ضوابط المصارف الإسلامية والمعاملات فيها
وفقاً للقانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1985م
في شأن المصارف والمؤسسات المالية
والشركات الاستثمارية الإسلامية
د. جاسم بن سالم الشامسي
قسم الاقتصاد - جامعة الشارقة
الإمارات العربية المتحدة
(طبعة تمهيدية)
شهدت العقود الأخيرة نشأة عدد من المصارف الإسلامية، وإنشاء البنوك التقليدية لعدد من الفروع تقصر نشاطها على التعامل وفق الأحكام الشرعية، وذلك تحقيقاً للأهداف الآتية:
1) السعي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مجال يؤثر على حياة الناس وسلوكهم ونشاطهم، ويشيع فيه الخروج على أحكامها، نظراً لأن أكثر أعمال البنوك الحديثة تدور حول الإقراض والاقتراض بفائدة ربوية محرمة(1).
2) العمل على تيسير أسباب الربح الحلال في مجال زعم أن الفوائد الربوية هي عصب وجودها، بل هي علة نشأتها متمثلاً في البنوك وذلك من منطلق الإيمان المطلق بحرمة فوائد البنوك لكونها من الربا الذي حرّمته الشريعة الإسلامية ونهت عنه، فقد قال سبحانه وتعالى { يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ وذروا ما بقيَ من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوسُ أموالكم لا تَظلمونَ ولا تُظلمون } .
3) لا يُنكر في هذا الصدد مدى تأثير الدعاة المسلمين لإقامة نظام اقتصادي واجتماعي يلتزم بقواعد الشريعة الإسلامية وباجتهادات الفقهاء المسلمين، مستلهماً ماضي الأمة الإسلامية لبناء حاضرها.
4) التدليل من خلال التطبيق العملي على إمكانية النهوض الاقتصادي للأمة من خلال التقيد المطلق بأحكام الشريعة الإسلامية ونظمها الاقتصادية، مع الاستفادة بما لا يُناقض تلك الأحكام من التجارب الاقتصادية للغير.
وتقوم المصارف الإسلامية بكثير من الوظائف التي تقوم بها البنوك التجارية فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية:
__________
(1) الهوامش
1- ... د. محمد سراج، النظام المصرفي الإسلامي، دار الثقافة، ص19.(1/1)
1- كتيسير تبادل النقود بالتعامل في الأوراق المتداولة مقابل عمولة أو أجرة يتقاضاها، وبالنسبة لاستبدال العملات الذي يقوم على أساس القبض في مجلس العقد وبسعر يوم العقد.
2- تسهيل الإنتاج بتجميع رؤوس الأموال اللازمة لإنشاء المشروعات الإنتاجية والتجارية.
3- تقوم المصارف المركزية بالرقابة على البنوك التجارية، والتقيد بالقرارات الصادرة عنها فيما يتعلق بأعمال المصارف سواء كانت إسلامية أو تجارية.
4- كذلك تقوم البنوك المتخصصة بتمويل النشاط الاقتصادي في مجال من المجالات، وذلك كالبنوك والمؤسسات المالية المختصة بالتنمية والائتمان الصناعي والعقاري والزراعي والاستثمار.
وتلتزم المصارف الإسلامية مع ذلك على وجه العموم بالأمور التالية:
1) عدم التعامل بالربا قرضاً أو إقراضاً لقطعية حرمته، ولأن القرض في الشريعة عقد تبرع بمنفعة المال مع الالتزام برد مثله وضمانة لمقرضه(1).
2) استثمار الأموال بالمشاركات والمضاربات وإنشاء المشروعات التي يملك المصرف حصة فيها أو غير ذلك من وسائل التمويل التي أباحتها الشريعة.
3) تحريم الاحتكار أو التعامل في الأنشطة المحرمة شرعاً على المسلم أو ضارّة به.
4) دفع الزكاة طُهرة للمال ورعاية لحقوق الفقراء فيه، وتشجيع التطوع والتصدق في أوجه البر.
5) دعم روح التعاون بين الأفراد في المجتمعات الإسلامية،تحريك المدخرات وتجميعها واستثمارها في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة، مما يعين على قيام المجتمع المسلم بفروض الكفايات الواجبة عليه شرعاً.
__________
(1) 2- ... د. محمد سراج، المرجع السابق، ص72.(1/2)
وفي ضوء ذلك يترتب التزاماً على المصارف الإسلامية بأن تطبق على أعمالها أحكام الشريعة الإسلامية، وفي هذه السبيل فإنه في دولة الإمارات العربية المتحدة صدر قانون اتحادي رقم (6) لسنة 1985م في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية. وبالتالي سوف نتكلم في مطلب أول عن هذه الضوابط التي ضمنها المقنن لهذا القانون، ثم نتكلم في مطلبٍ ثان عن المزايا التي منحها القانون للمصارف الإسلامية، وفي مطلبٍ ثالث نستعرض بعض التطبيقات للأعمال المصرفية الإسلامية.
المطلب الأول
ضوابط إنشاء المصارف والمؤسسات المالية
والشركات الاستثمارية الإسلامية
أولاً: الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية:
نصت المادة الأولى من القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1985م في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية على الآتي:" يُقصد بالمصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية تلك التي تتضمن عقودها التأسيسية ونظمها الأساسية التزاماً بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتباشر نشاطها وفقاً لهذه الحكام".
إذا كانت المؤسسات المالية التجارية سواء كانت بنوكاً أو شركات لا يتطلب أن تنص في عقود إنشائها على ممارساتها للأعمال التجارية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية إلا أن المؤسسات المالية المنشأة وفقاً لهذا القانون لا بد أن تطّبق أحكام الشريعة عليها، وأن تعلن ذلك صراحة في نظامها. ولهذا فنرى أن هذا النص يتضمن عنصرين: أحدهما شكلي والآخر موضوعي، بحيث إنه لا بد لقيام المؤسسات ذات الطابع الإسلامي أن يتوافر فيها هذين العنصرين كالآتي:(1/3)
ا) أن ينص كتابة في نظامها التأسيسي (الأساسي) على أن هذا البنك ملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها مثل أن يُقال في عقد التأسيس "تلتزم الشركة (أو البنك) في كافة أعمالها تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتمارس نشاطاتها وفقاً لهذه الأحكام، وللشركة أن تقوم بكافة الأعمال وتباشر كافة النشاطات المصرفية والاستثمارية والتجارية والخدمية التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية".
والواضح أن عدم النص على ذلك في النظام الأساسي أو عقد التأسيس سيؤدي إلى عدم صدور الإذن من الجهات المختصة بالإنشاء، فهذا الشكل إذن من ضروريات إقامة الشركة والسماح لها بممارسة أعمال ممنوعة على المؤسسات والبنوك التجارية العادية ممارستها وفقاً للقانون رقم (10) لسنة 1980م بإنشاء المصرف المركزي.
وتوجب الشكلية هذه أن يعنون المصرف بأنه مصرف إسلامي كما هو الشأن في مصرف فيصل الإسلامي وبنك دبي الإسلامي، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، والشركة الاستثمارية الإسلامية...الخ. فمعنى ذلك أن التسمية مطلوبة ضرورة كإجراء للإنشاء، وهو ما تراه للسلطات المختصة أن هذا أمراً مهماً وفقاً لأن الوصف يدل على الموصوف، بل هو يُعدّ مظهرية للبنك تميزه عن غيره من البنوك التجارية.
ب) تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، إن الشريعة الإسلامية بما تحويه من أحكام فيها ما هو قطعي في ثبوته ودلالته، ومنها ما هو ظني في ثبوته أو دلالته.
وما هو قطعي في ثبوته ككتاب الله سبحانه وتعالى جميعه، ومنها ما هو ظني الثبوت كبعض أحكام السنة، وكذلك منها ما هو قطعي في دلالته كالقرآن والسنة، ومنها ما هو ظني في دلالته.
وبالتالي يثور السؤال التالي: هل الالتزام المطلوب من البنوك الإسلامية هو الالتزام في حدود الأحكام الشرعي القطعية فقط؟.(1/4)
الواضح أن الأمر يتعدى ذلك، فلا بد من تطبيق جميع الأحكام الشرعية وتنزيل هذه الأحكام على وجوه المعاملات المالية وأسس التنمية وسياستها، بحيث يخرج العمل المصرفي في هذه البنوك بتنظيم يميّزه عن غيره من البنوك التجارية محققاً لغايات إقامته.
فكيف يتم ذلك؟.. إن المعاملات البنكية الإسلامية تتم جميعها في صورة اتفاقات وعقود كمشاركات أو مضاربات أو استثمارات مختلفة، وهذه جميعها لا بد أن يتحرى في إجرائها أحكام الشريعة الإسلامية بجميع شرائطها وهي:
1- وجود التراضي على العقد:
فلا بد من وجود شرائط للانعقاد والصحة، كما نص عليها الفقهاء بجميع الاتفاقات. فشرط الانعقاد يتطلب وجود التراضي في التعامل بين المتعاقدين سواء من حيث صيغة الإيجاب والقبول كما نصوا عليها وأن يتطابق هذا الإيجاب والقبول(1).
ويجب أن يتوافر التراضي في جميع المسائل المعترض لها عند الاتفاق سواء كانت جوهرية أو تفصيلية ثانوية، ما دام قد تعرضنا لها فلا بد أن يتحقق التراضي(2)، وكذلك لا بد من اتحاد مجلس عقد البيع بحيث ينشغل المتعاقدان بالعقد وأن تتوفر للمتعاقدين أهلية التصرف.
__________
(1) 3- ... المادة 140 من قانون المعاملات المدنية الإمارتي.
(2) 4- ... د. جاسم علي سالم الشامسي، عقد البيع ،1997- 1998، ص70 وما بعدها.(1/5)
ويجب أن يكو ن المعقود عليه أي ما يرد عليه اتفاق المتعاقدين مقدور الاستيفاء، فلا يصح بيع المعدوم إذ لا يمكن أن يتعلق حكم العقد وآثاره بشيء معدوم(1)، مع جواز ما ذهب إليه جانب من الفقهاء ببيع الأشياء المستقبلة إذا انتفى الغرر(2)، وهو ما أخذ به قانون المعاملات المدنية (المادة202).وكذلك أُجيز بيع السلم وهو بيع مال مؤجل التسليم بثمن معجل(3)، ولقد أُجيز بشروط تطلبه الشرع بشكل منضبط إلى جانب الشروط العامة لكل تعاقد(4)، وكذلك أجاز الفقهاء بيوع الآجال كبيع المشتري ما اشتراه أو لوكيل البائع لأجل(5).
2- تعيين محل العقد (أي المعقود عليه):
__________
(1) 5- ... الدسوقي على الشرح الكبير، ج3،ص157- 158- المغني عليه الشرح الكبير، ج4 ص276- قليوبي وعميرة، ج2، ص175- 176.
(2) 6- ... الفروق للقرافي، ج3، ص165، الفرق الثالث والتسعون بعد المائة- المقدمات الممهدات لابن رشد الجد، ج2، ص71- 72- ابن تيمية، نظرية العقد، ص229- 231- الفتاوى الكبرى لابن تيمية، مجلد3، ص432- إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية، ج1، ص357- 358.
(3) 7- ... المادة 568 معاملات مدنية.
(4) 8- ... انظر د. جاسم الشامسي، عقد البيع، المرجع السابق، ص144- 169.
(5) 9- ... الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، ج3، ص116.(1/6)
يُعد تعيين المحل في العقد ركناً من أركانه التي يجب توافره- إلى جانب الأركان الأخرى- لقيام العقد دون بطلان يمكن أن يتمسك به كل ذي مصلحة، والتعيين بمفهومه العام المطلق في الشريعة الإسلامية للمحل المتعاقد عليه معياره التعيين الذي يزيل الجهالة الفاحشة أو اليسيرة عن المحل، وإن كان قد رتب على كل من نوعي الجهالة حكماً يختلف عن الآخر باعتبار أن الجهالة الفاحشة تفضي إلى العدم، بحيث تجعل المتعاقد الطالب للمحل المتعاقد عليه معدوم والمعرفة به، ومن ثم كان البطلان هو جزاء توافر الجهالة الفاحشة، أما الجهالة اليسيرة فإنها تتوافر حيث يكون لدى المتعاقد الطالب للمحل معلومات ومعرفة به تزيل الجهالة الفاحشة عنه وتنفي الخلاف حوله وهو ما يستتبع وجود العقد وقيامه.
ومع ذلك فإن الجهالة اليسيرة تجعل العقد يُوصف بأنه معتل مما سيتأهل ضرورة علاجه قبل استفحال دائه وذلك هو ما جعل الشارع يُعطي الحق للمتعاقد في الخيار بين إمضائه أو فسخه.
3- صلاحية المعقود عليه للتعامل فيه:
ولكي يكون المعقود عليه قابلاً لحكم العقد لا بد أن يكون صالحاً للتعامل فيه، وذلك يقودنا إلى الشروط الآتية:
ا- أن يكون مالاً متقوماً، أي يباح الانتفاع به شرعاً من غير ضرورة، ولقد نصت المادة 200 من قانون المعاملات المدنية على أنه" في التصرفات المالية بشرط أن يكون المحل متقوماً"، كما نصت المادة96 من ذات القانون على أن" المال قد يكون متقوماً أو غير متقوم، والمال المتقوم هو ما يباح للمسلم الانتفاع به شرعاً، وغير المتقوم هو ما لا يباح الانتفاع به شرعاً". فوفقاً لهذه النصوص لا بد أن يكون محل العقد مالاً متقوماً، أما غير المتقوم وتأبى طبيعته التعامل فيه فإن العقد الذي يرد عليه يكون باطلاً(1).
__________
(1) 10- ... مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري، ج3، ص93.(1/7)
ب- يجب ألا يخالف التصرف نص القانون والنظام العام والآداب، فقد يرجع عدم صلاحية الأموال للتعامل فيها بحكم القانون مع كونها في ذاتها تعد مالاً متقوماً، فالقانون والشرع يحظر التعامل في بعض الأموال لأسباب ارتآها رعاية لمصلحة المجتمع وهو ما ذكرته المادة 126 معاملات مدنية "أي شيء آخر ليس ممنوعاً بنص القانون أو مخالفاً للنظام العام والآداب"، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة السابعة من القانون الاتحادي رقم (15) لسنة1993م في حظرها لبيع الأعضاء البشرية، وقياساً على ذلك فلا يجوز التعامل فيها معاوضة ويدخل ذلك تحت المخالفة الشرعية والنظام العام كتحريم بيع بويضات المرأة أو الاستثمار في التلقيح الصناعي أو الاستنساخ البشري أو الهندسة الوراثية أو الاستثمار في الأدوية أو المستحضرات المستمدة من مصدر أو مصادر طبيعية أو تصنيعها أو تسويقها قبل الحصول على إذن من الوزارة المختصة (القانون الاتحادي رقم20 لسنة1995 في شأن الأدوية).
عموماً فلا يجوز الاتفاق على المعصية، فكل ما يكون معصية فإن الاتفاق عليه باطلاً، وقد نصت المادة127 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أن "التعاقد على معصية لا يجوز" وذلك ينطبق على الأثمان بحيث يكون الثمن معيناً لا جهالة فيه، فلا يجوز ترك تحديده لمحض إرادة أحد المتعاقدين أولطرف ثالث، وإن خالف في ذلك قانون المعاملات التجارية حيث نصت المادة99 منه على الآتي " يجوز أن يتفق المتعاقدان على تفويض الغير في تحديد ثمن المبيع....".
4- شروط الصحة:
يجب توافر شروط الصحة والتي يؤدي تخلفها إلى فساد العقد عند بعض الفقهاء وبطلانه عند البعض الآخر. وقد نصت المادة212 من قانون المعاملات على أن :
- العقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا بوصفه، فإذا زال سبب فساده صح.
- ولا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه.
- ولا يترتب عليه أثر إلا في نطاق ما تقرره أحكام القانون.(1/8)
- ولكل من عاقديه أو ورثتهما حق فسخه بعد إعذار العاقد الآخر.
وسواء أكانت أسباب الفساد متصلة بمحل العقد إذ يفترض أن الغرر في عقود المعاوضات المالية- ومنها عقد البيع- إذا ما دخل على الطبيعة العقدية يؤدي إلى بطلان العقد، بمعنى أن الغرر يتعلق بنفس العقد لا بمحله(1).أو أسباب الفساد متصلة بالعقد ذاته ومنها الشرط الفاسد المقترن بالعقد، فقد وردت في الشريعة الإسلامية نصوص شرعية تقرر للعقود آثارها، ووردت فيها نصوص أخرى بعضها عام وبعضها خاص فيما يتصل بمدى حق المتعاقدين في تعديل آثار النقود بالإضافة عليها أو النقص منها ، وذلك بشروط معينة يشترطانها في عقودهما. ففي القرآن الكريم ورد قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ، وقوله تعالى { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم } . وفي السنة النبوية ورد حديث (( ... المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً))، وحديث (( مقاطع الحقوق عند الشروط)).
والشروط في الفقه الإسلامي إما أن تكون شروطاً تلائم العقد أو تقتضيه فتكون صحيحة وإما أن تكون شروطاً لا يقتضيها العقد أو لا تلائمه وفيها نفع لأحد المتعاقدين أو لأجنبي(2).وقد نصت المادة 206 من قانون المعاملات المدنية على أن "يجوز أن يقترن العقد بشرط يؤكد مقتضاه أو يلائمه أو جرى به العرف والعادة نفع لأحد المتعاقدين أو لغيرهما كل ذلك ما لم يمنعه الشارع أو يخالف النظام العام أو الآداب و إلا بطل الشرط وصح العقد ما لم يكن الشرط هو الدافع إلى التعاقد فيبطل العقد أيضاً.
__________
(1) 11- ... د. جاسم الشامسي، المرجع السابق، ص255.
(2) 12- ... رد المحتار، ج4، ص121- بدائع الصنائع، ج5، ص169- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج3، ص65.(1/9)
وكذلك يذهب الفقه إلى أنه يشترط لصحة البيع أن يكون المبيع وثمنه معلومين علماً يمنع من المنازعة، فإن كان أحدهما أو كلاهما مجهولاً جهالة مفضية إلى المنازعة فسد العقد(1)، إلا أن قانون المعاملات المدنية الإماراتي قد رتب البطلان على ذلك(2).
والأمر الآخر بالنسبة للبيع الذي دخله ربا سواء ربا الفضل أو ربا النسيئة فإن قانون المعاملات المدنية أبطل الربا وصح العقد بنص المادة714 على أن "إذا اشترط في عقد القرض منفعة زائدة على مقتضى العقد سوى ضمان حق المقرض بطل الشرط وصح العقد".
وإلى جانب ذلك فإن القانون تطلب خلو كل عقد من عيوب الرضا، فإذا كان قد شاب العقد غلط- الذي هو وهم يقوم في ذهن المتعاقد يصور له أمراً على غير حقيقته- فإنه يستطيع أن يفسخ العقد. فقد نصت المادة195 معاملات مدنية على أنه "للمتعاقد فسخ العقد إذا وقع منه غلط في أمر مرغوب كصفقة في المحل أو ذات المتعاقد أو صفة فيه".
والحال كذلك فلو شاب العقد تغرير بالمتعاقد وصاحبه غبن فاحش جاز له الفسخ. والتغرير هو إيقاع المتعاقد عمداً في غرر وهو حمل المتعاقد على الرضا بما لم يكن ليرضى به(3). أما الغبن الفاحش في العقار وغيره هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين (المادة188 معاملات مدنية).
وكذلك الإكراه وهو حمل الغير بغير حق على ما لا يرضاه، وقد نصت المادة 182 معاملات مدنية على أن " من أكره أحداً بأحد نوعي الإكراه على إبرام عقد ينفذ عقده، ولكن لو أجازه المكره أو ورثته بعد زوال الإكراه صراحة أو دلالة يصح العقد".
ثانياً: قيام المصارف والشركات الإسلامية في شكل مساهمة:
__________
(1) 13- ... بدائع الصنائع، ج5، ص164- 168- تبيين الحقائق للزيلعي، ج4، ص504.
(2) 14- ... المادة 203.
(3) 15- ... د. عبد الناصر العطار، مصادر الالتزام الإ دارية في قانون المعاملات المدنية الإماراتي1996، ص131.(1/10)
نصت المادة الثانية من القانون الاتحادي رقم (6) في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية في فقرتيها الثالثة والرابعة على الآتي: "وتتخذ تلك المصارف والمؤسسات والشركات شكل شركة المساهم العامة، ويتم تأسيسها وفقاً للأحكام المنصوص عليها في القانون الاتحادي رقم (8) لسنة1984م المشار إليه، وتخضع لترخيص المصرف المركزي ورقابته وتفتيشه طبقاً للقانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980م المشار إليه وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.وتسري أحكام الفقرات السابقة- فيما عدا ما يتعلق بالتأسيس والشكل- على الفروع والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية الأجنبية.
ويمكن تقسيم هذا الشرط إلى قسمين: أن ينشأ المصرف أو الشركة في شكل شركة مساهمة، والقسم الآخر أن يحصل على موافقة المصرف المركزي.
(ا) اتخاذ المصرف شكل شركة مساهمة:
شركة المساهمة عبارة عن شركة تقوم على الاعتبار المالي لا الشخصي، بمعنى أن الأهمية فيها لرأس مال الشريك لا لشخصه، وعليه فإن هذه الشركات لا تنقضي بوفاة أحد الشركاء أو بإشهار إفلاسه أو الحجر عليه، كما أنه لا يجوز لأي من الشركاء التنازل عن حصته لأجنبي عن الشركة دون موافقة باقي الشركاء، كما يجوز لأي شريك الانسحاب من الشركة دون الرجوع لباقي الشركاء، وعلاوةً على ذلك فإن مسؤولية الشريك عن ديون الشركة محصورة في حدود رأس ماله ولا تتجاوز ذلك إلى أمواله الخاصة.
النصوص القانونية:
نصت المادة64 من قانون الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة بأنه "تعتبر شركة مساهمة عامة كل شركة يكون رأسمالها مقسّماً إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول ولا يسأل الشريك فيها إلا بقدر حصته في رأس المال".(1/11)
ونصت المادة79 من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980م في شأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية على أنه "يجب أن تتخذ المنشآت التي تمارس أعمال المصارف التجارية شكل شركات مساهمة عامة يأذن لها القانون أو المرسوم الصادر بتأسيسها، وتستثنى من أحكام الفقرة السابقة فروع المصارف الأجنبية العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة".
وطبقاً للمادتين فإن شركة المساهمة العامة هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسّماً إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول، ولا يسأل الشريك فيها إلا بقدر حصته في رأس المال.
وإذا كان قانون المصارف الإسلامية قد نص على أن تكون في شكل شركة مساهمة عامة فإنه يكون قد أخرج شكل شركة المساهمة الخاصة من الجواز والتي تتم في صورة اتفاق بين أشخاص معدودة كما نصت عليه المادة215 من قانون الشركات التجارية الإماراتي بأنه "يجوز لعدد من المؤسسين لا يقل عن ثلاثة أشخاص أن يؤسسوا فيما بينهم شركة مساهمة خاصة لا تطرح أسهمها للاكتتاب العام، وأن يكتتبوا بكامل رأس المال الذي يجب ألا يقل عن مليون درهم".
ويجب أن يتوافر في البنك الإسلامي باعتباره شركة مساهمة عامة خصائصها بإيجاز كالآتي:
1) شركة المساهمة شركة أموال: بمعنى أنها تقوم على الاعتبار المالي لا الشخصي، ويقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة ويكتتب فيها عدد من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين قد لا يعرف بعضهم بعضاً.وأن أسهمها قابلة للتنازل بمقابل أو بدون مقابل دون الرجوع لباقي المساهمين (المادة155 من قانون الشركات التجارية).
2) أن مسؤولية الشريك المساهم محددة في رأس ماله المساهم به: تطبيقاً للمادة64 من قانون الشركات بأن المساهم في شركة المساهمة لا يسأل عن ديون الشركة والتزاماتها إلا بمقدار حصته في رأس المال، فهو لا يسأل مسؤولية تضامنية وشخصية مطلقة عن ديون الشركة(1).
__________
(1) 16- ... د. حسين غنايم، المرجع السابق، ص138.(1/12)
3) وليس للشركة عنوان مستمد من أسماء الشركة: إن شركة المساهمة في واقع الأمر تحمل اسماً وعنواناً تُعرف به في الوسط التجاري، وعادةً ما يستمد هذا الاسم من موضوع نشاطها (المادة65 من قانون الشركات الإماراتي) كتسمية بنك دبي الإسلامي أو مصرف أبو ظبي الإسلامي استمداداً من العمل المصرفي المميز لها، ومنعاً لتشابه الأسماء واختلاط الأمر على الناس بأنه لا يجوز لأي شركة مساهمة أن تحمل اسم أية شركة مساهمة أخرى أو اسماً مشابهاً له ( المادة6 من قانون الشركات).
4) كون تأسيس الشركات أقرب إلى النظام القانوني منه إلى حرية التعاقد: إن شركة المساهمة في النظر القانوني ليست شركة، وإنما هي منظمة مالية وما ذلك إلا لأن أهميتها وضخامة المشروعات التي تتصدى لها ومن كونها تتعلق بمصالح قطاع كبير من المواطنين وخاصةً صغار المُدَّخرين(1)، وبالتالي فقد يتدخل المشرع كثيراً في وضع القواعد القانونية الخاصة بهذه الشركة كإجراءات التأسيس وحقوق المشاركين وأسلوب الإدارة.
متطلبات التأسيس لشركة المساهمة العامة:
وتتطلب شركة المساهمة العامة لقيامها, أن يوضع عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركة، وهي بالتالي تكون- وبحق- أقرب إلى النظام القانوني، ولقد استلزمت المادة68 من قانون الشركات الإماراتي أن يقوم وزير الاقتصاد والتجارة بوضع نموذج عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركات المساهمة، وعلى الشركات التقيد بهذين النموذجين وعدم مخالفتها إلا لأسباب ضرورية يقرها الوزير.
__________
(1) 17- ... د. حسين غنايم، المرجع السابق، ص139- د. محمد سراج، المرجع السابق،
ص173.(1/13)
ويجب أن تقوم لجنة التأسيس بتقديم طلب تأسيس الشركة على النموذج المُعد لذلك إلى وزارة الاقتصاد والتجارة مصحوبا بتصريح السلطة المختصة في الإمارة المعنية بإنشاء الشركة، وبعقد تأسيسها وبنظامها الأساسي والجدوى الاقتصادية للمشروع، مع بيان الجدول الزمني المقترح لتنفيذه، ويقيّد الطلب في السجل المُعد لذلك في الوزارة (المادة 74 من قانون الشركات الإماراتي)، وللوزارة أن تطلب إدخال تعديلات على عقد الشركة ونظامها الأساسي بما يجعله متفقاً مع أحكام القانون. ويتخذ الوزير قراره المتعلق بطلب التأسيس خلال مدة أقصاها ستون يوماً من تاريخ تقديم الطلب.
وإذا تمت الموافقة على مشروع عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي، قام وزير الاقتصاد والتجارة بإصدار قرار تأسيسها الذي يُنشر في الجريدة الرسمية للاتحاد على نفقة المؤسسين، وعندها يتعين على هؤلاء المؤسسين أن يكتتبوا بأسهم لا تقل عن 20% ولا تزيد عن 45% من رأس مال الشركة. وأن يدفعوا قبل نشر بيان الاكتتاب المبلغ الذي يعادل لنسبة المطلوبة دفعها من قبل المكتتبين عن كل سهم عند الاكتتاب. وضماناً لجدية ذلك فإن المؤسسين يلتزمون قبل دعوة الجمهور للاكتتاب بتقديم شهادة لوزارة الاقتصاد والتجارة صادرة من أحد المصارف المعتمدة تثبت قيامه بدفع النسبة المشار إليها (المادة87 من قانون الشركات الإماراتي).
ويتعين على المؤسسين البدء في إجراءات الاكتتاب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ نشر قرار التأسيس في الجريدة الرسمية للاتحاد، ويتم ذلك عن طريق قيامهم بالإعلان عن الاكتتاب في صحيفتين محليتين تصدران باللغة العربية قبل بدئه بخمسة أيام على الأقل.
(ب) إلى جانب خضوع المصارف الإسلامية لقانون الشركات التجارية فإنه يخضع للقانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980م في شأن المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية المعدل بالقانون الاتحادي رقم (1) لسنة1988م.(1/14)
فقد نصت المادة 83 من القانون رقم (10) لسنة1980م على الآتي:
1- مع مراعاة الأحكام المعمول بها بشأن تأسيس شركات المساهمة والتي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون، لا يجوز للمصارف التجارية أن تباشر أعمالها إلا بعد الترخيص لها بذلك بقرار من رئيس المجلس أو من يفوضه بناءً على موافقة مجلس الإدارة. وتسجل المصارف التجارية المرخص لها في السجل المُعد لذلك بالمصرف كما ينشر القرار الصادر بالترخيص لها في الجريدة الرسمية.
2- يقرر مجلس الإدارة الشروط والإجراءات الواجب اتباعها في تقديم طلبات الترخيص والوثائق والمعلومات المطلوبة، كما يقرر الأحكام الخاصة بإنشاء الفروع وكل ما يتعلق بها.
3- في حالة رفض طلب الترخيص يقوم المصرف بتبليغ القرار إلى المنشأة ذات العلاقة خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً اعتباراً من تاريخ الرفض.
ونصت المادة84 من ذات القانون على أنه "لا يجوز لأي مصرف تجاري أن يقيم فرعاً جديداً له داخل دولة الإمارات العربية المتحدة أو خارجها ولا أن يغيّر مكان الفرع أو يغلق فرعاً إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة بذلك من مجلس الإدارة".
وأوضحت المادة83 بأن المصرف قد اتخذ سجلاً خاصاً لتسجيل المصارف بعد ترخيصها منه، والواضح أن الإجراءات الواجب اتباعها في تقديم طلبات الترخيص والوثائق والمعلومات لا بد أن يصدر بها قرار يبيّن جميع هذه الإجراءات والمستندات المطلوب تقديمها له.
ومن الطبيعي أن أي مصرف بعد أن تثبت أركانه في مركزه الرئيسي من أن يطلب فتح فروع له كامتداد للمركز الرئيسي، ففي هذه الحالة لا بد كذلك من الحصول على إذن من مجلس إدارة المصرف المركزي، ولا يقتصر الشأن على الفروع التي بالداخل بل يمتد كذلك إلى الفروع التي يريد البنك إنشاءها خارج دولة الإمارات العربية المتحدة. وذلك الإجراء مطلوب في حالة إغلاق فرع من الفروع التي سبق أن أذن لها بالترخيص.(1/15)
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إنه ليس لأي مصرف أن يدخل تعديلات على عقد تأسيسه أو نظامه الأساسي دون موافقة المصرف المركزي، إلى جانب أن المصارف تخضع لرقابة وتفتيش المصرف المركزي.
ثالثاً: الهيئة العليا الشرعية:
نصت المادة الخامسة من القانون الاتحادي رقم (6) لسنة1985م في شأن المصارف الإسلامية على الآتي: "تُشكّل بقرار مجلس الوزراء هيئة عليا شرعية تضم عناصر شرعية وقانونية ومصرفية تتولى الرقابة العليا على المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية للتحقق من مشروعية معاملاتها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية كذلك إبداء الرأي فيما يعرض على هذه الجهات من مسائل أثناء ممارستها لنشاطها، ويكون رأي الهيئة العليا ملزماً للجهات المذكورة، وتلحق هذه الهيئة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف".
ووفقاً لهذا القانون فإنه أُنيط بمجلس الوزراء إصدار قرار بإنشاء هيئة عليا شرعية تتكون من عناصر مختلفة لا بد أن يتوافر فيها ممثلين قانونيين وشرعيين ومصرفيين. وإذا كان لا بد من توافر هذه العناصر فإن القانون ترك تحديد العدد اللازم الذي تتكون منه هذه الهيئة لقرار مجلس الوزراء وإن كان هناك مأخذ على هذا النص هو انه ألحق هذه الهيئة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والأصح أن تلحق بقطاع العدل باعتبار أنها تُشرف على أمر عملي ولها ضبطية قضائية ورقابية وليست مجرد هيئة إفتاء.
ولهذه الهيئة الحق في الرقابة على جميع أعمال المصرف للتحقق من تطبيقه لأحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات التي يجريها المصرف وإبداء الرأي فيما يعرض على هذه الجهات من مسائل سواء من المؤسسات الحكومية التي لها صلة أو المصارف الإسلامية حتى تستقيم معاملاتها، وأخذ الرأي قبل إجراء التصرف ضمانة لعدم إبطاله بعد أن يبدأ في تنفيذه.
رابعاً:هيئة الرقابة الشرعية للمصرف:(1/16)
نصت المادة السادسة من قانون المصارف الإسلامية على الآتي: "يتعين النص في عقد تأسيس المصرف أو المؤسسة المالية أو الشركة الاستثمارية الإسلامية وفي النظام الأساسي لكل منها على تشكيل هيئة للرقابة الشرعية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة تتولى مطابقة معاملاتها وتصرفاتها لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، ويحدد النظام الأساسي لكل منها كيفية تشكيل هذه الهيئة وأسلوب ممارستها لعملها واختصاصاتها الأخرى. وتعرض أسماء هيئة الرقابة الشرعية على الهيئة العليا المنصوص عليها في المادة السابقة لإجازتها قبل صدور قرار التشكيل".
وتعنى هذه المادة بأمرين:
- أحدهما أنه لا بد أن ينص النظام الأساسي للمصرف الإسلامي على اتخاذه هيئة رقابية شرعية للنظر في معاملاتها المصرفية، وهذا أمر إجرائي لا بد أن يتم حتى يحصل على الترخيص والموافقة.
- والثاني أن يتم فعلاً اتخاذ هذه الهيئة باختيار أعضائها من بين العارفين والمطّلعين أصحاب الخبرة في المعاملات الإسلامية. ولم يحدد القانون عددها إلا أنه وضع قيداً بحيث لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة بأي حال من الأحوال، وقيداً آخر هو أن تُعرض أسماؤهم على الهيئة الرقابية العليا التي نصت عليها المادة الخامسة من ذات القانون لإجازتها قبل صدور قرار تشكيلها.
وتتولى هذه الهيئة الرقابة والنظر في مطابقة معاملات المصرف وتصرفاته لأحكام الشريعة الإسلامية. وترك القانون تحديد أسلوب ممارستها لعملها واختصاصاتها وفقاً لنظام البنك الأساسي.
المطلب الثاني
ما انفردت به المصارف الإسلامية
دون غيرها تطبيقاً لهذا القانون
من المفترض أن البنوك التجارية تقوم في أساسها على عمليات الإقراض، إذ تقوم فكرة البنك التجاري على أنه تاجر نقود، ومن هذه الفكرة تتفرع عمليات البنوك إلى عمليات الائتمان المختلفة.(1/17)
يقول أحد شرَّاح قانون البنوك "البنك- أي التجاري- لا يحتفظ بكل الأموال المودعة معطلة في خزائنه، وإنما يكتفي بنسبة معينة من هذه الأموال يحددها بتجربته وخبرته لمواجهة طلبات المودعين ثم يقرض الباقي"(1).
وذلك بخلاف المصارف الإسلامية التي كما ذكرها- بحق- كثير من الفقهاء ومنهم د. محمد عثمان شبير في بيان الاختلاف(2):
1- إذ تقوم المصارف الإسلامية في معاملاتها على أساس نظام المشاركة في الربح والخسارة الذي أقرته الشريعة الإسلامية، بالودائع الاستثمارية والادخارية تقوم على أساس المضاربة المشتركة، كما تقوم بإجراء المشاركة المنتهية بالتملك وغير ذلك مما يقوم على أساس المشاركة، مما يؤدي إلى تحقيق النتيجة الاقتصادية. بينما تقوم البنوك التجارية في معاملاتها على أساس النظام المصرفي العالمي وهو نظام الفائدة (الربا) أخذ وعطاء.
2- يحتل الاستثمار في المصارف الإسلامية حيزاً كبيراً من معاملاتها، فهي تقوم بالمرابحة للآمر بالشراء والإجارة المنتهية بالتمليك مما يؤدي إلى تعاون رأس المال والعمل. بينما نجد البنوك التجارية تولي الإقراض أهمية كبيرة ولا تقبل على الاستثمار إلا في نطاق ضيق من أعمالها.
3- تخضع المصارف الإسلامية بالإضافة إلى الرقابة المالية إلى رقابة شرعية لمراقبة أعمال المصرف، بحيث تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية(3).
وبالتالي فإذا كان قانون المصرف المركزي قد بيّن المحظورات على البنوك في المادة90 منه ويبين فيها الآتي "يُحظر على المصارف التجارية أن تزاول أعمالاً غير مصرفية وبوجه خاص الأعمال التالية:
__________
(1) 18- ... د. علي البارودي، العقود وعمليات البنوك التجارية، منشأة المعارف، ص245- 246.
(2) 19- ... انظر كتابه: المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، دار النفائس، الأردن، ص317.
(3) 20- ... المرجع السابق، ص317.(1/18)
ا) ممارسة التجارة أو الصناعة أو امتلاك البضائع والمتاجرة بها لحسابها الخاص، ما لم يكن امتلاكها وفاءً لدين لها على الغير، وعليها أن تقوم بتصفيتها خلال المدة التي يحددها المحافظ.
ب) شراء العقارات لحسابها الخاص.... الخ.
وباعتبار أن البنوك الإسلامية التي تقوم على العمل بتطبيق أحكام الشريعة في معاملاتها لا يمكن أن تؤدي هدفها الإنمائي والاقتصادي للمتعاملين معها إلا عن طريق استثمار أموالهم وهي في أساسها لا تقوم على الإقراض بفائدة وإنما إذا كانت تؤدي قرضاً فهي تقدمه كقرض حسن بدون فائدة.
فنصت المادة الرابعة من قانون المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على الآتي:
1- تستثنى المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية التي تُؤسس في الدولة وفروع ومكاتب المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية التي تؤسس في الدولة, وفروع ومكاتب المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الأجنبية التي يُرخّص لها بالعمل داخل الدولة من أحكام البند (أ) من المادة90 والبند (هـ) من المادة96 من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980 المشار إليه.
2- وتستثنى تلك الجهات من أحكام البند (ب) من المادة90 من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة1980 المشار إليه وذلك بما لا يتعارض مع أحكام التشريعات المعمول بها في الإمارة المعينة.(1/19)
وإضافةً إلى ما ذكرنا سابقاً فيما نصت عليه المادة السابعة فإن القانون قد استثنى المصارف والشركات المالية الإسلامية من تطبيق الفقرة (هـ) من المادة96 من قانون المصرف المركزي في تحديد أسعار الفائدة على الودائع، حيث أن العمليات المصرفية في البنوك الإسلامية تقوم على الاستثمار وبالتالي تخضع للربح والخسارة، فيجوز فيها الربح كما يكون وكذلك الخسارة تطبيقاً لأحكام المضاربة والنص الذي استثنى منه البنوك الإسلامية هو كالآتي: "لمجلس الإدارة أن يُعيِّن بالنسبة إلى المصارف التجارية مايأتي :
هـ - أسعار الفائدة التي تضعها المصارف من الودائع وأسعار الفائدة والعمولات التي تتقاضها من عملائها".
المطلب الثالث
تطبيقات للمصارف الإسلامية
أولاً: عقد المضاربة:
وفيه يتم المزاوجة بين عنصري النشاط الاستثماري وهما الخبرة ورأس المال في صعيد واحد لمصلحة أطراف المضاربة ولتحقيق المصلحة العامة.
وأهم الخصائص الذاتية التي هيأت نظام المضاربة التي تصدر في المعاملات البنكية الإسلامية الآتي:
1- تحديد مسئولية رب المال في حدود نصيبه في المضاربة، بحيث لا يكون مسئولاً عن الخسارة التي تزيد عن ذلك.
2- يتسع هذا النظام لتعدد رؤوس الأموال المشاركة في نشاط استثماري معين، ولا بأس أن يبلغ أصحاب الأموال المشاركين في مشروع واحد عدداً ضخماً، سواء أكان كل منهم معروفاً للآخر أم مجهولاً.
3- قدرة المضاربة لتمويل صفقة واحدة أو عدد من الصفقات أو مشروع استثماري مستمر ومحقق,
4- الفصل بين رأس المال والعمل واعتبار المضاربة جهة متميزة عن الأطراف المشاركة بها، وبفضل هذا الأساس تمكن المضارب من اتخاذ القرارات التنفيذية المناسبة دون حاجة للرجوع إلى أصحاب المال، وقد كان هذا سبباً قوياً لملائمة المضاربة في تمويل التجارة الخارجية وتنظيمها(1).
__________
(1) 21- ... د. محمد سراج، المرجع السابق، ص241.(1/20)
5- النفقات الإدارية والاستثمارية ترجع إلى المضاربة وتضاف إلى تكلفتها.
والصورة الأكثر وضوحاً في المضاربة الآن للبنوك الإسلامية هي تكونها من ثلاثة أطراف:
ا) المستثمرون الذين يقدمون المال بصورة فردية.
ب) المضاربون الذين يأخذون المال منفردين، كي يعمل كل منهم في جزء من أموال المستثمرين.
جـ) المصرف الذي يقوم بالتوسط بين الفريقين لتحقيق التوافق والانتظام في توارد الأموال وإعطائها للراغبين من المضاربين.
وتظهر الأهمية هنا- بالنسبة للبنك- في صفته المزدوجة التي يبدو فيها مضارباً بالنسبة للمستثمرين وهم أصحاب الأموال من ناحية، كما أنه يبدو كمالك المال بالنسبة للمضاربين من ناحية ثانية، ولذلك يمكن وصفه بالمضارب المشترك.
ويرجع التكييف للمصرف بهذا الشكل إلى أن علاقة أرباب أموال المصارف بأصحاب الأعمال أساسها المضاربة الخاصة التي تحكم هذه العلاقة وتتمحور في أن المصرف الإسلامي لا يتيسر له استثمار الأموال في إطار المضاربة المقيدة على نحو ما ينبغي أو بالحد المطلوب باعتبار أنه لا يتعامل مع أصحاب الودائع فرداً فرداً، ولا يتحقق له العمل إلا في إطار المضاربة المطلقة.
وبالنسبة للضمان فإن المصرف الإسلامي هو الطرف الذي سيتحمل مخاطر الاستثمار باعتباره مضارباً مشتركاً قياساً على حكم ضمان الأجير المشترك.
وفي العموم فإن الهدف الأساسي للمضاربة كما قلنا هي المزاوجة بين المال والعمل، ويصدق ذلك على التعامل بها في المصارف الإسلامية، وعلى هذه المصارف أن تراعي في عملها بهذا النظام الشروط الفقهية الخاصة برأس المال وأهلية المتعاقد، وعلى صاحب المال أن لا يتدخل في العمل التنفيذي للمضارب، وهو المصرف , كما يجب على المصرف هو الآخر ألا يتدخل في عمل مضاربه الذي يستحق به المشاركة في الربح إلا إذا كان على سبيل الإعانة لهذا المضارب(1).
__________
(1) 22- ... بدائع الصنائع، ج6، ص100.(1/21)
ومن اليسير أن يتفق المصرف مع أرباب الأموال على إطلاق يده في استثمار أموالهم والمضاربة بها وحقه في دفعها مضاربة إلى الغير، كما هو الشأن في اعتماد حسابات الودائع التوفيرية على سبيل المثال.
واتفاق المصرف مع مضارب المضارب يجب أن يُحدَّد فيه نوع المضاربة وخصائصها وطبيعة العمل، وحق مضارب المضارب في الاستدانة على المشروع وما إلى ذلك من التفصيلات المؤثرة على مستقبل المشروع والعائد المتوقع من نشاطه والمسئوليات المنوطة به.ويلتزم المصرف في تعاملاته المتعلقة بتوزيع الربح والخسارة بالشروط الفقهية(1).
وتجيز الأحكام الفقهية للمضاربة أن يعمل عاملها في رأس المال الذي أمده به المصرف، أو يخلط ذلك بماله الخاص ويعمل بهما معاً شريطة الاتفاق على ذلك مع المصرف. ومن الصور المحتملة أن يخلط عامل المضاربة رأس المال المقدم إليه من المصرف بمال طرف آخر، أي يستدين على المضاربة من طرف آخر مع اشتراط مشاركة المصرف في ضمان الدين. ويجوز التعامل بهاتين الصورتين بموافقة المصرف ويحتمل كذلك أن يوافق المصرف على إشراك عامل آخر ليعملا معاً.
الاستثمار المباشر:
يقوم المصرف الإسلامي في أكثر الأحوال باستثمار أموال المودعين على نحو غير مباشر، وذلك بإعطائها لأصحاب الأعمال حتى يستثمر أمواله وأموال مودعيه في الإطار الإداري والتنظيمي الذي أقامه هؤلاء. غير أن المسئولين في المصارف الإسلامية قد يجدون أنفسهم في وضع يُوجب عليهم إنشاء هيئة إدارية وتنظيمية لمشروعات تتبع هذه المصارف مباشرةً ويستثمرون أموالهم وأموال مودعيهم فيها. ومن الأسباب لذلك ما تشير إليه الموسوعة العلمية والعملية لاتحاد البنوك الإسلامية من إحجام أصحاب الأعمال عن إقامة مشروعات بعينها على الرغم من أهميتها ونفعها للصالح العام وصالح المستثمرين(2).
__________
(1) 23- ... د. محمد سراج، المرجع السابق، ص259.
(2) 24- ... الموسوعة العلمية والعملية لاتحاد البنوك الإسلامية، ص27.(1/22)
ثانياً: بيع المرابحة:
المرابحة في الفقه: هي نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح(1)، وعرفّها الكاساني بأنها "بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح"(2).
وقد أُجيزت هذه المعاملة لاجتماع شروط البيع فيها ولتعامل الناس بها وحاجتهما إليها، إذ من الناس من لا يقدر على المساومة والمكايسة ويود الاعتماد على نقل المتمرس في التجارة وتطيب نفسه بالزيادة على ما اشتراه، ولهذا كان مبناها على الأمانة وتوقي الخيانة وشبهتها(3).
وأجمل الكاساني شروط بيع المرابحة في الأمور التالية:
1- أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني في مجلس العقد حتى يقبل البيع أو يتركه، فإذا افترقا وهو لا يعلم العقد بطل العقد؛ لتقرر الفساد بجهالة الثمن.
2- أن يكون الربح معلوماً لأنه بعض الثمن، والعلم بالثمن شرط صحة البيوعات.
3- أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة، فيقتضي ذلك أن يكون الثمن الأول مما له مثل.
4- أن يكون العقد الأول صحيحاً، فإذا كان فاسداً لم يجز بيع المرابحة، لأن البيع الفاسد يفيد الملك إن أفاد بقيمة المبيع أو بمثله.
وتقتضي المرابحة في التعريف الفقهي أن يكون المبيع موجوداً في ملك البائع وأن يكون الثمن الأول معروفاً للطرفين، وأن يحدد مقدار الربح المضاف إلى هذا الثمن إما بتعيينه كألف درهم أو بتعيين نسبته للثمن الأول كالربع أو الثلث أو العشر، وهي بهذا التحديد لا تخرج عن كونها أسلوباً لتحديد الثمن يلجأ إليه أصحاب الخبرة المحدودة بالسوق كي يضمنوا حقوقهم، فإن التاجر إذا رضي بالبيع على أساس المرابحة التزم بذكر الثمن الأصلي وكل ما يؤثر في اعتباره مما لحق بالمبيع مبناه على الأمانة(4).
__________
(1) 25- ... تبيين الحقائق، ج4، ص73.
(2) 26- ... البدائع، ج5، ص220.
(3) 27- ... د. جاسم الشامسي، المرجع السابق، ص242 وما بعدها.
(4) 28- ... د. محمد سراج، المرجع السابق، ص330- 331.(1/23)
بيع المرابحة في الاصطلاح المصرفي:
يختلف مفهوم المرابحة الفقهي عن ما شاع في معاملات المصارف الإسلامية، والمقصود ببيع المرابحة للآمر بالشراء على النحو التالي:
إذا أراد أحد مثلاً شراء أجهزة معينة لا يستطيع نقد ثمنها فإنه يتقدم إلى المصرف طالباً منه شراء الأجهزة المطلوبة بالوصف على أساس الوعد منه بشراء تلك الأجهزة اللازمة له فعلاً مرابحة بالنسبة التي يتفق عليها (2% أو 5% مثلاً) فيشتريها المصرف ويأخذها العميل، حيث يدفع الثمن مقّسطاً حسب إمكانياته التي يساعده عليها دخله.
فهذه العملية عملية مركبة من وعد بالشراء وبيع بالمرابحة. وهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، لأن المصرف لا يعرض أن يبيع شيئاً ولكنه يتلقى أمراً بالشراء، وهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب ويعرضه على المشتري الآمر ليرى ما إذا كان مطابقاً لما وصف.كما أن هذه العملية لا تنطوي على ربح ما لم يضمن، لأن المصرف وقد اشترى فأصبح مالكاً يتحمل تبعة الهلاك، فلو عطبت الأجهزة المشتراة أو تكسرت قبل تسليمها للشخص الذي أمر بشرائها فإنها تهلك على حساب المصرف وليس على حسابه(1).
وتختلف المرابحة المصرفية عن المرابحة الفقهية وذلك في الأمور التالية:
1- المبيع في المرابحة المصرفية موصوف غير معين بالذات، بخلافه في المرابحة الفقهية فإنه معين بذاته لا بوصفه.
2- المبيع في المرابحة المصرفية غير مملوك للبائع وهو المصرف، في حين أن المبيع في المرابحة الفقهية يجب أن يكون في ملك البائع عند الاتفاق على البيع.
3- الثمن في المرابحة الفقهية معلوم قبل التفرق من مجلس العقد، على حين أن الثمن في المرابحة المصرفية ليس معلوماً عند الاتفاق على البيع، لأن الثمن الذي يلتزم به العميل هو الثمن الذي يشتري به المصرف في المستقبل.
__________
(1) 29- ... ندوة الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية للدكتور سامي محمود،
ص479 ط1979، نقلاً عند. محمد سراج، المرجع السابق، ص332.(1/24)
4- القصد في المرابحة المصرفية هو تمويل الشراء، حيث لا يستطيعه العميل، في حين أن القصد في المرابحة الفقهية هو البعد عن المساومة، فالأول من بيوع الآجال والثاني من بيوع الأمانات.
وتنفي هذه الفروق المؤثرة الصلة بين هذين التعاملين، ويتضح التأثير ببيان ما يلي:
ا- المبيع المعين بالوصف هو المسلم فيه، ولا يجوز بيعه في الفقه إلا باستجماع شروط السلم، وأهمها إيفاء الثمن في مجلس العقد أو في أقرب وقت ممكن بناءً على الفقه المالكي وتطبيقاً لقاعدة ما قارب الشيء يعطي حكمه.
ب- الثمن المجهول للمتبايعين في مجلس العقد يبطله.
جـ- المبيع غير المملوك للبائع لا يجوز بيعه حتى ولو دخل ملكه بعد ذلك، ولا تنهض أحكام الفضالة بتجويزه.
ولا تتفق المرابحة الفقهية والمصرفية بتحديدها على هذا النحو إلا في أمر واحد هو أسلوب تعيين الربح بنسبة من ثمن الشراء أو بمقدار معلوم. ولا يكفي ذلك لاشتراكهما في تسمية واحدة.
وقضية التسمية هي السبب فيما يبدو في الاضطراب الشائع في الحكم على هذا التعامل، كما أن تسمية هذه المعاملة المصرفية ببيع المرابحة كان هو السبب في هذا القول العام الذي حظي به في محيط المصارف الإسلامية. وينبغي الالتزام في تسمية المعاملات الحديثة بوضوح وعدم التعارض مع المسميات الفقهية.
والرأي الذي ذكره البعض أن متقدمي الفقهاء قد صاغوا لهذه المعاملة مصطلحاً يخصها ويتسم بالدقة في الدلالة عليها وهو "المواصفة" للتفريق بين هذه المعاملة وبين غيرها(1).
والمواصفة تعني تحديد أوصاف السلعة التي يرغب الآمر في شرائها مع الاتفاق على صفة الثمن بتحديد نسبة الربح أو مقداره. وتفضل هذه التسمية تلك التسمية الحديثة: المرابحة لاختلاطها بمفهوم مصطلح آخر في الفقه الإسلامي مما يؤدي إلى الاضطراب في الحكم والفهم.
__________
(1) 30- ... ذكرها د. محمد سراج، المرجع السابق، ص338.(1/25)
ولقد أُطلق جواز بيع المرابحة المصرفية ، وهذا الاتجاه قد تزعمه نفر من المخلصين لنشاط المصارف الإسلامية والعاملين في هيئات الرقابة الشرعية التابعة لهذه المصارف.
وقد وُجّه إلى المستشار الشرعي ببيت التمويل الكويتي سؤال عن حكم قيام هذا المصرف بشراء السلع والبضائع نقداً بناءً على رغبة أحد العملاء ووعده بأنه مستعد لشرائها بالأجل بسعر أعلى من سعر الشراء.
مثال ذلك أن يرغب أحد الأشخاص في شراء سلعة أو بضاعة معينة، لكنه لا يستطيع دفع ثمنها نقداً. فنعتقد بأنه إذا اشتريناها وقبضناها سوف يشتريها منا بالآجل مقابل ربح معين مشار إليه في وعده السابق.
وكانت إجابته عن هذا السؤال: "ما صدر من طلب الشراء يعتبر وعداً. ونظراً لأن الأئمة اختلفوا في هذا الوعد هل هو ملزم أم لا، فإني أميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة رضي الله عنه الذي يقول بأن كل وعد بالتزام لا يحل حراماً ولا يُحرّم حلالاً يكون وعداً ملزماً قضاءً وديانة. وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية. والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس والعمل به يضبط المعاملات لهذا ليس هناك مانع من تنفيذ هذا الشرط(1).
وفي سؤال آخر عن حكم الاتفاق بين شخصين على شراء سلعة مشتركة بينهما ومواعدة أحدهما أن يشتري نصيب الآخر في السلعة بالأجل بسعر أعلى من سعر الشراء، أجاب المستشار بقوله: "الإجابة على هذا السؤال تتضمن ناحيتين: الأولى جواز التصرف شرعاً، والثانية كون هذا الوعد ملزماً أو غير ملزم".
أما عن الناحية الأولى فإن هذا الوعد لا غبار عليه من الناحية الشرعية، فالمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً.
__________
(1) 31- ... الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، ج15، ص16.(1/26)
وأما من الناحية الثانية فإننا قد اخترنا فيما مضى الإفتاء بما روي عن الإمام مالك رضي الله عنه إذا ترتب على الوعد التزام لولا الوعد ما نشأ هذا الالتزام، فإن قبل هذا الوعد يكون ملزماً على أنه يجب أن يراعى كل الأمور التي تجعل هذه النصوص مفهومة ومحددة الأهداف من حيث بيان المدة والثمن إلى غير ذلك مما يمنع النزاع بين الطرفين(1).
ولقد أجابت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري عن حكم بيع المرابحة بما لا يخرج عن ذلك(2).
وهذا هو الرأي الذي انتهى إليه مؤتمر المصرف الإسلامي الأول في دبي المنعقد في شهر مايو 1979م، حيث أوصى بأن هذا التعامل "يتضمن وعداً من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعداً آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقاً للشروط.
إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاءً طبقاً لأحكام المذهب المالكي، وهو ملزم للطرفين وبأنه طبقاً لأحكام المذاهب الأخرى وملزم ديانة يمكن الإلزام به قضاءً إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه".
وقد أوصى مؤتمر المصرف الإسلامي المنعقد بالكويت في مارس 1983م كذلك بأن "المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة حيازتها، ثم يبيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور وهو أمرجائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسئولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.وأما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل(3).
تم بحمد الله وعونه وتوفيقه.
__________
(1) 32- ... المرجع السابق، ج1، ص17.
(2) 33- ... محضر اجتماع الهيئة المنعقد بتاريخ 29/3/1988م.
(3) 34- ... تفصيله الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تراه المصارف الإسلامية، مكتبة وهبة 1987، ص10 وما بعدها.(1/27)