أكبر الله - صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ? صدق الله العظيم - - ? الله ? - الله درهم الله ? ?? - ? - ?? - الله أكبر ? الله { مقدمة ? مقدمة ? صدق الله العظيم - } - تمهيد - { ? [البقرة: 262].(7/17)
فهذا الإنفاق النقي الطاهر المتألق الصادر من نفوس المحسنين الذين لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى إذ ليس المقصود بالإنفاق مجرد سدّ الخلّة والفاقة وقضاء الحاجة فحسب وإنما أراد الله جل وعلا بهذا الإنفاق التهذيب والتزكية والتطهير لنفس المعطي واستجاشة لمشاعره الإيمانية وتذكير بنعمة الله عليه بأن يأكل منها في غير سرف ولا مخيلة وأن ينفق منها في سبيل الله بغير منّ وفي هذا ترضية لنفس الآخذ وتطييباً لخاطره وتوثيقاً لصلته بأخيه المسلم وسداً لخلة المحتاجين من الأمة لتقوم على أساس من التكافل والتعاون.
وهذا المنهج القويم في تنبيه الأغنياء بأن المال مال الله وأن الرزق من الله وهي الحقيقة التي لا يماري فيها منصف عاقل(1).
__________
(1) ... في ظلال القرآن (1/304).(7/18)
7 – ولنا أن نستدل أيضاً على مشروعية الوقف بقول الله تبارك وتعالى: ? - - بسم الله الرحمن الرحيم - درهم الله } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - ? - } - - جل جلاله - - الله } ?- جل جلاله - الله ? صدق الله العظيم ? - ? - الله أكبر ? الله ? صدق الله العظيم - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - بسم الله الرحمن الرحيم - درهم تمهيد - - ?? الله ? الله - الله ? - - - { ? الله الله أكبر ? الله - الله ?- جل جلاله - - صدق الله العظيم ? - - - { ?? - - صدق الله العظيم ? الله ? صدق الله العظيم ? - - - - جل جلاله - - - - الله أكبر - ? صدق الله العظيم ? تمهيد - - الله ? صدق الله العظيم - الله أكبر الله - - - { - بسم الله الرحمن الرحيم - ?? - - ? الله ? الله ? صدق الله العظيم ? الله ? { الله أكبر ? الله ? ??- جل جلاله -? - - - - ? - - الله الله أكبر الله أكبر ??- جل جلاله - - صدق الله العظيم الله أكبر - - - - - - - الله أكبر الله أكبر ?? - الله ? - ?- جل جلاله - - - - ?? صدق الله العظيم ? الله { الله الله أكبر ? - جل جلاله -? - - جل جلاله - الله أكبر - صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - } - صدق الله العظيم - - - - - - الله أكبر ? - - جل جلاله -?? الله ? } - - - { ? [النساء: 114].
ولا ريب أن الصدقة الجارية تتمثل في الوقف الخيري الذي يمتد فيه البر والإحسان إلى العديد من مجالات الحياة.(7/19)
8 – ونستدل أيضاً على مشروعية الوقف بقول الله تعالى: ? المحتويات - ? - ?- جل جلاله -? - - ? - جل جلاله - - ? - - - - جل جلاله - - - - جل جلاله -?- جل جلاله -?? - ? الله } الله ? المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - - - الله ? - الله الله ?- جل جلاله -? - رضي الله عنهم - الله أكبر ? - ? الله ? الله - الله ? - - جل جلاله -? - ? { - الله الله أكبر - { الله أكبر { الله - ? - جل جلاله - - ? - - جل جلاله -? الله ??- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - الله الله أكبر ? المحتويات - ? - ? الله ? - - ? صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - الله أكبر ??- جل جلاله -? المحتويات - ? - ? الله ?? - - - الله ? صدق الله العظيم ? - ? - ? - - الله أكبر الله أكبر صدق الله العظيم - - - - - } - - جل جلاله - - - ? } - { ? [الحديد: 7].
9 – وقوله تعالى: ? ? الله الله ? ? - - ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - ?? - - { الله أكبر ? - ? - ? الله - - - - } ?? - الله الله أكبر ? - - الله أكبر الله أكبر ? الله { الله - - سبحانه وتعالى - - ? الله ?- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - - الله الله أكبر ? - سبحانه وتعالى - - ? - ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? الله ? - - الله أكبر الله أكبر صدق الله العظيم - - - - - - رضي الله عنهم -? - - - ? } - - { ? [الحديد: 11].(7/20)
10– وقال تعالى: ? الله الله ? تمهيد - - الله ? - - جل جلاله -? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله - - - ?? - ? - ? - - - - - الله أكبر الله الله أكبر ? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله - - - ?? - ? - ? - - الله ? المحتويات - ? - ? الله - { الله أكبر الله أكبر ? - - - الله ? - ? الله - - - - } ?? - الله الله أكبر ? - - الله أكبر الله أكبر ? الله { الله - ?? الله ? - الله أكبر الله ? - ? صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ? - ? صدق الله العظيم - رضي الله عنهم - - ? - ? الله ? - - الله أكبر الله أكبر صدق الله العظيم - - - - - - رضي الله عنهم -? - - - ? } - - { ? [الحديد: 18].
في هذه الآيات تتجلى دعوة الله جل وعلا للمؤسرين ببذل المزيد من أموالهم في البذل والعطاء إنه هتاف مؤثر عندما يقول للعباد والفقراء المحاويج ? ? الله الله ? ? - - ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - ?? - - { الله أكبر ? - ? - ? الله - - - - } ?? - الله الله أكبر ? - - الله أكبر الله أكبر ? الله { الله - ? [الحديد: 11] ومجرد تصور المسلم الفقير أنه يقرض ربه المليء الغني كفيل بأن يسارع إلى البذل والسخاء بالمال إن الناس ليتسابقون عادة إلى التعامل مع الثري منهم لأنهم على يقين في استرداد أموالهم فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد الذي لا يكتفي بإعادة رأس المال وإنما يعيد لهم أضعاف أضعاف أموالهم.
ثم يأتي قول الله تعالى ? الله الله ? تمهيد - - الله ? - - جل جلاله -? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله - - - ?? - ? - ? - - - - - الله أكبر الله الله أكبر ? بسم الله الرحمن الرحيم - جل جلاله - - - ?? - ? - ? - - الله ? ?.. الآية? [الحديد: 18].(7/21)
فهذا حافز يشحذ الهمم ويستنهض العزائم لمزيد من بذل المال في طريق البر والخير. حيث تفيد الآية بأن المتصدقين والمتصدقات لا يتعاملون مع الناس إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مع الملئ الغني فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد وأن ما ينفقه في سبيل البر والخير مخلوف عليه مضاعفاً وأن له بعد ذلك كله أجر كريم فلم يقل الباري جل وعلا أجر بحق أو أجر بعدل بينما قال أجر كريم، والكرم فيض فوق العدل وفوق الحق بحيث يكون تقديره من أكرم الأكرمين مالك الدنيا والدين.
ونختم هذه الآيات في الاستدلال على مشروعية الوقف.
11– بقول الله جل وعلا: ? ? تمهيد - - المحتويات - ? - ? - { - ? - - - ? الله - - - - } ?? - الله الله أكبر ? - - الله أكبر ? الله { الله - - ? { الله أكبر ?- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - ? صدق الله العظيم ? الله أكبر ? - ? ? - - جل جلاله -? { الله أكبر ?? الله ? الله ? - صدق الله العظيم ? الله أكبر ? - ? - - ? - ? - - - - الله ? - صلى الله عليه وسلم - } ? الله أكبر ? الله ? { - رضي الله عنهم - - - جل جلاله -? الله - } - - { ? [التغابن: 17].
وفي هذه الآية إغراء بالبذل والترغيب في الإنفاق ويجعل هذا قرضاً لله ومن ذا الذي لا يغتنم هذه الفرصة التي يتعامل فيها المحسن مع الله ليعود له القرض أضعافاً مضاعفة ومع هذا فلهذا المقرض المغفرة من الله فتبارك الله ما أكرمه وما أعظمه وما أحلمه وهو ينشئ الإنسان ثم يرزقه ثم يسأله فضل ما أعطاه قرضاً يضاعفه ثم يشكر لعبده الذي أنشأه وأعطاه ويعامله بالحلم في تقصيره هو عن شكر مولاه(1).
ثانياً: أدلة مشروعية الوقف من السنة.
__________
(1) ... في ظلال القرآن (6/3591) بتصرف.(7/22)
وعن أنس بن مالك > قال: لما قدم رسول الله @ المدينة أراد بناء المسجد وقال: «يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله» [صحيح البخاري باب وقف الأرض للمسجد].
وعن أبي هريرة >: أن رسول الله @ قال: (لا تقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة) [صحيح البخاري باب نفقة القيم للوقف].
وعن عمرو بن الحارث قال: (والله ما ترك رسول الله دينارا ولا درهما ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقة) [سنن البيهقي (6/160)].
وعن عائشة < أن رسول الله @: (جعل سبع حيطان له بالمدينة صدقة على بني عبد المطلب وبني هاشم) [سنن البيهقي الكبرى (6/160)].
وعن عبدالله بن عمر { قال: أصاب عمر > أرضاً بخيبر فأتى النبي @ يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه فما تأمرني فيها؟ فقال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث). قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه. [متفق عليه].
وثبت عن النبي @ أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له) [حديث صحيح رواه مسلم وقال الترمذي هذا حديث صحيح].
وعن سعد بن عبادة > أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل قال: (الماء) فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد.(7/23)
وعن أبي هريرة > قال قال رسول الله @: (الخيل في نواصيها الخير الخيل ثلاثة فهي لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي هي له أجر فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها فلا تغيب شيئاً في بطونها إلا كتب له أجر ولو رعاها في مرج ما أكلت شيئاً إلا كتب له بها أجر ولو سقاها من نهر جار كان له بكل قطرة تغيبها في بطونها أجر حتى ذكر الأجر في أبوالها وأرواثها ولو استنت شرفاً أو شرفين كتب له بكل خطوة تخطوها أجر..) [سنن ابن ماجه باب ارتباط الخيل في سبيل الله].
وعن أنس > قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء (بستان من نخيل بجوار المسجد النبوي وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله @ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: ? ? - ? المحتويات - ? الله أكبر ? - الله ? الله الله أكبر - الله الله } - جل جلاله - } - ? - - - عليه السلام -? بسم الله الرحمن الرحيم - - الله - المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - - ?? الله - - - جل جلاله - - - الله أكبر - ? [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله @ فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه ? ? - ? المحتويات - ? الله أكبر ? - الله ? الله الله أكبر - الله الله } - جل جلاله - } - ? - - - عليه السلام -? بسم الله الرحمن الرحيم - - الله - المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - - ?? الله - - - جل جلاله - - - الله أكبر - ? [آل عمران: 92] وإن أحب أموالي إلي بيرحاءُ، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت.
فقال رسول الله @: (بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) [رواه البخاري ومسلم والترمذي].(7/24)
روى عثمان بن عفان > قال سمعت رسول الله @ يقول: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) (1).
ولما نزل قوله تبارك وتعالى: ? ? الله الله ? - - - ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - ?? - - صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - ? الله - - - - } ?? - الله أكبر الله الله أكبر ? - - الله أكبر ? الله { الله - - سبحانه وتعالى - - ? الله ?- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - - الله الله أكبر ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? - - الله أكبر ? - الله ? { ? - - - - - ? الله } - - جل جلاله - - الله } ? [البقرة: 245].
قال الصحابي أبي الدحداح أو يستقرض الله من عبده يا رسول الله، قال: نعم فقال: امدد يا رسول الله يدك, فأشهده أنه تصدق ببستانه الذي لا يملك غيره وكان فيه سبعمائة نخلة مثمرة.
ثالثا: الإجماع:
وإن العمل بالآيات والأحاديث الواردة بمشروعية الوقف ظاهرة جلية لا نجد بين أحد من أهل العلم في ذلك اختلافاً فقد أجمع الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة على مشروعية الوقف فقد وقف أبو بكر داره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان ببئر رومة وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة علىولده، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص، وحكيم بن حزام } جميعاً(2).
قال جابر >: «لم يكن أحد من أصحاب رسول الله @ ذو مقدرة إلا وقف».
وعلى هذا فالراجح هو القول باستحباب الوقف؛ لأنه صدقة جارية يمتد نفعها وثوابها.
حكمة مشروعية الوقف:
__________
(1) ... صحيح البخاري ح (45)، صحيح مسلم ح (553)، مع اختلاف في الألفاظ.
(2) ... المغني، ج 6، ص: 186.(7/25)
إن وقف الأعيان سلاحاً أو خيلاً أو عقاراً من أفضل الصدقات ومن أفضل الأعمال لأن الأصول تبقى ثابتة لا تباع ولا توهب ولا تورث ومنافعها وثمراتها وخيراتها تستفيد منه الأمة جيلا بعد جيل ولا يستأثر بها أحد كائناً من كان وهذا ما امتاز به الوقف على سائر الصدقات.
لقد أسهم الوقف في إرساء دعائم المجتمعات الإسلامية على مدى قرون طوال في تشييد المساجد والمدارس والمكتبات والآبار وإعداد القوة من تجهيز الجيوش بمختلف الأسلحة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.
شروط صحة الوقف:
أولا : ... أن يكون الواقف جائز التصرف بأن يكون عاقلاً بالغاً حراً رشيداً غير محجور عليه لفلس.
ثانياً: ... أن يكون الوقف منجزاً فلا يصح تعليقه على شرط.
ثالثاً: ... أن يكون الوقف مؤبداً فلا يصح أن يكون مؤقتاً.
رابعاً: ... أن يكون في حالة الصحة فلا يصح في مرض الموت.
خامساً: ... أن يكون مصرف الوقف معيناً معلوماً.
سادساً: ... أن يكون الموقوف مالاً متقوماً معلوماً.
سابعاً: أن تكون العين ملكاً للواقف.
ثامناً: ... أن يكون الوقف على جهة بر.
تاسعاً: ... أن يكون الموقوف عليه جهة ممتدة.
عاشراً: ... أن لايعود الوقف على الواقف نفسه، إلا أن يكون مما يشمله مع الناس.
ويتعين العمل على تنفيذ شرط الواقف من اعتبار وصف أو عدمه، أو جمع أو تقديم أو ترتيب أو ضده، ونظر، ويلزم الوفاء بشرطه لأن شرط الواقف كنص الشارع مادام متفقاً مع مبادئ الشريعة وقواعدها العامة.
قال ابن القيم ~: شروط الواقف كنصوص الشارع في الدلالة وتخصص عامها وحمل مطلقها على مقيدها واعتبار مفهومها، كما يعتبر منطوقها.
أركان الوقف:
الركن هو ما كان داخلاً في قوام الشيء يتحقق ذلك الشيء بتحققه وينعدم بعدمه وأركان الوقف أربعة:
الواقف الذي هو المالك.
الموقوف عليه وهو المستفيد من الوقف.
الموقوف، وهو العين المملوكة للواقف.
الصيغة التي تصدر من الواقف للدلالة على الوقف.(7/26)
ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه.
وألفاظ الوقف ستة، ثلاثة صريحة، وثلاثة كناية:
فالصريحة وقفت، وحبست، وسبلت، متى أتى بواحدة من هذه الثلاث صار المال موقوفاً من غير إضافة أمر زائد؛ لأن هذه الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين الناس، وانضم إلى ذلك عرف الشرع بقول النبي @ لعمر: (إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها)، فصارت هذه الألفاظ في الوقف ظاهرة جلية في الدلالة والبيان.
وأما ألفاظ الكناية فهي: تصدقت وحرمت وأبدت، فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات والتحريم يستعمل في الظهار والإيلاء والأيمان ويكون تحريماً على نفسه وعلى غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال ألفاظ الكناية للدلالة على الوقف، فإن انضم إليها أحد صارت من أشياء ثلاثة حصل الوقف بها:
أحدها: أن ينضم إليها لفظة أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة.
... أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة.
والثاني: ... أن يصاحبها حكم الوقف فيقول صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك.
والثالث: أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفاً في الباطن دون الظاهر لعدم الاطلاع على ما في الضمائر، فإن اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره، وإن قال ما أردت فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى.
وظاهر مذهب الإمام أحمد أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه.(7/27)
مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس بالصلاة فيه أو مقبرة ويأذن بالدفن فيها أو سقاية ويأذَن في الشرب منها، فإنه قال في رواية أبي طالب فيمن دخل بيتاً فأذّن فيه صار بذلك مسجداً ليس له الرجوع وكذلك إذا أحاط أرضا وهيّأ الوسائل اللازمة للقبور وأذن للناس بالدفن فيها فليس له الرجوع.. ومتى فعل الواقف ما يدل على الوقف أو نطق بالصيغة لزم الوقف.
أقسام الوقف:
ينقسم الوقف إلى قسمين وقف أهلي، ووقف خيري.
الوقف الأهلي: وهو ما كان على الأولاد والأحفاد والأسباط والأقارب ومن بعدهم إلى الفقراء ويسمى هذا بالوقف الأهلي أو الذُّريّ، ويقوم على أساس حبس العين والتصدق بريعها على الواقف نفسه وذريته من بعده أو غيرهم طبقاً للشروط التي يحددها الواقف.
وقف الإنسان على نفسه:
إذا وقف الإنسان على نفسه ثم على المساكين أو على ولده ففيه روايتان، إحداهما: لا يصح فإنه قال في رواية أبي طالب وقد سئل عن هذا فقال: لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله وفي سبيل الله فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه، فعلى هذه الرواية يكون الوقف عليه باطلاً وهل يبطل الوقف على من بعده؟.(7/28)
على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء وهذا مذهب الإمام الشافعي لأن الوقف تمليك للرقبة والمنفعة ولا يجوز أن يملك الإنسان نفسه من نفسه كما لا يجوز أن يبيع لنفسه مال نفسه، ولأن الوقف على نفسه إنما حاصله منع نفسه التصرف في رقبة الملك فلم يصح ذلك كما لو أفرده بأن يقول لا أبيع هذا ولا أهبه ولا أورثه إلا إذا كان وقفاً عاماً فله أن ينتفع به مع غيره كمن بنى مسجداً أو مدرسة أو مستشفى فله أن يصلي ويتعلم ويتداوى مع غيره فمالك المال لا يحتاج لتمليك نفسه ولا أن يوقف على ذريته لأن الورثة لهم فروض مقدرة في كتاب الله فكل وارث يتصرف في نصيبه كما يشاء وجعل المال وقفاً فيه حجر عليهم وحرمان لهم من التصرف في الأموال التي آلت إليهم من الإرث ولأن الوقف على الذرية يفضي إلى النزاع والشقاق والإحن والفتن أو يؤدي إلى محاباة بعض الورثة وهذا فيه من الشر والفساد ما لا يخفى.
وتقضي المصلحة بمنع الوقف الأهلي لما يجره من ويلات إلى المستحقين وإلى البلد نفسه لما يجري من النزاع والخصومة والخلاف والإحن والشحناء بين المستفيدين من هذا الوقف.
ومن المعلوم أن من شروط صحة الوقف عند الأكثرين أن يكون الوقف لجهة بر لا تنقطع والذرية مهما امتدت فهي عرضة للانقطاع.
ولا مجال في ذلك لتستر بالتترع بعد ما قال رجال من أهل العلم والفضل رأيهم في الوقف الأهلي.
ويحسن أن تستشهد بما قاله شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ~: «الدليل على بطلان الأوقاف على الورثة أمور كثيرة من الأصول والفروع.. منها ما ثبت أن رجلاً في زمن النبي @ اعتق ستة أعبد عن دبر ليس له مال غيرهم فأقرع بينهم وجزأهم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال فيه قولاً شديد وفي رواية أنه قال: لو حضرته لم يدفن في مقابر المسلمين..».(7/29)
الدليل الثاني ما أخرجه الإمام أحمد أن بعض الصحابة طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فقال عمر إني أظن الشيطان قذف في قلبك أنك تموت عن قريب وأيم الله لتراجعهن أو لأُورثهن من مالك ثم آمر بقبرك فيرجم كما رجم أبي رغال…
ثالثاً: جواب الإمام أحمد > عن بعض مسائل الوقف فقال ما أعرف الوقف إلا ما ابتُغي به وجه الله…
ومن الأدلة على مشروعية الوقف الخيري قوله: (صدقة جارية) ومثل وقف عمر وأوقاف أهل المقدرة من الصحابة على جهات البر التي أمر الله بها ورسوله ليس فيه تغيير لحدود الله وأم مسألتنا (وهي الوقف على الذرية أو بعض الورثة) فهي إذا أراد الإنسان أن يقسم ماله على هواه ورفض قسمة الله وتمرد على دين الله مثل أن يريد بأن لا ترث امرأته من هذا النخل ولا تأكل منه إلا حياة عينها أو يريد أن يزيد بعض أولاده على بعض فراراً من وصية الله بالعدل أو يريد أن يَحْرم نسل البنات أو يريد أن يحرم على ورثته بيع هذا العقار لئلا يفتقروا بعده(1).
وأجاب الشيخ عبدالرحمن بن حسن وأما الذي وقف على ذريته الذكور والأنثى حياة عينها فهذا وقف الإثم والجنف لما فيه من الحيلة على حرمان أولاد البنات ما جعل الله لهم في العاقبة وهذا الوقف على هذه الجهة بدعة ما أنزل الله بها من سلطان وغايته تغيير فرائض الله بجعله الوقف..
وأجاب ابنه الشيخ عبداللطيف الذي أوصى فيما خلف بثلاث حجج وثلاث أضاحي وباقي ثلث ماله وقفاً على عيال عياله ما تناسلوا ويخص الضعيف فإن استووا فهم فيه بالسوية على حسب الميراث إلخ…، وثبت عن رسول الله @ أنه قال: (لا وصية لوارث) فما أوصى به الميت لورثته من الوقف باطل..
وأجاب ابنه عبدالله الذي وقف الثلث ثم وقف بقية ملكه على أولاده على حسب الميراث وقفه باطل لأنه مضاد لقسمة الله في المواريث فالذي يطلب تصحيح هذا مبتلى بالهوى ومعارضة الشرع.
__________
(1) ... من أراد المزيد من الإيضاح والتفصيل. ينظر الدرر السنية (5/256 –265).(7/30)
وأجاب الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف ~.. أن كان الموقوف عليه من ورثة الواقف كوالده ونحوهم فهو باطل وهو وقف الجنف والإثم(1).
وبهذا نتبين مدى منع العلماء المحققين للوقف الذري أو ما يسمى بالوقف الأهلي لما فيه من الضرر والفساد ولما يفضي إليه من النزاع والخصومة ولمخالفته للقواعد الشرعية ونصوصها.
القسم الثاني: الوقف الخيري.
ليس أدل على رقي الأمة وجدارتها بالريادة والقيادة وتبوأُها لمكان الصدارة من سمو النزعة الإنسانية في أفرادها سموا يفيض بالخير والبر والرحمة على طبقات المجتمع كافة.
وأمة محمد @ بلغت في ذلك الذروة التي لم يصل إليها أحد من قبلها على الإطلاق وذلك أن المسلمين أقاموا مؤسسات اجتماعية لوجوه من البر والخير والتكافل الاجتماعي لم تعرف الدنيا لها مثيلاً. مما يدل على قوة النزعة الإنسانية والرغبة الصادقة في تحقيق الخير لكل طبقات الأمة وهذه النزعة الإنسانية تقوم على مبادئ سامية وقواعد راسخة في التوجيه إلى الخير والدعوة إليه دعوة تتلاشى معها بواعث الشح ووسوسة الشيطان في التخويف من الفقر حيث يقول الباري جل وعلا: { ( صدق الله العظيم ( - (( - } ( - - - ( المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - عليه السلام - - ( { - (( - - - المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - (( - - - رضي الله عنه -(( - - (( - - - ( - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - المحتويات ( - ( - ((- رضي الله عنه - - - - - عليه السلام - - (((( } تم بحمد الله ( مقدمة ( - ( } تم بحمد الله الله - (( - (- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ((( - } - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( بسم الله الرحمن الرحيم - ( - - رضي الله عنه -( ((((( } [البقرة: 268].
__________
(1) ... المصدر السابق (5/266 –269).(7/31)
وتأتي الدعوة عامة إلى كل إنسان حسب استطاعته غنياً كان أم فقيراً: الغني يفعل الخير بجاهه وماله والفقير يفعل الخير بعمله ويده ولسانه وكل فرد من أفراد المسلمين لا يعدم وسيلة للجود في ميادين البر والخير.
ولقد جاء خطاب الله جل وعلا للنفس البشرية كي تجود بما تجد ? - الله ? الله ? المحتويات - ? - الله أكبر ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - ??- جل جلاله -? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - - ?? - - - جل جلاله - { - ?? - - - - الله الله أكبر ? ? [البقرة: 272]، ? ?? الله الله ? الله ?- جل جلاله -? الله ? - - - - جل جلاله -? - الله أكبر الله أكبر الله ? - - - جل جلاله -?- جل جلاله - { { الله أكبر ? الله ?- جل جلاله -? - ? ?? [فصلت: 46] وهذا الأسلوب له الأثر الفعال في دفع الإنسان إلى فعل الخير بل إلى التنافس في فعل الخير، فعندما نزل قول الله تبارك وتعالى: ? ? الله الله ? - - - ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - ?? - - صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - ? الله - - - - } ?? - الله أكبر الله الله أكبر ? - - الله أكبر ? الله { الله - - سبحانه وتعالى - - ? الله ?- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - - الله الله أكبر ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? - - الله أكبر ? - الله ? { ? - - - - - ? الله } - - جل جلاله - - الله } ? [البقرة: 245].
قال الصحابي الجليل أبو الدحداح > أو يستقرض الله من عبده يا رسول الله. قال: نعم. فقال: امدد يا رسول الله يدك فأشهده أنه تصدق ببستانه الذي لا يملك غيره وكان فيه سبعمائة نخلة مثمرة ثم عاد إلى زوجته وكانت تقيم هي وأولادها في هذا البستان فأخبرها بما صنع وغادرت هي وأولادها البستان وهي تقول له ربح بيعك يا أبا الدحداح.(7/32)
ولما نزل قول الله تبارك وتعالى: ? ? - ? المحتويات - ? الله أكبر ? - الله ? الله الله أكبر - الله الله } - جل جلاله - } - ? - - - عليه السلام -? بسم الله الرحمن الرحيم - - الله - المحتويات - ? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر - - الله الله ? الله - جل جلاله -? - - ?? الله - - - جل جلاله - - - الله أكبر - ? [آل عمران: 92]. قال أبو طلحة الأنصاري > يا رسول الله إن أحب أموالي إليّ بيرحاء – وهي بئر طيبة الماء – وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تبارك وتعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال @: (بخ بخ مال رابح، ذلك مال رابح) وكان هذا من الوقوف الأولى في الإسلام الذي يمد المؤسسات الاجتماعية بالموارد التي تعينها على أداء رسالتها الإنسانية النبيلة ولا ريب أن الوقوف تمثل حجر الزاوية في تمويل كل المؤسسات الخيرية.
وقد كان رسول الله أول من ضرب المثل الأعلى لأمته في ذلك فأوقف سبع بساتين كان أوصى بها بعض المجاهدين حين مات أن يترك أمرها لرسول الله @ يضعها حيث شاء فجعلها # وقفاً على الفقراء والمساكين والمجاهدين في سبيل الله وذوي الحاجات بل إنه # سبق إلى الوقف
عندما طلب من بني النجار أن يبيعوا الأرض لجعلها مسجداً فكان المسجد النبوي جامعاً وجامعه تقام فيه الصلوات وينشر فيه العلم وتعقد فيه
الألوية.
ثم تبع الخلفاء منهج المصطفى عليه الصلاة والسلام فأوقف أبو بكر الصديق > داره بمكة، وأوقف الفاروق > أرضه بخيبر، وأرضه(7/33)
بثمغ(1) وأوقف على الأُمّة الأراضي التي فتحت عنوة وأوقف عثمان > بئر رومة، وأوقف علي > أرضه بينبع وتتابع الصحابة في إيقاف الأراضي والبساتين والدور والآبار في أعمال البر حتى أنه لم يبقى صحابي له مال إلا أوقف قال جابر بن عبدالله { فما أعلم أحداً ذا مقدرة من أصحاب رسول الله @ من المهاجرين والأنصار إلا حبس شيئاً من ماله في سبيل الله. ثم تتابع المسلمون بعد ذلك جيلاً بعد جيل يسارعون في إحياء الوقف ويعملون على بقائه ودوامه حتى اتسعت خيراته وعمت بركاته مجالات شتى الأمر الذي حقق الكثير من الموارد السخية في الرعاية الاجتماعية. حتى صار الوقف من مآثر الإسلام ومفاخره لما يكفله من إصلاح حياة المجتمع فهو مصدر خير للمجتمع اللإسلامي والدعوة الإسلامية.
ولقد أدت الأوقاف الخيرية دوراً مهما في نهضة الحركة العلمية وفي نهضة التعليم والتنمية الاجتماعية والنهضة الاقتصادية إذن فإن للوقف دوراً فعالاً في عملية التطور والنمو في مختلف مناحي الحياة على مدى عصور الإسلام فلقد كان من أنجع الوسائل في علاج مشكلة الفقر حيث أن المسلمين تتبعوا مواضع الحاجات مهما دقت وخفيت فوقفوا لها حتى إنهم عينوا أوقافاً لعلاج الحيوانات المريضة وأخرى لإطعام الكلاب الضالة.
__________
(1) ... ثمغ: بالفتح ثم السكون والغين مال لعمر بن الخطاب > بموضع تلقاء المدينة فخرج إليه يوماً ففاتته صلاة العصر فقال شغلتني ثمغ عن الصلاة اشهدكم أنها صدقة. (معجم معالم الحجاز لعاتق بن غيث البلادي (2/88).(7/34)
وعلى سبيل المثال فالأوقاف في عاصمة الشام دمشق لا تحصر لكثرتها فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج، ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسرى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل يعطون منها ما يأكلون، ويلبسون ويتزودون حتى يصلوا إلى بلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها، ومنها أوقاف لمن تكسر له آنية أو صحاف على أيدي الخدم رفقاً بهم، ومنها أوقاف يصرف ريعها لجرف الثلج من الطرق(1).
ومن المجالات التي فيها القدح المعلى للوقف كفالة الرزق للعلماء، ودور العلم والجوامع والمباني العامة لتبقى دائمة الانتفاع على مدى الدهر، وقامت الأوقاف بسد قافة المحتاجين وأصحاب الزمانات والعاهات عن التكفف والاستجداء وذل السؤال(2).
ويعد الوقف من أهم المؤسسات التي لها دورها الفعال في عملية التطور والنمو الاقتصادي في مختلف عصور الإسلام.. ولم يقتصر تأثير الوقف على المسجد وحده فقد أوقف المسلمون العديد من النشاطات الاقتصادية من أجل تطوير مجتمعاتهم بجعلها أموالاً موقوفة، فأنشأوا المشافي العديدة، والمدارس، والمكتبات.. إلخ.
وإذا كنا بصدد الحديث عن مجالات الوقف فإن أولها: هي المساجد:
فالمسجد هو مدرسة المسلمين الأولى لاقترانه بالصلاة والصلاة عماد الدين، ولذا كان المسجد اللبنة الأولى في بناء الجماعة الإسلامية التي وضعها رسول الله @ حين هاجر إلى المدينة المنورة.
__________
(1) ... المقتطف، ج 5، من المجلد الثامن والعشرين، 3 صفر 1321هـ، 1 مايو سنة 1903م.
(2) ... المصدر السابق.(7/35)
وقد وضع الرسول – عليه الصلاة والسلام – بالبيان العملي رسالة هذه المدرسة الإسلامية فأراد شراء الأرض من بني النجار من حر ماله وأسهم في البناء حيث حمل على عاتقه الشريف وبيده الكريمة اللبن والخشب والجريد للمسجد النبوي وقبله مسجد قباء وهي أول وقوف في الإسلام، وتبعه من بعده السلف الصالح فيقول ابن تيمية ~ في ذلك: وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي @ أسس مسجده المبارك على التقوى، ففيه الصلاة وتلاوة القرآن والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه عقد الألوية والرايات، وتأمير الأمراء، وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون. أهـ.
ومن وظائف المسجد الاجتماعية أنه مركز ترابط الجماعة الإسلامية، ويتلاقى فيه أفرادها للصلاة وتبادل الرأي، وإليه يرجع مسافرهم أول ما يرجع ليؤدي ركعتين "كان النبي @ إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه".
وفيه يتم إبرام عقود النكاح فتوضع أسس الأسرة المسلمة في جو من التقوى والهداية، وفيه يهنئ المسلم إخوانه بأفراحهم ومناسباتهم السارة، وفيه يُعزي المسلم أخاه إذا أصابه مصاب، ويقف فيه المسلمون على أخبار إخوانهم، ويلتقون في رحابه الطاهرة على طاعة الله والتعاون على البر والتقوى، فهو بحق منتداهم ومركز مؤتمراتهم ومحل تشاورهم وتناصحهم.
واجتماع المسلمين في المساجد يعكس روح الدين الحنيف من مساواة وأخوة ونظام وترابط ووحدة في الصف، ويربيهم على التواضع والتجرد.(7/36)
ونحن إذا عدنا إلى مسجد المدينة في عهد الرسول @ وجدناه جامعاً وجامعة مكاناً يعد للحياة ويدفع للتقدم في كل آفاقها، فكل عبادة أو منسك أو شعيرة فيه لها انعكاسها على المجتمع خارج المسجد، فالمسجد إذن قلب المجتمع وعقله، والمجتمع جسم الإنسان وحواسه، وليس هناك أي انفصام بين المسجد باعتباره مركز عمل وتوجيه وبين المجتمع المسلم الكبير – فالمسجد ميدان تطبيقي لكل ما تعلمه المسلم فيه من آداب وقيم تربطه بالآخرين وبالمجتمع الذي يعيش فيه وهو المكان الطبيعي لنشر الكلمة المؤمنة الأمينة الموجهة المعلمة التي تزود المسلمين بالعلم والمعرفة في كل ما يتصل بأمور دينهم ودنياهم.
إن الوظيفة الحقيقية للمسجد في الإسلام هي إعداد المسلم المتكامل البناء في خلقه وسلوكه وعمله وعبادته في علاقته بربه وبنفسه وبأخيه المسلم وبالناس جميعاً ووظيفة المساجد في صورتها الاجتماعية الشاملة هي أن تكون مركز إشعاع وتوجيه وتربية لمجموعة المسلمين الذين يسكنون الحي الذي يقع فيه المسجد.
وقد تنافس الخلفاء في توسعة ما أقيم من مساجد وفي إنشاء المزيد منها ويمكن أن نشير هنا إلى ما أنفقه الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك من أموال طائلة على بناء الجامع الأموي في دمشق، والمساجد في الكوفة والبصرة وجامع المنصور في بغداد، وجامع عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط، والجامع الأزهر، وجامع ابن طولون، وفي شمال أفريقيا والأندلس "مسجد القيروان، وجامع القرويين، ومسجد قرطبة" وغيرها كثير.
والحديث عن المساجد بصفتها جزء من ثمرات الأوقاف الخيرية يبعث على الإعجاب والإكبار لما بلغته النزعة الخيرة من أثر كبير في نفوس أمة محمد @.
ثانياً: المدارس والمعاهد.(7/37)
ويمتد بنا الحديث عن دور العلم من المدارس والمعاهد، وقد بلغت هذه المدارس والمعاهد حداً واسعاً شمل كل أنحاء العالم الإسلامي وحسبنا أن نعلم أنه لا توجد مدينة أو قرية في طول العالم الإسلامي أو عرضه تخلو من مدرسة، ومدارس أو معهد أو معاهد.
وقد كان المسجد هو النواة الأولى للمدرسة فهو جامعاً وجامعةً يتعلم فيها المسلم من المهد إلى اللحد, يتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم وعلوم الشريعة وعلوم اللغة وفروع العلوم المختلفة، وقد تعددت المدارس في المدينة الواحدة حيث عدّ ابن حوقل ثلاثمائة كُتّاب وذكر أن الكُتّاب الواحد كان يتسع للمئات أو الآلاف من الطلبة.
ومما يذكر في تاريخ أبي القاسم البلخي أنه كان له كُتَّاب يتعلم به ثلاثة آلاف تلميذ وكان كُتَّابه فسيحاً جداً بحيث يحتاج إلى أن يستخدم دابة يطوف بها أنحاء الكُتَّاب.
وكان التعليم في هذه المدارس مجانياً ومتوفر لكل فئات الأمة وشرائح المجتمع وكان الطلاب في هذه المدارس على قسمين قسم يعيشون داخل المدرسة ولهم فيها السكن والإعاشة، وقسم ينصرفون في المساء إلى أهلهم لأن الدراسة عندهم في الصباح وفي المساء.(7/38)
وكانت المدارس آية في الاتساع واستيفاء جميع المرافق فإلى جانب قاعات الدراسة غرف النوم ومكتبة ومطبخاً وحماماً بل قد تتسع إلى ملاعب الرياضة البدنية ومن هذه المدارس المدرسة النوريّة التي أنشأها نور الدين الشهيد، وقد قال عنها الرحالة ابن جبير "من أحسن مدارس الدنيا مظهراً مدرسة نور الدين وهي قصر من القصور الأنيقة ينصب فيه الماء وسط نهر عظيم ثم يمتد الماء في ساقية مستطيلة إلى أن يقع في صهريجٍ كبير وسط الدار فتحار الأبصار في حسن ذلك المنظر". وفيه قاعة المحاضرات والمسجد وغرفة للمدرسين واستراحتهم وبيت خاص يسكنه رئيس المدرسين مع عائلته ومساكن للطلاب ولخدم المدرسة وقاعة الطعام ومطبخ ومخزن البقول والمواد المختلفة ومثل هذه المدرسة مدارس الشعبانية والعثمانية والخسروية في حلب.
وأظهر مثال حي لهذه المدارس الجامع الأزهر الذي تحيط به الأروقة التي تؤوي فئام من الطلاب وفدوا من أنحاء العالم الإسلامي وتحمل هذه الأروقة أسماء بلادهم ولا يزال طلاب الأزهر حتى اليوم يأخذون راتباً شهرياً من ريع الأوقاف. ولقد كان الأساتذة والمعلمون في الأمّة الإسلاميّة من خيرة العلماء وأكثرهم شهرة ومن أمثلة هؤلاء الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة والإمام محمد بن شهاب الزهري والحسن البصري وعطاء ومكحول وطاووس وابن أبي ليلى وعبدالله بن أبي شبرمة وعثمان البتي والإمام
أبو حنيفة والإمام الأوزاعي والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه
وابن جرير الطبري وأبو القاسم الخرقي والقاضي أبو يعلى والماوردي(7/39)
وابن حزم وإمام الحرمين الجويني وأبي إسحاق الشيرازي والإمام الغزالي وابن عقيل وابن الخطاب وابن العربي وابن رشد وابن قدامة والرافعي والرازي وسلطان العلماء العز بن عبدالسلام والإمام ابن تيمية والشاطبي وابن دقيق العيد والإمام النووي وابن القيم والذهبي وتاج الدين السبكي وابن حجر العسقلاني وابن الصلاح وعماد الدين بن كثير والسيوطي
وابن نجيم وابن عابدين ومحمد عبده والمراغي وعبدالمجيد سليم وسليم البشري والإمام محمد بن عبدالوهاب وغيرهم كثير ولم يكن رجال العلم في صدر الإسلام يتقاضون أجراً على تعليمهم لكن لما قامت المدارس صار فيهم حضا موفوراً من غلات الأوقاف كانت المدارس على هذا وخاصة المعاهد العليا تملأ مدن العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه ويذكر التاريخ بكثير من الإكبار والإعجاب نفراً من أمراء المسلمين كانت لهم اليد الطولى في إنشاء المدارس في مختلف الأقطار منهم صلاح الدين الأيوبي فقد أنشأ المدارس في جميع المدن في مصر ودمشق والموصل وبيت المقدس ومنهم نور الدين الشهيد الذي أنشأ في سورية وحدها أربعة عشر معهداً منها ستة في دمشق وأربعة في حلب واثنان في حماة واثنان في حمص وواحد في بعلبك ومنهم نظام الملك الوزير السلجوقي الذي ملأ بلاد العراق وخراسان بالمدارس حتى قيل فيه إن له مدرسة في كل مدينة من بلاد العراق وبلاد خراسان وكان ينشئ المدارس حتى في الأماكن النائية فقد أنشأ في جزيرة ابن عمرو مدرسة كبيرة حسنة وكلما وجد في بلدة عالماً قد تميز وتبحر في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفاً وجعل فيها داراً للكتب. وبجانب هؤلاء العظماء كان الأمراء والأغنياء والتجار يتسابقون في بناء المدارس والوقف عليها بما يضمن استمرارها وإقبال الطلاب عليها.(7/40)
قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة إحدى وثلاثين وستمائة (فيها كمل بناء المدرسة المستنصرية ببغداد ولم يبن مدرسة قبلها مثلها ووقفت على المذاهب الأربعة من كل طائفة اثنان وستون فقيهاً وأربعة معيدين ومدرس لكل مذهب وشيخ حديث وقارئان وعشرة مستمعين وشيخ طب وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب ومكتب للأيتام وقدراً للجميع من الخبز واللحم والحلوى والنفقة ما فيه كفاية وافرة لكل واحد..) إلى أن قال: (ووقفت خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة بها)؟
لقد كثرت الأوقاف المرصدة على المدارس والمساجد حتى إن محمد علي باشا عندما مسح الأرض الزراعية في مصر وجد أنها تبلغ مليوني فدان من بينها ستمائة ألف فدان أراضي موقوفة(1).
لقد حبس الحكام الأثرياء الخيرون – منذ قديم – على قراءة القرآن أوقافاً بلغ من كثرتها أن وزارة الأوقاف المصرية في عام 1370هـ-1950م لما أرادت حصر مصروفات الأوقاف ومواردها على اختلاف أنواعها وعهد في ذلك إلى أقسامها الكبرى وقتئذ وهي أقسام الأوقاف والمساجد والنظار فتعذر الحصر لأن ذلك يستدعي الاطلاع على 73 ألف حجة من حجج الأوقاف ومعظمها يشتمل على استحقاق للمقارئ ولو مالاً(2).
ويقرر الفقهاء أن الإيقاف على التعليم يستوي في الاستفادة منه الكبير والصغير والغني والفقير، وأن المدارس ودور العلم والمكتبات والمصاحف والمساجد ينتفع منها الفقير، والغني، كما جرى العرف منها بالانتفاع دون تمييز بين غني وفقير (3).
__________
(1) ... محاضرات في الوقف، محمد أبو زهرة ص: 26 والفدان الواحد يساوي (4200 متر مربع).
(2) ... عن تقرير لجنة فرعية في وزارة الأوقاف المصرية في سنة 1950م عن كتاب المقارئ والقراء، دراسة إسلامية، للدكتور لبيب السعيد، مطبعة السعادة.
(3) ... الوقف في الشريعة والقانون، زهدي يكن، ص: 42.(7/41)
لقد فصل عبد القادر النعيمي المتوفى سنة 927هـ في كتابه الدارس في تاريخ المدارس فقال: إن هناك أوقافاً خصصت لشراء ألواح للطبلة من صبية مكة والمدينة وإن ابن رزيق قد أوقف عليهم الأموال، لتجهيزهم بالأقلام والمداد وما شابه من ورق ومحابر(1).
وفي العهد المملوكي نجد بأنه عند إنشاء أي مدرسة ذات مستوى عال من التعليم يوقف معها مدرسة ابتدائية لتعليم أبناء الفقراء واليتامى، إذ يتلقون تعليماً مجانياً، وتزودهم الوقوف المرصدة بنفقات المعيشة الأخرى(2).
وقد كان يلحق بهذه المدارس أطباء للمعالجة مع حمامات لاستخدام الطلبة مع مستشفى ومطاعم ومطابخ لتقديم الطعام.
وكانت تعلق ساعة في وسط ساحة المدرسة ليعرف الطلبة، أوقات الصلوات وأوقات المحاضرات، وتنتشر بين أروقة المدرسة حدائق، مثال ذلك المدرسة المستنصرية التي بناها الخليفة المستنصر.
والوقف من مؤسسات تحقيق الرعاية الاجتماعية وهو يقوم على أساس حبس عين معينة ععلى أن لا تكون ملكاً لأحد من الناس وجعل ريعها لجهة من جهات البر والخير.
فعن أبي هريرة > قال قال رسول الله @: (إن مما يلحق ا لمؤمن من عمله وحسناته بعد موته علم علمه ونشره أو ولد صالح تركه أو مصحف ورثه أو مسجد بناه أو بيت لابن السبيل بناه أو نهر أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه بعد موته) (3).
ثالثاً: بناء الخانات والدور:
ومن المؤسسات الخيرية؛ بناء الخانات، والدور للمسافرين من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وبيوت للحجاج في مكة.
رابعاً: إجراء الماء:
تسبيل الماء في الطرقات العامة للناس جميعاً للري والشرب ومن
ذلك عين زبيدة والعين الزرقاء، وحفر الآبار في الفلوات لسقي الماشية والزروع والمسافرين فقد كانت كثيرة جداً بين العراق والحجاز وبين الشام والمدينة.
__________
(1) ... مجلة الباحث، ص: 60، عدد 17 سنة 1981م.
(2) ... كتاب الخطط للمقريزي، ج 5.
(3) ... ابن ماجه (242)، عن إرواء الغليل (6/29).(7/42)
خامساً: من أعمال البر:
بناء أمكنة المرابطة في الثغور لمواجهة خطر الغزو الأجنبي على البلاد فقد كانت هناك مؤسسات خاصة بالمرابطين في سبيل الله يجد فيها المجاهدون كل ما يحتاجون إليه من سلاح وذخيرة وطعام وشراب وكان لها أثر كبير في صد غزوات الروم أيام العباسيين وصد غزوات الغربيين في الحروب الصليبية عن بلاد الشام ومصر ويتبع ذلك وقف الخيول والسيوف والنبال وأدوات الجهاد على المقاتلين في سبيل الله.
سادساً: ومن أعمال الخير:
ما كان وقفاً لإصلاح الطرقات والقناطر والجسور.
سابعاً: و منها ما كان للمقابر:
يتبرع الرجل بالأرض الواسعة لتكون مقبرة عامة ولشراء أكفان الموتى الفقراء وتجهيزهم ودفنهم.
أما المؤسسات الخيرية لإقامة التكافل الاجتماعي فتتمثل في دور الأيتام ورعايتهم ودور المقعدين وذوي العاهات تؤويهم وتوفر لهم كل ما يحتاجون من سكن وغذاء ولباس وتعليم أيضاً وهناك مؤسسات لرعاية أسر المحتاجين ومؤسسات لتزويج الشباب والفتيات العزاب ممن تضيق أيديهم أو أيدي أوليائهم عن مؤن الزواج وأعبائه وتكاليفه.(7/43)
ومن أوجه البر إمداد الأمهات بالحليب والسكر فقد جعل صلاح الدين في أحد أبواب القلعة ميزاباً يسيل منه الحليب وميزاباً آخر يسيل منه الماء المذاب فيه السكر تأتي إليه الأمهات مرتين في الأسبوع ليأخذن لأطفالهن وأولادهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر(1). وقد اتسعت أعمال البر حتى شملت علاج الحيوانات وإطعامهم ورعايتها تطبيقاً لحديث المصطفى @ في قصة الأعرابي الذي كان يسير في فلاة فاشتد به العطش. فنزل في بئر فشرب ثم وجد كلباً يكاد يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ به العطش مثل ما بلغ بي فعاد ونزل في البئر وملئ خفه وأمسكه بفيه فخرج فسقى الكلب فعجب الله لصنيعه فغفر له فقال الصحابة } أ لنا في مثل هذا أجر؟ فقال عليه الصلاة والسلام في كل كبد رطبة أجر.
ومن ذلك أيضاً قصة امرأة من بني إسرائيل وكانت ممن يقترف أبشع الجرائم فسقت كلباً فغفر الله لها.
ونرى في هذه الوسيلة وهي الوقف، لوناً من ألوان الرعاية الاجتماعية لم يسبق إليه نظام بل ولم يدانه نظام كذلك، وذلك أنه عمل يمارسه المسلمون بدافع الرغبة في البر والخير، ويقصد به المنفعة العامة ولا تشوبه مصلحة خاصة للواقف.
ولقد جاءت الشريعة السمحاء لتحقيق مصالح الأمة في دينهم ودنياهم لأنها بنيت على أصل عظيم، وهو: جلب المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم(2). ومن شأن هذه الشريعة كذلك تحصيل المصالح، وتكثيرها وتقليل المفاسد، وتعطيلها(3)، لأن مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ومصالح كلها وحكم كلها(4).
أهداف الوقف:
__________
(1) ... مجموع الفتاوى للإمام أحمد بن تيمية، ج 31، من روائع حضارتنا، د. مصطفى السباعي، 193 وما بعدها.
(2) ... قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبدالسلام، (1/9).
(3) ... منهاج السنة، (1/31).
(4) ... أعلام الموقعين، (3/2).(7/44)
والوقف في الإسلام باعتباره – عملاً من أعمال البر والخير – يحقق هدفين: هدفاً عاماً وهدفاً خاصاً، وذلك أن للوقف وظيفة اجتماعية قد تبدو ضرورية في بعض المجتمعات وفي بعض الأحوال والظروف التي تمر بها الأمم، فلقد اقتضت حكمة الله أن يكون الناس مختلفين في الصفات، متباينين في الطاقة والقدرة، وهذا يؤدي بالضرورة إلى أن يكون في المجتمع الغني والفقير والقوي والضعيف، فلذا أمر الشارع الحكيم الغني بالعناية بالفقير والقوي بإعانة الضعيف.
وقد أخذ تنفيذ هذا الأمر بأساليب عديدة وصور متعددة منها الواجب ومنها المستحب، ومنا ما هو مادي، ومنها ما هو خاص بالخلق والشمائل، ولهذا جاء المجتمع المسلم متكافلاً متراحماً ومتعاطفاً كالبناء المرصوص يشد بعضه بعضاً، وهذا البناء يقوم على أسس منها الوقف الذي بحفظ لكثير من الجهات العامة حياتها، مما يضمن لكثير من طبقات الأمة لقمة العيش الكريم عند انصراف الناس عن فعل الخير، ونضوب الموارد من الصدقات العينية، ولا سيما أن أغراض الوقف ليست قاصرة على الفقراء أو دور العبادة فحسب وإنما تتعدى إلى أهداف اجتماعية واسعة، وأغراض خيرة شاملة حيث أسهمت الأوقاف في إرساء دعائم ثقافية متنوعة في المجتمعات الإسلامية مثل بناء المدارس والمعاهد العلمية، وتعيين المعلمين لها والإنفاق على طلبة العلم، بالإضافة إلى الاستفادة من المساجد في التعليم بإيجاد أروقة العلم وحلقات الدرس، والعناية بتوفير الكتب والمراجع المختلفة، وقد حملت هذه المعاهد رسالة الإسلام إلى الناس ونشطت في البلاد الإسلامية الواسعة وكونت حركة علمية منقطعة النظير، ووفرت للمسلمين نتاجاً علمياً ضخماً، وتراثاً إسلامياً خالداً ورجالاً متبحرين في علوم الشريعة.
وكان من هذه الأوقاف جزء كبير مخصص لأبناء السبيل (الخانقاهات)، وكان المسافرون يجدون في هذه الأماكن المأوى والمأكل، كما أسهمت الأوقاف في إنشاء المشافي ودور العلاج "المارستانات".(7/45)
الهدف الخاص للوقف:
أما الهدف الخاص للوقف فإن الإنسان يدفعه إلى فعل الخير دوافع عديدة، منها الدافع الاجتماعي الذي هو نتيجة للشعور بالمسؤولية الإنسانية تجاه الجماعة، فيدفعه ذلك إلى أن يرصد شيئاً من أمواله على هذه الجهة أو تلك؛ لتستفيد من ريع هذا الوقف.
ويلاحظ أن مؤسسات الرعاية الاجتماعية القوية في الغرب تعتمد في توفير الجانب الأكبر من خدماتها على مؤسسات خيرية قامت على التبرعات أو تخصيص مبالغ أو ريع ناتج من أصول مالية أو عقارية للإنفاق على تلك المشروعات الخيرية كرعاية الأيتام والمشردين والمعوقين. ومن المناسب الإشارة هنا إلى دور الخدمات الاجتماعية في حركة التنصير، فهي تؤدي الخدمة الدينية في صورة مساعدة اجتماعية، ولا سيما في البلاد التي ينخفض فيها مستوى المعيشة، ولا تكون أغلبيتها الساحقة قادرة على مواجهة الحياة.
ولهذا يتعين أن تقدم جهات وأجهزة الدعوة الإسلامية الرعاية الاجتماعية لطائفة من الناس، تأليفاً لقلوبهم للإسلام ولأهله، بل يتعين قيام مؤسسات رعاية اجتماعية إسلامية في البلاد الفقيرة، ولا مانع من امتداد خدماتها إلى غير المسلمين في هذه البلاد.
الوقف يهيئ للعالم والقاضي حرية العمل بكفاءة وإخلاص: إن الولاء في الإسلام هو لله أولا، وهذه من أساسيات العقيدة، لذا فإن رجال العلم سواء كانوا علماء الشريعة وفقهائها أم علماء العلوم الطبيعية وغيرها من العلوم الدنيوية، كلهم يشعرون بواجب النهوض بما يجب عليهم من نصح لله ولكتابة ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ونجد أن العلماء بصورة عامة قد اجتهدوا في بذل العلم كما فعل الإمام أبو حنيفة وتلميذه محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم.
فقد بقي العلماء مستقلين عن السلطة غير خاضعين لها معتمدين على الأموال الموقوفة التي تغدق عليهم.(7/46)
كما بقي القضاة قائمين بالحق يحكمون بالعدل وذلك لاعتماد هؤلاء على ما كانوا يديرونه من الأموال الموقوفة التي أعطتهم الاستقلال المادي والفكري.
وبذلك استطاع العلماء أن يقفوا مع الحق وأن يقفوا مع أحكام الشريعة وأن يجبروا السلطان للخضوع لشرع الله كما فعل العز بن عبدالسلام، والإمام النووي مع الظاهر بيبرس، والإمام البلقيني ضد المماليك، ومن قبلهم الإمام أبو حنيفة مع الخليفة المنصور عند اجتماعه بالفقهاء.
وبقيت الهيمنة والظهور لشرع الله حتى عصور انحسار قوة المسلمين، ولذا فإن إدارة المؤسسات التعليمية بصورتها العامة ونظام التعليم وتعيين المعلمين والأموال الموقوفة لجعل هذه المؤسسات قادرة على أداء رسالتها صار بأيدي العلماء.
لقد كانت إدارات المعاهد العلمية وتنظيم أمورها تعتمد على القائمين عليها إذ كان جلهم من أئمة المسلمين وعلمائهم.
دور الوقف في رفع مستوى المعيشة:
إن إيقاف الأموال على نشر التعليم فتح مجالاً للشباب أن يتميزوا ويرتقوا في السلم الاجتماعي وفي التأثير والنفوذ حتى لو كانت أصولهم الاقتصادية والاجتماعية ضعيفة نتيجة ما أتاحته لهم أموال الوقف المخصصة للتعليم من مجالات.. فالتعليم الجيد الذي قد يحمله شخص موهوب قد ينقله لأن يتمرس في العمل الإداري وتسيير أمور الدولة أو في أي مهنة متخصصة كالطب والإدارة فحسب إلى منصب القضاء والإفتاء، والتي قد لا تتاح له لولا أن أموالاً موقوفة قد ساعدته على هذا الارتقاء وسهلت له سبيل التعليم والانتقال والارتقاء.(7/47)
لقد أدت الطبقة المتعلمة دوراً رئيسياً في انتقال المعرفة والمعلومات الإنسانية والعلمية والأخلاقية والقيم الدينية بأن نقلوها لمختلف أبناء الأمة الإسلامية وأتيح لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي الفرصة على أن يكون عضواً فعالاً في هذه الفئة التي اتصفت بالعلم والمعرفة، كما كانت المدارس والمساجد المصدر لتنمية وإمداد الأجهزة والدواوين الحكومية بما تحتاجه من قوى بشرية مؤهلة.
وفي الوقت نفسه نجد بأن الكثيرين من المتعلمين والفقهاء الذين اعتمدوا في تعليمهم ومعاشهم الحياتي على أموال أمدتهم بها الأوقاف قد اندمجوا كذلك في الأعمال الاقتصادية والنشاطات التجارية الفردية، فاشتغل العلماء والفقهاء وطلبة العلم في السوق، وكان وجودهم واضحاً في ساحة النشاط الاقتصادي للمجتمع الإسلامي، إذ عملوا تجاراً وكتبة ومحاسبين وصيارفة وفي غير ذلك من المهن التي تواجدت في المجتمع وكان العديد من العلماء يقسمون نشاطهم اليومي بين التجارة والتعليم فيشتغلون بعض الوقت تجاراً في السوق وفي البعض الآخر منه إما أن يكونوا طلبة متعلمين أو أنهم يقوموا بتعليم غيرهم.
دور الوقف في حفظ الصحة وعلاج الأمراض:
من المبادئ التي قامت عليها حضارة الإسلام جمعها بين حاجة الجسم وحاجة العقل واعتبارها العناية بالجسم ومطالبه ضرورة لتحقيق سعادة الإنسان لأن العقل السليم في الجسم السليم ومن قواعد الإسلام الثابتة المحافظة على الضرورات الخمس (وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ العقل، وحفظ المال).(7/48)
ولهذا فقد دعى الإسلام إلى المحافظة على البدن من الأمراض والعمل على مكافحة الوباء ومحاربة ما يعود على الإنسان بالضرر، ولقد أتى أمر الله صريحاً واضحاً في حفظ الأنفس وصيانة الأرواح قال تعالى: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ( قرآن كريم ( - ( - ( { - - ( المحتويات ( - - - (( الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } تمت ( { { - - - - رضي الله عنه - تمت - - - ( المحتويات ( - ( - - - - - ( مقدمة - عليه السلام - - } [النساء: 29]، وقال جل علا: { - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( { ( - ( - ( - ( - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( - - فهرس - ( { ( { - - ( - ( - ( - - - - } - ( قرآن كريم ( - ( - ( مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } تمت ( { { - - - - - (- رضي الله عنه -( - - رضي الله عنه -((( - ( - ( - ( - ( - - - } [البقرة: 195]، ولهذا فقد قال المصطفى الكريم عليه الصلاة وأتم التسليم: (لكل داء دواء) وقوله: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء)، وقوله: (يا عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام) وقد أمر # سعد بن أبي وقاص > أن يلتمس الطب من الحارث بن كلدة وأول ما عرف المسلمون المستشفى المتنقل عندما تعب المسلمون في موقعة الخندق خيمة للجرحى فقد أمر المصطفى بعلاج سعد بن معاذ في خيمة رفيدة عندما أصيب بسهم في أكحلة ثم توسع الخلفاء والولاة في المستشفيات المتنقلة وزودت بكل ما يلزم لها من الأدوات والمعدات والإسعاف والدواء وأطعمة وأشربة وأطباء وصيادلة ومن أوائل المستشفيات الثابتة مستشفى الخليفة الوليد بن عبدالملك وهو خاص بالمجذومين وجعل فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق ثم تضافرت الجهود، وتوالت إقامة المشافي حتى بلغت حداً يبعث على الإعجاب والإجلال حيث وجد مستشفى أو أكثر في كل مدينة أو قرية حتى أن(7/49)
قرطبة وحدها كان فيها خمسون مستشفى.
وقد تنافس المسلمون وتسابق المحسنون على إيقاف دورٍ وأرضٍ لعلاج المرضى، كما أوقفوا الوقوف الواسعة على إنشاء المشافي، وعضدت أوقافهم مهنة الطب والتمريض والصيدلة وأوقفوا بسخاء على تطوير مهنة الطب والتمريض والصيدلة والعلوم المتعلقة بالطب ومعالجة البشر والحيوانات.
ومن الشواهد التاريخية على ذلك، تلك الأوقاف التي رصدت للبيمارستان المنصوري الذي أنشئ سنة 682هـ لعلاج كل فئات الأمة وطبقاتها، والذي وصفه ابن بطوطة بأنه يعجز الواصف عن محاسنه كان مقسماً إلى أربعة أقسام: للحميات والرمد والجراحة والنساء وخصص لكل مريض فرش كامل، وعين له الأطباء والصيادلة والخدم، كما زود بمطبخ كبير.
وكان المريض إذا ما برئ وخرج مُنح منحة وكسوة، وقدرت الحالات التي يعالجها المستشفى في اليوم الواحد بعدة آلاف، وألحقت به مدرسة للطب يجلس فيها رئيس الأطباء لإلقاء الدروس.
والوثيقة التاريخية التي ترجع إلى عهد المماليك بمصر تبين بجلاء تلك النماذج المشرقة لأوقاف المسلمين لإقامة المشافي وعلاج المرضى، فتقول الوثيقة: أنشئ هذا المارستان (مستشفى قلاوون) لمداواة مرضى المسلمين الرجال والنساء من الأغنياء الموسرين والفقراء المعوزين بدمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة من المقيمين بها والوافدين عليها على اختلاف أجناسهم وتباين أمراضهم، يدخلون جماعة وفراداً، وشيباً وشباناً ويقيم به المرضى الفقراء من الرجال والنساء لمداواتهم لحين برئهم وشفائهم، ويصرف ما هو معد فيه للمداواة، ويفرق على البعيد والقريب والأهل والغريب، ويصرف الناظر من ريع الوقف ما تدعو حاجة المرضى إليه من سرر جريد أو خشب على ما يراه مصلحة – أو لحف محشوة قطناً، فيجعل لكل مريض من السرر والفرش على حسب حاله وما يقتضيه مرضه عاملاً في حق كل منهم بتقوى الله وطاعته، باذلاً جهده وغاية نصحه، فهم رعيته وكل راع مسؤول عن رعيته.(7/50)
ويباشر المطبخ بهذا البيمارستان ما يُطهى للمرضى من دجاج وفراريج ولحم، ويجعل لكل مريض ما طبخ له في زبدية خاصة به من غير مشاركة لمريض آخر ويغطيها ويوصلها لكل مريض إلى أن يتكامل إطعامهم ويستوفى كل منهم غذاءه وعشاءه وما وصف له بكرة وعشياً.
ويصرف الناظر من ريع هذا الوقف لمن ينصبه من الأطباء المسلمين الذين يباشرون المرضى مجتمعين ومتناوبين ويسألون عن أحوالهم وما يجد لكل منهم من زيادة مرض أو نقص، ويكتبون ما يصلح لكل مريض من شراب وغذاء أو غيره في (دستور ورق) ويلتزمون المبيت في كل ليلة بالبيمارستان مجتمعين ومتناوبين ويباشرون المداواة ويتلطفون فيها، ومن كان مريضاً في بيته وهو فقير، كان للناطر أن يصرف إليه ما يحتاجه من الأشربة والأدوية والمعالجين وغيرها، مع عدم التضييق في الصرف(1).
كما نجد أنه قد خصصت أوقاف مقررة للإنفاق على تأليف الكتب في الصيدلة والطب واستطاع الأساتذة أن يكملوا كتبهم نتيجة مثل هذا التعضيد العلمي من هذه الأموال الموقوفة ومن أمثلة هذه الكتب:
كتاب البيمارستانات لزاهد العلماء الفارقي عميد أحد المشافي في القرن الخامس الهجري.
كتاب مقالة أمينة في الأدوية البيمارستانية لابن التلميذ.
صفات البيمارستان للرازي.
__________
(1) ... انظر: ص: 117 –118 من أبحاث ندوة نحو دور تنموي للوقف، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت.(7/51)
أما فضل الوقف على تقدم العلوم بصفة عامة، وتقدم العلوم الطبية بصفة خاصة فيتضح من أن الحضارة العربية قد أنشأت العديد من المشافي حتى إن عددها في بعض المدن تجاوز أكثر من خمسين مستشفى في وقت واحد فكتاب الكليات في الطب لابن رشد من أهم الإنجازات العلمية وعندما بدأ الغرب يستيقظ أنشأوا له أول معهد دراسي علمي في جنوبي إيطاليا وهو أول معهد في أوروبا كلها، فترجم هذا المعهد كتاب الكليات في الطب إلى اللاتينية تحت عنوان (Colliget) فأصبح هو الكتاب الرئيس لتدريس الطب في أوروبا، إذ أن الطب هو أول دراسة عليا اقتبسها الغرب من العرب وأصبح مفهوم (Colliget) يطلق على مركز الدراسة هذا، كما أطلق على الدراسة نفسها التي تطورت أخيراً إلى مفهوم (College) وهذا الاصطلاح ما هو إلا تحوير لاسم كتاب الكليات لابن رشد.
ولا ريب أن عجز موارد كثير من الناس عن مواجهة نفقات العلاج المتخصص يوجب على المجتمع أن يتعاضد ويعمل على تحقيق التكافل فيما بينهم وذلك بتقديم العلاج والدواء لمن هو بحاجة إليه وللمسليمن دفع جزء من زكاة أموالهم للمعاونة في إقامة مراكز البحث العلمي والمعاهد المتخصصة التي تعين على الدراسة واستحداث الوسائل لعلاج الأمراض الفتاكة بل ومكافحة كل الأمراض.(7/52)
ولقد انتشر في كثير من المجتمعات أنواعاً من الأمراض لم يكن بعضه معروفاً في الأجيال السابقة كأمراض السرطان بأنواعه المتعددة وتليف الكبد والفشل الكلوي والتهاب القولون وقرحة المعدة وتصلب الشرايين والتهاب الرئة وجلطات القلب والدماغ والتهاب السحايا والأمراض التناسلية وأمراض السل التي استفحلت في العالم في الآونة الأخيرة، ولم تعد المضادات الحيوية تجدي معها فتيلا وقد استشرت وبلغت الإصابات بها أكثر من عشرين مليون نسمة في العالم ويرحل منهم عن الدنيا مليونين سنوياً هذه وغيرها من الأمراض التي تفتك بالرجال والنساء والأطفال، الأمر الذي يتعين معه توفير الأموال لمكافحة هذه الأمراض والوقاية منها ومعالجتها عند الإصابة بها.
ولقد استخلص فقهاء المسلمين من القرآن الكريم والسنة المطهرة أن لأحكام الشريعة الإسلامية مقاصد ضرورية كانت هي الغاية من تشريعاتها.
وقد أطلقوا عليها الضرورات الخمس وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال، وزاد بعضهم سادسة وهي حفظ العرض.
ومن المفيد أن نستشهد بالمزيد بما جاء في السنة المطهرة فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أسامة بن شريك > قال: جاء أعرابي فقال يا رسول الله ألا نتداوى؟. قال: نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، وفي لفظ. قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم. عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة > قال: قال رسول الله @(1): (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)(2)، وقوة المؤمن في صحة عقيدته وفي بدنه وفي عقليته وسلامة فكره وفي كل شيء يحتاج إلى العزم والعزيمة والمجالدة.
__________
(1) ... منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار لابن تيمية وشرحه نيل الأوطار، للشوكاني في باب الطب، (2/200).
(2) ... سنن ابن ماجه (1/41).(7/53)
ومن هنا نرى أن شريعة الإسلام قد جاءت بدعوة صريحة ظاهرة للناس بالمحافظة على أنفسهم وأبدانهم صحيحة قوية قادرة على أداء واجبات الدين والدنيا.
والتداوي من المرض مأموراً به شرعاً وعقلاً ليُشفى المريض ويصير عضواً نافعاً في المجتمع، ولقد جاءت الحضارة الحديثة بخيرات كثيرة وبشرور مستطيرة منها أمراضاً خطيرةً فتاكة قد انتشرت واستشرت وأخذت تقوض بناء الإنسان بعد أن تسري في دمائه وأعضائه ولقد أفاد العلم في الوقاية من الأمراض والأوبئة فأقيمت المعاهد والمستشفيات المتخصصة لعلاج الإنسان ولما كان الكثير من الناس قد تعجز مواردهم عن مواجهة نفقات العلاج وجب على المجتمع أن تتظافر جهوده ويبذل ما في وسعه من الأموال لمكافحة هذه الأمراض ولا شك أن هذا الأمر يصبح فريضة على القادرين. فغريزة حب البقاء مع النقاء تبقى وتستمر مع التكافل والتراحم والعمل على جلب المصالح ودرء المفاسد وهذا مما دعت إليه الشريعة في قول المصطفى # (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقوله #: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ونحن نشاهد الآن ما يحل بالكثير من البيوت من الكوارث لما يصيب رب الأسرة من الأمراض الفتاكة التي تعجز إمكانياته عن علاجها وينتهي أمره بالرحيل من الدنيا مخلفاً أيتاماً وأرامل يتعرضون للفقر والفاقة والضياع والتشرد ويدرك العقلاء ما لهذه الرزايا والبلايا من شرور مستطيرة على الأسرة والمجتمع وما يصيب البلاد والعباد من مآسي وآلام تؤثر على حركة النمو الاقتصادي وسلامة المجتمع.(7/54)
ونحن هنا نجد أن أول الأصناف المستحقين للزكاة بترتيب الحق تبارك وتعالى الفقراء والمساكين وتحديد معنى الفقر والمسكنة تنوعت أقوال الفقهاء فيه كما تنوع الرأي في مقدار العطاء ولكننا هنا سنأخذ الفقير والمسكين هو صاحب الحاجة ومن ثمّ ينبغي أن تكون من الحاجات تيسير سبل العلاج إذا مرض الفقير أو المسكين هو أو أحد أفراد أسرته الذين تلزمه نفقتهم ولا يترك هذا الإنسان للمرض يفترسه ويقضي عليه لأن تركه على هذه الحال قتل للنفس وإلقاء باليد إلى التهلكة وذلك محرم طبعاً وشرعاً بالنصوص الشرعية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
دور الوقف في خدمة الرعاية الصحية في المملكة:
تقدم الرعاية الصحية لسكان المملكة العربية السعودية من خلال العيادات والمستوصفات والمستشفيات الأهلية والحكومية تستقبل هذه المرافق الصحية ما يزيد عن تسعين مليون زيارة في العام حسب إحصائيات وزارة الصحة الصادرة عن عام 1418هـ أما الذين يتم تنويمهم في الأقسام الداخلية بالمستشفيات فبلغ عددهم في العام نفسه مليونين ومائة وخمسين ألف مريض.
وغني عن البيان أن المرضى الذين يراجعون هذه المرافق الصحية إنما يسعون للحصول على أسباب العافية إما بأساليب الوقاية مثل أخذ التطعيمات المختلفة أو الفحوص الوقائية وإما عن طريق الأساليب العلاجية المختلفة مثل الأدوية والعمليات الجراحية وإما باستخدام أساليب التأهيل الطبي مثل: العلاج الطبيعي أو العلاج النفسي أو الاستعانة بالأجهزة المساعدة مثل سماعات الأذان أو الأطراف الصناعية أو غير ذلك من الوسائل.
غير أنه من المعروف أيضاً أن بعض الأمراض تعالج في حينها وتبرأ وهذا يشمل أغلب الحالات ولله الحمد أما الحالات الأخرى فيمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات:(7/55)
فئة الأمراض المزمنة التي تتطلب رعاية طبية مستمرة بتناول الأدوية اللازمة لها مثل داء السكري وغيره من اضطرابات وظائف الغدد الصماء ومرض ارتفاع ضغط الدم ومرض الروماتيزم ومرض الربو والتدرن الرئوي وبعض أمراض الكلى والكبد وبعض أمراض الدم مثل فقر الدم المنجلي وأمراض السرطان بأنواعها إلى جانب ما يعرف بأمراض الشيخوخة ويستطيع المرضى المصابون بهذه الأمراض مزاولة حياتهم اليومية والعملية ما داموا يستجيبون للعلاج.
وقد بينت دراسة قام بها "د. توفيق خوجه" عن صحة الأسرة عام 1417هـ أن 22% من مجموع السكان بين سن 15 سنة وحتى مرحلة الشيخوخة المتأخرة يعانون من أمراض مزمنة.
إن بعض هذه الأمراض قد يستفحل خطره بسبب ما يطرأ من مضاعفات ويتحول إلى مرض مستعصي يعيق المصاب به عن ممارسة حياته الطبيعية بشكل تام وقد يصبح عاجزاً عن ممارستها وفي حاجة مستمرة إلى إجراءات طبية تخفف من مضاعفات المرض مثل الغسيل الكلوي في حالة الفشل الكلوي، أو استخدام الأطراف الصناعية لمن تطلبت حالتهم الصحية بتر طرف مصاب.
وبدون شك فإن المصابين بأمراض مستعصية يمثلون فئة لا يستهان بها من حيث حاجتها للدعم والرعاية الاجتماعية والنفسية والمادية.
ونورد ثلاثة أمراض معروفة على سبيل المثال:
1 – مرض فقر الدم بأنواعه المختلفة: إذ أن ما بين 8 إلى 38% من السكان مصابون بنوع أو بآخر من أنواع فقر الدم وبعضها ينشأ من الولادة مثل فقر الدم المنجلى الوراثي ويستمر غالباً بقية العمر(1).
2 – مرض الفشل الكلوي بأسبابه المختلفة: حيث يبلغ عدد المصابين عام 1420هـ(2) 5700 مريض ويتزايد العدد كل عام تراكمياً بسبب الطبيعة المزمنة للمريض.
__________
(1) ... د. محسن الحازمي، ندوة فقر الدم، القريات 1422هـ.
(2) ... تقرير المركز السعودي لزراعة الأعضاء 1420هـ.(7/56)
3 – مرض السرطان: تم تسجيل 14529 حالة سرطان جديدة في عامي 1997 و 1998 حسب إحصاءات سجل الأورام الوطني أي بمعدل 37 حالة جديدة لكل مائة ألف من السكان في السنة الواحدة.
أما الفئة الثانية من الأمراض فهي حالات الإعاقة المبكرة – أو الإعاقات الخلقية وتشمل الإعاقات الذهنية والإعاقات الحسية التي تصيب السمع أو النطق أو البصر ويقدر عدد المصابين بهذه الإعاقات الخلقية بواحد في المائة من السكان – وفق دراسة للدكتور محمد بن حمود الطريقي.
إن بعض هذه الإعاقات يحتاج لرعاية تأهيلية واجتماعية دائمة وعلى الأخص الإعاقات الذهنية المصحوبة بشلل ولادي أو خلل في النمو.
أما الفئة الثالثة من الأمراض التي تتطلب رعاية مستمرة من حيث التأهيل والتمريض فإنهم ضحايا الحوادث المرورية على وجه الخصوص ونعرف من دراسة لحوادث المرور نشرها الدكتور: علي بن سعيد الغامدي أن 7% من الإصابات الناشئة عن الحوادث تنتهي بشكل من أشكال العجز الدائم، وحيث قد بلغ عدد المصابين في حوادث المرور عام 1417هـ "25078" مصاباً فإن هذا يعني تخلف "1750" مصاباً منهم بشكل من أشكال الإعاقة خلال سنة واحدة، وفي عام 1418هـ بلغ عدد المصابين "28144"، وفي عام 1419هـ بلغ عدد المصابين "31059" مصاباً، وبلغت الوفيات من غير هذا العدد "4290". وفي عام 1420هـ بلغ عدد المصابين (3236) مصاباً وبلغت الوفيات (4848)، وفي عام 1421هـ بلغ عدد المصابين (20424) وبلغت الوفيات (2810) وفي عام 1422هـ بلغ عدد المصابين (16730) مصاباً وبلغت الوفيات (2303).
إن حالات المرض المستعصي وحالات الإعاقة سواء ذات المنشأ الخلقي أو الناتجة عن الحوادث تشترك في عدة خصائص:
أولها: ... إنها تتزايد في أعدادها بسبب الزيادة في متوسط العمر ومن ثم نسبة المسنين وأمراض الشيخوخة من جهة وتغير أنماط المعيشة وأنواع الأمراض من جهة أخرى.(7/57)
وثانيها: ... أنها تتطلب رعاية مستمرة إما بعلاج دائم أو برعاية تمريضية دائمة أو بالتأهيل الطبي والاجتماعي أو بهذه جميعها – ولا شك أن قدرة المرافق الصحية الحكومية لاستيعاب كافة هذه الحالات وتوفير ما تحتاج إليه بصفة دائمة من الأسرة والأطباء والفنيين ومستلزمات العلاج والتأهيل محدودة بميزانية الدولة.
وثالثها: ... أنه يصاحب هذه الحالات عجز نسبي أو مطلق ويترتب على هذا العجز تأثيرات سلبية على ممارسة الوظائف الاجتماعية وربما فقد العمل أو مصدر ا لرزق الأمر الذي يتطلب رعاية إنسانية تضاف إلى واجب الرعاية الصحية المباشرة.
كل ذلك يتطلب من المجتمع بأسرة أن لا يقف عند حدود ما يعتمد في ميزانية الدولة.
إذ أن هناك حاجات صحية أخرى ذات أولوية يجب على الدولة قضاؤها أيضاً ولذلك فإن العمل التطوعي والتبرع والوقف لا ينبض النظر إليها على أنها تقوم مقام الدولة أو تقدم العون المادي لها بل هي من قبيل المسارعة إلى الخيرات لمصلحة أصحاب الحاجة من المرضى والعجزة والمعاقين.
وإذا أمعنا النظر في باقي مصارف الصدقات نجد منها الصنف السابع (وفي سبيل الله) وقد أوضح العلماء في بيان هذا الصنف أنه ليس مقصوراً على المجاهدين في سبيل الله وإنما يشمل جهات عدة، والذي نستخصه ونميل إلى الأخذ به أن سبيل الله يتناول المصالح العامة التي عليها وبها قوام أمر الدين والدولة والمجتمع والتي لا ملك فيها لأحد ولا يختص بالانتفاع بها شخص بعينه وإنما يجني ثمارها عباد الله من خلال المعاهد والمستشفيات مع الإنفاق عليها واستمرار تشغيلها وإمدادها بالحديث من الأدوات والأدوية وكل ما يسفر عنه العلم من وسائل فهذا من أرقى أنواع البر والإحسان والعمل الصالح الذي يبقى ويستمر ويمثل الصدقة الجارية الواردة في حديث المصطفى #: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية.. إلخ).(7/58)
والذي يبدو أن ظاهر اللفظ في الآية لا يوجب قصر الإنفاق على المجاهدين في سبيل الله، ولهذا تصرف الصدقات إلى جميع وجوه البر والخير من علاج المرضى وتكفين الموتى وبناء الحصون وجلب السلاح وعمارة المساجد والمدارس وإقامة المكتبات والإنفاق على القضاة و العلماء لأن قوله تعالى: ? ? الله ? - ? - - - - الله أكبر الله أكبر ? - ?- جل جلاله - - - - ? عام في هذه الأشياء مجتمعة.
ولما كان ذلك حقاً على المسلمين الذين وجب في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم تعين عليهم كذلك أن يجعلوا جزءًا من أموالهم وقفاً لإقامة المعاهد المتخصصة ومراكز البحث العلمي التي تعين على الدرس واستكشاف الوسائل والأدوية الناجعة للتداوي ومكافحة الأمراض والإرشاد إلى طرق الوقاية منها لأن في سلامة الأبدان سلامة العقول (فالعقل السليم في الجسم السليم)، وفي هذا قوة للإسلام والمسلمين فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.
ونرى أن الإنفاق على الأبحاث والجمعيات العلمية الطبية وإقامة مراكز للبحوث من أولى أوجه الوقف والتبرع حيث يظهر من بعض الدراسات الحديثة قصور الإنفاق على البحوث بصفة عامة ففي الدول النامية ومنها المملكة العربية السعودية نسبة الإنفاق على الأبحاث يقل عن نصف باطنه من الدخل القومي (الناتج المحلي الإجمالي) في حين تتراوح النسبة في العالم المتقدم بين 2 – 3%.(7/59)
ونحن في هذا المقام نستنهض الهمم ونستحذ العزائم ونستجيش الضمائر الحية ونثير النفوس الخيرة إلى المسابقة في فعل الخيرات، قال الله تعالى: ? - المحتويات - - ? - ? - } - - الله أكبر الله أكبر الله أكبر ? الله ? - عليه السلام -? - ? - تمهيد - صدق الله العظيم ? الله - - جل جلاله -? { الله أكبر ?? الله ? ?- جل جلاله - الله ? ?? - - - جل جلاله - الله الله أكبر - الله الله } { ? بسم الله الرحمن الرحيم - ? الله - الله ? - - الله أكبر الله أكبر ? الله أكبر الله أكبر - ?? - الله أكبر الله ? ? - - الله ? - الله أكبر الله أكبر الله ?- عز وجل - - الله أكبر الله أكبر { ? - - ?? صدق الله العظيم } - - - - ? - - الله ? { - بسم الله الرحمن الرحيم - - - جل جلاله -? الله أكبر - - الله ? - - جل جلاله -? بسم الله الرحمن الرحيم - - - ? - ?- جل جلاله -? } - - - { الله ??- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - الله ?? - ?- جل جلاله -?? - الله أكبر ? ? - جل جلاله -? - - الله الله - - ? الله أكبر { ? - - - جل جلاله -? - - الله الله - - ??? - - الله ? الله ? - - جل جلاله -?- جل جلاله -?? - الله أكبر الله الله أكبر - - ? - - الله ? - ?? صدق الله العظيم - الله ?? - ? - - الله ? - - جل جلاله -? - الله ? - ? - - الله ? - ? الله ? - - { - بسم الله الرحمن الرحيم - ?? - - - - ? - ? - - - - الله ? - ? درهم - جل جلاله - - - الله أكبر ? - ? - - جل جلاله -?- جل جلاله - { صدق الله العظيم - - ? - ? - - } - - - { ? [آل عمران: 133 –134].
وليعلم كل محسن أنه بمسارعته باستنقاذ أخيه من براثن المرض وإبقائه على قيد الحياة فكأنما أحيا الناس جميعاً وليعلم هذا المحسن أنه بصدقه وقوة إيمانه وبإنفاقه على إخوانه كمن وضع حبة في أرض خصبة فأنبتت له سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء و الله واسع عليم.(7/60)
وليعلم هذا المحسن أيضاً أنه بعطفه على إخوانه وشفقته بهم إنما يتعامل مع الله جل وعلا: ? ? الله الله ? - - - ?- جل جلاله - - بسم الله الرحمن الرحيم - ? - - ?? - - صدق الله العظيم ? - الله أكبر ? - ? الله - - - - } ?? - الله أكبر الله الله أكبر ? - - الله أكبر ? الله { الله - - سبحانه وتعالى - - ? الله ?- جل جلاله -? - الله أكبر الله ? - - الله الله أكبر ? - - سبحانه وتعالى - - ? - ? - - الله أكبر ? - الله ? { ? - - - - - ? الله } - - جل جلاله - - الله } - - ? - ? - - - - الله ? ??- جل جلاله - - { الله أكبر ? الله الله أكبر ? ?? - ?? صدق الله العظيم - الله الله أكبر ? الله ? - جل جلاله -? الله أكبر صدق الله العظيم - - ? تمهيد - - الله ? - ?? - ? الله - ? - الله أكبر - الله أكبر - } - - - { ? [البقرة: 245].
ولقد دفع الإيمان الصادق أبا الدحداح (ثابت) وتفجرت أريحيته عند سماع هذه الآية فقدم بستاناً لا يملك غيره وجعله في سبيل الله ويجدر بكل من استخلفه الله في المال أن يجود على إخوانه ويتصور ما يحققه من الخير ببذل المال بحماية إخوانه من الأمراض وعلاج من أصيب منهم وما لهذا الصنيع العظيم من مكانة عالية عند الله جل وعلا ? - - الله ? الله ? - رضي الله عنهم - - - { الله أكبر ? الله ?? - - - ?- جل جلاله - الله ? - ? { ? الله أكبر الله ? الله ? - ? الله الله أكبر ? - سبحانه وتعالى - - - ? - ?- جل جلاله -? صدق الله العظيم مقدمة ? مقدمة ? - الله ? - ? الله ? - } صدق الله العظيم - الله أكبر الله - الله ? - - جل جلاله -?- جل جلاله - } - الله الله - ? - - } - - { ? [سبأ: 39].
الوقف حماية من الداخل والخارج:
كانت أموال الأوقاف تقيم للمجتمع كيانه من الداخل فلا ينهار، وتقيم عليه كيانه من الخارج فلا تجتاحه غارات العدوان والدمار، وكانوا يرصدون الأوقاف لحراسة الحدود والدفاع عن ديار الإسلام.(7/61)
يقول ابن حوقل عن طرسوس حدود المسلمين مع دولة الروم يذكر أن بها مائة ألف فارس، وكم من سيد حصيف مُبرز يشار إليه بالدراسة والفهم واليقظة والعلم، وكان ذلك عن قرب عهد من الأيام التي أدركتها وشاهدتها. وكان السبب في ذلك: أنه ليس من مدينة عظيمة من حد سجستان وكرمان وفارس وخوزستان والجبال وطبرستان والجزيرة وأذربيجان والعراق والحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب إلا بها لأهلها دار ينزلها مجاهدون في تلك البلاد ويرابطون بها إذا وردوها، وتكثر لديهم الصلات وترد عليهم الأموال والصدقات العظيمة الجسيمة، ولم يكن في ناحية رئيس ولا نفيس إلا وله عليه وقف من ضيعة ذات مزارع وغلات.
وفي العصر الحديث بعد أن سيطر العدو على بلاد المسلمين حاول العدو السيطرة على الوقف ومصارفه، وكان للمؤسسات الوقفية أكبر الأثر في الوقوف أمام العدو في البلاد الإسلامية المختلفة، فكان للعلماء والمساجد والمعاهد أكثر الأثر في مقاومة أعداء دين الله وأبقت للإسلام جذوة متقدة وفي الحفاظ على قيمه واستمرار الاعتزاز به، رغم تعرض العلماء إلى الإيذاء والنفي والتشريد.
كما قام هؤلاء العلماء بالتصدي لحملات التنصير والتهويد مما أبقى معظم الدول الإسلامية في الهند وأندونيسيا والفلبين والدول الأفريقية على دينهم، وكان للمدارس والمساجد أكبر الأثر في ذلك وانتشر في بعض البلاد شعار «الإسلام ديني والكعبة قبلتي» ولقد بذل الغرب الصليبي من المال والجهد والعمل الدؤوب من أجل تنصير وتهويد بلاد العالم الإسلامي وعملوا على طمس كل أثر للإسلام.(7/62)
فكان للعلماء شرف نصرة الدين وإبقاء دين الله في هذه البلاد، وكان للعلماء أكبر الأثر في ذلك، وقد كان اعتماد العلماء على أوقاف المدارس والمساجد مثل مدرسة القرويين وتلمسان وسيدي بومدين وجامعة الزيتونة ومدارس فاس ومراكش والريف المغربي والتكايا السنوسية، والحركة الإصلاحية للأمير عبدالقادر الجزائري، ونجد في فلسطين الحاج أمين الحسيني والشيخ عز الدين القسام، وفي جزيرة العرب الإمام محمد بن عبدالوهاب وبنوه وأحفاده وتلاميذه ممن لهم القدح المُعلا في ترسيخ العقيدة ونشر العلم ورفع راية دين الله ومقاومة الأعداء.
وهذا قليل من كثير من ثمار الوقف الإسلامي وما يحقق من المصالح من خير الإسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر
القرآن. ... (1)
في ظلال القرآن, لسيد قطب. ... (2)
حاشية الشبرملسي بهامش نهاية المحتاج. ... (3)
فتح الباري، صحيح البخاري. ... (4)
صحيح مسلم. ... (5)
سنن البيهقي الكبرى. ... (6)
المغني لابن قدامة. ... (7)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية. ... (8)
معجم معالم الحجاز، عائق بن عيث البلادي. ... (9)
المقتطف. ... (10)
محاضرات في الوقف، محمد أبو زهرة. ... (11)
الوقف في الشريعة والقانون، زهدي يكن. ... (12)
مجلة الباحث. ... (13)
الخطط التوفيقية، للمقريزي. ... (14)
سنن ابن ماجه. ... (15)
إرواء الغليل. ... (16)
مجموع الفتاوى، للإمام أحمد بن تيمية. ... (17)
من روائع حضارتنا، د. مصطفى السباعي. ... (18)
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبدالسلام. ... (19)
منهاج السنة. ... (20)
أعلام الموقعين. ... (21)
أبحاث ندوة نحو دور تنموي للوقف، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت. ... (22)
منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لابن تيمية. ... (23)
الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، فتوى الدكتور: جاد الحق علي جاد الحق. ... (24)(7/63)
صفحة رقم (950)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة(7/64)
الولاية على الوقف وأثرها في المحافظة عليه
إعداد
فضيلة الدكتور/ عبد العزيز بن محمد الحجيلان
صفحة رقم (634)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
الولاية على الوقف وأثرها في المحافظة عليه
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد.
فإن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة شاملة، جاءت وافية بكل ما يحتاج إليه البشر مجتمعات وأفراد، وبما يحقق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وبما يواكب الحاجة في كل زمان ومكان.
ومن أبرز ما اهتم به الشريعة الإسلامية أمر التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم، والوقف من أبرز مقومات ذلك، وتستمد فائدته في حال حياة الواقف وبعد وفاته مادامت العين الموقوفة يمكن الانتفاع بها بذاتها أو بنقلها واستبدالها، هذا بالإضافة إلى الأجر العظيم المستمر الذي يكتبه الله - عز وجل - للواقف.فلهذا وغيره من المنافع تعيّن الاهتمام بأمور الأوقاف ابتداءً واستمراراً، والمحافظة على أعيانها وغلاَّتها من التعدي والإتلاف، ويتحقق ذلك بالاهتمام بأمر الولاية عليها، فلا يولَّى النظر عليها إلا من تتوفر فيه الشروط المطلوبة، ويتحقق به المقصود.
وهذا ما أردت بيانه في هذا البحث، والذي أعددته بعد أن تلقيت دعوة كريمة من صاحب المعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة الإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ ـ حفظه الله ـ للمشاركة به في الندوة التي تعتزم الوزارة عقدها في الرياض تحت عنوان (الوقف في الشريعة الإسلامية ومجالاته)، وأرجو أن يكون وافياً بالمطلوب.
منهج البحث:(8/1)
... سلكتُ في هذا البحث المنهج العلمي المتعارف عليه لدى الباحثين، وقد اقتصرتُ على أقوال أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي)، ورتبتُ الأقوال حسب القوة فيما ظهر لي، فقدَّمتُ القول القوي وأخَّرتُ الضعيف، أما داخل القول الواحد فرتبتُها ترتيباً زمنياً فقدَّمتُ المذهب الحنفي، ثم المالكي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي، واعتمدتُ في توثيق الأقوال على أمهات الكتب في كل مذهب، ثم ذكرتُ الأدلة مرتبة حسب ترتيب الأقوال، مقدِّماً الأدلة من الكتاب، ثم من السنة، ثم من آثار الصحابة، ثم من المعقول، وقد عزوتُ الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله ـ عزوجل ـ، وخرَّجتُ الأحاديث والآثار من كتب السنة والآثار المعروفة، مع الاقتصار على الصحيحين أو أحدهما لما ورد فيهما أو في أحدهما ونقل الحكم على ما ورد في غيرهما، وأتبعتُ كل دليلٍ بما يتعلق به توجيه الاستدلال، والمناقشة والإجابة عليها إن وجدت، وترجمتُ لغير الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة والمعاصرين من الأعلام، وفسَّرت الغريب من الألفاظ، ثم رجَّحتُ ما ظهر لي رجحانه معتمداً على قوة الأدلة، وقواعد الشريعة العامة.
... وقد أُعَبِّرُ عن الولاية بالنظر جرياً على عادة عامة الفقهاء.
مخطط البحث:
... قسَّمتُ البحث إلى سبعة مباحث، وهي كما يلي:
المبحث الأول: تعريف الولاية، والوقف، وحكم التولية عليه، وشروط الوالي.
... وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الولاية، والوقف.
... ... وفيه مسألتان:
... ... الأولى: تعريف الولاية.
... ... الثانية: تعريف الوقف.
المطلب الثاني: حكم التولية على الوقف.
المطلب الثالث: شروط الوالي على الوقف.
... الشرط الأول: البلوغ.
... الشرط الثاني: العقل.
... الشرط الثالث: القوة والقدرة على القيام بشؤون الوقف.
... الشرط الرابع: الإسلام.
... الشرط الخامس: العدالة.
... الشرط السادس: الحرية.(8/2)
المبحث الثاني: وظيفة الوالي على الوقف.
المبحث الثالث: أقسام الولاية على الوقف.
... وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الولاية الأصلية.
... ... وفيه أربع مسائل:
... ... الأولى: حق الواقف في الولاية الأصلية على وقفه.
... ... الثانية: حق الموقوف عليه في الولاية الأصلية على الوقف.
الثالثة: حق الحاكم في الولاية الأصلية على الوقف.
الرابعة: حق الحاكم في التصرف مع وجود الناظر الخاص
المطلب الثاني: الولاية الفرعية.
... ... وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: النظر على الوقف بالتعيين.
... ... ... وتحتها ثلاثة فروع:
الفرع الأول: ... حق الواقف في تعيين ناظر الوقف.
الفرع الثاني: ... حق الموقوف عليه في تعيين ناظر الوقف.
الفرع الثالث: حق الحاكم في تعيين ناظر الوقف.
الثانية: التوكيل في النظر على الوقف.
الثالثة: تفويض الولاية على الوقف.
المطلب الثالث: ولاية الوزارات المعنية بشؤون الأوقاف في وقتنا الحاضر على الوقف.
المبحث الرابع: أخذ الأجرة على النظر الوقف.
... ... ... وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم أخذ الأجرة على النظر على الوقف
المطلب الثاني: مقدار أجرة ناظر الوقف.
المطلب الثالث: الجهة التي تُصرف منها أجرة ناظر الوقف.
المبحث الخامس: محاسبة الوالي على الوقف.
... ... ... وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف المحاسبة، وبيان مشروعيتها
المطلب الثاني: الأصل في مشروعية محاسبة ناظر الوقف.
المطلب الثالث: الفائدة من محاسبة ناظر الوقف.
المطلب الرابع: أقوال الفقهاء في محاسبة ناظر الوقف
المبحث السادس: عزل الوالي على الوقف.
... ... ... وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: عزل الناظر نفسه.
المطلب الثاني: عزل الواقف منصوبه من نظارة الوقف
المطلب الثالث: عزل الحاكم ناظر الوقف المولَّى من قِبَل الواقف.
المطلب الرابع: عزل الحاكم ناظر الوقف المولَّى من قِبَله
المطلب الخامس: عزل الحاكم منصوب حاكم آخر.(8/3)
وقد حرصتُ على الاستيفاء في هذا البحث قدر الإمكان، وهو عمل بشري قابل للنقص والخطأ، وأرجو أن أكون قد وُفّقتُ فيه للصواب، وأسأل الله أن ينفعني وإخواني المسلمين به، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
... وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المبحث الأول
تعريف الولاية، والوقف، وحكم التولية عليه، وشروط الوالي.
وتحته ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الولاية، والوقف.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف الولاية
تعريف الولاية لغة:
الوِلاية: بالكسر مصدر الوليّ (1)، والوليّ: مأخوذ من الوَلْيِ، وهو القرب؛ لقول النبي @: ((ليليني منكم أولو الأحلام))(2)، أي: ليقاربني(3).
قال في الصحاح: "الولى: القرب والدنو، يُقال: تباعد بعد ولى"(4).
وقال في المغرب: "يُقال: ولي الأمر وتولاه: إذا فعله بنفسه، والتولية: أن تجعله والياً"(5).
وكل من ولي أمر واحد فهو وليّه، ومنه: ولي اليتيم أو القتيل: مالك أمرهما، ووالي البلد: ناظر أمور أهله(6).
والوَلاية ـ بالفتح ـ: النصرة والمحبة (7).
تعريف الولاية في الشرع:
الولاية بمعناها العام في الشرع: تنفيذ القول على الغير، شاء الغير أو أبى(8).
وقال الدكتور أحمد الخطيب: "هي حق قرره الشرع الإسلامي لشخص معيّن ملَّكه بمقتضاه سلطة شرعية تكفّل رعاية المولَّى عليه ورعاية شؤونه" (9).
__________
(1) ... ينظر: المغرب 2/372، وأنيس الفقهاء ص(148).
(2) ... أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ـ باب تسوية الصفوف 1/323، الحديث رقم (432).
(3) ... ينظر: حلية الفقهاء ص(165).
(4) ... الصحاح، مادة: "ولي".
(5) ... ينظر: المغرب 2/372.
(6) ... ينظر: أنيس الفقهاء ص(263).
(7) ... ينظر: المغرب 2/372، وأنيس الفقهاء ص(148، 263).
(8) ... ينظر: التعريفات ص(254).
(9) ... ينظ: الوقف والوصايا ص(159).(8/4)
أما الولاية على الوقف فهي: سلطة شرعية تجعل لمن ثبتت له القدرة على وضع يده عليه، وإدارة شؤونه من استغلال، وعمارة، وصرف الريع إلى المستحقين (1).
والشخص الذي يثبت له هذا الحق يُسمَّى متولي الوقف، وناظر الوقف، وقيّم الوقف(2).
لكن قال الشيخ أحمد إبراهيم بك: "غير أنه إذا اشترط الواقف ناظراً وقيّماً على وقفه، أو اشترط ناظراً ومتولياً فإنه ينبغي أن يحمل الناظر على المشرف، عملاً بقاعدة (التأسيس أولى من التأكيد)، فيكون للقيّم أو للمتولي إدارة الوقف والقيام بشؤونه فعلاً تحت إشراف الناظر، وليس للناظر في هذه الحالة حق في التدخل الفعلي في العمل؛ لأنه مشرف فقط كالمشرف على الوصي" (3).
المسألة الثانية: تعريف الوقف.
تعريف الوقف في اللغة:
الوقف مصدر (وَقَفَ )، ويأتي بمعنى الحبس، والتسبيل، والمنع.
قال في معجم مقاييس اللغة: "الواو، والقاف، والفاء أصل واحد، يدلّ على تمكُّن في شيء، ثم يقاس عليه" (4).
وقال في تهذيب اللغة: "وقيل للموقوف (وقف) تسمية بالمصدر، ولذا جُمِعَ على (أوقاف) كوقت وأوقات" (5).
وقال في اللسان: "والحبس المنع، وهو يدل على التأبيد، ويُقال: وَقَفَ فلانٌ أرضه وقفاً مؤبَّداً، إذا جعلها حبيساً لا تباع ولا تورث" (6).
وقال في تحرير ألفاظ التنبيه: "الوَقْف، والتَّحبِيس، والتَّسبِيل بمعنى"(7).
وقال في المطلع: "يُقال: وَقَفَ الشيء وأوقفَه، وحبَّسه وأحبسه، وسبَّله بمعنى واحد"(8).
تعريف الوقف في الشرع:
__________
(1) ... ينظر: أحكام الوصايا والأوقاف لمحمد شلبي ص(398).
(2) ... ينظر: المرجع السابق ص(398-399).
(3) ... أحكام الوقف والمواريث ص(99).
(4) ... معجم مقاييس اللغة، مادة "وقف" 6/135.
(5) ... تهذيب اللغة، مادة "وقف" 9/333.
(6) ... لسان العرب، مادة "أبد" 3/69، ومادة "حبس" 6/44-45.
(7) ... المطلع ص(285).
(8) ... تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص(237).(8/5)
اختلفت وتعددت عبارات الفقهاء في تعريف الوقف في الشرع(1)، واختلف مضمونها في أكثر الأحيان تبعاً لاختلافهم في لزومه وعدم لزومه، ومآل العين الموقوفة وغير ذلك، كما اختلفت في التفصيل والإجمال، وتضمينه الشروط وعدمه، ويطول الكلام بسردها مع شرحها ومناقشتها مما يخرج الأمر عن كونه مدخلاً للبحث وليس مقصوداً بذاته، ولعلي أكتفي بما ظهر لي رجحانه من خلال استعراض لها، وهو تعريف الشافعية، والحنابلة، حيث عرفوه بأنه:
تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع
تصرف الواقف وغيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بِرٍّ تقرُّباً إلى الله
– تعالى –(2).
وبعضهم يوجزه بترك بعض القيود فيقول: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة(3).
والمرجح لهذا التعريف مقاربته لنصِّ النبي@ في قوله لعمر بن الخطاب >: ((حبِّس أصله وسبِّل ثمره ))(4).
المطلب الثاني: حكم التولية على الوقف
__________
(1) ... ينظر في تعريف المذاهب: الهداية للمرغيناني 3/13، وتبييق الحقائق 3/325، وفتح القدير 6/200، ومواهب الجليل 6/18، والفواكه الدواني 2/211، والشرح الصغير للدردير 2/296، وتحفة المحتاج 6/235، والمغني 8/184، والمبدع 5/131.
(2) ... ينظر: تحفة المحتاج 6/235، وتحرير ألفاظ التنبيه ص(237)، والتنقيح المشبع ص(185)، والإقناع للحجاوي 3/2.
(3) ... ومنهم: أبوالخطاب في الهداية 1/207، وابن قدامة في المغني 8/184، وابن الجوزي في المذهب الأحمد ص (118) وغيرهم.
(4) ... أصل هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ، وقد أخرج هذه الرواية ابن خزيمة في صحيحه في أبواب الصدقات المحبسات ـ باب أول صدقة في الإسلام 4/117، الحديث رقم (2483) وصححها.(8/6)
التولية على الوقف واجبة؛ لأن في ترك الوقف بلا ناظر إضاعة له، والرسول@ نهى عن إضاعة المال، وذلك في قوله @: ((إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال ))(1).
فعلى ولاة الأمر أن ينصبوا نظَّاراً للأوقاف التي لا ناظر عليها إذا لم يستطيعوا النظر عليها بأنفسهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الأموال الموقوفة، على ولاة الأمر من الإمام والحاكم ونحوه إجراؤها على الشروط الصحيحة الموافقة لكتاب الله، وإقامة العمال على ما ليس عليه عامل من جهة الناظر، والعامل في عرف الشرع يدخل فيه الذي يسمى ناظراً، ويدخل فيه غير الناظر لقبض المال ممن هو عليه صرفه ودفعه إلى من هو له، لقوله:( - } تمت ( { { - - - ( المحتويات ( - ( - ( تم بحمد الله ( - - رضي الله عنه - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - } - - صلى الله عليه وسلم - - - - - ( - ( تمهيد (- عليه السلام - - (- رضي الله عنه - تم بحمد الله - } - - - - فهرس - ( { - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( [ النساء: 58].
... ونصب المستوفي الجامع للعمال المتفرقين بحسب الحاجة والمصلحة، وقد يكون واجباً إذا لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به، فإنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"(2).
المطلب الثالث: شروط الوالي على الوقف
وفيه ستة شروط:
الشرط الأول: البلوغ.
الشرط الثاني: العقل.
الشرط الثالث: القوة والقدرة على القيام بشؤون الوقف.
الشرط الرابع: الإسلام.
الشرط الخامس: العدالة.
__________
(1) ... أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة ـ باب قوله- تعالي-:( - صدق الله العظيم - - قرآن كريم ( - - رضي الله عنه -(( - - رضي الله عنه - - - - - } - جل جلاله - - - - - { ( - - رضي الله عنهم - - ( - ( { - ( 2/131، ومسلم في كتاب الأقضية ـ باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة الحديث رقم (1715).
(2) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/86.(8/7)
الشرط السادس: الحرية.
شروط الوالي على الوقف.
اشترط الفقهاء في المتولي على الوقف عدة شروط، وهي كما يلي:
الشرط الأول: البلوغ.
وهذا الشرط اتفق عليه أصحاب المذاهب الأربعة، حيث قال به الحنفية(1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
فعلى هذا لو أسند الواقف النظر إلى صغير، أو كان الموقوف عليه صغيراً ولم يعيّن الواقف ناظراً تعين مَنْعُ الصغير من مباشرة النظر على الوقف، وقام وليّه مقامه في النظر على الوقف.
وقال بعض الفقهاء: إن الإسناد إلى الصغير لا يصح بحال، لا على سبيل الاستقلال بالنظر، ولا على سبيل المشاركة لغيره (5).
دليل هذا الشرط:
قياس نظر الصغير على الوقف على نظره على ملكه الطلق بطريق الأولى، وذلك أن الصغير إذا مُنِعَ من نظره في ملكه الطلق، فلأن يمنع من النظر على الوقف من باب أولى(6).
الشرط الثاني: العقل.
وهذا الشرط اتفق عليه أصحاب المذاهب الأربعة أيضاً، حيث قال به الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10).
__________
(1) ... ينظر: الإسعاف ص(56)، والبحر الرائق 5/244، وحاشية ابن عابدين 4/381.
(2) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/256، ومواهب الجليل 6/37، 38، وفتاوى ابن رشد 1/359.
(3) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/387.
(4) ... ينظر: الشرح الكبير لابن قدامة 6/214، والإنصاف 7/66، وكشاف القناع 4/298، 301، ونيل المآرب 2/20.
(5) ... ينظر: منحة الخالق على البحر الرائق 5/244.
(6) ... ينظر: كشاف القناع 4/298، ومطالب أولي النهى 4/328، ونيل المآرب 2/20، وأحكام الوقف للكبيسي 2/163.
(7) ... ينظر: البحر الرائق 5/244، وحاشية ابن عابدين 4/381، والفتاوى الهندية 2/408.
(8) ... ينظر: مواهب الجليل 6/37، وفتاوى ابن رشد 1/359.
(9) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/387، وتيسير الوقوف ق(51 أ).
(10) ... ينظر: المغني 8/237، وكشف المخدرات 2/47، و كشاف القناع 4/298، 301.(8/8)
فعلى هذا لا تصح تولية المجنون نظارة الوقف.
دليل هذا الشرط:
دليل هذا الشرط هو نفس دليل الشرط السابق، وهو: قياس
نظر المجنون على الوقف على نظره على ملكه بطريق الأولى، وذلك أن المجنون إذا مُنِعَ من نظره في ملكه الطلق، فلأن يمنع من النظر في الوقف أولى(1).
الشرط الثالث: القوة والقدرة على القيام بشؤون الوقف.
وهذا الشرط قال به عامة الفقهاء، فقد قال به الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5).
وللشافعية فيه وجه ضعيف بعدم اشتراط هذا الشرط (6).
الأدلة على هذا الشرط:
1 – أن الله ـ تعالى ـ أمرنا بحراسة أموالنا من أن تبذر وتنفق في غير وجهها، فلا نؤتيها إلا من توفرت فيه الكفاية في التصرف والخبرة به(7).
ولذلك يقول ـ تعالى ـ: ( - صدق الله العظيم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - قرآن كريم ( - ( - ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - - - ( - - - - - ( المحتويات ( - - - (- عليه السلام - قرآن كريم ( تم بحمد الله - صلى الله عليه وسلم - - (( - { - - - - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنهم - - ( - - - ( - ( - - - - - - (- عليه السلام - - ( - ( [ النساء:5].
__________
(1) ... ينظر: كشاف القناع 4/98، ومطالب أولي النهى 4/328.
(2) ... ينظر: الإسعاف ص(53)، و البحر الرائق 5/244، و حاشية ابن عابدين 4/380، لكنهم يجعلونه شرط أولوية لا شرط صحة.
(3) ... ينظر: مواهب الجليل 6/37، وفتاوى ابن رشد 1/358، 361.
(4) ... ينظر: روضة الطالبين 5/347، وتحفة المحتاج 6/288.
(5) ... ينظر: الإنصاف 7/66، و كشف المخدرات 2/47، و مطالب أولي النهى 4/328، ونيل المآرب 2/20.
(6) ... ينظر: الابتهاج 4/ ق 171ب.
(7) ... ينظر: فتاوى ابن رشد 1/358.(8/9)
2 – أن الولاية مقيدة بشرط النظر، وليس من النظر تولية العاجز؛ لأن المقصود لا يحصل به (1)، وذلك أن مراعاة حفظ الوقف مطلوبة شرعاً وإن لم يكن الناظر متصفاً بهذه الصفة لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف (2).
الشرط الرابع: الإسلام فيما وقف على مسلمٍ أو جهةٍ إسلاميةٍ.
وهذا من شروط الولاية على الوقف التي اختلف الفقهاء فيها، وذلك على قولين:
القول الأول: أن الإسلام شرط لصحة الولاية على الوقف.
فلا يُولَّى غير مسلم على ما وقف على مسلم أو جهة إسلامية عامة، كالمساجد، والمدارس ونحوها.
وهذا هو قول جمهور الفقهاء، حيث قال به المالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5).
القول الثاني: أن الإسلام ليس شرطاً لصحة الولاية على الوقف.
وهذا هو قول الحنفية (6).
قال ابن عابدين(7): "ويشترط للصحة بلوغه وعقله لا حريته وإسلامه" (8).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلَّ أصحاب هذا القول بما يلي:
__________
(1) ... ينظر: الإسعاف ص(41)، و البحر الرائق 5/244، و حاشية ابن عابدين 4/380.
(2) ... ينظر: كشاف القناع 4/299، و مطالب أولي النهى 4/329، ونيل المآرب 2/20.
(3) ... ينظر: مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 6/37.
(4) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/387، و تيسير الوقوف (ق 46 ب)، (ق 51 أ، 200ب).
(5) ... ينظر: الإنصاف 7/66، و كشف المخدرات 2/47، و مطالب أولي النهى 4/327.
(6) ... ينظر: الإسعاف ص(56)، و البحر الرائق 5/245، والفتاوى الهندية 2/408، و حاشية ابن عابدين 4/381.
(7) ... هو محمد أمين بن عمر بن عبدالعزيز عابدين الدمشقي، الحنفي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، ألَّف مؤلفات منها: حاشية رد المحتار على الدر المختار، المعروف بحاشية ابن عابدين، والرحيق المختوم، توفي سنة 1252هـ.
... ( ينظر: الأعلام 6/42، ومعجم المؤلفين 9/77).
(8) ... حاشية ابن عابدين 4/381.(8/10)
أولاً:قول الله تعالى: ( صدق الله العظيم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - - رضي الله عنهم -(( - - - ( - - - - رضي الله عنه -((( - ((( - - ( - ( - - فهرس - - رضي الله عنه -( - رضي الله عنه -((( - ( تم بحمد الله ( - ( الله أكبر ( الله - - ( - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - ( [النساء: 141].
وتولية الكافر النظر على ما وقف على مسلم أو جهة إسلامية عامة داخلة في جملة ما نفاه الله - سبحانه وتعالى -، ومنع وقوعه (1).
ثانياً: قول الله تعالى: ( - - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - قرآن كريم (- جل جلاله -- رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( - صدق الله العظيم } - - صلى الله عليه وسلم -( - ( - ( - - - - رضي الله عنهم - - قرآن كريم ( - - عليه السلام - - ( - - - - - - رضي الله عنه - - ( - ( } - - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - عليه السلام -( - - - عليه السلام - - ( - (- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - ( [المائدة: 51].
فكل ولاية من ولاية المسلمين نهى الله - سبحانه وتعالى - أن يتخذ فيها يهودياً أو نصرانياً، مما يدل بمفهومه على أنه لا يولَّى فيها إلا مسلماً (2).
دليل أصحاب القول الثاني:
لم يذكر الحنفية دليلاً لقولهم إلا ما ذكروه من الاكتفاء بالشروط التي ذكروها للولاية كالبلوغ، والعقل، والأمانة، والقدرة على القيام بشؤون الوقف.
الترجيح:
__________
(1) ... ينظر: كشاف القناع 4/298، و مطالب أولي النهى 4/327.
(2) ... ينظر: تيسير الوقوف (ق 46 ب).(8/11)
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل باشتراط الإسلام لصحة الولاية على الوقف؛ لقوة ما استدلوا به، ولما في تولية الكافر على أوقاف المسلمين من مفاسد كثيرة: منها ما يرجع على ذات الوقف، ومنها ما يرجع على الموقوف عليه، ومنها ما يرجع على عامة المسلمين.
أما ما يرجع على ذات الوقف فلا يخفى أن الكافر لا يحب إعلاء كلمة الله، فمتى ما كان الوقف مقصوداً به إعلاء كلمة الله، كأن يكون موقوفاً على الثغور والجهاد في سبيل الله، فإن الكافر المتولي سيعمل ما وسعه الحال على تعطيل الوقف أو تدميره، وكذلك الحال لو كان الوقف مسجداً أو دار علم للمسلمين.
وأما ما يرجع على الموقوف عليهم فإن نصب ناظر كافر على وقفهم قد يدفعهم ذلك إلى محاولة كسب وده، وربما أدى بهم ذلك إلى الخنوع له والخضوع لما يريد منهم.
وأما ما يرجع على عامة المسلمين فهي تمكن الكفار في بلاد المسلمين وقوة شوكتهم، واتساع سلطانهم، وبسط نفوذهم بحجة القيام بواجبهم تجاه أوقاف المسلمين، وهذا أمر لا يخفى على أحد.
الشرط الخامس: العدالة.
... وهذا الشرط اختلف الفقهاء فيه على أربعة أقوال:
القول الأول:
أن العدالة شرط لصحة الولاية على الوقف مطلقاً دون تفريق بين الموقوف عليه، ومنصوب الواقف وغيرهما.
وبهذا قال بعض الحنفية (1)، وهو قول الشافعية (2).
القول الثاني:
أن العدالة في ناظر الوقف شرط أولوية لا شرط صحة.
وهذا قول أكثر الحنفية (3).
القول الثالث:
أن العدالة شرط في صحة ولاية الوقف ما لم يكن الناظر هو الموقوف عليه، أو منصوباً من قِبَل الواقف.
__________
(1) ... ينظر: فتح القدير 6/231، والإسعاف ص(53)، و الفتاوى الهندية 2/408.
(2) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/387، وروضة الطالبين 5/347.
(3) ... ينظر: البحر الرائق 5/244، و حاشية ابن عابدين 4/380.(8/12)
وهذا هو قول المالكية (1)، وبه قال الحنابلة (2).
القول الرابع:
أن العدالة ليست شرطاً لولاية الوقف إذا كان على معينين راشدين.
وهذا قول ضعيف للشافعية (3).
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
أن مقصد الوقف هو استمرار المنفعة، وجريان الصدقة على الدوام، وولاية الأوقاف مقيدة بشرط النظر، وليس من النظر تولية الخائن؛ لأنه يخل بهذا المقصود، وربما أدّى إلى هلاك الوقف، وتعطل نفعه (4).
دليل أصحاب القول الثاني:
قياس الناظر على القاضي بطريق الأولى، وذلك أن القضاء أشرف من التولية، ويُحتاط فيه أكثر من التولية، والعدالة فيه شرط أولوية حتى فيصح تقليد الفاسق القضاء، وإذا فسق لا ينعزل، فكذا ناظر الوقف (5).
مناقشة الدليل:
__________
(1) ... ينظر: البيان التحصيل 12/223، و مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 6/37، وحاشية الدسوقي 4/88، إلا أنهم توسعوا فأجازوا ولاية الفاسق إذا رضي به الموقوف عليهم.
(2) ... ينظر: الشرح الكبير لابن قدامة 6/213، و الإنصاف 7/67، ودقائق أولي النهى 2/504، ونيل المآرب 2/20.
(3) ... ينظر: روضة الطالبين 5/347.
(4) ... ينظر: الإسعاف ص(53)، ومحاضرات في الوقف لمحمد أبوزهرة ص(331).
(5) ... ينظر: البحر الرائق 5/244.(8/13)
نوقش بعدم الموافقة في كون العدالة لا تشترط في صحة تولية القاضي، بل لا يصح تولية القاضي إلا إذا كان عادلاً، فلا يجوز تولية الفاسق؛ لعموم قوله تعالى: ( - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -((( - { - - - } - ( قرآن كريم ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - - عليه السلام -( تمت ( { ( بسم الله الرحمن الرحيم ( - - عليه السلام -( - - - رضي الله عنهم - صدق الله العظيم - - ( - - - ( - - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنه - - ( - } - ( قرآن كريم (- جل جلاله - } - - رضي الله عنه - تمهيد - رضي الله عنه - - - ( ( [الحجرات: 6]، فأمر ـ تبارك وتعالى ـ بالتبين عند قول الفاسق، ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب التبيين عند حكمه، ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهداً، فلئلاَّ يكون قاضياً أولى(1).
دليل أصحاب القول الثالث:
استدل أصحاب هذا القول على عدم اشتراط العدالة في الناظر إذا كان موقوفاً عليه أو منصوباً من قِبَل الواقف بأن العدالة إنما اشتُرِطَتْ لحفظ حق الموقوف عليه، فإذا كان الناظر هو الموقوف عليه فلا حاجة إلى اشتراطها؛ لأنه ينظر لنفسه، فكان له ذلك، كما في ملكه الطلق، أما إذا كان منصوباً من قبَل الواقف فلا تشترط فيه العدالة وضم إلى الفاسق عدل؛ لأن في إبقائه تحقيقاً لشرط الواقف، ويضم إليه عدل حفظاً للوقف(2).
مناقشة الدليل:
__________
(1) ... ينظر: المغني 8/237.
(2) ... ينظر: المغني 8/237، و كشاف القناع 4/299.(8/14)
نوقش بأن ما ذكروه دليل على صحة تولية الفاسق إذا كان موقوفاً عليه لا يكفي، وذلك لأن وظيفة ناظر الوقف لا تقتصر على رعاية منافع العين الموقوفة، وإنما حفظ عين الوقف والقيام بشؤونها، وحفظ العين لا تخص الموقوف عليه، فإذا لم تتوفر فيه العدالة لم يصح توليته نظارة الوقف؛ لاحتمال أن يؤدي ذلك إلى دمار عين الوقف، فيلحق الضرر واقف العين بتوقف جريان الصدقة، كما يلحق الضرر ما يأتي من البطون الموقوف عليها، فالقول إن الموقوف عليه إذا كان ناظراً فهو ينظر لنفسه غير دقيق حتى تصحح ولايته رغم فسقه، وإنما نظره شامل لحقه، وحق الواقف، وحق ما يأتي من البطون.
وأما الاحتجاج على صحة تولية غير العدل إذا كان منصوباً من قِبل الواقف بتحقيق شرط الواقف فإن تحقيق شرط الواقف ومراعاته إنما يكون إذا لم يخالف الشرع، أما إذا خالف مقتضيات الشرع فلا يجوز العمل به اتفاقاً(1).
دليل أصحاب القول الرابع:
أن الموقوف عليهم إذا كانوا راشدين لا يُمَكِّنون الناظر من الخيانة، فمتى ما رأوا منه شيئاً من ذلك حملوه على السداد (2).
مناقشة الدليل:
نوقش بأنه ليس من لازم كون الموقوف عليه معيناً رشيداً ألاَّ يقع من ناظر وقفه خيانة، كما أنه ليس كل من وقع عليه ظلم دفعه، والواقع يشهد لذلك، فكم من أوقاف أكلها النظار عليها والموقوف عليه حاضر رشيد، بحجة عدم الرغبة في الخوض في المشاكل، أو أن ما يأتيه من ريع الوقف لا يساوي تعطله في متابعه الناظر، وهذا أمر واضح لا يخفى(3).
الترجيح:
__________
(1) ... التصرف في الوقف 2/584-585.
(2) ... ينظر: روضة الطالبين 5/347.
(3) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/586.(8/15)
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأن العدالة شرط لصحة الوقف مطلقاً؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن فيه حماية للوقف من الضياع بخلاف الأقوال الأخرى، ومراعاة جانب الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه، وإن كان موقوفاً عليه، أو منصوباً من قِبَل الواقف(1).
الشرط السادس: الحرية.
وهي شرط عند الشافعية فقط (2).
أما الحنفية فإنهم نصُّوا على عدم اعتبار الحرية في نظارة الوقف (3).
قال ابن عابدين: "ويشترط للصحة بلوغه وعقله، لا حريته وإسلامه"(4).
وأما المالكية، والحنابلة فلم يتعرضوا لذكر الحرية عند سياقهم شروط ولاية الوقف مما يدل على أنهم لا يرونها شرطاً في ذلك، والله أعلم (5).
أما الذكورة، والبصر فليسا من شروط صحة النظارة على الوقف (6)، فيجوز أن تتولى المرأة نظارة الوقف؛ لما ثبت أن عمر بن الخطاب > أوصى بالنظر إلى ابنته حفصة(7)
__________
(1) ... ينظر: المغني 8/238، و كشاف القناع 4/299.
(2) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/387، والأشباه والنظائر للسيوطي ص(247-248، 254).
(3) ... ينظر: البحر الرائق 5/245، والفتاوى الهندية 2/408، و حاشية ابن عابدين 4/381.
(4) ... حاشية ابن عابدين 4/381.
(5) ... ينظر: مواهب الجليل وبهامشه التاج 6/37، و كشاف القناع 4/298-299، والتنقيح المشبع ص(187).
(6) ... ينظر: الإسعاف ص(53)، والفتاوى الهندية 2/408، و مواهب الجليل 6/38، وحاشية القليوبي 3/109، و كشف المخدرات 2/47.
(7) ... هي أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنها وعنه ـ، كانت من المهاجرات، وكانت قبل النبي @ تحت خنيس السهمي، فلما توفي عرضها عمر على أبي بكر وعثمان فلم يقبلا، ثم خطبها رسول الله @ فتزوجها، توفيت حين بايع الحسن معاوية سنة 41هـ، وقيل غير ذلك.
... ( ينظر: طبقات ابن سعد 8/81، وأسد الغابة 5/425 ).(8/16)
< (1)، وكذلك يجوز أن يتولى الأعمى نظارة الوقف.
المبحث الثاني
وظيفة الوالي على الوقف
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة – الحنفية(2)، والمالكية(3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) – على أن وظيفة الوالي على الوقف هي حفظ عن الوقف، ورعاية منافعها، لكن بعضهم أشار إلى ذلك دون تفصيل، وبعضهم فصَّل في ذلك.
وعلى كل حال فإن وظيفة الوالي على الوقف حفظ عين الوقف، والقيام بشؤونها، وتنفيذ شرط واقفها، وطلب الحظ لها، وكل هذا يكون بحماية العين عن الهلاك أو التعطل، وصيانتها، وعمارتها، ورعاية غلتها بالتأجير والزراعة ونحوها، والاجتهاد في تنميتها، وتحصيل الغلة وتوزيعها على مستحقيها، وشراء ما شرطه الواقف من ريعه كطعام وشراب ولباس ومركب ونحوه، وجعله حيث شرطه الواقف، وكذا يقوم الوالي بدفع كل ضرر متوقع عن عين الوقف ويخاصم فيه، ويضع يده على الوقف ويعين في وظائفه؛ لأن ذلك من مصالح الوقف.
ولا يُكَلَّف الوالي بالعمل بنفسه إلا مثل ما يفعله أمثاله، ولا يجب عليه أن يعمل ما تعمله الأجراء والوكلاء، لكن ينبغي له أن لا يقصر عما يفعله أمثاله، وينبغي له أن يتحرى في تصرفاته النظر للوقف والغبطة (6).
وإليك بعض أقوال الفقهاء في بيان ذلك:
__________
(1) ... أصل هذا الحديث في الصحيحين كما سيأتي، وقد أخرج الوصية بالنظر إلى حفصة أبوداود في سننه في كتاب الوصايا ـ باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف 3/117، الحديث رقم (2879)، وسكت عنه، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الوقف ـ باب الصدقات المحرمات 6/160.
(2) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(345)، والإسعاف ص(57-58)، وفتح القدير 6/242.
(3) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/268.
(4) ... ينظر: روضة الطالبين 5/348، ومغني المحتاج 2/394.
(5) ... ينظر: المبدع 5/337، ودقائق أولى النهى 2/505، و نيل المآرب 2/21.
(6) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/568.(8/17)
قال الطرابلسي الحنفي(1): "ليس له حدٌّ معين، وإنما هو على ما تعارفه الناس من الجعل عند عقده الوقف؛ ليقوم بمصالحه من عمارة، واستغلال، وبيع غلات، وصرف ما اجتمع عنده فيما شرطه الواقف، ولا يكلّف من العمل بنفسه إلا مثل ما يفعله أمثاله، ولا ينبغي له أن يقصر عنه، وأما
ما تفعله الأجراء والوكلاء فليس ذلك بواجبٍ عليه حتى لو جعل الولاية إلى امرأة، وجعل لها أجراً معلوماً لا تكلف إلا مثل ما تفعله النساء عرفاً، ولو نازع أهل الوقف القيم، وقالوا للحاكم: إن الواقف إنما جعل له هذا في مقابلة العمل وهو لا يعمل شيئاً، لا يكلفه الحاكم من العمل ما لا يفعله الولاة" (2).
وقال ابن رشد المالكي(3) فيمن حبس على أولاده الصغار: "إن كانت الصدقة والحبس على صغار كلهم فحيازة أبيهم لهم حوز إذا أشهد لهم وبَتَّلَ لهم صدقَتَهم أو حُبْسَهُم فكان هو القائم بأمرهم والناظر لهم في كراء إن كان أو ثمرة أو ما تحتاج إليه الصدقات من المرمّة والإصلاح" (4).
__________
(1) ... هو إبراهيم بن موسى بن أبي بكر الطرابلسي، الحنفي، برهان الدين، ولد في طرابلس الشام سنة 853هـ فنُسِبَ إليها، ثم انتقل إلى دمشق، فتعلّم فيها، ثم انتقل إلى القاهرة، له مؤلفات منها: الإسعاف في أحكام الأوقاف، ومواهب الرحمن، توفي سنة 922هـ.
... ( ينظر: الأعلام 1/76، ومعجم المؤلفين 1/118).
(2) ... الإسعاف ص(57-58).
(3) ... هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي، المالكي ( الجد ) يكنى بأبي الوليد، تفقَّه على أبي جعفر بن رزق وأبي عبدالله بن فرج وغيرهما حتى صار كبير فقهاء وقته في الأندلس والمغرب، ولي قضاء قرطبة وإمام جامع الكبير فيها، وألَّف مؤلفات منها: البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، والمقدمات لأوائل كتب المدونة، وتوفي سنة (520هـ).
... ( ينظر: الديباج المذهب ص(278-279).
(4) ... البيان والتحصيل 12/268.(8/18)
وقال النووي الشافعي(1): "وظيفة المتولي: العمارة والإجارة، وتحصيل الغلة، وقسمتها على المستحقين، وحفظ الأصول والغلاَّت على الاحتياط ـ هذا عند الإطلاق ـ، ويجوز أن ينصب الواقف متولياً لبعض الأمور دون بعض، بأن يجعل إلى واحد العمارة وتحصيل الغلة، وإلى آخر حفظها وقسمتها على المستحقين، أو بشرط لواحد الحفظ واليد، ولآخر التصرف" (2).
وقال المرداوي الحنبلي(3)
__________
(1) ... هو يحيى بن شرف بن مري الحزامي، النووي، يكنى بأبي زكريا، محي الدين، ولد في نوى سنة 631هـ، وتعلَّم في دمشق، وأقام بها زمناً طويلاً، كان فقيهاً، محدِّثاً، يُعَدُّ أُستاذ المتأخرين من الشافعية، صنَّف مصنفات كثيرة ونفيسة منها: شرح صحيح مسلم، والمجموع شرح المهذب، توفي سنة 676هـ.
... ( ينظر: تذكرة الحفاظ 4/1470، وطبقات الشافعية للسبكي 5/165).
(2) ... روضة الطالبين 5/348.
(3) ... هو علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي، ثم الدمشقي، محرر المذهب الحنبلي ومنقحه، ولد في ( مردا ) قرب نابلس سنة 817هـ، ونشأ بها، ورحل إلى القاهرة، ثم دمشق، وألَّف مؤلفات كثيرة منها: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، والتنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، توفي سنة (885هـ).
... ( ينظر: الجوهر المنضد ص(99)، والسحب الوابلة 2/739).(8/19)
: "وظيفة الناظر: حفظ الوقف والعمارة والإيجار والزراعة والمخاصمة فيه وتحصيل ريعه من تأجيره أو زرعه أو ثمره، والاجتهاد في تنميته، وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح، وإعطاء مستحق ونحو ذلك، وله وضع يده عليه، وعلى الأصل، ولكن إذا شرط التصرف له، واليد لغيره، أو عمارته إلى واحد، وتحصيل ريعه إلى آخر فعلى ما شرط، قاله الحارثي(1)"(2).
المبحث الثالث
أقسام الولاية على الوقف
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الولاية الأصلية على الوقف.
المطلب الثاني: الولاية الفرعية على الوقف.
المطلب الثالث: ولاية الوزارات المعنية بشؤون الأوقاف على الوقف(3).
المطلب الأول: الولاية الأصلية على الوقف(4).
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حق الواقف في الولاية الأصلية على وقفه.
المسألة الثانية: حق الموقوف عليه في الولاية الأصلية على الوقف.
المسألة الثالثة: حق الحاكم في الولاية الأصلية على الوقف.
__________
(1) ... هو مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي، البغدادي، ثم المصري، سعد الدين، ولد سنة 653هـ، وسمع من النجيب الحراني، وابن علاَّف، وغيرهما، كان فقيهاً، مناظراً، مفتياً، عالماً بالحديث وفنونه، شرح بعض سنن أبي داود، وشرح قطعة من "المقنع" من العارية إلى آخر الوصايا، وتوفي سنة 711هـ.
... ( ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة 2/362، والمقصد الأرشد 3/29).
(2) ... مطالب أولي النهى 7/67.
(3) ... أفردتُ ذلك بمطلب مستقل عن القسمين السابقين؛ لأن الذي فهمته من خلال الكلام عليه أن البعض يعتبر ولاية الوزارات المعنية بشؤون الأوقاف على الأوقاف الخيرية العامة التي ليس لها ناظر خاص في حكم الأصلية، فتتولاها مباشرة ودون تفويض، والبعض الآخر يعتبرها في حكم الفرعية على اعتبار أنها تنوب على القاضي في النظر على هذا النوع من الأوقاف، والله أعلم.
(4) ... وهي التي تثبت لمتولي الوقف أصالة دون اشتراط أو تعيين.(8/20)
المسألة الأولى: حق الواقف في الولاية الأصلية على وقفه.
اختلف الفقهاء في ثبوت حق الواقف في الولاية الأصلية على وقفه، وذلك على قولين:
القول الأول: أن للواقف الحق في الولاية الأصلية على وقفه.
وبهذا قال أبويوسف(1) وغيره من الحنفية (2)، به قال المالكية (3)،
وهو قول لبعض الشافعية (4)، وبعض الحنابلة (5).
القول الثاني:أن الولاية الأصلية على الوقف لا تثبت للواقف.
وبهذا قال أبوحنيفة ومحمد بن الحسن(6)
__________
(1) ... هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، لَزِمَ أباحنيفة وأخذ عنه كثيراً، وقام
بنشر مذهبه، وصار من أجلّ الفقهاء المجتهدين، ولي قضاء بغداد في ولاية الرشيد، وهو أول من صنّف على مذهب أبي حنيفة، ومن مصنفاته: الخراج والنوادر، توفي سنة 182هـ.
... ( الجواهر المضية 3/611، والفوائد البهية ص(225).
(2) ... ينظر: بدائع الصنائع 6/219، ووقف هلال ص(101)، و الإسعاف ص(53)، والفتاوى الهندية 2/408، وفتاوى قاضيخان 3/295.
(3) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/244، والكافي لابن عبدالبر 2/1017، و مواهب الجليل 6/37، والتاج والإكليل بهامشه 6/23، وفيهما تحقيق لقولهم.
(4) ... ينظر: حلية العلماء للقفال 6/22، والحاوي للماوردي 9/397، و روضة الطالبين 5/347، والوجيز 1/248.
(5) ... ينظر: الإنصاف 7/43.
(6) ... هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولاء، صحب أباحنيفة وأخذ عنه وعن أبي يوسف كثيراً، وقام بنشر المذهب الحنفي، ولاّه الرشيد قضاء بغداد بعد أبي يوسف،
وصنف مصنفات منها: الجامع الكبير، والصغير، والسير الكبير، والصغير، وتوفي سنة 189هـ.
... ( ينظر: الجواهر المضية 3/122، والفوائد البهية ص(163).(8/21)
من أصحابه (1)، وهو المذهب عند الشافعية(2)، وبه قال أكثر الحنابلة (3).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
... استدل أصحاب هذا القول بعمل الصحابة }، والمعقول:
أولاً: عمل الصحابة:
أن الصحابة } كان يلون أوقافهم بأنفسهم حتى توفوا.
قال الإمام الشافعي ~: "أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي أن عمر ولي صدقته حتى مات، وجعلها بعده إلى حفصة، وولي علي صدقته حتى مات، ووليها بعده الحسن(4) بن علي { (5)، وأن فاطمة(6) بنت رسول الله @ وليت صدقتها حتى ماتت، وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولي صدقته حتى مات" (7).
__________
(1) ... ينظر: بدائع الصنائع 6/219-220، وتبيين الحقائق 3/329، وفتح القدير 6/231، وفتاوى قاضيخان 3/295.
(2) ... ينظر: أسنى المطالب 2/471، ومغني المحتاج 2/393.
(3) ... ينظر: منتهى الإرادات 2/10-11، والإقناع 3/16، والروض الندي ص(299).
(4) ... هو سيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي بن أبي طالب {، سبط رسول
الله @ وريحانته، فأمه فاطمة بنت رسول الله @ سيدة نساء العالمين، ولي الخلافة بعد مقتل أيبه في رمضان سنة 40هـ، وبقي فيها سبعة أشهر ثم تنازل عنها لمعاوية، وتوفي سنة 49هـ، وقيل غير ذلك.
... ( ينظر: أسد الغابة 2/9، والإصابة 2/11 ).
(5) ... هكذا رواه الشافعي في الأم، وقال التهانوي في إعلاء السنن 13/147: "رواه الإمام الشافعي في الأم هكذا معلّقاً، وتعليق مثله حجة".
(6) ... هي فاطمة بنت رسول الله @ سيدة نساء العالمين، قال ابن الأثير: ماعدا مريم بنت عمران، أمها خديجة بنت خويلد، وكانت أحب الناس إلى رسول الله @، زوّجها من علي بن أبي طالب > فولدت له الحسن والحسين {، وتوفيت بعد رسول الله @ بستة أشهر على القول الصحيح كما ذكر ابن الأثير.
... ( ينظر: طبقات ابن سعد 8/19، وأسد الغابة 5/519 ).
(7) ... الأم 4/61.(8/22)
وقال ~ أيضاً: "ولقد حفظنا الصدقات عن عددٍ كثير من المهاجرين والأنصار، لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامّة منهم عن العامّة لا يختلفون فيه، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا، وإنَّ نقل الحديث فيها كالتكلف" (1).
ثانياً: المعقول:
1- القياس على قسمة رب المال لما وجب عليه من الزكاة، فإنه إذا ثبت الحق في الولاية على الصدقة لمن وجبت عليه، فإنه من باب الأولى أن ثبت له ذلك الحق على الصدقة التطوعية، وهي هنا الوقف (2).
2- القياس على متخذ المسجد، ومعتق العبد، فالواقف هو أقرب الناس إلى وقفه، وأحقهم بإدارته وعمارته، كمن اتخذ مسجداً فإنه أولى بعمارته، وكمن أعتق عبداً فإن الولاء له؛ لأنه أقرب الناس إليه (3).
دليل أصحاب القول الثاني:
القياس على سائر الأجانب في المنع من النظارة والتدبير في الوقف إلا بتعيين، وبيان ذلك أن الواقف لما حبَّس العين وسلَّمها للقيّم فقد أخرجها عن ملكه ويده، وصار هو وسائر الأجانب فيه سواء، وكما أن التدبير في الوقف ليس إلى سائر الأجانب، فكذلك لا يكون التدبير إلى الواقف(4).
مناقشة الدليل:
نوقش بأنه قياس مع الفارق، فهو قياس باطل وإلحاق خاطئ، إذ الواقف له تعلق بالوقف بخلاف الأجنبي، فهو وقفها لتكون له صدقة جارية على الدوام، ويعنيه دوام عينها وعمارتها؛ لأن من لازم ذلك استمرار الثواب العائد عليه، وفي تعطلها وانقطاع نفعها منعاً لجريان الصدقة، فكان من حقه رعاية الوقف والوقوف على كل ما يطرأ عليه، بخلاف الأجنبي، فلا حق له في تلك العين(5).
الترجيح:
__________
(1) ... المصدر السابق 4/55.
(2) ... ينظر: وقف هلال ص(101).
(3) ... ينظر: الهداية للمرغيناني مع فتح القدير 5/61.
(4) ... ينظر: السير الكبير 5/2110.
(5) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/597.(8/23)
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأن للواقف الحق في الولاية الأصلية على وقفه؛ لقوة ما استدلوا به من أن عمر والخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة } كانوا يلون صدقاتهم، بل إن النبي @ لما أشار على عمر بوقف أرضه(1) لم يقل له: لا يصح ذلك حتى تخرجها عن يدك ولا تلي نظرها، فدلَّ ذلك على صحة بقائها في يده تحت ولايته؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد قال الإمام الشافعي: "ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال"(2).
أما القول بغير ذلك فهو قول مخالف للصواب، قال ابن القيم
~: "وأي غرض للشارع في ذلك؟ وأيّ مصلحة للواقف أو الموقوف عليه؟ بل المصلحة خلاف ذلك؛ لأنه أخبر بماله، وأقوم بعمارته
ومصالحه وحفظه من الغريب الذي ليست خبرته وشفقته كخبرة صاحبه وشفقته" (3).
المسألة الثانية: حق الموقوف عليه في الولاية الأصلية على الوقف.
__________
(1) ... جاء ذلك فيما رواه ابن عمر { قال: ((صاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي @ فقال: أصبتُ أرضاً لم أُصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبَّست أصلها، وتصدّقت بها، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا=
= يورث، في الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه )).
... أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الشروط ـ باب الشروط في الوقف 3/185، وفي كتاب الوصايا ـ باب ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمله 3/194، وباب الوقف كيف يكتب 3/196، ومسلم في كتاب الوصية ـ باب الوقف 3/116–11، الحديث رقم (15).
(2) ... ينظر: التمهيد للإسنوي ص(337).
(3) ... إعلام الموقعين 3/371-372.(8/24)
لا حق للموقوف عليه في الولاية الأصلية على الوقف إذا كان غير معين، أو جمعاً غير محصور(1).
قال المرداوي: "محل الخلاف إذا كان الموقوف عليه معيناً، أو جمعاً محصوراً، فأما إن كان الموقوف عليهم غير محصورين ـ كالفقراء والمساكين ـ أو على مسجد، أو مدرسة، أو قنطرة، أو رباط، أو نحو ذلك: فالنظر فيه للحاكم قولاً واحداً" (2).
واختلف الفقهاء في أحقية الموقوف عليه إذا كان معيناً محصوراً في الولاية الأصلية على الوقف، وذلك على قولين:
القول الأول: أن للموقوف عليه الحق في النظارة الأصلية على الوقف.
وبهذا قال بعض الحنفية (3)، وهو قول المالكية (4)، وبعض
الشافعية (5)، وهو المذهب عند الحنابلة (6).
القول الثاني: أن الولاية الأصلية على الوقف لا تثبت للموقوف عليه، بل تكون للحاكم.
وهذا هو القول المفتى به عند الحنفية(7)، وهو المذهب عند
الشافعية (8)، وبه قال بعض الحنابلة (9).
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
__________
(1) ... الشرح الكبير للدردير 4/88، والإنصاف 7/69.
(2) ... الإنصاف 7/69.
(3) ... ينظر: حاشية الطحطاوي 2/552، و حاشية ابن عابدين 4/405-406.
(4) ... ينظر: الشرح الكبير للدردير 4/88، والشرح الصغير له 2/305، و مواهب الجليل 6/37.
(5) ... ينظر: الحاوي للماوردي 9/397، و روضة الطالبين 5/347، ومغني المحتاج 2/393.
(6) ... ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1/210، والكافي لابن قدامة 2/463، والفروع 4/590، والإنصاف 7/69.
(7) ... ينظر: البحر الرائق 5/251، و الإسعاف ص(54)، ومجمع الأنهر 1/751، و حاشية ابن عابدين 4/406.
(8) ... ينظر: الحاوي للماوردي 9/397، و روضة الطالبين 5/347، ومغني المحتاج 2/393، وأسنى المطالب 2/471.
(9) ... ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1/210، والمغني 8/237، والفروع 4/590، والمبدع 5/337.(8/25)
أن الموقوف عليه من المستحق للريع والمنفعة، وحق النظر لمن له حق المنفعة والريع، كما أن الملك في الرقبة مضاف إليه (1).
أدلة أصحاب القول الثاني:
1 – أنه لا حق للموقوف عليه في التصرف في الوقف، إنما حقه في أخذ الغلة (2).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن النظر ليس تصرفاً في عين الوقف، وإنما هو استثمار لتلك العين، ومادام أن الغلة للموقوف عليه فلا مانع من أن يتولى تحصيل الغلة.
2 – أن النظر على الوقف يتعلق به حق الموجودين من الموقوف عليهم، وحق من يأتي من البطون، فلا يستقل به الموجود؛ لعدم تمحض حقه فيه (3).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن الحق وإن كان لمن يأتي من البطون أيضاً فإنه قبل إتيانهم
يختص استغلاله بالموجودين، وليس في ذلك تفويت لحق من يأتي؛ لأن التصرف في الاستثمار وأخذ الغلة وليس في ذات العين؛ لأنها محبسة، والله أعلم.
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأحقية الموقوف عليه بالولاية الأصلية على الوقف؛ لقوة ما استدلوا به، ولما يلي:
1- أن ولاية الموقوف عليهم على الوقف تحقق استقراراً فيما يشكو منه المستحقون للوقف من استغلال النظار لهم بعدم إيصال الحقوق إليهم وأكلها.
2- أن الموقوف عليهم أحرص من غيرهم على نماء الوقف وإدارته، والمحافظة عليه بترميمه وعمارته؛ لأنهم يشعرون أن الغلة لهم، وأن النماء سيعود بالربح الوفير لهم، فهم يحافظون عليه محافظة المالك المطلق على ملكه.
__________
(1) ... ينظر: حاشية ابن عابدين 4/406، و روضة الطالبين 5/347، والمغني 8/237، والكافي لابن قدامة 2/463، والمبدع 5/337.
(2) ... ينظر: حاشية الطحطاوي 2/552، و حاشية ابن عابدين 4/406.
(3) ... ينظر: الكافي لابن قدامة 2/463، والمبدع 5/337.(8/26)
3- أن تولية الموقوف عليه على الوقف تمنع اقتطاع جزء من غلة الوقف لإعطائها كأجر للمتولي الأجنبي، وهو مال ليس بالقليل، فأحرى أن يستفيد منه المستحقون(1).
المسألة الثالثة: حق الحاكم في الولاية الأصلية على الوقف.
وفيها فرعان:
الفرع الأول: حق الحاكم في الولاية الأصلية على الوقف مع عدم وجود الناظر الخاص.
الفرع الثاني: حق الحاكم في الولاية الأصلية على الوقف مع وجود الناظر الخاص.
الفرع الأول:
حق الحاكم(2) في الولاية الأصلية على الوقف مع عدم وجود الناظر الخاص.
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة – الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية(5)، والحنابلة(6) – على أحقية الحاكم في الولاية الأصلية على الأوقاف، وثبوتها له عند عدم وجود الناظر الخاص.
دليل هذا الحكم:
استدلوا بما روته عائشة(7)
__________
(1) ... ينظر: أحكام الوقف للكبيسي 2/143-144 ذكر ذلك عند ترجيحه لهذا القول، وينظر أيضاً محاضرات في الوقف لأبي زهرة ص(324).
(2) ... قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ~: "المراد بالحاكم هنا حاكم الشرع، وهو من أُسند إليه حكم الشرع والقضاء؛ لأجل أن له الولاية العامة".
... ( فتاوى ورسائل سماحته 9/85 ).
(3) ... ينظر: البحر الرائق 5/241، ولسان الحكام.
(4) ... ينظر: مواهب الجليل 6/37-38، والقوانين الفقهية ص(376-377).
(5) ... ينظر: الحاوي للماوردي 9/397، وروضة الطالبين 5/347، ومغني المحتاج 2/393.
(6) ... ينظر: الإقناع 3/16، ومنتهى الإرادات 2/11.
(7) ... هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، الصّدّيقة بنت الصدّيق، تزوجها النبي @ قبل الهجرة بسنتين وكان عمرها ست سنين، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع، وكانت أحب نسائه إليه، وكانت من أفقه الناس وأحسنهم رأياً، رَوت عن النبي @ كثيراً، وتوفيت سنة 57هـ، وقيل 58هـ.
... ( ينظر: أسد الغابة 5/501، والإصابة 8/139 ).(8/27)
< من قول الرسول الله@: ((السلطان ولي من لا ولي له )) (1).
فقد أخذ الفقهاء من هذا الحديث قاعدة عامة اتفقوا عليها، وطبقوها على ما يتفرع عليها من المسائل الفقهية وهي: "أن الحاكم ولي من لا ولي له"(2).
الفرع الثاني:
حق الحاكم في التصرف مع وجود الناظر الخاص.
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة – الحنفية (3)، والمالكية (4)،
والشافعية(5)، والحنابلة(6) ـ على أنه متى وجد للوقف ناظر خاص فليس للحاكم (الناظر العام) حق التصرف في الوقف، حتى لو كان الناظر الخاص معيَّناً من قِبَل الحاكم.
__________
(1) ... الحديث أخرجه أبوداود في سننه في كتاب النكاح ـ باب في الولي 3/229، الحديث رقم (2083)، والترمذي في سننه، في أبواب النكاح ـ باب ما جاء في النكاح بلا ولي 2/280-281، وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه في سننه في كتاب النكاح ـ باب لا نكاح إلا بولي 1/605 الحديث رقم (1979)، وأحمد 6/47، 66، والدارقطني في سننه في كتاب النكاح 3/221، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب النكاح ـ باب لا نكاح إلا بولي 7/105، والحاكم في مستدركه في كتاب النكاح 2/168 وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وعبدالرزاق في مصنفه في كتاب النكاح ـ باب النكاح بغير ولي 6/195، الحديث رقم (10472)، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب النكاح ـ باب لا نكاح إلا بولي أو سلطان 4/128.
... وقال الألباني ~ في إرواء الغليل 6/243: "صحيح".
(2) ... ينظر: حاشية ابن عابدين 4/274، و مواهب الجليل 6/38، و مطالب أولي النهى 5/62.
(3) ... ينظر: غمز عيون البصائر 1/457.
(4) ... ينظر: مواهب الجليل 6/38.
(5) ... ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(171).
(6) ... ينظر: كشاف القناع 4/302، و مطالب أولي النهى 4/333، و نيل المآرب 2/21.(8/28)
وهذا الحكم استمده الفقهاء من القاعدة الفقهية العامة: "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة" (1).
وإذا منعنا الناظر العام من التصرف مع وجود الناظر الخاص فإنه يبقى له النظر العام، فمتى ما فعل الناظر الخاص ما لا يسوغ له فعله منعه الحاكم من ذلك.
كما أن للناظر العام تقييد تصرف الناظر الخاص إذا اتهمه أو خشي منه التفريط، وذلك بضم أمين إليه، بحيث لا يتصرف الناظر الخاص إلا بإذن الأمين والرجوع إليه، بل إن تصرفات الناظر بما لا يسوغ تعطي الحاكم حق عزله.
قال الطرابلسي الحنفي: "لو أجَّر الوقف بما لا يتغابن فيه لا تجوز الإجارة، وينبغي للقاضي إذا رفع إليه ذلك أن يبطلها، ثم إن كان المؤجر مأموناً، وكان ما فعله على سبيل السهو والغفلة فسخ الإجارة وأقرها في يده، وإن كان غير مأمون أخرجها من يده ودفعها إلى من يوثق به، وهكذا الحكم لو أجّرها سنين كثيرة يخاف على الوقف تبطل الإجارة ويخرجها من يد المستأجر ويجعلها في يد من يثق به" (2).
وجاء في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية(3): "ولا نظر لغير الناظر الخاص معه، وللحاكم النظر العام، فيعترض عليه إن فعل ما لا يشرع، وله ضم أمين إليه مع تفريطه أو تهمته؛ ليحصل المقصود" (4).
أما التقرير في الوظائف فقد اختلف الفقهاء فيمن يتولاه على قولين:
القول الأول:
__________
(1) ... ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(171)، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص(160).
(2) ... الإسعاف ص(72).
(3) ... هو شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الحراني، ثم الدمشقي، تقي الدين، أبوالعباس، قَدِمَ مع والده من حرَّان إلى دمشق هو صغير، وأخذ عن أبيه وغيره، وبرع في مختلف العلوم، وامتُحِنَ وحُبِسَ عدة مرات، وصنف مصنفات كثيرة وجليلة منها: منهاج السنة، والسياسة الشرعية، وتوفي عام 728هـ.
... (ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/387، والمقصد الأرشد 1/132 ).
(4) ... الاختيارات ص(173-174).(8/29)
أن التقرير في الوظائف للناظر ما لم تكن تلك الوظائف من الأمور العامة في الإسلام.
وبهذا قال الشافعية (1)، والحنابلة (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ليس للحاكم أن يولي، ولا يتصرف في الوقف بدون أمر الناظر الشرعي الخاص، إلا أن يكون الناظر الشرعي قد تعدى فيما يفعله"(3).
القول الثاني:
أن التقرير في الوظائف للحاكم ما لم يشترط الواقف ذلك للناظر الخاص.
... وبهذا قال الحنفية (4).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
1- القاعدة الفقهية العامة: "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة"، فيتولى الناظر الخاص كل ما يتعلق بالوقف (5)، ما لم يكن لها تعلق بالأمور العامة للمسلمين؛ لأن الأمور العامة مفوّضة إلى الحاكم من جهة الشرع (6).
2- أن التقرير في الوظائف وظيفة الواقف، والناظر يستفيد كل ما كان للواقف (7).
3- أنه ليس للحاكم مع الناظر الخاص ولاية على ذلك، كما ليس له ولاية على وكيل المتصدق (8).
دليل أصحاب القول الثاني:
أن تقرير الوظائف تصرّف في الموقوف عليهم بغير شرط الواقف، وذلك لا يجوز بخلاف ما إذا شرطه الواقف(9).
مناقشة الدليل:
__________
(1) ... ينظر: تيسير الوقوف (ق 163 ب).
(2) ... ينظر: الفروع 4/592، و الإنصاف 7/61، ومجموع فتاوى ابن تيمية 31/65، وكشاف القناع 4/303.
(3) ... مجموع فتاواه 31/65.
(4) ... ينظر: البحر الرائق 5/251، والفتاوى الخيرية 1/121، و حاشية ابن عابدين 4/383، 423.
(5) ... ينظر: تيسير الوقوف (ق 50 ب).
(6) ... ينظر: الابتهاج 4/( ق 172 أ).
(7) ... ينظر: تيسير الوقوف (ق 163 أ).
(8) ... ينظر: المصدر السابق (ق 163 ب).
(9) ... ينظر: الفتاوى الخيرية 1/121.(8/30)
... أن الناظر نائب عن الواقف في وقفه، فيكتسب بسبب تلك الولاية كل ما كان للواقف ولو لم يشترطه الواقف، وإلا لم يكن للناظر من الوظائف إلا ما اشترطه الواقف، فلا يباشر وظيفة إلا بشرط، وهذا لا يقولون به، فلزم ألاَّ يسلبوا الناظر شيئاً مما كان للواقف بلا دليل (1).
الترجيح:
... الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأن للناظر الحق في التقرير في الوظائف ما لم تكن من الأمور العامة للمسلمين؛ لقوة ما استدلوا به، ولأنه حق ثابت للواقف فيلزم ثبوته لنائبه عند الإطلاق، أما التقرير في الوظائف التي لها تعلق بالأمور العامة في الإسلام فإنها للناظر العام؛ لأنه أعلم بمن يصلح ومن لا يصلح، وهو المفوض إليه من جهة الشرع، ولذلك لو كان تولية أمر الإفتاء والتعليم للنظار لربما أدى ذلك إلى إهانة العلم، فالتقرير في التدريس والإفتاء وأشباهها هي من اختصاص الناظر العام.
المطلب الثاني: الولاية الفرعية على الوقف(2).
وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: النظر على الوقف بالتعيين.
المسألة الثانية: التوكيل في النظر على الوقف.
المسألة الثالثة: تفويض الولاية على الوقف.
المسألة الأولى: النظر على الوقف بالتعيين.
وتحتها ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حق الواقف في تعيين ناظر الوقف.
الفرع الثاني: حق الموقوف عليه في تعيين ناظر الوقف
الفرع الثالث: حق الحاكم في تعيين ناظر الوقف.
الفرع الأول: حق الواقف في تعيين ناظر الوقف.
وتحته ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: حق الواقف في اشتراط ناظر الوقف.
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على ثبوت حق الواقف في
__________
(1) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/609.
(2) ... وهي التي لا تثبت لمتولي الوقف إلا باشتراط أو تعيين.(8/31)
اشتراط ناظر لوقفه، حيث قال به الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
1 – عمل الصحابة }:
فقد جعل عمر بن الخطاب > وقفه إلى بنته حفصة تليه ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها (5)(6).
وفي وقف علي > شرط النظر لابنه الحسن، ثم لابنه الحسين(7) {(8)(9).
2 – القياس، فيقاس حق الواقف في التولية على حقه في بيان المصرف، فكما أن مصرف الوقف يتبع فيه شرط الواقف، فكذلك الناظر فيه(10).
النقطة الثانية: حق الواقف في تعيين ناظر إذا لم يشترطه لأحد، أو جعله لإنسانٍ فمات.
إذا لم يشترط الواقف النظارة لأحد، أو اشترطه لإنسانٍ فمات، ففي أحقيته في تعيين ناظر على وقفه خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن للواقف الحق في تعيين ناظر لوقفه، حتى ولو لم يشترطه لأحد، أو اشترطه لشخص فمات.
__________
(1) ... ينظر: السير الكبير 5/2111، وأوقاف الخصاف ص(202)، وحاشية ابن عابدين 4/422-42.
(2) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/255-256، والقوانين الفقهية ص(376-377)، ومواهب الجليل 6/37.
(3) ... ينظر: الوجيز ص(248)، و روضة الطالبين 5/346، و مغني المحتاج 2/393.
(4) ... ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1/210، والمغني 8/236، والمبدع 5/334-335، ومطالب أولي النهى 4/318.
(5) ... تقدم تخريجه ص(22).
(6) ... ينظر في الاستدلال به: المغني 8/236، و مغني المحتاج 2/393.
(7) ... هو الحسين بن علي بن أبي طالب > سبط رسول الله @ وريحانته، أمه سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله @، سيّد شباب أهل الجنة، ولد بعد الحسن بسنة وستة= =أشهر، وكان فاضلاً كثير الصوم والصلاة والحج وأعمال الخير جميعاً، قتل يوم عاشوراء من سنة 61هـ بكربلاء.
... ( ينظر: أسد الغابة 2/18، والإصابة 2/14 ).
(8) ... تقدم تخريجه ص(28).
(9) ... ينظر في الاستدلال به: كشاف القناع 4/293.
(10) ... ينظر: مغني المحتاج 2/393، والمغني 8/236-237، والمبدع 5/335.(8/32)
... وبهذا قال الحنفية (1)، والمالكية (2).
القول الثاني: أن الواقف لا يملك تعيين ناظر آخر ما لم يشترط لنفسه حق التعيين.
وبهذا قال محمد بن الحسن من الحنفية(3)، وهو قول الحنابلة (4).
القول الثالث: ... التفصيل: وهو أن للواقف حق التعيين إذا اشترط الولاية لنفسه، أو لم يشترطها لأحد وقلنا له الولاية الأصلية على الوقف، أما إذا لم يشترط الولاية لأحد، ولم نجعل له ولاية أصلية على الوقف، أو اشترط ناظراً فمات، أو عزل فليس له حق التعيين.
وبهذا قال الشافعية (5).
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
أن عمر بن الخطاب > عيّن بنته حفصة على وقفه بعد ما وليه هو، وبعد مضي سنوات على وقفه، فقد جاء في كتاب عمر >: "هذا ما كتب عبدالله عمر أمير المؤمنين في ثَمْغ، أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها...، والمائة وسق الذي أطعمني النبي@ فإنها مع ثَمْغ على سننه الذي أمرت به، وإن شاء وَليّ ثّمْغ أن يشتري من ثمره رقيقاً يعملون فيه فعل، وكتب معيقيب (6)
__________
(1) ... ينظر: المبسوط 12/44، و البحر الرائق 5/212، و حاشية ابن عابدين 4/423.
(2) ... ينظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/88، وبلغة السالك مع الشرح الصغير 2/305، ومواهب الجليل 6/37.
(3) ... ينظر: السير الكبير 5/109، و حاشية ابن عابدين 4/423.
(4) ... ينظر: الفروع 4/591-592، و الإنصاف 7/60، و كشاف القناع 4/297، و مطالب أولي النهى 4/324، 331.
(5) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/383، و روضة الطالبين 5/347، 349-350.
(6) ... هو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، حليف بني عبدشمس، أسلم قديماً بمكة وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وكان على خاتم النبي @، واستعمله أبوبكر وعمر على بيت المال، توفي في خلافة عثمان، وقيل في خلافة علي سنة 40هـ.
... ( ينظر: الإصابة 3/451، وتهذيب التهذيب 10/254).(8/33)
، وشهد عبدالله(1) بن الأرقم"(2).
فعمر > كتب هذا الكتاب في خلافته؛ لأن معيقيباً كان كاتبه زمن الخلافة، ولأن معيقيباً وصف عمر في هذا الكتاب بأنه أمير المؤمنين في حين أن عمر تصدق بثمغ حين رجع رسول الله @ من خيبر سنة سبع من الهجرة(3).
دليل أصحاب القول الثاني:
القياس: وهو قياس الواقف على الأجنبي عن الوقف في عدم إثبات حق له في تعيين ناظر للوقف؛ لأن الواقف لما حبّس العين فقد أخرجها عن ملكه، وصار كالأجنبي عنها، فلا يملك النصب ولا العزل، كما لا يملكه الأجنبي(4).
مناقشة الدليل: هذا الدليل سبق مناقشة مثله عند ما استدل به من قال بعدم ثبوت الولاية الأصلية للواقف، وبينتُ أن إلحاق الواقف بالأجنبي بالنسبة للوقف لا يصح؛ حيث إن الواقف له تعلق بالوقف، ومصلحة في دوامة وعمارته؛ لأن في ذلك استمرار الأجر له، بخلاف الأجنبي (5)، فالواقف وإن أخرج العين عن ملكه فمن حقه تعيين ناظر عليها ليطمئن على استمرار صدقته.
دليل أصحاب القول الثالث:
الجمع بين دليل القول الأول ودليل القول الثاني، فمتى ما أثبتنا له حق التولية، فلخبر عمر بن الخطاب >، ومتى ما منعناه من التولية، فلأنه قد أزال ملكه عن العين، فلا تبقى ولايته عليها (6).
مناقشة الدليل:
__________
(1) ... هو عبدالله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف القرشي، الزهري، أسلم عام الفتح، وكتب للنبي @، ولأبي بكر وعمر، وكان على بيت مال عمر، وتوفي في خلافة عثمان >.
( ينظر: الإصابة 2/273، وتهذيب التهذيب 5/146).
(2) ... سبق تخريجه ص(22).
(3) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(4).
(4) ... ينظر: كشاف القناع 4/297.
(5) ... ينظر: ص(30).
(6) ... ينظر: الابتهاج 4/(ق 173 أ).(8/34)
أن إثبات حق التولية للواقف لخبر عمر > حق، أما منعه من التولية لزوال ملكه عن العين الموقوفة ففيه نظر؛ لأنه وإن زال ملكه فإن له تعلق بالعين التي أوقفها، حيث إنها سبب في جريان الثواب له، فيهمه أن يتولى عليه من يثق بأمانته وعدله(1).
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بثبوت حق الواقف في تعيين ناظر لوقفه، حتى ولو لم يشترطه لأحد، أو اشترطه لشخص فمات أو عزل؛ لقوة ما استدلوا به خاصة ما ورد عن عمر بن الخطاب > أنه ولَّى على وقفه حفصة <(2) بعد سنوات من صدقته، فصدقته في السنة السابعة للهجرة، وتوليه حفصة بعد خلافته، ولم ينقل عن أحد أنه أنكر على عمر تصرفه هذا، مما يدل على تقرره.
النقطة الثالثة: اشتراط الواقف الولاية لنفسه.
اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الواقف الولاية على الوقف لنفسه، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن للواقف الحق في اشتراط النظر لنفسه، والشرط صحيح.
وبهذا قال جمهور الفقهاء، حيث قال به الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
قال ابن القيم ~: "إذا وقف وقفاً وجعل النظر فيه لنفسه
مدة حياته، ثم من بعده لغيره صحَّ ذلك عند الجهمور، وهو اتفاق
من الصحابة" (6).
القول الثاني:
أنه لا يصح اشتراط الواقف النظر لنفسه، والوقف والشرط باطلان.
__________
(1) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/617.
(2) ... سبق تخريجه.
(3) ... ينظر: وقف هلال ص(101-102)، وأحكام الوقف للخصاف ص(202)، و حاشية ابن عابدين 4/379، 384.
(4) ... ينظر: روضة الطالبين 5/346، والابتهاج 4/(ق 167 أ-ب)، وتحفة المحتاج 6/285-286.
(5) ... ينظر:الشرح الكبير بهامش المغني6/213، والمناقلة بالأوقاف ص(58)، و كشاف القناع4/293
(6) ... إعلام الموقعين 3/371.(8/35)
وبهذا قال محمد بن الحسن، وهلال(1) من الحنفية ـ في رواية عنهماـ(2).
القول الثالث: ...
أن اشتراط الواقف الولاية لنفسه يبطل الوقف إن حصل مانع قبل الاطلاع عليه وحيازته ما لم يكن وقفه على محجور، فيصح مطلقاً.
... وبهذا قال المالكية (3).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
... استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- القياس، وهو قياس شرط الولاية لنفسه على سائر شروطه في وجوب المراعاة، كما في تحديد الموقوف عليه وصفته وقدر استحقاقه (4).
2- أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهة الواقف بشرطه، فيستحيل ألاَّ تكون له الولاية بشرطه، وغيره يستفيد الولاية منه (5).
3- أن الواقف هو أقرب الناس إلى هذا الوقف، فيكون أولى بولايته، كمن اتخذ مسجداً يكون أولى بعمارته، ونصب المؤذن فيه، وكمن أعتق عبداً كان الولاء له؛ لأنه أقرب الناس إليه (6).
دليل أصحاب القول الثاني:
أن اشتراط الواقف النظارة لنفسه يمنع إخراج العين من يده، والوقف لا يصح إلا بإخراجه من يد واقفه، وتسليمه إلى غيره (7).
مناقشة الدليل:
__________
(1) ... هو هلال بن يحيى بن مسلم البصري، المعروف بـ"هلال الرأي" لسعة علمه، وكثرة فقهه، أخذ الفقه عن أبي يوسف وزفر صاحبي أبي حنيفة، وصار من أعلام المذهب الحنفي، صنف مصنفات منها: أحكام الوقف، ومصنف في الشروط، توفي سنة 245هـ.
( ينظر: الجواهر المضية 3/572، والفوائد البهية ص(223).
(2) ... ينظر: السير الكبير 5/2110، وفتح القدير 6/231، و حاشية ابن عابدين 4/379، 384.
(3) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/245، و مواهب الجليل 6/25، و الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/81، وبلغة السالك 2/304.
(4) ... ينظر: تحفة المحتاج 6/286، و حاشية ابن عابدين 4/379.
(5) ... ينظر: تبيين الحقائق 3/329، و البحر الرائق 5/244.
(6) ... ينظر: تبيين الحقائق 3/329، و البحر الرائق 5/244.
(7) ... ينظر: السير الكبير وشرحه 5/2111.(8/36)
أن بقاء العين في يد واقفها يتولى أمرها لا تأثير فيه على
صحة الوقف، إذ ليست الحيازة شرطاً لا لصحة الوقف، ولا للزومه
على الصحيح (1).
فهم يعطون للواقف الحق في اشتراط النظر لنفسه ما لم يكن ذلك مانعاً للحيازة المعتبرة عندهم، كما سبق توضيح ذلك في إعطائهم الواقف حق الولاية الأصلية على الوقف(2).
دليل أصحاب القول الثالث:
استدلوا على إبطال الوقف عندهم بما استدل به أصحاب القول الثاني؛ لأنهم يوافقون أصحاب القول الثاني في اشتراط إخراج العين عن يد
واقفها (3).
واستدلوا على حالة تصحيح الوقف والشروط عندهم بأن اشتراط الواقف النظر لنفسه فيما وقفه على محجوره اشتراط لما يوجبه الحكم له، واشتراط ما يوجبه الحكم جائز لا كراهة فيه (4)، وهم يسقطون اشتراط الإخراج عن اليد إذا وقف على محجوره.
مناقشة هذا الدليل:
نوقش بأنه إذا كان اشتراطها ما يوجبه الحكم جائزاً بلا كراهة فيلزم عليه أن يصح اشتراط الواقف النظر لنفسه مطلقاً دون تخصيص حالة دون حالة؛ لأن الصحيح أنه لا يشترط إخراج العين عن يد واقفها (5).
الترجيح:
__________
(1) ... ينظر: التصرف في الوقف 1/95، 107، 2/620.
(2) ... ينظر بدائع الصنائع 6/219-220، وتبيين الحقائق 3/329.
(3) ... ينظر: الشرح الصغير 2/301، و شرح الخرشي على مختصر خليل 7/84.
(4) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/245.
(5) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/622.(8/37)
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأحقية الواقف في اشتراط النظارة لنفسه؛ لقوة ما استدلوا به، ولما سبق أن الراجح إعطاء الواقف الحق في الولاية الأصلية على الوقف بلا شرط، فإعطاؤه الحق في الولاية بالشرط أولى وأحرى، ثم إن المصلحة تقضي إبقاء الوقف في يد واقفه ينظر فيه، سواء اشترط ذلك أو لم يشترطه؛ لأنه أخبر بوقفه وأقوم بعمارته ومصالحه وحفظه من الغريب الذي ليست خبرته وشفقته كخبرة صاحبه وشفقته، ويكفي في صحة الوقف إخراجه عن ملكه (1).
الفرع الثاني: حق الموقوف عليه في تعيين ناظر الوقف
تعيين الموقوف عليه لناظر الوقف متوقف على حقه في الولاية الأصلية على الوقف، فمن منعه من الولاية الأصلية على الوقف لم يعطه الحق في تعيين ناظر على الوقف؛ لأنه لا يملك النظر فلا يملكه لغيره، ومن أعطاه الحق في الولاية الأصلية على الوقف جعل له الحق في تعيين ناظر عليه، ولذلك عللوا في إعطاء الموقوف عليه حق نصب الولي بأن له الولاية الأصلية(2).
فكثير من الحنفية (3)، وكذلك المالكية(4)، والحنابلة(5) جعلوا للموقوف عليه الحق في تعيين ناظر على الوقف.
دليل إعطاء الموقوف عليه حق التعيين:
أن الموقوف عليه له الولاية الأصلية على الوقف، وتصرفه في التعيين على الوقف أشبه بتصرفه في التعيين على مال نفسه (6).
الفرع الثالث: حق الحاكم في تعيين ناظر الوقف.
__________
(1) ... ينظر: إعلام الموقعين 3/372.
(2) ... ينظر هذا التعليل في مطالب أولي النهى 4/331.
(3) ... ينظر: الإسعاف ص(57)، وفتح القدير 6/241، و البحر الرائق 5/251.
(4) ... ينظر: مواهب الجليل 6/37، و البيان والتحصيل 12/256.
(5) ... ينظر: الإنصاف 7/61، و كشاف القناع 4/301، و مطالب أولي النهى 4/331.
(6) ... ينظر: كشاف القناع 4/301.(8/38)
كما اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على حق الحاكم (الناظر العام) في الولاية الأصلية على الأوقاف، فقد اتفقوا على ثبوت حقه في تعيين نظار الأوقاف، خاصة الأوقاف العامة، والأوقاف لا ناظر لها (1).
الدليل:
استدلوا على ثبوت حق الحاكم في تعيين ناظر الوقف بذات الدليل الذي استدلوا به على حق الحاكم في الولاية الأصلية على الوقف، وهو عموم قو الرسول @: ( (السلطان ولي من لا ولي له )) (2).
فإن عموم ولاية الحاكم تقتضي النظر في الأوقاف والتولية عليها، كما أن له النظر في مال اليتيم والتولية عليه (3).
المسألة الثانية: التوكيل في النظر على الوقف
التوكيل في نظارة الوقف هو: إنابة ناظر الوقف من يقوم مقامه في التصرفات التي يملكها(4).
أما حكم التوكيل في نظارة الوقف فقد اتفق أصحاب المذاهب الأربعة ـ الحنفية(5)، والمالكية(6)، والشافعية (7)، والحنابلة(8) ـ على أن للناظر الحق في
أن يوكّل من يقوم مقامه في التصرفات التي يملكها، أو بعضها.
ونقل المرداوي عن بعض الفقهاء الإجماع على صحة الوكالة في الوقف(9).
الأدلة:
__________
(1) ... ينظر: فتح القدير 6/241، والإسعاف ص(57)، و البحر الرائق 5/251-253، والبيان والتحصيل 12/256، ومواهب الجليل 6/37، و مغني المحتاج 2/395، وتحفة المحتاج 6/293، و الإنصاف 7/60، 61، و مطالب أولي النهى 4/331.
(2) ... الحديث سبق تخريجه ص(35).
(3) ... ينظر: مطالب أولي النهى 4/330.
(4) ... ينظر: وقف عشوب ص(80).
(5) ... ينظر: البحر الرائق 5/249، وفتح القدير 6/242، و حاشية ابن عابدين 4/425.
(6) ... ينظر: الفروق للقرافي 3/3، وفتح العلي المالك 2/327-328، والشرح الصغير 2/182.
(7) ... ينظر: المهذب 1/348، تحفة المحتاج 6/291.
(8) ... ينظر: الإنصاف 5/356، و مطالب أولي النهى 4/330.
(9) ... ينظر: الإنصاف 5/356.(8/39)
... ما جاء عن علي بن أبي طالب > أنه قال: ( (لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي @، دعا النبي @ أبابكر > فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبابكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة، فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبوبكر > إلى النبي @ فقال: يا رسول الله نزل فيَّ شيء؟ قال: لا، ولكن جبريل جاءني
فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك )) (1).
وعن أنس(2) بن مالك > قال: بعث النبي@ ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: ((لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ))، فدعا علياً فأعطاه إياه (3).
__________
(1) ... أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في زوائد المسند 1/151، كما أخرجه أبوالشيخ وابن مردويه (ينظر:: الدر المنثور 3/209).
... وقال الهيثمي: "فيه محمد بن جابر السحيمي، وهو ضعيف وقد وثَّق".
... وعلى كل حال: فإن الحديث الذي بعده يقويه.
(2) ... هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي، الأنصاري، النجاري، يكنى بأبي حمزة، خادم رسول الله @، ومن المكثرين من الرواية عنه، دعا له رسول الله @ المال والولد فولد له ثمانون ولداً وابنتان، وكان له بستان يحمل في السنة مرتين، توفي سنة 91هـ، وقيل غير ذلك. ( ينظر: أسد الغابة 1/127، والإصابة 1/71).
(3) ... أخرجه الترمذي في أبواب تفسير القرآن ـ باب من سورة التوبة، وقال: "هذا حديث حسن غريب من حديث أنس" والحكمة من إرسال علي بعد أبي بكر: أن عادة العرب جرت بأن لا ينقض العهد إلا من عقده، أو من هو منه بسبيل من أهل بيته، فأجراهم الرسول @ في ذلك على عادتهم. ( ينظر: تحفة الأحوذي 8/485).(8/40)
قال السيوطي(1): "هذه استنابة من النبي @ في تبليغ ما أُمر بتبليغه، ثم لما أمر أن يستنيب رجلاً من قبيلة مخصوصة رجع إليه، فيُستدلُّ بفعله أولاً على جواز الاستنابة مطلقاً إذا سكت الواقف عن شرط، ويستدل بفعله ثانياً على أنه إذا خصص الواقف تخصيصاً يتبع شرطه" (2).
يضاف إلى ذلك عموم الأدلة الدالة على جواز التوكيل، كقول الله ـ تعالىـ ( } - قرآن كريم ( الله - رضي الله عنهم -(( - - - - ( - - - - - - رضي الله عنهم - مقدمة ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله (( - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - - - - - - - رضي الله عنهم - مقدمة - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - ( صدق الله العظيم ( } تم بحمد الله - - - رضي الله عنهم - - ( - ( - - صلى الله عليه وسلم - - ( [النساء:35]، وتوكيل النبي @ أباهريرة في حفظ زكاة رمضان، ففي الصحيح عن أبي هريرة > قال: ((وكَّلني رسول الله @ بحفظ زكاة رمضان....)) الحديث(3).
والإجماع، حيث انعقد الإجماع على جواز الوكالة (4).
المسألة الثالثة: تفويض الولاية على الوقف.
تفويض الولاية: هي إسناد الناظر ولاية الوقف إلى غيره، وتفريغ نفسه منها بإقامة هذا الرأي الذي أقامه مقامه في كل ما يملك (5).
__________
(1) ... هو عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر الخضري الأصل، الطولوني، المصري،= =الشافعي، جلال الدين، نشأ بالقاهرة يتيماً، وسافر إلى الفيوم ودمياط والمحلة، وأجاز له أكابر علماء عصره، وألّف في مختلف الفنون ومن ذلك: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، والإتقان في علوم القرآن، وتوفي سنة (911هـ).( ينظر: البدر الطالع 1/328).
(2) ... الحاوي للفتاوي 1/162.
(3) ... أخرجه البخاري في كتاب الوكالة ـ باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل 3/6.
(4) ... ينظر: مغني المحتاج 2/217.
(5) ... ينظر: محاضرات في الوقف لمحمد أبوزهرة ص(326).(8/41)
وقال بعضهم: هي تنازل المتولي عن حق التولية، بإسناد النظر إلى غيره، وإقامته مقام نفسه استقلالاً (1).
ويُقال له: الفراغ عن النظر: أي تنازل الناظر عن النظر لغيره، فيكون الثاني هو الناظر على الوقف بدل الأول، ويصبح الأول لا علاقة له بالنظر على الوقف (2).
وتفويض الولاية إما أن يكون ممن له الولاية الأصلية على
الوقف، وإما أن يكون ممن ولايته فرعية، فإن كان ممن له الولاية
الأصلية على الوقف، فقد اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على
جوازها (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحاكم ـ على أي مذهبٍ كان ـ إذا كانت ولايته تتناول النظر في هذا الوقف كان تفويضه سائغاً" (4).
أما إن كان التفويض ممن ولايته فرعية فإن كان اكتسب حق التفويض ممن أعطاه حق الولاية بأن شرطها له فإن هذا التفويض جائز باتفاق أصحاب المذاهب الأربعة أيضاً(5).
أما إذا كان التفويض ممن ولايته فرعية ولم يُؤذن له في التفويض، فإن كان التفويض بمجلس القاضي وأقره القاضي صح، لكنه ليس بتفويض وإنما هو نصب جديد من القاضي بعد عزل الناظر نفسه (6).
وأما إذا لم يكن التفويض بحضرة القاضي ففي صحته خلاف بين الفقهاء، وذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يصح مطلقاً تفويض من له الولاية الفرعية على الوقف غيره إذا لم يشترط له ذلك.
__________
(1) ... أحكام الوقف للكبيسي 2/153.
(2) ... ينظر: أحكام الوقف والمواريث لأحمد بك ص(110).
(3) ... ينظر: الفتاوى الهندية 2/412، والدر المنتقى 1/753، و مواهب الجليل 6/39، ومغني المحتاج 2/294، و مطالب أولي النهى 4/326.
(4) ... مجموع فتاواه 31/74.
(5) ... ينظر: البحر الرائق 2/250-251، و حاشية ابن عابدين 4/425، و البيان والتحصيل 12/256، و مواهب الجليل 6/38، وفتاوى النووي ص(163-164)، ونهاية المحتاج 5/402، و مطالب أولي النهى 4/331، ودقائق أولي النهى 2/505.
(6) ... ينظر: حاشية ابن عابدين 4/426، 442.(8/42)
وهذا هو مقتضى إطلاق المالكية(1)، والشافعية (2)، وبه قال الحنابلة(3).
القول الثاني: أن تفويض من له الولاية الفرعية غيره إذا لم يشترط له لا يصح ما لم يكن في مرض موته فيصح.
وبهذا قال الحنفية (4).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
1- أن الناظر المشروط إنما ينظر بالشرط، فلا يتعدى ما شُرِطَ له، فلا يصح تفويضه؛ لأنه لم يشرط له حق الإيصاء (5).
2- أن تفويض ناظر بالنظر إدخال في الوقف لغير أهله، فلم يملكه صاحب الولاية الفرعية(6).
دليل أصحاب القول الثاني:
... استدلوا بالقياس حيث قاسوا المتولي المفوّض في مرض الموت على الوصي، فقالوا: بما أن للوصي أن يوصي إلى غيره، فكذلك للمتولي إذا كان في مرض موته أن يفوّض إلى غيره(7).
مناقشة الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق، فلا يصح، ولذلك قال بعض الفقهاء: "إن كلامنا الآن في تفويض المتولي بمعنى فراغه عن النظر ونزوله عنه لآخر لا في إيصاء بالنظر حتى يصح القياس على الوصي، وذلك أن الإيصاء جعل الغير وصياً بعد الموت، والتفويض جعل الغير متولياً في الحال فافترقا" (8).
الترجيح:
__________
(1) ... ينظر: البيان والتحصيل 12/256-257، و مواهب الجليل 6/38.
(2) ... ينظر: تحفة المحتاج 6/291، ونهاية المحتاج 5/402، و مغني المحتاج 2/394.
(3) ... ينظر: الإنصاف 7/61، و كشاف القناع 4/305، و مطالب أولي النهى 4/331.
(4) ... ينظر: فتح القدير 6/241، والبحر الرائق 5/250-251، وحاشية ابن عابدين 4/425.
(5) ... ينظر: الإنصاف 7/61، و مطالب أولي النهى 4/331.
(6) ... ينظر: كشاف القناع 4/305.
(7) ... ينظر: فتح القدير 6/241، و حاشية ابن عابدين 4/426.
(8) ... التقريرات على حاشية ابن عابدين 4/426.(8/43)
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بعدم صحة تفويض المتولي ولاية فرعية بغير إذن ممن ولاّه مطلقاً سواء كان ذلك في الصحة أو في مرض الموت، وذلك لقوة ما استدلوا به، ولأنه لو صح تفويض المريض لصح تفويض الصحيح من باب أولى؛ لأن تصرف الصحيح أقوى من تصرف المريض، ولذلك مُنِعَ المريض من كثير من التصرفات حتى في ماله الخاص.
المطلب الثالث: ولاية الوزارات المعنية بشؤون الأوقاف في وقتنا الحاضر على الوقف(1).
نتيجة لتكاثر الأوقاف في الأزمنة المتأخرة، وضعف الذمم عند كثير ممن يتولون النظر عليها أدى إلى تلف بعض الأوقاف، ووقوع الظلم والعدوان عليها من النظار وغيرهم، وكثرة الشكاوي في المحاكم مما حدى ببعض الدول إلى إنشاء وزارة خاصة بالأوقاف، أو أقسام في بعض الوزارات تتولى النظر على الأوقاف، ورعاية شؤونها، والمحافظة على أعيانها، والاستفادة التامة من غلاتها، وصرفها إلى مستحقيها، فحلَّت محل الدواوين التي كان معمولاً بها فيما قبل ذلك في بعض البلدان (2).
وقد حصل في أنظمة بعضها إخلال ببعض الأحكام، ففي مصر ـ على سبيل المثال ـ تم إنشاء وزارة للأوقاف للعناية بشؤون الأوقاف، وقد تدرجت في أمر النظر على الأوقاف، فكان المعمول به قبيل قانون الوقف هو قول أبي يوسف من الحنفية في أن الولاية حق للواقف في حياته سواء شرطها أم لم يشترطها، وبعد وفاته تكون لمن شرطها له باسمه أو وصفه، فإن لم يشترط كانت للوصي، فإن لم يوجد كانت للحاكم، له أن يولي من يراه أهلاً لذلك.
__________
(1) ... تقدم عند تقسيم الولاية في أول المبحث ذكر السبب في إفراد ذلك بمطلب مستقل.
(2) ... ينظر نبذة عن هذه الدواوين وتاريخها في: محاضرات في الوقف لمحمد أبي زهرة ص(335-342).(8/44)
وبعد صدور قانون الوقف جعل ـ أي القانون ـ الحق في تعيين من شرط الواقف له النظر بعد وفاته للمحكمة، فإن لم يوجد ففي الوقف الأهلي جعل التولية للمستحقين دون غيرهم إذا وجد منهم من يصلح، وفي الوقف الخيري جعل للمحكمة أن تعين من شرط له الواقف النظر، فإن لم يوجد وجب عليها أن تُعيّن من يصلح من الذرية والأقارب، فإن لم يوجد من يصلح عيّنت وزارة الأوقاف ما لم يكن غير مسلم ووقف على جهة غير إسلامية فإن النظر يكون لمن تعينه المحكمة.
هذا ما نصت عليه المادة (47)، فجعلت النظارة على الأوقاف الخيرية بعد الواقف على ثلاث مراتب: الأولى: من ثبت له الحق بشرط الواقف، الثانية: من يصلح لها من الذرية والأقارب، الثالثة: وزارة الشؤون الإسلامية، فتم إدخال وزارة الأوقاف في سلسلة النظارة بعد أن لم يكن لها هذا الحق.
وفي مايو عام 1953م صدر القانون رقم (247) بشأن النظر على الأوقاف الخيرية، وتعديل مصارفها على جهات البر، وبيّن أحكام النظر في مادته الثانية والثالثة، ونصها:
"مادة (2) إذا كان الوقف على جهة برٍّ كان النظر عليه بحكم هذا القانون لوزارة الأوقاف ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لمعين بالاسم، فإذا كان الوقف ضئيل القيمة أو الريع، أو كان على جهة برٍّ خاصة كدار الضيافة، أو لفقراء الأسرة جاز لوزارة الأوقاف أن تنزل عن النظر لأحد أفراد أسرة الواقف، ولا ينفذ النزول إلا بتولية الناظر الجديد.
مادة (3) ومع ذلك إذا كان الواقف غير مسلم والمصرف جهة إسلامية كان النظر لمن تعينه المحكمة الشرعية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لمعين بالاسم".(8/45)
وفي 12 نوفمبر سنة 1953م صدر القانون رقم (547) بتعديل المادتين السابقتين، فألغى منهما من شرط له الواقف النظر باسمه، وأصبح النظر على الأوقاف حقاً مقرراً لوزارة الأوقاف بحكم القانون ما لم يشترطه الواقف لنفسه، ولا يخرج عن هذا إلا وقف غير المسلم على جهة برٍّ غير إسلامية فإن النظر يكون للواقف إذا شرطه لنفسه، فإن لم يشترطه لنفسه كان النظر لمن تعينه المحكمة.
ثم جاء القانون رقم (272) سنة 1959م بتنظيم وزارة الأوقاف ولائحة إجراءاتها، فبيّن بالتفصيل الأوقاف التي تديرها الأوقاف وزارة الأوقاف، وتضمنت مادته الأولى تولي الوزارة إدارة ما يلي:
أولاً:الأوقاف الخيرية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، فإن كانت جهة البر جمعية أو هيئة جاز للوزارة أن توكلها في الإدارة، وإذا كان الوقف ضيئل القيمة أو الريع أو كان على جهة بِرٍّ خاصة جاز للوزارة توكيل أحد أفراد أسرة الواقف أو غيرهم إذا اقتضت المصلحة ذلك.
ثانياً: الأوقاف التي لا يعرف مستحقوها ولا جهة الاستحقاق فيها حتى تحدد صفتها.
ثالثاً: الأوقاف الخيرية التي يشترط فيها النظر لوزير الأوقاف إذا كان واقفوها غير مسلمين.
رابعاً: الأوقاف التي انتهت بحكم القانون رقم (180) لسنة 1952م ولازالت في حراسة الوزارة إلى أن يتسلمها أصحابها.
خامساً: الأوقاف التي حول القانون رقم (122) لسنة 1958م الصادر في الإقليم الجنوبي لوزارة الأوقاف وإدارتها.
والمادة الثانية تقرر تشكيل لجنة في الوزارة تسمى (لجنة شؤون الأوقاف) تؤلف من وزير الأوقاف ووكيلها، ومفتي الإقليم الجنوبي، ووكلاء وزارة الخزانة والأشغال والشؤون الاجتماعية والعمل، والزراعة والإصلاح الزراعي، والشؤون البلدية والقروية والصناعة، ومستشار إدارة الفتوى والتشريع المختصة بمجلس الدولة، واثنين من رؤساء المحاكم الابتدائية أو من في درجتهما يعينهما وزير العدل، ومدير عام بلدية القاهرة.(8/46)
وتبين المادة الثالثة اختصاصات تلك اللجنة، وهي:
أولاً: طلبات البدل والاستبدال في الوقف، وتقدير حصة الخيرات، والاستدانة على الوقف، وتأجير أعيانه لمدة تزيد على ثلاث سنوات، وتأجيرها بإيجار اسمي، والبت في هذه الطلبات جميعها دون الرجوع إلى المحكمة.
ثانياً: إنهاء الأحكار.
ثالثاً: تغيير مصارف الأوقاف الخيرية وشروط إدارتها.
رابعاً: الموافقة على عزل ناظر الوقف.
خامساً: المسائل الأخرى التي يرى الوزير عرضها عليها لأخذ رأيها فيها.
وللجنة أن تستعين عند الاقتضاء بمن تشاء من أهل الخبرة.
ومن هذا يتضح أن الأمر فيما بقي من الأوقاف وما يجدُّ منها في المستقبل ـ بعد إلغاء الأوقاف على غير جهات البر ـ قد آل إلى وزارة الأوقاف، ولم يستثن إلا نظارة الواقف وهي في حال حياته، كما آل إلى لجنة شؤون الأوقاف في تصريف غلتها، فلها حق التغيير في المصرف حتى في حال حياة الواقف (1).
هذا ما كان معمولاً به في ذلك الوقت، وظاهر الحال أنه قد حصل تعديل في بعض الأمور مما لم يتيسر الحصول عليه.
(ولاية الوزارة المعنية بشؤون الأوقاف في المملكة العربية السعودية عليها)
أما في بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية) فقد لقيت الأوقاف عناية خاصة في المحافظة عليها، وإدارة شؤونها، ومتابعة القائمين عليها منذ عهد الملك عبدالعزيز ~ حتى وقتنا الحاضر، وتزاد أهمية ذلك بوجود الحرمين الشريفين فيها ولهما أوقاف في كثير من البلدان الإسلامية.
ففي عهد الملك عبدالعزيز ~ قام بإنشاء إدارة للأوقاف الداخلية بمكة المكرمة سنة 1343هـ قبيل ابتدائه حصار جدة، وبعد تسلّمه للمدينة النبوية وجدة أقام في كلٍّ منهما إدارة للأوقاف أيضاً.
__________
(1) ... ينظر ذلك كله في: أحكام الوصايا والأوقاف لمحمد شلبي ص(399-410)، ومحاضرات في الوقف لمحمد أبي زهرة ص(341-345، 378-389).(8/47)
وفي 27/12/1354هـ صدر مرسوم ملكي يقضي بربط إدارات الأوقاف وفروعها بمديرٍ عامٍ مقره في مكة المكرمة، ويرتبط به مدير للأوقاف في المدينة ومدير في جدة، ويتبع المديرية العامة مجلس إدارة للحرم المكي، ويتبع مدير أوقاف المدينة مدير للحرم النبوي، ومأمور في ينبع، ووضع نظام خاص لتوزيع الصدقات تقوم بتنفيذه لجنة مركزية تابعة للإدارة العامة للأوقاف.
وقد تحولت الإدارة بعد وفاة الملك عبدالعزيز ~ إلى وزارة تحمل اسم (وزارة الحج والأوقاف) وصدر مرسوم ملكي يقضي بإنشائها (1).
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ ومن منطلق اهتمامه بشؤون الإسلام والمسلمين صدر في عام 1414هـ مرسوم ملكي كريم يقضي بإنشاء وزارة جديدة تدخل تحت نطاقها إدارة الأوقاف، وهي (وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد )، فأخذت هذه الوزارة الفتية المباركة على عاتقها الاهتمام بشؤون الأوقاف، والبحث عمّا أُسيء استغلاله أو استُغِلَّ في غير ما وقف له وتصحيح شؤونه، واستغلال المتعطل على الوجه المناسب، ولاتزال هذه الجهود متواصلة، أسأل الله أن يثيب القائمين عليها، وأن يعينهم ويسدد خطاهم.
ومع إنشاء تلك الإدارة وهذه الوزارة التي تعنى بشؤون الأوقاف، ومع ما وضع لها من نظام خاص ومجالس للأوقاف إلا أن ذلك لا يعني التدخل فيما شرعه الشارع من أحكامٍ للوقف بنبذ شيء منها أو تعديله، ولا إهمال شروط الواقفين التي اعتبرها الشرع ما لم يكن فيها مخالفة شرعية، وإنما القصد منه متابعة تصرفات الأولياء على الأوقاف، والنظر على الأوقاف الموقوفة على الأمور العامة التي ليس لها ناظر خاص، محافظة عليها من التعدي أو تعطل المنافع، وتطبيقاً لشروط الواقفين لها، وقد نصَّ نظامها على ذلك.
__________
(1) ... ينظر: شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز 3/1057-1058.(8/48)
جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم(1) ~ في إحدى إجاباته على أحد الأسئلة: "ونفيدكم حيث إن ولي الأمر ـ أيّده الله بتوفيقه ـ رأى أن من المصلحة جعل النظارة على الأوقاف العامة لوزارة الحج والأوقاف، وجرى على هذا العمل في غالب الأوقاف في المملكة بعد أن أناط بوزارة الحج والأوقاف مسؤلية تنفيذ شروط الواقفين، وحيث إن طاعة ولي الأمر واجبة في غير معصية الله، وحيث إن الأوقاف المشار إليها أوقاف على غير معين فيتعين عليهم تسليمها بيد وزارة الحج والأوقاف، وعليها أن تقوم بواجبها نحوها، ومتى رأوا تساهلاً من الوزارة في الصرف على جهات هذه الأوقاف فعليهم الرفع عن ذلك لجهته، وبالله التوفيق، والسلام عليكم.
مفتي الديار السعودية
(ص /ف 1237 في 21/6/1389هـ)"(2).
__________
(1) ... هو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مفتي الديار السعودية في وقته، ولد في الرياض عام 1311هـ، وتعلّم فيها، وفَقَدَ بصره وهو صغير ومع ذلك تابع دراسته وحفظ كتاب الله ومتون العلم، ثم تصدّر للإفتاء، فعُيِّن مفتياً عاماً للملكة، كما عُيِّن رئيساً للجامعة الإسلامية، ولتعليم البنات، وللمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي وغيرها، وأملى من تأليفه عدداً من الكتب منها: تحكيم القوانين، والجواب المستقيم، وتوفي عام 1389هـ.
( ينظر: مشاهير علماء نجد ص(169)، وروضة الناظر للقاضي 2/316).
(2) ... فتاوى ورسائل سماحته 9/92.(8/49)
وفي إجابة أخرى له في الموضوع قال: "نفيدكم أنه إذا ثبت أن للوقف المذكور ناظراً خاصاً فلا يسوغ لوزارة الحج والأوقاف المطالبة بالنظر كما نصَّ على ذلك العلماء....، [وساق نقولاً من شرح المنتهى والمقنع وكشاف القناع]، وإذا كان الناظر الخاص متهماً أو مفرِّطاً فيضم إليه أميناً... [وساق عبارة كشاف القناع في ذلك] وبهذا يتبين أن وكيل الأوقاف لا يحق له المطالبة بالإشراف على الأوقاف التي لها ناظر خاص، والسلام.
... رئيس القضاة
(ص /ق 1439/1 في 11/10/1382هـ)"(1).
وله فتاوى أُخرى في هذا الموضوع بمثل ذلك (2).
وخلاصة ما سبق: أن الوزارة المعنية بشأن الأوقاف في المملكة
وهي (وزارة الحج والأوقاف) سابقاً، و(وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) حالياً لها الحق – حسب النظام الموضوع للأوقاف – في الولاية على الأوقاف العامة التي ليس لها ناظر خاص، فهي تقوم مقام القاضي في مباشرة الولاية بدل أن ينشغل بذلك أو يقوم بالإنابة عنه، وهذا ليس فيه مخالفة شرعية كما ذكر سماحة الشيخ، وكما تقدم من كلام الفقهاء في المسائل السابقة.
ولعل من المناسب أن أختم كلامي على هذه المسألة بما قاله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ~ بعد ترشيحه لبعض المندوبين في مجالس الأوقاف سابقاً بطلب من وزير الحج والأوقاف بالنيابة موصياً الجميع بتقوى الله ـ تعالى ـ في أداء مهمتهم، والمحافظة على الأوقاف:
__________
(1) ... فتاوى ورسائل سماحته 9/86-87.
(2) ... تنظر: في فتاوى ورسائل سماحته 9/87-91.(8/50)
"... وعلى الجميع تقوى الله ـ عزوجل ـ، واتخاذ هذه الوظائف ديناً وقربة، واحتساب أجرها وثوابها عندالله، كما يتعين حفظ أموال هذه الأوقاف، ووضعها مواضعها الشرعية، وتنفيذها على نص الواقفين، وجعل دفتر خاص لكل وقف يثبت فيه أصل وقفيته، وشروطه، وما يرد من فعله، وما يصرف منه، وغير ذلك مما هو مقتضيات هذا العمل، وفيه حفظ لحقوق الأحياء والأموات، والله الموفق، والسلام عليكم.
... ... ... ... مفتي الديار السعودية
(ص /ف 3457/1 في 26/11/1380هـ)"(1).
لله در سماحته، ما أعظم هذه الوصية!! التي يحتاج إليها كل من كان في مثل هذه الأعمال إلى قيام الساعة، والتي يجب على من أراد إبراء ذمته أمام الله وأمام خلقه أن يأخذ بها، ويطبقها، والله الموفق.
المبحث الرابع
أخذ الأجرة على الولاية على الوقف
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم أخذ الأجرة على النظر على الوقف.
المطلب الثاني: مقدار أجرة ناظر الوقف.
المطلب الثالث: الجهة التي تُصرف منها أجرة ناظر الوقف.
المطلب الأول: حكم أخذ الأجرة على النظر على الوقف.
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة ـ الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية(4)، والحنابلة(5) ـ على جواز أخذ الأجرة على نظارة الوقف، كما اتفقوا على كون الأجرة حقاً ثابتاً للناظر إذا عيَّنها الواقف.
الأدلة:
استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول:
أولاً: من السنة:
__________
(1) ... فتاوى ورسائل سماحته 9/91-92.
(2) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(345)، و الإسعاف ص(57)، و البحر الرائق 5/264.
(3) ... ينظر: الشرح الصغير للدردير 2/305، وحاشية الدسوقي 4/88.
(4) ... ينظر: روضة الطالبين 5/348.
(5) ... ينظر: الفروع 4/595، 603، و الإنصاف 7/58، و كشاف القناع 4/300.(8/51)
ما رواه أبوهريرة(1) > أن رسول الله @ قال: ( (لا يقتسم ورثتي ديناراً ما تركت ـ بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي ـ فهو صدقة))(2).
فقد بوّب البخاري(3) له بقوله: "باب نفقة القيم للوقف" (4).
وقال ابن حجر(5): "هو دال على مشروعية أجرة العامل على
الوقف" (6).
ثانياً: من آثار الصحابة }:
__________
(1) ... اختُلِف في اسمه، وصحح النووي في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات" أن اسمه عبدالرحمن بن صخر الدوسي، وكُني بأبي هريرة؛ لأنه كان يحمل هرة معه، من المكثرين للرواية وحفظ الحديث، أسلم سنة 7هـ، وولي إمرة المدينة، ثم البحرين، وتوفي سنة 57هـ، وقيل غير ذلك.
( ينظر: الإصابة 7/199، وتهذيب الأسماء واللغات 2/270).
(2) ... أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا ـ باب نفقة القيم للوقف 3/197، وفي كتاب الجهاد والسير ـ باب نفقة نساء النبي @ بعد وفاته 4/45، ومسلم في كتاب الجهاد والسير ـ باب قول النبي @: (( لا نورث ما تركنا فهو صدقة )) 3/1382، الحديث رقم (1760).
(3) ... هو إمام المحدِّثين محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، يكنى بأبي عبدالله، كان رأساً في العلم، والعبادة، قال عنه ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري، رحل في طلبه إلى مختلف الأمصار، وصنّف مصنفات منها: الجامع الصحيح، والتاريخ الكبير، وتوفي سنة 256هـ.
... ( ينظر: تذكرة الحفاظ 2/555، وتهذيب التهذيب 9/47 ).
(4) ... صحيح البخاري 3/197.
(5) ... هو أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، المصري، الشافعي، المشهور بـ"ابن حجر"، إمام= =حافظ، عالم بالرجال، صنّف مصنفات كثيرة ونفيسة منها: فتح الباري شرح صحيح البخاري، وتهذيب التهذيب، وتوفي سنة 852هـ.
... (ينظر: شذرات الذهب 7/27، والبدر الطالع 1/87 ).
(6) ... فتح الباري 5/406.(8/52)
1 – ما رواه عبدالله(1) بن عمر {: أن عمر اشترط في وقفه أن يأكل من وليه ويؤكل صديقه غير متمول مالاً (2).
فقد بوب البخاري له بقوله: "باب نفقة القيم للوقف" (3).
قال الطرابلسي: "ويجوز أن يجعل الواقف للمتولي على وقفه في كل سنة مالاً معلوماً لقيامه بأمره، والأصل في ذلك ما فعله عمر >، حيث قال لوالي هذه الصدقة أن يأكل منها غير متأثل مالاً..." (4).
2 – ما روي عن علي بن أبي طالب > أنه جعل أجرة للعبيد الذين كان وقفهم مع صدقته يقومون بعمارة صدقته (5).
ثالثاً: من المعقول:
... قياس ناظر الوقف على الأجراء في الوقف، فإذا جاز للناظر أن يستأجر الأجراء لما يحتاج إليه من العمارة، جاز له أن يأخذ أجرة على نظارته، فهو في حكمهم (6).
ثبوت حق الناظر في الأجرة إذا أهملها الواقف:
إذا أهمل الواقف أجرة ناظر الوقف ولم يعيّن له شيئاً، ففي ثبوتها للناظر خلاف بين الفقهاء، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ناظر الوقف لا يستحق أجرة على نظارته إذا لم يعينها الواقف إلا بأمر القاضي، ما لم يكن مشهوراً بأخذ الجاري على عمله.
وهذا القول هو قياس المذهب عند الحنابلة (7).
__________
(1) ... هو عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي، العدوي، ابن الخليفة الثاني، أسلم مع أبيه وهو صغير، وردّه النبي @ يوم بدر لصغره، واختُلِف في شهوده أحداً، وشهد خندق وما بعدها، وكان شديد الاحتياط والتوقي لدينه في الفتوى، ولم يشهد شيئاً مما وقع بين الصحابة، توفي سنة 73هـ، وقيل غير ذلك. ( أسد الغابة 3/227، والإصابة 4/107).
(2) ... أخرجه البخاري في كتاب الوصايا ـ باب نفقة القيم للوقف 3/197.
(3) ... صحيح البخاري 3/197.
(4) ... الإسعاف ص(57).
(5) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(345)، و الإسعاف ص(57)، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب الآثار.
(6) ... المصدران السابقان.
(7) ... ينظر: الفروع 4/595، و الإنصاف 7/64، و كشاف القناع 4/300.(8/53)
... قال شمس الدين ابن مفلح(1): "... إن لم يسمّ له شيئاً فقياس المذهب: إن كان مشهوراً بأخذ الجتاري على عمله فله جاري مثله، وإلا فلا شيء له"(2).
القول الثاني: ... أن ناظر الوقف لا يستحق أجرة على نظارته إذا لم يعينها الواقف إلا بأمر القاضي.
... وهذا هو أحد القولين عند الحنفية (3)، وبه قال الشافعية (4)، وبعض الحنابلة (5).
القول الثالث:أن ناظر الوقف يستحق أجرة نظارته مطلقاً.
وهذا هو أحد القولين عند الحنفية (6)، وبه قال بعض
الشافعية (7).
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
أن عمل الناظر في وقف يعلم أنه لم يشرط له فيه شيئاً دون طلبه أجرة على عمله دليل على أنه متبرع بعمله فلا شيء له(8)، فإن كان مشهوراً بأخذ الجاري على عمله فكأنه شرط الأجرة على عمله؛ لأن المعهود كالمشروط(9).
دليل أصحاب القول الثاني:
أن الناظر حين عمل في نظارة الوقف مع علمه أنه لم يشترط له أجراً ولم يطلب الأجر دلَّ على أنه متبرع بعمله، فلا شيء له (10).
__________
(1) ... هو محمد بن مفلح بن محمد الراميني، المقدسي، الحنبلي، شمس الدين أبوعبدالله، تتلمذ= =على شيخ الإسلام ابن تيمية حتى صار من أفقه أصحابه، وبرع في النحو والأصول أيضاً، وصنف مصنفات نفيسة منها: الفروع، والنكت على المحرر، وتوفي سنة 763هـ.
... ( ينظر: الجوهر المنضد ص(112)، والمقصد الأرشد 2/517 ).
(2) ... الفروع 4/595.
(3) ... ينظر: البحر الرائق 5/264، وغمز عيون البصائر 3/153.
(4) ... ينظر: تحفة المحتاج 6/290، و مغني المحتاج 2/394، تيسير الوقوف (ق 48 ب).
(5) ... ينظر: الإنصاف 5/340، و كشاف القناع 4/298، 300، و مطالب أولي النهى 4/322، إلا أنهم قالوا: له أن يأكل بالمعروف.
(6) ... ينظر: البحر الرائق 5/264، وغمز عيون البصائر 3/153.
(7) ... ينظر: تحفة المحتاج 6/290.
(8) ... ينظر: كشاف القناع 4/300.
(9) ... ينظر: البحر الرائق 5/264.
(10) ... ينظر: كشاف القناع 4/300.(8/54)
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن هذا لا يرد إذا كان الناظر معروفاً بأخذ الأجرة على
عمله؛ لأن المعروف كالمشروط.
دليل أصحاب القول الثالث:
أن الناظر لا يقبل القوامة ظاهراً إلا بأجر، و"المعهود كالمشروط" (1).
مناقشة الدليل: نوقش بأن هذا الدليل الذي استدلوا به يقيد قولهم ويجعلهم يوافقون القول الأول في عدم استحقاق الناظر أجراً ما لم يعينه الواقف أو يقرره الحاكم، ما لم يكن معهوداً ومتعارفاً عليه أنه لا يعمل إلا بأجرة (2).
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بعدم استحقاق الناظر أجراً إذا لم يشترطه الواقف أو يقرره الحاكم ما لم يكن أخْذُه الأجرة أمراً معهوداً، فقد يوجد من أقارب الواقف من هو أفضل منه في نظارة الوقف ويرغب في النظارة تبرعاً، وليس في القول الثاني ما يُعارض القول الأول، فليس فيه ما يدل على عدم استحقاق الناظر شيئاً إذا كان الاستحقاق معهوداً ومعروفاً؛ لأن العادة إذا اطّردت في شيء أثبتت له حكماً جديداً، عملاً بالقاعدة المتفق عليها: "العادة محكمة"(3).
ولقد عمل بعض الفقهاء على إرجاع القول الثالث إلى القولين الأوليين، فحملوا قول من قال باستحقاق الأجر على اعتبارات أخرى، وممن فعل ذلك ابن عابدين الحنفي حيث قال: "إن نصبه القاضي ولم يعيّن له شيئاً ينظر: إن كان المعهود أن يعمل بأجرة المثل فله أجرة المثل؛ لأن المعهود كالمشروط، وإلا فلا شيء له، فاغتنم هذا التحرير، فإنه يجب المصير إليه"(4).
المطلب الثاني: مقدار أجرة ناظر الوقف
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: مقدار أجرة ناظر الوقف إذا اشترطها الواقف في وقفه
__________
(1) ... ينظر: البحر الرائق 5/264.
(2) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/644.
(3) ... تنظر في: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص(93)، والأشباه والنظائر للسيوطي ص(99).
(4) ... منحة الخالق على البحر الرائق 5/264.(8/55)
المسألة الثانية: مقدار أجرة ناظر الوقف إذا أهملها الواقف.
المسألة الأولى: مقدار أجرة ناظر الوقف إذا اشترطها الواقف في وقفه.
أجرة ناظر الوقف إذا كانت مشروطة من قِبَل الواقف فلا تخلو من أن تكون بقدر أجرة المثل، أو أكثر، أو أقل من أجرة المثل، وتحت ذلك فرعان:
الفرع الأول:
إن قدَّرَ الواقف أجرة ناظر وقفه بما يساوي أجرة المثل أو أزيد من ذلك فلا خلاف بين أصحاب المذاهب الأربعة في جواز ذلك (1)، وبالتالي فإن الأجر المقدر حق للناظر عند الجميع؛ لأنه مشروط الواقف، إلا أن الشافعية
اشترطوا في ذلك أن لا يكون الواقف هو الناظر(2).
وقال بعض الحنابلة: إن كان الأجر أكثر من المثل فعلى الناظر كلفته حتى يبقى له أجرة المثل ما لم يشترطه له الواقف خالصاً(3).
الأدلة على هذا الحكم:
1- أن مقدار الأجرة مشروط الواقف، وشرط الواقف يجب الوفاء به ما لم يخالف حكم الشرع(4).
__________
(1) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(346)، وحاشية ابن عابدين 4/436، ومواهب الجليل 6/33، والشرح الصغير 2/305، وتحفة المحتاج 6/190، ومغني المحتاج 2/294، والفروع 4/603، وكشاف القناع 4/300، والإنصاف 7/58.
(2) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(346)، وحاشية ابن عابدين 4/436، ومواهب الجليل 6/33، والشرح الصغير 2/305، وتحفة المحتاج 6/190، ومغني المحتاج 2/294، والفروع 4/603، وكشاف القناع 4/300، والإنصاف 7/58..
(3) ... تنظر مراجعهم في الهامش السابق.
(4) ... ينظر في الكلام على العمل بشرط الواقف ما لم يخالف التصرف في الوقف الشرع: البحر الرائق 5/265، و حاشية ابن عابدين 4/433، و مواهب الجليل 6/33، والشرح الكبير للدردير 4/88، ونهاية المحتاج 5/376، وتحفة المحتاج 6/256، والإنصاف 7/56، والمبدع 5/333، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/48، وإعلام الموقعين 3/96.(8/56)
2- أنه لما جاز أن يقدر له مالاً معلوماً يأخذه في كل سنة، أو في كل شهر من غلة وقفه من غير أن يشترط عليه القيام بأمر الوقف جاز له أن يقدر له ذلك مع تكليفه بالقيام بأمر الوقف من باب أولى(1).
الفرع الثاني:
أما إذا قدّر الواقف أجرة ناظر وقفه بأقل من أجرة المثل فهذا الأجر حق له، ولا يستحق الزيادة عليها بلا طلب.
قال البهوتي: "ولا يستحق الزيادة على الجعل وإن كان عمله يساوي أكثر مما جعل له؛ لأن الجاعل لم يلتزمها" (2).
وأما إذا طلب زيادة أجرة ليصل إلى أجر المثل فللقاضي أن يرفع أجرته بعد طلبه إلى أجرة المثل.
قال ابن عابدين: "لو عيَّن له الواقف أقل من أجر المثل فللقاضي أن يكمل له أجر المثل بطلبه" (3).
المسألة الثانية: مقدار أجرة ناظر الوقف إذا لم يعينها الواقف.
إذا أهمل الواقف حق الناظر مقابل نظارته ولم يعيّن له أجراً معيناً فقد اختلف الفقهاء في مقدار الأجر الذي يحدد للناظر مقابل نظارته على الوقف على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن للناظر أجرة المثل.
وبهذا قال الجمهور، حيث قال به أكثر الحنفية (4)، وبه قال
المالكية (5)، وبعض الشافعية (6)، وبه قال الحنابلة (7).
__________
(1) ... ينظر: أوقاف الخصاف ص(346)، و الإسعاف ص(58).
(2) ... كشاف القناع 4/300.
(3) ... حاشية ابن عابدين 4/451.
(4) ... ينظر: الإسعاف ص(59)، و البحر الرائق 5/264، و حاشية ابن عابدين 4/436.
(5) ... ينظر: مواهب الجليل 6/40، وبلغة السالك 2/305.
(6) ... ينظر: نهاية المحتاج 5/401، وحاشية الشرواني على التحفة 6/290، وأسنى المطالب 2/472.
(7) ... ينظر: الفروع 4/595، و الإنصاف 7/64، و كشاف القناع 4/300.(8/57)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الناظر فعليه أن يعمل ما يقدر عليه من العمل، ويأخذ لذلك العمل ما يقابله، فإن كان الواجب عشرة أجزاء من العوض المستحق أخذه، وإن كان يستحق الجميع على ما يعمله أخذ الجميع"(1).
القول الثاني: ... أن للناظر الأقل من أجرة المثل، أو نفقته بالمعروف.
... وهذا أحد القولين عند الشافعية (2).
القول الثالث:أن للناظر عشر الغلة إذا لم يحدد له الواقف أجراً معيناً.
وبهذا قال الحنفية (3).
وهذا على اعتبار أن عشر الغلة هو أجرة المثل حيث جاء في حاشية رد المحتار: "وعبَّر بعضهم بالعشر، والصواب أن المراد بالعشر أجر المثل، حتى لو زاد على أجرة مثله ردَّ الزائد كما هو مقرر معلوم" (4).
وقد ردَّ هذا القول ابن نجيم(5) بقوله: "قد تمسَّك بعض من لا خبرة له بقول قاضيخان ـ وجعله له عشر الغلة في الوقف ـ على أن للقاضي أن يجعل للمتولي عشر الغلات مع قطع النظر عن أجرة المثل" (6).
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
أن أجرة المثل هي المعهودة والمتعارف عليها، فيجب المصير إليها وكأن الواقف شرطها في وقفه؛ لأن "المعهود كالمشروط" (7).
دليل أصحاب القول الثاني:
__________
(1) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/261.
(2) ... ينظر: أسنى المطالب 2/472، ونهاية المحتاج 5/401، وتحفة المحتاج 6/290.
(3) ... ينظر: البحر الرائق 5/264، والفتاوى الخيرية 1/170، و حاشية ابن عابدين 4/436.
(4) ... حاشية رد المحتار 4/436.
(5) ... هو زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المشهور بـ" ابن نجيم "، من كبار فقهاء الحنفية المتأخرين، ولد ونشأ في القاهرة، وصنف في الفقه وأصوله، ومن مصنفاته: البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، والأشباه والنظائر، توفي سنة 970هـ.
( ينظر: التعليقات السنية على الفوائد البهية ص(55)، وشذرات الذهب 8/358).
(6) ... البحر الرائق 5/264.
(7) ... ينظر: البحر الرائق 5/264.(8/58)
أن إعطاء الناظر الأقل من أجرة المثل أو نفقته بالمعروف أحوط للوقف، فيجب الأخذ به مراعاة لجانب الوقف (1).
مناقشة الدليل:
نوقش بأن مراعاة جانب الوقف إنما يجب اعتبارها إذا لم يكن ذلك على حساب الآخرين، إذ أنه كما يجب دفع الضرر عن الوقف فيجب دفعه عن غيره أيضاً لعموم قول النبي @: ( (لا ضرر ولا ضرار ))(2)(3).
كما أن هذا الحكم الذي استنتجه العراقي(4)
__________
(1) ... ينظر: تحفة المحتاج 6/290.
(2) ... هذا الحديث ورد من عدة طرق: فورد من طريق عبادة بن الصامت >، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام ـ باب من بنى في حقه ما يضر بجاره 2/784، الحديث رقم (2340)، وعبدالله بن الإمام أحمد في زوائد المسند 5/327.
... ومن طريق ابن عباس {، وأخرجه ابن ماجه في الكتاب والباب السابقين
2/784، الحديث رقم (2341)، والإمام أحمد في مسنده 1/313.
... ومن طريق أبي سعيد الخدري >، وأخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب البيوع 2/58، وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في تلخيصه بهامشه، والبيهقي في كتاب الصلح ـ باب لا ضرر ولا ضرار 6/69، والإمام مالك في الموطأ في كتاب الأقضية ـ باب القضاء في المرفق 2/745 مرسلاً.
... وقال عنه الألباني ~ في إرواء الغليل 3/408: "صحيح".
(3) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/651.
(4) ... هو أحمد بن عبدالرحيم بن الحسين العراقي، ابن الحافظ المشهور زين الدين العراقي، ولي الدين، أبوزرعة، من كبار أئمة الشافعية، ومن الحفاظ المشهورين، لازم سراج الدين البلقيني وحفظ وكتب عنه الكثير، وصنف مصنفات منها: تحرير الفتاوى، والتحرير لما في منهاج الأصول من المعقول والمنقول، توفي سنة 826هـ.
... ( ينظر: الضوء اللامع 1/336).(8/59)
عن بعض أئمة الشافعية أشار هو إلى تضعيفه وردّه، حيث قال: "قد يقال: التشبيه بالولي إنما وقع في حكم الرفع إلى الحاكم، لا مطلقاً، فلا يقتضي ما قاله، وكأن مرادهم أن يأخذ بتقرير الحاكم، على أن الظاهر هنا أنه يستحق أن يقرر له أجرة المثل وإن كان أكثر من النفقة، وإنما اعتبرت النفقة ثم لوجوبها على فرعه سواء أكان ولياً على ماله أم لا، بخلاف الناظر"(1).
ولم أطلع على دليلٍ لأصحاب القول الثالث، وهو مردود كما تقدم.
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول، هو قول الجمهور القائل بأن للناظر أجرة المثل إذا لم تكن معينة من قِبل الواقف؛ لقوة ما استدلوا به، وأما الأقوال الأخرى فإنها استنتاجات من أقوال الفقهاء في غير محلها، ولذلك ردّها كثير منهم.
ومما يرجح هذا القول أن عشر غلة الوقف ليس مقياساً دقيقاً لأتعاب الناظر، فبعض الأوقاف قليلة الغلة والنظارة عليها شاقة، في حين أن بعض الأوقاف غلاتها كثيرة قد تصل إلى الملايين والنظارة عليها لا مشقة فيها، وهذا أمر واقع ومشاهد الآن، فهناك عمائر موقوفة جديدة البناء لا تحتاج إلى صيانة، وهي تؤجر بمئات آلاف الريالات، في حين أن هناك بيوتاً موقوفة وبناؤها قديم تحتاج إلى رعاية وملاحظة دائمة، وأجارها قليل جداً لا يرضي الناظر أن ينظر عليها بالعشر.
ومن خلال ذلك يتضح جلياً السبب في ترجيح القول الأول، هو إعطاء الناظر أجرة المثل حتى لا تصل إلى مئات الآلاف في مقابل نظارته على وقف قد لا يحتاج إلا إلى وقتٍ يسير جداً من الناظر.
كما أن العمل بهذا القول يدع للناظر الحق بالرفع إلى القاضي إذا كانت أجرة المثل المفروضة في زمن سابق تقل الآن عن أجرة المثل حتى يرفعها إلى أجرة المثل، كما أنه متى ما أصبحت الأجرة المفروضة تزيد عن أجرة المثل تعين رد الزائد.
__________
(1) ... ينظر: أسنى المطالب 2/472، ونهاية المحتاج 5/401.(8/60)
وبهذا أفتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ~(1).
المطلب الثالث: الجهة التي تُصرف منها أجرة ناظر الوقف.
صرف أجرة ناظر الوقف من غلة الوقف مطلقاً، سواء نصَّ الواقف على الصرف منها أم أطلق، وهذا عند عامة أصحاب المذاهب الأربعة (2)، وظاهر كلامهم الاستدلال بمجمل ما تقدم في المطالب السابقة، ومنها فعل عمر، وعلي {.
وقد ذهب بعض المالكية إلى أن الجهة التي تصرف منها أجرة ناظر الوقف هي بيت المال، فإن لم يعطَ من بيت المال شيئاً فلا شيء له وأجره على الله، ولا يجوز الصرف من الغلة، فإن أخذها منها رُدَّت منه (3).
إلا أن بعضهم ـ أي بعض من قال بصرفها من بيت المال من المالكية ـ أجازها من الغلة إذا جهل أصل تحبيسها، ولا يعلم الموقوف عليه (4).
دليل هذا القول ـ أي قول بعض المالكية ـ:
استُدلَّ له بأن إدارة الأوقاف من أعمال الدولة، ومن الأمور التي يجب أن يقوم بها المحتسب الأكبر وهو الحاكم، وذلك لأنها في أكثر الأحيان مآلها إلى البر والصدقات والخيرات، فمن يقوم بشؤونها يكون كعمال الدولة، يأخذ أجرته من بيت مالها، لا من الأوقاف (5).
مناقشة هذا الدليل:
نوقش بأن المصالح الخاصة زادت في الأوقاف على المصالح العامة، فلا تكون الأجرة من عموم بيت المال، بل من خاصته بالوقف (6).
__________
(1) ... فتاوى ورسائل سماحته 9/93.
(2) ... ينظر: الإسعاف ص(58)، و حاشية الدسوقي 4/88، و روضة الطالبين 5/360، وحاشية المقنع 2/323.
(3) ... ينظر: مواهب الجليل 6/40، وحاشية الدسوقي 4/88، وبلغة السالك 2/305.
(4) ... ينظر: العقد المنظم بهامش تبصرة الحكام 2/209.
(5) ... ينظر: محاضرات في الوقف لمحمد أبي زهرة ص(348).
(6) ... المرجع السابق.(8/61)
ولا يخفى ضعف هذا القول ـ قول بعض المالكية ـ، فإنه يؤدي إلى ترك الأوقاف بلا نظار مما يؤدي إلى ضياعها، وذلك أن الناظر إذا علم أنه لا يُعطى على نظارته شيئاً من الغلة، وأن حقه في بيت المال، وقد لا يُعطى شيئاً فقد يترك النظارة، أو يهمل الوقف فلا يعطيه حقه في النظارة، وبالتالي يؤدي إلى ضياع الأوقاف وخرابها، والله أعلم.
ومع ذلك فقد يكون لقول بعض المالكية وجه في الأوقاف التي تمخضت للخير، ولا تصرف إلا في وجوه البر أو المصالح العامة كالملاجئ والمصحات ونحوها، فإن إدارة مثل هذا النوع من الأوقاف يصح أن تتحمل نفقاته الدولة؛ لأنها تؤدي بعض شؤونها، وتقوم ببعض واجباتها، وتحمل جزءاً من أعبائها، وتعاونها فيما تهدف إليه من إقامة مجتمع صالح(1).
المبحث الخامس
محاسبة الوالي على الوقف
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف المحاسبة، وبيان مشروعيتها.
المطلب الثاني: الأصل في مشروعية محاسبة ناظر الوقف
المطلب الثالث: الفائدة من محاسبة ناظر الوقف.
المطلب الرابع: أقوال الفقهاء في محاسبة ناظر الوقف.
المطلب الأول: تعريف المحاسبة، وبيان مشروعيتها.
تعريف المحاسبة:
المحاسبة: من الحَسْب: وهو العدّ والإحصاء، والحَسْب والمحاسبة عدّك الشيء.
والحَسب يطلق على قدر الشيء، يقال: الأجر بحسب ما عملت، وحسبه: أي قدره.
ويطلق على الاكتفاء، ومنه قوله ـ تعالى ـ:( - { - - - - صلى الله عليه وسلم - - ((- رضي الله عنه - - - (( - } - - - - - درهم ( - ( - - رضي الله عنهم - مقدمة ( - - - ( صدق الله العظيم - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم -(- رضي الله عنه - - } - - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - ((( - ( تم بحمد الله ( - ( - ( - - - (((( ( [الأنفال: 64]، أي: يكفيك الله، ويكفي من اتبعك.
__________
(1) ... المرجع السابق.(8/62)
وإنما سُمِّيَ الحَسَّاب في المعاملات حَسَّاباً؛ لأنه يعلم به ما فيه
كفاية، ليس فيه زيادة على المقدار، ولا نقصان(1).
والمحاسبة هنا: متابعة العامل ومناقشته ومساءلته عما أُسند إليه.
جاء في المعجم الوسيط: "حاسبه محاسبة وحساباً: ناقشه الحساب وجازاه"(2).
مشروعية محاسبة ناظر الوقف:
ناظر الوقف أمين على ما تحت يده من الأوقاف وغلاتها، لا يضمن ما تلف بلا تفريط(3)، والأصل صدقه فيما يقول، لكن ذلك لا يمنع محاسبته ومتابعته، فإن أئمة سلف هذه الأمة لم يطلقوا الأمر للأمناء، بل تابعوهم وحاسبوهم، فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب > كان يحاسب عماله ويراقبهم.
قال أبوحامد الغزالي(4): "لقد كان عمر يراقب الولاة بعين كالئة ساهرة"(5).
ومن أمثلة محاسبته > لولاته ما روي عنه أنه استعمل أباهريرة > على البحرين، فقدِمَ بعشرة آلاف، فقال له عمر: "استأثرتَ بهذه الأموال يا عدوّ الله وعدوّ كتابه!" قال أبوهريرة: "لستُ عدوّ الله ولا عدوّ كتابه، ولكني عدوّ من عاداهما"، قال: "فمن أين هي لك؟"، قال: "خيل لي تناتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت عليّ"، فنظروه فوجدوه كما قال(6).
__________
(1) ... ينظر: لسان العرب، والمصباح مادة "حسب".
(2) ... المعجم الوسيط، مادة "حسب" 1/171.
(3) ... ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص(73 - 75)، ومغني المحتاج 2/396، وأسنى المطالب 2/476، والإرشاد إلى معرفة الأحكام ص(141).
(4) ... هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، المعروف بـ"أبي حامد الغزالي"، حجة الإسلام، ولد بخراسان سنة 450هـ، ورحل إلى الأمصار لطلب العلم، ثم جلس=
= للتدريس بنظامية بغداد، وكان متصوفاً، برز في علم الكلام والفقه والأصول، له مصنفات منها: المستصفى في أصول الفقه، والوجيز في الفقه، توفي سنة 505هـ.
... ( ينظر: طبقات الشافعية الكبرى 4/101، والنجوم الزاهرة 5/203 ).
(5) ... شفاء العليل 1/244.
(6) ... مصنف عبدالرزاق 11/323.(8/63)
وعمر بن الخطاب > بمحاسبته هذه للأمناء من سلف هذه الأمة يطبق تعاليم الإسلام في وجوب محاسبة كل من تولى أمراً من أمور المسلمين، وانطلاقاً من ذلك فقد تضافرت نصوص الفقهاء على مشروعية محاسبة نظار الأوقاف في الجملة.
... قال ابن نجيم نقلاً عن القنية: "ينبغي للقاضي أن يحاسب أمناءه فيما في أيديهم من أموال اليتامى؛ ليعرف الخائن فيستبدله، وكذا القوّام على الأوقاف"(1).
وقال ابن رشد في ناظر وقف على نساء: "لو كن غير مالكات لأمور أنفسهن لوجب إذا ثبت عند السلطان أنه سيء النظر غير مأمون أن يعزله، ويُقَدِّمَ سواه، ولم يلتفت إلى رضا من رضي به منهن" (2).
وقال شمس الدين ابن مفلح: "ولهم انتساخ كتاب الوقف والسؤال عن حاله" (3).
المطلب الثاني: الأصل في مشروعية محاسبة ناظر الوقف.
الأصل في مشروعية محاسبة ناظر الوقف ما رواه أبوحميد الساعدي(4) أن النبي @ استعمل ابن اللتبيّة(5)
__________
(1) ... البحر الرائق 5/262.
(2) ... البيان والتحصيل 12/223.
(3) ... الفروع 4/599.
(4) ... اختُلِفَ في اسمه، فقيل: عبدالرحمن بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد، وقيل غير ذلك، شهد أُحداً وما بعدها من المشاهد، وروى عن النبي @ عدة أحاديث، وروى عن جابر، وعباس ابن سهل وغيرهما، وتوفي في آخر خلافة معاوية، وقيل: في أول خلافة يزيد
... ( ينظر: أسد الغابة 5/174، والإصابة 7/46 ).
(5) ... اللتبية – بضم اللام وإسكان التاء – نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة، واسم ابن اللبتية هذا: عبدالله
... ( ينظر: شرح النووي على مسلم 12/219 ).(8/64)
على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله @ وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت لي، فقال رسول الله@: ( (فهلاَّ جلستَ في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنتَ صادقاً ))، ثم قام رسول الله @ فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ( (أما بعد، فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذه هدية أُهديت لي، فهلاّ جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، فوالله لا يأخذ أحدكم منها شيئاً بغير حقه إلا جاء الله يحمله يوم القيامة، ألا فلاعرفنَّ ما جاء اللهَ رجلٌ ببعير له رغاء(1)، أو بقرة لها خوار(2)، أو شاة تَيْعَر ))(3)ـ ثم رفع يديه حتى رأيتُ بياض أبطيه ـ ((ألا هل بلّغتُ؟ )) (4).
... وقال النووي: "فيه محاسبة العمال؛ ليعلم ما قبضوه وما
صرفوا" (5).
وقال ابن حجر: "في الحديث مشروعية محاسبة المؤتمن" (6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين" (7).
وقال محمد بن عبدالعزيز بنعبدالله بعد استدلاله بهذا الحديث على
__________
(1) ... قال ابن الأثير: "الرُّغاء صوت الإبل، يقال: رغا يرغو رُغَاء".
... ( النهاية، مادة "رغا" 2/240).
(2) ... قال ابن الأثير: "الخُوار صوت البقر".
... ( النهاية، مادة "خور" 2/87 ).
(3) ... قال ابن الأثير: "يَعَرَت العنز تَيْعَر ـ بالكسر ـ يُعَاراً ـ بالضم ـ: أي صاحت".
... ( النهاية، مادة "يعر" 5/297 ).
(4) ... أخرجه البخاري في كتاب الأحكام ـ باب محاسبة الإمام عماله 8/121، ومسلم في كتاب الإمارة ـ باب تحريم هدايا العمال، الحديث رقم (1832)، وأبوداود في كتاب الخراج والإمارة ـ باب في هدايا العمال، الحديث رقم (2946)، وأحمد 5/423.
(5) ... شرح النووي على مسلم 12/220.
(6) ... فتح الباري 13/167.
(7) ... مجموع فتاواه 31/86.(8/65)
ذلك: "وكان الخلفاء بعده # على طريقته في ذلك" (1).
وقال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون العامل المذكور صرف شيئاً من الزكاة في مصارفه فحوسب على الحاصل والمصروف (2).
وحاصل ما تقدم أن محاسبة الأمناء والعمال أمر مقرر شرعاً، ولا شك أن الناظر من جملة الأمناء، فينبغي محاسبته مطلقاً (3).
وقد أشار ابن حجر إلى أن محاسبة الأمناء إنما تكون عند التهمة،
حيث قال في هذا الحديث: "الذي يظهر من مجموع الطرق أن سبب
مطالبته بالمحاسبة ما وجد معه من جنس مال الصدقة وادعى أنه أُهدِيَ إليه"(4).
المطلب الثالث: الفائدة من مشروعية محاسبة ناظر الوقف.
إن فائدة محاسبة النظار ظاهرة وهي المحافظة على عين الوقف، والاطمئنان على وصول ريعها ومنفعتها إلى المستحق، وقطع دابر ظلم الولاة عليها، فبالمحاسبة يتمكن القاضي من معرفة الخائن من الأمين، فيستبدل الخائن بغيره، وهذا بلا شك يقطع الطريق على من تسول له نفسه اللعب بأوقاف المسلمين، بل قد يدفع حتى الناظر الأمين إلى مضاعفة الجهد، وتحري العدل، والبُعد عن مواطن الظلم.
ولم تشرع المحاسبة ليأخذ القضاة وأتباعهم من نظار الأوقاف شيئاً بحجة المحاسبة على الأوقاف، ولذلك قال ابن نجيم: "إن مشروعية المحاسبات للنظار إنما هي ليعرف القاضي الخائن من الأمين، لا لأخد شيء من النظار للقاضي وأتباعه، والواقع ـ بالقاهرة في زماننا ـ الثاني، وقد شاهدنا فيها من الفساد للأوقاف كثيراً بحيث يقدم كلفة المحاسبة على العمارة والمستحقين، وكل ذلك من علامات الساعة المصدقة لقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ( (إذا وُسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ))(5)
__________
(1) ... الوقف في الفكر الإسلامي 1/307.
(2) ... ينظر: فتح الباري 3/366.
(3) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/663.
(4) ... فتح الباري 3/366.
(5) ... جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب العلم – باب من سُئِلَ علماً وهو مشتغل في
حديثه 1/21.(8/66)
"(1).
ولحيدة بعض القضاة عن القصد الشرعي للمحاسبة وتسلطهم على بعض الولاة فقد أحدث ذلك رد فعل عند بعض الفقهاء، فأعطى النُّظَّار الحق بالامتناع عن التفصيل، من ذلك قول الحصكفي(2): "إن الشريك والمضارب والوصي والمتولي لا يلزم بالتفصيل، وأن غرض قضاتنا ليس إلا الوصول لسحت المحصول" (3).
وهذا الموقف من بعض العلماء إن سدّ الباب على ضعاف النفوس من القضاة فقد أعطى ضعاف النفوس من النظار دافعاً قوياً على ظلم المستحقين بمنعهم ما يستحقونه من منافع وقفهم، كما أن فيه طمأنة للنظار الذين قضوا على الأوقاف بسبب عدم مبالاتهم بها وإهمالهم لها.
فالمقصود من ذلك أن محاسبة نظار الأوقاف هي الطريق السليم للمحافظة على أعيان الأوقاف وصيانتها من الدمار، كما أنها الوسيلة الناجحة لحماية حقوق المستحقين لمنافع الأوقاف من ظلم نظارها، والله الموفق.
المطلب الرابع: أقوال الفقهاء في محاسبة ناظر الوقف.
اختلفت وجهات نظر الفقهاء حين رأوا مبدأ محاسبة ناظر الوقف في كيفية المحاسبة، ومدى قبول قول الناظر في مقدار غلال الأوقاف وتوزيعها، وذلك تبعاً لما عايشوه في أزمنتهم، فكلما ضعفت الأمانة في زمنٍ شدّد الفقهاء في تقرير المحاسبة، ولذلك اختلفت نصوصهم في ذلك:
__________
(1) ... البحر الرائق 5/263.
(2) ... هو محمد بن علي بن محمد الحصكفي، علاء الدين، مفتي الحنفية في دمشق، كان فاضلاً عالي الهمة، عاكفاً على التدريس والإفادة، له مؤلفات منها: الدر المختار، وإفاضة الأنوار على أصول المنار، توفي سنة 1088هـ.
... ( ينظر: الأعلام 6/294، ومعجم المؤلفين 11/56 ).
(3) ... الدر المختار مع ابن عابدين 4/448، وينظر أيضاً: الوقف في الفكر الإسلامي 1/326، وقد ذكر أن هذا قول جمهور الفقهاء.(8/67)
فالحنفية قد فرّقوا بين الأمين وغير الأمين، فجعلوا محاسبة الأمين أخفّ من محاسبة غير الأمين، فاكتفوا في محاسبة الأمين بالإجمال، وأما المتهم فيلزم بالتفصيل(1).
ولذلك قال الحصكفي الحنفي: "لا تلزم المحاسبة في كل عام، ويكتفي القاضي منه بالإجمال لو معروفاً بالأمانة، ولو متهماً يجبره على التعيين شيئاً فشيئاً، ولا يحسبه بل يهدده"(2).
أما قبول قوله فيما قدَّمه وفصّله فقالوا: يقبل قوله بلا بيّنة، أما توجه اليمين عليه فإن كان أميناً قُبل قوله بلا يمين إن وافق الظاهر، وإلا لم يقبل
إلا باليمين، ورأى كثير منهم تحليفه (3).
قال ابن عابدين: "لو اتهمه يحلفه ـ أي وإن كان أميناً ـ كالمودَع يدعي هلاك الوديعة أو ردّها، قيل: إنما يستحلف إذا ادعى عليه شيئاً معلوماً، وقيل: يُحلَّف على كل حال"(4).
ثم إن قبول قول الناظر محمول عند كثير من الحنفية على دعواه الصرف على غير أرباب الوظائف المشروط لهم العمل، إذ هي كالأجرة (5).
وأما المالكية فقد فرقوا أيضاً في محاسبة الناظر بين الأمين وغير الأمين، فألزموه باليمين إذا كان متهماً كشرطٍ لقبول قوله، فإن كان أميناً قُبِلَ قوله عندهم بلا يمين إذا لم يُشترط عليه الإشهاد عند الصرف، فإن شُرِطَ عليه لم يقبل قوله إلا بالإشهاد(6).
__________
(1) ... ينظر: البحر الرائق 5/262، والدر المختار 4/448.
(2) ... الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 4/448.
(3) ... ينظر: حاشية ابن عابدين 4/449، ومنحة الخالق على البحر الرائق 5/263.
(4) ... حاشية ابن عابدين 4/448.
(5) ... ينظر: حاشية ابن عابدين 4/449، وغمز عيون البصائر 3/155، ومنحة الخالق 5/263.
(6) ... ينظر: حاشية الدسوقي 4/89، وبلغة السالك 2/305.(8/68)
قال الصاوي(1): "إذا ادَّعى الناظر أنه صرف الغلة صدق إن كان
أميناً، ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف فلا يُصرف إلا باطلاعهم، ولا يُقبل بدونهم، وإذا ادَّعى أنه صرف على الوقف مالاً من عنده صدق من غير يمين إن لم يكن متهماً، وإلا فيُحلَّف"(2).
وأشار بعضهم إلى أن قبول قول الناظر إنما يكون إذا كان الظاهر يوافق قوله، فإن خالفه لم يقبل قوله (3).
وبناءً على ذلك فإنه عند الحنفية والمالكية إذا خالف الظاهر قول الناظر لم يُقبل قوله مطلقاً، كأن يدعي أنه اشترى للمزرعة الموقوفة سيارة بمائة ألف ريال، والمعروف أن هذه السيارة لا تزيد قيمتها عن عشرين ألفاً.
وأما الشافعية فقد فرَّقوا بين أن يكون الموقوف عليهم معينين وبين أن يكونوا غير معينين، فإن كانوا معينين فالقول قولهم، وإن كانوا غير معينين قُبِلَ قول الناظر في ذلك.
أما مطالبة الناظر بالحساب فإن كان الموقوف عليهم معينين ثبتت لهم المطالبة بالحساب، وإن كانوا غير معينين ففي مطالبته بالحساب خلاف عندهم على قولين، أوجههما أنه يطالب بالحساب (4).
وأما الحنابلة فقد فرّقوا بين الناظر الأمين إذا كان منصوباً من قِبَل الواقف وبين غيره، فمنعوا المستحق من الاعتراض على منصوب الواقف إذا كان أميناً
__________
(1) ... هو أحمد بن محمد الصاوي، المصري، الخلوتي، ولد في ( صاء الحجر ) على شاطئ النيل من إقليم الغربية بمصر سنة 1175هـ، وهو من أشهر فقهاء المالكية في وقته، ألَّف مؤلفات منها: بلغة السالك لأقرب المسالك، والأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية، توفي في المدينة النبوية سنة 1241هـ.
... ( ينظر: الأعلام 1/246، ومعجم المؤلفين 2/111 ).
(2) ... بلغة السالك 2/305.
(3) ... ينظر: مواهب الجليل 6/40.
(4) ... ينظر: مغني المحتاج 2/394، وحاشية الشرواني على التحفة 6/292.(8/69)
بخلاف الناظر إذا لم يكن منصوباً من قِبَل الواقف أو لم يكن أميناً (1).
قال الحجاوي(2): "ولا اعتراض لأهل الوقف على من ولاّه الواقف أمر الوقف إذا كان أميناً، ولهم مساءلته عما يحتاجون إلى علمه من أمور وقفهم حتى يستوى علمهم فيه وعلمه، ولهم مطالبته بانتساخ كتاب الوقف؛ لتكون نسخة في أيديهم وثيقة" (3).
فعلى هذا متى ما كان الناظر غير أمين، أو لم يكن منصوباً من قِبَل الواقف وإن كان أميناً جاز لأهل الوقف معارضته ومحاسبته.
وقد سلك متأخروا الحنابلة في محاسبة الناظر مسلكاً جيداً ودقيقاً حيث أعطوا ولي الأمر الحق في إنشاء ديوان خاص لمحاسبة نظار الأوقاف، يُقَدِّم النُّظَّار إليه بياناً تفصيلياً لواردات الأوقاف وطريقة تصرفهم في تلك الواردات، ووجوه الإنفاق التي سلكوها، ومدى التزامهم بتنفيذ شروط الوافقين (4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لولي الأمر أن ينصب ديواناً مستوفياً لحساب الأموال السلطانية، كالفيء وغيره، وله أن يفرض له على عمله
ما يستحقه مثله من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب، وضبط مقبوض المال، ومصروفه من العمل الذي له أصل، لقوله
__________
(1) ... ينظر: الإنصاف 7/68، ودقائق أولي النهى 2/505، و مطالب أولى النهى 4/333.
(2) ... هو موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي، المقدسي، ثم الصالحي، الحنبلي، شرف الدين، أبوالنجا، برع في الفقه، والأصول، والحديث، وكان مفتي الحنابلة وشيخ الإسلام في دمشق، ألّف مؤلفات منها: الإقناع، وزاد المستقنع في اختصار المقنع، وتوفي سنة 968هـ.
... ( ينظر: النعت الأكمل ص(124)، والسحب الوابلة 3/1134 ).
(3) ... الإقناع 3/19.
(4) ... ينظر: اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ص(183)، و كشاف القناع 4/306-307، ومطالب أولى النهى 4/334.(8/70)
– تعالى–: ( - رضي الله عنه -( - ( - ( - (- رضي الله عنهم -(( - - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - { - ( - فهرس - - رضي الله عنه -( ( [التوبة: 60]، وفي الصحيح: ((أن النبي @ استعمل رجلاً على الصدقة فلما رجع حاسبه ))(1)، وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين، والمستوفى الجامع نائب الإمام في محاسبتهم، ولابد عند كثرة الأموال ومحاسبتهم من ديوان جامع...، وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له، والجعل الذي ساغ له فرضه، وإذا عمل هذا ولم يعط جعله فله أن يطلب على العمل الخاص، فإن ما وجب بطريق المعاملة يجب" (2).
وهذا الرأي من متأخري الحنابلة هو الذي ينبغي تطبيقه والعمل به للقضاء على المشكلات والتظلمات التي ما فتئت المحاكم تغص بها من مستحقين لا تصل إليهم حقوقهم، كما أن فيه قضاء على كل السلبيات التي توجه لنظام الأوقاف.
المبحث السادس
عزل الوالي على الوقف
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: عزل الناظر نفسه.
المطلب الثاني: عزل الواقف منصوبه من نظارة الوقف.
المطلب الثالث: عزل الحاكم ناظر الوقف المولَّى من قِبَل الواقف.
المطلب الرابع: عزل الحاكم ناظر الوقف المولَّى من قِبَله.
المطلب الخامس: عزل الحاكم منصوب حاكم آخر.
المطلب الأول: عزل الناظر نفسه.
قد يرغب ناظر الوقف عزل نفسه عن النظارة؛ لعدم تفرغه، أو لعدم قدرته لكبر أو مرض، أو لغير ذلك، فهل يملك ذلك بنفسه، أو لابدَّ من إبلاغ القاضي به؟
اختلف الفقهاء في هذا على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الناظر لا ينعزل بعزله نفسه حتى يُبَلِّغ القاضي بذلك.
وبهذا قال الحنفية (3).
القول الثاني: أن للمتولي الحق في عزل نفسه عن نظارة الوقف، وينعزل بذلك.
__________
(1) ... تقدم تخريجه ص(78-79).
(2) ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/85-86.
(3) ... ينظر: البحر الرائق 5/253، و حاشية ابن عابدين 4/382.(8/71)
وبهذا قال المالكية (1)، وكثير من الشافعية (2)، وهو ظاهر قول الحنابلة(3)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
جاء في الاختيارات: "ومن شرط النظر لرجل ثم لغيره إن مات فعزل نفسه أو فسق، فكموته" (4).
القول الثالث: ... أن ناظر الوقف لا ينعزل بعزله نفسه إذا كان نظره بشرط الواقف.
وقالوا: إنه رغم أنه لا ينعزل بعزله نفسه لكنه لا يجب عليه النظر، ولا يُجبر عليه.
وهذا هو مقتضى كلام ابن رشد من المالكية، حيث قال: "عزل الوصي نفسه عن النظر لليتيم الذي التزم النظر له فليس ذلك له إلا من عذر"(5).
وبه قال بعض الشافعية (6).
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
أن كل من ملك شيئاً له أن يخرجه عن ملكه عيناً كان، أو منفعة، أو ديناً، والنظر حق من حقوق الناظر، فيتمكن من إسقاطه (7)، ولما كان احتمال الضرر وارداً على الوقف وجب أن يُطلع القاضي على الاستقالة؛ ليتلافى الضرر؛ لعموم قول الرسول@: ( (لا ضرر ولا ضرار )) (8).
دليل أصحاب القول الثاني:
استدلوا بالقياس، فقاسوا عزل ناظر الوقف نفسه على عزل الوصي نفسه، فإذا جاز للوصي أن يعزل نفسه عن الوصايا فكذلك ناظر الوقف (9).
هذا بالإضافة إلى القاعدة السابقة في دليل أصحاب القول الأول، وهي أن كل من ملك شيئاً له أن يخرجه عن ملكه عنياً كان، أو منفعة، أو ديناً
__________
(1) ... ينظر: الشرح الكبير للدردير 4/88، والشرح الصغير 2/305.
(2) ... ينظر: فتاوى ابن الصلاح 1/383، ونهاية المحتاج 5/403.
(3) ... ينظر: الفروع 4/593، و الإنصاف 7/61، و كشاف القناع 4/305.
(4) ... الاختيارات الفقهية ص(173).
(5) ... فتاوى ابن رشد 3/1352.
(6) ... ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(172)، و تيسير الوقوف (ق 50/ ب، 179/ أ).
(7) ... ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(173).
(8) ... سبق تخريجه من حديث عائشة < ص(70-71).
(9) ... ينظر: تيسير الوقوف (ق 155/ ب).(8/72)
مناقشة الدليل: نوقش بأنه لا يعارض القول الأول، بل هو مما يؤيده، وذلك أنهم قاسوا عزل ناظر الوقف نفسه على عزل الوصي نفسه، والوصي لا ينفذ عزل نفسه إذا كان في ذلك ضرر بيّن على الموصى عليه، فكذلك الوقف، ولذلك استثناه النووي من صحة عزل الوصي نفسه حالة غلبة ظنه تلف المال باستيلاء ظالم(1).
دليل أصحاب القول الثالث:
أن استحقاق الناظر النظر بالشرط كاستحقاق الموقوف عليه الغلة، والموقوف عليه لو أسقط حقه من الغلة لم يسقط، فكذلك إسقاط النظر (2).
مناقشة الدليل:
نوقش بأن استحقاق الناظر النظر بالشرط ليس كاستحقاق الموقوف عليه
الغلة، ولذلك لو ظهر من الناظر بالشرط أنه استعمل هذا الحق للإضرار بالوقف جاز عزله في حين لو استعمل الموقوف عليه ذلك بالإضرار على الوقف لم يمنع حقه، ويُمنع من الإضرار بالوقف(3).
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بحق الناظر بعزل نفسه وانعزاله بذلك إذا أبلغ القاضي
به؛ لأن ذلك يمنع الضرر عن الناظر وعن الوقف، حيث إنه إذا أبلغ القاضي بذلك قطع الضرر الذي قد يلحق بالوقف؛ لأن القاضي هو الناظر العام للأوقاف، كما أن في إلزام الناظر باستدامة نظره ضرراً عليه، والله ـ تعالى ـ يقول: ( - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - فهرس - - رضي الله عنه -( - ((( - ( - ( - ( - ( - - - صدق الله العظيم ( تم بحمد الله - - - ( تمهيد - رضي الله عنهم - - - ( [التوبة:91].
ويقول الرسول @: ( (لا ضرر ولا ضرار )) (4).
كما أن فيه ضرراً على الوقف أيضاً، وذلك أن الناظر إذا أُرغِمَ على النظر فقد لا يُخلص في نظره.
المطلب الثاني: عزل الواقف منصوبه من نظارة الوقف.
__________
(1) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/679.
(2) ... ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص(173).
(3) ... ينظر: التصرف في الوقف 2/680.
(4) ... تقدم تخريجه من حديث عائشة < ص(70-71).(8/73)
قد ينصب الواقف ناظراً على وقفه، ويرى بعد ذلك عدم صلاحيته لذلك لسبب من الأسباب، فهل يملك عزله؟.
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه ليس للواقف عزل الناظر ولو كان متولياً من جهته ما لم يشرط لنفسه حق العزل.
وبهذا قال محمد بن الحسن وغيره من الحنفية (1)، وهو وجه عند الشافعية(2)، وأحد الوجهين عند الحنابلة (3).
القول الثاني: أن للواقف عزل الناظر المولى من قِبَله ما لم يشترط نظره حال الوقف.
وهذا القول هو الصحيح من مذهب الشافعية (4)، والحنابلة (5).
القول الثالث: ... أن للواقف عزل الناظر المولى من قِبَله مطلقاً.
وبهذا قال أبويوسف من الحنفية (6)، وبه قال المالكية (7).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
1- أن الناظر قائم مقام أهل الوقف لا مقام الواقف، فلا سلطة للواقف عليه (8).
2- أن ملكه قد زال، فلا تبقى ولايته عليه (9).
دليل أصحاب القول الثاني:
__________
(1) ... ينظر: الإسعاف ص(53)، و البحر الرائق 5/212، وفتاوى قاضي خان 3/295، وحاشية ابن عابدين 4/427، وغمز عيون البصائر 2/231.
(2) ... ينظر: روضة الطالبين 5/349، و تيسير الوقوف (ق /49 ب).
(3) ... ينظر: الفروع وتصحيحه 4/591-592، و الإنصاف 7/61.
(4) ... ينظر: روضة الطالبين 5/349، و مغني المحتاج 2/394، و تيسير الوقوف (ق/ 46 أ).
(5) ... ينظر: الإنصاف 7/60، وتصحيح الفروع 4/592، والإقناع للحجاوي 3/16، ومطالب أولي النهى 4/329.
(6) ... ينظر: وقف هلال ص(103)، و الإسعاف ص(53)، وفتاوى قاضي خان 3/295، والبحر الرائق 5/245.
(7) ... ينظر: مواهب الجليل 6/39، وحاشية الدسوقي 4/88، وبلغة السالك 2/305.
(8) ... ينظر: الإسعاف ص(53)، و حاشية ابن عابدين 4/427.
(9) ... ينظر: روضة الطالبين 5/349.(8/74)
قياس عزل الواقف الناظر المولى من قِبَله على عزل الموكل وكيله، فكما أن للموكل عزل وكيله بلا سبب، فكذا للواقف عزل الناظر، إذ كل منهما نائب (1).
مناقشة الدليل: أن هذا القياس قياس مع الفارق، إذ الناظر ليس وكيلاً عن الواقف، بل هو قائم مقام أهل الوقف.
دليل أصحاب القول الثالث:
استدلَّ أصحاب هذا القول بنفس الدليل الذي استدلَّ به أصحاب القول الثاني(2).
وبناءً عليه فإنه يناقش بما نوقش به.
الترجيح:
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأنه ليس للواقف عزل الناظر ولو كان متولياً من جهته ما لم يشترط لنفسه حق العزل؛ لقوة ما استدلوا به؛ ولأن الناظر ينظر لحظ الوقف، ولحظ الموقوف عليه، ولا سلطة للواقف عليه إلا أن يرى فيه إضراراً بالوقف فمن حقه رفع الأمر إلى الحاكم؛ لأن له مصلحة في دوام الوقف واستمرار نفعه، فالحاكم هو الذي يتولى عزله إذا بدرت منه جناية على ذات الوقف، أو على حق الموقوف عليهم.
أما إذا اشترط الواقف أحقيته في عزل الناظر كان له عزله،
أخذاً بالقاعدة "نص الواقف كنص الشارع"، وذلك فيما لا مخالفة فيه لحكم شرعي.
المطلب الثالث: عزل الحاكم ناظر الوقف المولَّى من قِبَل الواقف.
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة ـ الحنفية(3)، والمالكية(4)، والشافعية(5)، والحنابلة(6) ـ على أن الحاكم لا يعزل ناظر الوقف المولى من قبل الواقف إلا بجنحة ظاهرة.
__________
(1) ... ينظر: روضة الطالبين 5/349، و تيسير الوقوف (ق 49/ ب).
(2) ... ينظر: الإسعاف ص(53)، و البحر الرائق 5/245، و حاشية ابن عابدين 4/427.
(3) ... ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص(195)، و حاشية ابن عابدين 4/382.
(4) ... ينظر: حاشية الدسوقي 4/88، وبلغة السالك 2/305.
(5) ... ينظر: مغني المحتاج 2/393.
(6) ... ينظر: المغني 8/237-238، ومطالب أولي النهى 4/329.(8/75)
لكن بعض الحنابلة قالوا: إذا كان الناظر مولَّى من قِبَل الواقف وأمكن تلافي ضرره بضم أمينٍ إليه مع إبقائه عُمِل به، وإلا عزل (1).
قال موفق الدين ابن قدامة(2): "إن كان النظر لغير الموقوف عليه، أو لبعض الموقوف عليه بتولية الواقف أو الحاكم لم يجز أن يكون إلا أميناً، فإن لم يكن أميناً وكانت توليته من الحاكم لم تصح وأُزيلت يده، وإن ولاّه الواقف وهو فاسق، أو ولاَّه وهو عدل وصار فاسقاً ضُمَّ إليه أمين يحفظ به الوقف ولم تُزل يده، ولأنه أمكن الجمع بين الحقين، ويحتمل أن لا يصح توليته وأنه ينعزل إذا فسق في أثناء ولايته" (3).
الدليل:
استدلوا بأن مرجع الوقف للمساكين، وغير المأمون لا يُؤمن عليه من تخريبٍ أو بيعٍ، فيمتنع وصوله إليهم (4).
وبأن مراعاة حفظ الوقف أهم من بقاء ولاية الفاسق عليه (5).
المطلب الرابع: عزل الحاكم ناظر الوقف المولَّى من قِبَله.
اختلف الفقهاء في ملكية الحاكم لعزل ناظر الوقف المولَّى من قِبَله، وذلك على قولين:
القول الأول: أن القاضي لا يملك عزل الناظر إلا بجنحةٍ ولو كان مولَّى من قِبله.
__________
(1) ... ينظر: كشاف القناع 4/299، و مطالب أولي النهى 4/329.
(2) ... هو عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي، المقدسي، ثم الدمشقي، الحنبلي، يكنى بأبي محمد، موفق الدين، من كبار فقهاء الحنابلة، رحل إلى بغداد وأقام بها نحو أربع سنين، ثم عاد إلى دمشق، له مصنفات من أنفسها وأشهرها: المغني، والكافي، والمقنع في الفقه، وروضة الناظر في الأصول، توفي سنة 620هـ.
... ( ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة 2/133، والمقصد الأرشد 2/15).
(3) ... المغني 8/237-238.
(4) ... ينظر: البحر الرائق 5/345.
(5) ... ينظر: المغني 8/238، و مطالب أولي النهى 4/329.(8/76)
وبهذا قال بعض الحنفية (1)، وبه قال المالكية (2)، وهو مقتضى إطلاق الشافعية (3).
القول الثاني:أن للقاضي عزل ناظر الوقف المولَّى من قِبله مطلقاً.
... وبهذا قال كثير من الحنفية (4)، والحنابلة (5).
... ولم أطلع على أدلة لهذين القولين.
الترجيج:
... مع عدم الاطلاع على أدلة لكلا القولين في المسألة إلا أن ما يظهر رجحانه ـ والله أعلم بالصواب ـ هو القول الأول القائل بأن القاضي إنما يعزل منصوبه بجنحةٍ، وذلك حتى لا تدخل الأغراض الخاصة في نصب النُّظَّار وعزلهم خاصة، وليس هناك مبرر لعزل القاضي الناظر المولَّى من قِبَلِه وتولية غيره مادام أنه قائم بواجبه تجاه الوقف وأهله.
المطلب الخامس: عزل الحاكم منصوب حاكمٍ آخر.
لا يملك الحاكم عزل الناظر إذا كان منصوب حاكم آخر بلا جنحة.
وقد اكتفى الحنفية لإعطاء الحاكم حق عزل منصوب حاكم آخر بأن يظهر له مصلحة في ذلك العزل (6).
قال ابن نجيم: "للقاضي عزل منصوب قاضٍ آخر بغير خيانة إذا رأى المصلحة"(7).
وقال المناوي الشافعي(8)
__________
(1) ... ينظر: حاشية ابن عابدين 4/438، والفتاوى الخيرية 1/115.
(2) ... ينظر: مواهب الجليل 6/39.
(3) ... ينظر: مغني المحتاج 2/393.
(4) ... ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص(195)، و البحر الرائق 5/254، و حاشية ابن عابدين 4/382.
(5) ... ينظر: مطالب أولي النهى 4/326، و كشاف القناع 4/306.
(6) ... ينظر: البحر الرائق 5/261، ومنحة الخالق عليه 5/254، و حاشية ابن عابدين 4/382.
(7) ... البحر الرائق 5/261.
(8) ... هو عبدالرؤف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحداد المناوي، القاهري، الشافعي، عالم مشارك في أنواع العلوم، ألّف مؤلفات منها: تيسير الوقوف على أحكام الموقوف، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، وتوفي سنة 1031هـ.
... ( ينظر: معجم المؤلفين 5/220، والمستدرك عليه ص(377).(8/77)
: "لو جهل شرطه فولَّى حاكمٌ إنساناً يشرطه لم يجز لحاكم آخر نقضه بلا سبب فيما يظهر"(1).
وقال الرحيباني الحنبلي(2): "لو فوَّضه ـ أي النظر ـ حاكم لإنسان لم يجز لحاكمٍ آخر نقضه" (3).
المبحث السابع
أثر الولاية في المحافظة على الوقف
المقصود من الوقف هو انتفاع الواقف والموقوف عليه، انتفاع الواقف بما يحصل عليه من الأجر والثواب من الله ـ تعالى ـ في الدنيا والآخرة، وانتفاع الموقوف عليه بما يحصل عليه من المال أو المنفعة التي تندفع بها حاجته، ولا يتحقق ذلك إلا ببقاء العين الموقوفة على حالٍ ينتفع بها، والسبيل إلى ذلك هو الولاية التي تتوفر فيها الشروط والأحكام المعتبرة لذلك شرعاً.
ويتبين ذلك جلياً من خلال الكلام المفصَّل عن الولاية في المباحث السابقة، ويتلخص فيما يلي:
1- أن التولية على الوقف أمر واجب، محافظة عليه من التلف والضياع والتعطل.
2- اشتراط البلوغ، والعقل، والقوة والقدرة على القيام بشؤون الوقف، والإسلام فيما وقف على مسلمٍ أو جهة إسلامية، والعدالة، وذلك حتى لا يقع الوقف في يد من لا يحسن التصرف، أو من لا يوثق بتصرفه فيتلف أو يتعطل.
__________
(1) ... تيسير الوقوف (ق 50/ ب)
(2) ... هو مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي، الرحيباني، الدمشقي، الحنبلي، تولى إفتاء الحنابلة بدمشق ونظارة الجامع الأموي فيها والجامع المظفري في صالحيتها، وكان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب، وانتهت إليه رئاسة الفقه، وشُدَّت الرِّحال للأخذ عنه، له مؤلفات كثيرة منها: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، وتحفة العباد فيما في اليوم والليلة من الأوراد، وتوفي سنة 1243هـ.
... ( ينظر: مختصر طبقات الحنابلة ص(179)، والنعت الأكمل ص(352).
(3) ... مطالب أولي النهى 4/326.(8/78)
3- نصَّ أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة على أن وظيفة ناظر الوقف هي حفظ عينه، والقيام بشؤونه، وتنفيذ شرط الواقف فيه، وطلب الحظ له، وحسن استغلاله، وتوزيع غلته على المستحقين.
4- جعل الولاية لمن شرطه الواقف؛ لكونه أحرص الناس في المحافظة عليه، فلا يولي إلا من يثق بقيامه بذلك، فإن تبين سوء تصرفه أو عدم قدرته ضم الحاكم إليه أميناً يعينه، فإن لم يشترط فللموقوف عليه؛ لأنه أحرص الناس على بقائه لتستمر له الغلة، مما يدفعه إلى المحافظة عليه، فإن لم يكن أهلاً أو كان الوقف على جهة عامة فللحاكم؛ لأنه مسؤول عن مصالح المسلمين عموماً، وهو بمقتضى توليته للقضاء أهل للمحافظة وحسن التصرف.
5- إسناد النظر على الأوقاف الخيرية العامة التي ليس لها ناظر معين إلى وزارات معنية بهذا الشأن حفظاً لها من أيادي الظلم والعدوان، والعمل على استثمارها وإيصال غلتها إلى الجهة المستحقة لها.
6- استحقاق الوالي للأجرة على ولايته، مما يدفعه للمحافظة على الوقف؛ لتستمر الغلة فيحصل منها على الأجرة.
7- مشروعية محاسبة الوالي على الوقف على أفعاله، وإنشاء دواوين خاصة لذلك إن احتاج الأمر إليه، يُقدِّم الناظر فيه بياناً تفصيلياً لواردات الوقف ومصروفاته، ومدى التزامه بشروط الواقف في ذلك، وهذه أهم وأسلم طرق للمحافظة على أعيان الأوقاف وصيانتها من الدمار، وحماية حقوق المستحقين للغلة من الظلم والعدوان.
8- عدم انعزال الوالي بعزل نفسه حتى يبلِّغ القاضي بذلك، حتى لا يبقى الوقف بدون ناظر، فيتلف أو يتعطل.
وبهذا يتضح جلياً أن الولاية على الوقف من قِبَل من تتوفر فيه شروطها وتطبيق الأحكام التي وضعها الشارع لذلك هي الطريق الوحيد للحفاظ على أعيان الأوقاف من التعدي، وعلى منافعها من التعطل كلياً أو جزئياً، وعلى غلاتها من التلاعب وذهابها إلى غير مستحقها، والله أعلم.
(الخاتمة )(8/79)
الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فقد توصّلتُ من خلال بحث هذا الموضوع إلى نتائج مهمة تمثلت في الترجيحات التي ظهرت خلال البحث، وتتلخص في النقاط التالية:
1- أن التولية على الوقف واجبة.
2- يشترط في المتولي على الوقف أن يكون بالغاً، عاقلاً، قوياً وقادراً على القيام بشؤون الوقف، مسلماً فيما وقف على مسلمٍ أو جهةٍ إسلاميةٍ، عدلاً، ولا تشترط الحرية، والذكورية، والبصر.
3- أن وظيفة الوالي على الوقف هي حفظ عينه، ورعاية منافعه، وتنفيذ شرط الواقف، وتحصيل غلته وتوزيعها على مستحقها، ونحو ذلك.
4- أن للواقف الحق في الولاية الأصلية على وقفه.
5- أنه لا حق للموقوف عليه في ا لولاية الأصلية على الوقف إذا كان غير معين أو جمعاً غير محصور، وله ذلك إذا كان معيناً محصوراً.
6- أن للحاكم (القاضي) الحق في الولاية الأصلية على الأوقاف عند عدم وجود الناظر الخاص، وليس له ذلك عند وجود الناظر الخاص، أما التقرير في الوظائف فهو للناظر ما لم تكن من الأمور العامة في الإسلام
7- أن للواقف الحق في اشتراط ناظر على وقفه ولو لم يكن قد اشترط ذلك أو اشترطه لشخصٍ فمات أو عُزل، وله ـ أي الواقف ـ اشتراط النظر لنفسه، وللموقوف عليه الحق في تعيين ناظر على الوقف، وللحاكم ذلك أيضاً.
8-أن للناظر الحق في توكيل من يقوم مقامه في التصرفات التي يملكها أو بعضها.
9- أن لمن له الولاية الأصلية على الوقف تفويضها لغيره، وليس لمن له الولاية الفرعية ذلك إلا أن يشترطها له من ولاَّه.
10- أن للوزارات المعنية بشؤون الأوقاف الحق في الولاية على الأوقاف العامة التي ليس لها ناظر خاص.(8/80)
11- يجوز أخذ الأجرة على نظارة الوقف، وهي حق ثابت للناظر إذا عيَّنها الواقف، فإن لم يعيِّنها لم يستحق شيئاً إلا بأمر القاضي ما لم يكن مشهوراً بأخذ الجاري على عمله، وتكون بحسب تقدير الواقف ما لم تكن أقل من أجرة المثل فللقاضي بعد مطالبة الناظر رفعها إلى أجرة المثل، فإن لم يقدرها الواقف فللناظر أجرة المثل، وتصرف من غلَّة الوقف.
12- تشرع محاسبة ناظر الوقف، والأصل في ذلك فعل النبي @ مع عماله في تحصيل الزكاة، وفعل خلفائه من بعده، وفائدتها ظاهرة في المحافظة على عين الوقف، والاطمئنان على وصول الريع إلى المستحق، وقطع دابر الظلم والعدوان من قبل الولاة، والأولى وضع ديوان خاص لذلك يتضمن بياناً تفصيلياً لواردات ومصروفات الوقف حسب شرط الواقف.
13- لا ينعزل الناظر بعزل نفسه حتى يُبَلِّغ القاضي بذلك، وليس للواقف عزله ولو كان متولياً من جهته ما لم يشترط لنفسه حق العزل، ولا يملك الحاكم حق عزل الناظر المولَّى من قِبَل الواقف أو من قِبَله أو من قِبَل غيره إلا بجنحةٍ ظاهرةٍ ما لم يمكن تلافي الضرر بضم أمينٍ إليه.
14- أن للولاية على الوقف أثر ظاهر في المحافظة عليه، وبقاء منفعته إذا توفرت فيها الشروط والأحكام الشرعية، بل هي السبيل الوحيد لذلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس مصادر ومراجع البحث
الابتهاج بشرح المنهاج في فروع الشافعية / للسبكي: علي بن عبدالكافي، مخطوط مصور من مكتبة أحمد الثالث بتركيا، تحت رقم 1324 (ر) فقه شافعي.
أحكام الوصايا والأوقاف / للدكتور محمد مصطفى شلبي، الطبعة الرابعة، 1402هـ، الدار الجامعية ببيروت.
أحكام الوقف / لهلال بن يحيى بن سلمة الرأي، الطبعة الأولى 1355هـ، دائرة المعارف العثمانية، الهند.
أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية / للكبيسي: محمد عبيد، مطبعة الإرشاد ببغداد 1397هـ.(8/81)
الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / اختارها علاء الدين أبوالحسن علي بن محمد البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل / للألباني: محمد ناصر الدين، إشراف زهير الشاويش، الطبعة الأولى 1399هـ، المكتب الإسلامي (بيروت ـ لبنان).
أسد الغابة في معرفة الصحابة / لابن الأثير: علي بن أبي الكرم محمد بن محمد، دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
الإسعاف في أحكام الأوقاف / للطرابلسي: إبراهيم بن موسى بن أبي بكر، طبعة عام 1981م، دار الرائد العربي (بيروت ـ لبنان).
الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية / للسيوطي: جلال الدين عبدالرحمن، الطبعة الأولى1403هـ، دار الكتب العلمية (بيروت
الإصابة في تمييز الصحابة / لابن حجر: أحمد بن علي، دار الكتب العلمية، (بيروت ـ لبنان).
الإغراب في أحكام الكلاب / لابن المبرد: يوسف بن حسن بن أحمد، تحقيق: د. عبدالله الطيار، ود. عبدالعزيز الحجيلان، الطبعة الأولى 1417هـ، دار الوطن بالرياض.
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل / للحجاوي: أبي النجا شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي، تصحيح وتعليق عبداللطيف محمد موسى السبكي، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل/ للمرداوي: علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان، تصحيح وتحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى 1376هـ، دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان ).
الأم / للإمام الشافعي: أبي عبدالله محمد بن إدريس، الطبعة الأولى سنة 1400هـ، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
البحر الرائق شرح كنز الدقائق / لابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم، الطبعة الثالثة، دار المعرفة، بيروت، وطبعة المطبعة العربية بباكستان.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ للكاساني:علاء الدين أبي بكر(8/82)
ابن مسعود، الطبعة الثانية 1402هـ، الناشر دار الكتاب العربي (بيروت ـ لبنان).
بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك / للصاوي: أحمد بن محمد، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان). 1398هـ.
البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة / لابن رشد: أبي الوليد محمد بن رشد القرطبي (الجد )، الطبعة الأولى 1405هـ، دار الغرب الإسلامي (بيروت ـ لبنان).
التاج والإكليل لمختصر خليل / للموافق: محمد بن يوسف العبدري، مطبوع على هامش مواهب الجليل، الطبعة الثانية 1398هـ، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق / للزيلعي: فخر الدين عثمان بن علي، طبع الطبعة الثانية، مطابع الفاروق الحديثة بالقاهرة، الناشر دار الكتاب الإسلامي.
تحرير ألفاظ التنبيه، أو لغة الفقه/ للنووي: محي الدين يحيى بن شرف، تحقيق عبدالغني الدقر، الطبعة الأولى 1408هـ، دار القلم (دمشق
تحفة المحتاج بشرح المنهاج / للهيثمي: شهاب الدين أحمد بن حجر، مطبعة دار صادر (بيروت ـ لبنان).
تذكرة الحفاظ / للذهبي: أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان، دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
التصرف في الوقف / للدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز الغصن (رسالة دكتوراه عام 1409هـ أشرف عليها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ)، مطبوعة على الآلة الكاتبة.
تهذيب التهذيب / لابن حجر: أحمد بن علي، الطبعة الأولى،
مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية(حيدر آباد ـ الدكن ـ الهند)
1325هـ.
تيسير الوقوف / للمناوي: عبدالرؤف بن تاج العارفين، مخطوط مصور من مكتبة الأزهر تحت رقم (2081) فقه شافعي.
الجواهر المضية في طبقات الحنفية / لأبي محمد عبدالقادر بن أبي الوفاء الحنفي، تحقيق: د.عبدالفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الناشر دار العلوم بالرياض.(8/83)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير / للدسوقي: شمس الدين محمد بن عرفة، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، المشهورة بحاشية ابن عابدين / لمحمد أمين الشهير بابن عابدين، الطبعة الثانية 1386هـ، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
حاشية الشرواني على تحفة المحتاج / لعبدالحميد الشرواني، مطبوع مع حاشية العبادي والتحفة، دار صادر، (بيروت ـ لبنان).
الحاوي الكبير / للماوردي: أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب، تحقيق د. محمود مطرجي ومن ساهم معه، الناشر دار الفكر(بيروت
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء / للشاشي القفال: سيف الدين
أبي بكر محمد بن أحمد، تحقيق د. ياسين أحمد إبراهيم درادكة، الطبعة الأولى 1988هـ، الناشر مكتبة الرسالة الحديثة (عمان ـ الأردن).
ذيل طبقات الحنابلة / لابن رجب: أبي الفرج عبدالرحمن بن شهاب الدين الحنبلي، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
الروض الندي شرح كافي المبتدي / لأحمد بن عبدالله بن أحمد الحلبي، مطابع الدجوى (عابدين ـ القاهرة).
روضة الطالبين وعمدة المفتين / للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف، إشراف زهير الشاويش، الطبعة الثانية 1405هـ، الناشر المكتب الإسلامي (بيروت ـ لبنان).
سنن الترمذي، ويسمى الجامع الصحيح / للترمذي: أبي عيسى
محمد بن عيسى ابن سورة، تحقيق وتصحيح عبدالوهاب عبداللطيف، الطبعة الثانية 1403هـ، دار الفكر ببيروت، الناشر دار الكتب العلمية (بيروت
سنن أبي داود / لأبي داود: سليمان بن الأشعث، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
السنن الكبرى / للبيهقي: أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي، دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
سنن ابن ماجه / لابن ماجه: محمد بن يزيد، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).(8/84)
سنن النسائي / للنسائي: أحمد بن شعيب، ترقيم وفهرسة عبدالفتاح أبوغدة، الطبعة الأولى المفهرسة1406هـ، طبع دار البشائر الإسلامية، (بيروت ـ لبنان )، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية (حلب
السير الكبير/لمحمد بن الحسن الشيباني، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، وعبدالعزيز أحمد، مطبوع مع شرحه للسرخسي، مكتبة ابن تيمية بمصر.
شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز / لخير الدين الزركلي، الطبعة الثانية 1397هـ، دار العلم للملايين (بيروت ـ لبنان).
شرح الخرشي على مختصر خليل / لأبي عبدالله محمد الخرشي، الطبعة الثانية سنة 1317هـ المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، مصر.
الشرح الصغير على مختصر خليل / للدردير: أحمد بن محمد، مطبوع على هامش بلغة السالك، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان). 1398هـ.
الشرح الكبير على مختصر خليل / للدردير: أحمد بن محمد، مطبوع على هامش حاشية الدسوقي، الناشر دار الفكر، (بيروت ـ لبنان).
الشرح الكبير على متن المقنع / لابن قدامة: شمس الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن محمد، الطبعة الأولى بحاشية المغني سنة 1346هـ، مطبعة المنار.
شرح منتهى الإرادات، المسمى دقائق أولي النهي لشرح المنتهى / للبهوتي: منصور بن يونس، الناشر عالم الكتب (بيروت ـ لبنان).
شرح النووي على صحيح مسلم / للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
صحيح البخاري / للبخاري: أبي عبدالله محمد بن إسماعيل، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
صحيح ابن خزيمة / لابن خزيمة: أبي بكر محمد بن إسحاق، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، الطبعة الأولى 1395هـ، المكتب الإسلامي (بيروت ـ لبنان).
صحيح مسلم / لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، الطبعة الثانية 1392هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).(8/85)
طبقات الحنابلة / للقاضي أبي الحسين: محمد بن محمد بن الحسين الفراء، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
الطبقات السنية في تراجم الحنفية / لتقي الدين بن عبدالقادر التميمي الداري الغزي، تحقيق د. عبدالفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى 1403هـ، الناشر دار الرفاعي بالرياض.
طبقات الشافعية / للسبكي: عبدالوهاب بن تقي الدين، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
الطبقات الكبرى / لابن سعد: محمد بن سعد بن منيع، الناشر دار صادر (بيروت ـ لبنان).
الفتاوى الخيرية لنفع البرية / للرملي: خير الدين بن أحمد العليمي الحنفي، الطبعة الثانية 1300هـ، طبعة بولاق بمصر، وأعيد طبعه بالأوفست سنة 1974م بدار المعرفة ببيروت.
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ / جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبدالرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1399هـ، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة.
فتاوى قاضيخان / لحسن الأوزجندي، مطبوع على هامش الجزء الأول والثاني والثالث من الفتاوى الهندية، الطبعة الثالثة 1400هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
الفتاوى الهندية / للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الطبعة الثالثة 1400هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
فتاوى ومسائل ابن الصلاح / لتقي الدين أبي عمرو عثمان بن الصلاح الكردي الشهرزوري، تحقيق د. عبدالمعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى سنة 1406هـ، دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
فتح الباري شرح صحيح البخاري / لابن حجر: أحمد بن علي، تصحيح سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان ).
فتح القدير / لابن الهمام: كمال الدين محمد بن عبدالواحد، الطبعة الثانية 1397هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).(8/86)
الفروع / لابن مفلح: شمس الدين أبي عبدالله محمد بن مفلح، مراجعة عبدالستار أحمد فرَّاج، الطبعة الثانية، عالم الكتب (بيروت ـ لبنان).
الفوائد البهية في تراجم الحنفية / لمحمد بن عبدالحي اللكنوي الهندي، دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني / للنفراوي: أحمد بن غنيم ابن سالم، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
القوانين الفقهية / لابن جزي: محمد بن أحمد، الدار العربية للكتاب (ليبيا ـ تونس).
الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل / لابن قدامة: موفق الدين عبدالله ابن أحمد، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، بدمشق.
الكافي في فقه أهل المدينة / لابن عبدالبر: أبي عمرو يوسف بن عبدالله، تحقيق د. محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، الطبعة الأولى سنة 1398هـ، الناشر مكتبة الرياض الحديثة في الرياض.
الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار / لابن أبي شيبة: أبي بكر عبدالله ابن محمد، تحقيق عامر العمري الأعظمي، الناشر مختار أحمد الندوي السلفي، الدار السلفية (بومباي ـ الهند).
كشاف القناع عن متن الإقناع / للبهوتي: منصور بن يونس، الناشر عالم الكتب (بيروت ـ لبنان) 1403هـ.
كشف المخدرات والرياض المزهرات شرح أخصر المختصرات / للبعلي:عبدالرحمن بن عبدالله، مطابع الدجوى (عابدين
اللباب في شرح الكتاب / للغنيمي: عبدالغني الغنيمي الميداني، الناشر المكتبة العلمية (بيروت ـ لبنان) 1400هـ.
لسان العرب / لابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن علي، الناشر دار صادر (بيروت ـ لبنان).
المبدع في شرح المقنع / لابن مفلح: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله، الطبعة الأولى، طبع ونشر المكتب الإسلامي(بيروت
المبسوط / للسرخسي: شمس الدين محمد بن أحمد، الطبعة الثالثة 1398هـ، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).(8/87)
مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر / لداماد أفندي: عبدالله بن محمد بن سليمان، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / للهيثمي: علي بن أبي بكر، الناشر دار الكتاب العربي (بيروت ـ لبنان).
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / جمع وترتيب عبدالرحمن ابن محمد ابن قاسم النجدي، ومساعده ابن محمد، طبع إدارة المساجد العسكرية بالقاهرة عام 1404هـ، توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
محاضرات في الوقف / لمحمد أبوزهرة، الطبعة الثانية 1971م، طبع ونشر دار الفكر العربي.
المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل / لمجد الدين أبي البركات ابن تيمية، الناشر دار الكتاب العربي (بيروت ـ لبنان).
المستدرك على الصحيحين في الحديث / للحاكم: أبي عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
مسند الإمام أحمد / للإمام أحمد بن حنبل، الطبعة الخامسة 1405هـ، المكتب الإسلامي (بيروت ـ لبنان).
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي / للفيومي: أحمد ابن محمد بن علي، المكتبة العلمية (بيروت ـ لبنان).
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى / لمصطفى السيوطي الرحيباني، الطبعة الأولى سنة 1385هـ، المكتب الإسلامي (دمشق ـ سورية).
المطلع على أبواب المقنع / للبعلي: أبي عبدالله محمد بن أبي الفتح، المكتب الإسلامي، (بيروت ـ لبنان).
معالم السنن / للخطابي: أبي سليمان حمد بن محمد، الطبعة الثانية 1401هـ، الناشر المكتبة العلمية (بيروت ـ لبنان).
معجم مقاييس اللغة / لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق عبدالسلام هارون، الناشر دار الكتب العلمية ـ إيران.
معجم المؤلفين / لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع (بيروت ـ لبنان).(8/88)
المغرب في ترتيب المعرب / للمطرزي: أبي الفتح ناصر الدين، تحقيق محمود فاخوري وعبدالحميد مختار، الطبعة الأولى 1399هـ الناشر مكتبة أسامة بن زيد (حلب ـ سورية).
المغني / لابن قدامة: موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد، تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ود. عبدالفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى1408هـ، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان بالقاهرة.
مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج / لمحمد الخطيب الشربيني، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد / لابن مفلح: برهان الدين إبراهيم ابن محمد بن عبدالله، تحقيق د. عبدالرحمن بن سليمان العثيمين، الطبعة الأولى 1410هـ، مطبعة المدني بالقاهرة، الناشر مكتبة الرشد بالرياض.
منحة الخالق على البحر الرائق / لمحمد أمين الشهير بابن عابدين الحنفي، الطبعة الثانية، أُعيد طبعه بالأوفست، دار المعرفة ببيروت.
مواهب الجليل شرح مختصر خليل / للحطاب: أبي عبدالله محمد ابن محمد، الطبعة الثانية 1398هـ، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
الموطأ / للإمام مالك بن أنس، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت ـ لبنان).
النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد / لمحمد كمال الدين بن محمد الغزي العامري، تحقيق محمد مطيع الحافظ، ونزار أباطة، طبعة عام 1402هـ، دار الفكر، بيروت.
النهاية في غريب الحديث والأثر / لابن الأثير: مجد الدين أبي السعادات المبارك ابن محمد الجزري، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، توزيع دار الباز بمكة المكرمة.
نيل المآرب بشرح دليل الطالب / لعبدالقادر بن عمر الشيباني، تحقيق د. محمد سليمان الأشقر، الطبعة الأولى 1403هـ، مكتبة الفلاح في الكويت(8/89)
الهداية / لأبي الخطاب: محفوظ بن أحمد الكلوذاني، تحقيق الشيخ إسماعيل الأنصاري، والشيخ صالح السليمان العمري، مراجعة ناصر السليمان العمري، الطبعة الأولى 1390هـ، طبع في مطابع القصيم.
الهداية شرح بداية المبتدي / للمرغيناني: أبي الحسن علي بن أبي بكر، الطبعة الثانية 1397هـ، الناشر دار الفكر (بيروت ـ لبنان).
الوجيز في فقه الإمام الشافعي/ لأبي حامد الغزالي، طبعت سنة 1399هـ، الناشر دار المعرفة (بيروت ـ لبنان).
الوقف / لعبدالجليل عبدالرحمن عشوب، الطبعة الأولى سنة 1333هـ، مطبعة المعاهد الدينية لصاحبها عبدالحميد علي حجازي، القاهرة.
الوقف في الفكر الإسلامي / للأستاذ محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله، مطبعة فضالة في المغرب، 1416هـ.
الوقف والوصايا / لأحمد الخطيب، الطبعة الثانية سنة 1398هـ، مطبعة جامعة بغداد.(8/90)
جهود خادم الحرمين الشرفين
الملك فهد بن عبد العزيز في العناية بالأوقاف
إعداد
فضيلة الدكتور/ مساعد بن إبراهيم الحديثي
صفحة رقم (1084)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة
F
نماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبدالعزيز في العناية بالأوقاف
قال تعالى: ( (((((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((((( ((( ((((((( (((( (((((((( (((((( (((((((((( (((((( ((((((((( ((( ((((( (((((((((( ((((((((( (((((( ( (((((( ((((((((( ((((( (((((((( ( (((((( ((((((( ((((((( ((((( ( [البقرة: 261].
وقال تعالى: ( ((((((( (((((((( ((((((((( (((( (((( ((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((( (((((( (((( (((( ( (((((((( (((((((((((( ((( (((((((((( (((( ((((((((((((((( (((( ( [التوبة: 18].
عن أبي هريرة >، أن رسول الله @ قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].
"نحن أقوى بالله ? ومن أراد أن يحاججنا فسوف نتغلب عليه، لأننا نعتمد على قدرة العزيز القدير، وما أنزله على نبيه محمد @، وما بينه رسول الله، وخلفائه الراشدون وأئمة المسلمين" [خادم الحرمين الشريفين].
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
إن عناية خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – بالأوقاف لا يمكن حصرها والكتابة عنها في بحثٍ واحد، وإنما تحتاج للعديد من الدراسات والبحوث والمجلدات إلا أننا في هذا البحث نحاول إعطاء بعض النماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – في العناية بالأوقاف ورعايتها ودعمها.
حيث جاء هذا البحث في خمسة فصول تناول الفصل الأول موضوع البحث وأهميته وأهدافه، كما تمت فيه مناقشة مفهوم الوقف، وتحديد منهج البحث.(9/1)
أما الفصل الثاني فقد عني بإعطاء نماذج من رعاية الملك عبدالعزيز ~ بالأوقاف موضحين فيه عنايته بالحرمين الشريفين وبالمساجد وبالكتب وطباعتها ونشرها، ثم تناولنا في المبحث الثاني من هذا الفصل تطوير العناية بالأوقاف في المملكة العربية السعودية في إطلالة تاريخية موجزة.
وتطرق الفصل الثالث من خلال مباحثه إلى إعطاء نبذة موجزة عن حياة خادم الحرمين الشريفين منذ ولادته ونشأته، إضافة إلى المهمات الرسمية المبكرة التي تولاها –حفظه الله – ثم إعطاء نبذة مختصرة عن أبرز أعمال وإنجازات خادم الحرمين الشريفين.
وخصص الفصل الرابع من هذا البحث للحديث عن نماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين في العناية بالأوقاف، حيث جاء هذا الفصل في ثمانية مباحث، تطرق المبحث الأول لاهتمام خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف وتطويرها ودعمه لوزارة الحج والأوقاف، ثم قراره بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وذلك من خلال المبحث الثاني، أما المبحث الثالث فقد تناول التوسعة العظيمة للحرمين الشريفين في عهده، مع إعطاء لمحة عن مظاهر أخرى من عنايته بالحرمين الشريفين، وتناول المبحث الرابع الاهتمام بالأوقاف على الحرمين الشريفين من قبله حفظه الله.
أما المبحث الخامس فقد حدد لمناقشة العناية بكتاب الله طباعة وتوزيعاً ونشراً، مشيرين في ذلك إلى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهدية خادم الحرمين الشريفين لحجاج بيت الله الحرام، والعناية بالجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، أما المبحث السادس من هذا الفصل فقد اهتم بالحديث عن عناية خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف على المساجد سواءً كانت داخل المملكة أو خارجها.(9/2)
أما المبحث السابع من هذا الفصل فقد تناول عناية خادم الحرمين الشريفين بالأوقاف على المدارس والمعاهد والجامعات، مشيرين في ذلك إلى الأكاديميات العلمية المختلفة، وكراسي خادم الحرمين الشريفين للدراسات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وختم هذا الفصل بالحديث عن نماذج لمشاريع وقفية حديثة تم إنشائها بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين.
وتطرق الفصل الخامس من هذا البحث إلى مستقبل الأوقاف في المملكة العربية السعودية في ضوء جهود خادم الحرمين الشريفين منطلقين في ذلك من التعريف بالاهتمام العلمي بالأوقاف، وما تقوم به الوزارة من حصر الأوقاف في المملكة وتطويرها، إضافة إلى آخر الأفكار والمقترحات التي تبنتها الوزارة والمتمثلة في إنشاء الصناديق الوقفية، وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين في استثمار الأوقاف من خلال التوجه إلى تحويل الأوقاف إلى مؤسسة عامة، وفي ختام البحث وضعت المراجع والملاحق التي تم الرجوع إليها، إضافة إلى بعض الأنظمة واللوائح الخاصة بالأوقاف متمثلة في نظام مجلس الأوقاف الأعلى، ولائحة تنظيم الأوقاف الخيرية، ونص الأمر الملكي الكريم بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
سائلين الله ? أن يجزي القائمين على هذه الندوة المباركة الخير الجزيل، وفي مقدمتهم معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد رئيس مجلس الأوقاف الأعلى الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، ومسؤولي وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف وأعضاء اللجنة التنفيذية للندوة، واللجنة العلمية وبقية اللجان العاملة. وبالله التوفيق.
الفصل الأول
موضوع البحث
أولاً: تمهيد:(9/3)
تخرج خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله – من أعظم مدرسة عرفت في التاريخ الحديث بحبها للدعوة الإسلامية، ونصرة الإسلام والمسلمين، والحرص على نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة الخالية من البدع، والشرك، والانحراف، والدفاع عنها، وتحكيم الشريعة الإسلامية في كافة مناحي الحياة، واتخاذها دليلاً ومناراً ومنطلقاً للحكم: مدرسة الملك عبدالعزيز ~. وتشرب الملك فهد منذ نعومة أظفاره تلك المعاني السامية، والإخلاص فيها ولها، وليس أدل على ذلك من حديثه دائماً –حفظه الله – عن والده وتأثره بشخصيته، حيث نجده دائماً يتحدث عن ذلك الأمر ويذكره بالتفصيل.
فنجده في افتتاح المؤتمر العالمي عن تاريخ الملك عبدالعزيز في شهر ربيع الأول من عام 1406هـ، قد تحدث عن والده بقوله:" إن الملك عبدالعزيز كان يستشعر في مسعاه واجباً دينياً وخلقياً، كان يمثله سلوكه الشخصي، منذ نعومة أظفاره، في طهارته وورعه وتقاه، فقد كان ~ قوي الصلة بالله ?، لا ينام من الليل إلا قليله وكان يقضي أكثره راكعاً أو ساجداً، يطلب العون من الله، ويستمد النصر منه سبحانه، في كل أمر من أموره، وكان يؤمن إيماناً مطلقاً بأنه لا يتوفر للعقيدة عزة وانتشاراً وخلوداً، إلا في ظل كيان آمن مطمئن، يقوم على رعايتها وتبليغها، والدعوة إليها، والدفاع عنها، حيث توضح ذلك إحدى خطبه الجامعة بقوله:"إنني أعمل جهد الطاقة، في سبيل إعلاء كلمة الله، ورفعة هذا الدين، وإحلال عقيدة السلف، وسنة رسوله الله @، وما جاء عن الخلفاء الراشدين مكانها المناسب، وإنني مسلم أحب جمع كلمة الإسلام والمسلمين وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين، ويتحد شملهم ويعلو شأنهم". (القابسي، 1418: 35).(9/4)
وكان لهذه المدرسة العظيمة الأثر الكبير على خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله –، وظل حريصاً كل الحرص على الالتزام الكامل بالشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في كافة مناحي الحياة، وفي كل نظم الدولة، واستمر هذا الالتزام حتى توج بصدور النظام الأساسي للحكم في عام (1412هـ)، والذي حدد فيه خادم الحرمين الشريفين النظام الأساسي للحكم، حيث قال: "إن عماد النظام الأساسي ومصدره هو الشريعة الإسلامية حيث اهتدى هذا النظام بشريعة الإسلام في تحديد طبيعة الدولة ومقاصدها ومسؤولياتها… والنظام الأساسي للحكم استلهم هذه المبادئ وهدف إلى تعميقها في العلاقة بين الحاكم والمحكوم محكومة أولاً وأخيراً بشرع الله كما جاء به كتابه الكريم وسنة نبيه @" (الزنيدي،1420: 240).
ولا غرابة إذاً من أن تصدر وتشع عن هذه النشأة الإسلامية الراسخة العديد من الإنجازات لخدمة الإسلام والمسلمين في كافة مجالات الحياة، وفي كل ما من شأنه نفع الإسلام والمسلمين وخدمتهم، والحرص على ما ينفعهم في حياتهم الدنيا وآخرتهم، وكان من ضمن تلك الاهتمامات، الاهتمام بالوقف من قبل خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ لما له من أهمية كبيرة في الإسلام، ولما له من آثار عظيمة في نشر الإسلام، ونفع الناس وتحقيق العبودية لله في الأرض من خلال بناء المجتمع المسلم المتكافل القوي.
ثانياً: موضوع البحث:
للوقف أهمية كبيرة وعظيمة في الإسلام، وقد أجمع غالب العلماء على أن الوقف مشروع، وقد ندب إليه الإسلام ورغب فيه، وجعله من أفضل القربات المستمرة الدائمة التي يتقرب بها إلى الله تعالى. قال سبحانه:
( ((( (((((((((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ( [آل عمران: 92]. وقال النبي @:"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].(9/5)
وتعتبر الأوقاف من أهم الموارد الاقتصادية للدولة الإسلامية، والأوقاف نظام إسلامي شرع بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وللوقف أهداف متعددة فالهدف الأسمى في الوقف هو التقرب إلى الله تعالى بالطاعة، وتحقيق رضوانه، ونيل ثوابه المتجدد طيلة استدامة أعمال البر والمعروف والإحسان إلى خلقه، إضافة إلى أنه تنظيم للحياة بمنهج حميد متوازن، يقوي الضعيف ويعين العاجز ويحفظ حياة المعدم، ويرفع مستوى الفقير.
كما أن الوقف يحقق منافع معيشية واجتماعية وثقافية مستمرة ومتجددة، في أزمنة متطاولة وذلك من خلال وقف المساجد، والمصاحف، والكتب، والمدارس، والمستشفيات ودور العجزة، والسقايات..الخ.
كما تكمن أهمية الوقف في إطالة مدة الانتفاع بالمال إلى أجيال متتابعة، حيث تستفيد الأجيال اللاحقة بما لا يضر الأجيال السابقة، ويحقق الوقف الأمن المعيشي للمجتمع المسلم، كما أنه يعمل على إعداد القوة وتهيئة الأمة للوقوف في وجه الأعداء والدفاع عن دينها وعقيدتها، ويتضح هذا من خلال رواية أبي هريرة عن خالد بن الوليد الذي أوقف أدرعه وعتاده للأمة من بعده، للاستعانة بها في سبيل الله ومن اجل إعلاء كلمته. كما أن المؤسسة الوقفية تعد واحدة من المؤسسات التي تسعى لتوفير أماكن العبادة وصيانتها، ولتعليم الفرد المسلم وتثقيفه، وذلك من خلال الاهتمام بالمساجد والوقف عليها والتي كانت على مر العصور مراكز للعبادة ومعاهد للعلم ومنابر للمعرفة والثقافة.
كما أن الوقف يعمل على بث روح التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع المسلم للقيام باحتياجات الآخرين وتلبية ضرورياتهم على أساس أن أفراد المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهكذا يتضح لنا أن للمؤسسة الوقفية في الإسلام ميزة خاصة تميزها عن غيرها من صور الإنفاق، فقد شرعه الإسلام لمصالح(9/6)
لا توجد في سائر الصدقات، لأن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالاً كثيراً ثم يفنى فيحتاج الفقراء مرة أخرى، كما أنه تجيء أقوام أخرى من الفقراء فيكونون محرومين، فلا يوجد أنفع ولا أفضل لعموم المسلمين من أن يحبس شيء لأصحاب الحاجات منهم، يبقى أصله وتصرف عليهم منافعه، ومن هنا يعتبر الوقف مصدراً منظماً ودورياً غير منقطع، يعمل باستمرار على تمويل وتحقيق الأهداف التي ذكرنا قسماً منها سابقاً. مما جعله يحتل مكانة متميزة بين سائر أوجه الصدقات والإنفاق الأخرى، ولا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق النصر والتعاون بين أفراد المسلمين.
ولما للوقف من تلك الأهمية وذك الدور الذي يقوم به في المجتمع المسلم، جاء حرص خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ بالأوقاف وتنميتها والاهتمام بها، والوقف على كافة مناحي الحياة، بدءاً من الوقف على كتاب الله "القرآن الكريم" والعمل على نشره في كافة أنحاء المعمورة، وكذلك على الحرمين الشريفين، والعناية بهما وتوسعتهما، والوقف على المساجد داخل وخارج المملكة العربية السعودية، وكذلك المراكز الإسلامية، والوقف على الكراسي العلمية بالأكاديميات والجامعات المختلفة، بهدف نشر الإسلام والتعريف به، وكذلك الوقف على خدمة الأقليات المسلمة، ومبرات خادم الحرمين الشريفين في إفطار الصائمين، وسقي حجاج بيت الله الحرام، وكذلك الوقف على المدارس والمكتبات والمحافظة على الآثار الإسلامية، وإقامة المستشفيات ورصف الطرق، ورعاية أبناء السبيل، والمعاونة على أداء فريضة الحج للذين لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، والإنفاق على الحرمين، وإقامة الأسواق التجارية، وغيرها من الأوقاف التي أوقفها خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه
الله ـ بهدف مرضاة الله ? أولاً وأخيراً وخدمة للإسلام والمسلمين.(9/7)
وعليه فإن موضوع هذا البحث يتلخص في محاولة تسليط بعض الأضواء وإعطاء بعض النماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله – في العناية بالأوقاف، وذلك بمناسبة مرور عشرين عاماً على توليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، ومشاركة في هذه الندوة المباركة التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ممثلة في وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف بهذه المناسبة العزيزة.
ثالثاً: أهمية البحث:
تأتى أهمية هذا البحث من أهمية موضوعه إذ إنه يتعلق بأفضل القربات إلى الله ? وهي: "الأوقاف" مع التركيز على عناية خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – بهذه القربة العظيمة، وتتلخص أهميته في الآتي:
1 – توثيق هذه الخاصية من خصائص خادم الحرمين الشريفين المتعددة في خدمة الإسلام والمسلمين في الجانب الخاص بالوقف، بهدف تسليط الضوء عليها والتعريف بها.
2 – الإسهام العلمي في إثراء الجانب النظري والتراث العلمي في مجال الأوقاف والاهتمام بها.
3 – تعريف الأجيال الحالية والقادمة بجهود خادم الحرمين الشريفين في مجال الأوقاف والعناية بها وتطويرها والنهوض بها.
4 – الاستفادة من الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – في الأوقاف وفي المجالات المتعددة التي أوقف عليها.
5 – تزداد أهمية هذا البحث في بعده العلمي من جهة كونه سيوضح الأساليب والوسائل التي اتبعها خادم الحرمين الشريفين في مجالات الوقف المتعددة، مسايراً في ذلك تطورات العصر وتقنياته في تنويع وتطوير مجالات الوقف.
6 – الإسهام في توثيق مناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم في البلاد، وذلك من خلال تسليط الضوء على هذا الجانب المهم فيما يتعلق بالأوقاف والعناية بها وتطويرها.
رابعاً: أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى تحقيق الآتي:(9/8)
1 – التعريف بعناية المملكة العربية السعودية بالأوقاف ورعايتها وتنميتها وتثميرها.
2 – التعريف بنماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين في مجال العناية بالأوقاف وتطويرها.
3 – تسليط الضوء على أوقاف خادم الحرمين الشريفين المتعددة المجالات والنواحي في خدمة الإسلام والمسلمين.
4 – التعريف بأهم القرارات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين خلال العشرين سنة الماضية والتي كان لها الأثر الكبير في تطوير الأوقاف والنهوض بها.
5 – تسليط الضوء على إسهامات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في مجال العناية بالأوقاف وتطويرها وتنميتها.
خامساً: مفهوم الوقف
الوقف في اللغة: الحبس والمنع، "والوقف مصدر وقف يقف، بمعنى حبس يحبس وجمعه أوقاف" (لسان العرب ج9: 359) ومن هذا قولهم وقف الرجل بستاناً، حبسه وجعله موقوفاً لأهداف خيرية. (الموسوعة العربية الميسرة: 121).
أما الوقف في الاصطلاح فله عدة معاني تعريفية متقاربة منها:"حبس العين – كمسجد وبستان ومدرسة – عن التمليك للناس، وتسبيل منافعها، أي منع العين أن يمتلكها أحد من الناس، لأنها انتقلت إلى ملك الله تعالى، لكن للناس أو لبعضهم أن يستفيدوا من منافعها وثمراتها تبعاً لرغبة الواقف أي الذي وهبها إلى الله".
ومن الألفاظ المستعملة التي يراد بها الوقف والأوقاف: "الأحباس والحبس – جمع حبس – والسبيل وجمعه سبل، والصدقة الجارية، وهكذا يكون معنى الوقف انتقال ملكية الشيء الموقوف إلى الله تعالى مع بقاء منافعه بحسب الرغبة الخيرية للواقف (الموسوعة العربية العالمية: 120).(9/9)
وسوف يستخدم مصطلح الوقف في هذا البحث بمعناه الواسع والمتعلق بجميع الأعمال التي تعود بالنفع والخير على عموم المسلمين في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، والتي تمثلت في نواحي عديدة ومشاريع متنوعة قامت بها الدولة السعودية منذ نشأتها على يد المغفور له – بإذن الله – الملك عبدالعزيز واستمرت مع أبنائه الملوك البررة حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – أيده الله –.
سادساً: منهج البحث
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي الذي يستخدم بكثرة في العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية، وهو منهج يتناسب مع طبيعة البحث الحالي. كما أن البيانات المستخدمة بيانات كيفية فقط مع غياب تام للبيانات الكمية، ويعود السبب في ذلك إلى عدم التمكن من إجراء بحث ميداني مركز في فترة زمنية قصيرة لضيق الوقت المتاح لإعداد هذا البحث قبل عقد هذه الندوة المباركة.
وقد اعتمد البحث في بياناته على مصادر البيانات المكتوبة بأنواعها المختلفة من كتب، وبحوث، وتقارير، ومقالات، ورسائل في مجالات تخصصية متعددة كالفقه والدراسات الشرعية، والسيرة والتاريخ والاجتماع وغيرها، التي تناولت موضوعات تتعلق بالوقف والأوقاف كل في مجال تخصصها.
الفصل الثاني
عناية المملكة العربية السعودية بالأوقاف
المبحث الأول: نماذج من رعاية الملك عبدالعزيز ~ بالأوقاف
تمهيد:(9/10)
إن كل مطلع على تاريخ المملكة العربية السعودية سيدرك أن هذه الدولة المباركة التي كتب الله لها الاستقرار والاستمرار لنصرة الإسلام والمسلمين ونشر الدعوة الإسلامية والعقيدة السلفية الصافية والعلم الصحيح، سيعرف أن الملك عبدالعزيز آل سعود ~ المؤسس لهذه الدولة، جعل الاهتمام برعاية وتنظيم الأوقاف ضمن طلائع اهتماماته، حيث نالت الأوقاف حظاً وافراً من الاهتمام والتنظيم الإداري الذي سلكه ~ في إدارة البلاد، فقد كان يكلف القضاة والدعاة والعلماء في معظم مناطق المملكة بالإشراف على الأوقاف وإدارتها وتنظيمها. وبالنسبة للمناطق التي كان يوجد فيها تنظيم للأوقاف مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، فقد قرر ~ استمرار التنظيم المتبع حتى يدرس الأمر ويصدر تنظيم جديد لها.
ونجد أن رعاية الأوقاف لم تكن في عهده ~ محصورة في أوقاف محددة، بل كانت شاملة لجميع أنواع الأوقاف التي فيها نفع للإسلام والمسلمين ولخدمة مواطني هذه الدولة المباركة، فقد شملت عنايته ~ توسعة الحرمين الشريفين، وبناء المساجد، وتوفير المياه، وتعبيد الطرق، ونشر الكتب الشرعية وغيرها من الأوقاف. وحيث إن المجال هنا لا يتسع لسرد كافة نواحي اهتمامات الملك عبدالعزيز بالأوقاف إذ يتطلب ذلك بحوثاً ومجلدات عديدة، فسوف نقوم هنا بإعطاء بعض المؤشرات والصور حول رعايته للأوقاف متناولين ذلك من خلال رعايته للحرمين الشريفين واهتمامه بالمساجد والكتب وغيرها وذلك في شكل لمحات واستعراضات سريعة.
أولاً: عناية الملك عبدالعزيز بالحرمين الشريفين(9/11)
تشير العديد من المصادر التاريخية المختلفة إلى أن الملك عبدالعزيز قد أولى الحرمين الشريفين عناية تامة منذ أن تشرف بحمل أمانة رعاية المسلمين في الحرمين الشريفين وخدمتهما بعد ضم الحجاز واكتمال مسيرة التوحيد التي قادها، فنجده ~ قد أولى الحرم المكي عناية ورعاية عظيمة، "وبمجرد استقرار الأوضاع في الحجاز بادر ~ بعمل الإصلاحات والترميمات اللازمة حيث أصدر أمره إلى مدير الأوقاف محمد سعيد بالخير بترميم عموم الخراب الواقع في جدار المسجد وفرشه وأعمدته وإصلاح المماشي وحاشية المطاف وعموم الأبواب وطلاء مقام إبراهيم # بالدهان الأخضر وكذلك الأساطين النحاسية الواقعة حوله، وغير ذلك من الإصلاحات اللازمة للمسجد الحرام، وتمت هذه العمارة بكامل السرعة لحلول موسم الحج لعام 1344هـ" (عبيد، بدون تاريخ،ج3: 159).
كما ذكر عبيد في تاريخه العديد من الإصلاحات التي أمر الملك عبدالعزيز ~ بعملها في الحرم المكي في تلك السنوات، ومما يسجل للملك عبدالعزيز في ذلك العام أمره بتجهيز كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، حيث قام بتأسيس دار خاصة لكسوة الكعبة في عام (1346هـ)، وكانت هذه أول دار أسست خصيصاً لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز، كما أمر في تلك السنة (1346هـ) بإجراء العديد من الترميمات والزيادات على أرجاء الحرم المكي، وكان ذلك العمل قد استغرق حوالي عام كامل حيث ابتدئ في جمادى الأولى من عام (1346هـ) واستمر إلى نهاية ربيع الثاني من السنة التالية، وقد صرف جلالة الملك على ذلك العمل ما يربو على ألفي جنيه من الذهب، وكان ذلك التبرع من جلالة الملك –أيده الله – (انظر عبيد، بدون تاريخ: 200 –213).
كما أمر الملك عبدالعزيز بتجديد الإضاءة في المسجد الحرام وزيادتها حتى بلغت ألف لمبة،واستمرت تتوالى الإصلاحات والزيادات والترميمات في المسجد الحرام طوال فترة حكمه ~ مما لا يتسع المجال لذكره الآن.(9/12)
ونختم هذا الجزء بما توصلت إليه إحدى الدراسات العلمية عن مرافق الحج وخدماتها المدنية في عهد الملك عبدالعزيز من أن الملك عبدالعزيز ~ كان وراء المشروع العملاق لتوسعة الحرم المكي الذي أعلن عنه في عهده، وشرع فيه في عهد خلفه الملك سعود ~ (انظر جميل، 1417: 242).
أما عناية الملك عبدالعزيز ~ بالمسجد النبوي فلا تقل كثيراً عن العناية التي أولاها المسجد الحرام حيث تنوعت رعايته للمسجد النبوي الشريف ما بين أعمال الترميمات والصيانة وإيصال الخدمات والتوسعة، فأما الترميمات والصيانة في الحرم المدني فقد بدأت منذ أن زار الملك عبدالعزيز المدينة المنورة لأول مرة عام (1345هـ)، حيث أمر بإنجاز ما يحتاج المسجد إليه من الترميمات، وفي عام (1348هـ) رفع إلى جلالته عن حاجة بعض أسطوانات المسجد إلى تدعيم فأمر بإجراء اللازم، وشدت الأسطوانات بسوارات حديدية قوية، كما أجريت بعض الإصلاحات والترميمات الأخرى في أرضية المسجد النبوي وفي الأروقة واستمرت الترميمات والتحسينات في المسجد النبوي حتى عام (1368هـ)، حيث أعلن ~ بأنه سيقوم بإعمار المسجد النبوي من ماله الخاص، ابتغاء رضوان الله، وكلف مدير الإنشاء والتعمير في المملكة آنئذٍ بدراسة الأمر وموافاتة بتقرير خاص (انظر الحصين، 1419: 36-37).
وفي الخامس من شوال عام (1370هـ) أقيم حفل خاص بالمسجد النبوي للبدء بأعمال التوسعة، وأعطيت الأوامر بهدم العقارات المستملكة بعد ان دفعت أثمانها، وعزلت منطقة التوسعة عن المبنى الجنوبي بجدار، كي لا تتوقف الصلاة والزيارة في المسجد، ثم أزيلت الأروقة الشمالية والشرقية والغربية، والمآذن الشمالية الثلاث، وأقامت إدارة المشروع مصنعاً كبيراً للأحجار والموازييك في آبار علي، ومصنعاً للرخام في جدة، وورشة في منطقة الداودية لإعداد لوازم البناء والتجهيزات الأولية، واستوردت المواد اللازمة عن طريق ميناء ينبع.(9/13)
وفي الرابع والعشرين من شهر رمضان 1372هـ، بدأت عملية البناء وفي الثاني من شهر ربيع الأول عام 1373هـ، توفي الملك عبدالعزيز ~، فخلفه ابنه الملك سعود، الذي حضر إلى المدينة في الشهر نفسه مع عدد من الدبلوماسيين، وكان البناء قد ارتفع عن الأرض، فوضع بيده أربعة أحجار في الزاوية الشمالية الغربية من التوسعة تاكيداً لاستمرار المشروع الذي بدأه الملك الراحل، فتواصل العمل بهمة ونشاط إلى عام 1375هـ، حيث افتتح المسجد في الخامس من ربيع الأول من ذلك العام وكان البناء من الخرسانة المسلحة، وهي أول مرة تدخل فيها الخرسانة في بناء المسجد (انظر الحصين، 1419: 37 –38).
وكان من ضمن اهتمامات الملك عبدالعزيز ~ بخدمات الحج والحجيج العناية الخاصة بمشروعات السقيا وتوفير المياه للحجيج في مكة المكرمة ومشاعرها وللزوار والمقيمين في المدينة المنورة وتوفير المياه في المحطات الأخرى للحجاج مثل مدينة جده باعتبارها إحدى المحطات المهمة من محطات الحجاج وبالذات للقادمين منهم من الخارج عبر البواخر.
ومن النماذج التاريخية المبكرة ما ذكره المؤرخ إبراهيم بن عبيد في مؤلفه: (تذكرة أولى النهي والعرفان) عما قام به الملك عبدالعزيز في عام 1345هـ من جهود لتوفير مياه الشرب في الحرم المكي؛ حيث عمل ~ سبيلاً للشاربين من ماء زمزم بثلاث نوافذ على ارتفاع قامة الواقف إلى صدره فكان في ذلك راحة للشاربين، وقد ذكر ابن عبيد أن هذا السبيل قد كتب عليه عبارة تذكارية نصها:"أنشأ هذا السبيل الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن السعود".
وفي الوقت نفسه أمر الملك عبدالعزيز بتجديد "عمارة السبيل القديم وعمله بشكل بديع يماثل الذي بجواره".(9/14)
ومن النماذج الأخرى لاهتمام الملك عبدالعزيز ~ بتوفير المياه في مكة المكرمة، تشكيل هيئة خاصة لرعاية المياه لعين زبيدة وزيادة مواردها من المياه والمحافظة على تلك المياه من خلال تجديد مجاريها، كذلك أصدر أوامره ~ عام 1370هـ بالبحث عن عين أخرى مساندة لها، وتم حينئذٍ افتتاح العين الجديدة أو العين العزيزية التي كانت خير رافد يمد الحجاج والمقيمين في مكة المكرمة بالمياه العذبة منذ شوال عام 1371هـ.
ومن نماذج اهتماماته ~ في توفير مياه الشرب في جدة أمره بالعناية بعين الوزيرية وإيصال المياه منها إلى بازان حلة المظلوم في جده عام 1353هـ (انظر العمري، 1420: 30).
وقد حاز الطريق الذي يسلكه الحجاج والمعتمرون بين مكة وجدة على عناية الملك عبدالعزيز ~ بإنشاء أسبله عرفت بأسبلة الملك عبدالعزيز لتوفير مياه الشرب والسقيا، ومنها سبيل بئر أم القرون، وسبيل حداء، وسبيل بئر المقتلة، وقد تم تشييد هذه الأسبلة في عام 1361هـ (غباشي، 1414: 204 –205).
ثانياً: عناية الملك عبدالعزيز بالمساجد
أولى الملك عبدالعزيز ~ بيوت الله عناية خاصة وذلك إنطلاقاً من مسؤوليته الكبيرة راعياً للبلاد والعباد، وقد كان يحرص كل الحرص على عدم الإعلان عن مثل هذه الأعمال من أبواب الخير، رغبة منه في عظيم الأجر والثواب من الله ?.
إلا أنه بتتبع بعض المصادر التاريخية المختلفة نجد هناك العديد من النماذج والامثلة التي تدل على عظيم إهتمام الملك عبدالعزيز ~ ببيوت الله.
ومن النماذج التاريخية المبكرة التي تدل على ذلك تكلفته ببناء أحد المساجد في بريدة في حدود عام (1330هـ)، كما تدل مجموعة من المصادر التاريخية على أن الملك عبدالعزيز ~ كان حريصاً دائماً على إجابة الطلبات الواردة من مختلف مناطق المملكة للمساعدة في بناء وترميم المساجد وغيرها.(9/15)
ومن النماذج الأخرى لعناية الملك عبدالعزيز بالمساجد وما يتبعها من ملحقات للنفع العام مثل دور العلم، أو الأوقاف، أو المبرات الخيرية، الخطاب الذي وجهه الملك إلى الأخوان من كافة أهل المجمعة في عام (1335هـ) "ففي هذه الوثيقة التاريخية يبين الملك عبدالعزيز تدبيراته حيال بعض الأعمال الخيرية التي وجه بالقيام بها هناك، والتي اشتملت على مسجد ومدرسة وأوقاف للصرف منها على الأعمال الخيرية المذكورة، ويقول الملك عبدالعزيز في خطابه: "… من طرف القصر والمسجد وكَّلنا عبدالمحسن بن دعفق يقطع من القصر الذي يكفي المسجد، والباقي عقب المسجد يحط منه مدرسة للعيال يتعلمون فيها ويجعل منه دكاكين سباله على المدرسة والسقات، ويقطع ما يكفي بستان للقليب يغرس والجميع كله على نظر عبدالمحسن ما لأحد فيه مدخال …" (العمري، 1420: 10).
ومن النماذج الوثائقية الأخرى من اهتمام الملك عبدالعزيز بالمساجد والعناية بها كتابه الذي بعث به إلى محمد بن ضرمان ومحمد بن مرضي في وادي الدواسر يطلب منهما بسط الصورة الحقيقية عن أحد المساجد القائمة هناك وتقدير حاجته للدعم.
حيث يقول الملك عبدالعزيز ~ في خطابه لهما:" …ذكر لنا خلف ابن قويد وجماعته أن مسجدهم ضيق عليهم ويحتاج إلى زيادة مصباح، فأنتم إنشاء الله تشوفون وتعرفوننا بالحقيقة…" (انظر أرشيف الوثائق الوطنية، وثيقة رقم 1984).
وما أن علم الملك عبدالعزيز بحقيقة المسجد وحاجته للمساعدة حتى بادر ~ في إصدار أمره البرقي إلى ابن ضرمان وابن مرضي بدفع مبلغ خمسمائة ريال إعانة منه للمسجد ومستلزماته، وقد كان هذا المبلغ مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت (انظر ارشيف الوثائق الوطنية، وثيقة رقم 1984).(9/16)
وهناك العديد من الوثائق التي تدل على اهتمام الملك عبدالعزيز ~ بالمساجد، ولم يكن اهتمامه قاصراً على المباني والتجهيزات فيها فقط، بل كانت عنايته بالمساجد وشؤونها تشمل الحرص على الأئمة والمؤذنين في المساجد بتوفير العطيات لهم وتأمين المساكن لهم قدر الإمكان، حتى لا ينشغلوا عن تأدية المهام المناطة بهم، ويدل على ذلك العديد من الوثائق التاريخية أيضاً، مثلاً أمره ~ ببناء ببعض البيوت للمساجد في القصيم عام (1361هـ).
وتدل بعض الوثائق التاريخية على أن الملك عبدالعزيز ~ من حرصه على سرعة تأمين البيوت ألحق أمره بالبناء بأمرآخر استجاب فيه مباشرة لرأي الشيخ حمد بن عبدالمحسن التويجري بالبحث عن بيوت جاهزة وشرائها لسد الحاجة حيث يقول:
"الخط المكرم وصل، وما عرفت كان معلوماً خصوصاً من قبل البيوت الذي أمرناكم بتعميرها، وأن الأوقاف يشاف بدالها بيوت مستقيمة وتشرى فهذا رأي طيب لكن عرفونا هل موجود الآن بيوت تسد اللازم فعرفونا قبل وقت البنيان…".
ومثال ذلك أيضاً خطاب الامير سعود بن عبدالعزيز – ولي العهد – إلى الشيخ حمد التويجري في شهر صفر من عام (1357هـ) لتعميده بتسليم الشيخ "منصور بن عمران ماية وزنة تمر وثلاثين صاع عيش قاعدة له مازال إمام المسجد الذي في جلاجل…".
ومن النماذج كذلك الخطاب الصادر من الملك عبدالعزيز ~ إلى الشيخ عبدالعزيز التويجري في صفر من عام (1367هـ)، حيث يقول ~: "أجروا لمنصور بن عمران الذي عينا لأهل الأرطاوية يصلي بهم ويعلمهم أمر دينهم أربعمائة وزنة تمر ومايتين صاع عيش راتب له في الصيف والصفري…" ( العمري، 1420: 12 –13).(9/17)
إلى غير ذلك من النماذج التاريخية الأخرى التي قد لا يتسع المقام لإيرادها، ويكفي أن نشير هنا إلى أن تلك العناية والرعاية التي أولاها الملك عبدالعزيز لشؤون المساجد وأئمتها ومؤذنيها قد تطورت وازدادت يوماً بعد يوم حتى أصبحت هذه الخصلة الحميدة سمة تميز حكومة هذه البلاد وأهلها، فعممت الدولة المكافآت على الأئمة والمؤذنين، وتسابق أهل الخير والدولة في بناء المساجد بمرافقها في كافة أنحاء المملكة وفي البلدان الأخرى، فقل أن تجد مسجداً اليوم يخلو من مرافق للإمام أو المؤذن.
ثالثا: عناية الملك عبدالعزيز ~ بالوقف على الكتب وطباعتها ونشرها
لقد أولى الملك عبدالعزيز ~ عناية واهتماماً خاصاً بالكتب والمخطوطات الإسلامية النادرة، وعمل على طباعتها ونشرها على نفقته الخاصة، وذلك لما عرف عنه ~ من تشجيع ملحوظ لأبنائه وللعلماء والمفكرين والمقتدرين على وقف الكتب ونشرها، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الملك عبدالعزيز لم يكن ليكتفي بطباعة الكتب وتوزيعها داخل المملكة العربية السعودية فقط، بل كان يهتم أيضاً بتوزيعها خارج المملكة العربية السعودية، ولم يقتصر وقفه على طباعة الكتب ونشرها باللغة العربية فحسب، بل تعدى ذلك إلى طباعة عدد من الكتب بلغات أخرى غير العربية مثل الجاوية والهندية وغيرها، وكان يهدف من ذلك ~ إلى تعميم نشر الدعوة في الأقطار الإسلامية.(9/18)
وكان ~ لديه صيغة معينة على الكتب الوقفية تكاد تكون ثابتة لا تتغير إلا فيما ندر، وتلك الصيغة هي:" يعلم من يراه بأن الإمام عبدالعزيز ابن عبدالرحمن آل فيصل وقف هذا الكتاب لوجه الله تعالى على طلبة العلم لا يباع ولا يورث ولا يحبس، فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما اثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم"، وحيث إن المقام هنا لا يتسع لإعطاء النماذج الكثيرة على إهتمام الملك عبدالعزيز وعنايته بوقف الكتب وطباعتها ونشرها، إلا أن هنالك العديد من المخطوطات التي تحدثت عن هذا الأمر، وإنما الهدف هو مجرد الإشارة لذلك، ومن أراد الاستزادة فليعد إلى الكتب والبحوث التاريخية التي اعتنت بهذا الموضوع.
وعموماً فإن هناك سمات عامة لمجموعة المؤلفات التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز ~ خلال حياته يمكن إيجازها في الآتي:
أولاً: تركيز هذه المؤلفات على كتب أعلام السلف مثل أحمد بن حنبل، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم وغيرهم.
ثانياً: تنوع موضوعاتها، حيث تشمل العقيدة والتفسير والفقه واللغة العربية وآدابها والتاريخ الإسلامي والجغرافيا والأنساب وغيرها.
ثالثاً: نشر كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلامذته بهدف نشر حقيقة دعوة الشيخ والرد على أصحاب الأقاويل المعادية لها.
رابعاً: تعدد المطابع التي طبعت فيها تلك المؤلفات، ومنها:
المطبعة المصطفوية في بومباي بالهند.
مطبعة النهضة بمصر.
مطبعة الاعتدال بدمشق.
مطبعة الترقي بدمشق.
مطبعة السلفية بالقاهرة ومكة المكرمة.
مطبعة أم القرى بمكة المكرمة.
ومن أبرز العناوين التي طبعت على نفقة الملك عبدالعزيز ~ العناوين التالية:
تفسير ابن كثير والبغوي –8 مجلدات.
البداية والنهاية –14 مجلداً.
المغني والشرح الكبير –20 مجلداً
كشاف القناع – 6 مجلدات.
الشريعة للآجري.
منتهى الإرادات – 6مجلدات.
العدة شرح العمدة.
الإنصاف – 20 مجلداً.(9/19)
مجموع الفتاوي النجدية –4 مجلدات.
زاد المعاد – 4مجلدات.
الطرق الحكمية.
صيانة اللسان.
مختصر سيرة الرسول @.
الجواب الكافي.
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء.
التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح.
الروض المربع – مجلدان.
عقيدة الطحاوية.
طبقات الحنابلة.
كتاب السنة.
مدارج السالكين شرح منازل السائرين.
رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية.
فتح المجيد.
حاشية المقنع.
الإقناع.
جامع العلوم والحكم لابن رجب.
جامع الأصول للجزري.
تأسيس التقديس للشيخ أبي بطين.
مجموعة التوحيد.
مجموعة الحديث.
رد شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن البكري.
رد شيخ الإسلام ابن تيمية على الأخنائي.
منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ذكرى الكشافة العراقية.
دلائل الرسوخ.
شرح دليل الطالب.
نقض المنطق.
الجواب الصحيح.
شرح نونية ابن القيم.
الروضة الندية.
كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب لابن خزيمة.
مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم.
محاكمة الحمدين للألموسي.
ذيل الحنابلة لابن رجب.
ديوان ابن سحمان.
كتاب الزهد للإمام أحمد.
تقويم الأوقات لعرض المملكة العربية السعودية.
مختصر سنن أبي داود 4 مجلدات.
جامع الأصول –10 مجلدات.
الآداب الشرعية – 4 مجلدات.
منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب.
مختصر الفتاوي المصرية.
كتاب الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية.
الرسائل والمسائل النجدية.
تنبيه ذوي الألباب.
... وغيرها من الكتب والمخطوطات القيمة النفيسة، حيث نجد أنه ~ أوقف العديد من الكتب منها:
كتابة معونة أولي النهى لشرح المنتهى لمنصور البهوتي.
الآداب الشرعية لابن مفلح المقدسي.
كتاب بهجة الناظر المنتخب من صيد الخاطر لابن سلوم.
المقنع في الفقه لابن قدامة المقدسي.
العمدة في الفقه لابن قدامة.(9/20)
ومن استعراض هذه العناوين يتأكد لنا توجه الملك عبدالعزيز وحرصه على نشر مبادئ الدعوة السلفية، خدمة للعقيدة الصحيحة ولديننا الإسلامي الحنيف (انظر السماري، 1420: 411 –419).
...
المبحث الثاني: تطوير العناية بالأوقاف: لمحة تاريخية
كانت عناية الملك عبدالعزيز بالأوقاف في طليعة اهتماماته، منذ بدأ في تأسيس المملكة العربية السعودية، وجمع أرجائها، وتوحيد كلمتها، والناظر في منهج الإدارة الذي سلكه الملك عبدالعزيز ~ في جميع شؤونه، يدرك الفقه الإداري الذي يتمتع به، وقد نالت الأوقاف حظاً وافراً من هذا المنهج الإداري القويم.
وكان منهجه ~ في إدارة شؤون البلاد التعامل مع الواقع بروح متفتحة، يولي شؤون المدن والقرى من يرى فيه الكفاية لذلك من أهلها. وأما في مجال الإمامة، والوعظ والإرشاد، والقضاء، والأوقاف، فكانت تقتضي المصلحة اتباع منهجية أخرى، حيث كان يكل إلى القاضي الإشراف على الأوقاف، وهكذا استمر الحال في معظم مناطق المملكة، خاصة تلك التي يوجد فيها قليل من الأوقاف. إلا في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، نظراً لأن لها تنظيماً جرى العمل به إبان حكم الدولة العثمانية. فأبقى الملك عبدالعزيز ~ العمل بذلك التنظيم حتى أعاد تنظيم الأوقاف في مكة المكرمة، وعين الشيخ محمد سعيد أبو الخير مديراً لها، وأرسل من الخزانة السلطانية "خزانة الدولة"، إلى تلك الإدارة رواتب موظفي الحرم الشريف، وأقام جلالته إدارة مماثلة في كل من المدينة المنورة، وجدة.
وعندما صدرت التعليمات الأساسية للمملكة سنة 1345هـ شملت الأمور الشرعية فيها: القضاء، والحرمين الشريفين، والأوقاف، والمساجد، إلى أن صدر مرسوم ملكي كريم في 27/12/1354هـ، يربط إدارات الأوقاف وفروعها بمدير عام، مقره مكة المكرمة، ويتبعه مدير الأوقاف في كل من جدة والمدينة، ومجلس إدارة الحرم المكي. ويرتبط بإدارة الأوقاف في المدينة مدير الحرم النبوي، ومامور الأوقاف في ينبع.(9/21)
ووضع الملك المؤسس نظاماً دقيقاً وشاملاً لتوزيع الصدقات على مستحقيها، وأوكلت مهمة تنفيذه إلى لجنة مركزية تتبع إدارة الأوقاف العامة. واتسم تنظيم الأوقاف منذ عهد الملك عبدالعزيز ~ بالشمول والدقة، لتحقيق الغايات الشرعية من الوقف، والوصول إلى المصلحة العليا للأمة.
فقد انطلقت رؤية الملك الموحد ~ إلى الوقف، من مكانته في الشرع، وأثره في تنمية التكافل، والتعاضد بين أفراد المجتمع، فلم تقتصر الأوقاف على الإنفاق على الفقراء والمحتاجين، بل امتدت لتغطي بظلها الوارف جميع وجوه البر، وبخاصة تأسيس دور العلم، وإنشاء المكتبات، ورعاية طلبة العلم، مع إيلاء احتياجات الحرمين الشريفين ما يليق بمكانتهما في قلوب المسلمين كافة من مزيد عناية وعظيم اهتمام.
وبالرجوع إلى الأنظمة، والأوامر الملكية، والإرادات السنية التي صدرت عن جلالة الملك عبدالعزيز ~ يتبين مدى الحرص في الدراسة، والدقة في إصدار الأوامر، أو الموافقة عليها للوصول إلى أكمل نظام يحقق الانضباط، متوخياً من ورائه تحقيق مصالح الناس، حتى لا يستفيد فئة على حساب أخرى، ولذلك كان الرجوع إلى أهل الفتوى، والمشورة مبدأ أصيلاً في هذا المجال، مع التزام ما يصدر عن المحاكم الشرعية، ومراجعة المصادر الفقهية حين الالتباس، أو الخلاف، وحث القضاة على المراجعة المستمرة لهذه المصادر، وأن يكون الاجتهاد مدعوماً بالآراء الفقهية المستقاة من تلك المصادر، وذكر دواعي ترجيح الأنسب منها كما جرى تخصيص المحاكم وتحديد مهماتها، وبخاصة المحاكم التي تنظر في معاملات العقارات الموقوفة، وإثبات عائداتها. ويتضح هذا فيما ورد بالإرادة الملكية ذات الرقم 717 المؤرخة في 25/3/1349هـ.(9/22)
وهذا يبين حرص ولاة الأمور على متابعة أمور الأوقاف، وحفظها من التعدي عليها، والتحقق من إثبات عائداتها بالطرق الشرعية. ولضبط الاوقاف، وحمايتها من الإهمال والتلاعب، عملت الدولة على إثبات الأوقاف، وتدوينها في سجل خاص، مع تدوين أرقامها، وتواريخ سجلاتها، في سجلات المحكمة الشرعية، والتصديق عليها من قبل المحكمة، ومديرية الأوقاف، بل وتسهيل مهمات القائمين على هذا الأمر. وقد ورد هذا في قرار مجلس الشورى رقم 29 في2/3/1350هـ، الموافق عليه برقم 1040 وتاريخ 13/3/1350هـ.
وفي نطاق الحرص السامي على مصالح الاوقاف، ورعايتها، وتنميتها، صدر قرار مجلس الشورى ذو الرقم 61 والمؤرخ في 6/2/1350هـ، متضمناً تحديد الشروط للراغبين في وقف ممتلكاتهم من الرعايا الاجانب، وطرق صرف غلالها.
وجاء المرسوم الملكي الكريم ذو الرقم 67/4/2 المؤرخ في 9/5/1354هـ، ليعالج بصورة حازمة قضايا الأوقاف التي طالت مدة نظرها من قبل المحاكم، ومراجعة المستندات التي يملكها المدعون في دعواهم، والبت في تلك الدعاوي دون إبطاء.
أما قرار مجلس الشورى ذو الرقم 238 المؤرخ في 15/8/1355هـ، فقد حدد ضوابط شراء بدل الوقف.
ومما سبق يتضح اهتمام الدولة منذ تأسيسها على يد جلالة الملك عبدالعزيز ~ بأمور الأوقاف، والعناية بها، حيث كانت شؤون الأوقاف ملحقة بالمحاكم الشرعية حتى أنشأت لها إدارة خاصة، واستمرت العناية بالأوقاف حتى أنشئت وزارة الحج والأوقاف عام 1381هـ، بالمرسوم الملكي ذي الرقم 430 المؤرخ في 9/10/1381هـ، ليجسد الاهتمام والرعاية لحجاج بيت الله الحرام ولشؤون الأوقاف في المملكة.
الفصل الثالث
نبذة موجزة عن حياة خادم الحرمين الشريفين وأبرز إنجازاته
المبحث الأول: نبذة عن حياة خادم الحرمين الشريفين
ولادته ونشأته:(9/23)
ولد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود بمدينة الرياض عام 1340هـ/1921م، وتلقى تعليمه الأولي على يد عدد من العلماء بمتابعة مباشرة من والده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي أولى تربية أبنائه وتنشئتهم جل عنايته. وعرف عن الملك فهد بن عبدالعزيز حبه للاطلاع والمعرفة منذ صغره، كما عرف عنه تحمله للمسؤوليات منذ سنوات مبكرة من عمره.
المهمات الرسمية المبكرة:
كلف الملك عبدالعزيز ابنه الأمير فهداً بالعديد من الأعمال السياسية والإدارية، وذلك من خلال إشراكه في مهمات ووفود رسمية للمملكة العربية السعودية، بل كلفه برئاسة بعضها، واستمر تكليفه في عهد إخوانه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد – رحمهم الله – بكثير من الأعمال الدبلوماسية والمشاركات السياسية والمناصب الحكومية. وقد أكسبه ذلك خبرة وتوفيقاً في اتخاذ القرار السديد والحكيم في الشؤون الداخلية والخارجية.
ومن أبرز تلك المشاركات:
عضويته في الوفد السعودي الذي رأسه الأمير فيصل للمشاركة في المؤتمر الاول لمنظمة الأمم المتحدة، وللتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة الذي عقد في (سان فرانسيسكو) بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1364هـ/1954م.
مشاركته مع والده الملك عبدالعزيز لدى زيارته مصر في 10/2/1365هـ، حيث قلده الملك فاروق الوشاح الأكبر من نيشان النيل.
تمثيله للملك عبدالعزيز في حضور حفل تتويج الملكة (اليزابيث) ملكة بريطانيا في عام 1372هـ/1953م.
مرافقته الرئيس اللبناني (كميل شمعون) أثناء زيارته للملكة العربية السعودية في عام 1372هـ/1952م.
مشاركته في الدورة التاسعة للمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية، وافتتاحه الاجتماع الذي انعقد بجدة في 21/5/1374هـ الموافق 15/1/1955م.
رئاسته الوفد السعودي إلى اليمن في 13/8/1374هـ، الموافق 6/4/1955م.(9/24)
رئاسته وفد المملكة العربية السعودية للمشاركة في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية بالدار البيضاء في 27/2/1379هـ الموافق 31/8/1959م.
رئاسته الوفد السعودي المشارك في حضور اجتماعات مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 1/3/1380هـ الموافق 23/8/1960م.
رئاسته الوفد السعودي المشارك في مؤتمر رؤساء حكومات الدول العربية المنعقد في جامعة الدول العربية بالقاهرة في 6/9/1384هـ الموافق8/1/1965م.
رئاسته الوفد السعودي في المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة بتاريخ 16/12/1384هـ الموافق 18/4/1965م.
رئاسته الوفد السعودي في الدورة الثانية لمؤتمر رؤساء الحكومات العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 26/1/1385هـ الموافق 27/5/1965م.
رئاسته الوفد السعودي خلال زيارته إلى فرنسا بهدف توثيق العلاقات السعودية الفرنسية بتاريخ 2/7/1387هـ، الموافق 5/10/1967م.
رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى الصومال في 4/4/1388هـ الموافق 29/6/1968م.
رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى تركيا في 4/5/1388هـ الموافق 29/7/1968م.
رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى لبنان في 9/5/1388هـ الموافق 3/8/1968م.
رئاسته الوفد السعودي في زيارته إلى بريطانيا في 28/7/1389هـ، الموافق 9/10/1969م.
رئاسته الوفد السعودي إلى بريطانيا للمشاركة في المحادثات المتعلقة بمستقبل منطقة الخليج العربي بعد انسحاب بريطانيا منها عام 1389هـ/1969م.
رئاسته الوفد السعودي في المباحثات السعودية اليمنية بجدة في 17/5/1390هـ الموافق 5/12/1970م.
افتتاحه مؤتمر ميثاق التضامن الإسلامي في 27/4/1391هـ الموافق 20/6/1971م.
رئاسته الوفد السعودي إلى ليبيا في زيارة رسمية في 25/12/1393هـ الموافق 18/1/1974م.
رئاسته الوفد السعودي خلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 14/5/1394هـ الموافق 4/6/1974م.(9/25)
رئاسته الوفد السعودي إلى الإمارات العربية المتحدة في 8/11/1395هـ الموافق 11/11/1975م.
رئاسته الوفد السعودي إلى جمهورية مصر العربية في 29/11/1395هـ الموافق 2/12/1975م.
رئاسته الوفد السعودي في مؤتمر القمة العربية الحادي عشر بالأردن في 18/1/1401هـ الموافق 25/11/1980م.
وأول منصب تولى مسئولياته خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، هو وزارة المعارف حيث أصدر الملك سعود ابن عبدالعزيز أمره الملكي بتعيينه أول وزير للمعارف في 18/4/1373هـ، وذلك عندما استحدثت وزارة المعارف، وأسهم خادم الحرمين الشريفين في بناء النهضة التعليمية وإرساء معالمها الأساسية التي امتدت لترتقي بنواحي التعليم في أنحاء المملكة العربية السعودية، واستمر وزيراً للمعارف حتى 3/7/1380هـ ثم عُين – حفظه الله – وزيراً للداخلية في عام 1382هـ/1962م ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء عام 1387هـ/1967م، بالإضافة إلى منصبه وزيراً للداخلية. كما كلف برئاسة اللجنة العليا لسياسة التعليم عام 1385هـ/1965م.
وعندما بويع الملك خالد بن عبدالعزيز بالحكم في عام 1395هـ/1975م أصبح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء. وكلف برئاسة مجلس إدارة الخدمة المدنية عام 1397هـ/1977م.
بويع الملك فهد ملكاً للمملكة العربية السعودية عقب وفاة الملك خالد ابن عبدالعزيز ~ في 21/8/1402هـ الموافق 13/6/1982م.
المبحث الثاني: أبرز أعمال خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله –(9/26)
شهدت العشرون عاماً من عهد خادم الحرمين الشريفين نهضة حضارية شاملة في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تمثل امتداداً للنهضة الحضارية التي شهدتها المملكة العربية السعودية منذ بداية التخطيط التنموي في عام 1390/1391هـ، (1970م)، والتي استطاعت تحقيق أهداف كثيرة من أبرزها رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتخفيض الاعتماد على إنتاج النفط الخام وتصديره كمصدر رئيسي للدخل الوطني، وتنمية الصادرات غير النفطية، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتنمية الموارد البشرية وتعزيز دور القطاع الخاص، وتحقيق التنمية المتوازنة، واستكمال تنمية التجهيزات الأساسية.
وقد شهد عهد خادم الحرمين الشريفين تنفيذ خمس خطط تنموية وذلك حينما تولى حفظه الله الحكم عام 1402هـ/1982م ليستكمل خطة التنمية الثالثة ثم التخطيط والتنفيذ للخطط الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، والتي ركزت في مجملها على المحافظة على القيم الإسلامية، وتطبيق شريعة الله وترسيخها ونشرها، والدفاع عن الدين والوطن، والمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للبلاد، وتكوين المواطن العامل المنتج بتوفير الروافد التي توصله لتلك المرحلة، وتنمية القوى البشرية والتأكد المستمر من زيادة عرضها ورفع كفاءتها لتخدم جميع القطاعات، ودفع الحركة الثقافية إلى المستوى الذي يجعلها تساير التطوير الذي تعيشه المملكة، والاستمرار في إحداث تغيير حقيقي في البنية الاقتصادية للبلاد بالتحول المستمر نحو تنويع القاعدة الإنتاجية، وبالتركيز على الصناعة والزراعة وتنمية الثروات المعدنية وتشجيع استكشافها واستثمارها، والتركيز على التنمية النوعية بتحسين أداء ما تم إنجازه من منافع وتجهيزات خلال خطط الدولة التنموية الثلاث والعمل على تطويره، وإكمال التجهيزات الأساسية اللازمة لتحقيق التنمية الشاملة.(9/27)
وانطلاقاً من ذلك، حققت المملكة في ظل الخطط التنموية المتعاقبة، بتوفيق من الله تعالى، ثم بفضل التوجيه السديد من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – ومؤازرة سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله –، منجزات تنموية بارزة شملت أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية كافة. فتمكنت المملكة خلال هذه الفترة الزمنية الوجيزة من تحقيق منجزات متميزة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كافة توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتباب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي في قمة إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز توسعة الحرمين الشريفين وعمارتها. كي يستوعب الحرم المكي الشريف أكثر من مليون مصل، والحرم المدني الشريف أكثر من مليون ومائتي ألف
مصل، بالإضافة إلى حركة الإنشاء والتعمير التي شملت الأراضي المحيطة بالحرمين.
ومن إنجازات خادم الحرمين الشريفين إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لخدمة المسلمين بطباعة المصحف والعناية بكتاب الله طباعة صحيحة مدققة وتوزيعه على المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ويرمى المشروع إلى تحقيق العديد من الأهداف يأتي في مقدمتها طباعة القرآن الكريم بأحجام ونوعيات مختلفة بطاقة إنتاجية مقدارها عشرة ملايين نسخة سنوياً. وتسجيل القرآن الكريم على أشرطة بأصوات المشاهير من قراء المملكة وبعض الدول العربية والإسلامية، ويبلغ الإنتاج السنوي للمجمع من هذه الأشرطة (30) ألف نسخة مسجلة من القرآن الكريم. وكما يقوم المجمع بطباعة ترجمات عديدة لمعاني القرآن الكريم وعدد من المؤلفات الشرعية. وبهذا أصبح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف مركزاً علمياً متخصصاً في نشر القرآن الكريم وعلومه.(9/28)
وفي 24/2/1407هـ، وجه خادم الحرمين الشريفين بتغيير لقب "صاحب الجلالة" بلقبٍ يحبه ويشرفه وهو "لقب خادم الحرمين الشريفين"، وذلك في كلمته السامية التي ألقاها – حفظه الله – في افتتاح مركز تلفزيون المدينة المنورة جاء فيها:" عن رغبة ملحة تخامرني باستبدال مسمى "صاحب الجلالة" بلقبٍ احبه ويشرفني أن أحمله هو "خادم الحرمين الشريفين" وسوف يعتمد هذا رسمياً منذ الآن".
كما نجد من أبرز إنجازات خادم الحرمين الشريفين صدور الأوامر الملكية للنظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق، وذلك في مبادرة تاريخية من مبادرات خادم الحرمين الشريفين في 27/8/1412هـ.
ولخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تاريخ حافل ومواقف عربية وإسلامية نبيلة تجاه القضايا العربية والإسلامية. تأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية من حيث الدعم السياسي والمادي والمعنوي. كما ركز جهوده لنصرة المسلمين في البوسنة والهرسك. وذلك من خلال الدعم المالي والسياسي والمعنوي للشعب المسلم هناك كي يدافع عن حقوقه وهويته الإسلامية في ظل المبادئ السياسية الدولية.
كما نذرت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز نفسها وجندت طاقاتها لخدمة الإسلام وقضايا المسلمين المختلفة، ومن الصعب في هذه العجالة حصر نشاطها وإسهاماتها في هذا المجال، أو حصر إنجازات خادم الحرمين الشريفين المتعددة والمتنوعة. وسوف نتطرق لبعض تلك الإنجازات المتعلقة بخدمة الإسلام والمسلمين في المباحث التالية من هذا البحث.
وهناك العديد من الأحداث والإنجازات التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين ذات الصلة المباشرة بالنواحي الإسلامية والأوقاف، والجدول أدناه يوضّح أبرز تلك الأحداث والإنجازات:
جدول رقم (1) يوضّح أبرز الأحداث والإنجازات التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين ذات الصلة المباشرة بالنواحي الإسلامية والأوقاف:
التاريخ(9/29)
الحدث والإنجاز
م
16/1/1403هـ
افتتاح الملك فهد بن عبدالعزيز لمكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة.
1
16/1/1403هـ
وضع الملك فهد حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
2
16/1/1403هـ
صدور قرار مجلس الوزراء بتشكيل هيئة ملكية للإشراف على تطوير المدينة المنورة.
3
13/5/1403هـ
ألقى الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – كلمة بمناسبة أسبوع العناية بالمساجد، حيث أكد على دور المسجد في بناء المجتمع، وحرص حكومة المملكة العربية السعودية على تعمير المساجد.
4
19/7/1403هـ
اطلع الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – على رسومات ومخططات ومجسم توسعة الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة ووجه بإدخال بعض التعديلات التي تساعد المصلين على أداء فروضهم بكل يسر وسهولة.
5
26/8/1403هـ
صدر أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتنفيذ مشروع تكييف الحرم المكي الشريف خدمة للحجاج والمعتمرين.
6
25/12/1403هـ
صدور أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتجديد عمارة وتوسعة مسجد قباء بالمدينة المنورة.
7
6/1/1404هـ
قدم الملك فهد بن عبدالعزيز للمجلس العالمي للمساجد
في مكة المكرمة دعماً مالياً قدره (20) عشرون مليون
ريال.
8
13/4/1404هـ
افتتح الملك فهد بن عبدالعزيز مؤتمر القمة الإسلامي بالدار البيضاء بالمغرب بوصفه رئيساً للقمة الإسلامية الثالثة، التي عقدت في رحاب الحرم الشريف قبل ثلاث سنوات.
9
22/4/1404هـ
صدر أمر الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – بإقامة أول مشروع لتوزيع المياه على حجاج بيت الله الحرام خلال موسم الحج على نفقته الخاصة.
10
24/5/1404هـ
استلم الملك فهد بن عبدالعزيز – رعاه الله – جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام في الحفل السادس لجائزة الملك فيصل العالمية بمدينة الرياض.
11
1/9/1404هـ(9/30)
بدء مصنع المياه المثلجة بمكة المكرمة والمهداة وحداته من الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله – في الإنتاج وتوزيع المياه على زوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة.
12
2/9/1404هـ
تم افتتاح جامع الملك فهد بمكة المكرمة والذي بني على نفقته الخاصة.
13
22/9/1404هـ
صدر أمر الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله – بإعداد دراسة لشق نفقين حول الحرم المكي لتسهيل مرور السيارات.
14
22/9/1404هـ
صدر أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتوسعة جديدة للحرم المكي الشريف من الجهة الغربية، على أن يتم ضم مساحة السوق الصغير إلى الحرم، وتتكون من دورين بتصميم التوسعة السابقة للحرم نفسها.
15
6/2/1405هـ
افتتح الملك فهد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
16
8/2/1405هـ
وضع الملك فهد بن عبدالعزيز حجر الأساس لمشروع توسعة مسجد قباء بالمدينة المنورة.
17
9/2/1405هـ
تفضل الملك فهد بن عبدالعزيز بوضع الحجر الأساس لمشروع توسعة المسجد النبوي الشريف، حيث تضيف التوسعة (82) ألف متر مربع.
18
18/11/1405هـ
صدر أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتقديم مصحف المدينة لكل حاج.
19
26/11/1405هـ
وجّه الملك فهد بن عبدالعزيز بتنفيذ مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من لحوم الأضاحي.
20
9/1/1406هـ
صدور الأمر الملكي ببدء أعمال التوسعة للمسجد النبوي الشريف.
21
16/2/1406هـ
افتتح الملك فهد بن عبدالعزيز مسجد قباء بالمدينة المنورة، حيث تكلف بناؤه (110) ملايين ريال، وبلغت مساحته بعد التوسعة الجديدة (4518) متر مربع، إضافة للمساحة الخارجية والتي بلغت (2474) متر مربع.
22
6/12/1406هـ
إرسال هدية خادم الحرمين الشريفين لفرش المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وجامعي عمر بن الخطاب والنساء والمتحف الإسلامي بالقدس، وهي عبارة عن (8) آلاف متر مربع من السجاد الفاخر.
23
6/12/1406هـ(9/31)
صدور توجيهات الملك فهد بن عبدالعزيز بإجراء الدراسات اللازمة لإنشاء مجزرة نموذجية جديدة في منى، وذلك في إطار مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من لحوم الهدي والأضاحي، إضافة إلى مجزرة المعيصم النموذجية.
24
18/1/1407هـ
توجيه الملك فهد بن عبدالعزيز الأمراء والوزراء بتخصيص يوم معين يختاره كل منهم لاستقبال ذوي الحاجات.
25
15/2/1407هـ
توسعة عمارة مسجد القبلتين بالمدينة المنورة على نفقة الملك فهد بن عبدالعزيز، ويقع على مساحة قدرها (1190) متراً مربعاً، ويتسع لـ(2000) مصلٍ.
26
24/2/1407هـ
تغيير لقب (صاحب الجلالة) بلقب (خادم الحرمين الشريفين) جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الملك فهد بن عبدالعزيز في افتتاح مركز تلفزيون المدينة المنورة، جاء فيها:"عن رغبة ملحة تخامرني باستبدال مسمى صاحب الجلالة بلقب أحبه ويشرفني أن أحمله هو "خادم الحرمين الشريفين"، وسوف يعتمد هذا رسمياً منذ الآن".
27
15/2/1408هـ
أهدى الملك فهد بن عبدالعزيز الشعب المصري مركزاً طبياً متكاملاً لعلاج وجراحة أمراض الكلى، بلغت تكلفته (10) ملايين دولار على نفقته الخاصة.
28
19/2/1408هـ
تبرع الملك فهد بن عبدالعزيز بإنشاء وقف إسلامي يكون دخله لدعم العمل الإسلامي وجهود رابطة العالم الإسلامي في مجال الدعوة الإسلامية في أنحاء العالم.
29
3/3/1408هـ
تخصيص الملك فهد بن عبدالعزيز مبلغ (11) مليون ريال لدعم مركز خدمة السنة والسيرة بالمدينة المنورة.
30
30/8/1408هـ
قام الملك فهد بن عبدالعزيز بتفقد مسجد القبلتين في المدينة المنورة بعد استكمال بنائه بناءً على التوجيه الملكي.
31
12/6/1408هـ
صدور أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بالعفو عن نصف محكومية كل سجين يتمكن من حفظ القرآن الكريم أثناء فترة سجنه.
32
2/2/1409هـ
وضع الملك فهد بن عبدالعزيز حجر الأساس لأكبر توسعة يشهدها المسجد الحرام بمكة المكرمة، ليتسع بعد تنفيذ المرحلة الرابعة لحوالي مليون مصلٍ.
33(9/32)
8/6/1409هـ
بدء العمل بمشروع الملك فهد بن عبدالعزيز لتوسعة الحرم المكي الشريف الذي يعدّ أكبر وأضخم توسعة يشهدها الحرم المكي الشريف.
34
19/11/1409هـ
صدور أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتخصيص (40) مليون عبوة من المياه المبردة هدية منه لحجاج بيت الله الحرام، و(400) برادة مياه توزع على ضيوف الرحمن في أماكن تواجدهم.
35
17/5/1410هـ
افتتاح الملك فهد بن عبدالعزيز لمشروع توسعة مسجد ذي الحليفة وتجديده بعد الانتهاء من إعادة عمارته وتوسعته، حيث بلغت (8800) متر مربع، ويتسع لـ (5000) مصلٍ.
36
18/7/1410هـ
تبرع الملك فهد بن عبدالعزيز بمبلغ (20) مليون دولار مساهمة من المملكة العربية السعودية لمشروع إحياء مكتبة الإسكندرية.
37
9/10/1410هـ
صدور تعليمات الملك فهد بن عبدالعزيز بأن تتكفل المملكة العربية السعودية بتكاليف إتمام مشروع المركز الإسلامي في روما، والذي يعد أكبر مؤسسة إسلامية في أوربا.
38
19/9/1411هـ
صدور توجيهات الملك فهد بن عبدالعزيز بأن يقوم تلفزيون المملكة العربية السعودية بنقل مباشر للشعائر الدينية إلى العالم الإسلامي والعربي.
39
1411هـ
صدور أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتبرع المملكة العربية السعودية بـ (10) مليون دولار لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
40
1411هـ
صدور أمر الملك فهد بن عبدالعزيز بتبرع المملكة العربية السعودية بـ(7) مليون دولار لترميم قبة الصخرة المشرفة بمدينة القدس.
41
27/8/1412هـ
صدور الأوامر الملكية بالنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وذلك في بادرة تاريخية من مبادرات خادم الحرمين الشريفين.
42
27/8/1412هـ
إلقاء خادم الحرمين الشريفين خطابه التاريخي عن صدور النظام الجديد لمجلس الشورى.
43
29/5/1414هـ
احتفال جامعة هارفرد الأمريكية بتأسيس كرسي الملك فهد لدراسة الشريعة الإسلامية الذي تم تأسيسه بمنحة كريمة من الملك فهد بن عبدالعزيز.
44
14/12/1419هـ(9/33)
صدور أمر الملك فهد بتجهيز طائرتي شحن محملتين بالمواد الغذائية والخيام والبطانيات وإرسالهما إلى ألبانيا مساهمة من المملكة العربية السعودية في رفع معانات اللاجئين من كوسوفا.
45
20/9/1420هـ
بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أنهت أمانة العاصمة المقدسة مشروع تطوير الساحة الشرقية للمسجد الحرام الواقعة بين منطقة المروة وأنفاق الغزة.
46
12/7/1421هـ
تبرع خادم الحرمين الشريفين بمبلغ (30) مليون ريال لأبطال الانتفاضة في فلسطين (انتفاضة القدس).
47
20/7/1421هـ
صدور توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتقديم منحة لوكالة بيت مال القدس بقيمة مليوني دولار أمريكي لدعم التعليم في مدينة القدس الشريف وتنفيذ مشاريع محددة.
48
10/8/1421هـ
صدور توجيهات الملك فهد بن عبدالعزيز بالموافقة على اعتماد صرف (40) مليون ريال لتطوير الخدمات الصحية بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، استعداداً لموسم حج هذا العام.
49
26/11/1421هـ
صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ابن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله – على وقف موقع القلعة الكبيرة بجبل (بلبل) المشهورة بقلعة أجياد بمكة المكرمة بكامل ما اشتملت عليه من منافع وعموم الأراضي التابعة لها بالمسجد الحرام، واستثمار ذلك بقيمة إجمالية قدرها ألفا مليون ريال، وتبلغ مساحة الوقف أكثر من (23) ألف متر مربع.
50
6/1/1422هـ
صدور توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ابن عبدالعزيز بتوزيع (1.6) مليون نسخة من المصحف الشريف وترجمات معانيه على عدد من الهيئات والمؤسسات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
51
الفصل الرابع
نماذج من جهود خادم الحرمين الشريفين في العناية بالأوقاف
المبحث الأول: الاهتمام بالأوقاف وتطويرها ودعم وزارة الحج والأوقاف(9/34)
لقد بينا في الفصل الأول والثاني من هذا البحث اهتمام الملك المؤسس عبدالعزيز ~ بالأوقاف وتطويرها والنهوض بها، وصدور الأنظمة واللوائح الإدارية والتنظيمية في عهده والخاصة بتطوير الأوقاف، وسار على هذا النهج أبنائه البررة، الملك سعود والملك فيصل والملك خالد – رحمهم الله – حيث أنشئت وزارة الحج والأوقاف في عام (1381هـ) بالمرسوم الملكي ذي الرقم 430 المؤرخ في 9/10/1381هـ، والذي يعد تجسيداً واستمراراً لاهتمام هذه البلاد منذ تأسيسها برعاية حجاج بيت الله الحرام، وشؤون الأوقاف بالمملكة، ثم صدر نظام مجلس الأوقاف الأعلى ذي الرقم م/35 المؤرخ في 18/7/1386هـ، [انظر الملحق رقم (1)]، واستمرت رعاية الأوقاف والنهوض بها وتطويرها حتى صدور لائحة تنظيم الأوقاف الخيرية المعتمدة بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر ذي الرقم (80 في 29/1/1393هـ)
[انظر الملحق رقم (2)].
... إلى أن جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله –، عهد التنظيم والرقي والتقدم، والذي أولى وزارة الحج والأوقاف اهتماماً خاصاً ودعماً باعتبارها الوزارة التي تهتم بشؤون الحج وشؤون الأوقاف، وكان من ذلك الدعم أن أولى الأوقاف اهتماماً ورعاية ومزيداً من التنظيم وتحديد المسؤوليات، والحرص على تحقيق أهداف الوقف والواقفين، الراجين ثواب الله تعالى في الدنيا والآخرة.
وكان للأوقاف وكيلاً خاصاً في هيكل الوزارة يتولى جميع شؤون الأوقاف بالمملكة، واستمر دعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين للأوقاف وتطويرها والنهوض بها في كافة المجالات الإدارية، والتنموية، والتخطيطية، والتنظيمية، منطلقاً في ذلك كله من العقيدة الإسلامية الصحيحة، تبعاً لكتاب الله الكريم، واقتداءً بسنة النبي محمد @، فيما يحقق شروط الواقفين والنهوض بالأوقاف وتنميتها وتطويرها.(9/35)
وكان – حفظه الله – يهتم بتطوير الأوقاف والنهوض بها ويوجه بضرورة استخدام الأنظمة الجيدة في ذلك، والأساليب الحسنة، واحدث
ما وصلت إليه التقنية الحديثة في النهوض بالأوقاف وتطويرها، وكل منصف وعاقل يدرك جهود خادم الحرمين الشريفين في رعاية الأوقاف وتنميتها وتطويرها.
وامتداداً لتلك الجهود والاهتمامات جاء إنشاء وزارة تعنى بالشؤون الإسلامية في شتى المجالات والدعوة إلى الله لإظهار الإسلام بصورته الصحيحة ودحض الشبه والبدع التي يلقيها أعداء الإسلام، والاهتمام بالأوقاف وتطويرها والنهوض بها، وفقاً لأحدث الأساليب الإدارية والعلمية.
ويعد إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد خطوةً كبيرة وعملاً جليلاً قامت به حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين – وفقه الله – وذلك للعمل على نشر الدعوة إلى الله في كافة المعمورة والعناية بأحوال المسلمين ولتكمل العمل الذي بدأته وزارة الحج والأوقاف في تنظيم الأوقاف الخيرية والعناية بها، وتحقيق الأهداف المرجوة منها.
المبحث الثاني: إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد جديدةً في اسمها قديمة في مضمونها ومعناها وما تقوم به من برامج ومناشط وأعمال، فالمملكة العربية السعودية قامت ولله الحمد على أساس من كتاب الله ? وسنة رسوله@، والتزمت بالإسلام منذ عهدها الأول، في عهد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الذي ناصر دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمهما الله –.(9/36)
واستمرت في كل فتراتها تقوم وتعمل على أساس من هذا الدين في داخل المملكة العربية السعودية، وخارجها في علاقتها مع العالم الخارجي، فالالتزام بالإسلام في المملكة العربية السعودية لا يقتصر على جهاز واحد من أجهزة الدولة، ولا طائفة دون غيرها في المجتمع، إنما يشمل شؤون الدولة والمجتمع كله؛ فالشؤون الإسلامية ترتبط بحياة كل فرد من الأفراد، والأوقاف قائمة في التاريخ الإسلامي منذ عهد الرسالة، ولها أثرها الكبير في حضارة الأمة الإسلامية، وهي نوع من العمل الصالح مستمراً لا ينقطع، وقد قامت عليه الكثير من المؤسسات في هذه البلاد وفي خارجها.
وكذلك العناية والاهتمام بالدعوة إلى الله ? في الداخل والخارج، واستخدام الأنظمة الجيدة، والأساليب الحسنة، وعمل كل ما من شأنه خدمة القضايا الإسلامية، والاهتمام بشكل أوسع وأشمل بجميع ما يتعلق بالشؤون الإسلامية في الداخل والخارج ومساعدة الأقليات المسلمة.
وكل منصف يدرك ما قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية من جهود كبيرة في خدمة الإسلام والمسلمين، ويدرك ما لهذه البلاد من أهمية بالغة وثقل على كافة الأصعدة، وذلك لما تمتاز به من إقامة للشريعة الإسلامية، واتخاذها منهجاً ودستوراً، والقيام على خدمة المقدسات الإسلامية.
وانطلاقاً من السياسة الحكيمة التي تنتهجها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في الاهتمام بالشؤون الإسلامية والدعوة إلى الله، أنشئت "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد" بعد أن خصصت للحج وزارة مستقلة هي وزارة الحج.(9/37)
وفي شهر محرم عام 1414هـ، صدر الأمر الملكي رقم (أ/3) وتاريخ (1414/1/20هـ)، بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتتولى الإشراف على شؤون الدعوة إلى الله في الداخل والخارج، وجميع الأمور المتعلقة بالأوقاف الخيرية وتنمية أعيانها، وشؤون المساجد والمصليات وصيانتها ونظافتها، والإشراف على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وتنظيم المسابقات المحلية والدولية لحفظ كتاب الله وتلاوته وتجويده والسنة المطهرة، والإشراف على المراكز الإسلامية، ومساعدة الأقليات والجاليات الإسلامية في الخارج، والتنسيق مع الهيئات الإسلامية، ودعم الجامعات والمعاهد الإسلامية.
وذلك انطلاقاً من حرص هذه الدولة على منطلقاتها الأساسية التي قامت عليها وهي التمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد @، ونشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، وتحقيق العبودية إلى الله، كما أمر ? بعيداً عن الشرك والبدع والخرافات.
وتم إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بموجب الأمر الملكي الكريم ذي الرقم (أ/3) المؤرخ في 20/1/1414هـ [انظر الملحق رقم (3)].
وبذلك أصبحت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد منذ عام 1414هـ، الجهة التي تنفذ سياسة الدولة الرشيدة في مجال الوقف.
ولقد دأبت الوزارة منذ إنشائها على تطوير أجهزتها الإدارية والفنية تبعاً للظروف والإمكانات المتوفرة لها في كل حين، وكذلك تبعاً للرؤى التي نتجت عن الخبرة الفعلية المستندة على طول المعايشة والممارسة في مجالات العمل وشؤون الوقف، وهي في كل تلك المجالات تنشد الارتقاء بالاوقاف والمحافظة عليها، تحقيقاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين وسمو النائب الثاني – حفظهم الله –.(9/38)
وحرصاً من الوزارة المختصة على العمل المتخصص لكل إدارة من إدارتها، أوكلت مهمة الإشراف على الأوقاف إلى وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف، وحددت لها مهماتها واختصاصاتها ومنحتها الصلاحيات الإدارية التي تكفل لها إمكانية الإشراف والمتابعة لشؤون الأوقاف.
وحيث إن هذا البحث مختص بالنواحي المتعلقة بالأوقاف في
الوزارة، فإننا سوف نشير إلى أهداف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إشارات سريعة ومن ثم نفصل الحديث عن مهمات وأهداف وكالة الوزارة لشؤون الاوقاف، وتتلخص أهداف الوزارة في الآتي:
الهدف الأول: العناية بكتاب الله تلاوة وتجويداً وحفظاً وفهماً ونشراً، وذلك من خلال السياسات التالية:
1 – استمرار إصدارات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
2 – الاستمرار على رعاية الجمعيات الخيرية لحفظ القرآن الكريم، ودعمها وتشجيع الشباب والناشئة من أبناء المسلمين على حفظ كتاب الله وتجويده والإقبال عليه بالعناية والتدبر.
3 – الاستمرار على تنظيم مسابقات محلية ودولية للقرآن الكريم سنوياً، وكذلك السنة المطهرة.
4 – مواصلة نشاط مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لترجمة معاني القرآن الكريم بمختلف اللغات بما يتفق مع الشرع الحنيف والمعتقد السليم.
الهدف الثاني: دعوة الناس إلى الإسلام، وتوجيههم، وذلك من خلال الآتي:
1 – إعداد الدعاة الأكفياء، واختيارهم، ونشرهم.
2 – حض المسلمين على التمسك بتعاليم دينهم، ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة.
3 – دعم جهود التضامن الإسلامي، وتعميق مفهومه.
4 – تعميق مبدأ الأخوة الإسلامية بين المسلمين.
5 – إصدار الكتاب الإسلامي، ونشره، وتوزيعه.
6 – رد خطر الحركات والمبادئ الهدامة عن المسلمين، ودحض الشبهات التي تثار عن الإسلام.
الهدف الثالث: المحافظة على القيم الإسلامية، والعناية ببيوت الله، وتعميرها وذلك من خلال السياسات التالية:(9/39)
1 – الاستمرار على العناية بالمساجد والجوامع والمصليات والمراكز الإسلامية وصيانتها، والمحافظة على نظافتها، لتصل إلى المستوى اللائق.
2 – الإبقاء على المساجد والمصليات التاريخية، والعناية بها، وصيانتها والمحافظة على نظافتها وفرشها.
3 – ترسيخ رسالة المساجد باعتبارها مراكز إشعاع في التوجيه، ونشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة.
الهدف الرابع: إبراز جهود المملكة في دعم العمل الإسلامي، وذلك من خلال الآتي:
1 – إقامة المؤتمرات والندوات الإسلامية، والإشراف عليها.
2 – الاستمرار على رعاية المراكز الإسلامية والمعاهد التابعة للمملكة في الخارج، ودراسة إمكانية تقديم المساعدات لبعض المراكز والجمعيات الإسلامية الأخرى في الخارج.
3 – تطوير مجالات الاستفادة من وسائل الإعلام في بيان ما تقوم به المملكة العربية السعودية من خدمة الإسلام والمسلمين.
الهدف الخامس: دعم الأقليات والجاليات الإسلامية، ودراسة أوضاعها، وذلك كالتالي:
1 – المشاركة في إعداد دراسات وبحوث علمية عن أحوال المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية.
2 – متابعة المناشط الإسلامية القائمة للوقوف على أعمالها، ومد يد العون والمساعدة لها ما أمكن ذلك.
الهدف السادس: تنمية موارد الأعيان، وتحسين الخدمات الموقوفة من أجلها وذلك من خلال السياسات التالية:
.1 الاستمرار على حصر وضبط أعيان الأوقاف، وحمايتها.
.2 الاستمرار على تنمية عائدات الأعيان الموقوفة.
.3 الاستمرار على صيانة أعيان الأوقاف.
.4 الاستمرار على رعاية، وتطوير المكتبات الموقوفة.
.5 تحسين الأربطة وترميمها ورعاية أوضاع سكانها المعيشية وتحسينها.
.6 الاستمرار على رعاية المدارس الدينية الخيرية القائمة على الأوقاف.
الهدف السابع: رفع كفاية الأداء، وتحسين الإنتاجية، وذلك على النحو التالي:
1 – تدريب الكفايات الوطنية، وتأهيلها لرفع مستوى الأداء.
2 – استخدام وسائل التقنية الحديثة بما في ذلك الحاسب الآلي.(9/40)
تناولنا سابقاً أهداف وسياسات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في مجملها ومن خلال وكالاتها المختلفة وسوف نتطرق هنا إلى مهام وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف لارتباطها بالبحث وهي كما يلي:
1 – المحافظة على أعيان الأوقاف بحصرها، وتسجيلها، وصيانتها، وإدارتها، وحمايتها من الاعتداء عليها، وإزالة ما وقع، أو يمكن أن يقع عليها من التعديات، وتنظيم السجلات والملفات المشتملة على صكوك الملكيات.
2 – تنمية موارد الأوقاف، وتطويرها، واستثمارها بالطرق المتاحة، بما في ذلك البيع، والاستبدال وفق الضوابط الشرعية وبما يحقق زيادة عائداتها.
3 – اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحصيل غلال الأوقاف وتعويضها اولاً بأول.
4 – توجيه أموال الأوقاف لوجوه الخير وأعمال البر وفقاً لما نصت عليه شروط الواقفين.
5 – الإشراف على المكتبات الموقوفة وتنمية مجموعاتها بالإضافة إلى الأوعية الفكرية المختلفة لديها لتمكين الباحثين والدارسين للاستفادة منها.
6 – المحافظة على الرابطات والعمل على زيادتها وتطويرها، بما يمكنها من تأدية واجبها الاجتماعي.
7 – استنهاض همم أفراد المجتمع والموسرين ليسهموا في مجالات الأوقاف المختلفة، والعمل على تجديد صيغ الوقف الحديث بما يلائم متطلبات العصر.
ولتقوم وكالة الوزارة بالمهمات المنوطة بها فقد أنشئ لها الهيكل الإداري المكون من الإدارات الآتية:
الإدارة العامة لأملاك الاوقاف.
الإدارة العامة للاستثمار.
الإدارة العامة للشؤون الخيرية.
الإدارة العامة للمكتبات.
إدارة الشؤون المالية والإدارية لغلال الاوقاف.
الإدارة العامة للشؤون الفنية.
كما أنشئت فيها الأمانة العامة لمجلس الأوقاف الأعلى والأمانة العامة لمجلس شؤون الأربطة.
وتأتي مهمات الإدارات التابعة للوكالة واختصاصاتها وفقاً لما يأتي:
أولاً: الإدارة العامة لأملاك الأوقاف.
مهماتها واختصاصاتها.
1 – وضع الخطط الرامية لحصر الأوقاف وتسجيلها وحمايتها.(9/41)
2 – البحث والتحري بكافة السبل المتاحة عن الأعيان الموقوفة وحصرها.
3 – إثبات الوقفية شرعاً.
4 – اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيل الصكوك والوثائق المتعلقة بالأوقاف العامة والخاصة وتصنيفها.
5 – دعوة المواطنين إلى التعاون مع الوزارة، سواء في حصر الأوقاف بشكل عام، أو في إقامة أوقاف جديدة.
6 – حماية الأوقاف من التعدي عليها.
وتتكون هذه الإدارة من الشعب التالية:
(1) شعبة الحصر، ومن مهماتها:
1 – البحث والتحري عن الأعيان الموقوفة وحصرها.
2 – اتخاذ الإجراءات التنفيذية لحصر الأوقاف وتصنيفها واستخدام الوسائل التي تؤدي إلى إتمام عملية الحصر.
3 – اقتراح النماذج اللازمة لعملية الحصر والعمل على تجديدها.
4 – الاحتفاظ بنسخ رديفة من سجلات الحصر.
(2) شعبة التسجيل، ومن مهماتها:
1 – تسجيل الصكوك والوثائق الخاصة بالأوقاف في السجلات
المعدة لذلك، واستخدام الوسائل الحديثة التي تيسر الرجوع
إليها.
2 – فتح ملف خاص لكل وقف.
3 – تقديم المعلومات عن الأوقاف عند طلبها.
4 – المتابعة مع الفروع لاستخراج الصكوك والوثائق وتسجيلها.
5 – اقتراح النماذج اللازمة لعملية التسجيل والعمل على تحديثها.
6 – الاحتفاظ بنسخ رديفة من سجلاتها.
(3) شعبة مراقبة الأوقاف، ومن مهماتها:
1 – العمل على حماية أعيان الأوقاف من الاعتداء عليها.
2 – القيام بجولات دورية على أراضي الأوقاف وأعيانها للتأكد من توفر أسباب السلامة لها واستمرار الانتفاع بها.
3 – تلقي بلاغات الفروع عن أي تعديات تقع على الاوقاف، ومتابعة إجراءات إزالة التعديات، والإبلاغ فوراً عن أي محاولة للاعتداء على الأوقاف، أو تعريضها للمخاطر.
ثانياً: الإدارة العامة للاستثمار
مهماتها واختصاصاتها:
1 – اقتراح سياسات عامة لاستثمار الأوقاف الخيرية وعائداتها، ووضع الخطط الرامية إلى تنفيذ تلك السياسات، بما يحقق الهدف المنشود.(9/42)
2 – اقتراح المشروعات المتعلقة بالأوقاف، وإعداد دراسات الجدوى لها، والاستعانة في ذلك.
3 – الإعلان عن إيجار أعيان الأوقاف، وتسويق الإنتاج في حالة تنوع طرق الاستثمار، والإشراف على المزايدات، وإبرام العقود، ومتابعة استيفاء الأجور والإيرادات، بالتنسيق مع الإدارات والشعب المختصة.
4 – اقتراح دمج أعيان الأوقاف التي لا تحقق الغبطة والمصلحة في وضعها الراهن، أو استبدالها أو بيعها وفق الضوابط الشرعية.
تتكون هذه الإدارة من الشعب التالية:
شعبة الدراسات، ومن مهماتها:
1 – دراسة المقترحات الرامية لإقامة مشروعات استثمارية دراسة تفصيلية دقيقة للوصول إلى بيان الجدوى منها، وتقديم تقرير عنها.
2 – التنسيق مع الإدارة العامة للشؤون الفنية، والمكاتب الاستشارية في إعداد الدراسات الفنية، والمخططات الهندسية، واقتراح ما تراه بشأنها.
3 – إبداء المشورة نحو توسيع قاعدة الاستثمار وتنويع مجالاته.
(ب) شعبة التسويق، ومن مهماتها:
1 – إعداد الإعلانات عن عقارات الأوقاف الخالية لإيجارها ومتابعتها حتى تنشر.
2 – تنظيم إجراءات المزاد العلني حتى الانتهاء منه، وإقراره، وإبرام العقود.
3 – متابعة تسليم العقارات المؤجرة للمستاجرين، واستلامها منهم.
4 – القيام بحملات إعلامية عن المشروعات الاستثمارية التي تنفذها الوزارة.
ثالثاً: الإدارة العامة للشؤون الخيرية:
مهماتها واختصاصاتها:
1 – اقتراح سياسات صرف عائدات الأوقاف في وجوه الخير، ووضع الخطط اللازمة لتنفيذ تلك السياسات.
2 – تصنيف شروط الواقفين حسب مصارفها الشرعية، وتبويبها، وتسجيلها في سجلات خاصة بها.
3 – دعوة المواطنين، وإرشادهم إلى أعمال البر التي تتفق مع متطلبات العصر، وتشجيعهم على الوقف عليها.
4 – توجيه موارد الأوقاف والمخصصة لوجوه البر، وفق شروط الواقف، واقتراح الأوجه المناسبة لما لم يرد فيه شرط.(9/43)
5 – التنسيق مع إدارة الشؤون المالية والإدارية، لصرف عائدات الأوقاف في مصارفها الشرعية وفقاً لشروط الواقفين.
6 – الإشراف على شؤون الأربطة، واقتراح الشروط اللازمة للإسكان، ومتابعة تنفيذ تلك الشروط، بما يتفق وشرط الواقف.
7 – العمل على إيجاد أربطة جديدة متى توفرت الإمكانات لذلك، ووضع الدراسات اللازمة لها، ومتابعة الإجراءات المتعلقة بها.
8 – التنسيق مع مكاتب الشؤون الاجتماعية ومراكزها، والجهات المعنية الأخرى، لدراسة الحالات المستحقة للمساعدة.
9 – تنويع أعمال البر، بما يتفق مع متطلبات العصر.
وتتكون هذه الإدارة من الشعب التالية:
(1) شعبة الأربطة ومن مهماتها:
1 – فتح سجلات للأربطة التابعة للوزارة، تشتمل على جميع المعلومات المتعلقة بالرباط (سواء ما يتعلق منها بوجوده، أو بسكانه وأوضاعهم، أو بالإشراف عليه).
2 – متابعة عملية الإسكان في الأربطة، والتأكد من تطبيق تعليمات الإسكان فيها من قبل إدارات الأوقاف في فروع الوزارة، والقيام بجولات متابعة دورية، للتأكد من أوضاع الأربطة، وحالة سكانها.
3 – متابعة أوضاع الأربطة، وحالة سكانها الصحية والاجتماعية، واتخاذ التدابير اللازمة لتحسين أوضاعهم، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
4 – إجراء الدراسات الخاصة بتحديد الأماكن التي تحتاج إلى إنشاء أربطة جديدة.
(2) شعبة المساجد، ومن مهماتها:
1 – تسجيل جميع الأوقاف الموقوفة على المساجد في سجلات خاصة بها، مع استخدام الوسائل التي تيسر الرجوع إليها.
2 – فتح ملف مستقل لوقف كل مسجد يسجل ويودع به كل ما يطرأ على عين الوقف، من تعديل، أو تبديل، مع تجديد المعلومات أولاً بأول.
3 – تحديد المساجد التي تحتاج إلى أوقاف، للصرف عليها، ودراسة أوضاعها، والعمل على إيجاد أوقاف جديدة لها.
4 – تقديم المعلومات عن أوقاف المساجد عند طلبها.
5 – اقتراح النماذج اللازمة لعملية تسجيل أوقاف المساجد.(9/44)
6 – متابعة صرف غلال أوقاف المساجد، وإعداد سجل محاسبي، يسجل فيه الوارد والمنصرف من غلة الوقف تبعاً لما يرد من فروع الوزارة، بالتنسيق مع إدارة الشؤون المالية والإدارية.
7 – متابعة الإجراءات التي تتم من قبل الناظر الشرعي على تلك الأوقاف، والتأكد من صرف غلالها، وفق شرط الواقف، وتسجيل ذلك في الشعبة، والتأكد من أن أوجه الصرف شاملة لكل ما يحقق أعمال المسجد وعين الوقف.
(3) شعبة الشؤون الاجتماعية:
وتعنى بالأوقاف المخصصة للصرف على الفقراء والأيتام، والأرامل، ومن في حكمهم، حسب شروط الواقفين.
ومن مهماتها:
1 – إعداد سجلات خاصة بالأوقاف التي لها علاقة بالشؤون الاجتماعية، وترتيبها، وتصنيفها بما ييسر الرجوع إليها عند الحاجة.
2 – فتح ملف لكل وقف يسجل فيه كل ما يطرأ على عين الوقف من تعديل، أو تبديل، مع تقديم المعلومات عنه عند طلبها.
3 – الاستفادة من مناشط بعض الجهات التي لها علاقة بالشؤون الاجتماعية، للحصول على المعلومات التي تيسر للشعبة أداء عملها على الوجه المطلوب، والاحتفاظ بسجلات عن المستحقين، ومتابعة تجديدها.
4 – إعداد سجل محاسبي، يسجل فيه الوارد والمنصرف، من غلال تلك الأوقاف بالتنسيق مع إدارة الشؤون المالية والإدارية.
5 – إعداد خطط سنوية لصرف عائدات أوقاف قطاع الشؤون الاجتماعية، في وجوه الخير، وطبقاً لشرط الواقف.
6 – اقتراح أوجه البر الجديدة، ودراستها.
(4) شعبة التعليم والدعوة:
وتعنى بالأوقاف الخاصة بنشر الدعوة، والمدارس، والمكتبات، والمكاتبات، ونشر العلم، ومن مهماتها:
1 – تسجيل الأوقاف الموقوفة على الدعوة والتعليم، والمكتبات في سجلات خاصة بها، مع استخدام الوسائل المعينة، التي تيسر الرجوع إليها عند الحاجة.
2 – فتح ملف لكل وقف، يسجل فيه كل ما يطرأ على عين الوقف من تعديل، أو تبديل.(9/45)
3 – إعداد سجل محاسبي، يسجل فيه الوارد والمنصرف من غلة تلك الأوقاف، بالتنسيق مع إدارة الشؤون المالية والإدارية.
4 – إعداد الخطط السنوية، لصرف عائدات الأوقاف الخاصة بشؤون التعليم والدعوة، طبقاً لشروط الواقف.
5 – التنسيق مع الجهات المعنية بالدعوة والتعليم، وتبادل المعلومات معها.
رابعاً: الإدارة العامة للمكتبات:
مهماتها واختصاصاتها:
1 – اقتراح السياسات، ووضع الخطط المؤدية إلى تحقيق أهداف مكتبات الأوقاف، واتخاذ الإجراءات التي تسهل على الدارسين، والباحثين الاستفادة منها.
2 – الإشراف على مكتبات الأوقاف، والعمل على تطويرها، وإدخال الأساليب الحديثة في إدارتها.
3 – اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير الكتب، وأوعية المعلومات، والمخطوطات للمكتبات.
4 – المحافظة على مقتنيات المكتبات، ووضع الخطط التي تكفل المحافظة على المخطوطات وصيانتها، واستخراج نسخ رديفة لها.
5 – وضع الخطط اللازمة لتوفير الأيدي العاملة الفنية والإدارية، التي تحتاجها المكتبات، وتدريبها.
6 – الإشراف على برنامج تبادل الكتب، وأوعية المعلومات، بين مكتبات الأوقاف والمكتبات الأخرى.
7 – تنظيم السجلات المركزية لمحتويات مكتبات الأوقاف، وتجديدها.
8 – تشجيع المحسنين وأهل الخير على إهداء المكتبات الخاصة، واستنهاض الهمم لإنشاء المكتبات، ووقفها.
وتتكون الإدارة العامة للمكتبات من الشعب التالية:
(1) شعبة التزويد، ومن مهماتها:
1 – الحصول على قوائم الكتب، والدوريات التي تصدرها دور النشر، والمراكز الثقافية.
2 – انتقاء الكتب والمراجع والدوريات التي يمكن تزويد مكتبات الوزارة بها.
3 – تلقي مقترحات المكتبات بما يتعلق بالكتب والمراجع والدوريات التي تحتاجها، ودراستها، وإبداء الرأي بشأنها.
4 – اقتراح وسائل الحصول على الكتب عن طريق الشراء،
أو التبادل، وإبداء الرأي فيما تتم مبادلته مع الجهات
الأخرى.
(2) الشعبة الفنية، ومن مهماتها:(9/46)
1 – تزويد المكتبات التابعة للوزارة بالتعليمات المتعلقة بالفهرسة، والتصنيف والتعليمات المكتبية الأخرى.
2 – اقتراح طرق الفهرسة والتصنيف الملائمة لتطبيقها من قبل مكتبات الوزارة.
3 – تقديم المشورة الفنية للمكتبات فيما يتعلق بطرق الحفظ والفهرسة والتصنيف والمحافظة على المخطوطات.
(3) شعبة التسجيل، ومن مهماتها:
1 – الاحتفاظ بسجلات الموجودات في كل مكتبة من المكتبات التابعة للوزارة، من الكتب والمخطوطات وغيرها.
2 – الاحتفاظ بسجل شامل لمباني المكتبات الموقوفة، والمباني الموقوفة على تلك المكتبات، وأرصدتها، وإيراداتها السنوية، وشروط واقفيتها، بالتنسيق مع الإدارات المعنية.
3 – إعداد قوائم موضوعية أو نوعية، بموجودات المكتبات، تمهيداً لنشرها، وإعداد قوائم بالكتب المعدة للتبادل.
خامساً: إدارة الشؤون المالية والإدارية لغلال الأوقاف:
مهماتها واختصاصاتها:
1 – اقتراح السياسات المالية والإدارية المتعلقة بالإدارة، وإعداد الخطط اللازمة لتنفيذها.
2 – اقتراح الميزانية التقديرية للوكالة، بالتنسيق مع الإدارات المختصة، وتحديد الاحتياجات اللازمة من الوظائف والاعتمادات،
ونحوها.
3 – إعداد ميزانية سنوية لغلال الأوقاف، للصرف منها وفقاً للتعليمات وشروط الواقفين.
4 – متابعة تحصيل إيجارات عقارات الأوقاف، والتأكد من توريدها لحساب الأوقاف خلال المدة المحددة.
5 – إمساك السجلات المحاسبية الخاصة بكل منطقة، وكل وقف.
6 – إعداد جداول الحسابات الشهرية والسنوية، والحساب الختامي، وإعداد تقرير محاسبي في نهاية كل عام مالي، والاستعانة بمحاسب قانوني متى دعت الحاجة إلى ذلك.
7 – الاحتفاظ بالسجلات والملفات الخاصة بالقائمين بشؤون الأوقاف.
8 – التنسيق مع الإدارة العامة للشؤون الخيرية، لصرف عائدات الأوقاف في مصارفها الشرعية، وفقاً لشروط الواقفين.
وتتكون هذه الإدارة من الشعب التالية:
(1) شعبة الشؤون المالية، ومن مهماتها:(9/47)
1 – الإشراف على الإيرادات، وضبط تسجيلها، ومسك السجلات اللازمة لذلك، وفق النظم المعتبرة، ومتابعتها مع فروع الوزارة من خلال القسم المختص.
2 – الإشراف على المصروفات، ومسك السجلات اللازمة لها، ووضع النماذج التي تحقق سهولة العمل، وإنشاء الملفات التي تيسر الرجوع إلى المستندات بيسر وسهولة، ومتابعة ذلك.
3 – الإشراف على الأعمال المحاسبية، وإعداد السجلات اللازمة لها، ووضع النماذج المتعلقة بالإيرادات والمصروفات، من أجل تيسير الإجراءات التنفيذية، وضبطها.
4 – رفع تقارير دورية عن حجم الإيرادات والمصروفات، ومؤشر النمو والنقص، إن وجد، وإلقاء الضوء على ما يطرأ من مشكلات، واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها.
5 – وتتفرع شعبة الشؤون المالية إلى ثلاثة أقسام هي:
(1) قسم الإيرادات، ومن مهماته:
1 – فتح سجلات للإيرادات المتحصلة من الأوقاف، بحسب نوعيتها، ومتابعة استخدام تلك السجلات، وفق الأسس المتعارف عليها، واعتبار تلك السجلات من الدفاتر ذات القيمة.
2 – فتح ملفات لحفظ الإشعارات الواردة من المناطق، وتطبيقها على ما يتم تسجيله في سجلات الإيرادات، والرجوع إليها بين الحين والآخر، للتأكد من مطابقتها لها.
3 – المتابعة مع الفروع في المناطق، من خلال شعبة الشؤون المالية، لمعرفة ما يستجد في مجال الأوقاف، والتأكد من أن كل وقف محل رعاية وإهتمام، للحيلولة دون تعطيل المنفعة، والتثبت من أن شروط الوقف مأخوذة في الاعتبار.
(2) قسم المحاسبة، ومن مهماته:
1 – مسك السجلات المحاسبية اللازمة لتسجيل إيرادات ومصروفات الغلال، والسجلات التي توضح إيراد كل وقف، ومصروفاته.
2 – إعداد الحسابات الختامية والشهرية، والتعاون مع المحاسب القانوني.
3 – التنسيق مع قسم الإيرادات في متابعة إيرادات الأوقاف المختلفة، وتحصيلها، وإيداعها.(9/48)
4 – صرف السلف، والعهد النقدية، والمطالبة بتسديدها، وصرف المستحقات من رواتب ومكافآت ومستخلصات، واستحقاقات أخرى وإعداد الشيكات اللازمة، مع الخطابات المرافقة لها عند إرسالها إلى أصحابها.
5 – تلقي ملاحظات ديوان المراقبة العامة المتعلقة بالغلال، ودراستها مع الجهات المعنية، وإعداد الإجابة عنها.
6 – إعداد الميزانية السنوية المقترحة بإيرادات الغلال ومصروفاتها.
(3) قسم المصروفات، ومن مهماته:
1 – فتح سجلات للمصروفات، حسب نوعية مصارفها، ومتابعة استخدام تلك السجلات، وفق الأسس المتعارف عليها، واعتبار تلك السجلات من الدفاتر ذات القيمة.
2 – فتح ملفات لحفظ سندات الصرف الواردة من المناطق، وتطبيقها على ما يتم تسجيله في سجلات المصروفات، والرجوع إليها بين الحين والآخر، للتأكد من مطابقتها لها.
3 – المتابعة مع الفروع في المناطق، من خلال الشعبة، للتأكد من أن عائدات الأوقاف، تصرف في مصارفها الشرعية، وفقاً لشرط الواقف.
(2) شعبة الشؤون الإدارية، ومن مهماتها:
1 – اتخاذ الإجراءات المتعلقة بتعيين الأشخاص الذين تقتضي مصلحة الأوقاف التعاقد معهم للقيام بمهمات تتعلق بالأوقاف، ومتابعة كافة شؤونهم.
2 – إعداد استمارات تسجيل الإقامة، وتجديدها، وإجراءات السفر للمتعاقدين من غير السعوديين العاملين في مجال الأوقاف.
3 – إعداد مسيرات صرف المرتبات ومكافآت لرعاية شؤون الأوقاف.
(3) شعبة المشتريات والعقود،ومن مهماتها:
1 – تلقي احتياجات الإدارات، والفروع الخاصة بالأوقاف، ودراسة تأمينها وفقاً لمصلحة المحافظة على الأوقاف.
2 – التنسيق مع الجهات ذات العلاقة في ديوان المراقبة العامة، أو وزارة المالية والاقتصاد الوطني فيما يدخل ضمن مسؤوليتها.
مكتب التنسيق والمتابعة:
ومن مهماته:
1 – التنسيق بين إدارات الوكالة، لإعداد خطة عملها السنوية، وإحالتها بعد اعتماد الوكيل لها، إلى الجهة المختصة بالوزارة.(9/49)
2 – تجميع المنجزات التي ترد من الإدارات، وإعداد تقرير موحد عن منجزات الوكالة، يحال بعد اعتماده إلى الجهة المختصة.
3 – التنسيق بشأن إعداد جدول الإجازات السنوية للمديرين، وفق متطلبات العمل، واعتمادها من صاحب الصلاحية.
4 – متابعة خطة تدريب موظفي الوكالة، ورفع تقرير شهري إلى الوكيل عن سير تنفيذها.
5 – متابعة الارتباط على مخصصات الوكالة في الميزانية، وحركة الصرف عليها، ورفع تقرير شهري للوكيل بذلك.
سادساً: الإدارة العامة للشؤون الفنية
مهماتها واختصاصاتها:
1 – متابعة تنفيذ ما يتم إقراره من المشروعات، وتسلمها بعد التنفيذ، ومتابعة تشغيلها وصيانتها، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
2 – عرض المشروعات في منافسات عامة، واتخاذ الإجراءات الخاصة بالتكليف المباشر، واعتماد ذلك من صاحب الصلاحية.
3 – الإعلان عن احتياجات الوزارة مما تؤدى نفقته على الغلال، ومكاتبة الشركات والمؤسسات فيما يتعلق بذلك، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها بالطريقة المناسبة.
4 – تحرير العقود لكل ما يطرح في منافسات عامة، أو يؤمن مباشرة، وفق ما تقضي به الانظمة، والتعليمات المرعية.
5 – التنسيق مع إدارة المشروعات، لاستكمال إجراءات المشروعات المعروضة.
6 – القيام بجولات ميدانية على فروع الوزارة وفق خطة معتمدة، والتعرف على المشكلات التي تواجهها.
7 – تقويم الحالة العامة لمنشآت الأوقاف، واقتراح الخطط المناسبة لتأهيلها، وصيانتها، وتشغيلها.
8 – الإشراف على رصد أسعار السوق المحلية لبنود الأعمال
المختلفة.
9 – التنسيق مع فروع الوزارة في مجال الاتصالات اللازمة مع الجهات المعنية خارج الوزارة، مثل البلديات، والدفاع المدني، ومصلحة المياه، وشركات الكهرباء والهاتف.
الأمانة العامة لمجلس الأوقاف الأعلى
ومن مهماتها:(9/50)
1 – دراسة جميع المعاملات المعروضة على مجلس الأوقاف الأعلى، وتقديم الرأي، ووجهة النظر حولها، بعد مراجعة الأمور الشرعية والنظامية فيها، بالتنسيق مع الإدارات المعنية.
2 – التحضير المسبق لانعقاد جلسات المجلس، وتحديد مواعيدها.
3 – إعداد الجداول بالأعمال المطلوب عرضها على المجلس، حسب أولوية الموضوعات المطلوب عرضها، وأهميتها بعد الدراسة اللازمة، وإعداد خلاصة لكل موضوع، توضح المسائل الأساسية فيه.
4 – إعداد القرارات التي يصدرها المجلس، وإبلاغها للجهات ذات العلاقة.
5 – متابعة تنفيذ قرارات المجلس، والعرض عما تنتهي إليه.
الأمانة العامة لمجلس رعاية شؤون الأربطة، ومن مهماتها:
1 – دراسة جميع المعاملات المعروضة على مجلس رعاية شؤون الأربطة، وتقديم الرأي، ووجهة النظر حولها، بعد مراجعة الأمور الشرعية، والنظامية فيها، بالتنسيق مع الإدارات المعنية.
2 – التحضير المسبق لانعقاد جلسات المجلس، وتحديد مواعيدها.
3 – إعداد الجداول بالأعمال المطلوب عرضها على المجلس حسب أولوية الموضوعات المطلوب عرضها، وأهميتها، بعد الدراسة اللازمة وإعداد خلاصة لكل موضوع توضح المسائل الأساسية فيه.
4 – إعداد القرارات التي يصدرها المجلس، وإبلاغها للجهات ذات العلاقة.
5 – متابعة تنفيذ قرارات المجلس، والعرض عما تنتهي إليه.
المبحث الثالث: توسعة الحرمين الشريفين(9/51)
"من المعروف أن مكة المكرمة والمدينة المنورة لهما مكانهما في نفوس المسلمين عموماً وفي نفوس سكان هذا البلد الآمن المستقر وفي نفسي أنا شخصياً. إن أي عمل يمكننا رب العزة والجلال أن نؤديه في مكة أو في المدينة في بيت الله الحرام أو في مسجد نبيه ما هو إلا من الأعمال الواجبة على حكومة المملكة العربية السعودية، وعلىّ أنا شخصياً أن نؤديه على خير ما يطلب. وأي عمل نستطيع أن نقوم به في مكة وفي المدينة هو واجب إسلامي، ويسعدنا في الوقت نفسه حكومة وشعباً أن تؤدي هذه البلاد جميع ما تستطيع من واجبات المسؤولين في هذه الدولة حكومة وشعباً من القيام بالواجب المقدس في هذا البلد الأمين مهبط الوحي مكة المكرمة، ومنطلق الرسالة المدينة المنورة". "من كلمة خادم الحرمين الشريفين ألقاها في اجتماع اللجنة الوزارية لتنمية المدينة المنورة وتطويرها 4 –6/1411هـ". ...(9/52)
ويأتي في قمة إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز توسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما؛ كي يستوعب الحرم المكي الشريف أكثر من مليون مصلٍّ، والحرم المدني الشريف أكثر من مليون ومائتي ألف مصلٍّ؛ بالإضافة إلى حركة الإنشاء والتعمير التي شملت الأراضي المحيطة بالحرمين. ففي 2/2/1409هـ الموافق 13/9/1988م وضع – حفظه الله – حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام بمكة المكرمة بحيث تتألف من الطابق السفلي (الأقبية) والطابق الأرضي والطابق الأول، وقد صمم وتم بناؤه على أساس تكييف شامل، وعمل محطة للتبريد في أجياد، وروعي في الأقبية تركيب جميع الأمور الضرورية من تمديدات الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزية للتكييف في أجياد، ومبنى التوسعة منسجم تماماً في شكله العام مع مبنى التوسعة الأولى، وقد كسيت الأعمدة بالرخام الأبيض الناصع كما كسيت أرضها بالرخام الأبيض، وأما الجدران فكسيت من الخارج بالرخام الأسود المموج والحجر الصناعي، وكذلك من الداخل مع تزيينها بزخارف إسلامية جميلة ويبلغ عدد الأعمدة للطابق الواحد (530) عموداً دائرياً ومربعاً.
وجعل في هذه التوسعة أربعة عشر باباً فبذلك صارت أبواب المسجد الحرام (112) باباً، وصنعت الأبواب من أجود أنواع الخشب وكسيت بمعدن مصقول ضبط بحلقات نحاسية وصنعت النوافذ والشبابيك من الألمونيوم الأصفر المخروط وزينت بمعدن مصقول بحلقات نحاسية.
وعمل لهذه التوسعة مبنيان للسلالم الكهربائية في شماله وجنوبه وسلمان داخليان وبذلك يصبح مجموع السلالم الكهربائية في المسجد الحرام تسعة سلالم، هذا عدا السلالم الثابتة الموزعة في أنحاء المسجد الحرام.(9/53)
فأصبح مجموع المساحات بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين ثلاثمائة وستة وستين ألفاً ومائة وثمانية وستين (366168) متراً مربعاً وأصبحت طاقة استيعاب المصلين في المسجد الحرام في الظروف العادية بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين أربعمائة وستين ألف (460.000) مصل بحيث يبلغ مجموع عدد المصلين في داخل المسجد الحرام والسطوح والساحات ثمانمائة وعشرين ألف (820.000) مصل. ويمكن في ذروة الزحام استيعاب أكثر من مليون مصل.
أما الكعبة المشرفة ففي أواخر سنة (1401هـ/1981م) ظهر تسرب ماء غسل الكعبة من أعلى موضع الحجر الأسود وسبق ذلك ظهور تصدع في الرخام المفروش في داخل الكعبة المشرفة، ولما رفع الأمر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أمر بتكوين لجنة للنظر في الموضوع واقتراح ما يلزم نحوه فقرر أعضاء اللجنة ضرورة تغيير رخام أرض الكعبة مع وضع مادة عازلة، وكذا تغيير الإطار الحديدي المثبت عليه الإطار الفضي الخاص بالحجر الأسود وأن يكون من معدن غير قابل للصدأ ثم أمر خادم الحرمين الشريفين بتنفيذ الاقتراح وبدئ بالإصلاح في (14/7/1403هـ الموافق 27/4/1983م) وتم العمل المطلوب في (15/8/1403هـ الموافق 27/5/1983م).
وقد حصل في عام 1417هـ/1996م ترميم عظيم للكعبة المشرفة لم يحصل مثله منذ بناء الكعبة الأخير في سنة (1040هـ) وذلك عندما لوحظ أنه بدأ التلف في بعض أجزاء الكعبة المشرفة المصنوعة من الخشب، وكان السقف أكثر تعرضاً للتلف من غيره بسبب تكوينه من عوارض ولوحات خشبية، وكذلك الأعمدة الخشبية، إذ قد أصابت الأرضة جزءاً كبيراً من السقف والأعمدة. فخيف من إصابة الضعف والتآكل في الأجزاء الأخرى من بناء الكعبة.(9/54)
فأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بترميم الكعبة المشرفة ترميماً كاملاً شاملاً من داخلها وخارجها على أحسن وجه، فبدئ العمل بترميمها في العاشر من شهر محرم سنة 1417هـ الموافق السابع والعشرين من شهر أبريل 1996م. وانتهى العمل من ترميمها في الثلاثين من شهر جمادى الآخره سنة 1417هـ"20".
أما المسجد النبوي الشريف فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك
فهد بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بتوسعته، فبدئ بعمارته وتوسعته في يوم الجمعة 9 من شهر صفر عام 1405هـ الموافق 29 أكتوبر 1984م.
وتتألف التوسعة من طابق الأقبية والطابق الأرضي الطابق الأول مشتملاً على تكييف كامل للتوسعة، حيث روعي في الأقبية تركيب جميع التمديدات والحوامل التي تحملها ومجاري الهواء، وعملت أربع فتحات حول كل عمود لمرور الهواء البارد عن طريق محطة التكييف الواقعة غرب المسجد النبوي.
وقد عمل في سقف المسجد النبوي في هذه التوسعة سبع وعشرون فتحة وركبت فيها قباب متحركة كهربائية تغلق وتفتح عند الحاجة.
واشتملت التوسعة على واحد وأربعين باباً ركبت فيها أبواب ضخمة يبلغ ارتفاع الباب الواحد منها ستة أمتار في عرض ثلاثة أمتار، وأنشئت فيها ست مآذن جديدة، ارتفاع كل واحدة منها (104) أمتار.
وتم بناء (6) سلالم كهربائية متحركة أربعة منها في كل ركن من التوسعة وواحد في منتصف الجانب الشرقي وواحد في منتصف الجانب الغربي، بجانب (18) سلماً ثابتاً من الخرسانة المكسوة بالمرمر الأبيض الناصع.
وأنشئت ساحات خارجية للاستفادة منها أثناء شدة الزحام. وبُني حول المسجد مواقف للسيارات تحت الأرض بطابقين، تحتوي على ستة مداخل ومخارج للسيارات، وتسع هذه المواقف (4.200) سيارة ومن الممكن أن تستوعب في أوقات الزحام (4.500) سيارة، وتتصل المواقف بساحات المسجد بواسطة مخارج خاصة للمصلين، فيها (28) سلماً كهربائياً
متحركاً.(9/55)
وتشتمل المواقف على مبان للخدمات تتوفر فيها وحدات للوضوء ودورات للمياه وصنابير لشرب الماء البارد ومبان أخرى لمراكز الأمن وعيادات طبية وغيرها.
ومدت الأنابيب لضخ المياه المبردة لغرض التكييف إلى المسجد النبوي داخل نفق يمتد من محطة التبريد إلى داخل القبو طوله سبعة كيلو مترات وعرضه (6.2) م وارتفاعه الداخلي (4.1)م.
واستمر العمل في هذه التوسعة الكبرى قرابة عشر سنوات وانتهى بوضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – اللبنة الأخيرة في الحادي عشر من ذي القعدة عام 1414هـ الموافق الثاني والعشرين من أبريل عام 1994م.
فأصبحت مساحة المسجد النبوي الشريف بعد توسعة خادم الحرمين الشريفين (82000) م2، ومجموع المساحة الإجمالية (985000) م2 وتستوعب (16000) مصل.
ومساحة السطح (67000) م2 وتستوعب (9000) مصل وبذلك أصبح المسجد النبوي يستوعب أكثر من (257000) مصل وبمساحة إجمالية تبلغ (165500) م2.
ومساحة الساحات (135000) م2، تستوعب (250000) مصل، وفي حالة استعمال كامل المساحة للصلاة فإنها تستوعب (450000) مصل مما يجعل الطاقة الاستيعابية للمسجد والساحات المحيطة به تزيد عن (700000) مصل في الأيام العادية. وفي أوقات الزحام يستوعب المسجد والساحات حوالي (1.200.000) مصلٍ.
مظاهر أخرى من عناية خادم الحرمين الشريفين:
ولم تقتصر عناية خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- بالحرمين الشريفين على التوسعة العملاقة التي قام بها وإنما هناك العديد من المظاهر والإنجازات الأخرى تدل على مدى حرصه وعنايته بالحرمين الشريفين.
حيث كان من عادته كل سنة قضاء النصف الأخير من رمضان في مكة المكرمة مجاوراً للبيت العتيق، كما كان يخصص أياماً أخرى يقضيها في المدينة المنورة، يتابع خلالها الأوضاع والمشاريع في هاتين المدينتين المقدستين.(9/56)
وكان ازدياد عدد الحجاج والمعتمرين عاماً بعد عام وزيادة عدد سكان المدينتين مدعاة لبذل المزيد من العناية في تطوير المدينتين في جميع المرافق، ولا سيما المرافق التي لها مساس بالحج والحجاج، فكان منهما تطوير مطار الملك عبدالعزيز بجدة وتوسعة الميناء البحري، وكذلك تطوير منطقتي المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفين بإنفاق بلايين الريالات، ليس ذلك إلا لأجل خدمة الحجاج والمعتمرين والمواطنين والمقيمين، فأنشئت الطرق إلى مكة وفي داخلها وكان من أهمها في عهد خادم الحرمين الشريفين الآتي:
1 – طريق جدة مكة السريع، الذي نفذ بطول 61 كلم عام 1402هـ، بنفقة إجمالية قدرها (500) مليون ريال.
2 – جسر الميناء وهو أطول الجسور داخل المدن وقد نفذ بطول 12.5كلم عام 1405هـ، بنفقة قدرها (612) مليون ريال، والغرض من هذا الجسر أن يربط بين ميناء جدة الإسلامي وطريق جدة مكة السريع.
3 – طريق مكة الدائري الأول، وقد نفذ عام 1402هـ، وما بعده وقد تم إنشاء أربعة أنفاق مزدوجة وذلك من أجل إبعاد الازدحام عن المنطقة المكتظة حول المسجد الحرام، وتسهيل حركة المرور داخل مكة المكرمة، نظراً لحركة المشاة بالمنطقة خلال المواسم.
4 – طريق مكة الدائري الثالث بطول 28 كلم، عام 1404هـ، بنفقة قدرها 280 مليون ريال.
5 – طريق أجياد السد بطول واحد كلم بنفقة قدرها 8.5 مليون ريال لربط أنفاق السيارات القادمة من منى ومحبس الجن في مكة المكرمة.
6 – نفق أجياد –كدي- بطول 1.6كلم تم تنفيذه عام 1404هـ، بنفقة قدرها 183 مليون ريال، لربط كدي بمنطقة أجياد والمسجد الحرام.
7 – ومن الأعمال المهمة عمل نفق السوق الصغير بحذاء المسجد الحرام بطول 1500 متر والجزء المغطى منه 661 متر في مسارين منفصلين للقادمين من غرب مكة وشرقها.
كم أولى خادم الحرمين الشريفين حفظه الله المشاعر المقدسة من العناية والتطوير ومن أمثلة ذلك:(9/57)
1 – مشروع تطوير منى بقطع الجبال وتسويتها لتوسعة الطرق فقد كان الطريق غرب الجمرات ضيقاً جداً فقطع جزء كبير من الجبل العالي، وصار الطريق واسعاً، كما قطع للغرض نفسه جزء من الجبل الواقع شرق الجمرات.
2 – زيادة الرقعة المهيأة لسكن الحجاج داخل منى بقطع سفوح الجبال وتسويتها، وكانت المنطقة المهيأة للسكن حتى عام 1394هـ، مليون ونصف مليون متر مربع، وبلغت بعد التوسعة والتطوير (46.600.000) ستة وأربعين مليون وستمائة ألف متر مربع، منها أربعة ملايين متر مربع مستوية والباقي سفوح جبال.
3 – إنشاء شبكة من الطرق والجسور الكثيرة والأنفاق لتسهيل حركة السير داخل منى بلغت نفقاتها (3.242) مليون ريال.
4 – إنشاء خزانات مياه ضخمة وشبكة مياه للصرف الصحي ودورات المياه ومواقع للوضوء والغسل بلغت نفقاتها (744) مليون ريال. وقد بني في منى خزان كبير عام 1418هـ، لغرض إطفاء الحريق ووصل إلى الخيام بأنابيب يتدفق منها الماء تلقائياً عند الحاجة.
5 – إنشاء مجزرة المعيصم النموذجية بطاقة مليون وخمسمائة ألف ذبيحة، تم تنفيذ الجزء الأول منها بنفقة (150) مليون ريال، الهدف منها الاستفادة الكاملة من لحوم الهدي والأضاحي واستفادة فقراء الحرم منها، وتوزيع الفائض على فقراء العالم الإسلامي.
كما تم أيضاً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله – الآتي:
1 – توسعة مسجد الخيف بمنى بنفقة تزيد (31.5) مليون ريال.
2 – توسعة مسجد نمرة بعرفات بنفقة قدرها (366) مليون ريال.
3 – تجديد عمارة مسجد التنعيم وتوسعته.
4 – ترميم مصنع كسوة الكعبة المشرفة وتطويره.
5 – تطوير مركز أبحاث الحج، وتم تغيير اسمه في شهر ذي الحجة عام 1318هـ، إلى معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج.
6 – إنشاء مبرة خادم الشريفين لسوق الحجاج والمعتمرين (انظر السبيل، 1419: 41 –43).
المبحث الرابع: الاهتمام بالأوقاف على الحرمين الشريفين(9/58)
ولم تقتصر عناية خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بالحرمين الشريفين في إعمارهما وتوسعتهما والصرف والإنفاق عليهما، فيما يؤدي إلى راحة الحجاج والزوار والمعتمرين، وإنما امتدت يداه الكريمتان حفظه الله بالعمل على الوقف على الحرمين الشريفين، بوقف العديد من المشروعات والأراضي وكان من أبرزها تفضل خادم الحرمين الشريفين بالموافقة على وقف قلعة أجياد على المسجد الحرام.
حيث صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن
عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – على وقف القلعة الكبيرة بجبل (بلبل) المشهورة (بقلعة أجياد) بمكة المكرمة بكامل ما اشتملت عليه من منافع وعموم الأراضي التابعة لها على المسجد الحرام. واستثمار ذلك بقيمة إجمالية قدرها ألف مليون ريال، وتبلغ مساحة الوقف أكثر من ثلاثة وعشرين ألف متر.
وهي من ضمن المكارم الخيرة التي يقدمها سمو ولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – أيدهما – للإسلام والمسلمين، عملاً بقول الله تعالى: ( ((( (((((((((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ((((( ( [آل عمران: 92]. وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].(9/59)
إن عطاءات خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – تترى، وإن هذه المكرمة الغالية ما هي إلا امتداد للمكارم العديدة التي أثمرت عن أكبر توسعة شهدها الحرمان الشريفان على مر العصور. وشهد لها القاصي والداني في كل أنحاء المعمورة، ونعم بها المسلمون في وقت الحج والعمرة وحين يقصدونها، قال تعالى: ( (((((((((((( ((( ((((((( (((( (((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( ((((((((((((( ( (((((((((((((( ( (((( (((( (((((( ((((((((((((((( ((((( ( [البقرة: 195]. وقال تعالى: ( ((((( ((((((((((( (((( (((((( (((((( (((( ((((( ((((((( ( [البقرة: 215]. وإن هذه المكرمة السامية تأتي ضمن سلسلة الإنجازات والجهود السامية التي قامت بها الدولة المباركة – رعاها الله – منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز الفيصل ~ في رعاية المسجد الحرام والمسجد النبوي.
وإن القيادة الراشدة الحكيمة من خلال هذه الموافقة السامية توفر القدوة التي يحتذى بها في التشجيع والعمل على إحياء سنة الوقف الخيري في المجتمع المسلم، ليقوم بدوره الإيجابي والفاعل بوصفه أساساً من أسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت المجتمعات الإسلامية في أمس الحاجة إليها، لكونه مصدراً ثابتاً للدخل للصرف منه على المشروعات والخدمات المختلفة.(9/60)
وإن هذا المشروع الاستثماري الذي سيقام في موقع وقف الحرم المكي ويبلغ مسطحات البناء فيه (297.160) متراً مربعاً، يتكون من (11) برجاً سكنياً، موزعة على أربعة صفوف متوازية بارتفاعات متدرجة مختلفة، كما يتكون المشروع من فندق خمسة نجوم في الجزء الغربي المطل على المسجد الحرام وطريق الهجرة. ويتألف الفندق من برجين، أحدهما بارتفاع (32) طابقاً، والآخر بارتفاع (20) طابقاً. ويحتوي الفندق على (1220) غرفة. كذلك يتكون المشروع من سوق تجاري مكون من طابقين، أحدهما على منسوب الساحات المحيطة بالمسجد، والآخر على منسوب طريق الهجرة، إضافة إلى مواقف للسيارات، تسع (1570) سيارة. وإن التاريخ سوف يسجل بأحرف من نور منجزات قيادة هذه البلاد التي تحظى اليوم باحترام كل بلاد العالم وقادتها بفضل سياستها الحكيمة، ومواقفها الثابتة من قضايا المسلمين في كل مكان. وفي خدمة قضايا الإسلام، وإغاثة المحتاجين والمنكوبين من أبناء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
المبحث الخامس: العناية بكتاب الله طباعة، وتوزيعاً، ونشراً.
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
أمام ازدياد حاجة العالم الإسلامي للمصحف الشريف، واضطلاعاً من المملكة بدورها الرائد في خدمة الإسلام والمسلمين، واستشعاراً من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – بأهمية خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، من خلال جهاز متخصص ومتفرغ لذلك العمل الجليل، وضع – أيّده الله – حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في 16 محرم من سنة 1403هـ، وافتتحه – رعاه الله – في 6 صفر من سنة 1405هـ، قائلاً:(9/61)
"لقد كنت قبل سنتين في هذا المكان لوضع الحجر الأساسي لهذا المشروع العظيم، وفي هذه المدينة التي كانت أعظم مدينة، فرح أهلها بقدوم رسول الله وكانوا خير عون له في شدائد الأمور، وانطلقت منها الدعوة، ودعوة الخير والبركة للعالم اجمع. وفي هذا اليوم أجد أن ما كان حلماً يتحقق على أفضل مستوى ولذلك يجب على كل مواطن في المملكة العربية السعودية أن يشكر الله على هذه النعمة الكبرى، وأرجو أن يوفقني الله أن أقوم بخدمة ديني ثم وطني وجميع المسلمين وأرجو من الله التوفيق".
وتتولى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الإشراف على المجمع، ومعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ هو المشرف العام على المجمع ورئيس هيئته العليا، ويتابع تنفيذ سياسات المجمع وتحقيق أهدافه
وتصل الطاقة الإنتاجية للمجمع إلى ما يربو عن عشرة ملايين نسخة من مختلف الإصدارات سنوياً للوردية الواحدة، ويمكن تشغيله عند الحاجة ثلاث ورديات لينتج ثلاثين مليون نسخة سنوياً.
ووصل عدد الإصدارات التي أنتجها المجمع إلى أكثر من ستين إصداراً موزّعة بين مصاحف كاملة وأجزاء وترجمات وتسجيلات وكتب للسنة والسيرة النبوية وغيرها. وللمجمع مخطوطتان خاصتان به بروايتي حفص عن عاصم وورش عن نافع كتبهما خطاط المجمع وروجعتا من قبل لجنة علمية بالمجمع، كما بدأ المجمع في كتابة مخطوطتين أخريين خاصتين به بروايتي الدوري وقالون.
تقدر مساحة المجمع بمائتين وخمسين ألف متر مربع، ويعتبر المجمع وحدة عمرانية متكاملة في مرافقها، حيث يضم مسجداً، ومباني للإدارة، والصيانة، والمطبعة، والمستودعات، والنقل، والتسويق، والسكن، والترفيه، والمستوصف، والمكتبة، والمطاعم وغيرها. ونال في عام 1416هـ جائزة المدينة المنورة لأفضل تصميم ذي طابع إسلامي أصيل.(9/62)
وتجاوز إنتاج المجمع (160) مليون نسخة حتى منتصف عام 1421هـ. أما مجموع ما وزعه على المسلمين في مختلف قارات العالم فزاد عن (132) مليون نسخة، وأما أنواعها فقد بلغت أكثر من (60) إصداراً.
وتجدر الإشارة إلى أن إصدارات المجمع المطبوعة أو المرتلة يراعى في اختيارها وإنتاجها وتوزعها المواءمة بين حاجات المسلمين إليها، وبين الاستفادة القصوى من الإمكانات الكبيرة التي أمر بتوفيرها للمجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله.
ووضع المجمع ضمن خططه المستقبلية العمل على زيادة إنتاجه وتنويعه.
ومن جهة أخرى وبالنسبة للإصدارات الجديدة من مصحف المدينة النبوية، فقد تم إنتاج مصحف الثمن مجزأ، وإنتاج ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الإنكليزية بثلاثة أحجام، وكذلك اتخاذ الترتيبات الأولية الخاصة بإنتاج المصحف المعلم مرتلاً، وانتهى تسجيل المصحف برواية قالون ترتيل فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي، وكذلك انتهى تسجيل المصحف برواية حفص ترتيل فضيلة الشيخ عبدالله بصفر، وكذلك انتهى تسجيل المصحف برواية حفص ترتيل الدكتور عماد زهير حافظ، ويجري الإعداد للتسجيل بروايات أخرى.
ويدرس المجمع حالياً أفكاراً ونماذج جديدة من الإصدارات المطبوعة والمسجلة، من ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغات المختلفة التي تم الانتهاء من طباعتها: الباشتو، البراهونية، الألبانية، الإندونيسية، الأوردية، البنغالية، البوسنية، التركية، التاميلية، الصومالية، الصينية، الفرنسية، القازاقية (حرف سيريليكي)، الإنكليزية، الهوسا، والإغورية، الأسبانية، الفارسية، الكشميرية، الكورية، المليبارية، المقدونية، اليوربا، اليونانية.
إضافة إلى ذلك، هناك ترجمة معاني جزء عم وجزء تبارك إلى اللغة الصينية، وجزء عم باللغة الإنكليزية والأسبانية. وشرع المجمع في الإعداد لطباعة ترجمة معاني جزء عم بمختلف اللغات التي أصدرها.(9/63)
وفي هذا الإطار يقوم المجمع حالياً بإنجاز سبع ترجمات جديدة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغات التالية: البورمية، الأنكو، الهولندية، التايلندية، الزولو، وبذلك يزيد مجموع الترجمات عن ثلاثين ترجمة، كما يعد لإنجاز ترجمات أخرى مستقبلاً.
يعمل بالمجمع حالياً حوالي ألفي شخص بين علماء وأساتذة جامعات وفنيين وإداريين، ونسبة السعوديين منهم تصل إلى حوالي 70%. وتعمل الكفاءات السعودية الآن في مختلف الأقسام الفنية بالمجمع، ويتابع المجمع تطوير مهاراتهم الفنية والإدارية لتتناسب مع احتياجاته.
زار المجمع حوالي مليوني مسلم ومسلمة من مختلف بلدان العالم، جاءوا ليشاهدوا هذا الصرح الإسلامي الشامخ الذي يعتبر من الأعمال الجليلة التي قامت بها المملكة العربية السعودية لخدمة الإسلام والمسلمين.
إن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف وهو هدية خادم الحرمين الشريفين للمسلمين في كل مكان أصبح من المعالم المهمة في المدينة المنورة وهو معقل حصين لحفظ وصيانة ونشر كتاب الله وسنة رسوله @.
هدية خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله– إلى حجاج بيت الله الحرام
وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – على توصيل كتاب الله إلى كافة المسلمين بمختلف أنحاء العالم، وبمختلف اللغات فقد وجه بتقديم نسخة من إصدارات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة لضيوف الرحمن من حجاج بيت الله الحرام، حيث يتم سنوياً توزيع هدية خادم الحرمين الشريفين لكل الحجاج عند مغادرتهم منافذ المملكة عائدين بسلامة الله وحفظه إلى بلادهم بعد أن يؤدوا مناسك الحج في يسر وطمأنينة متمتعين بالتسهيلات الكبيرة، وبالإمكانات الهائلة التي وفرتها لهم المملكة.
العناية بالجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم:(9/64)
ولم تنحصر عناية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بالقرآن الكريم في طباعته ونشره وتوزيعه وترجماته إلى اللغات المختلفة، بل امتدت رعايته وعنايته للقرآن الكريم للعمل على حفظه لدى الناشئة، وذلك من خلال دعمه للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، والتي توسع نشاطها وانتشرت حلقاتها وفصولها في كل مدينة وقرية وهجرة بأنحاء المملكة، حيث حرصت الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – على رعاية هذه الجمعيات مادياً ومعنوياً، فخصصت لها الإعانات السنوية الكبيرة ومنحتها الأراضي لإقامة مقارها.
ولم يتوقف هذا الدعم السخي على حد معين، فهاهي الجمعيات تحظى بموافقة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله – على معاملة هذه الجمعيات من حيث الدعم والمزايا الأخرى معاملة الجمعيات الخيرية المرخصة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فضلا على الموافقة على تمتعها بالتعرفة المخفضة لاستهلاك الكهرباء أسوة بالجمعيات الأخرى، وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء الموقر المنعقد بتاريخ 7/11 /1422هـ، والمتضمن الموافقة على شمول مقرات الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم للتعرفة المخفضة لاستهلاك التيار الكهربائي.
وتضمن القرار أيضاً تخصيص جزء من موارد الأوقاف في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم الخيرية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم الخيرية التابعة لها.
وإيماناً من خادم الحرمين الشريفين بأثر القرآن الكريم في إصلاح وتهذيب النفس البشرية والمنحرفين عن جادة الصواب فقد أصدر – حفظه الله – أوامره الكريمة بتخفيف العقوبة على السجناء بقدر ما يحفظونه من كتاب الله، وهكذا يتضح لنا عناية خادم الحرمين الشريفين بالقرآن الكريم من كافة النواحي والجوانب، الطباعة، والنشر، والحفظ، والترجمات، والتفسير.
المبحث السادس: العناية بالأوقاف على المساجد(9/65)
يعد الوقف على المساجد والعناية بها وتشييدها وصيانتها من أقرب القربات إلى الله، ولقد شهد الله ? بالإيمان لمن يعمرها، قال تعالى: ( ((((((( (((((((( ((((((((( (((( (((( ((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( (((( ( ( [التوبة: 18]، وقد وعد الله ? من بنى مسجداً لله في الدنيا بأن يبنى له بيتاً في الجنة، فجاء في حديث عثمان >:" أني سمعت النبي @ يقول من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة" [ رواه البخاري ومسلم]، حيث نجد أن أول عمل قام به الرسول@، حينما هاجر إلى المدينة بناء المسجد، ولقد اهتم المسلمون منذ بداية ظهور الإسلام بالمساجد، والعناية بها وتعميرها، وإيقاف والأوقاف عليها.
وما للمساجد من أهمية في حياة المسلمين فقد أولى خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – عناية كبيرة وفائقة بالمساجد والوقف عليها وتعميرها، وحث المسؤولين بالمساجد والعناية بها، ويدعو دائماً للاهتمام بها. ويجند الإمكانيات للعناية بها ويظهر ذلك واضحاً في عدد من الكلمات والخطب التي حث فيها على العناية بالمساجد، حيث نجده يقول –حفظه الله – في ذلك:
"فإن من أوجب الواجبات الاهتمام الكامل بالمساجد فهي بيوت الله في الأرض، وهي مدرسة الإسلام والمسلمين الأولى، فقد كان المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم كما وصفه القرآن، قاعدة لبناء أول مجتمع إسلامي على أساس الإيمان. فكان المسجد منارة العلم، ومحراب العبادة، ومنطلق الجهاد، وأن العناية ببيوت الله بناءً وتشييداً وصيانة وترميماً، وتزويدها بما تحتاجه من مرافق وخدمات، هو العلامة الواضحة للمجتمع المسلم الذي يعيد مسيرة السلف الصالح، وأمارة من أمارات الإيمان الصحيح، وعلامات اليقين المتمكن". [من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين بمناسبة بدء الأسبوع السنوي السادس للعناية بالمساجد، الرياض 13/5/1403هـ].
كما نجده في مناسبة أخرى يقول:(9/66)
"إننا نحمد الله على ما أولانا من شرف كبير لخدمة الحرمين الشريفين ومقدساتنا الإسلامية، وبما مكننا بعونه وتوفيقه من بذل الجهود وحشد الطاقات وتجنيد الإمكانيات لخدمة ديننا الحنيف والعناية بالمساجد وإنشائها في كل منطق من مناطق المملكة وفي كل قرية من قراها، نسأل الله ? أن يعيننا على خدمة بيوته، وأن يأخذ بأيدينا لنصرة دينه الحنيف". [من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين بمناسبة الأسبوع السنوي الثاني عشر للعناية بشؤون المساجد بالمدينة المنورة، 2/4/1409هـ].
وأوقاف خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – على المساجد لم تكن مقصورة على داخل المملكة العربية السعودية فقط، وإنما تعدتها إلى خارج المملكة وفي مختلف القارات والدول، ونسبة لطبيعة البحث فسوف نقوم بتقديم بعض الإشارات لعدد من تلك المساجد لصعوبة حصرها سواءً في داخل المملكة أو خارجها.
أولاً: أوقاف خادم الحرمين الشريفين على المساجد داخل المملكة:
لم يترك خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – منطقة أو مدينة أو قرية أو هجرة إلا قام ببناء مسجد فيها على نفقته الخاصة، إضافة إلى أنه وجه بضرورة أن يبنى لكل مسجد منزل للإمام وآخر للمؤذن حتى يضمن – حفظه الله – استقرار الإمام والمؤذن لكي يؤديا دورهما في الإمامة في الصلاة، وفي الإرشاد والتوجيه لعامة المواطنين والمقيمين.
وللوقوف على بعض المساجد التي قام خادم الحرمين الشريفين بتشييدها على نفقته الخاصة وتحمل اسمه داخل المملكة العربية السعودية، نستعرض ذلك من خلال الجدول رقم (2).
جدول رقم (2)
يوضح بعض المساجد التي قام خادم الحرمين الشريفين
بتشييدها وتحمل اسمه داخل المملكة العربية السعودية
المنطقة
اسم المسجد
م
شارع الستين، الرياض
جامع الملك فهد بن عبدالعزيز
1
غرب جنوب مصلى العيد، الرياض
جامع خادم الحرمين الشريفين
2
حي الشفا، الرياض
جامع الملك فهد بن عبدالعزيز
3
السويدي، الرياض(9/67)
جامع اسامة بن زيد (خادم الحرمين الشريفين)
4
الطرادية، الرياض
جامعة والدة الملك فهد بن عبدالعزيز
5
حي الملك فهد، الرياض
جامع الملك فهد بن عبدالعزيز
6
شمال الغرابي، الرياض
جامع الملك فهد بن عبدالعزيز
7
طريق الملك خالد، الرياض
جامع الملك فهد بن عبدالعزيز
8
الدمام
جامع خادم الحرمين الشريفين
9
الخبر
جامع خادم الحرمين الشريفين
10
الهفوف، الإحساء
جامع خادم الحرمين الشريفين
11
الجامع الكبير، ببريدة
جامع خادم الحرمين الشريفين
12
مسجد الحديقة الشرقية بعنيزة
مسجد خادم الحرمين الشريفين
13
المدينة المنورة
مسجد قباء (خادم الحرمين الشريفين)
14
المدينة المنورة
مسجد ميقات ذي الحليفة (خادم الحرمين الشريفين)
15
المدينة المنورة
مسجد القبلتين (خادم الحرمين الشريفين)
16
المدينة المنورة
مسجد الملك فهد بالحرة الشرقية
17
حائل
جامع خادم الحرمين الشريفين
18
وهكذا يتضح لنا من خلال الجدول أعلاه عن أوقاف خادم الحرمين الشريفين على المساجد داخل المملكة، أنها شملت تقريباً أكثر مناطق المملكة، وهذا الجدول إنما هو لمجرد إعطاء بعض الإشارات عن تلك المساجد، ولم يكن الحصر هدف هذا البحث، حيث إن دراسة أوقاف خادم الحرمين الشريفين على المساجد داخل المملكة، تتطلب القيام ببحث متخصص لها، بهدف التوثيق لها ومعرفة تواريخ إنشائها ومواصفاتها الفنية، والمعمارية، وكذلك الأعداد من المصلين التي تخدمها تلك المساجد، ومعرفة أثرها في الدعوة والتوجيه والإرشاد، سواءً للمواطنين أو المقيمين داخل المملكة.
ثانياً: أوقاف خادم الحرمين الشريفين على المساجد خارج المملكة.
إن اهتمام خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – بالأوقاف على المساجد لم ينحصر في داخل المملكة فقط كما بينا، وإنما امتدت جهوده في ذلك الأمر إلى تشييد العديد من المساجد والمراكز الإسلامية في مختلف قارات العالم خارج المملكة وعلى نفقته الخاصة.(9/68)
ورغبة في التعريف ببعض المراكز والمساجد التي بناها خادم الحرمين الشريفين على نفقته الخاصة خارج المملكة، نشير إلى بعضها والمتمثلة في الآتي:
1 – مركز الملك فهد الثقافي والإسلامي في بيونس أيرس (الأرجنتين):
تم وضع حجر الأساس للمركز الذي بني على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظه الله – بتكلفة قدرها (112.500.000) مائة واثنا عشر مليون وخمسمائة ألف ريال على أرض تبلغ مساحتها (33,670م2)، ويبلغ مجموع مساحات البناء (17,310م2)، ويتكون المركز من أربعة قطاعات الأول ديني يضم مسجداً يتسع لنحو ألف مصل، ووحدة لإسكان الإمام، والثاني ثقافي يشتمل على قاعة عرض ومحاضرات تتسع لقرابة (700) شخص، وساحة للعروض، ومكتبة، والثالث تربوي يضم حديقة للأطفال ومدرسة ابتدائية تستوعب (300) طالب، وأخرى ثانوية تستوعب العدد نفسه.
... أما القطاع الرابع والأخير، فيختص بالجانب الترفيهي ويضم مطعماً، ومطبخاً، ومركزاً رياضياً، إضافة إلى المخازن الرئيسة، وأماكن وقوف السيارات (انظر الشؤون الإسلامية: حقائق وأرقام، 1419: 202).
2 – مسجد الملك فهد في لوس أنجلوس( الولايات المتحدة الأمريكية):
يقع المسجد في حي (كولفرستي) غرب مدينة (لوس أنجلوس)، ويعد من أكبر المساجد والمراكز الإسلامية في قارة أمريكا الشمالية، وأجملها عمارة على الإطلاق، وتبلغ مساحته (7200م2)، ويتكون من أربعة طوابق، ويتسع لألفي مصل، ويضم المسجد مصلى للنساء، وقاعة محاضرات، وقاعة اجتماعات، وفصولاً دراسية، ومركزاً للأبحاث، ومكاناً لبيع الكتب، ومرافق للأطفال، ومواقف للسيارات.(9/69)
وقد بدأ العمل فيه بتاريخ 10 أبريل 1996م، وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان مجلس الوزراء يوم الجمعة 23/3/1419هـ الموافق 17/يوليو/ 1998م، وأقيم المسجد على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وبلغت تكلفته (30.375.000) ثلاثين مليوناً وثلاثمائة وخمسة وسبعين ألف ريال.
وقد بين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، أثناء افتتاح المسجد، نهج المملكة العربية السعودية الثابت في دعم الإسلام والمسلمين، وحرص خادم الحرمين الشريفين على نشر الإسلام، وتعاليمه في كل مكان حيث قال: "إن خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وهما يدركان هذه المعاني السامية، والأهداف الجليلة لرسالة الإسلام الخالدة، فقد حرصا على إعمار بيوت الله، وتشييدها، لتكون مصادر إشعاع، ومصابيح هداية، تتجلى من خلالها تلك المفاهيم، ويكون الدين كله لله رب العالمين تعمل على نشر العقيدة الصافية الخالصة من الشوائب والأدران، ومن البدع والخرافات، وإظهار دين الإسلام على حقيقته، دين الخير، والبعيد عن كل مظاهر الظلم والعنف، والطغيان، محتسبين في عملهما الأجر، والإحسان من الكريم الرحمن" (انظر الشؤون الإسلامية: حقائق وأرقام، 1419: 192 –194).
3 – مسجد مدينة ليون (فرنسا):
... تم إنشاء المسجد على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظه الله – وبلغت تكاليف بنائه (18.130.800) ثمانية عشر مليوناً ومائة وثلاثين ألفاً وثمانمائة ريال، وتبلغ مساحة المسجد (70) ألف متر مربع، وتم افتتاحه بتاريخ 30/9/1994م. (انظر الشؤون الإسلامية: حقائق وأرقام، 1419: 192).
4 – جامع خادم الحرمين الشريفين في جبل طارق:(9/70)
افتتح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود جامع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود يوم الجمعة 5 ربيع الأول من عام 1418هـ (1997م)، والذي بني على نفقة خادم الحرمين الشريفين الخاصة، وبلغت تكلفته (30.000,000) ثلاثين مليون ريال سعودي، وأقيم على أرض مساحتها (5.200م2) خمسة آلاف ومائتا متر مربع (انظر الشؤون الإسلامية: حقائق وأرقام، 1419: 190).
5 – مسجد خادم الحرمين الشريفين والمركز الإسلامي في أدنبرة (المملكة المتحدة):
... يقع المسجد في (أدنبرة) عاصمة اسكتلندا في المملكة المتحدة وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظه الله –
بـ 90% من التكلفة الإجمالية للمشروع على نفقته الخاصة والبالغة (21.945.000) واحداً وعشرين مليوناً وتسعمائة وخمسة وأربعين ألفاً، ويتكون المشروع من مسجد تتسع قاعة الصلاة الرئيسة فيه لحوالي (750) سبعمائة وخمسين مصلياً، ومصلى للنساء يتسع لحوالي (150) مائة وخمسين مصلية، ومركز إسلامي توجد فيه قاعة متعددة الأغراض تتسع
لـ (300) ثلاثمائة فرد، وتستخدم للصلوات عند الحاجة، وتستخدم للمحاضرات والندوات واللقاءات العامة للمسلمين، كما يضم المركز مكتبة، وعدداً من المكاتب الإدارية، كما تم تخصيص المبنى القديم للمركز لإقامة فصول دراسية، بالإضافة إلى مغسلة للأموات.(9/71)
هذا وقد افتتح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدولة عضو مجلس الوزراء المشروع يوم الجمعة الموافق 8/4/1419هـ، وألقى سموه كلمة في افتتاح المشروع أكد فيها على سياسة المملكة الثابتة المبنية على الشريعة الإسلامية وعلى نصرة الإسلام والمسلمين أينما وجدوا، حيث قال: "إن بناء هذا المركز وغيره يتلاقى تماماً مع السياسة العامة للمملكة العربية السعودية فهي قلب العالم الإسلامي وقدوته ومحط أنظاره، هذه الدولة التي أكرمها الله تعالى بمزايا عديدة حين اختارها مهداً لرسالة الإسلام وأولاها خدمة الحرمين الشريفين وحباها قيادة رشيدة منذ عهد الملك عبدالعزيز ابن عبدالرحمن - تغمده الله برحمته - الذي جمع الله به شملها وبنى قواعد منهجه في الحكم على أساس الشريعة الإسلامية بمبادئها العادلة وأحكامها الشاملة، عندما بويع مولاي خادم الحرمين الشريفين لتولي أمور الرعية سلك في أمته منهج الرشاد وطريق السداد فأعزه الله بالإسلام ونصر الإسلام به، حيث أولى خدمة الدين وإعلاء كلمته، ونشر دعوة الله في الأرض كل اهتمامه، أسأل الله تعالى أن يجزل أجره وأن يجعل عمره موصولاً بالزيادة مقروناً بالعافية إن سميع قريب".
وقال أيضاً:
"وما زالت سياسة المملكة العربية السعودية تسير وفق هذا الإطار الذي أساسه العقيدة الإسلامية، وأهم معالمه التركيز على الشأن الإسلامي ورعايته وإقامة العلاقات الطيبة مع الدول الشقيقة والصديقة دون التدخل في شؤونها الداخلية وما إقامة هذا الصرح الإسلامي الكبير إلا ثمرة من ثمار تلك العلاقة المتميزة بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة الصديقة" (انظر الشؤون الإسلامية: حقائق وأرقام، 1419: 177 –179).
6 – المركز الإسلامي الثقافي في مدريد (أسبانيا):
... قام بافتتاحه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن(9/72)
عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض بتاريخ 24/3/1413هـ، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وحضر حفل الافتتاح ملك أسبانيا، ولقد تكفل خادم الحرمين الشريفين بنفقات المركز كاملة، والتي بلغت (93.750) ثلاثة وتسعين مليوناً وسبعمائة وخمسين ألف ريال.
ويعتبر المركز الإسلامي الثقافي في مدريد من أكبر المراكز الإسلامية في أوروبا، وتبلغ مساحته (18) ألف متر مربع، ويضم مبنى المركز مسجداً يتسع لأكثر من ألف مصل، وألحق به شرفة خاصة بصلاة النساء، كما يضم حمامات للوضوء، ويتكون المركز من (6) طوابق ثلاثة منها تحت الأرض، وتبلغ مساحة المسجد وحده حوالي (650) متراً مربعاً، ويضم المركز إلى جانب المسجد مدرسة متعددة المراحل تتسع لأكثر من (300) طالب، ومعملاً لتعليم اللغات يضم (36) غرفة مجهزة للتدريس، وبالمركز قاعة كبيرة للعرض وللمؤتمرات تتسع لأكثر من (500) مقعد، ومجهزة بكافة الأجهزة الصوتية، ومركزاً للترجمة الفورية، وتقوم مدرسة المركز بتعليم العلوم الإسلامية، واللغة العربية، والقرآن الكريم، إلى جانب تدريس اللغة الأسبانية، واللغة الإنجليزية، وبالمركز مكتبة تضم حوالي (30) ألف كتاب، وقاعة للمطالعة، مجهزة بوسائل سمعية وبصرية، وللمسجد مئذنة رشيقة ترتفع إلى حوالي (36) متراً (انظر الشؤون الإسلامية: حقائق وأرقام، 1419: 183 –184).
7 – مركز خادم الحرمين الشريفين الثقافي الإسلامي في مالقة (أسبانيا):
وقد وضع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود حجر الأساس للمشروع يوم الاثنين 8 ربيع الآخر 1418هـ الموافق (11 أغسطس 1997م) بحضور معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.(9/73)
ويقع المركز في وسط مدينة مالقة الحديثة، وتبلغ مساحته الإجمالية (3848) متراً مربعاً، بقرب المحطة الرئيسية بوسط المدينة، والمراكز التجارية والاجتماعية المحيطة به، ويتكون من خمسة طوابق بسعة إجمالية قدرها (12590) مصل، كما يوجد مصلى آخر للنساء يتسع لحوالي (800) مصلية، ويرتبط رأساً بالطابق الأول. كما توجد قاعة للندوات الإسلامية والمؤتمرات ومطعم لخدمة الدارسين، ومكاتب للمركز والدعوة والإرشاد، كما يشتمل المركز على حدائق خارجية، وموقف سيارات تحت الأرض تقدر مساحته بأربعة آلاف متر مربع يتسع لعدد (190) سيارة، بالإضافة إلى سكن إمام المسجد.
وقد روعي في تصميم المشروع الحداثة المعمارية، وربط العمارة الإسلامية الأندلسية ذات الطابع المميز، وله منارات بارتفاع (50) متراً، واستغرق تنفيذه مدة اثني عشر شهراً.
وتتطلع الجالية الإسلامية لهذا المشروع الخير بما يخدم مدينة مالقة والمناطق المجاورة وحاجة المسلمين لذلك وأهمية هذا المشروع على المستوى الإسلامي. هذا وقد تم تنفيذ هذا المشروع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الخاصة (انظر الشؤون الإسلامية، حقائق وأرقام، 1419: 186 – 187).(9/74)
وهكذا يتبين مقدار العناية الفائقة، التي أولاها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد للمراكز والجمعيات، والمساجد خارج المملكة، وهو نهج ثابت اتخذته المملكة لدعم المسلمين أينما كانوا، لتمكينهم من ممارسة شعائرهم الدينية في بلادهم، وفي البلاد غير الإسلامية التي يعيشون فيها، والعمل على جمع شملهم، وتأصيل مبدأ التآخي، والتعاون بينهم في كل مكان، وتهيئة الأجواء المناسبة لهم، للقيام بواجبهم تجاه ربهم، ودينهم وأمتهم. وقد كان لهذه المراكز، والجمعيات، والمساجد، أثر كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمسلمين، وزيادة أواصر المحبة، والأخوة بينهم، باجتماعهم فيها للصلاة، والذكر، والدراسة، وتذاكر أحوالهم، وأحوال إخوانهم المسلمين. كل ذلك تم بفضل الله ? ثم بالدعم السخي، والتوجه المبارك، والنهج الإسلامي الراسخ، لهذه المملكة الفتية، دولة الإسلام ومهبط الوحي.
المبحث السابع: العناية بالأوقاف على المدارس والمعاهد والجامعات
حرص خادم الحرمين الشريفين على دعم المعاهد والمدارس والجامعات، وذلك إيماناً منه بضرورة نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة وإيصال الدعوة الإسلامية إلى كافة أنحاء المعمورة، والتعريف بالإسلام، وإبراز الصورة المشرقة له في العالم، ويعد هذا الاهتمام من قبله –حفظه الله – امتداداً لاهتمام المغفور له والده الملك عبدالعزيز ~ وإخوانه الملوك الملك سعود والملك فيصل والملك خالد –يرحمهم الله –.
حيث قام –حفظه الله – بدعم العديد من المدارس في مختلف أنحاء العالم والمعاهد الإسلامية، كما قام بإنشاء العديد من الأكاديميات في خارج المملكة العربية السعودية، إضافة إلى تأسيس العديد من الكراسي العلمية للدراسات الإسلامية في جامعات العالم. وفيما يلي إعطاء نبذة مختصرة عن الأكاديميات والكراسي العلمية التي أقيمت على نفقة خادم الحرمين الشريفين.
أولاً: في مجال الأكاديميات:
1 – الأكاديمية الإسلامية السعودية في واشنطن:(9/75)
تأسست الأكاديمية في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية (واشنطن) عام 1405هـ، وهي إحدى المؤسسات التربوية التي قامت المملكة بإنشائها، من أجل تدريس اللغة العربية، والعلوم الدينية، والمحافظة على شخصية الطالب المسلم، وتوجيهه والاعتزاز بلغته، والمحافظة على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، علاوة على تدريسه كل ما يتعلمه عليه طلاب المدارس الأمريكية باللغة الإنجليزية.
ولقد أصبحت الأكاديمية تتبوأ مركزاً مشرفاً بين جميع المدارس الخاصة في منطقة شمال (فرجينيا)، بما توفر لها من دعم سعودي، جعلها أنموذجاً تربوياً، وتعليمياً وحازت على الاعتراف الأكاديمي، وصارت تضم أكثر من (650) طالباً وطالبة ينتمون إلى (28) جنسية.
وتعد الأكاديمية من أعظم الهدايا التي قدمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله – لأبناء الجاليات، والأقليات المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، لما وفرته من أجواء تربوية إسلامية للطلاب أسهمت في إنقاذهم من الانخراط في المدارس العامة التي
لا تتوافر فيها دراسة اللغة العربية والعلوم الشرعية.
وتنفرد الأكاديمية بخصوصيتها التي تهدف إلى تحقيق غايتين نبيلتين، إحداهما تربوية، والأخرى تعليمية، وذلك بإعداد الطلاب والطالبات، وتنشئتهم على القيم والأخلاق الحميدة، والمثل الإسلامية العليا، بالإضافة إلى تعليم اللغة العربية، والعلوم الدينية والاجتماعية التي تحافظ على مستوى الطلاب التعليمي في مواد اللغة ليتمكن من يعود منهم إلى بلاده من الالتحاق بالصفوف المعتادة، التي وصل إليها في الأكاديمية، وعدم إضاعة أي سنة من سنوات الدراسة، طيلة إقامة والديه في الولايات المتحدة الأمريكية.(9/76)
كما أنها تؤهل المقيمين منهم بصورة دائمة، للإلتحاق بمرحلة التعليم الجامعي، وذلك بتدريس جميع المواد المقررة في الولايات المتحدة الأمريكية، باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى إكساب الطلاب والطالبات، مختلف المهارات والمعارف، وتهيئة الفرد ليقوم بواجبه الحضاري البناء، لخدمة بلاده ومجتمعه، والنهوض بأمته في ضوء العقيدة السليمة، ومبادئ الإسلام الحنيف.
وكذلك تهدف الأكاديمية إلى تعريف أبناء الولايات المتحدة الأمريكية بالثقافة والحضارة العربية والإسلامية، من خلال الندوات، والمسابقات، والمناشط الثقافية والعلمية، والرياضية، والفنية التي تقوم بها واللقاءات المستمرة مع طلاب المدارس الأمريكية.
2 – أكاديمية الملك فهد التعليمية في لندن:
وهي مؤسسة تعليمية تم افتتاحها في قلب العاصمة البريطانية، في سبتمبر عام 1985م، لتكون منبر إشعاع حضاري، في العالم الغربي، ومنارة للتعريف بالدين الإسلامي، والحياة الإسلامية، وقد جاءت هذه الأكاديمية الرائدة في فكرتها، والجديدة في أسلوب تطبيقها في دولة تمتلئ بالجاليات، والأقليات الإسلامية المتعطشة إلى العلوم وعلوم اللغة العربية للمحافظة على أجيالها من الضياع وسط المجتمع الغربي. ولقد لقيت فكرة الأكاديمية ترحيباً من جميع الجاليات والأقليات الإسلامية التي تعيش في بريطانيا، والتي يربو عددها على مليوني مسلم. ويؤكد ذلك أن الأكاديمية بدأت بـ(270) طالباً وطالبة فقط، في عام 1985م، وهو أول عام دراسي تبدا فيه الأكاديمية نشاطها، ثم ارتفع إلى أكثر من ألف طالب وطالبة، في العام الدراسي 1989/1990م، يمثلون (26) جنسية بما فيهم أبناء البريطانيين الذين اهتدوا إلى الإسلام، كما تضم أساتذة ومعلمات يبلغ عددهم (70) معلماً ومعلمة، يحمل معظمهم شهادات عليا في حقولهم التخصصية.(9/77)
وتهدف الأكاديمية إلى إعداد جيل مسلم متمسك بعقيدته ودينه، مؤهل تعليمياً، لأداء واجباته الدينية والدنيوية على الوجه الذي يرضي الله ?. كما تهدف إلى نشر الوعي والمعرفة بالحضارة الإسلامية والعربية. وتنقسم الأكاديمية إلى قسمين، القسم الأول للبنين، والقسم الثاني للبنات. وتضم جميع المراحل الدراسية من الروضة، إلى المرحلة الثانوية.
وتعتمد أكاديمية الملك فهد التعليمية في منهجها الدراسي على المنهج الإنجليزي، في جميع المراحل الدراسية، عدا مادتي اللغة العربية، والدراسات الإسلامية اللتين تدرسان طبقاً لمناهج المملكة العربية السعودية. ولذلك فإن الطالب لا يجد أي صعوبة في الالتحاق بأي جامعة من جامعات العالم بعد إكمال تعليمه، بل أن مستواه الدراسي بشهادة كثيرين يتفوق على المدارس العادية، وتحرص الأكاديمية على توفير احدث الأجهزة التقنية، وتنمية مهارات الطلاب والطالبات، وفقاً لأحدث الوسائل التعليمية المتوفرة.
وقد حظيت أكاديمية الملك فهد التعليمية في عمرها القصير، بسمعة طيبة ومكانة كبيرة بين أوساط العرب والمسلمين في بريطانيا، بعد أن شاهدوا إمكاناتها التربوية والتعليمية الكبيرة، ومستواها الأكاديمي الرفيع، مقارنة بالمؤسسات الأكاديمية الأخرى.
وتتبنى الأكاديمية نظاماً ذا عائد تربوي وتعليمي كبير في مجالات النشاط العلمي، والثقافي، والديني حيث تدخل في تقويمها الأكاديمي الرحلات العلمية ذات الصلة بعلوم الدراسة، ومعارض الفنون والإبداع، والأمسيات الشعرية، والمحاضرات التي تتناول شتى صنوف المعرفة إضافة إلى عقد المنافسات بين الطلاب، والتي تتصدرها منافسة حفظ القرآن الكريم.
3 – أكاديمية الملك فهد في بون:(9/78)
لا تعد أكاديمية الملك فهد في (بون) مؤسسة تعليمية تربوية فحسب تحتضن أبناء الجاليات العربية والإسلامية المقيمة في (بون) وألمانيا عموماً، ولكنها مركز ثقافي يعني بإقامة النشاطات الثقافية من محاضرات، وندوات، ومعارض، ودورات مسائية، تهتم في مجملها بالتعريف بالإسلام، وما يتصل به من علوم وشؤون، وبالواقع الحضاري للمملكة العربية السعودية، وبتوثيق صلة العرب والمسلمين بدينهم وحضارتهم وأصالتهم وبترغيب الألمان في الثقافة الإسلامية واللغة العربية وآدابها وعلومها والفنون المتصلة بهما. ولهذا فإن مبنى الأكاديمية الذي تبلغ مسطحاته 5000م2 والمقام على أرض مساحتها 5600م2 مهيأ لإقامة هذه المناشط؛ لما يتوافر فيه من إمكانات مجهزة،مثل قاعة للمحاضرات وقاعة للمعارض والأغراض الأخرى المتعددة، هذا إلى جانب التجهيزات التعليمية، حيث يضم
المبنى عشرين فصلاً، يتولى التدريس فيها (35) عضواً من أعضاء هيئة التدريس من جنسيات عربية، وإسلامية، وألمانية، كما يضم المبنى مسرحاً تعليمياً، ومكتبة مدرسية، ومعامل للعلوم والحاسب الآلي، ومرافق
أخرى عامة، كما يشمل مجمع الأكاديمية مسجداً جامعاً يتسع لنحو (700) مصل.
وقد افتتح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن(9/79)
عبدالعزيز آل سعود، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء الأكاديمية بتاريخ 20/4/1416هـ، وقد أكد سموه في حفل الافتتاح حرص المملكة العربية السعودية على بناء المؤسسات التعليمية في الخارج، ورغبة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود –يحفظه الله – أن تكون تلك المؤسسات مراكز إشعاع ومصابيح هداية تعمل على تعليم العقيدة الصحيحة وإقامة جسور ود ومحبة تربط أبناء المملكة وأبناء الجاليات والأقليات الإسلامية بدينهم، وتراثهم، وأصالتهم، وتبين لغير المسلمين حقيقة الإسلام؛ لتحقيق تبادل ثقافي، وحضاري، بين أبناء المسلمين وغيرهم بما لا يتعارض مع عقيدة الإسلام.
4 – أكاديمية الملك فهد في موسكو: ... ...
تم افتتاح الأكاديمية في عام 1413هـ، وتضم (25) فصلاً تخدم نحو (300) طالباً منتسباً، إضافة إلى مراحل للروضة، والتمهيدي، ويعمل بها (100) عامل وموظف.
وتضم الأكاديمية قاعتين للحاسب الآلي ومختبراً فيزيائياً، وآخر كيميائياً، وقاعة مجهزة للمحاضرات والترجمة المباشرة، لعدة لغات، وتدرس الأكاديمية المنهج السعودي إضافة إلى اللغة الروسية، واللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي.
ثانياً: تأسيس الكراسي العلمية للدراسات الإسلامية في جامعات العالم
دعمت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين إنشاء عدد من الكراسي والأقسام المعنية بالدراسات الإسلامية، في عدد من جامعات العالم، رغبة منها في نشر الدين الإسلامي، وإيضاح المبادئ الحقيقية للإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية، وتدعيم المحاولات القائمة لتحقيق ذلك في عدد من المؤسسات التعليمية العالمية، ومن أهم الكراسي التي أسهمت المملكة في إنشائها ورعايتها ما يأتي:
1 – كرسي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لدراسات الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة (هارفارد) الأمريكية:(9/80)
أسس الكرسي في عام 1413هـ، بتبرع سخي كريم من لدن خادم الحرمين الشريفين بلغ (18.750.000) ريال وذلك لغرض إنشاء مركز بكلية الحقوق، يعنى بدراسة الشريعة الإسلامية، وأطلقت إدارة الكلية اسم خادم الحرمين الشريفين على الكرسي تقديراً له، ونتج عن هذا التبرع الكريم، توفير منح دراسة لدرجة الأستاذية، وتموين الأبحاث العلمية بالكلية.
ولوجود (كرسي خادم الحرمين الشريفين) في جامعة (هارفارد) الأمريكية، أهمية كبرى، من حيث اعتبارها من أقوى الجامعات في أمريكا، مما يتيح له تأثيراً علمياً فاعلاً في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، ولدى من يلتحق بالجامعة من أنحاء العالم بصفة عامة.
2 – كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة (لندن):
وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود بمبلغ (6.270.000) ستة ملايين ومائتين وسبعين ألف ريال لإنشاء هذا الكرسي، وجاء إنشاؤه في سياق الحوار بين الحضارات الذي تزداد أهميته لخدمة مصلحة الطرفين: العالم الغربي بكل إمكاناته واختلاف فئاته والعالم الإسلامي بكل معلوماته ووحداته الثقافية، ويتوقع أن يسهم الكرسي في التعريف بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ونشر الإسلام والدفاع عنه ضد محاولات التشويه المتكررة والمتزايدة.
المبحث الثامن: نماذج لمشاريع وقفية حديثة
وفي هذا العصر الزاهر، عصر خادم الحرمين الشريفين والذي نعمت فيه المملكة في عهده الميمون بالرفاه الاجتماعي والرخاء الاقتصادي وحققت تطورات مرموقة في كافة الميادين الاقتصادية، والاجتماعية، والخدمية، والبنية الأساسية، وجاء ذلك كله حرصاً منه –حفظه الله – على تحقيق الرقي والتطور الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الداخلي، وصحبه أيضاً حرصه على الارتقاء في مكانة المملكة الرفيعة عربياً وإسلامياً وعالمياً.(9/81)
وكان للأوقاف كما بينا في الفصول السابقة من هذا البحث الاهتمام والرعاية الكبيرين من قبله –حفظه الله – إذ شهد هذا العصر العديد من المشاريع الوقفية الحديثة التي تم تأسيسها وافتتاحها وفقاً لأحدث وسائل التقنية الهندسية الحديثة في المجال المعماري، حيث ظهرت هناك مشاريع وقفية عملاقة، في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومدينة جدة، وبقية مدن المملكة، ومن أمثلة المشاريع الوقفية الحديثة الآتي:
1 – مجمع وقف البوصة والنشير التجاري والسكني بالمدينة المنورة:
والذي تم افتتاحه برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وهو يقع على بعد أمتار من المسجد النبوي الشريف، حيث امتاز بطابع عمراني حضاري حديث وفريد في نوعه، وتم بناءه على أرقى المواصفات والمقاييس، التي تم اختيار عناصرها بكل دقة، وتم تنفيذها بكل حرص لضمان أعلى مستويات البناء والتجهيز ليجعل هذا المركز معلماً حضارياً يحتل مركز الصدارة بين المراكز التجارية والسكنية في المدينة المنورة، من خلال مبناه الذي يرتفع أكثر من أربعة عشر طابقاً تطل على الحرم النبوي الشريف، ويقع المجمع على شبكة من الطرق ترتبط بمداخل ومخارج المدينة المنورة، مما يسهل الوصول إليه ويجعله مواكباً لتطلعات جميع المستثمرين والساكنين ومحققاً لما يصبون إليه.
وقد بني على أرض مساحتها الإجمالية (14.660)متر مربع، ويحتوي على الآتي:
(أ) القبو: الذي يتكون من طابقين، مساحة كل منهما (9650) متر مربع ويشتمل على المرافق والخدمات والمواقف.
(ب) المجمع التجاري ويتكون من ثلاثة طوابق مكوناتها: الطابق الأول مساحته (8090 )متر مربع، ويحتوي في الداخل على (61) محلاً تجارياً، مساحة كل منها حوالي (40) متر مربع، والطابق الأول والثاني ومساحة كل منهما (8020) متر مربع ويحتوي على (140) محلاً تجارياً.(9/82)
(ج) البرج السكني ويتكون من كتلة محمولة على أعمدة جميلة على شكل نخلة، ارتفاعها 18 متر، ويبلغ عدد طوابق البرج السكني عشرة طوابق، تعلو طابقاً مفتوحاً مساحة (1300) متر مربع، ويتميز المجمع بالعديد من المزايا التي من بينها وجود مهبط للطائرات العمودية، مجهز بأحدث النظم ونظام حديث للتحكم الآلي لتشغيل المبنى ومواقف للسيارات، وغيرها من المميزات.
2 – وقفية عزت باشا بالمدينة المنورة:
حيث أنهت الوزارة إنشاء المجمع الفندقي والتجاري على أرض وقف عزت باشا بقيمة قدرها (66.531.614) ريال، وقام على أرض مساحتها (1379) متر مربع في داخل المنطقة المركزية الشمالية المحيطة بالمسجد النبوي، وقد روعي في التصميمات الهندسية للمشروع جوانب محددة تضمنتها شروط الواقف، مثل وجود مستشفى لعلاج المرضى، ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، ومصلى للعجزة، ويشتمل المشروع على مركز تجاري في الطابق الأرضي، الذي يعلوه طابق الميزانين، الذي تم تخصيصه للمستوصف، ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم ومصلى لكبار السن، كما يشتمل المشروع على أربعة عشر طابقاً متكرراً تحتوي في مجموعها على (226) غرفة فندقية، إضافة إلى (98) شقة فندقية متفاوتة المساحات والمكونات، كما يحتوي أيضاً على مهبط للطائرات العمودية في البرج الأخير من المبنى، إلى جانب ذلك يتوافر في المشروع العديد من الخدمات المساندة، وأنظمة الاتصالات والمراقبة وإنذار الحرائق والأنظمة الصوتية والمرئية ومواقف للسيارات.
3 – وقف البشيرية بالمدينة المنورة:(9/83)
نفذت الوزارة إنشاء البرج التجاري والفندقي على أرض البشيرية بقيمة قدرها (126.175.269) ريال، وتبلغ مساحة الأرض التي أقيم عليها (3389) متر مربع، ويتميز التصميم المعماري للمشروع بمسايرته للطابع المعماري في المنطقة المركزية للحرم، ويتكون من (19) طابقاً منها ثلاثة تحت الأرض لمواقف السيارات والخدمات الأخرى المساندة على كامل مساحة الأرض، أما الطابق الأرضي ودور الميزانين فيتكون على كامل مساحة الأرض للاستخدام التجاري، وبالنسبة للطابق الأول فقد خصص للخدمات الرئيسية للبرج السكني، والذي يضم مكاتب إدارة المشروع ومطعم رئيس ومطبخ ومغسلة رئيسه ومصلى، والطوابق الثلاثة عشر في المشروع هي الجزء السكني من المشروع، وتتكون من غرف نوم بخدماتها، وبعضها ملحق به غرف للجلوس، وتطل جميع هذه الغرف على واجهات المشروع الخارجية.
الفصل الخامس
مستقبل الأوقاف في المملكة العربية السعودية
في ضوء جهود خادم الحرمين الشريفين
المبحث الأول: الاهتمام العلمي بالأوقاف
وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – على رعاية الأوقاف والنهوض بها وفقاً لأسس علمية سليمة، وحتى تكون الخطط والبرامج التطويرية للأوقاف قائمة على برامج مدروسة ومنطلقة من أساس يقوم على التخطيط السليم، فقد أولت وزارة الشؤون الإسلامية هذا الجانب اهتماماً كبيراً، وظهر ذلك جلياً في عدد من المؤتمرات والندوات العلمية التي نفذتها الوزارة، وشاركت فيها وتمثلت أبرز تلك الندوات والمؤتمرات في الآتي:
أولاً: ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية:(9/84)
عقدت هذه الندوة في المدينة المنورة من 25 – 27/ محرم/1420هـ، وقد جاءت تلك الندوة منطلقة من اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بالمكتبات الوقفية، حيث أولتها جليل عنايتها وبالغ رعايتها، فأوكلت الإشراف عليها إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، التي لا تألو جهدا ولا تدخر وسعاً في سبيل الحفاظ على هذه المكتبات وما تحتويه من الكنوز والنفائس، وزيادة محتوياتها من الكتب والمخطوطات، وإدخال الأساليب الحديثة في إدارتها وتصنيفها ومحتوياتها، وفهرسة مخطوطاتها، وتيسير سبل الإفادة منها.
وقد قدمت في الندوة العديد من البحوث والدراسات التي زادت عن ثمانية عشر بحثاً، منها ما يتعلق بالأوقاف من منظور فقهي، وأخرى تناولت أثر الوقف في تشييد الحضارة الإسلامية، وبعضها تناول الجوانب التاريخية للأوقاف في المدينة المنورة، وأخرى تعلق بعناية الملك عبدالعزيز بالكتب إطلاعاً ونشراً، ودور أئمة آل سعود في وقف المخطوطات، وغيرها من موضوعات الندوة التي قامت الوزارة بجمعها في مجلد واحد لتعميم الفائدة لطلاب العلم من ذلك.
ثانياً: ندوة مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية:(9/85)
عقدت هذه الندوة في مكة المكرمة في الفترة من 18–19/شوال 1420هـ، والتي هدف منها الاستفادة من التجربة التاريخية عبر القرون الإسلامية الماضية للدور الكبير والعطاء المتميز لتشريع الوقف في تمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والصحية، وفي رعاية المكتبات والمساجد مما ساعد على نمو الحضارة الإسلامية وانتشارها، حيث انتشرت بسبب ذلك المدارس والمكتبات والأربطة وحلق العلم والتأليف، وتحسنت بدعمها الأحوال الصحية للمسلمين وازدهر علم الطب، وأنشأ ما يعرف قديماً بالبيمارستانات (المستشفيات)، إضافة إلى دور هذه المؤسسة في دعم الحركة التجارية والنهضة الزراعية والصناعية، وتوفير البنية الأساسية من طرق وقنوات وجسور. وأتت أهمية هذه الندوة ضمن مشروع ندوات علمية تنظمها الوزارة بهدف تأصيل مفهوم الوقف وإبراز مكانته في الشريعة الإسلامية، وفضل الإسهام في اوجه الوقف المختلفة، والتذكير بما الأوقاف من آثار خيرة في المجتمع.
ولقد اشتملت الندوة على عدد من البحوث والدراسات التي فاقت الـ(28) بحثاً، وخرجت بالعديد من التوصيات والنتائج التي يمكن أن تسهم في تطوير الأوقاف، والنهوض بها لأداء الرسالة المنوطة بها.
ثالثاً: مؤتمر الأوقاف الأول:
عقد هذا المؤتمر بمكة المكرمة في شهر شعبان من عام 1420هـ، ونظمته جامعة ام القرى بالتعاون مع الوزارة، وهدف المؤتمر إلى تعميق مفهوم الوقف ومكانته وتأصيله في حياة الناس، وتتبع الوقف عبر التاريخ الإسلامي، وتسليط الضوء على مجالات ووظائفه الاجتماعية، والاقتصادية، ودراسة بعض التجارب الحديثة، كما هدف المؤتمر أيضاً إلى التعريف بواقع الوقف، وتداول المعلومات والخبرات عن الوقف بين العلماء والواقفين والمسؤولين عن المؤسسات الوقفية.(9/86)
كما هدف المؤتمر إلى دراسة تطور الوقف في العهد السعودي، والإفادة من تجارب المملكة العربية السعودية في مجال الأوقاف لخدمة قضايا العالم الإسلامي، مع التركيز على إيضاح الأثر العظيم للوقف في خدمة الدعوة إلى الله ووسائلها والتوعية بتنوع مجالات الوقف، وحث الأفراد والمؤسسات على العمل بسنة الوقف والتشجيع عليه، ووضع خطط إعلامية لذلك.
ولقد قدمت في هذا المؤتمر أكثر من (25) ورقة، ما بين دراسة وورقة بحث، تحت عدد من المحاور تمثلت في الوقف: مفهومه، وفضله، وأنواعه، وواقع الوقف عبر التاريخ، وغيرها من المحاور التي نوقشت في فترة انعقاد المؤتمر، وقد خرج المؤتمر بعدد من التوصيات العلمية التي يمكن أن تسهم كذلك في تطوير الأوقاف والنهوض بها بصورة علمية دقيقة.
رابعاً: ندوة الوقف في الشريعة الإسلامية ومجالاته:
ويأتي تنظيم هذه الندوة التي نحن بصددها الآن بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم في المملكة.
كما تأتي هذه الندوة ضمن برامج الوزارة لمضاعفة جهودها وتطوير أعمالها الوقفية في مناطق المملكة المختلفة، والسعي الجاد لتيسير الاستفادة منها بكل الطرق المتاحة. كما تعد الندوة خطوة رائدة في استجلاء الصورة المشرقة لواقع الوقف ومجالات في ماضيه المجيد وحاضرة الزاهر ومستقبله الواعد، وبيان ماللوقف من أهمية كبرى في النهوض بالمجتمع المسلم في كافة نواحي الحياة.
المبحث الثاني: حصر الأوقاف في المملكة وتطويرها(9/87)
وانطلاقاً من حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – للعمل على تطوير الأوقاف والنهوض بها،لذا فقد أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عن تخصيص مكافأة للمبلغين عن الأوقاف المجهولة وذلك بمنح نسبة (5%) من قيمة الوقف للذي يقوم بالإبلاغ عن وقف مجهول ويرشد عنه، وكان نتيجة هذا الإعلان أن أقبل المواطنين على تقديم البلاغات عن العديد من الأوقاف المجهولة. كما قامت الوزارة إلى جانب ذلك في عمليات حصر جميع الأوقاف الموجودة، والبدء في أعمال الرفوعات المساحية لها على الطبيعية، وإعداد الكروكيات لمواقع أعيان الأوقاف المنتشرة في أنحاء المملكة، ومن ثم تبتيرها لضمانة سهولة التعرف عليها وحفظها والاستفادة منها بتحقيق أعلى عائد وفقاً لشروط الواقفين,
وتأتي هذه الرفوعات المساحية لأعيان الأوقاف في إطار توجيهات معالي الوزير رئيس مجلس الأوقاف الأعلى الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ. وقد تم إنجاز حصر ممتلكات أعيان الأوقاف المنتشرة في المملكة، والتي تقدر بعشرات الآلاف من القطع والأراضي والدور السكنية، والمحلات التجارية وغيرها، وإعداد واستخراج الصكوك لها سواءً كانت صكوك مساجد من محاكم المناطق المختلفة أو صكوك كباني أو أراضي زراعية.
كما تسعى الوزارة حالياً إلى إيجاد الحلول المناسبة لتحرير الأوقاف الصغيرة المغموسة في أملاك المواطنين وتسهيل إجراءاتها، كما يدرس مقترحاً لتجميع قيمة تلك الأوقاف الصغيرة المتناثرة في وقف كبير يكون أكثر فائدة في نفس المنطقة التي تنتشر فيها مثل تلك الأوقاف بحيث يحقق الفائدة المرجوة منه وفقاً لشروط الواقفين.(9/88)
وقد سعت الوزارة ممثلة في وكالة الأوقاف استخدام التقنيات الحديثة مثل الحاسب الآلي في تنظيم عمليات الحصر والتسجيل والحفظ، مما يسهل على العاملين في الوكالة التعامل مع المستجدات وتحقيق أكبر قدر ممكن من التخطيط والتنظيم والمتابعة لما يقومون به من أعمال.
المبحث الثالث: الصناديق الوقفية
تمشياً مع رغبة خادم الحرمين الشريفين لتطوير الأوقاف والعناية بها، أعلن معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، رئيس مجلس الأوقاف الأعلى، عن عزم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على إطلاق العمل في صناديق وقفية متنوعة خلال الأشهر المقبلة.
وهذه الصناديق الوقفية ستطلق حسب الحاجات في مجالات تتعلق بالقرآن الكريم، والدعوة، والمساجد، والتعليم، والأعمال الخيرية العامة الأخرى، وتعكف الوزارة حالياً على إعداد دراسات لتنظيم تلك الصناديق ودعوة المواطنين للإسهام فيها تمهيداً للعمل بها خلال المستقبل القريب.
وتأتي فكرة هذه الصناديق الوقفية منطلقة مما توليه الوزارة من عناية واهتمام بجعل أوقاف خيرية خاصة بمصالح اجتماعية معينة تتعلق بالدعوة والتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، والأمور الإغاثية والصحية، وبناء المساجد، إضافة إلى الإسهام في بناء بعض المستشفيات وفي رعاية المعوقين وغيرها من الخدمات الاجتماعية المتنوعة وبما يتناسب مع تطورات العصر الحديث.
وتأتي هذه الفكرة أيضاً من خلال تبني السياسات الجديدة التي سوف تنتهجها الوزارة في تحقيق أكبر قدر من الفوائد الخيرية للأوقاف في المستقبل القريب. والصناديق الخيرية ما هي إلا أوقاف تلبي حاجة الناس بأسلوب متطور، بحيث تساعد على الإعانة على الخير، وتسهم في فتح أبواب البر وتحقيق التكافل الاجتماعي في أسمى صوره ومعانيه.
المبحث الرابع: تحويل الأوقاف إلى مؤسسة عامة(9/89)
وتتويجاً للجهود المتواصلة على مدى العقود الماضية، في تنظيم العناية بالأوقاف الخيرية وتوسيع آفاق الاهتمام بها، والإفادة منها، فقد تبنى مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –حفظه الله – اتجاهاً معاصراً في تحرير الأوقاف من ضعف الإمكانات وقيود الروتين، وكلف الوزارة بدراسة جميع السبل الكفيلة بتطوير الأوقاف وتحويلها إلى ما يشبه المؤسسة العامة، التي تعمل وفقاً لأسس إدارية ومالية متطورة تحقق الأهداف السامية من مؤسسة الوقف، وتعيد لها أمجادها التي عرفتها منذ العصور الإسلامية المتقدمة، وتأخذ بتطورات العصر الحديث في تنمية أعيان الأوقاف واستثمارها وتحقيق أفضل النتائج من تشغيلها بحيث تعود بالنفع العميم على أفراد المجتمع ومؤسساته. وقد تبنى مجلس الشورى كذلك هذا الاتجاه المبارك فأصدر قرارً يحث الوزارة على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق هذا المطلب الملح وتوفير إمكانيات النجاح له.
وإذا ما تحقق هذا الأمر، بعون الله تعالى فسوف تشهد الأوقاف في المملكة العربية السعودية نقلة نوعية كبيرة وسيكون لذلك آثار إيجابية بدأ الجميع يرى مؤشراتها بوضوح.
وهكذا تثمر جهود المخلصين والعاملين في هذا الميدان من ميادين الخير وتتوالى النجاحات التي غرس بذورها مؤسس هذا الكيان المغفور له – بإذن الله – الملك عبدالعزيز، ورعاها من بعده ملوك هذه الدولة المباركة حتى وصلت الأمور إلى ما نراه اليوم من تطور ونجاح بفضل المولى ? ثم بفضل جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، ومساندة عضديه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظهم الله.(9/90)
ولم يكن لتلك الجهود أن تثمر وتتحقق إلا بتوفيق الله ثم بما يبذل من عناية لهذا المرفق العام وفي مقدمتهم معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ورئيس مجلس الأوقاف الأعلى، وأعضاء المجلس، ومسئولي وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف، والمجالس الفرعية في مناطق المملكة.
وفق الله العاملين في نشر هذا الدين العظيم وخدمته والدفاع عنه إلى كل خير، وجعل أعمال الجميع خالصة لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله أولاً وأخيراً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
...
المبحث الخامس: المراجع والملاحق
أولاً: المراجع
القرآن الكريم.
(1)
أرشيف الوثائق الوطنية، دارة الملك عبدالعزيز الوثيقة رقم 1984 برقية من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى ضرمان وابن مرضي في 6/1/1366هـ.
(2)
أرشيف الوثائق الوطنية، دارة الملك عبدالعزيز الوثيقة رقم 1984 من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى محمد بن ضرمان ومحمد بن مرضي في 11/4/1366هـ).
(3)
الإسلامية، ذو القعدة 1419، العدد التاسع والثلاثون، نشرة نصف شهري تصدر عن الإدارة العامة للعلاقات العامة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
(4)
الأوقاف في المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
(5)
البخاري، أبو عبدالله محمد بن اسماعيل (1981) صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، استانبول.
(6)
الحصين، عبدالعزيز بن عبدالرحمن (1419) العناية بالمسجد النبوي الشريف وأثرها في خدمة الإسلام والمسلمين، بحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الرياض.
(7)
الزنيدي، عبدالرحمن بن زبد (1420)، الالتزام بمنهج الدعوة الإسلامية عند الملك عبدالعزيز، بحوث ندوة الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، الرياض.
(8)(9/91)
السبيل، محمد بن عبدالله (1419) رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، بحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام.
(9)
السماري، فهد بن عبدالله (1420) الملك عبدالعزيز ووقف الكتب، بحوث ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف.
(10)
السماري، فهد بن عبدالله والجهيمي، ناصر بن محمد (1422) المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز
آل سعود دليل موجز بأبرز الإنجازات والمواقف، دارة الملك عبدالعزيز الرياض.
(11)
الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية حقائق وأرقام، 1419هـ، وكالة الوزارة للشؤون الإسلامية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الرياض.
(12)
العمري، عمر بن صالح بن سليمان (1420) نماذج تاريخية من رعاية الأوقاف عند الملك عبدالعزيز ~ ندوة مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية، مكة المكرمة، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الرياض.
(13)
القابسي، محي الدين (1418)، المصحف والسيف، ط4.
(14)
الموسوعة العربية العالمية.
(15)
النووي، الإمام يحي بن شرف (بدون تاريخ)، صحيح مسلم بشرح النووي، دار الكتب العلمية، بيروت.
(16)
جميل، وليد بن محمد بن أحمد (1417) مرافق الحج وخدماتها المدنية في عهد الملك عبدالعزيز، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم التاريخ والحضارة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض.
(17)
عبدالله بن عبدالمحسن التركي، (بدون تاريخ)، الأوقاف في المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
(18)
عبيد إبراهيم (بدون تاريخ) ج3 تذكرة أولي النهى.
(19)
غباشي، عادل محمد نور (1414) أسبلة الملك عبدالعزيز على الطريق بين مكة وجدة، مجلة الدارة، العدد3 السنة19، الرياض.(9/92)
(20)
مسلم بني الحجاج (1410) صحيح مسلم، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
(21)
ثانياً: الملاحق
الملحق رقم (1)
نظام مجلس الأوقاف الأعلى
المادة الأولى:
يقصد بالأوقاف الخيرية حيث ما وردت في هذا النظام تلك التي تتولى شؤونها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في الحال والاستقبال.
يتولى وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد نظارة الأوقاف المذكورة، مع مراعاة الأحكام الواردة في هذا النظام.
المادة الثانية:
ينشأ مجلس أعلى للأوقاف، يشكل على النحو التالي:
رئيساً
1 - وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
عضواً ونائباً للرئيس
2 - وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف
عضواً
3 - وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني أو من ينيبه
عضواً
4 - مدير إدارة الآثار بوزارة المعارف ...
عضواً
5 - شخص من ذوي الاختصاص الشرعي يعينه وزير العدل
أعضاء
9،8،7،6- أربعة أشخاص من أهل الرأي والخبرة، يصدر بتعيينهم أمر ملكي بناء على ترشيح وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
المادة الثالثة:
1) وضع خطة لتمحيص الأوقاف الخيرية، وحصرها وتسجيلها في داخل المملكة، وإثباتها بالطرق الشرعية ورفع أيدي واضعي اليد عليها بوجه غير شرعي ولتنظيم إدارتها.
2) وضع خطة عامة لاستثمار وتنمية الأوقاف وغلالها، بعد دراسة وضعيتها في كل جهة، وتكوين فكرة وافية عنها بالتفصيل.
3) وضع خطة عامة للتعرف على جميع الأوقاف الخيرية الموجودة خارج المملكة باسم (الحرمين الشريفين) أو أية جهة، وحصرها في سجلات نهائية، والحصول على الوثائق المثبتة لها، وتولي أمورها، والمطالبة بغلاتها طبقاً لشروط الواقفين.
4) وضع القواعد العامة لتحصيل واردات الأوقاف الخيرية، والصرف منها في قيد عمليات التوريد، والصرف في السجلات اللازمة.(9/93)
5) وضع قواعد ثابتة للإنفاق بموجبها على أوجه البر والإحسان، سواء من الواردات المذكورة أو مما هو معتمد في الميزانية لهذا الغرض، يراعي فيها الاستحقاق الفعلي وتحديد المقادير، على ضوء شروط الواقفين وأحكام الشرع.
6) إعادة النظر في جميع المخصصات الحالية باسم البر والإحسان على ضوء القواعد المذكورة آنفاً لإجازة ما يتفق معها، وإلغاء
ما عداه.
7) النظر في طلبات استبدال الأوقاف الخيرية وفق مقتضيات المصلحة قبل إجازتها من الجهة الشرعية المختصة.
8) وضع نماذج موحدة للعقود على اختلافها.
9) وضع التقديرات المالية السنوية لواردات ومصروفات غلال الأوقاف الخيرية والتصديق على حساباتها الختامية، على أن تتمشى في ذلك مع السنة المالية للدولة.
10) وضع القواعد الواجبة لتأجير أعيان الأوقاف بما في ذلك الحكورات على أن تراعى أحكام الشرع الحنيف ومقتضيات المصلحة العامة، وأية تعليمات تصدرها الدولة في خصوص أجور العقار.
11) اعتماد المشروعات المقترح تنفيذها من أموال الأوقاف الخيرية، واعتماد تكاليفها إذا زادت القيمة على خمسمائة ألف ريال بعد التأكد من سلامة المشروع وتكامله وفائدته ومن إمكانية الإنفاق عليه.
12) النظر في أية مسألة أخرى تتعلق بالأوقاف، يرى وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عرضها على المجلس الأعلى .
13) رفع تقرير سنوي عن وضعية الأوقاف الخيرية ومنجزاتها إلى رئيس مجلس الوزراء .
المادة الرابعة:
1) يجتمع مجلس الأوقاف الأعلى مرة على الأقل كل شهر، وذلك بناء على دعوة من وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مصحوبة بجدول الأعمال، ولا يصح الاجتماع إلا بحضور خمسة على الأقل من أعضائه بمن فيهم الرئيس أو نائبه.
2) يعقد المجلس اجتماعاته في مقر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالرياض، وله أن يعقدها خارج الرياض عند الاقتضاء.(9/94)
3) يصدر المجلس قراراته بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الحاضرين، وعند التساوي يرجح الرأي الذي يؤيده الرئيس.
4) يعين موظفو السكرتارية اللازمون لأعمال المجلس وسجلاته بصفة دائمة ضمن موازنة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
5) للمجلس الاستعانة بمن يرى لزوم الاستعانة بهم من الخبراء والمستشارين عند نظر أية مسألة من المسائل المعروضة عليه، كما أن له التعاقد مع من تدعو الحاجة إلى التعاقد معهم وفق القواعد التي يضعها .
6) أ – تصرف لكل عضو من أعضاء مجلس الأوقاف الأعلى بمن فيهم الرئيس مكافأة مقطوعة مقدارها ألف ريال عن كل اجتماع يحضره على أن لا يتجاوز مجموع المكافأة السنوية خمسة عشر ألف ريال، كما يصرف لكل عضو من الأعضاء أجور وبدلات السفر المقررة في نظام موظفي الدولة في حالة عقد اجتماعات المجلس المذكور خارج المقر الرسمي لوظيفته الأصلية، أو البدلات المذكورة، والحصل عليها من جهة أخرى.
... ب – يصرف لكل عضو من الأعضاء غير الموظفين في حال عقد اجتماعات المجلس خارج مقر إقامة العضو مبلغ مائة ريال عن كل ليلة مقابل أجور وبدلات السفر، وأن يكون انتقاله على طائرات الخطوط الجوية العربية السعودية على الدرجة الأولى، وإذا رغب العضو صرف قيمة التذكرة فيعوض بقيمة الدرجة السياحية .
الملحق رقم (2)
لائحة تنظيم الأوقاف الخيرية
1) يقصد بالأوقاف الخيرية في تطبيق هذه اللائحة كل من الأوقاف العامة، كأوقاف الحرمين الشريفين، وأوقاف المساجد، وأوقاف الأربطة، والمدارس وغيرها من الأوقاف الموقوفة على جهات خيرية عامة، والأوقاف الخاصة التي تؤول إلى جهات انتفاع عامة بعد انقراض الموقوف عليهم من الذرية والأشخاص المحددين بذاتهم، كأقارب الواقف، أو من لهم صلة به، أو من رغب الواقف أن يقف عليهم بذاتهم.(9/95)
2) يتولى مدير الأوقاف في كل بلدة الإشراف المباشر على الأوقاف الخيرية في تلك البلدة، ورعايتها، والدخول في الدعاوي المتعلقة بها، وتاجيرها، وصيانتها، واستلام غلالها، والإنفاق منها، أو صرفها في اوجه الخير حسبما نص عليه شرط الواقف، وذلك في حدود الصلاحيات والقواعد التي يحددها مجلس الأوقاف.
3) تبقى الأوقاف الخيرية الخاصة تحت أيدي نظارها الشرعيين المحددين في شرط الواقف، أو الذين صدر الأمر من المحاكم الشرعية بتعيينهم.
4) يكون لدوائر الأوقاف الحق في الإشراف والمراقبة العامة على الأوقاف الخيرية الخاصة المراقبة التي من شأنها حفظ الوقف، والمساعدة في تنفيذ شرط الواقف، ووضع اليد على الوقف بعد موافقة الحاكم الشرعي، وذلك حين انقراض المستحقين فيه، ومآله الشرعي إلى جهات خيرية عامة، وعليها أن تضع في سجلاتها المعلومات اللازمة لضمان تحقيق ذلك.
5) يراعى ان يتم وفق القواعد المقررة بيع واستبدال أعيان الأوقاف ضعيفة الغلة، أو التي لا غلة لها، أو التي يخشى عليها بسبب وضعها تعرضها للضياع كالأشقاص الصغيرة، ولهذا الغرض يتم حصر هذه الأعيان من قبل دوائر الأوقاف المختصة، وترفع بنتيجة الحصر تقريراً لمجالس الأوقاف المختصة وفقاً للنموذج ذي الرقم (1) المرفق، وذلك خلال الشهر الأول من السنة المالية.
6) تحصر جميع مسميات أعيان الأوقاف لغرض تنظيم تسجيلها تحت المسميات المبينة أدناه، ويرمز لكل مسمى بالرمز الموضح أمامه:
أ – عمارة (ع)، ويقصد بالعمارة كل مبنى بني على نظام الشقق، ويؤجر على هذا النظام، أو يؤجر جميعه لأي غرض آخر، ويفهم من ذلك أنه يشتمل على أكثر من وحدة سكنية واحدة، ويدخل تحت هذا المسمى الفنادق، والمدارس، والمستشفيات…الخ.
ب – دار (ر) ويقصد بالدار كل بيت، أو مبنى يشتمل على وحدة سكنية واحدة، ويدخل في هذا المسمى (الفلل) و(العزل) …الخ.(9/96)
ج – دكان (ك) ويقصد بالدكان كل مبنى خصص للتأجير لغرض التجارة بالبيع، أو الشراء عموماً، ويشمل ذلك بيع الخدمات، ويدخل في المسمى (المخزن) و(المفازة) و(لمعرض)..الخ.
د – أرض زراعية (ز) ويقصد بها كل أرض بها زرع، أو غرس يكون له غلة، أو تكون معدة لذلك، ويدخل في المسمى (البستان) و (الركيب) و(المزرعة).
هـ – أرض (ج) ويقصد بها كل أرض جرداء ليس لها غلة من غرس، أو كل أرض عليها دار خربة متساقطة، لا تغل الأرض منها، ويدخل في ذلك (الأرض الفضاء) و (الحوش) و(الخرابة).
أما ما لا يدخل من الأعيان الموقوفة تحت أي رمز من الرموز أعلاه فيثبت بالاسم الكافي لتعيينه كالقهوة وحمام.
الملحق رقم (3)
نص الأمر الملكي الكريم ذي الرقم أ/3 المؤرخ في 20/1/1414هـ
بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
F
الرقم: أ/3 ... ... ... ... التاريخ: 20/1/1414هـ
بعون الله تعالى
نحن فهد بن عبدالعزيز آل سعود ... ... ملك المملكة العربية السعودية
بعد الاطلاع على نظام مجلس الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 38 وتاريخ 22/1/1377هـ المعدل بالمرسوم الملكي رقم 14 وتاريخ 1384/7/14هـ.
وبناء على ما عرضه علينا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز بكتابه رقم 162/خ وتاريخ 13/1/1414هـ من ضرورة إيجاد وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والإرشاد والدعوة إلى الله سبحانه وتأييدنا لذلك.
أمرنا بما هو آتٍ:
أولاً : تنشأ وزارة تسمى "وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد".
ثانياً: تتولى هذه الوزارة كل ما له علاقة بالشؤون الإسلامية وشؤون الأوقاف والمساجد والإرشاد والدعوة إلى الله.
ثالثاً: تشكل لجنة من الجهات المعنية لتحديد الاختصاصات التي تزاولها الوزارات والمصالح الحكومية مما يدخل ضمن عمل هذه الوزارة وترتيب نقلها إلى هذه الوزارة.(9/97)
رابعاً: يعيّن الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وزيراً للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
خامساً: على سمو نائب رئيس مجلس الوزراء والوزراء، كل فيما يخصه، تنفيذ أمرنا هذا.
صفحة رقم (1234)
فاضيه
توضع في ظهر الصفحة السابقة(9/98)