مقدمة
إنّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له.
وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه.
$pkڑ‰r'¯"tƒ { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } [آل عمران: 102].
$pkڑ‰r'¯"tƒ { النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } [النساء: 1].
$pkڑ‰r'¯"tƒ { الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ ¼م&s!qك™u'ur
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) } [الأحزاب: 70-71].
أما بعد : فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي , هدي محمد , وشرَّ الأمور محدثاتها , وكلَّ محدثة بدعة , وكلَّ بدعة ضلالة , وكلَّ ضلالة في النَّار.
وبعد : فهذه ورقات لِلَّهِ في لباس المرأة - التي تخشى الله وتتَّقيه - وهي مجموعة من كتْب أهل العلم الموثوقين , تلخِّص ما يلزم المرأة المسلمة في اللِّباس خارج البيت .
والدَّافع إلى جمع هذه الورقات هو المساهمة في نشر الفضيلة وحمايتِها وحفاظًا على الأعراض ,و تثْبيتا لأهل النَّخوة, وتعليمًا لكثيرمن المسلمات هذه المسائل , وبخاصَّة أنَّ كثيرا من كتب أهل العلم التي بحثتها توسَّعت كثيرا في المناقشات والرُّدود , ومع ضعف الهِمم ؛ زهد فيها بعض
الأخوات , والبعض الآخر قرأنَها ولم يكد يحصِّلن شيئا .(1/1)
فأردتُ أنْ أقرِّب هذه المسائل المهمَّة إلى الأخت الكريمة بل قد تكون وسيلة دعوية - إنْ شاء الله - عند الأخوات اللائي هداهنَّ الله .
أقول : وكان عُمدتي في هذه الورقات كتْب علاّمة العصر وحافظ الوقت أبي عبد الرحمن محمّد ناصر الدين الألباني- رحمه الله- الفقهية والحديثية وخاصّة " جلباب المرأة المسلمة " الذي لم يؤلف- قبله ولا بعده - مثله , مع عدم إغفالي لكتْب الأُلى الذين بحثوا هذه المسائل .
وسميتها " لباس المرأة المسلمة خارج البيت " .
والحمد لله رب العالمين
وكتب : أبو الأشبال الأثري
?حِرمة التبرُّج :
لا شكَّ أنَّ الله تعالى حرَّم التّبرُّج وعدم التستُّر على المرأة في غير ما آية:
1- قال الله تعالى : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33) } [الأحزاب 33] .
قال مقاتل بن حيان- رحمه الله - :" والتبرُّج أنَّها تلقي الخمار على رأسها ولا تشدُّه ؛ فيواري قلا ئِدها وقرطها وعنقها , ويبدو ذلك كلُّه منها , وذلك التبرّج "(1). تأمَّلي - يرحمك الله - كيف أنَّ التبرّج في الجاهلية الأولى هو أن لا تشدَّ المرأة الخمارَ فيكشف عن عنقها , فماذا - بالله عليك - نقول على نساء اليوم اللاَّتي لا يكدن يلبسن شيئا !!
2 - قال الله تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا
tûَّخژôطuّ9ur بِخُمُرِهِنَّ عَلَى اجتب£`حkح5qمٹم_ } [النور31]
فهذه الآية أيضًا تحرِّم التّكشُّف وتنهى المسلمات عن إبداء زينتهنَّ إلاَّ الزِّينة الظّاهرة " الوجه والكفان " ؛ بل جعل الله تعالى التستُّر سببا
لحفظ الفرج .
3- قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (59) } [الأحزاب59] .
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/488) .(1/2)
وهذا أمر من الله - تعالى - للنّبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر النساء - مطلقا- بالجلباب , والأمر كما هو معلوم - من علم الأصول - يفيد الوجوب .
فعلى المرأة المسلمة التي تريد الجنَّة ؛ أن تطيع ربَّها - جلَّ وعلا - ونبيَّها - صلى الله عليه وسلم - , وقد قال الله - تعالى - : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) } [الأحزاب 36],
وقال أيضا : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) I } [النور63] .
وكذلك من الأدلّة على تحريم التّبرُّج - ووالله لو كان في قلبك إيمان لكفاك هذا - الحديث الرّهيب الذي رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات , على رؤوسهنّ كأسنمة البخت اِلعنوهنَّ فإنَّهنَّ ملعونات "(1)وزاد في حديث آخر من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - " ولا يدخُلن الجنّة ولا يجِدن ريحها , وإنّ ريحها ليوجد من مسافة كذا وكذا "(2).
__________
(1) أخرجه أحمد (7083) وابن حبان (5753) والحاكم في" المستدرك" (8346) والطبراني في "الصغير"(1125) و"الأوسط" (9331) واللفظ له و صححه الألباني في " الصحيحة "(2683) و" صحيح الترغيب" (2043) و" الثمر المستطاب " (1/317) و" جلباب المرأة " (125) .
(2) أخرجه مالك (1626) موقوفا و مسلم (2128) وأحمد (8650- 9678) وابن حبان (7461) والبيهقي في "الكبرى" (3077) وانظر " الصحيحة" (1326) =
= و" صحيح الترغيب " (2044) و" صحيح الجامع " (3799) و" جلباب المرأة" (151) و"غاية المرام"(85) كلها للعلامة الألباني - رحمه الله -.
فائدة : وقع عند مالك - رحمه الله - تحديد المسافة بـ : خمس مائة عام .(1/3)
وهذا الحديث من نبوات ومعجزات النّبي - صلى الله عليه وسلم - التي رأيناها عيانا , فأغلب النّساء كاسيات عاريات و رؤوسهنّ كأسنمة البخت (الإبل) , ويسمِّينها الحلاقة المعاصرة لِلَّهِ وهي في الحقيقة حلاقة الدِّين !!
وفي هذا الحديث لعنٌ للمتبرّجة ؛ بل فيه أمر للمؤمنين - ذكرانا وإناثا - بلعنهنّ لِلَّهِ وقد بيّن فيه أنَّ مصير المتبرّجة يوم القيامة النّار - أعاذكنّ الله - وعدم شمِّ رائحة الجنّة التي توجد على أبعد مسافة لِلَّهِ
وقد قرن النّبي - صلى الله عليه وسلم - التّبرج مع الكبائر من الذَّنوب , كالشِّرك والزِّنى وقتل الأولاد والسّرقة ؛ كما في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال :" جاءت أميْمة بنت رقيقة إلى الرّسول - صلى الله عليه وسلم - تبايعه على الإسلام , فقال : أبايعك
على ألاَّ تشركي بالله شيئا , ولا تسرقي , ولا تزني , ولا تقتلي ولدك ,
ولا تأتي ببهتان تفترينَه بين يديك ورجليك , ولا تنُوحي , ولا تتبرَّجي تبرُّج الجاهلية الأولى "(1)
فتأمّلي لِلَّهِ - يرحمك الله - في هذا جيدا .
ثم إليك - أختاه!- شروط اللّباس الشّرعي الذي تخرج به المرأة :
- - - - -
الشّرط الأوّل : أنْ يكون ساترا لجميع البدن إلاّ الوجه والكفّين .
قال الله تعالى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى اجتب£`حkح5qمٹم_ } [النور31]
وهذا نصٌّ ظاهر في وجوب ستر المرأة بدنها إلاّ ما ظهر من الزّينة . والمراد بالزّينة : الوجه والكفّان كما فسّرها حبر الأمّة ابن عباس - رضي الله عنه - حيث قال :" إلاّ ما ظهر منها ؛ إنّه الوجه والكفّان " .
__________
(1) أخرجه أحمد (6850) والطبراني في " مسند الشاميين" (1390) وحسنه الألباني في " جلباب المرأة " ص(121) .(1/4)
وقال أيضا :" الكف ورقعة الوجه "(1).
وقال ابن عمر - رضي الله عنه - :" الزّينة الظّاهرة : الوجه والكفّان "(2).
وقال مكحول الدّمشقي- رحمه الله-:"الزّينة الظّاهرة : الوجه والكفّان"(3).
وقال عطاء - رحمه الله- :" الزّينة الظّاهرة : الخضاب والكحل "(4).
وهو قول غير واحد من السّلف(5).
وعن عائشة - رضي الله عنها- أنّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق ؛ فأعرض عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا أسماء لِلَّهِ إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض ؛ لم يصلح أنْ يرى منها إلاّ هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفّيه(6).
والوجه من منبت شعر الرّأس إلى أسفل الذّقن طولا, ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضا, والكفاّن هما الراحتان إلى الرِّسغ(7).
وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (59) } [الأحزاب59] .
قال ابن عباس - رضي الله عنه - :" تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به, أي :
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (17003) وصححه الألباني في " الإرواء " (6/200) و" الرد المفحم " (132) .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (17011) بسند صحيح .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه" (17013) بسند صحيح .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه" (17012) بسند صحيح .
(5) أنظر " تفسير الطبري " (19/156-157) و"تفسير ابن كثير "(3/290) .
(6) أخرجه أبو داود (4104) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3034) وحسنه الألباني بطرقه في " صحيح الترغيب " (2045) و" جلباب المرأة " ص(58-59) و" الرد المفحم "ص (79-93) هذا وقد أفرده بالتخريج شيخنا علي الحلبي في رسالة وسمها بـ
" تنوير العينين في طرق حديث أسماء في كشف الوجه والكفين " .
(7) أنظر " جلباب المرأة " ص (41).(1/5)
لا تستُره "(1).
وهذه الأدلة التي سُقناها تُوجب على المرأة ستر جميع بدنها - إلاّ ما استثني - بما في ذلك القدمين ؛ بل قد ورد ما يدلُّ على وجوب سترهما
وهو قوله تعالى : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ (31) } [ النور 31] قال ابن حزم :" هذا نصٌّ على أنّ الرِّجلين والسّاقين ممّا يخفى ولا يحلّ إبداؤُه "(2).
وكذلك حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من جرَّ ثوبه
خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة , فقالت أمّ سلمة : فكيف يصنع النَّساء بذيولهن ؟ قال : يرخينه شبرا , فقالت : إذن تنكشف أقدامهن , قال : يرخينه ذراعا لا يزدن عليه "(3).
قال الإمام البيهقي تعليقا على هذا الحديث : وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها "(4).
قال الألباني - رحمه الله - : " و في الحديث دليل على أنّ قدمي المرأة عورة ، و أنَّ ذلك كان أمرا معروفا عند النساء في عهد النّبوة ، فإنّه لمّا قال - صلى الله عليه وسلم - : " جرِّيه شبرا ، قالت أمّ سلمة : " إذن تنكشف القدمان " ممّا يُشعر بأنّها كانت تعلم أنّ القدمين عورة لا يجوز كشفهما ، و لذلك أمرها - صلى الله عليه وسلم - أنْ تجرّه ذراعا "(5).
__________
(1) أخرجه أبودود في " مسائله " ص(110) وصححه العلامة الألباني في " الرد المفحم " ص(51) .
(2) المحلى (3/217) وانظر " جلباب المرأة " ص(80).
(3) أخرجه الترمذي (1731) والنسائي (5336) وفي "السنن الكبرى" (9735) وصححه الألباني أنظر " الصحيحة " (460) و (1864) و" غاية المرام" (90).
(4) " السنن الكبرى" للبيهقي (2/233) وانظر " جلباب المرأة " ص(81).
(5) " الصحيحة " (1/749) .(1/6)
فتنبّهي - أختي - إلى هذا ؛ " فإنَّ كثيرا من الفتيات المؤمنات يبالغن في ستر أعلى البدن - أعني الرّأس- فيسترن الشّعر والنّحر , ثمّ لا يبالين بما دون ذلك فيلبسن الألبسة القصيرة التي لا تتجاوز نصف السّاق لِلَّهِ أو يسترن النِّصف الآخر بالجوارب اللّحمية التي تزيده جمالا لِلَّهِ وقد تُصلي بعضهنّ بهذه الهيئة فهذا لا يجوز ويجب عليهنّ أنْ يبادرن إلى إتمام السِّتر كما أمر الله تعالى "(1).
- - - - -
? بين الجلباب والحجاب :
لعلّك - أختاه - تنبّهتي إلى قوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (59) } [الأحزاب59] , فما هو الجلباب وما هو الحجاب ,
وما الذي تلبسه المرأة إذا خرجت ؟
أقول : الجلباب هو كما قال الفيروز أبادي : " ثوب واسع للمرأة , أو ما تغطّي به ثيابها من فوق كالملحفة "(2).
وقال الجوهري :" الجلباب : الملحفة , قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا :
تمشي النسور إليه وهي لاهية ** مشي العذارى عليهن الجلابيب(3)
وقال الرّازي :" الجلباب هو الملحفة "(4).
وقال البغوي :" الجلباب هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدّرع والخمار "(5).
وقال ابن كثير :" الجلباب هو الرِّداء فوق الخمار , قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النّخعي وعطاء الخرساني وغير واحد , وهو بمنزلة الإزار اليوم "(6).
__________
(1) " جلباب المرأة " هامش ص(133) .
(2) " القاموس المحيط " (1/49) .
(3) " الصحاح في اللغة " (1/95) و" لسان العرب " (1/272).
(4) " مختار الصحاح " ص(60) .
(5) " تفسير البغوي " (1/376) وانظر " جلباب المرأة " ص(83) للعلامة الألباني .
(6) " تفسير ابن كثير " (3/523) .(1/7)
هذا هو معنى الجلباب عند اللّغويين والمفسّرين , وهو الملاءة أو الملحفة أو الإزار الذي تشتمل به المرأة فوق الدرع والخمار - كما يصنع النّساء عندنا في الشّرق الجزائري - سواء كان من قطعة واحدة أو من قطعتين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" و الجلابيب هي الملاحف التي تعمّ الرّأس و البدن و تسمِّيها العامّة الأُزُر, و تُسمِّي الجلباب : الملاءة"(1).
أمّا الحجاب في الشّرع فله معنيان : الأوّل هو ما تقدّم ؛ أي بمعنى الجلباب الذي يستُر المرأة من قرن رأسها إلى قدمها بالشّروط الشّرعية .
ويدلّ على هذا المعنى ما روته عائشة - رضي الله عنها - في حادثة الإفك
فقالت :" خرجتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما نزل الحجاب ..إلى أن قالت : فأتاني - يعني: صفوان بن المعطّل - فعرفني حين رآني , وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني , فخمرتُ وجهي بجلبابي ..." الحديث(2)فلم تفرّق - رضي الله عنها - بين الحجاب والجلباب وجعلتهما شيئا واحدا .
أمَّا المعنى الثّاني : فهو ما يحجب شخص المرأة من جدار أو ستر ونحوهما , وهذا في البيت عندما تكون غير متجلببة ولا مختمرة ؛ فلا
تبرز على حالها كما قال الله - تعالى - : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (53) } [الأحزاب53].
قال البغوي :" أي : من وراء ستر "(3).
وقال الشَّوكاني :" أي من وراء ستر بينكم وبينهنّ "(4).
__________
(1) " شرح العمدة في الفقه " (4/270) .
(2) أخرجه البخاري (3910) ومسلم (2770) .
(3) " تفسير البغوي " (6/370).
(4) " فتح القدير " (4/422) .(1/8)
وقد أشار لهذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال :" فآية الجلابيب في الأردية عند البروز من المساكن , وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن "(1).
ومن ثمَّ فالحجاب المأمورة به الأخت المسلمة خارج البيت هو الجلباب وليس فقط - كما شاع عند كثير من النّساء - الدّرع والخمار , وإليك جملة من النّصوص تدلّ على هذا مدعّمة بأقوال العلماء .
1- عن أمّ عطية - رضي الله عنها - قالت :" أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحُيَّض وذوات الخدور...
قلت : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لتلبسها أختها من جلبابها "(2).
2- عن عائشة - رضي الله عنها- قالت : " كان الرّكبان يمرّون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها"(3).
3- وعنها أيضا - رضي الله عنها- في الحديث السابق - حديث الإفك- قالت :" فخمرت - وفي رواية : سترتُ - وجهي عنه بجلبابي ..."(4).
4- وعن عاصم الأحول قال :" كنّا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا وتنقّبت به , فنقول لها : يرحمك الله لِلَّهِ قال الله تعالى :
{ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ
__________
(1) " مجموع الفتاوى " (15/448) وانظر " الرد المفحم " ص(10) و" جلباب المرأة" ص(21) كلاهما للعلامة العلم الألباني - رحمه الله - .
(2) أخرجه البخاري (318و344) ومسلم (890) واللفظ له وأحمد (20812) وغيرهم.
العواتق : جمع عاتق وهي المرأة أول ما تبلغ , وذوات الخدور : جمع ذات خدر وهي التي خدرت في بيت أهلها و لم تتزوج .
(3) أخرجه أحمد (24067) و أبو داود (1833) وابن ماجة (2935) وغيرهم وسنده حسن في الشواهد كما قال الألباني في " الإرواء " (1024) و" جلباب المرأة" ص (107) .
(4) متفق عليه وقد مر ص (18) .(1/9)
îy$oYم_ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ (60) } [النور 60] - وهو الجلباب - قال : فتقول لنا: فأي شيء بعد ذلك ؟
فنقول : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ } فتقول : هو إثبات الجلباب"(1).
ومن الأدلّة على وجوب الجلباب فوق الخمار هذه الآية الواردة في الحديث , ووجه الدّلالة منها ؛ أنّه أباح للقواعد (وهنّ اللاتي لا يُطمع فيهنّ لكبرهن) أنْ يضعن الجلباب , ويبقين بالخمار , قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " يضعن ثيابهن : الجلباب "(2).
وقال مثله جمع من الصحابة والتّابعين ؛ كابن عبّاس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والأوزاعي(3).
قال أبو صالح :" تضع الجلباب، وتقوم بين يدي الرَّجل في الدِّرع والخمار"(4).
قلت : هذا في القواعد ؛ أما غيرهنّ فلا يجوز لهنّ أنْ يضعن الجلباب
كما هو واضحٌ بيِّن !
قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } يُسدلن عليّْهن منْ جلابيبهن , وهو القِناع فوق الخمار, ولا يحلّ لمسلمة
أنْ يراها غريب إلاّ أن يكون عليها القناع فوق الخمار , وشدّت به رأسها ونحرها "(5).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" فآية الجلابيب في الأردية عند البروز من المساكن "(6).
__________
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(13312) وصحح إسناده الألباني في " جلباب المرأة "ص (110).
(2) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (13311) وابن جعد في " مسنده" (144) وسنده صحيح , وقارن بـ" جلباب المرأة " ص(86) .
(3) انظر " تفسير الطبري " (19/216-217) .
(4) " تفسير ابن كثير " (3/310) .
(5) انظر " جلباب المرأة " ص (85) و" الرد المفحم " ص(51) .
(6) " مجموع الفتاوى " (15/448) .(1/10)
وقال العلاّمة أنور الكشميري - رحمه الله - :" وعُلم منه أنّ الجلباب مطلوب عند الخروج , وأنَّها لا تخرج إنْ لم يكن لها جلباب , والجلباب رداء ساتر من القرن إلى القدم "(1).
وقال إمام الملّة وأسد السنّة العلاّمة الألباني - رحمه الله - :
" فالحق الذي يقتضِيه العمل بما في آيتي النّور والأحزاب ؛ أنّ المرأة يجب عليها إذا خرجت من دارها أنْ تختمر وتلبس الجلباب على الخمار؛ لأنّه كما قلنا : أسْتر لها وأبعد عن أنْ يصف حجم رأسها وأكتافها , وهذا أمر يطلبه الشّارع ... ثمّ قال : واعلم أنّ هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخلّ به جماهير النّساء المسلمات ؛ فإنّ الواقع منهنّ إمّا الجلباب وحده على رؤوسهن أو الخمار , وقد يكون غير سابغ في بعضهن كالذي يُسمّى اليوم " الإشَارب " ؛ بحيث ينْكشف منهنّ بعض ما حرّم الله عليهن أنْ يظهر من زينتهن الباطنة كالشّعر من النّاصية أو الرّقبة مثلا ... أفما آن للنّساء الصّالحات حيثما كنّ أنْ ينْتبهن من غفلتهن ويتّقين الله في أنفسهن ويضعن الجلابيب على خُمرهن(2)" .
ضِفي إلى ذلك أنَّ الشِّروط المطلوبة في اللّباس الشّرعي ؛ لا تتوفر إلاّ
في الجلباب , والله الموفق للصّواب .
الشّرط الثّاني : أنْ يكون صفيقا لا يشفّ .
يجب أنْ يكون الثّوب صفيقا غليظا لا يشفّ ولا يظهر ما وراءه ؛ " لأنّ السِّتر لا يتحقق إلاّ به , وأمّا الشّفاف فإنّه يزيد المرأة فتنة وزينة , وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - :" سيكون في آخر أُمّتي نساء كاسيات عاريات , على رؤوسهنّ كأسنمة البخت , العنُوهن فإنّهنّ ملعونات "(3).
__________
(1) " جلباب المرأة " ص (84) .
(2) " جلباب المرأة " ص(85-86) بحذف واختصار وانظر "غاية المرام" ص(283). و الإشارب: الخمار القصير أو المنديل والله أعلم .
(3) حديث صحيح سبق تخريجه مفصلا ص (8) .(1/11)
وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :"لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها , وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا "(1).
قال ابن عبد البر- رحمه الله - :" وأمّا معنى " كاسيات عاريات " : فإنّه أراد اللّواتي يلبسن من الثّياب الشّيء الخفيف الذي يصف ولا يستر , فهنّ كاسيات بالاسم , عاريات في الحقيقة "(2).
وقال أيضا : " وفي هذا الحديث دليل على أنّ لِباس الخفيف الذي يصف
ولا يستر من الثّياب لا يجوز للنّساء, وكذلك ما وصف العورة ولم يسترها من الرّجال"(3).
وقال السّفاريني - رحمه الله -:" وإنْ كان اللّباس خفيفا يُبدي لرقّته وعدم ستره عورة [من تلبسه] فذلك اللّباس محظور؛ أي: مَمنوع محرّم على لابسه لعدم ستره للعورة المأمور بسترها شرعا بغير تردّد أي : بلا شكّ ولا خلاف "(4).
وعن هشام بن عروة:" أنّ المنذر بن الزّبير قدم من العراق , فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مَروية وقُوهية رقاق وعِتاق , بعد ما كفَّ بصرها , قال : فلمستها بيدها , ثمّ قالت: أفّ, ردّوا عليه كسوته,
قال: فشقّ ذلك عليه وقال: يا أمَّهْ لِلَّهِ إنّه لا يشف, قالت: إنْ لم تشف؛ فإنّها
تصف"(5).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الكاسيات العاريات :
" أنْ تكتسي مالا يسترها, فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية, مثل
من تكتسي الثّوب الرّقيق الذي يصف بشرتها "(6).
__________
(1) حديث صحيح سبق تخريجه مفصلا ص (8) .
(2) " التمهيد " (13/204) وانظر " جلباب المرأة " ص(125) .
(3) " التمهيد " (23/450) لابن عبد البر .
(4) " غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (3/63) .
(5) أخرجه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (8/252) وجود الألباني إسناده في
" جلباب المرأة " ص (127) , ومروية : ثياب من "مرو" قرية بالكوفة
وقوهية : من نسيج " قوهستان " ناحية بخرسان .اهـ منه .
(6) " مجموع الفتاوى " (22/146) .(1/12)
قال سماحة العلامة عبد العزيز بن باز- رحمه الله - :" الثّياب التي تشف في بادئ النّظر وجودها كعدمها "(1).
وقال العلماء:" يجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة... فإنْ ستر
بما يَظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق؛ لم يجز,لأنّ السّتر لا يحصل بذلك "(2).
وقال الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازي - رحمه الله -:" ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة من ثوب صفيق أو جلد أو ورق, فإنْ ستر بما يظهر
منه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز؛لأنّ السّتر لا يحصل بذلك "(3).
وعلّق ألإمام النّووي - رحمه الله - على هذا الموضع فقال:" قال أصحابنا يجب السّتر بما يحول بين النّاظر ولون البشرة فلا يكفى ثوب رقيق يشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها "(4).
ومن هذا تعلمْن - حفظكنّ الله - خطأ من تلبس الجوارب اللّحمية التي تشفّ عن القدمين والسّاقين .
- - - - -
الشّرط الثّالث : أنْ يكون فضفاضا غير ضيِّق يُحجِّم الجسم .
فالثّوب الشّرعي يجب ألاّ يصف حجم عظامها ولا يجسِّد أعضاء بدنها ومعالمه ," لأنّ الغرض من الثّوب إنّما هو رفع الفتنة , ولا يحصل ذلك إلاّ بالفضفاض الواسع , وأمّا الضّيق فإنّه - وإنْ ستر لون البشرة- يصف حجم جسمها أو بعضَه , ويصوِّره في أعين الرّجال , وفي ذلك من الفساد والدَّعوة إليه ما لا يخفى , فوجب أنْ يكون واسعا "(5).
ومن الأدلّة - التي تُذكر في هذا الموضع- ما تقدّم من حديث هشام : أنَّ أسماء - رضي الله عنها- ردَّت الثّوب خشية أنْ يصف جسمها.
__________
(1) " فتاوى ابن باز " (1/49) .
(2) " جلباب المرأة " ص (129) .
(3) " المهذب " (1/123) .
(4) " المجموع شرح المهذب " (3/170) .
(5) " جلباب المرأة " ص (131) بتصرف يسير .(1/13)
وكذلك حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال:" كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبطيّة كثيفة ممّا أهداها له دِحية الكلبي, فكسوتُها امرأتي فقال : ما لك لم تلبس القِبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي , فقال : مُرها فلتجعل تحتها غِلالة
فإنِّي أخاف أنْ تصف حجم عظامها "(1).
فقد أمر النّبي - صلى الله عليه وسلم - بأنْ تجعل المرأة تحت القِبطية غِلالة(2)ليمنع بها
وصف بدنها , والأمرُ يفيد الوجوب كما تقرّر في الأصول , ومع أنَّ هذه الثّياب ثخينة كما في الحديث ؛ إلاّ أنّها - ربّما - للُيونتها تصف الجسم وتحجِّمه , وتعليل النّبي - صلى الله عليه وسلم - واضح في الحديث " إنِّي أخاف أنْ تصف حجم عظامها " .
وعن أبي يزيد قال :" كان عمر ينهى النّساء عن لبس القباطي, فقالوا : إنّه لا يشف , فقال : إلاَّ يشف ؛ فإنّه يصف "(3).
قال الإمام الشّوكاني - رحمه الله - :" والحديث يدلّ على أنّه يجب على المرأة أنْ تستر بدنها بثوب لا يصفه , وهذا شرط ساتر العورة "(4).
ألا فلْتتقي الله - أختاه - من هذا اللّباس الذي يلتصق بالبدن ويُبيّن
تقاطيعه واعلمي أنّك آثمة مرّتين : بمخالفتك الأمر بالسّتر الواجب , ويلحقك الوعيد السّابق , والمرّة الثاّنية: بفتنتك الرّجال وإسقاطهم في
هوة النّظر المُحرّم .
- - - - -
__________
(1) أخرجه أحمد (21834) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3079) والطبراني في
" الكبير" (376) وحسنه الألباني في " الثمر المستطاب " ص (318) .
(2) القبطية : بالكسر والضم لباس منسوب لأهل مصر " القاموس المحيط " (2/392) , أما الغلالة : بالكسر شعار يجعل تحت الثوب " القاموس المحيط " (4/26).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة (24792) وله شاهد عن أبي صالح عند أبي شيبة (24793) وهو عند عبد الرزاق(12142) عن سليمان بن مسهر وشاهد آخر عنده(9253) عن مسلم البطين وانظر "السنن الكبرى " (3080) للبيهقي .
(4) " نيل الأوطار " (2/117) .(1/14)
الشّرط الرّابع : ألاّ يكون زينة في نفسه .
" قال الله تعالى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } فإنّه بعمومه يشمل
الثِّياب الظّاهرة إذا كانت مزيّنة تَلفت أنظار الرّجال إليها ..لأنّ المقصود من الأمر بالجلباب إنّما هو ستر زينة المرأة , فلا يُعقل حينئذ أنْ يكون الجلباب نفسُه زينة , وهذا بيِّن لا يخفى "(1), بل هي داخلة في عموم التّبرّج المحرّم , وألبسة النّساء اليوم لا تخل من الألوان الزّاهية والزّركشة الفاتنة؛ بل وصور ذوات الأرواح التي جاءت نصوصٌ كثيرة في تحريمها منها حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت :" دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سترت سهوة لي بقِرام فيه تماثيل [وفي رواية : فيه الخيل ذوات الأجنحة ] ؛ فلمّا رآه هتكه وتلوَّن وجهه وقال : يا عائشة لِلَّهِ أشدّ الناّس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يُضاهون بخلق الله [وفي روية : إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون , ويقال لهم : أحيوا ماخلقتم] .
قالت عائشة : فقطّعناه فجعلنا منه وسادة أوسادتين "(2).
وعن أبي طلحة - رضي الله عنه - قال : إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" إنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة "(3).
وبالجملة فالنُّصوص كثيرة في تحريم التّصوير ؛ وهي تعتبر من أقبح الزّينة في اللّباس وغيره .
وممّا يجدر التّنبيه عليه : أنّ لون الجلباب ليس من الزّينة ولو كان من غير البياض والسّواد , ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - :
" أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى علَيَّ ريطة مضرَّجة بالعصفر , فقال : ما هذه الرّيطة التي عليك ؟ فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنّورا لهم
__________
(1) " جلباب المرأة " ص (119-120) بتصرف .
(2) أخرجه البخاري (2347) ومسلم (2107) واللفظ له والنسائي (5357)
وأحمد (24127) .
(3) أخرجه البخاري (5613) ومسلم (2106) وأبوداود (4155) والنسائي (5350) .(1/15)
فقذفتها فيه , ثمّ أتيته من الغد , فقال : يا عبد الله ما فعلت بالرّيطة ؟
فأخبرته , فقال : هلاّ كسوتها أهلك ؛ فإنّه لا بأس بها للنّساء"(1).
وقد جرى العمل على هذا عند نساء السّلف , وعلى رأسهنّ أمَّهات المؤمنين وفي ذلك آثار كثيرة نقتصر منها على التاّلي :
1ـ عن إبراهيم النّخعي " أنّه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النّبي - صلى الله عليه وسلم - فيراهنّ في اللُّحف الحمر "(2).
2ـ عن ابن أبي مليكة قال :" رأيت على أمّ سلمة درعا وملحفة مصبغتين بالعصفر"(3).
3ـ عن القاسم " أنّ عائشة كانت تلبس الثّياب المورّدة بالعصفر وهي مُحرِمة "(4).
الشَّرط الخامس : أنْ لا يكون مبخّرا أو مطيّبا .
فلباس المرأة الذي تخرج به يجب أنْ يكون خال من أيّ طيب وفي ذلك أحاديث كثيرة لا يسع المؤمنة مخالفتها لما فيها من الزَّجر والتّرهيب !
منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أيُّما امرأة أصابت بخورا ؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة "(5).
__________
(1) أخرجه أبو داود (4066) وابن ماجة (3603) وأحمد (6852) وابن أبي شيبة
في " المصنف " (24733) والبيهقي في "السنن الكبرى " (5766) وحسنه الألباني
في " صحيح أبي داود " (3420) .
فائدة : الرّيطة هي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين " القاموس المحيط " (2/375) ومضرّجة أي ملطخة " القاموس المحيط" (1/204)
(2) أخرجه ابن أبي شيبة (24739) وسنده صحيح .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة (24741) وسنده صحيح .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (24743) وسنده صحيح .
(5) أخرجه مسلم (444) وأحمد (8022) وأبو داود (4175) والنسائي (5128) .(1/16)
وعنه أيضا أنّه لقيته امرأة , وجد منها ريح الطّيب ولذيلها إعصار ؛ فقال : يا أمة الجبّار لِلَّهِ أجئتِ من المسجد ؟ قالت : نعم , قال : وله تطيَّبت ؟ قالت : نعم , قال : إنِّي سمعت حِبيِّ أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تُقبل صلاة لامرأة تطيّبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة "(1).
وعن زينب الثّقفية قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا خرجت إحداكنّ
إلى المسجد ؛ فلا تقربنَّ طيبا "(2).
وأبلغ من هذا كلّه في النّهي والزّجر : حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أيُّما امرأة اسْتعطرت ؛ فمرّت على قوم ليجدوا من ريحها , فهي زانية "(3).
" وسبب المنع من استعمال المرأة الطيب إذا خرجت واضح ؛ وهو ما فيه من تحرك داعية شهوة الرّجال , وإذا كان ذلك محرَّما على مريدة المسجد ؛ فماذا يكون الحكم على مريدة السُّوق والأزقّة والشّوارع ؟!!
لا شكّ أنّه أشدُّ حرمة وأكبر إثْما , ولذلك ذكره ابن حجر الهيتمي
في الكبائر (2/137) "(4).
__________
(1) أخرجه أحمد (7350) وأبوداود (4174) وابن ماجة (4002) وابن خزيمة (1682) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5158-5159) وصححه الألباني انظر
" الصحيحة" (1031) و " الثمر المستطاب " (2/734) .
(2) أخرجه النسائي (5131) وفي "السنن الكبرى" (9428) و أحمد (27091) والبيهقي في " السنن الكبرى " (9428) و الطبراني في " الكبير"(723) وفي
" الأوسط"(8727) و صححه الألباني في " الصحيحة " (1094) وفي" صحيح الجامع " (501) .
(3) أخرجه أحمد (19762) وأبوداود (4173) والترمذي (2786) والنسائي (5125) وابن خزيمة (1681) وابن حبان (4424) والبيهقي في " السنن الكبرى " (5769) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2019) و " صحيح الجامع " (4466) و"غاية المرام " (84) .
(4) " جلباب المرأة " ص (139) بتصرف .(1/17)
أقول : هذا في الطّيب الذي كان عندهم , فما بالك بأنواع وألوان الطّيب الذي في زماننا وأغلبه مُسكر (!) لما فيه من الكحول , وقد قال النّبي - صلى الله عليه وسلم - :" كل مسكر حرام "(1), فهو حرام بيعه وشراؤه وحمله ؛ فضلا عن التطيُّب به , الرِّجال والنّساء في ذلك سواء .
- - - - -
الشّرط السّادس : أنْ لا يشبه لباس الرّجال .
قد وردت أحاديث كثيرة تلعن المرأة التي تتشبّه بالرّجال في اللّباس وغيره , وكما هو معلوم أنّ اللّعن هو الطّرد من رحمة الله , منها :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرّجل يلبس لِبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرّجل "(2).
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" ليس منَّا من تشبّه بالرّجال من النّساء , ولا من تشبّه من النّساء بالرّجال"(3).
وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت : " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّجلة
من النّساء "(4).
__________
(1) ثبت هذا الحرف في عدة أحاديث أخرجها البخاري (4087-5773-6751) ومسلم (1999-1733-2002) وأبوداود (3679-3680-3684) وغيرهم .
وانظر" فتاوى المدينة " ص(59-60) وأشرطة" الهدى والنور"رقم (83 و500 و689) للعلامة الألباني وانظر أيضا"أضواء البيان" (2/87) .
(2) أخرجه أحمد (8292) وأبوداود (4098) وابن ماجة (1903) وابن حبان (5751) والنسائي في " الكبرى" (9253) وصححه العلامة الألباني في " صحيح الترغيب " (2069) و" صحيح الجامع " (5095) و"جلباب المرأة" ص(141).
(3) أخرجه أحمد (6875) وأبو نعيم في " الحلية " (3/321) وصححه الألباني في
" صحيح الجامع " (5433) و" جلباب المرأة " ص (142) .
(4) أخرجه أبوداود (4099) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (5096) و
" جلباب المرأة " ص(146) .(1/18)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المُتشبِّهات من النّساء بالرّجال " وفي لفظ " المُترجِّلات "(1).
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ثلاث لا يدخلون الجنّة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاقّ والديه , والمرأة المترجّلة ؛ المُتشبِّهة بالرِّجال , والديوث "(2).
" وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبّه النّساء بالرّجال .. وهي عامّة تشمل اللِّباس والمشية وغيرها "(3).
" فثبت ممّا تقدّم أنّه لا يجوز للمرأة أنْ يكون زيّها مشابها لزيِّ الرّجل , فلا يحلّ لها أنْ تلبس رداءه و إزاره ونحو ذلك , كما تفعله بعض
بنات المسلمين في هذا العصر من لِبسهن ما يعرف بـ(الجاكيت)
و (البنطلون)"(4), وقد عدّ كثير من أهل العلم تشبُّه النّساء بالرّجال كبيرة من الكبائر كالذّهبي و الهيتمي(5).
__________
(1) أخرجه البخاري (5546) وأحمد (2291) وأبو داود (4097) والترمذي (2784) وابن ماجة (1904) , وأخرج اللفظ الثاني البخاري (5547) وأحمد (1982) وأبوداود (4930) و الترمذي (2785) .
(2) أخرجه أحمد (6180) والنسائي (2562) وفي " الكبرى " (2343) وابن حبان (7340) والبيهقي قي " السنن الكبرى " (17119) والحاكم في " المستدرك " (7235) والطبراني في " الكبير" (13180) و" الأوسط " (2443) وصححه الألباني في " الصحيحة " (674و1397) .
(3) " جلباب المرأة " ص (147- 148) بتصرف .
(4) " جلباب المرأة " ص (150) .
(5) انظر " الكبائر " للذهبي ص(134) الكبيرة : الثالثة والثلاثون و " الزواجر " للهيتمي (1/404) الكبيرة : السابعة بعد المائة .(1/19)
وقال الإمام الشّوكاني - رحمه الله -:" والحديث ( أي : حديث عبد الله بن عمرو السابق) يدلّ على تحريم تشبّه النّساء بالرّجال , والرّجال بالنّساء ؛ لأنّ اللّعن لا يكون إلاّ على فعل محرّم "(1).
ولا شكّ أنّ لبس البِنطال(2)أعظم وأخطر ؛ لأنّ فيه ثلاث مصائب :
تحجيم العورة ووصفها كما مرّ في الشّرط الثّالث , والتّشبّه بالرّجال كما في هذا الشرط , والتشبه بالكفار كما في الشرط السابع .
وهذه الظّاهرة أصبحت متفشيّة عند النّساء اليوم , وأصبحت الواحدة منهنّ كالرّجل في اللّباس والحلاقة والمشية , وتسير في الطّرق كأنّها وحشٌ لِلَّهِ تُزاحم الرّجال وتدافعهم في الطّرقات ؛ بل وتضطرُّهم إلى أضيقها! ناسية السِّتر المطلوب , والحياء المرغوب .
- - - - -
الشّرط السّابع : أنْ لا يشبه لباس الكافرات .
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" بُعثتُ بين يدي السّاعة بالسّيف , حتى يُعبد الله وحده لا شريك له , وجُعل رزقي تحت ظلِّ رمحي وجُعل الذّلة والصّغار على من خالف أمري , ومن تشبَّه
__________
(1) " نيل الأوطار" (2/217) .
(2) البنطال إذا كان تحت الجلباب ولا يحجم البدن يجوز لبسه , ولا يصح أن نسميه "السراويل " لأن السراويل المعروفة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - واسعة وفضفاضة بخلاف هذه , والسراويل مفرد تذكر وتؤنث ,وجمعها : سراويلات , وليست جمعا حتى يكون مفردها سروالا كما هو مشهور على الألسنة .
انظر " لسان العرب " (11/334) و" القاموس المحيط " (3/406)(1/20)
بقوم فهو منْهم "(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" وهذا الحديث أقلّ أحواله أنْ يقتضي تحريم التشبّه بهم , وإنْ كان ظاهره يقتضي كفر المتشبّه بهم, كما
في قوله : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ¨ } [المائدة51] "(2).
ثمّ عقد- رحمه الله - فصلا حافلا في إثبات الإجماع على تحريم التّشبه
بالكفّار وقال :" وقد قدمنا في أثناء الأحاديث كلام بعضهم الذي يدلّ على كلام الباقين, وبدون ما ذكرناه يُعلم إجماع الأمّة على كراهة التشبّه بأهل الكتاب والأعاجم في الجملة, وإنْ كانوا قد يختلفون في بعض الفروع "(3)
وقال أيضا :" نهى - صلى الله عليه وسلم - عن التشبّه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة ...وما ذاك إلاّ لأنّ المشابهة في بعض الهدي الظّاهر يوجب المقاربة ونوعا من المناسبة ؛ يُفضي إلى المشاركة في خصائصهم التي انفردوا بها عن المسلمين والعرب , وذلك يجرّ إلى فساد عريض "(4).
وقال ابن القيّم- رحمه الله -:" نهى عن التشبّه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفّار في مواضع كثيرة ؛ لأنّ المشابهة الظّاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة , فإنّه إذا أشبه الهدي الهدي أشبه القلب القلب "(5).
__________
(1) أخرجه أحمد (5114-5115-5667) وابن أبي شيبة (19401) والبيهقي في"الشعب"(1199) وصححه الألباني في " الإرواء" (5/109) و" صحيح الجامع" (2831) وحرف" من تشبَّه بقوم فهو منهم " أخرجه أبوداود (4031) وأخرجه الطبراني أيضا في"الأوسط" (8327) عن حذيفة , وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (2089) و"صحيح الجامع " (6149) و" غاية المرام " (109) .
(2) " اقتضاء الصراط المستقيم " ص(122) .
(3) " اقتضاء الصراط المستقيم" ص(175) .
(4) " الفتاوى الكبرى " (6/172) .
(5) " إغاثة اللهفان " (1/621) .(1/21)
وقال أيضا :" نهى عن التشبّه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة ... وسرُّ ذلك أنّ المشابهة في الهدي الظّاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد
و العمل"(1).
وقال العلاّمة الصّنعاني - رحمه الله -:" والحديث دالٌّ على أنّ من تشبّه بالفسّاق كان منهم أو بالكفّار أو المبتدعة في أيِّ شيء ممّا يختّصون به ؛ من ملبوس أو مركوب أو هيئة قالوا : فإذا تشبّه بالكفّار في زيّ واعتقد أنْ يكون بذلك مثله؛ كَفَر, فإنْ لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء, منهم من قال:
يكفر, وهو ظاهر الحديث , ومنهم من قال : لا يكفر ولكن يؤدّب "(2).
فتأمّلي - أختاه - ثمّ انظري إلى حال النّساء اليوم يتشبّهن بالكافرات في كلّ شيء .. ولا حول ولا قوة إلا بالله . وقد وردت أحاديث كثيرة في أبواب مختلفة تنهى عن التشبّه بالكفّار- رجالا ونساء - ووجوب مخالفتهم , جمعها العلاّمة الألباني - رحمه الله - في كتابه المعطار
" جلباب المرأة المسلمة" ص (161-212), وقال هناك :" فثبت ممّا تقدّم أنّ مخالفة الكفّار وترك التشبّه بهم من مقاصد الشّريعة الإسلامية العليا, فالواجب على كلّ مسلم رجالا ونساء أنْ يراعوا ذلك في شؤونهم كلِّها, وبصورة خاصّة في أزيائهم وألبستهم؛ لما علمت من النّصوص الخاصّة فيها"(3).
__________
(1) " إعلام الموقعين " (3/140) .
(2) " سبل السلام " (4/1477) .
(3) " جلباب المرأة " ص(206) هذا وقد كتب في هذا الموضوع - أعني مخالفة الكفار-
شيخ الإسلام ابن تيمية كتابا حافلا سماه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " الذي لم يؤلف مثله , وهو مطبوع .(1/22)
هذا ؛ ومن أعظم التشبّه وأقبحِه تعليق الصّليب أو لبس ما يشتمل على صليب أو نجمة اليهود أو شعارات الكُفر, وقد نهى النّبي - صلى الله عليه وسلم - عن اقتناء الصّليب وتعليقه , فعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال :" أتيت النّبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب, فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن "(1).
وعن عائشة - رضي الله عنها - " أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلاّ نقضه "(2).
وعن دقرة بنت غالب الرّاسبية - أمّ عبد الرحمن بن أذينة - قالت :" كنّا نطوف مع أمّ المؤمنين عائشة فرأت على امرأة بردا فيه تصليب, فقالت : اطرحيه ؛ فإنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى نحو هذا قضبه "(3).
- - - - -
الشّرط الثّامن : أنْ لا يكون لباس شُهرة .
" وهو كلّ ثوب يقصد به الاشتهار بين النّاس , سواء أكان الثّوب نفيسا يلبسه تفاخرا بالدّنيا وزينتها , أو خسيسا يلبسه إظهارا للزّهد والرّياء "(4)أو غريبا مخالفا لأهل بلده ؛ فيشار إليه بالبنان لتميُّزه عنهم .
__________
(1) أخرجه الترمذي (3095) والبيهقي في "السنن الكبرى "(20137) والطبراني في
" الكبير"(218) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي" .
(2) أخرجه البخاري (5608) وأبوداود (4151) بلفظ ".. فيه تصليب إلا قضبه " وأحمد (26038) والنسائي في " السنن الكبرى"(9791) وأخرجه أيضا أحمد (26185) والبيهقي في "السنن الكبرى"(14348) بلفظ " لم يكن يدع في بيته ثوبا فيه تصليب إلا نقضه " .
(3) أخرجه أحمد (25134) والنسائي في " الكبرى" (9792) وإسناده صحيح إلى دقرة (عند النسائي : دفرة) وقال ابن حجر في الإصابة :" ضبطت: بالقاف) وهي تابعية روت عن عائشة - رضي الله عنها - ووثقها ابن حبان والعجلي وقال الحافظ في " التقريب " مقبولة , وحسّن إسناد الحديث شعيب الأرنؤوط .
(4) " جلباب المرأة " ص (213) .(1/23)
فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من لبس ثوب شهرة في الدنيا ؛ ألبسه الله ثوب مذلّة يوم القيامة ثمّ ألهب فيه نارا "(1).
قال العظيم آبادي - رحمه الله - :" والحديث يدلّ على تحريم لبس ثوب الشّهرة وليس هذا الحديث مختصا بنفيس الثّياب بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبا يخالف ملبوس النّاس "(2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" وتكره الشّهرة من الثّياب وهو المُترفِّع الخارج عن العادة والمُتخفِّض الخارج عن العادة فإنّ السّلف كانوا يكرهون الشّهرتين المترفّع والمتخفّض "(3).
وقال ابن القيّم - رحمه الله - :" ولهذا قال بعض السّلف : كانوا يكرهون الشُهرتين من الثّياب : العالي والمُنخفِض "(4).
وثوب الشّهرة يراد منه الكبر والتّعالي واستِشْراف النّاس , ولذلك يدخل فيه كلّ لباس مَخيلة وبخاصّة إذا صاحبه إسراف وتبذير وقد جاء النّهي صريحا في هذا, فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" كلوا واشربوا وتصدّقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة "(5).
ومن المفيد أنْ نشير إلى أنّ لباس الشّهرة يختلف باختلاف الزّمان والمكان
فربّ لباس شائع في مكان وهو لباس شهرة في مكان آخر, وهكذا الزّمان .
__________
(1) أخرجه أحمد (5664-6245) وأبو داود (4029) وابن ماجة (3607) والنسائي في " السنن الكبرى "(9560) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " (6526) و
" صحيح الترغيب" (2089) و" المشكاة " (4346) .
(2) " عون المعبود " (11/51) .
(3) " مجموع الفتاوى " (22/138) .
(4) " زاد المعاد " (1/137) .
(5) رواه البخاري (5/2180) تعليقا بصيغة الجزم وأسنده أحمد (6695) والنسائي (2559) وفي " الكبرى" (2340) وابن ماجة (3605) وابن أبي شيبة (24877) وحسنه الألباني في " المشكاة " (4381) .(1/24)
وليس من لباس الشّهرة اللّباسَ الشّرعي إذا كان غريبا في مكان أو زمان لانتشار الألبسة المنكرة , فانتشار المنكر لا يعني جوازه , وكذلك غربة المعروف لا تعني حرمته , فالمعتبر التّقيّد بالشّرع في تحديده .
وبهذا نكون قد أنهينا الكلام على شروط اللّباس الذي تخرج به المرأة من بيتها, وهو فرض لا يحلّ تركه كما قدّمنا ؛ فهل للمؤمنات أنْ يلتزمن به كما فعل نساء السّلف حينما نزلت آية الجلباب ؟!
عن عائشة - رضي الله عنها- قالت :" يرحم الله نساء المهاجرين الأول,
لمّا أنزل الله { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى `حkح5qمٹم_ } شقَقن مروطَهنّ فاختمرن بها "(1).
وعن أمّ سلمة - رضي الله عنها - قالت :" لمّا نزلت { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهنّ الغربان من الأكسية "(2).
فهذا حال السّلف في التّعامل مع النّصوص الشّرعية ؛ التّلقي للتّطبيق , امتثال واستجابة - رضي الله عنهم- شعارهم ودثارهم { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) } .
- - - - -
الخاتمة
__________
(1) أخرجه البخاري (4480) وأبوداود (4102) والبيهقي في " السنن الكبرى" (13286).
(2) أخرجه أبوداود (4101) وصححه الألباني في " جلباب المرأة" ص(83) و" غاية المرام " ص(283) .(1/25)
قال راقمها - كان الله له - : لقد ظهر جليًّا أنّ الجلباب الشّرعي الذي يستر البدن بشروطه المذكورة ؛ فرض على النّساء لا يحلّ تركه بالأدلّة من الوحيَين وكلام الأئمة المتبوعين , فالحذر الحذر من دعاة التّغريب ودعواتهم الرّامية لتحطيم المرأة والرّجل على حد سواء بالولوغ في الرّذيلة والغرق في بحر المجون , وبابُ هذا كلّه هو خلع الجلباب الذي هو حارسُ العرضِ وحافظُه , وحصن من الزّنا والخنا , وهو أيضا بُرقعُ الحياء وزينتُه , ووقايةٌ للمجتمع من الخواطر الشّيطانية, حامٍ للنّساء من خائنة الأعين؛ بتستُّرهنّ المُفضي لطهارة القلوب كما قال الله- جلّ وعلا-
{ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } .
فيجب على المرأة أنْ تعي هذا وتنظر للأمور من خلال الشّرع , وتزن الأشياء بميزان السّماء , ولا تلتفت إلى الذين باعوا الجنّة بدنيا الغرب أدعياء التّقدم والحريّة التي تقوم على أنقاض الدِّين .
كما يجب على الرّجال- أزواجا كانوا أم أباء- أن يربّوا النّساء والبنات على التّستّر والجلباب بشروطه المبيّنة , فالله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
$pkِژn=tو مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ
$tB يُؤْمَرُونَ (6) } [التحريم6] .
والنّبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :" كلُّكم راع وكلُكم مسؤول عن رعيته "(1).
فتربية البنات على هدي الإسلام - ومنه الجلباب - واجب شرعي على الآباء , فلا يجوز إلباس الصّغيرة المميّزة الألبسة الضّيقة والشّفافة والقصيرة حتى لا تعتاد عليها .
قال العلاّمة ابن عثيمين- رحمه الله - :" أرى أنّه لا ينبغي للإنسان أنْ
__________
(1) أخرجه البخاري (853) و مسلم(1829) وأحمد(4495) وأبوداود(2928) والترمذي(1705) .(1/26)
يلبس ابنته هذا اللّباس [القصير] وهي صغيرة لأنّها إذا اعتادته ؛ بقيت عليه وهان عليها أمره , أمّا لو تعوّدت الحشمة من صغرها بقيت على تلك الحال في كبرها "(1).
وفي الأخير هذا ما استطعت جمعه في هذه الرّسالة فمن وجد فيه خللا فلينصح برفق ولين, فالآذان صاغية والقلوب واعية , ومن انتفع بشيء منها فليدعو لوالديَّ - رحمهما الله- بالرّحمة والمغفرة .
نسأل الله السّداد والتّوفيق والإخلاص في القول والعمل .
وسبحانك اللّهم وبحمدك أشهد أنْ لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك .
وكتب : أبو الأشبال سفيان الأثري
... ... الجمعة : 01 محرم 1423 هـ
15مارس 2002 م
ثمّ أعدت النّظر فيها زيادة وتنقيحا, ترتيبا وتصحيحا في مجالس كثيرة متعدّدة ولله الحمد والمنّة .
فهرس
مقدمة .................................................................3
حرمة التبرج ........................................................6
الشرط الأول : أن يكون ساترا لجميع البدن....................11
حد الوجه والكفين ..................................................12
وجوب ستر القدمين................................................13
بين الجلباب والحجاب ............................................16
تعريف الجلباب ....................................................16
تعريف الحجاب.....................................................16
وجوب الجلباب فوق الخمار......................................21
الشرط الثاني : أن يكون صفيقا لا يشف .......................24
الشرط الثالث : أن يكون فضفاضا غير ضيق.................28
الشرط الرابع : أن لا يكون زينة في نفسه .....................31
تحريم اللباس الذي يحتوي على صور..........................31
__________
(1) " فتاوى مهمّة لنساء الأمّة" ص(189) لعمرو عبد المنعم سليم و " فتاوى المرأة" ص(184) لمحمّد المسند .(1/27)
لون اللباس ليس من الزينة المحرمة.............................32
الشرط الخامس : أن لا يكون مبخرا أو مطيبا ................34
الشرط السادس : أن لا يشبه لباس الرجال ....................37
حكم لبس البنطال ..................................................39
الشرط السابع : أن لا يشبه لباس الكافرات ....................41
من أقبح التشبه لبس ما يشتمل على شعارات الكفر ...........44
الشرط الثامن : أن لا يكون لباس شهرة .......................46
تحريم الإسراف في اللباس .......................................47
اللباس الشرعي لا يعد لباس شهرة في أي زمان أومكان ....48
الخاتمة ..............................................................50
واجب النساء .......................................................50
واجب الرجال نحو النساء ........................................51
تربية الصغيرة على الستر والحجاب............................51
الفهرس ..............................................................53(1/28)