الجديع وكتابه الأول " اللحية " إساءة للعلم في استخدامه مطية " حلقها أم الأخذ منها!" .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
حيرة واضطراب!!:
لا أعرف عبد الله الجديع إلا من خلال صفحات هذا الملتقى ولم أقرأ له كتابا قبل ؛ فلما أصدر هذه السلسلة " اللحية ، الموسيقى ، إسلام أحد الزوجين" ، قررت أن أقرأها كلها ، لأخرج بفكرة ، وإن كانت غير متكاملة ، لأنها في نظري لا تكفي للإحاطة بطريقة تفكير الرجل ، ولا بمقدار العلمية التي يحملها ، "ولكن " ما إن قرأتها ، وعلقت عليها ، أصبحت أكاد آخذ فكرة شمولية عن نفس الباحث ، وطريقة تفكيره وسبك وتسلسل أفكاره !
فوجئت بكل أسف - مع استشعاري بأن كلماتي وكتابتي هذه سجلت في صحيفة عملي - إلا أنني أقولها بكل أسف ، فوجئت بكاتب تشتت هدفه ، فتجده ينشط مرة ، ويحتد لرأيه ويكتب عبارة ، ومرة أخرى يتحفظ في عبارته ، فلا يعتد ولا يتجاوز ، ولعل سببه استشعاره تلك اللحظة خطورة القول على الله بغير علم !!
أعتبر هذه القفزة التي تجرأها -هي والله- مفترق طرق على كاتبها ، لأن سدا منيعا قد كسره وهو في طريقه إلى أكبر منها!! إن لم يقف مع نفسه ، ويتدارك حاله ، وينظر في أمره ويتهم نفسه ، وقد كنت أنتظر بفارغ الصبر قبوله لدعوة الملتقى حتى أذكره بما يجول في خاطري ، ولكن لما قرأت رسالته ، عرفت لغة الامتناع التي بطّنها في رسالته .
ولهذا فأنا ومن خلال هذا المنبر أعرض هذه الطوام ، التي ملأها في بحثه مما لا يليق بمن كتب -بفتح الكاف- في ترجمته ما كتب!(1/1)
وأتحدى أن يجيب على واحدة منها إجابة تليق بالمنهجية العلمية ، لا منهج التنصل والحيدة ، فكل يستطيع ذلك ، ولهذا لن أجيب على أي إجابة باردة ، بل سأتركها وهذا هو الرد لمثل هذه الردود ؛ فإبليس لما رفض السجود لله احتج بحجة! ، ولم يقر بالخطأ ، بل ذكر حجة له وهي : أنه امتنع من السجود بسبب أنه أفضل من آدم ، هو مخلوق من نار وآدم خلق من طين ، ومع هذا لم يرد الله عليه ، بل طرده ولم يفند حجته ، مع ظهور الرد عليه من وجوه وكفى بها إذلالا.
وإن رأيت تجاوبا ، فسأنقل بعد ذلك نقاشي له في كتاب الموسيقى.
ومن طبعي لا أحب لغة نفخ الكتاب بكل حجة ، كما فعل المؤلف ، وهذا الأسلوب من الناس ولا أتهمه -ولكن هو موجود- يوسع الكتاب وينفخه ، ويذكر كل شيء ، حتى يشتت ذهن القارئ ! ويكرر الفكرة عليه حتى يألفها ، وينوع بالحجة حتى يقتنع بها ، مع أن بعض الحجج تضعف القول عند المتأملين ، ولكن هذه سياسة عرفناها في هذا الزمان .
لذا سأوقف القارئ والمؤلف على محز ومحك المسألة ، وأريه كيف يتعامل معها المؤلف ، لأوقفه على التخبط ، وإن شئت قل عند إحسان الظن تشتت الفكرة في ذهن المؤلف ؛
فهو لا يدري هل هو يبحث مسألة إعفاء اللحية أو مسألة حلق اللحية!! وهذه النكتة من قرأ الكتاب تظهر له بجلاء فمرة يدافع عن المسألة بذكر القائلين بالأخذ منها وليست هي مسألتنا ومرة يتكلم عن الحلق ويستدل بالقائلين بالأخذ منها فمسألة الأخذ لا يخفى الخلاف فيها على طالب علم صغير ، وما لهذا ألف الكتاب ، ومسألة الحلق هي نتيجتك فسبحان الله!!
فهو مشتت الفكرة ، حيرته ظاهرة ، دوافعه الداخلية لتلبس هذا القول غير معروفة له ، حقيقة هذه النفسية لو أنها لم تستخدم منهج المحدثين وطريقتهم لما أنكرتها أبدا!
والواقع مليء ، ولكن ما أستغربه هو أنه يحمل لبوس المحدثين ، مع أنها لا يمكن أن تتلبس بهذا الرأي ، هو ما جعله بهذا التشتت والحيرة .(1/2)
لا تستغربوا كلماتي هذه ! فوالله إني أكتب كل حرف ، وكأنه إبرة تنغز جسمي ! - ولازلت أصارع نفسي في مواصلة الكتابة بهذا الموضوع ، ولكن لعل الله أن يقضي لي الخير فيه،
ويسر الله متابعته.
يا أبا محمد :
دعني من مسألة الأخذ من اللحية ، فليست بغيتي مع أني لم أجد إلى ساعتي أدلة تقوى على أدلة المحرمين ،ولكن سأتجاوزها احتراما للخلاف ،ولأجل ألا أوصف بالمصادرة.
دعني أذكر لك ملحظا في بحثك،لن تستطع الإجابة عليه أبدا :
أولا : الإجماع معتبر عند أهل السنة والجماعة وهو كذلك عندك ولا شك :
وقد نقل الإجماع على تحريم حلقها :
1 - قال ابن حزم :
[ واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز ]اهـ.
2 - ابن القطان ارتضى عبارة ابن حزم في كتابه الإجماع.
3 -قال ابن عابدين :
[ الأخذ من اللحية دون القبضة،كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يبحه أحد ]اهـ.
ينتقض هذا الإجماع بأمر واحد وهو نقلك للخلاف قبله ، ولم تفعل ذلك .
كتابك على كِبَره أجبت على أقوى حجة لنا ، وهي الإجماع بأسطر معدودة !! وكأن هذا الدليل لا يستحق التوقف ، فضلا عن التأمل !
اقرأ ما كتبته أنت في مناقشتك للإجماع :
( أما ما ادعاه ابن حزم من الاتفاق على أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز ، فصواب في أن المثلة لا تجوز ، لكن تسليم أن يكون حلق اللحية مُثْلة موضع نظر!! ).
يا الله ! بالله عليك ، هل هكذا تعلمت كيف تناقش الإجماع؟!! ما فائدة حكم الإجماع إذا؟! بل ما فائدة الأقوال السابقة إذا ؟! بل ما فائدة طلب العلم كله إذا ؟!
بهذه الحجة الهزيلة تقارع الإجماع !!
نعم ، قل : الخلاف القديم محفوظ ، قل : الإجماع ليس على المسألة .
أما أن تناقش الإجماع نفسه! فهذا مما لم أعتد عليه.
ثم قال :
((1/3)
والمقصود أن دعوى الاتفاق هي من قبيل عدم العلم بالمخالف ، وقد ذكرت آنفا أن السلف لا يعرفون حلق اللحية ، ولا يُعرف فعله عن أحد ، وإليه يرجع قول من وصفه بالمثلة على ما سأبينه ).
سبحان الله ! إن لم يكن هذا دليلا على التحريم القطعي ، فكيف يكون التحريم؟!!
يا أخي : يدك كتبت باختيارها ما يحطم قولها تماما !!
السؤال الكبير :
لماذا لماذا لم يحلقوا؟!! ، مع أنه في عصرهم وُجد من يحلقها من الأعاجم ، لماذا ؟! ألا تستطيع أن تسأل نفسك وتجيب عليها ؟!
واقرأ ما كتبته يداك بعده ، فسبحان الله !!
تقول :
( فحيث لم يجد ابن حزم من قال بإباحة حلق اللحية من السلف ومتقدمي العلماء ، جعل ذلك منهم بمنزلة الاتفاق على المنع ، مع أنه كما قدمت لم يأت عنهم القول بتحريم حلق اللحية بل صورته محدثة !!).
لا أدري كيف أرد على هذا ؟!!
أأكتفي به ردا عليه ؟!!
ولكأن من كتب هذه الكلمات يرد على المؤلف نفسه !
طالما أنك لم تجد من قال بإباحته ، ووجدت من نقل الإجماع على حرمته ، فماذا تريد؟!! بالله ماذا تريد ؟!!
أكاد أحار وأنا أقرأ كثيرا من مثل هذه التناقضات العجيبة!!
لا أقول هذا تهويلا -علم الله- ولكني لا أدري ماذا يريد المؤلف نفسه؟! فلا تلوموني وإن تحمست كثيرا فلا تعجبوا مني ، بل اعجبوا من مثل هذا الكلام الغريب!
ثم انظروا كيف ختم هذا الرد القصير على هذا الإجماع :
( فينبغي أن لا ينسب إلى المتقدمين قول بخصوص ذلك لم يقولوه ! ولا يكفي تصريح بعضهم بأن فعله مثلة ، أن يكون مثلة عند جميعهم ).
ما شاء الله !! بهكذا تقتل الأدلة وتضيع الأصول .
يا أخي : نقول لك : الإجماع منعقد ، تقول : لا يكفي !!
إذا ما الذي يكفي ؟!!
وانتهى الكاتب من الرد على الإجماع بهذه الأسطر - أحد عشر سطرا !!- وحسب أنه قد أجهز عليه ! وما علم أن معظمه في الرد على نفسه !(1/4)
ولما كان الكاتب لم يقتنع بالخلاف الذي ذكره قبل صفحات ، لم يشر إلى الخلاف ! لأنه يعلم أنه لا يقاوم هذا الإجماع كما سترى ، فاكتفى بعدم قبوله له !
وإلا فلو وقف على خلاف لما احتاج إلى تطويل الكلام أبدا ، فقال : " أبو حنيفة يرى جوازه أو كراهيته أو ابن حنبل يرى جوازه أو كراهيته " ، ولكن لما لم يجد إلى ذلك سبيلا فر من ذكر هذا إلى الأسلوب الإنشائي ! الذي لا يرتضيه صغار طلبة العلم .
والمؤلف قبل صفحات ، حشر نفسه مع الفقهاء ! وفهم كلامهم ! وليته لم يفعل ، لأنه أبان عن ضعف ملحوظ في البنية الفقهية والملكة التحليلية لكلام الفقهاء ، فحاص فيها وتخرص ! وإليك التوضيح :
يا أبا محمد :
قلت لك قبلُ : نحن نتكلم عن الحلق ، فلماذا تستند إلى الإعفاء ؟!!
أين كلام الفقهاء في جواز أو كراهية الحلق ؟!
اقرأ ما كتبتَه في كتابك :
1 - عند فقهاء الحنفية :
نقلت عن الكاساني تحريمه ، ثم نقلت إجماع ابن الهمام ، وعلقت عليه ، بما والله أستحيي من نقله ، ولكن ليعلم القارئ كيف تفكر :
تقول :
( فصدق ابن الهمام في أن ذلك الفعل- يقصد الحلق- لم يبحه أحد ، وعدم الإباحة لا يعني التحريم !! إنما الإباحة واحد من الأحكام التكليفية الخمسة ، ومنها الكراهة والتحريم فما الذي أراده ابن الهمام ؟!!! ).
فعلا سؤال قوي لا يعرف إجابته أحد ؟!!
بالله عليك! يقول: لم يبحه أحد ، فما معنى عبارته؟!!
إن كنت لا تفهم هذه العبارة! فاطو الكتب ودع عنك هذه السبيل فليس لك !! وعلى كلٍّ ، فالذي توصلتَ إليه يا أبا محمد بعد جهد جهيد! أن الحنفية رأيهم التحريم ، والحمد لله.
2 - فقهاء المالكية :
قلت لك يا أبا محمد : إن لكل مذهب أصوله وضوابطه ؛(1/5)
إذا كان الإمام مالك حرم حلق الشارب - كما في رواية ابن عبد الحكم عنه - فقال : "ليس إحفاء الشارب حلقه ، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه" ورواية أشهب: "حلق الشارب من البدع " ورواية ابن القاسم : "حلقه مثلة " ، وفي رواية ابن يونس : " يوجع ضربا ، وهو بدعة ".
ولم يذكروا قولا عندهم بجواز أو كراهية الحلق ، الكراهة التي فهتمها ، وهي غير التحريم .
بل قال الحطاب كلاما واضحا في "مواهبه" فقال :
[ قال ابن يونس في جامعه : قال مالك فيمن أحفى شاربه يوجع ضربا وهو بدعة ، وإنما الإحفاء المذكور في الحج إذا أراد أن يحرم فأحفى شاربه خشية أن يطول في زمن الإحرام ويؤذيه ، وقد رخص له فيه ، وكذلك إذا دعت ضرورة إلى حلقه أو حلق اللحية لمداواة ما تحتها من جرح أو دمل أو نحو ذلك ]اهـ.
لا أظن أني بحاجة إلى شرح للمذهب ، إذ هذا التصريح بعدم الحلق للشارب واللحية إلا من ضرورة .
فبالله عليك إذا كان الشارب فيه هذه الأوصاف " المثلة ، البدعة ، التأديب ، التحريم " مع أن هناك رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم : "انهكوا ، جزوا " ومع وجود الخلاف بين أهل العلم في جواز حلقه ، ومع هذا قولا واحدا عند المالكية بالتحريم ، فكيف سيكون حكم حلق اللحية عندهم ، لو كنت تقرأ وتتفهم كلامهم كما الواجب.
ثم بعد ذلك تقول بعد ذلك :
( إن للمالكية وجهين في حلق اللحية! : الكراهة ، والتحريم !).
انظروا أيها القراء إلى نقوله عن المالكية :
1 – قال :
( نقلوا عن التمهيد : " ويحرم حلق اللحية " ، وذكر التمهيد للمالكية يعني كتاب الحافظ ابن عبد البر في شرح الموطأ ولم أجد فيه شيئا من هذا ).
مشكلة كبيرة :
كثيرا ما يشير إلى مثل هذه العبارات : " لم أجد شيئا من هذا " "أو لم أجده" بأسلوب التضعيف بسبب عدم الوقوف عليه ؟! سبحان الله!! إذا كان الأئمة قد نقلوه فماذا تريد؟!!(1/6)
ثم أمر آخر : هل تصفحت التمهيد كله لتنظر صفحة صفحة ؟! بل هل قرأت بضعة مجلدات منه حتى تحكم هكذا؟!!
أو اقتصرت على هذه البرامج ، ثم نسفت أقوال الأئمة ، لما لم تجدها!! لا يمكن أن يقبل طلبة العلم فضلا عن كبارهم مثل هذه الإسقاطات أبدا.
2- ثم نقلت أن المتأخرين صرحوا بالتحريم في بعض شراح الرسالة ، وبعض شراح مختصر خليل .
ونقلت قول الشيخ علي محفوظ : [مذهب السادة المالكية حرمة حلق اللحية]اهـ.
3 – ونقلت قول أبي الحسن المالكي في شرح الرسالة أنه عد حلق اللحية بدعة .
4- وأما العدوي فنقلت عنه قوله: [ بدعة محرمة ]اهـ.
5 – ثم نقلت قول أبي العباس القرطبي بقوله : [لا يجوز حلقها ]اهـ.
كل هذه النقول ، لم تعجب أخانا أبا محمد ، فعلق عليها قائلا :
( هذا الذي ذكرت عن المالكية يقتصر عليه كثير من المؤلفين في حكم " إعفاء اللحية " ، مما يصور في أذهان كثير من الناس أنه المذهب! فيغر بمظنة الاتفاق عليه عند علماء المذهب! والإنصاف في مثل هذا يوجب أن يذكر الاختلاف إن وجد ، والتحقيق أنه موجود عند المالكية في هذه القضية ).
كل هذه النقول ، وهذا التهويل في شأن اللحية البدعية ، الحرمة ، المثلة ، لم تستطع أن تستنتج منها التحريم القطعي عندهم !!!
لا بأس لننظر إلى الخلاف المزعوم عند المالكية !
قال :
( قال القاضي عياض ( المتوفي سنة : 544 هـ ) : وكره قصها وحلقها وتحريقها وقد جاء الحديث بذم ذلك ، وسنة الأعاجم حلقها وجزها وتوفير الشوارب ).
أقول :
فيه وقفتان :
الوقفة الأولى : ذكر أبو محمد سنة وفاته من أجل أن يخبرنا تقدمه.
ونقول ناقل الإجماع توفي قبل هذا بقرابة مائة سنة ، إن كانت المسألة في ذكر الوفيات ، وبطريقة تفكير كثير من أهل الظاهر وبعض المنتسبين للحديث فتنبه !
ثانيا : قول القاضي عياض ظاهر بأنه لا يتكلم عن المكروه تنزيها ، وإنما المحرم ، بدليل أنه قال : "وقد جاء الحديث بذم [فاعل ] ذلك "(1/7)
فهذه ظاهرة بمقصد القاضي – رحمه الله تعالى -.
مع أن المؤلف وللأسف وللأسف أسقط كلمة :
" فاعل " !! على أهميتها مع أنها موجودة في شرح القاضي ! وقد نقل منه !! وموجودة في شرح الأبي ، وقد أشار إليهما في الحاشية ، فسبحان الله !!
ولا شك أن هذه الكلمة محور وأساس فهم الكلام ، فإن كان الكلام عن الكراهة الاصطلاحية التنزيهية التي تعريفها : هو ما يثاب تاركها ، ولا يعاقب فاعلها .
فإذا كان المؤلف يقول :
" يذم فاعله"
فقد أوضح عن مقصده تماما ، بما لا مجال فيه للشك ففاعل المكروه تنزيها ليس بمذموم فتنبه !!!
وكذلك قوله : "سنة الأعاجم" ، ظاهر في كونه يرى الحرمة ؛
وكذلك فالقاضي عياض يرى حرمة حلق الشارب ، كما نقله عن مالك ، فكيف يرى حرمة الشارب ولا يرى حرمة اللحية؟!! هذا لا يستقيم أبدا .
ثم قال :
( فهذا القاضي عياض ممن إليه المنتهى في معرفة مذهب مالك ، مع الدراية بالنقل ، لم يذكر في حلق اللحية غير الكراهة ، وهي عند غير الحنفية كراهة التنزيه لا التحريم ".
أقول:
هذا الكلام غلط :
الأول : القاضي عياض ذكر أنه مكروه ، وبرر له ما يوجب التحريم ، فدل على أنه يقصد الكراهة التحريمية ، بدليل أنه مذموم فاعله.
الثاني : من قرر هذه القاعدة أن الحنفية إذا أطلقوا الكراهة فهم يقصدون التحريم بخلاف المذاهب الأخرى ؟!!
نحن في مذهبنا كثيرا ما يطلق الإمام مثل هذه الألفاظ ، وأقل منها ، ومع هذا يُفهم منها التحريم ، ولا أظن أني بحاجة إلى مثال ، لأن طلاب العلم يدركونه جيدا .
ثم جاء بالقاصمة بما نقله عن الزُّرْقاني ، ولا أريد نقله لأنه مما يفتت الكبد!
بعد هذا توصَّل إلى أن المذهب المالكي فيه وجهان الكراهة والتحريم!! بناء على فهمه لكلام القاضي الذي عبث وتصرف في نصه .
وعليه فما ذكره عن المالكية من الخلاف غير مقبول أبدا ، لا من حيث النقل ، ولا من حيث الفهم.
3 – فقهاء الشافعية :(1/8)
إن لم تخني الذاكرة أن أبا محمد شافعي المذهب ، من خلال ما علق في ذاكرتي من ترجمته ، ولكن فهمه وتحريره للمذهب غريب!!
نقل أبو محمد ما يلي من المذهب الشافعي :
1 – أبو عبد الله الحسين الحليمي ( المتوفي 403هـ ) :
[ لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ...بخلاف حلق اللحية فإنه هجنة وشهرة وتشبه بالنساء فهو كجب الذكر ]اهـ.
إلا أن هذا النقل طبعا لم يعجب أبا محمد فعلق عليه قائلا :
( أقول كون القول يذكر عن فقيه منتسب إلى مذهب من المذاهب الفقهية ، لا يعني أن يكون ذلك القول هو المذهب ، إنما يذكر على أنه وجه فيه ، وما قاله الحليمي ليس قول المحققين من فقهاء الشافعية ).
ما شاء الله الحليمي ليس من محققي المذهب!! ، بل هو فقيه منتسب إلى المذهب ! طيب هذه فائدة لعلي لا أجدها عند غيره فالحمد لله .
ثم ذكر كلاما لابن الملقن سآتي عليه.
ولكن عقب هذا قائلا :
( وممن صرح بالكراهة من أعيان الشافعية :
الخطابي ( المتوفي سنة 388 هـ) : فقال : وأما إعفاء اللحية فهو إرسالها وتوفيرها كره لنا أن نقصها كفعل بعض الأعاجم وكان زي آل كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب فندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى مخالفتهم في الزي والهيئة)اهـ.
ما شاء الله تبارك الله على هذا النقل !! ألم أقل لكم قبلُ : إنه لا يدري أحيانا ماذا يبحث !! الخطابي يقول: [ كره لنا أن نقصها ....وكان زي آل كسرى قص اللحى ].
أين الشاهد يا أبا محمد؟!!
ليس هذا موضع المسألة ! ماذا تريد من هذا النقل ؟!!
ولكن كما قلت : تشتت في الفكرة ، القص ليس موضع المسألة.
2 – نقل عن الغزالي المتوفي سنة 505هـ وبعده النووي المتوفي سنة (676هـ ) فذكرا خصالا مكروهة في اللحية منها بعبارة النووي [ نتفها في أول طلوعها ، وتخفيفها بالموسى إيثارا للمرودة ! واستصحابا للصبا ، وحسن الوجه وهذه الخصلة من أقبحها ]اهـ .
احترت بك يا أبا محمد لا أجد ما أصفك به لأبري ذمتي في طريقة بحثك هذا!!(1/9)
تأمل ما أذكره :
أولا : جميع من نقلت عنه الإجماع سابق له ، فلا تحتج بمن بعده.
ثانيا : أئمة المذهب المتقدمون نقلوا التحريم -كما ذكرت- بل إنك نقلت عن ابن عرفة في "حاشية الكافية" بأنه نقل أن الشافعي نص في الأم على التحريم .
وكذا قال الزركشي ، وكذا الحليمي في "شعب الإيمان" ، وأستاذه القفال الشاشي في "محاسن الشريعة" ، وقال الأذرعي: "الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها ، كما يفعله القلندرية"اهـ.
فهؤلاء المتقدمون نقلوا التحريم ، ولم ينصوا على غيره .
وأما النووي فلم يقصدوا بالكراهة الكراهة التنزيهية ، بدليل قول النووي نفسه ، وإليك النقل عنه كما في شرحه لمسلم :
[ وأما إعفاء اللحية فمعناه توفيرها ، وهو معنى "أوفوا اللحى" في الرواية الأخرى ، وكان من عادة الفرس قص اللحية ، فنهى الشرع عن ذلك ، وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة ، بعضها أشد قبحا من بعض :
إحداها ....الخامسة: نتف الشيب.
السادسة: تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء ......الثانية عشر: حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية ، فيستحب لها]اهـ.
تأمل ما سأكتبه :
أولا : وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك .
ثانيا : قول المؤلف : [بعضها أشد قبحا من بعض ].
دل على أن هذه الخصال غير مستوية ، وبعضها يصل إلى التحريم بدليل ثالثا.
ثالثا : النووي يرى حرمة نتف الشيب ، ومع ذلك عدها من الخصال المكروهة ، فدل على أن كلمته : [وبعضها أقبح من بعض ] أنها قد تصل إلى الحرمة .
ثم إن المؤلف أبا محمد نقل عن "شرح العباب" - من كتب الشافعية - عن الشيخين الرافعي والنووي قالا: [ يكره حلق اللحية ] ، فقال :
( وتعقبه صاحب شرح العباب وغيره باعتراض الفقيه نجم الدين ابن الرفعة (المتوفى سنة 710هـ ) ، بأن الشافعي نص على التحريم في "الأم" ، كما ذكر عن غير واحد من أعيان الشافعية ).
ولهذا لما رأى الكاتب أبو محمد هذا قال :
((1/10)
والذي أراه جمعا بين المشهور عن الأصحاب ، وما حكاه ابن الرفعة وسبقت حكايته من نص الشافعي ، أن في المذهب وجهين !...).
المؤلف أهم شيء هو أن يحصل على الخلاف ، بأي وسيلة ولو كان متأخرا ، فجميع النصوص التي يصرح فيها الشافعية بكراهية حلق اللحية هم من المتأخرين ، كما رأيت ، وهم الذين نقل منهم المؤلف .
ولهذا نقل كلام ابن الملقن (المتوفى سنة 804 هـ) بعد نقله لكلام الحليمي بتحريم الحلق قال : [ وماذكره في حق اللحية حسن ، وإن كان المعروف في المذهب الكراهة ].
هذا عرف المتأخرين من الشافعية ، مع أنه سبق نقل قول الإمام ، والمتقدمين منهم ، والإجماع انعقد في وقتهم ، فلا مجال لخرقه أبدا ، هذا هو المعروف من هدي أهل العلم ، فإذا كان لم يجد من خرق الإجماع قبل انعقاده ، فلماذا يتزعم هذا القول ؟!!
وعليه فلا يقبل نقل الخلاف بعد انعقاد الإجماع كما سيأتي النقل عن الأئمة .
4 – فقهاء الحنابلة :
أما كلامه على مذهبنا فهو أمر فيه عجائب وغرائب ، ولست والله مبالغا في هذا ، وأجزم بأن كل من سيقرأ ما أورده لن يصدق أن أبا محمد قد كتب في كتابه ما كتب ، وهو الذي له أكثر من عشرين سنة وهو يراجعه!!
أسأل الله أن ييسر متابعته وأن يقضي لي الخير فيه وأن لا يجعلني ممن تتبع عورة مسلم ولا فرح بزلته وأعتذر من أبي محمد ومن محبيه هذه الكلمات ، ولم أكن أعتقد أنني سأكتب هذه الكلمات ، ولكن أسأل الله ألا يكون لنفسي فيها حظ ولا نصيب ، وأن يصلح نيتي ويهدي أبا محمد للرجوع إلى الحق ، فهو أحب إلى من كل شيء ، { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه }.
4 – فقهاء الحنابلة :
لقد أخطأت على مذهبنا يا أبا محمد ، واختزلته بصفحة ونصف الصفحة !! ثم خرجت بغرائب!
انظروا ما كتبه أبو محمد عن مذهبنا :
قال :
((1/11)
لا يذكر حلق اللحية إلى زمن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية" المتوفى سنة 728هـ، فإن عامة متأخريهم يعولون على اختياره ، وأما المذهب قبله فعلى استحباب إعفاء اللحية !!).
اتق الله يا أبا محمد ، والله إنك مسؤول عن هذا الكلام ، كيف تريد أن أتعقبك؟! وعن أي شيء أيضا ؟!
أولا : لم يذكر أحد من أصحابنا الحنابلة غير التحريم ، سواء كانوا نقلوا عن شيخ الإسلام أم من غيره ، كل كتبنا التي فيها الكلام عن حلق اللحية تنص على التحريم دون استثناء ، وقد ذكره ابن تيمية وابن مفلح والمرداوي والبهوتي ، بل نص الحنابلة عن على حرمة الاستئجار لحلق اللحية !
ثانيا :
انظروا إلى ما عقب به بعد ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله :
( أما المذهب قبله – يقصد شيخ الإسلام – فعلى استحباب إعفاء اللحية! ).
ما شاء الله تبارك الله على هذه الفائدة !!!
يا أبا محمد: لماذا حولت على مسألة الإعفاء؟!!
نحن نتكلم عن الحلق أنسيت أم ماذا حصل لك؟!
ولماذا هذه المراوغة ؟!!
أرجو أن تضع هذه الألفاظ في عينك " إعفاء ، قص ، تحديد ، الأخذ منها " ونحوها أنها ليست محل البحث ! وما كبر كتابك إلا بمثل هذا!!
واصلوا معي القراءة يا قراء لكلام أبي محمد ، لإثبات أن الحنابلة مذهبهم استحباب الإعفاء – وأعانكم الله على الكلام المكرور –
قال :
( فقد قال الفقيه ابن مفلح - المتوفي سنة 763هـ - :
" وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض وأطلق أصحابنا وغيرهم الاستحباب " ثم ذكر حديث الأمر بالمخالفة للمشركين والمجوس ، وحديث زيد بن أرقم في الأخذ من الشارب ، وقال : هذه الصيغة تقتضي التحريم عند أصحابنا ، وقال ابن مفلح :" ويسن أن يعفي لحيته " ولم يجاوز هذا القدر في حكم الإعفاء وهي عبارة الاستحباب ).
طيب يا أبا محمد دعني أتأمل كلامك -على وضوحه- ولكن ما حيلتي :
1 - قول ابن مفلح: "إن ابن حزم نقل الإجماع على أن إعفاءها فرض" فيه ملحوظتان :(1/12)
الأول : أن هذا الكلام حجة عليك من حيث أن إعفاءها فرض ، وما الذي يخالف الإعفاء تماما ؟ لاشك أنه الحلق ، وكذلك قص الشارب على أي درجة كانت ، إما بحلق أو حف أو ما شابه ذلك ، وقد نقل ابن حزم نفسه الخلاف في الحلق ، كما سيأتي ، المهم أن لا يترك وتركها حتى يطول جدا محرم كما نقله ابن حزم .
وعليه فليس هناك كلام على الحلق أبدا ، ولا يدخل في قضيتنا .
الثاني : أن ابن مفلح تعقب ابن حزم في إجماع ليس على الحلق يا رجل ! بل حكم الإعفاء وحكم قص الشارب ، بدليل أن ابن حزم نفسه قال كما في مراتب الإجماع : "واتفقوا أن قص الشارب وقطع الأظفار وحلق العانة ونتف الإبط حسن ، واختلفوا في حلق الشارب ".
فقول ابن مفلح : " ويسن أن يعفي لحيته " ليست موضع الشاهد يا رجل !
2 – ابن حزم في نقله في "مراتب الإجماع" ليس كما نقله ابن مفلح فلفظه : [واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز]. وإنما ذكر الفرض في كتابه المحلى دون نسبة الإجماع.
واعجب جدا من أبي محمد عندما كتب ما سيأتي - وليته والله لم يكتبه - :
قال :
( وظاهر قوله – يعني ابن مفلح - المتقدم " وأطلق أصحابنا وغيرهم الاستحباب " الاستدراك على ابن حزم في ادعاء الفرضية في الأمرين : قص الشارب وإعفاء اللحية !
نعم أورد النصوص الآمرة بالمخالفة ، ملزما الحنابلة بما جروا عليه في مذهبهم ، أن هذه الصيغة تقتضيه ، فالجاري على طريقتهم القول بالتحريم ، لكنهم مع ذلك لم يقولوا به إلا ما حكاه عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال " ويحرم حلقها ) .
لا إله إلا الله!!
أين حجتك في هذا الكلام الإنشائي على مسألة حلق اللحية؟!! كل هذا الكلام لا ينفعنا في مسألتنا أبدا أبدا ، تقول :
(يرد على ابن حزم في ادعاء الفرضية في الأمرين : قص الشارب وإعفاء اللحية ).
ثم ماذا؟! ثم ماذا؟! يرد عليه ولا يخالفه! ماذا نستفيد في مسألتنا هذه ؟!
الجواب: لا شيء !(1/13)
هذا إذا قلنا : إن تعقب ابن مفلح في محله ، وإلا فإن تعقبه يحتاج إلى تأمل ، فابن حزم لم يدع الإجماع في هذا الكلام.
ثم تفتتت كبدي بقولك :
(ملزما الحنابلة بما جروا عليه في مذهبهم أن هذه الصيغة تقتضيه فالجاري على طريقتهم القول بالتحريم لكنهم مع ذلك لم يقولوا به ).
اللهم أفرغ على قلبي صبرا ، الحنابلة يقولون : يحرم حلقها ويستحب إعفاؤها ، ألا يستطيع عقلك أن يجمع بين هذين الأمرين ؟!!
أنت في صفحات كثيرة سودت وطولت في أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإعفاء ، لا يلزم أن يكون أن لا تُقص ولا يؤخذ منها ، ثم هنا تستشكل هذا !! سبحان الله !
عموما انظروا أيها القراء إلى النتيجة التي وصل إليها الباحث بعد هذا العبث في الفهم :
فقال :
( فحاصل مذهب الحنابلة وجهان :
الأول: إعفاء اللحية مستحب ، وعليه فغايته ما يقابل ذلك الكراهة!
الثاني : حلق اللحية محرم ).
آمنا بالله يا قراء يا عقلاء ، والله إني أقجر أناملي لأكتب على اللوحة ! من شدة ما أجد في نفسي من الغيظ لئلا أجرحه ولا أجرح محبيه ، ماذا تسمون هذا؟!! اصدقوا مع أنفسكم ماذا تسمون ؟!
أعيده عليكم الوجه الأول :
( الإول إعفاء اللحية مستحب وعليه فغايته ما يقابل ذلك الكراهة !).
هل يُفهم منه أنه وجهٌ بكراهية حلق اللحية؟!!
لن أعلق أكثر من هذا ، فأنا في نفسية محطمة أن يأتي هذا الكلام من شخص اشتهر ، وأصبح له طلاب ، وينتسب إلى أهل الحديث ، ويزعم أنه راجعه عشرين سنة !!
فاللهم اهدنا فيمن هديت.
وعليه أيها المحبون لم أجد ما خرم إجماعَنا بحمد الله من كلام أهل العلم في مسألة حلق اللحية .
وعلى أبي محمد أن يرجع عن قوله لمخالفة الإجماع ؛
فلم يخالف في حجية الإجماع إلا طائفتان متناقضتان :
الأولى : الخوارج وأهل العقل كالنظام ومن على شاكلته والشيعة .(1/14)
وأنت أكرم من هؤلاء كلهم - فيما نحسبك - فاسمع لداعي أهل السنة ممن يحبونك ، ورجوعك إلى هذه السبيل خير لك في الدنيا والآخرة ، ولا تستغرب إنكار إخوانك ومحبيك لك ، فلأن الأمر ليس كما يصوره البعض ، أنها مسألة سهلة !
لا والله ، أنت خرقت الإجماع ، ولا أظنه يخفى عليك كلام ابن حزم فيه .
قال البغوي رحمه الله :
[ولو أن عالما مجتهدا يروي له رجل عدل - وإن لم يكن مجتهدا - خبرا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسناد صحيح ، أو دلّه على إجماع خفي عليه ، يجب عليه قبوله والعمل به ]اهـ.
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا.
ولعلي أنشط لمناقشة بعض أفكاره وألفاظه إن قدر الله ذلك ويسره بمنه وكرمه .
يا أبا محمد :
أرجو ألا تسيء الظن بي ، أو بأني أحمل حقدا عليكم ، أو حسدا وبغيا لشخصكم ، أقسم بالله الذي لا يحلف بغيره أن هذا غير موجود في قلبي ، واعلم أنني ما كتبت مشاركة في هذا الموضوع إلا وينتابني تردد عظيم ، وإن كنت متابعا لي في كتابتي في هذا الملتقى ، فإنه ليس من طبعي التأخر في مواضيعي ، ولا أحب هذا ، بل أذكر ما عندي وأنتقل إلى غيره ، ووالله ما تأخري في إضافة كل مشاركة - مع أنها جاهزة- إلا من أجل أن أتروى ، وأبعد عن نفسي حظوظ النفس ، فتحمل مني هذا الكلام ، وكما أنك تطلب منا أن نحسن الظن بك ، وإن خالفتنا، ولمزت كثيرا في كتابك من يرى خلاف رأيك ، فنرجو منك ومن محبيك أن يتحملونا في كتابتنا هذه ، لنبعد أولا الشك من قلوب كثير من الناس ، ولأجل أن نبين لك بعض الأخطاء التي وقعت فيها ، لتتلافاها مادام في العمر فسحة .
والكتاب -بكل صراحة- لم يحرر ولم يراجع ، وهذا أقوله بسبب ما قرأته عنكم في هذا الملتقى من ثناء من بعض الإخوة على علميتكم ، وإلا فلو كان لغيركم ممن لا يُعرف لاتهمته بشيء آخر .
ففيه من التناقضات والمفارقات مالا يخفى على قارئ إليك بعضها :
التناقض الأول :
1 - قال ص 309 :
((1/15)
مذاهب الفقه المتبوعة عند أهل السنة في شأن إعفاء اللحية ، لم يأت في شيء منها إباحة حلق اللحية ، وإنما فيه عند أكثرهم وجهان أولهما كراهة حلقها! ويقابله ندب إعفائها ، وهذا أحد الوجهين للمالكية والشافعية والحنابلة !
وثانيهما : تحريم حلقها ، ويقابله وجوب إعفائها ، وهو مذهب الحنفية والوجه الآخر للمذاهب الثلاثة السابقة !).
أقول :
ستُسأل يوم القيامة عن هذا الكلام .
ما معنى هذا الكلام؟!!
إن كنت تقصد بوجوب إعفائها عدم الأخذ منها ، فأرد عليك من كلامك وبما كتبته :
قلت ص 304 :
( لم يقل أحد منهم لا يجوز الأخذ من اللحية!! ).
وقلت ص308 :
( لم أجد من منع مسها وتهذيبها في رأي من سلف سوى شيء شاذ محدث في زماننا !!).
فهذا رد على هذا المعنى ، على أن هذا الكلام غلط خطأ ولكنه ليس موضع رده .
وإن كنت تقصد أنه يسن عدم حلقها ، ويكره حلقها ، فأين هذا النص في كتب الحنابلة أو المالكية أو الشافعية المتقدمين؟!!
التناقض الثاني :
قلت في ص 190 :
( وإذا تبين كون هذا هو المطلوب فعله بالشارب ، وقد قوبلت به الأوامر بضد ذلك في اللحية فيتضح منه :
1 – ترك الأخذ من اللحية ، وذلك أن قص الشارب جاء الأمر به على سبيل المقابلة لما يصنع باللحية ، فحيث شرع القص فالذي يقابله فيما يندرج تحت دلالة الألفاظ الواردة في اللحية إنما هو الإعفاء من القص والأخذ ).
يا أبا محمد لماذا تحملني على إساءة الظن بك؟!
تقول :
(فحيث شرع القص ، فالذي يقابله فيما يندرج تحت دلالة الألفاظ الواردة في اللحية إنما هو الإعفاء من القص والأخذ).
دعني أترجم ما لم ترد أن تصرح به !ولا أدري لماذا؟! :
"فحيث شرع القص فالذي يقابله - مشروعية - الإعفاء من القص والأخذ".
أليس هذا منطوق كلامك الذي لم تصرح به أجبني بتجرد فلماذا إذا ؟!!
بل إنك قلت ص 306 :
( والمقصود أن تحسين هيئة اللحية لمن اتخذها حسن ، لا بأس أن يأخذ من طولها وعرضها ويسوي أطرافها!).(1/16)
يا أبا محمد : السؤال المباشر:
احترنا في رأيك في الأفضل ما هو ؟!! هل هو عدم الأخذ منها مطلقا أم مساواتها وتقصيصها حتى تكون بمستوى واحد ؟!!
أعتذر من الإخوة عن المواصلة ، وإلا فقد رصدت أكثر من ذلك ، ولا والله ما منعني إلا أنني أحس بأن هذا كاف في مراجعة أبي محمد لنفسه ، من أجل أن يتبين له خطورة ما زبره في كتابه.
وأعتذر مرة أخرى لأبي محمد إن كنت أخطأت عليه بكلمة أو زل بي قلم وأقدم له اعتذاري الشديد منه .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين
المقرئ.(1/17)