مسائل معاصرة في الحج
عبدالعزيز بن سعود العويد
الكويت 22 /11 / 1424
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فالحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وقد ثبت وجوبه وصفته بالنصوص المتواترة من الكتاب والسنة .
و كثرت بفضل الله – تعالى – المصنفات والرسائل في صفة الحج وما يتعلق به ، ومشاركة في هذا الباب العظيم من أبواب الخير أحببت أن أجمع بعض مسائل الحج المعاصرة والتي تتجدد بتجدد أسبابها كتغير أحوال الناس ، واستحداث مخترعات جديدة في وسائل النقل ، واللباس وما يحتاجه عموم الناس وغير ذلك .
وقد حرصت في هذا الجمع تجنب التطويل والإشارة إلى ما يهمنا من بحثنا ، وقللت من النقولات والعزو لأن مثل ذلك لا يهم عموم المسلمين ، وهم المقصودون أصلا بهذا البحث ، ومظان هذه الأسطر كتاب الحج من كتب الفقه ، والرجوع إليها لا يعجز طلبة العلم ، وعملي - غالبا - مقتصر على جمع كلام العلماء ، وقد استفدت من بعض المسائل التي أوردها المكتب العلمي بموقع الإسلام اليوم في بحث علمي في بعض مسائل الحج ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
1- حج المدين : دين الحاج ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : دين حال فيجب إبراء الذمة أولاً بسداد الدين ، فإن من كانت ذمته مشغولة بالدين لا يجب عليه لايحج لكونه غير مستطيع ، ولو حج صح حجه .
القسم الثاني : إذا كان الدين غير حال كأقساط المصارف والشركات فهذا يحج لأن ذمته ليست مشغولة بما لم يحل من الديون ، وينبغي الوصية به لئلا تضيع حقوق الناس .(1/1)
2- سفر المرأة بلا محرم للحج بالطائرة : اختلف العلماء في حكم سفر المرأة من غير محرم والراجح جواز ذلك إذا وجدت المرأة رفقة مأمونة وهو قول ابن سيرين وعطاء والزهري وقتادة والحكم بن عتيبة والأوزاعي ومالك والشافعي ورواية في مذهب أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهم الله - . جاء في " الاختيارات " لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : وتحج كل امرأة آمنة مع عدم محرم لزوال العلة . قال أبو العباس : وهذا متوجه في كل سفر طاعة .
عن الزهري قال : ذكر عند عائشة أم المؤمنين المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم؟ قالت عائشة : " ليس كل النساء تجد محرما " . وعن نافع مولى ابن عمر قال : " كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات له ليس معهن محرم " . لاسيما مع مصاحبة بعض الموانع المادية والأمنية ووجود الأمن في الطائرات التي يقطع بها المسافات الطويلة في زمن يسير كانت تقطع قديما بوسائل النقل القديمة بزمن طويل ، وأما الحوادث التي قد تتعرض لها بعض الطائرات فهي نادرة ، والنادر لا حكم له .
3- محاذاة الميقات المكاني : يجوز لمن حاذى ميقاتاً من المواقيت المكانية أن يحرم عند المحاذاة ، سواء كان في الطائرة ، أم في الباخرة ، أم في السيارة ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري – رحمه الله – في " الصحيح " عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن أهل البصرة شكوا إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقالوا : " يا أمير المؤمنين : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقّت لأهل نجد قرن المنازل ، وإنها جور عن طريقنا ، أي : مائلة وبعيدة عن طريقنا . فقال – رضي الله عنه - : انظروا إلى حذوها من طريقكم " . فلا يشترط الوقوف عند الميقات للإحرام بالنسك .(1/2)
4- الاشتراط عند خوف المنع : اختلف العلماء – رحمهم الله – في الاشتراط عند الدخول في النسك ، والصواب في هذه المسألة ما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أنه لا يسن الاشتراط إلا لمن خاف ما يمنعه من أداء النسك ، وهذا القول به تجتمع الأدلة ، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أحرم في عمره كلها ولم يعرف أنه كان يشترط عند الإحرام ، وكذا في حجة الوداع ، ولم يأمر أصحابه به ، وإنما أمر من جاءت تستفيه لأنها خشيت أن يشتد بها المرض فيمنعها من أداء النسك كما في حديث ضباعة بنت الزبير – رضي الله عنها - في " صحيح مسلم " .
ويلحق في هذه المسألة من خاف من منع قوات الأمن له من أداء الحج وفقا لترتيبات الحج الأمنية التي طبقتها السلطات في السعودية عند المواقيت المكانية ، فمن خشي أن يمنع من أداء النسك فله أن يشترط عند الإحرام ويقول : اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، ومن لم يخف فليس له أن يشترط .
تنبيه : يتعمد بعض الحجاج – هداهم الله - من باب الحيلة لبس الثياب لتجاوز نقاط التفتيش الأمنية ثم يخلعون ثيابهم ، ويبقون في ملابس الإحرام ، ولا شك أن هذا الفعل محرم ، ويلزم صاحبه دم لتعمده فعل محظور من محظورات الإحرام، وهو لبس المخيط .
5- وضع الشمسية : إذا ستر المحرم رأسه بساتر متابع كالمحمل والثوب والشمسية فعند الحنفية والشافعية أنه لا شيء عليه وهو الصواب ، لما روى مسلم في " صحيحه " عن أم الحصين – رضي الله عنها – قالت : " حججت مع النبي – صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي – صلى الله عليه وسلم – والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " .(1/3)
6- لبس النظارة ، أو سماعة الأذن ، أوساعة اليد ، أو الحزام أو ضبابة ( ضغاطة ) اليد أو الرجل أو الحذاء المخروز الذي فيه خيوط : بين النبي – صلى الله عليه وسلم - ما يحرم على المحرم لبسه ، فقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلا قال : يا رسول الله : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس " . والنظارة والسماعة وساعة اليد والحزام وضبابة اليد أو الرجل والحذاء المخروز الذي فيه خيوط لا تدخل في هذه الخمسة لفظا ولا معنى .
7- لبس المخيط لمصلحة عامة : يجوز للمحرم لبس المخيط لحاجة تتعلق بمصالح الحجيج كأن يكون جندياً إذ إنه لو لم يلبس لباسه الرسمي لما أطاعه الناس ، وصار في الأمر فوضى ، ويفدي احتياطاً .
8- وضع الكمام على الفم والأنف : يجوز للمحرم وضع الكمام على فمه وأنفهه سواء كان ذلك لحاجة أو لغير حاجة لأنه يجوز على الصحيح من قولي أهل العلم أن يغطي المحرم وجهه ، فإن مستند من منع ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في قصة الرجل الذي وقصته دابته فمات فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . زاد مسلم " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " . وهذه الرواية غير محفوظة ويدل لذلك أن شعبة قال : حدثنيه أبو بشر ثم سألته عنه بعد عشر سنين فجاء بالحديث إلا أنه قال : " لا تخمروا رأسه ولا وجهه " .(1/4)
وروى القاسم قال : " كان عثمان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم يخمرون وجوههم وهم حرم " ، وكذا ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما - في " المحلى " وروى الدار قطني والبيهقي عن ابن عمر أنه قال : " إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه " . وقال جابر – رضي الله عنه - : " يغطي المحرم أنفه من الغبار ، ويغطي وجهه وهو نائم " .
9- الصابون المعطر : اختلف المعاصرون في حكم الصابون المعطر للمحرم فمنهم من يمنعه – وهو رأي الأكثر – ومنهم من يجيزه – وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – . ولعلنا نستطيع الجمع بين القولين بتقسيم الصابون المعطر إلى قسمين :
القسم الأول : نوع من العطور يستخلص منه منظفات للرأس والجسم ، وبخاخ للتطيب منه ، ومنه الصابون أيضاً ، وهذا لا شك أنه يمنع منه المحرم لأن الصابون يراد منه العطر نفسه .
القسم الثاني : الصابون المعروف الذي يستخدم لتنظيف اليدين وغيرهما ، وهذا ليس بعطر ولا يلحق به لفظا ، ولا معنى ، وإنما المقصد منه التنظيف ، أو إزالة الرائحة الكريهة بالنكهة الذكية كرائحة التفاح ، أو النعناع . ولو أنك دخلت على البقال فقلت : أعطني عطراً ، وأعطاك الصابون لعددت ذلك سخرية منك . والتعليل في القسم الثاني هو معنى ما نص عليه الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في بعض مجالسه سماعاً منه .
10- استخدام مكائن الحلاقة : هل الأخذ من شعر رأس المحرم بهذه المكائن يكون حلقاً أم تقصيراً ؟
والجواب أن يقال : الحلق في اللغة : أخذ شعر الرأس من أصله بالموسى ، وما لا يمكن معه القص فهو الحلق ، وهذا منتف في مكائن الحلاقة ، إذ إنه بمختلف درجات ماكينة الحلاقة يبقى من الشعر شيء بعد الأخذ منه .(1/5)
11- وجود الخط الأسود في بداية الطواف : تكلم المعاصرون في مشروعية هذا الخط على قولين مشهورين ، فمنهم من يمنعه كالشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - ، والشيخ بكر بو زيد – حفظه الله – وله رسالة في ذلك ، ومنهم من يجيزه كالشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - ، والشيخ محمد بن سبيل – حفظه الله - ، وله رسالة في ذلك . ولكل من القولين حجته ، لكن تنبغي الإشارة إلى أنه مع مشروعية هذا الخط إلا إن فيه خللاً هندسياً ، فعرض الخط من أوله عند الحجر إلى آخر المطاف على قدر واحد ، والمعروف هندسياً أن الدائرة كلما اتسعت اتسع قطرها ، فالواجب زيادة عرض الخط الأسود وتغليظه كلما اتجهنا إلى آخر المطاف ، وهذا يعني أن الطائف في آخر المطاف تكون محاذاته للحجر الأسود قبل وصوله إلى الخط الأسود خلافا لما عليه الخط الأسود الآن .
12- التوكيل في الهدي : الواجب على الحاج إبراء للذمة أن يتولى ذبح هديه بنفسه ، ويشرف على توزيعه على الفقراء والمساكين مع أكل شيء منه – استحباباً - ، وأما التوكيل فإن كان الوكيل ثقة أميناً فلا بأس وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية بجواز دفع قيمة الهدي للبنك الإسلامي .
13- الاعتبار بعلة الزحام الموجودة في هذا الزمان : من أعظم مقاصد الحج تحقيق العبودية لله – سبحانه – بأداء المناسك ، وإظهار معالم الأخوة الإسلامية في الإيثار ، وبذل الخير للمسلمين ، والتخلص من الأثرة وتقديم مصلحة النفس على الغير ، والحذر من كل ما يفضي إلى إفساد النسك ، أو نقصان الأجر كالرفث والفسوق والجدال والخصومة والخلاف والمضاربة أثناء تأدية مناسك الحج .(1/6)
ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى ما ذكرنا من مظاهر الخلاف والشقاق بين الحجاج شدة الزحام في المناسك بعد تزايد أعداد الحجاج في السنوات الأخيرة ، وهذا أمر ينبغي الالتفات إليه ومعالجته ، فإن هذه الشريعة ما جاءت بالعنت ، والتشديد على المكلف ، وإنما جاءت باليسر والسماحة ، ورفع الحرج والمشقة عنه قال تعالى : " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون " . و( مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بمكانها أو زمانها ) فالطواف في مكان بعيد عن الكعبة مع الخشوع أولى من الطواف قريبا منها عند شدة الزحام .
وهذه بعض المسائل المتعلقة بشدة الزحام :
* ترك المبيت بمنى عند عدم وجود مكان فيها : المقرر عند الفقهاء وجوب المبيت في منى ، وتركه يوجب الكفارة ، لكن إذا ترك المبيت لعذر فلا شيء عليه ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن العباس بن عبد المطلب – رضي الله عنه - استاذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له " . وروى الخمسة عن عاصم بن عدي – رضي الله عنه – : " أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر " .
ويلحق في ذلك أهل الأعذار ممن يشق عليه المبيت في منى ، فقد روى سعيد بن منصور في " سننه " عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أنه كان يقول : " إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إنْ بات بمنى، فلا بأس أن يبيت عنده بمكة" .
قال ابن قدامة – رحمه الله – في " المغني" : وأهل الأعذار كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاة في ترك البيتوتة .ا.هـ.(1/7)
وقال ابن القيم – رحمه الله – : وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم - قد رخص لأهل السقاية وللرعاة في ترك البيتوتة ، فمن له مال يخاف ضياعه ، أو مريض يخاف من تخلفه عنه ، أو كان مريضا سقطت عنه بتنبيه النص على هؤلاء . والله أعلم . ا.هـ.
ومع الزحام الموجود الآن فقد ألحق العلماء في ذلك ترك المبيت بمنى عند ضيقها، أو وجد مكاناً لا يصلح لمثله ، ومنه المبيت على الشوارع والأرصفة والذي فيه إلحاق الضرر بالنفس والغير وانكشاف عورات النساء ، وهذا لا شك أولى من رعاة الإبل الذين رخص لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – في ترك المبيت بمنى ، فإذا لم يجد مكانا في منى فيبيت عند منتهى آخر خيمة من خيام الحجاج ، وهذا كالمسجد إذا امتلأ بالحجاج فإنهم يصلون بعضهم إلى بعض .
والواجب في المبيت أن يكون معظم الليل ، قال ابن حجر – رحمه الله - : ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل .ا.هـ. ولا يشترط أن يكون آخر الليل كما يفعله من يبيتون خارج منى ، ويأتون منى جميعا في وسط الليل لإدراك المبيت باقي الليل، فيستطيع الحاج المجيء إلى منى عند الغروب ويمكث أكثر الليل فيها ، وفي هذا تخفيف على نفسه وعلى غيره من المسلمين .
* الدفع من عرفة قبل الغروب.
لا خلاف بين أهل العلم أن من وقف بعرفة ليلاً ولم يدرك جزءاً من النهار أن حجه صحيح ولا شيء عليه. قال في " الشرح الكبير": لا نعلم فيه خلافاً.
وإنما اختلفوا فيمن دفع من عرفة قبل الغروب على أقوال منها:
القول الأول: لا يجوز الدفع من عرفة قبل الغروب، ومن فعل ولم يرجع فعليه دم.
وهو قول الحنفية وأحد القولين عند الشافعية وقول الحنابلة وهو قول عطاء، والثوري، وأبي ثور.
واستدلوا على تحريم الدفع قبل الغروب بفعله – صلى الله عليه وسلم - ، حيث لم يدفع إلا بعد غروب الشمس، والاقتداء بفعله هذا متعين؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم " .(1/8)
القول الثاني: جواز الدفع قبل الغروب، فمن دفع فلا دم عليه، ولا يلزمه الرجوع، ولكن خالف السنة.
وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعية، واختاره النووي وهو مذهب ابن حزم
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه - قال :" أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طي، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال – صلى الله عليه وسلم - : " من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه، وقضى تفثه " أخرجه أحمد والترمذي .
ووجه الدلالة من الحديث ظاهر : حيث دل على أن من وقف بعرفة نهاراً دون الليل فحجه تام، ولا شيء عليه.
ويُحمل فعله – صلى الله عليه وسلم - من الوقوف حتى الغروب على الاستحباب لأجل هذا الحديث.
فيكون وقوفه إلى وقت الغروب بمنزلة نزوله – صلى الله عليه وسلم - بعرفة قبل الزوال.
قال الشنقيطي – رحمه الله - " قوله – صلى الله عليه وسلم- :" فقد تم حجه " لا يساعد على لزوم الدم؛ لأن لفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم. والحاصل أن من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار أو النهار دون الليل فأظهر الأقوال فيه دليلاً: عدم لزوم الدم"ا.هـ مختصراً.
الدليل الثاني : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك عرفات قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" ، وفي لفظ " من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فقد أدرك حجه " . رواه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة: أنه إذا جاز الوقوف بعرفة ليلاً دون النهار بدون دم، فلأَن يجوز الوقوف بها نهاراً دون الليل بدون دم من باب أولى، ولا يصح التفريق بين الأمرين.(1/9)
وبذلك يعلم أيضاً أن البقاء في عرفة إلى غروب الشمس هو فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهديه، ولكن القول بالنفرة قبل الغروب من يوم عرفة له حظه من الاستدلال والنظر، وقال به أئمة علم يقتدى بهم، وأن الحرج الذي يصيب الناس في النفرة من عرفة حيث لا يصلون إلى المزدلفة إلاّ في ساعات متأخرة من الليل يجعل المصير إلى هذا القول والتوسعة على الناس به له اعتباره، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أذن لضعفة أهله بالنفرة من المزدلفةخوفاً من حطمة الناس فإن المعنى موجود اليوم وعلى وجه أشد في النفرة من عرفة .
* الدفع من مزدلفة قبل الفجر : هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – المبيت بمزدلفة إلى بعد طلوع الفجر ، والمستحب الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وأما الضعفة من النساء والصبيان والكبار والعاجزين والمرضى ، وكذلك من لا يستغنون عن رفقته من الأقوياء فيجوز لهم الدفع بعد منتصف الليل . والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : " بعثني – رسول الله صلى الله عليه ومسلم – في الثقل – أو قال في الضعفة – من جمع بليل " . والمذهب الشافعي وأحمد – رحمهما الله - . جواز الدفع بعد منتصف الليل لأهل الأعذار وغيرهم .
والعمل بهذا القول مهم مع كثرة الناس وشدة الزحام ، وما يلحق الناس من جراء ذلك من الكلفة والمشقة .
* الترتيب بين أعمال يوم النحر : أجمع العلماء على استحباب الترتيب بين أعمال يوم النحر ، وذلك بتقديم الرمي ، ثم الحلق أو التقصير ، ثم طواف الإفاضة ، كما رتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – في فعله .
كما أجمعوا على جواز على تقديم بعضها على بعض في حق الناسي والجاهل .(1/10)
واختلفوا في تقديم بعضها على بعض في حق العامد العالم ، فمذهب الشافعي وأحمد وجمهور التابعين جواز ذلك مستدلين بأحد طرق الحديث المروي في " الصحيحين " عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سأله رجل : " يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح . قال : اذبح ولا حرج . وقال آخر : ذبحت قبل أن أرمي . قال : ارم ولا حرج ، فما سئل عن شيء غلا قدم ولا أخر إلا قال : افعل ولا حرج " . ولم يقيده بالناسي والجاهل .
ومثل هذا القول يتوكد مع الزحام الموجود الآن . والله أعلم
* الطواف في السطح والسعي فوق سطح المسعى : أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بجواز السعي عند الحاجة فوق سقف المسعى قياساً على جواز الطواف حول الكعبة في أروقة المسجد الحرام وفي سطوحه ، وعلى جواز الصلاة الصلاة إلى هواء الكعبة ممن كان في مرتفع عن بنائها كمن في الطائف مثلاً ن وعلى صحة الطواف والرمي فوق دابة ونحوها ، لأن ذلك لا يخرج عن مسمى السعي فهو سعي بين الصفا والمروة ، وأما إذا لم يكن ثم حاجة بأن كان السعي في وقت لا ازدحام فيه فإن الاحتياط لكمال العبادة يقضي بعدم ذلك خروجا من خلاف من منعه ، ولانتفاء العذر المبرر للجواز. ( فتاوي الشيخ ابن منيع 3/81 )(1/11)
* النزول إلى المسعى في الطواف : الناظر إلى زحام الناس الشديد عند بداية الطواف في سطح المسجد الحرام يجد ما يلحق الطائفين من المشقة الشديدة لضيق المكان ، ويتوقف السير أحيانا دقائق عديدة ، ويكثر اللغط والشجار بين الناس مما يضطر بعضهم إلى النزول إلى المسعى ، ومع أن المسعى قد ألحق أخيرا ضمن المسجد من حيث البناء ، إلا أن الرأي مستقر عند العلماء المعاصرين على أنه ليس من المسجد وأنه لا يشرع الطواف به لأن من طاف بالمسعى فقد طاف خارج المسجد ولا يصح الطواف حينئذ ، ونظرا لما ذكرنا من المشقة الشديدة على الطائفين فقد رخص بعض العلماء في نزول الطائفين إلى المسعى عند الضرورة والزحام الشديد ، وممن رخص في ذلك الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين – رحمهما الله - .
* رمي الجمرات من فوق الجسر : يجوز رمي الجمرات من أي جهة من فوق أو من أسفل أو جعلها عن يمينه أو عن يساره .
قال ابن حجر – رحمه الله - : وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها ( أي جمرة العقبة ) جاز ، سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها ، والاختلاف في الأفضل . ا.هـ.
قال في المنتهى وشرحه : وله رميها أي الجمرة من فوقها لفعل عمر لما رأى الزحام عندها .ا.هـ.
* الرمي ليلاً : ذهب جمع من العلماء إلى جواز الرمي ليلاً لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - حدد أوله ولم يحدد آخره ، ولما سأله رجل كما عند البخاري من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - : " رميت بعد ما أمسيت . قال : لا حرج " . والمساء يكون آخر النهار ، وفي أول الليل ، ولم يستفصل النبي – صلى الله عليه وسلم – عما يقصده الرجل ، فعلم أن الأمر واسع . وهذا القول هو مذهب الحنفية ورواية عند المالكية وهو المصحح عند الشافعية ، وهو ما أفتى به المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي برئاسة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - ، وذلك حينما اشتد الزحام على الجمرات .(1/12)
* الرمي قبل الزوال في أيام التشريق : السنة في الرمي في أيام التشريق أن يكون بعد الزوال كما هو ثابت في حديث جابر – رضي الله عنه – في " صحيح البخاري " قال : " رأيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يرمي يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس " ، وفي " صحيح البخاري " أيضا عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : " كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا " .
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز الرمي قبل الزوال وهو قول طاووس وعطاء وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة واختيار ابن عقيل وابن الجوزي من الحنابلة والرافعي من الشافعية والشيخ صالح البليهي والشيخ عبدالله بن زيد آل محمود والشيخ مصطفى الزرقا وقواه الشيخ عبدالرحمن السعدي – رحم الله الجميع - . ودليلهم في ذلك القياس على " الرعاة الذين رخص لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – الرمي في الليل أو في أي ساعة من نهار" . رواه الدار قطني . وشدة الزحام ، والخوف من السقوط تحت الاقدام أوكد من غيره من الأعذار . ومن أهل العلم من رخص لذوي الحاجات فقط كمن يخشى فوات رحلة طائرة أو باخرة أو رفقة لا ينتظرونه . والله أعلم .
* تأخير الرمي : يجوز لمن كان في معنى الرعاة ممن هو مشغول أيام الرمي بعمل لا يفرغ معه للرمي، أو كان منزله بعيداً عن الجمرات، ويشق عليه التردد عليها ـ أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم من أيام التشريق، ولا يجوز له أن يؤخره إلى ما بعد يوم الثالث عشر (آخر أيام التشريق). والرمي في هذه الحالة أداء لا قضاء وأيام التشريق كاليوم الواحد. وهذا رأي الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وهو المعتمد عندهم، واختاره الشنقيطي –رحمهم الله - .(1/13)
قال ابن قدامة – رحمه الله – : إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده, أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة, ولا شيء عليه, إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث و يستدل لذلك بما رواه أحمد وأبو داوود عن أبى البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – " أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر" .
هذا ما يسر الله – سبحانه – جمعه من بعض المسائل المعاصرة الحج ، جمعت على عجل وقد تحتاج إلى زيادة تحرير لكن ضيق الوقت قبل موسم الحج يمنع من ذلك ، وهي محاولة لإرشاد الناس لتحقيق المقصد من هذه العبادة العظيمة ، وأداء العبادات فيها بكل طمأنينة وسكينة ، وإزالة ما في قلوب الناس من احتمالات الأذى والهلاك والمقاتلات التي تحصل بين الحجاج ، والسعي في إبراز ما يعين – بإذن الله – وفق الدليل وكلام من يحتج بهم من أهل العلم إلى تعظيم حرمات المسلمين ودمائهم وأعراضهم . والله نسأل أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضى ، وأن يسلمهم ويحفظهم ويتقبل منا ومنهم . اللهم آمين .(1/14)
مناسكُ الصبيانِ
عبدالله زقيل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد .
كما هو معلوم أننا على مشارف ركن من أركان هذا الدين ألا وهو الحج وقد رأيت ما قام به بعض الإخوة الفضلاء - جزاهم الله خيرا - من أمثال أبي أنس المدني وغيره من طرح لمواضيع عن الحج .
أما موضوعي فإنه يتعلق بفئة معينة من الناس لهم أحكام خاصة في الحج وهم الصبيان .
وموضوعي إنما هو تلخيص لمسائل وردت في مؤلف للدكتور صالح بن عبدالله اللاحم - جزاه الله خيرا - بعنوان " مناسك الصبيان " .
وقد جمع فيه - حفظه الله - جملة من المسائل الخاصة بالصبيان . ولحاجتنا لمثل هذا الموضوع في هذه الأوقات رأيت أنه من المواضيع التي لابد من طرحها وذلك بعد أن عرضت الأمر على بعض إخواننا في سحاب فشجعوني على طرحه - جزاهم الله خيرا - .
وسنذكر في كل حلقة ما يتيسر من المسائل المتعلقة بالموضوع الآنف الذكر .
وها نحن نبدأ بهذا الموضوع نسأل الله أن يكتب لنا الأجر ، وأن ينفع به .
مسألة :
- تكليف غير البالغ بالحج والعمرة :
اتفق أهل العلم على عدم وجوب الحج والعمرة على غير البالغ ، لأن الصبي مرفوع عنه القلم .
الدليل :
قال علي لعمر رضي الله عنهم : أما علمت أن القلم رُفع عن المجنون حتى يُفيق وعن الصبي حتى يُدرك وعن النائم حتى يستيقظ .
رواه البخاري تعليقا مجزوما به (12/123) .
مسألة :
- صحة حج الصبي وعمرته :
اختلف أهل العلم في حكم حج الصبي على قولين ، والصحيح أن حجه صحيح ويثاب عليه ، وهو قول جمهور العلم بل حكى بعض أهل العلم الإجماع .
الدليل :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال : من القوم ؟ قالوا : المسلمون ، من أنت ؟ فقال : أنا رسول الله . فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر .
رواه مسلم (1336) .
مسألة :
- إجزاء حج الصغير عن حجة الإسلام :(1/1)
اختلف أهل العلم في إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام على قولين ، والصحيح أنها لا تجزي فعليه أن يؤدي الصبي الحج مرة أخرى بعد بلوغه ، وهذا قول جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة بل حكى بعضهم الإجماع .
قال ابن المنذر في الإجماع (ص68) : وأجمعوا على أن المجنون إذا حج به ثم صح أو حج بالصبي ثم بلغ أن ذلك لا يجزيهما عن حجة الإسلام .
وقال ابن قدامة في المغني : أجمع أهل العلم ، إلا من شذ عنهم ممن لا يعتد بقوله خلافا ، على أن الصبي إذا حج حال صغره ... ثم بلغ أن عليه حجة الإسلام ، إذا وجد إليها سبيلا .
وقال الترمذي في جامعه (3/256) : وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك .
الدليل :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ....الحديث .
رواه ابن أبي شيبة ، وقد صححه جمع من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/220) والألباني في الإرواء (4/159) .
مسألة :
- بلوغ الصبي في أثناء الحج :
- إذا بلغ الصبي في أثناء الحج قبل أن يحرم ، فأحرم بالحج ونوى به حجة الإسلام وأتى بأركانه ، فلا خلاف بين أهل العلم في وقوعها عن حجة الإسلام .
قال ابن قدامة في المغني : فإن بلغ الصبي بعرفة أو قبلها غير محرم ، فأحرم ووقف بعرفة ، وأتم المناسك أجزأه عن حجة الإسلام ، لا نعلم فيه خلافا .
- إذا بلغ بعد أن تلبس بالإحرام :
= إن بلغ قبل فوات وقت الوقوف بعرفة فقد اختلف أهل العلم في إجزاء تلك الحجة على أربعة أقوال ، والصحيح من هذه الأقوال أنه يجزئه ، إذا بلغ في عرفة ، أو بعد خروجه منها إذا عاد فوقف في وقته وهو قول الشافعية والحنابلة .
الدليل :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : الحج عرفة ، فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه .
رواه أحمد (4/309) وأبوداود والترمذي (2975) وقال : هذا حديث حسن صحيح .(1/2)
= إن بلغ بعد فوات وقت الوقوف بعرفة ، فلا خلاف بين أهل العلم في أن ذلك لا يجزئه عن حجة الإسلام .
فائدة :
الطواف في العمرة كالوقوف في الحج ، فإذا بلغ قبل الطواف أجزائه عن عمرة الإسلام وكذا لو بلغ فيه ، وإن بلغ بعد فلا .
مسألة :
- ما يعرف به البلوغ :
ما اتُفق على أنه من علامات البلوغ :
(1) الإنزال :
اتفق أهل على أن البلوغ يحصل بالإنزال لا فرق بين الغلام والجارية وهو خروج المني فكيفما خرج في يقظة أو منام بجماع أو احتلام أو غير ذلك حصل البلوغ .
الدليل :
قال تعالى : " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " (النور :59) .
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم ....
رواه أبوداود (4403) والترمذي (1423) وقال : حديث حسن غريب . وصححه الألباني في الإرواء (2/5-6) بطرقه .
فرع : حمل الجارية علم على البلوغ بالاحتلام لأن الله تعالى أجرى العادة أن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل وماء المرأة . فمتى حملت حُكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه .
(2) الحيض :
الحيض علامة على البلوغ لا خلاف في ذلك بين أهل العلم . الدليل :
قول النبي صلى الله عليه : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار .
رواه أبوداود (641) والترمذي (377) وقال : حديث حسن . وصححه الألباني في الإرواء (1/214) .
ما وقع فيه الخلاف :
(3) الإنبات :
وهو أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل أو فرج المرأة الذي استحق أخذه بالموسى لا الغب الضعيف فلا اعتبار به .
وقد اختلف العلماء في كونه علامة على البلوغ على قولين والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من كونه علامة على البلوغ .
الدليل :
عن عطية القرظي قال : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكّوا فيّ فأمر النبي صلى الله عليه أن ينظر إليّ هل أنبت بعد فنظروا إلي فلم يجدوني أنبت بعد فألحقوني بالذرية .(1/3)
رواه أبوداود (4404) والترمذي (1584) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(4) البلوغ بالسن :
اختلف العلماء في كونه مما يعتبر به البلوغ على قولين والصحيح أنه طريق لمعرفة البلوغ .
وقد اختلف العلماء في تحديد السن التي يكون معها البلوغ على ثلاثة أقوال والصحيح من هذه الأقوال أنه يحصل ببلوغ الخامسة عشرة .
الدليل :
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، فلم يجزني ، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني . قال نافع : فقدمت على عمر بن عبدالعزيز وهو خليفة فحدثته الحديث فقال : إن هذا لحد بين الصغير والكبير ، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة .
رواه البخاري (2664) ومسلم (1868) .
- في أعمال الحج :
مسألة :
في عقد الإحرام :
اتفق أهل العلم ممن قال بمشروعية الحج بالصبي على وجوب عقد الإحرام في بداية دخوله بالنسك ، مثله مثل غيره من البالغين .
مسألة :
في كيفية عقد إحرام الصبي :
فرق أهل العلم بين أن يكون الصبي مميزا أو غير مميز .
1 - في إحرام المميز :
وقد اختلف أهل العلم في حقيقة التميز على قولين :
القول الأول : أن المميز هو الذي يفهم الخطاب ، قال النووي في المجموع (7/28) : الصواب في حقيقة الصبي المميز أنه الذي يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ونحو ذلك ، ولا ينضبط ذلك بسن مخصوص ، بل يختلف باختلاف الأفهام .ا.هـ.
وهذا مذهب المالكية وصوبه المرداوي في الإنصاف (3/19) .
القول الثاني : أن المميز من بلغ سبعا ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر …الحديث .
رواه أحمد ، وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند (6689) . وهذا الرأي عند جمهور الحنابلة .
وإحرام المميز يكون على فرعين :
1 - في إحرامه بإذن الولي :(1/4)
إذا كان الطفل مميزا فإنه يحرم بنفسه ، بإذن وليه ويصح إحرامه في قول عامة أهل العلم .
2 - في إحرامه بغير إذن وليه :
أما حكم إحرام الصبي بغير إذن وليه فيه قولان ، والصحيح أن إحرامه ينعقد بدون إذن الولي لأن له قصدا صحيحا فصح منه .
2 - في إحرام غير المميز :
الفرع الأول :
عقد الولي للإحرام عنه .
اتفق أهل العلم ممن قال بصحة الحج بالصبي على أن الصبي غير المميز لا ينعقد إحرامه بنفسه وإنما يحرم عنه وليه .
الفرع الثاني :
عقد الولي للإحرام في غيبة الصبي .
نقل النووي لأصحابه الشافعية وجهين في ذلك ، والصحيح أنه لا يشترط ، لأن المقصود نية الولي ، وذلك يصح ويوجد في غيبة الولي .
الفرع الثالث :
شرط الولي الذي يصح منه الإحرام عن الصغير .
- هل من شرط الولي الذي يحرم عن الصغير ألا يكون قد أحرم لنفسه ؟
اختلف أهل العلم على قولين ، والصحيح أنه ليس بشرط فعلى هذا يصح أن يعقد الإحرام عنه سواء كان محرما ، أو حلالا ، ممن عليه حجة الإسلام ، أو كان قد حج عن نفسه .
مسألة :
هيئة الصبي حال الإحرام :
قال أهل العلم : فيغسله الولي عند إرادة الإحرام ، ويجرده عن المخيط ، ويلبسه الإزار والرداء ، والنعلين ، إن تأتى منه المشي ، ويطيبه ، وينظفه ، ويفعل ما يفعل الرجل ، ثم يحرم بإذن الولي إن كان مميزا ، وإلا أحرم عنه الولي كما سبق .
وذهب إلى هذا القول جمهور أهل العلم .
مسألة :
تأخير إحرام الصبي :
اختلف أهل العلم في حكم الصبي في التجريد وفي عقد الإحرام على قولين والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن حكمه حكم الكبير ولا فرق ، لعد الدليل على الفرق .
مسألة :
تلبية الولي عن الصبي :
لقد ذكر الجمهور أن ما عجز عنه الصبي عمله الولي عنه .(1/5)
فعلى هذا إن كان الصبي مميزا لبى عن نفسه ، وإن كان غير مميز لبى الولي عنه . ويشهد لهذا حديث جابر رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم .
رواه الترمذي (927) بلفظ : فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان ، وقال : هذا حديث غريب . لانعرفه إلا من هذا الوجه .
ورواه ابن ماجة (3038) .
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/270) : فيه أشعث بن سوار وهو ضعيف .
- محظورات الإحرام للصبي :
مسألة :
في تجنيب الصبي محظورات الإحرام :
قال أهل العلم : ويلزم الولي تجنيبه ما يجتنبه الكبير من محظورات الإحرام من التطيب وتغطية الرأس للذكر وحلق الشعر ولبس المخيط وتقليم الأظافر ومباشرة النساء والجماع وعقد النكاح والصيد .
فإن كان الصبي أنثى فتجتنب ما يجتنبه الرجل إلا في اللباس وتغطية الرأس وتزيد بمنعها من لبس القفازين والنقاب وآكد منه البرقع .
وإنما يجب تجنبيه ما يجتنبه الكبير فلأن الحج يصح له بحكم ما صح من النص وإذا صح له ترتبت أحكامه ومن أحكامه تجنب ما ذكر وهو لا يخاطب بخطاب تكليفي فوجب على الولي أن يجنبه ذلك كما وجب عليه تجنيبه سائر المحرمات في غير الحج .
مسألة :
حكم الفدية على الصبي :
إذا ارتكب الصبي شيئا من محظورات الإحرام كأن غطى رأسه أو حلق شعرا أو باشر أو قتل صيدا فهل يلزمه في ذلك ما يلزم الكبير ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين والصحيح أنه لا يلزمه شيء في ارتكاب المحظور وهو قول الحنفية وابن حزم ومال إليه صاحب الفروع من الحنابلة .
مسألة :
في رفض الصبي للإحرام :
إذا أحرم الصبي بالحج أو العمرة فهل يلزمه إتمام ما أحرم به ؟
اختلف أهل العلم على قولين والصحيح عدم لزوم المضي فيما أحرم به الصبي وذلك لأن الصبي ليس من أهل الالتزام ولأنه أرفق بالناس إذ قد يظن الولي أن الأحرام به سهل ثم يتبين له أن الأمر بخلاف ذلك .(1/6)
وهذا قول الحنفية وابن حزم وصاحب الفروع من الحنابلة واختاره من المتأخرين محمد بن عثيمين حفظه الله .
مسألة :
في الوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة ومنى :
قال أهل العلم : ولابد من وقوف الصبي في عرفات بلا خلاف سواء المميز و غيره وسواء أحضره الولي بنفسه أو غيره ولا يكفي حضور الولي عنه .
مسألة :
في وقت الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة :
اتفق أهل العلم على أن السنة تأخير الدفع من مزدلفة حتى يسفر .
واختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه الدفع للأقوياء .
فإذا كان من الضعفة كالصبيان والنساء أو ممن مع هؤلاء أو أحدهم استحب له بلا خلاف بين أهل العلم التقدم والدفع قبل الناس ورمي جمرة العقبة .
الدليل :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قيله وقبل حطمة الناس . وكانت امرأة ثبطة فأذن لها .
متفق عليه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة اهله .
متفق عليه .
- في رمي الجمار :
مسألة :
في تكليفه في رمي الجمار :
قال أهل العلم إذا قدر الطفل على أن يرمي بنفسه أمره الولي به وإلا رمى عنه .
مسألة :
في صفة رمي الولي عنه :
قال أهل العلم : وبستحب أن يضع الحصاة في يد الطفل ثم يأخذ بيده ويرمي بالحصاة وإلا فيأخذها من يده ثم يرميها الولي .
ولو لم يضعها في بل رماها الولي ابتداء جاز .
مسألة :
في بداية الولي في رميه عن نفسه :
قال أهل العلم : وعلى الولي أن يبدأ في رميه عن نفسه فإذا رمي ونوى عن نفسه أو أطلق وقع عن نفسه .
مسألة :
في رمي الولي عنه وعن الصبي بحصاتين معا :
اختلف أهل العلم في حكم رمي الولي عنه وعن الصبي بحصاتين معا على قولين والراجح ما ذهب إليه الجمهور أنه لا يجزىء عنهما .
تمت(1/7)
هل مشقّة الحجّ تجلب التيسير الفقهيّ؟
د.مسفر بن علي القحطاني
رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية
بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن
</TD< tr>
اقترب موعد الحج لهذا العام، واقتربت معه الكثير من الملفات التي لا تُفتح إلا في الحج، ولا يتمّ مناقشتها إلا أثناء الموسم، ولعل من أهمها ما يتعلق ببعض الفتاوى، و مستجدّات الحج ونوازله الفقهية كأحكام الرمي قبل الزوال، وبعض محظورات الإحرام المعاصرة، والتقديم والتأخير في ترتيب بعض المناسك وغيرها من المسائل التي تزداد مع تطور الوسائل وتشابك الحياة المعاصرة.
وكما نلحظ التطوّر الكبير في خدمة الحجيج، واليُسر في بلوغ الحج والوصول إليه مهما بعُدت الشُقَّة. نلحظ كذلك التزايد المطّرد لأعداد الحجيج، وما ينجم عنه من تزاحم عنيف ومضايقة شديدة أثناء تأدية المناسك. مما أدّى إلى تغيّر اجتهاد كثير من العلماء والمفتين في كثير من المسائل، ومخالفة المشهور من المذاهب تخفيفاً على الناس من الضيق والحرج، والعمل بفقه التيسير في أحكام الحج ونوازله المستجدّة.
وكم سيحصل للناس من شدّه وكرب، وربما موت وهلاك لو تمسّك أولئك الفقهاء بأقوال أئمتهم، أو أفتَوْا بها دون اعتبار لتغير الأحوال والظروف واختلاف الأزمنة والمجتمعات.
فرَمْي الجمار في أيام التشريق يبدأ من زوال الشمس حتى الغروب، وعلى رأي الجمهور من الفقهاء لا يجزئ الرمي بعد الغروب.. ومع ذلك اختار كثير من المحققين وجِهات الافتاء، جواز الرمي ليلاً مراعاة للسّعة والتيسير على الحجاج من الشدّة والزحام.
ولعل الداعي يتأكد لمعاودة النظر في حكم الرمي قبل الزوال وخصوصاً للمتعجّل في اليوم الثاني من أيام التشريق؛ لما ترتب على الرمي بعد الزوال في السنوات الماضية من ضيق وحرج شديدين.(1/1)
ولا يخفى أن القاعدة في أعمال الحج كما أنها قائمة على العمل بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في "خذوا عني مناسككم"، فإنها قائمة أيضاً على رفع الحرج واليسر كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "افعل ولا حرج"، وقد أفتى بالجواز في هذه المسالة بعض الأئمة من التابعين، وهو مذهب الأحناف وقول بعض الفقهاء المعاصرين.
إن فقه التيسير لا يعني المروق من الدين، أو الانحلال والتفريط في العمل بأحكام الشرع الحنيف، بل هو منهج علمٍ، ومدرسة فقهٍ، وطريق فُتيا وحياةٍ أمثل للمسلمين.
فالتيسير ورفع الحرج عن المكلفين إذا لم يُصادم نصاً صريحاً أو إجماعاً معتَبَراً، وكان متفقاً مع أصول الشرع الكلية، ومقاصده العامة مراعياً تبدّل الأزمان والأماكن وتغيّر الظروف والأحوال؛ فهذا مما ينبغي العمل به، وجريان الفُتْيا عليه، فأزمان المحن والشدائد ليست كأزمان السعة والاستقرار، وأحوال الخائفين ليست كأحوال الآمنين، ومن وقع في ضرورةٍ أو حاجةٍ ليس حاله كحال من هو في السّعة والطمأنينة.
وهذا ما كان معروفاً من هديه -صلى الله عليه وسلم- ووصيته المتكررة لأصحابه:" يسّرا ولا تُعَسّرا وبشّرا ولا تُنفّرا": لهذا جاء في وصفه كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) يقول عمر بن إسحاق: " لمَنْ أدركت من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر لمن سبقني منهم فما رأيت قوماً أيسر سيرة ولا أقل تشدّداً منهم" وقال سفيان بن عيينة عن معمر: "إنما العلم أن تسمع بالرخصة من الثقة فأما التشديد فيحسنه كلّ أحد". والقاعدة الكبرى في الباب تنص على أن المشقة تجلب التيسير .. فهل مشقة الحج المعاصر تجلب التيسير في فقهنا المعاصر؟!(1/2)
هل الأجر على قدر المشقة أم على قدر المنفعة ؟
فايز سعيد الزهراني
الشق والمشقة هي الجهد والعناء ، ومنه قوله تعالى : { إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ }
(النحل : 7) ، ومنه الشقة وهي السفر البعيد ، والشقة : بعد مسير إلى الأرض
البعيدة والسفر الطويل [1] .
والنفع ضد الضر [2] وهو ما يستعان به على الوصول إلى الخير ، ولعله
يتبادر إلى الذهن أن المنفعة هي ما كانت متعدية فقط وليس كذلك ؛ بل تشمل إضافة
إلى كونها متعدية : ما يعود على العامل من تأس بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
وصلاح للقلب وغير ذلك من الأمور التي تتشوف إليها الشريعة .
والسؤال هنا : هل مقدار الأجر يكون على المشقة والجهد المبذول في العمل
أم هو على ما ينتج عن العمل من منفعة وخير وصلاح ؟
وإن كانت المسألة في كتب القواعد الفقهية ونحوها إلا أن لها علاقة كبيرة
بالدعوة إلى الله والعمل لهذا الدين ، وهذه هي ثمرة الفقه : إعماله فيما نسعى إليه
من عبادات ودعوة إلى الله وعمل لهذا الدين . كما أن هذا من البصيرة التي أمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه أن يدعو إلى الله عليها ، قال سبحانه : { قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } ( يوسف : 108 ) ، وبإعمال القواعد
الفقهية وغيرها .
وتكمن أهمية هذه المسألة في جوانب ، من أهمها : خطورة العمل الارتجالي
سواء كان فردياً أو جماعياً على العامل وعلى الدعوة ؛ حيث تبذل جهود كبيرة في
الدعوة وتنفق أموال طائلة كذلك ، ولكن مع انعدام فقه هذه المسألة . ويرى هذا
العامل أو المنفق أنه كلما ازداد عملاً ومشقة ازداد أجراً دون أن ينظر إلى ما يمكن
أن ينتجه العمل من ثمار ودون أن يقيّمه ، فيقل الأجر أو قد يفسد من حيث يريد
الإصلاح .
والحاصل أن هناك لبساً في المسألة أدى إلى مفاسد كإهدار الجهود ،
والفوضوية ، وفقد التوازن وغيرها ... وللتفصيل فيها نبيّن أقوال أهل العلم فيها .(1/1)
القول الأول : إن الأجر على قدر المشقة ، وهو منسوب إلى القرافي [3]
والسيوطي رحمهما الله تعالى ، قال القرافي : « والأصل أن قاعدة كثرة الثواب كثرة
الفعل ، وقاعدة قلة الثواب قلة الفعل ؛ فإن كثرة الأفعال في القربات تستلزم كثرة
المصالح غالباً » [4] . وقال السيوطي في القاعدة التاسعة عشرة : « ما كان أكثر
فعلاً كان أكثر فضلاً » [5] ؛ ومن ثم كان فصل الوتر أفضل من الوصل لزيادة النية
والتكبير والسلام ، وصلاة النفل قاعداً على النصف من صلاة القائم ، ومضطجعاً
على النصف من القاعد ، وإفراد النسك أفضل من القِران .
وأشار السعدي [6] إليها وذكر أدلة القائلين بذلك :
أولاً : قول الله تعالى : { مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن
يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ
نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ
نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً
صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ } ( التوبة : 120-121 ) .
ثانياً : قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : « أجرك على قدر
نصبك » [7] .
ثالثاً : قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أي الأعمال أفضل ؟ قال :
« أحمزها » [8] ، وأحمزها : أقواها وأشدّها .
رابعاً : عن جابر رضي الله عنه قال : كانت ديارنا نائية عن المسجد ، فأردنا
أن نبيع بيوتنا فنقترب من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال :
« إن لكم بكل خطوة درجة » [9] .(1/2)
خامساً : عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد
من المسجد منه ، وكان لا تخطئه صلاة ، قال : فقيل له أو قلت له : لو اشتريت
حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء . قال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب
المسجد ، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ، ورجوعي إذا رجعت إلى
أهلي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قد جمع الله لك ذلك كله » وفي
رواية : « إن لك ما احتسبت » [10] .
القول الثاني : إن الأجر على قدر المنفعة . وبه قال العز بن عبد السلام و ابن
تيمية و المقري و الشاطبي و ابن حجر رحمهم الله تعالى .
قال العز بن عبد السلام : « قد علمنا من موارد الشرع ومصادره أن مطلوب
الشرع إنما هو مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، وليست المشقة مصلحة ، بل الأمر
بما يستلزم المشقة بمثابة أمر الطبيب المريض باستعمال الدواء المرّ البشع ، فإنه
ليس غرضه إلا الشفاء » [11] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : « ومما ينبغي أن يعرف أن الله ليس
رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كلما
كان أشق كان أفضل ، كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في
كل شيء ؛ لا ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته ، وعلى
قدر طاعته أمر الله ورسوله ؛ فأي العملين كان أحسن وصاحبه أطوع وأتبع كان
أفضل ؛ فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة ، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب
حال العمل » [12] . وقال : « ولكن خير الأعمال ما كان لله أطوع ولصاحبه
أنفع » [13] ، قال المقري : « الأجر على قدر تفاوت جلب المصالح ودرء المفاسد ؛
لأن الله عز وجل لم يطلب من العباد مشقتهم ، ولكن الجلب والدفع » [14] .
وقال الشاطبي : « ليس للمكلف أن يقصد المشقة في التكليف نظراً إلى عظم
أجرها ؛ فإن المقاصد معتبرة في التصرفات فلا يصلح منها إلا ما وافق الشارع .(1/3)
فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع من حيث إن الشارع لا
يقصد بالتكليف نفس المشقة ، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل ، فالقصد إلى
المشقة باطل ، فهو إذن من قبيل ما ينهى عنه ، وما ينهى عنه لا ثواب فيه بل فيه
الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم ، فطلب الأجر بقصد الدخول في
المشقة : قصد مناقض » [15] .
وقال ابن حجر معقباً على النووي في قوله : ( ظاهر الحديث « أجرك على
قدر نصبك » أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة ) : « وهو
كما قال ، لكن ليس ذلك بمطرد ، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر
فضلاً وثواباً بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليالٍ من رمضان
غيرها ، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعتين
في غيره ، وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة إلى أكثر من
عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة ، وكدرهم من الزكاة
بالنسبة إلى أكثر من التطوع » [16] .
ما استدل به أهل هذا القول :
أولاً : الاستقراء ؛ حيث استقرأ العلماء مصادر الشريعة ومواردها فوجدوا
أنها لا تقصد الأمر بالشاق ، ولا ترتب عليه كثرة الأجر بالدرجة الأولى [17] .
والاستقراء قطعي ضروري لا يُناهض بأقل منه .
ثانياً : الأحاديث ، ومنها :
1 - عن عقبة بن عامر أنه قال : نَذَرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية ،
فقال صلى الله عليه وسلم : « إن الله لغني عن نذرها ، مُرها فلتركب » [18] .
2 - حديث جويرية رضي الله عنها في تسبيحها بالحصى أو النوى وقد دخل
صلى الله عليه وسلم عليها ضحى ، ثم دخل عليها عشية ، فوجدها على تلك الحال ،
فقال لها : « لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ، لو وزنت بما قلتِ منذ اليوم
لرجحت » [19] .
3 - قوله : « إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ؛ فسددوا وقاربوا(1/4)
وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ، والقصد القصد
تبلغوا » [20] .
4 - أن النبي رأى رجلاً قائماً في الشمس ، فقال : « ما هذا ؟ » قالوا :
هذا أبو إسرائيل ، نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ، ويصوم .
فقال : « مروه فليجلس وليتكلم وليتم صومه » [21] .
وناقش الفريق الثاني أدلة القائلين بأن الأجر على قدر المشقة ، وكانت
ردودهم كما يلي :
1 - وجَّه المقري الحديثين « أجرك على قدر نصبك » و « أفضل العبادات
أحمزها » بأن ما كثرت مشقته قلَّ حظ النفس منه ، فكثر الإخلاص فيه ، وبالعكس
فالثواب في الحقيقة مرتب على الإخلاص لا المشقة » [22] .
2 - رد الشاطبي وغيره على من استدل على أن الشريعة تقصد إلى التكليف
بالشاق [23] بأمور :
أولاً : أن الأخبار الواردة في ذلك أخبار آحاد في قضية واحدة لا ينتظم منها
استقراء قطعي ، والظنيات لا تعارض القطعيات .
ثانياً : هذه الأحاديث لا دليل فيها على قصد المشقة ؛ فحديث جابر جاء بما
يفسره عند البخاري في زيادة مفادها « أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم ،
فينزلوا قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فكره رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، أن يعروا المدينة ، فقال : « ألا تحتسبون آثاركم ؟ ! » [24] ، قال ابن
حجر : « نبه بهذه الكراهة على السبب من منعهم من القرب من المسجد ، لتبقى
جهات المدينة عامرة بساكنها » [25] .
ثالثاً : إن ما أوردوه معارض بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين
أرادوا التشديد بالتبتل حين قال أحدهم : « أما أنا فأصوم ولا أفطر » ، وقال
الآخر : « أما أنا فأقوم ولا أنام » ، وقال الثالث : « أما أنا فلا آتي النساء » ؛
فأنكر ذلك عليهم وأخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك كله ، وقال : « من رغب عن
سنتي فليس مني » [26] .
وفي الحديث : « رد التبتل على عثمان بن مظعون ، ولو أذن له لاختصينا »
[27] [28] .(1/5)
3 - أمر آخر يضيفه الشاطبي وهو التدليل على أن الشرع لم يقصد من
التكليف بالمشاق الإعنات فيه بما يلي :
أولاً : النصوص الدالة على ذلك ، كقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
مِنْ حَرَجٍ } ( الحج : 78 ) .
ثانياً : ما ثبت أيضاً من مشروعية الرخص ، كالقصر والفطر ونحوهما .
ثالثاً : الإجماع على عدم وقوعه وجوداً في التكليف ، وهو يدل على عدم
قصد الشارع إليه ، ولو كان واقعاً لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف[29] .
4 - تطبيق قاعدة « الأجر على قدر المنفعة لا المشقة » على الفروع الفقهية
المقررة عند الفريقين ، ومنها :
أ - حديث « ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها » [30]
ب - قوله تعالى : {لّيًلّةٍ پًقّدًرٌ خّيًرِ { لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ( القدر : 3 )
.. إلخ الفروع .
الترجيح :
مما سبق عرضه من الأدلة والأقوال والاعتراضات الواردة عليها يتبين أن
الراجح هو القول الثاني ، للأمور الآتية :
الأدلة العامة القوية التي أفرزت استقراءً قطعياً عند أهل العلم ، بأن الشريعة
تهدف إلى جلب المصالح ودرء المفاسد بوسائل ليس فيها تعنت وتشديد على العباد ،
منها قوله تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ } ( البقرة : 185 ) .
سلامة أدلة القائلين بهذا القول من الاعتراضات ؛ حيث لم يعترض القائلون
بأن الأجر على قدر المشقة على أدلتهم .
أن القائلين بأن الأجر على قدر المشقة ، يتضح من استقراء كلامهم وفحصه
عدم التفضيل مقارنة بالمنفعة ، وإنما بيان أن المشقة في طريق العبادة تكون في
ميزان حسنات العامل وأنها لا تضيع ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
« أجرك على قدر نصبك » ، فكلامهم ابتدائي وليس مقارناً ، وتفصيل ذلك : أن
القرافي في بداية الفرق الذي ذكر فيه قاعدة الثواب على كثرة العمل ، قال : « اعلم(1/6)
أن الأصل في كثرة الثواب وقلّته ، وكثرة العقاب وقلّته أن يتبعا كثرة المصلحة في
الفعل وقلّتها » [31] . وفي كلامه الذي ذكرناه أولاً . كما أن كلام السيوطي ونص
قاعدته : « ما كان أكثر فعلاً كان أكثر فضلاً » [32] ليس فيه مقارنة بالأنفع ؛
ولذلك أخرج من هذه القاعدة اثنتي عشرة صورة فقهية تتفرع عنها غيرها [33] .
والسعدي مثلهما ، ودليل ذلك أنه لما ذكر القاعدة عقب عليها بقوله : « ويبين
مع ذلك أن تسهيله لطريق العبادة من مننه وإحسانه ، وأنها لا تنقص الأجر
شيئاً » [34] ، ثم إنه في شرحه لهذه القاعدة بيَّن أن ما تفضي إليه هذه المشقات هو
خير ومصلحة أعظم من المشقة في العمل .
ويفهم من خلال ذلك أن ما أوردوه لا يدخل أصلاً في محل النزاع ، ففي
المسألة أمور تجدر الإشارة إليها :
أولاً : إذا كان في العمل مشقة فالثواب على تحمل المشقة لا على عين المشاق ؛
إذ لا يصح التقرب بالمشاق ؛ لأن القرب كلها تعظيم للرب سبحانه وتعالى ،
وليس عين المشاق تعظيماً ولا توقيراً ، نص على ذلك العز بن عبد السلام رحمه
الله [35] .
ثانياً : أن الأعمال الصالحة قد لا تحصل إلا بمشقة : كالجهاد والحج والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم ، فيحتمل تلك المشقة ويثاب عليها لما
يعقبه من المنفعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما
اعتمرت من التنعيم عام حجة الوداع : « أجرك على قدر نصبك » ؛ نص على
ذلك ابن تيمية رحمه الله [36] ؛ فالمراد الأول حصول العمرة ، فتعبها في سبيل
الحصول على العمرة هو الذي أجرت عليه .
ثالثاً : يتفرع من القاعدة أن المشقة لا تكون سبباً لفضل العمل ورجحانه [37]
ولذلك قال ابن تيمية : « إذا كانت فائدة العمل منفعة لا تقاوم مشقة ، فهذا فساد والله
لا يحب الفساد ، ومثال ذلك ما في الدنيا ؛ فإن من تحمل مشقة لربح كثير أو دفع
عدو عظيم ، كان هذا محموداً ، وأما من تحمل كلفاً عظيمة ومشاقاً شديدة لتحصيل(1/7)
يسير من المال أو دفع يسير من الضر ، كان بمنزلة من أعطى ألف درهم ليعتاض
بمائة درهم ، أو مشى مسيرة يوم ليتغدى غدوة يمكنه أن يتغدى خيراً منها في
بلده » [38] .
ومثال ذلك : من حج ماشياً ورفض وسائل الترفيه في الحج من مركب
وتكييف ونحوهما ؛ فإن ذلك فيه جهد ومشقة تستلزم منه مفاسد كالحاجة إلى الراحة
من شدة التعب ، وفقدان الخشوع لضيق النفس ، بينما لو ركب واستعمل هذه
الوسائل لأغنته عن الحاجة إلى الراحة الكثيرة ، ولوجد الطمأنينة وانشراح الصدر
لذكر الله والدعاء ونحوهما من مقاصد الحج .
رابعاً : يستثنى من ذلك ما ذكره العز بن عبد السلام : « إذا اتحد الفعلان في
الشرف والشرائط والسنن والأركان ، وكان أحدهما شاقاً فقد استويا في أجرهما
لتساويهما في جميع الوظائف ، وانفرد أحدهما بتحمل المشقة لأجل الله سبحانه
وتعالى ، فأثيب عليها [39] ، كالاغتسال في الصيف والربيع بالنسبة إلى الاغتسال
في شدة برد الشتاء فإن أجرهما سواء ، ويزيد أجر الاغتسال في الشتاء لأجل تحمل
مشقة البرد ؛ فليس التفاوت في نفس الغسلين وإنما التفاوت فيما لزم عنهما [40] .
بينما لو قدر على استعمال الماء الدافئ فهو أفضل له من تركه إياه واستعمال الماء
البارد ؛ لأن البارد قد يفوت عليه بعض المصالح كاستشعار عظمة العبادة وإسباغ
الوضوء ، وقد يؤدي إلى ضرر ؛ ولذلك لما كره فقهاء الحنابلة التطهر بالماء الذي
اشتد حره أو برده ؛ عللوا ذلك بأنه يؤذي ويمنع كمال الطهارة » [41] .
خامساً : وهي مهمة جداً بل تمثل أصلاً يبنى عليه البحث : أنه لا ينبغي
تسمية الأعمال الصالحة تكليفاً ؛ لأن النصوص لم تورد هذا اللفظ إلا في موضع
النفي قال تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ( البقرة : 286 ) ولما يشعر
هذا اللفظ بقصد المشقة في الشريعة ، بل إن أوامرها هي قرة العيون وقوام الحياة
وصلاحها [42] .
وأخيراً :(1/8)
فما أجدر الدعاة إلى تفهم هذه القاعدة ، وتلقينها لكل من سلك طريق الدعوة ؛
حيث يطغى الحماس أحياناً خدمة لدين الله سبحانه ونشراً لدعوة الله ، فيرى السالك
أنه كلما بذل جهداً ازداد أجراً دون النظر إلى العائد الذي يعود به على الدعوة ، فيقع
في الخبط والفوضى ، وأحياناً يفسد أكثر مما يصلح .
فكانت هذه القاعدة لتبين لهذا الصنف أنه ليس المقصود أن يتعب نفسه بل
المقصود نشر الدين ، وإن أدى ذلك إلى جهد ومشقة فلن يحرم أجرها ، { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ
وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ
* وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ
أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( التوبة : 120-121 ) .
كما أن هذه القاعدة تحتاج إلى اجتهاد في تحقيق المناط والموازنة بين المشقة
المصاحبة للعمل والمنفعة العائدة من العمل ، فإنه كثيراً ما تبذل جهود عظيمة لخدمة
دين الله ونشر الدعوة ، وبمقارنة مع المنفعة تكون إهداراً للطاقات والجهود في غير
المكان المناسب ، وهذا لا ينبغي في دين الله .
لذا وجب الرجوع إلى العلماء العاملين الربانيين أهل الفقه في دين الله ،
والبصيرة بالدعوة إلى الله ، والخبرة في ميدان العمل ، فهم أهل الاجتهاد في هذا
الباب ، ويجب الرجوع إليهم والانتظام معهم ؛ لتتوجه الطاقات والجهود المهدرة إلى
المكان المناسب ، في الظرف المناسب ، للمرحلة المناسبة .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ،
ومن تبعهم إلى يوم الدين .
________________________
(1) لسان العرب (10/183 184) .
(2) لسان العرب (8/358) .(1/9)
(3) نسبه المقري في القواعد (2/411) ، وتابعه صاحب رسالة القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية (234) .
(4) الفروق (2/235) .
(5) الأشباه والنظائر (268) .
(6) انظر : القواعد الحسان (132) .
(7) البخاري (1/541) رقم 1787 ، و مسلم (2/877) رقم 1211 .
(8) قال ملاّ علي القاري في الأسرار المرفوعة : (قال الزركشي : لا يعرف وسكت عليه السيوطي وقال ابن القيم في شرح المنازل : لا أصل له قلت : ومعناه صحيح لما في الصحيحين عن عائشة وهو في النهاية لابن الأثير منسوب لابن عباس) ا هـ ، ص 100 وانظر : النهاية (1/441) وقال العجلوني في كشف الخفاء : (قال في الدرر تبعاً للزركشي : لا يعرف وقال ابن القيم في شرح المنازل : لا أصل له وقال المزي : هو من غرائب الحديث ولم يرو في شيء من الكتب الستة) ا هـ ، ص (175) وانظر : مدارج السالكين (1/106) .
(9) مسلم (1/461) كتاب المساجد ، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد ، رقم 664 .
(10) مسلم (1/460) كتاب المساجد ، باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد ، رقم 663 .
(11) قواعد الأحكام (1/31) .
(12) مجموع الفتاوى (25/281) .
(13) مجموع الفتاوى (22/313) .
(14) القواعد (2/411) .
(15) انظر : الموافقات (2/222) .
(16) فتح الباري (3/611) حديث رقم 1787 .
(17) انظر : قواعد الأحكام (1/31) .
(18) مسلم (3/1264) رقم 1644 ، و أبو داود (3/234) رقم 3295 إلى 3304 .
(19) مسلم (4/2090) رقم 2726 .
(20) البخاري (1/ 29) رقم 39 .
(21) البخاري (4/ 229) رقم 6704 .
(22) القواعد للمقري (2/ 411) .
(23) لأنه يلزم من قولنا : الأجر على قدر المشقة : التكليف بالشاق ، أي أن الشريعة تأمر العباد بما يشق عليهم .
(24) البخاري (1/ 218) رقم 656 .
(25) فتح الباري (2/140) .
(26) البخاري (3/ 354) رقم 5063 .
(27) البخاري (3/ 356) رقم 5073 .
(28) انظر : ردود الشاطبي في الموافقات (2/ 225 -229) .
(29) انظر : الموافقات (2/210) .(1/10)
(30) مسلم (1/ 501) رقم 725 .
(31) الفروق (2/233) .
(32) الفروق (2/235) .
(33) انظر : الأشباه والنظائر (268) .
(34) انظر : القواعد الحسان (132 -133) .
(35) قواعد الأحكام (1/30) .
(36) مجموع الفتاوى (25/282) .
(37) مجموع الفتاوى (25/282) .
(38) مجموع الفتاوى (10/262) .
(39) قواعد الأحكام (1/30) .
(40) قواعد الأحكام (1/30) .
(41) انظر : الإنصاف (1/25) ، ومنار السبيل (1/9) .
(42) مجموع الفتاوى (1/25 -26) .(1/11)