بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة كاملا
لفضيلة الشيخ/ محمد عبد المقصود حفظه الله
- افترض الله عز وجل علينا الزكاة بقوله تعالى: " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ". - وقد ورد الاقتران بين الصلاة والزكاة فى أكثر من ثمانين موضعا من كتاب الله "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة".
* وقد ثبت فى الصحيحين أيضا عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ( بُنِى الإسلام على خمس ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج اليبت لمن استطاع إليه سبيلا ).
* وثبت فى الصحيحين أيضا عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ( أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مِنِّى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل ).
- وقد قاتل الصديق رضى الله عنه مانعى الزكاة بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم.(1/1)
* وورد فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه الذى أخرجه الإمام مسلم قال: قال رسول الله عليه وسلم قال: ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صٌفِّحت له صفائح من نار فيُيحمَى عليها فى نار جهنم فيُكوَى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أُعيدت له فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يُقضَى بين العباد فيُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) قالوا: يارسول الله فالإبل؟ قال: ( ولا صاحب إبل لا يؤدى منها حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ له بقاعٍ قرقرٍ أوفر ما كانت لا يُفقَد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفاقها وتعضه بأفواهها كلما مرَّ عليه أخراها رُدَّ عليه أولاها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضَى بين العباد فيُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) قالوا: فالبقر والغنم؟ قال: (ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ له بقاعٍ قرقرٍ أوفر ما كانت لا يُفقَد منها شيئ ليس عقصاء ولا عضباء ولا جلحاء تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما مر عليه أخراها رُدَّ عليه أولاها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضَى بين العباد فيُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
* فهذا الحديث تناول خمسة أصناف من المال: الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ، وقد أجمعوا على تسعة أصناف من المال تجب فيها الزكاة:
- من المعدن أو النقد: الذهب والفضة.
- ومن الحيوان: الإبل والبقر والغنم.
- ومن الحب: القمح والشعير.
- ومن الثمر: التمر والزبيب.
*********************
أولا: الذهب:
- تجب الزكاة فى الذهب إجماعا بحديث أبى هريرة السابق الذى أخرجه مسلم.(1/2)
وغيره من النصوص وأقوى هذه النصوص من جهة الإسناد هو ما رواه أبو عبيد فى كتاب الأموال عن محمد بن عبد الرحمن الأنصارى (أن فى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى كتاب عمر رضى الله عنه فى الصدقة أن الذهب لا يُؤخَذ منه شيئ حتى يبلغ عشرين مثقالا أو عشرين دينارا فإذا بلغ عشرين دينارا أُخِذ منه نصف دينار ، وأن الورق (الفضة) لا يُؤخَذ منه شيئ حتى يبلغ مائتى درهم فإذا بلغ مائتى درهم ففيه خمسة دراهم).
- يعضد ذلك ما ورد عن على رضى الله عنه موقوفا عليه وقد رواه البعض مرفوعا عند أبى عبيد وأبى شيبة والبيهقى وأبى داود من طريق عاصم بن ضمرة رحمه الله أن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: (ليس فى أقل من عشرين دينارا شيئ ، وفى عشرين دينارا نصف دينارا نصف دينار ، وفى أربعين دينارا دينار ، فما زاد فبالحساب). * فهذا موقوف صحيح وقد صححه البخارى رحمه الله وحسنه الحافظ بن حجر.
* فهذا الحديث يدلنا على أن نصاب الذهب عشرون دينارا أو عشرون مثقالا ، والدينار أو المثقال = يزن أربع جرامات وربع ، أى أن نصاب الذهب بالجرام = 85 جرام من الذهب.
*******************
ثانيا: الفضة:
- ورد فى حديث محمد بن عبد الرحمن الأنصارى السابق أن نصاب الفضة مائتين درهم.
- وقد ورد من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمس أوسق من التمر صدقة). - وهذا الحديث أخرجه الإمام البخارى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه.
* والأوقية = أربعون درهما بإتفاق أهل العلم. إذن خمس أواق = مائتى درهم.
* أجمع العلماء على أن عشرة دراهم تساوى سبعة مثاقيل ، وسبق القول أن المثقال = أربعة جرامات وربع. إذن سبعة مثاقيل = 29,75 جرام.
-إذن نصاب الورق "الفضة" (أى مائتين درهم) = 595 جرام من الفضة.(1/3)
- إذن نصاب الذهب = 85 جرام من الذهب الخالص غير المغشوش.
- ونصاب الفضة = 595 جرام من الفضة الخالصة غير المغشوشة.
( فإذا بلغ هذا النصاب وحال عليه الحول < سنة هجرية قمرية > : وجبت الزكاة وهى ربع العشر 2.5% ).
* ما كان من الذهب أو الفضة حليًّا ؛ هل تجب فيه الزكاة؟
- الراجح: هو ماذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله وأبو محمد بن حزم : أن الزكاة تجب فى الذهب والفضة وإن كان حليا.
هذا لأن عموم الأدلة لم تفرِّق بين ما يُتَّخذ حليا أو ما اتُّخِذ لغير ذلك ، فهذه عمومات.
وهذه العمومات مؤيَّدة بأدلة وردت فى محل النزاع:-
* منها ما رواه أبو داود والنسائى بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفى يدها سوار من ذهب ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (هل تعطين زكاة هذا؟) ، فقالت: لا ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيسرك أن يسوّرك الله بهما بسوارين من نار؟).
- هذا الحديث حسن الإسناد له شاهد رواه الدار قطنى بإسناد فيه ضعف عن فاطمة بنت قيس رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (فى الحلى زكاة).
* وأما ما رواه ابن الجوزى فى التحقيق عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فى الحلى زكاة).. فهذا حديث مروى من طريق إبراهيم بن أيوب وهو ضعيف عن عافية بن أيوب وهو ضعيف ، بل حكم عليه بعض أهل الشأن بالجهالة.(1/4)
* وقد روى أبو داود والحاكم - وقال صحيح على شرط الشيخين - ووافقه الذهبى ، وقد بيَّن الألبانى رحمه الله أن هذا الحديث فعلا إسناده على شرط الشيخين ، والذى نازع هو ابن دقيق العيد رحمه الله قال: بل إسناده على شرط مسلم.. إذن الحديث ثابت أقل شيئ أنه على شرط مسلم ، من حديث عائشة رضى الله عنها: يقول عبد الله بن شداد: دخلنا على عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها ، فقالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يدى فسخات من ورق ، فقال: (ماهذا يا عائشة؟) قلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتؤدين زكاتهن؟) قالت عائشة رضى الله عنها: قلت: لا أو ما شاء الله ، فقال صلى الله عليه وسلم: (هى حسبك من النار).
* هل يُضَم الذهب إلى الفضة لحساب النصاب؟ يعنى إذا قلنا أن سبعة مثاقيل من الذهب تساوى عشرة دراهم من الفضة مثلا فهل يُضَم أحد النقدين إلى الآخر عند حساب الزكاة؟
- الصحيح الذى عليه أكثر أهل العلم: أنه لا يُضَم مال إلى مال عند حساب الزكاة.
وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم الذى سيأتى فى حديث أنس رضى الله عنه (ولا يُفَرَّق بين مُجتَمِع ولا يُجمَع بين مُفترِق خشية الصدقة). فكل جنس مستقل عن الآخر بذاته.
*******************
حكم المال المستفاد الذى بلغ النصاب:
- لو هبط على الإنسان مال بلغ النصاب وليكن خمسة آلاف جنيه مثلا ولم ينقص هذا المال أثناء الحول عن مقداره السابق بل تدخل عليه أموال أخرى وفى نهاية الحول وجد أن هذه الأموال وصلت إلى سبعة آلاف جنيه مثلا:
* ذهب أبو حنيفة وابن حزم رحمة الله عليهما: إلى أنه يُزكِّى عن الجميع ، ولكل واحد منهما طريقة فى الاستدلال..
- أبو حنيفة: اعتبر أن بلوغ النصاب يعتبر علامة وجوب الزكاة فى أى أموال موجودة عند الإنسان ما دام هذا المال بلغ النصاب ولم ينقص أثناء الحول.(1/5)
- ابن حزم: قال أن هذا يدخل فى دروب المشقة (أى أنه يشق على الإنسان أن يجعل لكل ما زاد أن نقص أثناء الحول نصاب مستقل عن الآخر فيزكى عن الجميع زاد أو نقص أثناء الحول).
* مسألة:-
- إذا بلغ المال عند إنسان النصاب وله دين عند إنسان آخر وحال على المال الحول ؛ هل يزكى عن المقدار الموجود عنده أم يزكى عن الجميع؟
هذه المسألة لها قسمين:-
أ- إن كان هذا الدين صاحبه مقرّ به باذل له (أى على استعداد أن يدفعه).
ب- إن كان هذا الدين على مُعسِر أو مماطل أو جاحد (مال ضائع).
* القسم الأول:- ذهب أبو حنيفة رحمه الله: إلى أنه يزكى عن هذا المال عن كل الأعوام السابقة لكن عندما يحصله ، وكذلك ذهب الحنابلة.
- وذهب الشافعى: إلى أنه يزكى عنه وإن لم يأخذه لأنه فى حكم الوديعة (مضمون).
* القسم الثانى < المال الذى فى حكم الضائع > :- فأقرب الأقول إلى الصواب: هو قول مالك رحمه الله إلى أنه يزكيه لعامه هذا فقط حين يقبضه.
* مسألة:-
- إذا حال على هذا المال الحول ولكن هلك المال قبل إخراج الزكاة ؛ فهل تجب الزكاة فى هذه الحالة؟
هذه المسألة منبنية على خلاف بينهم: هل الزكاة واجبة فى عين المال أم أنها واجبة فى ذمة صاحب المال؟ (مثال: رجل بلغ عنده المال النصاب وحال عليه الحول هل يخرج من عين هذا المال أم أنه يجوز له الاقتراض لسداد هذه الزكاة؟):-
- ذهب بعض أهل العلم وهى رواية عن الشافعى وأحمد وهى التى رجَّحها ابن حزم رحمه الله: إلى أن الزكاة واجبة فى ذمة المزكى وليست فى عين المال.
- وذهب مالك وأبو حنيفة وهى رواية أخرى عن الشافعى وأحمد: إلى أنها واجبة فى عين المال.
لكن من جهة الدليل نجد أن الزكاة واجبة فى ذمة المزكى وليست فى عين المال.
* < ثمرة هذا الخلاف أو ما يترتب على هذا الخلاف > :-(1/6)
- فلو بلغ المال عند إنسان النصاب وحال عليه أربع أحوال ولم يخرجها فلو أن الزكاة تجب فى عين المال فسيأخذ من هذا المال ويزكى ونتيجة ذلك نقصان ذلك المال عن النصاب بقدر ما أُخِذ منه من زكاة فى السنة الأولى ، وفى السنة التالية لن يؤخذ منه زكاة لأنه لم يبلغ النصاب وهكذا فى السنة الثالثة والرابعة..
ولكن لو أن الزكاة واجبة فى ذمة صاحب المال: فهذا الرجل بلغ عنده المال النصاب وحال عليه الحول فى السنة الأولى فأخرج زكاته ليس من عين المال نفسه ، فسيظل هذا المال بالغا لقدر النصاب فى السنة الثانية والثالثة والرابعة وهكذا فيجب عليه الزكاة فى جميعها.
* < ثمرة أخرى لهذا الخلاف > :-
- لو أن إنسان حال على ماله الحول وقد بلغ النصاب (أى وجبت عليه الزكاة) ، ثم هلك هذا المال قبل إخراج زكاته أو هلك جزء من المال أدى إلى أن المتبقى من المال أقل من النصاب (وهذا الهلاك بعد أن حال الحول)..
* ذهب أحمد رحمه الله: إلى أن الزكاة تجب عليه فى هذه الحالة لأنها استقرت فى ذمته عندما حال عليها الحول.
* وذهب الشافعى رحمه الله: إلى أن هذه الزكاة فى الأصل تُؤخَذ من الأغنياء وتُرَد على الفقراء فكيف تؤخذ الزكاة من هذا الرجل وقد صار فى هذه الحالة فقيرا؟ فلا تجب عليه الزكاة بغض النظر هل الزكاة تجب فى ذمته أم فى عين ماله ، فهذا الرجل قد فقد ماله فكيف تجب عليه الزكاة؟
- وهذا القول (قول الشافعى) هو الذى انتصر له ابن قدامة رحمه الله وهو الذى جزم به كثير من الحنابلة خلافا للإمام أحمد رحمه الله الذى أوجب عليه الزكاة فى هذه الحالة ، وهو الذى جزم به الإمام ابن تيمية أيضا رحمة الله على الجميع.
* بينما ذهب أبو حنيفة رحمه الله: إلى أنه تجب عليه الزكاة لو كان هذا الإهلاك بفعله أما لو كان رغما عنه وليس متعمدا فلا تجب عليه الزكاة حينئذ.
* مسألة أخرى:-(1/7)
- لو وجبت الزكاة على إنسان وجنَّب هذا الرجل مال الزكاة عن أصل ماله ، ثم سُرِق هذا المال أو احترق أو أصابته أى آفة أهلته ؛ هل تجب عليه الزكاة مرة أخرى أم لا؟
* إن كان هذا الرجل قصَّر فى إيصال الزكاة إلى أصحابها: وجبت عليه الزكاة مرة أخرى وهو مذهب الجمهور.
* وإن كان لم يقصِّر فى أداء هذه الزكاة ولكن الأمر تعذَّر عليه (إما لأن الأموال ليست تحت يده وإما لأنه لا يجد مصارفها..): سقطت عنه الزكاة مرة أخرى.
******************
زكاة عروض التجارة:
- عروض التجارة: تعنى الأموال التى ليست بأثمان من نبات وحيوان وعقار ما إلى ذلك.
- إذا اتخذ إنسان سلعة للتجارة وقوَّمها فوجد أن قيمتها بلغت النصاب وحال عليها حول وجب فيها ربع العشر فى مذهب الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم ، وهذه الجملة فيها مسائل:-
* المسألة الأولى: كيف تكون عروضا للتجارة؟
- هذا بشرطين: أ- أن يمتلكها بالفعل وليست بمجرد النية فقط.
ب- أن ينوى عند تملكها أنها للتجارة. ( فلو اشتراها بغير نية التجارة كالاقتناء مثلا ثم نوى أنها للتجارة بعد ذلك لم تكن من عروض التجارة ولا تجب فيها الزكاة وإن تملكها للتجارة ثم نوى بعد ذلك أنها للاقتناء ثم تغيرت نيته أنها للتجارة لم تكن من عروض التجارة ولا تجب فيها الزكاة ، وإن تملكها بإرث مثلا ، فالأصل الاقتناء ثم نوى بعد تملكها أنها للتجارة لم تكن من عروض التجارة أيضا ولا تجب فيها الزكاة).
* المسألة الثانية: أن يحول عليها الحول وجب فى هذه العروض عندئذ ربع عشر قيمتها..
- لو أن إنسانا تملَّك سلعة للتجارة وحين قوَّمها لم تبلغ قيمتها النصاب ؛ هل يبتدأ الحول حينئذ؟ - لا يبتدئ الحول فى مذهب جمهور العلماء.
- فإن زادت هذه السلعة إما بالنماء وإما لزيادة الأسعار مثلا وإما لأنه اشترى عروضا أخرى حين تُضَم إلى العروض السابقة تبلغ قيمتها النصاب: فمن حين أن تبلغ القيمة النصاب ينعقد الحول.(1/8)
* وكذلك العكس: لو أنه اشترى سلعة فقوَّمها فوجد أن قيمتها تبلغ النصاب ولكنها نقصت عن النصاب فى أثناء الحول.. إذن يهدم كل ما فات من حين عقده للحول وحين تبلغ النصاب مرة أخرى يستأنف الحول من أوله.
* بينما ذهب مالك رحمه الله: إلى أنه ما دام اشترى سلعة للتجارة سجَّل تاريخها منذ أن اشتراها وعند مرور الحول ينظر فيها فإذا بلغت النصاب إذن فيها ربع العشر.
إذن فالإمام مالك رحمه الله اعتبر قيمة السلعة فى آخر الحول ولم يعتبرها فى أوله.
* بينما ذهب أبو حنيفة رحمه الله: إلى اعتبار طرفى الحول: أى يُقوِّم السلعة فى البداية لو وجدها بلغت النصاب عقد الحول من وقتها ، وبعد مرور سنة يُقوِّمها مرة أخرى فإن وجدها كما هى أو زادت عن النصاب وجب ربع العشر وإن قلَّت قيمتها أثناء الحول.
- وقال رحمه الله: أنه سيكون من العسر أن ينظر فى السلعة أثناء الحول يتفقدها كل وقت وحين إن بلغت النصاب وجبت عليه الزكاة وإن نقصت عنه لم تجب عليه فهذا من العسر والمشقة فراعى فيها طرفى الحول فقط.
-- ردَّ الجمهور على أبى حنيفة رحمه الله: أنه لا يستقيم ذلك لأن الواجب فى المال أن يبلغ النصاب وأن يحول عليه الحول وهو نصاب ، وأما مسألة العسر فالمسألة بالظن ؛ فإن كان المال قريب من النصاب فعليه أن يضبط حسابه ، وإن كان بعيد عن النصاب فلا يحسب حتى يظن أن المال قريب من النصاب وهكذا... وغلبة الظن معمول بها فى الأحكام الشرعية.
* المسألة الثالثة: هل يخرج الزكاة بالقيمة أم من عين السلعة؟
- ذهب أحمد وأحد القولين عن الشافعى: إلى انه تُخرَج الزكاة من القيمة.
- وذهب الشافعى فى قوله الآخر وأبو حنيفة: إلى أنه مُخيَّر بين إخراجها من القيمة أو من عبن السلعة التى يتاجر فيها.(1/9)
* رد الفريق الأول (من ذهب إلى انها تخرج بالقيمة) قالوا: أن الزكاة لم تجب فى عين السلعة ولكن وجبت فى قيمتها ، فعندما ننظر فى سلعة كالقماش مثلا لنرى هل تحققت فيها الأموال الزكوية أم لا لم نقم بقياس هذا القماش بالأمتار مثلا وإنما قوَّمناه بالمال فوجبت لذلك الزكاة بالقيمة ولم يكن مخيرا بين القيمة وبين عين المال (السلعة).
* المسألة الرابعة: هل تُحسَب الزكاة بالدراهم أم بالدنانير ، أى على نصاب الذهب أم على نصاب الفضة؟
- ذهب أحمد وأبو حنيفة رحمة الله عليهما: إلى أنها تحسب بالأحظ للمساكين ؛ بمعنى أنها لو قيست على نصاب الذهب فوُجشد أنها لم تبلغ النصاب ، ثم قاسوها على نصاب الفضة فوجدوا أنها بلغت النصاب.. إذن تقاس على نصاب الفضة لأن ذلك هو الأحظ للمساكين.
- بينما ذهب الشافعى رحمه الله: إلى أنه لا اعتبار لمسألة الأحظ للمساكين فى هذا لأن الأصل فى هذه الأموال الحرمة ، والله عز وجل لم يُحَكِّمنا فى هذه الأمور وإنما شرع لنا شرعا ينبغى أن نلتزم به ، وإن الله عز وجل الذى قدَّر الزكوات وجعلها فى ذمة الأغنياء تجاه الفقراء أرحم بالعبد من الوالدة على ولدها ، فعندما نقول أن هذه السلعة ستُقَدَّر بالقيمة.. إذن ننظر إلى هذه السلعة بِمَ اشتراها المُزَكِّى أصلا؟
- لو كان اشتراها بالدراهم فتُقَدَّر بالدراهم ، ولو كان قد اشتراها بالدنانير فتُقَوَّم حينئذ بالدنانير. (وإن كانت هذه المسألة ليست لها إشكال فى واقعنا حيث أن جميع التعاملات الأن بالنقود والتى تعتبر كأنها سندات للذهب).
*******************
زكاة الحيوان: (الإبل - البقر - الغنم)
- أولا: الإبل: (لكل إبل شاة) -------> من 5 ــ 24 -------> فيها 4 شياة. (الشاة: إما جذعة من ضأن بلغ أكثر السنة ولم يُتِمَّها ، أو ماعز سنية <أى أتمت السنة> ).
25 ــ 35 ------> ابنة مخاض. (أى التى بلغت سنة وشرعت فى الثانية) ، أو ابن لبون. (أى الذى بلغ سنتان وشرع فى الثالثة).(1/10)
- 36 ــ 45 ------> ابنة لبون.
- 46 ــ 60 ------> حِقَّة. (أى التى بلغت ثلاث سنوات وشرعت فى الرابعة).
- 61 ــ 75 ------> جَذَعَة. (أى التى بلغت أربع سنوات وشرعت فى الخامسة).
- 76 ــ 90 ------> ابنتا لبون.
- 91 ــ 120 -----> حِقَّتان طروقتا الفحل.
- ما زاد على 120 ----> كل أربعين بنت لبون ، وكل خمسين حِقَّة.
* الأصل فى هذه المسألة ما اخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبخارى أيضا وفرَّقه فى عشرة مواضع من صحيحه من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه: أن أبا بكر رضى الله عنه كتب له كتابا حين أرسله إلى البحرين ، قال: (إن هذه فرائض الصدقة التى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التى أمر الله بها رسوله ، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سُئل فوق فوق ذلك فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل ، والغنم فى كل خمس ذود شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين ، فإذا بلغت واحدة وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا بلغت واحدة وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففى كل أربعين بنت لبون ، وفى كل خمسين حقة..).
* ثانيا : الغنم فى سائمتها (أى التى ترعى فى الكلأ المباح) (السائمة وليست المعلوفة) : --------> من 40 ــ 120 -------> شاة واحدة. (الجذعة من الضأن والسنية من الماعز).
- 121 ــ 200 ------> شاتين.
- 201 ــ 300 ------> 3 شياة.
- 301 فما زاد ------> فى كل مائة شاة.
* ثالثا: البقر:------> التبيع ----> وهو الذى بلغ سنة ، والمسنة ----> هى التى بلغت سنتين.(1/11)
- ورد من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه الذى أخرجه أصحاب السنن الأربعة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى وأيضا الألبانى رحمه الله: (أن النبى صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مُسِنَّة). - وورد عند الطبرانى من حديث ابن عباس: مُسِنّ أو مُسِنَّة.
- وورد فى حديث أنس السابق أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يُؤخَذ فى الصدقة هرمة <أى العجوز التى تساقطت أسنانها من الكبر> ، ولا ذات عَوَاظ <بفتح العين: أى مرض أو عيب وضابطه هو العيب الذى يُرَد به البيع> ، ولا تَيْس إلا أن يشاء المُصَدِّق {هذا ما اختاره الشافعى رحمه الله ، أما ما اختاره الجمهور "المُصَّدِّق"} ، ولا يُجمَع بين مُفتَرِق ولا يُفَرَّق بين مُجتَمِع خشية الصدقة ، ومن كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية.
- المُصَدِّق ----> هو عامل الصدقة الذى يجمع الزكاة.
- المُصَّدِّق ----> هو مالك المال الذى سيؤدى الزكاة.
- الخليطين ---> فى مذهب أبو حنيفة ومالك فى أشهر أقواله هما الشريكان ، وعند الجمهور ---> فرَّقوا بين الخلطة والمشاركة.
* شروط الخلطة عند الجمهور: أ- اتحاد المسرح (المرعى).
ب- اتحاد المبيت.
ج- اتحاد الحوض (الشرب).
د- اتحاد الفحل (يطرقهم فحل واحد).
* مثال:- عند أبى حنيفة لو أن شريكان لكل واحد منهما 40 بقرة ، إذن المجموع 80 ، فعندما يأتى عامل الزكاة فيأخذ فى هذه الحالة من كل واحد منهما شاة أى مجموع الزكاة شاتين.
- وعند الجمهور (وهذا هو الصواب): فالزكاة الواجبة فى المثال السابق شاة واحدة عن مجموع ما عند الشريكين ولا يُفرَّق بين ما عند الأول وما عند الثانى.(1/12)
* قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يجمع بين مفترق): أى أنه لو كان عند زيد مثلا 40 بقرة وعند عمرو 40 أخرى وعند ثالث 40 ثالثة فيقوموا بجمعها حتى يأتى عامل الصدقة فيأخذ شاة واحدة عنهم جميعا ----> هذا هو المنهى عنه.
* إذن كيف يتم ضبط هذه المسألة والتفريق بين قوله (ولا يجمع بين مفترق) وبين قوله صلى الله عليه وسلم (ومن كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية) ----> الضابط فى هذا قول الإمام أحمد رحمه الله: {أن المسلمين لا يحلفون على صدقاتهم} ، فإن ثبت لعامل الصدقة شاهد معين أخذ به مهما قال المالك ، وأما لو لم يثبت عند العامل فالقول قول المالك بغير يمين وحسابه عند الله تعالى.
******************
زكاة الزروع :
* أخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت الأنهار والغيم والعُشُور ، وفيما سُقِى بالسَّانية نصف العشور).
- السانية ----> هى البعير أو الحيوان الذى يدير الساقية.
* وأخرج البخارى من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريا العشر ، وفيما سُقِى بالنَّضح نصف العشر).
- عثريا ----> أى الذى يمد بذوره فى الأرض حتى يصل إلى المياة الجوفية فلا يحتاج إلى مسقى).
* وسبق ذكر حديث جابر بن عبد الله عند مسلم وفيه قول النبى صلى الله عليه وسلم: (.. وليس فيما دون خمس أوسق من التمر صدقة).
- ذهب أبو حنيفة: إلى أنه أى زرع يُزرَع فى الأرض بقصد النماء فيه االعشر أو تجب فيه الزكاة بدون وجود نصاب أى فى قليله وكثيره عدا الحطب والغاب والحشيش والأشجار التى لا ثمر لها استنادا على حديث جابر الأول.
* الوسق ----> ستون صاعا بالإجماع (60 صاع) ، والصاع ----> أربعة أملاك.
- وذهب داود الظاهرى: إلى أن ما يُكال لا تجب فيه الزكاة فيه فى أقل من خمسة أوسق ، والذى لا يكال فتجب الزكاة فيه كثيره وقليله.(1/13)
** قول داود أعمّ من قول أبى حنيفة من جهة أنه أوجب الزكاة فى كل ما تخرجه الأرض ، وأخصّ من جهة أن ما يكال فلا زكاة فيه حتى يبلغ 5 أوسق.
** وقول أبى حنيفة أعمّ من قول داود من جهة أن الزكاة تجب فى القليل والكثير ولا يعتبر أمر المكيال ، وأخص من جهة أنه استثنى أربعة أشياء {الحطب - الغاب - الحشيش - الشجر الذى لا ثمر له}.
- بينما ذهب أحمد رحمه الله: إلى أن زكاة الزروع تجب فيما يُكال ويُدَّخَر وإن كان لا يُقتَات (أى ليس من القوت) ، فمثلا: الأرز والعدس هما مما يكال ويدخر ومن القوت فتجب فيهم الزكاة ، كذلك عنده الشَمَر والكسبرة مثلا: هذا مما يكال ويدخر ففيه الزكاة أيضا وإن كان لا يقتات.
واحتج بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) الذى ورد فى حديث أبى سعيد الخدرى رلضى الله عنه .. فالأمر عنده يتعلق بالمكيال ، فما يصلح للمكيال والإدخار فتجب فيه الزكاة.
- وذهب مالك والشافعى رحمهما الله: إلى أن الزكاة لا تجب أصلا فى الثمار إلا فى التمر والزبيب فقط ، وأما فى الزروع ففيما يكال ويدخر ويقتات.
- وذهب الحسن البصرى ، والحسن بن صالح ، ومحمد بن سيرين ، وعامر الشعبى ، وسفيان الثورى ، وعبد الله بن مبارك ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وموسى بن طلحة بن عبيد الله ، وهو المذهب المروى بالأسانيد الصحيحة عن معاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى: ----> إلى أن زكاة الزروع فى أربعة أشياء فقط ؛ {اثنان من الثمر ---> التمر والزبيب} ، {واثنان من الزروع ---> القمح والشعير}.
-- ووافقهم ابن عباس رضى الله عنهما وزاد عليها الزيتون. -- ووافقهم إبراهيم النخعى رحمه الله وزاد عليها الذرة.
* ودليل ذلك:-(1/14)
- ما رواه الدار قطنى أن موسى بن طلحة قال: (عندنا كتاب معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما تُؤخَذ الصدقة من هذه الأربعة: الحنطة والشعير والزبيب والتمر). - قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى.
* احتج البعض أن موسى بن طلحة لم يلقَ معاذ بن جبل رضى الله عنه.
* الرد على ذلك: ----> أن ذلك لا يعتبر علة لأنه لم يُحَدِّث عن معاذ ، وإنما حدَّث عن كتاب وجده لمعاذ رضى الله عنه وهذه وجادة وهى حجة فى مذهب المحققين من أهل الأصول ولا يشترط فى الوجادة لقيا صاحب الكتاب ، وإنما يشترط الوثوق فى هذا الكتاب فقط وأنه غير مدخول.
- فموسى بن طلحة رحمه الله كان قريب العهد بمعاذ بن جبل رضى الله عنه ، وهو ثقة ويجزم بذلك {عندنا كتاب معاذ} : فهذه وجادة من أقوى الوجادات يؤيدها ما رواه الدار قطنى والحاكم أيضا بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى رضى الله عنهما حين بعثهما النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: (لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربع: الشعير والحنطة والزبيب والتمر).
* فهذان الحديثان خصصا ما تجب فيه الزكاة ، وأما الحديثان الأوليان فكل ما فيهما أنهما يبيِّنان قيمة الزكاة الواجب خروجها ، وليس فيها نوعية الأموال التى تجب فيها الزكاة. {فهذا حصر لنوعية الزروع والثمار التى تجب فيها الزكاة}.
- وقد ثبت باللإسناد الصحيح عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه لا تُؤخَذ الزكاة من الخضروات ، وهذا مروى عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعائشة رضى الله عنهم.
إذن فالأحاديث حصرت الزكاة فى هذا الباب فى القمح والشعير والتمر والزبيب فقط..(1/15)
- ولا تجب الزكاة فى شيئ من الحب ولا الثمر حتى يبلغ خمسة أوسق ، وهذا مذهب أكثر أهل العلم وقد خالف فى ذلك أبو حنيفة ومجاهد التابعى فأوجبا الزكاة فى الزروع فى قليلها وكثيرها دون اعتبار للخمسة أوسق الواردة فى حديثى أبى سعيد الخدرى وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة).
- وتعتبر الأوسق الخمسة عند تصفية الحب وعند جفاف الثمر فإذا بلغت خمسة أوسق بعدها وما زاد عليها أيا كانت هذه الزيادة وجب فيه العشر إن كان يسقى بماء المطر وما إلى ذلك ، أو نصف العشر إن كان يسقى بالآلة.
- تقدر الزكاة فى الحب بالمكيال ، فإن بلغت خمسة أوسق فما زاد يخرج العشر أو نصف العشر على حسب طريقة الرى ، أما فى حالة الثمار فإنها تُخَرَّص وهذا مذهب عامة أهل العلم.
- الفرق بين الثمار والحب: أن الثمر يحتاج صاحبها ان يأكلها عند النضج وقبل أن تجف.
- التخريص: هو التخمين بغلبة الظن.
- إذن الخمسة أوسق تعتبر عند تصفية الحب وعند جفاف الثمار ، فلو بدا صلاح ثمار العنب مثلا واتى العامل ليخرص هذه الثمار فوجدها عشرة أوسق والعشرة أوسق لا تعطى خمسة أوسق من الزبيب (أى عند جفاف الثمر) ، فهل تجب الزكاة فى هذه الحالة؟ - لا تجب الزكاة لأن الخمسة اوسق تعتبر عند تصفية الحب وعند جفاف الثمرة لا عند بدو صلاحها.
- أما عن بدو صلاح الثمرة: ----> فهذا لثبوت وجوب الزكاة فيها ، فإذا بدا صلاح الثمرة وجب حينئذ التخريص لمعرفة قيمتها وقيمة ما تنتجه من الثمار بعد الجفاف أو اليبس.
- وزكاة الحبوب لا تجب إلا فى القمح والشعير فقط.
1) إذا كانت الزروع تسقى بغير مئونة وكلفة ففيها العشر كما سبق أن ذكرنا مثل ماء المطر أو الزرع الذى يمد جذوره إلى المياة الجوفية فيشرب الماؤ بغير مئونة ولا كلفة وما إلى ذلك.
2) أما إذا كانت تسقى بمئونة وكلفة كالدالية أو السانية أو الناعور أو الدولاب أو الوابور وما إلى ذلك ففيها نصف العشر.(1/16)
* وضابط ذلك أن يحتاج المزارع إلى ترقية الماء إلى أعلى الأرض باستخدام الآلة.
3) فإذا سقيت هذه الزروع مثلا نصف الحول بغير كلفة ، ثم فى النصف الآخر سقيت بكلفة واحتيج إلى رفع الماء لها: ----> ذهب الأئمة الأربعة أن فيها ثلاثة أرباع العشر.
4) فإذا سقيت بطريقة أكثر مما سقيت بالطريقة الأخرى:-
- ذهب أحمد وأبو حنيفة والشافعى فى أحد قوليه: إلى أن الحكم فى هذه الحالة للأغلب.
- والقول الآخر للشافعى: يُحسَب بالقسط.
* وجه القول الأول الذى حكم بالأغلب كما قال ابن قدامة رحمه الله فى المغنى:- تعتبر الغلبة هنا لأن مسألة تقدير الشرب وعدد مرات السقى وقدر ما يُشرَب فى كل مرة هذه مسألة متعذرة جدا فكان الحكم للأغلب.
- ولكن نحتاط هنا فنقول: إن أمكن أن يحسب هذا أخرجت الزكاة بالقسط بالنسبة لما قال الشافعى رحمه الله فى القول الآخر ، وأما إن تعذر فالحكم للأغلب.
5) عدم معرفة هل سُقِى بكلفة أو بغير كلفة (أى اختلطت على الأمور):
- ذهب أحمد رحمه الله: إلى أنه يجب عليه فى هذه الحالة أن يخرج العشر فهذا هو الأصل ، فالأصل فى زكاة الزروع والثمار العشر لكن فى حالة وجود الكلفة ففيها نصف العشر ، والكلفة فى هذه الحالة مشكوك فيها (فعند الشك يُبنَى على الأصل).
6) رجل عنده حائطين ؛ حائط يسقى بكلفة ، وحائط يسقى بغير كلفة: فعندما جاء يكيل الحائط الأول طلع له 3 أوسق مثلا ، والحائط الآخر 4 أوسق ----> فالمجموع يكون 7 اوسق (أى بلغ النصاب) ----> ففى هذه الحالة تضم الحبوب عند حساب النصاب ويخرج من الحائط الأول نصف العشر ، ومن الحائط الآخر العشر.
- مقدار الوسق ----> 60 صاعا بالإجماع. - (الاعتبار فى زكاة الزروع الكيل لأن الوسق كيل).
- الصاع ----> قَدَح وثلث. - الكيل ----> 8 أقداح.
إذن النصاب بالأقداح ----> 5 * 60 * 1 1/3 = 400 قَدَح.
إذن النصاب بالكيل ----> 400/8 = 50 كيلة.
* النصاب بالوزن:(1/17)
- الوسق ----> 60 صاع. - الصاع ----> 5 أرطال وثلث بالبغدادى 5 1/3
- الرطل ----> 90 مثقال. - المثقال ----> أربع جرامات وربع 4 1/4
إذن النصاب بالصاع ----> 300 صاع.
النصاب بالرطل البغدادى ----> 300 * 5 1/3 = 1600 رطل.
النصاب بالمثقال ----> 1600 * 90 = 144000 مثقال.
النصاب بالكيلو ----> 612 كيلو جرام.
*************
* مسألة:-
- من وجبت عليه الزكاة فأخرج العشر أو نصف العشر (أى أدَّى زكاة هذه الزروع والثمار) ، ثم بقيت عنده هذه الحبوب ----> فلا تجب عليه الزكاة فيها مرة أخرى ولو بقيت عنده أحوالا.
* متى تجب الزكاة؟
- فى الثمر ----> عند بدو الصلاح ولكن لا يستقر الوجوب إلا عند الجفاف والكيل.
* أجمع أهل العلم كما نقله ابن المنذر ---> على أن الثمار بعد التخريص إن أصابتها جائحة فأتلفتها فلا شيئ على صاحبها. (التخريص ---> أى أن يأتى المُخَرِّص الذى يجمع الزكاة إلى صاحب الثمر عند بدو صلاحه ولم يقطف أو يجفف بعد فيخرص هذه الثمار ويجد أن فيها الزكاة).
- وفى الحبوب ----> عند اشتداد الحب ولكن هناك قول آخر فى مذهب الإمام أحمد وهو الذى قال به ابن حزم وطائفة: إلى أن الزكاة تجب يوم الحصاد.
* ثمرة هذا الخلاف:- مسألة التصرف فى هذه الحبوب.
- فلو قلنا أنه تجب زكاة الثمار إذا بدا صلاحها ---> فيلزم من هذا أنه إذا بدا صلاح هذه الثمار ثم باع صاحبها الثمار أو وهبها ---> فقد استقرت الزكاة برغم ذلك فى ذمته.
- أما لو قلنا باعتبار الزكاة يوم الحصاد ---> ففى هذه الحالة لو باع صاحب الثمار هذه الثمار حتى بعد بدو صلاحها ولكن قبل الحصاد ---> فلا شيئ عليه.
* هذا الخلاف قوى فى مسألة الحبوب ولكنه ضعيف فى مسألة الثمار.(1/18)
لأنه فى مسألة الثمار فقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى غير ما حديث أنه خرَّص الثمار منها أنه أرسل عبد الله بن رواحة رضى الله عنه يخرص على خيبر ثمارهم ليستخرج حصة المسلمين منها وخرَّصها رضى الله عنه بعشرين ألف وسق.
- فهذا التخريص يدل على الوجوب فى مسألة الثمار عند بدو الصلاح ولا اعتبار للحصاد فى ذلك ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه خرَّص الحبوب ---> إذن فهناك قوة فى قول أحمد ومن وافقه أن الحبوب لا تجب زكاتها إلا إذا حصدت.
- والجمهور على أن زكاة الحبوب ----> تجب إذا اشتدت. (أى تيبست وهى فى عيدانها وقبل أن تجنى وتجمع).
***************
* مسألة:-
- إذا تلفت الثمار بعد بدو الصلاح ولكن قبل أن يحين موعد الإخراج (أى خرَّصها عامل الزكاة بعد بدو صلاحها وتلفت من غير عمد منه) ----> فلا زكاة عليه بإجماع أهل العلم.
- ولكن إن تلف بعض الثمار (بعد التخريص) ----> فتجب الزكاة إن كان ما بقى بلغ النصاب.
- فإذا تمَّ التخريص بعد بدو الصلاح وقام صاحبها بجنيها ، أو جمع الحب وقبل أن يدرسه (أى يصفى القشرة منه) ، شبَّ حريق فيه مثلا فأكل هذا الحب ----> فهذا الرجل بعد أن استقر فى ذمته الزكاة أى بعد حلول وقت الوجوب تَلِفَ هذا الزرع قبل وقت التمكن من الإخراج ---> فلا تجب عليه الزكاة فى هذه الحالة.
*************
* مسألة:-
* هل يجوز نقل الزكاة من بلد إلى آخر؟ (إذا وُجِدَت مصارفها فى هذا البلد):
- ذهب أحمد والشافعى: إلى عدم جواز ذلك.
- وذهب أبو حنيفة: إلى أنه يكره له ذلك وليس على التحريم ، واستثنى من ذلك إذا كان سيبعث هذه الزكاة إلى قرابة له ، وكذلك إن كان من فى البلدان الأخرى أشد احتياجا ممن هم فى بلده.
- وقال مالك: أنه يجوز نقلها ولكن إن وُجِدَ أهلها فى بلدان أخرى ولا يوجد فيها أغنياء يغنوا أهل هذه البلد فهذا متروك لنظر الإمام واجتهاده.(1/19)
* دليل أحمد والشافعى: حديث ابن عباس رضى الله عنهما فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذ رضى الله عنه إلى اليمن قال له: (فإن هم أجابوك بذلك فاعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تُؤخَذ من أغنيائهم وتُرَد على فقرائهم).
- وروى أبو داود بإسناد صحيح عن عمران بن حصين رضى الله عنه انه استُعمِل على الصدقة فسافر لتحصيلها فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتمونى؟ إنما أخذتها من حيث كانت تُؤخَذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعتها حيث كانت تُوضَع.
* ولكن من جهة النظر فأقرب الأقوال التى لا يُعتَرَض عليها هو قول مالك رحمه الله ، وحتى مع عدم وجود إمام ---> فيترك هذا الأمر إلى نظر ربّ المال واجتهاده ، لكن الذى ينبغى أن يُعلَم أنه لا يجوز لأحد أن يحابى فى هذه الزكاة.
- بمعنى أنه لو وُجِدَ قريب له يحتاج إلى الزكاة ووجد غريب عنه أشد احتياجا لها: فيعطى من هو أشد احتياجا لها ولو كان غريبا عنه.
* ولكن ذهب أكثر أهل العلم: إلى أن الإنسان إذا نقل الزكاة من بلد إلى بلد أجزأته إن أعطاها إلى أهلها.
لأنه لو مُنِع ذلك لكان عدم النقل من بلد إلى بلد شرطا فى صحتها وهو فى الحقيقة ليس شرطا إنما هو واجب فقط ، والشرط هو أن تعطيها لأهلها والمستحقين لها.
* وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.(1/20)