تنوير البصيرة في حكم المسح على الجبيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الجبيرة: الجبيرة في الأصل ما يُجَبر به الكسر ، والمراد بها في عرف الفقهاء " ما يوضع على موضع الطهارة لحاجة " ، مثل الجبس الذي يكون على الكسر ، أو اللزقة التي تكون على الجرح ، أو على ألم في الظَّهر أو مأ أشبه ذلك .
أقوال أهل العلم في حكم المسح على الجبيرة
القول الأول : المسح على الجبيرة
ودليلهم في ذلك :-
1)- وردت في الجبائر عدة أحاديث منها حديث علي بن أبي طالب، وحديث ابن عباس، وحديث جابر , وهي وإن كانت ضعيفة إلا أن لها طرقا يشد بعضها بعضا ، تجعلها صالحة للاستدلال بها على المشروعية
2)- اثر ابن عمر وقد - صح موقوفا عليه - وهو انه كان يمسح على الجبيرة .
3)- أن هذا العضو الواجب مسحه ستر بما يسوغ به شرعاً فجاز المسح عليه كالخفين .
4)- أن المسح على الجبيرة من باب الضرورة , والضرورة لا فرق فيها بين الحدث الأكبر والأصغر بخلاف المسح على الخفين فهو رخصه .
5)- أن المسح ورد التعبد به من حيث الجملة فأذا عجزنا عن الغسل انتقلنا إلى المسح كمرحله أخري .
القول الثاني لا يمسح على الجبيرة وينقسم ألي قسمين
القسم الأول يتيمم لهذا الغسل
ودليلهم على ذلك :-
لا يمسح على الجبيرة ويسقط عنه الغسل ألي بدله وهو التيمم بأن يغسل أعضاء الطهارة ويتيمم عن الموضع الذي فيه الجبيرة لانه عاجز عن استعمال الماء والعاجز عن البعض كالعجز عن الكل فيتيمم .
القسم الثاني لا يمسح على الجبيرة ويسقط الغسل ولا يتيمم له
أن الاستدلال على جواز المسح على الجبيرة والتيمم لها لا يخلوا أما من حديث ضعيف أو قياس فاسد وهى على النحو الاتى :-
1- أن الأحاديث الواردة في المسح على الجبيرة أحاديث ضعيفة شديدة الضعف وكما هو معلوم في علم مصطلح الحديث فان الأحاديث الضعيفة شديدة الضعف لا تتقوى بكثرة الطرق والأحاديث هي :-(1/1)
الحديث الأول : حديث جابر رضي الله عنه قال : {خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ}.فهذا الحديث صحيح بدون زيادة " ويعصر . . . إلخ " فهي زيادة ضعيفة منكرة لتفرد هذا الطريق الضعيف بها.
الحديث الثاني : عن على قال :{انكسرت إحدى زندفي ، فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن أمسح على الجبائر}
الحديث الثالث : عن ابن عمر {أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح على الجبائر} وهذا الحديث لا يصح مرفوعا , ولكنه قد صح موقوفا عن ابن عمر رضي الله عنه.
فهذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي وردت في المسح على الجبيرة أحاديث ضعيف شديدة الضعف كما بين الشيخ العلامة ناصر الدين الالبانى وهى لا ترتقي إلى درجة الصحة كما هو معلوم في علم المصطلح.
2- أما عن أثر ابن عمر المتقدم – وهو صحيح - فهو فعل منه رضي الله عنه وليس إيجابا للمسح عليها ، وقد صح عنه أنه كان يدخل الماء في باطن عينيه في الوضوء والغسل ، ولا يشرع ذلك ، فضلا عن أن يكون فرضا!(1/2)
3- انه كما هو معلوم من شروط الاستدلال بالقياس أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل وعلى هذا يكون قياس المسح على الجبيرة مع المسح على الخفين قياسا فاسدا إذ توجد فوارق بين المسح على الجبيرة والمسح على الخفين نذكر منها :-
ا- أن الجبيرة لا تختص بعضو معين ، والخف يختص بالرجل .
ب - أن المسح على الجبيرة جائز في الحدثين ((الأكبر و الأصغر)) ، أما المسح على الخفين لا يجوز إلا في الحدث الأصغر .
ج - أن المسح على الجبيرة غير مؤقت ، أما المسح على الخفين مؤقتة بوقت معين.
د- أن الجبيرة لا تشترط لها الطهارة - على القول الراجح – إما المسح على الخفين فلا بد أن يلبس على طهارة.
ثم أن القول بان المسح ورد التعبد به من حيث الجملة فأذا عجزنا عن الغسل انتقلنا إلى المسح كمرحله أخري فهذا الكلام مردود إذ أن المسح على الجبيرة أمر تعبدي ولا نقوم به ألا بدليل فإذا وجد الدليل من الكتاب أو السنة فبها ونعمة لان الأصل في العبادات التوقف حتى يأتي الدليل ولم ياتى دليل من الكتاب أو السنة على أن من عليه الجبيرة أن يمسح عليها أو يتيمم بدل الوضوء أو الغسل ثم أن الله تبارك وتعالى يقول {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول {إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ} صححه الألباني . فسقط بالقران والسنه كل ما عجز عنه المرء, وكان التعويض منه شرعاً, والشرع لا يلزم ألا بقران أو سنه , ولم يأت قران ولا سنه بتعويض المسح على الجبائر والدواء ولا التيمم لها , فسقط القول بذلك.(1/3)
المختصر الملم في حكم نجاسة الدم
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد
هذا بحث مختصر عن حكم الدم هل هو طاهر أم نجس , ولكن قبل البدء باستعراض حكم الدم مع الأدلة يجب علينا أولا أن نعرف أن الدم ينقسم إلى عدة أقسام وكل قسم من هذه الأقسام له حكم خاص به ومن هذه الأقسام ما اتفق العلماء على حكمه ومنها ما اختلف على حكمه ..... وألان نبدأ ونقول :-
ينقسم الدم إلى قسمين وهما :-
القسم الأول )- دم الإنسان .
القسم الثاني )- دم الحيوان .
وينقسم القسم الأول (( دم الإنسان )) إلى :-
1)- دم الحيض والنفاس .
2)- دم الإنسان (( غير دم الحيض )) .
وينقسم القسم الثاني (( دم الحيوان )) إلى :-
1)- دم الحيوان الذي يؤكل لحمه .
2)- دم الحيوان الذي لا يؤكل لحمه .
3)- دم ما لا دم له سائل .
4)- دم الميتة .
وكل نوع من هذه الأنواع السابقة له حكم سوف نبينه ونبين الدليل على ذلك الحكم ونبدأ مستعينين بالله فنقول :-
القسم الأول : دم الإنسان
1)- دم الحيض و نفاس و الاستحاضة
دم الحيض نجس باتفاق العلماء , والأدلة على نجاسته كثيرة نذكر منها :-
عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ قَالَ )تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ(متفق عليه.(1/1)
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ )خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ قَالَ تَطَهَّرِي بِهَا قَالَتْ كَيْفَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ(البخاري.
وحكم دم النفاس ودم الاستحاضة كحكم دم الحيض .
2)- دم الإنسان (غير دم الحيض)
وهو مختلف فيه بين المتقدمون من العلماء والمتأخرون فقد ذهب الأئمة الأربعة إلى نجاسته ودليلهم على ذلك قول الله تعالى : ) قُل لاّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيّ مُحَرّماً عَلَىَ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنّ رَبّكَ غَفُورٌ رّحِيمٌ(سورة: الأنعام 145.
بينما ذهب المتأخرون منهم على طهوريته منهم الشوكاني والألباني وابن العثيمين رحمهم الله ودليلهم على ذلك مايلي :-
1ـ أنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا نعلم أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمَر بغسل الدَّمِ إلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجساً لبيَّنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك.(1/2)
2 ـ أن الحكم على نجاسة الدم مخالفتا للسنة كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود عن جابر رضي الله عنه قال )خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في غزوة ذات الرقاع - فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين ، فحلف – يعني المشرك - أن لا انتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد ، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا . فقال : من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقال : كُونا بِفَمِ الشِّعب . قال : فلما خرج الرجلان إلى فَمِ الشعب اضطجع المهاجري ، وقام الأنصاري يصلي ، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم ، فرماه بسهم ، فوضعه فيه ، فنزعه ، حتى رماه بثلاثة أسهم ، ثم ركع وسجد ، ثم انتبه صاحبه ، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدمّ قال : سبحان الله ألا انبهتني أول ما رمى ؟ قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها(صحيح أبي داود ، وهو في حكم المرفوع لأنه يستبعد عادة أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه صلى الله عليه وسلم ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول . وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفي ذلك عليه ، فما هو يخفى على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، فلو كان ناقضا أو نجسا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد
3- أنَّ المسلمين مازالوا يُصلُّون في جراحاتهم في القتال، وقد يسيل منهم الدَّمُ الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولم يرد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأمرُ بغسله، ولم يَرِدْ أنهم كانوا يتحرَّزون عنه تحرُّزاً شديداً؛ بحيث يحاولون التخلِّي عن ثيابهم التي أصابها الدَّم متى وجدوا غيرها.(1/3)
4 ـ أنَّ أجزاء الآدميِّ طاهرة، فلو قُطِعَت يده لكانت طاهرة مع أنَّها تحمل دماً؛ ورُبَّما يكون كثيراً، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر رُكناً في بُنْيَة البَدَن طاهراً، فالدَّم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.
5 ـ أنَّ الآدمي ميْتته طاهرة، والسَّمك ميْتته طاهرة، وعُلّل ذلك بأن دم السَّمك طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فكذا يُقال: إن دم الآدمي طاهر، لأن ميتته طاهرة.
ومن هذه الأدلة السابقة يتضح وضوحاً ظاهراً طهورة دم الإنسان والله تعالى أعلى واعلم .
ويُستثنى من ذلك ما خرج من أحد السبيلين (القبل أو الدبر) لملاقاة النجاسة فهو نجس.
القسم الثاني : دم الحيوان
1)- دم الحيوان الذي يؤكل لحمه
ذهب بعض العلماء إلى نجاسته والكلام فيه كالكلام في دم الآدمي من حيث عدم وجود دليل صحيح على نجاسته والأصل في الأشياء الطهارة كما بينا سابقا ومما يؤكد طهارته أيضا
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قال )أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ .....الحديث(البخاري ومسلم.
فلو كان دم الجزور نجسا لخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته .(1/4)
ولقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه )أنه نحر جزورا ، فتلطخ بدمها وفرثها ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ( أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (1 / 125) ، وابن أبي شيبة (1 / 392) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 28 4) بسند صحيح عنه ، ورواه البغوي في " الجعديات " (2 / 887 / 2503).
ويُستثنى من ذلك الدم المسفوح :- والدم المسفوح هو الذي يخرج عندما تذبح الذبيحة؛ فيهراق ويسيل بكثرة ويتدفق ، فهذا الدم يعتبر نجسا قال سبحانه وتعالى )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ(المائدة:3.
الدم هنا المقصود به: المسفوح؛ لأنه قيد في آية أخرى في الأنعام قال سبحانه وتعالى )قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ(الأنعام:145.
والدم المحرم هنا هو الذي يخرج عندما تذبح الذبيحة؛ فيهراق ويسيل بكثرة ويتدفق، هذا هو الدم الحرام، أما الدم الذي يأتي مع الذبيحة إذا طبختها، ويطفو على القدر؛ فلا بأس به فهو حلال، ولهذا كان المسلمون يضعون اللحم في المرق وخطوط الدم في القدور بيِّن، ويأكلون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبرت بذلك عائشة، ولولا هذا لاستخرجوا الدم من العروق كما يفعل اليهود . وهذا ليس مسفوحاً، كذلك الدم الذي يخرج من الذبيحة بعد ذبحها وبعد أن يخرج منها الدم فينزل عليك منها قطرات فهذا ليس مسفوحاً، لكن لا بأس أن يتطهر منه للتأذي ولكراهته فقط.
2)- دم الحيوان الذي لا يؤكل لحمه(1/5)
كل حيوان محرَّم الأكل؛ فهو نجس إلا الهِرَّة وما دونها ؛ لحديث أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أنَّه قُدِّمَ إليه ماء ليتوضَّأ به، فإذا بِهرَّة فأصغى لها الإناء حتى شربت، ثم قال: إن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال في الهِرَّة )إنها ليست بِنَجَسٍ، إنَّها من الطَّوَّافين عليكم والطَّوَّافات( ,و ظاهر الحديث أن طهارتها لمشَقَّة التَّحرُّز منها؛ لكونها من الطوَّافين علينا؛ فيكثر تردُّدها علينا، فلو كانت نجسة؛ لَشقَّ ذلك على النَّاس.
وعلى هذا يكون مناطُ الحُكْمِ التَّطْوَافَ الذي تحصُل به المشقَّة بالتَّحرُّز منها، فكل ما شقَّ التَّحرُّز منه فهو طاهر. وهذا ينطبق على جميع النجاسات , فكل نجاسة يشق التحرز منها فهي طاهرة والله تعالى يقول )وما جعل عليكم في الدين من حرج (الحج: 78.
3)- دم ما لا دم له سائل
كلُّ ما ليس له دم سائل فهو طاهر في الحياة، وبعد الموت،والدليل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم )إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَد جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً(البخاري.
4)- دم الميتة
الميتة هي كل ما مات من غير تذكيه (آي من غير ذبح شرعي ) وهى نجسة بالإجماع والدليل قوله سبحانه وتعالى ) قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ(الأنعام:145.
وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُر(صححه الألباني .(1/6)
ويستثنى من ذلك ميتة السمك والجراد فإنهما طاهرتان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَاد وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ( صححه الألباني
ويلاحق بالميتة ما قطع من الحيوان وهو حي فيكون له حكم الميتة لقوله النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ(صححه الألباني.
الخاتمة
اللهم تقبل مني واجمعني وإخواني في الفردوس الأعلى مع من نحب واجعل ما كتبته خالصاً لوجهك الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(1/7)