مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أمَّا بعد :
فهذه الطبعة الثانية من أحكام الجنائز زدت فيها مسائل تمس الحاجة إليها ويكثر السؤال عنها أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلها في ميزان حسناتي وأن يثيب كل من ساهم في إخراجها وأن يخلف عليهم ما بذلوا . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبه : أحمد بن عبدالرحمن الزومان
القصيم / بريدة
0505154265
ahmedalzoman@gmail.com
حسن الظن بالله :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى أنا عند ظنِّ عبدي بي " (1) وعن جابر بن عبد الله الأنصاري { قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " (2)
في الحديثين حث على الرجاء عند دنو الأجل وتحذير من القنوط . وحسنُ الظنِّ بالله تعالى أنَّ يظنَّ العبد أنَّ الله يرحمه ويعفو عنه . ففي حال الصحة يكون العبد خائفاً راجياً فالخوف والرجاء كجناحي الطائر فأيهما غُلِب هلك صاحبه لأنَّ من غلب خوفه وقع في اليأس من رحمة الله ومن غلب رجاؤه وقع في الأمن من مكر الله . فإذا دنت أمارات الموت غلَّب الرجاء أو محضه لأنَّ مقصود الخوف الإنكفاف عن المعاصى والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال وقد تعذر ذلك أو معظمه فى هذا الحال. (3)
__________
(1) رواه البخاري (7405) و مسلم (2675) .
(2) رواه مسلم (2877) .
(3) انظر : إكمال المعلم (8/409) و شرح مسلم للنووي (17/304) والاختيارات ص : 85 وحاشية الدسوقي
(1/414) .(1/1)
ويستحب للحاضر عند المحتضر أن يطمعه في رحمة الله تعالى ويحثه على تحسين ظنِّه بربه سبحانه وتعالى و أن يذكر له الآيات والأحاديث الواردة في الرجاء وسعة رحمة الله تعالى وعفوه فهي من أسباب حسن الظن بالله عزَّ وجلَّ . (1)
فعندما حضرت عمرو بن العاص - رضي الله عنه - الوفاة جعل ابنه [عبد الله] (2) - رضي الله عنه - يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ... " (3)
و لما طعن عمر - رضي الله عنه - قال له ابن عباس { يا أمير المؤمنين لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر - رضي الله عنه - فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راضٍ ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنَّهم وهم عنك راضون ... " (4) وكذلك فعل ذلك ابن عباس مع عائشة { (5)
حال المحتضر :
__________
(1) انظر المجموع (5/109) .
(2) أحمد (17326) .
(3) رواه مسلم (121) .
(4) رواه البخاري (3692) عن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - .
(5) رواه البخاري (3771) ، (4754) .(1/2)
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله وكأنَّ على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض (1) فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ثم قال إنَّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط (2) من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مدَّ البصر (3) ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء (4)
__________
(1) يَنْكُت : يضرب به الأرض .
(2) حنوط : الحنوط هو ما يطيب به الميت .
(3) مدَّ البصر : منتهى البصر .
(4) في السقاء : فم القربة ونحوها ..(1/3)
فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإنِّي منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولان له وما عِلْمُك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي منادٍ في السماء أنْ صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مدَّ بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي قال وإنَّ العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح (1) فيجلسون منه مدَّ البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السَّفُّود (2)
__________
(1) المسوح : كساء من الشعر والمراد به الكفن .
(2) السفود : حديدة ذات شُعَب مُعَقَّفَة ..(1/4)
من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ ـ>¨uqِ/r& السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ 4س®Lxm ykد=tƒ م@yJpgù:$# فِي سَمِّ إق$uدƒù:$# (1) } [ الأعراف : 40 ] فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ مژِچ©ـ9$# أَوْ تَهْوِي بِهِ كw†حhچ9$# فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ الحج : 31 ] فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي منادٍ من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه (2)
__________
(1) أي حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسماً في خرق الإبرة الذي هو من أضيق الأشياء وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال والله أعلم .
(2) تختلف فيه أضلاعه : يدخل بعضها في بعض من شدة التضييق ..(1/5)
ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة " (1)
__________
(1) رواه الأعمش عند الإمام أحمد (18063) ، (18064) ، (18065) وأبي داود (3212) ، (4753) و عمرو بن قيس عند النسائي (2001) وابن ماجه (1549) ويونس بن خباب عند أحمد (18140) وابن ماجه (1548) . ثلاثتهم عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... . وإسناده صحيح .
والحديث صححه الحاكم (1/39) وابن القيم في تهذيب السنن (4/311) وحسنه المنذري في الترغيب و الترهيب (4/273) والألباني في الجنائز ص : 159 . وقال ابن منده في الإيمان (2/965) هذا إسناد متصل مشهور رواه جماعة عن البراء وكذلك رواه عدة عن الأعمش وعن المنهال بن عمرو . والمنهال أخرج عنه البخاري ما تفرد به وزاذان أخرج عنه مسلم وهو ثابت على رسم الجماعة وروي هذا الحديث عن جابر وأبي هريرة وأبي سعيد وأنس بن مالك وعائشة - رضي الله عنهم - .
أمَّا الشواهد التي أشار إليها ابن مندة . حديث جابر - رضي الله عنه - رواه أحمد في مسنده وإسناده صحيح . قال ابن كثير في تفسيره (2/532) إسناده صحيح على شرط مسلم . وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه مسلم (2872) . وحديثه الآخر رواه أحمد (8551) والنسائي (1833) وابن ماجه (4262) . بإسناد صحيح . وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (8754) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3437) .
وحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - رواه أحمد (10617) وإسناده حسن . وقال ابن كثير في تفسيره (2/533) : إسناده لا بأس به .
وحديث أنس - رضي الله عنه - رواه البخاري (1338) ومسلم (2870) . وحديث عائشة < رواه أحمد (24566) ورواته ثقات .
تنبيه : أعل الحديث ابن حزم في المحلى (1/22) وابن حبان في صحيحه . الإحسان (7/387) وتعقبهما ابن القيم في تهذيب السنن (7/139 ـ 141) . وانظر بيان الوهم والإيهام (1107) .(1/6)
تلقين المحتضر لاإله إلا الله :
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " (1) . أي لقنوا من قرب موته وهو من باب تسمية الشيء بما يصير إليه . وإذا قال لا إله إلا الله مرة فما لم يتكلم بعد ذلك فلا ينبغي أن يلقن ولا يكثر عليه في هذا . روي عن ابن المبارك أنَّه لما حضرته الوفاة جعل رجل يلقنه لا إله إلا الله وأكثر عليه . فقال عبد الله : إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام (2) .
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " (3) . وكذلك من مات معتقداً هذه الشهادة دخل الجنة فعن عثمان - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مات وهو يعلم أنَّه لا إله إلا الله دخل الجنة " (4)
قال القرطبي : " وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - بتلقين الموتى ما يدل على تعين الحضور عند المحتضر لتذكيره وإغماضه والقيام عليه وذلك من حقوق المسلم على المسلمين " (5) .
قراءة يس عند المحتضر : حديث اقرؤوا على موتاكم يس " ضعيف (6)
__________
(1) رواه مسلم (916) .
(2) انظر : سنن الترمذي (3/307 - 308 ) .
(3) رواه أحمد (21529) وأبو داود (3116) . بإسناد حسن .
في إسناده صالح ابن أبي عريب ذكره ابن حبان في ثقاته ووثقه الذهبي . والحديث صححه الحاكم (1/351) والسيوطي في الجامع الصغير (8965) وابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج (1/393) وقال الحافظ ابن حجر : حديث حسن غريب ... انظر : الفتوحات الربانية (4/109) وحسنه الألباني في الإرواء (687) .
(4) رواه مسلم (26) .
(5) المفهم (2/570) .
(6) رواه أحمد (19790) وأبو داود (3121) والنسائي في عمل اليوم والليلة (1074) وابن ماجه (1448) عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - . بإسناد ضعيف .
الحديث فيه علتان :
الأولى : الحديث مداره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - . وأبو عثمان وأبوه مجهولان . قال الذهبي : أبو عثمان يقال اسمه سعد عن أبيه عن معقل بن يسار بحديث اقرءوا يس على موتاكم لا يعرف أبوه ولا هو ولا روى عنه سوى سليمان التيمي .
الثانية : الاضطراب في الإسناد . فروي على وجوه :
1) : عن أبي عثمان عن أبيه عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أحمد (19790) وأبي داود (3121) وابن ماجه (1448) .
2) : عن أبي عثمان عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندالنسائي في عمل اليوم والليلة (1074) وابن حبان (3002) .
3) : عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أبي داود الطيالسي (931) والنسائي في عمل اليوم والليلة (1075) .
4) : موقوف على معقل بن يسار - رضي الله عنه - . انظر المستدرك (1/565) .
والحديث ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2288) وقال النووي في الخلاصة (3278) فيه مجهولان وقال ابن مفلح في المبدع (2/216) فيه لين وضعفه الألباني في الإرواء (688) .(1/7)
فلا تقرأ عند المحتضر.
حفر المسلم قبره قبل الموت : قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه والعبد لا يدري أين يموت وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت فهذا يكون من العمل الصالح (1) وإذا كانت المقبرة مسبلة فإنَّه يحرم عليه لأنَّه يتحجر مكاناً السابق إليه أولى من غيره . (2) . بخلاف الاستعداد بالكفن فإنَّه جائز فعن سهل - رضي الله عنه - أنَّ امرأة جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة منسوجة فيها حاشيتها . أتدرون ما البردة ؟ قالوا الشملة قال نعم قالت نسجتها بيدي فجئت لأكْسُوَكَهَا فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجاً إليها فخرج إلينا وإنَّها إزاره فحسنَّها فلانٌ فقال اكْسُنِيهَا ما أحسَنَها قال القوم ما أحسنت لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجاً إليها ثم سألته وعلمت أنَّه لا يرد قال إنِّي والله ما سألته لألبسه إنَّما سألته لتكون كفني قال سهل - رضي الله عنه - فكانت كفنه " (3)
سنن ما بعد خروج روح الميت :
__________
(1) الفتاوى الكبرى (4/446) .
(2) انظر : مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/425 ـ 426) .
(3) رواه البخاري (1277) .(1/8)
1 : تغميض عينيه والدعاء له ولأهله : عن أم سلمة < قالت دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة - رضي الله عنه - وقد شَقَّ بصرُه فأغمضه ثم قال إنَّ الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإنَّ الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين (1) واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه " (2)
2 : تجريده من ثيابه : فعن عائشة < قالت : لما أرادوا غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة < تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه " (3)
__________
(1) شق بصره : شخص . ، إنَّ الروح إذا قبض تبعه البصر : إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظراً أين يذهب . ، الغابرين : الباقين .
(2) رواه مسلم (920) .
(3) رواه أحمد (25774) وأبو داود (3141) وابن ماجه (1464) ـ مختصراً ـ . بإسناد حسن
في إسناده محمد بن إسحاق مدلس لكن صرح بالسماع في رواية أحمد وأبي داود وغيرهما . والحديث صححه ابن حبان (6627) والحاكم (3/60) و ابن عبد البر في التمهيد (2/158) وحسن إسناده النووي في الخلاصة (3320) وابن الملقن في تحفة المحتاج (768) وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/222) إسناد جيد قوي وقال ابن عبد الهادي في المحرر (510) رواته ثقات وحسنه الألباني في الارواء (702) .(1/9)
فالأمر المعتاد عندهم تجريد الميت من ثيابه .
3 : تغطيته عن أعين الناظرين : فعن عائشة < قالت سُجِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين مات بثوب حِبَرَة (1) " (2) إلا المحرم فلا يغطى رأسه .
الصبر والاسترجاع عند المصيبة :
d { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ ×pt7ٹإء-B (#ûqن9$s% إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ tbqمèإ_¨u' (156) أُولَئِكَ ِNخkِژn=tو شN¨uqn=|¹ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 156 ـ 157]
وعن أم سلمة <أنَّها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول : ما أمره الله إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون اللهم أَجُرْني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيراً منها . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أيُّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إنِّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " (3) .وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنةُ " (4)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت إليك عني فإنَّك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنمَّا الصبر عند الصدمة الأولى " (5)
__________
(1) سجي : غُطي . ، حبرة : من برود اليمن تصنع من قطن أو غيره .
(2) رواه البخاري (1241) ومسلم (942) واللفظ له .
(3) رواه مسلم (918) .
(4) رواه البخاري (6424) .
(5) رواه البخاري (1283) ومسلم (926) .(1/10)
فالصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل و يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة لكثرة المشقة فيه بخلاف ما بعد ذلك فإنَّه على الأيام يسلو فيصير صبره شبيه الاضطرار .
النهي عن النياحة :
وهي رفع الصوت بالبكاء على الميت .
عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهنَّ : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة " وقال : " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سِربالٌ من قطران ودرع من جرب (1) " (2) .
أما دمع العين وحزن القلب ، من غير سخط لأمر الله فهو جائز ، ففي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : وأنت يا رسول الله . فقال : يا ابن عوف إنَّها رحمة ثم أتبعها بأخرى ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إنَّ العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنَّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " (3) .
حكم غسل الميت :
__________
(1) قال الطيبي في شرح المشكاة (3/396) الدرع قميص النساء والسرابيل أيضاً قميص لكن لا يختص بهن يعني يسلط على أعضائها الجرب والحكة فيطلى مواقعه بالقطران ليداوي فيكون الدواء أدوى من الداء لاشتماله على الدرع القطران وحرقته واسراع النار في الجلود ... القطران تهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحره وحدته .
(2) رواه مسلم (934) .
(3) رواه البخاري ( 1303) .(1/11)
غسل الميت المسلم فرض كفاية لحديث ابن عباس { قال بينما رجل واقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة إذ وقع من راحلته فوقصته (1) فذُكِر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين " (2) والأمر للوجوب ومن المعلوم أنَّ الخطاب ليس لكل الصحابة - رضي الله عنهم - بل يحصل المقصود بالبعض وكذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية <. غير الشهيد وهو
__________
(1) فوقصته : سقط من راحلته فانكسر عنقه .
(2) رواه البخاري (1268) ومسلم (1206) .(1/12)
الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل " (1) فله أحكام الشهيد في الدنيا والآخرة فلا يجوز تغسيله فعن جابر بن عبدالله { أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلهم " (2) وعدم تغسيل الشهيد فعله وأمره - صلى الله عليه وسلم - فلا تجوز مخالفته . وأيضاً تغسيل الميت واجب فلا يترك إلا لِمُحَرَّم . وجمهور أهل العلم على عدم تغسيل الشهيد ونسب النووي القول بتحريم غسل الشهيد إلى الجمهور وقال ابن قدامة هو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه خلافاً إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا يغسل الشهيد ما مات ميت إلا جنباً . والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - في ترك غسلهم أولى . وظاهر النص أنَّ الشهيد لا يغسل ولو كان جنباً أمَّا تغسيل الملائكة لحنظلة - رضي الله عنه - (3)
__________
(1) رواه البخاري (123) ومسلم (1904) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - .
(2) رواه البخاري (1347) .
(3) قصة تغسيل الملائكة لحنظلة بن عامر - رضي الله عنه - في غزوة أحد عند أهل المغازي مشهورة وجاءت في أحاديث منها :
1) : حديث عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - ... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّ صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة فسلوا صاحبته فقالت خرج وهو جنب لما سمع الهائعة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذاك قد غسلته الملائكة . رواه ابن حبان (7025) والحاكم (3/204) وعنه البيهقي (4/15) ورواته ثقات غير محمد بن إسحاق صدوق وقد صرح بالسماع وهو مرسل صحابي فلم يحضر ابن الزبير أحداً لأنَّه كان وقتها ابن سنتين .
والحديث صححه ابن حبان والحاكم وجود إسناده النووي في المجموع (5/260) وفي الخلاصة (3368) وصححه الألباني في صحيح موارد الضمآن (1938) .
صاحبته هي زوجته جميلة بنت أُبِي < أخت عبد الله بن أبي بن سلول . الهائعة : الصوت الشديد عند الفزع .
2) : حديث محمود بن لبيد رواه ابن إسحاق في السيرة ص : 312 قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محود بن لبيد ... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنْ كان صاحبكم ـ يعني حنظلة ـ لتغسله الملائكة .. . محمود بن لبيد هل له صحبة أم رؤية أم لا ؟ الخلاف في هذا مشهور وعاصم بن عمر ثقة وابن إسحاق تقدم الكلام عليه .
تنبيه : الحديث في سنن البيهقي (4/15) عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... .
3) : حديث أنس - رضي الله عنه - قال : افتخر الحيان من الأوس والخزرج فقال الأوس منا غسيل الملائكة حنظلة ابن الراهب ... رواه ابن عساكر (7/524) وقال : هذا حديث حسن صحيح . قال الألباني في الإرواء (3/168) وهو كما قال .
4) : حديث ابن عباس { قال لما أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب { وهما جنبان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت الملائكة تغسلهما " رواه الطبراني في الكبير (11/391) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (3/146) وفي إسناده شريك بن عبدالله قال الحافظ : صدوق يخطيء كثيراً والحجاج بن أرطاة قال الحافظ : كثير الخطأ والتدليس . وقال البيهقي يرويه حجاج بن أرطاة وهو غير محتج به . وتابعه أبو شيبة الواسطي عند الطبراني في الكبير (11/295) والبيهقي في سننه (4/15) . قال البيهقي : أبو شيبة ضعيف وقال الحافظ في التلخيص (2/239) في إسناد البيهقي أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف جداً . ورواه الحاكم (3/195) ولفظه " قتل حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - جنباً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسلته الملائكة " وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وتعقبه الذهبي بقوله : معلى [ بن عبدالرحمن الواسطي ] هالك . وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/239) في إسناد الحاكم معلى بن عبد الرحمن وهو متروك . والحديث ضعفه النووي في الخلاصة (3369) وضعف إسناده الزيلعي في نصب الراية (2/317) والحافظ في الدراية (1/244) .
5) : حديث أبي أسيد - رضي الله عنه - قال الحافظ في التلخيص (2/239) رواه الحاكم في الإكليل وفي إسناده ضعف .(1/13)
فلا يدل ذلك على وجوب تغسيل الشهيد إذا كان جنباً
فلو كان الغسل واجباً لما سقط بفعل الملائكة ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسله والله أعلم (1) . أما شهداء غير المعركة كالمبطون والمطعون والغريق وصاحب الهدم وغيرهم فهؤلاء يغسلون ويصلى عليهم ولفظ الشهادة الواردة فيهم المراد بها أنَّهم شهداء في ثواب الآخرة لا في ترك الغسل والصلاة فلهم حكم الشهادة في الآخرة دون الدنيا . فقد كان يموت في عهده - صلى الله عليه وسلم - منْ حكم له - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة ومع ذلك كانوا يغسلون ويصلى عليهم و النص ورد في عدم تغسيل شهيد المعركة وما عداه يبقى على الأصل وهو وجوب تغسيله والله أعلم .
صفة الغُسْل:
1 : لا يحضر غسله إلا منْ يحتاج إليه (2) : فالآدمي إذا مات صار جميعه بمنزلة العورة في الإكرام والاحترام ولهذا وجب ستره بالكفن وربما كان في الميت عيب يستره في حياته فلا يُطلَع عليه بعد وفاته وربما ظهر منه أثناء الغسل مالايسر ففي حضور من لا يلزم حضوره والحالة هذه هتك لحرمة الميت .
__________
(1) انظر : الأوسط (5/346) والمحلى (5/115) والكافي ص : 85 وبدائع الصنائع (1/324) وبداية المجتهد (1/227) والذخيرة (2/297) والمغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/401) والمجموع (5/260 ، 263 ، 264) والبحر الرائق (2/345 ـ 346) وزاد المعاد (3/213) وفتح الباري (3/212) والمبدع (2/235) والإنصاف (2/499) ومواهب الجليل (3/69) والشرح الممتع (5/364 ، 366) .
(2) انظر : المغني والشرح الكبير (2/317) والمجموع (5/160) وفتح الباري (3/114) ومواهب الجليل (3/29) والدر المختار مع حاشية ابن عابدين ـ(3/146) وفتاوى اللجنة الدائمة (8/360).(1/14)
2 : غسل الميت مجرداً من ملابسه : إذا وُضِع الميتُ على سرير غسله وأراد أن يشرع في غسله رفع غطاءه وجرده من ثيابه إن لم يكن جُرِد من قبل ففي حديث عائشة < (1) قالت : لما أرادوا غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه ... . ويستر عورته وجوباً لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة " (2)
3 : مسح البطن : إن رأى الغاسل حاجة الميت إلى إمرار اليد على البطن فعل بقدر الحاجة ليخرج ما معه من نجاسة لئلا يخرج بعد ذلك وإن لم ير حاجة فلا يفعل والمروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عصر البطن لا يصح لكن ثبت ذلك عن السلف (3)
__________
(1) تقدم تخريجه ص :
(2) رواه مسلم (338) . عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .
(3) حديث مسح البطن في أول الغسل " إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأ ببطنها فليمسح بطنها مسحاً رفيقاً ...". الحديث مداره على عبد الملك بن أبي بشير واختلف عليه فيه . فرواه :
1 : ليث بن أبي سليم عنه عن حفصة بنت سيرين عن أم سليم < مرفوعاً في حديث طويل رواه الطبراني في الكبير (25/124) والبيهقي (4/4) . وليث بن أبي سليم قال الحافظ ابن حجر عنه : صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك .
وقال أبو حاتم في علل ابنه (1069) هذا حديث كأنَّه باطل يشبه أن يكون كلام ابن سيرين وقال الذهبي في مهذب سنن البيهقي (6014) : في النفس من صحته وليث ليس بعمدة .
2 : جنيد بن أبي وهرة أبو حازم . واختلف عليه فيه : فرواه عنه 1) : عبد الرحمن بن سليمان عنه عن عبد الملك بن أبي بشير عن حفصة بنت سيرين عن أم سليم < مرفوعاً عند الطبراني في الكبير (25/124) . 2) : رواه أبو المنذر يوسف بن عطية عنه عن عبد الملك بن أبي بشير عن محمد بن سيرين مختصراً مرسلاً عند البيهقي (3/388) . وجنيد بن أبي وهرة قال ابن حبان في المجروحين (1/211) كان يدلس عن محمد بن أبي قيس المسلوب ويروي ما سمع منه عن شيوخه فاستحق مجانبة حديثه على الأحول كلها وقال الذهبي في الميزان (1579) له حديث في غسل الميت طويل منكر .
قال البيهقي : هذا مرسل وراويه ضعيف . وقال الذهبي في مهذب سنن البيهقي (5885) فيه جماعة ضعفاء .
وقال أبو حاتم في علل ابنه (1069) : ليس لأم سليم < عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غسل الميت شيء . وقال ابن المنذر في الأوسط (5/329) ليس في عصر البطن سنة تتبع . قلت لعل مرادهما شيء ثابت . والله أعلم .
فالحديث ضعيف لاضطرابه والله أعلم . وقد صح عن ابن سيرين أنَّه قال : يعصر بطن الميت في أول غسلة عصرة خفيفة رواه ابن أبي شيبة (3/245) بإسناد صحيح .(1/15)
وعليه جمهور أهل العلم (1) ثم ينجيه مما خرج منه وذلك بأن يلف الغاسل على يده خرقة أو يلبس قفازاً لئلا يمس عورته لأنَّ النظر إلى العورة حرام فالمس أولى
4 : توضيته : ثم يقول بسم الله ويوضيه وضوءه للصلاة مرة واحدة في أول الغسل فيأخذ خرقة فيبلها فيمسح بها أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه لأنَّ الحي يمج الماء ويستنثر إذا توضأ بخلاف الميت فيقوم المسح مقام غسلهما ثم يغسل وجهه ويتم وضوءه لأنَّ الوضوء يبدأ به في غُسْل الحي فكذلك الميت وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية < في غسل ابنته زينب < " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " (2)
5 :غسل الرأس : إن كان الشعر ضفائر نُقِض لقول أم عطية <أنَّهنَّ جعلن رأس بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون " (3) ثم يغسل الرأس واللحية بالماء والسدر المطحون لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية <" اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتنَّ ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور " (4) وإن جُعِل معهما شيئ من المنظفات الحديثة فحسن لأنَّه أبلغ في التنظيف
__________
(1) انظر : مصنف عبد الرزاق (3/403) ومصنف ابن أبي شيبة (3/245) والأوسط (5/329ـ330) والكافي ص : 82 وبدائع الصنائع (1/301) وبداية المجتهد (1/231) والذخيرة (2/272) والبناية (3/212) والمجموع (5/171) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/319) وكفاية الطالب مع حاشية العدوي (1/519) .
(2) رواه البخاري (167) ومسلم (939) .
(3) رواه البخاري (1260) ومسلم (939) .
(4) رواه البخاري (1253) ومسلم (939) .(1/16)
6 : غسل الميامن : يبدأ بغسل شقه الأيمن بالماء والسدر لعموم حديث عائشة < قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله " (1) وخصوص حديث أم عطية < . فيغسل يده اليمنى من المنكب إلى الأصابع وكتفه وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يرفعه من جانبه الأيمن فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يغسل الأيسر كذلك فيغسل يده اليسرى من المنكب إلى الأصابع وكتفه وصفحة عنقه اليسرى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يرفعه من جانبه الأيسر فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه . (2) وإن غسل يده اليمنى من المنكب إلى الأصابع وكتفه وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يغسل الأيسر كذلك ثم يرفعه من جانبه الأيمن فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يغسل شقة الأيسر كذلك . فلا بأس لأنَّ لفظ الحديث يحتمله . (3) فهذه الغسلة الأولى ويغسله في الغسلة الأخيرة بماء فيه كافور إلا إن كان الميت محرماً فلا يوضع في غسله كافور لأنَّ الكافور طيب والمحرم ممنوع من الطيب قبل التحلل الأول في الحج فعن ابن عباس { أنَّ رجلاً وقصه بعيره وهو محرم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه فإنَّ الله يبعثه يوم القيامة ملبياً " (4) .
__________
(1) رواه البخاري (168) ومسلم (268) .
(2) انظر : الأم (1/265) والمجموع (5/173) ونهاية المحتاج (2/447) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/320) والكافي (1/251) والإنصاف (2/490ـ491) والفواكه الدواني (1/233) .
(3) انظر : المجموع (5/173) ونهاية المحتاج (2/447) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/320) والإنصاف (2/490).
(4) رواه البخاري (1267) ومسلم (1206) .(1/17)
ويغسله بالماء والسدر بين ذلك إلى سبع غسلات أو أكثر إن احتاج لذلك ويجعل الغسلة الأخيرة وتراً . لما تقدم من حديث أم عطية < وإن كان المتوفى امرأة سُرِّح شعرُها وجُعِل ثلاث ضفائر خلفها لقول أم عطية < فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها " (1) وفي رواية " مشطناها ثلاثة قرون " (2)
هذا الغسل المشتمل على الواجب والسنن . أمّا الواجب فهو غسلة واحدة تعم جميع البدن لحديث ابن عباس { في الذي وقصته ناقته حيث لم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بغسله بالماء والسدر ولم يذكر لهم صفة معينة .
7 : تنشيف الميت : إذا فرغ الغاسل من غسل الميت نشفه بثوب لئلا يبل أكفانه وقياساً على الحي (3) .
التكفين :
فرض كفاية لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس { " وكفنوه في ثوبين " وهذا أمر والأمر للوجوب . وأجمع أهل العلم على وجوب التكفين (4)
صفة التكفين :
1 : عدد اللفائف : يسن أن يكفن الرجل والمرأة (5)
__________
(1) رواه البخاري (1263) .
(2) رواه مسلم (939) .
(3) انظر : المغني (2/328) البناية (3/219) والإنصاف (2/496) وأسنى المطالب (1/301) ومواهب الجليل (3/29) وحاشية ابن عابدين (3/89) .
(4) انظر : مراتب الإجماع ص : 34 وبدائع الصنائع (1/306) والمجموع (5/188) وطرح التثريب (3/271) والإنصاف (2/470) والفواكه الدواني (1/446) وأسنى المطالب (1/298) .
(5) أمَّا ماروي عن ليلى ابنة قانف الثقفية < قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم < بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاتها وكان أول ما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر قالت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الباب معه كفنها يناولناه ثوباً ثوباً " رواه أحمد (26594) وعنه أبو داود (3157) .بإسناد ضعيف .
الحديث رواه ابن إسحاق قال حدثني نوح بن حكيم الثقفي وكان قارئاً للقرآن عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان < زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلى ابنة قانف الثقفية .
ابن إسحاق صرح بالسماع فأُمن تدليسه ونوح بن حكيم قال ابن القطان : مجهول الحال ولم تثبت عدالته ولا يعرف بغير رواية ابن إسحاق عنه وقال الذهبي في الميزان : لا يعرف وقال الحافظ : مجهول . وداود المذكور في هذا الحديث هل هو داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي الثقة أم غيره ؟ فيكون مجهولاً هذا محل نظر . انظر بيان الوهم والإيهام (5/53) وتهذيب التهذيب (3/189ـ190) والتلخيص الحبير (2/224) . وعلى كل حال فإسناد الحديث ضعيف . والحديث ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2292) والألباني في الإرواء (723) وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/224) إسناد غريب .
وانظر : مصنف عبد الرزاق (3/433) والفواكه الدواني (1/444) وطرح التثريب (3/274) وأحكام الجنائز ص : 65 والشرح الممتع (5/393)(1/18)
في ثلاث لفائف بيض فعن عائشة < أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُفِن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِية من كُرسُف (1) ليس فيهن قميص ولا عمامة " (2) والمقصود بالأثواب هنا ثلاث لفائف لذلك قالت < ليس فيها قميص . فالثوب في لسان العرب يطلق علىكل مايلبس على البدن سواء كان شاملاً له أو لبعضه وسواء كان مخيطاً أو غير مخيط . (3) فتبسط اللفايف الثلاث بعضها فوق بعض بعد تبخيرها فقد أمرت أسماء بنت أبي بكر { أن تبخر أكفانها (4) ثم يحمل الميت مستور العورة فيوضع عليها مستقلياً .
2 : تطييب الميت : يطيب لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقصته ناقته " ولا تمسوه طيباً " فيطيب رأسه ولحيته ويجعل الطيب في مفاصله ومغابنه وهي المواضع التي تنثني من الإنسان كطي الركبتين وتحت الإبطين فقد كان ابن عمر { يتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك " (5) وكذلك مواضع السجود لأنَّها أعضاء شريفة وإن طيب الميت كله فحسن لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - "ولا تمسوه طيباً " وعن نافع أنَّ ابن عمر { كان يطيب الميت بالمسك يذرُّ عليه ذروراً " (6)
__________
(1) سحولية منسوبة الى سحول مدينة باليمن تحمل منها هذه الثياب . ، الكرسف : القطن .
(2) رواه البخاري (1264) ومسلم (941) .
(3) انظر : فتح الباري لابن رجب (2/386) .
(4) رواه مالك (1/226) وعبد الرزاق (6152) وابن أبي شيبة (2/265) والبيهقي (3/405) . ورواته ثقات . وصحح إسناده النووي في الخلاصة (3401) .
(5) رواه عبد الرزاق (6141) بإسناد صحيح .
(6) رواه عبد الرزاق (6140) بإسناد صحيح .(1/19)
3 : رد اللفائف : فإذا فرغ من تحنيط الميت يرد طرف اللفافة التي تلي جسد الميت من الجانب الأيسر على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الأيمن على شقه الأيسر لشرف اليمين ولأنَّه عادة لبس الحي ثم يفعل بالثانية والثالثه كالأولى والأمر في ذلك واسع (1) ثم يعقد اللفائف إن خاف انتشارها . وإن كان الميت محرماً لا يطيب هو ولا أكفانه ولا يغطى رأسه لحديث ابن عباس { .
الوارد في أقل الكفن وأكثره :
1 : ثوب واحد يستر الميت : فعن خباب - رضي الله عنه - قال هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُها قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر (2) " (3)
2 : ثوبان : لحديث ابن عباس { وفيه "وكفنوه في ثوبين " .
3 : ثلاثة أثواب : لحديث عائشة < في أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِية . وهذا أكثر ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ولو زاد على الثلاثة فالأمر على الجواز ما لم يوجد محذور آخر كالاسراف .
الغسل من تغسيل الميت :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من غَسَّل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ " (4)
__________
(1) انظر : بدائع الصنائع (1/308) والمغني (2/329) والمجموع (5/204) والمبدع (2/245) والبحر الرائق (2/309) وتحفة المحتاج (1/405) .
(2) يهدبها : يجتنيها . ، بردة : كساء صغير . ، الإذخر : نبات طيب الرائحة .
(3) رواه البخاري (1276) ومسلم (940) .
(4) رواه أحمد (9318) وأبو داود (3161) والترمذي (993) ـ وحسنه ـ وابن ماجه (1463) . ورواته ثقات .
والحديث رفعه جمع عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . وصحح المرفوع ابن حبان (1161) وابن حزم في المحلى (2/25) وحسنه البغوي في شرح السنة (2/169) . وقال البهقي في السنن (1/303) الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - غير قوية لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم والصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من قوله غير مرفوع . فتعقبه الذهبي في مهذب السنن (1/301) بقوله قلت : بل هي غير بعيدة من القوة إذا ضم بعضها إلى بعض وهي أقوى من أحاديث القلتين وأقوى من أحاديث (الأرض مسجد إلا المقبرة والحمام إلى غير ذلك مما احتج بأشباهه فقهاء الحديث . وساق ابن القيم طرقه في تهذيب السنن (4/306) وقال : هذه الطرق تدل على أنَّ الحديث محفوظ وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/238) أسوأ أحواله أن يكون حسناَ . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1195) .
والموقوف على أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه البيهقي (1/303) وغيره ورجح الوقف البيهقي ـ وتقدم ـ والبخاري في تاريخه (1/397) وأبو حاتم كما في علل ابنه (1035) وغيرهم .
والمرفوع له شواهد عن علي بن أبي طالب والمغيرة بن شعبة وعائشة - رضي الله عنهم - . انظر سنن البيهقي (1/300ـ302) والإمام (2/372ـ391) والتلخيص الحبير (1/236ـ239) .(1/20)
لكن الغسل مستحب وليس بواجب لقول ابن عباس { " ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إنَّ ميتكم لمؤمن طاهر وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم " (1) وقياساً على تغسيل الحي . والغاسل هو من يباشره لا من يساعده كمن يصب الماء عليه .
النظر إلى الميت وتقبيله :
يجوز الدخول على الميت والنظر إليه وتقبيله قبل التكفين وبعده فعن عائشة < في حديث وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت أقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرسه من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة < فتيمم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مسجى ببرد حِبَرَة (2) فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى ... " (3)
__________
(1) رواه البيهقي (1/306) ، (3/398) وابن شاهين في ناسخ الحديث ص : 58 موقوفاً على ابن عباس { بإسناد حسن وقفه معلى بن منصور ومنصور بن سلمة وعبد الله بن وهب وخالفهم خالد بن مخلد فرفعه كما عند الدارقطني (2/76) وابن شاهين في ناسخ الحديث ص : 272 والحاكم (1/376) وعنه البيهقي (1/306) وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري وقال الذهبي على شرط البخاري وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/239) والألباني في أحكام الجنائز ص : 54 . وخالد بن مخلد قال عنه الإمام أحمد له مناكير . قال الذهبي في مهذب سنن البيهقي (1318) هذا من مناكير خالد فإنَّه يأتي بأشياء منكرة مع أنَّه شيخ محتج به في الصحيح . فالظاهر أنَّ رفع الحديث من مناكيره والله أعلم . والصواب الوقف كما في رواية الجمهور ورجح الوقف البيهقي وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/507) والله أعلم .
(2) السنح : مكان في العوالي . ، مسجي : مغطى . ، برد حبرة : من برود اليمن تصنع من قطن أو غيره .
(3) رواه البخاري (1241) .(1/21)
وعن جابر بن عبدالله { قال لما قتل أبي - رضي الله عنه - جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي وينهوني عنه والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينهاني فجعلت عمتي فاطمة < تبكي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " (1)
صلاة الجنازة
فضل شهود الجنازة والصلاة عليها واتباعها :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من شهد الجنازة حتى يُصَلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تُدفَن فله قيراطان . قيل : وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين " (2) .
والناس يختلفون في الباعث على اتباع الجنائز لكنَّ الأجر المذكور خاص بمن اتبعها إيماناً بوعد الله واحتساباً للأجر .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من اتَّبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يُصَلى عليها ويُفرَغَ من دفنها فإنَّه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنَّه يرجع بقيراط " (3) .
والسنة أن يكون الراكب خلفها والماشي حيث شاء لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها والسقط (وفي رواية الطفل) يُصَلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة" (4) .
__________
(1) رواه البخاري (1244) ومسلم (2471) .
(2) رواه البخاري (1325) ومسلم (945) .
(3) رواه البخاري (47) .
(4) الحديث رواه زياد بن جبير بن حية عن أبيه عن المغيرة - رضي الله عنه - واختلف عليه فرواه عنه :
1 : سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية مرفوعاً . عند أحمد (17742) والترمذي (1031) ـ وقال : حسن صحيح ـ والنسائي (1942) ، (1943) ، (1948) وابن ماجه (1507) . وسعيد بن عبيد جاء في ترجمته في تهذيب التهذيب : قال أحمد وابن معين وأبو زرعة ثقة وقال النسائي ليس به بأس وذكره بن حبان في الثقات . قلت وقال الحاكم عن الدارقطني ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها وغيره يوقفها واستنكر البخاري له حديثاً في تاريخه . لذا قال الحافظ : صدوق ربما يهم . ولم يتفرد برفع الحديث كما سيأتي .
2 : مبارك بن فَضَالة عند أحمد (17709) مرفوعاً . ومبارك ثقة إذا صرح بالسماع وقد صرح بالسماع في هذه الرواية . 3 : المغيرة بن عبيد الله بن جبير بن حية مرفوعاً . عند النسائي (1942) . قال الحافظ : مقبول .
فرفع الحديث محفوظ والله أعلم .
4 : يونس بن عبيد واختلف عليه فرواه عنه 1) : بكر بن عبد الله المزني عند الطبراني في الكبير (20/430) مرفوعاً
2) : خالد بن عبد الله الطحان عند أبي داود (3180) ولم يجزم برفعه . 3) : إسماعيل بن إبراهيم عند أحمد (17716) . 4) سفيان الثوري عند أحمد (17716) وعبد الرزاق (6602) . 5) : ابن علية عند ابن أبي شيبة (3/317) ثلاثتهم رووه موقوفاً على المغيرة .
والمرفوع صححه ابن حبان (3049) وابن قدامه في الكافي (1/567) وابن القيم في زاد المعاد (1/513) ونقل تصحيح الإمام أحمد له وصححه أيضاً الألباني في الإرواء (716) وقال الحاكم (1/363) على شرط البخاري وحسن إسناده الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري (3/201) .
تنبيه : حكى الدارقطني في علله (7/134ـ136) الخلاف في رفع الحديث ووقفه . ولم يرجح الوقف فيما وقفت عليه . والله أعلم .(1/22)
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : عن من تبع جنازة ثم صلى عليها بعد الدفن هل يحصل له قيرطان ؟ فأجاب : نعم واستدل بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
حكم صلاة الجنازة : الأصل في صلاة الجنازة أنَّها فرض كفاية لفعله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يصلي على من مات ممن أظهر الإسلام ولقوله - صلى الله عليه وسلم - " صلوا على صاحبكم " (1) ويصلى على الشهيد فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات (2) لكن الصلاة على الشهيد ليست على سبيل الوجوب فعن جابر بن عبدالله { أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذاً للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلهم " (3) و القول بالتخيير بين الصلاة على الشهيد وتركها رواية عن الإمام أحمد واختاره ابن حزم وبعض الشافعية وبعض الحنابلة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والألباني (4)
الإعلام بالوفاة :
__________
(1) رواه البخاري (2297) ومسلم (1619) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - . ورواه البخاري (2291) من حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - .
(2) رواه البخاري (1344) ومسلم (2296) .
(3) رواه البخاري (1347) .
(4) انظر : المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/401) والإنصاف (2/500) والمحلى (5/115) والمجموع (5/260) والاختيارات ص : 87 وتهذيب السنن (4/295) وأحكام الجنائز ص :80 ـ 83 .(1/23)
يستحب الإخبار بالوفاة وإشاعة ذلك بين الناس لما في ذلك من تكثير المصلين والداعين له وفيه نفع للأحياء لدلالتهم على الخير (1) فعن ابن عباس { قال مات إنسان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلاً فلما أصبح أخبروه فقال ما منعكم أن تعلموني قالوا كان الليل فكرهنا وكانت ظلمة أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه " (2) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي (3) في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً " (4) . قال النووي : " فيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك ، والذي جاء عنه النهي ليس المراد به هذا وإنَّما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها " (5) .
صفة صلاة الجنازة
موقف الإمام : يقف الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة
فعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسْطَها (6) " (7)
__________
(1) انظر : بدائع الصنائع (1/299) والمجموع (5/215) والمبدع (2/219) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (4/386) والفروع (2/192) وأسنى المطالب (1/298) وحاشية الدسوقي (1/424) والتاج والإكليل ـ بهامش مواهب الجليل ـ (3/57) وحاشية ابن عابدين (3/83 ، 143) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/410) .
(2) رواه البخاري (1247) .
(3) نعى النجاشي : أي أخبر بموته .
(4) رواه البخاري (1245) ومسلم (951) .
(5) شرح مسلم (7/30) .
(6) أي عجيزتها كما في حديث أنس - رضي الله عنه - .
(7) رواه البخاري (1332) و مسلم (964) .(1/24)
وعن نافع أبي غالب قال : وضعت الجنازة فقام أنس - رضي الله عنه - فصلى عليها وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات لم يطل ولم يسرع ثم ذهب يقعد فقالوا يا أبا حمزة المرأة الأنصارية فقربوها وعليها نعش أخضر فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ثم جلس فقال العلاء بن زياد يا أبا حمزة هكذا كان يفعل رسول الله ? يصلي على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعاً ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة قال نعم (1)
وكذلك الصلاة على القبر إن كان المقبور ذكراً وقف عند رأس القبر و إن كانت أنثى وقف وسط القبر .
عدد التكبيرات :
في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : " فخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً " (2) .
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان زيد [ بن أرقم ] يكبر على جنائزنا أربعاً وإنَّه كبر على جنازة خمساً فسألته فقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها (3) . وقد صح عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم زادوا على ذلك (4) .
__________
(1) رواه أحمد (12120) وأبو داود (3194) و الترمذي (1043) ـ و حسنه ـ وابن ماجه (1494) .بإسناد صحيح .
والحديث صححه الضياء المقدسي في المختارة (2687) والشوكاني في السيل الجرار (1/361) و الألباني في أحكام الجنائز ص : 108. وجود إسناده الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري (3/201) .
(2) تقدم تخريجه .
(3) رواه مسلم (957) .
(4) ومن الوارد في ذلك مارواه عبد خير قال كان علي - رضي الله عنه - يكبر على أهل بدر ستاً وعلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمساً وعلى سائر الناس أربعاً " رواه ابن أبي شيبة (3/303) وابن المنذر في الأوسط (5/403) والدارقطني (2/73) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/497) . وإسناده حسن . وصححه ابن القيم في زاد المعاد (1/508) .
وانظر : الأوسط لابن المنذر (5/432 - 434 ) وزاد المعاد (1/507 - 508 ) وأحكام الجنائز للألباني ص112 - 114 .(1/25)
رفع الأيدي في تكبيرات الجنازة :
رفع الأيدي في صلاة الجنازة : يشرع رفع اليدين في التكبيرة الأولى بإجماع أهل العلم (1) . وكذلك يرفع يديه في بقية التكبيرات وعلى هذا جمهور أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم (2) . وقد كان ابن عمر { يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرة الجنازة (3) .
__________
(1) انظر : الأوسط (5/426) وشرح السنة للبغوي (5/347) وبداية المجتهد (1/235) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/373 ) والمجموع (5/232) .
(2) انظر : سنن الترمذي (3/388) والفواكه الدواني (1/451ـ452) وبدائع الصنائع (1/315) والمهذب مع المجموع (5/229ـ231) والذخيرة (2/287) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/373) والشرح الممتع (5/425) .
(3) وإسناده صحيح . فرواه عن ابن عمر { موقوفاً نافع ورواه عنه 1 : جرير بن حازم عند البخاري في جزء رفع اليدين (182) . 2 : عبيدالله بن عمر بن حفص عند البخاري في جزء رفع اليدين (183) وابن أبي شيبة (3/296) وابن المنذر في الأوسط (5/426) . 3 : يحيى بن سعيد الأنصاري واختلف عليه فيه فرواه عنه 1 ) : زهير بن معاوية عند البخاري في جزء رفع اليدين (184) . 2) : محمد بن فضيل عند ابن أبي شيبة (3/297) موقوفاً .
وخالفهما يزيد بن هارون فرواه الدارقطني في علله عن عمر بن شبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأ يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر { مرفوعاً . قال الدارقطني هكذا رفعه عمر بن شبة وخالفه جماعة فرووه عن يزيد بن هارون موقوفاً وهو الصواب انظر : نصب الراية (2/285) والتلخيص الحبير (2/290) وحكم بشذوذ هذه الرواية الألباني في الضعيفة (1045) . وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري (3/190) : أخرجه الدارقطني في علله بإسناد جيد عن ابن عمر { مرفوعاً وصوب وقفه لأنَّه لم يرفعه سوى عمر بن شبة والأظهر عدم الالتفات إلى هذه العلة لأنَّ عمر بن شبة ثقة فيقبل رفعه لأنَّ ذلك زيادة من الثقة وهي مقبولة على الراجح عند أئمة الحديث . والذي يظهر لي أنَّ ما قاله الدارقطني هو الصواب ـ والله أعلم ـ فرواية الرفع شاذة والراجح رواية الوقف فهي رواية الجماعة عن يحي ووافق هذه الرواية في وقف الحديث جرير بن حازم وعبيدالله بن عمر كما تقدم . قال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/228) ـ عن سند الرواية الموقوفة ـ سند جيد وصححه ابن حجر في التلخيص والألباني في الضعيفة (3/150).
4 : عبد الله بن محرر : فرواه الطبراني في الأوسط (8417) بإسناده عن عباد قال نا عبد الله بن محرر عن نافع عن ابن عمر { أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه عند التكبير في كل صلاة وعلى الجنائز " وعباد بن صهيب البصري وشيخه عبدالله بن محرر متروكان . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/32) هو في الصحيح خلا قوله وعلى الجنائز رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محرز وهو مجهول . وضعف إسناده الحافظ في الفتح (3/190) فهذه الرواية منكرة والله أعلم .
ومن المرفوع :
1 : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى " رواه الترمذي (1077) ـ وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ـ والدارقطني (2/75) . بإسناد ضعيف .
في إسناده يحيى بن يعلى الأسلمي قال يحيى بن معين ليس بشيء وقال البخاري مضطرب الحديث وقال أبو حاتم ضعيف الحديث ليس بالقوي . وشيخة أبو فروة يزيد بن سنان قال أحمد بن حنبل ضعيف وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وقال ابن المديني ضعيف الحديث وقال أبو حاتم محله الصدق وكان الغالب عليه الغفلة يكتب حديثه ولا يحتج به وقال البخاري مقارب الحديث وقال أبو داود ليس بشيء وقال النسائي ضعيف متروك الحديث وقال مرة ليس بثقة وقال ابن عدي عامة حديثه غير محفوظ .
والحديث ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (1171) والنووي في الخلاصة (3513) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (4/191) وضعف إسناده الحافظ في التلخيص (2/291) وأشار إلى ضعفه ابن عبدالبر في التمهيد (20/79) وابن كثير في إرشاد الفقيه (1/228) . والذهبي في مهذب سنن البيهقي (6181) .
2 : حديث ابنَّ عباس { أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود " رواه الدارقطني (2/75) والعقيلي (3/449) . بإسناد ضعيف .
في إسناده الفضل بن السكن قال العقيلي : لا يضبط الحديث وهو مع ذلك مجهول وقال الذهبي لا يعرف وضعفه الدارقطني .
وضعف الحديث النووي في الخلاصة (3512) وضعف إسناده الحافظ في التلخيص (2/291) .(1/26)
وابن عباس { (1)
قال أبو بكر ابن المنذر : بقول ابن عمر { أقول إتباعاً له ولأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بين رفع اليدين في كل تكبيرة يكبرها المرء وهو قائم وكانت تكبيرات العيدين والجنائز في موضع القيام ثبت رفع اليدين فيها قياساً على رفع اليدين في التكبير في موضع القيام ولما أجمعوا أنَّ لا يدرى (2) فرفع في أول تكبيرة واختلفوا فيما سواها كان حكم ما اختلفوا فيه حكم ما أجمعوا عليه (3)
الاستفتاح :
قال أبو بكر ابن المنذر : لم نجد في الأخبار التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال بعد أن افتتح الصلاة على الجنازة كما قال بعد أن افتتح الصلاة المكتوبة قولاً ولا وجدنا ذلك عن أصحابه - رضي الله عنهم - ولا عن التابعين وقد كان الثوري وإسحاق بن راهوية يستحبان أن يقول المرء سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وذُكِر ذلك لأحمد فقال : ما سمعت . قال أبو بكر : ولم أجد ذكر ذلك في كتب سائر علماء الأمصار فإن قاله قائل فلا شيء عليه وإن تركه فلا شيء عليه (4) انتهى . وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع فلا يُدعَ بدعاء الاستفتاح والله أعلم .
القراءة بعد التكبيرة الأولى :
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/290) . تنبيه : روى الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة { أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود وإسنادهما ضعيفان ولا يصح فيه شيء وقد صح عن ابن عباس { أنَّه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة رواه سعيد بن منصور .
(2) هكذا ولعلها : ولما أجمعوا أنَّ الأيدي ترفع في أول تكبيرة والله أعلم .
(3) الأوسط (5/428) . وانظر الأوسط (4/282) . بدائع الصنائع (1/314) .
(4) الأوسط (5/436) . وانظر : بدائع الصنائع (1/313) والبناية (3/252) .(1/27)
عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : " صليت خلف ابن عباس { على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب . قال : لتعلموا أنَّها سنة (1) " (2) . وتشرع قراءة سورة مع الفاتحة (3) .
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التكبيرة الثانية :
__________
(1) السنة في اصطلاح السلف طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة كانت أو مستحبة .
فمن الواجب قول عائشة رضي الله عنها عن السعي بين الصفا والمروة : سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما "رواه البخاري (1643) و مسلم (1277) . ومنه قول ابن عباس { عن الفاتحة في صلاة الجنازة سنة .
ومن المستحب قول ابن عباس { عن الإقعاء على القدمين بين السجدتين : هي سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم (536)
(2) رواه البخاري (1335) .
(3) الحديث رواه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن ابن عباس { .
ورواه عن سعد شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري عند البخاري (1335) بذكر الفاتحة فقط . ورواه عن سعد ابنه إبراهيم عند النسائي (1987) وابن الجارود (537) والبيهقي (4/38) وغيرهم وزاد سورة مع الفاتحة . وإسنادها صحيح . ولم يتفرد إبراهيم بهذه الزيادة فقد رواه ابن الجارود (536) عن محمد بن يحيى قال ثنا محمد بن يوسف قال ثنا سفيان عن زيد بن طلحة التيمي قال سمعت بن عباس { قرأ على جنازة فاتحة الكتاب وسورة وجهر بالقراءة وقال إنَّما جهرت لأعلمكم أّنَّها سنة والإمام كفها . ورواته ثقات .
وجوّد إسناد هذه الرواية ابن المنذر في الأوسط (5/440) وصحح إسنادها النووي في المجموع (5/234) والألباني في أحكام الجنائز ص : 119 . وقال البيهقي ذكر السورة فيه غير محفوظ فتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي (4/38) بقوله : قلت :بل هو محفوظ وتعقبه الذهبي أيضاً في مهذب سنن البيهقي (6182) بقوله : قلت رواته ثقات .(1/28)
عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف قال : السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في التكبيرة الأولى ثم يسلم في نفسه عن يمينه (1) .
__________
(1) رواه النسائي (1990) وعبد الرزاق في مصنفه (6428) واللفظ له وابن أبي شيبة (2/296) ورواته ثقات .
الحديث رواه الليث بن سعد عند النسائي ومعمر بن راشد عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن الزهري عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف . وأبو أمامة أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه والحديث صححه القرطبي في المفهم (2/613) وصحح إسناده ابن القيم في جلاء الأفهام ص : 193 والحافظ ابن حجر في الفتح (3/204) والألباني في تحقيقه لكتاب فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - للإمام إسماعيل بن إسحاق ص :79 وقال النووي في الخلاصة (3484) إسناده على شرط الصحيحين ، وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (1/595) : إسناده على شرط الصحيح لاجرم صححه ابن السكن .
والحديث رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/500) عن ابن أبى داود قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب عن الزهرى قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف وكان من كبراء الأنصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبره أنَّ السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب سراً في نفسه ثم يختم الصلاة في التكبيرات الثلاث " ورواته ثقات .
شعيب بن أبي حمزة ثقة . قال ابن معين من أثبت الناس في الزهري . وتابع شعيب بن أبي حمزة يونسُ بن يزيد عند الحاكم (1/360) وعنه البيهقي (4/40) ويونس قال الحافظ : ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً وهذا منها . وشيخ الحاكم إسماعيل بن أحمد التاجر لم أقف على من وثقه .(1/29)
الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة : في حديث أبي أمامة : " ثم يخلص الدعاء للميت " .
ومن الأدعية الواردة في صلاة الجنازة :
1 - اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مُدْخَله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ( أو عذاب النار ) قال [ عوف بن مالك - رضي الله عنه - ] حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت وفي رواية : " ... كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدنس ... وقه فتنة القبر وعذاب النار " (1) .
2 : " اللهم إنَّ فلان بنَ فلان [ فيسميه باسمه واسم أبيه إن كان معروفاً ] في ذمتك وحَبْل جوارك (2) فقه فتنة القبر وعذاب النار أنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنَّك أنت الغفور الرحيم (3)
__________
(1) رواه مسلم (963) عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - .
(2) قال الطيبي في شرح المشكاة (3/374) : " حبل جوارك " بيان لقوله " في ذمتك " ... أي أنَّ فلاناً في عهدك وجوارك .
(3) رواه الإمام أحمد (15588) وأبو داود (3202) وابن ماجه (1499) عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - . وإسناده حسن .
الحديث رواه الوليد بن مسلم عن مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة عن واثلة بن الأسقع . مروان بن جناح وثقه دحيم وأبو داود وأبو علي الحسين بن علي الحافظ النيسابوري وذكره ابن حبان في ثقاته وقال أبو حاتم هو أحب إلي من أخيه روح بن جناح وهما شيخان يكتب حديثهما ولا يحتج بهما وقال الدارقطني لا بأس به .والوليد بن مسلم صرح بالسماع .
والحديث صححه ابن حبان (3074) وحسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/176) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/251) وأشار إلى صحته ابن القيم في زاد المعاد (1/506) .(1/30)
3 : اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه إن كان محسناً فزد في حسناته وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه (1) .
والدعاء في الأحاديث السابقة للمفرد المذكر فيغير ما يلزم تغييره في حال التأنيث والتثنية والجمع .
4 ـ اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان (2)
__________
(1) رواه ابن قانع في معجم الصحابة (3/222ـ223) والحاكم (1/359) . عن يزيد بن ركانة بن المطلب - رضي الله عنه - . بإسناد حسن .
وصحح إسناده الحاكم وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص125.
(2) هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم :
1 : والد أبي إبراهيم الأشهلي - رضي الله عنه - : رواه أحمد (17093) ، (22984) والترمذي (1024) والنسائي (1986) بأسانيدهم عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه .
أبو إبراهيم قال الترمذي : سألت البخاري عن اسم أبي إبراهيم فلم يعرفه . وقال الحافظ : مقبول . وأبوه صحابي صرح بسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أحمد والنسائي في اليوم والليلة (1084) .
وقال الترمذي : حسن صحيح و سمعت محمداً [البخاري] يقول أصح الروايات في هذا حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه - رضي الله عنه - . وقال الدارقطني في علله (9/325) الصحيح عن يحيى لقول من قال عن أبي إبراهيم عن أبيه - رضي الله عنه - وقال البيهقي (4/41) الصحيح حديث أبي إبراهيم الأشهلي موصول . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (817) .
2 : أبو هريرة - رضي الله عنه - : رواه أحمد (8591) وأبو داود (3201) وابن ماجه (1498) . بأسانيدهم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً وفي رويتي أبي داود وابن ماجه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده . وصححه ابن حبان (3070) والحاكم (1/358) والألباني في صحيح ابن ماجه (1217) .
ورواه عبد الرزاق (6419) وغيره . انظر سنن الترمذي (3/344) . عن أبي سلمة مرسلاً . ورجح المرسل أبو حاتم في علل ابنه (1047) ، (1058) والدارقطني في علله (9/325) والبيهقي (4/41) .
3 : عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - :
رواه البزار (1045) بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبي نجيح أو ابن أبي نجيح عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال البزار : هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي سلمة عن عبدالرحمن - رضي الله عنه - إلا من هذا الوجه وقد رواه أبو حمزة الثمالي عن ابن أبي ليلى عن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحواً من ذلك . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/33) فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام . وقال الحافظ في مختصر زوائد البزار (584) : إسناده ضعيف وأبو سلمة لايصح سماعه من أبيه .
4 : عائشة < : رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (1079) بإسناده عن عكرمة بن عمار قال حدثنا يحي بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال سألت عائشة كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الميت فذكره .
قال الترمذي في سننه (3/344) : حديث عكرمة بن عمار غير محفوظ وعكرمة ربما يهم في حديث يحيى .
فالحديث بمجموعه حسن ـ إن شاء الله ـ والله أعلم وأشار إلى صحته ابن القيم في زاد المعاد (1/506) .(1/31)
الدعاء إذا كان المتوفى صغيراً :
إذا كان المتوفى صغيراً فليس فيه دعاء مؤقت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ـ وتقدم ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها والسقط (وفي رواية الطفل) يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة " (1) .
الدعاء بعد الرابعة قبل السلام : ويدعو بعد الرابعة فعن أبي يعفور عن عبد الله ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال شهدته وكبر على جنازة أربعاً ثم قام ساعة يعني يدعو ثم قال أتروني كنت أكبر خمساً قالوا لا قال إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر أربعاً " (2) وذهب إلى مشروعية الدعاء بعد التكبيرة الرابعة جمع من أهل العلم فقد قال به بعض الأحناف وبعض المالكية ونص عليه الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهوية وابن المنذر وهو رواية في مذهب الحنابلة (3) . وكذلك لو كبَّر خمساً فيدعو بعد الخامسة .
السلام : يسلم تسليمة واحدة لحديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف وفيه : " ثم يسلم في نفسه عن يمينه " (4)
أو يسلم تسليمتين لحديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - : " ثلاث خصال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهنَّ تركهنَّ الناس إحداهنَّ التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة " (5) .
__________
(1) تقدم تخريجه ص :
(2) رواه البيهقي (4/35) بإسناد حسن . وصحح إسناده الألباني في الجنائز . ص : 126 .
(3) انظر : بدائع الصنائع (1/313) والبناية (3/254) والذخيرة (2/284) والمجموع (5/239) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/372) والأوسط (5/442ـ443) والإنصاف (2/522) والشرح الممتع (5/424) .
(4) تقدم تخريجه ص :
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/100) والبيهقي (4/43) بإسناد حسن .
جود إسناده النووي في الخلاصة (3507) وقال الذهبي في مهذب سنن البيهقي (6210) سنده صالح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/43) رجاله ثقات وحسن إسناده الألباني في أحكام الجنائز ص127 .(1/32)
ولعموم أدلة مشروعية التسليمتين في الصلاة فصلاة الجنازة صلاة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم فتشرع فيها تسليمتان كسائر الصلوات .
مشروعية تكثير المصلين : كلما كثر المصلون كان أفضل لأنَّ ذلك مظنَّة إجابة الدعاء فعن عائشة < عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفِّعوا فيه " (1) وكذلك لو كانوا أقل من ذلك فعن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس { أنَّه مات ابن له بقُدَيد أو بعُسْفان (2) فقال يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس قال فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال تقول هم أربعون قال نعم قال أخرجوه فإنِّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " (3)
وذلك مقيد بأمرين الأول أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء الثاني أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئاً .
المسبوق : يكبر المسبوق ويقرأ الفاتحة لأنَّ ما أدركه أول صلاته وإذا سلم الإمام تدارك المسبوق باقي التكبيرات . لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " (4) (5)
صلاة الجنازة : بعد صلاة الفجر والعصر :
__________
(1) رواه مسلم (947) .
(2) قُدَيد و عُسْفان : موضعان قريبان من مكة .
(3) رواه مسلم (948) .
(4) رواه البخاري (635) ومسلم (603) من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - .
(5) انظر : المحلى (5/179) وبداية المجتهد (1/238) والمجموع (5/240) ومواهب الجليل (3/19) والبحر الرائق (2/324ـ325 ) والأوسط (5/449) وتحفة المحتاج (1/411) والروض المربع (3/635) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/149) والشرح الممتع (5/431) وفتاوى اللجنة الدائمة (8/399) .(1/33)
صلاة الجنازة من ذوات الأسباب (1) وذوات الأسباب تشرع في وقت النهي فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها، قال: قلت: فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنَّها لك نافلة " (2) . وهذا يتناول صلاة العصر فكان الأمراء يؤخرونها أحياناً إلى شروع الغروب وحينئذ فقد أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى الصلاة لوقتها ثم يصليها معهم بعد أن صلاها ويجعلها نافلة وهو فى وقت نهى لأنَّه قد صلى العصر ففيه الأمر بالإعادة في وقت النهى ويدخل فيه أيضاً إعادة صلاة الفجر وعن يزيد بن الأسود - رضي الله عنه - قال شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجته قال فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخَيْف فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصليا معه فقال علي بهما فأتي بهما تَرْعَد فرائصهما (3) قال ما منعكما أن تصليا معنا قالا يا رسول الله قد كنَّا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنَّها لكما نافلة " (4)
__________
(1) المراد بذات السبب : هي الصلاة التي لها سبب متقدم عليها مثل سنة الوضوء سببها الوضوء وهو متقدم على السنة أو مقارن لها مثل صلاة الكسوف فتشرع مع بدء الكسوف .
(2) رواه مسلم (648) .
(3) مسجد الخَيْف : بمنى قرب الجمرات . ترعد : ترجف من الخوف . ، فرائصهما : جمع فريصة وهي اللحمة التي بين الجنب والكتف .
(4) رواه أحمد (17020) وأبو داود (575) والترمذي (219) ـ وقال : حسن صحيح ـ والنسائي (858) بإسناد صحيح .
في إسناده جابر بن يزيد بن الأسود وثقه النسائي وذكره ابن حبان في ثقاته .
والحديث صححه ابن خزيمة (1279) وابن حبان (1564) والشوكاني في السيل الجرار(1/269) والألباني في صحيح الترمذي (181) وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/283) .(1/34)
فأمرهما - صلى الله عليه وسلم - أن يصليا مع الإمام وأعلمهما أنَّ صلاتهما مع الإمام نافلة فلو كان النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس نهياً عاماً لا نهياً خاصاً لم يجز لمن صلى الفجر في الرحل أن يصلي مع الإمام فيجعلها تطوعاً وفي حديث أم سلمة < في صلاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد العصر فقال لها " إنَّه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان " (1) فقضاهما - صلى الله عليه وسلم - وقت النهي مع إمكان قضائهما فى غير ذلك الوقت وخصوصيتة - صلى الله عليه وسلم - هي المداومة لا القضاء وهذا الأمر عام محفوظ لا خصوص فيه وأحاديث النهى ليس فيها حديث واحد عام بل كلها مخصوصة فيقدم العام الذى لا خصوص فيه .
لكنَّ يستثنى من ذلك ما جاء في حديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهنَّ موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس (2) للغروب حتى تغرب " (3) وكل وقت من هذه الأوقات الثلاثة يستغرق عشر دقائق تقريباً . وماعدا الأوقات الثلاثة يصلى على الميت ويدفن ولو في الليل فعن ابن عباس { قال مات إنسان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلاً فلما أصبح أخبروه فقال ما منعكم أن تعلموني قالوا كان الليل فكرهنا وكانت ظلمة أن نشق عليك فأتى قبره فصلى عليه " (4)
صلاة الغائب :
__________
(1) رواه البخاري (1233) ومسلم (834) .
(2) تضيف : تميل .
(3) رواه ومسلم (831) .
(4) تقدم تخريجه ص : .(1/35)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلى (1) فصف بهم وكبر أربعاً " (2) .
قال ابن القيم :لم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - وسنته الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيِّب فلم يصل عليهم وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه صلى على النجاشي صلاته على الميت فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق أحدها أنَّ هذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه وقال أبو حنيفة ومالك هذا خاص به وليس ذلك لغيره ... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الصواب أنَّ الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي لأنَّه مات بين الكفار ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب لأنَّ الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه والنبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على الغائب وتركَه . وفعلُه وتركُه سنةٌ وهذا له موضع وهذا له موضع والله أعلم . (3)
__________
(1) قال الحافظ في الفتح (3/187) : زاد بن ماجة [ 1534 ] من طريق عبد الأعلى [ وهو ثقة ] عن معمر فخرج [ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى البقيع فصفنا خلفه ... والمراد بالبقيع بقيع بُطْحان أو يكون المراد بالمصلى موضعاً معداً للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين والأول أظهر ... والمصلي كان ببطحان والله أعلم .
(2) رواه البخاري (1245) ومسلم (951) .
(3) زاد المعاد (1/519 ـ521) .(1/36)
وفي عهد الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - مات خلق كثير من أهل الفضل من المسلمين ولم ينقل أنَّ أحداً من الخلفاء صلى عليهم وكذلك الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - لم ينقل أنَّ المسلمين صلوا عليهم صلاة الغائب ولو صُلِي على أحد منهم صلاة الغائب لنقل لنا (1) .
الصلاة على أهل الكبائر :
إذا مات المسلم المصِّر على الكبائر فيجب له ما يجب لسائر أموات المسلمين لكنْ يُستحَب أن لا يصلي عليه أهل الفضل زجراً لأمثاله
فعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال أُتِي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل نفسه بمشَاقِص (2) فلم يصل عليه (3)
وفي رواية " أما أنا فلا أصلي عليه " (4)
__________
(1) انظر : معالم السنن (1/270) والاختيارات ص : 87 والجوهر النقي بهامش سنن البيهقي (4/51) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (4/393) وأحكام الجنائز ص : 93 . ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/149) .
(2) المشاقص : جمع مشقص وهو السهم العريض .
(3) رواه مسلم (978) .
(4) النسائي (1964) .(1/37)
بخلاف التائب فيصلي عليه أهل الفضل فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أنَّ امرأة من جهينة أتت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنى فقالت يا نبي الله أصبت حداً فأقمه علي فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها " فقال : أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمر بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فشُكَّت (1) عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر - رضي الله عنه - تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى (2) " (3)
الصلاة على القبر وعلى الميت في المقبرة :
ويستثنى من عموم النهي عن الصلاة في المقبرة :
__________
(1) شُكَّت : شدَّت .
(2) رواه مسلم (1696)
(3) انظر : المحلى (5/169) والكافي ص : 86 ـ87 وبداية المجتهد (1/239) والروض المربع (3/642ـ645) ومجموع الفتاوى (24/286) وزاد المعاد (1/515 ـ517) وتحفة المحتاج (1/431) ومواهب الجليل (3/55) والفواكه الدواني (1/447) .(1/38)
1 : الصلاة على القبر : لصلاته - صلى الله عليه وسلم - على قبر منْ كان يقم المسجد (1) وفي حديث ابن عباس { " فأتى قبره فصلى عليه " (2) . ولا تحد الصلاة على القبر بمدة معينة ففي حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثماني سنين " (3) فيصلي على القبر من كان أهلاً للصلاة وقت موت صاحب القبر فيدخل فيه المميز أمَّا إن كان مات قبل ذلك فلا يصلي على قبره فمثلاً رجل مات قبل عشرين سنة فصلى على قبره إنسان له ثلاثون سنة فصلاته مشروعه لأنَّه حين مات كان له عشر سنين فهو أهل للصلاة لأنَّ السلف لم يصلوا على قبره - صلى الله عليه وسلم - ولا على قبور الصحابة - رضي الله عنهم - . قال ابن قدامة : قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنَّه لا يصلى عليه الآن اتفاقاً (4) وهذا القول وجه في مذهب الشافعية اختاره الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
2 : الصلاة على الجنازة في المقبرة : فعن ابن جريج قال قلت لنافع أكان ابن عمر { يكره أن يصلي وسط القبور قال لقد صلينا على عائشة وأم سلمة { وسط البقيع والإمام ـ يوم صلينا على عائشة < ـ أبو هريرة - رضي الله عنه - وحضر ذلك ابن عمر { . (5)
__________
(1) رواه البخاري (460) ومسلم (956) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) تقدم تخريجه ص :
(3) تقدم تخريجه ص :
(4) انظر : المحلى (5/140 ـ 142) والمغني (2/395 ـ 396) والمجموع (5/247 ـ 249) وتهذيب السنن (4/340) والفروع (2/250) والمبدع (2/259) والشرح الممتع (5/436 ـ 437)
(5) رواه عبد الرزاق (6570) وابن المنذر في الأوسط (2/185) واللفظ له . وإسناده صحيح .
تنبيه : ما يروى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور "
الحديث رواه حفص بن غياث على أوجه مختلفة :
الأول : رواه سهل بن عثمان العسكري وأبو موسى الزمن عند ابن حبان (1698) وهناد السري عند ابن حبان (2318) وجعفر بن محمد بن إسحاق بن يوسف الأزرق عند الضياء في المختارة (1871) و محمد بن المثنى عند أبي يعلى (2788) والترمذي في العلل الكبير (1/245) . عن حفص عن أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وصححه ابن حبان والألباني في صحيح موارد الضمآن (297) وأحكام الجنائز ص : 108وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/36) . قال الترمذي في علله الكبير (1/245) سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : حديث الحسن عن أنس خطأ .
الثاني : رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/380) ويحيى بن سعيد عند الترمذي في العلل الكبير (1/245) عن حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال الدارقطني : رواه معاذ بن معاذ عن أشعث عن الحسن مرسلاً والمرسل أصح . انظر : المختارة (5/246) وقال البزار : رواه غير حفص عن أشعث عن الحسن مرسلاً ولم يذكر أنساً - رضي الله عنه - إلا حفص . انظر : مختصر زوائد البزار (1/220) .
الثالث : رواه حسين بن يزيد الطحان عن حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني في الأوسط (5631) . وقال : لم يرو هذا الحديث عن عاصم الأحول إلا حفص تفرد به حسين بن يزيد . وحسين بن يزيد الطحان قال أبو حاتم : لين الحديث . وخالف حفصاً محاضر بن الموَرِّع عند ابن المنذر في الأوسط (5/418) فجعله موقوفاً على أنس - رضي الله عنه - . ومحاضر . قال الحافظ : صدوق له أوهام .وخالفهما في إسناده عبد الله بن الأجلح فرواه عن عاصم عن أنس - رضي الله عنه - موقوفاً . عند البزار . انظر : مختصر زوائد مسند البزار (281) وعبد الله بن الأجلح قال الحافظ : صدوق .
ورواه البزار وجادة عن ثمامة عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً انظر : مختصر زوائد مسند البزار (283) .
وحفص بن غياث ثقة له أخطأ تغير حفظه قليلاً بآخره .
واختلف في لفظه أيضاً . فروي تارة باللفظ المذكور أعلاة . وروي بلفظ " نُهِي أن يصلى على الجنائز بين القبور"
وروي بلفظ " أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى بين القبور "(1/39)
(1)
حمل الجنازة على الأعناق والإسراع بها :
السنة حمل الجنازة على الأعناق والإسراع بها لقوله - صلى الله عليه وسلم - أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحةً فخيرٌ تقدمونها عليه وإن تكن غير ذلك فشرٌ تضعونه عن رقابكم " (2) والمراد بالإسراع فوق المشي المعتاد، دون الخبب الذي يشق على من يتبعها أو تحصل به مفسدة للميت . وإذا كان الإسراع أثناء الحمل مأموراً به فالإسراع في تجهيزها والصلاة عليها من باب أولى لأنَّ تأخير هذه الأشياء يطول أكثر من تأخير الاسراع أثناء الحمل . فيصلى عليها من حضرها ومن لم يتيسر له الصلاة عليها من أقارب الميت وأصحابه يصلي على القبر .
صفة حمل الجنازة :
قال الإمام مالك : ليس في ذلك شيء موقت احمل من حيث شئت إن شئت من قدام وإن شئت من وراء وإن شئت احمل بعض الجوانب ودع بعضها وإن شئت فأحمل وإن شئت فدع (3)
وقال ابن حزم : ويحمل النعش كما يشاء الحامل إن شاء من أحد قوائمه وإن شاء بين العمودين ... فليس في حملها نص ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا اختيار في ذلك وكيفما حملها الحامل أجزأه (4)
__________
(1) انظر : الأوسط (5/417ـ418) وبدائع الصنائع (1/320) وفتح الباري لابن رجب (3/202ـ203) والإنصاف (1/490) والشرح الممتع (2/236) .
(2) رواه البخاري (1315) ومسلم (944) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) المدونة (1/176) .
(4) المحلى (5/167 ـ 169) .
ومن المرفوع في صفة حمل الجنازة :
1 : حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - " من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنَّه من السنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع " رواه ابن ماجه (1478) بإسناد ضعيف .
الحديث من رواية أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه . والحديث ضعفه النووي في الخلاصة (3557) وابن التركماني في الجوهر النقي ـ بهامش سنن البيهقي ـ (4/19) وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (896) والبوصيري في زوائد ابن ماجه (492) والألباني في ضعيف ابن ماجه (321) .
2 : حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حمل جوانب السرير الأربع كفر الله عنه أربعين كبيرة " رواه الطبراني في الأوسط (5920) وابن عدي (5/203) بإسناد ضعيف .
في إسناده علي بن أبي سارة قال الذهبي في ترجمته في الميزان : قال أبو داود تركوا حديثه وقال البخاري في حديثه نظر وقال أبو حاتم ضعيف ومما أنكر عليه حديثه عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً من حمل أحد قوائم السرير ...
وقال ابن عدي بعد أن ذكر هذه الحديث وغيره : هذه الأحاديث التي ذكرتها لعلي بن أبي سارة عن ثابت كلها غير محفوظة وله غير ذلك عن ثابت مناكير أيضا وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/26) فيه علي بن أبي سارة وهو ضعيف.
3 : حديث ثوبان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من اتبع جنازة فأخذ بجوانب السرير الأربعة غفر له أربعون ذنباً كلها أكابر " رواه ابن الجوزي في العلل (634) وقال : هذا لا يصح قال أحمد ويحيى والنسائي سوَّار [ بن مصعب الهمداني ] متروك . وضعف إسناده الحافظ في التلخيص (2/226) والعيني في البناية (3/282) .
4 : حديث أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل جنازة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - من بيته بين العمودين ... " رواه ابن سعد (3/329) .
قال أخبرنا محمد بن عمر عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن شيوخ من بني عبد الأشهل . وإسناده ضعيف الواقدي متروك . وإبراهيم بن إسماعيل ضعيف . والإبهام في الشيوخ من بني عبد الأشهل فيحتمل أنَّهم صحابة فلا تضر الجهالة بهم ويحتمل أنَّهم دون ذلك فلا بد من الكشف عن حالهم . قال الشافعي روى بعض أصحابنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه حمل جنازة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - بين العمودين . وأشار إلى عدم ثبوته الشافعي . انظر : معرفة السنن والآثار (3/148) ومختصر المزني ص : 37 . وأشار إلى ضعفه البغوي في شرح السنة (5/337) وقال النووي في الخلاصة (3552) روى الشافعي وغيره بإسناد ضعيف أنَّ النبي حمل سعد بن معاذ - رضي الله عنه - بين العمودين .(1/40)
فإن شاء حمل متربعاً وصفة التربع : أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه الأيمن ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة فسمي تربيعاً لأنَّه يأخذ بأعمدة النعش الأربعة (1)
وإن شاء حمل بين العمودين وصفته : أن يحملها ثلاثة رجال أحدهم يكون في مقدمها يضع الخشبتين الشاخصتين على عاتقيه والآخران يحملان مؤخرهما كل واحد منهما خشبة على عاتقه . أو يحمله رجلان فيجعلان كل عمود على عاتق أو يد . (2) لفعل الصحابة - رضي الله عنهم - (3)
__________
(1) انظر : الأم (1/272) والمغني (2/365) والمهذب مع شرحه المجموع (5/269) والبناية (3/282) والمبدع (2/265) والإنصاف (2/540) والبحر الرائق (2/335) وكشاف القناع (2/127) .
وللتربيع صفة أخرى انظر : الأوسط (5/374) والمغني (2/365) والكافي (1/266) والفروع (2/258) والإنصاف (2/540) .
(2) انظر : حلية العلماء (2/306) والمهذب مع شرحه المجموع (5/269) والفروع (2/259) وكشاف القناع (2/127) .
(3) ومن االوارد عنهم في صفة حمل الجنازة :
1 : عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف قال رأيت سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في جنازة عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قائماً بين العمودين المقدمين واضعاً السرير على كاهله " رواه الشافعي في الأم (1/269) ـ واللفظ له ـ وابن أبي شيبة (3/273) وابن المنذر (5/375) . بإسناد صحيح . وصحح إسناده النووي في الخلاصة (3551) وابن الملقن في خلاصة البدر (1/258) .
2 : عن يوسف بن ماهك قال رأيت ابن عمر { في جنازة واضعاً السرير على كاهله بين العمودين " رواه ابن أبي شيبة (3/272) وابن المنذر (5/375) بإسناد صحيح . وصححه ابن حزم في المحلى (5/168) .
الكاهل : مابين الكتفين وهو مقدم أعلى الظهر .
3 : عن علي بن عبدالله الأزدي قال رأيت ابن عمر { في جنازة فحملوا بجوانب السرير الأربع فبدأ بالميامن ثم تنحى عنها فكان منها بمزجر كلب " رواه عبدالرزاق (6520) وابن أبي شيبة (3/283) بإسناد حسن . وصححه ابن حزم في المحلى (5/168) . قوله ثم تنحى عنها فكان منها بمزجر كلب : أي ابتعد قدر مسافة يزجر فيها الكلب .(1/41)
وإن شاء حمل كيف شاء .
قال ابن المنذر : من شاء حمل بين عمودي السرير وليس في الباب شيء أعلى مما رويناه عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز منع حمل الجنازة على أي وجه حملها المرء بغير حجة (1)
تغطية نعش المرأة : لا بأس بتغطية نعش المرأة بحيث لا يُرَى منها شيءٌ لأنَّ هذا أبلغ في الستر (2) . وقال ابن عبد البر : فاطمة < أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر (3)
__________
(1) الأوسط (5/376) .
(2) انظر : بدائع الصنائع (1/320) والمغني ـ بهامشه الشرح الكبير ـ (2/409) والمجموع (5/271) والمبدع (2/265) والإنصاف (2/540) وتحفة المحتاج (1/428) وكشاف القناع (2/126) ونهاية المحتاج (3/22) والشرح الممتع (5/447) .
(3) الاستيعاب بهامش الإصابة (3/379) . وانظر : المجموع (5/271) والمبدع (2/265) .
أثر أسماء بنت عميس مع فاطمة { الذي أشار إليه ابن عبد البر رواه أبو نعيم في الحلية (2/43) والبيهقي (4/43) بإسناديهما عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر أنَّ فاطمة < بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت يا أسماء إنِّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنَّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء < يا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة < ما أحسن هذا وأجمله يعرف به الرجل من المرأة فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي - رضي الله عنه - ولا تدخلي علي أحداً فلما توفيت < جاءت عائشة < تدخل فقالت أسماء < لا تدخلي فشكت أبا بكر - رضي الله عنه - فقالت إنَّ هذه الخثعمية تحول بيني وبين ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر - رضي الله عنه - فوقف على الباب وقال يا أسماء ما حملك أن منعت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخلن على ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتني أن لا تدخلي علي أحداً وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها فقال أبو بكر - رضي الله عنه - فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف وغسلها علي وأسماء { .
وفي إسناده عون بن محمد بن الحنفية ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في ثقاته . وتابعه عمارة بن مهاجر عند البيهقي وأم عون ويقال أم جعفر قال الحافظ : أم عون مقبولة . وحسنه الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (449) وحسن إسناده الحافظ في التلخيص (2/285)
والأثر فيه علة في المتن انظر : مختصر خلافيات البيهقي (2/395) والجوهر النقي (3/396) والتلخيص الحبير (2/285) .
تنبيه : الأثر رواه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (647) بإسناده عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أسماء بنت عميس { .
وروي مرفوعاً عن أسماء بنت عميس < أنَّ ابنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفيت وكانوا يحملون الرجال والنساء على الأسرة سواء فقلت يا رسول الله إنِّي كنت بالحبشة وهم نصارى أهل كتاب وهم يجعلون للمرأة نعشاً فوقه أضلاع يكرهون أن يوصف شيء من خلقها أفلا أجعل لابنتك نعشاً مثله فقال اجعليه فهي أول من جعل نعشاً انتعش في الإسلام لرقية < ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رواه الطبراني في الأوسط (1418) وقال : لم يرو هذا الحديث عن داود [بن أبي هند ] إلا خلف [ بن راشد ] تفرد به أبو الربيع الأعرج . وخلف بن راشد مجهول وأبو الربيع لم أقف له على ترجمة .
والمشهور في السيرة أنَّ رقية < توفيت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدر .(1/42)
التزاحم على النعش
عن قتادة قال شهدت جنازة فازدحموا على الجنازة وقال أبو السَّوَّار العدوي نرى هؤلاء أفضل أو أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كان أحدهم إذا رأى محملاً حمل وإلا اعتزل ولم يؤذوا أحداً (1) وقد عدَّ ابن حزم التزاحم على النعش من البدع (2)
حكم الدفن : الدفن فرض كفاية لفعله - صلى الله عليه وسلم - ولأنَّ في تركه على وجه الأرض هتكاً لحرمته ويتأذى الناس برائحته وأجمع أهل العلم على وجوب الدفن (3) .
إدخال الميت القبر :
يستحب أن يدخل الميت من قبل رجلي القبر وذلك بأن يوضع رأس الميت عند موضع الرجلين في القبر ثم يسل سلاً إلى اللحد
فعن أبي إسحاق السبيعي قال أوصى الحارث [ الأعور الخارفي ] أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد - رضي الله عنه - فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر (4) وقال هذا من السنة " (5) وقول الصحابي من السنة من المرفوع
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة (3/367) وإسناده صحيح .
(2) المحلى (5/178) .
وانظر : سير أعلام النبلاء (4/535) والفروع (2/259) والروض المربع وحاشيته لابن قاسم (3/109) .
(3) انظر : الإجماع . ص : 46 ومراتب الإجماع ص : 34 . وبداية المجتهد (1/244) والمجموع (5/128) والبناية (3/287) والإنصاف (2/470) وأسنى المطالب (1/298) .
(4) رجلي القبر أي موضع رجلي الميت منه عند وضعه فيه .
(5) رواه أبوداود (3211) بإسناد صحيح .
الحديث من رواية شعبة عن أبي إسحاق وبقية رجاله ثقات .
والحديث صححه ابن حزم في المحلى (5/178) وابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج (1/420) والألباني في صحيح أبي داود (2750) وقال البيهقي (4/54) هذا إسناده صحيح وقد قال هذا من السنة فصار كالمسند وصحح إسناده ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/236) . وفال الحافظ في الدراية (1/240) رواته ثقات وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/80) : رجال إسناده رجال الصحيح .(1/43)
أويدخل الميت مما يلي القبلة وذلك بأن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل منه الميت ويوضع في اللحد .
فقد أدخل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ابن المكفف من قبل القبلة " (1) وإن كان الأسهل إدخاله من مقدمة القبر أومن قبل رأسه أدخله ولاحرج فيه فالأمر واسع ولله الحمد (2)
والأولى في إدخال الميت القبر من لم يجامع أهله في تلك الليلة وإن كان ليس محرماً للمرأة (3) إن لم يكن أوصى أن يدخله أحد بعينه فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : " شهدنا بنتاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر قال : فرأيت عينيه تدمعان قال : فقال هل منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة - رضي الله عنه - : أنا . قال : فانزل قال : فنزل في قبرها " (4) . وفي رواية (5) : " لا يدخل القبر رجل قارف أهله فلم يدخل عثمان - رضي الله عنه - القبر " .
ويُسن لمدخله في القبر أن يقول : " بسم الله وعلى ملة رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - " (6) .
__________
(1) رواه عبدالرزاق (6472) وعنه ابن المنذر في الأوسط (5/453) وابن أبي شيبة (3/328) وإسناده حسن ـ إن شاء الله ـ
قال ابن حزم في المحلى (5/178) صح عن علي - رضي الله عنه - أنَّه أدخل يزيد بن المكفف من قبل القبلة . وقال ابن المنذر الصحيح أنَّ علياً - رضي الله عنه - أخذ يزيد بن المكفف من قبل القبلة .
(2) انظر : المحلى (5/177) والأوسط (5/453) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/377) والقوانين الفقهية ص : 73 .
(3) انظر : الإنصاف (2/545) والفروع (2/267) وفتح الباري (3/159) وكشاف القناع (2/133) ومطالب أولي النهى (2/399) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/191) ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/181) .
(4) رواه البخاري (1285) .
(5) لأحمد (12985) . وإسنادها صحيح .
(6) جاءت هذه السنة في :
[
1 ] : حديث عبد الله بن عمر { رواه عنه :
1 : نافع مرفوعاً ورواه عنه : 1) : أيوب السختياني عند الطبراني في الأوسط (7347) ورواته ثقات غير سوار بن سهل صدوق . 2) : حجاج بن أرطاة عند الترمذي (1046) وحجاج مدلس ولم يصرح بالسماع فيما وقفت عليه . 3) : ليث بن أبي سليم عند ابن ماجه (1550) وليث مختلط لم يتميز حديثه . وفي إسناده أيضاً إسماعيل بن عياش وهو ضعبف في غير الشاميين وهذا منها . وهشام بن عمار صدوق كبر فصار يتلقن . وستأتي روايته الآخرى .
2 : سعيد بن المسيب مرفوعاً رواه ابن ماجه (1553) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا حماد بن عبد الرحمن الكلبي حدثنا إدريس الأودي عن سعيد بن المسيب ... وهشام تقدم الكلام عليه وشيخه حماد بن عبد الرحمن الكلبي متفق على ضعفه وأدريس الأودي مجهول .
سئل أبو حاتم عن هذا الحديث كما في علل ابنه (1074) فقال : منكر . وضعفه البيهقي (4/55) وأشار إلى ضعفه البوصيري في زوائد ابن ماجه (518) والحافظ في التلخيص (2/261) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (341) .
3 : أبو الصديق الناجي وعنه قتادة واختلف عليه فيه فرواه :
1) ... : هشام الدستوائي عند البيهقي (4/55) وشعبة عند البيهقي (4/55) ـ وغيره ـ عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر { موقوفاً .تنبيه : رواه ابن حبان (3109) بإسناده عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر { مرفوعاً . وهذه الرواية وهم والمحفوظ عن شعبة رواية الوقف . وانظر : الفتوحات الربانية (4/185 ـ 186).
2) ... : همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر { مرفوعاً عند أحمد (5347) وأبي داود (3213) . ورواته ثقات لكن تفرد همام برفعه عن قتادة ـ انظر : المنتخب (813) وحلية الأولياء (3/102) وسنن البيهقي (4/55) واختلف حكم الحفاظ على هاتين الروايتين . فرجح رواية الوقف الدارقطني . انظر : نصب الراية (2/302) والتلخيص الحبير (261) .
وصحح الرفع الحاكم (1/366) والنووي في الخلاصة (2/1019) وابن الملقن في خلاصة البدر المنير (942) والألباني في الإرواء (747) . قال الحاكم : همام بن يحيى ثبت مأمون إذا أسند مثل هذا الحديث لا يعلل بأحد إذا أوقفه شعبة . وصحح المرفوع أيضاً ابن حبان (3110) والحافظ ابن حجر . انظر : الفتوحات الربانية (4/185) وحسنه السيوطي في الجامع مع فبض القدير (6819) . ويشهد له :
[ 2 ] : حديث البياضي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال إذا وضع الميت في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رواه الحاكم (1/366) ورواته ثقات . وصحح إسناده الألباني في الإرواء (3/199) وحسن إسناده في الجنائز ص : 152 .
[ 3 ] : حديث عبد الرحمن بن العلاء بن اللَجْلاج عن أبيه - رضي الله عنه - قال قال لي أبي يا بني إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم سن على الثرى سناً ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإنَّ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك " رواه الطبراني في الكبير (19/221) وفي إسناده عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج وثقه ابن حبان وقال الحافظ مقبول . لكن رواه ابن معين في تاريخه رواية الدوري (5238) وفيه فإنَّي سمعت عبدالله بن عمر { يقول ذلك .(1/44)
وإذا كان الكفن مربوطاً فلابأس بحل عقده في القبر للآثار الواردة في ذلك (1)
__________
(1) ومنها :
1 : روى ابن أبي شيبة (3/326) عن خلف بن خليفة عن أبيه أظنه سمعه من معقل [ بن يسار ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أدخل نعيم بن مسعود الأشجعي - رضي الله عنه - القبر ونزع الأخلة بفيه يعني العقد " وإسناده ضعيف .
في إسناده خلف بن خليفة قال الحافظ صدوق اختلط في الآخر . وقال الإمام أحمد من كتب عنه قديماً فسماعه صحيح . ورواية ابن أبي شيبة عنه في مسلم (2038) . وتابع ابن أبي شيبة سريج بن النعمان عند البيهقي (3/407) وهو متقدم بالوفاة على ابن أبي شيبة والواقدي عند ابن سعد (4/210) والواقدي ضعفه شديد . ووالده خليفة بن صاعد الأشجعي ذكره ابن حبان في ثقاته وقال الحافظ : صدوق .
وشك خلف في إسناده بقوله أظنَّه سمعه من معقل ورواه أبو داود في مراسيله (409) عن خلف عن أبيه قال : بلغه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... . وفي الحديث علة من جهة المتن حيث نسب نعيم - رضي الله عنه - بالأشجعي في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود والأشجعي مات بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لذا نقل ابن سعد عن الواقدي قوله : هذا الحديث وهلٌ لم يمت نعيم بن مسعود - رضي الله عنه - على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقي إلى زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - .
والحديث ضعفه النووي في الخلاصة (3410) والألباني في الضعيفة (1763) وأشار إلى ضعفه الشوكاني في السيل الجرار (1/364) .
2 : قال سمرة بن جندب - رضي الله عنه - إذا وضعته في لحده فقل بسم الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أطلق عقد رأسه وعقد رجليه "
رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/507) والبيهقي (3/407) .
في إسناده عثمان بن جحاش ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في ثقاته فإسناده يحتمل التحسين والله أعلم .
3 : عن ابن سيرين قال تحل عن الميت العقد " رواه عبدالرزاق (6186) و ابن أبي شيبة (3/327) . بإسناد صحيح .(1/45)
ولأنَّ عقد الكفن كان خشية الانتشار وقد زالت هذه العلة .
الحثو في القبر : يسن لمن شهد الجنازة أن يحثو بيديه ثلاث حثيات من قبل الرأس بعد الفراغ من سد اللحد للآثار الواردة في ذلك (1)
__________
(1) وورد في مشروعية الحثو في القبر آثار كثيرة مرفوعة وموقوفة من أصحها :
1 : عن أنس - رضي الله عنه - لما دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت فاطمة < يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب " رواه البخاري (4462) وانظر : سنن البيهقي (3/409 ـ 410) والمبدع (2/271) .
2 : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً "
رواه ابن ماجه (1565) ورواته ثقات غير شيخ ابن ماجه العباس بن الوليد الدمشقي فهو صدوق .
والحديث صححه أبو بكر بن أبي داود . و حسنه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/37) وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/237) إسناده لا بأس به وصحح إسناده البوصيري في زوائد ابن ماجه (525) وأبو يحيى زكريا الأنصاري في الإعلام بأحاديث الأحكام ص312 من شرحه ، وقال الشوكاني في الدراري المضيئة (1/323) :إسناده صحيح لا كما قال أبو حاتم . وجود إسناده النووي في الخلاصة (2/1019) وابن الملقن في تحقة المحتاج (1/610) وصححه الألباني في الإرواء (751) . ...
وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/264) : قال أبو حاتم في العلل [ لابنه (1/169) ] هذا حديث باطل قلت إسناده ظاهره الصحة قال ابن ماجة حدثنا العباس بن الوليد ثنا يحيى بن صالح ثنا سلمة بن كلثوم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... . ليس لسلمة بن كلثوم في سنن بن ماجة وغيرها إلا هذا الحديث الواحد ورجاله ثقات وقد رواه بن أبي داود في كتاب التفرد له من هذا الوجه وزاد في المتن أنه كبر عليه أربعاً وقال بعده ليس يروى في حديث صحيح أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كبر على جنازة أربعاً إلا هذا فهذا حكم منه بالصحة على هذا الحديث [ و انظر التمهيد (6/333) وتهذيب الكمال (2450) ] لكن أبو حاتم إمام لم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبين له وأظن العلة فيه عنعنة الأوزاعي وعنعنة شيخه وهذا كله إن كان يحيى بن صالح هو الوحاظي شيخ البخاري والله أعلم . وتعقبه الألباني في الإرواء بقوله : أمَّا أنَّ يحيى هذا هو الوحاظي فهو مما لاشك فيه ولايحتمل غيره . وأمَّا أنَّ العلة العنعنة المذكورة فكلا فقد احتج الشيخان بها في غير ما حديث وإذا كان الإسناد ظاهره الصحة فلايجوز الخروج عن هذا الظاهر إلا لعلة ظاهرة قادحة وقول أبي حاتم : حديث باطل . جرح غير مفسر كما يشعر قول الحافظ نفسه : لم يحكم عليه إلا بعد أن تبين له . والجرح الذي لم يفسر حري بأن لايقبل ولو من إمام كأبي حاتم لاسيما وهو معروف بتشدده في ذلك وخاصة وقد خولف في ذلك من ابن أبي داود كما رأيت . وانظر بقية كلامه .
وقال الدارقطني في علله (9/322) : رواه سلمة بن كلثوم عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وزاد فيه ألفاظاً لم يأت بها غيره وهي قوله أنَّه أتى القبر فحثى عليه ثلاثاً وكبر على الجنازة أربعاً ووافقه محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي على الإسناد ولم يذكر هذه الألفاظ .
3 : عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال توفي رجل فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها في قبر فغفرت له ذنوبه " رواه ابن المنذر في الأوسط (5/462) والبيهقي (3/410) ورواته ثقات . وقال البيهقي : هذا موقوف حسن في هذا الباب .
4 : عن عمير بن سعد أنَّ علياً - رضي الله عنه - حثى على يزيد بن المكفف قال هو أو غيره ثلاثاً " رواه عبدالرزاق (6480) وابن أبي شيبة (3/331) والبيهقي (3/410) . بإسناد صحيح .
5 : عن الزهري قال كان المهاجرون يلحدون لموتاهم وينصبون اللبن على اللحد نصباً ثم يحثون عليهم التراب " رواه عبدالرزاق (6478) بإسناد صحيح .(1/46)
وعلى هذا عمل المسلمين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم (1) .
القيام للجنازة
1 : قيام من رأها و من مرَّت به حتى تجاوزه : فعن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا رأى أحدكم الجنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى تُخَلِّفه (2) أو توضع من قبل أن تُخَلِّفه (3)
و عن جابر بن عبد الله { قال قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت (4)
2 : قيام مشيعها حتى توضع في الأرض :
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع " (5)
وفي رواية قال كنَّا في جنازة فأخذ أبو هريرة - رضي الله عنه - عنه بيد مروان فجلسا قبل أن توضع فجاء أبو سعيد - رضي الله عنه - فأخذ بيد مروان فقال قم فوالله لقد علم هذا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن ذلك فقال أبو هريرة - رضي الله عنه - صدق (6)
__________
(1) انظر : مصنف عبدالرزاق (3/501) ومصنف ابن أبي شيبة (3/331-332) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/379) والمجموع (5/293) والقوانين الفقهية ص : 74 والبناية (3/300) والمبدع (2/271) ونيل الأوطار (4/82) .
(2) تُخَلِّفه : تتركه خلفها .
(3) رواه البخاري (1308) و مسلم (958) .
(4) رواه مسلم (960) .
(5) رواه البخاري (1310) و مسلم (959) .
(6) البخاري (1309) .(1/47)
وقوله " حتى توضع " أي بالأرض و مما يدل على ذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : " خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يُلحد فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير ... " (1) . فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جلس في هذا الحديث بعد وضعها في الأرض وقبل اللحد . (2)
و أمره - صلى الله عليه وسلم - بالقيام على سبيل الاستحباب ويجوز القعود فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فقمنا وقعد فقعدنا يعني في الجنازة (3)
فيحمل قعوده - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز و أمره - صلى الله عليه وسلم - للاستحباب وهذا أولى من القول بالنسخ لأنَّ النسخ لا يصار إليه إلا مع تعذر الجمع بين الأحاديث والجمع هنا ممكن . (4)
3 : قيام مشيعها أثناء الدفن :
في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - " فانتهينا إلى القبر ولم يُلحد فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله "
__________
(1) تقدم تخريجه ص :
(2) انظر صحيح البخاري مع فتح الباري (3/178) و سنن أبي داود (3/203) و سنن البيهقي (4/26) و تهذيب السنن (4/311) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/187) .
(3) رواه مسلم (962) .
(4) انظر المحلى (5/153ـ154) و المفهم (2/619) و المغني ـ بهامشه الشرح ـ (2/366) واختيارت شيخ الإسلام ابن تيمية ص : 88 و شرح مسلم للنووي (7/40) و تهذيب السنن (4/312ـ314) و زاد المعاد (1/521) وحاشية الدسوقي (1/424) وأسنى المطالب (1/312) ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/112) .(1/48)
وفي حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عنه في خبر وفاة عبد الله بن أُبيِّ صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشى معه فقام على قبره حتى فُرِغ منه (1)
و قد كان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - إذا مات المسلم لم يزل قائماً حتى يدفنه (2)
فالأمر في ذلك واسع فمن شاء جلس ومن شاء وقف . (3)
4: القيام بعد الدفن للدعاء :
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " (4) . (5)
__________
(1) رواه أحمد (96) والترمذي (3097) وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب . وإسناده حسن .
رواه محمد بن إسحاق عن الزهري وقد صرح ابن إسحاق بالسماع عند أحمد . والحديث صححه ابن حبان (3176) وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (95) . والحديث في صحيح البخاري من رواية عقيل بن خالد عن الزهري (1366) وفيه فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف .
(2) رواه ابن أبي شيبة (3/337) بإسناد صحيح .
(3) انظر : مصنف ابن أبي شيبة (3/337) والتمهيد (23/268ـ270) و بداية المجتهد (1/234) والانصاف (2/543) .
(4) رواه أبو داود (3221) والحاكم (1/370) بإسناد حسن .
والحديث صححه الحاكم وحسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/193) وحسن إسناده النووي في الخلاصة (2/1028) والشوكاني في تحفة الذاكرين ص294 ، وصححه الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى (13/339) وصحح إسناده الألباني في أحكام الجنائز ص156 .
(5) انظر : مصنف ابن أبي شيبة (3/330) و المدونة الكبرى (1/176) و العزيز شرح الوجيز (2/453) والتذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة (1/172ـ174) .(1/49)
والمراد بالتثبيت إجابة الملكين بعد الدفن فعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال العبد إذا وضع في قبره وتولي أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول أشهد أنَّه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيراهما جميعاً وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين (1) " (2) و عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ } [ إبراهيم : 27] قال نزلت في عذاب القبر فيقال له من ربك فيقول ربي الله ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - فذلك قوله عز وجل { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي دo4quٹutù:$# الدُّنْيَا وَفِي دouچ½zFy$# } " (3) وفي رواية (4) " في قول الله تعالى { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي دo4quٹutù:$# الدُّنْيَا وَفِي دouچ½zFy$# } قال في القبر إذا قيل له من ربك وما دينك ومن نبيك "
وبه يتبين أن انشغال بعض الناس في هذا الوقت في تحديد مكان القبر أو تعليمه للتعرف عليه مستقبلاً وترك الدعاء خلاف هديه - صلى الله عليه وسلم - فالميت في هذا الوقت أحوج ما يكون للاستغفار والدعاء له بالتثبت .
__________
(1) الثقلان : الأنس والجن .
(2) رواه البخاري (1338) ومسلم (2870) .
(3) رواه البخاري (1369) ومسلم (2871) .
(4) الترمذي (3120) .(1/50)
أما تلقين الميت الشهادتين بعد الدفن فلا يشرع لعدم ثبوت الحديث الوارد في ذلك ، وقد ضعف الحديث جمع من أهل العلم منهم النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والحافظ ابن حجر والهيثمي والصنعاني وابن باز والألباني (1) .
التعزية :
هي التسلية والحث على الصبر والدعاء للميت والمصاب وهي مشروعة قبل الدفن وبعده ، فعن أسامة بن زيد { قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ارجع فأخبرها أنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب " . فأعادت الرسول أنَّها قد أقسمت ليأتينها فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل فدفع الصبي إليه ونفسه تَقَعْقَع كأنَّها في شَنِّ (2) ففاضت عيناه فقال له سعد يا رسول ما هذا ؟ قال : " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنَّما يرحم الله من عباده الرحماء " (3) .
__________
(1) انظر : الخلاصة (2/1029) ومجموع الفتاوى (24/296) وتهذيب السنن (7/250) والفتوحات الربانية (4/196) ومجمع الزوائد (3/45) وسبل السلام (2/218) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/206) والضعيفة (2/64) .
(2) تقعقع : تتحرك وتضطرب . ، الشَنِّ : القربة .
(3) رواه البخاري (7377) ومسلم (923) .(1/51)
وعن معاوية بن قرة عن أبيه - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه ومنهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك وامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مالي لاأرى فلاناً قالوا : يارسول الله بنيه الذي رأيت هلك فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بنيه فأخبره أنَّه هلك فعزَّاه عليه . ثم قال : " يا فلان أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك " فقال : يا نبي الله بل يسبقني إلى الجنة فيفتحها لي أحب إلي قال : " فذاك لك " (1) .
ولا تحد التعزية بثلاثة أيام بل تشرع بعد ذلك وهو ظاهر النص ولأنَّ الغرض الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وذلك يحصل بعد ثلاثة الأيام ولعدم الدليل الصريح بتحديدها بثلاثة أيام (2) .
التعزية في المقبرة : سئل الشيخ عبد العزيز بن باز : يقوم بعض المعزين بإخراج أهل الميت بعيداً عن القبور ووضعهم في صف حتى تتم معرفتهم وتعزيتهم بنظام ولا تهان القبور ماحكم ذلك ؟ فأجاب : لا أعلم في هذا بأساً لما فيه من التيسير على الحاضرين لتعزيتهم . (3) وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : الأصل أنَّ هذا لابأس به لأنَّهم يجتمعون جميعاً من أجل سهولة الحصول على كل واحد منهم ليعزى ولا أعلم في هذا بأساً . (4)
__________
(1) رواه النسائي (2088) بإسناد حسن .
والحديث صححه ابن حبان (2947) والحاكم (1/384) وحسن النووي إسناده في الخلاصة (3731) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1974) .
(2) انظر : المجموع (5/306) والفروع (2/292) والإنصاف (2/564) ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/347) .
(3) مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/373) .
(4) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/352) .
وانظر : الشرح الكبير مع المغني (2/428) مواهب الجليل (3/39) .(1/52)
الوعظ في المقبرة :
عن علي - رضي الله عنه - قال كنَّا في جنازة في بقيع الغَرْقَد فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله ومعه مِخْصَرة فنَكَّس فجعل يَنْكُت بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد ما من نفس مَنْفُوسَة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة قال فقال رجل يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة فقال اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ 4سo_َ،çtù:$$خ/ (6) ¼çnمژإc£uٹمY|،sù 3"uژô£مù=د9 (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ 4سo_َ،çtù:$$خ/ (9) ¼çnمژإc£uٹمZ|،sù لِلْعُسْرَى (10) } [ الليل : 5 ـ 10] " (1)
وفي حديث البراء - رضي الله عنه - " فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله وكأنَّ على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ثم قال إنَّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ... " (2) وذكر الحديث بطوله
__________
(1) رواه البخاري (1362) ومسلم (2647) .
(2) تقدم تخريجه ص :(1/53)
فيشرع أحياناً في المقبرة الوعظ والتذكير بالموت وأحوال الآخرة ففي هذا الموطن ومافيه من رؤية الميت ومشاهدة القبور وتذكر أصحابها وما كانوا عليه وماصاروا إليه مظنة الانتفاع بالموعظة . و بوب البخاري على حديث علي - رضي الله عنه - باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله وبوب عليه النووي في رياض الصالحين باب الموعظة عند القبر (1)
الاجتماع للتعزية :
عن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال كنَّا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصَنْعَة الطعام (2) من النياحة " (3)
__________
(1) انظر : إرشاد الساري (3/457 ـ458) وعمدة القاري (7/107) ودليل الفالحين (3/429) والخلاصة (2/1030) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/209) ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/232) وأحكام الجنائز ص : 156 .
(2) أي صنعة أهل الميت الطعام لمن يحضر لديهم .
(3) رواه ابن ماجه (1612) . ورواته ثقات .
إلا أنَّ في إسناده هشيماً وهو مدلس ولم يصرح بالسماع فيما وقفت عليه وتابعه نصر بن باب عند أحمد (6866) .
ونصر بن باب قال البخاري يرمونه بالكذب وقال ابن معين ليس حديثه بشيء وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان كان ممن يتفرد عن الثقات بالمقلوبات ويروى عن الاثبات ما لا يشبه حديث الثقات فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به وقال ابن سعد نزل بغداد فسمعوا منه ورووا عنه ثم حدث عن إبراهيم الصائغ فاتهموه وتركوا حديثه وقال ابن عدي ومع ضعفه يكتب حديثه وفي مسند أحمد (13921) قال عبد الله قلت لأبي سمعت أبا خيثمة ـ يعني زهير بن حرب ـ يقول نصر بن باب كذاب فقال إنَّي أستغفر الله كذاب إنَّما عابوا عليه أنَّه حدث عن إبراهيم الصائغ وإبراهيم من أهل بلده لا ينكر أن يكون سمع منه .
وصحح إسناده النووي في المجموع (5/320) والقرطبي في التذكرة (1/175) والبوصيري في زوائد ابن ماجه (551) والشوكاني في الدراري المضية (1/331) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (4/78) وأحمد شاكر في تعليقه على المسند (6905) . وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/241) إسناده صحيح على شرط الشيخين . وقال ابن مفلح في المبدع (2/283) إسناده ثقات وصححه علي القاري في مرقاة المفاتيح (4/96) والألباني في صحيح ابن ماجه (1308) .(1/54)
قال السندي قوله " كنَّا نرى " هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - أو تقرير من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الثاني فحكمة الرفع وعلى التقديرين فهو حجة (1)
وقال النووي : الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف (2) وسائر الأصحاب على كراهته ... قالوا يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية قالوا بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها ... فإنَّ ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر ... واستدل له المصنف وغيره بدليل آخر، وهو أنَّه محدث (3)
وقال ابن القيم : لم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يجتمع للعزاء ويُقرَأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره وكل هذا بدعة حادثة مكروهة (4)
صناعة الطعام لمن أصيب بميت :
عن عبد الله بن جعفر { قال لما جاء نعي جعفر - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اصنعوا لأهل جعفر طعاماً فإنَّه قد جاءهم ما يشغلهم . (5)
__________
(1) شرح سنن ابن ماجه (1/490) .
(2) أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي صاحب كتاب المهذب وشرحه النووي في كتاب سماه المجموع .
(3) المجموع (5/306) .
(4) زاد المعاد (1/527) .
وانظر : الممتع في شرح المقنع (2/73) والإنصاف (2/565) وأسنى المطالب (1/334) وحاشية ابن عابدين (2/149) وأحكام الجنائز ص : 167ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/342) .
(5) رواه أحمد (1754) وأبو داود (3132) والترمذي (998) ـ وقال : حسن صحيح ـ وابن ماجه (1610) . بإسناده حسن ـ إن شاء الله ـ
في إسناده خالد بن سارة ذكره ابن حبان في ثقاته وقال الحافظ صدوق وتصحيح من يأتي لحديثه تقوية له وبقية رجاله ثقات . والحديث حسنه البغوي في شرح السنة (1552) وصححه الضياء في المختارة (12/166) وحسن إسناده ابن كثير في إرشاد الفقيه (1/242) . وصحح إسناده الحاكم (1/372)
وابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج (1/437) وأحمد شاكر في تعليقه على المسند (1751) وصححه الشيخ عبد العزيز بن باز في مجموع الفتاوى (13/386) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (1306) .
وروه عبدالرزاق (6666) عن رجل من أهل المدينة عن عبد الله بن أبي بكر عن أمه أسماء بنت عميس < مرفوعاً . وإسناده ضعيف لإجل المبهم وروي من وجه آخر رواه الإمام أحمد (26546) وابن ماجه (1611) بإسناديهما عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن أم عيسى الجزار قالت حدثتني أم عون ابنة محمد بن جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس < مرفوعاً . وأم عون ويقال أم جعفر قال الحافظ : أم عون مقبولة وأم عيسى لايعرف حالها .
قال البوصيري في زووائد ابن ماجه (550) : هذا إسناد ضعيف أم عيسى مجهولة لم تسم وكذلك أم عون . وبهما أعله السندي في شرح سنن ابن ماجه (1/490) . والحديث حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (1307) .
ورواه ابن عدي في الكامل (3/411) بإسناده عن ابن عمر { وقال : هذا الحديث غريب جداً بهذا الإسناد وإنَّما يروى هذا عن ابن عيينة عن جعفر بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر .(1/55)
أمَّا صناعة أهل الميت طعاماً ودعوة الناس إليه فلا تشرع فعن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال كنَّا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصَنْعَة الطعام من النياحة " (1)
الإسراع في إبراء ذمة الميت :
ويجب أن يسارع في قضاء دينه وما فيه إبراء ذمته من إخراج كفارة وحج ونذر وزكاة وغير ذلك
ورد أمانة وغصب وعارية من ماله إن كان له مال لقوله - صلى الله عليه وسلم - " نفس المؤمن معلقة بدينه (2) حتى يُقضَى عنه " (3)
__________
(1) تقدم تخريجه . انظر . ص :
(2) معلقة : محبوسة عن نيل جزائها .
(3) الحديث يرويه سعد بن إبراهيم واختلف عليه فرواه 1 : الثوري عن سعد عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . عند أحمد (9387) (9800) والدارمي (2591) . 2 : إبراهيم بن سعد عن أبيه به عند أبي داود الطيالسي (2390) والترمذي (1079) وابن ماجه (2413) . 3 : أيوب السختياني عند الطبراني في الصغير (1144) . وإسناده حسن ـ إن شاء الله ـ عمر بن أبي سلمة قال الحافظ : صدوق يخطئ .وقد رجح هذه الرواية ابن معين في تاريخه (رواية الدوري) (1/212) والترمذي في سننه والدارقطني في علله (9/305) .
4 : زكريا بن أبي زائد عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - . لم يذكر فيه عمر . عند أحمد (10221) والترمذي (1078) . ورواته ثقات .
5 : صالح بن كيسان عن سعد بن إبراهيم به . عند الحاكم (2/27) .
والحديث صححه ابن حبان (3061) والحاكم وأبو نعيم في الحلية (3/172) والألباني في صحيح ابن ماجه (1957) وحسنه الترمذي والبغوي في شرح السنة (2147) وقال النووي في الخلاصة (3301) إسناده صحيح أو حسن .(1/56)
لكن من مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كمن أعسر مثلاً وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف فالله يتكفل عنه لصاحب الدين (1) لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله " (2) والله أعلم.
زيارة القبور :
مشروعة كل وقت ليلاً أو نهاراً ، ولم يرد تخصيصها بأوقات معينة . فعن عائشة < قالت : " لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي ... فخرج ... حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ... " (3) .
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله : المشروع أن تزار القبور في أي وقت تيسر للزائر من ليل أو نهار أمَّا التخصيص بيوم معين أو ليلة معينة فبدعة لا أصل له . (4) وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : لا تتقيد الزيارة بيوم معين بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الأسبوع ... وأما تخصيص الزيارة يوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له ليس في السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك (5) .
الحكمة من زيارة القبور :
1 - الدعاء للأموات :
يسن لمن دخل المقبرة أو إذا مرَّ بها و شاهد القبور أن يسلم ويدعو فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة فقال : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون " (6) .
__________
(1) انظر : المفهم (3/713) وتفسير القرطبي (4/175) وفتح الباري (5/54) وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (3/48 ـ 49) ونيل الأوطار (4/23) وفتاوى اللجنة الدائمة (8/344) .
(2) رواه البخاري (2387) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) رواه مسلم (974) .
(4) مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/336) . وانظر : فتاوى اللجنة الدائمة (9/112) .
(5) اللقاء الشهري (2/37 - 38 ) .
(6) رواه مسلم (249 ) .(1/57)
وفي حديث عائشة < قال : " قولي السلام على أهل ا لديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون " (1) .
وإذا أراد زيارة قبر بعينه قرب منه كزيارته في حياته ووقف عند رأسه أو حيث شاء وإن شاء قعد وسلم عليه وإذا أراد الدعاء استقبل القبلة ودعاء وإن شاء دعاء حيث كان وجهه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال لهم " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنَّه الآن يسأل " (2) ولم يأمرهم باستقبال القبلة والظاهر أنَّهم كانوا مجتمعين والله أعلم . (3)
2 - الاعتبار :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يُؤذن لي واستأذنت في أن أزور قبرها فَأُذِن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " (4) .
حاله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عند القبور :
في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - " فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير ... " (5) . قوله : " وكأن على رؤوسنا الطير " وصفهم بالسكون والوقار لأنَّ الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن .
"وقد كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إذا وقف على القبر يبكي حتى يبلَّ لحيته " (6) .
__________
(1) رواه مسلم (974 ) .
(2) تقدم تخريجه ص :
(3) انظر : شرح المشكاة للطيبي (3/416) والمجموع (5/311) والفروع (2/299) والإنصاف (2/562) ومواهب الجليل (3/51) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/338) ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/333) .
(4) رواه مسلم (976) .
(5) تقدم تخريجه ص :
(6) رواه عبدالله بن أحمد في زيادته على المسند (456) والترمذي (2308) ـ وقال حديث حسن غريب ـ وابن ماجه (4267) . بإسناد حسن .
وحسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات (4/193) وحسن إسناده الشوكاني في تحفة الذاكرين (ص294) وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (454) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/421) .(1/58)
النهي عن امتهان القبور :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لأنْ يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " (1) .
وعن بشير بن الخَصَاصِية - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يمشي في نعلين بين القبور فقال يا صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ (2) ألقهما " (3)
فاحترام الميت في قبرة بمنزلة احترامه في داره التي كان يسكنها في الدنيا فإنَّ القبر قد صار داره .
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز : لايجوز أن يُمشَى بالنعال في المقبرة إلا عند الحاجة مثل وجود الشوك في المقبرة أو الرمضاء الشديدة أمَّا إذا لم يكن هناك حاجة فينكر عليه كما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على صاحب السبتيتين ويُعَلَّم الحكم [ و ] يخلعهما إذا كان يمر بين القبور أمَّا إذا لم يمر بين القبور فلا يخلعهما مثل أن يقف عند أول المقبرة ويسلم فلا يخلع (4)
__________
(1) رواه مسلم (971) .
(2) السِّبْتِيَّتَيْنِ : نعلان من جلد لا شعر عليهما .
(3) رواه أحمد (20260) وأبو داود (3230) والنسائي (2048) وابن ماجه (1568) . بإسناد صحيح .
والحديث صححه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/510) وابن حبان (3170) وقال : قال عبد الرحمن بن مهدى كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائز فلما بلغ المقابر حدثته بهذا الحديث فقال حديث جيد ورجل ثقة ثم خلع نعليه فمشى بين القبور . وصحح إسناده الحاكم (1/373) وحسن إسناده النووي في المجموع (5/312) . وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز في مجموع الفتاوى (13/355) الحديث لابأس به . وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (1274) .
(4) مجموع الفتاوى (13/355) .
وانظر : مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص : 144 والمحلى (5/136) والتمهيد (21/79) وشرح مسلم للنووي (7/53) وكشاف القناع (2/141) والسيل الجرار (1/370) وأحكام الجنائز ص :199 ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (17/202) وفتاوى اللجنة الدائمة (9/123) .(1/59)
وكذلك إذا كان هناك طريق في المقبرة معد للمشي فلا يخلع إنَّما يخلع إذا كان يمشي بين القبور .
القرب في المقبرة : لا يشرع التقرب إلى الله في المقبرة بالطاعات إلا ما دل الدليل الخاص على مشروعيته كالدعاء والسلام والصلاة على الميت و القبر . فالأصل في العبادات التوقيف (1) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة وهي تشبه الذبح عند القبر ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور الصدقة وغيرها (2) . وقال : استحباب القراءة عند القبر لو كان مشروعاً لبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته . (3) . و في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (4) : ( ومن المنكر ) أيضاً ( وضع طعام ) على القبر ( أو ) وضع ( شراب على القبر ليأخذه الناس وإخراج الصدقة مع الجنازة ) كالخبز يخرج معها ويفرق على متبعيها وغيرهم والشراب يسقونه لهم وقت دفنها ( بدعة مكروهة ) لم يفعلها السلف هذا إذا لم يكن في الورثة محجور عليه أو غائب وإلا فحرام . ( وفي معنى ذلك ) أي : وضع الطعام أو الشراب على القبر ( الصدقة عند القبر ) فإنَّها محدثة الأولى تركها لأنَّه قد يشوبها رياء .
الإحداد المشروع وغير المشروع :
__________
(1) انظر : الممتع (2/66) والفروع (2/298) وزاد المعاد (1/527) والإنصاف (2/570) والمبدع (2/281 ، 283) وكشاف القناع (2/149) ومواهب الجليل (3/37) ومجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (13/207) والشرح الممتع (5/463) وفتاوى اللجنة الدائمة (9/22) .
(2) الفتاوى الكبرى (4/446) .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم (2/734) بتصرف يسير .
(4) 2/430)(1/60)
عن زينب ابنة أبي سلمة { قالت : دخلت على أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تُوفي أبوها أبو سفيان ابن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة - خلوق أو غيره - فدهنت منه جارية ثم مسّت بعارضها ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أنَّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشراً " (1) .
وفي الحديث بيان الإحداد المشروع وهو إحداد المرأة على زوجها ، أو على قريبها ثلاثة أيام فما دونها وما عدا ذلك فليس بمشروع .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : " جرت عادة الكثير من الدول الإسلامية في هذا العصر بالأمر بالإحداد على من يموت من الملوك والزعماء لمدة ثلاث أيام أو أقل أو أكثر مع تعطيل الدوائر الحكومية وتنكيس الأعلام ، ولا شك أن هذا العمل مخالف للشريعة المحمدية وفيه تشبه بأعداء الإسلام وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنهى عن الإحداد وتحذر منه إلا في حق الزوجة فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشراً ، كما جاءت الرخصة عنه - صلى الله عليه وسلم - للمرأة خاصة أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقل أما ما سوى ذلك من الإحداد فهو ممنوع شرعاً وليس في الشريعة الكاملة ما يجيزه على ملك أو زعيم أو غيرهما وقد مات في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنه إبراهيم وبناته الثلاث وأعيان آخرون فلم يحد عليهم - صلى الله عليه وسلم - ... ثم توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ولم يحد عليه الصحابة - رضي الله عنهم - ، ثم مات أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ... فلم يحدوا عليه ... (2) .
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
__________
(1) رواه البخاري (5334) ومسلم (1486) .
(2) مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (1/411) .(1/61)
المقدمة ....................................................................... ... 4
حسن الظن بالله .............................................................. ... 5
حال المحتضر .................................................................. ... 6
تلقين المحتضر لاإله إلا الله ..................................................... ... 9
قراءة يس عند المحتضر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .. ... 10
حفر القبر قبل الموت ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 11
سنن ما بعد خروج روح الميت ................................................ ... 12
الصبر والاسترجاع عند المصيبة ................................................ ... 13
النهي عن النياحة ............................................................. ... 14
حكم غسل الميت ............................................................. ... 15
صفة الغسل .................................................................. ... 17
1- لا يحضر غسله إلا منْ يحتاج إليه .................................................... ... 17
2- غسل الميت مجرداً من ملابسه ....................................................... ... 17
3- مسح البطن ...................................................................... ... 18
4- توضيته .......................................................................... ... 19
5- غسل الرأس ...................................................................... ... 19
6- غسل الميامن ..................................................................... ... 19
7- تنشيف الميت ..................................................................... ... 21
صفة التكفين ........................................................................... ... 21(1/62)
1- عدد اللفائف ................................................................... ... 21
2- تطييب الميت ................................................................... ... 22
3- رد اللفائف .................................................................... ... 23
الوارد في أقل الكفن وأكثره ........................................................... ... 23
1- ثوب واحد يستر الميت ........................................................ ... 23
2- ثوبان ........................................................................... ... 23
3- ثلاثة أثواب .......................................................... ... 23
الغسل من تغسيل الميت ................................................................ ... 24
النظر إلى الميت وتقبيله ................................................................. ... 25
صلاة الجنازة ........................................................................... ... 25
فضل شهود الجنازة والصلاة عليها واتباعها ............................................ ... 27
حكم صلاة الجنازة ..................................................................... ... 28
الإعلام بالوفاة .......................................................................... ... 28
صفة صلاة الجنازة ...................................................................... ... 28
موقف الإمام ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... 29
عدد التكبيرات ......................................................................... ... 29
رفع الأيدي في تكبيرات الجنازة ........................................................ ... 30
الاستفتاح .............................................................................. ... 32(1/63)
القراءة بعد التكبيرة الأولى .............................................................. ... 32
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التكبيرة الثانية ............................................... ... 33
الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة ....................................................... ... 34
ومن الأدعية الواردة في صلاة الجنازة ................................................. ... 34
الدعاء إذا كان المتوفى صغيراً .......................................................... ... 36
الدعاء بعد الرابعة قبل السلام .......................................................... ... 36
السلام ................................................................................. ... 38
مشروعية تكثير المصلين ............................................................... ... 37
المسبوق ................................................................................ ... 38
صلاة الجنازة : بعد صلاة الفجر والعصر ............................................ ... 38
صلاة الغائب .......................................................................... ... 40
الصلاة على أهل الكبائر ............................................................... ... 41
الصلاة على القبر وعلى الميت في المقبرة ............................................... ... 42
حمل الجنازة على الأعناق والإسراع بها ......................................... ... 44
صفة حمل الجنازة ...................................................................... ... 45
تغطية نعش المرأة ........................................................................ ... 47
التزاحم على النعش ..................................................................... ... 48(1/64)
حكم الدفن ............................................................................ ... 48
إدخال الميت القبر ..................................................................... ... 48
الحثو في القبر .......................................................................... ... 52
القيام للجنازة ......................................................................... ... 52
1- قيام من رأها ومن مرَّت به حتى تجاوزه ........................................ ... 52
2- قيام مشيعها حتى توضع في الأرض ............................................ ... 54
3- قيام مشيعها أثناء الدفن ........................................................ ... 55
4- القيام بعد الدفن للدعاء ........................................................ ... 55
التعزية ................................................................................. ... 57
التعزية في المقبرة ................................................................... ... 58
الوعظ في المقبرة ................................................................... ... 59
الاجتماع للتعزية ................................................................... ... 60
صناعة الطعام لمن أصيب بميت ..................................................... ... 61
الاسراع في إبراء ذمة الميت ........................................................ ... 62
زيارة القبور ......................................................................... ... . ... 63
الحكمة من زيارة القبور : .......................................... ... ... ... ... .. ... 64
1- الدعاء للأموات ...... ... ... ... ... ... ... ... ... ............................ ... 64
2- الاعتبار ....................................................................... ... 64(1/65)
حاله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - عند القبور ................................................ ... 65
النهي عن امتهان القبور ............................................................ ... 65
القرب في المقبرة ................................................................... ... 66
الاحداد المشروع وغير المشروع ...................................................... ... 67
الفهرس ................................................................................ ... 69(1/66)