مفهوم المنهج وأهمية دراسته
رشدي أحمد طعيمة؛ محمود كامل الناقة
مقدمة
نتناول في هذا الباب عملية بناء مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، لأن هذه العملية تعتبر جزءاً أساسياً فى إعداد معلمي اللغة العربية وتكوينهم، وأمراً لا يستغني عنه العاملون في ميدان تعليم اللغة لغير أبنائها، والحديث عن بناء هذه المناهج يشتمل على المضامين التالية :
1. مفهوم منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ودوره في إعداد معلم اللغة والعوامل المؤثرة في هذا المنهج.
2. أسس بناء المنهج.
3. عناصر بناء المنهج.
4. نماذج لأنواع مناهج تعليم اللغة وتنظيماتها.
وسيتم تناول هذه المضامين والموضوعات بشكل موجز في الفصول القادمة إن شاء الله يتناسب وطبيعة هذا الكتاب كما يتناسب وطبيعة العاملين في هذا الميدان من حيث تنوع مصادر إعدادهم، ومستواهم وخبراتهم وكون بعضهم من الناطقين بالعربية والبعض الآخر من غير الناطقين بها.
أولاً : مفهوم المنهج(1/1)
بدأت محاولات تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها مستندة إلى تقديم مجموعة من المقررات تتضمن كماً من المعلومات والمعارف التي تتناول طبيعة اللغة العربية وتدور حول قواعدها وتراكيبها بصياغات تقليدية وصعبة مستمدة من كتب في أصول اللغة وفقهها، ثم تطورت هذه المحاولات فأخذت تتجه إلى تقديم مجموعة من النصوص اللغوية التي تختار من وجهة نظر الناطقين بها، أو مما يتوافر منها في البلاد التي تعلم العربية خارج نطاق الناطقين بها، وهي نصوص لا تراعى فيها المبادئ التربوية من حيث مستواها اللغوي ومضامينها الثقافية وارتباطها بحياة دارس اللغة وأغراضه منها، ويدفع الطالب إلى حفظ هذه النصوص وفهمها عن طريق الترجمة، وعادة ما كانت تصحب هذه النصوص قوائم من المفردات التي يطالب الدارس بحفظها وهجائها وكتابتها. ولذا اقتصر مفهوم منهج تعليم اللغة العربية على حفظ النصوص وترجمتها وتحصيل كم كبير من المفردات دون النظر إلى وظائف اللغة الحياتية والاتصالية والأدبية، ولقد ترتب على هذا المفهوم الضيق للمنهج أنه لم يمكن المتعلمين من فهم اللغة استماعًا، ومن التحدث بها أو التعبير بها كتابة، وأقصى ما أمكن لهذا المنهج تحقيقه هو قدرة ضعيفة على القراءة والترجمة، كما أدى هذا المنهج إلى قلة الإقبال على تعلم العربية.
ونتيجة لما وجه لهذا المفهوم القاصر لمنهج تعليم اللغة اتجه العاملون في هذا الميدان إلى التفكير في مفهوم واسع وفعال للمنهج يرى أن تعلم اللغة لا يتم إلا من خلال مواقف لغوية طبيعية حياتية اتصالية يمارس المتعلم من خلالها اللغة ممارسة طبيعية، لذلك رأوا أن المنهج يعني مجموعة من المواقف والخبرات اللغوية والأنشطة الاتصالية التي تُهَيَّأ وتعد وتختار وتخطط وتنظم لكي يعايشها متعلم اللغة ودارسها ويتمرس بها ليصبح قادراً على استخدام اللغة استماعاً وكلاماً وقراءة وكتابة.(1/2)
يتبين لنا من هذا المفهوم الجديد أنه يهتم باللغة وبالمتعلم في آن واحد، فهو ينظر إلى متعلم اللغة على اعتبار أنه كائن حي يقوم بأنشطة مختلفة منها العقلية والانفعالية والحركية ولا يمكن أن نفصل بين هذه الأنشطة وبعضها البعض، فعندما يتكلم الفرد باللغة فإنه بذلك يمارس نشاطاً حركياً يستدعي استعمال الأجهزة الصوتية، ولكنه في نفس الوقت يفكر فيما يقول، كما أنه ينفعل بما يقول ويضمنه أحاسيسه وانفعالاته، كما أن هذا المفهوم يرى أنه يجب أن تتكامل خبرات المنهج بحيث لا يطغى جانب من تعلم اللغة على بقية الجوانب، فإذا اقتصرنا على المعلومات اللغوية دون استعمال اللغة استعمالاً وظيفياً، وإذا اقتصرنا على القراءة دون الكلام، أو الاستماع دون الكلام، أو القراءة دون الكتابة فإن ذلك يؤدي إلى قصور في تعلم اللغة، ومن هنا ينبغي أن تتكامل خبرات منهج تعليم اللغة لتؤدي إلى استعمال اللغة استماعاً وكلاماً وقراءة وكتابة.
فإذا نظرنا إلى واقع تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الآن وإلى المناهج المستخدمة في ذلك في ضوء المفهوم الواسع للمنهج نجد العديد من الانتقادات وأوجه القصور من ذلك :
1. اهتمام العديد من المناهج الحالية باللغة ذاتها من حيث ما يدور حولها من معلومات ومعارف، وقصور الاهتمام بتعليم استعمالها وممارستها.
2. الاعتماد على المعلم كملقن للغة وليس كمهيء لمواقف لغوية يتيح الفرصة للمتعلم لاستعمال اللغة استعمالاً حقيقيًا.
3. الاعتماد على مادة الكتاب المؤلف لتعليم اللغة دون أن يصحب هذا الكتاب أنشطة لغوية معملية، أو ممارسة عملية للغة في مواقف حية وطبيعية.
4. اعتماد العديد من كتب تعليم اللغة العربية المطروحة في الميدان على مداخل تقليدية في تعليم اللغة متأثرة بتعليمها لأبنائها، ومستندة إلى نصوص صعبة أو غير شائقة أو غير عصرية، وعلى موضوعات تقليدية بعيدة عن مواقف الاتصال اللغوي الشائعة في حياة الدارسين.(1/3)
5. الاهتمام بحفظ الطالب لما يوجد بالكتب من كلمات وجمل وتراكيب دون الاهتمام بتوظيف هذه الجوانب في مواقف لغوية جديدة.
6. الافتقار إلى تخطيط منهجى لتعليم اللغة العربية يأخذ في اعتباره الجوانب الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية للغة، كما يأخذ في اعتباره المحتوى الثقافي والمعالجة التربوية.
وهناك العديد من جوانب القصور يضيق المقام عن ذكرها حيث تكفينا الإشارة إلى بعض هذه الجوانب لتشد انتباهنا إلى ضرورة بناء مناهج تعليمية تربوية سليمة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
وقبل أن ننتقل إلى أسس بناء هذه المناهج وعناصرها قد تثار تساؤلات عن : ما أهمية دراسة علم المناهج بالنسبة للعاملين في ميدان تعليم اللغة العربية خاصة المعلمين منهم ؟ وعن : ما العوامل المؤثرة في بناء منهج تعليم اللغة العربية ؟
وفيما يلى نقدم إجابة عن هذين السؤالين بإيجاز شديد.
أ) أهمية دراسة إعداد المنهج :
تتمثل أهمية هذه الدراسة بالنسبة للعاملين في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وخاصة المعلم في ضرورة معرفتهم بأن :
1. المنهج هو مجموعة من الخبرات والمواقف اللغوية التعليمية التي تخطط وتقدم للدارسين لتمكينهم من تعلم اللغة استعمالاً وممارسة، ومن ثم يلزمهم دراسة الأسس والمعايير التي على أساسها تختار هذه الخبرات والمواقف وتخطط وتنظم وتسلسل في مستويات تتتابع بتتابع مستويات تعلم اللغة.
2. المنهج وسيلة لتحقيق أهداف تعليم اللغة، ومن ثم يلزمهم أن يتعرفوا ويمارسوا كيفية صياغة الأهداف التعلمية وترجمتها إلى سلوك لغوي يمكن تنميته وملاحظته وضبطه وقياسه.
3. تطبيق المنهج وتدريس محتواه عملية علمية وفنية ومن ثم يلزمهم معرفة كيف يختارون الأساليب والاستراتيجيات التدريسية المناسبة لكل محتوى ولكل مستوى من مستويات تعلم اللغة.(1/4)
4. تطبيق المنهج عملية لها نتائج ينبغي أن تقاس وتشخص وتعالج ومن ثم يلزمهم أن يعرفوا، كيفية تشخيص جوانب الضعف عند الدارسين، والصعوبات التي تواجههم فى تعلم اللغة وأسباب ذلك حتى يمكنهم البحث عن أساليب ووسائل للعلاج.
5. المنهج في النهاية بناء علمي هندسي تربوي له أسسه وله مكوناته وفنيات بنائه وتنفيذه وتقويمه، ومن ثم يلزمهم أن يتدربوا ويمارسوا عمليات بناء المنهج فضلاً عن عمليات إعداد المواد التعليمية.
ب) العوامل المؤثرة في بناء المنهج :
هناك العديد من العوامل التي تؤثر في هذا المنهج نشير إلى بعضها هنا بإيجاز :
1. تطور الدراسات اللغوية والدراسات التربوية في ميدان تعليم اللغات وتعلمها مما أدى إلى استحداث مناهج جديدة في دراسة اللغات وتعليمها وظهور علوم جديدة مثل علم النفس اللغوي وعلم اللغة النفسي وعلم الاجتماع اللغوي والدراسات التقابلية، وظهور مداخل جديدة لتعليم اللغة وتعلمها مثل المدخل الإيحائي، والمدخل اللغوي التكاملي، ومدخل الاستجابة الجسمية الشاملة... الخ.
2. تطور استخدام التكنولوجيا الحديثة في تعلم اللغات وظهور الحاسبات الآلية والأجهزة الصوتية والمرئية واستعمال الوسائط المتعددة في التدريس، مما أدى إلى استحداث برامج لتعليم اللغات تعتمد على التعلم الذاتي الفردي والجماعي.
3. زيادة الاهتمام بالبحث العلمي التربوي في ميدان تعليم اللغات وتعليمها مما أدى إلى ظهور اتجاهات جديدة في بناء المناهج والبرامج مثل البرمجة، والنمذجة والكفاءات، والأداء... الخ.(1/5)
4. الاهتمام بالمستوى الفني للمعلم، والاتجاه نحو إعداد معلم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وإنشاء العديد من المعاهد التي تقوم على إعداده وتدريبه، وإقبال معلمي هذه اللغة في أنحاء العالم المختلفة على الدورات التدريبية التي تقوم بها المنظمات العربية والإسلامية الدولية منها والمحلية لتدريب المعلمين، ومن ثم فإن نجاح أي منهج أو برنامج لتعليم العربية إنما يتوقف على مدى الاهتمام بالمستوى الفني للمعلم.
5. طبيعة وخصائص الدارسين المقبلين على تعلم اللغة العربية من الصغار والكبار، ومن مختلف الجنسيات واللغات والأغراض، فكلما توافرت لدينا دراسات ومعلومات ومعارف وبيانات حول نوعية الدارسين وخصائصهم وأعمارهم ولغاتهم ودوافعهم وخبراتهم السابقة، توافرت لدينا إمكانية بناء مناهج في تعلم اللغة وبرامج مناسبة لهم، بالإضافة إلى إمكانية إعداد المواد التعليمية المناسبة لهم أيضاً.
6. تجارب الأمم الأخرى في تعليم لغاتها ونشرها، هذه التجارب التي يمكن أن نفيد منها في بناء برامج تعليم اللغة العربية من حيث المداخل والطرق والفنيات والاستراتيجيات ومن حيث التكنولوجيات والوسائل.
الفصل الثاني
الأسس اللغوية والثقافية
مقدمة
لكي يتحقق المفهوم العلمي والواسع للمنهج بما يحقق إفادة العاملين في الميدان، ويستجيب لتلك العوامل المؤثرة ينبغي أن تستند عملية بناء هذا المنهج على مجموعة من الأسس، ومجموعة من العناصر :
أ) أما الأسس التي يستند إليها بناء منهج تعليم اللغة العربية فهي :
1. الخبرة اللغوية والممارسة.
2. طبيعة اللغة العربية.
3. الثقافة العربية الاسلامية.
4. طبيعة المتعلمين للغة.
5. طبيعة عملية تعليم العربية باعتبارها لغة أجنبية.
ب) أما العناصر التي يتكون منها تعليم اللغة العربية فهي :
1. أهداف تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
2. محتوى منهج تعليم العربية لغير الناطقين بها ومستواه وتنظيمه.(1/6)
3. طرق التدريس وفنياته واستراتيجياته.
4. دليل معلم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
5. تقويم المنهج تخطيطاً وتنفيذاً، وتقويم المتعلمين.
وفي هذا الفصل نتناول من الأسس ما يتصل بالأسس اللغوية والثقافية.
1. الأساس الأول : الخبرة اللغوية
ذكر في موضع سابق أن منهج تعليم اللغة العربية عبارة عن مجموعة من الخبرات اللغوية وهنا يثار التساؤل التالي : ما الخبرة اللغوية ؟ هذا التساؤل الذي يجعلنا نتحدث عن مفهوم الخبرة اللغوية وأنواعها ومقوماتها وشروطها.
أ) مفهوم الخبرة اللغوية :
يقصد بالخبرة اللغوية الموقف اللغوي التعليمي الذي يهيأ ويعد لكي يعايشه الطالب، ويمارس من خلاله استعمال اللغة، ويحتك بمحتواه وينفعل به ليخرج منه وقد اكتسب مجموعة من المعلومات والمعارف عن اللغة واستخداماتها، ومجموعة من مهارات الاستماع والكلام والقراءة والكتابة، وقدرة على التفكير باللغة والتعبير عما يريد، مع تقدير لثقافتها وثقافة لغته، ومن ثم يكتسب في النهاية القدرة على استخدام اللغة العربية في مواقف حقيقية تتفق وأغراضه ودوافعه.
ب) أنواع الخبرة اللغوية :
ونعني بها أن يتعلم الدارس اللغة ويكتسب مهارات استعمالها من خلال نوعين من المواقف :
أولهما :
مواقف طبيعية حقيقية يمارس فيها الطالب تعلم اللغة في موطنها وبين أبنائها والمتحدثين بها، وهذه تسمى الخبرة المباشرة في تعلم اللغة واكتساب مهاراتها.
ثانيهما :
مواقف تعليمية غير مباشرة يتعلم فيها الطالب اللغة عن طريق مواد تعليمية مختارة ومنظمة في مؤسسة تعليمية متخصصة خارج وطنها وبعيدًا عن متحدثيها، وفي هذه الحالة تدعم هذه الخبرة غير المباشرة باستعمال الكتب والتدريبات والمعامل اللغوية والتسجيلات والأنشطة اللغوية التي يعدها أبناء اللغة العربية المتخصصين فى تعليمها، وقد يستعان في هذه الحالة بمعلمين من أبنائها.
جـ) مقومات الخبرة اللغوية وشروطها :(1/7)
ولكي تكون الخبرة اللغوية فعالة ومجدية ومحققة لأهداف تعليم اللغة وتعلمها، وقادرة على مساعدة الطالب على التعلم، ينبغي أن تتوافر لها وفيها مجموعة من المقومات والشروط، منها :
1. الاستمرار :
ونعني به أن تصاغ المواقف اللغوية وتقدم بشكل متدرج ومستمر بحيث نبدأ بتقديم خبرة لغوية بسيطة وضيقة، ثم مع تقدم الطالب في مستويات تعلم اللغة تزداد الخبرة اتساعاً وعمقاً. مثال ذلك في القواعد : لوفرض وأردنا أن نقدم الفاعل، فلا ينبغي أن نقدمه دفعة واحدة، وإنما قد نقدم الفاعل المفرد المرفوع بالضمة، ثم بعد ذلك الفاعل المثنى ثم الفاعل الجمع ثم الفاعل الضمير، وهكذا في مراحل متتالية ؛ أي أن دراسة هذا المبحث لا تتم مرة واحدة، وإنما تستمر دراسته مع الطالب في مستويات مختلفة.
2. التكامل :
ونعني به أن تتكامل جوانب الخبرة اللغوية وتترابط، بحيث يتكامل ويرتبط تدريس الاستماع بتدريس الكلام بتدريس القراءة بتدريس الكتابة، ويرتبط المحتوى اللغوي بالمحتوى الثقافي، ويتكامل كل ذلك ويرتبط مع أنشطة استعمال اللغة الاستعمال الوظيفي بحيث يؤثر تعلم كل جانب من هذه الجوانب على تعلم الجوانب الأخرى، وبحيث تتكامل مهارات اللغة في الموقف الواحد من استماع وحديث وقراءة وكتابة، ومن خلال كل ذلك يتكامل تعليم قواعد اللغة وأدبها.
3. التتابع :
ويقصد به البدء بتعلم الجوانب السهلة والبسيطة والانتقال منها إلى الصعب والمعقد بحيث يبنى اللاحق على السابق، وتمهد الخبرات اللغوية السابقة للخبرات اللاحقة، وقد نأخذ بمداخل التتابع كأن نبدأ بالجزء وننتهي بالكل، أو نبدأ بالكل ونتجه إلى الجزء.. وهكذا طبقاً لطبيعة المادة المقدمة والأهداف التعليمية التي نسعى إلى تحقيقها، وهذا التتابع هو ما يسمى التنظيم المنطقي لخبرات التعلم الذي يجعلنا لا ننتقل بالطالب من خبرة لغوية إلى أخرى انتقالة فجائية.
4. الاتزان :(1/8)
ويعني ألا يطغى جانب في الموقف اللغوي التعليمي على جانب آخر، حيث لا ينبغي أن نهتم بمهارة لغوية على حساب مهارة أخرى، أو نهتم بمعارف اللغة ومعلوماتها على حساب تعلم مهاراتها ومواقف استخدامها وتوظيفها ، أو نهتم بأغراضنا نحن من تعليم لغتنا على حساب أغراض المتعلم وأهدافه ودوافعه. وباستقراء هذه المقومات للخبرة اللغوية نجد أن الخبرة اللغوية أو الموقف التعليمي لتعلم اللغة ينبغي أن تضمن معلومات ومعارف لغوية وثقافية، ومهارات لغوية واتصالية وثقافية، وأنشطة لغوية متعددة تتيح الفرصة لتنمية كفايات الطلاب ومهاراتهم في استعمال اللغة بحيث يكون تعلم اللغة تعلماً وظيفياً استعمالياً وليس تعلماً نظرياً.
2. الأساس الثانى : طبيعة اللغة العربية وخصائصها :
ينطلق هذا الأساس من حقيقة أن محتوى المنهج الذي نتصدى لبنائه هو محتوى لغوي، وأن الخبرات التي تقدم في مواقف تعليم اللغة وتعلمها إنما هي مستمدة من اللغة كنظام يتضمن مجموعة من النظم هي النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام التركيبي والنظام الدلالي ولذلك وجب على المسؤولين عن وضع مناهج وبرامج تعليم اللغة دراسة هذه النظم والتمكن منها، هذا بالإضافة إلى ضرورة دراسة الموضوعات التالية :
أ) الخصائص العامة للغة :
1. اللغة سمة إنسانية : أي خاصة بالانسان وحده، وهي على هذا يجب أن تكون دائماً في خدمة أهدافه وأغراضه الحقيقية. وأن ترتبط بنموه اجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، وعلى هذا فرقي الفرد مرتبط ـ إلى حد كبير ـ بنمو لغته، ونهضتها.(1/9)
2. اللغة صوتية، وهذه الخاصية تعني أن الطبيعة الصوتية للغة هي الأساس، بينما يأتي الشكل المكتوب لها في المرتبة التالية من حيث الوجود. وعلى هذا فتعليم اللغة يبدأ بالشكل الشفوي ـ الأدنى. وهذا ما يحدث بالنسبة للطفل، وما يحدث في المدارس الحديثة في تعليم اللغات، إذ تبنت هذه المدارس ما يسمى بالمدخل الأذني ـ الشفوي ولو أن هناك جدلاً حول هذا المدخل في السنوات الأخيرة.
3. واللغة تحمل معنى، ومعنى هذه الخصيصة أن اللغة تتكون من رموز لها معانٍ وهذه الرموز يعرفها كل من المتكلم والسامع، والكاتب والقارئ، وبدون هذه المعرفة الثابتة للمعاني يصبح الاتصال صعباً ـ إن لم يكن مستحيلاً، وينبغي أن يكون واضحاً أن الصلة بين الرمز والشيء الذي يعنيه صلة عرفية، أي ليست طبيعية.
4. واللغة ذات نظام خاص، وتعني هذه الخصيصة أن أية لغة تتكون من وحدات خاصة. وهذه الوحدات تحدث في أنماط ثابتة. فالكلمات في العربية ـ مثلاً ـ تشتق بطريقة خاصة، وترتب في الجمل ترتيباً مرتبطاً بنظام العربية وحدها، ومن هنا تحرص كل لغة على أن تضع لنفسها قواعد معينة تساعد على ضبط استخدامها. وتساعد بالتالي على استمرارها. وذلك بدلاً من أن يكون لكل فرد الحرية في أن يفعل بلغته ما شاء.
5. واللغة سلوك مكتسب، ومعنى هذا أن العادات اللغوية المختلفة يكتسبها الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه. فالطفل يولد بدون أي معرفة باللغة، لكن لديه ـ فقط ـ الاستعداد لتعلمها، ومن هنا تأتي أهمية البيئة الاجتماعية، والتربية المنظمة في اكتساب الفرد للغة. وفي ترقية عادات استخدامها، كذلك علينا أن نعي أن الكلمات رموز للمعاني. وليست المعاني المتصلة بالكلمات فيها نفسها، بل في عقولنا نحن وبالاستخدام الطويل لهذه الكلمات اتفق على ربط معاني معينة بكلمات خاصة ويحمل الفرد هذه المعاني من الخبرات المختلفة التي يمر بها. ومن محاولتنا المستمرة للتعبير عن أفكارنا بالكلمات.(1/10)
6. اللغة نامية، أي أن اللغة في حالة تغير دائم. ويمكن ملاحظة هذا التغير في أنظمة الأصوات، والقواعد والمفردات من جيل إلى جيل، ومن إقليم إلى آخر، وذلك لأن الناس يُنمّون النماذج اللغوية التي تؤدي حاجاتهم بفعالية. ومن أظهر ميادين التغير في اللغة، الكلمة، وإذا تتبعنا تاريخ الكلمة في أي لغة ـ فسنرى شيئاً عجيباً ـ فمعاني الكلمة تتغير دائماً، وتنتقل من ميدان إلى آخر، فهناك معنى عام وآخر خاص، وهناك معان حقيقية وأخرى مجازية، وقد يكون للكلمة أكثر من معنى، وقد تؤدي عدة كلمات معنى واحداً(1).
ب) خصائص اللغة العربية :
من أهم خصائص اللغة العربية أنها لغة اشتقاقية، وهذا الاشتقاق أكسبها مرونة ومناعة في وقت واحد، فسمح لها بخلق ألفاظ جديدة، وحافظ على ثروتها، وحماها من الزيغ والشطط. والاشتقاق باب واسع تستطيع به اللغة أن تؤدي معاني الحضارة الحديثة على اختلافها، والاشتقاق في العربية يقوم بدور لا يستهان به في تنويع المعنى الأصلي، إذ يكسبه نواحي مختلفة بين طبع وتطبع، ومبالغة، وتعدية ومطاوعة، ومشاركة ومبادلة... إلخ. ولا نزاع في أن منهج اللغة العربية الفريد فى الاشتقاق قد زودها بذخيرة من المعانى. والواقع أن تركيب الكلمات في العربية أكثر تعقيداً، وليس من السهل وضع الصيغ المختلفة للأصل اللغوي تحت معنى واحد. فلكل صيغة معناها الخاص بها ، فمثلاً صيغة (فعلان) تدل على الاضطراب، والحركة مثل طيران، وصيغة (فُعال) تدل على الأدواء، مثل صداع، وصيغة (مِفْعال) تدل في الأغلب على عادات الاستكثار، مثل مطعام. وصيغ الأفعال، وأوزانها في العربية عامل من العوامل التي تثري اللغة ، والتي تمكنها من الدلالة على فروق وظلال تضاف إلى المعنى الأصلي، فما الزيادة في المبنى إلا زيادة في المعنى.(1/11)
كذلك من خصائص لغتنا أنها فى بنيتها وتركيبها لا تحتاج الجمل الخبرية فيها إلى إثبات ما يسمى في اللغات الأوربية، فعل الكينونة، وهو في الإنجليزية مثلاً (be) فنحن نقول في العربية على سبيل الإخبار "فلان شجاع" دون حاجة إلى أن نقول "فلان هو شجاع"، أو "فلان كائن شجاع" ونقول "كل إنسان فان" دون حاجة إلى أن نقول "كل إنسان يكون فانياً"، أو "كل إنسان يوجد فانياً"، أو "كل إنسان كائن فانٍ".
معنى هذا أن الإسناد في اللغة العربية يكفي فيه إنشاء علاقة ذهنية بين موضوع ومجهول، أو "مسند ومسند إليه" دون حاجة إلى التصريح بهذه العلاقة "نطقاً أو كتابة" في حين أن هذا الإسناد الذهني لا يكفي في اللغات الهندوأوربية إلا بوجود لفظ صريح مسموع أو مقروء، يشير إلى هذه العلاقة في كل مرة، وهو فعل الكينونة في اصطلاحهم.
جـ) صعوبات تعلم العربية :
1. الصعوبات الصوتية :
وهي الصعوبات الصوتية التي تكشفها دراسات التحليل التقابلي وتحليل الأخطاء وخبرة المعلمين والقائمين على تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ومنها :
1. بالنسبة للصوامت Consants
ــ أصوات حنجرية الهمزة (ء)، هـ
ــ أصوات حلقية ع ، ح
ــ أصوات لهوية ق
ــ أصوات طبقية ك
ــ أصوات غارية ش
ــ أصوات لثوية ص، س، ز، ر
ــ أصوات لثوية وأسنانية ض، ط ، د، ت
ــ أصوات أسنانية أو بين أسنانية ظ، ذ، ث
ــ أصوات شفاهية و
2. أما بالنسبة للصوائت فأهم الصعوبات تتمثل في ما يعرض للصوائت من قصر وطول طبقاً للتركيب المقطعي الذي تقع فيه.
وتكمن معظم صعوبات الجانب الصوتي فيما يلي :
أ) صعوبة نطق بعض الأصوات العربية غير الموجودة في اللغة الأم للمتعلم.
ب) قد يسمع المتعلم بعض الأصوات العربية فيظن أنها أصوات تشبه أصواتاً في لغته الأم، وهي في واقع الأمر خلاف ذلك.
جـ) قد يخطئ المتعلم في إدراك ما يسمع، فينطق على أساس ما يسمع فيؤدي خطأ السمع إلى خطأ في النطق.(1/12)
د) قد يخطئ المتعلم في إدراك الفروق المهمة بين بعض الأصوات العربية، ويظنها ليست مهمة قياساً على ما في لغته الأم، فإذا كانت لغته لا تفرق بين س، ز أو بين ث، ظ أو بين ت و ط، فإنه يميل إلى إهمال هذه الفروق حين يسمعها في العربية أو عند نطقه لها.
هـ) قد يضيف المتعلم إلى اللغة العربية أصواتاً غريبة عنها يستعيرها من لغته الأم، فقد يميل الأمريكي مثلاً إلى إضافة صوت P أو V إلى العربية لأنها أصوات مستعملة في لغته الأم.
و) قد نجد صوتاً مشتركاً بين العربية واللغة الأم لمتعلم ما، ولكن هذا الصوت يشكل صعوبة لدى المتعلم في بعض المواقع، فالإنجليزي لا ينطق (هـ) في آخر الكلمة في لغته، رغم أنه ينطقها فى أول الكلمة أو وسطها، ولهذا فإن (هـ) عندما تأتي في آخر الكلمة العربية تشكل صعوبة في النطق للإنجليزي والأمريكي وربما للناطقين بلغات أخرى.
ز) من الأصوات الصعبة على غير العربي ط، ض، ص، ظ، فهي أصوات مفخمة أو مطبقة أو محلقة تعرضت لتفخيم، أو إطباق أو تحليق، وقد يصعب على المتعلم تمييز ط عن ت، وتمييز ض عن د، وهكذا بين ص وس، وبين ذ وظ.
ح) ومن بين الأصوات الصعبة على غير العرب خ، غ، وأحياناً يصعب التمييز بينهما حتى على الطفل العربي.
ط) ويصعب على غير العربي أيضاً التمييز بين هـ وح، والتمييز بين الهمزة (ء) وع، وبين ك وق، وبين الهمزة (ء) والفتحة القصيرة.
ك) قد يصعب على المتعلم أن يدرك الفرق بين الفتحة القصيرة والفتحة الطويلة مثل ( سَمَر ـ سَامَر ) والتمييز أيضاً بين الضمة القصيرة والضمة الطويلة ( قُتل ـ قُوتل )، وأيضًا قد يصعب عليه التمييز بين الكسرة القصيرة والكسرة الطويلة مثل ( زِر ـ زير ) كما قد يصعب عليه نطق (ر) العربية التكرارية أو المرددة.
2. صعوبات النطق والقراءة :
1. صعوبة التعرف على أشكال الحروف والكلمات، وذلك بسبب :
أ) اختلاف أشكال الحروف عن بعضها.(1/13)
ب) اختلافها في مواقعها من الكلمة وفي الكلمات المختلفة.
نحن ـ مشمش ـ فلفل ـ محموم ]
جـ) اختلاف رسم الكلمات باختلاف الحروف :
فرح ـ فحر ـ رفح ـ حرف ـ حفر ]
د) كثرة أعداد الحروف بكثرة أعداد أشكالها.
هـ) اختلاف الحروف باختلاف نوع الخط.
2. صعوبة نطق الكلمات نطقاً صحيحاً معبراً وإخراج الأصوات من مخارجها بشكل صحيح، وذلك بسبب :
أ) كل حرف له صورة صوتية خاصة به.
ب) ضرورة تناسب نطق الكلمات والجمل بطريقة تحمل المعاني التي تعبر عنها.
جـ) خروج الصوت بأكثر من أداة :
* أحرف الحلق * الميم من الشفتين والأنف.
د) الضبط والحركة الإعرابية ـ ضبط الحروف وسط الكلمات.
هـ) عدم مطابقة الرسم الكتابي للصورة الصوتية والعكس.
3. صعوبة إدراك العلاقات السائدة بين وحدات الكلام، فهناك الفاعلية، والمفعولية، والحالية والوصفية، والظرفية، والمجازية، والحقيقية ـ وهناك أيضاً الجملة والعبارة وجمل العبارة، وعبارات الفقرة والموضوع كله.
3. الأساس الثالث : الثقافة العربية الإسلامية
تحتل الثقافة العربية الإسلامية مكانة مهمة فى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، فهي تعتبر أساساً مهماً لمحتوى المواد التعليمية، فاللغة تصحب ثقافتها بالضرورة ولا يمكن أن يتم تعليم اللغة العربية من خلال محتوى مفرغ من الثقافة العربية الإسلامية، ولقد أثبتت الدراسات أن المعلومات والمعارف الثقافية هدف أساس من أهداف أي مادة تعليمية لتعلم لغة أجنبية، وأن الطلاب عادة ما يتوقعون دراسة ثقافة اللغة بنفس القدر الذي يدرسون به مهارات اللغة، ولذلك قيل إن نجاح الشخص في التفاهم والاتصال والاندماج والتعامل مع أبناء لغة يتعلمها لا يتوقف فقط على مقدار المستوى اللغوي الذي وصل إليه في لغة هؤلاء، وإنما يتوقف وبنفس القدر على الحصيلة الثقافية التي تعلمها من خلال تعلمه اللغة.(1/14)
معنى هذا أن القدرة على التفاعل مع الناطقين باللغة العربية لا يعتمد فقط على إتقان مهارات هذه اللغة، بل يعتمد أيضاً على فهم الثقافة العربية الإسلامية من عادات وتقاليد وأساليب حياة وآمال وتطلعات وتراث وتاريخ، فالدارسون للغة العربية عادة ما يكونون شغوفين بالناس الذىن يتكلمونها ويودون معرفة أشياء كثيرة عنهم : من هم ؟ أين يعيشون ؟ كيف يعيشون ؟ ما طبيعة بلادهم و ما طبيعة حياتهم ؟ ما تراثهم وآدابهم وفنونهم... إلخ.
هذا بالإضافة إلى أن فهم الثقافة العربية والاسلامية والتفاعل معها أمر مهم فى حد ذاته للدارسين، ذلك أن التفاهم العالمي الآن والاتصال بعالم الناطقين بالعربية أصبح أمراً مهماً وضرورياً لإحداث تقارب وتعاون بين بلاد الدارسين والبلاد العربية والإسلامية.
لكل ذلك وغيره كثير يلزم القائمون على تخطيط مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وإعداد برامجه أن يتعرفوا مكونات هذا الأساس حتى يمكنهم اختيار محتوى المنهج واعداده بالشكل الذى يقدم الثقافة العربية الاسلامية بصورة صحيحة ومقبولة وفى ذات الوقت تحترم ثقافة الدارسين. ولذا فعلى القائمين على تخطيط المنهج واعداده دراسة المكونات التالية(2) :
أ) مفهوم الثقافة العربية الاسلامية.
ب) موقف الثقافة الاسلامية من الثقافة العربية.
جـ) مصادر الثقافة العربية الاسلامية.
د) الأبعاد الماضية والحاضرة والمستقبلية للثقافة العربية الاسلامية.
هـ) خصائص الثقافة العربية والاسلامية.
و) مستويات الثقافة العربية والاسلامية المادية والمعنوية.
وفى ضوء دراسة هذه الأبعاد يحدد المختصون ببناء المنهج انعكاس هذه الدراسة على المحتوى الثقافى لمنهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وعلى كيفية اختيار العناصر الثقافية الاسلامية والعربية المناسبة لحاجات الدارسين وأغراضهم ورغباتهم، والمناسبة أيضًا لأهداف الناطقين باللغة ومتحدثيها فى نشر لغتهم.
الفصل الثالث(1/15)
الأسس النفسية والتربوية
مقدمة
تناولنا في الفصل السابق ثلاثة أسس لبناء منهج تعليم اللغة العربية، هي : الخبرة اللغوية وطبيعة اللغة بشكل عام، واللغة العربية بشكل خاص، ثم الثقافة العربية الإسلامية، وهي تلك التي جمعناها تحت مسمى الأسس اللغوية والثقافية.
وفي هذا الفصل نتناول الأسس النفسية والتربوية متمثلة في أساسين هما : طبيعة متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها، وطبيعة عملية تعلم اللغة واكتسابها.
الأساس الرابع : طبيعة متعلمي اللغة
تعتبر عملية دراسة طبيعة متعلم اللغة وتعرف خصائصه صغيرًا أم كبيرًا، واستكشاف أغراضه وحاجاته ودوافعه من دراسة اللغة العربية، أمرًا في غاية الأهمية، لأننا نعد المنهج لمتعلم، فكيف نعد وجبة تعليمية في غياب من تعد من أجله ليتناولها بإقبال وتفاعل، لذا فدراسة المتعلم تفيدنا في تخطيط المنهج وبنائه على الوجه التالي :
أ) تحديد الأهداف العامة لمنهج تعليم اللغة العربية، وأيضاً الأهداف الخاصة لكل وحدة من وحدات محتوى المنهج.
ب) اختيار الخبرات اللغوية التعليمية المناسبة لمستوى كل فئة من الدارسين، وتطويعها وتنظيمها بحيث تكون قابلة للتعلم.
ج) اختيار أفعل مداخل التدريس وطرقه وفنياته وإجراءاته واستراتيجياته ووسائله، وبالشكل المناسب للدارسين.
د) تخطيط ألوان النشاط اللغوي والاتصالي والثقافي، التي تتفق مع رغبات الدراسين واحتياجاتهم واستعداداتهم وقدراتهم.
هـ) تحديد واختيار الأدوات والوسائل التعليمية التكنولوجية والمعامل والأجهزة التي يمكن أن تسهم في حفز الدارسين وإثارة دوافعهم لبذل الجهد في تعلم اللغة والتي تساعدهم بالفعل في التغلب على مشكلات تعلمها وتيسر هذا التعلم وتفعله.
و) إعداد وسائل تقويم التعلم تشخيصاً وعلاجاً وأساليبه بالشكل الذي يناسب الدارسين حتى يمكن في ضوء استعمالها تصحيح مسار عملية تعليم اللغة العربية من حيث أهدافها ومحتواها وطرقها ووسائلها.(1/16)
ز) مراعاة الفروق الفردية التي تكشف لنا عنها دراستنا للدارسين من حيث تنوع الأهداف والخبرات والأنشطة والتدريبات وفنيات التدريس وأيضاً وسائل التقويم وأساليبه.
وفي دراستنا لطبيعة متعلم اللغة العربية من غير الناطقين بها سنجد بالطبع دارسين كبارًا وآخرين صغارًا، وسنجد ناطقين بلغات مختلفة، وفئات من الدارسين بينهم اختلافات في ثقافاتهم وأغراضهم ودوافعهم وحاجاتهم من تعلم اللغة العربية ـ لذا يلزم دراسة كل فئة من هذه الفئات حتى يصبح كل منهج لكل فئة متميزًا عن الآخر بمقدار قدرته على مراعاة هذه الاختلافات بين تلك الفئات، إذ يصبح لدينا برنامج للصغار، وآخر للكبار، وتختلف وتتعدد برامج كل من الصغار والكبار ــ كما سبق أن أشرت ــ باختلاف اللغات والدوافع والحاجات والأغراض والميول والاهتمامات. لذا فالأمر يحتاج إلى دراسات لغوية مقارنة وتقابلية بين لغات الدارسين والعربية، ودراسات نفسية تربوية تحدد الدوافع والحاجات والأغراض والميول والاهتمامات باعتبار أن كل هذه الأمور تمثل دوافع للتعلم ينبغي أن تستثيرها لدى الدارسين ليزداد إقبالهم وتفاعلهم مع مواقف تعلم اللغة.
وتقدم لنا مثل هذه الدراسات زادًا يمكن الاستفادة منه في تحديد أهداف المنهج ومحتواه وطرقه ووسائله وتقويمه وتطويره من حيث :
* مسايرة ومناسبة الخبرات اللغوية للخصائص المميزة لكل فئة من فئات الدارسين.
* توفير الخبرات اللغوية الوظيفية المتنوعة والمتدرجة في المستوى حتى تتاح فرصة النجاح في تعلم اللغة أمام كل دارس.
* التنوع في طرق التدريس وفنياته بالقدر الذي يحقق فاعلية التعلم مع كل مجموعة من الدارسين.
* التنوع في مظاهر النشاط والوسائل التعليمية التكنولوجية في تنفيذ المنهج.
* توجيه الدارسين ومساعدتهم على حل المشكلات التي تواجههم في تعلمهم العربية.
* ربط محتوى المنهج بحاجات الدارسين ورغباتهم وأغراضهم وميولهم.(1/17)
* وضع مناهج وبرامج لأغراض خاصة تتفق وأغراض كل مجموعة من الدارسين.
* وضع مستويات متدرجة لتعليم اللغة العربية، ووضع مستويات استراتيجية ومرحلية للانتهاء من تعلمها واكتساب الكفاءات اللغوية المطلوبة ومستويات الأداء المرغوبة.
إن أهمية دراسة حاجات الدارس وأغراضه من التعلم أمر أقره الميدان التربوي بشكل واضح(3)، ذلك أن مفهوم الحاجات والأغراض كأساس لبناء المنهج قد أصبح أمرًا معتمدًا ومنتشرًا ومعروفاً الآن، والسعي إلى تطبيقه عملياً قد أصبح أيضاً أمرًا واقعياً، كما أن النظر لبناء المناهج في ضوء هذا الأساس يأخذ فى اعتباره أولاً الدارس بحيث لا يترك العملية التعليمية خاضعة للموضوع الدراسي والمحتوى واهتمامات المعلم واجتهاداته والعوامل الأخرى. إن دراسة أغراض الدارسين وأهدافهم وحاجاتهم من تعلم اللغة يمكننا من اشتقاق الأهداف وتحديد السلوك اللغوي الذي يساعد على مقابلة حاجاته وتحقيق أغراضه وإنجاز أهدافه من تعلم اللغة، كما أن مثل هذه الدراسة تمكن المعلم من تحديد أنواع وأنماط السلوك اللغوي التي إذا ما حصلها الدارس ساعدته على مقابلة أغراضه وحاجاته،وهذه الأنماط من السلوك تقرر أنواع الخبرات اللغوية التي يحتاجها الدارس لمقابلة أغراضه وهي تختلف عن الخبرات التي تقدم في برامج تعليم اللغات من أجل تعلم اللغة بشكل عام(4).(1/18)
ومن الأسس التى يقررها ميدان تعليم اللغات الأجنبية بل ومن الاتجاهات المعاصرة في عملية التعلم بشكل عام، الأخذ بعين الاعتبار وصف الدورالذي سيقوم به المتعلم بعد تعلمه للغة، وذلك عند وضع المقررات وتحديد الموضوعات والمجالات التي سيتعامل معها المتعلم بعد ذلك، ويساعدنا على وصف هذا الدور معرفتنا بأهداف الدارسين وأغراضهم من تعلم اللغة. ولقد بينت وقررت إحدى الدراسات التي تدور حول خصائص البرنامج الجيد لتعليم اللغة الأجنبية أن من أهم خصائص هذا البرنامج أن يركز في كل المستويات على الأبعاد المختلفة لحاجات ورغبات وأهداف الدارسين من تعلم اللغة الأجنبية(5).
ولقد أدت هذه النظرة إلى أهمية معرفة أغراض الدارسين وحاجاتهم من تعلم اللغة الأجنبية إلى ظهور اتجاهات جديدة في تعليم اللغات الأجنبية. فمن بين التيارات السائدة الآن(6) ــ استجابة لهذه النظرة لتطوير تعلم وتدريس اللغات ـ الاتجاه نحو تعلم اللغات من أجل أغراض خاصة وليس بشكل عام.
فالدارسون للغات الأجنبية مثلاً يبحثون عن تعليم اللغة الروسية من أجل ـ وبشكل خاص ـ قراءة الأبحاث العلمية حول الطيران "السوبرسونيك"، أو عن تعلم الألمانية خاصة من أجل العمل وكلاء لشركات الأجهزة الكهربائية الألمانية، أو الفرنسية خاصة من أجل العمل خبراء للزراعة في المناطق الحارة كالسنغال مثلاً، أو الانجليزية خاصة من أجل دراسة هندسة النسيج فى جامعة ليدز... إلخ.
هذه أمثلة للاتجاه نحو دراسة اللغة من أجل أغراض خاصة، وهذا الاتجاه يقوم على أساس من تحديد الأغراض الخاصة للمتعلم، ومن ثم الاحتفاظ بقوة دافعية الدارس لتعلم اللغة، وتحقيق تحصيل عال وإشباع ورضا لدى الدارس.(1/19)
إن تدريس اللغة العربية من أجل أغراض خاصة Arabic for Special purposes بما في ذلك الأهداف والمحتوى والمواد التعليمية، إنما يتحدد بمطالب المتعلم وأغراضه أكثر منها بعوامل خارجية مثل معايير التعليم العام. وإذا كانت اللغات الأكثر انتشاراً وشيوعاً فى العالم مثل الإنجليزية لا ينطبق عليها هذا النوع من الاتجاه بشكل كبير، فإن اللغات الأخرى ومن بينها اللغة العربية تدخل فى نطاق هذا الاتجاه، كأن يقبل الدارسون على تعلمها من أجل اعتناق الدين الإسلامي، أو التفقه فى الدين، أو قراءة القرآن، أو إقامة علاقات مع العرب.. إلخ، ومن ثم تحتاج العربية للاستفادة من هذا المدخل فى تعليمها للراغبين والمقبلين على تعلمها.
وفي هذا السياق يستلزم أن نعرض وبشكل تفصيلي دور الدوافع في برامج تعليم العربية لغير الناطقين بها.
الدوافع و تعليم اللغة
ألمحنا في الصفحات السابقة وبشكل سريع إلى أهمية التعرف على دوافع الدارسين لتعلم اللغة العربية من غير الناطقين بها في تحقيق أهداف تعليم وتعلم هذه اللغة، وفي زيادة فاعلية التعليم والتعلم عند الدارسين، وذلك عندما نأخذ مثل هذه الدوافع في الاعتبار عند تخطيط المناهج ووضع البرامج والمقررات وصياغة المواد التعليمية واختيار أفضل طرق التدريس، وفي الصفحات التالية نحاول أن نلقي الضوء على الميدان واتجاهات تعليم اللغات الأجنبية نحو ما يدفع الدارسين لتعلم اللغة الأجنبية.
يشيع اليوم بشكل كبير فى ميدان تعليم اللغات الأجنبية استخدام مصطلحات مثل Learner-centered, student-centered, personalized, individualized, humanized(7) :(1/20)
وهذه المصطلحات تشير إلى تفريد التعليم، أو تمركز تعليم اللغات حول المتعلم، ولذلك نجد أن مؤتمرات تعليم اللغات الأجنبية مثل الاجتماع العالمي الثالث عشر لتعلم اللغات للاتحاد العالمي للمتخصصين في تعليم اللغات الحية الذي عقد في ربيع سنة 1978م بسويسرا قد ناقش بحوثاً حول هذه المصطلحات.
ولقد ازدهرت فكرة التمركز حول المتعلم في السبعينيات من القرن الماضي، حيث ألفت مجموعة من الكتب تناولت هذه المصطلحات التي أشرنا اليها وجعلت المتعلم محور اهتمامها، مثل :
1. Oller and richards : Focus on the learner, pragmatic perspectives for the language teacher, (1973).
2. Finocchiro and Bonomo : The foreign language learner : A guide for Teachers, (1973).
3. Schumann and Stenson : New frontiers in second language learning, (1974).
4. Papalia : learner-centered language teaching : methods and materials, (1976).
وهذه الكتب تختلف عن كتب تعليم اللغات في الستينيات، تلك التي كانت تتحدث عن تدريس اللغات بشكل عام، أما هذه الكتب فتدور حول المتعلم، وهي تصل إلى القول بأن المعلم وحده لا يستطيع أن يمركز العملية التعليمية داخل الفصل حول المتعلم، بل هناك المواد التعليمية التي يمكن أن تصاغ وتدار حول المتعلم، كما أنها نادت بالاتجاه الذي يسمى "تصميم مقررات من أجل أغراض خاصة لتعلم اللغة الأجنبية".
والمقصود بتمركز تعليم اللغة حول المتعلم هو إشراك المتعلم في العملية التعليمية بوجه أو بآخر، ولعل في مقدمة هذه الوجوه وضع مفردات المقرر والمواد التعليمية لتعليم اللغة في ضوء أغراض المتعلم وحاجاته.
وهناك ثلاثة اتجاهات رئيسية تحدد ملامح مداخل تعليم اللغة التي تدور حول المتعلم(8).
الاتجاه الأول :(1/21)
ويشير إلى أن تدريس اللغة ـ المتمركز حول المتعلم ـ يتضمن عملية تعلم تحدد فيها حاجات وأغراض وميول الدارسين ـ كلما أمكن ـ شكل منهج تعليم اللغة الأجنبية ومقرراتها.
الاتجاه الثاني :
هو أن تدريس اللغة ــ المتمركز حول المتعلم ــ يمكن أن ينظر له من خلال أربعة أمور هي : الأهداف، الوسائل، المعدل، التوقعات.
بمعنى أن المدرس يستطيع أن يفرد أهداف التدريس بحيث تسمح لمتعلمين مختلفين بأن يتابعوا مقررات مختلفة في نفس المنهج، ويستطيع أن يقرر وسائل تحقيق الأهداف التي يتابع بها مختلف الدارسين الأهداف بطرق مختلفة، ويستطيع أن يفرد معدل التدريس بحيث يناسب كل دارس، وفي ذات الوقت يستطيع أن يفرد التوقعات كنتائج للتعلم.
الاتجاه الثالث :
تدريس اللغة ــ المتمركز حول الدارس ــ يتضمن عملية تبسيط التدريس ليناسب رغبات وحاجات الدارسين حتى ولو كانوا فى جماعات مختلفة الأحجام.
وإن الصفة المتميزة لهذا الاتجاه هي أن التدريس المثالي عنده هو الذي يقدم للمتعلمين فقط ما يودون تعلمه، وعندما يرغبون في ذلك، وفي شكل بسيط يتناسب وقدرتهم على التعلم ورغبتهم في التعلم بحيث يستطيعون تحت هذه الظروف أن يحصلوا أعظم فائدة ممكنة.
هذه الاتجاهات الرئيسية الثلاثة التي تحدد الأسس الفلسفية والتربوية لتدريس اللغة المتمركز حول المتعلم مشتقة من المقدمة المنطقية التي تقول إن كل الطلاب لا يتعلمون اللغة الأجنبية، أو أي شيء آخر فى المنهج بشكل متساو نتيجة لاختلاف أغراضهم ورغباتهم وحاجاتهم، وكذلك استعداداتهم وقدراتهم من تعلم اللغة.
معنى هذا أن الاتجاه إلى تفريد التعليم قائم على أساس من دراسة أغراض وحاجات ورغبات المتعلم، ذلك أن دراسة هذه الأغراض والحاجات والرغبات وتعرفها يساعدنا على تصميم مواقف تعليمية لغوية لأغراض محددة، كما تساعدنا على تصنيف مجموعات عديدة متجانسة من الدارسين، كما أنها تساعد مصمم المقرر الدراسي على تحقيق أمرين :(1/22)
1. تقديم عرض تفصيلي لما يحتاج الدارس أن يكون قادراً على فعله باللغة العربية في العمل أو الدراسة أو الغرض الذي من أجله يدرس العربية.
2. تصميم مهارات اللغة المطلوبة، وتحديد الأشكال والوظائف المطلوبة لتحقيق عملية الاتصال التي ظهرت فى الأغراض والحاجات والرغبات في الخطوة السابقة(9) بمعنى أن معرفة أغراض الدارسين وحاجاتهم ورغباتهم وداوفعهم الأخرى من تعلم اللغة العربية يفيد في معرفة :
أ) من هم الدارسون ؟
ب) أي الميادين الدراسية أو الوظيفية يحتاجون فيها للغة العربية ؟ وعند أي مستوى ؟
ج) أي الأنشطة الاتصالية يحتاجون فيها للغة العربية ؟ وعند أي مستوى ؟
ولقد أشارت ولجا رفرز( Rivers) إلى أن المتعلم يصبح أكثر انخراطاً واندماجاً في تعلم اللغة عندما تقدم له البرامج المبنية على اهتماماته وأغراضه وحاجاته، كما أن ذلك يجعل عملية تعليم اللغة لها معنى، كما تخلق لدى المتعلم الرغبة في السيطرة عليها.
ويقول لان Lane : >إن طرق البحث الحالية في تعليم اللغات الأجنبية لم تأخذ في اعتبارها كثيراً الفروق بين الطلاب، مع أن هذه الفروق قد تكون المتغير الوحيد المهم فى تحديد تحصيلهم للغة الأجنبية. ولعل من أهم ما يساعد على تبين هذه الفروق معرفة الحاجات والدوافع والفروق فيما بين الدارسين في هذه الحاجات والدوافع، وتخطيط برامج التعليم وطرق التدريس فى ضوء هذه الحاجات والدوافع مما يحقق لكل برنامج تمايزه على الآخر في ضوء ما بينها من فروق فردية<(10).
ويقول فرانك مدلي Frank Medley : >إن معرفة الحاجات والعوامل التي تدفع المتعلم لتعلم اللغة يمكن أن تحدد لنا أغراض تعليم اللغة كما تحدد لنا وسائل تحقيقها<(11).(1/23)
أما كل من جارفنكل Garfinkel وهاملتون Hamiltion فقد قررا ـ فى كتابهما فى معرض حديثهما عن الإجراءات والطرق التطبيقية لتصميم مناهج وطرق تعليم اللغات الأجنبية فى ضوء الأهداف المبنية على أساس من الحاجات والأغراض والاهتمامات الفعلية للدارسين ـ أن معرفة هذه الحاجات والأغراض والاهتمامات تفيد في :
أ) اشتقاق الأهداف والتأكد من صدقها وتنظيمها وترتيبها طبقاً لأهميتها.
ب) صياغة الأهداف صياغة إجرائية أدائية.
ج) وضع الخبرات التعليمية المشتقة من الأغراض والاهتمامات والتي تشد قابلية المتعلم لتعلم اللغة(12).
ويقول هنري هولك Henri Holec(13) : >وهناك مداخل لتعليم اللغات الأجنبية تحاول زيادة فاعلية تعلم اللغة الأجنبية لاعلى أساس طرق التدريس ولكن على أساس الدرجة التي أخذت بها حاجات وأغراض واهتمامات المتعلم في الاعتبار، ولم يكن الاهتمام في هذه المداخل منصباً على المعلومات والمعارف، ولكن اهتمامها انصب على العلاقة بين المحتوى وفنيات التدريس من جانب وبين المتعلم من جانب آخر، ولقد أدى هذا إلى انتشار واسع لتعليم اللغة من أجل أغراض خاصة يعبر عنها الدارسون Language for special purposes هذا الاتجاه الذي أدى أيضًا إلى تعدد في الأهداف والبرامج والمقررات<.
ويضيف هولك Holec(14) : >إن الأمر الأساسي في تحديد الحاجات والدوافع والأغراض هو أنها سبيلنا لوضع نظام تدريس اللغة وتحسين مواده بحيث يكون أكثر فعالية، ولهذا السبب فإن معرفة حاجات وأغراض ودوافع أكبر عدد ممكن من المتعلمين أمر ضروري كلما أمكن ذلك خاصة وأن هذا النظام سيقام على أساس من هذه الحاجات، سواء أكانت مشتركة بين جميع الدارسين أو خاصة بهم كأفراد وجماعات<.(1/24)
إن المادة التعليمية (اللغة) التي ينبغي أن يحصلها الدارس يجب أن تحدد من خلال الأهداف الاتصالية والأغراض الاستعمالية لجماعة الدارسين، دون النظر بكثير من الاعتبار للكفاءة الاتصالية للمتحدثين باللغة. إن هذه الأهداف تتكون من سلوكيات الاتصال التي يعتقد الدارس أنه سوف يحتاجها أو يحتاج السيطرة عليها لكي يؤدي لغوياً بنجاح في المواقف التي سيجد نفسه فيها، وهذه الأهداف ستختلف من مجموعة من الدارسين إلى مجموعة أخرى، بحيث يمكن بناء مناهج ووضع مواد تعليمية تتناسب مع كل مجموعة. مثال ذلك أننا قد نجد مجموعة من الدارسين للعربية تريد أن تدرس الثقافة الإسلامية، ومجموعة أخرى تريد أن تسأل عن الأماكن والأوقات والأشياء والبيع والشراء وتتحدث في الحياة العامة لأنها تريد أن تعمل وتعيش في البلاد العربية، ومجموعة أخرى تريد أن تقرأ مقالات متخصصة في الأدب العربي، أو تشارك في عمل اقتصادي أو دبلوماسي... الخ.
وعادة ما يعبر الدارس عن غرضه أو حاجاته من تعلم اللغة في تصوره الإجرائي لهذا الغرض أو الحاجة، وعندما نقدم له تعليم اللغة في تصوره الإجرائي لها فإنه سيحاول الوصول إلى هذا المستوى الإجرائي من تعلم اللغة.
يقول ويدوسون(15) في تفسيره للحاجات بالنسبة لمتعلم اللغة الأصلية : >إن تعبير (حاجات المتعلم) يتسع لتفسيرين :
الأول :
يشير إلى ما يحتاج المتعلم فعله مع اللغة حينما يتم تعلمه لها، وهذا هو تفسير الحاجات من وجهة نظر أهداف تعليم اللغة في اتصالها بالسلوك اللغوي الذي هو نهاية التعلم.
والثاني :
يشير إلى ما يحتاج المعلم فعله لكي يحصل اللغة فعلاً، وهذا هو تفسير الحاجات من وجهة نظر عملية التعلم ووسائلها<.(1/25)
والتفسير الأول هو الذي نأخذ به ونقصده في هذا السياق، يقول كلارك : >إن أول خطوة في أي مشروع لتدريس اللغة الأجنبية ينبغى أن يعتمد على تصميم مقرر يعكس الحاجات والرغبات اللغوية The language needs and wishes للمتعلم، وأن إغفال ذلك يقودنا إلى كارثة نواجهها فى تدريس اللغة في الفصول حيث لا وجود لما يريد المتعلم أن يتعلمه من اللغة<(16).
إنه ينبغي لمصمم المقرر وواضع مفرداته أن يصحب معه الأغراض والحاجات الاستعمالية الضرورية للدارس لكى يتعلم ما يريد أن يتعلمه learn to learn what he wants to، وإذا كان الدارس سوف يتعلم بشكل فعال ما يريد أن يتعلمه، وفي ذات الوقت ما يحتاج لتعلمه من اللغة، فإننا ينبغي بل ومن المهم أيضاً أن نترك برنامج تعليم اللغة لتحدد رغبات وحاجات الدارسين أهدافه ومحتواه(17).
إن بناء المقرر فقط في ضوء الكفاءة اللغوية المطلقة قد لا يحقق بالضرورة رغبات الدارس، ولذلك يقول فان إك Van Ek : >ينبغى أن يخطط المقرر في صورة الحد الأدنى، وتعطى الحرية للمعلم في هذه الحالة لكى يقدم بعض المواد والمواقف التعليمية في دروسه من خلال ما يشعر بأنه أساسي لمجموعة الدارسين الذين أمامه، بمعنى أن يكون مرجعه فيما يقدمه نوعية ورغبات وحاجات الدارسين<. والواقع أن مثل هذه المقررات تمكن المعلم في الواقع العملي من تدريس المادة اللغوية من منظور استخدام اللغة استخداماً فعلياً، وفي شكل مهارات أدائية اتصالية، وبشكل أكثر فعالية من تدريسها من منظور تعليم اللغة كلغة فقط، أو تقديم معلومات منتقاة من اللغة تدور حول اللغة.(1/26)
وفي سياق حديث أحمد المهدي عبد الحليم عن البحث التربوي في تعليم العربية لغير الناطقين بها يثير قضية الدوافع ويقول : >إن السؤال الرئيسي في هذا المجال هو : ما دوافع غير الناطقين بالعربية إلى تعلمها ؟ ويلي هذا السؤال سؤال آخر هو : ما المهارات التي يودون تعلمها ؟ ويقول إن معرفة الإجابة على هذين السؤالين ذات أهمية بالغة في تحديد مداخلنا إلى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وفي اختيار محتويات المادة التي نعلمها وتنسيقها، ووضع التدريبات اللازمة لها، وكذلك اختيار الطريقة أو الطرق التى نعلم بها. وليست أهمية معرفة الدوافع قاصرة على اتخاذها أساساً لتحديد الأهداف ووضع البرامج واختيار المواد والطرق، ولكنها مهمة أيضاً في معرفة الوسائل والأدوات التي تمكن المعلمين من الاحتفاظ بمستوى عال ـ دائماً ـ من الدافعية لدى من يتعلمون اللغة العربية، رغم ما قد يصادف بعضهم من صعوبات في تعلمها<(18).
وتساعد معرفة الدوافع أيضاً في تحديد المهارات، وأيها يحتاج إلى تركيز في عملية التعلم من حيث المادة والطريقة، فنوع الحاجة مثلاً (قراءة القرآن الكريم) يشير إلى التركيز على مهارة القراءة والفهم، وهكذا. ولعل الأمر الملح في هذا الصدد هو الحاجة إلى وضع أدوات موضوعية لمعرفة هذه الدوافع.
نخلص من العرض السابق إلى أمرين :
الأول :
أن هناك اتجاهاً سائداً ومعتمداً في ميدان تعليم اللغات الأجنبية يعتمد على دوافع الدارسين في تخطيط عملية تعليم وتعلم اللغة الأجنبية، هذا الاتجاه يتمثل فى عدة مداخل وبرامج منها :
1. مدخل رغبات المتعلمين Learner's want's approach.
2. مدخل تعلم اللغة من أجل أغراض خاصة Language for special purposes approach.
3. مدخل قائم على أساس تقسيم الدارسين إلى مجموعات ووضع برامج تتفق وحاجات ورغبات كل مجموعة A group-based learning programs وهذه المداخل تأخذ في اعتبارها عدة أمور(19) :(1/27)
1. أن أغراض المتعلم من تعلم اللغة هي الأساس الرئيس في وضع البرامج.
2. أن محتوى مقررات اللغة على ذلك تتحدد في ضوء بعض أو كل الطرق التالية :
أ) الحصر : أي حصر المهارات الأساسية فقط "الفهم والتحدث والكلام والقراءة والكتابة" تلك التي ينبغي أن يتضمنها البرنامج من حيث أنها مطلوبة لأغراض الدارس.
ب) الاختيار : أي اختيار المفردات والتراكيب والمضامين وأنماط القواعد ووظائف اللغة التي ينبغي أن يتضمنها المحتوى من حيث أنها مطلوبة لأغراض الدارس.
ج) المباحث والموضوعات : أي الموضوعات والمواقف، ومواقف استخدام اللغة التى ينبغى أن يتضمنها البرنامج من حيث أنها مطلوبة لأغراض الدارس.
د) الحاجات الاتصالية : أي الحاجات الاتصالية والتفاعل المناسب عن طريق اللغة مع الآخرين أفراداً وجماعات، تلك التي تتصل بأغراض الدارسين.
الثانى :
أن دراسة دوافع الدارسين لتعلم اللغة العربية كلغة أجنبية تفيدنا في عدة أمور :
1. ربط المقرر ومفرداته بما يمكن توقع حدوثه في حجرة الدراسة.
2. الاهتمام بوضع مقررات خاصة، تتضمن ترجمة حقيقية للأهداف التى وضعت في ضوء التحديد الموضوعي لدوافع الدارسين.
3. تأكيد العلاقة التدريسية بين المعلم والدارسين من خلال تعرفه على دوافعهم.
4. تحديد عمليات التدريس وإجراءاتها بما يتناسب مع المهارات التي يرغب الدارسون في اكتسابها، وتوجيه هذه العمليات والإجراءات نحو تحقيق الأهداف.
5. تكييف مهارات التدريس عند المعلم مع طبيعة عمليات التدريس وإجراءاتها التي تتناسب مع المهارات اللغوية المطلوبة للدارسين.
6. تعرف أفضل طرق إثارة دوافع الدارسين للتعلم والاحتفاظ بحماسهم، وذلك بربط هذه الطرق برغباتهم وأغراضهم.
7. وضع وابتكار أدوات ووسائل وأساليب تقيس مدى تقدم الدارسين والمعلمين تجاه تحقيق الأغراض.
أنواع الدوافع :
يمكن أن ننظر إلى دوافع الدارسين لتعلم اللغة الأجنبية من منظورين :
المنظور الأول :(1/28)
وفيه ننظر إلى الدوافع من منظور ما يسمى بالدوافع التكاملية والدوافع الوسيلية(20).
أ) الدوافع التكاملية :
هي تلك التي تعكس مستوى عال جداً من الدافع الشخصي لتحصيل لغة ما تمثل شعوبها له قيمة اتصالية، وذلك من أجل تسهيل عملية اتصاله بهذه الشعوب. وهذه الدوافع التكاملية تتصل بالرغبة في تعلم اللغة.
وهذا النوع من الدوافع يقوم بدور نشيط في تعلم اللغة، حيث أجمعت الأبحاث على أن الطلاب أصحاب الدوافع التكاملية يثبتون نجاحاً واتجاهاً إيجابياً نحوها ونحو شعبها أكثر من أي دوافع أخرى. وهذه الدوافع التكاملية تتصل بالرغبة في تعلم اللغة. يقول جاردنر (Gardner, R.) ولامبرت (Lambert, W.)(21) إن الكفاءة في اللغة الأجنبية تعتمد على ما هو أكثر من أن تكون للمتعلم أذن لتحصيل اللغة، إن دوافع المتعلم نحو اللغة والدرجة التي ترجع إليها رغبته في مشاركة أصحابها سماتهم وثقافتهم وأنشطتهم، تحدد إلى حد كبير مستوى النجاح في تعلم لغة جديدة، وهما بهذا المعنى يقصدان الدوافع التكاملية(22).
ويقول جاردنر في مكان آخر، إنه لأمر لا شك فيه أن التحصيل الناجح للغة الأجنبية يعتمد وبشكل كبير على عوامل الدافعية بشكل خاص، وأن مفتاح النجاح يكمن أيضاً في اختيار دوافع تكاملية تجاه الثقافة الأجنبية، تلك التي يعبر عنها الدارسون في رغباتهم Willingness في مشاركة الجماعة اللغة.
ب) أما الدوافع الوسيلية :
فهي الرغبة في تحصيل اللغة من أجل أغراض نفعية، ويدخل فيها تشجيع الوالدين والآخرين وما شابه ذلك. وهذه تقوم بدور أقل في تعليم اللغة (فتعلم اللغة يقل نجاحاً إذا كانت دوافع الدارسين وسيلية أكثر منها تكاملية، لأن القيمة هنا كغاية لتحصيل الكفاية في اللغة الأجنبية تتقدم، ويقل البحث عن علاقة نشيطة مع المتحدثين باللغة وينحصر الأمر في معرفة بعض المعلومات عن ثقافة اللغة)(23).(1/29)
ولقد قام جاردنر ولامبرت بدراسة قائمة على فرض مؤداه أن التحصيل في تعلم اللغة الثانية يعتمد على مجموعة من الدوافع شبيهة بالدوافع الضرورية لتعلم اللغة الأم، بمعنى الرغبة لأن يصبح المتعلم عضواً في ثقافة الجماعة.
وقد قاما باستخدام عدد من المقاييس المتنوعة مع 75 من المتحدثين باللغة الإنجليزية في مونتريال في الصف الحادي عشر، منهم 43 من الذكور، و32 من الإناث. ولقد قاما بالتمييز بين من يدرسون اللغة الفرنسية في العينة من أجل أن يطلعوا على الثقافة الفرنسية، وبين هؤلاء الذين يتعلمونها من أجل أغراض نفعية. ولقد وجدا أن الطلاب الذين يدرسون اللغة من أجل معرفة ثقافتها أكثر تفوقاً من الآخرين في تحصيل اللغة، ولقد توصلا من خلال استخدام التحليل العاملي لسجلات التحصيل إلى أن هناك عاملين رئيسيين يكمنان خلف التحصيل في تعلم اللغة الأجنبية، هما :
1. القدرة اللفظية.
2. الدافعية المتمثلة في الرغبة في أن يكون الدارس عضواً له قيمة في جماعة اللغة.
فلكل نوع من هذه الدوافع دور مهم في تعلم اللغة ؛ ومن ثم ينبغي التعرف على هذه الدوافع ومداها عند دارسي اللغة العربية من غير الناطقين بها ذلك >أن العلاقة بين الدوافع التكاملية وتعلم اللغة، والدوافع الوسيلية وتعلم اللغة لا تخضع مباشرة لنوعية هذه الدوافع، ولكن ترجع إلى السياق النفعي لثقافة اللغة بالنسبة للمتعلم<(24).
وثقافة اللغة العربية بالنسبة للدارسين المسلمين المقبلين على تعلمها في ظننا ثقافية نفعية من جوانب كثيرة على رأسها دراسة الدين الإسلامي والتفقه فيه.
وترتيباً على ذلك ينبغي أن نأخذ في اعتبارنا الكشف عن هذين النوعين من الدوافع وتبيان مدى توافر كل منهما لدى الدارسين، مع العلم أن >كل برامج تعليم اللغات إما أن تكون متصلة بالدوافع التكاملية، أو بالدوافع الوسيلية أو بهما معاً<(25).
المنظور الثاني :(1/30)
وفيه نقسم الدوافع طبقاً لما يمكن أن تصنف فيه من جوانب الحياة وأنشطتها فهناك دوافع دينية، ودوافع تعليمية ثقافية، ودوافع مهنية اقتصادية، ودوافع شخصية اجتماعية. يقول أحمد المهدي عبد الحليم : >إن هذه الدوافع يمكن أن تكون واحداً أو أكثر مما يمكن تصنيفه إلى : دوافع اقتصادية، وسياسية، ودينية، وثقافية، واجتماعية، وعسكرية، ومهنية<(26).
فالدوافع الدينية لتعلم اللغة العربية >قديمة قدم الإسلام نفسه، وواسعة سعة انتشاره في مختلف أرجاء المعمورة، وينظر دارسو اللغة العربية من المسلمين إلى تعلمها باعتباره واجباً دينياً لا يقل أهمية عن تعلم الدين نفسه، لهذا فهم يقدمون على تعلمها بدافع ذاتي قوي لتحقيق فهم أفضل لتعاليم الدين الحنيف وليكونوا، بعد عودتهم رجال دين أو أئمة أو مدرسين للعربية والشريعة الإسلامية<(27). وقد تتمثل دوافع هذا الجانب في قراءة القرآن مثلا، أو فهم تفسيره، أو دراسة التاريخ الإسلامي، أو العمل في نشر الدعوة الإسلامية... إلخ.
أما الدوافع التعليمية الثقافية فتتمثل في رغبة الدارس في تعلم العربية مثلاً ليواصل الدراسة بها والتخصص في علوم اللغة، أو لأنها متطلب أساسي لدخول كلية من الكليات الجامعية، أو للاتصال بالثقافة العربية الإسلامية أو لقراءة الكتاب العربي والصحافة العربية.. إلخ. وهي دوافع قديمة ومستمرة حتى الآن، ويقبل الكثيرون على دراسة اللغة العربية مدفوعين بمثل هذا النوع من الدوافع.
أما الدوافع المهنية والاقتصادية، فتتمثل في رغبة الدارس لتعلم العربية مثلاً، لأن تعلمها يساعده على الحصول على عمل ما فى البلاد العربية، أو للعمل في الإدارات العربية ببلده، أو ينجح في تجارته مع البلاد العربية، أو لأنه سيعمل دبلوماسياً في إحدى البلاد العربية، وهذه الدوافع تكتسب أهميتها من اهتمام العالم بالمنطقة العربية وثرواتها وموقعها الاستراتيجي... إلخ.(1/31)
أما الدوافع الشخصية الاجتماعية، فتتمثل في رغبة الدارس لتعلم العربية مثلاً، لأن أصدقاءه يتحدثونها ويقرءون بها، وهو يود أن يكون مثلهم، أو لأنه يريد الإقامة في البلاد العربية، أو لأنه سمع أنها لغة سهلة، أو لأنه أحبها من خلال معلمها في بلاده، أو لكونها أصبحت لغة عالمية، أو لأن تعلم اللغات الأجنبية أصبح ضرورة عالمية... إلخ.
وعلينا في برامج تعليم اللغة العربية الاهتمام بهذه الدوافع في ضوء أوزانها عند الدارسين. ونخلص من هذا الفصل إلى عدة أمور :
1. أن دوافع الدارسين تلعب دوراً في غاية الأهمية في تعلم اللغة العربية من حيث أهدافها وبرامجها وطرقها ووسائل تعليمها لغير الناطقين بها.
2. أن هناك دوافع تكاملية ودوافع وسيلية ينبغي الكشف عن كل منها وأخذها في الاعتبار عند بناء البرامج ووضع المقررات.
3. أن هناك دوافع دينية وتعليمية وثقافية، ومهنية واقتصادية، وشخصية اجتماعية ينبغي الكشف عنها عند الطلاب وأخذها في الاعتبار عند تخطيط البرامج والمقررات.
4. أن هذه الدوافع في حاجة إلى أداة لتحديدها والكشف عن مصادرها ودرجة شيوعها وحدتها عند الدارسين.
الأساس الخامس : طبيعة عملية تعلم اللغة واكتسابها
يستند هذا الأساس على ما يزودنا به علم النفس التربوي من نظريات التعلم ومبادئه إجابة عن السؤال : كيف يتعلم الإنسان؟. ومن ثم كيف تتم عملية تعلم اللغة وتعليمها ؟ ويحتاج مخطط منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها والقائم على بنائه أن يعود للمصادر التي تتناول المبادئ النفسية والتربوية لتعلم اللغات الأجنبية، وللكفايات التي تتناول عملية اكتساب اللغة حتى يتسنى له مراعاة ذلك في كل عناصر المنهج، وسنكتفي هنا بإشارات موجزه لبعض مبادئ التعلم في عملية تعليم اللغة وتعلمها، وهي أن :
أ) نوعية الخبرات اللغوية ومواقف تعلم اللغة هي التي تحدد نوعية التعلم المطلوب والعكس صحيح.(1/32)
ب) المواقف والخبرات اللغوية لا تكون ذات فعالية في مساعدة المتعلم على اكتساب اللغة إلا إذا كانت في مجموعها ذات معنى ودلالة، ووظيفية بالنسبة للمتعلم ومرتبطة بأغراضه من تعلم اللغة.
ج) مواقف تعليم اللغة يجب أن تعتمد على استغلال نشاط الدارس ومشاركته في الممارسات اللغوية، وفعاليته في التجرؤ على استعمال اللغة دون خوف من خطأ، أو خجل من ضعف أو قصور في الأداء اللغوي.
د) الموقف الجيد لتعليم اللغة وتعلمها يعتمد على شمول وتنوع الخبرات اللغوية، إذ يجب أن يتضمن الموقف استماعاً وكلاماً وقراءة وكتابة، كما يتضمن أنشطة مرئية وصوتية، وحوارات ومناقشات، ولعب أدوار ومعامل وتدريبات... إلخ.
هـ) تنظيم خبرات تعلم اللغة يجب أن يكون في صورة قابلة للتعلم من وجهة نظر الدارسين، فقد نبدأ من البسيط إلى المعقد، أو من السهل إلى الصعب، أو من الجزء إلى الكل، أو من الكل إلى الجزء، أو قد نبدأ بالأصوات ثم أشكال الحروف ثم الكلمات ثم الجمل.. إلخ، وقد نبدأ بالجمل ونتجه إلى الكلمات ثم إلى الحروف.. إلخ. المهم أن يتفق تنظيم المادة وتتابعها مع طبيعة الدارسين بحيث تكون قابلة للتعلم لديهم.
و) تعلم اللغة يكون أكثر فاعلية وتحقيقاً لاكتساب اللغة وممارستها حين يوجه المعلم الدارسين ويثير اهتمامهم وينمي ميولهم، ويوقظ حاجاتهم وأغراضهم ويوجه تدريسه نحو ما يشعرهم أنهم يتعلمون ما يشبع حاجاتهم ويحقق أغراضهم من تعلم اللغة.(1/33)
إن معرفة من يقوم بوضع منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بكل من النظام الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي للغة العربية، وتمكنه من خصائص العربية والصعوبات التي يمكن أن تواجه متعلميها من غير الناطقين بها وما تكشف عنه الدراسات التقابلية، كل هذا يجعله قادرًا على توصيف المحتوى اللغوي واختياره بشكل يتناسب وقابليته للتدريس والتعلم، ويجعل الصياغة اللغوية متناسقة مع خصائص اللغة متجنبة ومعالجة للصعوبات التي يمكن أن تواجه المتعلم.
وإذا أعدنا النظر في هذه الأسس الخمسة نكتشف أنها تترابط وتتكامل في علاقات تأثير وتأثر، فهى أشبه ما تكون بالبناء الخرساني المتماسك، والذي إذا سقط منه عمود تهاوى المبنى كله. فالأساس الأول، وهو الخبرة اللغوية لا يمكن أن تتحدد وتختار دون أن تستند إلى الثقافة العربية الإسلامية، لأن اللغة تحمل ثقافتها ؛ أي ثقافة ناطقيها وهو الأساس الثالث. كما أن هذه الخبرة اللغوية بمحتواها الثقافي لا يمكن أيضاً أن تختار وتعد بشكل سليم إلا في ضوء طبيعة وخصائص متعلميها من غير الناطقين بها، إذن فالمتعلم يؤثر في الخبرة اللغوية والثقافية المقدمة له، كما أن هذه الخبرة تؤثر في المتعلم من حيث هي وسيلته لتعلم اللغة. بالإضافة إلى ذلك لابد أن تكون الخبرة اللغوية والثقافية المقدمة في المنهج قابلة لأن تعلم وأن تتعلم في الوقت نفسه، لذا يأتي الأساس الخامس، وهو دراسة طبيعة عمليتي تعليم اللغة واكتسابها ليحدد لنا مدى قابلية الخبرة للتعلم. يحكم كل هذا طبيعة اللغة العربية وخصائصها، وهو الأساس الثاني، بمعنى أن هذه الخبرة اللغوية مستمدة من اللغة ولابد أن تتسق هذه الخبرة مع طبيعة اللغة وخصائصها وإلا كنا نعلم خبرة لغوية غير منسوبة للغة بعينها، لذا فإغفال أساس من هذه الأسس عند إعداد منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين يؤدي إلى قصور في المنهج وفشل في تعليم اللغة وتعلمها.
الفصل الرابع(1/34)
عناصر بناء المنهج
مقدمة
ذكرنا أن عناصر بناء أي منهج تعليمي، ومن ثم بناء منهج لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها تتمثل في :
أ) الأهداف.
ب) المحتوى ومستواه وتنظيمه.
جـ) طريقة التدريس والوسائل المعينة.
د) دليل معلم العربية لغير الناطقين بها.
هـ) التقويم.
وفيما يلي نعرض لكل عنصر عرضاً موجزًا.
أولاً : الأهداف
1. تمثل الأهداف التعليمية لمنهج تعليم اللغة العربية حجر الزاوية ونقطة البداية للمنهج، من حيث أنها هي التي تحدد محتوى المنهج ومستواه لغوياً وثقافياً، وتحدد أنسب طرق التدريس والوسائل والأنشطة المعينة، كما أنها تمثل نقطة النهاية من حيث أنها تحدد مستوى التقويم ووسائله وأساليبه، وخطة تطوير المنهج وتعديله. والهدف التعليمي هو وصف للسلوك اللغوي الذي نتوقع حدوثه أو نرمي إلى حدوثه لدى الطالب نتيجة لمروره بخبرات المنهج وتفاعله مع مواقف تدريس اللغة.
2. ولكي تنجح عملية بناء المنهج لابد من مراعاة أسس وشروط صياغة الأهداف صياغة سلوكية. من هذه الأسس والشروط، أن :
أ) يكون الهدف محددًا وواضحاً.
ب) نستطيع ملاحظته في ذاته أو في نتائجه.
ج) نستطيع قياسه وتقديره بشكل دقيق.
د) يذكر على أساس مستوى الطالب.
هـ) يرد في عبارة الهدف ما يعرف باسم الحد الأدنى للأداء.
و) تشتمل عبارة الهدف على فعل سلوكي يشير إلى نوع السلوك اللغوي.
ز) تشمل جوانب السلوك المعرفي والمهاري والوجداني.
ح) يكتب الهدف طبقاً للمكونات التالية :
أن + فعل سلوكي + الطالب + مصطلح من المادة + الحد الأدنى للأداء،
مثال :
* أن يضع الطالب خطاً تحت الفاعل في نص من أربعة أسطر في ثلاث دقائق.
* أن يقرأ الطالب نصاً من خمسة أسطر قراءة جهرية في دقيقتين دون خطأ في الإعراب.
3. ينبغي أن تتضمن أهداف منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها عدة مستويات من الأهداف(28) :
أ) أهداف عامة للمنهج، ومن أمثلة هذه الأهداف :(1/35)
* فهم اللغة العربية الفصيحة المستعملة ؛ أي الاستماع الواعي في مواقف الحياة العامة.
* التحدث باللغة العربية وسيلة اتصال مباشر وتعبيرًا عن النفس.
* قراءة اللغة العربية بيسر، وإدراك للمعاني والتفاعل معها.
* الكتابة باللغة العربية تعبيرًا عن مواقف وظيفية، وتعبيرًا ذاتيا عن النفس.
ب) أهداف عامة لكل مهارة من مهارات اللغة الأربع، وهي الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، حيث ينبغي على واضع المنهج أن يحدد أهدافاً عامة لتعليم كل مهارة من هذه المهارات.
ج) أهداف خاصة : وهي الأهداف السلوكية المبتغاة، أو التي نسعى إلى تحقيقها من تعليم كل مهارة من مهارات اللغة الأربع.
د) أهداف خاصة بالمستويات : فلدينا في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ثلاثة مستويات هي المستوى الابتدائي، والمستوى المتوسط، والمستوى المتقدم، وهنا ينبغي أن نضع أهدافاً خاصة لكل مهارة من مهارات اللغة الأربع، وذلك لكل مستوى من مستويات تعليم اللغة فتصبح لدينا أهداف خاصة سلوكية لتعليم الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة في المستوى الابتدائي، ومثلها للمتوسط، ومثلها للمتقدم.
والشكل التالي يوضح أنواع الأهداف ومستوياتها.
هـ) يبقى أن نشير إلى الأهداف السلوكية المتصلة بالموقف التعليمي داخل حجرة الدراسة أو ما شابهها، حيث يقوم المعلم بتحديد الأهداف التعليمية لكل درس يدركه الطلاب، ويسعى هو إلى تحقيقه بالتدريس كما يسعى إلى قياسه مع نهاية كل درس.
ولكي يكون حديثنا عن الأهداف إجرائياً، نقدم نماذج لبعض الأهداف العامة لكل من الاستماع والكلام والقراءة والكتابة، ثم نماذج لبعض الأهداف الخاصة لهذه المهارات الأربع في المستويات الثلاثة لتعلم اللغة.
1. الاستماع :
مثال لأهداف عامة :
* التعرف على الأصوات العربية وتمييز ما بينها من اختلافات صوتية ذات دلالة عندما تستخدم في الحديث العادي وبنطق سليم.(1/36)
* التعرف على الحركات الطويلة والقصيرة والتمييز بينها.
مثال لأهداف خاصة :
* المستوى المبتدئ.
ــ ربط صوت بعض الكلمات بدلالاتها ومعانيها.
ــ التعرف على التضعيف والتنوين وتمييزهما صوتياً.
* المستوى المتوسط.
ــ فهم بعض الأخبار القصيرة والمألوفة.
ــ فهم التعليمات والإرشادات والحوارات المتصلة بمواقف حياة المتعلم.
* المستوى المتقدم :
ــ متابعة نشرة الأخبار وإعادة حكايتها.
ــ فهم ما يدور في حلقة نقاشية حول موضوع يهم الطالب.
2. الكلام :
مثال لأهداف عامة :
* أن ينطق المتعلم أصوات اللغة العربية، وأن يؤدي أنواع التنغيم والنبر بطريقة مقبولة من أبناء اللغة.
* أن ينطق الأصوات المتجاورة والمتشابهة.
مثال لأهداف خاصة :
* المستوى المبتدئ :
ــ أن ينطق اللغة العربية نطقاً صحيحاً وبطريقة مقبولة.
ــ أن يستخدم عبارات التحية والاستقبال والتوديع والرد عليه.
* المستوى المتوسط
ــ أن يطلب الأشياء من الآخرين، ويستجيب لطلبهم في عبارات واضحة.
ــ أن يتعامل باللغة في السوق والمطعم والسفر والصحة... إلخ.
* المستوى المتقدم
ــ أن يتحدث عن شئ استهواه من الثقافة العربية الإسلامية.
ــ أن يتحدث عن تجربته مثلاً في تعلم اللغة العربية.
3. القراءة :
مثال لأهداف عامة :
* أن يقرأ الطالب اللغة العربية من اليمين إلى اليسار بشكل سهل ومريح.
* أن يقرأ نصاً ما قراءة جهرية بنطق سليم.
مثال لأهداف خاصة :
* المستوى المبتدئ
ــ أن يتعرف على شكل الحروف العربية.
ــ أن يفهم ما يقرأ من كلمات وجمل.
* المستوى المتوسط :
ــ أن يتوقف في القراءة الجهرية عند علامات الترقيم بتنغيم يعبر عن المعنى.
ــ أن يقرأ بعض الأخبار القصيرة والمألوفة.
* المستوى المتقدم :
ــ أن يفهم الأفكار الرئيسية والتفصيلية فيما يقرأ.
ــ أن يقرأ بعض الموضوعات في الكتب العربية.
4. الكتابة :
مثال لأهداف عامة :
ــ أن يكتب الكلمات العربية بحروف منفصلة، وحروف متصلة.(1/37)
ــ أن يعرف قواعد الكتابة العربية ويطبقها في كتابته.
مثال لأهداف خاصة :
* المستوى المبتدئ
ــ أن يكتب الحروف العربية من اليمين إلى اليسار.
ــ أن يكتب بعض الجمل البسيطة عن طريق النقل.
* المستوى المتوسط :
ــ أن يكتب بطاقات الدعوات والتهاني.
ــ أن يدون بعض الأفكار والمذكرات البسيطة.
* المستوى المتقدم :
ــ أن يكتب موضوعاً مقالياً حول فكرة يود التعبير عنها.
ــ أن يكتب بعض الموضوعات الوظيفية، كالرسائل والتقارير... إلخ.
ثانياً : المحتوى والمستوى
يقصد بالمحتوى في منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين به مجموعة المواقف التعليمية ذات المضمون اللغوي والثقافي والاتصالي المقدمة للطالب، وأيضاً الأنشطة اللغوية والثقافية والاتصالية التي تسهم في تعلم اللغة عن طريق ممارسة الطالب لها ومعايشته لمضمونها.
ولكي نختار هذا المحتوى بشكل سليم، لابد من معايير لاختيار المحتوى اللغوي بشكل يستجيب لطبيعة اللغة العربية وخصائصها، وأيضاً يستجيب لطبيعة الدارس وسنه ومستواه وأغراضه ودوافعه. وهكذا في المحتوى الثقافي لا بد من معايير لكي يستوفي المحتوى طبيعة الثقافة العربية الإسلامية، وأغراض ودوافع المتعلم أو الدارس. وهناك أيضاً المعايير التربوية من حيث معالجة هذا المحتوى تربوياً وتعليمياً، بحيث يتحول إلى مادة تصلح وسيلة لتعلم اللغة وتعليمها، وذلك من حيث الكم والكيف والمعالجة التدريسية والتدريبات... إلخ.
وإلى جانب هذه المعايير، لابد من معرفة مجموعة من الطرق لاختيار هذا المحتوى، منها :
أ) آراء الخبراء والمختصين في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وفي الدراسات اللغوية، والدراسات النفسية، وأيضاً الخبراء في الثقافة العربية الإسلامية.
ب) تحليل دوافع الدارسين ورغباتهم وأغراضهم، والأنشطة اللغوية التي يودون الانخراط فيها بعد تعلمهم العربية.
جـ) أهداف المنهج ومستوى المهارات اللغوية المطلوبة للأداء اللغوي.(1/38)
د) الدراسات المقارنة لمناهج تعليم اللغات الأجنبية وخبرات أصحاب هذه اللغات في تعليم لغاتهم، بالإضافة إلى الدراسات التقابلية بين اللغة العربية ولغات الدارسين.
وبنظرة فاحصة نجد أن هذه الطرق ليست طرقاً منفصلة أو منعزلة عن بعضها، فهي في مجموعها تشكل الطريقة العلمية المتكاملة لاختيار المحتوى، إذ لابد من آراء الخبراء والمختصين، ولا بد من دوافع الدارسين وأغراضهم، ولا بد من الارتباط بأهداف المنهج والاستعانة بمناهج تعليم اللغات الأخرى وخبرات القائمين على تعليمها، وأيضاً الدراسات المقارنة والتقابلية، فكل هذه الطرق مجتمعة تمكننا من اختيار محتوى المنهج بشكل علمي وسليم. ويبقى أن نشير إلى طريق آخر، ألا وهو ضرورة تجريب المحتوى وتعديله في ضوء هذا التجريب.
وهناك أيضاً معايير عامة لا بد من مراعاتها عند اختيار محتوى منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، منها :
1. صلة المحتوى بأهداف تعليم اللغة، بمعنى أن يكون المحتوى ترجمة أمينة للأهداف يقدم خبرات تعليمية تحقق الأهداف لدى الدارسين.
2. صدق المحتوى وأهميته، وصدق المحتوى يعني أن يكون المضمون اللغوي والثقافي والاتصالي لهذا المحتوى صحيحاً علمياً من حيث ما يتضمنه من معلومات ومعارف وقواعد وأسس ومبادئ ونظريات، أما أهميته فتعني أن يكون المضمون بأبعاده المختلفة يقدم فائدة للدارس ويعينه على تحقيق أغراضه من تعلم اللغة، ويجد فيه زاداً جديداً يغريه بالاستمرار في تعلم اللغة وتحقيق نجاحات في هذا التعلم.
3. ارتباط المحتوى بحاجات الدارسين، وهذا يعني أن يستجيب المحتوى لغوياً وثقافياً واتصالياً لحاجات الدارسين من تعلمهم العربية، وأن يتضمن هذا المحتوى مواقف تعليمية تشبع هذه الحاجات وتلبيها، ولذا كان من الضروري أن يُختار محتوى المنهج في ضوء حاجات الدارسين من تعلم اللغة.(1/39)
4. شمول المحتوى ومراعاته للفروق الفردية، وهذا يعني تعدد الخبرات اللغوية بمقدار اتساع اللغة، وتعدد الخبرات الثقافية بتعدد أنماط الثقافة وأنواعها وأبعادها الماضية والحاضرة والمستقبلية، وأيضاً تعدد الخبرات الاتصالية بتعدد مواقف الاتصال الحياتية وتنوعها، وبهذا يكون محتوى المنهج قد حقق شموله لخبرات متعددة، وفي ذات الوقت يقابل تعدد هذه الخبرات الفروق الفردية بين الدارسين حيث سيجد كل دارس حاجاته وما يحقق رغباته.
مستوى المحتوى وتنظيمه :
ترتبط عملية اختيار المحتوى بما يسمى المستوى ؛ أي الكيفية التي تمكننا من توزيع خبرات هذا المحتوى على مستويات تعليمية مختلفة، وعلى فترات زمنية متتابعة،وتقرير ماذا يدرس من هذا المحتوى ؟ ولمن ؟ ومتى ؟. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ضرورة مراعاة معايير تنظيم المحتوى، وهي التكامل والاستمرار والتتابع.
ونعني بالتكامل ترابط خبرات المحتوى ومواقف التعلم، بحيث يؤثر كل موقف في الموقف الآخر، وتؤثر كل خبرة لغوية في الخبرة الأخرى، حيث نأخذ في اعتبارنا أن تعليم الاستماع ينمي تعليم الكلام، وتعليم الكلام ينمي مهارات الاستماع، وكلاهما ينمي مهارات القراءة والكتابة... وهكذا تتكامل الخبرات وتترابط.
أما الاستمرار فنعني به أن يبدأ المحتوى في المستوى الأول لتعليم اللغة بخبرات شاملة متكاملة، ولكن بشكل ضيق وسطحي، وكلما تقدمنا بالمحتوى إلى مستويات أعلى اتسع وتعمق، وهكذا تستمر عملية اكتساب الخبرات اللغوية اتساعاً وعمقاً.
أما التتابع، فنعني به أن تتتابع الخبرات اللغوية فتمهد الخبرة السابقة للخبرة اللاحقة، وأن يكون لهذا التتابع منطق تنظيمي، فقد تبدأ الخبرات اللغوية وتتدرج بالشكل التالي :
ــ من الكل إلى الجزء.
ــ من البسيط إلى المعقد.
ــ من السهل إلى الصعب.
ــ من الجديد إلى القديم.
ــ من المقدمات إلى النتائج.(1/40)
وكمثال على منطقية التنظيم تتابع قواعد اللغة تتابعاً منطقياً، فلابد من دراسة الجملة الفعلية قبل أن ندرس الفاعل، وندرس الفاعل قبل أن ندرس المفعول به، وهكذا.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن هناك صعوبات تواجه الخبراء عند اختيار المحتوى وتنظيمه في ضوء مستويات تعليم اللغة، ومستويات الدارسين، ودوافعهم وحاجاتهم وأغراضهم. وفي ضوء أهداف الناطقين بالعربية من تعليم لغتهم.. إلخ. ولذا، فالأمر يحتاج إلى جهود مثابرة ومحاولات دءوبة ومستمرة في هذا المضمار.
ثالثاً : الطريقة والوسائل والأنشطة
أ) تمثل طريقة التدريس عنصراً مهماً من عناصر بناء المنهج، فإذا انتهينا من اختيار المحتوى وتنظيمه، علينا أن نتساءل : ما طرق التدريس واستراتيجياته وفنياته وإجراءاته اللازمة لتدريس هذا المحتوى ؟ وهنا لا بد على واضعي المنهج أن يقوموا بتحديد أنسب الطرق والاستراتيجيات التدريسية المناسبة لتدريس المحتوى، ومن ثم لا بد أن يدرك المتخصصون أن هناك موجهات لاختيار أنسب الطرق والاستراتيجيات، منها :
1. الأهداف : فأهداف المنهج يمكن أن تمثل موجهاً أساسياً لاختيار الطرق والوسائل والأساليب التدريسية المناسبة لتحقيق هذه الأهداف.
2. المحتوى : نقول في علم التربية إن المحتوى والطريقة وجهان لعملة واحدة، فالمحتوى يحدد ما يناسبه من طرق تدريس ووسائل وأنشطة، وأيضاً طرق تدريس وإجراءاته وفنياته يمكن أن تحدد شكل المحتوى، ومن ثم يعتبر المحتوى موجهاً لاختيار ما يناسبه من طرق تدريس.
3. إدراك المعلم لخبرات الدارسين ومستوياتهم ودوافعهم والفروق الفردية بينهم.
4. إدراك المعلم لطبيعة اللغة العربية وخصائصها وصعوبات تعلمها.
5. إدراك المعلم ومعرفته بمختلف مصادر تعليم اللغة العربية وأنشطتها.
6. إدراك المعلم للعلاقة بين الطريقة والوسيلة والنشاط.(1/41)
ب) ونظراً للعلاقة الوثيقة بين طريقة التدريس والوسائل التعليمية والنشاط، فمن الضروري أن نشير إلى أنه ينبغي على واضعي منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين الالتفات إلى ربط المحتوى وطريقة التدريس بالوسائل السمعية والبصرية ومعامل اللغة والأجهزة، بحيث يوجه المحتوى وطريقة التدريس منفذ المنهج (المعلم) إلى أنسب الوسائل التعليمية والأساليب التكنولوجية التي تساعد الدارسين على تعلم اللغة بشكل أكثر فعالية، وتعبر بهم من الخبرة غير المباشرة ـ إذا كانت اللغة تعلم خارج الدول العربية ـ إلى الخبرة المباشرة، وكأنها تعلم في وطنها من حيث الاستعانة بناطقيها عن طريق الوسائل السمعية والبصرية والمعامل والأساليب التكنولوجية الأخرى.
كما يتطلب الأمر من واضعي المنهج تخطيط برنامج نشاط لغوي ينبثق من محتويات المنهج ويدعم تعلم هذا المحتوى ويفعله، ويصبح ميداناً للاستعانة بالوسائل المعينة والتكنولوجيات، فتعلم اللغة يحتاج إلى ممارسة حية لها، واستعمالات حياتية، ومعايشة لمواقف أداء لغوي من تلك التي يحتاجها الدارسون ويقبلون على تعلم اللغة من أجل النجاح لغوياً في أدائها، لذا فبرنامج نشاط لغوي يقوم على المناقشات والحوارات ولعب الأدوار والتمثيل واستخدام الإذاعة والشرائط والرحلات ومواقف الاتصال المختلفة مما يتيح فرصة لممارسة المحتوى اللغوي في مواقف اتصالية ــ نقول مثل هذا البرنامج أمر ضروري كجزء من منهج تعليم اللغة. وحبذا لو تضمن البرنامج الكيفيات المختلفة والفنيات المتعددة والأساليب المناسبة لممارسة أنشطة البرنامج بطريقة فعالة ومجدية. أما ما يتصل بطرق تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، فقد خصص لها كتاب آخر.
رابعاً : دليل المعلم(1/42)
يرى البعض أن دليل المعلم عنصر مهم من عناصر المنهج، وهي رؤية يمكن أن تكون أكثر قبولاً في ميدان تعليم اللغات الأجنبية بشكل عام، وميدان تعليم اللغة العربية بشكل خاص، ذلك أنه عادة ما يكون معلمو اللغات الأجنبية التي تعلم في غير بلادها ليسوا من الناطقين بها، ومن ثم يحتاجون إلى دليل أو مرشد يعوضهم عما لدى المعلمين من أبناء اللغة والناطقين بها من خبرة وبصيرة ومعرفة بأمور لغتهم مما قد لا يدركه المعلمون من غير أبناء اللغة، هذا بشكل عام، أما فيما يتصل باللغة العربية، فالحاجة إلى دليل للمعلم أكثر إلحاحاً، لأسباب منها تأخر الاهتمام بإعداد معلم للغة العربية باعتبارها لغة أجنبية، وقلة الخبرة العلمية والميدانية لإعداد هذا المعلم، وقلة عدد المعلمين المؤهلين لهذه المهمة من الناطقين بالعربية، وكثرة من يمارسون هذه المهمة في أنحاء كثيرة من العالم سواء أكانوا عرباً أو ممن تعلموا العربية وبدأوا يعلمونها، ولذلك على واضعي المنهج ومخططي البرامج والمقررات ومعدي المواد التعليمية والكتب أن يتعرفوا على أمرين :
أولهما : مفهوم دليل المعلم من حيث إنه كتاب أو مادة لها أهداف ووظائف تحققها لدى المعلم، من حيث إقداره على تدريس المقرر اللغوي بشكل فعال، لأن الدليل يبصره بأشياء تتصل بأهداف المقرر ومحتواه وتدريسه وتقويمه. ومن هنا يأتي التعرف على الأمر الثاني.
ثانيهما : محتوى دليل المعلم المتمثل في أن هذا الدليل يحكي للمعلم ما يلي :
ــ أسس إعداد المادة التعليمية التي سيقوم المعلم بتدريسها والأمور التي روعيت في عملية الإعداد.
ــ مصادر إعداد هذه المادة، والأساليب التي اتبعت في صياغتها وعرضها.
ــ أهداف تدريس المادة.
ــ أنواع التدريبات وأهدافها وطرق معالجتها.
ــ أكثر طرق التدريس وفنياته وإجراءاته المناسبة لهذه المادة فعالية.
ــ عرضاً لنماذج من تدريس بعض أجزاء هذه المادة.(1/43)
ــ اقتراح الوسائل التعليمية والأنشطة الإضافية التي تثري تدريس المادة.
ــ اقتراح وسائل وأساليب لتقويم نتائج تعلم هذه المادة.
على أن يخاطب المعلم بأن هذا الدليل مساعد وموجه ومرشد غير مفروض عليه ولا هو مقيد به، ويمكنه التغيير والتعديل في ظل ظروف الموقف التدريسي وشروطه.
خامساً : تقويم تعلم اللغة
ولكي تكتمل معرفة من سيقوم بوضع المنهج وبنائه بهذه العملية، لابد أن يعرف أن العملية التعليمية لا تنتهي بالتدريس، إذ نحتاج أن نسأل أنفسنا ماذا حققنا للدارسين من تعلم للغة ؟ ما مستوى نمو المهارات اللغوية لديهم ؟ ما جوانب القصور في عملية تعليم اللغة ؟ ... إلخ. هذه الأسئلة، وهي أسئلة تتطلب منا أن نقوم عملية تعلم اللغة، أي أن نشخصها ونعالج جوانب قصورها، خاصة فيما يتصل بتعلم الدارسين للغة وتمكنهم من مهاراتها والقدرة على ممارستها، لذلك يعتبر التقويم عنصراً أساسياً من عناصر بناء المنهج ومكوناً حتمياً لاكتمال هذا البناء، لهذا أصبح من الضروري أن يأخذ واضعو المنهج هذا العنصر في اعتبارهم مما يتطلب منهم معرفة ما يلي :
أ) مفهوم التقويم وعلاقته بعناصر المنهج، من حيث إنه يرتبط بالأهداف والمحتوى وطريقة التدريس والنشاط وتحصيل الدارس وتعلمه.
ب) مفهوم التقويم في تعليم اللغات الأجنبية من حيث إنه يتعامل مع ما يسمى بالكفاءة اللغوية إرسالاً واستقبالاً، تحدثاً وكتابة واستماعاً وقراءة.
جـ) شروط عملية التقويم من حيث ضرورة أن تقوم كل عناصر المنهج، ويقوم اكتساب الدارس للكفاءة اللغوية استماعاً وتحدثاً وقراءة وكتابة، ومن حيث أن يكون هذا التقويم عملية تتم أولاً بأول مع تدريس كل مهارة، بل ومع كل درس، حتى تتم معالجة أي قصور في حينه ووقته وبشكل مستمر، ومن حيث كيفية بناء الاختبارات اللغوية الشفهية والتحريرية الأدائية بشكل يقيس الأداء قياساً صحيحاً ولا يقيس المعرفة اللغوية فقط.(1/44)
د) خطوات عملية التقويم من حيث تحديد الأهداف ثم ترجمتها إلى مواقف لغوية سلوكية، ثم إعداد أدوات قياس السلوك اللغوي وتقديره، ثم تهيئة مواقف لغوية يؤديها الدارسون من خلال أدوات القياس، من اختبارات وبطاقات أداء وملاحظة وبطاقات تقدير.. إلخ، ثم تحديد النتائج ودراستها وإعادة النظر في مواقف تعليم اللغة وتعلمها في ضوء هذه النتائج.
هـ) وسائل التقويم وأساليبه، ونعني بهذا فنيات بناء الاختبارات اللغوية بأنواعها المختلفة الموقفية والمعملية، والشفهية والتحريرية، المقالية والموضوعية، الفردية والجماعية.. الخ.
وفي الفصل التالي نقدم نموذجاً لمنهج حديث من مناهج تعليم اللغات مطبقاً على تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من المسلمين.
الفصل الخامس
المنهج متعدد الأبعاد
مقدمة
من أبرز الاتجاهات الحديثة في ميدان مناهج تعليم اللغات الأجنبية ما يسمى بمنهج اللغة الأجنبية متعدد الأبعاد Multidimensional curriculum F.L.. ولقد ظهرت فكرة هذا المنهج أول ما ظهرت في المؤتمر الذي عقده المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية "ACTFL" سنة 1980 حول : "أولويات تدريس اللغة الأجنبية". ولقد تعددت المحاور التي دارت حولها الدراسات والبحوث في هذا المؤتمر، ومن أبرز هذه المحاور "المناهج والمواد التعليمية".
وفي اللجنة التي خصصت لمناقشة محور المناهج والمواد التعليمية قدمت خمس دراسات قام بها عدد من أبرز علماء تعليم اللغات الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية هم(29) :
1. روبرت لافايت ولوراين سترا شيم Robert Lafayette & Lorraine Strasheim من جامعة انديانا.
2. ولجا ريفرز Wilga Rivers من جامعة هارفارد.
3. ستيرن H.H. Stern من مركز أنتاريو للبحوث التربوية.
4. ألبرت فالدمان Albert Valdman من جامعة إنديانا.(1/45)
5. روبرت زايس Robert Zais من جامعة ولاية كنت. وأضيفت إليها ورقة أخرى للمناقشة قدمتها : هيلين وارنربيرك H.W. Burke من قسم التربية بفرجينيا.
وهذه الدراسات هي :
1. Robert Lafayette & Lorraine Strasheim : "Foreign Language Curricula and Materials for the Twenty-First Century", in Lange, D.L. (ed.), 1980, 29-34.
2. Wilga Rivers : "Practical implementation of new trends and directions", in Lange, D.L. (ed.), 1980, 8-11.
3. H.H. Stern : "Directions in Foreign language curriculum development", in Lange, D.L. (ed.), 1980, 12-17.
4. Albert Valdman : "The incorporation of the nation of Communicative Competence in the design of the introductory foreign language course syllabus", in lange, D.L. (ed.), 1980, 18-23.
5. Robert Zais : "Curriculum and Materials development : A feremiad on the part-4 standard for the eighties", in Lange, 1980, 24-27.
6. H.W. Burke : "Reactions : Curriculum and Materials", in Lange, D.L., 1980, 87-89.
وبعد مناقشة هذه الدراسات خلصت اللجنة إلى ورقة سميت "ورقة بوسطن" "Boston Paper"، وفي هذه الورقة نشأت فكرة المنهج متعدد الأبعاد، حيث قام ستيرن(30) في عام 1981 معتمداً على ورقة بوسطن بتقديم دراسة إلى المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية يحدد فيها ملامح المنهج الجديد سماها : نحو منهج متعدد الأبعاد للغة الأجنبية Toward a Multidimensional foreign language curriculum، وهي الدراسة التي اعتمد عليها في تأصيل شكل البرنامج المقترح الذي نقدمه كنموذج.
والمنهج متعدد الأبعاد كما أوصت به ورقة بوسطن يقوم على أساس أربعة أنواع من المقررات، هي :
1. المقرر اللغوي.
2. المقرر الثقافي.
3. المقرر الاتصالي.
4. المقرر العام في تعليم اللغة.(1/46)
وهذه المقررات توضع في ضوء حاجات ورغبات ودوافع الدارسين، بالإضافة إلى العناية المقصودة بكل مقرر من هذه المقررات بحيث يختلف الأمر عن الاتجاه القديم في تعليم اللغات الأجنبية، والذي يركز فقط على الجانب اللغوي من أصوات ونحو وصرف في ضوء المهارات اللغوية الأربع، أما الجوانب الأخرى فينظر إليها على أنها ثانوية أو وسائل لتحقيق أهداف الجانب اللغوي. أما في هذا الاتجاه الجديد، فإنها تأخذ عناية مقصودة ومنظمة بنفس القدر الذي يعطى للمقرر اللغوي. وهنا ينبغي الإشارة إلى ضرورة إحداث نوع من التكامل بين المقررات الأربعة بحيث تؤدي في مجموعها وتكاملها إلى منهج قوي لتعليم اللغة.
العوامل التاريخية والنظرية للمنهج
أ) العامل التاريخي :
لقد برز الاتجاه نحو المنهج متعدد الأبعاد في تعليم اللغات الأجنبية كنتيجة للتطور والنمو في هذا الميدان خلال العشرين عاماً الماضية. ففي الستينات من القرن الماضي شغل المتخصصون بطرق التدريس خاصة الطريقة السمعية الشفوية والطريقة العقلية الاداركية، أما في السبعينات فقد استمرت جهودهم موجهة نحو طرق التدريس حيث قدموا مجموعة من طرق التدريس الجديدة مثل الطريقة الإيحائية Suggestopedia ، وطريقة تعلم اللغة في جماعتها، والطريقة الطبيعية والطريقة المباشرة.. إلخ. مما أدى في النهاية إلى الاتفاق على ما يسمى بالمدخل الانتقائي Eclectic approach في ضوء أنه لا توجد توليفة أو وصفة واحدة لتعلم اللغة، وأنه لا بد من البحث عن استراتيجيات متعددة Multiplicity of strategies لتدريس اللغة الأجنبية بفعالية.(1/47)
ولقد أدى هذا إلى أن القضية الرئيسية لم تعد تتمثل في : كيف تدرس اللغة ؟ ولكن أصبحت تتمثل في : ما أهداف ومحتوى منهج تعليم اللغة؟ ومن هنا بدأت تبرز أشياء مثل الحاجات والأهداف والمحتوى اللغوي، وأخذت تمثل مركز الاهتمام عند المتخصصين في تعليم اللغات الأجنبية. ولقد ترتب على ذلك أن قدم عدد كبير من التجارب على أنماط مختلفة من المناهج والمقررات مثل : منهج التركيب اللغوي، ومنهج المواقف اللغوية، ومنهج الموضوعات، والمنهج الوظيفي مما أدى إلى ظهور ما يسمى بالمدخل المتكامل لمنهج تعليم اللغة الأجنبية، هذا المدخل الذي أوحى بفكرة المنهج المتعدد Multiple curriculum.
ولقد أثر في ظهور هذا المنهج أيضاً عوامل أخرى عديدة، منها ظهور علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي والبحوث التي تناولت الفرق بين تعلم اللغة واكتسابها، والتي تناولت المداخل الاتصالية لتدريس اللغة. والشيء ذو الأهمية الخاصة والذي استحق التدعيم بالبحث والدراسة، هو أنه حتى في مواقف تعلم اللغة تظهر مواقف اتصالية مبنية على اهتمامات الدارسين، وتظهر موضوعات دراسية تجعل الدارس ينخرط في استخدام اللغة، وهذه المواقف والموضوعات تقدم إسهامات مباشرة في تعلم اللغة، ومثل هذه المواقف والأنشطة الاتصالية لا ينبغي أن تؤجل إلى أن ينتهي تعلم المقرر اللغوي كما كان يحدث سابقاً.
ولعل منهج تعليم اللغة الأجنبية متعدد الأبعاد ـ بشكل أو آخرـ كان نتيجة لمثل هذه التطورات التي تحركت نحو الأمام بالمنهج ذي البعد اللغوي الواحد وطريقة التدريس المحددة إلى المداخل المتعددة لمحتوى المنهج وأهدافه وتدريسه.
ب) العوامل النظرية :(1/48)
أما على المستوى النظري، فيمكن الدفاع عن المدخل متعدد الأبعاد، ذلك لأنه يعكس الطبيعة الاجتماعية، والأسرار الثقافية للغة أكثر من المدخل ذي البعد الواحد القائم فقط على اللغويات البحتة. وفي ضوء ذلك فإن المقررات الثقافية والاتصالية تصبح أساسية في تدريس اللغة، وهي تتعدى بمنهج تعليم اللغة النظرة الضيقة المحصورة في التركيز على الأفعال والتراكيب اللغوية والمفردات والتدريبات اللغوية المنعزلة إلى النظر إلى اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ثقافية.
جـ) العوامل التربوية :
أما على المستوى التربوي، فإننا نجد أن التصور الضيق لمنهج اللغة الأجنبية لا يؤدي إلى إسهام ملموس على مستوى المنهج الشامل للمؤسسة التعليمية، ذلك أنه لا يستطيع أن ينافس بقية فروع المنهج الأخرى مثل العلوم الطبيعية والجغرافيا والتاريخ. أما التصور متعدد الأبعاد للمنهج، فإنه يتيح الفرصة لتقديم برنامج تعليمي للغة له قيمة عند الدارسين والمعلمين في آن واحد، حيث يرتبط بدوافعهم وبحياة اللغة نفسها، وحياة شعوبها والثقافة التي تضمها وتعبر عنها، وأيضاً بالقدرة على استخدامها وتوظيفها في مواقف الاتصال والمعرفة التي دفعتهم إلى تعلمها.
تخطيط المنهج متعدد الأبعاد
يحتاج تخطيط هذا المنهج عدة أمور :
1. دراسة وتحليل دوافع الدارسين إلى تعلم اللغة، والخروج منها بتلك العناصر المشتركة التي يمكن أن تناسب كل المقررات، وتلك التي تخص كل مقرر على حدة.
2. اشتقاق أهداف المنهج على مستوى كل مقرر، مع إحداث تكامل وترابط بين هذه الأهداف.
3. وضع مفردات لكل مقرر في ضوء النظرة التكاملية التي تعني أن المنهج متعدد الأبعاد ما هو إلا الدخول إلى تعليم اللغة من الزوايا المختلفة لكل مقرر، بحيث يدعم المقررات الأخرى ويقويها.(1/49)
والمشكلة الرئيسية في هذا المنهج تبرز عندما نواجه بضرورة تصنيف المقررات إلى مراحل ومستويات تغطي عدداً من السنوات التعليمية، وهي مشكلة لم تحل حتى الآن، ولذلك يقول ستيرن : ولسوء الحظ فإن تنظيم المنهج بشكل متتابع يحقق المبادئ التربوية ويتمشى مع طبيعة اللغة وطبيعة عملية التعلم يظل القضية التي بدون حل في تعليم اللغة، وستظل هكذا حتى تقدم لنا التجارب والمحاولات في وضع المقررات في سياق تتابعي ومستويات متدرجة نتائج يقلبها الميدان.
محتوى المقررات المختلفة :
سبقت الإشارة إلى أن منهج تعليم اللغات الأجنبية متعدد الأبعاد يتضمن أربعة مقررات، هي : المقرر اللغوي، المقرر الثقافي، المقرر الاتصالي، المقرر العام في اللغة.
وفيما يلي نبين المقصود بمحتوى كل مقرر.
أ) المقرر اللغوي :
وفيه يكون التركيز على اللغة كموضوع للدراسة والممارسة، على أن يأخذ هذا التركيز الاتجاه نحو استخدام اللغة وليس وصف استخدامها، وبحيث يسعى المحتوى إلى الانتقال من المبادئ التركيبية في اللغة إلى الوظيفية التي تهتم بالمعنى والدلالة والوظيفة الاجتماعية والنفسية للغة، ولذا ينبغي أن تصاغ الأهداف في هذا المقرر لا في شكل كفاءة لغوية بقدر ما يكون في شكل كفاءة اتصالية.
معنى هذا أن الجانب التركيبي من اللغة يقدم في شكل مبسط وفي أضيق الحدود، بحيث لا يتضمن سوى الأساسيات اللغوية الضرورية، خاصة فيما يتصل بالنحو، أما الجانب الوظيفي فيركز على مهارات اللغة الأربع، وهي الاستماع والحديث والقراءة والكتابة. وهذا الجانب الأخير يعبر عنه في شكل مواقف الاستخدام اللغوي الذي يود الدارسون الاشتراك فيها كنتيجة لتعلم اللغة، مثال ذلك على مستوى المبتدئين :
مثال :
أن يسيطر الدارس على القدرة على التعامل الناجح باللغة العربية في المواقف التالية :
أ) أن يسأل عن الأماكن ويفهم الاتجاهات.
ب) شراء الطعام والهدايا والطوابع... إلخ.
ج) يتبادل التحية والتعريف بنفسه.(1/50)
أي أن المحتوى اللغوي يمكن أن يتلخص في مقرر يتضمن شكل التركيب اللغوي وكيفية توظيفة واستخدامه ويوضع ذلك في شكل موضوعات ومواقف ومهارات.
ب) المقرر الثقافي :
ويركز على السياق الاجتماعي الثقافي للغة. والثقافة في هذا المقرر تعامل على أنها شيء يمكن ملاحظته وممارسته وتحليله. والدارس لا يعدو أن يكون في البداية ملاحظاً للعلاقات الاجتماعية والمؤسسات، فيكتسب المعلومات الثقافية ويتآلف مع المجتمع ومع أنشطته التي تستخدم فيها اللغة، ثم بعد ذلك يستطيع أن يمارس ويكتسب كفاءة ثقافية. فالدارس يستطيع أن يتعلم عن طريق الشرح كيف يلقي التحية وكيف يستجيب لها، وكيف ينبغي أن يسلك في مطعم، أو في أثناء اشتراكه في الغداء مع أسرة من الأسر.
إن الهدف الأساسي لمثل هذا المقرر هو اكتساب الوعي الثقافي من خلال المعرفة والفهم، ثم التدرج إلى اكتساب نوع من الكفاءة الثقافية تلك التي تتصاعد نمواً مع الكفاءة اللغوية التي يسعى إليها المنهج عن طريق المقرر اللغوي والثقافي معاً.(1/51)
والمشكلة التي عادة ما تقابل مخطط المنهج هي كيف يمكن تحديد الموضوعات الثقافية التي ينبغي تناولها مع اتساع مدلول كلمة ثقافة ؟ ولذا فالأمر يحتاج إلى دراسات تحدد الموضوعات الثقافية التي يقبل الدارسون على دراسة اللغة العربية من أجلها، والتي في ضوئها يمكن بناء هذا المقرر، وهي الدراسات التي تحدد ميول وأغراض الدارسين التي في ضوئها يتم اختيار محتوى المقرر الثقافي، وهذا المدخل يقوم على اختيار الموضوعات الثقافية التي لها قيمة تعليمية وتناسب الدارسين، مستندين في ذلك على معلوماتنا عن ثقافة اللغة المستهدفة وعلى نتائج استفتاء الدارسين في عناصر الثقافة التي يودون معرفتها. ولعلنا في هذا النموذج نستجيب إلى ما أشار إليه ستيرن Stern من أن المشكلة الرئيسية في تدريس الثقافة هي الحاجة الشديدة لأبحاث تقدم لنا معلومات عن الثقافة والمجتمع، ولعل هذا يدفع معاهد وأقسام تعليم اللغات في الجامعات إلى عمل مثل هذه الدراسات، وبدون هذه الأبحاث يظل تدريس الثقافة أمراً فلسفياً يعتمد على مجموعة من الأنماط الثقافية الثابتة "Stereotyping".
جـ) المقرر الاتصالي :
إن اللغة والثقافة تعالجان بالدراسة والملاحظة والممارسة، والدارس للغة والثقافة يصبح مشاركاً لمن يتحدثون اللغة في بعض أغراضهم وأنشطتهم. ومعايشة الدارس لحياة الناطقين باللغة المتعلمة يدعم عملية التعلم، إلا أنه في كثير من الأحيان يتردد الدارس في خوض المواقف اللغوية الحقيقية، وفي هذه الحالة يصبح من الضروري البحث عن طرق ووسائل لتدعيم معايشة الدارس لحياة الناطقين باللغة، وإتاحة فرص للاتصال الحقيقي، ويتم ذلك عن طريق الموضوعات الدراسية والمحتوى الذي يشد اهتمام الدارس نحو ممارسة اللغة في مواقف اتصال حقيقية.(1/52)
ولتحويل هذه الفكرة إلى مقرر، يحتاج مصمم المنهج في المقام الأول إلى قائمة بمجموعة من الأنشطة الاتصالية التي تدفع الدارس إلى الاشتراك بفعالية في عملية الاتصال، وعلى أساس هذه القائمة يمكن أن نضع مقرراً يكمل المقرر اللغوي والثقافي. ولكن الأمر الذي ينبغي أن ننبه إليه هو أنه ليس هنالك حد فاصل بين أنشطة تعلم اللغة التي تكون جزءً ا من المقرر اللغوي، وتلك التي تنتسب إلى المقرر الاتصالي، كل ما في الأمر أنه إذا كان التركيز بشكل رئيسي على اللغة، وُضِعَ النشاط في المقرر اللغوي، وإذا كان التركيز على الموضوع أو الموقف أو النشاط وبعيداً عن اللغة، فإنه يوضع في المقرر الاتصالي.
إن النشاط الفعلي القائم على ممارسة اللغة واستخدامها يعتبر الأصل في المقرر الاتصالي، أما الجانب اللغوي فهو شيء مساعد ومطلوب للتعبير عن الموقف، حتى في الحالات التي يركز التدريس انتباهه فيها على العناصر اللغوية، من تركيب نحوي، ومقررات، وأساليب، وتنغيم من أجل الحدث، أو الموقف الاتصالي، فإن ذلك يعتبر أيضاً عملية اتصالية من وجهة نظر المقرر الاتصالي.
لهذا يصبح إعداد مواقف اتصالية في حجرة الدراسة أمراً في غاية الأهمية لتدريس وتعليم اللغة الأجنبية.
د) المقرر العام لتعليم اللغة :
والمقصود به إعطاء الدارس مجموعة من المعلومات حول موضوعات مثل : اللغة والثقافة، اللغة والمجتمع، اللغة والفكر، اللغة والفن والأدب، سواء تم ذلك في ضوء مفهوم اللغة بشكل عام، أو الارتباط باللغة المستهدفة ذاتها. ونحن نرى أن هذا البعد في المنهج لا ضرورة له إلا في المستويات المتقدمة التي تصبح اللغة الأجنبية بالنسبة للدارس أداة للدراسة الأكاديمية، إلى جانب أن الدارس يستطيع أن يدرس مثل هذه الموضوعات بلغته الأم. ومن هنا سوف لا يتضمن البرنامج المقترح في هذا السياق هذا البعد.
التكامل بين هذه المقررات في إطار برنامج واحد :(1/53)
عند تصميم أي برنامج في ضوء المنهج متعدد الأبعاد يحتاج الأمر لإحداث تكامل بين المقررات المختلفة، فليس من المتصور أن نضع مقررات مستقلة، ومن ثم فلا بد من وضع تصور لكيفية إحداث هذا التكامل.
يمكن إحداث هذا التكامل عن طريق البدء بأحد المقررات ثم التحرك نحوه بالمقررات الأخرى، فمثلاً يمكن صياغة ووضع المقرر اللغوي في مستويات ثلاثة : مبتدئ، متوسط، ومتقدم، ثم اختيار المحتوى الثقافي الذي يناسب المحتوى اللغوي وجعله وسيله لدراسة المحتوى اللغوي، ثم تفصيل المحتوى الاتصالي وتحديد أي مواقف الاتصال تناسب هذا المستوى اللغوي وصياغتها... وهكذا. ويمكن البدء بتصور عن المقرر الثقافي ثم وضع المستويات اللغوية بالنسبة له ثم المستويات الاتصالية، وهكذا..
مثال ذلك :
1. تحديد الكفايات اللغوية التي ينبغي أن يصل إليها الدارس في المقرر اللغوي وتقسيم هذه الكفايات إلى مستويات للتعلم.
2. تحديد المعلومات حول الوطن والناس والمجتمع والعقائد والعبادات والعادات... المناسبة لتقديمها في كل مستوى لغوي.
3. تحديد المواقف الاتصالية المناسبة للمحتويين اللغوي والثقافي.
وبهذا تتكامل وتترابط المقررات المختلفة داخل برنامج واحد.
الفصل السادس
تصور مقترح لبرنامج تعليم العربية
مقدمة
وفي ضوء هذا التصور لمدخل متعدد الأبعاد لبناء برنامج لتعليم اللغة الأجنبية، نقوم بوضع تصور مقترح لبرنامج لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من المسلمين الكبار كمثال تطبيقي على هذا المنهج، مستندين في ذلك على دراسة مهمة قام بها أحد مؤلفي هذا الكتاب(31).
حدود التصور
نود في البداية أن نحدد عدة أمور فيما يتصل بهذا التصور المقترح للبرنامج، وهي :
1. أن التصور يقوم على تخطيط عام عريض دون تفصيلات واسعة خاصة فيما يتصل بالمقرر اللغوي.(1/54)
2. أن هذا التصور سيعتمد أساساً على عبارات الدوافع التي تقع تحت تصنيفي "دوافع قوية جداً، ودوافع قوية"، مع الإشارة إلى الدوافع المتوسطة والضعيفة مما قدمته لنا دراسة محمود كامل الناقة المشار إليها.
3. أن التصور يعني مخططاً لبرنامج عام تليه بعض المقترحات فيما يتصل بتمايز كل من البرنامج الصباحي والبرنامج المسائي.
4. أنه بالرغم من أن المواد التعليمية التي تعد لمقابلة دوافع الدارسين تعتبر قلب البرنامج كله، إلا أننا سنقتصر على اقتراح مقررات عامة دون تحويلها إلى مواد تعليمية بالفعل.
5. أن الإطار العام لهذا التصور سيدور حول الموضوعات التالية :
أ) اشتقاق الأهداف وصياغتها.
ب) تحديد المهارات اللغوية.
ج) المقررات :
* المقرر اللغوي.
* المقرر الثقافي.
* المقرر الاتصالي.
د) مقترحات بشأن طرق التدريس.
أولاً : أهداف البرنامج
استمدت أهداف هذا البرنامج من تحليل عبارات الدوافع التي كشف البحث المشار إليه عن قوتها في تحريك الدارسين ودفعهم إلى تعلم العربية. وسنقسم هذه الأهداف إلى :
ــ أهداف تتصل بطبيعة اللغة.
ــ أهداف تتصل بالثقافة العربية الإسلامية.
ــ أهداف تتصل بعملية الاستخدام الاتصالي للغة.
أ) الأهداف اللغوية :
يهدف هذا البرنامج إلى أن يصبح الدارس ــ في نهايته ــ قادراً على أن :
1. يقرأ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
2. يقرأ الكلمة العربية المطبوعة في الكتب والصحف العربية.
3. يدرك جمال اللغة العربية وبلاغتها من خلال التراث الأدبي للغة.
4. يواصل الدراسة والتخصص في أحد علوم اللغة.
5. يصل إلى المستوى اللغوي الذي يمكنه من الالتحاق بالدراسات الجامعية.
6. يكون قادراً على تدريسها ونشرها في بلاده.
7. يحيط بمجموعة من المعارف والمعلومات حول اللغة العربية.
8. يتحدث باللغة العربية مع أصدقائه.
9. يستمع إلى برامج الإذاعة العربية.
10. يدرك خصائص اللغة العربية وسماتها وعلومها المختلفة.(1/55)
ب) الأهداف الثقافية :
يهدف هذا البرنامج إلى أن يصبح الدارس في نهايته قادراً على أن :
1. يفهم الدين الإسلامي بأركانه وعقائده وعباداته وتشريعاته.
2. يفهم تفسير القرآن الكريم.
3. يفهم الحديث الشريف ويعرف سيرة الرسول"ص".
4. يفهم التاريخ الإسلامي ويلمَّ به.
5. يحفظ ما تيسر من القرآن الكريم.
6. يحصل مجموعة من المعلومات والمعارف عن الثقافة العربية الإسلامية.
7. يحصل مجموعة من المعلومات والمعارف حول الشعوب والأوطان العربية.
جـ) الأهداف الاتصالية :
يهدف هذا البرنامج إلى أن يصبح الطالب ــ في نهايته ــ قادراً على أن :
1. يستمع بفهم لمتحدثي اللغة العربية.
2. يتحدث بالعربية في شؤون الحياة المختلفة، ويتفاعل مع أبناء العربية وثقافتهم.
3. يخطب باللغة العربية داعياً وناشراً للدين الإسلامي.
4. يقرأ قراءة صحيحة واعية، ويفهم المقروء ويستوعبه.
5. يكتب كتابة صحيحة إملائياً، ويعبر عن أفكاره بلغة سليمة.
ثانياً : المهارات اللغوية
ولتحقيق أهداف البرنامج نرى التركيز على الأهداف الأخيرة وتفصيلها في ضوء المهارات اللغوية الأربع، وهي : الاستماع والحديث والقراءة والكتابة، ولذلك فالبرنامج يهدف في مجال المهارات اللغوية إلى أن يتمكن الدارس من أن :
الاستماع :
1. يميز بين أصوات لغته وأصوات العربية.
2. يميز بين أصوات اللغة العربية.
3. يعرف نظام التنغيم والنبر في العربية.
4. يفهم المتحدث بالعربية عندما يتحدث في موضوعات مألوفة في حياة الدارس اليومية، مثل النشاط الدراسي اليومي، والأنشطة الرياضية وأنشطة وقت الفراغ.. إلخ.
5. يفهم بعض عبارات التحية، والتعبيرات الشائعة، وطرح بعض الأسئلة في المواقف العامة.
6. يفهم بعض العبارات التي يتعلمها في المواد التعليمية ويستوعبها.
7. يفهم الدلالة الصوتية لعلامات الترقيم.
8. يفهم حديثاً متصلاً في موضوع ما حتى لو تضمن معاني ومفردات غير مألوفة له.
الحديث :(1/56)
1. يسيطر على النظام الصوتي للغة العربية، بحيث يفهمه العربي عندما يتحدث.
2. يعبر عن خبراته في الحاضر والماضي والمستقبل.
3. يعيد ويصف ويشرح مواقف وأفكاراً تتصل بما سبق أن درسه من مواد تعليمية.
4. يطوع الصيغ النحوية والمفردات ومصطلحات الكلام ليعبر عن أفكاره ومشاعره وحاجاته ورغباته.
5. يختار مدخل الحديث المناسب للموقف سواء أكان الموقف رسمياً أو غير رسمي، اجتماعياً أو غير اجتماعي.. إلخ.
6. يستخدم قاموساً ثنائياً بالعربية وبلغته الأم للبحث عن كلمة أو أكثر احتاج إليها أثناء الكلام.
7. يستخدم السياق والتنغيم للتعبير عن معنى كلمة غير معروفة لديه.
القراءة :
1. يقرأ قراءة صامتة ويفهم المقروء دون ترجمة.
2. يقرأ نصاً مألوفاً له قراءة جهرية مع نطق وتنغيم مفهومين.
3. يعبر في قراءته عن المعنى مستخدماً علامات الترقيم.
4. يفهم مادة مقروءة مألوفة له ولكنها تتضمن بعض المعلومات والمفردات الجديدة.
5. يستنتج المعنى العام من قراءة نص غير مألوف لديه.
6. يقرأ ويفهم مواد تتصل بالسفر والرحلات في البلاد العربية مثل علامات المرور، والخرائط، وقوائم الأطعمة، وجداول المواعيد... الخ.
7. يستخدم القاموس العربي الثنائي للبحث عن المفردات التي يعجز عن فهمها عن طريق السياق أثناء القراءة.
8. يستخدم المهارات المتعددة للقراءة في أغراض مختلفة مثل القراءة الخاطفة، والقراءة من أجل الحصول على الفكرة الرئيسية، أو الأفكار التفصيلية واستخلاص الهدف من المادة المقروءة، ومثل القراءة الناقدة، أو القراء ة من أجل جمع معلومات... الخ.
9. يحصل على المعلومات من المصادر العامة مثل المكتبة العامة، أو مكتبة المعهد، أو الكتب الأساسية.. إلخ.
10. يكتسب معلومات ومعاني واسعة من الصحف والمجلات والدوريات العربية، والاستمتاع بقراءة هذه المطبوعات.
الكتابة :
1. يعرف قواعد الكتابة العربية وقواعد الهجاء.(1/57)
2. يستخدم في كتابته علامات الترقيم استخداماً صحيحاً.
3. يسجل كتابة بعض الملاحظات أو التعبيرات الشفوية.
4. يكتب جملة كاملة المعنى يسمعها من متحدث.
5. يكتب إجابة عن ما يطرح عليه من أسئلة حول إسمه وعنوانه في وطنه وفي الدولة العربية التي يتعلم فيها، وعن مكان ووسيلة قدومه... إلخ.
6. يستخدم القاموس الثنائي للبحث عن كلمات تساعده على التعبير عن المعنى الذي يرغبه.
7. يعبر كتابة عن أفكاره في خطابات أو بطاقات، مستخدماً قواعد وأصول كتابة الرسائل والبرقيات والبطاقات... إلخ.
8. يعبر عن أفكاره في شكل مقالات وكتابات قصصية بسيطة.
9. يعبر عما تعلمه من اللغة وعنها وعن ثقافاتها إذا ما تطلب منه ذلك في مواقف الاختبار والتقويم.
ثالثاً : المقررات
أ) المقرر اللغوي :
يقترح البرنامج أن يدرس الطلاب في هذا المقرر ما يلي :
1. الأصوات العربية : تصنيفاتها وأنواعها ومخارجها.
2. أساسيات النحو والصرف : تلك التي تعتمد في تقديمها على تصور علم اللغة التطبيقي والتي تختار وتنظم في ضوء الدراسات التي دارت حول تعليم قواعد النحو والصرف في اللغة العربية، وبالقدر الذي يمكّن الدارس من دراسة المقررات الأخرى الثقافية والاتصالية.
3. الأساليب البلاغية العربية من خلال نصوص مستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومختارات من الأدب العربي.
4. مجموعة من الموضوعات والنصوص لتعليم مهارات القراءة من تعرف ونطق وفهم وتحليل الأفكار، ولتعليم مهارات الكتابة سواء منها الحركي أو الفكري، بحيث تتضمن هذه النصوص أفكاراً تتصل بالثقافة العربية الإسلامية.
5. دراسات حول طبيعة اللغة العربية وخصائصها وتطورها عبر العصور.
6. دراسات في القواميس والمعاجم العربية وطرق البحث فيها.
7. دراسات في الأدب العربي وتاريخه عبر العصور المختلفة.(1/58)
8. دراسات في علم اللغة الحديث يتضمن بعض الدراسات التقابلية بين اللغة العربية وبعض اللغات الأخرى على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي.
9. دراسات حول أمهات الكتب العربية في شتى مجالات وفروع اللغة العربية.
ب) المقرر الثقافي :
يقترح البرنامج أن يدرس الطلاب في هذا المقرر مجموعة من المقررات الصغيرة، وهي كما يلي :
1. مقرر في قراءة القرآن الكريم وتلاوته.
2. مقرر في تفسير القرآن الكريم وفهمه.
3. مقرر في دراسة الحديث النبوي الشريف والسنة المطهرة.
4. مقرر في السيرة النبوية، وحياة الخلفاء الراشدين والمسلمين الأوائل.
5. مقرر في حفظ القرآن الكريم.
6. مقرر في العبادات والعقائد.
7. مقرر في الشريعة الإسلامية.
8. مقرر في التاريخ الإسلامي.
9. مقرر في الدعوة الإسلامية والخطابة.
10. مقرر في طبيعة المجتمع العربي وعاداته وتقاليده ومدنه وثرواته ومأكله ومسكنه وعلاقاته الأسرية ونظمه الاجتماعية والتعليمية والسياسية والاقتصادية من خلال مختلف أوطانه وشعوبه.
جـ) المقرر الاتصالي :
يقترح البرنامج أن يدرس الطلاب في هذا المقرر ما يلي :
1. موضوعات حول السفر والرحلات والاندماج في الحياة اليومية يتم من خلالها تنمية مهارتي الاستماع والكلام، مثل ما يلزم السائح في بلد عربي من جمل وعبارات ومواقف حديثة تدور حول الأطعمة والفنادق ومكاتب البريد والبرق والهاتف والاتجاهات والشوارع واللافتات والتعامل مع البنوك والوصول إلى الأماكن والعناوين...، إلخ.
2. مواقف اتصالية في حجرة الدراسة مثل :
ــ إدارة الفصل والتفاعل اليومي بين الطلاب.
ــ إلقاء التعليمات والتوجيهات والإرشادات.
ــ تقليد ومحاكاة ومناقشات ومباريات لغوية.
3. تسجيلات صوتية تخصص لها فترات في معمل اللغة.
4. مواقف بيع وشراء ومجاملات وخطابة وحوارات وندوات.
5. إقامة حفلات وأنشطة تعتمد على التحدث باللغة العربية.
6. قراءات واسعة في بعض المجلات والصحف والكتب.(1/59)
7. الاستماع إلى برامج الإذاعة من نشرات وندوات ولقاءات.
8. كتابة رسائل وبرقيات وبطاقات.
رابعاً : مقترحات وتوصيات
يقترح البرنامج فيما يتصل بطرق التدريس والوسائل التعليمية ما يلي :
ــ أن تتنوع طرق التدريس، فتشمل كل الطرق المعروفة، كالطريقة المباشرة والطريقة الطبيعية، والطريقة السمعية الشفوية، وطريقة القراءة، والطريقة الوظيفية.
ــ أن يكيف المعلم طريقته بما يتناسب مع تدريس كل مهارة من مهارات اللغة، ومع كل موضوع من موضوعات الثقافة، ومع كل هدف من أهداف عملية الاتصال باللغة العربية.
ــ أن ينوع المعلم من أنشطة التعليم بحيث يتضمن البرنامج أنشطة للاستماع، وأنشطة للحديث، وأنشطة للكتابة.
ــ أن تتنوع الوسائل التعليمية ما بين وسائل محسوسة إلى تسجيلات صوتية ومسجلات ومعامل لغوية، وأيضاً وسائل بصرية وأفلام وشرائح وصور ورسوم ورحلات... إلخ.
ــ في الأنشطة والتدريبات ينبغي الالتفات إلى :
أ) التدريبات الاتصالية والتوليدية والحوارية.
ب) تدريبات الأسئلة والإجابات.
جـ) التدريبات الآلية.
د) تدريبات الفهم مثل إكمال الجمل الناقصة.
هـ) تدريبات مواقف التخمين والألغاز.
و) تدريبات لعب الدور.
ز) تدريبات إعادة تركيب الجمل والفقرات.
ح) تدريبات الأمر والطلب.
ط) تدريبات أزمنة الفعل والتدريبات النحوية بأنواعها المختلفة.
المراجع
المراجع العربية
1. أحمد المهدي عبد الحليم، البحث التربوي في تعليم العربية لغير الناطقين بها، المجلة العربية للدراسات اللغوية، معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، العدد الأول، أغسطس سنة 1982.
2. رشدي أحمد طعيمه، يمكن الرجوع إلى تفصيل المكونات عنده في كل من مؤلفيه :
أ) "الثقافة الإسلامية مدخل لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها"، دراسة مقدمة إلى ندوة معلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها في الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، مارس سنة 1981.(1/60)
ب) تعليم العربية لغير الناطقين بها، مناهجه وأساليبه، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الرباط، سنة 1989.
3. سليمان داود الواسطي، "دارسو اللغة العربية من الأجانب ونوعياتهم"، ندوة مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، الدوحة، قطر، مايو سنة 1981.
4. فتحي يونس، محمود الناقه، رشدي طعيمه ؛ تعليم اللغة العربية، أسسه وإجراءاته، جـ1، القاهرة، سعد سمك للطباعة، سنة 1996.
5. محمود كامل الناقه، برامج تعليم العربية للمسلمين الناطقين بلغات أخرى في ضوء دوافعهم، سلسلة دراسات في تعليم اللغة العربية، وحدة البحوث والمناهج، معهد اللغة العربية، جامعة أم القرى، سنة 1985.
6. محمود كامل الناقه، فتحي يونس، المنهج التوجيهي لتعليم أبناء الجاليات الإسلامية ــ التربية الإسلامية واللغة العربية، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الرباط، 1999.
7. محمود كامل الناقه، رشدي أحمد طعيمه، طرائق التدريس الخاصة للغة العربية لغير الناطقين بها، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الرباط، 2003 .
المراجع الأجنبية
8. Altman B. Haward and C. Vaughan James (ed) "Focus on the learner", in, Foreign Language Teaching, Meeting Individual Needs, Oxford, Pergamon Press, Lted 1979.
9. Bowers, Roger : "The individual learner in the class", in Foreign Language Teaching, Meeting Individual Needs, Oxford, Pergamon Press, Lted, 1979.
10. Burstall , Clare : "Factors affecting foreign language learning, A consideration of some recent research findings", Language Teaching and Linguistics Abstracts, Vol. 8, N! 1, Cambridge University Press, January 1975.(1/61)
11. Clark , J. L. : "Syllabus design for general levels of achievement", in, Foreign Language Learning, Lothian Regional Council Education Advisory Service, 1974.
12. Garfinkel , Alan and Stanly, Hamilton (eds) : Design for Foreign Language Teacher Education, Massachusetts, Newbury House, 1976.
13. Gardner, R.C. and Lambert W.E. : "Motivational variables in second language learning", International Journal of American Linguisrics, 1966.
14. ------------------------- : Attiudes and Motivation in Second Language Learning, Mass : Newbury House, 1972.
15. -------------------------- : "Motivational variables in second language acquisition", Canada Journal of Psychology, N! 13, 1959.
16. Holec Henri : "Learner training : Meeting needs in self-directed Learning", in Foreign Language Teaching, Meeting Individual Needs, Oxford, Pergamon Press, Lted , 1979.
17. Lange, D.L. (ed) : Proceedings of the National Conference on Professional Priorities, American Council on the Teaching of Foreign Language, November, 1980, Boston, Mass : ACTFL material center, 1980.
18. Lane, Harlan : Why is College Foreign - Language Instruction in Trouble ? Ann arbor : University of Michigan, Center for Research on Language and Language Behavior, 1968.
19. Medly, Frank W. : "Identifying needs and setting goals". The ACTEL Foreign Language Education Series (10). Building for Success, National Textbook Company, 1979.
20. NSSE, Adapting the Secondary School Program to the Needs of Youth 52 Year Book, part 1.
21. Rivers, Wilga : Teaching Foreign Langauge Skills. University of Chicago, 1972.(1/62)
22. Stern H.H. : زToward a multidimensional foreign language curriculumس. in Robert Mead (ed) Foreign Languages : Key Links in the Chain of Learning, 1983.
23. Strevens, Peter : "Special purpose language". A Perspective Language Teaching and Linguistics Abstracts, Vol (10) n! 3, July 1977.
24. State of Minnesota, The Extend Foreign Language Sequence, with Emphasis on New Courses for Levels, Department of Instruction, St. paul, 1971.
25. Widdawson , H. G. : Criteria for Course Design, ESP, 1979.
(1) فتحي يونس، محمود الناقه، رشدي أحمد طعيمة، 4، ص 13-11.
(2) رشدي أحمد طعيمة، 2.
(3) محمود كامل الناقة، 5.
(4) NSSE, 20, pp. 2-4-220-221
(5) State of Minnesota, 24, p. 50
(6) Strevens, 23, pp. 145-146
(7) Altman, H. & Fames, 8, p. 1
(8) Altman, H. & Fames, 8, p. 4
(9) Altman, H. & Fames, V, 8, p. 8
(10) Lane, H., 18, p. 3
(11) Medley, F., 19, p. 42
(12) Garfinkel, A. & S., 12
(13) Garfinkel, A. & S. Hamilton, 12, p. 33
(14) Garfinkel, A. & S. Hamilton, 12, p. 33
(15) Weddawson, H., 25, p. 15
(16) Clark, J. 11, p. 66
(17) Bowers, R. 9, p. 67
(18) أحمد المهدي عبد الحليم، 1، ص 166.
(19) Holec, H., 16, p. 150
(20) Gardner, R. & Lambert, W. 13, pp. 24-44
(21) Gardner, R. & Lambert, W., 14
(22) Burstall, C., 10, p. 6
(23) Gardner, R. & Lambert, W., 15, pp. 266-272
(24) Burstall, C., 10, p. 7
(25) Strevens, 23, p. 156
(26) أحمد المهدي عبد الحليم، 1، ص 166.
(27) سليمان داود الواسطي، 3، ص 9.
(28) محمود الناقة وفتحي يونس، 6.
(29) lange, D.L. (ed)
(30) H.H. Stern, p. 120
(31) محمود كامل الناقة، 5.
http://www.isesco.org.ma/pub/ARABIC/Taalim%20Logha/P2.htm(1/63)