بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله وآله وصحبه.
وبعد:
فقد اطلعت على ما كتبه نايف بن محمد العتيبي في رسالته حول الشؤم ما يجوز منه ومالا يجوز، وألفيته جزءًا جيدًا ومفيدًا، ويعالج بعض المخالفات التي يقع فيها الناس قديمًا وحديثًا في مسألة التشاؤم وما ينتج عنها من خلل وانحرافات في الاعتقادات والأعمال. ورأيت فيما قام به ما يدل على استعداد علمي للبحث والتأليف وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
وكتبه
ناصر بن عبد الكريم
العقل
* * * *
المقدمة
الحمد لله له الحمد أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عليه توكلنا وإليه المصير،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير.
وبعد:
لعل أمر التشاؤم يظهر جليًا وبألوان متعددة وصور متفرقة وأخرى متطرفة بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة ومعاملات الناس – معظم الناس – ومشاربهم.
وأحسب أن هذا الموضوع ذو أهمية، وفي هذا الوقت خاصة الذي تكاثر فيه على عامة الناس الغث والسمين من المعلومات والأساليب والمعاملات، وبمعنى آخر في وقت الانفتاح المعرفي الذي ربما في كثير من الأحيان لا يعرف الخير على أنه خير ولا الشر على أنه شر، وذلك لأسباب مكانها بحث آخر..
في هذا الخضم يكون موضوع التشاؤم ليس بكبير!! – وإنه لكبير – عند الموحدين.
فرأيت من باب إمحاض النصيحة للعقيدة الصحيحة أن أخرج هذه الرسالة التي جمعتها وجعلتها مختصرة في بابها، وجعلتها على هيئة فصول ،ليستفد منها كل عقول ووسمتها بـ «رسالة في توضيح ما يجوز من الشؤم وما لا يجوز».(1/1)
هذا ولا يفوتني أن أحمل باقة عبقة مجللة بالشكر والعرفان لفضيلة شيخنا العلامة عبد الله بن حسن آل قعود الذي تفضل بقراءتها وإبداء رأيه ونصحه فيها، فجزاه الله عني وعن طلبه العلم وشباب الصحوة خير الجزاء، وكذلك أشكر فضيلة شيخي الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل شكرًا يشاكل شكر المسترشد للمرشد الذي قدم لهذا الرسالة ونصح بإضافة الفصل ما قبل الأخير لتتم الفائدة فجزاه الله خيرًا.
وقبل الختام أذكر أن هذا عمل بشري فـ:
إن تجد عيبًا فسد الخللا ... جل من لا عيب فيه وعلا
والله أسأل أن يعم بنفعها المسلمين وأن يجعلها عملاً مقبولاً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
نايف بن محمد بن دحيان العتيبي
* * * *
رسالة
في توضيح ما يجوز من الشؤم وما لا يجوز
أولاً: ينبغي معرفة أن الشؤم كثيرًا ما يأتي بمعنى التطير وهما بمعنى واحد، والطيرة ضد الفأل ولكل منهما معنى، فمعنى الطيرة: مأخوذة من الطير فكانوا في الجاهلية إذا رأوا طيرًا أو غرابًا تحولوا عن أمورهم التي أرادوها كسفر وغيره، يقال طير فلانٌ، واطَّيَّر أصله التفاؤل بالطير، ويستعمل في التشاؤم منه أيضًا، واستعملت على المعنى الأخير.
والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، وفيها سوء ظن بالله سبحانه وتعالى وهي إن وجدت نوع من الشرك.
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
ومعنى الفأل – مهموز – فيما يسر ويسوء، والناس ينطقونها فال بدون همزة للتخفيف، والتفاؤل: مثل أن يكون رجل مريض فتقول له: سالم، تفاؤلا في سلامته، ومنه حديث: ما الفأل؟ قال؛ (الكلمة الطيبة (1) )، والفأل فيه حسن ظن بالله.
__________
(1) رواه البخاري الفتح 10/223، ومسلم واللفظ له 14/219 برواية أنس، أبو داود 10/413 عن أنس أيضًا.(1/2)
وفي الفأل سر ليس موجودًا في الطيرة وهو أن الناس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير، وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله تعالى كان ذلك من الشر (1) .
وكانت العرب تسمي الصحراء القفرة كثيفة الرمال – مفازة تفاؤلاً في تجاوزها والفوز، لئلا يهلكوا فيها عند قطعها.
وقال ابن القيم رحمه الله: أخبرالنبي - صلى الله عليه وسلم - (2) : أن الفأل من الطيرة وهو خيرها، فأبطل الطيرة، وأخبر أن الفأل منها، ولكنه خير منها، ففصل بينهما من الامتياز والتضاد ونفع أحدهما ومضرة الآخر.
ونظير هذا منعه من الرقى بالشرك، وإذنه في الرقية إن لم يكن فيها شرك. اهـ.
ولما كانت الطيرة من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب، لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، يتعلق القلب بها خوفًا وطمعًا، ومنافاة للتوكل على الله الذي لا ينفع ولا يضر غيره، واعتقاد الضر والنفع في طائر ونحوه مما لا علم عنده ولا قصد، وإن كانت من الشرك الأصغر إلا أنه من أقبح الشرك، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : «الطيرة شرك، الطيرة شرك ثلاثًا.
وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل» أي بسبب التوكل رواه أبو داود والترمذي وصححه (3) .
وهذا صريح في تحريم الطيرة (التشاؤم)، وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب بغير الله، ومن قال إنها تكره – فالكراهة في اصطلاح السلف – بمعنى الحرام (4) .
__________
(1) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد 311، «بتصرف».
(2) كما في الحديث المخرج سابقًا، وأوله: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله وما الفأل.. الحديث».
(3) أبو داود 10/405 الترمذي 1663، ابن ماجه 3583، ابن حبان وصححه.
(4) الدين الخالص، صديق حسن خان 2/142.(1/3)
قوله في الحديث: «وما منا إلا... الخ» هي إدراج من كلام ابن مسعود - رضي الله عنه - كما جزم بذلك سليمان بن حرب شيخ البخاري، وابن حجر، والسيوطي وغيرهم. وفي الحديث الآخر عن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك» (1) .
فصل
وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ومنا أناس يتطيرون، قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم» (2) . فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه إنما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطير به فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده، لا ما رآه وسمعه. فأوضح لأمته - صلى الله عليه وسلم - الأمر، وبين لهم فساد الطيرة، ليعلموا أن الله سبحان لم يجعل لهم عليها علاقة، ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافون ويحذرونه، ولتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله، وأنزل لها كتبه، وخلق لأجلها السموات والأرض، وعمر الدارين، والجنة والنار بسبب التوحيد فقطع - صلى الله عليه وسلم - الشرك وعلائقه من قلوبهم، لئلا يبقى فيها علقة منها ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة.
فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى، واعتصم بحبله المتين، وتوكل على الله رب العالمين قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها، وبادر خواطرها من قبل استمكانها. اهـ [من كلام ابن القيم رحمه الله].
__________
(1) رواه أحمد 2/220، والطبراني وقال الهيثمي في المجمع 5/105: (وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات». اهـ.
(2) رواه مسلم 14/223.(1/4)
قال عكرمة: كنا جلوسًا عند ابن عباس - رضي الله عنه - فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر (1) فبادر بالإنكار عليه، لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر. وخرج طاوس مع صاحب له في سفر فصاح غراب، فقال الرجل: خير، فقال طاوس: وأي خير عند هذا؟ لا تصحبني.
فصل
وقد ورد في الحديث: «وإن تكن الطيرة في شيء، ففي الدار، والفرس، والمرأة» رواه أبو داود (2) . والحديث رواه البخاري في صحيحه ولفظه: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار» (3) . وفي رواية له عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن كان في شيء ففي المرأة، والفرس، والمسكن»(2).
وقال في (فتح المجيد) (4) :
قد يظن بعض الناس أن هذا الحديث، وما في معناه يدل على جواز الطيرة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - «الشؤم في ثلاث، المرأة والدابة والدار» ونحو هذا والأمر ليس كذلك، فقد قال: (ابن القيم) رحمه الله: إخباره - صلى الله عليه وسلم - بالشؤم في هذه الثلاثة ليس فيها إثبات الطيرة التي نفاها الله، وإنما غايته أنه سبحانه قد يخلق منها أعيانًا مشؤومة على من قربها وسكنها، وأعيانًا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر هذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدًا مباركًا، يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدًا مشؤومًا يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية وغيرها فكذلك الدار، والمرأة، والفرس.
والله سبحانه خالق الخير والشر، والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودًا مباركة، ويقضي بسعادة من قاربها وحصول اليمن والبركة له.
__________
(1) أخرجه الطبري كما عزاه له ابن حجر في الفتح ج10 ص225.
(2) برقم 3902، 10/418.
(3) البخاري 6/71، 10/223 عن ابن عمر.
(4) فتح المجيد 309 «انظر تيسير العزيز الحميد 430».(1/5)
ويخلق بعضها نحوسًا ينتحس بها من قاربها، وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، كما خلق المسك وغيره من الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قاربها من الناس وخلق ضدها وجعلها سببًا لألم من قاربها من الناس.
والفرق بين هذين النوعين مدرك بالحس فكذلك في الديار والنساء والخيل فهذا لون، والطيرة الشركية لون آخر. اهـ.
وقال شيخنا العلامة عبد الله بن حسن بن قعود حفظه الله (1) في هذا الموضوع «هذه الثلاثة الأشياء لا يدل على شيء موجود فيها بذاتها ولكن موجود في المتشائم نفسه...».
فصل
ولكي يفهم كلام شيخنا نذكر أقوال العلماء في الحديث – قال النووي رحمه الله (2) : اختلف العلماء في حديث «الشؤم..» فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وأن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببًا للضرر أو الهلاك، وكذا اتخاذ المرأة المعينة، أو الفرس أو الخادم (3) ، قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى وقدره.
وقال الخطابي: قال الكثيرون، هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها ،أو خادم أو فرس فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وبطلاق المرأة.
وقال آخرون: شؤم الدار ضيقها، وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة: عدم ولادتها، وسلاطة لسانها وتعرضها للريب.
وشؤم الفرس: أن لا يغزى عليها في سبيل الله، وقيل: حرانها، وغلاء ثمنها.
وشؤم الخادم سوء خلقه، وقلة تعهده لما فوض إليه. وقيل المراد بالشؤم في الحديث أي عدم الموافقة.
قال القاضي عياض: قال بعض العلماء: الجامع لهذه الفصول السابقة في الأحاديث، ثلاثة أقسام:
__________
(1) عضو هيئة كبار العلماء سابقًا بالمملكة العربية السعودية.
(2) النووي شرح صحيح مسلم 14/220.
(3) ورد رواية عند مسلم في آخر باب الطيرة بلفظ: «الرَّبْعِ والخادم والفرس» شرح النووي 14/222.(1/6)
أحدها: ما لم يقع الضرر به، ولا اطردت له عادة خاصة ولا عامة ،فهذا لا يلتفت إليه، وأنكر الشرع الالتفات إليه، وهو الطيرة.
والثاني: ما يقع عنده الضرر عمومًا لا يخصه، ونادرًا لا يتكرر كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه.
والثالث: ما يخص ولا يعم، كالدار والفرس والمرأة، فهذا يباح الفرار منه. اهـ (1) .
قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمل على ما كانت الجاهلية تعتقده، بناءً على أن ذلك يضر وينفع بذاته فإ، ذلك خطأ، وإنما عنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه منها شيء أبيح له أن يتركه، ويستبدل به غيره. اهـ.
وكما ذكرنا في رواية البخاري الثانية «إن كان في شيء ففي... الخ (2) ) والحديث رواه مسلم أيضًا (3) .
ولمسلم أيضًا: (إن يك من الشؤم شيء حق)، وفي رواية أخرى له (إن كان الشؤم في شيء..) وكذا في حديث جابر عند مسلم، وكذا حديث سهل السابق في البخاري وذلك يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف ما في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - بلفظ: (الشؤم في ثلاث...) وبلفظ آخر (إنما الشؤم في ثلاث) ونحو ذلك مما تقدم.
قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من نقض العادة، فإنما يخلقه الله في هذه الأشياء. اهـ.
قال المازري: مجمل هذه الرواية إن يكن الشؤم حقًا، فهذه الثلاثة أحق به.
بمعنى أن النفوس يقع بغيرها. اهـ. وروى أبو داود في (الطب) عن ابن القاسم، عن مالك، أنه سئل عن حديث (الشؤم في ثلاث) فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا ثم سكنها آخرون فهلكوا (4) .
قال المازري: فيحمله (مالك) على ظاهره.
والمعنى أن قدر الله ربما اتفق مع ما يكره عند سكنى الدار فتصير في ذلك كالسبب فيتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعًا.
__________
(1) النووي شرح صحيح مسلم 14/220.
(2) الرواية المتقدمة عن سهل بن سعد.
(3) صحيح مسلم (النووي) 14/222.
(4) سنن أبي داود 10/420.(1/7)
قال ابن العربي: لم يرد (مالك) إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل.
وقيل: معنى الحديث، إن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى، والصحبة، ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى ألأمر بفراقها ليزول التعذيب. وهذا تعليل حسن.
قال الحافظ ابن حجر: قلت وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام (مالك) – المتقدم - أولى وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر، فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى، أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك، والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار – مثلاً – أن يبادر إلى التحول منها، لأنه متى استمر فيها، ربما حمله ذلك على اعتقاده صحة الطيرة والتشاؤم. اهـ (1) .
وقال الخطابي: معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس يكره سيره فليفارقه. اهـ.
لأنه بالمفارقة لا يحصل التشاؤم، ويزول سبب التعذيب، لأنها لو بقيت هذه الأشياء على ما فيها من المفاسد لربما أدى ذلك إلى الاعتقاد الباطل، كما قال ابن العربي.
...
فصل
ويقاس على الدابة السيارة – في وقتنا الحاضر – لأن العلة متشابه، فهي تصحب صاحبها زمنًا، وربما كان ثمنها مرتفعًا وسيرها وعملها غير مرض وتكثر مصاريفها، ويحصل لصاحبها العناء وإشغال التفكير الطويل فيها وفي أمرها، فعلى هذا فليفارقها وليستبدلها، والله أعلم.
فصل
وردت زيادة في بعض طرق الحديث بلفظ (والسيف).
__________
(1) فتح الباري 6/73.(1/8)
قال الحافظ ابن حجر: اتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة ووقع عند ابن إسخاق من رواية عبد الرزاق المذكورة: قال معمر قالت أم سلمة (والسيف) قال أبو عمر: رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عن أم سلمة. قلت أخرجه الدارقطني في «غرائب مالك» وإسناده صحيح إلى الزهري، ولم ينفرد جويرية بل تابعه سعيد بن داود عن مالك، أخرجه الدارقطني أيضًا قال: والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد بن زمعة، سماه ابن إسحاق عن الزهري في روايته.
قلت أخرجه ابن ماجه من هذا الوجه موصولاً، وأبو عبيدة المذكور هو ابن بنت أم سلمة زينب بنت أم سلمة، وقد روى النسائي حديث الباب من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري فأدرج فيه السيف وخالف فيه الإسناد أيضًا (1) .
فصل
ومن صور التشاؤم المحرم في هذه الأيام ما يأتي:
* عندما يرى أحدهم في الصباح الباكر وجهًا دميمًا أو حادثًا مروعًا يظل في تخوف سائر اليوم، ولو أصابه ما يكره (2) في ذلك اليوم نسبه إلى ما رأى وأصبح ذلك اليوم – عنده – مشؤومًا وقد يسميه يومًا أسود فترى بعضهم – عياذا بالله – يلعن ذلك اليوم!!.
* عند سماع خبر سيئٍ – أو وقوع نكبة ما فإنه يمقت الزمن (3) الذي سمع فيه الخبر. بل ويتمادى في ذلك بأن يجعل ذلك الزمن شؤمًا على مدار الزمن في كل عام، وقد يؤرخ له ويعرف بذلك..!
* كثيرًا ما يقع الشعراء – في أشعارهم – في التشاؤم المذموم (إلا من رحم الله)، ومنه قول القائل:
فَغَنَّى الطائران بذكر سَلْمى
عَلَى غصنين من غرب وبان
فكان البان أن بانت سليمي
وفي الغرب اغتراب غير دان
فنقول هنا كما قال: ابن عباس وطاوس: (وأي بون وأي اغتراب عند الطائرين).
__________
(1) فتح الباري 6/74.
(2) بقضاء الله وقدره.
(3) قد يكون الزمن سنة أو شهرًا أو أسبوعًا أو يومًا أو ساعة بحسب حجم الحوادث.(1/9)
* التأثير بما يسمى بأبراج الحظ (1) – المنتشرة في كثير من المجلات الوافدة وهي من التلاعب الممقوت التي ينخدع بها السذج من الناس ويتواكلون على ما فيها من الأكاذيب والقدح في الغيب، وليس فيها شيء من التفاؤل، بل يكثر بسببها التشاؤم ولعلها يصدق عليها قول القائل:
الزجر والطير والكهان كلهم
مضللون ودون الغيب أقفال
* التشاؤم من الأسماء المكروهة، يتحرز بعض الناس منها اعتقادًا منهم أنها سبب في وقوع المكروه (2) !!
والسنة للمسلم أن يختار الأسماء الحسنة في كل أموره وحاجاته. وأن يتفاءل بالأسماء الحسنة (3) .
فصل
تبين في ثنايا هذه الرسالة أن التشاؤم لا يأتي بخير ولا يصرف مكروهًا، وأنه نزعة جاهلية وهو كما قيل:
وما عاجلات الطير تدني من الفتى
نجاحًا ولا عن ريثهن قصور
ولكن قد يحدث في نفس المسلم شيء من ذلك، فعليه أن يدفع ذلك عن نفسه بالتوكل على الله سبحانه وصدق الالتجاء إليه والتفويض، وكما جاء من حديث ابن مسعود – المتقدم – (.. إلا أن الله يذهبه بالتوكل) (4) .
وأخرج البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو موقوفًا، (من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك).
أو ليقل:-
«اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك» (5) .
فالتوكل على الله يزيل شائبة التشاؤم بإذن الله، ومنزلة التوكل من الإيمان كمنزلة الجسد من الرأس إذ الجسد يحمل الرأس.
قال الله تعالى: { وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (6) .
__________
(1) لعل لها أصلا في بعض العقائد المنحرفة وهي أشبه ما تكون بتكهنات الكهان.
(2) عون المعبود 10/417.
(3) اقتصرت على هذه النماذج الواقعية مراعاة للاختصار ولعل فيها ما يوضح ويرشد إلى ما شابهها والحذر منها.
(4) تقدم تخريجه ص2.
(5) أبو داود 10/415 برقم (3900).
(6) المائدة 23.(1/10)
قال شيخنا ابن قعود: (إن من أنواع عبادة الله التي خلقنا من أجلها بل ومن أسسها وقواعدها التوكل على الله سبحانه). اهـ.
وهو من أقوى الأسباب في جلب الخيرات ورفع المكروهات { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (1) أي كافيه.
فحري بالمسلم أن يثق بالله ويوقن أن قضاءه عليه ماض، فالله سبحانه لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا مستعجل له، فهو سبحانه يتفضل على من يشار بما يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ويبتلي من يشاء بما يشاء وهو العزيز الحكيم.
تأمل في قوله تبارك وتقدس: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (2) .
وحري بالمسلم أن يتعاهد معتقده من أن يشوبه مثل هذه الظنون الواهية المتهافتة والشكوك الباطلة، التي تؤثر في عمله الدنيوي، وتهدد عمله الأخروي.
اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين وجمعنا بهم في جنات النعيم.
كتبه
أبو محمد نايف بن محمد بن دحيان العتيبي
الرياض12 رمضان 1412هـ
...
أهم المراجع
1- الدين الخالص (مرجع أساسي) لصديق حسن خان.
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر.
3- شرح صحيح مسلم للنووي.
4- عون المعبود شرح سنن أبي داود.
5- معالم السنن للخطابي.
6- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
7- تيسير العزيز الحميد.
8- مجمع الزوائد للهيثمي.
9- المفردات للراغب.
* * * *
الفهرس
مقدمة الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل ... 5
المقدمة ... 6
رسالة في توضيح ما يجوز من الشؤم وما لا يجوز ... 6
أولاً: ينبغي معرفة أن الشؤم كثيرًا ما يأتي بمعنى التطير ... 6
فصل ... 6
فصل ... 6
فصل ... 6
فصل ... 6
فصل ... 6
فصل ... 6
فصل ... 6
أهم المراجع ... 6
الفهرس ... 6
* * * *
__________
(1) الطلاق: 3.
(2) يونس: 107.(1/11)