فتاوى علماء الإسلام الأمجاد
في حكم التمثيل والإنشاد
رد على فرقة الغرباء بديس المكلا (1)
جمع وترتيب : أبي الحسن الأثري
علوي بن عمر ابن محمود
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد .
فقد أطلعني أحد إخواننا في الله على نشرة تعريفية عن فرقة الغرباء للأناشيد والتمثيليات بديس المكلا وخلال مطالعتي لها أدركت خطر الأناشيد - والذي كان كثير من علمائنا يُحذر منه – على شباب المسلمين ، فهذه فرقة الغرباء يُخبرُ أعضاءها عن أنفسهم أنهم كانوا يحلمون بقيامها ! وأنهم يعقدون الجلسات في شأنها ، ناهيك عن الأوقات التي تصرف في البروفات والحفلات ، ولم يقتصروا على هذا بل تجاوزوه إلى الكذب على العلماء تسويغاً
لما هم عليه من الضياع حيثُ زعموا – زوراً وبهتاناً – أنَّ الشيخ الألباني رحمه الله يجيز الأناشيد ، وهذه الكذبة تضاف إلى قاموس الكذب عند الحزبيين الذي عُرِفوا به في هذا الزمن .
من أجل ذلك رأيتُ أن أجمع بعض أقوال أهل العلم في الأناشيد رداً على فرقة الغرباء.
ومن المفيد أن أذكر بعض الكتب التي تكلَّمت عن الأناشيد والتمثيليات والتي رجعت إليها أثناء كتابة هذا الرد ليستزيد من أراد الاستزادة وليتثبت من صحة النقل عن العلماء من أراد ذلك فدونكها :
1 – "البيان المفيد عن حكم التمثيل والأناشيد". فتاوى لعدد من العلماء جمعها عبد الله السليماني .
2 – "الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة" من إجابات الشيخ صالح الفوزان وجمع جمال بن فريحان الحارثي .
3 – "تحريم آلات الطرب" للشيخ الألباني رحمه الله .
4 – "القول المفيد في حكم الأناشيد" لعصام عبد المنعم المري .
__________
(1) * من أحياء مدينة المكلا اليمنية .(1/1)
5 – "التمثيل" لبكر بن عبد الله أبو زيد .
هذا وأسأل الله أن أكون قد وفقت فيما كتبت وما وجد فيه من خطأ فأنا متراجع عنه وجزى الله خيراً من دلنا عليه والحمد لله رب العالمين .
قالوا : كان حلماً لدا (1) شباب مسجد الشهداء أن يكون لهم فرقة أناشيد 0
وأقول : سبحان الله ، الذي كان ينبغي لهم أن يحلموا به هو أن يكونوا طلبة علم مستفيدين ينفع الله بهم العباد والبلاد ولكن إنما البكاء على خساسة الهمم ، ثم ذكروا بدء تكوينهم الفرقة واجتهادهم في تعيين الأشخاص المنشدين وعقد الجلسات وتعيين مشرف عليهم إلى غير ذلك من الأمور التي تدل على أنهم قد شغلوا بهذه الفرقة عمّا هو أهم وأنفع لهم وهذه آفة كبيرة من آفات الأناشيد والتمثيليات ، فقلّ من يشتغل بها أداءً أو استماعاً
إلاّ شغل عن القرآن والسنة ودراستهما ، وما وقعوا فيه خيرُ مثال على ذلك 0
ثم ذكروا اتفاقهم على تسمية الفرقة بـ ( الغرباء ) وقالوا : وكان هذا مناسباً وخاصة أنّ الفرقة تعيش غربةً أمام كمٍ هائل من منكرات الأفراح 0
وأقول : إن الغرباء في آخر الزمان هم المتمسكون بما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
__________
(1) 1 ) : كذا في المنشور وصوابه ( لدى ) بالقصر.(1/2)
كما جاء ذلك في أحاديث الغربة ، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله بعد ذكره لتلك الأحاديث : ( وهم في آخر الزمان الغرباء المذكرون في هذه الأحاديث الذين يصلحون إذا أفسد الناس وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من السنة وهم الذين يفرون بدينهم من الفتن وهم النزاع من القبائل لأنهم قلّوا فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلاّ الواحد والاثنان وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحد كما كان الداخلون في الإسلام في أول الأمر كذلك وبهذا فسّر الأئمة هذا الحديث: قال الأوزاعي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : { بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ } أما أنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة حتى ما يبقى في البلد منهم إلاّ رجلٌ واحد0 ولهذا المعنى يوجد في كلام السلف كثيراً مدح السنة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقلّة فكان الحسن رحمه الله تعالى يقول لأصحابه : يا أهل السنة ترققوا رحمكم الله فإنكم من أقل الناس0 وقال يونس ابن عبيد : ليس شيء أغرب من السنة وأغرب منها من يعرفها0 وعن سفيان الثوري قال : استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء 0 فمراد هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات ) أهـ المراد "كشف الكربة" (28 –30) .
ومعلوم أنّ الأناشيد والتمثيليات ليست من طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه فلا يصح إطلاق الغربة بمعنى التمسك بالسنة عند فساد الناس على من يعملها ، وبهذا يتضح أنّ اسم (الغرباء) في غير محلّه ، ولكن لا غرابة فنحن في آخر الزمان الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهله أنهم يسمون الأشياء بغير اسمها في قوله : { ليكوننّ من أُ متي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف يسمونها بغير اسمها 000 } الحديث . رواه البخاري من حديث أبي مالك أو أبي عامر الأشعري0
قالوا : والغرباء عازمة على تغيير ما حدث من فساد في الدين .(1/3)
وأقول : كلامهم يدلُّ على أنهم جعلوا فرقتهم وسيلة للدعوة إلى الله عز وجل ومعلوم أنّ الوسائل لابد وأن تكون مشروعة كغاياتها والإحداث فيها كالإحداث في الغايات 0وعليه فالغرباء بهذا الاعتبار تعتبر ابتداعاً في الدين0 وأيضاً على فرض أنها من الإسلام - كما يزعمون - فلم تكن آنذاك وسيلة لتغيير الفساد ، أم أنهم سبقوا الأولين !!
وأيضاً في كلامهم ما يشير إلى أنهم لا يرون أنّ الوعظ بالكتاب والسنة والطرق الشرعية كافياً في تغيير الفساد ولهذا احتاجوا لتكوين الغرباء ، والله عز وجل يقول : { أو لم يكفيهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } ويقول سبحانه : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { ما بقي شيءٌ يُقرِّبُ من الجنة ويباعد من النار إلاّ وقد بيّن لكم } والحديث صححه الشيخ الألباني في "الصحيحة"برقم (1803) فلو كان أعضاء الغرباء على علم بالوحيين لما رضوا بغيرهما بديلاّ في الدعوة إلى الله ولكن- كل إناءٍ بما فيه ينضحُ - .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه عن رجل جعل السماع طريقة لدعوة الناس وتتويبهم وهذا نص السؤال :
سئل عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك ، ثم إن شيخاً من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك ، فلم يمكنه إلاّ أن يقيم لهم سماعاً يجتمعون فيه بهذه النية ، وهو بدف بلا صلاصل وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابه ، فلمّا فعل هذا تاب منهم جماعة ، وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات ويؤدي المفروضات ، ويجتنب المحرمات ، فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه ، لما يترتب عليه من المصالح ؟ مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلاّ بهذا ؟(1/4)
فأجاب رحمه الله بجواب موسّع وشاهدنا فيه قوله : ( إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين على الكبائر ، فلم يمكنه ذلك إلاّ بما ذكره من الطريق البدعي ، يدلّ أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة ، أو عاجز عنها ، فإنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شرٌّ من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية ، التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية ) أهـ المراد راجع "مجموع الفتاوى"
(11/620 –635) وانظر "الأجوبة المفيدة" (ص23) .
تحت عنوان : أهداف الفرقة قالوا : إن الهدف الأول الذي نأمله من الأناشيد الإسلامية هو هدف تربوي 0
وأقول : تقدم أن في مواعظ القرآن والسنة الكفاية للتربية الصحيحة والدعوة إلى الله ، واستبدال ذلك بالأناشيد والتمثيليات فيه طعنٌ وتقصيرٌ في حقهما ، بل إن الأناشيد إذا ابتلي بها الشخص تشغله عن القرآن تلاوةً فضلاً عن حفظه ودراسته ، فتراه لا ينشط إلى حفظ أو درس وإنما همّه فيما أشرب من الأناشيد واللهو ، وأقل ما يقال في هذه الحال أن صاحبها قد فوّت على نفسه خيراً عظيما فهل هكذا تكون التربية ؟!
وأيضاً فإن بسبب الأناشيد قد يقع الافتتان بالأصوات الحسنة المرققة فهل هذه تربية ؟!
وأيضاً فإن كثيراً من هذه الأناشيد موضوعه على الأوزان الموسيقية وألحان الأغاني الماجنة ممّا يوقع في التشبه بالكفار والمجّان ، وربما أدَّت إلى تذكر الأغاني والحنين إليها فهل بعد هذا هي تربوية ؟!
ثم دعواهم بأنها تربوية معناه أنها وسيلة للأمر المشروع آلا وهو التربية ، وقد سبق أن وسائل الغايات المشروعة لا بد وأن تكون مشروعة وإلاّ كانت إحداث في الدين (1) فتأمل 0
__________
(1) 1 ) : وانظر لهذه المسألة كتاب "الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقيفيه" لعبد السلام بن برجس ، وفصل بين (الوسائل والمقاصد) من "علم أصول البدع" .(1/5)
قالوا : إن الأناشيد في معتقدنا أصالة لا ترقيع ولا بديل ، فإن الأناشيد ترجع إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - 0
وأقول : هذا كلامٌ باطلٌ لا دليل عليه ، فإنه لا يعرف في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل الأناشيد الإسلامية ، ولا يعلم عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا فرقة للأناشيد ، يدعون فيها للخير وينهون عن الفساد ، كما لا يُعلم ذلك أيضاً عن التابعين وتابعيهم بإحسان ، وما لم يكن بالأمس دين فليس اليوم بدينٍ كما قال الأمام مالك رحمه الله 0
وأول من عرف عنهم أنهم تقربوا إلى الله بالأناشيد وأدخلوها في الدين هم الصوفية المبتدعة فبئس السلف هم لكم يا فرقة الغرباء 0
وإليك ما قاله علماؤنا في ذلك :
1 - قال الشيخ العلامة الألباني رحمه الله تعالى في جواب عن سؤال عن الأناشيد وبعد أن ذكّر بضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح : ( كل باحث في كتاب الله وفي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي ما كان عليه السلف الصالح لا يجد مطلقاً هذا الذي يسمونه بالأناشيد الدينية ولو أنها عدلت عن الأناشيد القديمة التي كان فيها الغلو في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) اهـ المراد انظر "البيان المفيد" (ص31) .
2 - وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : ( الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع ، يشبه ما ابتدعته الصوفية ، ولهذا ينبغي العدول عنه إلى مواعظ الكتاب والسنة ) اهـ المراد من حاشية "الأجوبة المفيدة" (ص3- 4) .
قال أيضاً رحمه الله : ( الأناشيد الإسلامية لا أرى أن الإنسان يتخذها سبيلاً للعظة أولاً لأن أصلها موروثٌ عن الصوفية ، فإن الصوفية هم الذين جمعت أذكارهم مثل هذه الأناشيد 000 الخ كلامه وسيأتي 0 انظر "البيان المفيد" (ص12) .(1/6)
3 - قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى : ( الإسلام لم يشرع لنا الأناشيد وإنما شرع لنا ذكر الله وتلاوة القران 00 وتعلم العلم النافع ، أما الأناشيد فهي من دين الصوفية المبتدعة الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً 0 واتخاذ الأناشيد من الدين فيه تشبه بالنصارى الذين جعلوا دينهم بالترانيم الجماعية والنغمات المطربة 0 فالواجب الحذر من هذه الأناشيد ومنع بيعها وتداولها ) أهـ المراد من حاشية "الأجوبة المفيدة" (ص2-3) .
وإذا عرفت هذا يا أخي الكريم عرفت أن القوم أتوا من قبل جهلهم 0
ثم ذكروا شروط الفرقة ، وأولها الإخلاص وهذا مما يؤكد أن هؤلاء الناس قد جعلوها من الدين فبئس ما فعلوا وذكروا أنهم لا يتشبهون بألحان الأغاني وفرق المغنين ، وأنا وإن كنت
لم أستمع لأناشيدهم لأعرف هل وفّوا بشرطهم أم لا إلاّ أنني استمعت لأناشيد غيرهم ووجدت فيها التشبه المذكور والشخص الذي يستمع لأناشيدهم لن يقتصر فقط على ذلك بل سيتعداه إلى سماع الأناشيد الأخرى التي وقعت في التشبه المذكور ، والتي يصدق على أصحابها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { ومن تشبه بقوم فهو منهم } وعليه فإن على الغرباء أن تتوقف عن أناشيدها حتى وإن لم يكن فيها – في الوقت الحالي – تشبه بألحان الأغاني وذلك لأنها ذريعة إلى سماع الأناشيد التي فيها التشبه عملاً بالقاعدة المعروفة (قاعدة سد الذرائع ) .
على أن هذا الشرط قد يكون مؤقتاً ثم لا تلبث الغرباء إلاّ أن تقع فيما وقع فيه غيرها ، والشر يبدأ يسيراً ثم يتطور ويكثر إذا لم يبادر بإزالته عند حدوثه كما قال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى كما في حاشية "الأجوبة المفيدة" (3).
ثم ذكروا من شروطهم عدم الإفراط بالتعلق بالأناشيد وعقبوه بقولهم : وهذا واضح 0(1/7)
وأقول : بل الواضح هو تعلّق الشباب المستمعين بها وإفراطهم في سماعها حتى ألهتهم عن العلم النافع، فكيف بأعضاء فرقة الإنشاد الذين يُتطلب منهم حفظ الأنشودة التي سيؤدونها وإتقان اللحن الموضوع لها وحضور البروفات وغير ذلك مما لا أعرفه ، فهل كل هذا ليس بتعلّق بالأناشيد يصل إلى حد الإفراط ؟! ولكن أنتم يا فرقة الغرباء حالكم كما قيل : حبك الشي يعمي ويصم 0
وعن مبلغ هذا التعلق بالأناشيد وأثرها على الشباب في اشتغالهم بها وترك الاعتناء بالقران تلاوة ودراسة ننقل إليك يا أخي الكريم قول العالم الرباني العلامة الألباني في ذلك : قال رحمه الله تعالى : ( إننا بدأنا نرى الشباب المسلم يلتهي بهذه الأناشيد الدينية ويتغنون بها كما يقال قديماً ( هجيراه ) دائماً وأبداً وصرفهم ذلك عن الاعتناء بتلاوة القرآن وذكر الله والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - حسب ما جاء في الأحاديث الصحيحة 0 لعل من أجل هذا الانحراف وغيره قال عليه الصلاة والسلام : { من لم يتغنَّ بالقرآن فليس منّا } فالمفروض في الشاب المسلم أن يدندن دائماً وأبداً على تلاوة القرآن وأن يتغنَّى به 000فإذاً يصدق هنا قول بعض السلف وقد روي حديثاً مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : { ما أحدثت بدعة إلاّ وأُميتت سنة } فهذا الحدث الذي حدث اليوم لم يصرف هؤلاء المعتنين والمقبلين عليه عن سنة بل عن تلاوة القرآن ) اهـ المراد انظر "البيان المفيد" (ص32) وله كلام بنحو هذا في كتابه "تحريم آلات الطرب" وسيأتي نقله 0
ومن عناوينهم : ( قالوا عن الأناشيد الإسلامية والتمثيليات الهادفة ) .
وأقول : هذا الفصل هو الذي عُنيتُ كثيراً بالردِّ عليه لعلمي أنّ الأناشيد والتمثيليات قد تكلّم فيها كثيرٌ من علمائنا المعاصرين بعدم الجواز 0
وطرحهم هذه المسألة بهذا الإسلوب ممّا يشعر أنّ المخالفين لهم فيها ممّن لا يؤبه بكلامهم(1/8)
ولا يعتدُّ به، وممّا يدلك على ذلك عنوانهم ( قالوا عن الأناشيد 000الخ ) .
فأقول : مهلاً وعلى رسلكم يا فرقة الغرباء إنّ الذين قالوا عن الأناشيد والتمثيليات من كبار العلماء في عصرنا وهم جمعٌ كثير فما لكم لم تلقوا لكلامهم بأدلته بالاً ولم ترفوا له رأساً أم هو الهوى والتقليد الأعمى 0
قالوا : نسمع من بعض الأخوة ممّن يعترض على الأناشيد والتمثيليات الهادفة مستدلين بذلك ببعض أقوال العلماء المعاصرين نقول لهؤلاء الأحبة على رسلكم لماذا هذا الطرح الشديد الذي فرّق القلوب والأبدان ، وقد اختلف فيه علماءُ عصرنا والحق أحق أن يتبع 0
أقول : إنّ الواجب على المسلم أن يحرص على أخوّته مع إخوانه المسلمين ، وإذا كان هناك أمرٌ ما يفسد الأُخوة ويقطع أواصرها أو على الأقل يضعفها فإنّ الواجب تركه لأنّ
ما لا يتم الواجب إلاّ بتركه فتركه واجب كما هو مقررٌ في أصول الفقه 0 فالأناشيد على فرض صحة القول بجوازها فما دامت تؤدي إلى التفرق فالواجب تركها تأليفاً للقلوب والأبدان، فكيف وقد علمنا أنّ الأناشيد أصلها موروثٌ عن الصوفية ، وأنها ألهت الشباب عن العلم الشرعي 00 إلى غير ذلك من الآفات فتركها حينئذ آكد 0
وقولهم : وقد اختلف فيه علماءُ عصرنا 0
هذه شبهه ساقطة كثيراً ما يدندن بها الحزبيون ، فإنك إذا عارضتهم بالأدلة في عدم جواز أمرٍ من الأمور المختلف فيها بين العلماء احتجوا عليك بأنها مسألة خلافية ، ويقصدون بذلك أنّك لا تنكر عليهم في إباحتها ويجعلون اختلاف العلماء دليلاً لهم 0
فنقول جواباً على هذه الشبهة : إنّ الواجب عند الاختلاف هو الرد إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عملاً بقوله سبحانه وتعالى: { فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } .(1/9)
يقول الإمام ابن حزم رحمه الله : ( والواجب إذا اختلف الناس أو نازع واحد في مسألة ما أن يرجع إلى القرآن وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا إلى شيء غيرهما 0 ولا يجوز الرجوع إلى عمل أهل المدينة وغيرهما ، وبرهان ذلك قول الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فصح أنه لا يحل الرد عند التنازع إلى شيء غير كلام الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا تحريم الرجوع إلى قول أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنّ من رجع إلى قول إنسان دونه عليه السلام فقد خالف أمر الله تعالى بالرد إليه والى رسوله ، ولاسيما مع تعليقه تعالى ذلك بقوله : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ولم يأمر الله تعالى بالرجوع إلى قول بعض المؤمنين دون جميعهم ) أهـ "المحلى" (1/77) مسألة (99) .
قال الحافظ بن كثير عند تفسير الآية المتقدمة : ( وهذا أمرٌ من الله عز وجل بأنّ كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } فما حكم به الكتاب والسنة وشهداء له بالصحة فهو حق ، وماذا بعد الحق إلاّ الضلال ،ولهذا قال تعالى : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فدلَّ على أنّ من
لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر ) أهـ من "تفسير ابن كثير" (1/531) .
أمّا أن يُجعل الاختلاف دليلاً على جواز أحد الأمرين دونما مبالاة بالأدلة الواردة في المسألة فهذا على خلاف ما أمرنا به في الآية المتقدمة ، وقد أنكره أهل العلم 0(1/10)
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم "الموافقات" : ( وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية ، حتى صار الخلاف في المسائل معدوداً في حجج الإباحة ، ووقع فيما تقدّم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم ، لا بمعنى مراعاة الخلاف ، فإنّ له نظراً آخر ، بل في غير ذلك فربما وقع الإفتاء في المسألة في المنع ، فيقال لم تمنع والمسألة مختلف فيها فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفاً فيها ،
لا لدليل يدلُ على صحة مذهب الجواز ، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع ، وهو عين الخطأ على الشريعة ، حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمداً وما ليس بحجة حجة ... والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه ، ويجعل القول الموافق حجة له ويدرأ بها عن نفسه فهو قد أخذ القول وسيلة إلى اتباع هواه لا وسيلة إلى تقواه ، وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلاً لأمر الشارع ، وأقرب إلى أن يكون ممّن اتخذ إلهه هواه ومن هذا أيضاً جعل بعض الناس الاختلاف رحمة للتوسع في الأقوال وعدم التحجير على رأي واحد... ويقول إنّ الاختلاف رحمة ، وربما صرّح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور
أو الموافق للدليل أو الراجح عند أهل النظر والذي عليه أكثر المسلمين 0 ويقول له : لقد حجرت واسعاً ، وملت بالناس إلى الحرج ، وما في الدين من حرج وما أشبه ذلك ، وهذا القول خطأ كله وجهل بما وضعت له الشريعة والتوفيق بيد الله 000) إلخ كلامه رحمه الله وهو نفيس فراجعه ."الموافقات" (4/507- 508) .
والناظر في مسالة الأناشيد والتمثيليات يرى أنّ العلماء الذين منعوا منها حجتهم قاهرة مع كثرتهم فالواجب إتباعهم.
وإن قال قائل : كيف وقد خالف العالم الفلاني وهو لا يفتي إلاّ بدليل فأنا أقلده في ذلك ، ومن أنا حتى أرجح بين أقوال العلماء وأنظر في أدلة المسألة 0(1/11)
قلنا له : وماذا تركت لمتعصبة المقلدة الذين إذا احتججت عليهم بدليل من الكتاب والسنة قالوا قد قال إمامنا بخلافه 0 وهل الحجة إلاّ بالكتاب والسنة ، وأما أقوال العلماء فيحتج لها لا يحتج بها . وكم من مسألة فقهية ربما قلت فيها بقول ويكون ذلك القول مخالفاً لبعض الأئمة ولا ضير عليك في ذلك إذا كان عن دليل ولكن لماذا أحجمت في هذه المسألة عن الدليل .
وإن قلت : أنا لا علم لي بالأدلة ومن أنا حتى أحكم على ذلك العالم بأنه أخطأ .
قلنا : وكيف في المسألة الفقهية ربما رجحت بين أقوال الأئمة ، ثم إنّ الناظر المريد للحق في المسألة يتضح له قوَّة دليل المانعين ولكن أنت يا أخي تعمي بصرك وتصم أذنك عن سماع أقوالهم ، وأيضاً نقول لك لست أنت الذي خالفت ذلك العالم وإنما خالفه علماءٌ مثله فلماذا أخذت قوله وتركت أقوالهم وما قول عالم بأولى من قول عالم آخر ، وما اختيارك لقوله
إلاّ ترجيح لقوله على أقوال العلماء الآخرين ثم تزعم أنك لا تستطيع الترجيح 0
فإن قلت : اطمأنت نفسي إلى قوله .
قلنا : اطمئنان النفس إما أن يكون ناتجاً عن مقدَّمات صحيحة أو يكون عن هوى ، فإن كان الأول فنحن نرى أنّ أقوال المانعين هي التي تطمئن إليها النفس وذلك لما يلي :
1 - قوَّة حجتهم وسيأتي مع تلخيصها ، بعكس من أجازها فأدلته كلها معترضة
ولا تنطبق على واقع الحال0
2 - توسعهم في طرح المسألة ممّا يدل على بحث شامل ، بخلاف من أجازها فكلامه مختصر لا يولِّد قناعة تامة
3 - كثرتهم ، فإنّ الذين تكلموا في الأناشيد والتمثيليات أكثر من الذين أجازوها والنفس تطمئن إلى قول الأكثر ومن هؤلاء العلماء :
المتكلمون في الأناشيد المتكلمون في التمثيليات
1 - الشيخ محمد ناصر الدين الألباني0 1 - الشيخ محمد ناصر الدين الألباني0
2 - الشيخ محمد بن صالح العثيمين 0 2 - الشيخ صالح بن فوزان الفوزان0
3 - الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 0 3 - الشيخ صالح اللحيدان0(1/12)
4 - الشيخ عبدالله الأطرم 0 4 - الشيخ التويجري
5 - الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي 0 5 - الشيخ بكر أبو زيد0
6 - الشيخ عبد العزيز البرعي 0 6 - الشيخ مقبل بن هادي الوادعي 0
وغيرهم 0
4 - أنّ الواقع يُصدق ما قاله العلماء المانعين من افتتان الشباب بها وتطورها حتى أصبحت تلحّن بألحان الأغاني الماجنة كما تم إدخال الدف فيها بغير مناسبة ومن الرجال ، هذا ونحن لا نزال في أول الطريق فالله أعلم بآخره ، فهل تطمئن النفس لما فيه الضرر
وما يشغل عمّا هو أنفع وأجدر ؟!
- وأخيراً وليس بالأخير نقول أمراً ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعرفه أهل القرون المفضلة المشهود لهم بالخيرية وأفتى بعدم جوازه كثيرٌ من العلماء هل تطمئن إليه النفس !!
وإن كان اطمئنان نفسك ناتجٌ عن هوى فنقرأ عليك يا أخي قوله تعالى : { أفرءيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون } 0
قالوا : قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في كلمة حول الأناشيد في كتابه "تحريم آلات اللهو والطرب" (ص181–182) والتي يفهم فيها أمرين :
الأول : أنها تجوز بشرط أن تكون سليمة المعنى خالية من الدف وغيره من الآلات قال رحمه الله : ( لا يصح إطلاق القول بتحريم الغناء بدون آلة لأنه لا دليل على هذا الإطلاق كما لا يصح إطلاق القول بإباحته كما يفعل بعض الصوفيين وغيرهم من أهل الأهواء قديماً وحديثاً لأنّ الغناء يكون عادة بالشعر وليس هو بالمحرّم إطلاقاً 000 الخ نقلهم عن الشيخ الألباني .
وأقول : الله أكبر ، إنها لإحدى الكبر ، إنهم يفترون على الشيخ الألباني ما لم يقله فإنا لله وإن إليه راجعون 0(1/13)
إنهم يزعمون أن الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله يجوز الأناشيد بالشرطين اللذين ذكروهما وهذا كذب ، فالشيخ محمد ناصر الدين الألباني يحرَّم الأناشيد تحت العنوان الذي ذكروه – كلمة في الأناشيد الإسلامية – وفي الصفحات التي أشاروا إليها ، فتعاموا عنه وأخفوه عن القراء ، ثم عمدوا إلى كلام له في الغناء بدون آلة فجعلوه في الأناشيد 0فهل يفعل هذا من كان صادقاً في دعوته ، وهل ترجى التربية من أناسٍ هذا فعلهم 0
وحتى يتبين لك ما قلتُ ، من نسبتهم للشيخ رحمه الله كلاماً لم يقله في الأناشيد ، إليك
ما قاله الشيخ رحمه الله فيها تحت عنوان ( كلمة في الأناشيد الإسلامية ) من كتابه "تحريم آلات الطرب" (ص181-182) :
(هذا وبقي عندي كلمة أخيرة أختم بها هذه الرسالة النافعة إن شاء الله تعالى ، وهي حول ما يسمونه بـ ( الأناشيد الإسلامية أو الدينية ) فأقول :
قد تبين من الفصل السابع ما يجوز التغني به من الشعر وما لا يجوز ، كما تبيّن ممّا قبله تحريم آلات الطرب كلها إلاّ الدف في العيد والعرس للنساء ، ومن هذا الفصل الأخير أنه(1/14)
لا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلاّ بما شرع الله ، فكيف يجوز التقرّب إليه بما حرّم ؟ وأنّه من أجل ذلك حرّم العلماء الغناء الصوفي ، واشتدَّ إنكارهم على مستحليه ، فإذا استحضر القارئ في باله هذه الأصول القوية تبيّن له بكل وضوح أنه لا فرق من حيث الحكم بين الغناء الصوفي والأناشيد الدينية 0 بل قد يكون في هذا آفةٌ أخرى ، وهي أنّها قد تلحن على ألحان الأغاني الماجنة ، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم، وتخرجهم عن طورهم فيكون المقصد هو اللحن والطرب ، وليس النشيد بالذات، وهذه مخالفة جديدة وهي التشبه بالكفار والمجان ، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى ، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه فيدخلون في عموم شكوى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قومه كما في قوله تعالى : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } وإني لأذكر جيداً أنني لما كنت في دمشق قبل هجرتي إلى هنا عمَّان بسنتين أنّ بعض الشباب المسلم بدأ يتغنى ببعض الأناشيد السليمة المعنى ، قاصداً بذلك معارضة غناء الصوفية بمثل قصائد البوصيري وغيرها ، وسجَّل ذلك في شريط ، فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى قرن معه الضرب على الدف ! ثم استعملوه في أوّل الأمر في حفلات الأعراس، على أساس أنّ الدف جائز فيها ثم شاع الشريط واستنسخت منه نسخ ، وانتشر استعماله في كثير من البيوت ، وأخذوا يستمعون إليه ليلاً نهاراً بمناسبة وبغير مناسبة ، وصار ذلك سلواهم وهجراهم ! وما ذلك إلاّ من غلبية الهوى والجهل بمكائد الشيطان ، فصرفهم عن الاهتمام بالقرآن وسماعه فضلاً عن دراسته ، وصار عندهم مهجوراً كما جاء في الآية الكريمة ) ثم ذكر كلام ابن كثير في تفسيرها فراجعه 0(1/15)
وقد نقلت كلامه رحمه الله بنصه مع طوله لتحصل القناعة بتلبيس الغرباء وكذبها على الشيخ 0 وإن صنيعهم هذا ليؤكد ما ثبت عن الحزبيين من الكذب الذي يزعمون أنهم يفعلونه لمصلحة الدعوة ، قال الشيخ صالح السحيمي في سياق تعداد المخالفات التي عند الجماعات المعاصرة :
( 7- الكذب المكشوف المتعمد بدعوى أنّ ذلك يجوز لمصلحة الدعوة وهذا قل أن تسلم منه الجماعات المعاصرة التي تنتمي للدعوة في هذا العصر ) أهـ من تقريظه لكتاب "النصر العزيز" (صفحة 47) .
وليس كلام الشيخ ناصر رحمه الله هو الوحيد في هذه المسألة بل له كلمات أخرى في بعض أشرطته المسجلة وبعض كتاباته ، ومن ذلك فتوى له ذكرها صاحب "البيان المفيد" (صفحة27-36) نقلاً عن شريط ونحن نقتطف لك بعضاً منها لطولها 0(1/16)
قال رحمه الله : ( الذي أراه بالنسبة لهذه الأناشيد التي تسمى بالأناشيد الدينية وكانت من قبل من خصوصيات الطرقيين الصوفيين وكان كثير من الشباب المؤمن ينكر ما فيها من الغلو في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - والاستغاثة به من دون الله تبارك وتعالى ، ثم حدثت أناشيد جديدة في اعتقادي هي متطورة من تلك الأناشيد القديمة ، وفيها تعديل لا بأس به ، من حيث الابتعاد عن تلك الشركيات والوثنيات التي كانت في الأناشيد القديمة ولكن ممّا ينبغي التنبه له ، هو أنّ الواجب على كل مسلم أن يلتزم بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال : ( فنحن ننظر إلى كل حدث يحدث على ضوء هذا المنهج القرآني الصحيح ، وهو على هذا الذي يفعله الناس سواء ما يسمونه بالأناشيد الدينية أو ما يسمونه بالبدع الحسنه أو نحو ذلك من الأمور0 هل هذا كان على هدي السلف الصالح أم لا ؟ كل باحث في كتاب الله وفي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي ما كان عليه السلف الصالح لا يجد مطلقاً هذا الذي يسمونه بالأناشيد الدينية ولو أنها عدلت عن الأناشيد القديمة التي كان فيها الغلو في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحسبنا أن نتخذ دليلاً في إنكار هذه الأناشيد التي بدأت تنتشر بين الشباب المسلم بدعوى أنه ليس فيها مخالفة للشريعة ، حسبنا في الاستدلال على ذلك أمران اثنان ، لعله وضح الأمر الأول وهو أن هذه الأناشيد لم تكن من هدي سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، والأمر الثاني : وهو في الواقع فيما ألمس وفيما أشهد ، خطير أيضاً ذلك لأننا بدأنا نرى الشباب المسلم يلتهي بهذه الأناشيد الدينية ويتغنون بها كما يقال (هجيراه) دائماً وأبداً وصرفهم ذلك عن الاعتناء بتلاوة القرآن وذكر الله والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - حسب ما جاء في الأحاديث الصحيحة ، لعلَّ من أجل هذا وغيره من الانحراف ، قال عليه الصلاة والسلام : { تغنوا بالقران وتعاهدوه ،(1/17)
فوالذي نفس محمد بيده إنه لأشد تفلتاً من صدور الرجال من الإبل من عقلها } كذلك قال عليه الصلاة والسلام : { من لم يتغن بالقرآن فليس منّا } فالمفروض في الشاب المسلم أن يدندن دائماً وأبداً على تلاوة القرآن وأن يتغنى به 000 إلى أن قال : ( إذا علمنا هذا كله تبيّن لنا أن هذه الأناشيد لا يجوز التعبد بها ولا يجوز استعمالها لا سيما وقد اقترنت بالمحذور السابق أنها صرفت الشباب عن العناية بكتاب الله تبارك وتعالى وتلاوته ولعل فيما ذكرنا ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين ) أهـ .
وليس الشيخ ناصر رحمه الله هو المتفرّد بالكلام في الأناشيد بل تابعه على ذلك علماء آخرون وإليك أقوال بعضهم :
– قال العلامة ابن عثيمين حفظه الله تعالى : ( أما حكم الأناشيد هذه لا أرى أنها تستعمل ولا يستمع إليها لأنها :
أولاً : تلهي الإنسان عن القرآن والاتعاظ به 0
ثانياً : أنه ذكر لي الآن حولت إلى تلحين حتى أصبحت كالأغاني تماماً 0
ثالثاً : أن الإنسان يجد فيها نشوة وطرباً ، ما يجد فيها عبادة وإنابة وخضوعاً ، وهذا الغالب عليها ولهذا لا أرى أنّ الإنسان يستمع إليها ولا أراها محبوبة ، ولكن إذا حصل أنّ الإنسان عنده خور وضعف في النفس وأراد أن يستمع إليها أحياناً فلا حرج بشرط أن
لا تكون مصحوبة بآلة لهو ) أهـ "البيان" (صفحة 10) .
وقال أيضاً : الأناشيد الإسلامية لا أرى أن الإنسان يتخذها سبيلاً للعظة 0
أولاً : لأنّ أصلها موروث عن الصوفية ، فإن الصوفية هم الذين جمعت أذكارهم مثل هذه الأناشيد 0
الأمر الثاني : أنها توجب إعراض القلب عمّا فيه الموعظة الحقيقية وهو القرآن والسنة ،
فلا ينبغي للإنسان أن يتخذها سبيلاً إلى الموعظة .
نعم إذ لو فرض أن إنساناً في حالة خمول وركود واستمع إليها بعض الأحيان فهذا لا بأس به بشرط أن لا تكون على سبيل التلحين أو مصحوبة بموسيقى أو آلة عزف فإن في هذه الحالة تكون حراماً ) أهـ "البيان المفيد" (صفحة 12) .(1/18)
وقال أيضاً : ( الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع ، يشبه ما ابتدعته الصوفية ، ولهذا ينبغي العدول عنه إلى مواعظ القرآن والسنة ، اللهم إلاّ أن يكون في مواطن الحرب ليستعان به على الإقدام والجهاد في سبيل الله تعالى فهذا حسن وإذا اجتمع معه الدف كان أبعد عن الصواب) أهـ من حاشية "الأجوبة المفيدة" (صفحة 3-4) .
– قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى: ( وما ينبغي التنبه عليه : ما أكثر تداوله بين الشباب المتدينين من أشرطة مسجل عليها أناشيد ، بأصوات جماعية يسمونها ( الأناشيد الإسلامية ) وهي نوعٌ من الأغاني ، وربما تكون بأصوات فاتنة وتباع في معارض التسجيلات مع أشرطة تسجيل القرآن والمحاضرات الدينية.وتسمية هذه الأناشيد بأنها(أناشيد إسلامية) تسمية خاطئة ، لأن الإسلام لم يشرع لنا الأناشيد ، وإنما شرع لنا ذكر الله ، وتلاوة القرآن .. وتعلم العلم النافع . أما الأناشيد فهي من دين الصوفية المبتدعة ، الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً ، واتخاذ الأناشيد من الدين فيه تشبه بالنصارى ، الذين جعلوا دينهم بالترانيم الجماعية والنغمات المطربة.فالواجب الحذر من هذه الأناشيد، ومنع بيعها وتداولها، علاوةً على ما قد تشتمل عليه هذه الأناشيد من تهييج الفتنة بالحماس المتهور ، والتحريش بين المسلمين.وقد يستدل من يروج هذه الأناشيد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تنشد عنده الأشعار، ويستمع إليها ويقرها .(1/19)
الجواب عن ذلك : أنّ الأشعار التي تنشد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست تنشد بأصوات جماعية على شكل أغاني ، ولا تسمى ( أناشيد إسلامية ) وإنما هي أشعار عربية ، تشتمل على الحكم والأمثال ، ووصف الشجاعة والكرم وكان الصحابة ينشدونها أفراداً لأجل ما فيها من هذه المعاني وينشدون بعض الأشعار وقت العمل المتعب كالبناء ، والسير في الليل في السفر ، فيدل هذا على إباحة هذا النوع من إنشاد في مثل هذه الحالات خاصة ، لا على أن يتخذ فناً من فنون التربية والدعوة كما هو الواقع الآن ، حيث يلقن الطلاب هذه الأناشيد ، ويقال عنها ( أناشيد إسلامية ) أو ( أناشيد دينية ) وهذا ابتداع في الدين ، وهو من دين الصوفية المبتدعة ، فهم الذين عرف عنهم اتخاذ الأناشيد ديناً فالواجب التنبه لهذه الدسائس ، ومنع بيع هذه الأشرطة لأن الشر يبدأ يسيراً ثم يتطور ويكثر إذا لم يبادر بإزالته عند حدوثه ) أهـ حاشية "الأجوبة المفيدة" (صفحة 2-3) .
وقال في جواب عن سؤال عن المراكز الصيفية التي تقام فيها الأناشيد والتمثيليات :
( الأشياء التي يسمونها ترفيهية فهذه في الواقع لا ينبغي أنْ تكون في البرامج لأنها تقتطع جزءاً من الوقت بلا فائدة بل ربما تشغلهم وتنسيهم الفائدة التي جاءوا من أجلها ، ومن ذلك التمثيليات والأناشيد ، فإنه مجرد لهو ولعب ، وتدرب الطلاب على متابعة المسرحيات والأغاني التي تبث في وسائل الإعلام المختلفة ) أهـ "الأجوبة المفيدة" (صفحة 2-4)
إلى غير ذلك من فتاوى العلماء ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى الكتب المذكورة في المقدمة.
وإليك تلخيص المآخذ على الأناشيد التي وردت في كلام العلماء :(1/20)
1 - أنها إبتداع في الدين شبيه بإبتداع الصوفية (1) .
__________
(1) 1 ) : ولا يخفى تحريم البدعة وخطرها حتى قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى : ( البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية ) وإنما كانت الأناشيد من البدع لأنّ أصحابها جعلوها وسيلة للدعوة إلى الله عز وجل وتتويب الناس ممّا وقعوا فيه من سماع الأغاني الماجنة . ولأنّ أصلها الغناء الصوفي الذي حكم عليه أهل العلم بالابتداع وأشتدّ إنكارهم على مستحليه ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله : (تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير أحدثته الزنادقة يصدون الناس عن القرآن ) وسئل الإمام أحمد عنه فقال : ( بدعة ) وفي رواية فكرهه ونهى عن استماعه وقال : ( إذا رأيت إنساناً منهم في طريق فخذ في طريق أخرى ) والتغبير : شعر يزهد في الدنيا ، ويغني به مغن فيضرب بعض الحاضرين على نطع أو مخده على توقيع غنائه كما قال ابن القيم . وقد تطورت الأناشيد كثيراً عن التغبير فقد تعددت أغراضها وكان منها الدعوة إلى الحزبية وتقديس الأشخاص والحماس المتهور وأدخل فيها الدف ولحنت تلحيناً مطرباً ليس فيه خشوع وإنابة وغير ذلك ، فيا ترى ماذا سيحكم الأئمة رحمهم الله على الأناشيد لو سمعوها ؟! ولعلَّ ممّا يوضح لنا هذه العلاقة بين الأناشيد ـ التي يسمونها إسلامية ـ وبين أناشيد الصوفية = =
= = المبتدعة أنّ أوّل من عرف عنهم فِعل الأناشيد في هذا العصر هم الإخوان المسلمون ومؤسس دعوتهم ومرشدهم الأول حسن البنا ـ رحمه الله ـ كان صوفياً ينشد الأناشيد الصوفية يقول هو عن نفسه ( وأذكر أنه كان من عاداتنا أن نخرج في ذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالموكب بعد الحضرة كل ليلة ، من أوّل ربيع الأوّل إلى الثاني عشر منه ، ونحن بالموكب ونحن ننشد القصائد المعتادة في سرور كامل وفرح تام ) أهـ "مذكرات الدعوة والداعية" (صفحة 52) بواسطة "الأجوبة المفيدة" (صفحة 71) ويُراجع للغناء الصوفي كتاب "تحريم آلات الطرب" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى (صفحة 158-180) وأيضاً لأنّ الأناشيد تضاف إلى الدين وليست منه وهكذا هي البدعة0(1/21)
2- التشبه بالكفار (1) .
3- التشبه بالمجان في ألحان أغانيهم (2) .
__________
(1) 1 ) : والتشبه بهم لا يجوز كما هو معلوم لأدلة كثيرة ومنها قول - صلى الله عليه وسلم - : { من تشبه بقوم فهم منهم } رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" برقم ( 6025 ) .
وإنما كانت الأناشيد تشبهاً بالكفار لما يلي :
( أ ) إيقاعها على الموازين الموسيقية التي جاءتنا من الكفّار 0
(ب) إدخالها في الدين شبيه بجعل النصارى دينهم بالترانيم الجماعية ، والنغمات المطربة 0
(ج) التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن كما أخبر الله عز وجل عنهم في مثل قوله تعالى: { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه } الآية .
(2) 2 ) : وهذا أمرٌ معلوم لكل من يستمع الأناشيد، وهذه شهادة عالم جليل هو الشيخ ابن عثيمين في ذلك حيث يقول:
( الأناشيد الإسلامية كنت سمعتها من قديم وليس فيها شيء ينفر ، وسمعتها أخيراً فوجدت أنها ملحنة مطربة على سبيل الأغاني المصحوبة بالموسيقى وهي على هذا الوجه لا أرى للإنسان أن يستمع إليها) أ هـ المراد انظر "القول المفيد" (ص39) .
ومن الأناشيد الشهيرة أنشودة ( خندقي قبري قبري خندقي ) وهي موضوعة على لحن أغنية غنتها النصرانية فيروز وفيها يقولون مخاطبينها ( نحن يا فيروز ما عاد لنا أذنٌ تهفو وللحن تحن ) فيا جنايتكم على شبابكم إذ جلبتم لهم ألحان أغاني فيروز وغيرها وهل هذا إلا دعوة ، وإن لم تقصدوا ذلك ، للتعرف على فيروز وغيرها من المغنيين والمغنيات وعلى ألحان أغانيهم .
ثم واضعوا الأنشودة كيف تم لهم إتقان اللحن ؟ هل سمعوا الأغنية أولاً ثم قلدوا لحنها ؟ أم تذكروا لحنها المختزل في ذاكرتهم والذي كانوا سمعوه قبل الالتزام ؟ لا بد لهم من أحد الأمرين وأحلاهما مرٌّ .(1/22)
4- الافتتان بالأصوات الحسنة المرققة (1) .
5- مصاحبتها أنواع من المعازف كالدف بغير مناسبة العيد والعرس ومن الرجال (2)
__________
(1) 1 ) : ولا يخفى أنّ أهل الأناشيد يختارون حسن الصوت ورقيقه حتى يكون له تأثير على المستمع ، وقد يكون المختار طفلاً أو أمرداً ممّا يزيد الفتنة ويشعل نارها وخصوصاً إذا كان في شريط مصور أو يرى على الواقع ، وقد حذر العلماء قديماً وحديثاً من الافتتان بالأصوات الحسنة والتعلق بها 0
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( وأما تحرك النفوس عن مجرد الصوت ، فهذا أيضاً محسوس فإنه يحركها تحريكاً عظيماً جداً بالتفريح والتحزين والإغضاب والتخويف ونحو ذلك من الحركات النفسانية كما أن النفوس تتحرك أيضاً عن الصور بالمحبة تارة والبغض أخرى وتتحرك عن الأطعمة بالبغض تارة والنفرة أخرى ..) أهـ "الاستقامة" ( 1/ 373) بواسطة "القول المفيد" لعصام المري صفحة ( 67) .
( 2 ) : وهذا ارتقاء وتطور للأناشيد وصل إليه البعض ، والبعض الآخر لا زال في الطريق ، وعما قريب إن شاء الله هم واصلون ، وفي محطتهم مجتمعون ، فإنا لله وإن إليه راجعون .
فكيف بعد ذلك يزعم أهل الأناشيد أنها وسيلة للتوجيه والتربية وهذا حالها ؟!
لا يا إخواننا بل هي وسيلة لإخراج المغنين والمغنيات كما فعلت ذلك الأناشيد الصوفية قبلها ، فكم من مغن معروف كان في بداية أمره منشداً دينياً .
(2) 3 ) : وهذا أمرٌ خطيرٌ لأنه :
أولاً : يدخلهم تحت قوله تعالى: { وقال الرسول يا ربَّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } .
وثانياً : أنَّ إنشغالهم بالأناشيد عن العلم الشرعي يعتبر إنشغالاً عن قربة عظيمة لله سبحانه وتعالى وعن وسيلة من أعظم وسائل الثبات على الدين .
وثالثاً : أنَّ أصحاب الأناشيد محتاجون إلى العلم الشرعي ليعبدوا الله عز وجل على بصيرة وكذا بقية الناس ــ وبخاصة من يدعونهم من التخلص من الأغاني والفساد ـ فمتى سيحصلونه وهم مشغولون ؟ !(1/23)
6- ألهت الشباب عن القرآن والعلم الشرعي (1) .
7- اشتمالها على تهييج الفتن بالحماس المتهوَّر .
8- تُدرَّب مستمعيها على سماع الأغاني الماجنة .
9- تسميتها إسلامية ، والإسلام بريءٌ منها .
10- استخدامها للدعوة إلى الحزبية (2) .
11- ما يصاحبها من التصوير في الأفراح (3) .
وغيرها من المآخذ التي تركناها خشية الإطالة ، وتراجع في الكتب المشار إليها في المقدمة وما ذكرناه أهمها .
وإتماماً للفائدة نذكر لك بعض الشبه التي أدَّت ببعضهم إلى القول بجواز الأناشيد مع تعقيبها بالردَّ عليها من كلام أهل العلم.
الشبهة الأولى : أنها تلحق بالأشعار التي كان ينشدها الصحابة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والجواب عنها ما قاله الشيخ ناصر رحمه الله : ( أولاً هذه الأبيات التي تروى .. هي
أشياء صدرت آلياً ثم لم تتخذ وتجعل ديدنهم صباح مساء ومن أصول البدع التي شرحها
__________
(2) 1 ) : وهذا مثل ما ينشد : ( إنَّ للإخوان صرحاً كلُّ ما فيه حسن ، لا تسلني من بناه إنَّه البنا حسن ..) .
(3) 2 ) : والتصوير يعتبر محرماً لا يجوز فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : { إنَّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون } رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود .
وعن أبي جحيفة : { أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ، ولعن آكل الربا وموكله ، والواشمة والمستوشمه والمصور } رواه البخاري .
وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : { كلُّ مصوَّر في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم } رواه مسلم .
إلى غير ذلك من الأدلة ، ومن أراد الإطلاع عليها فليرجع إلى كتاب شيخنا مقبل حفظه الله تعالى "حكم تصوير ذوات الأرواح" ومن فرَّق بين التصوير باليد والتصوير بالآلة لم يأت بشيء . وقد ردَّ عليهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه "آداب الزفاف" (ص192-194) فليراجع .(1/24)
الإمام الشاطبي في كتابه السالف الذكر ــ الإعتصام ــ هو أنه إذا وقع شيء في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما هو أمر تعبدي لكن وقع نادراً فلا ينبغي التزام ذلك حتى يتوهم الناس أنه سنة من السنن . كذلك إذا وقع شيء من الجائز فلا يجوز التزام ذلك من باب أولى لأن الأمر الجائز يقع عفو الخاطر من أجل الترويح عن النفس أو مثل ذلك . نحن بطبيعة الحال لا ننكر أن ينشد الإنسان شعراً إما تسلية وإما تحفيزاً على طلب العلم أو إحياء للقلوب وضرب الشجاعة في النفس بمناسبة الحرب ونحو ذلك ، هذا كله لا ينكر ، لكن إتخاذ أناشيد لها طعمها الخاص وبخاصة أنه يتخذ ويسلك فيها مسالك الأغاني التي توقع على الموازين الموسيقية والأغاني الماجنة المائعة . لم يكن شعر حسان ابن ثابت ولا عبد الله بن رواحة ولا أمثالهما من الصحابة إلا شعراً ــ الحقيقة ــ يحي القلوب الميتة ، مع ذلك ما كانوا يتخذونها ديدنهم وهجيرهم كما يفعل الشباب المسلم اليوم ، أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه أخيراً أنهم يسلكون مسالك المغنين ويستمدون قوانينهم ، فأين هذا من ذاك . إذاً الفرق بين الأشعار التي ثبت عن بعض الصحابة ومن دونهم وبين هذه الأناشيد أن أولئك كانوا يقولونها على البداهة أولاً وفيها حضٌ على الثبات في ملاقاة الأعداء والصبر أيضاً في ذلك وتذكير بنعم الله عز وجل حيث هداهم وصبرهم في ملاقاة عدوهم هذا فَارق بين تلك الأشعار وهذه الأناشيد .(1/25)
والفارق الثاني : أنهم لم يلتزموها فما وجدنا طائفة قليلة ممَّن جاء بعد الصحابة اتخذوا تلك الأشعار ديدنهم وهجيرهم كما قلنا . فإذاً لا يلزم ممَّا ثبت من تلك الأشعار أن يتخذ لهؤلاء دليلاً لتأييد ما هم عليه لاسيَّما وقد جرهم أيضاً إلى مصيبة أخرى وهذا ما نحن سمعناه كثيراً في سوريا أن بعضهم أخذ يضرب بالدف وهذا من كمال ما أوحى الشيطان إليهم وزين لهم سوء عملهم.وفارق كبير إذاً بين ما هم عليه وبين ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم ) اهـ "البيان المفيد"(ص37-38) وله كلام بنحوه في"القول المفيد"(ص33).
وقال الشيخ صالح الفوزان : ( إنَّ الأشعار التي كانت تنشد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست تنشد بأصوات جماعية على شكل الأغاني ، ولا تسمَّى ( أناشيد إسلامية ) وإنما هي أشعار عربية ، تشتمل على الحكم والأمثال ووصف الشجاعة والكرم ، وكان الصحابة ينشدونها أفراداً لأجل ما فيها من هذه المعاني ، وينشدون بعض الأشعار وقت العمل المتعب كالبناء والسير في الليل في السفر ، فيدل هذا على إباحة هذا النوع من الإنشاد في مثل هذه الحالات خاصة، لا على أن يتخذ فناً من فنون التربية والدعوة ، كما هو الواقع الآن ؛ حيث يلقن الطلاب هذه الأناشيد ويقال عنها : ( أناشيد إسلامية ) أو ( أناشيد دينية ) ) اهـ "الخطب المنبرية " (3/184-185) بواسطة "الأجوبة المفيدة" (ص2-3) .
الشبهة الثانية : أنها تُلحق بالحداء .
والجواب عنها: بأن يقال هناك فروق بين هذه الأناشيد وبين ما رخَّص فيه الشرع من الحداء تمنع من إلحاقها به ومنها :(1/26)
أن الحداء إنما يباح في السفر لأجل الحاجة إليه في السير في الليل لطرد النعاس واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي ، وأما الأناشيد فهي بغير حاجة وبنظام خاص وأصوات جماعية ناعمة ، إلى غير ذلك وقد فصَّل الردَ على هذه الشبهة الشيخ صالح الفوزان وكذا الشيخ عبدالله الأطرم فليراجع كلامهم في كتاب "البيان المفيد" .
الشبهة الثالثة : أنَّ الضرورة تدعو إلى ذلك حتى لا ينصرف الناس إلى الحفلات الجاهلية والأغاني الماجنة .
والجواب عنها ما قاله الشيخ الألباني رحمه الله : ( حينما يكون المسلم ملزماً ولابد من أن يقع في أحد الضررين ، يعني أن يقع في أحد الضررين شاء أم أبى مثاله : إنسان في صحراء تعرَّض للموت جوعاً وجد لحم ميت ضاني ، ولحم ميت أسد ، ما هو أخف الضررين ؟ كلاهما ميت ، لكنَّ الأول لو كان حياً جاز ذبحه وأكله ، والآخر إن كان حياً لم يجز ذبحه
ولم يجز أكله. إذاً هنا أخف الضررين ماذا ؟ أن يأكل من لحم الضأن الميت ، طيب إذا
ما أكله ماذا يصيبه ؟ يموت إذاً هذا أخف الضررين .
أما أنا محتاج أعمل حفلة ، ما الضرر الذي سيصيبني أنا إذا عملت حفله ودعوتُ فيها الشباب المسلم ودعوت إنساناً عالماً فاضلاً أو قارئاً يحسن القراءة ولا يمط فيها ويطلع وينزل على القوانين أيضاً الموسيقية - إلى آخره - بحيث إنه يصدق فيه كما قال عليه الصلاة والسلام عندما سئل : من أحسن الناس قراءة يا رسول الله ؟ قال : { هو الذي إذا سمعته يقرأ رأيته يخشى الله } ... فما المانع أن يعمل حفلة ويأتي بقارئ يحسن القرءاة أو بواعظ يعظ الناس ويحسن الوعظ أيضاً بالكتاب والسنة الصحيحة ولا يذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة . أو يأتي برجل عادي متفقه في الدين؟ فأين الضرورة يا أخي في هذه الحال ؟ ما في ضرورة ) اهـ من "القول المفيد" (ص34-35) .
تتمَّه
تقدَّم أنَّ أهل الأناشيد يحتجون لجوازها بفتاوى بعض أهل العلم الذين يجيزونها ، وتقدَّم الردُّ على هذا الإيراد .(1/27)
ولكنَّا نحبُّ ــ تتميماً للفائدة ــ أن نورد بعض فتاوى هؤلاء العلماء لترى أيها القارئ الكريم أنَّ فتاواهم إنما كانت عن أناشيد معينة ليس فيها تلك الحقائق التي ذكرناها قبلُ عن الأناشيد والتي عرفها علماء آخرون ، ثم هي مقيدة بقيود وضوابط يتعذَّر معها فعل الأناشيد واستماعها ، أو على الأقل يجعله ضيقاً خلافاً لما يفعله أهل الأناشيد من التوسُّع الذي
لا يرضي .
ومن هؤلاء العلماء العلَّامة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى حيث قال :
( الأناشيد الإسلامية تختلف فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير والتذكير بالخير وطاعة الله ورسوله والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء والإستعداد للأعداء ونحو ذلك فليس فيها شيء ، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى لمعاصي واختلاط النساء بالرجال أو تكشف عندهم أو أي فساد فلا يجوز استماعها ) اهـ "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (3/437) .
قلت : بناءً على ما تقدَّم من حقائق حول الأناشيد فإنَّ كلام الشيخ ابن باز رحمه الله يهدم بدعتهم إذ أنه يشترط فيها أن تكون ( سليمة ) ومتى عرف الناس السلامة في البدع والتشبه بالصوفية ؟ ومتى كانت السلامة في التشبه بالكفار والمجان ؟ وهل صرف الأوقات
فيما يشغل عن القرآن والحديث من السلامة في شيء ؟ وعدَّد ما شئت من آفات الأناشيد تجد أنها ليست بسليمة .
وقوله : ( ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير ) هذا قيدٌ ثانٍ يأتي على جانب منها ، فنحن نعلم ــ كما سبق بيانه ــ أنَّ الأناشيد استخدمت للدعوة إلى الحزبية وتقديس الأشخاص ، وهذا ليس من الدعوة إلى الخير بل من دعوى الجاهلية .(1/28)
وقوله : ( وطاعة الله ورسوله ) هذا القيد يأتي عليها من قواعدها فإن الأناشيد استخدمت للدعوة إلى الله عزَّ وجل ممَّا جعل أهل العلم يحكمون عليها بالبدعة ، ومعلوم أنَّ البدع ليست من طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا انضاف إليها بقية المآخذ ازدادت مشاقتها لله ورسوله والله أعلم .
والشيخ رحمه الله لم تذكر له حقائق الأناشيد مفصَّلة ، ولو فعل السائل ذلك لربما تغيَّرت فتوى الشيخ رحمه الله .
وقد حصل للشيخ صالح اللحيدان قريب من هذا ، فقد سئل بعد أن أفتى بجواز الأناشيد فقيل له :
( س : وماذا تقول فيمن يقول إنها سنة ؟
ج : إذا قالوا أنها سنة فهم مخطئون . فمن قال أنها سنة فهو مخطئ وعليه الدليل على أنها سنة . ولا يقال سنة ولكن يقال إنها مباحة .
ثم قيل له :
س : قد نجد نحن الشباب لها تأثير على قلوبنا فقد تصرفنا نوعاً ما عن القرآن الكريم ؟
ج : ولذلك هذه من تلبيس الشياطين ، الذي يتخذها كعبادة فهذا من الصوفية وهي مضرة ، لأنني قلت لك إذا كان المقصود منها يتنشطون في عمل من الأعمال فهي مباحة ، وإذا كانوا يريدون بها التعبد فهي عند ذلك تكون بدعة .
س : وبالنسبة إلى ألحانها المؤثرة ؟
ج : لا مانع بترقيقها لا مانع أبداً .
س : وما حكم سماع الفتيات لها ؟
ج : يسمعها النساء من النساء لا من الرجال ولا يسمعها الرجال من النساء وكيف جاءتهم ؟
س : عن طريق المكتبات بواسطة أشرطة التسجيل ؟
ج : يعني أشرطة ؟
س : نعم .
ج : إذا كانت أشرطة لا بالله يا أخي ما تصلح هذه .
س : ما تصلح ؟
ج : لا . أنا ظننت أنها أشياء تفعل مثلاً في عمل أو شيء من هذا ما فيه مانع
أو سماعها من إذاعة .
س : وطريقتها أن يجتمعوا ويعدونها إعداداً ثم يلقونها على الجماهير ؟
ج : هذه ما تصلح بهذا الأسلوب ، لكن هي أفضل من الغناء ولكن الذي يستمع يا أخي يستمع أشياء غير هذه ، يستمع القرآن الكريم .(1/29)
س : بعض العلماء يرى أنها جائزة وبعضهم يرى أنها بدعة من الصوفية ؟
ج : باختصار : الذي يسمعها يرى أنها سنة يتقرَّب بها إلى الله باستماعها فهذه بدعة وضلالة . والذي يستمعها لمجرد أن يتلذذ بالصوت كما يتلذذ بالغناء فهذه من الأمور المباحة إذا لم تفعلوها للتعبد ولا للتخشع ، وإنما قصدكم أن تسمعوها بدلاً من أن تسمعوا الغناء فهذه تكون مباحة وليست سنة . وأما إذا استمعت من أجل التلذذ والتخشع والخشوع والتدين فهذه بدعة ، القرآن هو الذي نزل للتعبد بتلاوته والتعبد باستماعه .
س : ما حكم بيعها في الأسواق ؟
ج : والله لا أنصح بالشراء ولا كان السؤال بهذا الأسلوب ـ- يقصد السؤال الذي عرض عليه في الجامعة - ) اهـ "البيان المفيد" (ص43-45) فأنت ترى أخي الكريم أن فتوى الشيخ تغيرَّت نوعاً ما بسبب ذكر السائل بعض الحقائق عن الأناشيد ، وهكذا ينبغي لمن يسأل عن الأناشيد - أو أي مسألة - أن يفصَّل حقائقها لأهل العلم حتى يكون الجواب في محلَّه ، والله أعلم .
ومن هؤلاء العلماء الذين يفتون بجواز الأناشيد الشيخ العلَّامة مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى ، ومن كلامه في ذلك ما جاء في "قمع المعاند" (2/348) جواباً عن سؤال بعض الحضرميين وإليك نص السؤال والجواب :
س : ظهرت في المكلا فرق للأناشيد والتمثيليات الإسلامية تشارك في الأعراس حتى صار لكلَّ مسجد فرقة ــ إلا ما رحم ربي ــ ولقد قال لي أحد الأخوة نحن نريد أن نقضي على ما هو أخطر من هذا وهي المسرحيات التي فيها السبُّ واللعن والفجور والخمور والطرب. ومتى قضينا على هذه الظاهرة توقفنا . فما رأيكم في هذا وما نصيحتكم لهم ؟(1/30)
جواب : ( كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح ، مفلسون كما قلنا فما ينفقون إلا من هذه ، فإما تمثيليات وهي تعتبر كذباً ، وإما أناشيد شغلت طلبة العلم ، والأناشيد الحماسية ليست محرمة كالتمثيليات ، فإنَّ التمثيليات محرمة ، فالمحرَّم أن يشتغل بها طالب العلم وينسى القرآن أو ينسى الحديث فهذا هو المحرَّم وقد تكلمنا غير مرَّة على التمثيليات ، وأحد المغربيين
- وهو الغماري - له رسالة في حرمة التمثيل وبعض العلماء المعاصرين ) اهـ .
قلت : ظاهر كلام الشيخ مقبل حفظه الله أنَّه يجوَّز الأناشيد بشرطين :
الأول : أن تكون حماسية . والثاني : أن لا تشغل عن القرآن والحديث .
وقد تقدَّم - نقلاً عن أهل العلم - أنَّ الأناشيد قد شغلت الشباب وألهتهم عن العلم الشرعي ، فعلى هذا فهي غير جائزة على كلام الشيخ مقبل حفظه الله .
على أنه ــ حفظه الله ــ مع تجويزه إيَّاها فهو يذمَّها ويرى أنها لا تصدر إلا عن المفلسين من العلم الشرعي .
فيا فرقة الغرباء أنتم مفلسون على أقلَّ أحوالكم .
فصل : التمثيل
إنَّ التمثيل أمره أوضح من الأناشيد وذلك لكثرة كلام أهل العلم فيه ولوضوح مخالفته للشريعة، ولهذا فنحن لن نطيل فيه الكلام ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الكتب المؤلفة فيه مثل كتاب "التمثيل" للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد وكتاب "الصوارم الشداد في إبطال التمثيل على رؤوس الأشهاد بزعم الدعوة لرب العباد" للشيخ عبد السلام ابن برجس .
وأهمَّ الأدلة التي بسببها حُرَّم التمثيل ما يلي :
1ــ أنه تشبه بالكفار ، فقد ثبت أنه كان أصلاً من أصول دينهم ثم دخل علينا بواسطة الإستعمار .
2ــ أنه بدعة ضلالة، وذلك لأنه استخدم في الدعوة إلى الله عزَّ وجل والتوجيه والإرشاد.
3ــ احتوائه على الكذب .(1/31)
4ــ دخول الممثل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة ، رجلٌ قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين } رواه أحمد من حديث ابن مسعود .
وإليك بعض أقوال أهل العلم في التمثيل :
ــ قال المحدَّث العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله جواباً عن سؤال عن التمثيليات : ( لا يشرع في الإسلام تمثيليات لأسباب كثيرة منها :
أولاً : أنَّ هذه طريقة الكفَّار ، وطريقة الكفار تليق بهم ولا تليق بالمسلمين ذلك لأنَّ الكفار يشعرون بأنهم بحاجة إلى حوافز ودوافع تدفعهم إلى الخير لا يجدون عندهم شريعة فيها ما عندنا - والحمد لله - من الخير كما سمعتم آنفاً قوله عليه السلام : { ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله } آية واحدة - فضلاً عن سورة - تغني عن تمثيليات عديدة وكثيرة جداً، إذا عممت على المسلمين وفسرت لهم.فالمسلمون ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الوسائل الحديثة
لا سيَّما وقد نبعت من بلاد الكفر الذين قال الله عزَّ وجل في حقهم: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } فأمة لا تحرم ولا تحلل كيف نأخذ عنها مناهجها وثقافتها وطرقها ثم نأتي ونطبقها على أنفسنا . لقد أعجبني مرة أنني سمعت محاضراً يقول : ( مثل المسلمين وتقليدهم للغربيين كمثل شخص بدين يأخذ ثوباً فصل على إنسان آخر نحيل ، فيريد أن يكتسي بهذا الثوب فستكون النتيجة أن لا يستطيع أن يعيش به والعاقبة أن يتفتق هذا الثوب لأنه ما فصل على بدنه ) والعكس بالعكس فتلك الوسائل تصلح لهم ولا تصلح لنا لأنه عندنا خيٌر من ذلك كما جاء في الحديث، حديث جابر بن(1/32)
عبد الله رضي الله عنه قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً صحيفة في يد عمر بن الخطاب فقال له : { ما هذه } ؟ قال: هذه صحيفة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود ، فقال: { امتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ، والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً لما وسعه
إلا اتباعي } لو كان موسى وهو كليم الله حيا لما وسعه إلا أتباع الرسول عليه السلام
فما بالكم اليوم نحن نكون اتباعاً بل نكون أذناباً لكل شيء يأتينا من زخرف أولئك الناس الذين لا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله هذا سبب أنني لا أرى جواز التمثيليات هذه .
ثانياً : هو أنه لا بد أن يقع في هذه التمثيليات أمور مكذوبة لا حقيقة لها في التاريخ الإسلامي أو في السيرة الأولى وحينئذ هذا سبب آخر يمنع من أن نقلد الأوربيين فيما هم عليه من التمثيليات لأنهم يعيشون على قاعدة معروفة ، ومع الأسف بعض المسلمين ينطلقون وراءها أيضاً ، قاعدتهم هي الغاية تبرر الوسيلة .
الغاية وهي مثلاً أن يكسبوا المال أما الطريق فغير مهم ، هو حلال أو حرام ، هذا خلاف الإسلام الذي أوضح لنا طريق الحلال والحرام وقال ( خذوا ما حل ودعوا ما حرَّم ) فأولئك في تمثيلياتهم يدخلون ما لا حقيقة له إطلاقاً ، فجرينا نحن أيضاً على خطاهم مصداقاً لقوله عليه السلام : { لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ... } إلى آخر الحديث.(1/33)
ثالثاً : قد يدخل في التمثيليات مخالفة أخرى وهي تشبه الرجال بالنساء أو تشبه النساء بالرجال أو اختلاط الرجال بالنساء ، وكما يقال أحلاهما مر ، فكيف نستجيز نحن هذه التمثيليات . خذوا مثلاً صورة واضحة جيدة بينة تماماً، يكون الرجل - سبحان الله - ملتحياً كما خلقه الله لكن هو اتباعاً لعادات الكفار يحلق لحيته ، فإذا وضع في دور يمثله يمثل فيه مثلاً رجلاً من الصحابة وضع لحية مستعارة على طريقة الإنجليز فهو يخادع الناس . أولاً : هو خلقه الله ذا لحية فيعص الله ويحلقها فإذا جاء دور التمثيل يتظاهر أمام الناس بأنه موفر لحيته - هذا أليس كذباً ؟ - .
ثانياً : أن يكون هناك شاب لا لحية له فتوضع له لحية مستعارة وهكذا.. فلذلك إذا درست هذه التمثيليات نخرج بنتيجة أنها لا تشرع في دين الإسلام ، وبخاصة إذا كانت متعلقة برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام فهناك سوف يكون الكذب ، هذا يمثل عمر بن الخطاب وهذه تمثل أخت عمر بن الخطاب وإلى آخره ، كل هذا زور في زور وما بني على فاسد فهو فاسد ) اهـ من "البيان المفيد" (ص19-21) نقلاً عن شريط الأسئلة الإماراتية رقم (9) .
وبعد جواب الشيخ دار حوار عن التمثيل مع أحد الحضور إليك نصه :
س : نحن نتجنب التمثيل خوفاً من الوقوع في التشبه بهم . إذا كان هذا في الأمور الدنيوية وليس في العبادات ، ولم يرد النهي ؟
ج : التمثيل ما الغرض منه ؟ أليس التوجيه ؟ حسناً التوجيه أمر عادي ؟
س : ممكن أن أواصل كلامي ؟
ج : لا ، ما بني على فاسد فهو فاسد . لابد لك قبل أن تمضي في الكلام ، الكلمة التي تقولها تثبتها . أولاً : أنت قلت : هذه أمور عادية بينما هي تعبدية وليست عادية .
س : أتنازل عن ذلك .
ج : طيب جزاك الله خيراً .(1/34)
س : التمثيل هذا يكون ، ولنقصد أنه نريد أن نوصل فكرة معينة إلى طائفة معينة من الناس ، فنحن نخترع قصة معينة لها مدلول معين ويمثلها طائفة من الشباب المسلم الملتزم مع عدم وجود المخالفات الشرعية التي ذكرتها . لا في صحابة ولا في تاريخ إسلامي وإنما هي كما ذكرت . ولا في تشبه رجال بالنساء ولا تشبه نساء بالرجال وإنما مجرَّد إيصال لمعنى ومفهوم إسلامي بطريق التمثيل وقد تكون هذه الحاجة لا أقول ماسة ولكن ضرورية كمجال من مجالات الدعوة . لأنَّ هناك طائفة كبيرة من المسلمين يرتادون المسارح ولا نقول نحن نشاركهم في المسارح التي يعرض فيها الفساد ولكن نقول أننا ممكن أن نعرض بعض التمثيليات الهادفة التي يمكن أن تلقي في قلوب أولئك الذين يحبون المسرح والتمثيل بعض المعاني التي قد تدفعهم .. كمجال من مجالات الدعوة .. فهل في هذا شيء ؟
ج : بارك الله فيك الكلام النظري شيء والواقعي شيء آخر ..الآن أين تعرض هذه التمثيليات أين تعرض ؟ في أماكن ومسارح إسلامية ليس فيها مخالفة للشريعة إطلاقاً ؟
س : وهذا غير موجود .
ج : فإذاً أنت تتكلَّم في شيء نظري .
س : لكن نحن إذا منعنا أن يظهر مسرح إسلامي مثلاً لو فرضنا أنه يمكن أن ننشأ مسرح ويكون إسلامي ؟
ج : البحث إذاً نظرياً . وأنا عندي طريقة في الجواب ، أنزع غطاء الخصام بين الاثنين ، يسألني سائل، أقول أخي هذا سؤال نظري ليس عملي فرضي غير واقعي؟ يقول نعم فرضاً. فأقول الجواب في هذا السؤال يجوز فرضاً أو يجب فرضاً . ما الفائدة من هذا ؟ نحن نريد أن نعالج الواقع. كل هذه الإضافات التي أضفتها أنت من التحفظات في عدم مخالفة الشريعة ، تتصوَّر تمثيلية ليس فيها كذبة لربط القصة بعضها في بعض ، والتمثيلية بعضها في بعض تتصوَّر هذا أنت ؟
س : إذا قلنا ذلك أصبحت أنا مخرج .. لا كيف يكون ؟
ج : كيف ؟ عندما أنت تضع للناس قصة تمثلها لهم فهذه القصة واقعية أو خيالية ؟
س : خيالية .(1/35)
ج : والناس يفهمون أنها خيالية ؟
س : نعم .
ج : ما فائدة تأديب الناس بالخيال ويوجد عندنا حقائق من الشرع تؤدب الناس خيرٌ
ممَّا يؤدب الخيال. هذا هو سبيل المشركين وهذا ما أوضحته آنفاً . هم ما يوجد عندهم
ما عندنا من المعالجات الروحية الواقعية التي لا تمت إلى الخيال بصلة . فلماذا إذاً فرض قضايا خيالية وعندنا قصص قرآنية وأحاديث نبوية .
س : أنا ممكن أن أعرض لك حادثة علمية بالذي يحدث .. بين شباب مسلم ملتزم .. أنا أقصد أن أقول إذا أطلقنا التحريم بالتمثيل فسوف يحدث ... ؟
ج : وكلامي كان مطلقاً ؟ وإلاَّ كان فيه أولاً : تشبه بالكفَّار وثانياً : أنه هنالك لابد من أن يقع كذب ولابد من أن يقع تشبه رجال بالنساء والنساء بالرجال إلى آخره .
س : يعني مدلول كلامك أنه لا يوجد تمثيل حلال ؟
ج : نعم .. لأنه لا يوجد تمثيلية فيما أعتقد خالية عن شيء من المخالفات السابقة(1/36)
إلا أن تجعلني أمام أمر واقع ، ولا تستطيع أنت ولا غيرك أن تجعلني أمام تمثيلية يعرف الناس أنها خيال في خيال وأن مثل هذه التمثيلية المسلمون بحاجة إليها وأن ما عندهم من هدي القرآن وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكفي . لماذا ذكرت أنا حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحيفة التي أخذها من اليهود . لأنَّ الرسول عليه السلام أفادنا أنَّ موسى عليه السلام وهو كليم الله لو كان في زمنه لا يسعه إلا أن يكون تابعاً للرسول عليه السلام . لما ؟ لأنَّ الشرع جمع فأوعى . كل الغايات وكل الوسائل المشروعة فيها الخير والبركة .فأنا لمَّا أطلقت وقلت التمثيل لا يجوز ، بينت لماذا وما هي الأسباب التي تجعلني أن أقول هذا..ولعل هذا يدفعني أن اذكر بحديث الصحابي الذي لا استحضر الآن اسمه - المهم - أنهم كانوا في سفر فمروا بشجرة كان المشركون يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا أو قال بعضهم : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط .. فقال عليه السلام : { الله أكبر ، هذه السنن } ، وفي لفظ { هذه السنن ، لقد قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاً
كما لهم آلهة } . وكل إنسان عنده شيء من الفهم ، يفرَّق بقوة بين قول اليهود لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، وبين قول بعض أصحاب الرسول عليه السلام له اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. أولئك طلبوا من موسى عليه السلام أن يتخذ لهم صنماً يعبدونه من دون الله أي طلبوا منه الشرك ، وأن يؤيدهم ويساعدهم على ذلك ، أما أصحاب الرسول عليه السلام لم يفعلوا شيئاً من ذلك أبداً ،كل ما في الأمر أنهم قالوا يا رسول الله اجعل لنا شجرة نعلق عليها الأسلحة كما للمشركين مثل هذه الشجرة ، فأنكر الرسول عليه السلام المطابقة اللفظية من قولهم اجعل لنا ذات أنواط للمطابقة اللفظية لقول اليهود اجعل لنا إلهاً(1/37)
كما لهم آلهة ، مع الفارق الكبير جداً جداً بين معنى قولهم اجعل لنا ذات أنواط وقول اليهود اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، فإذاً ما فقه هذا الحديث ؟ ، فقه هذا الحديث قطع دابر تشبه المسلمين بالكفار حتى بألفاظ لها معاني صحيحة أو على الأقل جائزة ، لكن اللفظ يشابه لفظ الكفَّار. فما بالك أنت إذا نحن أخذنا من هؤلاء الكفَّار وسائل ابتدعوها ، والسبب عليها ، أنت ما وقفت عند هذا السبب الذي ذكرته أبداً ، ما الذي يحمل الكفَّار على هذه التمثيليات ؟ لا يوجد لديهم يا أخي الغذاء الروحي الموجود عندنا، لذلك لمَّا نحن نأخذ منهم هذه الوسائل فهذا شيء ، واتخاذنا وسائل السيارات والطائرات وما شابه ذلك شيء آخر ، ممَّا أنت أشرت إليها بكلامك ووصفتها بأنها أمور عادية . فركوب السيارة والطائرة وما شابه ذلك ، هذه أمور عادية فعلاً محضة ولا دخل لها في موضوع قوله عليه السلام :
{ ومن تشبه بقوم فهو منهم } لكن التمثيليات - سبحان الله - مثل السيارات والطائرات ؟ الدافع على التمثيليات فقر روحي والدافع لنا على عدم التمثيليات غنانا الروحي ، فشتان بين هذا ، وما بين هذا ... عندك شيء آخر .. اهـ " البيان المفيد" (22-26) .(1/38)
وقال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري عن التمثيل من كتابه "الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين" (ص244) بواسطة "البيان المفيد" (ص41) : ( من التشبه بأعداء الله تعالى ما يفعله أهل المدارس وغيرهم من إقامة التمثيليات للماضين وأفعالهم مضاهاة لما يفعله النصارى في عيد الشعانين فإنهم يخرجون فيه بورق الزيتون ونحوه يزعمون أنَّ ذلك مشابهة لما جرى للمسيح حين دخل إلى بيت المقدس راكباً أتانا مع جحشها فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فثار عليه غوغاء الناس وكان اليهود قد وكلوا قوماً معهم عصي يضربونه بها فأورقت تلك العصي وسجد أولئك الغوغاء للمسيح فعيد الشعانين مشابهة لذلك الأمر ذكر هذا شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى . وإقامة التمثيليات للأمور الماضية هي من باب ما يفعله النصارى في عيد الشعانين ولم يكن ذلك من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من هدي أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين . ولم يكن من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان وإنما حدث ذلك في زماننا وهو متلقى من الإفرنج وأشباههم وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
{ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجة من حديث عائشة رضي الله عنها . وفي رواية لأحمد ومسلم والبخاري تعليقاً مجزوماً به :
{ من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } . وفي هذا الحديث دليل على المنع من إقامة التمثيليات لأنها من المحدثات ويدل على ذلك أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : { من تشبه بقوم فهو منهم } وحديث : { ليس منا من تشبه بغيرنا } ) اهـ كلامه .(1/39)
وقال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى : ( إن التمثيليات تقرب من الكذب إن لم تكن كذباً ونحن نعتقد تحريمها وليس من أسلوب الدعوة عند علمائنا المتقدمين رحمهم الله ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : { أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة : رجلٌ قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين } - والممثل - يطلق على المصَّور وعلى الذي يحكي فعل غيره كما في كتب اللغة ومنه حديث : { من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة فإنَّ الشيطان لا يتمثل بنبي } أو بهذا المعنى ) اهـ "المخرج من الفتنة" (ص96) .
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "التمثيل" : ( إذا علمت أنَّ التمثيل منقطع الصلة بتاريخ المسلمين في خير القرون ، وأنَّ وفادته إليهم كانت طارئة في فترات وأنه في القرن الرابع عشر الهجري استقبلته دور اللهو ، وردهات المسارح ، ثمَّ تسلل من معابد النصارى إلى فرق ( التمثيل الديني ) في المدارس ، وبعض الجماعات الإسلامية . إذا علمت ذلك فاعلم أنَّ قواعد الشريعة وأصولها ، وترقيها بأهلها إلى مدارج الشرف والكمال ، تقضي برفضه ، ورده من حيث أتى ، وهذا بيانها :
أولاً : معلوم أنَّ الأعمال ، إما عبادات أو عادات ، فالأصل في العبادات لا يشَّرع منها
إلا ما شرعه الله ، والأصل في العادات لا يحظر منها إلا ما حظره الله . وعليه : فلا يخلو التمثيل أن يكون على سبيل التعبد ( التمثيل الديني ) أو من باب الإعتياد ، على سبيل
((1/40)
اللهو والترفيه ) فإن كان على سبيل التعبد ، فإنَّ العبادات موقوفة على النص ومورده ، والتمثيل الديني لا عهد للشريعة به ، فهو سبيل محدث ، ومن مجامع الإسلام قول النبي عليه الصلاة والسلام : { من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وأما إن كان التمثيل في العادات فهذا تشبه بأعداء الله الكافرين وقد نهينا عن التشبه بهم .
ثانياً : لا يخلو ( التمثيل ) أن يكون أسطورة متخيلة، فهذا كذب والنفوس واجب ترويضها على الصدق ومنابذة الكذب، والأساطير المختلقة المكذوبة تُشرب النفوس الكذب، وعدم التحرز منه . وعن معاوية بن حيده رضي الله عنه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له } رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم.
أو أن يكون ( التمثيل ) حقيقة بتمثيل معين ، فهذا محاكاة ، والمحاكاة منهي عنها بإطلاق ، كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : { ما أحب أني حكيت إنساناً وأنَّ لي كذا وكذا } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن الجعد .
قوله : { حكيت إنساناً } أي : قلدته في حركاته وأقواله فهي غيبة فعلية وهي كالغيبة القولية في التحريم سواء . ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : { وأنَّ لي كذا } أي : وأن لي على تلك المحاكاة ، وهذا من أدلة التحريم .
سادساً : التمثيل ، لا ينفك عن ( الكذب ) بحال في الفعال والأقوال بل كم من يمين غموس وزواج وطلاق .. وكله اختلاق . والكذب أردى الأدواء ، ويطبع المؤمن على كلَّ شيء خلا الخيانة والكذب ، ووجه عدم انفكاكه عن الكذب ما يلي :
1 – إن كان أسطورة فهذا من أساسه اختلاق ، وبئس المطية لتوجيه الأمة وترفيهها
بما هو كذب عليها ، وملاعبة لعقولها .(1/41)
2 – وإن كان يمثل معيناً كصلاح الدين الأيوبي وغيره من العظماء من قبل ومن بعد ، فإنهم سيقولون ( قال ) وما قال و ( فعل ) وما فعل وهكذا في حركات ، وتصرفات هي محض افتراء وتقول عليه وإذا حرَّم الله شيئاً مثل الكذب ، حرم ما بني عليه وأوصل إليه والتمثيل سبيل إليه ، فيحوي من الكذب ما تراه فالله المستعان ) اهـ من كتاب "التمثيل" ملخصاً من (ص28 و30 و32-33 و39-40) وقد ذكر حفظه الله شبه من أجاز التمثيل وردَّ عليها ونحن نذكر لك بعض هذه الشبه مع ردَّه عليها .
1 – التمثيل ترفيه بريء ولهو مباح .
2 – التمثيل هادف إلى بث ومعالجة القضايا الأخلاقية ، والمشاكل الاجتماعية ، فهو وسيلة تربوية .
3 – التمثيل : وسيلة إظهار لعظمة الإسلام ، ومجد عظمائه .
4 – قياسه على تمثل جبريل عليه السلام لمريم في صورة بشر ، وكذا في مواضع أخر ولنبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - .
والجواب عنها ما يلي :
1 – أما أنَّ التمثيل ترفيه بريء ولهو مباح ، فهذا لا يمكن قبوله ، لما رأيت في توجيه التحريم لذاته وموضوعه وآثاره، فأنَّى له البراءة فضلاً عن الإباحة .
2 – وأما أنه وسيلة تربوية .. فهذا مقدوح بما تقَّدم لك من علة التشبه وما يمازجها من محاذير شرعية وكما أنَّ قاعدة الشريعة منع التشبه فقاعدة الشريعة أيضاً دفع المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكثيرها، وقد علمت ما ينطوي عليه التمثيل هنا من مضامين يرفضها الشرع فسبيل هذه الوسيلة المنع . والله أعلم .
3 – أما أنه وسيلة دينية لإظهار مجد الإسلام ، فإنَّ ما يؤدي إلى خدمة الدين ، مطلوب لكن يشترط عدم الإحداث والإبتداع { وما كان ربك نسياً } والدعوة إلى الله في وسيلتها وغايتها والوسيلة لا تبررها الغاية ، وهذه وسيلة تعبدية محدثة فسبيلها الرد ابتداء . إضافة إلى ما يحيط بها في موضوعها ونتائجها ممَّا تقدَّم لك بيانه ، ينتج من هذا أنها وسيلة محدثة فهي رد .(1/42)
4 – أما تمثل جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي وغيره ، فقياس فاسد لما يلي :
وهو أنَّ القدرة على التشكيل من خصائص عالم الغيب عن عالم الشهادة فقد جعل الله سبحانه وتعالى للملائكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم تشكلاً حقيقياً كما في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ففي القرآن أرسل الله تعالى جبريل إلى مريم في صورة بشر { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً } (مريم/17) وجاءت الملائكة إلى إبراهيم في صورة بشر . وإلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه . وجاء جبريل إلى نبينا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في صور وأشكال متعددة في صورة دحية الكلبي ، وفي صورة أعرابي .. ومن إعطاء الله القدرة على التشكيل ما في قصة : الأقرع والأبرص والأعمى . وقد أعطى الله الشياطين والجان : القدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان. ومنها مجيء الشيطان إلى المشركين يوم بدر في صورة سراقة ابن مالك . كما تتشكل في صورة كلب .. أو حيات . والشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم . فهذه تشكلات حقيقية أقدر الله عليها عالم الغيب من الملائكة الأبرار ، والشياطين والجن الأشرار ، واختصهم بها لعلة الإمتحان والإبتلاء والإختبار في بعضها ، ولعلل وأحكام لا يعلمها إلا من قدرها ، ولم تكن هذه التشكلات الحقيقية لآدمي قط فهي قاصرة على محلها في (عالم الغيب). بناء على هذا فقياس (عالم الشهادة) على (عالم الغيب) في ذلك قياس فاسد ، لأنه قياس تشكل جزئي وهمي كاذب ، على تشكل كلي حقيقي صادق ، ولأنَّ العلة الجامعة قاصرة على محلها في عالم الغيب ، وتوفرها في طرفي القياس ركن في صحته وفقدانها هنا ظاهر فضلاً عن شرط تساويهما في الفرع والأصل لو وجدت ، فهي مفقودة أصلاً في النوع المقيس.
ولو اشتركا في العلة فشرطها أن تكون بوصف ظاهر وليست في عالم الغيب كذلك فنخلص من هذا أنه قياس فاسد لاختلال ركنه وشرطه والله أعلم.اهـ كتاب"التمثيل"(ص49-55).(1/43)
إلى غير ذلك من كلام أهل العلم في هذه المسألة تركناه خشية الإطالة وفيما ذكرناه الكفاية لمن أراد أن يعرف الحق في هذه المسألة .
وفي الأخير أسأل الله عز وجل أن يجعل ما كتبته بياناً للحق ونصرة لأهله إنَّه على كلَّ شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(1/44)