بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مسائل وأحكام في ذبائح أهل الكتاب
د. أحمد أمحرزي علوي – مجلة البيان
شكلت فتوى أبي بكر بن العربي المعافري الفقيه المالكي (ت 543 هـ) في حكم جواز أكل ذبائح أهل الكتاب على أي صفة ذكيت مرجعاً لبعض الفقهاء قديماً وحديثاً، في الترويج لإباحة طعام أهل الكتاب، والدعوة إلى أكل ذبائحهم، في كل حال وأنه ليس في ذلك حرج ولو من غير ضرورة لقوله ـ تعالى ـ: ((وَطَعَامُ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ)) [المائدة: 5]، ونظراً لما تنطوي عليه هذه الفتوى من مآخذ ولما يترتب عليها من عواقب، وأيضاً لما يتضمنه كلام ابن العربي من تناقض فقد آثرت أن أبين وجه الحق في ذلك حتى يتضح المراد وتنكشف الغشاوة، وذلك من خلال الأمور التالية:
أولاً: حكم ذبائح أهل الكتاب:(1/1)
أجمع الفقهاء في الجملة على إباحة ذبائح أهل الكتاب لقوله ـ تعالى ـ: ((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ)) [المائدة: 5] (1)، والجائز هو ما يعتقدونه في شريعتهم حلالاً لهم، إلا ما حُرّم علينا كلحم الميته والخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وغيرها، ولو لم يُعلم أنهم سموا الله ـ تعالى ـ. قال الإمام النووي: (ذبيحة أهل الكتاب حلال سواء ذكروا اسم الله ـ تعالى ـ عليه أم لا؛ لظاهر القرآن العزيز؛ هذا مذهبنا ومذهب الجمهور)(2)، وكره مالك والشافعي وأحمد في رواية، ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم؛ لما فيها من تعظيم شركهم، ولأن الذابح قصد بقلبه الذبح لغير الله ـ تعالى ـ مع تركه التسمية، قال النووي: (فإن ذبحوا لكنائسهم فقد كرهه ميمون بن مهران وحماد والنخعي ومالك والليث وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد وجمهور العلماء، ومذهبنا تحريمه)(3). كما أجمعوا أيضاً على أن ذبائحهم لا تحل إلا إذا ذكيت بالطريقة التي تتم بها الذكاة عند المسلمين، وكره مالك أكل ذبائحهم ولو استوفت جميع الشروط؛ ففي المدونة: (قلت: هل كان يكره مالك ذبائح اليهود والنصارى من أهل الحرب؟ قال: أهل الحرب والذين عندنا ـ أهل الذمة ـ من النصارى واليهود عند مالك سواء في ذبائحهم، وهو يكره ذبائحهم كلها من غير أن يحرمها، ويكره اشتراء اللحم من مجازرهم ولا يراه محرماً)(4).
ثانياً: حكم أكل ما ذبحوه من كل ذي ظفر:
حرم الله ـ عز وجل ـ على أهل الكتاب كل ذي ظفر، قال ـ تعالى ـ: ((وَعَلَى الَذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)) [الأنعام: 146]. والمراد به ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والأوز والبط وما يصيد بظفره من سباع الطير والكلاب(5).
واختلف فقهاء المالكية فيما لو ذبح أهل الكتاب كل ذي ظفر، فأجاز أكله ابن وهب وجمهور العلماء.(1/2)
وقال أصبغ وأشهب وابن القاسم وابن حبيب: ما كان محرماً في كتاب الله من ذبائحهم فلا يحل أكله؛ لأنهم يدينون بتحريمها(6)، واختاره ابن العربي فقال: (والصحيح تحريمه؛ لأن ذبحه منهم ليس بذكاة)(7). والصحيح الذي عليه جمهور العلماء جواز أكله إلا ما ثبت تحريمه في شريعتنا(8).
الأمر الثالث: حكم أكل ما حرم على أهل الكتاب:
اختلف الفقهاء في ما لو ذبح أهل الكتاب ما أحل الله لهم في التوراة وتركوا ما حرم عليهم مثل شحومهما إلا ما حملت ظهورهما، هل يحل لنا أم لا؟ قال مالك في رواية: هي محرمة(9)، وقال ابن القاسم: أكرهه؛ واختاره ابن الجلاب(10)، وروي عن مالك أنها حلال، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وعامة أهل العلم(11). واختاره ابن العربي فقال: (والصحيح أكلها؛ لأن الله رفع التحريم بالإسلام ولا يضر اعتقادهم عند ذكاتها بأنها محرمة، فإنه اعتقاد فاسد)(12). قال القرطبي: (ويدل على صحته ما رواه الشيخان عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصرين قصر خيبر، فرمى إنسان بجراب فيه شحم، فنزوت لآخذه فالتفتّ فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستحييت منه(13). ولفظ البخاري، ولفظ مسلم: قال عبد الله بن مغفل: أصبت جراباً من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته، وقلت: لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً، قال: فالتفتّ فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مبتسماً(14)، قال علماؤنا: تبسمه ـ عليه السلام ـ إنما كان لما رأى من شدة حرص ابن مغفل على أخذ الجراب ومن ضنته به ولم يأمره بطرحه ولا نهاه. وعلى جواز الأكل مذهب أبي حنيفة والشافعي وعامة العلماء؛ غير أن مالكاً كرهه للخلاف فيه، وحكى ابن المنذر عن مالك تحريمها وإليه ذهب كبراء أصحاب مالك؛ ومتمسكهم أنهم يدينون بتحريمها ولا يقصدونها عند الذكاة فكانت محرمة كالدم، والحديث حجة عليهم)(15).
رابعاً: فتوى ابن العربي والرد عليها:(1/3)
تقدم إجماع العلماء على أن ذبائح أهل الكتاب لا تحل إلا إذا ذكيت بالطريقة التي تتم بها الذكاة عند المسلمين، وذلك بقطع الودجين والحلقوم والمريء. واضطرب كلام ابن العربي في هذه المسألة، فذكر في موضع من الأحكام الكبرى أن الجائز هو ما يعتقدونه في شريعتهم حلالاً لهم إلا ما حُرّم علينا كالخنزير، وكانت ذكاته مقبولة عند المسلمين، فقال: (فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؟ فالجواب: أن هذه ميتة وهي حرام بالنص؛ وإن أكلوها فلا نأكل نحن، كالخنزير؛ فإنه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا)(16)، فوافق بهذا جمهور أهل العلم. واختار في موضع آخر أكلها كيفما كانت تذكيتها فقال: (وقوله تعالى: ((أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم..)) [المائدة: 4] إلى قوله: ((أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ)) [المائدة: 5]. دليل قاطع على أن الصيد وطعام أهل الكتاب من الطيبات التي أباحها الله ـ عز وجل ـ وهو الحلال المطلق، وإنما كرره ـ سبحانه ـ ليرفع الشكوك ويزيل الاعتراضات، ولكن الخواطر الفاسدة هو التي توجب الاعتراضات وتخرج إلى تطويل القول. ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل يؤكل معه أو تؤخذ طعاماً منه؟ فقلت: تؤكل؛ لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عنده، ولكن الله أباح طعامهم مطلقاً، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا وفي ديننا إلا ما كذبهم الله ـ سبحانه ـ فيه)(17).
وقد لاحظ البعض على هذا الكلام ما يلي:
1- أن قوله في الموضع الأول: (فإن قيل فما أكلوه على غير وجه...) غير موجود في الأحكام الصغرى له، ولا في غيرها من كتبه، وغير موجود في إحدى النسخ الخمس المخطوطة لأحكام القرآن الكبرى كما نبه على ذلك محمد علي البجاوي ومحمد عبد القادر عطا، مما جعل البعض يعتبر الكلام مدسوساً عليه.(1/4)
2- إن هذا الكلام جاء عرضاً؛ إذ إن الحديث قبله وبعده وارد عن التسمية لا عن التذكية.
3- إن القرطبي وهو الذي نقل كلام ابن العربي في تفسيره لم يشر إلى هذه الفتوى أصلاً.
4- إن الشيخ صالح العود في كتابه: (أحكام الذكاة في الإسلام) نفى أن يكون ابن العربي أفتى بجواز أكل الدجاج المفتول العنق، واعتبر ذلك مدسوساً عليه، لكن وجود ذلك في كتبه وكتب من نقلوا عنه يرده.
والذي يتضح من خلال مطالعاتي لكتب ابن العربي المخطوط منها والمطبوع، واستقرائي لآرائه الفقهية أن كل ذلك من كلامه ولا وجه لنفيه عنه أو نفي اضطرابه فيه كما سيتضح، والذي يقرر ذلك أن عدداً من المالكية نقلوا كلامه واستشكل عليهم، وحاول أبو عبد الله الحفار المالكي حل هذا الإشكال، فقال: (ولا إشكال فيها عند التأمل؛ لأن الله ـ تعالى ـ أباح لنا أكل طعامهم الذي يستحلونه في دينهم على الوجه الذي أبيح لهم من ذكاة فيما شرعت لهم فيه الذكاة على الوجه الذي شرعت، ولا يشترط أن تكون ذكاتهم موافقة لذكاتنا في ذلك الحيوان المذكى)(18).
ولم يقدم ابن الحفار كابن العربي دليلاً على كلامه واكتفى بقوله: (قد يكون شرع في غير ملتنا سل عنق الحيوان، على وجه الذكاة، فإذا اجتزأ الكتابي بذلك أكلنا طعامه كما أذن لنا ربنا ـ سبحانه ـ ولا يلزمنا أن نبحث عن شريعتهم في ذلك)(19). وإلى هذا الكلام أيضاً مال الونشريسي في المعيار، والزياتي والوزاني في النوازل الصغرى.
وأفتى به الشيخ محمد عبده ورشيد رضا، والدكتور يوسف القرضاوي، والشيح حسنين محمد مخلوف، والشيخ محمد بيرم، والشيخ عبد الله بن زيد بن محمود وغيرهم(20).
آراء العلماء المعاصرين في المسألة:(1/5)
يقول الشيخ محمد عبده: (وأما الذبائح فالذي أراه أن يأخذ المسلمون في تلك الأطراف بنص كتاب الله ـ تعالى ـ في قوله: ((وَطَعَامُ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ)) [المائدة: 5]. وأن يعوّلوا على ما قاله أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسهم وعامتهم، ويعد طعاماً لهم كافة)(21) وقال الشيخ رشيد رضا بعد أن نقل أقوال المفسرين في جواز أكل ذبائح أهل الكتاب: (فعلم من هذه النقول أن ذبائح أهل الكتاب حلال عند جماهير المسلمين، وإن لم يكن ذبحها على الطريقة الإسلامية، بل وإن كانت على خلاف الطريقة الإسلامية عملاً بمطلق الآية الكريمة التي هي آخر ما ورد في الأكل نزولاً)(22).
وقال الشيخ يوسف القرضاوي بعد أن نقل كلام ابن العربي: (وعلى ضوء ما ذكرنا نعرف الحكم في اللحوم المستوردة من عند أهل الكتاب كالدجاج ولحوم البقر المحفوظة، مما قد تكون تذكيته بالصعق الكهربائي ونحوه؛ فما داموا يعتبرون هذا حلالاً مذكى فهو حل لنا وفق عموم الآية)(23).
غير أن كثيراً من شيوخ المالكية وقفوا في وجه هذه الفتوى لابن العربي حتى قال البسطامي: (ليت قوله لم يخرج للوجود ولا سُطّر في كتب الإسلام)(24). وقال ابن سراج: (إن ما وقع لا بن العربي هفوة)(25).
واعتبروا فتواه هذه شذوذاً، قال الشيخ الطاهر بن عاشور: وقول ابن العربي شذوذ(26).(1/6)
وردوا على استدلاله بأن أحبارهم يصدقون في قولهم أن ذلك من طعامهم ـ بأن أهل الكتاب لا يُصدّقون ولا يُكذّبون كما ورد في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم)(27). قال ابن حجر: (لم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بخلافه؛ نبه على ذلك الشافعي ـ رحمه الله ـ)(28)، وقد أجمع العلماء على أن شرع من قبلنا لا يجوز العمل به إذا كان شرعنا مخالفاً له (29)؛ وبهذا يتضح أن دعوى ابن العربي أن كل ما يراه أهل الكتاب في دينهم فهو حلال لنا إلا ما كذبهم الله فيه، معارضة للنصوص والإجماع الدال دلالة قطعية على تحريم العمل بما يرونه في دينهم إذا كان مخالفاً لشريعتنا، وعلى فرض تصديقهم، فلا وجه لتصديقهم في أن المنخنقة ومسلولة العنق والموقوذة المضروبة في الرأس بشاقور مثلاً حلال عندهم، وعدم تصديقهم في أن الميتة والخنزير حلال عندهم، وما فرق به من أن الله قد كذبهم في الخمر والخنزير دون المضروبة بشاقور مثلاً وما ذكر معه لا يصح؛ لأنه إن عني أن الله كذبهم في أخبارهم بحلّيتها، فليس في القرآن ولا في الأحاديث شيء من ذلك، وإن عني أن الله كذبهم بقوله: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ)) [المائدة: 3]، فهذه مصادرة؛ لأن الله قد كذبهم فيما زُعِمَ أنهم يصدقون فيه؛ لأنها إما منخنقة أو موقوذة، وقد ذكر الله حرمة كل واحدة منهما في الآية نفسها(30).
وقد اعترف بهذا ابن العربي فقال في الأحكام: (وأما قولهم: إن الله حرم غير ذلك كالمنخنقة وأخواتها فإن ذلك داخل في الميتة؛ وشرح ما يستدرك ذكاته مما تفوت ذكاته لئلا يُشْكل أمرها ويُمزَج الحلال بالحرام في حكمها)(31).(1/7)
فإذا كانت المنخنقة ميتة باعترافه فكيف لا تكون الدجاجة المفتولة العنق ميتة؟ وفتل العنق والخنق شقيقان؛ لأن معناهما واحد عقلاً وحساً ومشاهدة، وهذا أيضاً بإقرار ابن العربي نفسه حيث قال: (المنخنقة هي التي تخنق بحبل بقصد أو غير قصد أو غير حبل)(32).
فاتضح مما تقدم تناقض ابن العربي(33) وغرابة فتواه، ولذلك لم يذكرها القرطبي في تفسيره وهو ممن نقل جُلّ كلام ابن العربي، ولم يقل بها أحد من العلماء قبله(34)، ولا وجه لما قاله الشيخ رشيد رضا من أن جواز أكلها مذهب جماهير المسلمين، ولا لما قاله الشيخ القرضاوي مِنْ أنه مذهب فقهاء المالكية، بل صرحوا بعكس ما قاله تماماً، يقول الباجي: (وإذا علمت أن مَنْ دينه النصرانية ممن يستبيح الميتة فلا تأكل من ذبيحته إلا ما شاهدت ذبيحته؛ ووجه ذلك أنه إنما يستباح من ذبيحته ما وقع على وجه الصحة، والمسلم أصح ذبيحة وهذا حكمه، فإذا علم أنه ربما قتل الحيوان على الوجه الذي لا يبيج أكله وجب الامتناع من أكل ما مات على يده من الحيوان إلا أن يعلم أن ذكاته وجدت منه على وجه الصحة)(35).
وقد ساق ابن العربي في المسالك هذا الكلام نفسه وأقره(36)، ونص في موضع آخر على أن من شرط الذابح غير المسلم أن يكون كتابياً، وأن يكون عارفاً بالذبح وشروطه؛ لأنه إن لم يكن عارفاً بالذبح آلمَ الحيوان وحرم الأكل منه
(37).
زبدة القول:
والخلاصة: أن ذبيحة الكتابي لا يحل منها إلا ما كان بذكاة صحيحة معتبرة شرعاً، وأن ما كان منه بفتل العنق أو الصدمة الكهربائية أو ضرب الرأس وغيره فهو ميتة لا يحل أكله بوجه من الوجوه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا ينبغي للمسلم أن يتخذ أهل الكتاب ذباحين؛ لأن في ذلك موالاة لهم كما نبه على ذلك ابن عبد البر وغيره(38).(1/8)
وقد كان الباجي دقيقاً في كلامه حين اشترط في الإباحة (مشاهدة ذبح الكتابي) وهو توجيه دقيق؛ إذ كثيراً ما تكون ذبائحهم على غير الوجه المشروع فيختمون عليها ـ خاصة في زماننا هذا ـ بختم يوهم أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية لكي يروج شراؤها في صفوف المسلمين. وقد انطلت هذه الحيلة الماكرة على كثير من المسلمين مع قيام الأدلة على أن ذلك مجرد خداع لابتزاز الأموال، بل ويقصد بذلك أحياناً الاستخفاف بعقول المسلمين؛ فقد ذكرت مجلة الاقتصاد الإسلامي وجريدة الشرق الأوسط منذ مدة، أن بلاد غير المسلمين لا تقوم بعملية الذبح الشرعي بل تقدم لحوماً توصف بأنها ميتة أو منخنقة أو موقوذة... وليس ببعيد عنا ما سمعناه عن صفقات الدجاج المستورد الذي وصل إلى أبو ظبي ودبي ووجدت رقبته كاملة وسليمة دون أي أثر للذبح رغم كتابة العبارة التقليدية عليها أنها ذبحت حسب الشريعة الإسلامية، بل وبلغ الاستخفاف بعقول المسلمين أن وجد مكتوباً على صناديق السمك المستورد أنه ذبح حسب الشريعة الإسلامية(39).
الهوامش :
(1) انظر: بداية المجتهد 1/330- الشرح الكبير 2/99 - المنتقى 2/112- الجامع لأحكام القرآن 6/76 التفريع 1/406. بدائع الصنائع 5/45 - رد المحتار 5/208 - مختصر الطحاوي، ص296 - مغني المحتاج 4/266 - الحاوي 91/111.
(2) المجموع للنووي، 9/80.
(3) المجموع للنووي 9/78.
(4) المدونة، 2/67.
(5) الجامع لأحكام القرآن، 7/125.
(6) نفس المرجع 7/127.
(7) أحكام القرآن 2/770، الأحكام الصغرى 1/408.
(8) انظر: فتح الباري، 9/237.
(9) الجامع لأحكام القرآن 7/126، القوانين الفقهية، ص178، الإشراف للقاضي عبد الوهاب، 2/257.
(10) انظر المصادر السابقة، التفريع، 2/406.
(11) الجامع لأحكام القرآن، 7/127، القوانين الفقهية، ص178.
(12) الأحكام الصغرى، 1/480، أحكام القرآن 2/770.
(13) أخرجه البخاري، 6/580.
(14) أخرجه مسلم، 3/1393.
((1/9)
15) الجامع لأحكام القرآن، 7/126 - 127.
(16) أحكام القرآن، 2/555.
(17) أحكام القرآن، 2/556، الأحكام الصغرى 1/354.
(18) المعيار، 2/9، والنوازل الصغرى 1/325 - 326.
(19) انظر: المعيار 2/9، والنوازل الصغرى 1/325 - 326.
(20) انظر: الفتاوى الإسلامية، 4/1299، حكم اللحم المستورد من أوروبا 98، المعيار 2/9، النوازل الصغرى 1/327، الحلال والحرام في الإسلام، ص: 61.
(21) الفتاوى الإسلامية 4/1299، تاريخ الأستاذ الإمام، لرشيد رضا، 1/683.
(22) تاريخ الأستاذ الإمام 1/678.
(23) الحلال والحرام في الإسلام، ص 63.
(24) حاشية الشيخ كنون، 3/5.
(25) حاشية الشيخ كنون، 3/5.
(26) التحرير والتنوير، 6/122.
(27) أخرجه البخاري 8/514 - 515، والبغوي 1/269.
(28) فتح الباري 9/327.
(29) أحكام الفصول، للباجي، ص327.
(30) انظر: حاشية الرهوني، 3/13، حكم اللحم المستورد من أوربا، ص29 وما بعدها.
(31) أحكام القرآن، 2/767، الأحكام الصغرى 1/479.
(32) أحكام القرآن 2/238، الأحكام الصغرى 1/341.
(33) نفى الدكتور يوسف القرضاوي وجميل محمد بن مبارك التناقض في كلام ابن العربي وما ذكرته من نصوص من كلامه يثبته، فلا وجه لنفيه (انظر: نظرية الضرورة الشرعية، ص 374، والحلال والحرام في الإسلام، ص61، وأحكام الذكاة في الإسلام، ص 41 - 42).
(34) ما ذهب إليه القرضاوي في الحلال والحرام، ص61، أن ما أفتى به ابن العربي هو مذهب جماعة من المالكية غير صحيح؛ ومن اطلع على مصادر الفقه الإسلامي لن يجد أحداً منهم أباح ذلك، بل سيجد أن المالكية شددوا في الذكاة التي يحل بها الحيوان (راجع المنتقى، 3/111).
(35) المنتقى، 3/111112.
(36) المسالك، ورقة 784.
(37) المسالك، ورقة 777.
(38) راجع حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 3/109.
(39) راجع مجلة الاقتصاد الإسلامي عدد2، سنة 1981م، ص 9 - 10، انظر جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 21/9/1983م.
فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين(1/10)
من نور على الدرب
إعداد: فايز موسى أبو شيخة
نشر : مكتبة ابن تيمية الكويت
الطبعة الأولى 1410هـ/1989م
الدجاج المستورد
سؤال: ما حكم الشرع في نظركم في الدجاج المستورد؟
جواب: إن كان قصدهُ الدجاج الذي يُستورد مذبوحاً فهذا إنْ قد جاء من دولة غير كتابية دولة شيوعية أو وثنية أو غير ذلك من الدول الكافرة فإنَّ هذه اللحوم من الدجاج وغيره تكون ميتة محرمة لأنها ذبائح كفار غير كتابيين فلا تحل.
أمّا إذا كانت هذه الذبائح مستوردة من بلاد كتابية من اليهود أو النصارى، فالله سبحانه وتعالى قد أباح لنا ذبائح أهل الكتاب كما في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5]. يعني ذبائحهم لأنَّ الطعام غير الذبائح مُباح من أهل الكتاب وغيرهم فدلّ على أنّ المراد ذبائحهم بإجماع أهل العلم لكن بشرط أن يكونوا يذبحون على الطريقة الشرعية بأنْ يذبحوا في محل الذبح وبالطريقة الشرعية بأنْ يقطع من الأوداج والمري والحلقوم ما يكفي قطعه في الذكاة، أمّا إذا كانوا يذبحون بغير الطريقة الشرعية كالصعق الكهربائي والتدويخ والضرب بالمسدسات والفؤوس وغير ذلك وماتت الحيوانات بهذه الوسائل فإنها حرام وميتة لا تحل، ولو ذبحها مسلم على هذه الطريقة لم تحِل فكيف بالكتابي.
وقد اشتهر وكثر الخبر من جهات متعددة أنهم يذبحون بهذه الوسائل غير المشروعة فما دام الأمر كذلك فالأمر أقل أحواله أنه مشتبه وينبغي للمسلم أن يتجنب هذه اللحوم وأن يأكل مما تيقن أنه مذكى على الطريقة الشرعية فإنَّ ذلك أسلم لدينه وأبرأ لذمته والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دَعْ ما يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ)
فتوى للشيخ عمر سُليمان الأشقر
من كتابه: "مواقف ذات عِبر وكلمات في المنهج والطريق" صـ 149-154.
اللحوم المستوردة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:(1/11)
فإنَّ قضية اللحوم المستوردة الآتية من بلاد غير إسلامية، كثر القول فيها وتباينت الآراء حولها، والذي نراه :
أولاً: إنَّ اللحوم التي ذبحها أهل الكتاب جائز أكلها، لقوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم حِلٌّ لكم
ثانياً: وإنّ الذبائح التي مصدرها غير المسلمين واليهود والنصارى لا يجوز أكلها، كذبائح الشيوعيين: روسيا، والصين.. وكذلك ذبائح اليابانيين.
ثالثاً: إلا أننا نشترط في الذبائح الواردة من البلاد التي أهلها نصارى كالدنمارك وأستراليا، أن تُذبح ذبحاً إسلامياً، فلا تُقتل صعقاً بالكهرباء، ولا ضرباً بالرصاص، ولا خنقاً.
وقد تواتر لدينا قطعياً أنَّ كثيراً من الدول النصرانية اليوم لا تذبح بل تعتبر الذبح تأخراً ووحشية يُنافي الرحمة بالحيوان. وقد نشرت جريدة الرأي العام الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 11/8/1978 الخبر التالي:
أساليب إنسانية في ذبح الماشية:
وافق مجلس الشيوخ الأميركي على قرار يدعو إلى استخدام أساليب إنسانية في ذبح المواشي التي تُباع في الولايات المتحدة. والمعروف أن القانون الحالي ينص على إتباع طرق إنسانية في ذبح المواشي المباعة للحكومة الفدرالية.. أما التغيير المقترح فإنه سينسحب على كافة عمليات الذبح التي يشرف عليها مسئولو الدولة أو المسؤولون الاتحاديون وعلى المسالخ الأجنبية التي تتولى التصدير إلى الولايات المتحدة. وأوضحت وكالة اسوشيتدبرس أن القانون الذي تقدم به السيناتور بوب دول يدعو إلى إزالة إحساس الحيوانات بالألم عبر إطلاق نارية عليها أو توجيه ضربات خاطفة أو بالطرق الكهربائية أو الكيماوية.. إلخ، وذلك بحجة أن 11 بالمائة من المسالخ الاتحادية و5 بالمائة من مسالخ الدولة تذبح بعض الحيوانات بصورة لا إنسانية وتحذو حذوها 12 بالمائة من المسالخ الأجنبية التي تصدر إنتاجها إلى الولايات المتحدة(1/12)
وقد كتب خبير في هذا الجانب مقالاً منذ سنوات في مجلة (التمدن الإسلامي) بيّن فيه الطرق التي يتم بها إزهاق أرواح الحيوانات في ديار النصارى، فإذا بأكثرها بعيد كلّ البعد عن الذبح الشرعي.
وقد كُتب مقال في مجلة المجتمع الكويتية منذ شهور مرسل من رجل فاضل يعمل في البرازيل. وفي المقال تحذير من أكل اللحوم المستوردة، ويقول إنه تحرى بنفسه هناك، فوجد أن أكثر من سبعين في المائة من اللحوم التي في البرازيل غير مذبوحة ذبحاً شرعياً.
ويجب أن نعلم أن كثيراً من الذين نُسميهم اليوم أهل كتاب ليسوا بأهل كتاب، بل هم كفرة بدينهم، خارجون عن تعاليمه الباقية. وبذلك يكون حُكمهم حُكم الوثنيين.
فيكون الإشكال على الذبائح الآتية من البلاد النصرانية من جانبين:
الأول: أن هذه اللحوم مشكوك في كونها ذبحت، واحتمال عدم الذبح هنا أرجح، وقد قرر الفقهاء في كتبهم أنه إذا اشتبهت ميتة بمذكاة فقد حرمتا.
ولا يجوز أن يُقال في هذه الحال هذه ذبائح أهل كتاب، لأنه ليس من طعامهم الذي يقره دينهم أكل الميتة. يوضح هذا أن طعام المسلم حلال بالإجماع، فإذا أُعلمنا أن المسلم خنق حيواناً ما فهل يجوز أكله؟
قد يحتج بعض النّاس بحديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (سموا أنتم وكلوا)، والاحتجاج بهذا الحديث في غير موضعه، لأنَّ السؤال الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم كان عن ذبح قوم عهدهم بالإسلام قريب، فلا يدري الصحابة، هل سمَّى هؤلاء على ذبائحهم أم لا، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (سموا وكلوا)، لأنَّ الأصل في ذبيحة المسلم أنها حلال، ولا يجوز أن يمتنع المسلم عن تناول طعام المسلم بمثل هذا التخوف، وقد حدثني ثقات موجودون في الكويت أنهم رأوا بأعينهم الدجاج لا تزال فيه رؤوسه لم تقطع، وبحثوا عن مكان الذبح فلم يجدوا، فبالله عليك هل تستطيع أن تطبخ هذا الدجاج الذي هذه صفته وتتناوله، وتطعمه أهلك؟(1/13)
الثاني: أن الذابح قد لا يكون من أهل الكتاب وهو في بلد نصراني، لأنَّ كثيراً من هؤلاء كفروا بالبقية الباقية من دينهم.
قيمة الشهادات التي تأتي مع اللحوم المستوردة:
أما عن قيمة الشهادات التي تأتي مع اللحوم المستوردة، والتي يُقال فيها ذُبحَ على الطريقة الإسلامية، فإننا لا نستطيع أن نسلم بها، بعد أن علمنا من الثقات أن كثيراً من هذه الشهادات تُسلم مُقابل مبالغ من المال، وأن الذين يُعطون هذه الشهادات ليسوا أهلاً للشهادة إلا القليل. خاصةً وأن هذه الشركات والقائمين عليها تُجار بالدرجة الأولى، ويهمهم الربح قبل كل شيء.
ولا أدل على صدق ما نقول أنه بلغ الاستهتار بعقول المسلمين وبدينهم أن جاءت الكويت كميات من الأسماك رأيناها ورآها كثيرون كُتب عليها (ذُبحت على الطريقة الإسلامية)، فقد ظنَّ هؤلاء التجار أنَّ المسلمين لا يتناولون لحماً ما لم تُكتب عليه هذه العبارة فوضعوها على الأسماك. وعجائب الدنيا لا تنقضي.
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
رابعاً: نحن نعلم أن الذين يعطون الشهادات بأن هذه اللحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية في البلاد الشيوعية لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، يعلم ذلك المطلع على أحوال تلك البلاد.
ما العمل؟
يتساءل المسلمون ما العمل؟
الجواب أن المسلم يجب أن يتحرى في دينه ويعلم ما الذي يدخله في بطنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم: (كلّ لحمٍ نبت على السحت فالنّار أولى به)، وتناول الحرام من أشد الجرائم عند الله.(1/14)
والواجب على المسلمين إذا شاؤوا أن يستوردوا مثل هذه اللحوم أن يُرسلوا شخصاً يوثق بدينه وأمانته، ويكون عالماً بالشريعة الإسلامية وأحكامها في هذا الجانب، كي يشرف بنفسه على هذه اللحوم التي ستغذي المسلمين وتكون في بطونهم وهم في صلاتهم وحجهم وجهادهم، وإنني أدعو الشركات التجارية هنا، ووزارة الأوقاف أن ترسل وفداً لتقصي الحقائق في هذا الجانب، على أن يستعين هذا الوفد بالمسلمين الصادقين في ديار الغرب.
والمسألة تحتاج إلى هذا الجهد وأكثر، فإن لها علاقة بأحكام شرعية قاطعة.
وفي الختام أدعو العلماء إلى أن يتقوا الله في هذا الأمر، وأن لا يُسارعوا في التحليل قبل أن يعلموا الحقيقة ويتبينوها، والله المسؤول أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يعصمنا من الزلل، إنه نِعم المولى ونِعم النصير.
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثمين رحمه الله عن حكم أكل اللحم الوارد من الخارج .
فقال : هذا سؤال كثُر التساؤل فيه وعمت البلوى به وحكمه يتبين بتحرير ثلاث مقامات :
المقام الأول : حل ذبيحة أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى .
المقام الثاني : إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل .
المقام الثالث : الحكم على هذا اللحم الوارد بأنه من ذبح من تحل ذبيحته .
فأما المقام الأول : فإن ذبيحة أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) حلالٌ ، دلَّ على حلها الكتاب والسنة والإجماع .(1/15)
أما الكتاب فقوله تعالى : ] اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لههم [ ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : طعامهم ذبائحهم . وكذلك قال مجاهد وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم النخعي ، ولا يمكن أن يكون المراد بطعامهم التمر والحب ونحوهما فقط ، لأن قوله : ] طعام الذين أوتوا الكتاب [ لفظ عام فتخصيصه بالتمر والحب ونحوهما خروجٌ عن الظاهر بلا دليل ، ولأن التمر ونحوه من الطعام حلالٌ لنا من أهل الكتاب وغيرهم ، فلو حملت الآية عليه لم يكن لتخصيصه بأهل الكتاب فائدة .
وأما السنة فقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلىالله عليه وسلم بشاة مسمومة وأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلىالله عليه وسلم فسأل عن ذلك فقالت : أردت قتلك ، فقال : (( ما كان الله ليسلطك على ذلك )) .
وفي مسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أيضاً أن يهودياً دعا رسول الله صلىالله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه ، والإهالة السنخة : ما أذيب من الشحم والإلية وتغيرت رائحته .
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لأخذه فالتفت فإذا النبي صلىالله عليه وسلم فاستحييت منه ، وفي رواية لمسلم عنه : قال : أصبت جراباً من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت : لا أعطي اليوم أحداً من هذا شيئاً ، فالتفت فإذا رسول الله صلىالله عليه وسلم مبتسماً. فهذا فعل رسول الله صلىالله عليه وسلموإقراره في حل ذبائح أهل الكتاب .(1/16)
وأما الإجماع فقد حكى إجماع المسلمين على حل ذبائح أهل الكتاب غير واحد من أهل العلم منهم صاحب المغني ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية قال : ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع ، وقال : ما زال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم فمن خالف ذلك فقد أنكر إجماع المسلمين اهـ . ونقل الإجماع ابن كثير في تفسيره المطبوع مع تفسير البغوي ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً : بل الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابياً أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه ، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخلاً في دينهم أو لم يدخل وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك ، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبى حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد - وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف - . وهذا القول هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم ، ولا أعلم في ذلك بين الصحابة نزاعاً ، وقد ذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم انتهى كلامه رحمه الله .(1/17)
وبهذا تحدد المقام الأول : وهو حل ذبيحة أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) بالكتاب والسنة والإجماع ، فأما غيرهم من المجوس والمشركين وسائر أصناف الكفار فلا تحل ذبيحتهم لمفهوم قوله تعالى : ] وطعام الذين أوتوا الكاب حل لكم [ ، فإن مفهومها أن غير أهل الكتاب لا يحل لنا طعامهم أي : ذبائحهم ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا الأمصار امتنعوا عن ذبائح المجوس ، وقال في المغنى : أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته إلا ما لا ذكاة له كالسمك والجراد ، وقال : وأبو ثور أباح صيده وذبيحته ، وهذا قول يخالف الإجماع فلا عبرة به ، ثم نقله عن أحمد أنه قال : لا أعلم أحداً قال بخلافه أي بخلاف تحريم صيد المجوسي وذبيحته إلا أن يكون صاحب بدعة اهـ . قال : وحكم سائر الكفار من عبدة الأوثان والزنادقة وغيرهم حكم المجوس في تحريم ذبائحهم وصيدهم ، لكن ما لا يشترط لحله الذكاة كالسمك والجراد فهو حلال من المسلمين وأهل الكتاب وغيرهم .
المقام الثاني : إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل .
وهذا المقام له ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن نعلم أن ذبحه كان على الطريقة الإسلامية بأن يكون ذبحه في محل الذبح ، وهو الحلق ، وأن ينهر الدم بمحدد غير العظم والظفر ، وأن يذكر اسم الله عليه ، فيقول الذابح عند الذبح : بسم الله .
ففي هذه الحال المذبوح حلال بلا شك ، لأنه ذبح وقع من أهله على الطريقة التي أحل النبي صلىالله عليه وسلم المذبوح بها حيث قال صلىالله عليه وسلم : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة)) رواه الجماعة واللفظ للبخاري ، رفي رواية له : (( غير السن والظفر ، فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة )) . وطريق العلم بأن ذبحه كان على الطريقة الإسلامية : أن نشاهد ذبحه أو يخبرنا عنه من يحصل العلم بخبره .(1/18)
الحال الثانية : أن نعلم أن ذبحه على غير الطريقة الإسلامية مثل أن يقتل بالخنق أو بالصعق أو بالصدم أو بضرب الرأس ونحوه ، أو يذبح من غير أن يذكر اسم الله عليه .
ففي هذه الحال المذبوح حرام بلا شك ، لقوله تعالى: ] حرمت عليكم الميتة والدم ولحم والخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب [ . وقوله تعالى : ] ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ... [ ، ولمفهوم ما سبق من قوله صلىالله عليه وسلم : (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا )) . وطريق العلم بأنه ذبح على غير الطريقة الإسلامية أن نشاهد ذبحه أو يخبرنا عنه من يحصل العلم بخبره .
الحال الثالثة : أن نعلم أن الذبح وقع ولكن نجهل كيف وقع بأن يأتينا ممن تحل ذبيحتهم لحم أو ذبيحة مقطوعة الرأس ولا نعلم على أي صفة ذبحوها ولا هل سموا الله عليها أم لا .(1/19)
ففي هذه الحال المذبوح محل شك وتردد ، ولكن النصوص الواردة عن النبي صلىالله عليه وسلم تقتضي حله وأنه لا يجب السؤال تيسيراً على العباد وبناء على أصل الحل ، فقد سبق أن النبي صلىالله عليه وسلم أكل من الشاة التي أتت بها إليه اليهودية وأنه أجاب دعوة يهودي على خبز وشعير وإهاله سنخة ، وفي كلتا القضيتين لم يسأل النبي صلىالله عليه وسلم عن كيفية الذبح ولا هل ذكر اسم الله عليه أم لا ؟ وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا للنبي صلىالله عليه وسلم : إن قوماً أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ، فقال : (( سموا عليه أنتم وكلوه )) ، قالت : وكانوا حديثى عهد بالكفر . فقد أحل النبي صلىالله عليه وسلم أكل هذا اللحم مع الشك في ذكر اسم الله عليه وهو شرط لحله ، وقرينة الشك موجودة وهي كونهم حديثي عهد بالكفر فقد يجهلون أن التسمية شرط للحل لقرب نشأتهم في الإسلام ، وإحلال النبي صلىالله عليه وسلم لذلك مع الشك في وجود شرط الحل ( وهى التسمية ) وقيام قرينة على هذا الشك ( وهي : كونهم حديثي عهد بالكفر ) دليل على إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل ، لأن الاصل في الأفعال والتصرفات الواقعة من أهلها الصحة ، قال في المنتقى بعد أن ذكر حديث عائشة السابق : وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد اهـ .
وما يرد إلينا مما ذبحه اليهود أو النصارى غالبه مما جهل كيف وقع ذبحه فيكون تحرير المقام فيه إجراؤه على أصل الحل وعدم وجوب السؤال عنه .
المقام الثالث : الحكم على هذا الوارد بأنه من ذبح من تحل ذبيحته .
وهذا المقام له ثلاث حالات أيضاً .(1/20)
الحال الأولى : أن نعلم أن من ذبحه تحل ذبيحته ، وهم المسلمون وأهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) . ففي هذه الحال المذبوح حلال بلا شك لوقوع الذبح الشرعى من أهله ، وطريق العلم بذلك أن نشاهد الذابح المعلومة حاله أو يخبرنا به من يحصل العلم بخبره ، أو يكون مذبوحاً في محل ليس فيه إلا من تحل ذبيحته .
الحال الثانية : أن نعلم أن من ذبحه لا تحل ذبيحته كالمجوس وسائر الكفار وغير أهل الكتاب . ففي هذه الحال المذبوح حرام بلا شك لوقوع الذبح من غير أهله ، وطريق العلم بذلك : أن نشاهد الذابح المعلومة حاله أو يخبرنا به من يحصل العلم بخبره ، أو يكون مذبوحاً في محل ليس فيه من تحل ذبيحته .
الحال الثالثة : أن لا نعلم هل ذابحه من تحل ذبيحته أو لا ؟ وهذا هو الغالب على اللحم الوارد من الخارج ، فالأصل هنا التحريم فلا يحل الأكل منه لأننا لا نعلم صدور هذا الذبح من أهله .
ولا يناقض هذا ما سبق في الحال الثالثة من المقام الثانى حيث حكمنا هناك بالحل مع الشك ، لأننا هناك عملنا بصدور الفعل من أهله وشككنا في شرط حله والظاهر صدوره على وجه الصحة والسلامة حتى يوجد ما ينافي ذلك ، بخلاف ما هنا فإننا لم نعلم صدور الفعل من أهله والأصل التحريم ، لكن إن وجدت قرائن ترجح حله عمل بها .
فمن القرائن :
أولاً : أن يكون مورده مسلماً ظاهره العدالة ويقول : إنه مذبوح على الطريقة الإسلامية ، فيحكم بالحل هنا لأن حال المسلم الظاهر العدالة تمنع أن يورد إلى المسلمين ما يحرم عليهم ثم يدعي أنه مذبوح على الطريقة الإسلامية .
ثانياً : أن يرد من بلاد اكثر أهلها ممن تحل ذبيحتهم ، فيحكم ظاهراً بحل الذبيحة تبعاً للأكثر إلا أن يعلم أن المتولي للذبح ممن لا تحل ذبيحته فلا يحكم حينئذ بالحل لوجود معارض يمنع الحكم بالظاهر .
قال في المنتهى وشرحه : ويحل حيوان مذبوح منبوذ بمحل يحل ذبح أكثر أهله بأن كان أكثرهم مسلمين أو كتابيين ولو جهلت تسمية ذابح اهـ .(1/21)
وإذا كان الحل في هذا الحال مبنياً على القرائن ، فالقرائن إما أن تكون قوية فيقوى القول بالحل ، وإما أن تكون ضعيفة فيضعف القول بالحل ، وإما أن تكون بين ذلك فيكون الحكم متردداً بين الحل والتحريم ، والذي ينبغي حينئذ سلوك سبيل الاحتياط واجتناب ما يشك في حله لقول النبي صلىالله عليه وسلم : (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ))، وقوله صلىالله عليه وسلم : (( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه )) ، وفي رواية : (( ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان )) متفق عليه .
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . مهره الفقير إلى الله : محمد صالح العثيمين
وكتب الشيخ عبد العزيز الرشيد (1399هـ) رئيس محكمة التمييز بالرياض
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه ...
أما بعد :
فقد وردت عدة أسئلة عن اللحوم التى ترد في علب ونحوها من الخارج ، فأقدمت على الإجابة وإن كنت لست أهلاً لذلك لقصر باعي وقلة اطلاعي ، فأقول وبالله التوفيق :(1/22)
قال الله تعالى : ] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [ ، وهذه الآية العظيمة من آخر ما نزل .. تدل على إحاطة الشريعة وكمالها ، فلم تحدث حادثة ولن تحدث إلا والشريعة المحمدية قد أوضحت حكمها وبينته ، ولم يمت رسول الله صلىالله عليه وسلم حتى بين البيان المبين ، وورد عنه صلىالله عليه وسلم أنه قال : (( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك )) ... وقال أبو ذر رضي الله عنه : (( ما مات رسول الله صلىالله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في الهواء إلا ذكر لنا منه علماً ... )) ، وقال العباس : (( ما مات رسول الله صلىالله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجاً )) .
فهذه اللحوم المستوردة من الخارج والمحفوظة في علب أو نحوها قد بينت الشريعة الإسلامية حكمها غاية البيان ، فإن هذه اللحوم تنقسم إلى ثلاثة أقسام :(1/23)
الأول : أن يتحقق أنها من ذبائح أهل الكتاب . فهذه حلال بنص الكتاب والسنة والإجماع ، ولم يقل بتحريمها أحد يعتدُّ بخلافه ، قال الله سبحانه : ] وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [ . قال ابن عباس وغيره : (( طعامهم : ذبائحهم )) ، وهذا دون باقى الكفار فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين ، لأن أهل الكتاب يتدينون بتحريم الذبح لغير الله ، فلذلك أبيحت ذبائحهم دون غيرهم ، وروى سعيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (( لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب )) ، وفي حديث أنس : (( أن يهودياًّ دعا رسول الله صلىالله عليه وسلم على خبز شعير وإهالة سنخة )) ، رواه أحمد ، والإهالة الودك والسنخة المتغيرة ، وحديث اليهودية التي أهدت للنبي صلىالله عليه وسلم الشاة المصلية ، وثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال : (( أدلى جراب يوم خيبر فاحتضنته وقلت : لا أعطي اليوم من هذا أحداً ، والتفت فإذا النبي صلىالله عليه وسلم يبتسم ))، وقد صحَّ أن النبي صلىالله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة، وتوضأ عمر من جرة نصرانية .
القسم الثاني : أن تكون هذه اللحوم من ذبائح غير أهل الكتاب ، كالمجوس والهندوس وعبدة الأوثان ونحوهم . فهذه اللحوم حرام ، ولم يقل بإباحتها أحد يعتد به . ولما اشتهر قول أبى ثور بإباحتها أنكره عليه العلماء ، فقال الإمام أحمد : أبو ثور كاسمه ، وقال إبراهيم الحربى : خرق أبو ثور الإجماع ، وكل قول لا يؤيده الدليل لا يعتبر :
وليس كل خلاف جاء معتبر حتى يكون له حظ من النظر
قال الله سبحانه : ] وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [ ، مفهومه أن غير أهل الكتاب لا تباح ذبائحهم ، وروى أحمد بإسناده عن قيس بن السكن الأسدي قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : (( إنكم نزلتم بفارس من النبط ، فإذا اشتريتم لحماً فإن كان من يهودي أو نصرانى فكلوا ، وإن كان من ذبيحة مجوس فلا تأكلوا )) .(1/24)
ولأن أهل الكتاب يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم ، كما ذكره ابن كثير وغيره بخلاف غيرهم .
والمجوس وإن أخذت منهم الجزية تبعاً لأهل الكتاب وإلحاقاً بهم ، فإنهم لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم ، وأما ما يروى (( سنوا بهم سنة أهل الكتاب )) فلم يثبت بهذا اللفظ ، على أنه لا دليل فيه ، إذ المراد : سنوا بهم سنة أهل الكتاب فيما ذكر من أخذ الجزية منهم ، ولو سلم بصحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية : ] وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم[ .
القسم الثالث : أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم . فالقواعد الشرعية تقضي بالتحريم ، فإن القاعدة الشرعية : (( أنه إذا اشتبه مباح بمحرم حرم أحدهما بالأصالة والآخر بالاشتباه )) ، والقاعدة الأخرى : (( إذا اجتمع مبيح وحاظر قدم الحاظر )) ، لأنه أحوط وأبعد من الشبهة ، والأدلة دلت على البعد عن مواضع الشبهة ، كما في الحديث : (( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعرفهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه )) .
وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول : (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )). رواه النسائى والترمذي وصححه .
ومما استدلوا به على التحريم في موضع الاشتباه : حديث عدي رضي الله عنه : (( وإذا أرسلت كلبك المعلم فوجدت معه كلباً آخر فلا تأكل ، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره )) ، وفي رواية : (( إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله ، فإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل ، فإنك لا تدري أيهما قتله )). متفق عليه .(1/25)
أما هذه اللحوم فإنها وإن كانت تستورد من بلاد تدعى أنها كتابية ، فإنها حرام وميتة ونجسة فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ، وتحرم قيمتها كما في الحديث : (( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه )) ، وذلك لوجوه عديدة :
أولاً : أن هذه الدول في الوقت الحاضر قد نبذت الأديان وخرجت عليها ، وكون الشخص يهوديا أو نصرانيا هو بتمسكه بأحكام ذلك الدين ، أما إذا تركه ونبذه وراء ظهره فلا يعد كتابيا ، والانتساب فقط دون العمل لا ينفع ، كما أن المسلم مسلم بتمسكه بدين الإسلام ، فإذا تركه فليس بمسلم ولو كان أبواه مسلمين ، فإن مجرد الانتساب لا يفيد . وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في نصارى بني تغلب : (( إنهم لم يأخذوا من دين النصرانية سوى شرب الخمر )) .
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله بعد كلام : (( وكون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيد بنفسه لا بنسبه ، فكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل ، وسواء كان دخوله بعد النسخ والتبديل أو قبل ذلك ، وهو المنصوص الصريح عن أحمد ، وكان بين أصحابه خلاف ، وهو الثابت عن الصحابة بلا نزاع بينهم ، وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم )) .
الثاني : أن ذبائح المذكورين الآن إما موقوذة أو مختنقة . والمختنقة التى تخنق فتموت ، والموقوذة التى تضرب فتموت ، وقد قال الله سبحانه وتالى : ] حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة [ .
وقد تحقق أن هذه الدول الآن تقتل البهيمة إما بواسطة تسليط الكهرباء فتموت خنقاً ، وإما بضربها بمطرقة في مكان معروف لديهم فتموت حالاً ، وهذا محقق عنهم لا يمتري فيه أحد ، فقد كتبت عنهم عدة كتابات في هذا الصدد .(1/26)
فتحقق أن ذبائحهم ما بين منخنقة وموقوذة ، وهذه لا يمتري أحد بتحريمها ، فقد حرمها الله في كتابه ، وقرن تحريمها بتحريم الميتة والخنزير وما أهل به لغير الله ، وهذا غاية في التنفير والتحريم ، فلا يبيحها كون خانقها أو واقذها منتسباً لدين أهل الكتاب .
وقد صرح العلماء أن من شروط صحة الذبح الآلة ، وللآلة شرطان :
أحدهما : أن تكون محددة تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها ، وفي حديث عدي قال سألت النبي صلىالله عليه وسلم عن صيد المعراض فقال : (( ما أصاب بحده فكله ، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ)) .
والثاني : أن لا تكون سناًّ ولا ظفراً .
فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيء حل الذبح به لقوله صلىالله عليه وسلم : (( وما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر )) ، متفق عليه .
وقال في المغنى : وأما المحل - أي : محل الذبح - فالحلق واللبة ، وهى الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ، ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع .
الثالث : أن الله أباح ذبائح أهل الكتاب لأنهم يذكرون اسم الله عليها ، كما ذكره ابن كثير وغيره .
أما الآن فقد تغيرت الحال ، فهم ما بين مهملٍ لذكر الله فلا يذكرون اسم الله ولا اسم غيره ، أو ذاكرٍ لاسم غيره كاسم المسيح أو العزير أو مريم ، ولا يخفي حكم ما أهل لغير الله به ، وفي سياق المحرمات ] وما أهل به لغير الله [ ، وفي حديث علي : (( لعن الله من ذبح لغير الله ... )) الحديث رواه مسلم والنسائى ، أو ذاكرٍ عليه اسم الله واسم غيره ، أو ذابحٍ لغير الله كالذي يذبح للمسيح أو عزير أو باسمهما ، فهذا لا يشك مسلم بتحريمه وأنه مما أُهِلَّ به لغير الله ، وذكر إبراهيم المروذي أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل لغير الله اهـ .(1/27)
فمن ذبح للصنم أو لموسى أو لعيسى أو غيرهما فكل هذا حرام ولا تحل الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو كافراً ، وبعضهم أباح هذه الذبائح مستدلاً بقوله : ] وطعام الذين أوتوا الكاب حل لكم [ وهذه ذبائحهم . والصحيح ما ذكرنا لما أشرنا إليه من الأدلة ولا مخالفة حتى يطلب الجمع ، إذ ذبيحة الكتابي مباحة فلا تباح المنخنقة والموقوذة وما أُهِلَّ به لغير الله لأن خانقها وواقذها وذابحها من أهل الكتاب .
قال الشيخ تقى الدين ابن تيمة بعد كلام في الجمع بين قوله : ] وما أهل به لغير الله [ وقوله : ] وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [ قال : والأشبه بالكتاب والسنة ما دلَّ عليه كلام أحمد من الحظر ، وإن كان من متأخري أصحابنا من لا يذكر هذه الرواية بحال ، وذلك لأن قوله : ] وما أُهِلَّ به لغير الله وما ذبح على النصب [ عموم محفوظ لم تخص منه صورة ، بخلاف ] طعام الذين أوتوا الكتاب [ فإنه يشترط له الذكاة المبيحة ، فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته ، ولأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم ، والمسلم لو ذبح لغير الله وذبح باسم غير الله لم يبح ، وإن كان يكفر بذلك ، فكذلك الذمى . لأن قوله : ] وطعام الذنى أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم [ سواء وهم وإن كانوا يستحلون هذا ونحن لا نستحله فليس كل ما استحلوه يحل لنا ، ولأنه قد تعارض دليلان حاظر ومبيح ، فالحاظر أولى أن يقدم ، ولأن الذبح لغير الله أو باسم غيره قد علمنا يقيناً أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام فهو من الشرك الذي قد أحدثوه ، فالمعنى الذي لأجله حلت ذبائحهم منتفٍ في هذا ، والله أعلم اهـ .
وأما حكم متروك التسمية فقط عمداً أو سهواً فهذه المسألة الخلاف فيها شهير ، والحكم - ولله الحمد - واضح .(1/28)
الرابع : أن موضوع الذبح الإختياري معروف ، وهو في الحلق واللبة ولا يجوز في غير ذلك إجماعاً ، وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث النبي صلىالله عليه وسلمبديل بن ورقاء يصيح في فجاج مكة : (( ألا إن الذكاة في الحنق واللبة ))رواه الدارقطني بإسناد جيد ، وروي عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : (( نهى رسول الله صلىالله عليه وسلم عن شريطة الشيطان )) ، وهى التى تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ، رواه أبو داود . وروى سعيد في سننه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل ، إسناده حسن ، والودجان : عرقان بالحلقوم .
وهذا معدوم في ذبائح المذكورين كما ذكرناه سابقاً فلا تحل ، قال في مغني ذوي الأفهام : (الثالث : أن يقطع الحلقوم والمريء بالآلة ، فإن خنقها أو عصر رأسها بيده أو ضربها بحجر أو عصاً على محل الذبح لم يحل أكلها ) .
الخامس : لو فرضنا أنه يوجد في تلك البلدان من يذبح ذبحاً شرعياًّ ، ويوجد من يذبح ذبحاً آخر كالخنق والوقذ ، فلا تحل للاشتباه ، كما هى قاعدة الشرع المعروفة ، ولحديث عدي المتقدم . قال ابن رجب بعد كلام : ( وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد ، فإن تردَّد في شيء من ذلك لسبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه ؛ فما أصله الحرمة بنى على التحريم ، ولهذا نهى النبي صلىالله عليه وسلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم أو كلب غير كلبه ) اهـ .(1/29)
أما حديث عائشة رضي الله عنها : أن أناساً يأتوننا باللحم ولا ندري أذكروا اسم الله عليه ؟ فقال النبي صلىالله عليه وسلم: (( سموا الله أنتم وكلوا )) أخرجه البخاري . فالجواب أن هؤلاء مسلمون ولكنهم في الحديث حديثٌ عهدُهم بالإسلام ، وإنما أشكل هل يسمون أم لا ، والتسمية سهلة بالنسبة إلى غيرها ، فإن المذكورين في حديث عائشة مسلمون والأصل في ذبحهم الإباحة ، وكذلك فيما جلب من بلاد المسلمين كان هو معروفاً ومصرحاً به في كلام أهل العلم .
وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذه العجالة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
حُكم ذبائح أهل الكتاب
أولاً : لا إشكال في حلّ ذبائح أهل الكتاب لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ).
ثانياً : ينبغي أن يُعلم أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى ، وإن بدّلوا دينهم أو حرّفوه ، فهم أهل الكتاب طالما أنهم ينتسبون لليهودية أو النصرانية.
ثالثاً : يُشترط لِحلّ ذبائح أهل الكتاب أن يذبحوا الذبح الشرعي ، فلو خنقوا ذبائحهم أو صعقوها بالكهرباء ونحو ذلك من الطرق لم تحلّ ذبائحهم ، وهذه الطرق لو ذبح بها مسلم لم يحلّ الأكل منها إلا عند الضرورة التي تُبيح الأكل من الميتة .
رابعاً : لا يزال اليهود إلى اليوم يذبحون الذبح الشرعي ، ولذا فلن أتناول ذبائح اليهود إذ لا إشكال فيها .
خامساً : الطُّرق المستخدمة عند النصارى في الذبح.
تختلف باختلاف البلدان ، وتختلف أيضا باختلاف المذبوح.
ومن زار تلك الدول أو سمع من بعض المسلمين الذين يُقيمون في البلدان الأوربية أو الأمريكية عَلِمَ حقيقة ذبائح النصارى اليوم.
وكثير من المسلمين الذين يعيشون في تلك البلدان لا يأكلون من ذبائح النصارى لعلمهم بحقيقة الذبح وحقيقة المسالخ والمصانع.
بل ويدأبون على توفير اللحم الحلال للسجناء ، وللمرضى في المستشفيات(1/30)
وحدثني دكتور عربي يُقيم في فرنسا منذ ثلاثين عاماً أنه لا يأكل اللحوم التي يذبحها النصارى ، حتى إنه عندما أُصيب بحادث ودخل المستشفى بقي ستة أشهر لا يأكل اللحم ليقينه بأنها لم تعُد ذبائح ، وإنماهي ميتة .
ولما كثُر الكلام عليه قال لهم : إنه نباتي لا يأكل اللحوم ؛ فتركوه !!
وحدثني شاب مسلم يُقيم في فرنسا أنه عمِل في مسلخ للدجاج ، وأن ذبح الدجاج في تلك المسالخ يتم كالتالي :
أولاً : تُعلّق الدجاج من أرجلها.
ثانياً : تُمرر الدجاج على حياض مكهربة مملوءة بالماء.
ثالثاً : بعد صعقها بتلك الطريقة تخرج إلى مشرط يقص الرأس ، وأحيانا تكون يكون مستوى رأس الدجاجة أقل من مستوى الأمواس فيُقطع بعض الرأس.
وحدثني مسلم آخر يُقيم في فرنسا بمثل هذا.
وقد رأيت آثار بعض ذلك في بعض المطاعم ، فقد قُدّم لي دجاجة بنصف رأس !!!
وأما الأبقار أو الأغنام فإنها إما أن تُصعق بالكهرباء ، وإما أن تُضرب على الرأس.
ويزعمون أن ذلك أرحم للحيوان.
وفي أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية توصّلت الهيئة بعد طول بحث وتحرّي ، وبعد أن سألت من يُقيم في تلك الدول ، وبعد أن أوفدت من يبحث ويسأل ويستقصي تبيّن للهيئة المنع من أكل تلك الذبائح .
وكان ممن أوفد لأوروبا الشيخ عبد الله الغضية ، وقد أكّد – حفظه الله – على أنه إذا زاد العرض على الطلب في مزارع الدواجن أنه يتم تخزين الدجاج الحي في ثلاجات تحت درجة برودة شديدة ، يموت معها الدجاج ويبقى مُثلّجاً حتى تأتي الحاجة إلى إخراجه وتنظيفه.
وقد سألت الهيئة الشيخ صالح محايري – داعية مُقيم في البرازيل – ، وقد ذكر بعض تلك الطرق عن شركة ( ساديا )كماكدت تلك الأبحاث أن من يُعطي الشهادات لبعض تلك الشركات هم من الفرق المنحرفة عن الإسلام ؛ كالقاديانية وغيرها، بقصد جمع الأموال.(1/31)
وقد استلّ الجزء المتعلق بالذبائح من أبحاث هيئة كبار العلماء وطُبع مفردا في كُتيّب تحت عنوان : حُكم الذبائح المستوردة .
ولا يُعفي المسلم بعد علمه بذلك أن يقول : كُتِب عليها عبارة ( حلال ) أو ( على الطريقة الإسلامية ) فهذه مجرّد أختام.
وقد وُجدت بعض الأسماك المُعلبة مكتوب عليها : ( ذُبحت على الطريقة الإسلامية ).
والحل: أن لا يأكل المسلم إلا ما تيقن حلّه ، وعلِم بطريقة ذبحه .فإن كان يُقيم في بلاد الكفر فعليه أن يشتري اللحوم من المحلات التي تبيع اللحم الحلال ، أو يشتري مما يقوم على ذبحه اليهود في بعض تلك الدول ، أو يأكل المأكولات البحرية .ولا يتهاون في هذا الجانب ، فأيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به.
والله تعالى أعلم .
كتبه عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الذبائح واللحوم المستوردة
للإمام الشهيد عبد الله عزام
نشر واعداد:
مركز الشهيد عزام الإعلامي
بيشاور - باكستان
حقوق النشر محفوظة
المقدمة{1}
1- كتبت هذه المقدمة قبل استشهاد الإمام الشهيد بأشهر.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فهذه الرسالة كنت قد كتبتها قبل سنوات عند بداية ترددي على الغرب من خلال مؤتمرات الطلبة خاصة أمريكا التي كانت لرابطة الشباب المسلم العربي قصب السبق فيها إلى هذه السنة الحميدة، وهي إقامة مؤتمر سنوي في العطلة السنوية التي يتفق عليها الغرب {عيد الميلاد: الكريسمس} الذي يكون في نهاية السنة الميلادية ثم تبعث منظمة: {Muslem Arab Youth Association Maya} كثير من المنظمات الإسلامية، وقد كانت رابطة الشباب المسلمين في أمريكا قد انبثقت من اتحاد الطلبة المسلمين {MSA} الذي بدأ بثلاثة عشر طالبا في شيكاغو {أيوا}.(1/32)
ولقد أهمتني هذه القضية في أسفاري وتعبت في قضية التحر ي وإن أنسى من الأشياء فلا أنسى رحلة إلى إسبانيا وأنا أشق طريقي نحو غرناطة وقرطبة ولم تكن الصحوة الإسلامية هناك قد كونت نواة طيبة بعد، بحيث تتفرد هذه النواة بحوانيت إسلامية خاصة للأطعمة واللحوم المباحة، فكنت آكل في معظم رحلتي الفستق الذي حمص.
ولقد دققت في المسألة وحق لي أن أمحص كثيرا : لأن الغرب له نظامه الحياتي الخاص: فالميتة والخنزير ليست داخله في قائمة المحرمات في حياته اليومية، بل الخنزير وشحمه يدخلان في كثير من الصناعات والحلويات، وأصبحت حياة المسلم في الغرب جحيما لايطاق فالمغريات من كل جانب والمحرمات في معظم الأطعمة حتى الخبز تجد أن أكثر من نصفه في بعض الأقطار مدهون بشحوم الخنزير.
ثم انتقلت المأساة إلى معظم أقطار المسلمين وصارت الدول والشعوب الإسلامية تستورد اللحوم من الأقطار الشيوعية والغربية، ولا ترعى فيها حرمة ولا حلا ، وعندما تتعالى الصيحات من هنا أو هناك ممن يتحرجون من أكل اللحوم المستوردة يختم على اللحوم {مذبوح على الطريقة الإسلامية} فإذا استجابت الدولة لبعض الصرخات فإنها ترسل وفدا من وزارة التموين ليشرف على المذبح، وقد توكل سفارتها في البلد المصدر للحوم بأن يراقب الذبح، والمسألة غالبا لا تتعدى ذر الرماد في العيون إذ أن هذه القضية غالبا لا تهم أعضاء السلك الدبلوماسي الذين يعملون في سفارات البلدان الإسلامية في العالم الغربي أو الشرقي،وهم غالبا لا يحفلون كثيرا بهذه القضايا ولا يهتمون بها فضلا عن أن يصرفوا أوقاتهم كلها في المسالخ يسمون على الذبائح ويكبرون عليها كلما مرت ذبيحة سموا وكبروا.
وزاد الطين بله أن وزارات التموين في العالم الإسلامي كذلك لا تأبه بهذه القضايا وتعتبرها من قبيل التزمت والإنغلاق والتعصب لدى بعض المتدينين لضيق أفقهم وتطرفهم.(1/33)
وليت شعري ماذا تقول إذا علمت أن وزارة التموين في بعض البلدان الإسلامية {وزارة التحليل والتحريم في المطعومات} لا يستلمها غالبا إلا النصارى الذين يرفضون الإستيراد من تركيا المسلمة ويأبون إلا أن يستوردوا اللحوم من الدول الشرقية مثل بلغاريا وغيرها، رغم أن اللحم التركي أنظف وأرخص غالبا .
الفتاوي:
ولقد تصدى بعض الأفاضل من المتفقهين والعلماء ممن يتصدرون للفتوى في البلدان الإسلامية: فأفتوا بحل اللحوم المستوردة بناء على القاعدة القائلة: {الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم} ولكن فات هؤلاء العلماء الأفاضل ذكر الإستثناء وهو: {الأصل في الأشياء الإباحة إلا في اللحوم والفروج}.
وقد نص على هذه القاعدة فقهاء المذاهب الأربعة وجمهور المحدثين، وقد لخصها قول النووي {الأصل في الحيوان التحريم حتى تتحقق ذكاة مبيحة} أو كما عبر عنها الخطابي {البهيمة أصلها على التحريم حتى تتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك}.
الفقه لجيل الصحوة:
ونحن إذ نكتب مثل هذه المقالات الفقهية إنما نعني بها أبناء الصحوة الإسلامية ممن التزموا الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، وأخذوا على أنفسهم تطبيق الحلال والحرام في حياتهم الخاصة والعامة في كل صغيرة وكبيرة.
فكل ما نكتبه في مجال الفقه إنما يراد به الفئة المؤمنة التي عزمت على السير في الطريق إلى الله، فهؤلاء لا بد لهم من حلول للمشاكل التي تعترض طريقهم وعلى ضوء الكتاب والسنة، وهذا فقه عملي حركي جاد وليس افتراضا لمشاكل تعرض للخيال، أو يتمحلها التفكير ويتصنعها.(1/34)
أما الفقه النظري الذي لا صلة له بعالم الواقع فقد كان السلف يكرهون السؤال عما لا يقع وعلى رأسهم عمر وابنه، ومعاذ رضي الله عنهم، وقد كانوا إذا سئلوا عن مسألة يقولون: أوقعت؟ فإن قيل: لا، قالوا إن لنا في الواقع شغلا ، وكانوا يريدون: لا تسأل عما لم يقع، ومن هذا الباب أن تطوي الحياة وأن تدرس عن فقه ليس له مجتمع الآن يطبقه ويتحاكم إليه.
يجب أن ندرس الفقه والأصول لنقدم حلولا لمشاكل الشباب المسلم الذي يعاني منها، فهذا الفقه ضروري للجيل المقبل على الله: فقه العمل والحركة لا فقه الأوراق والتخيلات والنظريات
إن تقديم حلول للشباب المسلم ضرورة ملحة لهم، كيف يواجهون مشاكل الربا ويحلونها، ويطمئنون وهم يعملون في الدوائر بوظائف ويحيك في صدورهم من مزاولتها شيء، ويخشون أن يلحقهم بعض الإثم منها، لا بد أن يزاول الشاب المسلم عمله دون أن يتلجلج في صدره حرج، ودون أن يتلعثم في شغله وطريقه.
كل هذا مع تذكر الحقيقة الكبرى، أنه لا يمكن أن يتخلص الجيل من الحرج، ولا أن يجد طعم الراحة وبرد الطمأنينة والاستقرار دون أن يظله مجتمع مسلم، ترفرف فوق رأسه راية الإسلام وتمده الشريعة بثمارها جنية دانية.(1/35)
الطريق إلى المجتمع الإسلامي: والطريق إلى المجتمع الإسلامي واحد لا يتغير وهو نفس الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة المجتمع الإسلامي وهو: قيام دعوة جادة إلى الله -عز وجل- تلتزم العقيدة الصحيحة منذ بداية الطريق تتضح في قلوبها ونفوسها عقيدة التوحيد {توحيد الربوبية والألوهيه والأسماء والصفات} ثم ينضم إليها الصفوة من أبناء المجتمع ثم تقوم معركة باردة -بالكلام والتشويه والسخرية- وبعد لأي وقت- تقوم معركة ساخنة بالسلاح تكون الدعوة -الحركة الإسلامية- صاعقها وفتيلها ويمتد القتال طويلا وينضم الشعب تدريجيا وعلى طريق الجهاد{ القتال} الطويل مع المعاناة المريرة والغصص الأليمة يكل البعض عن السير فينسل لواذا أو يستأذن بحياء وأدب معتذرا ببعض مشاكل الحياة فيغادر ساحة الجهاد ليجد طريقا أجدى وأسلوبا أنفع لمصلحة هذا الدين فوق بقعة أخرى يستعمل فيها اللسان بدل السنان ويحاول أن يحل المشاكل العائلية التي أرهقت أهله وهو فوق أرض النار والفخار فينتقل إلى بقعة اخرى من الأرض يعيش فيها ممزقا بين عذاب الضمير الذي يهتف من الأعماق ليرده إلى أرض الجهاد وبين واقع ثقيل وقيود متينه تشده إلى الأرض فيبقى حائرا شبه مشلول في حياته وحركته.
ويثبت قسم على لأواء الطريق وجمر المسيرة حتى يفتح الله وينزل نصره وهذه الفئة هي التي يجعلها الله ستارا لقدره وأداة لتنفيذ مشيئته.
السفر: ولقد كانت قضية حل الأطعمة ولا زالت مشكلة تواجهني في أسفاري الطويلة إذ أنني لا زلت أحمل زادي الحلال الذي يصنع في البيت لطول الطريق في الذهاب وأطلب من الأخ الذي أنزل عليه في أمريكا أن يعد طعاما لطريقي في الإياب.(1/36)
وإنني أتحرج كثيرا أن آكل من طعام أية شركة طيران أبدا -عربية أو إسلامية أو غربية- اللهم إلا الشركة الباكستانية لأني أعلم أن باكستان لا تستورد اللحوم، ولذا فإني آكل في شركة {P.I.A} منذ أن نغادر باكستان حتى نحط في محطة أخرى لأني أعلم أنها ترتب وجبتها في الغرب من المدن الغربية.
وقد أطلب أحيانا طعاما بحريا -السمك وغيره {Sea Food} أو وجبة تسمى{Kosher Meal} وجبة يهودية، اللهم عافنا من أهل الشرك والضلال، وذلك لأني أعلم أن اليهود لا يأكلون الميتة ولا الخنزير ويذهب الحاخام بنفسه ليشرف على الذبح في المسالخ وذبحهم كالطريقة الإسلامية تماما .
وقد أطلب وجبة إسلامية {Islamic Meal} لأن الطلبة المسلمين في أمريكا طلبوا من بعض الشركات هذه الوجبة في السفر.
النتيجة:
والذي أريد أن أخلص إليه أن يتيقن الجيل المسلم أنه لا بد من راية إسلامية ومجتمع إسلامي حتى تعم السعادة أبناء هذا المجتمع وتلف الطمأنينة أجياله ويعم الرخاء والرغد أرجاءه وجنباته.
ولا بد من العمل الجاد لإقامة هذا المجتمع مهما جلت التضحيات وعلت الأثمان ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر وإن الدنيا بمن فيها لتبدو صغيرة تافهة إذا قدمت كلها ثمنا لقيام المجتمع المسلم، لأن لحظة رضى من الرحمن، وتطبيق شرع الله ولو لأيام خير من الدنيا وما فيها.
{قل متاع الدنيا قليل والآخره خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا}
{النساء: 77}
هذه كلمة قدمتها بين يدي هذا البحث المتواضع الذي أرجو الله ان ينفعني به، وأن يجعل ثوابه في ميزاننا خالصا يوم القيامة.
القاعدة الكبرى:
وقد ركزت كثيرا على قضية أصولية لأن مدار البحث يدور عليها، وهي التي لخصها قول النووي: {الأصل في الحيوان التحريم حتى تتحقق ذكاة مبيحة}.
أو كما عبر عنها الخطابي: {البهيمة أصلها على التحريم حتى تتيقن وقوع الذكاة فهي لا تستباح بالأمر المشكوك}، وهذا قول جمهور الفقهاء والمحدثين.(1/37)
وقد وجدت أن جميع الفقهاء يشيرون إلى هذه القاعدة تلميحا أو تصريحا وسافصل هذا وأورد النصوص التي وجدتها مسطرة في أمهات الكتب الفقهية وساثبت صفحاتها وأبوابها -إن شاء الله-.
وسأمر بأذن الله مرورا سريعا على بعض القضايا التي تختص بالذكاة كالتسميه، وآلة الذبح، الذكاة الإضطرارية والمذكي {الذابح} وطريقة الذكاة.
وآمل من الله أن يجعل الإخلاص والحق هدفنا ومبتغانا وأن يرزقنا الصواب والإخلاص لأن الله عزوجل لا يقبل عملا إلا خالصا صوابا {خالصا من الرياء والشرك، وصوابا مستقيما موافقا للكتاب والسنة} هذان الركنان الإساسيان في كل عمل، الإخلاص والصواب، مع ابتهالي إلى الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يفتح علينا فتوح العارفين، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه سميع قريب مجيب: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب} { ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا }.
العبد الفقير إلىه تعالى
عبد الله عزام
بسم الله الرحمن الرحيم
الذبائح واللحوم المستورده
التمهيد:
إن الحمد لله نحمده ونسعتينه ونستغفرة، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا ، وبعد:(1/38)
فهذا موضوع طالما أشغلت فيه فكري، وجلت فيه نظري إذ أنه يواجهني كضرورة حياتية أثناء حلي وترحالي، ففي سفري إلى البلاد الغربية -وأثناء تقديم وجبات الطائرات والمطاعم الغربية الأوروبية والأمريكية- كنت أجد العنت والحرج الشديد في تحري الحلال واستساغة اللقمة الطيبة حتى لا ينبت بعض لحمي من حرام -فكل لحم نبت من حرام أو سحت فالنار أولى به- وكذلك تواجه هذه المشكلة كل مسلم في أسواقه، حيث الطيور التي تشوى في الأسواق أمام ناظريه، وكذلك البقالات والمطاعم التي تبيع اللحوم المستوردة.
ولقد رجعت إلى النصوص في الكتاب والسنة وإلى شروح كتب السنة والكتب الفقهيه لعلي أستقر في المسألة على قرار.
والآن أدلي بدلوي فإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وإن كان حقا وصوابا فمن الله تعالى، وأرجو الله عز وجل أن يأجرني فيما أكتب ويغفر لي زلاتي إن أخطأت أو جهلت.
لقد كان الدافع المباشر لكتابة هذا الموضوع مقال كتبه فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود -رئيس المحاكم الشرعية في قطر- وكنت قد أطلعت من قبل على كتابه {فصل الخطاب في حل ذبائح أهل الكتاب} واطلعت على الرد عليه الذي كتبه فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد جزاه الله خيرا {رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية} ولقد أجاد كثيرا ، وإذا تتبعنا الموضوع بتفصيلاته وأدلته وأقوال الفقهاء فيه فإن الأمر يطول بنا، ولذا فسأحاول جهدي أن أختصر اختصارا غير مخل مع بيان الحكم الشرعي، وألا أورد إلا الحديث الصحيح ثم أورد له شواهد قد تنزل عن مرتبة الصحة أو الحسن.
ولا بد أن نستدل بأقوال المحدثين والمفسرين والفقهاء لبيان معنى النص الشرعي ولاستنباط الحكم الذي قرروه في المسألة، وسأتعرض في هذا الموضوع -إن شاء الله- إلى القضايا التالية:
1- الذكاة الشرعية {الذبح على الطريقة الإسلامية}.
2- السؤال عند الإشتباه والجهل والشك.
3- الأصل الذي يرجع إليه عند الشبهة والشك.(1/39)
4- الذبائح التي تذبح وبجانبها مسجل يردد {بسم الله والله أكبر}.
5- الذبح من القفا.
6- الشهادات التي ترفق مع الذبائح المستوردة.
7- واقع المسالخ، ومصانع اللحوم الغربية.
المؤلف
معنى الذكاة لغة وشرعا
أ- أصل الذكاء في اللغة:
تمام الشيء وكماله، ومن ذلك الذكاء في السن والفهم تمامها.
ورجل ذكي : أي سريع الفهم تام القبول.
وذكيت النار: أتممت وقودها، ويقال للشمس ذكاء.
وفعل الذكاة: ذكا يذكو ذكوا وذكا وذكاء {بالقصد والمد}: أتم.
ويقال فرس مذك: إذا أستتم قروحه بأن أستتم الخامسة وسقطت سنه التي تلى الرباعية وذلك تمام قوته.
والتذكية: الذبح والذكي من النعم: أي لبذبيح.
إلا ما ذكيتم: إلا ما ذبحتموه على التمام.
والذكاة في الحيوانات مأخوذة من التطييب والتطهير لأن الذكاة في الحيوانات تطهر اللحم وتطيب الأكل لأنها تفصل عنه الدم النجس المسفوح.
يقال: مسك ذكي، وذاك وذكية: أي ساطع ريحه الطيب.
يقال: رائحته ذكية: أي طيبة نافذة.
قال قيس بن الخطيم:
كأن القرنفل والزنجبيل وذاكي العبير بجلبابها
وفي حديث محمد بن علي: ذكاة الأرض يبسها يريد طهارتها من النجاسة: جعل يبسها من النجاسة الرطبة في التطهير بمنزلة تذكية الشاة في الإحلال لأن الذبح يطهرها ويحلل أكلها{1}. 1- أنظر لسان العرب {81/313} والقاموس المحيط {4/033}، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير {2/461}، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص{004}، وانظر تفسير القرطبي {6/35}.
وقال الماوردي: الذكاة في اللغة التطييب من قولهم رائحة ذكية: أي رائحة طيبة فسمي بها الذبح التطييب أكله بالإباحة{1}. 1- أنظر النهاية في غريب الحديث {2/461} وتحفة الفقهاء للسمرقندي {3/29}، وحاشية الشربنلالي - الدرر- الغرر {2/433}.
ب- الذكاة شرعا :(1/40)
تطلق على الذبح والنحر جميعا {1}، 1- أنظر كفاية الأخبار للحصيني {2/324}. والذبح: قطع الأوداج، وهو ذبح بين اللبة والحيين {واللبة: موضع القلادة من الصدر} والوهدة التي بين أصل العنق والصدر وتستعمل النحر في الإبل والذبح في الغنم والبقر.
فالذكاة في الشرع: هو الذبح بطريق مخصوص، أو قطع مخصوص وهو نوعان:
1- اختياري: في الحيوان الذي نقدر عليه: ذكاته في لبته وحلفه.
2- اضطراري: في الحيوان الذي لا نقدر عليه وهو .
أ- الصيد.
ب- الحيوان الناد {الهارب} والمتردي في بئر: فهذا ذكاته حيث قدر عليه.
وكمال الذبح {الذكاة} في قطع أربعة أشياء: قطع الحلقوم والمرىء والودجين واختلف في المجزىء منها، فمنهم من قال: ثلاثة كالحنفية، ومنهم من قال: اثنان {المرىء والبلعوم} كالشافعية{1}. 1- أنظر الدرر شرح الغرر {1/543} وكفاية الأخبار للحصني {2/324}.
ركن الذكاة:
ركن الذكاة هو الحيوان المأكول اللحم، فيجب أن يكون حيوانا مأكولا أي مما أحله الله، لأن الذكاة لا تعمل في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، ففي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم في الحمر: {أكفؤوها فإنها رجس}{1}. 1- أنظر إرواء الغليل للألباني {8/731}.
ففي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأصحابه: {...علام أوقدتم هذه النيران؟ قالوا: على لحوم الحمر الأنسية، قال: أهريقوا ما فيها واكسروا قدورها، فقام رجل من القوم فقال: نهريق ما فيها ونغسلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو ذا}{2}. 2- أنظر تهذيب ابن القيم مع معالم السنن على مختصر أبي داود للمنذري {5/123}.
قال ابن القيم معقبا على الحديث{3} 3- أنظر تهذيب ابن القيم مع مختصر أبي داود {5/123} وأحكام الأحكام لابن دقيق العيد {2/403}. وهو صريح في أن {ما لايؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة وأنها لا تعمل فيه شيئا }.(1/41)
وقال صاحب الدرر{4}: 4- درر الحكام شرح غرر الأحكام {2/443}. {الذكاة تحل المأكول وتطهر غير نجس العين -لأن نجس العين كالكلب لا يطهر أبدا } والأصل في جنس الحيوان الحل ما لم يرد دليل التحريم أما لحم البري فحرام حتى يذكى لقوله تعالى:
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا }
{البقرة: 92}
وقوله تعالى:
{يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات}
{المائدة: 5}
وقوله تعالى:
{....أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
{المائدة: 1}
وفي الآية:
{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به}
{الأنعام: 541}
وكذلك:
{...وقد فص للكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}
{الأنعام: 911}
فالمحرمات هي المفصلة وأما المباحات فهي كثيرة غير محصورة.
فالأصل: كل طيب حلال وكل خبيث حرام.
{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}
{الأعراف: 751}
الميزان: وميزان معرفة الطيب من الخبيث ذوق العرب أثناء نزول الرسالة فكل حيوان استطابته العرب فهو حلال إلا ما ورد الشرع بتحريمه{1}، 1- أنظر كفاية الأخبار للحصيني {2/634}، وانظر معجم الفقه الحنبلي {2/546}، وانظر المغني لابن قدامه مع الشرح الكبير {11/56}، والمغني {8/585}، وانظر حاشية ابن عابدين {6/503}. ويعتبر ذوق أهل الحجاز خاصة وما وجد في أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد الى أقرب ما يشبهه في الحجاز فإن لم يشبه شيئا منها فهو مباح.
أقسام الحيوانات، وعلى هذا فاعلم أن الحيوانات قسمان:
أ- البحرية: وهي نوعان:(1/42)
1- فما كان منه على صورة السمك ولا يعيش خارج الماء فهو حلال باتفاق الفقهاء، إذا أجمع الفقهاء على اباحة السمك إلا أن الحنفية خالفوا في السمك الطافي فإنهم يكرهونه{2}. 2- تحفة الفقهاء {3/88}، وبدائع الصنائع {6/574}.
2- ما ليس على صورة السمك: فالأصح عند الشافعية{3} 3- المجموع {9/72}، وكفاية الأخيار {2/544}. أن كل ميتات البحر حلال غير الضفدع سواء ما مات بسبب وغيره، وبه قال مالك وأحمد{4} 4- منار السبيل {2/514}. ولكن مالكا كره خنزير البحر{5} 5- بداية المجتهد {1/654}. وأما الشافعي فقد قال: يؤكل خنزير البحر وفأر الماء، وقال النووي: الأصح أن السمك يقع على جميعها والراجح أنها لا تحتاج إلى ذكاة{6} 6- كفاية الأخيار {2/544}. واحتجوا بالآية:
{أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة}
{المائدة: 69}
قال ابن عباس وغيره: صيده ما صدتموه، وطعامه ما قذف لكم، وفي الحديث الصحيح عن البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته {7} 7- إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل {1/24، 9/941} وصحح الحديث ابن حزيمة وابن حبان، أنظر الإجابة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة ص{922}. صححه الترمذي والبخاري، وفي الصحيحين{8} 8- أنظر المجموع للنووي {9/72}. عن جابر وهو يتحدث عن سرية الخبط: {...ثم إن البحر ألقى إلينا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منه نصف شهر حتى صلحت أجسامنا}، وفي زيادة صحيحة عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أمعكم منه شيء .
ويحرم من حيوانات البحر الضفدع باتفاق الشافعية والحنبلية، وأما الحنفية فإنهم يحرمون كل ما في البحر عد السمك.(1/43)
وكذلك يحرم من حيوانات البحر التمساح لأنه من سباع البحر ويتقوى بنابه ويفترس، وفي الحديث الصحيح عند مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : كل ذي ناب حرام {1}، 1- رواه مسلم، انظر إرواء الغليل {8/931}. وهذا الراجح عند الشافعية والحنبلية{2}. 2- أنظر المجموع {9/72}، والمغني لابن قدامه {8/706}، وكفاية الأخيار {2/544}.
وكل حيوانات البحر لا تحتاج الى تزكية على الصحيح الراجح لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: {كل دابة تموت في البحر فقد ذكاها الله تعالى لكم}{3}، 3- أنظر المغني {8/606}، وكفاية الأخيار {2/544} قال ابن حجر في تلخيص الحبير {4/061} أخرجه البيهقي. وقد روى الأمام أحمد بإسناده عن شريح رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء في البحر مذبوح {4}، 4- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وإسناده صحيح على شرط الشيخين أنظر إرواء الغليل {8/241}. ويستدل كذلك بالحديث الصحيح هو الطهور ماؤه الحل ميتته .
ب- أما الحيوان البري: فهو نوعان:
1-- ما ليس له دم سائل.
2-ما له دم سائل.
1- أما الذي ليس له دم سائل: فكلها حرام عدا الجراد، فالذباب والنمل والنحل والخنافس والزنبور وسائر هوام الأرض كالعقرب وذلك لانها كلها من الخبائث، وقد قال الله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} ومنها القراد والقمل والديدان جميعها.
وفي الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب {النملة والنحلة والهدهد والصرد} ولذا فإنها لا تؤكل.
وأما بعض الحشرات الذي يفقس في داخل الثمر دودا كالتين والتمر والمشمش والدود الذي في الجبنة فإنه لا يحرم أكله، ويرجع أكله الى الطبع والنفس.
وأما حل الجراذ فثبت في الحديث عن ابن عمر: {أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال}{5} 5- الجامع الصغير {1/31}. رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي ورمز له السيوطي بالصحة.
2- أما الذي له دم سائل فهو ضربان:(1/44)
أ- المستأنس.
ب- المستوحش.
أ- فالمستأنس: يحل منه بهيمة الأنعام.
{أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
{المائدة}
ويحل أكل الفرس لحديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل{1}، 1- متفق عليه انظر ارواء الغليل للألباني {8/731}، وقال انظر البخاري {4/61}، ومسلم {6/66}، وانظر كفاية الأخيار {2/734}. وهذا رأي جمهور الفقهاء، وخالف أبو حنيفة فحرم الخيل{2}، 2- انظر تحفة الفقهاء للسمرقندي {3/09}. وأحلها صاحباه أبو يوسف ومحمد.
وأما المستأنس من الطيور فيحل بإجماع الأمة ففي الصحيحيين عن أبي موسى: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج {3} 3- منار السبيل {2/514} وإرواء الغليل {8/841}. وبقية الطيور المستأنسة الأصل فيها الحل ولم يرد فيها نهي.
أما الجلالة من الأنعام: {التي تأكل القاذورات والعذرة} والدجاجة المخلاة التي تأكل النجاسة فإنها تكره كراهية تنزيهإاذا تغير طعم لحمها، ولا يحرم سواء لحمها ولبنها وبيضها، وبه قال الحسن البصري ومالك وداود والحنفية، وكذا لا يحرم ما سقي من الثمار والزروع ماء نجسا {4}. 4- انظر المجموع للنوي {9/47}، وتحفة الفقهاء {3/1}.
واستحب هؤلاء الفقهاء حبس الدجاجة أو الحيوان أياما قبل ذبحه ليزكوا لحمه.
وأما الحنبلية: فإنهم يرون أن الحيوان الذي تخالط النجاسة{5} 5- المغني لابن قدامه {8/495}. طعامها فإن كانت النجاسة قليلة جدا فهو معفو عنها، وان زادت النجاسة: يكره اللحم فإن كان أكثر طعامها من النجاسة فإنها تحرم ويحرم لبنها وفي بيضها روايتان استدلا بحديث ابن عمر: {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها}{6} 6- أخرج الحديث أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وقد صححه الألباني لشواهده وطرقه أنظر إرواء الغليل {8/941}، قال ابن حجر في التلخيص {4/651} اسناده قوي بعد أن أورد مجموع طرقه. وهو صحيح.(1/45)
والراجح في هذه المسألة رأي الجمهور أنه إذا ظهر النتن في اللحم فهي كراهية تنزيه وإلا فلا كراهية فيها، ويدخل في الحكم الدجاج والبقر الذي يدخل في خلطته الدم والنجس.
وأما الحمر الأهلية فهي حرام للأحاديث الكثيرة في الصحيحين منها حديث ابن عمر في الصحيحين: {نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية} وزاد مسلم {يوم خيبر }{7}. 7- تهذيب ابن القيم على مختصر أبي داود {5/123}، وأحكام {2/4003}.
وأما البغال فهي حرام لأنها متولدة بين مأكول وهو الخيل وبين حرام اللحم وهو الحمير، وإذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام الحلال.
ب- أما الحيوانات المستوحشة: فيحرم كل ذي ناب من السبع، وكل ذي مخلب من الطير ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السبع وكل ذي مخلب من الطير}{1} 1- رواه الجماعة إلا البخاري فقد أخرجه مسلم {6/06}، وأبو داود وأحمد البيهقي، أنظر إرواء الغليل {8/141}.
فيحرم النسر والصقر والبازي والحدأة ويحرم الكلب والقط لأنها من السباع، وفي صحيح مسلم: {إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه وليغسله سبعا }{2}، 2- تلخيص الحبير {1/93}. وأما القط فهو سبع ففي صحيح مسلم عن أبي الزبير: {سألت جابرا عن ثمن الكلب والنسور فقال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك}، وفي الصحيحين: {خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرام {الحية والفأرة والغراب والكلب والحدأة}{3} 3- تلخيص الحبير {4/351}. فهذه كلها محرمة.
أما الأرنب البري وغير البري فهو حلال ففي الصحيحين: {أن أبا طلحة ذبح أرنبا وبعث بوركها أو فخذها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله}{4}. 4- متفق عليه في البخاري {4/81}، ومسلم {6/17}، وأصحاب السنن الأربعة، أنظر إرواء الغليل {8/641}، وتلخيص الحبير {4/251}.(1/46)
أما الضبع والثعلب فأباحها الشافعية واستدلوا بحديث جابر أنه سئل عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، قيل أيؤكل؟ قال نعم، قيل: اسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم}{5} 5- تلخيص الحبير {4/251}. رواه الشافعي والترمذي والبيهقي وصححه البخاري والترمذي وابن حبان، وقال بحرمة الضبع والثعلب الحنفية والحنبلية{6}. 6- تحفة الفقهآد للسمرقندي {3/09}، وحاشية ابن عابدين {6/403}، ومنار السبيل {2/114}.
ويحرم الدب والنمس وابن آوى والقرد ويحرم ما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق والغراب والخنافس وتحرم الحية لأن لها نابا من السباع، وأما الضب فهو حلال لأن خالد بن الوليد رضي الله عنه أكله على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم{7}، 7- إرواء الغليل {8/741} والحديث في الصحيحين. وقد وقفت طويلا عند هذه القضية لضرورة الإطلاع على الحرام والحلال من الحيوانات، وخلاصة هذه المسألة على الراجح:
1- أن الحيوانات البحرية كلها مباحة ولا حاجة إلى تذكية أي منها.
2- أن الحيوانات البرية المحرمة لا تعمل فيها الذكاة ولا تطهر لحمها ولا جلدها.
3- أن الحيوانات المقدور عليها لا بد فيها من الذكاة بين اللبة والحلق.
4- أن الحيوانات البرية المباحة والحيوانات المستأنسه الشاردة لا بد من رميها بسهم أو رصاصة بحيث يسيل دمها من أي جزء من أجزاء جسمها لأنه جاء في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال صلى الله عليه وسلم:
{ما أصاب بحده فكله، ما أصاب بعرضه فهو وقيذ}{1} 1- زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للشنقيطي {2/702}، وتلخيص الحبير {2/531}. والوقيذ، الميت بسبب الضرب بثقل كخشبة أو حديدة دون جرح وإسالة دم.(1/47)
وفي رواية عن عدي في الصحيحين مرفوعا {إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصاب بعرضه فلا تأكله}{2} 2- أحكام الأحكام شرح عدة الأحكام لابن دقيق العيد{2/903}. والمعراض: عصا رأسها محدد فإن أصاب بحده أكل لأنه كالسهم وإن أصاب بعرضه لم يؤكل وذلك لأنه كالحجر.
وقد قدمت بهذه المقدمة للضرورة قبل أن نبدأ بشرح الذكاة وأركانها.
الذكاة الشرعية
الذكاة لغة: إما الإتمام، ومنه معنى الآية {إلا ما ذكيتم} أي إلا ما ذبحتموه على التمام.
وإما التطيب والتطهير، ومنه الأثر عن محمد بن الحنفية:{ذكاة الأرض يبسها}{1} 1- أنظر لسان العرب طبعة بولاق {81/413}، وأساس البلاغة للزمخشري {1/602} طبعة دار صادر، وتاج العروس للزبيدي {01/731} طبعة مكتبة الحياة. أي طهارتها} لأن الذكاة تطهر الذبيحة وتطيبها.
والذكاة شرعا : الذبح بشروط، وتفتقر الذكاة إلى خمسة أشياء هي{2}: 2- المغني لابن قدامه {11/24}، ومعجم الفقه الحنبلي {1/553}.
1- الذابح; فيعتبر له شرطان:
أ- دينه: وهو كونه مسلما أو كتابيا .
ب- عقله: فلا تحل ذبيحة المجنون أو السكران أو الصبي غير المميز.
2- الآلة; ولها شرطان:
أ- أن تكون محددة.
ب- أن لا تكون سنا ولا ظفرا .
3- محل الذبح; ويكون في الحلق واللبة {وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر}.
4- الذكر; وهو التسمية {بسم الله، والله أكبر}.
5- الفعل; ويشترط قطع الحلقوم والمرىء والودجين -العرقين- اللذين بجانب العنق، أو معظم هذه الأعضاء.
وأهم ما يعنينا من هذه الشروط في قضية اللحوم المستوردة: الذابح وطريقة الذبح.
وأما التسمية فهي ليست مشكلة في هذا الأمر، إذ أن ذبيحة المسلم لا نسأل عن التسمية عليها، وذبيحة الكتابي نأكلها وإن ترك التسمية عليها.(1/48)
قال الإمام النووي{1}: 1- انظر مجموع شرح المهذب مطبوع مع الشرح الكبير للرافعي {9/87}. {ذبيحة أهل الكتاب حلال سواء ذكروا اسم الله تعالى عليها أم لم يذكروا، لظاهر القرآن العزيز، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور} وقال الزهري {لا بأس بذبيحة نصارى العرب، وإن سمعته يسمي لغير الله فلا تأكل، وان لم تسمعه فقد أحله وعلم كفرهم } ويذكر عن علي نحوه ولنرجع إلى الشرطين الأساسين في قضية الذبائح:
الذابح ومحل الذبح:
1- الذابح: يشترط أن يكون الذابح مسلما عاقلا ، أو كتابيا عاقلا.
واشتراط العقل: حتى يقصد الذبح لأن الذبح عبادة فلا بد لها من نية {وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنبلية}{2} 2- أنظر حكم اللحوم المستوردة للدكتور أبو فارس ص{33}. فلا تجوز ذبيحة السكران والولد غير المميز ولا المجنون.
وعلى هذا: فلا تجوز ذبيحة المشرك ولا الكافر ولا المرتد ولا الوثني ولا الشيوعي ولا الدرزي، ولا النصيري، ولا القادياني ولا البهائي، ولا المجوس، ولا الهندوسي، ولا البوذي.
والدليل على اشتراط كونه مسلما أو كتابيا قوله تعالى:
{اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}
{المائدة: 5}
والمقصود من طعام الذين أوتوا الكتاب هو ذبائحهم: قاله ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن ومكحول والنخعي والسدي ومقاتل.
قال ابن كثير{3}: 3- أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم، أنظر فتح الباري {9/636}. وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء.
وأما ما سوى ذبيحة المسلم والكتابي فهي حرام: أخذا من مفهوم المخالفة -مفهوم الصفة- للآية، ولأن القرآن الكريم سكت عن ذكر غير المسلم والكتابي، وتخصيص ذكرهما يدل على أن ما سواهما حرام {لأن السكوت في معرض الحاجة إلى بيان بيان}.
ولو كانت ذبيحة غيرهما حلال لما كان من ذكر طعام أهل الكتاب فائدة والقرآن منزه عن اللغو.(1/49)
وقد روي سعيد بن منصور بسند جيد عن ابن مسعود {رضي الله عنه}{1}: 1- تفسير ابن كثير {2/91}. {لا تأكلوا من الذبائح إلاما ذبح المسلمون وأهل الكتاب}.
وروى الحاكم في المستدرك عن عكرمة عن ابن عباس {رضي الله عنهما} في رجل ذبح ونسي أن يسمي قال: يأكل، وفي المجوسي يذبح ويسمي، قال: لا تأكل.
وقال الحاكم{2}: 2- انظر كشاف القناع {6/302}. صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وقد روى عبد الرزاق في مصنفه مثله عن ابن عباس {رضي الله عنهما}.
ملاحظة: هذه الحاشية موجودة ولا يوجد إشاره أو علامه لها في النصوص في الكتاب الأصلي أرجوا الإنتباه {عامر}. 3- المستدرك للحاكم {4/332}.
وفي مصنف عبد الرزاق عن جابر{1} 1- مصنف عبد الرزاق {4/964}. {رضي الله عنه}:{لا تأكل صيد كلب المجوسي ولا ما أصاب سهمه} وعنه مجاهد مثله، وروى الدارقطني{2} 2- سنن الدراقطني {4/492}. عن جابر {رضي الله عنه} مثله، وروى عبد الرزاق{3} 3- مصنف عبد الرزاق {4/784}. عن قيس بن السكن قال: قال ابن مسعود: {إنكم نزلتم أرضا لا يقصب بها المسلمون إنما هم النبط أو قال النبيط وفارس، فإذا اشتريتم لحما فسألوا، فإن كان ذبيحة يهودي أو نصراني فكلوا فإن طعامهم حل لكم} رجال الحديث رجال الشيخين عدا قيس بن السكن فهو على شرط مسلم قال ابن حجر: هو ثقة{4}. 4- تقريب التهذيب لابن حجر {2/921}.
وهنا الأمر وهو تحريم ذبيحة المجوسي وصيده يكاد يكون مجمعا عليه بين الصحابة رضوان الله عليهم، ولا شك أن تحريم ذبيحة المجوسي منتشر بين الصحابة.
ولا نعلم فردا واحدا من الصحابة خالفه.
قال ابن تيمية{5} 5- مجموع فتاوي ابن تيمية {12/301}. في الفتاوي: {إن ذبائح المجوس حرام عند جماهير السلف والخلف، وقد قيل: أن ذلك مجمع عليه بين الصحابة.(1/50)
وفي سنن البهيقي{1}: 1- أنظر رسالة ابن حميد في اللحوم المستورده ص{76}. {كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل منه، ومن أبى ضربت عليه الجزيه على أن لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم أمرأة}.
قال البيهقي: هذا مرسل وإجماع لكثر المسلمين يؤكده.
وقال ابن تيمية: جاء في حديث الحسن بن محمد بن الحنفيه وغيره من التابعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنوا بهم سنه أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم .
قال ابن تيميه{2}: 2- مجموعة فتاوي ابن تيمية {23/781}. وهذا مرسل، وأقوال خمسة من الصحابة توافقه، ولم يعرف عنهم خلاف، والمرسل حجة عند الحنفية ومالك وأحمد في إحدى الروايتين، وفي الآخر حجة:اذا عضده قول جمهور أهل العلم وظاهر القرآن أو أرسل من وجه آخر: وهذا قول الشافعي.
فهذا المرسل حجه باتفاق العلماء وهذا المرسل نص في خصوص المسألة.
وعلى هذا وبعد أن ثبتت حرمة ذبيحة المجوسي بالنصوص الصحيحة والمجوسي كافر لأنه ليس من أهل الكتاب، ففي المسند وصحيح الترمذي والتفسير وكتب الحديث نصوا على الحديث المشهور{3} 3- مجموعة فتاوي ابن تيمية {23/781}. لما اقتلت فارس والروم وانتصرت الفرس، ففرح بذلك المشركون لأنهم من جنسهم وليس لهم كتاب.
فذبيحة كل كافر حرام، فالشيوعي والبوذي والوثني والهندوسي والسيخ والبهائي والقادياني والبعثي والنصيري واليزيدي {الذي يعبد الشيطان} والدرزي والماسوني والوجودي والعلماني كلها حرام.
قال ابن قدامه{1}: 1- المغني لابن قدامه {11/83}. {أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته} وشذ أبو ثور.
قال إبراهيم الحربي: {خرق أبو ثور الإجماع}
ولذا فتحريم ذبيحة المجوسي منصوص عليه من قبل الصحابة وليس كما قال فضيلة الشيخ إبن محمود {رئيس المحاكم الشرعية - قطر } بأنه لا نص عليه.
والمجوسي كافر، وعليه فذبائح الكفار حرام، كما أن ذبائح المجوس حرام.(1/51)
وقد اطال ابن تيميه الكلام{2} 2- الفتاوي لابن تيمية {23/091}. في الفتاوي لإثبات ان المجوس ليسوا أهل كتاب.
أما الكتابي الذي تحل ذبيحته فهو الذي يؤمن بالنصرانية أو اليهودية سواء قبل التحريف أو بعد التحريف.
جاء في مجمع الزوائد{3} 3- مجمع الزوائد للهيثمي {4/63}، وأنظر رسالة ابن حميد {حكم اللحوم المستوردة ص{02}. عن ابن عباس رضي الله عنهما: {إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى لأنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل}.
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه إسماعيل بن عمر البجلي، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه الدار قطني.
أما النصراني الذي تسأله: ما دينك، فيقول: كان أبي كاثوليكيا ، أو يرد عليك: لا دين لي، أو هذه مسألة لا تعنيني فهذا لا تحل ذبيحته ولا تنكح ابنته فالنصراني: إن كان شيوعيا أو وجوديا أو علمانيا {لا ديني} أو ماسونيا فإنه ليس من أهل الكتاب ولا تباح ذبيحته.
وبناء على النصوص المتقدمة يمكن الرد على فضيلة الشيخ فيصل مولوي الذي قال: إن تحريم الذبائح لا يتعلق بشخص الذابح وأنه مسلم أو كتابي أو مشرك، وإنما يتعلق بالغاية من الذبح عندما يكون تقربا للأصنام...
فإذا كان سبب تحريم الذبيحه هو كون الذابح كافرا فلماذا يقتصر الأمر على تحريم ذبيحته ولا يحرم الخبز الذي يصنعه والثمار التي يقطفها...}{1}. 1- أنظر كتاب اللحوم المستورده للدكتور محمد أبو فارس ص{28}.
أما السبب في قصر التحريم على الذبيحة فهي نصوص الصحابة في تفسير الآية: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: طعامهم: ذبائحهم، قال ابن كثير{2}: 2- تفسير ابن كثير {2/91}. {وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء}.
وقد مر معنا النصوص الصحيحه عن الصحابة في تحريم ذبيحة المجوسي، ولكن الصحابة لم يحرموا السمك الذي اصطاده المجوسي، لأن السمك ميتة وهو حلال مع كونه ميتة.(1/52)
قال البخاري{3}: 3- فتح الباري البخاري {9/416}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي، ونؤكد أن دين الذابح هو الذي يؤثر في حل أو حرمة الذبيحة فلا تحل إلا ذبيحة المسلم وذبيحة الكتابي الذي يؤمن بدينه بشرط أن لا نسمع يهل بها للمسيح أو مريم عليهما السلام، فإذا لم تسمعه فإنا نأكله ولا نسأل عن التسمية علي الذبيحة لأنه كما قال الزهري: {لا بأس بذبيحة نصارى العرب، وإن سمعته يسمي لغير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحله الله وعلم كفرهم} ويذكر عن علي نحوه.
لا يوجد لها علامة على وجودها في النص {عامر}. 4- فتح الباري {9/636}.
الفصل الثاني
محل الذبح
ذكرنا في الفصل الأول أنه يشترط في الذابح أن يكون مسلما أو كتابيا ، وفي هذا المقال سنتكلم إن شاء الله عن محل الذبح ويشترط أن يكون محل الذبح في الحلق واللبة {الثغرة التي في أسفل العنق} وهذا شرط حددته الأحاديث الصحيحة المرفوعة والموقوفة وليس كما يقول الشيخ ابن محمود {إذ ليس عندنا ما يدل على قصر التذكية وحصرها في قطع الحلقوم والمرىء حسبما شرطه الفقهاء إلا أنها جرت العادة بذلك في الإسلام وزمن الجاهلية.. ولأنها أبقى وأسلم للجلد}.
أقول هنالك نصوص صحيحة كثيرة في تحديد مكان الذبح ولو ذبحت في غير هذا المكان لكانت ميتة.
ومن النصوص:
1- عن أبي أمامة مرفوعا : {كل ما فرى الأوداج ما لم يكن قرض سن أو حز ظفر} وهذا الحديث صحيح رواه الطبراني والبيهقي{1}. 1- أنظر صحيح الجامع الصغير للألباني {2734} ج{4/761}، وسلسلة الأحاديث الصحيحة {9202}.
ومعنى فرى: قطع والأوداج باتفاق المعاجم اللغوية العروق التي تكتنف العنق.(1/53)
جاء في الصحاح للجوهري{2} 2- الصحاح للجوهري {1/743}،ط دار العلم للملايين وكذلك الصحاح في اللغة، والعلوم {ج2/476}، ط دار الحضارة الغربية. الودج: عرق في العنق وهما ودجان، وفي لسان العرب{3} 3- لسان العرب {81/413} مصورة عن بولاق. أوداج: عروق تكتنف الحلقوم، وقيل الأوداج: ما أحاط بالحلق من عروق.. وفي الحديث كل ما أفرى الأوداج.
وفي القاموس{4}: 4- القاموس المحيط {1/012}. الودج: عرق في العنق.
ومن هنا تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد محل الذبح.
2- لهذا الحديث شاهد من رواية الدارقطني وغيره عن: أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على حمل أورق يصيح في فجاج منى: إلا أن الذكاة في الحلق واللبة}{5}. 5- رسالة حكم اللحوم المستوردة لابن حميد ص{9}.
3- وفي صحيح البخاري بأسناده عن أنس {نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم}{6}. 6- فتح الباري {9/246}.
ومعنى صبر البهائم: حبسها لترمى حتى تموت.
وقد فهم الصحابة هذا الحكم من الرسول صلى الله عليه وسلم وتوارثه المسلمون خلفا عن سلف ومن الآثار الصحيحة عن الصحابة.
1- ساق البيهقي بسنده الصحيح عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: {الذكاة في الحلق واللبة}{1} 1- أنظر السنن الكبرى للبيهقي {9/872}، وفتح الباري البخاري {9/046}، ومصنف عبد الرزاق {4/594}. قال ابن حجر، هذا اسناد صحيح، ورواه البخاري معلقا بصيغة الجزم عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق، ولذا بوب البيهقي عند هذا الحديث بابا فقال: {الذكاة في المقدور عليه ما بين اللبة والحلق}.
لأن الحيوان قسمان:
1- مقدور عليه: وهو الإنسي وجريح الصيد الذي لحقه الصائد وفيه حياة، فلا بد من ذبحه في اللبة والحلق، وهذه تسمى {الذكاة الإختيارية}.(1/54)
2- غير المقدور عليه: وهو المتوحش والإنسي الذي هرب واستوحش، والحيوان المتردي في بئر فهذا يجوز أكله في أي مكان أصابه السهم أو النصل وهذه تسمى {الذكاة الإضطرارية}.
ففي صحيح البخاري عن رافع بن خديج: .... وأصبنا نهب ابل وغنم فند{هرب} منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شيء فافعلوه به هكذا {2}. 2- أنظر فتح الباري {9/046-9/326}.
والأوابد: جمع آبدة وهي المتوحشة.
وقد بوب البخاري لحديث السابق بعنوان{1} 2- قال النووي: وأما الأثر عن عمر فصحيح صححه ابن المنذر وذكره البخاري في صحيحه عن ابن عمر أنظر المجموع للنووي {9/47}. {باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش وأجازه ابن مسعود، وقال ابن عباس: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهر كالصيد، وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فزكه ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشه}.
2- وفي الأثر الصحيح{2}: 3- رواه البخاري أنظر فتح الباري {9/046}. {أن الفرافصة قال لعمر رضي الله عنه: إنكم تأكلون طعاما لا نأكله، فقال: وما ذاك يا أبا حسان، فقال: تعجلون الأنفس قبل أن تزهق فأمر رضي الله عنه مناديا ينادى: أن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر، ولا تعجلوا الأنفس حتى تزهق.
3- روى سعيد في سننه بسند جيد ومالك في الموطأ عن ابن عباس: {إذا أهريق الدم وقطع الأوداج فكل}.
4- وعن عطاء {لا ذبح ولا نحر إلا في المذبح والنحر}.
ولقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبيحة التي لا تقطع منها الأوداج ذبيحة الشيطان فقد روى أبو داؤد والبيهقي{3} 4- السنن الكبرى للبيهقي {9/872}، وفي السند عمرو بن عبد الله: صدوق فيه لين، أنظر تقريب التهذيب ص{062} ط الهند . بإسناده عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعا : {لا تأكلوا الشريطة فإنها ذبيحة الشيطان}.(1/55)
والشريطة التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج ثم تترك وتكاد الأمة تجمع أن محل الذبح هو اللبة والحلق.
قال ابن قدامه: {وأما المحل أي محل الذبح فالحلق واللبة ولا يجوز الذبح إلا في هذا المحل بالإجماع{5}. 5- أنظر المغني لابن قدامه {11/44}.
لم يعرف مكان هذه الحاشية {عامر}. 1- أنظر فتح الباري {9/836}.
وأما الأشياء التي تقطع فهي: الحلقوم والمرىء والودجان {عرقان غليظان عريضان عن يمين ثغرة النحر ويسارها} وهذا هو الأكمل.
ولكن اختلف الفقهاء فيما يشترط قطعة منها{1} 1- انظر المغني لابن قدامه مع الشرح الكبير {11/44}، والمجموع للنوي {9/08}، وفتح الباري {9/146}، وأحكام القرآن للجصاص {3/003}. قال الليث وداود يشترط قطع الجميع واختاره ابن المنذر.
قال أبو حنيفة: اذا قطع ثلاثة من الأربعة جاز.
قال مالك: يشترط قطع الحلقوم والودجين ولا يشترط المرىء.
وكان الشافعي يقول: يشترط قطع الحلقوم والمرىء ويستحب قطع الودجين.
وعند الحنبلية: يشترط قطع الحلقوم والمرىء ويستحب قطع الودجين، ورواية أخرى عن أحمد يشترط قطع الأربعة.
وعلة اشتراط هذا المحل{2} 2- المغني لابن قدامه {11/44}. لأنه مجمع العروق فتنفسخ بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق الروح فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان.
وعلى هذا: فالذبح في الحلق حددته النصوص الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة ممن ذبح في غير هذا المحل بالنسبة للحيوانات الأنسية فذبيحته ميتة لا تحل سواء كان الذابح مسلما أو كتابيا ، فمن قتل حيوانا بالصعق الكهربائي أو التدويخ أو التغريق في الماء الحار أو بالوقذ {الضرب على الرأس} فذبيحته ميتة لا تحل.
ومن هنا تبدو غرابة الرواية المنقولة عن ابن العربي، قال: {وسئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل يجوز أن نأكل معه منها، فقلت: نعم كلو منها فإنها طعام أحبارهم}.(1/56)
ورهبانهم وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا ولكن الله سبحانه أباح لنا طعامهم مطلقا وليس كل ما يحرم في ذكاتنا يحرم أكله في ذكاتهم{1}. 1- فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب لابن محمود {9}.
هذا الكلام شاذ ومردود من ناحيتين:
أولاهما: لأنه يصطدم مع كلام آخر لابن العربي نفسه فقد نقل عنه قوله {فإن قيل: فإن أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذا ميتة وهي حرام بالنص فإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا}{2}. 2- حكم اللحوم المستورده لابن حميد ص{73}.
ثانيهما: اصطدم هذا القول مع نص الكتاب والسنة واتفاق جمهور العلماء.
أما الكتاب فيقول الله عز وجل: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة} هذه الآية خصصت عموم الآية الأخرى: {...وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم...}.
قال الشيخ محمد الخضر حسين{3}: 3- مجلة الإعتصام العدد السنة {44} محرم سنة {1041} ديسمبر سنة {0891م}. الآية الأولى مخصصة للثانية ولا نعلم للأولى مخصصا والعام الذي لم يدخله التخصيص أقوى في الدلالة مما دخله التخصيص.
وأما الأحاديث فلقد أوردت بعضها مع أقوال السلف التي حددت محل الذبح وطريقته.
وأما فتوى محمد رشيد رضا وأستاذه محمد عبده التي يقول فيها: {وإني لأعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لو اطلع على طريقة للتذكية أسهل على الحيوان ولا حزر فيها كالتذكية الكهربائية {يعني الصعق بالكهرباء}إن صح هذا الوصف فيها لفضلها على الذبح.
أقول: هذه الفتوى لا ينقضي منها العجب لأنه تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلفظ أعتقد ولو قال إني لأظن لكان الأمر أخف وإن كان الأمر في الحالتين كبير جدا لأنه تقديم بين يدي الله ورسوله.
{(1/57)
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} والصعق الكهربائي لاينهر الدم النجس أو من أحل إراقته شرعت التذكية، وهناك نصوص كثيرة في الصحيحين تشترط أنهار الدم ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر {1}. 1- فتح الباري {9/136}.
فالصعق بالكهرباء للحيوان يجعله ميتة وكذلك الرصاصة إن قتلته فهو ميتة، وكذلك فإنا على ضوء ما تقدم نرى ضعف استدلال الشيخ ابن محمود بالآية: {إلا ما ذكيتم} على جواز الذبح بأية طريقة فقد جاء في مقاله في مجلة الأمة وفي كتابه {فصل الخطاب} ما يلي فقوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} خطاب للبشر جميعا على حسب عرفهم وعاداتهم في تذكيتهم لذبائحهم إذ ليس عندنا ما يدل على قصر التذكية وحصرها في الحلقوم والمريء}{2}. 2- مجلة الأمة العدد السابع السنة الأولى رجب {1041هـ} أيار {1891م}.
إذ أن الآية تخاطب المؤمنين فهي الأية الثالثة من سورة المائدة: تبدأ الأولى والثانية منها بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا...} فإذ دخل أي انسان في الأرض ضمن هذا الدين فلا بد من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة والصيام والزكاة.
وبناء على ما تقدم فتعتبر أية ذبيحة لم تذبح بالطريقة الشرعية {في الحلق واللبة} بحيث ينهر دمها: أقول تعتبر ميتة.
فالمصعوقة بالكهرباء: ميتة.
والموقوذة {المضروبة}: ميتة.
والمقتولة بالرصاص: ميتة.
والطيور المقتولة بالتدويخ والتغريق في المحاليل الحارة: ميتة، وفتل عنق الطير يجعله ميته.
واستعمال قضيب الحديد يدخل في النخاع الشوكي يجعل الحيوان والطير: ميتة.(1/58)
ومن المعلوم أن هذه الطرق كلها موجودة ومتفرقة في أرجاء أوروبا وأمريكا الجنوبية والدول الشيوعية، وذلك لأن الدول الكاثوليكية السكان {النصارى الكاثوليك} يبيحون أكل الميتة {المقتولة بهذه الطرق، وبعض الدول تعتبر الطريقة الإسلامية للذبح تعذيبا للحيوان ولذا فإنهم يعترضون على الذكاة الشرعية وخاصة من قبل جمعيات الرفق بالحيوان في بعض الدول الأوربية.
الفصل الثالث
السؤال عن الذبيحة عند الشك والجهل
ذكرنا في الفصل الأول أنه لا يجوز ذبيحة غير المسلم والكتابي الذي يؤمن بكتابه، والآن نتعرض لمسألة السؤال عن الذبيحة قال بعض العلماء المعاصرين ومنهم ابن محمود لا يجب السؤال عن الذبيحة ولا عن مصدرها وحجتهم في رأيهم هذا حديث عائشة {رضي الله عنها الذي رواه البخاري باسناده عن{1} 1- أنظر فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر {21/45}، وانظر عمدة القاري للعيني{12/811}. عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبيص إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر}.
فهذا الحديث ليس في محل الخلاف لأنه يتكلم عن ذبائح المسلمين وذبيحة المسلم حلال وليس علينا أن نستفسر عن التسمية عليها.
ولذا فقد بوب البيهقي{2} 2- السنن الكبرى للبيهقي {9/932}. في سننه عند هذا الحديث {باب من ترك التسمية وهو ممن تحل ذكاته}{3} 3- أنظر الجوهر النقي على السنن الكبرى لابن التركماني {9/932}. قال عبد البر في التمهيد فيه {أن ما ذبحه المسلم ولم يعرف هل سمي الله عليه أم لا؟ أنه لا بأس بأكله وهو محمول على أنه قد سمى، والمؤمن لا يظن به إلا الخير وذبيحته وصيده محمول على السلامة}.
فحديث عائشة رضي الله عنها يتكلم عن قوم من الأعراب المسلمين حديثا بل أخذ منه الشافعية أن التسمية ليست شرطا للإباحة كما قال البغوي في شرح السنة{4}. 4- شرح السنة للبغوي {11/491}.(1/59)
ولكن الخلاف حول الذبائح التي تعرض في أسواق المسلمين لا نعرف أذبحها شيوعي أم بوذي أم هندوسي أم ملحد ولا ندري كيفية ذبحها أنأكلها اعتمادا على حديث عائشة في أعراب المسلمين الذين كانوا يعيشون في بادية المدينة أم نسأل عنها قبل أكلها؟.
فالموضوع المطروح هو {السؤال عن الذبائح المستوردة ولا نعلم ذابحها ولا طريقة ذبحها}.
الجواب: يجب السؤال لأن هذا هو حال الصحابة والسلف وعملا بالنصوص التي تحرم ذبائح المشركين والمجوس.
وإليك بعض النصوص:
1- قال الهيثمي في مجمع الزوائد:{1} 1- مجمع الزوائد للهيثمي {4/63} ومعنى اجهدوا أيمانهم: أي حلفوهم الإيمان. {عن أبي سعيد الخدري قال: كان أناس من الأعراب يأتوننا بلحم وكان في أنفسنا منه شيء فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اجهدوا أيمانهم أنهم ذبحوها ثم اذكروا اسم الله وكلوا} رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
2- روى عبد الرزاق في مصنفه عن قيس بن السكن قال: قال ابن مسعود أنكم نزلتم أرضا لا يقصب {يذبح}بها المسلمون إنما هم النبط أو قال النبيط وفارس، فإذا اشتريتم لحما فسلوا فإن كان ذبيحة يهودي أو نصراني فكلوا فإن طعامهم حل لكم}.
رجاله رجال الشيخين عدا قيس بن السكن فهو من رجال مسلم، قال ابن حجر عنه{2}: 2- تقريب التهذيب لابن حجر {2/921}. ثقة.
وكان الصحابة يسألون عن الجبن المطروح في السوق خوفا من أن يكون حينا مصنوعا بانفحة ذبيحة المجوسي -مع اختلافهم في نجاسة أو طهارة أنفحة الميتة- والإنفحة نسبة قليلة جدا لا تعدى واحدا في العشرة آلالف{1}. 1- المجموع للنووي {9/95}.
قال البيهقي: وقد كان بعض العلماء يسأل عن الجبن تغليبا للطهارة وروينا ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما.
وكان بعضهم يسأل عنه احتياطا ورويناه عن أبي مسعود الأنصاري قال: لأن أخر من هذا القصر أحب ألي من آكل جبنا لا أسأل عنه.(1/60)
وعن الحسن البصري: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن الجبن ولا يسألوا عن السمن.
فالسؤال عن الذبيحة عند الشك أو الجهل واجب، وخاصة إذا عم البلاء والناس يشترون اللحوم المستوردة من السوق دون حرج ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي هذه الحالة تسأل الناس إذا دعيت إلى موائدهم هل اشتروا من الذبائح المستوردة أم من المذبوحة في بلاد المسلمين.
فعلى المسلم أن يسأل محلات البيع عن نوع اللحم الذي يشتريه حتى يستبرىء لدينه وعرضه ويعلم ماذا يدخل فمه من حلال أو حرام، وبعد السؤال إذا زال الشك وتحقق حل اللحم اشترى وأكل وإن بقي الشك قائما فماذا يصنع؟
لا بد من ترك الشراء لأن اللحوم لا تباح عند الشك.
ومن هذا المنطلق يمكن الرد على فضيلة الشيخ ابن محمود الذي لا يرى السؤال عن الذبيحة انطلاقا من:
1- الأصل في الأشياء الإباحة.
2- واعتمادا على حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم {سموا أنتم وكلوا}.
3- واستشهادا بحديث رواه الدارقطني: إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تسألوا تبحثوا عنها .
أما الأصل الأول: الأصل في الأشياء الإباحة فهذه قاعدة مقررة بين العلماء ولكن لها استثناء عند العلماء وهو: {إلا اللحوم والإبضاع -أي الفروج-}.
{فالأصل في الأشياء الإباحة إلا اللحوم والإبضاع} فالأصل فيها الحرمة فاللحوم لا تحل إلا بالتذكية والإبضاع لاتحل إلا بالعقد، وسأ فصل هذا -إن شاء الله- وهذه القاعدة تكاد تكون محل اتفاق بين العلماء.
وأما الحديث: وسكت عن أشياء... فهو تفسير للآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم} والحديث يفسره حديث آخر عند هذه الآية أعظم المسلمين ج رما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته .(1/61)
فهذا أثناء فترة التنزيل والنبي صلى الله عليه وسلم حي، أما الآن وقد أكمل الدين وانقطع الوحي فلا بد من السؤال {فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
الأصل الذي يرجع إليه عند الشك:
لا بد عند الشك أن نرجع إلى الأصل الذي يمثل اليقين فإذا طرأ على الأصل شك فلا عبرة به وذلك للقواعد التالية:
1- اليقين لا يزول بالشك.
2- الأصل في الأمور الطارئة العدم.
فما هو الأصل في لحوم الحيوانات قبل الذبح؟
الأصل: في جنس الحيوان الإباحة حتى يرد دليل التحريم، والأصل في لحم الحيوان المأكول الحرمة حتى نتحقق من الذكاة المبيحة، فإذا طرأ الشك رجعنا إلى الأصل.
هذه قاعدة مهمة جدا يغفل عنها كثير ممن يكتبون عن الذبائح فيطلقون العبارة {والأصل في الأشياء الإباحة} واليقين لا يزول بالشك فما دام الأصل الإباحة فاللحوم المشكوك فيها مباحة.
هذه القاعدة التي قررها جميع الفقهاء، أما بعبارة النص أو باشارة النص وهي {الأصل في الحيوان التحريم حتى تتحقق ذكاة مبيحة}{1}، 1- أنظر المجموع للنووي {9/56}. وقد قال النووي: إن هذه القاعدة محل اتفاق بين العلماء ولا خلاف فيها فقد عقب على حديث عدي بن حاتم الآتي ذكره -إن شاء الله- فقال{2} 2- شرح النووي مسلم {31/87}، وانظر بلوغ الأماني من الفتح الرباني {71/441}. {فيه بيان قاعدة مهمة وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل لأن الأصل تحريمه وهذا لا خلاف فيه}.
وقد تتبعت هذه القاعدة فوجدت أنها محل اتفاق بين الفقهاء والمفسرين والمحدثين، ثم قلت لا حاجة حتى للنص عليها لأنها بديهية.
إذ أن لحم الحيوان لا يحل أكله قبل أن يذكى فلو قطعت إلية خروف حي فهي ميتة، وهذه القاعدة تدعمها الأدلة التالية:
1- القرآن الكريم.
2- السنة الشريفة.
3- اللغة العربية.
4- أراء جمهور السلف والخلف.(1/62)
1- القرآن الكريم: يقول الله عز وجل: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} وسواء كان الإستثناء متصلا {أي الإستثناء من المحرمات} فيكون المعنى: حرمت عليكم المنخنقة والنطيحة...إلا ما أدركتم فيه حياة مستقر {ليست على شرف الزوال} فذكيتموه {ذبحتموه} وهذا قول ابن عباس وعلي رضي الله عنهما.
أو كان الإستثناء منقطعا {أي الإستثناء من التحريم} فيكون المعنى: حرم عليكم الميتة والدم.... سائرما ذكر لكن ما ذكيتم مما أحله الله تعالى بالتذكية فإنه حلال لكم وروي ذلك عن مالك وجماعة من أهل المدينة وأختاره الجبائي{1}. 1- أنظر تفسير الألوسي {6/75}، وتفسير المنار {6/611}.
وفي الحالتين تفيد أن الأصل التحريم قبل الذكاة الشرعية قال صاحب البدائع{2}: 2- قال الحاكم في المستدرك {4/932} صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. {استثنى سبحانه الذكي من المحرم والإستثناء من التحريم إباحة، لأن الحرمة في الحيوان لا تزول إلا بالذبح}.
2- السنة النبوية: روى الحاكم في المستدرك بالسند الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جباب أسنمة الأبل وإليات الغنم فقال: {ما قطع من حي فهو ميت}{2}. 3- بدائع الصنائع {6/5672}.(1/63)
وقد روى البيهقي في السنن عن أبي واقد الليثي: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يجبون أسنمة الإبل ويقطعون إليات الغنم فقال النبي: ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة{1} 1- رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، ورواه ابن ماجه عن ابن عمر ورواه البيهقي في السنن الكبرى {9/542}، والهيثمي في مجمع الزوائد {4/23}، وسنن الدارمي {2/02}، ومصنف عبد الررزاق {4/474}، وبلوغ الأماني بشرح الفتح الرباني {71/551}، وانظر صحيح الجامع الصغير للألباني {5/051}. حديث صحيح رواه أحمد وأبو داؤد والترمذي.
هذا من أوضح النصوص التي تدل دلالة قطعية أن لحم الحيوان قبل الذبح {الذكاة} نجس وميتة ولا يحل اللحم إلا بالذبح وعليه فالأصل في البهيمة التحريم.
2- حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: وهذا الحديث في الصحيح، روى البخاري بإسناده عن عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل }{2}. 3- صحيح مسلم {3/1351} ط دار الإفتاء كتاب الصيد رقمه {43} ورقم الحديث {9291}.
وفي رواية مسلم{3}: 2- صحيح البخاري {6/022} ط استنبول وفتح الباري {9/016}. {فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك} فالرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث بين أنه في حالة التباس الأمر واختلاطه يرجع إلى الأصل وهو الحرمة.
فإذا اختلط الأمر والتبس علينا القاتل أهو الكلب المسمى عليه أو الآخر يرجح جانب الحرمة ويحرم الصيد.(1/64)
واذا التبس الأمر علينا من القاتل السهم أو الماء يرجح جانب الحرمة، قال النووي{1}: 1- شرح النووي مسلم {31/97}، وفتح الباري البخاري {9/116}. {إذا وجد الصيد غريقا في الماء حرم بالإتفاق}.
وقد ساق البيهقي{3} 2- السنن الكبرى للبيهقي {9/842} وفيه الأعمش وإن كان مدلسا إلا أنه ممن احتمل الائمة تدلسهم كما قال ابن حجر، وانظر كذلك أحكام الجصاص {3/892}. بإسناده الصحيح عن مسروق قال: قال عبدالله بن مسعود: {إذا رمي أحدكم صيدا فتردى من جبل فمات فلا تأكلوا فإني أخاف أن يكون التردي قتله، أو وقع في ماء فمات فلا تأكله فإني أخاف أن يكون الماء قتله}.
وحديث ابن مسعود الموقوف يشبه حديث عدي بن حاتم المرفوع، ومن هذين الحديثين استنبط العلماء ثلاثة قواعد أصولية مهمة وهي متقاربة في معناها:
1- البهيمة أصلها على التحريم حتى يتيقن من وقوع الذكاة{3}، 3- معالم السنن للخطابي مع مختصر أبي داؤد {4/221}.
فلا تستباح بالأمر المشكوك فيه ولا يحمل الأمر على حسن الظن.
2- الأصل في الميتة التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل{4}.4- فتح الباري البخاري {21/02، 9/915}، والأحكام لابن دقيق العيد {2/803}، ونيل الأوطار للشوكاني {8/941}.
3- اذا اجتمع سبب الحظر والإباحة كان الحكم للحظر{5} {التحريم}. 5- الأحكام للجصاص {3/892}، بذل المجهود أبي داؤد {31/86}.
3- أقوال السلف أن العضو المبان {الساقط} من الصيد ميتة، ومما يؤيد القاعدة الكبرى في اللحوم وهي {الأصل في البهيمة التحريم حتى نتحقق من ذكاة مبيحة} أقوال السلف في السهم يسقط عضوا من الطير أو الصيد.
عن قتادة{1}: 1- انظر مصنف عبد الرزاق {4/364}. {إن ضربت الصيد فسقط منه عضو ثم عدا فلا تأكل الذي سقط وكل سائره}.
وعن عطاء{2}: 2- انظر مصنف عبد الرزاق {4/364}.
{إن رميت طائرا بحجر فقطعت منه عضوا وأدركته حيا فإن العضو منه ميتة}، وعلى هذا اتفق جمهور العلماء.(1/65)
قال البخاري{3} 3- فتح الباري -البخاري- {21/32}.
وقال الحسن وإبراهيم: إذا ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان وكل سائره.
وقال البخاري{4}: 4- فتح الباري -البخاري- لابن حجر {21/32}. قال الأعمش عن زيد: استعصى على رجل من آل عبد الله حمار فأمرهم أن يضربوه حيث يتيسر، وقال: دعو ما سقط منه وكلوا، وبهذا أفتى جمهور الفقهاء أمثال ابن عابدين وقاضنجان وابن جزىء{5}. 5- انظر حاشية ابن عابدين {6/374}، وفتاوي قاضنجان {3/163}، وقوانين ابن جزيء ص{911}.
4- اللغة العربية: إن المعنى اللغوي للذكاة يبين أن أصل الذبيحة حرام ونجس فمن معنى الذكاة: التطهير والتطيب ومنه الأثر عن محمد بن علي {بن الحنفية } ذكاة الأرض يبسها {أي طهارتها}، ومنه مسك ذكي: أذفر أي ساطع ريحه، قال قيس بن الحطيم{6}: 6- أنظر أساس البلاغة للزمخشري {1/602}، وتاج العروس شرح القاموس {01/731}، ولسان العرب {81/413}، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير {2/44}.
كأن القرنفل والزنجبيل وذاكي العبير بجلبابها
قال الشرنبلالي{7}: 7- حاشية الشرنبلالي، الدرر -الغرر- {2/461}. فالذكاة إزالة للخبث فإنها شرطت لتطييب اللحم فإنها نضح لتمييز الطاهر من النجس.
لقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في لفظ الحديث أن معنى الذكاة هو الطهارة ففي عدة روايات: دباغ الاديم ذكاته دباغها طهورها وفي لفظ ذكاتها دباغها رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وابن حبان.
فهنالك الفاظ: دباغها طهورها، ذكاتها دباغها، ولذا معنى ذكاتها طهورها ينص اللفظ النبوي الشريف، انظر تلخيص الحبير 1/94.
إتفاق العلماء على قاعدة {الأصل تحريم الحيوان}
إن الفيض الدافق من نصوص المفسرين والمحدثين وفقهاء المذاهب الأربعة والزيدية وغيرهم يؤكد في تقرير هذه القاعدة:{الأصل في البهيمة التحريم حتى تتحقق من ذكاة مبيحة} ولدي عشرات النصوص في المذاهب الأربعة وأكتفي بنص واحد من كل مذهب:(1/66)
1- عند الحنفية{1}:
1- أنظر الدرر{الغرر} {2/443}، وبدائع الصنائع للكاشاني {6/5672}، فتح القدير لابن الهمام {8/604 وحاشية ابن عابدين {6/492}، والجوهر النقي -السنن الكبرى لابن التركماني- {9/042}، وبذل المجهود في حل أبي داؤد للهارنفوري {21/86}، وأحكام القرآن للجصاص {3/892}.
جاء في الدرر {الغرر}: {الذكاة تحل المأكول وتطهر غير نجس العين}، وفي بدائع الصنائع: {الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح وأنه لا يزول إلا بالذبح والنحر}، وفي الهداية: {الذكاة: شرط حل الذبيحة: قال ابن الهمام، وكما يثبت به الحل يثبت الطهارة} وفي حاشية ابن عبادين: {وحرم حيوان من شأنه الذبح ما لم يذك}.
وانظر قول ابن التركماني، والسهار نفوري، والجصاص، في مثل هذا النص.
2- عند المالكية{2}:
2- أحكام القرآن لابن العربي {2/645}، ابن رشد في بداية المجتهد {1/624}، حاشية الدسوقي -الدردير متن خليل- {2/801} وتفسير القرطبي {6/07}.
قال ابن العربي: {قال علماؤنا: الأصل في الحيوان التحريم لا يحل إلا بالذكاة والصيد فإذا ورد الشك في الصائد والذابح بقي على أصل التحريم}.
وانظر أقوال: الدردير، ابن رشد، القرطبي، في تقرير هذه القاعدة.
3- الشافعية{3}:
قال النووي: {الأصل في الحيوان التحريم حتى تتحقق ذكاة مبيحة}، ومثله أقوال: الخطابي، ابن حجر العسقلاني، السيوطي، والخطيب الشربيني.
3- المجموع شرح المهذب {9/56} للنووي، معالم السنن مع مختصر أبي داؤد للخطابي {4/221}، والأشباه والنظائر للسيوطي ص{37}، فتح الباري لابن حجر {9/915}.
4- أقوال الحنبلية:
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم{1}: 1- حكم اللحوم المستوردة للشيخ ابن حميد -رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية- ص{15}. {وما أصله الحظر {الحرمه} كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا تحل إلا بيقين حله من التذكيه والعقد}.(1/67)
ويقول ابن قدامة عن الذبائح{2}: 2- أنظر المغني لابن قدامة {8/175}، والمغني {8/055، 8/375}. {... الأصل الحظر والحل موقوف على شرط وهو: تذكية من هو من أهل الذكاة} وبهذا قال ابن تيميه{3} 3- الفتاوي لابن تيمية {23/091، 12 /89، 12/001}. في أماكن كثيرة من الفتاوي: {... لا تحل الفروج والذبائح بالشبهات}.
ونص عليه ابن مفلح{4} 4- الفروع لابن مفلح {2/656}. في الفروع، ومنصور البهوتي{5} 5- كشاف القناع {6/102، 6/512}، وانظر العدة شرح العمدة {1/164}. في كشاف القناع، وقال ابن حميد{6} 6- اللحوم المستوردة ص{15}. في رسالة اللحوم المستوردة: ونص عليه ابن القيم.
5- الزيدية:
جاء في البحر الزخار{7} 7- البحر الزخار {5/692}. لأحمد المرتضي: {فإن أمسكه كلبان لمسلم وكافر حرم أيضا تغليبا للحظر إذ هو الأصل في الحيوان فلا ينتقل عنه بالشك}.
بعد هذا النقل عن المذاهب المعتبرة في الفقه الإسلامي يتضح بيقين أن القاعدة: {أن الأصل في البهيمة التحريم حتى تتحقق الذكاة المبيحة} محل اتفاق بين العلماء وقد رتب الفقهاء على هذه القاعدة فروعا تطبيقية أهمها:
اختلاط الذبيحة المذكاة مع الميتة يحرم الجميع.
1- اختلاط الذبائح {الحلال مع الحرام} يحرمها جميعا.
بناء على النصوص والقاعدة المقررة بين الفقهاء { الأصل في الحيوان المأكول الحرمة حتى تتحقق الذكاة} فقد نص العلماء أنه لا تؤكل الذبائح عند اختلاطها.
قال الخطيب الشربيني{7}: 1- أنظر فقه السنة {3/092}. {إذا كان في البلد مجوس ومسلمون وجهل ذابح الحيوان هل هو مسلم أو مجوسي؟ لم يحل أكله للشك في الذبح المبيح والأصل عدمه نعم: إن كل المسلمين أغلب كما في بلاد الإسلام فينبغي أن يحل وفي معنى المجوس كل من لم تحل ذبيحته }.(1/68)
وقال النووي في المجموع {9/97}: {لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها فإن كان في بلد فيه من لا يحل ذكاته كالمجوس لم تحل سواء تمحضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين للشك في الذكاة المبيحة، والأصل التحريم وإن لم يكن فيهم أحد منهم حلت}.
وجاء في حاشية ابن عابدينر{2}: 2- حاشية ابن عابدين {6/674}. {وجد شاة مذبوحة في بستانه هل يحل أكلها أم لا؟ قال الشيرنبلالي: لا يحل لوقوع الشك في أن الذابح ممن تحل ذكاته أم لا، قال ابن عابدين: الأولى أن يقال:إن كان الموضع مما يسكنه أو يسلك فيه مجوسي لا يؤكل وإلا أكل}.
الشك في الذابح أو طريقة الذبح يحرم الذبيحة:
إذا شككنا في الذابح أو في طريقة الذبح تحر م الذبيحة كما هو الحال في الدول الغربية {الشيوعية والنصرانية}.
فالدول الشيوعية تحرم ذبائحها لأسباب:
1- فيها نسبة من الجيل الملحد الذي ربته الشيوعية وهؤلاء مختلطون بالناس الذين هم في الأصل نصارى -غالبا - ولا ندري من الذابح، وغير الشيوعي تجده على الغالب لا يؤمن بدين.
2- هنالك طرق للذبح تصطدم مع الطريقة الإسلامية كالخنق للطيور بالماء مثلا، وهذه الطريقة مختلطة مع الطرق التي توافق الطريقة الشرعية للذبح.
3- إنهم يعلنون جهارا محاربة الأديان فلا يسمحون في بعض الدول كبلغاريا مثلا أن يسمي المسلمون أبناءهم أسماء الإسلام ولا يسمحون بدخولهم المدارس إلا إذا تسموا باسماء الكفار بل لا يسجلونهم في بطاقات الولادة إن كان الإسم إسلاميا ، فمن باب أولى أن لا يسمح للمسلمين أن يذبحوا على الطريقة الإسلامية.
فالشك حاصل سواء في طريقة الذبح أو في الذابح وهذا يحرم الذبائح.
أما الدول النصرانية الغربية فتحرم ذبائحها لأسباب:(1/69)
1- وجود نسبة غير قليلة {لا تقل عن الثلث} لا تؤمن بدين مطلقا فهؤلاء لا تحل ذبائحهم وهم مختلطون بغيرهم، فالوجودي والشيوعي، والملحد هؤلاء وإن كانوا من نسل النصارى فهم كفار {وليسوا كتابيين} لأنه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما{1}: 1- مجمع الزوائد {4/63} قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه اسماعيل بن عمر البجلي، وثقة ابن حبان وغيره. :
إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى لأنهم آمنوا بالتوارة والإنجيل} ونسبة الملحدين أو اللادينين نسبة ترتفع في بعض البلدان إلى النصف أحيانا ولو كان ربع السكان{2} 2- لقد اخترت نسبة الربع لأن من الفقهاء جعلوا الربع حدا للفرق بين القليل والكثير. لا دينيين واختلطت ذبائحهم مع باقي الذبائح لحرم الجميع.
2- وجود طرق غير شرعية في الذبح خاصة في الطيور فلقد ثبت أن قسما غير قليل من المصانع يخنقها بالتدويخ الكهربائي ثم يغرقها بالماء الحار لإماتتها، ولقد شاهدت في أوروبا الطيور معروضه للبيع وهي ميتة برأسها ورقبتها وقرب أخوان وفتشا عن أثر للذبح في رأسها ورقبتها فلم يجدا أثرا .
وهناك طريقة القتل بقطع الحبل الشوكي {النخاع الشوكي} أما الغنم فيستعملون لقتله قضيبا من الحديد لقطع الحبل الشوكي فيموت ويستعملون الرصاصة للثيران فيضربون الثور برصاصة في رأسه ويذبحونه فورا بعدها، إن الثور في الغالب لا يموت ولكنهم إن تأخروا عن ذبحه فإنه يموت، والرصاصة لتدويخ الثور وتقليل مقاومته أثناء الذبح.
وهناك طريقة الوقذ {ضربها على رأسها بمرزبة حديد} تقتلها رأسا .
وعلى كل حال فلو كان تسعة أعشار طرق الذبح شرعية وعشرها غير شرعي تحرم جميع الذبائح عند اختلاطها.
3- إن الكنيسة الكاثوليكية -اليوم- تبيح المنخنقة والموقوذة.(1/70)
قال صالح علي العود المقيم في فرنسا{1}: 1- مجلة الإعتصام عدد {1} سنه {44} محرم سنة {1041} ديسمبر {0891م} نقلا عن كتاب أحكام الذكاة في الإسلام وذبائح أهل الكتاب والأوروبيين حديثا . {....سألت الأب هوبوز عن الطرائق المتبعة لإزهاق روح الحيوان في مسالخ باريس وأوربا، فقال هوبوز: أنت تعلم أن هذه المسالخ ملك الدولة، والدولة لا تلتزم بشرع، وسألته عن نصوص تحريم الميتة والدم، فقال موجودة في العهد القديم والجديد ولكن الكنيسة الغت العمل بها}.
4- القصاب السكران لا تجوز ذبيحته وقسم منهم يسكر، أحكام الذكاة في الإسلام وذبائح أهل الكتاب والأوربيين حديثا لصالح علي العود التونسي- ص{11}.
5- بناء على القاعدة: {أن الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل}{2} 2- فتح الباري {31/42}. فالأصل أنهم أهل كتاب والغالب يخالف ذلك، فالإسلام عندما أباح ذبائح النصارى فقد أباحها لأنهم يذبحون كالمسلمين، ويعتقدون بعيسى وبدينهم، واشترط أن لا نسمع منهم الاهلال لغير الله.
وليس الأمر كاليوم: فطريقة الذبح لا توافق الذكاة الإسلامية أحيانا وقسم غير قليل لا يؤمن بدين، فلقد ظلت مجلتان في شيكاغو تتحاوران حول المسيح -عليه الصلاة والسلام- ستة أشهر فيما إذا كان شخصية حقيقية أو أسطورة خرافية.
أما اليهود -لعنهم الله- فلا زالوا يحافظون على الذبح حسب تقاليد دينهم، فيذهب الحاخام أو رجل دين إلى المزرعة ويذبح أعدادا كثيرة في يوم واحد، وإذا علبت بعضها يكتبون عليها {K} أي {Kosher} {يهودي}، وإذا سافروا بشركات الطيران فيشترطون على الشركة أن تحضر لهم طعاما يوافق الشريعة اليهودية من ناحية الذبح وخلوه من الخنزير فتكتب الشركة بجانب اسمه {K.Meal} {وجبة يهودية} وحبذا لو غارت الدول الإسلامية على دينها فاشترطت الوجبة الإسلامية فذبائح اليهود حلال في الشريعة الإسلامية حتى اليوم.
واقع المسالخ الغربية(1/71)
المسالخ عديدة وطرقها في الذبح متنوعة منها الموافق للشرع ومنها المخالف، ومن هذه الطرق:
1- تحذف جبهة الحيوان بحديدة قدر الإنملة من مسدس فيموت ويتم سلخه دون أعمال سكين ولا ذبح ولا نحر كما شاهد هذا صالح عود التونسي بنفسه في مسلخين بضواحي باريس.
2- وقال صالح: أما الدجاج فيصعقونه بالتيار الكهربائي بمسه في أعلى لسانه فتزهق روحه ثم يمر على آلة فتنتف ريشه.
3- نشرت مجلة المجتمع العدد 421 شهر ذي الحجة 1398هـ شهر نوفمبر سنة 1978م الدراسة القيمة التي قام بها عبد الله بن علي الغصينة في القصيم- بريدة، مع صورة مصنع الدجاج الذي يذبح ويصدر فقال:
أ- تحضر السيارة الدجاج من الحظائر وربما مات بعضه على الطريق.
ب- تعلق الدجاج بأرجلها ثم يحيط بها حزام متحرك فوق الرأس فتذبح بطريقة آلية حيث تمر بجهاز كتب تحته {الذبح بطريقة التدويخ}، ثم وهو بيت القصيد: مغطس ضخم كتب عليه جهاز محرق جدا يعمل بالبخار أو الماء فتغطس به الدجاجة المسكينة لتفقد آخر رمق من الحياه {كل هذا من كاتالوج المصنع}.
4- نشرت مجلة المجتمع عدد {414} ذي القعدة سنة 1398هـ أكتوبر سنة 1978م نداء من جمعية الشباب المسلم في الدينمارك قالوا فيه: إن كثيرا من طرق الذبح ليست شرعية.
5- أصدر المجلس الأعلى العالمي للمساجد{1} 1- مجلة الإعتصام عدد {1} سنة {44} محرم سنة 1401هـ ديسمبر 1980 م، صحيفة أخبار العالم الإسلامي عدد 621 سنة 12 ، مجلة الدعوة السعودية عدد {676}. بمكة المكرمة في دورته الرابعة توصية بمنع استيراد اللحوم المذبوحة من الخارج.
6- الشيخ عبد العزيز البناني{2} 2- الإعتصام العدد السابق نقلا عن مجلة النهضة الإسلامية عدد 117. مبعوث رابطة العالم الإسلامي إلى البرازيل وجد أن الذبح بطريقة الوقذ: ضربها بمرازب {أثقال} من حديد على رأسها فتموت لساعتها ويتدلى لسانها.(1/72)
7- الدكتور محمود الطباع مع إخوانه المسلمين زاروا مسالخ هانوفر- ألمانيا فرأوا أن الأبقار تموت بالإطلاق على رأسها من مسدسات.
8- حدثني فضيلة الشيخ عمر الأشقر فقال: لقد رأيت بعيني طيورا معدة للأكل فنظرت فيها فإذا هي برأسها ورقبتها كما هي ليس فيها أثر حز أبدا ولا ذبح.
وقال الشيخ عمر: لقد جاء إلى الكويت كرتون دجاج مكتوب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية ففتح فإذا بالدجاج برؤوسه ورقابه دون ذبح.
وقال الشيخ عمر: لقد خطبنا وتكلمنا عن هذه المسألة وفي مجلة المجتمع فقامت بلدية الكويت بتشكيل لجنة للطواف على المسالخ الغربية فذهبت اللجنة وبعد عودتها قالت: لقد وجدنا بعد طوافنا على الكثير من المسالخ الغربية أن الذبح بالطريقة الشرعية {الإسلامية} لا تتعدى نسبة عن 30 ، أي أن النسبة الشرعية أقل من الثلث ونشر هذا في الصحف الكويتية، أبعد هذا يجوز أكل لحوم الحيوانات والطيور المذبوحة في الغرب؟!!.
الشهادات بالذبح على الطريقة الإسلامية
1- يرافق صفقة اللحوم عادة شهادات موقعة من أحد المراكز الإسلامية في الدولة المصدرة وهذه الشهادات في معظمها لا يوثق بها لأنها تشترى شراء في بعض الأحيان، وتعطى من مراكز قاديانية {باسم الإسلام} في أحيان أخرى مثل شركة {الحلال الصادق} التي يملكها القادياني {حلال صادق} في استراليا وتصدر إلى الدول الإسلامية.(1/73)
2- حدثني الدكتور البيطري محمد خالد، وهو ثقة صادق كما نحسبه ولا نزكيه على الله، أنه كان يشرف على مسلخ طرابلس الغرب ليبيا، فأرسلوا مشرفا على الذبح في رومانيا، فذهب المشرف المبعوث من ليبيا وعاد بعد فترة وجيزة وبقيت شحنات اللحوم المستوردة لفترة طويلة تأتي باسمه موقعا على شهادات أنه مذبوحا على الطريقة الإسلامية فسألته عن الأمر فقال: لقد وقعت على رزمة أوراق قبل أن أعود، وتابع المشرف فقال: وقضية الإشراف مهزلة، فلقد أشرفت في اليوم الأول على ذبح عدة ذبائح فنظرت فإذا بحوالي مائة ذبيحة قد علقت دون إشراف مني فتركت المسلخ ووقعت على أوراق كثيره.
3- أما الشهادات التي ترافق اللحوم موقعة بخاتم مفتي الدولة المصدرة فإنها غير موثوقه غالبا ، لأن المسألة إقتصادية، والإقتصاد معبود الدول الغربية والشيوعية على وجه خاص فلا يستطيع المفتي أن يخالف الدولة -هذا إن كان صادقا - ولكنك تجد غالبيتهم قد ذابوا في حمأة الحزب الشيوعي وأصبحوا أبواقا لسكرتير الحزب واللجان المركزية، ولو كانت الشهادة من مفتي في بعض الدول الإسلامية الثورية ما صدقه الناس، فكيف بالشهادة من مفتي في بلد شيوعي يحارب الإسلام بالحديد والنار؟ وينقل لنا الشباب المسلم أن بعض المفتين أعضاء في الحزب الشيوعي ومنظماته الثورية.
ومن أجل أخذ صورة عن فتاواهم:
أفتوا في الإتحاد السوفياتي أنه يكفي صيام ثلاثة أيام من رمضان والحسنة بعشرة أمثالها فهذه ثلاثون يوما .
لقد قام وفد إفتاء من دولة شيوعية - تصدر اللحوم - إلى العالم الإسلامي بزيارة إلى الأردن وقبل مغادرته الفندق طالب الفندق بثمانين دينارا ثمنا لأنواع الخمور فاضطرت الوزارة التي استضافتهم أن تدفع الثمن تحت اسم خدمات ومرطبات، وهذا المفتي الذي ينفق مع وفده 80 دينارا على الخمر هو الذي يوقع الشهادات.
المغلفات المعنوية {مذبوح على الطريقة الإسلامية}:(1/74)
يكتب على المغلفات مذبوح على الطريقة الإسلامية فهذه المطبوعات تطبع من قبل شركات استيراد اللحوم في الدول الإسلامية وترسل إلى المسلخ أو تصنع أختام وترسل إلى الشركة ولقد وصل شحنة أسماك مكتوب عليها مذبوح على الطريقة الإسلامية.
وفي عمان اكتشفت أمانة العاصمة قبل سنوات عند شركة ملصقات كثيرة مكتوب عليها مذبوح على الطريقة الإسلامية حتى تلصقها على علب اللحم فور وصولها.
ولقد جاء إلى وزارة الأوقاف الأردنية وأنا فيها علبة لحم مكتوب عليها مذبوح على الطريقة الإسلامية، لحم بقر صافي 100% وفي الجهة المقابلة باللغة الألمانية أنها تحتوي نسبة من شحم الخنزير.
وبناء على ما تقدم تحرم الذبائح المستوردة من الغرب {الشيوعي والرأسمالي} هذا هو الأصل - والله أعلم- فلينتبه المسلمون لدينهم وليعلموا ماذا يأكلون؟ وفي الحديث الصحيح: من يكفل لي ما بين لحييه -{فمه ولسانه} بالطعام والكلام- وما بين رجليه أكفل له الجنه .
حل المشكلة
1- بالنسبة للمسلمين في البلدان الإسلامية: يجب على الدول الإسلامية المستوردة للحوم:
إما: أن تشتري مسالخ في أوروبا وتوظف بها من المسلمين القاطنين في تلك البلد، فهناك جاليات إسلامية باكستانية ويمنية كبيرة في بريطانيا مثلا وجاليات تونسية وجزائرية ومغربية في فرنسا.
أو: تستورد حيوانات حية وتذبح في بلادها -وهذا مكلف-.
أو: تستورد من بلدان إسلامية مثل تركيا والسودان وتعطيها قروضا لبناء مصانع آلية حديثة تذبح على الطريقة الإسلامية.
2- بالنسبة للطلاب المسلين في الغرب: لا بد أن يذبحوا أو يتأكدوا من الذبح وذلك:
إما: بالإشتراك الجماعي في ذبيحة يذبحونها ويخزنون اللحم.
أو: بالشراء من اللحم الحلال لانه أطيب وإن كان أعلى ثمنا يذبحه المسلمون هناك كالباكستانيين.
أما الطيور فأمر شرائها وذبحها -والله أعلم- أسهل.(1/75)
مسألة: ذبح الأنعام من القفا وليس من الأمام في الرقبة، هنالك بعض المسالخ وفي الدول الإسلامية تنزل شفراتها على رقبة الحيوان من الخلف.
وهذا جائز عند جماهير العلماء وحكاه ابن المنذر{1} 1- أنظر المجموع شرح المهذب للنووي {9/19}. عن الشعبي والثوري والشافعي وأبي حنيفة واسحق وأبي ثور ومحمد، وذلك لأن السكين تقطع الحلقوم والمريئ والأوداج قبل موت الحيوان، وخالف المالكية{2} 2- الدردير في الشرح الصغير {2/451} وكفاية الطالب الرباني {1/525}. فحرموا الذبح من القفا.
قال البخاري{3}: 3- فتح الباري {9/046}. قال ابن عمر وإبن عباس وأنس: إذا قطع الرأس فلا بأس {ولم يحددوا من أي جهة كان}.
مسألة الذبح بجانب مسجل يردد {بسم الله}
لا يجوز لأنه كالصلاة وراء الراديو، ولأن الذبح عبادة فلا بد لها من متعبد عاقل هذا أقصى ما قدرت عليه فإن كان صوابا أرجوا الله أن ينفعني به والمسلمين وأن يلهمنا العمل ويحبب إلينا طاعته وعبادته، وإن كان خطأ فأرجوا الله أن يعفو عني وحسبي أني اجتهدت صادقا وطمعت أن ينفع الله به المسلمين، ونرجو الله إن كان هذا الكلام خطأ أن يصرف عنه القلوب ويحبب إليها الصواب والحق، ويلهمها الرشد والفلاح، ورحم الله امرء أهدى إلي عيوبي وبين خطأي وأوصل الحق للمسلمين، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الفقير إليه تعالى
عبد الله عزام
مكة في {29} رمضان سنة {1410هـ -30/7/1981م}
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم باحسان الى يوم الدين.(1/76)
هذا الموضوع الذي أود طرحه عليكم هو موضوع يشغل بال الكنيرين من المسلمين المتبعين لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وبسببه نشبت خلافات لا حصر لها. لقد رأيت أن ابعث بهذه الرساله لمن يريد مساعدتنا بالاتصال بصاحب الفضيله الشيخ محمد بن صالح العثيمين فى المملكه العربيه السعوديه لانه حفظه الله قد سئل عبر الهاتف عن نفس الموضوع ولكن السائل لم يضمن سؤاله التفاصيل.
السؤال المطروح هو:
الدجاج الموجودة في بلاد الصليب (الولايات الامريكيه) يتم ذبحه في مصانع تقوم بوضعه على ممر يكون الدجاج معلق فيه من أرجله وفي اخر هذا الممر توجد شفرة حديديه. قبل أن يصل الدجاج الى هذه الشفرة يتم اعطاْوه ضربه كهربائيه خفيفة وتسمى هذه الضربه stunning وهي لا تقتل الدجاجه ولكنها تهدئها فلا تعود تتحرك فتفلت من الشفرة. ثم تمر الدجاج على هذه الشفرة فتقص رقبتها ويبقى الرأس معلقا فى الجلد حتى يتم قطعه فيما بعد. هذه العمليه واقصد الضربه الكهربائيه والشفرة تتم فى فى اجزاء بسيطه من الثانيه.
بعض اخوتنا يرى أن هذا يجوز أكله لانه من ذبح النصارى لكن أخرون يرون أنه لايجوز أكله لانه ليس من ذبح النصارى ولكنه ذبح مكائنهم وادواتهم. البعض الاخر يقول بأنه بما أن الرأس قد قطع تماما فأن الدم لازال موجودا داخل الدجاجه لذلك لايجوز أكله لان قطع الرأس يجب أن يتم على مرحلتين (قطع الحنجره ثم بعد خروج الدم يتم قطع الرأس) لان قطع الرأس تماما في أول الذبح يؤدي الى التأثير على الجهاز العصبى للدجاجه وبالتالى لايسمح للدم بالخروج كلية الى الخارج فيبقى في جسم الدجاجه فيحرم أكله.
إليك فتوى الشيخ ابن عثيمين حول الموضوع الذي سألت عنه. وسأنقل لك كلام الشيخ عمر الأشقر حول الموضوع نفسه وهو على حال موجود في كتاب للشيخ بعنوان: "مواقف ذات عبر وكلمات في المنهج" تحت فصل: (اللحوم المستوردة" ص 149-154. (
سؤال: ما حكم الشرع في نظركم في الدجاج المستورد؟(1/77)
جواب: إن كان قصدهُ الدجاج الذي يُستورد مذبوحاً:
فهذا إنْ قد جاء من دولة غير كتابية دولة شيوعية أو وثنية أو غير ذلك من الدول الكافرة فإنَّ هذه اللحوم من الدجاج وغيره تكون ميتة محرمة لأنها ذبائح كفار غير كتابيين فلا تحل.
أمّا إذا كانت هذه الذبائح مستوردة من بلاد كتابية من اليهود أو النصارى، فالله سبحانه وتعالى قد أباح لنا ذبائح أهل الكتاب كما في قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5]. يعني ذبائحهم لأنَّ الطعام غير الذبائح مُباح من أهل الكتاب وغيرهم فدلّ على أنّ المراد ذبائحهم بإجماع أهل العلم لكن بشرط أن يكونوا يذبحون على الطريقة الشرعية بأنْ يذبحوا في محل الذبح وبالطريقة الشرعية بأنْ يقطع من الأوداج والمري والحلقوم ما يكفي قطعه في الذكاة، أمّا إذا كانوا يذبحون بغير الطريقة الشرعية كالصعق الكهربائي والتدويخ والضرب بالمسدسات والفؤوس وغير ذلك وماتت الحيوانات بهذه الوسائل فإنها حرام وميتة لا تحل، ولو ذبحها مسلم على هذه الطريقة لم تحِل فكيف بالكتابي.
وقد اشتهر وكثر الخبر من جهات متعددة أنهم يذبحون بهذه الوسائل غير المشروعة فما دام الأمر كذلك فالأمر أقل أحواله أنه مشتبه وينبغي للمسلم أن يتجنب هذه اللحوم وأن يأكل مما تيقن أنه مذكى على الطريقة الشرعية فإنَّ ذلك أسلم لدينه وأبرأ لذمته والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دَعْ ما يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ).
نور على الدرب
فتاوى
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
إعداد: فايز موسى أبو شيخة
نشر : مكتبة ابن تيمية الكويت
الطبعة الأولى 1410هـ/1989م
اللحوم المستوردة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإنَّ قضية اللحوم المستوردة الآتية من بلاد غير إسلامية، كثر القول فيها وتباينت الآراء حولها، والذي نراه:(1/78)
أولاً: إنَّ اللحوم التي ذبحها أهل الكتاب جائز أكلها، لقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم حِلٌّ لكم}.
ثانياً: وإنّ الذبائح التي مصدرها غير المسلمين واليهود والنصارى لا يجوز أكلها، كذبائح الشيوعيين: روسيا، والصين.. وكذلك ذبائح اليابانيين.
ثالثاً: إلا أننا نشترط في الذبائح الواردة من البلاد التي أهلها نصارى كالدنمارك وأستراليا، أن تُذبح ذبحاً إسلامياً، فلا تُقتل صعقاً بالكهرباء، ولا ضرباً بالرصاص، ولا خنقاً.
وقد تواتر لدينا قطعياً أنَّ كثيراً من الدول النصرانية اليوم لا تذبح بل تعتبر الذبح تأخراً ووحشية يُنافي الرحمة بالحيوان. وقد نشرت جريدة (الرأي العام) الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 11/8/1978 الخبر التالي:
أساليب إنسانية في ذبح الماشية:
(وفق مجلس الشيوخ الأميركي على قرار يدعو إلى استخدام أساليب إنسانية في ذبح المواشي التي تُباع في الولايات المتحدة. والمعروف أن القانون الحالي ينص على إتباع طرق إنسانية في ذبح المواشي المباعة للحكومة الفدرالية.. أما التغيير المقترح فإنه سينسحب على كافة عمليات الذبح التي يشرف عليها مسئولو الدولة أو المسؤولون الاتحاديون وعلى المسالخ الأجنبية التي تتولى التصدير إلى الولايات المتحدة. وأوضحت وكالة اسوشيتدبرس أن القانون الذي تقدم به السيناتور بوب دول يدعو إلى إزالة إحساس الحيوانات بالألم عبر إطلاق نارية عليها أو توجيه ضربات خاطفة أو بالطرق الكهربائية أو الكيماوية.. إلخ، وذلك بحجة أن 11 بالمائة من المسالخ الاتحادية و5 بالمائة من مسالخ الدولة تذبح بعض الحيوانات بصورة لا إنسانية وتحذو حذوها 12 بالمائة من المسالخ الأجنبية التي تصدر إنتاجها إلى الولايات المتحدة).(1/79)
وقد كتب خبير في هذا الجانب مقالاً منذ سنوات في مجلة (التمدن الإسلامي) بيّن فيه الطرق التي يتم بها إزهاق أرواح الحيوانات في ديار النصارى، فإذا بأكثرها بعيد كلّ البعد عن الذبح الشرعي.
وقد كُتب مقال في مجلة (المجتمع) الكويتية منذ شهور مرسل من رجل فاضل يعمل في البرازيل. وفي المقال تحذير من أكل اللحوم المستوردة، ويقول إنه تحرى بنفسه هناك، فوجد أن أكثر من سبعين في المائة من اللحوم التي في البرازيل غير مذبوحة ذبحاً شرعياً.
ويجب أن نعلم أن كثيراً من الذين نُسميهم اليوم أهل كتاب ليسوا بأهل كتاب، بل هم كفرة بدينهم، خارجون عن تعاليمه الباقية. وبذلك يكون حُكمهم حُكم الوثنيين.
فيكون الإشكال على الذبائح الآتية من البلاد النصرانية من جانبين:
الأول: أن هذه اللحوم مشكوك في كونها ذبحت، واحتمال عدم الذبح هنا أرجح، وقد قرر الفقهاء في كتبهم أنه إذا اشتبهت ميتة بمذكاة فقد حرمتا.
ولا يجوز أن يُقال في هذه الحال هذه ذبائح أهل كتاب، لأنه ليس من طعامهم الذي يقره دينهم أكل الميتة. يوضح هذا أن طعام المسلم حلال بالإجماع، فإذا أُعلمنا أن المسلم خنق حيواناً ما فهل يجوز أكله؟
قد يحتج بعض النّاس بحديث يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (سموا أنتم وكلوا)، والاحتجاج بهذا الحديث في غير موضعه، لأنَّ السؤال الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم كان عن ذبح قوم عهدهم بالإسلام قريب، فلا يدري الصحابة، هل سمَّى هؤلاء على ذبائحهم أم لا، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (سموا وكلوا)، لأنَّ الأصل في ذبيحة المسلم أنها حلال، ولا يجوز أن يمتنع المسلم عن تناول طعام المسلم بمثل هذا التخوف، وقد حدثني ثقات موجودون في الكويت أنهم رأوا بأعينهم الدجاج لا تزال فيه رؤوسه لم تقطع، وبحثوا عن مكان الذبح فلم يجدوا، فبالله عليك هل تستطيع أن تطبخ هذا الدجاج الذي هذه صفته وتتناوله، وتطعمه أهلك؟(1/80)
الثاني: أن الذابح قد لا يكون من أهل الكتاب وهو في بلد نصراني، لأنَّ كثيراً من هؤلاء كفروا بالبقية الباقية من دينهم.
قيمة الشهادات التي تأتي مع اللحوم المستوردة:
أما عن قيمة الشهادات التي تأتي مع اللحوم المستوردة، والتي يُقال فيها ذُبحَ على الطريقة الإسلامية، فإننا لا نستطيع أن نسلم بها، بعد أن علمنا من الثقات أن كثيراً من هذه الشهادات تُسلم مُقابل مبالغ من المال، وأن الذين يُعطون هذه الشهادات ليسوا أهلاً للشهادة إلا القليل. خاصةً وأن هذه الشركات والقائمين عليها تُجار بالدرجة الأولى، ويهمهم الربح قبل كل شيء.
ولا أدل على صدق ما نقول أنه بلغ الاستهتار بعقول المسلمين وبدينهم أن جاءت الكويت كميات من الأسماك رأيناها ورآها كثيرون كُتب عليها (ذُبحت على الطريقة الإسلامية)، فقد ظنَّ هؤلاء التجار أنَّ المسلمين لا يتناولون لحماً ما لم تُكتب عليه هذه العبارة فوضعوها على الأسماك. وعجائب الدنيا لا تنقضي.
من يهن يسهل الهوان عليه ــــــــــــــــــــــــــ ما لجرح بميت إيلام
رابعاً: نحن نعلم أن الذين يعطون الشهادات بأن هذه اللحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية في البلاد الشيوعية لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، يعلم ذلك المطلع على أحوال تلك البلاد.
ما العمل؟
يتساءل المسلمون ما العمل؟
الجواب أن المسلم يجب أن يتحرى في دينه ويعلم ما الذي يدخله في بطنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم: (كلّ لحمٍ نبت على السحت فالنّار أولى به)، وتناول الحرام من أشد الجرائم عند الله.(1/81)
والواجب على المسلمين إذا شاؤوا أن يستوردوا مثل هذه اللحوم أن يُرسلوا شخصاً يوثق بدينه وأمانته، ويكون عالماً بالشريعة الإسلامية وأحكامها في هذا الجانب، كي يشرف بنفسه على هذه اللحوم التي ستغذي المسلمين وتكون في بطونهم وهم في صلاتهم وحجهم وجهادهم، وإنني أدعو الشركات التجارية هنا، ووزارة الأوقاف أن ترسل وفداً لتقصي الحقائق في هذا الجانب، على أن يستعين هذا الوفد بالمسلمين الصادقين في ديار الغرب.
والمسألة تحتاج إلى هذا الجهد وأكثر، فإن لها علاقة بأحكام شرعية قاطعة.
وفي الختام أدعو العلماء إلى أن يتقوا الله في هذا الأمر، وأن لا يُسارعوا في التحليل قبل أن يعلموا الحقيقة ويتبينوها، والله المسؤول أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يعصمنا من الزلل، إنه نِعم المولى ونِعم النصير.
عمر سُليمان الأشقر
من كتابه: "مواقف ذات عِبر وكلمات في المنهج والطريق" صـ 149-154.
دار النفائس ـ الأردن ـ الطبعة الرابعة 1416 هـ / 1996م.(1/82)