مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين. وبعد :
فهذه الطبعة الثانية من رسالتي الوسوسة أجريت عليه تعديلاً بالزيادة والنقص وكنت حريصاً على أن أذكر قواعد عامة يمكن أن يُتَعَامَل بها مع هذا الموضوع لأنَّ الوسوسة تختلف من شخص لآخر بسبب اختلاف الزمان والمكان وثقافة الموسوس .وأنبه لأمر مهم وهو أنَّ التخلص من هذا الداء مرهون بالرغبة الصادقة ممن ابتلي به فإذا علم الداء وعلم الدواء فليبادر إلى العمل به والتغلب على هذه الوساوس والأمر بعد الاستعانة بالله والالتجاء إليه يحتاج إلى قوة إرادة . فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يشفي من ابتلي بهذا الداء وأن يجعل هذا العمل في ميزان حسنات كل من كان له دور في إخراج هذه الرسالة .
وصلى الله على نبينا محمد وآله و أصحابه أجمعين .
و كتبه
أحمد بن عبد الرحمن الزومان
في21/5/1424 هـ القصيم / بريدة
ahmedalzoman@gmail.com
0505154265
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد؛ الذي أُمِرْنا بالاقتداء به. وقد وعد الله ـ عزَّ وجلَّ ـ مَنْ تمسك بسنته بالهداية بقوله تعالى:¼ SâéSإY‰TPVTژ@ ... Wè `طRرPVصWإVض fûèSںWTچ`نWTژ (158) " [الأعراف:158] .
وقد اقتضت حكمة الله ـ عزوجل ـ عداوة الشيطان لبني آدم قال الله عز وجل: ¼ ًس†WTخ Jg‡WO vّYTكَ£Yہ¹TكVK†WTت uّVضXM ... Yz`éWے WـéST'WTإ`T‰STے (36) ًس†WTخ ًذPVTكXM†Vت WفYع WفےX£ًہ¹قSظ<ض@ ... (37) uّVضXM ... Yz`éWTے gŒpTTخWé<ض@ ... YzéSTص`إWظ<ض@ ... (38) ًس†WTخ Jg‡WO :†WظYTٹ ّYقWTچTَTےWé<çئKV ... QWفWقQYTےW¦RK‚Wپ `طSنVض ء X³`OKKV‚ô@ ... `طSنQWTقWTےXépTçئRK‚WپWè WـkTTYإWظ`-VK ... (39) ‚PVپMX ... ًدW †fTT‰Yئ SطSن`قYع fûkY±VصpSظ<ض@ ... (40) " [الحجر:36-40] .(1/1)
فلا زال من تلك الساعة يكيد لبني آدم؛تارة بالشبهات، وتارة بالشهوات، وتارة بالتفريط وتارة بالإفراط، ومجاوزة الحد المشروع، ومن ذلك الوسوسة التي يزينها لبعض الناس، فلا يزال بالعبد حتى يقع في باب الغلو المنهي عنه، وذلك بالزيادة على المشروع، وهو يعتقد بفعله أنَّه يحسن صنعاً .
والوساوس تعرض لعامة الخلق . لكنهم يختلفون في مدى استجابتهم لها و استحكامها . فالشيطان بمنزلة قاطع الطريق؛ كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه . فتجد أهل المعاصي والغفلة واللهو لاتعرض لهم هذه الوساوس لأنَّ ماهم فيه مما يحبه الشيطان . لكن إذا رأى منهم التوبة والإقبال إلى الله؛ تسلط عليهم بالوساوس من عدم قبول توبتهم، أو بتشكيكهم في دينهم، أو في ذات الله ـ عزوجل ـ أو غير ذلك من الأشياء التى يفضل أحدهم الموت على اعتقادها. ولهذا يعرض للناس من الوساوس فى الصلاة ما لا يعرض خارجها؛ لأنَّ الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه، والتقرب إليه والاتصال به. وكلما استجاب العبد لوساوس الشيطان كلما ازداد طمع الشيطان به و تمكنه منه .(1/2)
وسبب الوسوسة كما قال أبو حامد الغزالي وغيره؛ إمَّا جهل بالشرع، وإمَّا خبل في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب .فالشيطان يدخل على الجاهل بأمان، أما العالم والمتعلم فلا يدخل عليهما إلا مسارقة . وقد كان أهل العلم ينكرون على الموسوسين، وربمابالغوا في الإنكار لينزجر المتمادي في الوسوسة فهذا أبو الوفاء ابن عقيل قال له رجل : إنيَّ أنغمس في الماء مراراً كثيرة وأشك هل صح لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ : اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف؟ قال: لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ )(1)
__________
(1) حديث صحيح . جاء عن عائشة وعلي وأبي قتادة و شداد بن أوس وثوبان وابن عباس و أبي هريرة - رضي الله عنهم - :
[ 1 ] : حديث عائشة < رواه أحمد في مواضع من مسنده منها (24173)، و أبو داود (4398)، والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) بإسناد حسن . فيه حماد ابن أبي سليمان وثقه ابن معين والنسائي والعجلي والذهبي . وحماد بن سلمة في روايته عن حماد بن أبي سليمان تخليط كماقال الإمام أحمد وتغير بآخره . لكن هذا الحديث رواه أثبت الناس فيه :عبد الرحمن بن مهدي. في رواية النسائي (3432) و عفان بن مسلم في رواية أحمد (24173) . انظر تهذيب الكمال (2/282) والتقريب (1499) و شرح علل الترمذي (2/517) قال البخاري كما في علل الترمذي (2/593) : أرجو أن يكون محفوظاً . وقال الحاكم (2/59) : صحيح على شرط مسلم وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة / الحج (1/118) وحسن إسناده النووي في المجموع (6/253) . وقال ابن دقيق العيد في الإمام (3/534) : أقوى إسناداً أي من حديث علي - رضي الله عنه - .. وصححه السيوطي في الجامع الصغير(4462). والألباني في صحيح أبي داود (3698)
[
2 ] : حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - روي عنه مرفوعاً و موقوفاً . فالمرفوع رواه عنه: 1) : أبو الضحى مسلم بن صبيح عند أبي داود (4403) . و أبو الضحى لم يسمع من علي - رضي الله عنه - . لذا أعله بالانقطاع المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/232) . و ابن دقيق العيد في الإمام (3/525) . و الذهبي في المهذب (4/2183) . والزيلعي في نصب الراية . (4/163) . وابن حجر في الدراية (2/198) . 2) : القاسم بن يزيد عند ابن ماجه (2042) . والقاسم لم يدرك علياً وهو مجهول لذا أعله بالانقطاع المنذري في مختصر سنن أبي داود (6/232) . و الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/329) . والبوصيري في الزوائد (680).3) : أبو ظبيان حصين بن جندب واختلف عليه . رواه عنه :
1 : عطاء بن السائب مرفوعاً رواه عنه أبو عبد الصمد عند النسائي في الكبرى (7344) . و أبو الأحوص عند أبي داود (4402) . وحماد بن سلمة عند أحمد (1330) ، (1364) . وعطاء اختلط بآخره والأكثر على أنَّ حماداً ممن سمع منه قبل الاختلاط . انظر الكواكب النيرات (39) .
2 : الأعمش سليمان بن مهران واختلف عليه فيه فرواه عنه مرفوعاً جرير بن حازم عند أبي داود (4401) و النسائي في الكبرى (7343) . وروي عنه موقوفاً وممن رواه جرير بن عبد الحميد عند أبي داود (4399) . و وكيع بن الجراح عند أبي داود (4400) ورجح الدارقطني الموقوف في علله (3/74) .
3 : أبو حصين موقوفاً عند النسائي في الكبرى (7345) ورجح النسائي الموقوف في الكبرى (4/324) .
4 : الحسن البصري واختلف عليه فيه فرواه عنه
1 : قتادة مرفوعاً عند أحمد (959) والترمذي (1423) .
2 : يونس بن عبيد واختلف عليه فيه فرواه عنه هشيم مرفوعاً. عند أحمد (943). ورواه يزيد بن زريع موقوفاً عند النسائي في الكبرى (7347) . ورجح النسائي الموقوف في الكبرى (4/324) .
و إضافة لاختلاف الرفع والوقف فقد أعله الترمذي (4/24)وغيره بعدم سماع الحسن من علي - رضي الله عنه - . ومقابل هؤلاء فقد صححه ابن خزيمة (1003) ، (3048) وابن حبان (143) .والحاكم (1/258). وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة / الحج (1/118) وصحح إسناده النووي في المجموع (6/253) . و أحمد شاكر مكتفياً بالمعاصرة في تعليقه على المسند (940) . والألباني في إرواء الغليل (297) .
[ 3 ] : حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - رواه الحاكم (4/389) وصحح إسناده وتعقبه الذهبي بقوله : عكرمة [بن إبراهيم] ضعفوه . وممن ضعفه العقيلي بقوله : في حفظه اضطراب . وابن حبان قال : كان ممن يقلب الأخبار، ويرفع المراسيل؛ لا يجوز الاحتجاج به، سمعت محمد بن محمود يقول سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن عكرمة بن إبراهيم الأزدي قال: ليس بشيء . وضعفه أبو داود و النسائي والبزار وقال يعقوب بن سفيان : منكر الحديث . قلت : لعل هذا من مناكيره والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر : معلول فإنَّه من رواية سعيد [بن أبي عروبة] عن قتادة عن عبدالله بن أبي رباح عن أبي قتادة - رضي الله عنه - والمحفوظ عن سعيد وغيره عن قتادة عن الحسن عن علي - رضي الله عنه - . الدراية (2/198)
[ 4 ] : حديث شداد بن أوس، وثوبان { رواه الطبراني في الكبير(7156) . والحديث من رواية مكحول الشامي عن أبي إدريس الخولاني، ولم يسمع من أبي إدريس كما قال أبو مسهر . وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذه العلة في التلخيص (1/330) بقوله : في إسناده مقال في إتصاله واختلف في برد . وبرد بن سنان الأكثر على توثيقه .
[ 5 ] : حديث ابن عباس رواه الطبراني في الأوسط (3403) و الكبير (11141). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/251) : فيه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة وهو ضعيف .. و حديثه لايصلح، للاعتبار .
[ 6 ] : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه البزار . مختصر زوائد البزار (1417) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/251): فيه عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص وهو متروك . وذكر نحو ذلك الحافظ ابن حجر في الدراية . (2/198) و رواه البيهقي (6/57)، وقال : موضوع محمد بن القاسم الطايكاني هذا كان معروفاً بوضع الحديث .
والحديث عليه العمل عند أهل العلم . ومتنه صحيح وصححه ــ إضافة لمن تقدم ذكرهم ــ ابن المنذر في الأوسط (4/387) و ابن حزم في المحلى (10/344) وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة ـ المناسك ـ (1/118) و ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/498) والشوكاني في إرشاد الفحول (1/76) .(1/3)
ومن ينغمس في الماء مراراً ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون (1) . وقد عُنِي أهلُ العلم في هذا الموضوع فألفوا فيه الرسائل المستقلة منهم موفق الدين ابن قدامة في كتابه : "ذم الموسوسين "، أو تكلموا عليه ضمن مؤلفاتهم ومنهم ابن القيم في كتابه " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ". وتشبهاً بهؤلاء ـ وإن لم أكن منهم ـ فهذه رسالة جمعت فيها ما تيسر من مظاهر الوسوسة، مع ذكر العلاج من كتاب الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وصحيح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلام أهل العلم فأسأل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ أن ينفع بها وأن يجعلها في ميزان حسناتي وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
الوسوسة
تعريف الوسوسة :
لغة : أصل الوسوسة الصوت الخفي، ومنها وسواس الحلي لأصواتها .
اصطلاحاً : هي حديث النفس والشيطان بما لانفع فيه ولا خير. (2)
الوسوسة في الإيمان :
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالقُ كل شيء فمن خلق الله ) (3)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: ( وقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم، قال : ذاك صريحُ الإيمان) (4)
وفي رواية قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله لِلَّهِ إنِّي أحدث نفسي بالحديث، لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال: ( ذلك صريح الإيمان ) (5)
__________
(1) انظر إغاثة اللهفان (1/134)
(2) انظر : المغرب ص:(483) و بدائع الفوائد (1/250) والقاموس المحيط ص(748).
(3) رواه البخاري (7296) ومسلم (136) .
(4) رواه مسلم (132)
(5) أحمد (8911) . إسنادها حسن(1/4)
أي استعظامكم الكلام به، وشدة خوفكم منه، هو صريح الإيمان، فإنَّ استعظام ذلك، وشدة الخوف منه، ومن النطق به ،حتى يختار أنْ يحترق ويكون فحمة، أو أنْ يخر من السماء إلى الأرض؛ أحب إليه أنْ يتكلم به فضلاً عن اعتقاده يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك.
وليس المراد أنْ الوسوسة نفسَها صريحُ الإيمان، بل هي من قبل الشيطان وكيده .(1)
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنَّ أحدنا يجد في نفسه يُعرِّض بالشيء (2) لأنْ يكون حُمَمَة(3) أحبُ إليه من أنْ يتكلم به فقال :( الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) (4)
فالشيطان إنَّما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فينكد عليه بالوسوسة؛ لعجزه عن إغوائه. وأما الكافر فإنَّه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد . (5)
وكما أنَّ الوسوسة تكون في ذات الله ـ عز وجل ـ وصفاته، تكون أيضاً في دين الله ووحيه و قضائه وقدره، وغير ذلك مما يتعلق بالاعتقاد.
__________
(1) انظر تعظيم قدر الصلاة (2/726) ومعالم السنن (4/136) وشرح مسلم للنووي (2/205) ومجموع الفتاوى (10/563) .
(2) من شدة قبحه ونفرة النفس منه .
(3) الحممة : الفحمة .
(4) رواه أحمد (2098) (3151 ) وأبو داود (5112) . و النسائي في عمل اليوم والليلة (669) . إسناده صحيح . والحديث صححه ابن حبان (146) والألباني في صحيح أبي داود (4264) .
(5) انظر : إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/431) وشرح مسلم للنووي (2/205ـ206) وإكمال إكمال المعلم (1/238)(1/5)
فعن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : " كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنَّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأا فحسَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية؛ فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقاً وكأنَّما أنظر إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فرقاً (1) فقال لي : يا أُبيّ أُرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه: أَنْ هَوِّنْ على أمتي، فرد إليَّ الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف؛ فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها. فقلت اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - " .(2)
وهذه الوسوسة عارضة لعامة المؤمنين، فلا زالت تعرض للبعض، بل تعرض لخاصة المسلمين كما عرضت لفضلاء الصحابة - رضي الله عنهم - .
العفو عن الوسوسة :
قال تعالى : ¼ ‚Wپ ٌبPYصVرSTے JًS/@ ... †[©pTةWTك ‚PVپMX ... &†WنWإَھSè " [البقرة:286]
وقال تعالى : ¼ †WعWè WشWإW- `yRر`~VصWئ ء XفےPYںض@ ... َفYع &w"W£Wڑ " [الحج:78] .
والوسوسة ليست في الوسع، بل هي أمر غالب على النفس فهي مما لا طاقة للمسلم بها، فلو يؤاخذ المسلم بهذه الوسوسة لوقع الحرج المنفي في الآية؛ فالوساوس العارضة مما تجاوز الله عنها لهذه الأمة .
__________
(1) لما ظهر له قبح ما أوقعه الشيطان من الوسوسة تصبب عرقاً خوفاً من الله عز وجل .
(2) رواه مسلم (820) .(1/6)
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسَها ما لم يتكلموا أو يعملوا به ) (1)
وفي رواية : ( إنَّ الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورَها ما لم تعمل أو تكلم ) (2) (3) بل كراهيته لهذه الوساوس وخوفه منها ومن التكلم بها ممايثاب عليه .
علاج هذا النوع من الوسوسة :
1ـ ذكر الله :
عن الحارث الأشعري - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... وآمركم أن تذكروا الله فإنَّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ... ) (4)
__________
(1) رواه البخاري (6664) و مسلم (127) .
(2) البخاري (2528) .
(3) انظر تفسير الطبري وبهامشه غرائب القرآن (3/94ـ101) و الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (1/360) والإيمان لابن منده (1/475ـ477) و شرح السنة (1/108ـ 109) و أحكام القرآن لابن العربي (3/309) و المفهم (1/340) و تفسير القرطبي (3/277) (12/66ـ67) و مجموع الفتاوى (14/128، 137) .
(4) رواه أحمد (16718) والترمذي (2863) ـ وقال :حسن صحيح غريب ـ بإسناده صحيح .
وقد صرح ممطور و يحيى بن أبي كثير بالسماع عند ابن حبان والحاكم . والحديث صححه ابن خزيمة (930) وابن حبان (6233) و الحاكم (1/118،236) و ابن القيم في إعلام الموقعين (1/231) وحسنه ابن كثير في تفسيره (1/58) وصححه الألباني . في صحيح الترمذي (2298) .(1/7)
فَذِكْرُ الله يطرد الشيطان؛ وبذكر الله يحرز العبد نفسه من الشيطان، فإذا ذكر العبد الله اختفى الشيطان وانخنس وزال عن العبد مايجده، وإذا غفل عن ذكر الله تسلط عليه الشيطان. وأعظم الذكر: القرآنُ، لا سيما السور والآيات التي دل الدليل الخاص أنَّ لها أثراً في طرد الشيطان كالمعوذتين وآية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة وغير ذلك . وكذلك الأذكار الثابته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المطلقة و المقيدة في أوقات أو أعداد محددة.
ومن ذلك مافي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى تختم الآية، فإنَّه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ) (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل(2) عشر رقاب، وكتب له مئة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له: حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه ) (3)
2 ـ الاستعاذة :
قال تعالى : ¼ †QWعXM ... Wè ًذPVقWçئW¥قWTے WفYع XفHTً¹`~TPVض@ ... bçأَ¥TWTك p،YإWTچ`ھ@†WTت YJً$/@†YTٹ ISمPVTكMX ... WéSه Sؤ~YظQW©ض@ ... ٌy~YصWإ<ض@ ... (36) " [فصلت:36]
__________
(1) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في مواضع منها(3275) وقد وصله النسائي ـ وغيره ـ في الكبرى (10795) و عمل اليوم والليلة (959). و انظر تغليق التعليق (3/295ـ297) وصحيح ابن خزيمة (2424) . وإسناده صحيح ـ إن شاء الله ـ والحديث صححه البغوي في شرح السنة (1196) والألباني في صحيح الترغيب والترهيب(606) .
(2) يساوي في الأجر .
(3) رواه البخاري (6403) ومسلم (2691).(1/8)
ومن صيغ الاستعاذة:" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" . فالغضبُ من الشيطان، وقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - من غضب أن يقولها :
فعن سليمان بن صُرَد - رضي الله عنه - : قال استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمرَّ وجهه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنِّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... ) (1)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله وَلْيَنْتَهِ )(2) .
3 ـ الرد على الشيطان :
في رواية لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( فليقل آمنت بالله ورسله ) (3).
وفي رواية : ( فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً وليستعذ من الشيطان ) (4)
4 ـ الانتهاء من الاسترسال في الوسوسة :
__________
(1) رواه البخاري (6115) و مسلم (2610) .
(2) رواه البخاري (3276) ومسلم ( 134) .
(3) مسلم (134) . في رواية ابن السني في عمل اليوم والليلة (626): آمنا بالله ورسله ثلاثاً، وفي السند ليث بن سالم مجهول، وعبيد بن واقد القيسي ضعيف، والمحفوظ أنَّ الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وليس عن عائشة { .انظرالكامل (1511)(1618)، وتهذيب الكمال(4332)، وميزان الاعتدال (6996)، والفتوحات الربانية (4/35 ـ36).
(4) أبو داود (4722) والنسائي في عمل اليوم والليلة (661) وإسنادها حسن .
محمد بن إسحاق صرح بالسماع . وسلمة بن الفضل تابعه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم وهارون ابن أبي عيسى الشامي والحديث حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (116) .(1/9)
القلب إذا أصغى للشبه وركن إليها تشربها وامتلأ بها فينضح لسانه وجوارحه بموجبها فإن أُشرِب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات . قال ابن القيم : قال لي شيخ الإسلام رضى الله عنه وقد جعلت أورد عليه إراداً بعد إيراد لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فاذا أَشرَبت قلبَك كلَ شبهة تمر عليها صار مقراً للشبهات أو كما قال . فما أعلم أنَّي انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
فوساوس الشيطان غير متناهية؛ لأنَّه كلما ألزمته حجة وأفسدت عليه مذهباً، زاغ إلى أنواع أخر من الوساوس التي أعطي التسليط فيها على العبد , فهو لا يزال يوسوس للعبد، فيضيع الوقت إنْ سلم من فتنته، فلا تدبير في دفعه أقوى من الالتجاء الى الله تعالى؛ بالاستعاذة به منه، والانتهاء عن مراجعته. فَرَدُّ الوساوس من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها، فإنَّه إذا لم يلتفت لتلك الوساوس زالت بعد فترة، كما هو مجرب . وبالجملة فالقلب لا يخلو من الفكر إمَّا في واجب آخرته ومصالحها، وإمَّا في مصالح دنياه ومعاشه، وإمَّا في الوساوس والأماني الباطلة. فليجعل موضع هذه الوساوس خواطر الإيمان والمحبة والإنابة والتوكل والخشية؛ فيفرغ قلبه من تلك الخواطر، ويعمره بأضدادها، وليشغل العبد فكره بما يعود عليه بالنفع في آخرته ودنياه. (1)
لذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالانتهاء بقوله " ولينته " كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي تقدم .
5 ـ العلم الشرعي :
__________
(1) انظر الفوائد ص : (174ـ 176) وطريق الهجرتين ص : (316 ـ 319 ) ومفتاح دار السعادة (1/443) و طرح التثريب (8/ 164 ـ 165) وفتح الباري (13/273).(1/10)
أنجع علاج للوسوسة فالجاهل ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لضعف علمه وقلة بصيرته فإذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكاً لأنَّه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة والشبهة وأرد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة
فعلى من ابتلي بهذه الوساوس ألا يستسلم لوساوس الشيطان، ويعمل بما يمليه عليه فكلما تمادى به الشيطان كلما تمكنت منه هذه الوساوس، وصعب عليه الانفكاك منها، وكلما بادر بالسؤال عنها وكيفية التخلص منها؛ كلما سهل عليه تركها . فليبادر بسؤال من يثق بعلمه، فإنَّما شفاء العيّ السؤال؛ امتثالاً لأمر الله حيث يقول: ¼ Nv ... éRصLWTTَ©WTت WشTT`هVK ... X£T`{PY،ض@ ... ـMX ... `ySچقRز ‚Wپ WـéSظVصT`إWTژ (43) " [النحل:43]
وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ـ وقد تقدم ـ : ( فسألوه إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ... ) (1)
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه - قال: " شُكِي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرَّجلُ يجد في الصلاة شيئاً أيقطع الصلاة؟ قال: ( لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) (2)
وخلاصة ما يفعله من وقع في وساوس الاعتقاد أن يقول: " آمنت بالله ورسله، الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ثم يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة . (3) ويسأل أهل الذكر . وماتقدم عام في الوساوس كلها .
__________
(1) رواه مسلم (132) .
(2) رواه البخاري (2056) ومسلم (361) .
(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/185) .(1/11)
الوسوسة في الطهارة
نتر الذكر :
تعريفه : النتر الجذب بقوة وجفاء . واستنتر من بوله: اجتذبه واستخرج بقيته من الذكر عند الاستنجاء؛ حريصاً عليه مهتماً به . (1)
وعن عيسى بن يزداد عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات ) (2)
سَلْتُ الذَّكَر :
تعريفه : أن يمسح بيده اليسرى ذكره، إذا فرغ من بوله، من أصل ذكره و يضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه، ويمر بهما إلى رأس الذكر (3).
الوسوسة في انتقاض الطهارة :
من أخطر الوساوس؛ ما يلقيه الشيطان على البعض إذا فرغ من طهارته، أنَّه قد خرج منه ريح أو نقط من البول فيعيد الطهاره وتطهير ملابسه. والأصل الطهارة، وعدم خروج شيء حتى يزول هذا اليقين .
فعن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: شُكِي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرَّجلُ يجد في الصلاة شيئاً، أيقطع الصلاة ؟ قال : ( لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) (4).
__________
(1) انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر (5/11) والقاموس المحيط ص : 616 .
(2) رواه أحمد (18574) وأبو داود في المراسيل (4) وابن ماجه (326) بإسناده ضعيف .
في إسناده زمعة بن صالح ضعيف، لكن تابعه زكرياء بن إسحاق عند أحمد (18575)وفيه عيسى بن يزداد ويقال أزداد وهو و أبوه مجهولان ليس لأبيه صحبة . انظر العلل لابن أبي حاتم (89)، وجامع التحصيل ص : 143والإصابة (79) . والحديث ضعفه أبو حاتم في الجرح والتعديل (6/291) وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (1075) . وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(21/106)والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (112) والألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1621) . ونقل النووي في المجموع (2/91) الاتفاق على ضعفه.
(3) انظر : الروض المربع (1/211) و مواهب الجليل ـ بهامشه التاج والإكليل ـ (1/408).
(4) رواه البخاري (2056) ومسلم (361).(1/12)
و عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)(1).
فلا يلتفت إلى هذه الوساوس، ومتى أعرض عنها زالت بإذن الله وهذا مجرب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
التنحنح بعد البول، والمشي، والطفر إلى فوق، والصعود في السلم، والتعلق في الحبل، وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك..، كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح، لم يشرع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه وهو كما قيل: " كالضرع إن تركته قرَّ وإن حلبته در " .
__________
(1) رواه مسلم (362).(1/13)
وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه، ولو تركه لم يخرج منه وقد يخيل إليه أنَّه خرج منه، وهو وسواس، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنَّه خرج منه شيء ولم يخرج، والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الإحليل لا يقطر، فإذا عصر الذكر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك خرجت الرطوبة فهذا أيضاً بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج إلى إخراج باتفاق العلماء (1) لا بحجر ولا أصبع ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره فإنَّه يرشح دائماً. والاستجمار بالحجر كاف لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء؛ فإذا أحس برطوبته قال هذا من ذلك الماء، وأمَّا من به سلس البول وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع فهذا يتخذ حفاظاً يمنعه فإنْ كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي، وإلا صلى وإن جرى البول كالمستحاضة تتوضأ لكل صلاة والله أعلم (2).
وقال ابن الجوزي : " ومنهم من يقوم فيمشي ويتنحنح ويرفع قدماً ويحط أخرى وعنده أنَّه يستنقي بهذا وكلما زاد في هذا نزل البول " (3).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ بعد أن ضعف القول بنتر الذكر ومسحه ـ : " إذا انتهىالبول يغسل رأس الذكر فقط " .(4)
__________
(1) قارن به حاشية الدسوقي (1/110) و مواهب الجليل ـ بهامشه التاج والإكليل ـ (1/407 ـ 408) .
(2) مجموع الفتاوى (21/106 ـ 107).
(3) تلبيس إبليس ص ( 166) .
(4) الشرح الممتع (1/ 88 ـ 89) .(1/14)
وهذه الطائفة جاوزت المشروع في الاستبراء من البول، و التحرز من النجاسة، ويقابلها طائفة فرطت ولم تفعل ما افترضه الله عليها في الاستبراء من البول، والتحرز من إصابته الجسم والثياب؛ فاستحقت الوعيد الشديد. فعن ابن عباس { قال مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: ( أما إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير(1): أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله . قال : فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعله أنْ يخفف عنهما ما لم ييبسا )(2)
وفي رواية : ( لا يستنزه من البول ) (3)
وقد بَوَّب ابن خزيمة على الحديث بابَ التحفظ من البول؛ كي لايصيب البدن والثياب، والتغليظ في ترك غسله إذا أصاب البدن والثياب. (4)
قال الحافظ ابن حجر : معنى الاستتار: أنَّه لا يجعل بينه وبين بوله سترة؛ يعني لا يتحفظ منه فتوافق رواية لا يستنزه لأنَّها من التنزه وهو الإبعاد وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج ... "كان لا يتوقى " وهي مفسرة للمراد (5).
__________
(1) أي ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }
[ النور : 15] . وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك .
(2) رواه البخاري (6052) ومسلم (292) .
(3) مسلم (292) .
(4) صحيح ابن خزيمة (1/32).
(5) فتح الباري (1/318).(1/15)
وهديه - صلى الله عليه وسلم - وسط، فقد كان يستنجي بالماء أحياناً، ويستجمر بالحجارة أحياناً مع وجود الماء، ولم يكن يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس؛ من المبالغة في قطع الخارج من نتر الذكر، والنحنحة، والقفز، ومسك الحبل، وطلوع الدرج، وحشو القطن في الإحليل، وصب الماء فيه، وتفقده الفينة بعد الفينة ونحو ذلك من بدع أهل الوسواس . (1)
علاج هذا النوع من الوسوسة :
1 : نضح الفرج :
تعريفه : أن يأخذ ماء قليلاً فيرش به فرجه وسراويله بعد الوضوء والاستنجاء لينفي عنه الوساوس .
عن الحكم بن سفيان الثقفي أنَّه - رضي الله عنه - رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( توضأ ثم أخذ كفاً من ماء فنضح به فرجه ) (2) .
__________
(1) انظر : زاد المعاد (1/173).
(2) رواه أحمد (17888) وأبو داود (166)، والنسائي (134) و ابن ماجه (461).
اختلف في إسناده على مجاهد على عشرة أوجه: أهمها عن الحكم بن سفيان عن أبيه وعن الحكم بن سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان الحديث عن الحكم فهل للحكم صحبة أم لا ؟ انظر : تهذيب الكمال (1411) وتهذيب التهذيب (2/425ـ426) فلذلك أعله بالاضطراب الترمذي في سننه (1/71)، وابن عبد البر في الاستيعاب ـ بهامش الإصابة ـ (1/319) وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/131) والعيني في شرح سنن أبي داود(1/389) والسيوطي في تدريب الراوي (1/166) وقال الحاكم (1/171) هذا حديث صحيح على شرطهما وإنما تركاه للشك فيه وليس ذلك مما يوهنه. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (374) . وضعف الحديث ليس بشديد فيرتقى لرتبة الحسن ـ إن شاء الله ـ للشواهد الآتية.(1/16)
وعن أسامة بن زيد { عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنَّ جبريل عليه السلام لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلمه الوضوء، فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنة من ماء، فرش بها نحو الفرج قال فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرش بعد وضوئه ) (1).
وعن يزيد مولى سلمة أنَّ سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - كان ينضح بين جلده وثيابه " (2)
وعن ابن عباس { قال : " إذا توضأ أحدكم فليأخذ حفنه من ماء فلينضح بها فرجه فإن أصابه شيء فليقل إنَّ ذلك منه " (3).
وعن مسلم بن صبيح يقول: رأيت ابن عمر { توضأ، ثم أخذ غرفة من ماء فصبها بين إزاره وبطنه على فرجه (4).
ومن خلال ما تقدم فإنه يستحب بعد الاستنجاء أن ينضح ماء على فرجه وسراويله ليقطع بذلك وساوس الشيطان، فإذا وسوس له الشيطان أحال على هذا الماء الذي نضحه .(5)
__________
(1) رواه أحمد (21264) وفي إسناده ِرشْدِين بن سعد ضعيف من قبل حفظه وقد تابعه عند ابن ماجه (462) عبد الله بن لَهِيعه، وهو صدوق اختلط بعد احتراق كتبه . ومن الشواهد حديث جابر - رضي الله عنه - عند ابن ماجه (464) وفي إسناده قيس بن الربيع الأسدي، ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ضعيفان وأبو الزبير محمد بن مسلم مدلس ولم يصرح بالسماع، وهناك شواهد أخرى لاتصلح للاعتبار . وقدحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (375) . فالحديث حسن بمجموعه والله أعلم .
(2) رواه ابن أبي شيبة (1/167). بإسناد صحيح.
(3) رواه مسدد . المطالب العالية (117) وعبد الرزاق (583) وابن أبي شيبة (1/167) . بإسناد صحيح .
المنهال بن عمرو وثقه ابن معين والنسائي و العجلي وتابعه الأعمش عند عبد الرزاق .
(4) رواه عبد الرزاق (590) بإسناد صحيح .
(5) انظر الأوسط (1/244) والتبصرة ص : 40 و بدائع الصنائع (1/33) و المغني (1/146) والمجموع (1/112) و مجموع الفتاوى (21/107) وطرح التثريب (2/48،85) و الفروع (1/122) و التاج والإكليل (1/282) .(1/17)
الإعراض عن هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها :
في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ـ وقد تقدم ـ" ... فليستعذ بالله ولينته "
وعن الصلت بن زُبيْد قال :"سألت سليمان بن يسار(1) عن البلل أجده، فقال: انضح ما تحت ثوبك بالماء وَالْهَ عنه "(2) .
وقال الإمام أحمد : إذا كانت تعاهده الأبردة فإنه يسبغ الوضوء، ثم ينتضح، ولا يلتفت إلى شيء يظن أنَّه خرج منه فإنَّه يذهب عنه .(3)
3 : البعد عن أسباب الوساوس :
من الحكمة الابتعاد عن الأشياء التي قد تكون سبباً في الوساوس؛ كالبول في مكان يخشى من تطاير رشاش عليه، فربما وسوس له الشيطان بعد ذلك بأنَّه أصابه شيء، فإنَّ قطع أسباب الوساوس من أسباب عدم تسلط الشيطان عليه بها . فدفع الوساوس أسهل من رفعها .
فعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبول الرجل في مستحمه (4)فإن عامة الوسواس منه (5) .
__________
(1) تابعي و أحد فقهاء المدينة السبعة.
(2) رواه مالك في الموطأ (1/41) .
الصلت بن زبيد ذكره البخاري في التاريخ الكبير (4/301) و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/439) و ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/398) و السخاوي في التحفة اللطيفة (2/242) . ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً . وذكره ابن حبان في الثقات (3/454) . ونقل الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة (479) توثيق العجلي له وكذلك نقله الكاندهلوي في أوجز المسالك (1/268) . و قال الزرقاني شرح الموطأ (2/318) : وثقه العجلي وغيره و كفى برواية مالك عنه .. قلت : لم أجد توثيق العجلي في ثقاته المطبوع . و الأثر يحتمل التحسين و الله أعلم.
(3) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبدالله ص ( 23) .
(4) المستحم : الموضع الذي يغتسل فيه.
(5) رواه الإمام أحمد (20046) ، (20040) و أبو داود (27) و الترمذي (21) والنسائي (36) وابن ماجه (304) . بإسناد صحيح .
وقد أعل الحديث
أولاً : بأشعث بن عبد الله من وجوه . 1 : ضعفه حيث قال فيه العقيلي في حديثه وهم . و تعقبه الذهبي بقوله : قلت قول العقيلي في حديثه وهم ليس بمسلَم إليه و أنا أتعجب كيف لم يخرج له البخاري و مسلم . وقد وثقه إضافة للذهبي ابن معين والنسائي وغيرهما
2 : الاختلاف في اسمه فتارة يقال ابن عبد الله وتارة ابن جابر وتارة الأعمى وتارة الحُدَّاني وتارة الحُملي وغير ذلك .انظر : علل الترمذي (1/104) وسننه (1/33) و سنن البيهقي (1/98) . ويجاب أنه لاتعارض بين ذلك كله فأشعث بن جابر الحداني البصري وهو أشعث بن عبد الله البصري وهو أشعث بن عبد الله بن جابر وهو أشعث الأعمى وهو أشعث الأزدي لأنَّ حدان من قبائل الأزد وهو أشعث الحملي فتارة ينسب إلى أبيه وتارة إلى جده وتارة إلى لقبه وتارة إلى قبيلته وتارة إلى غير ذلك . انظر تهذيب الكمال (519) و شرح سنن ابن ماجه للحافظ معلطاي (1/85) والإمام في معرفة أحاديث الأحكام (2/463)
3 : أن أشعث لم يسمع الحديث من الحسن . انظر: الأحكام الوسطى (1/127) . والصواب أنَّ الذي لم يسمعه من الحسن البصري هو الحسن بن ذكوان ــ وليس له ذكر في هذه الرواية ــ وليس أشعث بن عبد الله . انظر الضعفاء الكبير (1/29) و بيان الوهم والإيهام (2/572ــ573) وشرح سنن ابن ماجه للحافظ مغلطاي (1/86) . وشرح السيوطي لسنن النسائي (1/34)
4 : أنَّه لم يروه عن الحسن إلا أشعث . انظر سنن الترمذي (1/33) وعلله (1/104) و الأوسط لابن المنذر (1/332) . قال الحافظ ابن حجر : فتح الباري (8/588)
وتعقب بأنَّ الطبري أخرجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن أيضا وهذا التعقب وارد على الإطلاق وإلا فاسماعيل ضعيف . أهـ وأشعث ثقة كما تقدم . وانظر الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (2/464)
5 : رفعه أشعث ووقفه غيره . انظر الضعفاء الكبير (1/27) . و الأوسط لابن المنذر (1/332) . و الأحكام الوسطى (1/127) .ويجاب عن ذلك أنَّه لاتعارض بين الرفع والوقف لذلك صحح المرفوع من سيأتي ذكرهم . وانظر شرح الحافظ مغلطاي لسنن ابن ماجه (1/85) .والموقوف رواه ابن أبي شيبة (1/112) و البيهقي (1/98) . و إسناده صحيح .
ثانياً : أعله الألباني في تمام المنة ص : 62 ومشكاة المصابيح (353) بعنعنة الحسن البصري وقد صحح الشيخ أول الحديث لشاهده كما سيأتي . ولم أقف على أحد أعله بهذه العلة من المتقدمين . و قد أثبت الإمام أحمد سماع الحسن من عبد الله بن مغفل . والحسن ممن احتمل الأئمة تدليسه فقد عده ابن حجر في المرتبة الثانية . انظر المراسيل لابن أبي حاتم ص : 45 و تعريف أهل التقديس (40) .
والحديث صححه ابن السكن . انظر تحفة المحتاج (1/164) وابن حبان (1255) والحاكم وقال على شرطهما. (1/85) . وقوله على شرطهما فيه نظر أشعث بن عبد الله أخرج له البخاري فقط تعليقاً . وصحح إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (255) والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ـ بهامش إحياء علوم الدين ـ (1/131) . وحسنه النووي في الخلاصة . (342) . وحسن إسناده القاضي أبو زكريا الأنصاري في أسنى المطالب (1/47) . وصححه الحافظ مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (1/84) . والسيوطي في الجامع الصغير (9535) . وصحح الألباني أول الحديث في صحيح أبي داود (22) .
ويشهد لأوله مارواه حميد بن عبد الرحمن قال لقيت رجلا صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صحبه أبو هريرة - رضي الله عنه - أربع سنين قال نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتمشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله أو تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعاً " رواه أحمد (22622) و أبو داود (81) والنسائي (238) . إسناده صحيح
أخرجه البيهقي في سننه (1/190) وقال : هذا الحديث رواته ثقات إلا أنَّ حميداً لم يسم الصحابي الذي حدثه فهو بمعنى المرسل إلا أنَّه مرسل جيد لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله وداود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى . وقال في معرفة السنن والآثار (1/278) فإنَّه منقطع وداود بن عبد الله ينفرد به ولم يحتج به صاحبا الصحيح . والآحاديث التي ذكرناها في الرخصة أصح . فالمصير إليها أولى .
ويجاب عن ذلك :
أولاً : هذا ليس بمرسل بل متصل فلا تضر الجهالة باسم الصحابي فالصحابة - رضي الله عنهم - كلهم عدول فلا يوافق على دعوى انقطاعه .
ثانياً : أما أنَّه يخالف الأحاديث الأخرى التي فيها مشروعية تطهر الرجل بفضل المرأة . فيمكن الجمع بينه وبينها فيحمل النهي على كراهة التنزيه والأحاديث الأخرى تدل على الجواز فإذا أمكن الجمع تعين وهو ممكن هنا .
ثالثاً : كون داود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان فهذا لايقدح في عدالته ولا يمنع من الاحتجلج به فهما لم يلتزما الإخراج عن كل ثقة فكم من ثقة لم يخرجا له وقد وثقه البيهقي نفسه رحمه الله بقوله رواته ثقات وكذلك الإمام أحمد وابن معين والنسائي . انظر : الجرح والتعديل (3/416) و الإمام بمعرفة أحاديث الأحكام (1/155ــ157) و تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/217) والجوهر النقي بهامش سنن البيهقي (1/190ــ192) وفتح الباري (1/300) .
رابعاً : ضعفه ابن حزم بداود وقد تعقبه ابن القطان ومن قبله ابن مفوز وداود هو ابن عبد الله الأودي كما جاء في رواية أحمد وأبي داود وهو ثقة كما تقدم وليس ابن يزيد الضعيف . انظر : فتح الباري (1/300)
خامساً : قال الذهبي تنقيح التحقيق (1/16): منكر وزهير هو ابن محمد فيه شيء وقيل : بل زهير هو ابن معاوية الجعفي أحد الثقات الأثبات . و نحوه في الأوسط لابن المنذر(1/332) .
قلت الراوي هوزهير بن معاوية الجعفي وروايته عند أحمد (16563) و أبي داود (28) وقد نص الذهبي نفسه رحمه الله على أنَّه ابن معاوية في تلخيص المستدرك (1/168) . وقد تابعه أبو عوانة وضاح بن عبد الله عند أحمد (22622) و أبي داود (81) والنسائي (238). وقال عنه الحافظ ثقة ثبت . التقريب (7404).
والحديث صححه الحميدي وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/226) وحسنه النووي في الخلاصة (341) . وصحح إسناده الحافظ مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (1/86) . والعراقي في طرح التثريب (2/40) . والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (9) وقال في فتح الباري (1/300) : رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله حجة قوية . وصحح إسناده القاضي أبو يحيى زكريا الأنصاري في أسنى المطالب (1/47) و صححه أحمد شاكر في تعليقه على المحلى (1/213) . والألباني في صحيح أبي داود (23).(1/18)
الوسوسة في النية :
النية :هي القصد والعزم على فعل الشيء، ومحلها القلب، لا تعلق لها باللسان أصلاً، ولذلك لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم - في النية لفظ؛ فلم يكونوا يقولون عند افتتاح الطهارة نويت رفع الحدث أو استباحة الصلاة،وكذلك لم ينقل عنهم مثل ذلك في الصلاة وسائر العبادات .(1/19)
وإنَّما النية قصد فعل الشيء، فكل عازم على فعل فهو ناوٍ له، لا يتصور انفكاك ذلك عن النية لأنَّه حقيقتها فلا يتصور عدمها في حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة، ولا يكاد عاقل يفعل شيئاً من عباداته ولا غيرها بغير نية؛ فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل؛ ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نية لعجز عن ذلك، ولو كلفه الله ـ عزَّ وجلَّ ـ الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيقه ولا يدخل تحت وسعه، وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله فمن قام ليصلي صلاة الظهر مثلاً خلف الإمام فكيف يشك في ذلك ولو دعاه داعٍ إلى شغل في تلك الحال لقال إنَّي مشغول أريد صلاة الظهر، ولو قال له قائل في وقت خروجه إلى الصلاة: أين تمضي ؟ لقال : أريد أن أصلي صلاة الظهرمع الإمام، فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقيناً؛ بل أعجب من هذا أنَّ غيره يعلم نيته بقرائن أحواله فإنَّه إذا رأى إنساناً جالساً في الصف في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنَّه منتظر للصلاة، وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنَّه قام ليصلي، فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنَّه يريد إمامتهم، فإن رآه في الصف علم أنَّه يريد الائتمام بذلك الإمام، ومن رأى إنساناً في مكان الوضوء عند حضور الصلاة غلب على ظنَّه أنَّه يريد الوضوء فإن رآه قد شمَّر أكمامه، وفتح صنبور الماء، وشرع في غسل يديه علم إرادته الوضوء ونيته إياه؛ فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال فكيف يجهلها هو من نفسه مع اطلاعه على باطنه وظاهره؟ هذا من المحال وقبوله من الشيطان. ثم إنَّ النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها، والموجود لا يمكن إيجاده؛ لأنَّ من شرط إيجاد الشيء كونه معدوماً.(1/20)
فإن إيجاد الموجود محال وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شيء في أول الصلاة استحضاراً للنية، ومن العجب أنَّه يتوسوس حال قيامه حتى يركع الإمام فإذا خشي فوات الركوع كبر سريعاً وأدركه، فمن لم تحصل له النية في القيام الطويل حال فراغ باله كيف حصلت في الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة . (1)
الوسوسة في طهارة الماء :
ومن وسوسة الشيطان النظر في طهارة الماء والتشكيك في ذلك، مع أنَّ الأصل فيه الطهارة فيتمسك بهذا الأصل حتى يتيقن زواله (2) .
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قيل يا رسول الله : أنتوضأ من بئر بُضَاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الماء َطهُور لا ينجسه شيء ) (3)
__________
(1) انظر ذم الوسواس ص:(56 ـ 59) ومجموع الفتاوى (16/341 ـ 343) و إغاثة اللهفان (1/136ــ 138) وزاد المعاد (1/196) و مصائب الإنسان من مكائد الشيطان ص ( 113 ـ 114 ).
(2) انظر تلبيس إبليس ص : ( 166) .
(3) رواه الإمام أحمد (10864) وأبو داود (66) والترمذي (66) ـ وحسنه ـ والنسائي (326 ) .
وفي إسناده عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج ذكره ابن حبان في ثقاته . (2/300) وقال الحافظ: مستور. لكن تصحيح الأئمة لهذا الحديث توثيق منهم له، انظر البدر المنير (1/60) . وتحفة الأحوذي. (1/205) . وللحديث شواهد عن سهل بن سعد وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - فيتقوى بها . و الحديث صححه الإمام أحمد ويحيى بن معين انظر : البدر المنير (2/51 ــ61 ) وابن حزم في الإحكام (7/339) وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/31،37،41) وابن القيم في تهذيب السنن (1/67) والنووي في المجموع (1/82) وابن الملقن في البدر المنير (2/51 ) والعراقي . انظر . فيض القدير(6/248) والبغوي في شرح السنة (2/61) والسيوطي في الجامع الصغير (2095) والألبانيفي إرواء الغليل (14).(1/21)
الزيادة على ثلاث غسلات في الوضوء :
أكثر ما شرع لنا - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء ثلاث غسلات . والمراد بالغسلة تعميم العضو بالماء .
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال :جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء " فأراه ثلاثاً ثلاثاً قال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم" (1)
وعن أبي نعامة قيس بن عَبَاية أنَّ عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - سمع ابنه يقول: اللهم إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني! سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإنِّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنِّه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُّهور والدعاء (2).
__________
(1) رواه أحمد (6646) و أبو داود (135) والنسائي (140) و ابن ماجه (422) إسناده حسن .
في إسناده يعلى بن عبيد بن أبي أمية ثقة، و في حديثه عن الثوري لين وهذا منها . لكن توبع في رواية أبي داود وقد صحح الحديث ابن خزيمة (174) والنووي في المجموع (1/438) والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير . (82) وابن الملقن في البدر المنير . (3/334) و الشوكاني في نيل الأوطار .(1/168) والألباني في صحيح ابن ماجه . (3339) .
تنبيه : في رواية أبي داود( ... فمن زاد على هذا أو نقص ... ) وقوله أو نقص من رواية أبي عوانة وهو ثبت إذا حدث من كتابه وإذا حدث من غير كتابه، ربما وهم كما قال الإمام أحمد و أبو حاتم . فلعلها من أوهامه . والله أعلم .
(2) رواه أحمد (16359) و أبو داود (96) وابن ماجه (3864) بإسناد صحيح.
في إسناده سعيد بن إياس الجُرَيْري ثقة اختلط قبل وفاته، وممن سمع منه قبل الاختلاط حماد بن سلمة كما في هذا الحديث . وقد حسن إسناد الحديث ابن كثير في تفسيره (2/222) وصححه ابن حبان (6764) والحاكم (1/540) والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (195) والألباني في صحيح أبي داود (87) .(1/22)
و الاعتداء في الطهور يكون بالزيادة على الثلاث والمبالغة في الغسل إلى حد الوساوس. والحديث يتناول الغسل والوضوء وإزالة النجاسة . (1)
وقد ُرتِب على الوضوء الشرعي تكفيرُ الخطايا فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء،فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب ) (2)
وفتح أبواب الجنة فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً يحدث الناس فأدركت من قوله : ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ) قال: فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائلٌ بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر - رضي الله عنه - قال: إنِّي قد رأيتك جئت آنفاً " قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول أشهد أنَّ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، إلا فتحت له أبوابُ الجنة الثمانيةُ يدخل من أيها شاء " (3) .
__________
(1) عون المعبود (1/170) .
(2) رواه مسلم (244) .
(3) رواه مسلم (234) .(1/23)
قال ابن قدامة : وتسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزائد على ثلاث مسيئاً ظالماً يلزم منه ألا يكون ممن أحسن وضوءه؛ فلا يدخل فيمن له ثواب مَنْ أحسن، وهو خليق ألا ينال بركة الوضوء وفضيلته؛ لغلوه في الدين، ومخالفة سنة سيد المرسلين، وكونه من جملة المعتدين. فإنَّ عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ... وقد قال الله تعالى: ¼ UfûMX ... JًW/@ ... ‚Wپ JٌˆY™STے fغTےYںTWچT`إSظ<ض@ ... (190) " [البقرة:190] فأي مصيبة أعظم من أن يصير الإنسان إلى حال لايحبه الله تعالى، ويكون مسيئاً متعدياً ظالماً بالفعل الذي صار به غيره مطيعاً مرضياً عنه، محطوطة خطاياه تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء (1).
وقال ابن القيم : فالموسوس مسيءٌ متعدٍ ظالمٌ بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به، متعد فيه لحدوده؟ (2)
وقال : فإذا قرنت هذا الحديث ـ يعني حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - ـ بقوله تعالى : ¼ UfûMX ... JًW/@ ... ‚Wپ JٌˆY™STے fغTےYںTWچT`إSظ<ض@ ... (190) " وعلمت أنَّ الله يحب عبادته، أنتج لك من هذا أنَّ وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله تعالى، وإن أسقطت الفرض عنه فلا تفتح أبوابُ الجنة الثمانيةُ لوضوئه يدخل من أيها شاء .(3)
ويقابل هذه الطائفة طائفة فرطت، ولم تأتِ بأقل المشروع، فاستحقت الوعيد؛ فعن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المِطْهَرة. قال أسبغوا الوضوء فإنَّ أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - قال:( ويل للأعقاب من النار)(4) .
__________
(1) ذم الموسوسين ص ( 75 ـ 76 ) .
(2) إغاثة اللهفان (1/127) .
(3) إغاثة اللهفان (1/142) .
(4) رواه البخاري (165) ومسلم (242).(1/24)
وهديه - صلى الله عليه وسلم - وسط بين الغالي، الذي تجاوز المشروع، والمفرط الذي لم يتوضأ كما أمره الله . فقد كان يتوضأ - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً ثلاثاً (1)، ومرتين مرتين(2)، ومرة مرة (3)، ويخالف أحياناً بين الأعضاء؛ فيتمضمض ويستنثر ويغسل وجهه ثلاثاً ثلاثاً، ويديه مرتين مرتين، ورجليه مرة مرة (4). وقد أجمع العلماء على أنَّ الواجب في الوضوء مرة واحدة و أنَّ من توضأ مرة فوضوؤه صحيح .(5)
__________
(1) كما في حديث عثمان - رضي الله عنه - رواه البخاري (159) و مسلم (226).
(2) كما في حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - رواه البخاري (158).
(3) كما في حديث ابن عباس { رواه البخاري (157).
(4) كما في حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - رواه البخاري (185) و مسلم (235).
(5) ممن نقل الإجماع ابن المنذر في الأوسط (1/407)، وابن عبد البر في التمهيد (20/117)، وابن حزم في مراتب الإجماع ص : (19) وابن رشد في بداية المجتهد (1/13)، و النووي في شرح مسلم (3/133)؛ والحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/234) .(1/25)
ماء الوضوء والغسل
قال إبراهيم التيمي : " أول ما يبدأ الوسواس من الوضوء " (1) . فلا يزال الشيطان بالعبدبصب الماء والعرك، و إعادة غسل الأعضاء، حتى تفوته الجماعة، وربما خرج الوقت وهو على هذا الحال، ويخرج إلى الناس وقد بلل ملابسه بالماء، ولا يزال الشيطان يستدرجه حتى يصل به إلى حال كحال المجانين. قال ابن حجر الهيتمي: « الشخص منهم ـ كما شاهدناه من غير واحد منهم ـ يجعل يده أو بدنه داخل الماء، ولا يزال يغمسها المرات الكثيرة التي تزيد على المئة حتى يُتَيقن ارتفاعُ حدثها، بل قد يفعل ذلك وأكثر منه ولا يَتَيقن رفعَ حدث، كما حكى لي بعض الثقات أنَّ موسوسينِ أجنبا، فخرجا إلى بحر النيل ليغتسلا فيه، فوصلا إليه بعد الفجر، فقال أحدهما للآخر: انزل انغمس في الماء، وأنا أعد لك، وأخبرك هل عم الماء رأسك أو لا ،فنزل واستمر ينغمس وذلك يقول له بقي عليك شيء يسير من رأسك لم يعمه الماء فلا زال كذلك إلى قرب الظهر فتعب وطلع من الماء ولم يتيقن رفعَ جنابته، ثم قال للآخر انزل وأنا أعد لك فنزل وفعل كما فعل الأول وهو يقول له كما قال له، واستمر إلى قرب الغروب ولم يتيقن أيضا رفع جنابته فطلع ورجعا شاكيِّن في بقاء جنابتهما وتركا صلاة ذلك اليوم . (2)
وهديه - صلى الله عليه وسلم - في ماء الوضوء والغسل الاقتصاد، وعدم الإسراف فقد كان يتوضأ - صلى الله عليه وسلم - بالمد تارة، وربما نقص عن ذلك فتوضأ بثلثيه، وكان يغتسل بالصاع تارة، وربما زاد مداً فتوضأ بخمسة أمداد . وليس هذا على سبيل التحديد فالناس يختلفون في أجسامهم وحجم أعضائهم فلو أسبغ بدون ذلك جاز.
فعن أنس - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - « يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» (3)
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة (1/66ـ67) . بإسناد صحيح .
(2) الفتاوى الكبرى الفقهية (1/313) .
(3) رواه البخاري (201) و مسلم (325) .(2/1)
وعن أم عمارة <: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فَأُتِي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد " (1)
__________
(1) رواه أبو داود (94) والنسائي (74) حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حبيب الأنصاري قال سمعت عباد بن تميم عن أم عمارة <. و إسناده صحيح .
وقد حسن إسناده النووي في خلاصة الأحكام (215) والعراقي في طرح التثريب (2/90) و الصنعاني في سبل السلام . (1/101) . لكنْ خالف محمدَ بن جعفر أبو داود الطيالسي (1099) و يحيى بن سعيد القطان عند ابن حبان (1082) . و يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عند ابن خزيمة (118) وابن حبان .(1083) و الحاكم (1/161ـ162). ومعاذ بن معاذ البصري عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/32) وأبو خالد الأحمر عند البيهقي .(1/196) . عن شعبة به عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - ـ وِذكْرُ ثلثي مد عند الحاكم ـ .فرجح أبو زرعة رواية محمد بن جعفر. انظر : علل ابن أبي حاتم (39). ومحمد بن جعفر أثبت الناس في شعبة والمرجع إليه عند الاختلاف كما قال ابن المبارك . لكن الأربعة المتقدمون أئمة حفاظ، ووافقهم أبو خالد الأحمر فالظاهر أنَّهم حفظوا الحديث، فيكون الحديث عن أم عمارة <وعبد الله بن زيد - رضي الله عنه - فحدث به شعبةُ محمدَ بن جعفر عن أم عمارة < وحدث به الباقون عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - والله أعلم . وقد ذهب إلى ذلك الألباني في إرواء الغليل (142) . وقد صحح حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - ابن خزيمة وابن حبان والحاكم . وصححه أيضاً الألباني كماتقدم .(2/2)
والموسوس يرى أنَّه إذا توضأ وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو اغتسل كاغتساله؛ يرى أنَّه لم يطهر ولم يرتفع حدثه، ولا شك أنَّ هذا من مكر الشيطان وكيده . وقد اتبع هديه سلف هذه الأمة من أصحابه - رضي الله عنهم - ومن بعدهم، فقد سئل جابر بن عبد الله {? عن الغسل فقال: يكفيك صاع، فقال رجل ما يكفيني، فقال جابر - رضي الله عنه - : كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك " (1).
وفي رواية (2) « عن أبي جعفر قال: تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله {? فقال جابر - رضي الله عنه - يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء. قلنا:ما يكفي صاع ولا صاعان. قال جابر - رضي الله عنه - : قد كان يكفي من كان خيراً منكم، وأكثر شعراً » . وعن خالد بن دينار قال: رأيت سالماً « بن عبد الله بن عمر {? » يتوضأ وضوءاً خفيفاً (3). وقال عبد الله بن الإمام أحمد : قلت لأبي : إنّي أكثر الوضوء. فنهاني عن ذلك وقال : يا بني يقال : إنَّ للوضوء شيطاناً يقال له الوَلَهان، وقال في ذلك في غير مرة نهاني عن كثرة صب الماء وقال لي: أقلل من هذا يا بني .(4) فهذه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والأئمة من بعده؛ فما في العدول عنهم فضل و لا لذي دين عنهم رغبة؛ فإنَّهم كانوا على الصراط المستقيم فمن أراد النجاة فليتبعهم يسعد، و لا يفارق طريقهم يبعد (5).
التحرز من مباشرة الصبيان :
بحجة أنَّهم يباشرون النجاسة وإتخاذ أم الصبيان ملابس خاصة للصلاة وعدم الصلاة على الأرض والفرش وإتخاذ سجادة خاصة للصلاة لأنَّهم ربما نجسوا الأرض والفرش .
__________
(1) رواه البخاري (252) و مسلم (329) .
(2) النسائي (230).
(3) رواه ابن أبي شيبة (1/66) . بإسناد حسن .
(4) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص : (30).
(5) ذم الموسوسين ص: (71 ).(2/3)
والأصل أنَّ ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها فيرجح الأصل وهو الطهارة على الغالب فتجوزالصلاة في ثيابهم وحملهم في الصلاة والأكل معهم من المائع إذا غمسوا أيديهم فيه فعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب < بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها " (1)
قال ابن القيم وهو دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية والمرضع والحائض والصبي ما لم يتحقق نجاستها (2) وكذلك الأرض والفرش الأصل فيها الطهارة فيتمسك بهذا الأصل ويرجح وإن كان الغالب أنَّ الصبيان يبولون على الأرض والفرش حتى يتيقن تنجسها .
فمنْ لايصلي إلا على سجادة، ويتحرز من الصلاة في أماكن لم ينه الشارع عن الصلاة فيها، ففعله هذا خلاف فعله - صلى الله عليه وسلم - حيث يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم (3) .
وخلاف أمره - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل حيث كان ) (4).
قاعدة اليقين لايزول بالشك
معنى القاعدة :
أنَّ الإنسان متى تحقق شيئاً، ثم شك: هل زال ذلك الشيء المتحقق أم لا ؟ الأصل بقاء المتحقق فيبقى الأمر على ما كان متحققاً . (5)
دليل القاعدة :
__________
(1) رواه البخاري (516) ومسلم (543) .
(2) إغاثة اللهفان (1/152) . وانظر : إكمال المعلم (2/476) والمفهم (2/153) وشرح النووي على صحيح مسلم (4/89) (5/43ـ44) وتحفة المودود ص : 134 . والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/151) .
(3) رواه البخاري (428) و مسلم (524) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - .
(4) رواه البخاري (335) و مسلم (521) عن جابر بن عبد الله { .
(5) انظر : شرح الكوكب المنير (4/439ــ440) والأشباه والنظائر للسبكي (1/13) .(2/4)
قال تعالى : ? ????? ??????????? ?????????????? ??????? ?????????? ?????? ?????????? ??? ????????? ???? ????????? ???????????? ?????? ?????? ???????? ?????? ?????????????? ???? ? [يونس:36]
قال ابن جرير الطبري : إنَّ الشك لا يغني من اليقين شيئاً، ولا يقوم في شيء مقامه، ولا ينتفع به، حيث يحتاج إلى اليقين (1). وعن عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه - قال: شُكِي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرَّجلُ يجد في الصلاة شيئا أيقطع الصلاة؟ قال : ( لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) (2)
ومعناه أن يعلم وجود أحدهما،فلو لم يسمع صوتاً لآفة في السمع أو لأنَّ الريح ليس لها صوت . أو لم يشم ريحاً لآفة في حاسة الشم أو لأنَّ الريح ليس لها رائحة وتيقن خروج الريح انتقضت طهارته فلا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين (3) . وهذا الحديث أصل من أصول الاسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أنَّ الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارىء عليها .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه: أَخَرَج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)(4)
تطبيقات القاعدة :
__________
(1) جامع البيان (11|82) .
(2) رواه البخاري (2056) ومسلم (361) .
(3) انظر : شرح مسلم للنووي (4/66) وعمدة القاري (2/231) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/663) .
(4) رواه مسلم (362) .(2/5)
هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه؛ فيندرج في هذه القاعدة عدة قواعد منها قاعدة « الأصل بقاء ما كان على ما كان » فمن فروع هذه القاعدة إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء أو ثوب أو أرض أو بدن وشك في زوالها فإنَّه يبني على الأصل إلى أن يتيقن زواله ولو أصابه ماء أو وطىء رطوبة لا يدري عنها بنى على الأصل وهو الطهارة، ولو اشترى ثوباَ وشك هل هو طاهر أم نجس بنى على الأصل وهو الطهارة، و من تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث. ومن شك هل دخل وقت الصلاة أم لا؟ لا يصلي حتى يعلم دخول الوقت لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت ومن شك هل صلى أم لم يصلِ؟ بنى على الأصل أنَّه لم يصل. ومن أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه؛ لأنَّ الأصل بقاء الليل. ومن أكل آخر النهار وشك في الغروب بطل صومه؛ لأنَّ الأصل بقاء النهار. ومن كان عليه حق لله ـ عز وجل ـ من صلاة أو زكاة أو كفارة أو صيام وشك هل أتى به أو لا؟ لزمه الإتيان به. وإذا شك: هل طلق أو لا بنى على الأصل وهو عدم الطلاق. ومن شك هل طلق واحدة أو أكثر بنى على اليقين وهي الواحدة وهكذا (1).
الشك في أثناء العبادة :
__________
(1) انظر بدائع الفوائد (3/272ـ274) و المنثور في القواعد (2/241) وقواعد ابن رجب (3/167ـ168) و الاشباه والنظائر للسيوطي ص : ( 51ـ52 ) و الأشباه والنظائر لابن نجيم ص : (59ـ61 ) و شرح الكوكب المنير (4/441ـ442) والقواعد والأصول الجامعة ص : (44ـ45) .(2/6)
إذا شك في أثناء العبادة ولم يترجح عنده شيء بنى على اليقين فمن شك مثلاً وهو يتوضأ هل مسح رأسه أو لم يمسحه أوشك وهو يغتسل هل عمم جسمه بالماء أو لم يعممه أوشك وهو يصلي هل قرأ الفاتحة أو لم يقرأها أو شك في الطواف هل طاف سبعاً أو ستاً أو شك وهو يرمي الجمار هل رمى ستاً أو سبعاً أو أنَّ الحجر لم يقع في المرمى وكذلك سائر العبادات. فيعمل بقاعدة اليقين لا يزول بالشك فيطرح الشك ويبني على اليقين وهو الأقل وعدم الاعتداد بما شك فيه . فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أنْ يسلم؛ فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإنْ كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان ) (1)
وإذا غلب على ظنَّه شيء أثناء العبادة عمل بما ترجح له وتأتي الإشارة إليه في سجود السهو .
الشك بعد الفراغ من العبادة :
تقدم أنَّه إذا شك في أثناء العبادة بنى على اليقين؛ أمَّا إذا فرغ من العبادة ثم عرض له شك بعد ذلك فلا يلتفت إليه.مادام شكاً .فمن شك بعد فراغه من الوضوء هل مسح رأسه أو لم يمسحه أو شك بعد فراغه من الغسل هل عمم جسمه بالماء أو لم يعممه أوشك بعد الصلاة هل قرأ الفاتحة أو لم يقرأها أو شك بعد الطواف هل طاف سبعاً أو ستاً أو شك بعد رمي الجمار هل رمى ستاً أو سبعاً أو أنَّ الحجر لم يقع في المرمى وكذلك سائر العبادات.فلا يلتفت لهذا الشك . ففي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) فالوضوء تم ثم طرأ عليه الشك فلم يعتبره - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) رواه مسلم (571) .(2/7)
ولأنَّ الظاهر أنَّ أفعال المكلفين للعبادات تقع على وجه الكمال، فرُجِّح هذا الظاهرُ على الأصل. وترك هذا فيما إذا شك في أثناء العبادة؛ للأحاديث الدالة على الأخذ باليقين فيها.
ولأنَّه يؤدي إلى المشقة فإنَّ المصَلّي ـ مثلاً ـ لو كلف أنْ يكون ذاكراً لما صلى، لتعذر عليه ذلك، ولم يطقه أحد فسومح فيه (1).
كثرة الشكوك :
إذا كانت الشكوك كثيرة تعتري العبد في كل عبادة؛ فإذا توضأ شك في وضوئه، و إذا صلى شك في صلاته، وهكذا في سائر أفعاله؛ فهذا الشك لا يؤثر ولا يلتفت إليه؛ لأنَّه لو كُلف العبدُ باعتبار هذه الشكوك لوقع العبد في الحرج . والحرج منفي في هذه الشريعة لقوله تعالى: ? ????? ?????? ?????????? ? ????????? ???? ??????? ? [الحج:78] وهي من الشيطان ووسوسته، ودواؤها الأعراض عنها .
وقد قال الإمام مالك فيمن شك في بعض وضوئه يعرض له هذا كثيراً ـ قال ـ : « يمضي ولا شيء عليه وهو بمنزلة الصلاة »(2) .
الوسوسة في الصلاة :
__________
(1) انظر : المغني (3/392) ومجموع الفتاوى (23/15) و المجموع (8/22) وبدائع الفوائد (3/273) والمنثور في القواعد (2/26ـ 28) و قواعد ابن رجب (3/168) وطرح التثريب (3/18) و الاعتناء في الفروق والاستثناء (1/187) وقواعد الحِصْني (1/281ـ 286) والأشباه والنظائر للسيوطي ص: 67 . وكشاف القناع (1/407) ، (2/483) ومجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (11/254 ، 258 ، 262) و مجموع رسائل وفتاوى الشيخ محمد العثيمين (4/209) وقواعد الفقه وأصوله مع شرحها للشيخ محمد العثيمين ص : 18 مكتوبة باليد . وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية الإفتاء (7/143)
(2) المدونة الكبرى (1/13) وانظر بدائع الصنائع (1/33) و الشرح الكبير ـ بهامش حاشية الدسوقي ـ (2/33) و القواعد للمقرئ (1/287) و مواهب الجليل (2/293ـ294) و الفواكه الدواني (1/346ـ348) و مجموع رسائل وفتاوى الشيخ محمد العثيمين (4/209) .(2/8)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضُرَاط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل يَخْطِر(1) بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يَظَل الرجل إنْ يدري كم صلى؟ فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس ) (2)
إذا قام العبد في الصلاة هجم الشيطان عليه بالوسوسة، فيذكره في الصلاة مالم يذكر قبل دخوله فيها؛ حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة، وأيس منها؛ فيذكره إياها في الصلاة؛ ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فيقوم فيها بلا قلب فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه ـ عزَّ وجلَّ ـ الحاضر بقلبه في صلاته فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله، لم تخف عنه بالصلاة فإنَّ الصلاة إنَّما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها.
وقد أجمع السلف أنَّه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، وحضره بقلبه (3). فغرض الشيطان من هذه الوسوسة تفويت الأجر كله أو بعضه؛ فعن عمار بن ياسر {? قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إنَّ الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشْرُ صَلاتِهِ تُسْعُها ثُمْنُها سُبْعُها سُدْسُها خُمْسُها رُبْعُها ثلُثُها نِصْفُها " (4).
__________
(1) التثويب : الإقامة ، يَخْطِر : يوسوس.
(2) رواه البخاري (1231) و مسلم (389).
(3) انظر الوابل الصيب ص: ( 36 ـ37 ) و بدائع الفوائد (2/196) ومدارج السالكين (1/126).
(4) رواه أحمد (18415) ، أبو داود (796)، والنسائي في الكبرى (612) . بإسناد حسن ــ إن شاء الله ــ
فيه عبد الله بن عَنَمَة ذكر ابن منده أن له صحبة . وذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وقد تابعه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . أحمد (18400) . وفيه أيضاً عمر بن الحكم بن ثوبان وثقه ابن سعد و العجلي . ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ ابن حجر : صدوق . وتابعه عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عند أحمد (18400) .والحديث صححه ابن حبان (1889) . وابن السكن . انظر : تحفة المحتاج . (317) . وصحح إسناده النووي في المجموع (3/521) . والعراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار ـ بهامش الاحياء (1/172) . وجود إسناده ابن مفلح في الفروع (1/493) . وصححه السيوطي في الجامع الصغير (1978) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (714) .(2/9)
علاج هذا النوع من الوسوسة:
1_ الانتهاء : إذا كان الأجر على قدر حضور القلب فليجتهد المصلي في دفع هذه الوساوس، وعدم الانشغال فيما لا يعنيه، بل يعود عليه بالضرر. وقد تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ولينته" وخير معين على ذلك تدبر ما يقوله و يسمعه من أذكار و قراءة، و يستحضر أنَّه مناج ربَه عزَّ و جلًّ .
2_ الاستعاذة بالله من الشيطان والنفث عن يساره :
عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أنَّه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله! إنَّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسها علي (1)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ذاك شيطان يقال له خِنْزَِب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً )، قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عنِّي (2).
في هذا الحديث أنه إذا كثرت الوساوس في الصلاة استحب التعوذ من الشيطان مع النفث عن اليسار ثلاثاً، ولو كان في المسجد .(3)
3 ـ سجود السهو :
الشك في أثناء الصلاة :
إذا كان الشك يعرض كثيراً فلا يلتفت إليه كما تقدم وإن لم يكن كذلك فله حالتان :
__________
(1) حال بيني وبين صلاتي : أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها. ، يلبسها : أي يخلطها ويشككني فيها .
(2) رواه مسلم (2203) .
(3) انظر شرح مسلم للنووي (14/273) و دفع الإلباس عن وهم الوسواس ص : ( 262) . و مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (11/259) و صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني ص : ( 109).(2/10)
الحالة الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين، مثل شخص شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ لكن مال قلبه إلى أحد العددين فيبني صلاته على العدد الذي مال قلبه إليه، ويسجد سجدتي السهو بعد السلام؛ عملاً بحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين " (1).
وبهذا القول قال كثير من السلف والخلف. وهو مذهب الأحناف فيما إذا تكرر السهو، وهو اختيار ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وشيخ الإسلام ابن تيمية، و الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ محمد العثيمين(2). وكذلك في سائر العبادات يعمل بغلبة الظَّن.
__________
(1) رواه البخاري (401) ومسلم (572) .
(2) انظر مصنف عبدالرزاق (2/305ـ309) وصحيح ابن خزيمة ( 2ـ114) والأوسط (2/285ـ287) وصحيح ابن حبان (6/388 ،391ـ392) و بدائع الصنائع (1/165) ومجموع الفتاوى (23/5ـ16) والاختيارات ص: (61)، و البناية في شرح الهداية (2/758ـ760) ومجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز (11/266)، وتمام المنة ص : ( 274) و رسالة في سجود السهو للشيخ محمد العثيمين ـ ضمن رسائل فقهية ـ ص : (33).(2/11)
الحالة الثانية : ألا يترجح عنده أحد الأمرين، ولم يمل قلبه إلى أحد العددين، فينظر إلى ما استيقن أنَّه صلى وهو الأقل. فيعتد به، ويلقي الشك ويسجد سجدتي السهو قبل التسليم؛ عملاً بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أنْ يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً (1)للشيطان ) (2).
إعادة الصلاة بسبب الوسوسة :
لاتشرع إعادة الصلاة مخافة الخلل إذا كان ذلك بسبب الوسوسة. فلم يشرع - صلى الله عليه وسلم - الإعادة بل شرع سجدتي السهو بعد البناء على اليقين أو غلبة الظنِّ كما تقدم .
فدل ذلك على أنَّ الوسوسة في الصلاة غير مبطلة لها، ولو كثرت. فيحمل النهي الوارد عليه في حديث ابن عمر {? قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تصلوا صلاةً في يوم مرتين ) وفي رواية النسائي: ( لا تعاد الصلاة في يوم مرتين ) (3).
__________
(1) مأخوذ من الرغام وهو التراب والمعنى أنَّ الشيطان لبس عليه صلاته وتعرض لإفسادها ونقصها، فجعل الله تعالى للمصلى طريقاً إلى جبر صلاته وتدارك ما لبسه عليه .
(2) رواه مسلم (571).
(3) رواه أحمد (4675) ، (4974) و أبو داود (579) و النسائي (860) . بإسناد صحيح .
الحديث من رواية سليمان بن يسار وعنه عمرو بن شعيب و عنه حسين المعلم و عنه يحيى بن سعيد القطان و غيره . و قد صححه ابن خزيمة (1641) و ابن السكن . انظر التلخيص الحبير (214) و ابن حبان (2396) و ابن حزم في المحلى (4/233) . وصحح إسناده النووي في الخلاصة (2313) و العراقي في طرح التثريب (2/281) . وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (9812) و صححه الشوكاني في السيل الجرار (1/164) . وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4689) . وقال الألباني في صحيح أبي داود (540) : حسن صحيح.(2/12)
قال الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ معنى الحديث أنْ يصلي الإنسان الفريضة ثم يقوم فيصليها ثانية ينوي بها الفرض مرة أخرى، يعتقد ذلك، فأمَّا إذا صلاها مع الإمام على أنَّها سنة تطوع فليس بإعادة للصلاة (1).
فإن كانت الإعادة لخلل محقق؛ إما بترك شرط من شروطها؛ مثل الصلاة بغير طهارة، أو بترك ركن من أركانها، مثل الطمأنينة، أو بترك واجب متعمداً ،مثل التشهد الأول، فالإعادة واجبة ومما يدل على ذلك :
ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام قال: ( ارجع فصل فإنَّك لم تصل ) فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وعليك السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل ) حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك بالحق ما أُحْسِنُ غير هذا علمني. قال: ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " (2).
__________
(1) انظر التمهيد (4/246) وصحيح ابن خزيمة (3/69) . حيث بوب على الحديث باب النهي عن إعادة الصلاة على نية الفرض . والأوسط (2/407) و شرح فتح القدير (1/400) وشرح سنن أبي داود للعيني (3/74) والبحر الرائق (2/67) .
(2) رواه البخاري (793) ومسلم (397) .(2/13)
أو كانت الإعادة لسبب مشروع؛ مثل مَنْ دخل المسجد ووجد الناس يصلون وهو قد صلى قبل ذلك؛ فالإعادة مسنونة. ومما يدل على ذلك ما رواه أبوذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها، قال: قلت: فما تأمرني قال صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنَّها لك نافلة " (1).
ترديد بعض الكلمات أو الحروف :
ومن وساوس الشيطان في الصلاة من التشديد على البعض في النطق في القراءة والأذكار. فتجد الموسوس في كرب وشدة أثناء القراءة والتكبير، فيعيد المرة والثانية وهكذا معتقداً أنَّه لم يأتِ بالمشروع، فشدد الموسوس على نفسه؛ فشدد الله عليه وعرَّض عبادته للفساد أو نقصان الأجر.
قال موفق الدين ابن قدامة : ترديد كلمات من الفاتحة أو التشهد أو التكبير أو تكرير حرف ونحو ذلك ... منه ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة كقوله في التحيات: التحيات أت أت التحي، وفي السلام أس أس السلام ومثل تكرير الحرف في كلمة بحيث يخرجها عن وضعها كقوله في التكبير أكككبر، وفي إياك إياككك، فهذا تكرير لكلمات غير ما في القراءة و إخراج اللفظ عن وضعه من غير ضرورة فالظاهر بطلان الصلاة به ... وما كان من ذلك لايبطل الصلاة فهو مكروه وإخراج للقراءة عن كونها على الوجه المشروع، وعدول عن السنة ورغبة عن طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته .(2)
التشويش على المصلين برفع الصوت :
__________
(1) رواه مسلم (648) .
(2) ذم الموسوسين ص : (63 ـ 64) . وانظر إغاثة اللهفان (1/139) ودفع الالباس عن وهم الوسواس ص : (260 ـ 261).(2/14)
ومن الوساوس في الصلاة رفع الصوت بالذكر والقراءة، بحيث يشوش على من حوله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : « ليس لأحد أن يجهر بالقراءة لا في الصلاة، ولا فى غير الصلاة، إذا كان غيره يصلي في المسجد وهو يؤذيهم بجهره، بل قد خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - على الناس وهم يصلون في رمضان ويجهرون بالقراءة فقال : أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة (1)
__________
(1) رواه أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر والبياضي وجابر وأبو هريرة وعائشة - رضي الله عنهم - .
[ 1 ] : حديث أبي سعيد الخدري رواه أحمد (11486) و أبو داود (1332) و النسائي في الكبرى (8092) . بإسناد صحيح . وقد صححه ابن خزيمة (1162) و ابن عبد البر في التمهيد (23/319) و الحاكم (1/311) والألباني في صحيح أبي داود (1183) وقال ابن جماعة في هداية السالك (3/994) إسناده على شرط الصحيح .
[ 2 ] : حديث عبد الله بن عمر { رواه أحمد (4909) ، (5326) ، (6092) . بإسناد صحيح .
وصححه ابن خزيمة (2237) . قال أبو الحسن الميموني: رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يستحسن حديث صدقة بن يسار أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف وخطب الناس فقال : إنَّ أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنَّما يناجي ربه ... ) انظر : تهذيب الكمال (2857) . و صحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (4928) و السبكي في المنهل العذب المورود (7/262).
[ 3 ] : حديث البَياضِيِّ - رضي الله عنه - رواه مالك (1/80) و أحمد (18543) و النسائي في الكبرى (3364) . بإسناد حسن أو صحيح للخلاف في أبي حازم .
وصححه ابن عبد البر في التمهيد (23/317) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/265) : رجاله رجال الصحيح . ونقل العجلوني في كشف الخفاء . (2/252) تصحيح الحافظ ابن حجر له .
[
4 ] : حديث جابر - رضي الله عنه - رواه الطبراني في الأوسط (2362) وقال : لم يرو هذا الحديث عن سالم أبي النضر إلا محمد بن يعقوب تفرد به عنبسة .
و محمد بن يعقوب بعد أن ذكر له ابن عدي في الكامل (1651) عدة أحاديث هذا منها قال : هذا بعض أحاديثه فيه إنكار وليس حديثه إلا القليل. وقال الذهبي : له مناكير . والظاهر أنَّ هذا الحديث من مناكيره كما ذكر ابن عدي لأنَّ الثقات غيره رووه عن غير جابر - رضي الله عنه - كما تقدم وعنبسة بن عبد الواحد ثقة .
[ 5 ] : حديث أبي هريرة وعائشة { رواه الطبراني في الأوسط (4620) وقال : لم يرو هذا الحديث عن محمد بن عمرو إلا أبو أويس تفرد به ابنه إسماعيل .
وإسماعيل ابن أبي أويس و أبوه صدوقان يخطئان قاله الحافظ في التقريب. ومحمد بن عمرو الليثي قال عنه ابن حبان : يخطيء . وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : صدوق له أوهام. وقد روى الحديث إسماعيل بن أمية عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وقد تقدم . و قال : الهيثمي في مجمع الزوائد (2/266) فيه محمد بن عمرو وفيه كلام من سوء حفظه . وصوب الألباني في الصحيحة (1603) أنَّ الحديث عن أبي سعيد وليس عن أبي هريرة وعائشة - رضي الله عنهم - . فالحديث صحيح عن أبي سعيد وابن عمر والبياضي - رضي الله عنهم - . والله أعلم .(2/15)
(1)
وقال ابن عبد البر: إذا لم يجز للتالي المصلي رفع صوته لئلا يغلط ويخلط على مصل إلى جنبه؛ فالحديث في المسجد مما يخلط على المصلي أولى بذلك وألزم وأمنع وأحرم والله أعلم(2)
الأحلام :
ومن وسوسة الشيطان ما يراه النائم في منامه من الأحلام التي تزعجه و يغتم بها، وربما نكدت عليه صفوحياته وأشغلت ذهنه؛ وهي لاتعدو أنْ تكون من تلاعب الشيطان به ليحزنه بها .
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأنَّ رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أَثَرِه (3)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: ( لا تحدث الناس بتَلَعُّب الشيطان بك في منامك ) (4)
فإذا تحصن العبد بالذكر العام الطارد للشيطان، والذكر الخاص عند النوم؛ عجز الشيطان عن وسوسته وعن تحزينه في منامه بإذن الله . فهذا لدفعه قبل وقوعه فلا يسلط عليه في منامه . أما إذا وقع ورأى ما يكرهه فيشرع له مايأتي :
__________
(1) مجموع الفتاوى (23/64).
(2) التمهيد (23/319). وانظر : إغاثة اللهفان (1/139) و ذم الموسوسين ص: (64) و أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/211).
(3) رأى أنَّه يركض خلف رأسه المقطوع .
(4) رواه مسلم (2268) من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير و قد تابعه أيضاً أبو سفيان طلحة بن نافع .(2/16)
عن أ بي سلمة [ابن عبد الرحمن بن عوف] قال : لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة - رضي الله عنه - يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب (1) وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً (2) ولا يحدث بها أحداً فإنَّها لن تضره (3) ) (4).
وعن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ( إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً؛ وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) (5).
فأمر - صلى الله عليه وسلم - النائم إذا رأى ما يكرهه أن ينفث عن يساره ثلاثاً، وأنْ يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ثلاثاً، وأنْ يتحول إلى جنبه الآخر ولايحدث بها أحداً، فإذا فعل ذلك لم تضره بل هذا يدفع شرها بإذن الله .
وقد ورد الأمر بالصلاة أيضاً :
ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( الرؤيا ثلاثة فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه. فإنْ رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس ) (6).
__________
(1) وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - " إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنَّما هي من الله فليحمد الله عليها ... " رواه البخاري (6985)
(2) حين يستيقظ من نومه .
(3) معناه أنَّ الله تعالى جعل هذه الأشياء المأمور بها سبباً لسلامته من مكروه يترتب على الحلم كما جعل الصدقة وقاية للمال وسبباً لدفع البلاء .
(4) رواه البخاري (7044) و مسلم (2261) .
(5) رواه مسلم (2262) من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير .
(6) رواه البخاري (7017) مدرجاً عن ابن سيرين و مسلم (2263) مرفوعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
الحديث رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه فاختلف عليه فيه فرواه معتمر بن سليمان عن عوف الأعرابي عن ابن سيرين فجعله مدرجاً من كلام ابن سيرين في رواية البخاري (7017) وخالف معتمراً هوذةُ بن خليفة فرفعه في رواية أحمد (8884) و ابن ماجه (3906) . ومعتمر أحفظ من هوذة .ورواه عن ابن سيرين أيوب السختياني فاختلف عليه فيه فرواه عنه حماد بن زيد موقوفاً على أبي هريرة - رضي الله عنه - في رواية مسلم (2263) . ورواه عنه معمر بن راشد . رواه أحمد (7586) ومسلم (2263)و الترمذي (229). وعبد الوهاب الثقفي في رواية مسلم (2263) و أبو داود (5019) و الترمذي (2270) ـ عنده في هذه الرواية فليتفل بدل فليصل ـ فرفعاه للنبي - صلى الله عليه وسلم - .ورواه عنه هشام بن حسان فاختلف عليه به فرواه عنه حماد ابن زيد موقوفاً على أبي هريرة - رضي الله عنه - في رواية مسلم (2263) . ورواه عنه يزيد بن هارون في رواية أحمد (10212) و مخلد بن حسين . الدارمي (2143) . فرفعاه للنبي - صلى الله عليه وسلم - .ورواه عنه قتادة السدوسي في رواية الترمذي (2280) والنسائي في الكبرى (7654). وخالد بن مهران في الفصل للوصل المدرج في النقل (1/167) . ويونس بن عبيد انظر : تغليق التعليق (5/273) و أبو هلال الراسبي ذكره البخاري تعليقاً . انظر الفتح (12/405) فرفعوه كلهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - . ولهذا اختلف الحفاظ في الحديث هل هو مرفوع أم موقوف ؟. فذهب الإمام البخاري . وهو ظاهر اختيار الحافظ ابن حجر في الفتح (12/405،409) و المنذري . في مختصر سنن أبي داود (7/297ــ 298 ) إلى أنَّه مدرج من كلام ابن سيرين كما بينته رواية عوف الأعرابي وظاهر اختيار الإمام مسلم . (3/1773) والترمذي (4/461ـ465ـ469) والخطيب البغدادي في الفصل للوصل المدرج (1/170) إلى أنَّه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله (الرؤيا ..) ورد من حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " إنَّ الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " رواه ابن ماجه (3907) . بإسناد صحيح .
هشام بن عمار تابعه الحكم بن موسى عند ابن حبان (6042) و أبو مسهر الغساني عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار . (2178) . والحديث صححه ابن حبان وصحح البوصيري إسناده في مصباح الزجاجة (1300) . وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (12/407) . وصححه السيوطي في الجامع الصغير (4497) . والألباني في صحيح ابن ماجه . (3155) .(2/17)
الغََيْرَة المذمومة
قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة ) (1).
__________
(1) رواه عقبة بن عامر و أبو هريرة و جابر بن عتيك - رضي الله عنهم - .
[ 1 ] : حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - رواه أحمد (16947) وفي إسناده عبد الله بن زيد بن الأزرق ذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ مقبول . والحديث صححه ابن خزيمة . (2478) . وقال الحاكم . صحيح الإسناد (1/418) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/151): رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن زيد الأزرق وهو ثقة : و صححه السيوطي في الجامع الصغير (5783).
[ 2 ] : حديث أبي هريرة ة - رضي الله عنه - رواه ابن ماجه (1996) . ورجاله ثقات . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1623) .
[ 3 ] : حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه - رواه أحمد (23240)،(23235)، (23238) وأبو داود (2659) والنسائي (2558) . وفي إسناده ابن جابر بن عتيك وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب . لكن صحح إسناده في الإصابة (1030) وصححه أيضاً ابن حبان. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2316) . والحديث برواياته صحيح.قال ابن القيم في الجواب الكافي ص : (116): وقدصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال ثم ذكره .(2/18)
فالله يحب الغيرة، وذلك في الريبة وهي أن يطلع على شيء يريبه فالغيرة المحبوبة هي ما وافقت غيرة الله تعالى، وهي أن تؤتى الفواحش الباطنة ومن لا يغار فهو ديوث. وأشرف الناس وأعلاهم قدراً وهمة، أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغير الخلق علي الأمة والله سبحانه أشد غيرة منه فعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قال سعد بن عبادة - رضي الله عنه - : « لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير ُمصْفِح »(1) فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( أتعجبون من غيرة سعد؟! واللهِ لأنا أغيرُ منه، والله أَغْيَرُ مني. ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب إليه المِدْحَة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة ) (2).
وفي حديث عائشة رضي الله عنها " يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " (3)
والغيرة التي يبغضها الله الغيرة في غير ريبة؛ التي يحمل عليها سوء الظن فهي من وسوسة الشيطان، وهذه الغيرة تفسد المحبة وتوقع العداوة و يؤذي كل واحد منهما الآخر وربما كانت سبباً في الفرقة . (4)
الوسوسة في الطلاق :
__________
(1) أراد أنَّه يضربه بحد السيف لا بعرضه والذي يضرب بالحد يقصد القتل بخلاف الذي يضرب بالصفح فإنَّه يقصد التأديب .
(2) رواه البخاري (7416) و مسلم (1499) .
(3) رواه البخاري (1044) ومسلم (901) .
(4) انظر الاستقامة (2/7ـ 8) و مجموع الفتاوى (15/323) و الجواب الكافي ص : (115ـ 116) . و روضة المحبين ص : (211) . و نيل الأوطار (7/244) .(2/19)
من وساوس الشيطان الوسوسة في الطلاق، والموسوس لا يلزمه طلاق، لأنَّ الوسوسة حديث النفس. ولا مؤاخذة بحديث النفس، و لأنَّ ذلك إنَّما هو من الشيطان فينبغي أنْ يلهى عنه، ولا يلتفت إليه كالوسوسة في الإيمان و الطهارة والصلاة فإنَّه إذا فعل ذلك أيس الشيطان منه، فكان ذلك سبباً لانقطاعه عنه بإذن الله (1).
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إنَّ الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسَها ما لم تعمل أو تتكلم ) (2).
وفي رواية : ( إنَّ الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم ) (3).
قال الحافظ ابن حجر :هذا الحديث حجة في أنَّ الموسوس لا يقع طلاقه . (4) وقد استدل به أهل العلم على عدم صحة طلاق الموسوس. فذكر البخاري الحديث ضمن ترجمة وفيها ما لايجوز من إقرار الموسوس(5). و بَوَّبَ عليه أبو داود بابٌ في الوسوسة بالطلاق(6)، و الترمذي : باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته . ثم ذكر الحديث وقال ـ بعد ذلك ـ : والعمل على هذا عند أهل العلم أنَّ الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به . (7) وبوب عليه النسائي وابن ماجه باب من طلق في نفسه . (8)
وقال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - :لا يجوز طلاق الموسوس (9).
__________
(1) انظر فتح الباري (9/392) والتاج والإكليل ـ بهامش مواهب الجليل ـ (5/379).
(2) رواه البخاري (5269) و مسلم (127) .
(3) البخاري (2528) .
(4) فتح الباري (9/393) .
(5) صحيح البخاري مع فتح الباري (9/390) .
(6) سنن أبي داود (2/264) .
(7) سنن الترمذي (3/489). وانظر المحلى (10/198) .
(8) سنن النسائي (6/156) وسنن ابن ماجه (1/658) .
(9) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم . انظر : صحيح البخاري مع الفتح (9/388) .(2/20)
و روى عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي سليمان أنَّه سمع رجلاً يذكر لسعيد بن جبير ابنة عم له، وأنَّ الشيطان يوسوس إليه بطلاقها؛ فقال له سعيد بن جبير: ليس عليك من ذلك بأس حتى تكلم به أو تشهد عليه (1).
و قال ابن القيم :الموسوس لايقع طلاقه لعدم صحة العقل منه والإرادة (2).
الفرق بين الاحتياط والوسوسة :
الاحتياط هو: الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة وما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، من غير غلو ومجاوزة ولا تقصير ولا تفريط. فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله، وأمَّا الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأت به السنة ولم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ، زاعماً أنَّه يصل بذلك إلى تحصيل المشروع وضبطه؛ فمثلاً
__________
(1) المصنف (11430) . بإسناد صحيح .
عبد الملك بن أبي سليمان وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم.
(2) إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان ص: 61 .(2/21)
من يغسل أعضاءه في الوضوء فوق الثلاثة ـ بزعمه احتياطاً ـ فكيف يكون ذلك احتياطاً؟! وهو خلاف فعله وأمره - صلى الله عليه وسلم - (1). ومن لا يأكل من ذبائح المسلمين بحجة أنَّ بعضهم ربما كان عنده بدعة مكفرة أو لا يعلم هل هم من المصلين أم لا أو هل هم يسمون على الذبيحة أم لا . فعن عائشة رضي اللهم عنها أن قوما قالوا للنبي صلى اللهم عليه وسلم إن قوما يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا عليه أنتم وكلوه قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر "(2) فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأكل مع قيام الشبهة بأنَّهم لا يعلمون حكم التسمية لحداثة دخولهم في الإسلام . فأفعال المسلم تحمل على الصحة والسؤال تكلف فلم نكلف بمثل هذا ولم يُشرَع لنا السؤالُ ونبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التسمية عند الأكل فأمر بها السائل لأنَّ هذا هو المشروع في حقه إذا أراد الأكل. قال ابن عبد البر : في هذا الحديث من الفقه أنَّ ما ذبحه المسلم ولم يعرف هل سمى الله عليه أم لا أنَّه لا بأس بأكله وهو محمول على أنَّه قد سمى والمؤمن لا يظن به إلا الخير وذبيحته وصيده أبداً محمول على السلامة حتى يصح فيه غير ذلك (3)وقال الحافظ ابن حجر : ويستفاد منه أنَّ كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين لأنَّ الغالب إنَّهم عرفوا التسمية. (4)
شبهات في مشروعية الوسوسة :
هناك بعض الشبهات التي يلقيها الشيطان في نفوس من ابتلي بالوسوسة ويحسِّن لهم أعمالهم ومن هذه الشبهات :
__________
(1) انظر ذم الموسوسين ص : (83 ـ100) ومجموع الفتاوى (26/124) وشرح النووي على صحيح مسلم (3/231) والروح ص: (632) وإغاثة اللهفان (1/148ـ149).
(2) رواه البخاري (5507).
(3) التمهيد (22/299) .
(4) فتح الباري (9/635) .(2/22)
الشبهة الأولى : أنَّ هذا ليس وسوسة، بل هي احتياط والاحتياط والأخذ باليقين غير مستنكر في الشرع وإن سميتموه وسواساً.
ويجاب عن ذلك :
1 ـ العبرة في الأفعال بحقائقها لا بألفاظها، فهذه الأفعال سميت احتياطاً أو غير ذلك؛ فهذا لايخرجها عن حقيقتها وهي الوسوسة.
2 ـ وعلى التسليم بأنَّها احتياط، فالاحتياط المعتبر هو الذي دل الدليل على مشروعيته. أما ما دل الدليل على عدم مشروعيته فلا يسمى احتياطاً والوسوسة من هذا الباب .(1)
الشبهة الثانية : ورود النصوص الشرعية التي تدعو للأخذ بالاحتياط منها :
1 ـ عن النعمان بن بشير {? يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنَّ الحلالَ بينٌ وإنَّ الحرامَ بينٌ وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس فمن اتَّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإنَّ لكل ملك حمى ألا وإنَّ حمى الله محارمه ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) (2)
وجه الدلالة الأمر باتقاء الشبهات، وأنَّ من لم يتق الشبهات لم يستبرأ لدينه .
ويجاب عن ذلك بأمرين :
الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يعلمهن كثير من الناس ) يدل على أنَّ من الناس من يعلمها، وإنَّما هي مشتبهة على من لم يعلمها، وليست مشتبهة في نفس الأمر؛ فعلى من ابتلي بهذه الوساوس أنْ يسأل من لم تشتبه عنده هذه الأشياء، أو يرجع إلى كتبهم ليتبين له الأمر فالوساوس ليست من الشبهات كما بوب عليه البخاري في صحيحه (3) .
__________
(1) انظر إغاثة اللهفان (1/ 128ـ130 ، 162).
(2) رواه البخاري (52) و مسلم (1599) واللفظ له.
(3) انظر صحيح البخاري مع فتح الباري (4/294).(2/23)
الثاني : أنَّ الاحتياط بمجرد أي شك ليس مشروعاً، بل المشروع أنْ يبني الأمر على الاستصحاب، فيرجع إلى الحكم قبل طروء الشك . أماحكم شكوك الموسوس فقد تقدم الكلام عليها . (1)
2 ـ عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) (2).
وجه الاستدلال : أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنَّ الإثم ماحاك في الصدر، و أثرَّ حرجاً وضيقاً وقلقاً واضطراباً . فنحن نتباعد عن هذه الأشياء التي نجدها في صدورنا .
ويجاب عن ذلك :
أنَّ ما يتعلق بالأحكام الشرعية فما ورد النص به فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : ? ????? ????? ?????????? ????? ?????????? ?????? ?????? ?????? ?????????????? ????????? ???? ???????? ?????? ???????????? ???? ??????????? ? [الأحزاب:36]
و يجب أنْ يُتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا، فإنَّ ما شرعه الله ورسوله يجب الإيمان والرضا به والتسليم، كما قال تعالى : ? ?????? ?????????? ??? ??????????? ??????? ???????????? ?????? ?????????? ???????????? ????? ??? ????????????? ???? ????????????? ??????? ??????? ????????? ?????????????? ???????????? ???? ? [النساء:65]
__________
(1) انظر شرح مسلم للنووي (11/38) و مجموع الفتاوى (21/521) وإغاثة اللهفان (1/163) و جامع العلوم والحكم ص : (97ـ98) و فتح الباري (1/127).
(2) رواه مسلم (2553) .(2/24)
وأما ما ليس فيه نص من الله ولا رسوله، ولا عمن يقتدي بقوله من الصحابة - رضي الله عنهم - وسلف الأمة؛ فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين؛ منه شيء ومع هذا فهو عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند إطلاعهم عليه فهذا هو الذي يتجنب . أما الوسوسة فقد وردت النصوص الشرعية بعلاجها فالموسوس لايُنظَر إلى ماحاك في صدره من الوساوس(1).
3 ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إنِّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أنْ تكون صدقة فألقيها ) (2).
وجه الاستدلال : أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك أكل التمرة خشية أن تكون من الصدقة فدل ذلك على مشروعية الاحتياط .
يجاب عن هذا الحديث :
أنَّ هذا الحديث فيه مشروعية الورع إذا اشتبه المباح بالحرام، وليس من باب الوساوس فما لأهل الوسواس وماله (3).
الشبهة الثالثة :
هذا الوساس خير من التساهل والاسترسال؛ حتى لا يبالي العبد بدينه ولا يحتاط له، فيفضي غالباً إلى النقص من الواجب والدخول في المحرم. وإذا وازنَّا بين هذه المفسدة ومفسدة الوسواس كانت مفسدة الوسواس أخف من هذا إن ساعدناكم على تسميته وسواساً وإنَّما نسميه احتياطاً .
ويجاب عن ذلك :
__________
(1) انظر جامع العلوم والحكم ص : (382 ـ 383) .
(2) رواه البخاري (2432) و مسلم (1070) .
(3) انظر شرح مسلم للنووي (7/247) و إغاثة اللهفان (1/164) و فتح الباري (4/294)(2/25)
كلا الأمرين مذموم؛ فهذا تفريط، وهذا غلو ومجاوزة المشروع. وقد ورد ذم المفرِّط وتُوعِد على تفريطه كما في حديث ابن عباس { فيمن لايستبرىء من بوله وقد تقدم. وكذلك ورد النهي عن الغلو في الدين والإخبار بهلاك المتنطعين، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هلك المتنطعون قالها ثلاثاً ) (1) (2) .
الخاتمة
__________
(1) رواه مسلم (2670) .
(2) إغاثة اللهفان (1/130 ،182) .(2/26)
من أراد التخلص من هذه البلية؛ فليستشعر أنَّ الحق في اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله وفعله وليعزم على سلوك طريقته، عزيمة من لا يشك في أنَّه - صلى الله عليه وسلم - على الهدى المستقيم، وأنَّ ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته. ويوقن أنَّه عدو له لا يدعو إلىخير، و لا يرشد إلى طائل ? ????????? ????????? ?????????? ????????????? ???? ??????????? ??????????? ??? ? [فاطر:6] ، وليترك التعريج على كل ما خالف طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كائناً ما كان، فإنَّه لا يشك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على الصراط المستقيم، ومن شك في هذا فليس بمسلم، ومن علم هذا فإلى أين العدول عن سنته؟! وأي شيء يبتغي غير طريقته؟ وليقل لنفسه ألست تعلمين أنَّ طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الصراط المستقيم؛ فإنَّها ستقول: بلى، فقل فهل كان يفعل هذا؟ فستقول: لا ، فقل لها: فهل عندك شك في هذين الأمرين ؟ فهل بعد الحق إلا الضلال؟! وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار؟! وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان؟! ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليقتد بهم ولْيَحْتَذِ طريقهم، ثم ليعلم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - ما كان فيهم موسوس. ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله وصحابته وهم خير الخلق وأفضلهم. (1)
وصلى الله على نبينا محمد وآله و أصحابه أجمعين .
و كتبه
أحمد بن عبد الرحمن الزومان
في6/5/1422 هـ القصيم / بريدة
055154265
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
مقدمة الطبعة الثانية .............................. ... 3
مقدمة الطبعة الأولى ..............................
تعريف الوسوسة.................. ..................
__________
(1) انظر ذم الموسوسين ص: (51 ـ55) و إغاثة اللهفان (1/135ـ136).(2/27)
الوسوسة في الإيمان..................................
العفو عن الوسوسة..................................
علاج هذا النوع من الوسوسة .................
1 ـ ذكر الله...................................
2 ـ الاستعاذة..................................
3 ـ الرد على الشيطان.......................
4 ـ الانتهاء من الاسترسال في الوسوسة..
5 ـ العلم الشرعي .........................
الوسوسة في الطهارة................................
نتر الذكر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..
سلت الذكر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
الوسوسة في انتقاض الطهارة..................
علاج هذ النوع من الوسوسة ... ... ... ... ..
1 : نضح الفرج
2 : الإعراض عن هذه الوساوس ... ...
3 : البعد عن أسباب الوساوس ... ... ...
الوسوسة في النية ...............................
الوسوسة في طهارة الماء........................
الزيادة على ثلاث غسلات في الوضوء ...
ماء الوضوء والغسل................................
التحرز من مباشرة الصبيان ... ... ... ... ... .
قاعدة : اليقين لا يزول بالشك .................
تطبيقات القاعدة
الشك في أثناء العبادة
الشك بعد الفراغ من العبادة.....................
كثرة الشكوك........................................
الوسوسة في الصلاة.................................
علاج هذا النوع من الوسوسة
1 ـ الانتهاء....................................
2 ـ الاستعاذة بالله والنفث عن يساره.....
3 ـ سجود السهو.............................
إعادة الصلاة بسبب الوسوسة................
ترديد بعض الكلمات والحروف.............
التشويش على المصلين برفع الصوت.........
الأحلام.................................................
الغيرة المذمومة .......................................
الوسوسة في الطلاق ................................
الفرق بين الاحتياط والوسوسة ..................(2/28)
شبهات في مشروعية الوسوسة والرد عليها....
الخاتمة....................................................(2/29)