المقامة بجامع الراجحي
الدورة العلمية السادسة
(الفترة ما بين 13/2- 23/3/ 1428هـ)
شرحه فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الله السكاكر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
أما بعد ....
في بداية هذه الدروس من هذه الدورة المباركة والتي سوف نتطرق فيها بإذن الله لما ييسره عز وجل من النوازل في باب الصيام وقبل أن نبدأ هذه النوازل نقدم بمقدمات مهمة في هذا الباب أول هذه المقدمات:
- تعريف الصيام :
الصيام في اللغة: هو الإمساك فمن أمسك عن كلام قيل أنه صائم ومن أمسك عن طعام قيل أنه صائم إني نذرت للرحمن صوماً يعني إمساكاً عن الكلام.
الصيام في الشرع: يقصد به الإمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .
- الإمساك بنية هذا يخرج الإمساك الذي يكون على سبيل الحمية مثلاً أو نحو ذلك فإن هذا لا يعد صياماً شرعياً, عن المفطرات التي جاء الشرع بالإمساك عنها, الإمساك يكون في الوقت الذي حدده الله وهو مابين طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
والصيام منه ماهو فرض وهو صيام شهر رمضان فإن هذا هو الركن الرابع من أركان الإسلام والذي تكاثرت عليه الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه محمد في فرضيته ووجوبه
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } وفي حديث جبريل وغيره أن النبي ' قال :" بني الإسلام على خمس .... وذكر منها صيام شهر رمضان"
ومن الصيام ماهو مستحب أو مندوب إليه وهو صيام التطوع ومنه ماهو واجب ولكنه ليس فرضاً كصيام الكفارة وصيام النذور فهذا واجب وليس من الفريضة الذي مر في النوع الأول .
المقدمة الثانية:
الحديث باختصار عن المفطرات وهي تنقسم إلى قسمين:(1/1)
1) مجمع عليها مجمع على أنها يفطر بها الصائم وهي الأكل والشرب والجماع والحيض والنفاس هذه الخمسة مجمع على أن الصائم يفطر بها والدليل قوله تعالى{ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فهذا فيه الأكل والشرب والجماع وأما الحيض فلما في المتفق عليه أن النبي ‘ قال في نقصان عقل المرأة:" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " فهذا في الحيض وأجمع أهل العلم أن النفاس في حكم الحيض فهذه هي المفطرات المجمع عليها، وهناك مفطرات أخرى مختلف في التفطير بها نذكرها إن شاء الله تعالى .
المقدمة الثالثة :
وهي مقدمة نحتاج إليها في كثير من المسائل التي سنعرض لها لأن البحث في هذه النوازل سيدور في عامته على المفطرات المعاصرة والأصل أن هذا المجلس لنوازل الصيام ما يتعلق بالتفطير وغيره لكن سيدور البحث على مفطرات الصائم المعاصرة لأنها هي أكثر المسائل المعاصرة في باب الصيام هذه المقدمة هي الحديث عن المقصود بالجوف عند الفقهاء فقد مر معنا مما أجمع أهل العلم عليه بدلالة الكتاب والسنة أن الصائم يفطر بالأكل والشرب فأهل العلم استعملوا مصطلحاً مترتباً على هذا المفطر وهو الجوف ما وصل إلى الجوف ما دخل الجوف فما هو المقصود بالجوف في كلام الفقهاء؟
هذا الجوف من المصطلحات التي لم ترد في الشرع هو عبارة عن مصطلح استخدمه بعض العلماء ثم بدؤا يتداولونه ويتناقلونه حتى أصبح من المصطلحات المعروفة عند الفقهاء في باب المفطرات .(1/2)
الجوف: اختلف أهل العلم في هذا الجوف المقصود أو الذي إذا وصل إليه شيء من الطعام أو الشراب ونحوه أنه يفطر به فمن أهل العلم من أطلق الجوف على كل تجويف داخل البدن فمثلاً: المخ جوف لأنه تجويف داخل الرأس,الأذن جوف,المريء جوف,البطن جوف,حتى المثانة تعتبر جوف. فكل ما دخل هذه التجويفات يعتبرون أنه مفطر ومن أهل العلم من قصر الجوف على البطن واعتبر أن ما وصل إلى الجوف أنه في حكم الأكل والشرب .
ومن أهل لعلم من ضيق الدائرة وقال : إن المقصود بالجوف هي تلك القنوات التي يحصل فيها انتفاع البدن من الطعام والشراب وهذا يحصل في المعدة والأمعاء فقالوا إن الجوف هو المعدة والأمعاء أما ماعدا ذلك لا يعد جوفا في المصطلح الشرعي أو المستخدم عند الفقهاء بحيث إذا بلغه الطعام أو الشراب أو ما ينتفع به يحكم بالفطر هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم سنحتاج إلى أن نعرف الراجح في هذا الخلاف لأننا سوف نحتاجه في المسائل القادمة.(1/3)
القول الراجح: أن الجوف الذي إذا بلغه الطعام أو الشراب أو ما في حكمهما يفطر به الصائم هوالمعدة أو الأمعاء لأنه في هذا الموضع يمتص الطعام وينتفع منه البدن والصيام عبادة معقولة الحكمة منها: أن يحبس الصائم نفسه عن الطعام والشراب وشهوة الجماع حتى تنكسر هذه النفس عن سورتها وحدتها وحتى تضيق مجاري الشيطان لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وحتى يغلب على الإنسان في هذه العبادة جانب العبودية لله تعالى بأن يمسك الإنسان عن شهوات نفسه ورغباتها إيثاراً لمحبوبات الله تعالى في الإمساك على ذلك فإن العبودية تتبين حينما تتنازع رغبات النفس مع محبوبات الله سبحانه وتعالى فيتضح حينئذٍ صدق العبودية لله تعالى بأن الإنسان يهدر رغباته وشهواته ولذاته في سبيل مرضات الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل:{ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} فالعبودية هي في أن تقدم محبوبات الله سبحانه وتعالى على محبوبات نفسك وما يرضاه الله عز وجل على ما تطلبه أنت وتشتهيه وتتلذذ به فهذه هي أعظم مقاصد الصيام هذه المقاصد تحصل في أعظم معانيها في أن يحبس الإنسان نفسه عن الطعام والشراب وما في حكمهما ويكسر حدة هذه النفس ويرغمها على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويضيق مجاري الشيطان في بدنه وهذا يحصل بإمساكه عن الطعام والشراب وما في معناهما هذا المعنى ما يحصل إلا إذا اعتبرنا الجوف هو المعدة أما كون الإنسان يدخل بدنه من غير المعدة شيء من المواد كالمواد الدهنية إذا ادهن الإنسان أو الماء إذا اغتسل الإنسان فإن هذا لا يحصل به ما يحصل للنفس من الطعام أو الشراب حينما تشبع هذه النفس وترتفع ويغيب فيها أو يضعف جانب العبودية لله سبحانه وتعالى .
بعد هذه المقدمات ننتقل إلى النوازل .
النازلة الأولى: بخاخ الربو
ماالمقصود ببخاخ الربو؟وكيف يستعمل؟ وإلى أين تذهب مواده؟ وكلام أهل العلم في هل يفطر به الصائم أولا يفطر؟(1/4)
بخاخ الربو:هو عبوة مضغوطة تحتوي على ثلاثة أمور أو أشياء :
الأول: الماء .والثاني: غاز الأكسجين .والثالث: المواد العلاجية التي يقصد أن تصل إلى الجهاز التنفسي فالعبوة هذه تحتوي على هذه الأمور الثلاثة النسبة الكبرى فيها للماء والباقي على الأكسجين والمواد العلاجية واستعمالها كما هو معروف هو بأن يضع الإنسان هذا البخاخ في فمه ثم يأخذ شهيقاً عميقاً وفي هذه الأثناء يطلق بخةً واحدة يستنشقها أو يتنفسها مع الشهيق(1/5)
هذه البخة أين تذهب حينما تستنشقها أو تتنفسها؟هذه البخة في غالبها وعامتها وأكثرها إلا ما ندر يذهب إلى الجهاز التنفسي بدأ بالفم ثم ما يسمى البلعوم ثم القصبات الهوائية ثم يذهب إلى الرئة غالب هذه المادة المستنشقة يذهب بهذا الاتجاه لكن هناك جزء يسير جداً من هذه المواد يعلق بجدران ما يسمى بالبلعوم والبلعوم هو أعلى الجهاز الهضمي يعلق به وربما الإنسان يبتلع شيئاً منه فيذهب إلى المعدة يعني جزء يسير جداً يعلق في البلعوم وجزء مما يعلق في البلعوم يذهب إلى المعدة والمعدة هي الجوف على الصحيح من أقوال أهل العلم فهذا الجزء اليسير يذهب في هذا الطريق وغالب هذا الغاز أو المادة المستنشقة يذهب إلى الجهاز التنفسي وننتقل إلى هل يفطر الصائم إذا تعاطي هذه المادة أو لا يفطر؟ اختلف المعاصرون من أهل العلم الذين بحثوا هذه المسألة على قولين: فذهب أكثر أهل العلم من المعاصرين إلى أن الصائم لا يفطر عند تعاطيه لهذه المادة أو الغاز وهو صائم وممن قال هذا القول المشايخ الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين ، والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ محمد الصديق الضرير واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية وقد رجح هذا القول الشيخ أحمد الخليل في بحثه المفطرات المعاصرة قال هؤلاء إنه لا يفطر بهذا البخاخ وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أنه يفطر به فإن الأصل أنه لا يجوز له أن يتعاطاه فإن احتاج إلى تعاطيه تعاطاه وقضى يوماً مكانه هذان هما قولا أهل العلم في هذه المسألة الذين ذهبوا إلى أن هذا البخاخ لا يفطر الصائم وهم الأكثر ومعهم من ذكرت لكم في هذه المسألة قالوا:(1/6)
إن الأصل صحة الصيام ولا يترك هذا الأصل وهذا اليقين إلا بيقين مثله ووصول شيء من هذا الرذاذ وهذه المادة إلى المعدة أمر مشكوك فيه لأن الأصل أن هذه المادة تذهب إلى الجهاز التنفسي فوصول شيء منها إلى المعدة هذا أمر مشكوك فيه واليقين لا يزول بالشك وبالتالي نقول إن الصيام يبقى صحيحاً حتى يثبت عندنا يقين أن جزءا من هذه المادة وصل إلى المعدة وكما قلت قبل قليل أن الأطباء يقولون أن جزءا يسير قد يصل إلى المعدة قال من قال بأن بخاخ الربو لا يفطر قالوا وعلى فرض أن جزءا من هذه المادة وصل إلى المعدة فإنه قدر يسير يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياساً على أمرين :(1/7)
الأول: ما يبقى بعد المضمضة فإن الأطباء وأهل العلم يقولون إن الإنسان إذا تمضمض وهو صائم إنه يصل إلى معدته من الماء قدر أكثر مما يصل إلى المعدة إذا استنشق هذا البخاخ لأن القدر الذي يصل إلى المعدة لو وصل من هذا البخاخ قدر ضئيل جداً جداً فإنه هذه العلبة علبة بخاخ الربو مقدار ما فيها تقريباً عشرة ملليلترات من هذا المحلول وهذه العبوة قد أعدت لتطلق مائتي بخة أي أن كل بخة واحدة من هذا البخاخ يبلغ مقدارها واحدا على عشرين 1/20 من المليلتر الواحد هذا الجزء من عشرين جزءا من الملي لتر عامته يذهب إلى الجهاز التنفسي إذاً ما يعلق في البلعوم جزء يسير جداً من هذه الكمية ثم الذي يعلق في البلعوم ليس كله يصل إلى المعدة وإنما الذي يصل إلى المعدة جزء يسير مما يعلق في البلعوم يقولون إن هذا القدر الذي يصل إلى المعدة من هذه المادة إنه لا يقارن أبداً بما يمكن أن يصل إلى المعدة إذا تمضمض الإنسان بالماء ومن المعلوم أن الصائم يجوز له أن يتمضمض والنبي ‘ يقول " بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" معنى ذلك أن الصائم يتمضمض ويستنشق والأطباء يقولون: لو تمضمض الإنسان بمادة مشعة يعني تظهر في الأشعة لو تمضمض ثم مج هذا الماء الذي تمضمض به أو هذه المادة لوجد أثر هذه المادة بعد مدة يسيرة في المعدة معنى هذا أنه إذا تمضمضت يبقى في الفم شيء ثم تبلعه أنت مع الريق فيصل إلى المعدة هذا الذي يصل إلى المعدة من بخاخ الربو لا يقارن أبداً بما يصل إليها من المضمضة فهؤلاء يقولون : لا يصل شيء من البخاخ إلى المعدة ولو وصل فهو قليل معفو عنه متجاوز عنه لا يحصل به الفطر قياساً على ما يمكن أن يصل إلى المعدة بعد المضمضة بالماء هذا القياس الأول .(1/8)
القياس الثاني : القياس على ما يمكن أن يصل إلى المعدة من السواك فإن هذا السواك أثناء الإستياك به تتحلل أجزاء منه ثم تذهب مع اللعاب إلى المعدة وفي صحيح الإمام البخاري معلقاً " يقول عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، مالا أحصي يستاك وهو صائم " والحديث وإن كان فيه مقال إلا أن الأصل في الأدلة الدالة على فضل السواك والترغيب فيه ليس فيها ما يدل على أن السواك يرغب فيه في حالة دون حالة والنبي صلى الله عليه وسلم ‘ قال " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " والصائم تمر عليه ثلاث صلوات وهو صائم الفجر ،الظهر ،العصر وقال:" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء "وكان إذا دخل داره ‘ يبدأ بالسواك وإذا قام من نومه يبدأ بالسواك فالأصل أنما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الفطر يفعله في الصيام مالم يثبت دليل يخرج ذلك عنه فهذا السواك ثمت أجزاء تتحلل منه مع اللعاب فتصل إلى المعدة فإذا لم يحصل الفطر بهذه الأجزاء التي تتحلل فإنه لا يحصل بما هو أقل منه وهو ما يكون من أثر بعد تعاطي بخاخ الربو هذا هو قول من قال أنه لا يفطر من تعاطى البخاخ أثناء الصيام وهذه هي حجتهم أظن إنه بمعرفة هذا القول ودليله نعرف دليل القول الثاني إذا القول الثاني أصبح واضحا وجليا لأنه إذا قلنا بخاخ الربو جزء يسير منه يعلق في البلعوم وجزء مما يعلق في البلعوم يصل إلى المعدة ومعنى ذلك أنه وصل إلى المعدة فهذا يُفطر فهذا هو دليل من قال بأن من تعاطى بخاخ الربو أثناء الصيام فإنه يفطر بذلك ودليل أصحاب القول الأول جواب عن دليل القول الثاني أن وصول هذا الماء إلى المعدة غير مسلم وعلى فرض التسليم به فما يصل يسير جداً معفوا عنه قياساً على ما يبقى بعد المضمضة وبعد السواك ولهذا نقول إن الراجح والعلم عند الله هو القول بأن بخاخ الربو لا يحصل الفطر به وهذا كما مر معنا أنه خلاف(1/9)
بين أهل العلم وأهل العلم يقولون الخروج من الخلاف مستحب فإذا أمكن لمريض الربو مثلاً أن يؤخر تعاطي هذا البخاخ ولا يترتب على ذلك مشقة ولا ضرر قلنا الأفضل أنه يؤخره خروجاً من الخلاف لكن إذا احتاج إليه فإننا نقول إنه لا يحصل الفطر بذلك والعلم عند المولى سبحانه .
النازلة الثانية : الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان
يقول الأطباء أن منطقة ما تحت اللسان. هذه تعتبر من أسرع المناطق امتصاصاً للعلاج في البدن بحيث أن هذه المنطقة إذا وضع فيها العلاج يمتصه البدن بأسرع وقت ولهذا هناك أقراص صنعت لمرضى القلب لمنع ما يسمى بالذبحات الصدرية هذا العلاج صنع لمرضى القلب لمنع هذه الذبحات أو التجلطات في القلب بحيث أن الإنسان يضع هذه الحبة تحت لسانه فما هي إلا مدة يسيرة جداً فيمتص البدن هذه المادة العلاجية فتصل إلى القلب عبر الدم وينتفع بها البدن هذه هي الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان هذه الأقراص اتخذ فيها مجمع الفقة الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في عام 1418هـ اتخذ فيها المجمع في تلك الدورة قراراً بالإجماع كما أظن أنها لا تفطر لكن بشرط أنما يتحلل من هذا القرص لا يبتلعه الإنسان أو يزدرده لأن هذه الأقراص إذا وضعت تحت اللسان ربما يتحلل شيء منها يبقى في اللعاب فهذا الذي يتحلل ما يبتلعه الإنسان وإنما يمجه فإذا لم يبتلع الإنسان ما يتحلل من هذا القرص وإنما كان دخولها إلى البدن عبر هذه القنوات التي تحت اللسان عبر الدم فإنه لا يفطر بذلك لأن الأصل صحة الصيام ولا نترك هذا الأصل إلا بيقين وهذه الأقراص ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معنى الأكل أو الشرب فإنها لا تصل إلى المعدة ولا يحصل للبدن بها من القوة والنشاط ما يحصل بالطعام والشراب فهي ليست طعاماً ولا شراباً ولا في معنى الطعام أو الشراب ولهذا نقول إن هذه الأقراص لا يحصل بها الفطر لكن بالشرط الذي ذكرت لكم وهو أن ما(1/10)
تحلل منها لا يبتلعه الإنسان لكن لو تحللت في الفم ثم ابتلعه الإنسان فحينئذٍ نقول إن هذا عبارة عن أكل أو شرب والله سبحانه قال { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } بمعنى انه إذا تبين الصبح أمسك الإنسان عن الطعام والشراب فإذا ابتلع ذلك فإنه يفطر به .
النازلة الثالثة : منظار المعدة.
منظار المعدة هو عبارة عن جهاز طبي متصل بسلك أو خيط أو نحو ذلك يدفع في الجهاز الهضمي للإنسان عبر الفم ثم البلعوم ثم المريء ثم يصل إلى المعدة وهذا الجهاز في غالب أحيانه يستعمل لأغراض تشخيصية إما تصوير وإما أخذ عينات أو نحو ذلك ثم بعد انتهاء الغرض يسحب مرةً أخرى ويستخرج هذا هو المنظار الذي نريد أن نتحدث عنه . هل يحصل به الفطر إذا فعله الإنسان وهو صائم ؟ وقبل ذلك نبحث مسألة الخلاف فيها يؤثر في المسألة التي بين أيدينا هذه المسألة هي :هل كل ما وصل إلى الجوف بالمعنى الذي رجحناه وهو المعدة هل كل ما وصل إليها يعد مفطراً أم لا يعد مفطراً إلا ما وصل إلى الجوف مما يطعم أو يشرب أو ينتفع به البدن ؟ فمثلاً إنسان معه خرزة أو لؤلؤة وهو صائم ثم وضعها في فمه وابتلعها عمداً هذا هو محل الخلاف في هذه المسألة هل يفطر بذلك أم لا ؟ من المعروف أنك إذا شربت ماءً أن هذا مفطر بالإجماع كما مر معنا لكن إذا أكلت وأنت صائم حصاة مثلاً أو لؤلؤة ووصلت إلى المعدة هل تفطر بذلك أم لا ؟ جماهير أهل العلم يقولون :إنه يفطر بابتلاع أي شيء سواء كان مما يطعم أو يشرب أو مما لا يطعم ولا يشرب ولا يتحلل لو ابتلعت حصاة عمداً قلنا أنك أفطرت فإن قيل : هذه الحصاة لا تنفع ولا تغني ولا تسمن يقولون المهم أنك ابتلعتها ووصلت إلى المعدة فأنت تفطر بذلك هذا القول قال به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلا أن الحنفية قيدوا هذه المسألة بشرط فقالوا: - وهنا يتضح أحياناً فائدة وثمرة الخيال الفقهي الواسع ربما ذلك الفقيه الحنفي(1/11)
حينما ذكر مثل هذا الأمر لم يأتي في خلده أنه سيأتي بعد قرون شيء يسمى المنظار- فالحنفية يقولون : إنه يفطر بما وصل إلى المعدة ولو لم يكن مطعوماً ولا متحللاً لكن بشرط أن يستقر في المعدة فعند الحنفية لو أن الإنسان ربط خرزة مثلاً من اللؤلؤ بخيط ثم ابتلعها ووصلت إلى المعدة ثم سحبها مرةً أخرى فإنه لا يفطر بهذا في ذلك الوقت نقول إن هذا عبارة عن ترف فقهي أن الإنسان يتخيل مسائل قد لا تكون موجودة في ذلك الزمن ولا يخطر في بال أنها موجودة لكن الآن وجدت فعند الحنفية أنما يصل إلى المعدة يفطر به الصائم ولو لم يكن مما يتحلل أو ينتفع البدن به لكن بشرط أن يستقر. هذا هو القول الأول في هذه المسألة . القول الثاني في هذه المسالة ذهب إليه بعض المالكية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ’ قال أصحاب هذا القول إنه لا يفطر بما وصل إلى المعدة إلا أن يكون ذلك مما يطعم أو يشرب يعني مما يتحلل فينتفع البدن به فلو أكل حصاةً أو قرشاً فعند أصحاب القول الثاني أنه لا يفطر بذلك .(1/12)
الجمهور الذين قالوا بأنما دخل إلى المعدة يفطر الصائم به ولو كان مما لا يطعم ولا يتحلل استدلوا على ذلك بعدد من الأدلة من هذه الأدلة أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن الاكتحال للصائم " وقالوا إذا اكتحل الإنسان فإن جزءا منه يصل إلى البلعوم ثم مع الريق ينزل إلى المعدة والكحل ليس مما ينتفع به البدن فهذا دليل على أنه يفطر بما وصل إلى المعدة سواء أكان نافعاً أو لم ينتفع به البدن لكن هذا الحديث حديث منكر لا يصح . الأمر الثاني قالوا أن ابتلاع الحصاة يسمى أكلاً وبتالي يدخل في النصوص الشرعية كما في قوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فهؤلاء يقولون : إن هذا أكل لكن أصحاب القول الثاني يقولون هذا هو محل النزاع وأهل العلم يقولون : ما يصح الاستدلال على الخصم بمحل النزاع فنحن لا نسلم أن هذا أكل الأكل إنما هو لما يطعم أو يشرب ولهذا الأكل والشرب ورد في الآية والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله تعالى وقد قال : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ . رواه مسلم(1/13)
فالحديث يدل على أن الأكل إنما يعد أكلاً مفطراً إذا كان مطعوماً أيضاً استدل الجمهور بماصح عن ابن عباس _ أنه قال " إنما الفطر فيما دخل لا فيما خرج "وهذا وإن ثبت عن ابن عباس _إلا أنه مقيد كما قيدت الآية لأن الفطر فيما دخل مما يطعم مما ينتفع به البدن مما يتقوى به البدن لأن الحكمة من مشروعية الصيام هو- حبس النفس عن شهواتها وكسر حدتها وتضييق مجاري الشيطان وهو الدم فيها وهذا إنما يحصل بترك المطعومات أما غير المطعومات فدخولها للبدن لا يقوي البدن ولا يوسع مجاري الشيطان فيه .
القول الثاني وهو قول بعض المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية ’ الذين قالوا إنه لا يفطر بما دخل إلى المعدة إلا أن يكون مطعوماً أو مشروباً يتحلل فينتفع به البدن فقالوا لأن هذا هو الحكمة من الصيام لأن الحكمة من الصيام هي منع البدن في هذا الوقت من الطعام والشراب الذي يحصل به تقوي وأنتم تعرفون أن النفس إذا شبعت حصل لها الأشر والبطر وهذا أمر مشاهد فإذا جاعت انكسرت حدتها وسورتها وذهب الأشر والبطر وما يحصل من المعاني التي تنافي العبودية،والذل والخضوع لله عز وجل يحصل بالإمساك عن الطعام والشراب ويحدث عكسه بتعاطي الطعام والشراب الذي يتقوى به البدن أما تعاطي الحصاة أو خرزة أو نحوه فإنه لا يؤثر في ذلك ولهذا قال أصحاب هذا القول إنه لا يفطر إلا إذا وصل إلى المعدة شيء مما يتحلل وينتفع به البدن ويتقوى وهذا القول رجحه الشيخ أحمد الخليل في كتابه المفطرات المعاصرة وهو الذي يظهر إن شاء الله .
بعد ذلك نأتي إلى مسألتنا وهي مسألة المنظار هل يفطر به الصائم أو لا يفطر؟
فنقول المنظار له حالتان :(1/14)
الأولى :هي أن يقوم المعالج بوضع مادة هلامية أو مادة دهنية أو نحو ذلك على هذا المنظار من أجل تسليك وتسهيل عملية دخوله أو يضخ الطبيب عبره محلول الملح ونحوه لإزالة العوالق عليه لتسهيل عملية التصوير وحينئذٍ نقول : إنه يفطر الصائم بذلك لأنه وإن كان المنظار لايتحلل ولاينتفع به البدن إلا أن تلك المواد يمتصها البدن ويحصل له بها نوع انتفاع .
الحالة الثانية : أن يقوم المعالج بإدخال هذا المنظار بدون وضع أي شيء عليه أو من خلاله وحينئذٍ فالكلام في الفطر به متفرع على الكلام بالفطر بدخول شيء إلى المعدة لا يتحلل مثل ابتلاع القرش والحصاة ونحو ذلك فجمهور أهل العلم يقولون إنه يفطر بذلك لأنه جسم وصل إلى المعدة فهو في حكم الأكل أو الشرب والحنفية يقولون لا يفطر لأنه لا يستقر وأصحاب القول الثاني وهم بعض المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية ’ يقولون إنه لا يفطر بذلك لأن هذا ليس مطعوماً ولا مشروباً ولا يتحلل ولا يحصل للإنسان له به قوة ولا نشاط فلا ينافي معنى الصيام ولا الحكمة من الصيام وبتالي لا يفطر بذلك وهذا القول رجحه الشيخ محمد بن صالح العثيمين ’ وهو الراجح إن شاء الله تعالى.
النازلة الرابعة:(1/15)
ما يتعلق بنفوذ شيء إلى البدن عن طريق الأنف. فمن ذلك قطرة الأنف هل يفطر الصائم بوضع شيء من هذا الدواء في أنفه أو لا؟ وقبل أن نذكر أقوال أهل العلم في التفطير بهذه القطرة نؤكد على أن الأنف منفذ إلى الحلق وإلى المعدة وهذا أمر ثابت في السنة ومؤكد عند الأطباء ومعروف عند الناس ففي حديث لقيط بن صبره _ في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ‘ وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" وهذا يفيد بأنه إذا كان صائما فلا يحل له أن يبالغ في الاستنشاق لئلا يصل الماء إلى جوفه فيفطر بذلك فالأنف منفذ إلى الحلق ثم إلى المعدة كما هو معروف وفي الطب الآن ما يتعلق بغسيل المعدة وأحيانا التغذية لبعض المرضى وأمور كثيرة يكون ذلك عن طريق الأنف فهو منفذ إلى المعدة.
إذا احتاج الصائم إلى أن يضع في أنفه قطرة من هذه القطرات الطبية العلاجية فهل يفطر بذلك أم لا يفطر؟
قد ذهب أكثر أهل العلم من المعاصرين ومنهم الشيخان ابن باز وابن عثيمين ’ إلى أن القطرة في الأنف تفطر وحجتهم في ذلك ظاهرة قالوا إن ما يوضع في الأنف من قطرات ينفذ إلى الحلق ثم إلى المعدة فيكون مفطراً لحديث لقيط ابن صبره "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" فإن وَضْعَ القطرة في الأنف أبلغ من المبالغة في الاستنشاق لأن المبالغة في الاستنشاق يحتمل أن يصل بها إلى حلقة شيء من الماء ويحتمل أن لا يصل لكن القطرة آكد لأن الإنسان يضعها بحيث لا تخرج هذا هو القول الأول في هذه المسألة.(1/16)
وذهب بعض أهل العلم أيضاً من المعاصرين إلى أن القطرة في الأنف لا تفطر واحتجوا على ذلك بأمرين : الأول أن ما يصل إلى الحلق من هذه القطرة قليل جدا فإن القطرة الواحدة ربما لا تصل كميتها إلى 6% من السنتيمتر المكعب الواحد فهي كمية قليلة جداً هذه الكمية يذهب أكثرها أو جلها في الشعب التنفسية والجيوب الأنفية وفي هذه القناة وما يصل منها إلى الحلق ثم بعد ذلك إلى المعدة قليل جداً فهو مما يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياسً على ما يصل إلى المعدة بعد المضمضة كما مر معنا سابقا. أيضاً مما احتج به أصحاب هذا القول أن هذه القطرة الطبية لو وصلت إلى المعدة فإنه ليس كل ما يصل إلى المعدة يحصل الفطر به .وعلى كل حال هذا الدليل فيه إشكال ونظر فبالتأكيد أن ما يصل من القطرة إلى المعدة سوف يحصل امتصاصهُ وليس صحيحاً أنه مثل الحصاة أو الخرزة أو نحو ذلك لكن كون هذا الذي يمتص مغذيا يحصل للإنسان به نشاط أو لا يحصل هذا ليس هو المعنى الذي يحصل به الفطر وإنما ما يصل إلى المعدة مما ينتفع به البدن أو يمتصه البدن ولهذا لو أن إنسانا مثلاً تناول سما هل نقول ما يفطر لأنه هذا ضار ولا ينتفع به البدن؟ هذا يعتبر أكلا أو شربا وبتالي يحصل به الفطر و بناء على هذين القولين فالذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم خاصةً أن ما يتعلق بالقطرة التي توضع بالأنف وإن كانت يسيره إلا أنه ما يأمن الإنسان أن يضع في أنفه خمس قطرات ، هل الإنسان حينما يضع القطرة في أنفه نجزم بأنه وضع قطرة واحدة مقدارها 6% من السانتيمتر المكعب ؟ هذا غير مجزوم به. بالأمس قلنا بالنسبة لبخاخ الربو البخه الواحدة الذي يصل منها يسير لأنها بخه واحدة لكن هنا قد الإنسان يريد أن يضع قطرة فيضع خمس قطرات. ثلاث قطرات . فنحن نقول إذا وصل إلى الحلق وإلى المعدة ما يزيد على ما يعفى عنه قياساً على ما يبقى بعد المضمضة فإنه يحصل به الفطر وإن كان الذي يصل إلى المعدة قدرا يسيرا جداً(1/17)
مثل ما يتسامح فيه مما يبقى بعد المضمضة فإنه حينئذ لا يحصل الفطرُ بذلك ولا شك أن المسألة كما قلت لكم إشكالها أنك ما تستطيع أن تجزم بمقدار ما وضع في الأنف فلو أن الإنسان جزم بأنه وضع قطرة واحدة في الأنف وما وصل من هذه القطرة إلى الحلق شيء لا يذكر قلنا إن القول الثاني هو الأرجح في هذه المسألة. لأن هذا يسير فهو مما يعفى عنه قياساً على ما يبقى في الفم بعد المضمضة لكن إذا لم يحصل اليقين بذلك ووضعت القطرة في الأنف ربما زادت وربما وصل إلى الحلق أكثر من ذلك فإننا نقول حينئذ إن هذه المسألة باب الاحتياط فيها ينبغي أن يكون مقدماً خاصةً أن النبي صلى الله عليه وسلم ‘ نص كما في حديث لقيط ابن صبره على عدم المبالغة في الاستنشاق إذا كان الإنسان صائماً وكما قلت لكم قبل قليل أنه في حال الاستنشاق إذا بالغ الإنسان في الاستنشاق فإن وصول شيء إلى حلقة مشكوك فيه ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم ‘ عن ذلك لئلا يصل شيء إلى الحلق فيحصل الفطر به فهذا لا شك أن القول الأول في هذه المسألة أنه أحوط لكن لو أنها كانت قطرة واحدة وتأكدنا من ذلك فإننا نقول إن القول الثاني أرجح لكن إذا حصل الشك في ذلك أو كان أكثر من ذلك فإننا نقول إن القول الأول أحوط في هذه المسألة .بالمناسبة فإن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد كما قلت لكم في دورته العاشرة عام 1418هـ أتخذ قراراً بالنسبة لقطرة الأنف أنها لا تفطر بشرط أن لا يبلع ما يصل إلى حلقهِ فلو أنه وضع في أنفه قطرةً ثم وصِلَ إلى حلقة شيءٌ منها فمجه وأخرجهُ فإنه لا يفطر بذلك لكن لو أبتلعه فإنه يفطر ويكون كالقول الأول في هذه المسألة.
النازلة الخامسة : غازات التخدير.(1/18)
التخدير له أنواع كثيرة وطرق شتى وإنما نريد في هذه المسألة أن نبحث نوعا واحدا من أنواع التخدير وهو ما يتعاطى عن طريق الأنف بهذه الغازات وإلا فإن التخدير يحصل بهذه الغازات التي تستنشق ويحصل أحياناً بطريقة الإبر الصينية ويحصل أحياناً بالإبر التي تكون إما باللثة أو الوريد أو نحو ذلك في طرق كثيرة. لكن ما نريد أن نتكلم عنه هو ما يتعاطى عن طريق الأنف أو الفم من هذه الغازات هذا الذي يتعاطى عن طريق الأنف من الغازات نريد أن نبحثهُ في أكثر من موضع .
أولاً: الفطر بعملية التخدير ثم نأتي بعد ذلك إلى الأثر وهو كون الإنسان يتخدر هل يفطر بذلك أو لا يفطر؟
نبحث في المسألة الأولى عملية التخدير ذاتها هل يحصل بها فطر أو لا حينما توضع هذه الغازات أو نحوها على الأنف أو الفم فيستنشقها المريض ثم يحصل له بذلك التخدير هذه الغازات التي توضع على الأنف أو على الفم فيستنشقها؟(1/19)
مجمع الفقه الإسلامي أتخذ فيها قراراً في دورته التي ذكرتها لكم على أنها لا تفطر . وقد ذكر بعض الفقهاء الذين بحثوا في هذه الغازات بأنه ليس لها أجرام وأنها تستنشق عن طريق التنفس و تذهب إلى مجاري التنفس وبتالي فإنها لا تنفذ إلى الحلق ولو نفذت إلى الحلق فما ينفذ منها يسير مما يعفى عنه ولا يحصل الفطر به قياساً على ما يبقى في الفم بعد المضمضة. هذا هو قرار مجمع الفقه الإسلامي في هذه المسألة. وقد ذكر لي أحد الأخوة بالأمس من الأطباء أن هذا الذي يوضع على الأنف للتخدير يصاحب أحياناً عملية إدخال المنظار إلى المعدة يقول إن هذا التخدير يكون معه أحياناً بعض البخار أو المواد التي تصل حتماً إلى المعدة، - ذكرت لكم الآن قرار مجمع الفقه الإسلامي وذكرت لكم ما ذكر لي أحد الأخوة الأطباء أنه يصل إلى المعدة من هذه الغازات مواد تصل حتماً إلى المعدة وهذه المواد لها أجرام و تمتص في المعدة فإذا كان ما يقوله الأخ دقيقاً بحيث أن هذه الغازات يكون معها مواد متحللة بخار ماء. مواد كيميائية وغير ذلك تصل إلى المريء ثم إلى المعدة فتمتصها المعدة وكان هذا المقدار كثيراً فإننا نقول أنه يفطر لكن مجمع الفقه الإسلامي والذين بحثوا هذه المسألة يقولون إنه لا يصل إلى المعدة من ذلك شيء يذكر وما يصل فهو داخل فيما يتسامح فيه مما هو يسير كما يبقى في الفم بعد المضمضة أو ما يصل إلى المعدة بعد المضمضة. هذه مسألة هل يقع الفطر بعملية التخدير؟ نأتي بعد ذلك إذا قلنا أن التخدير لا يفطر كما هو قرار مجمع الفقه الإسلامي ننتقل بعد ذلك إلى ما يحصل للمريض بعد عملية التخدير مما يشبه الإغماء التام لأن التخدير هذا المقصود منه تخدير المريض سوءً كان موضعياً أو تخديراً كلياً فإذا قلنا إن عملية التخدير لا تفطر، نأتي بعد ذلك إلى ما يحصل بعد تعاطي هذا المخدر.
فنقول ما يحصل للمريض بعد ذلك له حالات:(1/20)
الحالة الأولى: أن يكون فقدان الوعي جزئياً. مثل أن يكون فقدان الوعي مثلاً لمنطقة الجهاز التنفسي أو جهاز البلعوم والمريء مثل ما يحصل عند المنظار فهذا فقدان للوعي في جزء معين وهو ما يسمى بالتخدير الموضعي لا يغيب معه العقل ولا الإحساس ولا الإدراك وهذا لا يحصل به الفطر لأن الإنسان لا يزال بقواه العقلية و يستصحب النية إما حقيقة أو حكما .
الحالة الثانية: أن يحصل له تخدير كامل. بمعنى أنه يتعاطى هذا المخدر ثم بعد ذلك يفقد الوعي بالكلية فهل يفسد الصيام بذلك أو ما يفسد؟ فقدان الوعي بالكامل له حالتان أيضاً.
الحالة الأولى: أن يفقد الوعي جميع النهار. من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بمعنى أنه ما يمر عليه من الصيام وهو في حالة إفاقة أو تذكر لصيام .(1/21)
الحالة الثانية: أن يكون هذا التخدير في جزء من النهار يعني ساعة ساعتان ثلاث ساعات ثم يرجع إلى وعيه مرة أُخرى فأما الحالة الأولى لو أعطي المخدر مثلاً قبل طلوع الفجر وبقي مخدراً حتى غربت الشمس وكان من الليل عازماً على الصيام ناويا للصيام لكنه لما كان قبل الفجر بعشر دقائق أُعطي هذا المخدر فبقي مخدراً حتى غربت الشمس فهل يصح صيامه أو لا يصح؟ الكلام في هذه المسألة هو كلام أهل العلم في مسألة إذا أُغمي على الصائم النهار كلهُ لأن مسألة التخدير مثل مسألة الإغماء إن لم يكن التخدير أبلغ لأن التخدير يكون بفعل الإنسان وجمهور أهل العلم على أنه إذا خدر النهار كلهُ فإنه لا يصح منه صيام. والعلة في ذلك هي أن الصيام إمساك بنية وهذا لا يصح منه أن يقال أمسك بنية لأن هذا ليس معه وعي إطلاقاً والصيام كما تعرفون أنه تعبد لله سبحانه وتعالى ولهذا قلنا في تعريف الصيام بالأمس أنه إمساك بنية عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا الذي فقد الوعي بالكامل لا تصح منه النية لا حقيقة ولا حتى حكماً وبالتالي لا يصح صيامهُ ومن أهل العلم من قال إن الإغماء أو التخدير كما هو حاصل الآن في هذا الزمن إنه لا يفسد الصيام قياساً على النوم كما لو أن الإنسان نوى الصيام ثم نام قبل طلوع الفجر وما أفاق إلا بعد طلوع الشمس فإن هذا نام النهار كله وغاب معه العقل والإدراك فإذا قلتم أنه يصح هنا فإنه يصحُ هنا فإنه إذا صح من النائم صح من المغمى عليه. ولا ريب أنه يختلف المغمى عليه أو المخدر عن النائم فالنائم معه نوع إدراك وأما المغمى عليه أو المخدر فإنه ليس معه إدراك بالكلية ولهذا الذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم أن الصيام حينئذ لا يصح إذا خدر النهار كلهُ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"يقول الله عزوجل كل عمل ابن أدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدعُ طعامهُ وشرابهُ وشهوتهُ من أجلي"(1/22)
فأنت تلاحظ في الصيام معنى أن الإنسان يمتنع طاعة لله سبحانه وتعالى وتعبداً "يدعُ من أجلي" فالترك هنا من أجل الله سبحانه وتعالى هذا هو الصيام أما ما يكون من ترك للطعام والشراب دون أن يكون في ذلك قصد الصيام فإنه حينئذٍ لا يكون صياماً ولا يكون إمساكاً تماماً مثل لو أن الإنسان أمسك عن الطعام والشراب ونحو ذلك على سبيل الحمية أو الرجيم أو نحو ذلك فالذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم هو قول الجمهور في هذه المسألة وأنه لا يصح صيامه.
وبناء على قول الجمهور الذين يقولون لا يصح صيامهُ فإذا كان التخدير لجزء معين من النهار بمعنى أن الإنسان في وسط النهار في رمضان ذهب إلى الطبيب من أجل أن يعمل له منظارا أو نحو ذلك فوضع له هذا المخدر وخدره تخديراً كاملاً لمدة ساعتين مثلاً ثم بعد ذلك رجع وأفاق مرةً أُخرى فإن أهل العلم يختلفون في ذلك على قولين:(1/23)
فمن أهل العلم من يقول إن هذا يقطع النية، والنية في العبادات يشترطُ استصحابها في بداية العبادة حقيقة وفي أثنائها حكماً. ومعنى يستصحبها حكماً أن لا يأتي بما يقطعها فلا يشترط أن يتذكرها كل الوقت فالإنسان في صلاته يسهو والإنسان في رمضان ينام والإنسان في الحج ينام ويغفو فالمقصود أن لا يأتي بما يقطعها، لا ينوي قطع الصيام ولا ينوي قطع الصلاة فإذا نوى قطع النية انقطعت فهذا هو المقصود بالاستصحاب الحكمي فا أصحاب هذا القول يقولون إن غياب الوعي بالكامل يقطع النية وبتالي فإنه يفسد الصيام و من أهل العلم من قال إن هذا يقاس على النوم لأنه إذا حصلت له النية في أول العبادة وحصل له الإغماء أو التخدير في وسطها فإنه حينئذ استصحب النية حقيقة في بداية العبادة وفي أثنائها هذا التخدير يأخذ حكم النوم بمعنى أنه لم يأت بما يقطع وإنما غابت النية حينئذ وأنتم تعرفون أن مسألة الاستصحاب في أثناء العبادة أهون من قضية ما يتعلق بعدم استصحاب النية في بداية العبادة ففي بداية العبادة الأمر آكد أما في أثنائها فإنه أهون ولهذا ينام الإنسان ويغفل ويسهو في الصلاة وما تبطل صلاتهُ لكن لو أنه غفل عن النية في بداية العبادة ما دخل في العبادة أصلاً وما صحت العبادة منه ففي بداية العبادة لابد من استحضار النية لكن في أثنائها الأمر أيسر من ذلك ولهذا الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم أنه إذا حصل التخدير في وسط النهار أو في أثناء النهار دون أن يكون في أوله أو من أوله إلى أخره أن هذا لا يفسد الصيام.(1/24)
هذا البحث في مسألة التخدير بالغازات التي تكون عن طريق الأنف أو الفم بعيداً عما يكون مع التخدير من ملابسات أُخرى لكن لو وجدت ملابسات أُخرى مع التخدير فإن هذه تبحث لوحدها كما لو أدخل جهاز ومعه مثلاً مادة هلامية ونحو ذلك أو أعطي المريض حقنة مغذية مثلاً أو وضع في دم المريض حقنة مغذية كالسكر أو نحو ذلك هذه مسائل أُخرى سنبحثها لوحدها. نحن نتكلم الآن عن عملية التخدير فقط.
النازلة السادسة:
ما يتعلق بقطرة الأذن. فإذا وضع الإنسان في أذنه قطرة علاجية فهل يفطر بذلك أو لا يفطر؟ قبل أن نبحث هذه المسألة نبحث مسألة أختلف فيها أهل العلم قديماً، والآن صار الطب فيصلا فيها وهي هل الأذن منفذ إلى الحلق أو لا ؟ فالأطباء يقولون إن الأذن ليست منفذً إلى الحلق إلا في حالة واحدة.- فلو وضعت في الأذن سائلا ماء أو دهنا أو قطرة أو أي شيء . لا يمكن أن يصل هذا إلى الحلق إلا في حالة واحدة وهي إذا وُجد في طبلة الأذن خرق فحينئذ هناك قناة تصل من الأذن إلى الحلق ومن الممكن أن يضع الإنسان في أذنه شيئاً فيصل إلى حلقة أما إذا كانت طبلة الأذن غير مخرقة فإنه لا يمكن أن يصل شيء من الأذن إلى الحلق. فهذه مسألة مهمة قبل أن نبحث المسألة التي بين أيدينا(1/25)
وقد اختلف أهل العلم قديماً فيما إذا وضع الإنسان في أذنه دهنا أو ماء أو نحو ذلك هل يفطر بذلك أو لا يفطر فمن أهل العلم من قال إنه يفطر بذلك بناءً على أنه لو وضع في أذنه شيئاً فإنه ربما وجد طعمه في حلقة، ومعنى ذلك أنه منفذ ، ومن أهل العلم من قال إنه لا يفطر بما يصل إلى أذنهِ وذلك أن الأذن ليست منفذاًً للحلق فهذا ليس أكلا ولا شربا ولا في معناهما و الشرع إنما جاء بالفطر بالأكل والشرب والمفطرات المعروفة فهذا الذي يوضع في الأذن ليس أكلاً ولا شرباً ولا ينفذ إلى الحلق فنحن الآن بعد ظهور أن الأذن لا تكون منفذا إلى الحلق إلا إذا كانت الطبلة مخرقة. نقول: إن الطبلة إذا كانت سليمة فمعنى ذلك أن ما يوضع في الأذن لا يصل إلى الحلق وبتالي فإن هذا ليس منفذً إلى المعدة وبناءً عليه إذا كانت طبلة الأذن غير مخرقة فإن قطرة الأذن لا تفطر نأتي إلى الحالة الثانية :افترض أن طبلة الأذن مخرقة وحينئذ كما يقول الأطباء تكون الأذن منفذا إلى الحلق وقد يوضع في الأذن شيء فيصل إلى الحلق فهل يفطر بذلك أولا يفطر؟ فالكلام حينئذ كالكلام في قطرة الأنف وغيرها هل هذا الذي يصل إلى الحلق يحصل به الفطر لأنه يصل إلى الحلق ثم إلى المعدة وما وصل إلى المعدة فإنه يفطر به الإنسان مثل ما قيل في بخاخ الربو ومثل ما قيل في قطرة الأنف وغيرها فنقول أن هذا يصل إلى الحلق والجوف وبتالي يفطر به لحديث لقيط ابن صبره"وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " فهذا يعتبر في حكم الأكل والشرب أو نقول وهو القول الثاني في هذه المسألة وهو:الذي يقول به مجمع الفقه الإسلامي أنما يمكن أن يصل إلى الحلق لو كانت الطبلة مخرقةً يسير جداً بحيث أنه لا يخرج عن المقدار المعفو عنه فيما يتعلق بالمضمضة فما يصل إلى الحلق من قطرةٍ لا يزيد عما يصل إلى الحلق والمعدة مما يبقى إذا تمضمض الإنسان بالماء وهو صائم وإذا تمضمض بالماء وهو صائم فإنه لا يفطر بالإجماع فكذلك هنا(1/26)
لا يفطر وهذا هو القول الراجح إن شاء الله تعالى ومجمع الفقه الإسلامي يقول إنه لا يفطر بشرط أنه لا يبتلع ما يصل إلى حلقه لكن نحن نقول حتى لو وصل إلى
حلقه شيء وابتلعه فإن هذا لا يخرج عن كونه يسيراً يعفى عنه.
النازلة السابعة : غسيل الأذن.
أما إذا كانت طبلة الأذن سليمة وغير مخرقة فإنه لا يحصل الفطر بذلك لما سبق وأما إذا كانت طبلة الأذن مخرقة ثم غسلت هذه الأذن بماء أو نحوه ثم وصلت كمية تزيد عن المقدار المعفو عنه والقول حينئذ بأنه لا يفطر لا شك بأنه قول ضعيف والصحيح والله أعلم أنه إذا حصل غسيل الأذن وهي مخرقة الطبلة والغسيل حينئذٍ بماء كثير أو محلول كثير فإنه حينئذٍ يفطر بذلك استدلالا بحديث لقيط ابن صبره رضي الله عنه في السنن" وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما "لأن هذا في معنى الاستنشاق إذا كانت الأذن قناة تصل إلى الحلق وإلى المعدة ثم غسلت بالماء الكثير فوصل شيء إلى ذلك فهذا مثل ما يصل إلى الحلق إذا بالغ الإنسان في الاستنشاق ولهذا الظاهر والراجح حينئذٍ أنه يفطر بذلك لكن لو حصل الغسيل بشيء يسير أونحو ذلك فإن هذا يأخذ حكم القطرة لكن إذا كان كثيرا ًبماء أو محلول أونحو ذلك فإن هذا مثل إذا استنشق الإنسان أو بالغ بالاستنشاق فإنه يفطر بذلك .
النازلة الثامنة : قطرة العين(1/27)
ما يوضع في العين من مادة علاجية على شكل قطرة. قبل بحث هذه المسألة نقدم بإجابة على سؤال هل العين قناة إلى الحلق ؟ بحيث أنما يوضع في العين يصل إلى الحلق أم لا؟يقول الأطباء إن العين قناة إلى الحلق فإن العين لها قناة متصلة بالأنف ثم بالحلق ولهذا نقول إن هذا منفذ إلى الحلق ، والآن هل يحصل الفطر بما يوضع في العين من قطرة ؟ المسألة خلافية بين أهل العلم المعاصرين وقد ذهب أكثر أهل العلم ومنهم :الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين _عليهما رحمة الله_ إلى أنه لا يفطر الصائم بوضع قطرة في عينه ، لأن الصيام ثبت بيقين فلا يرفع إلا بيقين وما يصل مما يوضع في العين من قطرة لو وصل فإنه لا يزيد على ما يعفى عنه مما يتبقى بعد المضمضة فإن الأطباء يقولون إن تجويف العين لا يمكن أن يتسع إلا لقطرة واحدة وهذه القطرة حجمها لا يعدوا ستة بالمائة من السنتيمتر المكعب الواحد ثم إن هذه القطرة سوف يمتص أكثرها فيما يسمى بالقناة الدمعية وما يصل إلى الحلق إن وصل إلى الحلق فهو كمية ضئيلة جداً لا تزيد عما تسامح الشرع به في المضمضة بل إن بعض الأطباء يقولون إنه لا يمكن أن يصل شيء من قطرة العين إلى الحلق فإنما يوضع في العين يمتص بالكامل في القناة الدمعية وما يجده الإنسان من طعم في حلقه ليس عن طريق وصول هذه القطرة إلى الحلق وإنما يقولون إن الجسم لما إذا امتص هذه القطرة ذهبت مرارتها إلى مراكز التذوق في اللسان فيحس الإنسان بطعمها ولو لم تصل في الحقيقة إلى اللسان وإنما وصلت لامتصاصها في البدن ووصولها إلى مراكز التذوق وهذا كلام لبعض الأطباء وليس كلهم لكن لو أننا لم نأخذ بهذا الكلام وإنما أخذنا بأنه قد يذهب شيء من قطرة العين إلى الحلق فإننا نقول إنما يصل إلى الحلق من ذلك يسير جداً لا يتجاوز الحد المعفو عنه بالمضمضة ، ومن أهل العلم من قال إن قطرة العين يحصل بها الفطر وهؤلاء يقولون قياساً على الكحل فكما أنه(1/28)
يفطر إذا اكتحل فكذلك إذا وضع قطرة فإنه يفطر لأنه يجد طعمها في حلقه فإذا وصلت إلى جوفه أفطر بذلك وهذا على كل حال يجاب عنه بأن الأصل المقيس عليه ليس محل إجماع من أهل العلم ، فأهل العلم مختلفون في الكحل والصحيح أنه لا يفطر الإنسان بالكحل فالأصل المقيس عليه ليس مسلماً كما يستدلون بحديث لقيط بن صبره "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" قالوا هذا يصل إلى المعدة وقد أجبنا عن ذلك بأن ما يمكن أن يصل إلى الحلق ثم إلى المعدة من ذلك يسير معفو عنه فهو داخل تحت ما تجاوز الله عنه مما يبقى بعد المضمضة ولهذا فالصحيح أن قطرة العين لا يحصل بها الفطر .
النازلة التاسعة:
الحقن العلاجية سواء كانت جلدية أو عضلية أو وريدية.
فهذه هي أقسام الحقن منها ما يؤخذ تحت الجلد مثل حقن الأنسولين أو كانت مما يعطى في العضل أو في الوريد هذه الحقن قيدناها بالعلاجية لأنه سيأتي في النازلة التي تليها الحقن المغذية لكن مانريد أن نتكلم عنه الآن الحقن العلاجية هل يحصل الفطر بها؟(1/29)
مر معنا أن الجوف على التحقيق والراجح أن المقصود به المعدة و بالتالي فهذه الحقن العلاجية التي تؤخذ بالطرق الثلاث إذا عرفنا أنها لاتصل إلى المعدة بل تكون عن طريق الجلد أو عن طريق الدم وأنها لا تأخذ حكم الأكل ولا الشرب فيما يحصل بها من تقوية للبدن ونشاط وحيوية وغير ذلك فإننا نقول حينئذٍ إن الصيام ثابت بيقين وإن هذا الصيام الثابت بيقين لا يرتفع إلا بيقين مثله وهذه الحقن ليست من المفطرات التي نص الشرع على التفطير بها وليست في معناها ولهذا نقول إنها لا تفطر وبهذا قال أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة فقد اتخذوا قراراً بالإجماع أن هذه الحقن لا تفطر وهو قول الشيخين ابن باز والعثيمين عليهما رحمة الله تعالى وقد ذكر الدكتور أحمد الخليل في مفطرات الصيام المعاصرة أنه لا يعرف أحداً قال بأن هذه تفطر وذلك لما سبق من التعليل فنعرف أنه لا بأس للصائم أن يعطى إبرة الأنسولين تحت الجلد أو المضاد الحيوي أو يعطى اللقاح وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء من قِبل وزارة الصحة بأنها تنوي القيام بحملات تطعيم ضد الحمى الشوكية على المدارس في نهار رمضان فهل يحصل الفطر بهذه الإبر فأفتت اللجنة الدائمة بأن هذا لا يفطر.
النازلة العاشرة:
الحقن المغذية الوريدية.(1/30)
وهي التي تعطى لبعض المرضى وتكون مؤلفة من محلول مائي يحتوي على السكر والأملاح والماء وربما أضيف إليه بعض العلاجات فهذه الإبر المغذية لا تنفذ إلى الجوف ولا تصل إلى المعدة وإنما هي إبر تعطى عن طريق الوريد فهي تدخل إلى الدم مباشرة فمن جهة وصولها إلى الجوف والمعدة فإنها لا تصل لكن يبقى أن هذه الإبر المغذية في معنى الأكل والشرب ولهذا تلاحظون أنه في بعض الأحيان عند المرضى قبيل العمليات الجراحية أو بعدها أو في بعض الحالات المرضية ربما يجلس المريض لساعات أو أيام يتغذى على هذه الإبر فقط لا يعطى أي طعام أو شراب وهذا يدل دلالة أكيدة على أنها في معنى الأكل والشرب ولهذا فمجمع الفقه الإسلامي وأكثر العلماء المعاصرين على أنها تفطر وذلك أنها وإن لم ينص على أنها من المفطرات إلا أنها في معنى المنصوص قد نص الكتاب الكريم والسنة النبوية على أن الصائم يفطر بالأكل والشرب { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط الأسود من الفجر }وفي الحديث" يدع طعامه وشرابه وشهوته " فالأكل والشرب منصوص على التفطير بهما وهذه الإبر في معنى المنصوص عليه ولهذا فإنه يحصل الفطر بها ، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه لا يحصل الفطر بها لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا تنفذ إلى المعدة ولكن لا شك أن هذا قول ضعيف لأنها ليست أكلا ولا شربا ولكنها في معنى الأكل والشرب والمريض قد يستغني بها أياماً عن الأكل والشرب ولهذا فلا شك أن القول الراجح أنه إذا تعاطها المريض فإنه يفطر بذلك .
النازلة الحادية عشر:
الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية.(1/31)
من المعروف أن في الجلد مسامات يحصل من خلال هذه المسامات امتصاص ما يوضع على الجلد فمثلا الإنسان إذا وضع على جلده مادة دهنية يمتص الجلد هذه المادة كما هو معروف ومشاهد ومثل هذه المواد الدهنية توضع مواد علاجية على الجلد لأن هذه المسامات تمتص هذا العلاج وأحيانا توضع العلاجات على شكل لصقات تكون فيها مادة نفاثة أو مادة علاجية مسكنة أو طيارة أو نحو ذلك فتوضع على الجلد فهذه المراهم والدهانات التي توضع على الجلد فيمتصها الجلد وتنتهي على الدم إذا قلنا بأن الإبر والحقن التي تعطى عن طريق العضل وتحت الجلد وفي الوريد لا تفطر فهذه من باب أولى فقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قرارا بالإجماع أنها لا تفطر وقد حكى بعض الباحثين الإجماع على أن هذه لا يحصل الفطر بها ومما لاشك فيه أن الناس على عهد النبي كانوا يحتاجون إلى الادهان في جلودهم وشعورهم وهذا أمر معروف عند الناس في القديم والحديث وحتى في قصة العنبر في الحديث قال : فأكلنا وادهنا, فالادهان أمر معروف والدهن يمتصه الجلد ولو كان مفطراً لنبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز على النبي ‘ تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا لا شك أنه ظاهر في أن مثل هذه حتى لو كانت علاجية فإنها لا تفطر .
النازلة الثانية عشر:
القصطرة.
فما هي القصطرة وما حكم هذه القصطرة بالنسبة للفطر بها وعدمه؟(1/32)
القصطرة هي إدخال جهاز أو أنبوب مثل ما ذكرنا عن المنظار الذي يعطى عن طريق البلعوم أو عن طريق المريء للمعدة سواء كان للتشخيص أو للعلاج فالقصطرة مثل هذا الجهاز أو يختلف عنه اختلافا بسيطا يدخل عن طريق الوريد حتى يصل الأوردة والشرايين المتصلة بالقلب أو في أي مكان في البدن ويستعمل هذا النوع من العلاج أحيانا لأغراض تشخيصية لاكتشاف التجلطات في الأوردة والشرايين وأحيانا لأغراض علاجية مثل فتح بعض الشرايين المغلقة أو التي فيها تجلط هذه هي قصة القصطرة وهي معروفة تصنع لمرضى القلب ونحوهم أما حكمها وهل يحصل الفطر بها أو لا فقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قراراً بالإجماع وذكر بعض أهل العلم أن في المسألة إجماعا من المعاصرين على أنه لا يحصل الفطر بها لأن هذه القصدرة ليس مما ورد به النص مما يفطر وليست مما في معنى المنصوص وهذا الكلام مشروط بأن لا يكون هناك أمور مصاحبة كما في مسألة المنظار فإن المنظار لو وضع عليه مادة هلامية أو مادة دهنية حصل الفطر به فكذلك القصطرة فإذا كانت عملية القصطرة بدون إضافات فإنه لا يحصل الفطر بها لأنها ليست مما نص الشارع على الفطر به وليست في معنى المنصوص لكن لو حصل مع هذه القصدرة أن أعطي المريض بعض الإبر أو الحقن أو المحاليل المغذية في الدم فإنا نقول حينئذ إنها تبحث إذا كانت أشياء علاجية مثل الإبر وإن كانت مغذية فتأخذ حكم الإبر المغذية لكن القصطرة بذاتها إذا لم يصاحبها إدخال أشياء أخرى إلى جسم المريض فإنها لا تفطر لأنها ليست من المنصوص على التفطير به ولا في معنى المنصوص .
النازلة الثالثة عشر:
منظار البطن.(1/33)
تكلمنا عن المنظار الذي يعطى للمريض مع البلعوم فالمريء إلى المعدة هذا نوع من المناظير ومن أنواع المناظير مانتكلم عنه الآن وهو منظار انتشر بعد تطور الطب يدخل في بطن المريض عن طريق جدار البطن فتفتح فتحة صغيرة في جدار البطن ثم يدخل هذا المنظار وهذا المنظار يذهب إلى تجويف البطن لكنه لا يذهب إلى المعدة فإذا قلنا إن تجويف البطن هو الجوف قلنا هذا وصل إلى الجوف لكن إذا حصرنا كما مر معنا واتفقنا في الدرس الأول أن الجوف مقصود به المعدة فإن هذا المنظار لا يذهب إلى المعدة إنما هذا المنظار يذهب إما لأغراض علاجية مثل استئصال المرارة أو استئصال الزائدة الدودية أو استئصال حصوات معينة وهو أحيانا يكون لأغراض تشخيصية تصوير ونحو ذلك وأحيانا يكون لأخذ عينات من الكبد أو نحو ذلك فهو لا يصل إلى المعدة وإنما يذهب إلى تجويف البطن إلى الزائدة أوالمرارة أو الكلى أو الكبد أو نحو ذلك فما حكم هذا المنظار الذي يصل إلى البطن؟
هذا المنظار حكمه تابع للخلاف الذي ذكرناه في الدرس الأول وهو المقصود بالجوف فمن قال: بأن تجويف البطن يعتبر جوفاً وأن ما وصل إليه يعتبر مفطرا فإنه يقول إن المنظار يفطر لأنه يصل إلى الجوف ولكن حينما نتأمل أن هذا المنظار أولاً لا يصل إلى الجوف الذي رجحنا أنه الجوف وهو المعدة.(1/34)
الثاني: أن هذا المنظار ليس مما يطعم ولا يشرب فحتى لو وصل إلى المعدة فقد سبق وأن قررنا أنه لو وصل إلى المعدة شيء مما لا يطعم ولا يشرب كأن يبتلع الإنسان خرزة مثلا أو حديدةً أو قرشا أونحو ذلك لا يفطر بذلك فإننا نقول إن هذا المنظار: أولا لا يصل إلى الجوف الذي رجحناه وهو المعدة وثانيا أن هذا المنظار لو وصل فإنه ليس مما يطعم ولا مما يشرب ولهذا فإن الراجح هو أن منظار البطن ليس مما نص الشارع على أنه يحصل الفطر به ولا في معنى المنصوص ولهذا اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قرارا بالإجماع على أن منظار البطن لا يحصل الفطر به وهذا بالطبع كما قلت لكم في مسألة القصطرة ما لم يصاحب هذا أمور أخرى فتبحث لوحدها لكن المنظار إذا أدخل المريض دون أن يعطى أشياء أخرى أو محاليل أو سكريات أو أملاح أو نحو ذلك فإن المنظار بحد ذاته ليس مفطراً على الصحيح من قولي العلماء وهو الذي اتخذ فيه مجمع الفقه الإسلامي قرارا بالإجماع أنه لا يحصل الفطر به .
النازلة الرابعة عشر:
الغسيل الكلوي.(1/35)
بعض المرضى يصاب بفشل كلوي وحينئذ يحتاج إلى أن يجرى له غسيل كلوي دوري كل يومين أو كل ثلاثة أيام من أجل إخراج هذه السموم والمواد الضارة من دمه هذه العملية وهي عملية غسيل الدم وإخراج هذه السموم والمواد الضارة من الدم هي مايسمى الغسيل الكلوي ، والغسيل الكلوي له طريقتان الطريقة الأولى: الغسيل الكلوي عن طريق ما يسمى الكلية الصناعية وهي أداة أو جهاز يوصل بالمريض عن طريق الوريد فيستخرج دم المريض عن طريق الوريد إلى هذا الجهاز فيقوم هذا الجهاز بتنقية هذا الدم عن السموم والمواد الضارة ثم يضاف إلى هذا الدم بعض السكريات والأملاح ثم يعاد ضخه إلى المريض مرةً أخرى هذه هي الطريقة الأولى. الطريقة الثانية هي الغسيل الكلوي عن طريق ما يسمى بغشاء البريتون أو البرايتون وهذا الغشاء موجود داخل تجويف البطن فيفتح للمريض فتحة فوق السرة ثم يضخ عن طريق هذه الفتحة كميات من السوائل فيها كميات كبيرة من السكريات والأملاح وتبقى داخل تجويف البطن عند ما يسمى بغشاء البرايتون فهذا الغشاء يتبادل مع هذه السوائل السموم أو المواد الضارة الموجودة في الدم امتصاصاً وإفرازاً ثم يقوم الطبيب بإخراج هذا السائل مرةً أخرى ويضخ سائلا آخر مرة أخرى يبقى في البطن مدة من الزمن ثم يمتص أو يستخرج وهكذا ، هذه هي الطريقة الثانية من طرق الغسيل الكلوي وتلاحظون أنه في كلا الحالتين أن العملية تتم بإضافة قدر من السكريات والأملاح والماء أحيانا ولاشك أن السكريات والأملاح في معنى الأكل والشرب فالمغذي الذي يعطى للمريض هو عبارة عن ماء وأملاح وسكريات كما أعرف فغسيل الكلى بالطريقة الأولى أو الطريقة الثانية يشتمل على هذا الأمر فيصل إلى دم المريض سكريات وأملاح عن طريق هذا الغسيل وبناء على ذلك ذهب أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية والشيخ عبد العزيز بن باز’ ومجموعة من أهل العلم إلى أن الغسيل الكلوي مفطر من مفطرات الصيام وذلك(1/36)
لأنه وإن لم يكن أكلاً ولا شرباً إلا أنه في معنى الأكل والشرب مما يحصل للمريض به من التقوي ونحو ذلك .
ومن أهل العلم من قال إنه لا يحصل الفطر بالغسيل الكلوي وذلك لأنه ليس أكلاً ولا شرباً ولا ينفذ إلى الجوف لكن هذا القول ليس بشيء لأنه كما ذكرنا قبل قليل أن إيصال المواد الغذائية مثل السكريات والأملاح إلى الدم يحصل به من القوة والنشاط ما يحصل بالأكل والشرب فالمغذي أحياناً يجلس عليه الإنسان يومين أو ثلاثة أيام ويكتفي به عن الأكل والشرب ويحس معه المريض بالري والشبع ولا يحتاج معه إلى طعام فالغسيل الكلوي لاشك عندي والله أعلم أنه يحصل الفطر به هذا فوق أنه يحصل للإنسان به من الإجهاد والضعف والإنهاك ما هو أشد مما يحصل للإنسان بالقيء مثلاً أو بالحجامة أو حتى بدم الحيض ودم الحيض مما قام الإجماع على الفطر به والقيء ثبت الحديث أن النبي ‘ قال:" من استقاء فعليه القضاء " وأكثر أهل العلم يعلل القيء بأنه يضعف والحجامة الذين يقولون بأنه يفطر بها يعللون ذلك بما يحصل من الإضعاف للبدن ، والغسيل الكلوي يظهر لي أنه لا يقارن بهذه الأمور فهو ينهك المريض أكثر مما تنهكه الحجامة أو القيء أو الحيض ولهذا فالنفس مطمئنة إلى أن الغسيل الكلوي يحصل الفطر به.
النازلة الخامسة عشر :
الغسول المهبلي.(1/37)
والمقصود بالغسول المهبلي هو ما يكون من محاليل مطهرة أو علاجية تتعاطاها المرأة عن طريق الفرج (القبل) هذا الغسول المهبلي محل خلاف بين أهل العلم مبني على خلاف قديم لأهل العلم قديماً فيما إذا أدخلت المرأة مائعاً في فرجها هل يحصل الفطر لها بذلك أو لا يحصل؟ فأهل العلم قديماً اختلفوا في ذلك بناءً على اختلافهم في هل الفرج يعد منفذا إلى الجوف أو لا ؟ تعرفون أن كثيراً من هذه الأمور لم يجزم بها ويقطع بها إلا بعد تطور علم الطب والتشريح أما في السابق من المعروف أن الميت له حرمة لهذا لم يكن مثل ذلك متاحاً للفقهاء الأقدمين فمن أهل العلم قديماً من قال إنه يفطر به لأن هذا منفذ إلى الجوف وبتالي يحصل الفطر به ومن أهل العلم من قال إن هذا لا يعد منفذا إلى الجوف وبتالي لا يحصل الفطر به وفي العلم الحديث أن هذا لا يعد منفذا إلى الجوف ولا يصل مطلقاً وليس هناك قناة بين الفرج وبين المعدة وبتالي فإن هذا الغسول ليس أكلاً ولا شرباً ولا مما يحصل الفطر به بالنص ولا في معنى ما ورد النص بالفطر به ولهذا اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قراراً بالإجماع بأن الغسول المهبلي لا يعد مفطراً للصيام .
التحاميل المهبلية والمنظار المهبلي وأدوات الفحص المهبلية وكل ذلك المقصود به ما تحتاجه المرأة في العلاج سواءً كان ذلك بالتحاميل التي تعطى للمرأة كمواد علاجية أو كان بالمنظار المهبلي الذي يكون لأغراض علاجية أو تشخيصية أو كان ذلك بالأدوات التي يفحص بها في فرج المرأة وفي قبلها وهذه الأدوات الثلاث أو النوازل الثلاث إذا قلنا إن الغسول المهبلي لا يحصل الفطر به فهذه مثلها أو أولى منها فلا يحصل الفطر بهذه التحاميل ولا بالمنظار ولا بأدوات الفحص لأنها ليست مما ورد النص بالفطر به ولا في معنى المنصوص ولهذا اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قراراً بالإجماع بأن هذه الأمور لا يحصل الفطر بها .
النازلة السادسة عشر:
الحقنة الشرجية.(1/38)
والحقنة الشرجية هي ما يعطى للمريض في الدبر وهي نوع معالجة وغسيل للأمعاء بضخ الماء وبعض الأدوية كما هو معروف وهذه المسألة ليست جديدة لكنها الآن أخذت صبغة علمية باعتبار أنها عمل طبي يعالج به وقد اختلف فيها أهل العلم قديماً وحديثاً على قولين: فمن أهل العلم من قال إنها تفطر لأنها تصل إلى الجوف وبتالي فإنها تفطر وذلك لما قررناه سابقاً من أن الجوف المقصود به المعدة والأمعاء لأنها موضع الامتصاص ومن أهل العلم من قال إنها لا تفطر واحتجوا على ذلك بأنه لا يحصل للإنسان بها نوع تغذية وإنما هي للتنظيف فلا يحصل منها غذاء فهي ليست أكلا ولا شربا ولا في معناهما وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ’ وقبل أن نذكر ما هو الراجح في هذه المسألة أنبه بأن الأطباء يقولون إن الدبر متصل بما يسمى بالمستقيم ثم بعد ذلك القولون أو الأمعاء الغليظة والحقنة تكون في هذه المنطقة والأطباء يقولون إن امتصاص الغذاء يحصل أغلبه في المعدة وفي الأمعاء الدقيقة ويحصل منه امتصاص يسير للماء والأملاح والسكريات في الأمعاء الغليظة وبناء على ذلك فإن المريض إذا أعطي هذه الحقنة الشرجية أعزكم الله والتي تشتمل على السوائل والمحاليل وأمور طبية أنها تصل إلى هذه المنطقة التي يحصل بها الامتصاص وهي الأمعاء الغليظة ولهذا فالقول بالتفطير هو الأظهر والأرجح وقد أختار الشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ أحمد الخليل -حفظه الله – في هذه المسألة أن ما يحقن في الدبر إذا تضمن الماء أو شيئا من المحاليل المغذية مثل الأملاح أو غيرها فإنه يحصل به الفطر أما إذا لم تشتمل هذه الحقنة إلا على أشياء دوائية فليس فيها سوائل ولا ماء ولا أملاح فإنها لا تفطر وعندي أن هذه الحقنة والله سبحانه وتعالى أعلم تفطر على كل حال مادام أنها تصل إلى الأمعاء الغليظة التي يحصل فيها الامتصاص فإن الأمعاء الغليظة ومراكز الامتصاص تمتص الدواء وتمتص الماء وهذه الأمور كلها مفطرة(1/39)
ولهذا والذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذه الحقنة الشرجية مفطرة بهذا المعنى هذا هو الراجح أنشاء الله تعالى.
النازلة السابعة عشر:
التحاميل الشرجية .
التحاميل الشرجية هي ما يوضع في دبر المريض وتشبه المراهم وتستعمل لعلاج بعض الأمراض مثل البواسير ولتخفيض الحرارة وهي معروفة فهذه التحاميل أيضاً محل خلاف بين أهل العلم باعتبار أنها تصل إلى الجوف وبتالي هل يحصل بها التفطير لوصولها إلى الجوف أم لا يحصل بها التفطير وهو بالتأكيد قياس قول من قال إنه لا يحصل التفطير بالحقنة الشرجية . فالذي يقول إن الحقنة الشرجية لا تفطر فإنه من باب أولى يقول إن هذه التحاميل لا تفطر وعلى كلام الشيخ محمد بن عثيمين ’ أن هذه أيضاً لا يحصل بها الفطر ومجمع الفقه الإسلامي قد أجل البت في هذه القضية على اعتبار أنها محل خلاف بين أعضاء المجمع وبالتأكيد أن مثل هذه التحاميل لا توضع في بدن المريض إلا لأن البدن يمتصها ثم ينتفع بها، فالحقنة الشرجية مثلاً هي نوع من الغسيل للأمعاء وربما لايبقى الماء أو السوائل أو نحو ذلك مدةً بحيث يحصل لها امتصاص لكن مثل هذه التحاميل الأصل أنها تمتص تقريباً بالكامل ولا ينتفع منها المريض إلا إذا امتصها البدن ولهذا ليست مثل الحقنة، الحقنة يحقن الإنسان مثلاً بهذه الحقنة الشرجية أعزكم الله ثم يستفرغ مرةً أُخرى لكن مثل هذه التحاميل توضع ولا تزال وهذا يدل على أن البدن يمتصها نعم هي ليست أكلا ولا شربا ولا في معنى الأكل والشرب فإذا قلنا إن الإبر التي يأخذها الإنسان في العضل أو في الوريد لا يحصل بها الفطر مع أنها تصل إلى الدم مباشرة فمثل هذه التحاميل الشرجية الذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم أنه لا يحصل الفطر بها وليست مثل الحقنة باعتبار أن الحقنة الشرجية المواد المغذية فيها أكثر وقد مر معنا في بداية هذه المجالس أن هناك أمورا يسيرة كثيرة جداً قد عفي عنها كما يحصل في الفم بعد المضمضة فهذه التحاميل(1/40)
الشرجية إذا امتصها البدن فهي أشياء دوائية لا تصل إلى مراكز الامتصاص في الغالب وهي الأمعاء الغليظة وإنما ما دون ذلك ولهذا فإنها لا تأخذ حكم الأكل والشرب لا حقيقةً ولا حكماً فالذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم أنه لا يحصل الفطر بها.
النازلة الثامنة عشر:
المنظار الشرجي.
المنظار الشرجي الكلام فيه كالكلام في منظار المعدة وقد سبق أن تكلمنا علية وقلنا إن منظار المعدة إذا خلاء من أشياء تضاف إليه فإنه بمجرده لا يحصل الفطر به لكن إذا أضيف إليه مثلاً مواد هلامية أو دهنية أو محاليل كما حدثني أحد الأخوة الأطباء الذين حضروا معنا أن أحد كبار المتخصصين في المناظير يقول إن المنظار الذي يعطى في المريء ويصل إلى المعدة لابد أن يضخ معه ما يقرب من مائتي ملليلتر من محلول ملح الطعام لإزالة الأطعمة ونحو ذلك عن المنظار بحيث يسهل عملية التصوير والتشخيص ثم يسحب جزء من هذا المحلول فهذا لا إشكال في أنه يكون حينئذٍ مفطراً كما قلنا إنه إذا وضعت علية مادة هلامية أو دهنية أو أدخل معه أو ضخ عبرة شيء من المحاليل أو نحو ذلك فإنه لا شك بالتفطير به وعلى هذا فالمنظار الشرجي كمنظار المعدة بحيث إنه إذا وصل إلى مناطق الامتصاص وهي الأمعاء الغليظة فما فوق إلى المعدة فإن ضخ معه شيء من السوائل أو المحاليل أو المواد الهلامية أو الدهنية أو نحو ذلك فإنها تصل إلى مكان الامتصاص وحينئذً تكون في حكم الأكل والشرب فيحصل الفطر بها، أما إذا لم يصل إلى أماكن الامتصاص أو لم يضف إليه محاليل أو مواد مسلكه فإنه حينئذٍ لا يفطر كما تكلمنا في منظار المعدة.
النازلة التاسعة عشر:
ما يدخل عبر مجرى البول.(1/41)
وهذا له عدد من الأنواع أحياناً يُدخل عبر مجرى البول- أعزكم الله- منظار مثل ما مر معنا في منظار المعدة والشرج والمنظار المهبلي وأحياناً تُدخل بعض المحاليل لغسيل المثانة وأحياناً تُدخل بعض الأدوية و أحياناً تُدخل بعض المواد التي تصاحب عملية التشخيص بالأشعة ليتضح التصوير بإضافة هذه المواد فيضخ عبر مسالك البول هذه المواد حتى تتضح في أجهزة التصوير، فهذه الأمور التي تدخل عبر مجاري البول سواءً كانت للرجل أو للنساء محل خلاف بين أهل العلم قديماً ، فأهل العلم ذكروا بعض التصورات كما لو أن الإنسان أدخل في إحليله ماءً أو دهناً أو نحو ذلك هل يفطر بذلك؟ وقد أختلف العلماء قديماً في هذه المسألة بناء على اختلافهم هل مجرى البول ينفذ إلى الجوف الذي اتفقنا عليه وهو المعدة أو لا؟ فمن رأى أن مجرى البول ينفذ إلى الجوف قال إنه يحصل الفطر به. ومن رأى أن هذا لا ينفذ إلى الجوف قال إنه لا يحصل الفطر به وعلم التشريح الحديث والطب الحديث يثبت أن مسالك البول ليست منفذً إلى المعدة ولا إلى الأمعاء الغليظة أو الدقيقة أو مراكز الامتصاص أو الجهاز الهضمي كما مر معنا. فهي لا تتصل بذلك مطلقاً فالقول الراجح أن هذه التي تدخل من مجاري البول أنها لا تعد مفطرةً . وهذا هو الذي أفتى به أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة.
النازلة العشرون :
التبرع بالدم.
وهذه لا شك أنها من النوازل التي تعم بها البلوى فإن الإنسان ربما يعرض لقريبه أو لأحد من المسلمين حاجة واضطرار إلى الدم في نهار رمضان فهل التبرع بالدم يفطر أو لا يفطر؟(1/42)
وهذه المسألة أكثر أهل العلم يجعلونها مقيسة ومتفرعة على مسألة الحجامة. هل يفطر الإنسان بالحجامة أو لا يفطر؟ والحجامة معروفة وهي ما يوضع من المحاجم على الرأس أو على أي جزء من أجزاء البدن بحيث يشرط الجلد ثم يمتص الدم من الجلد بهذه المحاجم هذه هي الحجامة وهي معروفة. وقد أختلف أهل العلم قديماً في الحجامة. هل يحصل الفطر بها أو لا يحصل؟ وذلك تبعاً لتعارض الأدلة الواردة في الحجامة فبينما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه قال "أفطر الحاجم والمحجوم "، ذلك أن النبي ‘ أتى البقيع فوجد رجلاً يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم والحديث رواه الترمذي وهو حديث صحيح. وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جعفر بن أبي طالب _ يحتجم فقال: أفطر هذان – يعني الحاجم والمحجوم – هذا الدليل يدل على أن الحجامة تفطر بينما ثبت كما في صحيح الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس إحتجم وهو صائم وقد أختلف أهل العلم في التوفيق بين هذه الأدلة فمن أهل العلم وهم جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والشافعية من قال إن حديث أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ ، وأن هذا الأمر كان في البداية مفطراً ثم نسخ ويستدلون على ذلك بما روى الدار قطني وغيرهُ عن أنس _ أنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة ثم رخص بها – يعني للصائم- قال الدار قطني إنه لا يعلم لهذا الحديث علة وقال الجمهور إن الرخصة لا تكون إلا بعد النهي فهذا يدل على أن الترخيص كان بعد النهي. ومن أهل العلم من تعامل بين هذه النصوص بالعكس فقال إن الحجامة كانت في بداية الأمر غير مفطرة ثم بعد ذلك قضى النبي صلى الله عليه وسلم بأنها تفطر وهذا قول الحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو اختيار أيضاً الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، و احتجوا على هذا الترجيح بأن أحاديث الترخيص بالحجامة هذه مبقية على الأصل وحديث أفطر الحاجم والمحجوم(1/43)
ناقلة عن الأصل فإن الأصل أن الحجامة لا تفطر. و الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل فأفطر الحاجم والمحجوم ناقل عن الأصل قد غير حكم الأصل وحديث إحتجم وهو صائم مبقٍ على الأصل والناقل عن الأصل مقدمٌ على المبقي عليه وبناء على هذا الخلاف بين هذين القولين ذهب بعض أهل العلم إلى أن مسألة التبرع بالدم فرع عن مسألة الحجامة فإذا قلنا إن الحجامة تفطر فالتبرع يفطر وإذا قلنا إنها لا تفطر فالتبرع لا يفطر أيضاً ولهذا فإن الشيخ محمد بن صالح العثيمين ’ لما كان يرجح أن الحجامة تفطر رجح أن التبرع يفطر والذين قالوا لا تفطر الحجامة قالوا إن التبرع لا يفطر، وعندي أن المسألة يمكن أن يكون لها مأخذ غير هذا المأخذ وأنه حتى لو رجحنا قول الجمهور في أن الحجامة لا تفطر فإنه ليس بلازم أن نقول إن التبرع بالدم لا يفطر وذلك لأنه يختلف الأمر بين الحجامة والتبرع بالدم وكلكم أو من رأى الحجامة أو سأل عنها أو خبرها يعرف أن الدم الذي يؤخذ بالحجامة قليل جداً بالنسبة لما يؤخذ بالتبرع بالدم فأحياناً التبرع بالدم يؤخذ نصف لتر من الإنسان وأحياناً يؤخذ لتر كامل بينما الحجامة ما يصل أحياناً ما يؤخذ من المحتجم عن خمسين مللي لتر أو ثلاثين فهي كمية يسيرة فهل يصح أن نقيس عدم التفطير بأخذ خمس مئة مللي لتر من الإنسان أو لتر كامل على عدم التفطير بأخذ ثلاثين ملي أو عشرين ملي أو حتى خمسين ملي خاصة إذا أدركنا أن العلة في التفطير بالحجامة إضعاف البدن ولهذا ثبت كما في صحيح البخاري عن ثابت البناني ’ أنه سأل أنس ابن مالك رضي الله عنهما فقال: أكنتم تكرهون الحجامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنس _ لا إلا من أجل الضعف فهذا يدل على أن العلة في التفطير بالحجامة سواءٌ كان هذا الأمر باقيا محكما أو كان منسوخا ما تورثه من الإنهاك والضعف للبدن فإذا كانت هذه هي العلة، فلا يصح أن نقيس التبرع بالدم على الحجامة للفارق بينهما فإن(1/44)
هذا أكثر إنهاكا للبدن من الحجامة وهذا أمر معروف فأنت لو ذهبت الآن إلى مستشفى من أجل أن تتبرع بالدم لرأيت من الاحتياطات التي يفعلها الطبيب ما لا تراه حينما تقدم على الحجامة في مستشفى، دعونا من الإقدام على الحجامة مثلاً عند الحجامين الذين لم يلموا بعلوم الطب لكن لو أحتجمت بمركز صحي أو مركز طبي لما رأيت من الرعاية والعناية بالمريض أو المتبرع مثل ما تجد حين التبرع فإنهم في مسألة التبرع بالدم يشترطون على الإنسان أن يكون تناول غذاءً كافيا ويمدونه بالسوائل أثناء التبرع وبعد التبرع وهذا ظاهر الدلالة على أن عملية التبرع تنهك البدن أكثر مما تنهكه الحجامة فالحجامة شيء يسير يخرج من البدن هذا أمر، الأمر الثاني أنه أيضاً روى الخمسة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من استقاء فعليه القضاء ومن ذرعهُ القيء فلا قضاء عليه "ففي هذا الحديث أن من استقاء متعمداً يفطر بذلك، وقد ذهب من قال بأن من استقاء متعمداً يبطل صومهُ إلى أن العلة هي ما يورثه القيء – أعزكم الله- من الضعف والإنهاك للبدن وما يقال في الاستقاء يقال في التبرع بالدم بل ربما يكون في التبرع بالدم إضعاف للبدن أكثر من إضعافه بالقيء ،الأمر الثالث يمكن أن يقاس التبرع بالدم على الحكم بالفطر للحائض فإن جمعا من أهل العلم ذهبوا إلى أن الحكمة من كون الحيض مفطرا من مفطرات الصيام أنه ينهك بدن المرأة وهو حالة مرضية تضعفها فيكون في إيجاب الصيام عليها إضعاف لها وضرر عليها ولهذا قضى الله سبحانه وتعالى بأن الحيض مفطر من المفطرات وأنه لا يصح الصيام معه ، وبناء على ذلك فإن الذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم أن التبرع بالدم مفطر من مفطرات الصيام على القولين جميعاً، سواء قلنا بأن الحجامة تفطر أو لا تفطر. فالتبرع بالدم مفطر من المفطرات والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
النازلة الحادية والعشرون :
أخذ الدم للتحليل ونحوه.(1/45)
وهو ما يؤخذ من المريض للتحليل ، وهذه المسألة تختلف عن المسألة السابقة لأن الفرق واضح وبيّن في أن الدم في التبرع بالدم كثير وأما في مسألة التحليل فإن ما يؤخذ شيء يسير ولهذا ما قلناه قبل قليل من التعليلات بفطر من تبرع بالدم لا يصح فيما يتعلق بأخذ عينة للفحص والتحليل ولهذا ذهب كثير من أهل العلم منهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين ، إلى أن أخذ عينات من الدم للتحليل لا يحصل الفطر به وبالتأكيد من قال إن التبرع بالدم لا يفطر به الإنسان فإنه من باب أولى يقول إن هذا لا يحصل الفطر به وهذا الذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم أنه هو الراجح فإن أخذ كمية يسيرة من الدم لا يضر الصائم وهو مثل مالو قلع الإنسان ضرسهُ أو أصابهُ جرح يسير أو نحو ذلك، فذلك لا يؤثر في بدنه ولا ينهكه إنهاكا يشبه مثلاً الاستقاء أو التبرع بالدم أو الحيض بالنسبة للمرأة.
هذه هي النازلة العشرون وهي أخر النوازل المتعلقة بمفطرات الصيام، بقي عندنا نازلتان نختم بهما هذه الدروس .
النازلة الثانية والعشرون:
السفر من بلد إلى بلد يختلفان في الرؤية.(1/46)
فأولاً نصور هذه المسألة ، هذه المسألة ليست جديدة ولا نازلة على الحقيقة لكن لما تيسرت في هذا الزمن وسائل المواصلات وأصبح الانتقال كثيراً جداً أصبحت من المسائل التي تعم بها البلوى فكأنها بالنسبة للناس من النوازل وإلا فالمسألة قديمة وقد تكلم عليها أهل العلم قديماً وهي مسألة ما إذا انتقل الإنسان من بلد إلى بلد أخر قد اختلفت رؤية البلد الأول عن البلد الثاني وقد يترتب على هذه الأمر أن الإنسان يسافر من بلد إلى بلد فتختلف بداية الشهر بين البلدين فإذا اختلفت البداية ربما تختلف النهاية فقد يترتب على ذلك أن الإنسان إذا صام مع البلد الثاني الذي انتقل إليه قد يصوم واحد وثلاثين يوماً وقد يحدث العكس وهو ما إذا تقدمت رؤية البلد الذي قدم إليه فقد يصوم ثمانية وعشرين يوما، ونضرب لهذا مثال. فلو صمنا في المملكة العربية السعودية يوم السبت و في الباكستان صاموا يوم الأحد، فمن بدأ الصيام بالمملكة يوم السبت ولمّا مضى عشرة أيام أو عشرون يوما ذهب إلى الباكستان وفي الباكستان لم يرو الهلال ليلة الثلاثين فأتموا ثلاثين يوماً هذا الإنسان الذي بدأ الصيام في المملكة يوم السبت وذهب إلى الباكستان، الباكستان أتموا الشهر ثلاثين يوماً ، إذا تابع الباكستان في الصيام سيصوم واحدا وثلاثين يوما هذه صورة، الصورة الثانية لنفترض أننا في المملكة صمنا يوم السبت وأن مصر صاموا قبلنا بيوم أي يوم الجمعة فهذا شخص صام يوم السبت مع بلده وهو المملكة ثم بعد عشرة أيام انتقل إلى مصر، كانت مصر قد صامت قبلنا بيوم ولما مضى من الشهر في مصر تسعة وعشرون يوماً تراءى الناس الهلال فرأوه فما صاموا بمصر إلا تسعة وعشرين يوماً فإذا صام هذا معنا وأفطر معهم فمعنى ذلك أنه سيصوم ثمانية وعشرين يوما فقط، السؤال هو هذا الذي سافر إلى الباكستان وذلك الذي سافر إلى مصر يتبع من ؟ وإذا ترتب على صيامه في الباكستان أن يصوم واحد وثلاثين يوماً فما الحكم؟ هل يصوم(1/47)
واحدا وثلاثين يوما وهل يكون الشهر الهجري واحدا وثلاثين يوماً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الشهر هكذا وهكذا وهكذا أو هكذا" يعني الشهر يكون ثلاثين و يكون تسعة وعشرين يوما، ولا يمكن أن يكون الشهر الهجري ثمانية وعشرين ولا أن يكون واحد وثلاثين يوما فهذا الذي ذهب إلى الباكستان إذا قلنا له صم مع الباكستان معنا هذا كأننا قلنا الشهر الهجري يمكن أن يكون واحدا وثلاثين يوما، وهذا الذي ذهب إلى مصر إذا قلنا له صم مع مصر فمعنى ذلك كأننا قلنا إن الشهر الهجري يمكن أن يكون ثمانية وعشرين يوما، هذه هي المسألة التي بين أيدينا، ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين ’ وجمع من أهل العلم إلى أنه إذا انتقل من بلد إلى بلد أخر فإنه يتبع البلد الذي انتقل إليه فيصوم معهم ويفطر معهم حتى لو ترتب على ذلك أن يصوم واحد وثلاثين يوماً أو ثمانية وعشرين يوما فإذا أفطروا أفطر معهم وقد استدلوا على ذلك بعدد من الأدلة من أصرح هذه الأدلة ما رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه النووي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون" فهذا الذي ذهب إلى الباكستان حكمه حكم الناس الذين هو معهم وهذا الحديث فوق أنه يدل على الحكم في هذه المسألة فإنه يدل على مسألة عظيمة جداً وهي أهمية اجتماع الكلمة بالنسبة للأمة الإسلامية حتى وإن ترتب على ذلك أن الإنسان قد يخالف حتى لو رأى هو الهلال ولم يؤخذ برؤيته فإنه يصوم مع الناس ويفطر مع الناس حتى لو أخطأ الناس ووقفوا بعرفة في اليوم العاشر أو في اليوم الثامن فإن حجهم صحيح وهذا يدل على أهمية جمع الكلمة في الإسلام وألا يشذ الإنسان أو يخرج عن الناس هذا هو الدليل الأول.(1/48)
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته هذا الذي ذهب إلى الباكستان الأصل أنه يصوم لرؤية الهلال ويفطر لرؤية الهلال و يكون تابعا للبلد الذي ذهب إليه لو رئي هلال العيد قلنا له: إن غداً هو واحد من شوال ولا يجوز لك أن تصوم هذا اليوم فإن صيام يوم العيد مما قام الإجماع على تحريمه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وقد رئي وأفطروا لرؤيته وقد رئي وهذا من الأدلة الدالة على وجوب أن يكون مع الناس الذين أتى إليهم ومما استدل به أيضاً الشيخ محمد بن صالح العثيمين ’ في هذه المسألة ، أن الإنسان لو افترضنا أنه صام في بريده أمسك في بريده، وفي بريده يؤذن المغرب الساعة السادسة مساءً فلما كان منتصف النهار ركب طائرة وذهب إلى المغرب وفي المغرب ما تغرب الشمس إلا الساعة الثامنة فهل يفطر إذا كانت الساعة السادسة تبعاً لبريده التي أمسك فيها أم أنه ينتظر حتى تغرب الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " فكما أن هذا اليوم زاد لأنه انتقل من بلد إلى بلد فكذلك الشهر يزيد لأنه انتقل من بلد إلى بلد فلو ترتب على ذلك أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً فنقول له صم ولو وصلت إلى واحد وثلاثين يوماً لأنك أتيت إلى بلد آخر فأنت كما إذا أمسكت في بلد وانتقلت إلى بلد آخر ، فإذا صام واحداً وثلاثين يوماً فلا إشكال في ذلك لما سبق لكن الإشكال هو في المسألة الثانية وهي ما إذا انتقل من هنا إلى مصر ، ومصر قد أمسكت قبلنا بيوم وأفطرت قبلنا بيوم تسعة وعشرين يوما وبالتالي إذا أفطر معهم فمعنى ذلك أنه لن يصوم إلا ثمانية وعشرين يوماً والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوماً فنقول له أولاً أفطر معهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وأنت و من كنت في(1/49)
البلد الذي أتيت إليه قد رأوا الهلال فيجب أن تفطروا هذا الحكم الأول, فيتبعهم وإن لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوماً.
الحكم الثاني. باعتبار أن الشهر لا يمكن أن يكون أقل من تسعة وعشرين يوماً نقول إن هذا كما لو حصل خطأ في أول الشهر فأكملوا العدة بسبب الغيم ثم تبين الهلال في آخر الشهر ليلة تسع وعشرين فنقول هذا مثله, فعليه أن يقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي نقص من شهره فإذا أفطر للعيد بعد ذلك يكون عليه يوم من رمضان يقضيه.
النازلة الثالثة والعشرون:
وهي السفر بالطائرة ونحوها بعد مغيب الشمس أو قبله. وهذه عبارة عن مسألتين :
المسألة الأولى:
أن تغرب الشمس على الإنسان في بلده ثم يفطر ثم يركب الطائرة فتطلع عليه الشمس فما الحكم بالنسبة له؟ الحكم بالنسبة له أنه صام بدليل شرعي { ثم أتموا الصيام إلى الليل } وأفطر بدليل شرعي وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" فهذا قد أفطر بيقين وبدليل شرعي وبالتالي فرؤيته للشمس بعد ذلك لا تضر ولا يجب عليه الإمساك مرة أخرى فهو كما لو غربت الشمس ثم صعد على جبل مثلا ورأى الشمس مرة أخرى فهذا لا يؤثر لأنه تم له هذا اليوم وهو تماماً مثل لو أن الإنسان كان في الصحراء وفاقدا للماء ثم تيمم وصلى وبعد الصلاة جاءت سيارة معها ماء هل نقول يعيد صلاته مرة أخرى؟ نقول: لا ، الصلاة صحت لأنه أداها بدليل شرعي وهو التيمم عند فقد الماء فكونه يزول العذر بعد ذلك لا يؤثر ، وبالتالي فلا يجب عليه الإمساك .
المسألة الثانية:(1/50)
أن يسافر الصائم قبيل غروب الشمس في بلده بزمن يسير إلى جهة المغرب فيتأخر غروب الشمس بالنسبة له كما إذا كانت الشمس تغرب في بلده الساعة السادسة مساءً وقبيل السادسة بعشر دقائق ركب الطائرة مسافراً إلى المغرب فكل ما مشى في هذا الطريق كلما طال النهار فالشمس ما تغرب في المغرب إلا الساعة الثامنة فبقي ساعة أو ساعتين والشمس طالعة فما نقول له؟ نقول: لا يفطر حتى تغرب الشمس حتى لو زاد عليه ساعتان أو أربع أو خمس أو أكثر فهو بالخيار إما أن يأخذ حكم المسافر فيفطر ترخصاً وإما أن يمسك إذا أراد لصومه أن يتم لأن القرآن جعل للفطر حداً {ثم أتموا الصيام إلى الليل}والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :"إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"
فما لم تغرب الشمس فإنه لم ينته اليوم بالنسبة لهذا الإنسان وبالتالي فإنه يجب عليه أن يمسك حتى تغرب الشمس أو يترخص رخصة السفر فيفطر ويقضي يوماً مكانه.هذه هي آخر النوازل التي يسر الله سبحانه وتعالى الإتيان عليها.
وقبل أن أختم حديثي في هذه النوازل أنبه على أن أفضل ماكتب في هذه النوازل مايلي :
1 – مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي العدد العاشر الجزء الثاني .
2- مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد بن محمد الخليل الاستاذ المساعد بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم .
بالإضافة إلى الفتاوى المنثورة لأهل العلم في كتبهم وفي مواقع الشبكة المعلوماتية ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
فهرس
الموضوع
الصفحة
تعريف الصيام
2
المفطرات
3
المقصود بالجوف عند الفقهاء
3
النازلة الأولى : بخاخ الربو
5
النازلة الثانية : الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان
8
النازلة الثالثة : منظار المعدة
9
النازلة الرابعة : ما يتعلق بنفوذ شيء إلى البدن عن طريق الأنف
12
النازلة الخامسة : غازات التخدير
15
النازلة السادسة : ما يتعلق بقطرة الأذن
19(1/51)
النازلة السابعة : غسيل الأذن
20
النازلة الثامنة : قطرة العين
21
النازلة التاسعة : الحقن العلاجية
22
النازلة العاشرة : الحقن المغذية الوريدية
23
النازلة الحادية عشرة : الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية
24
النازلة الثانية عشرة : القصطرة
24
النازلة الثالثة عشرة : منظار البطن
25
النازلة الرابعة عشرة : الغسيل الكلوي
26
النازلة الخامسة عشرة : الغسول المهبلي
28
النازلة السادسة عشرة : الحقنة الشرجية
29
النازلة السابعة عشرة : التحاميل الشرجية
30
النازلة الثامنة عشرة : المنظار الشرجي
31
تابع الموضوع
الصفحة
النازلة التاسعة عشرة : ما يدخل عبر مجرى البول
32
النازلة العشرون : التبرع بالدم
33
النازلة الحادية والعشرون : أخذ الدم للتحليل ونحوه
36
النازلة الثانية والعشرون : السفر من بلد إلى بلد يختلفان في الرؤية
36
النازلة الثالثة والعشرون : السفر بالطائرة ونحوها بعد مغيب الشمس أو قبله
39(1/52)