درء الأتراح
فى بعض
مسائل الأفراح
جمع وإعداد
وليد كمال شكر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده الذى اصطفى وبعد
فهذه بعض الأحكام فى مسائل الأفراح التى كثر السؤال عنها فى هذه الأيام تتبعت فيها أقوال أهل العلم فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو سهو فمنى ومن الشيطان وتقرأ في هذا المختصر:
أولا : حكم التصفيق
ثانيا : حكم رقص النساء مع بعضهن
ثالثا : حكم الزغاريد
رابعا : حكم الأناشيد الإسلامية
أولا : حكم التصفيق
اختلفت عبارات السلف والخلف فى مسألة التصفيق فمنهم من رأى عدم جواز ذلك مطلقا ومنهم من قال بالتفصيل .
الفريق الأول المانعون :
1- قال ابن حجر: يكره التصفيق خارج الصلاة مطلقا، ولو بضرب بطن على بطن، وبقصد اللعب، ومع بعد إحدى اليدين عن الأخرى وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام: ((إنما التصفيق للنساء)) ((ولعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء))، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل، ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدى به ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات، وإنما هو من أقبح الرعونات. قواعد الأحكام .(1/1)
- قال الشافعي والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وجماعة من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح ومن نابها من النساء شيء في صلاتها صفقت إن شاءت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق بين حكم النساء والرجال في ذلك فقال التصفيق للنساء ومن نابه شيء في صلاته يعني منكم أيها الرجال فليسبح واحتج بحديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ففرق بين حكم الرجال والنساء وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا قال الأوزاعي: إذا نادته أمه وهو في الصلاة سبح فإن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء سنة .
قال بعضهم أنه لا يجوز للرجل التصفيق باليدين مطلقا لا في الصلاة ولا في غيرها لكونه جعل التصفيق للنساء لكنه محمول على حالة الصلاة بدليل تقييده بذلك في رواية المصنف ومسلم وغيرهما .
ومقتضى قاعدة من يأخذ بالمطلق وهم الحنابلة والظاهرية عدم جوازه مطلقا ومتى كان في تصفيق الرجل تشبه بالنساء فيدخل في الأحاديث الواردة في ذم المتشبهين من الرجال بالنساء ولكن ذلك إنما يأتي في ضرب بطن إحدى اليدين على بطن الأخرى ولا يأتي في مطلق التصفيق .
قال بن القيم رحمه الله: قوله في الحديث: وليصفق النساء دليل على أن قوله في حديث سهل بن سعد المتفق عليه التصفيق للنساء أنه إذن وإباحة لهن في التصفيق في الصلاة عند نائبة تنوب لا أنه عيب وذم .
قال الشافعي حكم النساء التصفيق وكذا قاله أحمد.
- وقال في إغاثة اللهفان: ((والمقصود أن المصفقين و الصفارين في يراع أو مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء ولو أنه مجرد الشبه الظاهر فلهم قسط من الذم بحسب تشبههم بهم، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم و تصديتهم. والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا)) .(1/2)
2- سئل العلامة بن باز رحمه الله : ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات ؟
فأجاب: التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية وأقل ما يقال فيه الكراهة ، والأظهر في الدليل تحريمه لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} قال العلماء المكاء الصفير والتصدية التصفيق والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول : سبحان الله أو يقول : الله أكبر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق أما الرجال فينبهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكلا ذلك منهي عنه .
الفريق الثانى القائلون بالتفصيل :
1- سئل الدكتور / خالد بن عبدالله المصلح : ما حكم التصفيق للرجال ؟ و هل هو من قبيل التشبه بالكفار ؟
الجواب: أقول مستعيناً بالله تعالى: إن كلَّ مَن حَكم على التصفيق بالكراهة أو التحريم، عدَّه مِن التشبه بالنساء اللائي أُمرنَ بالتصفيق إن نابهنَّ شيءٌ في الصلاة ، أو مِن التشبه بالمشركين في صلاتهم عند البيت الحرام .
فمن عدَّه تشبهاً بالنساء أثبت كونه من فعل النساء بالسنة ، و استدل على النهي عنه كراهةً أو تحريماً بما جاء في السنة أيضاً من تحريم التشبه بالنساء و لعن فاعليه .(1/3)
أما كونه من فعل النساء فدليله ما ثبت في الصحيح وغيره عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفَّق الناس، وكان أبوبكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق الْتَفَتَ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك. فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبوبكر حتى استوى في الصف، و تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما انصرف قال: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ). فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) وظاهر هذا الحديث قَصرُ التصفيق على النساء، لاستهلاله بأداة الحصر( إنَّما) فيكون معناه: لا تصفيق إلا للنساء .
قال الشوكاني [ في نيل الأوطار ]: ( قوله: " إنما التصفيق للنساء " يدل على منع الرجال منه مطلقاً ) .(1/4)
غير أنَّ ظاهر الحديث لا دليل فيه على أن نهي الرجال عن التصفيق يسوي في الحكم بين كونه داخل الصلاة أو خارجها، وإن كان ذلك محتملاً، والقاعدة تقول: إذا وقع الاحتمال بطل الاستدلال. بل الظاهر أن الترخيص في التصفيق للنساء مقتصر على كونهن في الصلاة إذا نابهن فيها شيء، أما خارج الصلاة فهن والرجال في الحكم سواء، والنهي عن التصفيق خارجها يحتاج إلى دليل خاص. أما مَن عدَّ التصفيق تشبهاً بالمشركين في صلاتهم عند البيت العتيق فقد استند في حكمه إلى قوله تعالى:(وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً و َتَصْدِيَةً) [الأنفال:35]. والمشهور عند أهل التفسير أن المراد بالمكاء هو التصفير، والمراد بالتصدية هو التصفيق، وأصله في اللغة كما قال الإمام الطبري في تفسيره من مَكَا يَمْكُو مَكْوًا وَمُكَاء, وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَكْو: أَنْ يَجْمَع الرَّجُل يَدَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلهُمَا فِي فِيهِ ثُمَّ يَصِيح، وهذا هو الصفير، وَأَمَّا التَّصْدِيَة فَإِنَّهَا التَّصْفِيق، يُقَال مِنْهُ : صَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَة، وَصَفَّقَ وَ صَفَّحَ بِمَعْنىً وَاحِد. غير أن في النفس شيءٌ من اعتبار مطلق التصفيق تشبهاً بما يفعله المشركون أو كانوا يفعلونه في صلاتهم عند البيت، لأن التشبه لا بد فيه من النية، وفي الواقع صور من التصفيق تقع من أناسٍ لا عِلمَ لهم أصلاً بأن أهل الجاهلية كانوا يصفقون عند البيت، فكيف ننسبهم إلى التشبه بالمشركين مع أن ذلك لم يدُر في خَلَدهم قط !! وعليه فلا بد في هذا المقام من تقرير أن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، وحيث إنَّ صُوَرُ التصفيق تختلف باختلاف نية المصفقين و حالهم، فإن حكمه يختلف من حال إلى حال ، بحسب التفصيل التالي :
أولاً: اتخاذ التصفيق عبادة في ذاته، أو التصفيق أثناء عبادة مشروعة الأصل، حرامٌ مطلقاً، لما فيه من التشبه بالكفار في عبادتهم من جهة ، ولأنه بدعة محدثة من جهة أخرى .(1/5)
وكثيراً ما يقع التصفيق في مجالس الذكر البدعية على نحو ما يفعله غلاة الصوفية، وقد ذمَّ العلماء هذا النوع من التصفيق، و شنعوا على فاعله، و بالغوا في إنكاره، سواء كان بباطن الأكف، أو بظاهرها، أو بباطنٍ على ظاهرٍ، أو العكس .
قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: ( و من هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل، و لا يصدران من عاقل فاضل، و يدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب و لا سنة، و لم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد قال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدى به ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات، و إنما هو من أقبح الرعونات ) . .
ثانياً: تصفيق المرء ابتهاجاً بأمر مباح أو مستحسنٍ-عقلاً أو نقلاً- بَلَغَهُ، أو رآه، أو سمعه. أو تشجيعاً لمن صدر منه، فهذا أمر لم يقم الدليل على تحريمه، ولكن الواجب أن يزم بزمام الشريعة، فلا يسوغ إلا إذا انتظمت. فيه ثلاثة شروط :
أولها: أن لا يعتقد فاعله أنه مما يستحب شرعاً ، لأن الاستحباب الشرعي توقيفي لا يقال به إلا بدليل .
و ثانيها: أن لا يضاهي بفعله سنةً كالتكبير أو التسبيح عند استحسان الأمور ، أو نحو ذلك ، لأن مضاهاة المشروع من أمارات البدع المنكرة .
و ثالثها: أن لا يراد بفعله مجاراة الكافرين أو التشبه بهم على سبيل استحسان ما هم عليه أو تفضيله على ما هو معروف عند أهل الإسلام في مثل محله .
2- سئل الشيخ / محمد بن صالح العثيمين : ما حكم التصفيق في الحفلات ؟(1/6)
الشيخ: التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا أو كبروا أحيانا لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا ولا يسبحون تسبيحا جماعيا بل كل واحد يكبر لنفسه أو يسبح لنفسه بدون أن يكون هناك رفع صوت بحيث يسمعه من بقربه فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم والناس لا يتخذونه عبادة ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام؟
- و سئل فضيلة الشيخ أيضا ما قول فضيلة الشيخ في اعتراض بعض المدرسين على التصفيق داخل الفصول من قبل الطلبة لتشجيع زملائهم، بحجة أن هذا ليس من فعل المسلمين ولا يجوز؟
جـ/ إن من يرى أن هذا الأمر لا يجوز فعليه بالدليل قبل كل شيء حتى نعرف الحكم الشرعي، وإذا كان لديه دليل مقتنع به فإنه لا يجوز أن يمكن الطلاب منه، وأما من يرى أن ذلك لا بأس به وأن هناك مصلحة في تشجيع الطلاب وتنبيههم فعليه ألا ينكر عليهم، والذي يفعله الكفار هو أنهم يجعلون المكاء والتصدية بدلاً من الصلاة والدعاء، ولا يفعلونها عند العجب من الشيء أو استحسانه حتى يقال: إن الإنسان المسلم لو صفق عند التعجب من شيء أو استحسانه لكان بذلك مشابهاً للكفار، إنما يقول الله عز وجل: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" [الأنفال: 35]، فالمكاء التصفير والتصدية هي التصفيق فهم يجعلون هذا عبادة .
[سلسلة كتاب الدعوة، الفتاوى لفضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين –رحمه الله- (3/164)
ثانيا: حكم رقص النساء مع بعضهن
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن ذلك فقال :(1/7)
أجازه بعض العلماء في ليلة الزفاف إذا لم يكن هناك رجال، وذلك إظهار للفرح وغبطة للزوجين. فالرقص الذي هو نقض الشعر واللعب بين النساء والقفز والتمايل كل ذلك لهو، وأبيح شيء من ذلك في حفل الزواج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأنصار يحبون شيئًا من اللهو أي: في مثل الزواجات ونحوها.
وقال أيضا : لا بأس بإظهار الفرح وبشيء من المرح كغناء مباح ليس فيه تشبيب ولا تغنج ولا ذكر للعورات، وإنما هو مديح وترحيب ونحوه إذا لم يحضره الرجال ، وهكذا ضرب الدف لإعلان النكاح ولإظهار الطرب ونحوه ، فأما الرقص فلا أستحضر فيه دليلًا يبيحة هنا أو يمنعه ، والأظهر إلحاقه بغيره مما يعبر عن الفرح ويكره إذا طالت مدته أو كان معه تمايل زائد واستعمال الطبول ونحوها. والله أعلم .
- وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عن ذلك فأجاب :
لا بأس برقص النساء بمناسبة الزواج وضربهن بالدف مع شيء من الغناء النزيه؛ لأن هذا من إعلان الزواج المأمور به شرعًا، لكن بشرط أن يكون ذلك في محيط النساء فقط، وبصوت لا يرتفع ويتجاوز مكانهن، وبشرط التستر الكامل؛ بحيث لا يبدو شيء من عورة المرأة في حالة الرقص؛ كسيقانها وذراعيها وعضديها، وإنما يبدو منها ما جرت عادة المرأة المسلمة بكشفه في حضرة النساء .
ثالثا : حكم الزغاريد
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين :
في الأفراح والمناسبات السعيدة اعتاد النساء على إطلاق الصيحات التي تسمى بـ (الزغاريد) ؟
فقال إظهار الفرح والسرور مما جبلت عليه الفطرة ، وللمسلم أن يفرح ويظهر فرحه في غير معصية لله جل وعلا . ومما اعتاده كثير من النساء لإظهار فرحهن ما يسمى بالزغاريد ، وهي معروفة لدى عامة النساء .
فإذا كانت في محيط النساء فلا حرج فيها ، لاسيما إذا كانت بنبرات ليس فيها إثارة ولا فتنة .(1/8)
وأما إذا كانت بنبرات مثيرة أو فاتنة ، ويسمعها الرجال الأجانب - وهو الغالب لأنها تكون بصوت مرتفع - فلا يجوز ذلك ، لدخوله في عموم الخضوع بالقول المنهي عنه في قوله تعالى: ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) [الأحزاب: 32]وإذا كانت بنبرات عادية ، ليس فيها تكسر أو إثارة ، فلا حرج فيها ، وإن وصلت إلى سمع الرجال. وأما استقبال العروس بالشموع المضاءة فإنها عادة اتخذها بعض النساء ، ولا حرج فيها كذلك إذ لم يقصد بها العبادة -كما يفعل النصارى- أو التشبه بالكفار. والله أعلم.
وسئل الدكتور عبدالله الفقيه عن الزغاريد فقال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلم يرد نص من كتاب ولا سنة بخصوص الزغاريد، ولكنها من صوت المرأة والأصل فيه أنه ليس بعورة، لكن قد تعرض له عوارض تجعله محرماً مثل ترخيمه وترقيقه وكل ما من شأنه أن يجعله مثيراً للتعلق بصاحبته والفتنة بها، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 1524.
وعليه فإنا لا نرى جوازها إذا كانت بحضرة من يتلذذ بها، جاء في حاشية العدوي على شرح الخرشي لمختصر خليل بن إسحاق المالكي في شأن صوت المرأة أو المعتمد كما أفاده الناصر اللقاتي في فتاواه وشيخنا الصغير أنه ليس بعورة، ونص الناصر: رفع صوت المرأة التي يخشى التلذذ بسماعه لا يجوز... لا في الجنازة ولا في الأعراس سواء كانت زغاريت أم لا.
- وسئل الشيخ سلمان العودة: ما حكم الزهور على سيارة العروس، وهل في ذلك تشبه بالكفار؟ وما حكم الزغاريد في الأعراس؟ وما حكم إهداء باقات الورد في الأفراح ؟
فقال وضع الزهور على السيارة، والزغاريد، وإهداء الورد من العادات، والأصل فيها الإباحة مالم تكن العادة من خصائص القوم الكافرين. ومثل العادات المسؤول عنها، وإن كانت حادثة في الغالب إلا أنها ذائعة شائعة لدى المسلمين وغير المسلمين، ولذلك لا نرى وجهاً بيناً لتحريمها، والله أعلم.(1/9)
رابعا : حكم الأناشيد الإسلامية
شغلت مسألة الأناشيد الإسلامية بال الكثيرين من حيث الحكم بحلها أوحرمتها وعند التحقيق نجد أن العلماء الذين قالوا بالجواز وضعوا شروطا وحددوا أمورا تخلو منها الأناشيد حتى تكون حلالا وهى نفس الشروط التى من أجلها أفتى ءاخرون بالحرمة عندما وجدوها لم تتوفر فى بعضها وإليك بيان ذلك .
الفريق الأول القائلون بعدم الجواز :
من أفضل من تكلم فى هذا الجانب هو الشيخ الفوزان فى رده على بعض من أباحها .
مناقشة العلاّمة الفوزان لمن أباح الأناشيد :
الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد :
كنتُ قد عقبت على ما كتبتْه الأخت تغريد العبدالعزيز في "مجلة الدعوة" من الثناء على ماسمته بالأناشيد
الإسلامية، ومطالبتها المراكز الصيفية بالإكثار من إنتاجها، فبينت لها أن هذا الثناء في غير محله، وأن هذا الطلب غير وجيه، وأن الأولى بها أن تطالب بالعناية بالكتاب والسنة، وتعليم العقيدة الصحيحة والأحكام
الشرعية، فانبرى بعض الأخوان- وهو الأخ أحمد عبد العزيز الحليبي سامحه الله – ينتصر لها لهذه الأناشيد ويدعي أنها شيء طيب، وعمل جميل ويستدل لإثبات دعواه بأمور هي :
أولاً: أن هذه الأناشيد تلحق بالحداء الذي رخص فيه الشارع ، وكذلك تلحق بالارتجاز الذي رخص فيه النبي عليه الصلاة والسلام عند مزوالة الأعمال الشاقة .
ثانياً: أن العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وابن الجوزي وابن حجر الهيثمي، نصوا على جواز الحداء، والارتجاز وسماع الشعر الذي فيه الثناء على الله ورسوله ودينه وكتابه والرد على أعداء الله
وهجاؤهم . والنشيد الإسلامي – كما يسميه – لايخرج عن هذه المعاني ، فهو شعرٌ ملتزم بالأدب الأسلامي ، يرفع بصوت حسن .(1/10)
ثالثاً: تسمية الأناشيد بالإسلامية لا تعني المشروعية والابتداع في الدين، وإنما هو وصفٌ وتوضيحٌ وتمييزٌ عن غيرها من الأناشيد والأهازيج المحرمة وهو من المصطلحات الحديثة، مثل الحضارة اٍلاسلامية،والعمارة الإسلامية .
رابعاً: فرق الكاتب بين هذه الأناشيد التي سماها إسلامية وبين الصوفية التي تعد من البدع في الدين من وجهين:
الأول :أنهم أضفوا على أناشيدهم صفة القربة والطاعة.
والثاني: أن سماعهم لا يخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء.
وجوابنا من وجوه:
الوجه الأول: أن هناك فروقاً واضحة بين ماتسمونه بالأناشيد الإسلامية وبين مارخص فيه الشارع من الحداء في السفر والارتجاز عند مزوالة الأعمال الشاقة، وإنشاد الأشعار التي فيها مدح الإسلام ، وذم الكفر وهجاء المشركين ، مع وجود هذه الفروق لايصح إلحاق هذه الأناشيد بتلك الأشياء. والفروق كما يلي:
1- الحداء في السفر ، والارتجاز عند الضجر ، وإنشاء الشعر المشتمل على مدح ا لإسلام وذم الكفر وهجاء الكفار لايسمى نشيدأ إسلامياً – كما تسمون نشيدكم بذلك ، وإنما يسمى نشيداً عريباً. إذاً فبينهما فرق من جهة التسمية والحقيقة.
2- أن الحداء إنما يباح في السفر لأجل الحاجة إليه في السير في الليل ، لطرد النعاس ، واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي ، وكذا الارتجاز عند مزوالة الأعمال الشاقة ، كالبناء ونحوه، أُبيح للحاجة بصفة مؤقته ، وبأصوات فردية لا أصوات جماعية .
وماتسمونه بالأناشيد الإسلامية يختلف عن ذلك تماماً ، فهو يفعل في غير الأحوال التي يفعل فيها النوع الأول ، وبنظام خاص وأصوات جماعية منغمة وربما تكون أصوات فاتنه ، كأصوات المردان وحدثاء الأسنان من البنين والبنات ، والأصل في الغناء التحريم ، إلا ماوردت الرخصة فيه .(1/11)
3- أن الحداء والارتجاز وإنشاد الشعر الذي جاء الدليل بالترخيص فيه بقدر معين وحالة معينة لايأخذ كثيراً من وقت المسلم ، ولايشغله عن ذكر الله ، ولايزاحم ماهو أهم .
أما ماتسمونه بالأناشيد الإسلامية ، فقد أعطي أكثر مما يستحق من الوقت والجهد والتنظيم ، حتى أصبح فناً من الفنون يحتل مكاناً من المناهج الدراسية والنشاط المدرسي ، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع ، حتى ملأ غالب البيوت ، وأقبل على استماعه كثيرمن الشباب والشابات حتى شغل كثيراً من وقتهم ، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم والسنة النبوية والمحاضرات والدروس العلمية المفيدة. فأين هذا من ذاك ؟! ومعلوم أن ما شغل عن الخير ، فهو محرم وشر.
الوجه الثاني: أن محاولة تسويغ تسمية هذه الأناشيد بالأناشيد الإسلامية محاولة فاشلة ، لأن تسميتها بذلك يعطيها صبغة الشرعية ، وحينئذ نضيف إلى الإسلام ماليس منه.
وقول أخينا أحمد :" إن هذه التسمية لأجل التمييز بينها وبين الأناشيد والأهازيج المحرمة " قول غير صحيح، لأنه يمكن التمييز بينها بأن يقال : الأناشيد المباحة، بدلاً من الأناشيد الإسلامية ، كغيرها من الأشياء التي يقال فيها: هذا مباح ، وهذا محرم ولايقال هذا إسلامي، وهذا غير إسلامي، ولأن تسميتها بالأناشيد الإسلامية تسمية تلتبس على الجهال ، حتى يظنوها من الدين ، وأن في إستماعها أجراً وقربة.
وقول الأخ أحمد" إن هذه التسمية من المصطلحات الحديثة ، مثل الحضارة الإسلامية ، والعمارة الإسلامية" ...(1/12)
نقول له : النسبة إلى الإسلام ليست من الأمور الاصطلاحية ، وإنما هي من الأمور التوقيفية، التي تعتمد على النص من الشارع ، ولم يأت نص من الشارع بتسمية شيء من هذه الأمور إسلامياً ، فيجب إبقاء الشعرعلى أسمه الأصلي ، فيقال: الشعر العربي ، والأناشيد العربية ، وأما تسمية العمارة والحضارة بالإسلامية ، فهي تسمية الجهال ، فلاعبرة بها ، ولادليل فيها.
الوجه الثالث: أن تفريق الأخ أحمد بين مايسميه بالأناشيد الإسلامية وبين أناشيد الصوفية تفريقٌ لاوجه له ، لأن بإمكان الصوفية أن يدعوا في أناشيدهم ماتدعونه في أناشيدكم من الفائدة، والترغيب في الخير، والتنشيط على العبادة والذكر، فكما أنكم تدعون أن في أناشيدكم الحث على الجهاد، وأنها كلام طيب بصوت حسن، وفيها مدح الإسلام وذم الكفر...إلى غير ذلك، فيمكنهم أن يقولوا مثل ذلك في أنا شيدهم.
وقولكم:" إن أناشيد الصوفية لاتخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء" . هذا فارق مؤقت ، فربما يأتي تطوير جديد لأناشيدكم يدخل فيه استعمال الآلة فيها، وتسمى موسيقى إسلامية ، أو دف إسلاميي، ويزول الفارق عند ذلك ، كما ورد أنه في آخر الزمان تُغير أسماء بعض المحرمات، وتستباح ، كأسم الخمر ، وأسم الربا... وغير ذلك. فالواجب على المسلمين سد هذه الأبواب ، والتنبيه للمافسد الراجحة والوسائل التي تفضي إلى الحرام، والتنبيه كذلك لدسائس الأعداء في الأناشيد وغيرها.
ونحن لاننكر إباحة إنشاد النزيه وحفظه ، ولكن الذي ننكره مايلي:
1- ننكر تسميته نشيداً إسلامياً.
2- ننكر التوسع فيه حتى يصل إلى مزاحمة ماهو أنفع منه.
3- ننكر أن يجعل ضمن البرامج الدينية ، أو يكون بأصوات جماعية ، أو أصوات فاتنه.
4- ننكر القيام بتسجيله وعرضه للبيع، لأن هذا وسيلة لشغل الناس به. ووسيلة لدخول بدع الصوفية على المسلمين من طريقة، أو سيلة لترويج الشعارات القومية والوطنية والحزبية عن طريقه أيضاً.(1/13)
الفريق الثانى القائلون بالجواز :
من أفضل من فصل فى ذلك د . أحمد عبد الكريم نجيب حيث يقول:
- اعتَبَرَت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءُ الأناشيدَ بديلاً شرعيّاً عن الغناء المحرّم ، إذ جاء في فتاواها: يجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية، فيها من الحِكَم والمواعظ والعِبَر ما يثير الحماس والغيرة على الدين، ويهُزُّ العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه، لتَبعَثَ نفسَ من يُنشِدُها ومن يسمعُها إلى طاعة الله ، وتُنَفِّر من معصيته تعالى، وتَعَدِّي حدوده، إلى الاحتماءِ بحِمَى شَرعِهِ، والجهادِ في سبيله. لكن لا يتخذ من ذلك وِرْداً لنفسه يلتزمُه، وعادةً يستمر عليها، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة، عند وجود مناسباتٍ ودواعيَ تدعو إليه، كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم، لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها، لردعها عنه وتنفيرها منه. وخيرٌ من ذلك أن يتخذ لنفسه حزباً من القرآن يتلوه، ووِرداً من الأذكار النبوية الثابتة، فإن ذلك أزكَى للنفس، وأطهر ، وأقوى في شرح الصدر، وطُمأنينة القلب . قال تعالى:(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ َقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )الزمر23. وقال سبحانه : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ )الرعد28 -29. وقد كان دَيدَن الصحابة وشأنهم رضي الله عنهم العناية(1/14)
بالكتاب والسنة حفظاً ودِراسةً وعملاً، ومع ذلك كانت لهم أناشيد وحداء يترنمون به في مثل حفرِ الخندق، وبناء المساجد، و فيسيرهم إلى الجهاد، ونحو ذلك من المناسبات، دون أن يجعلوه شعارهم، و يعيروه جلّ همهم وعنايتهم، لكنه مما يروحون به عن أنفسهم ، و يهيجون به مشاعرهم.
انظر النص الكامل لهذه الفتوى في كتاب : فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء ، (جمع وترتيب محمد بن عبدالعزيز المسند : 4 / 533 (
وفي فتوى اللجنة إشارةٌ إلى ما رواه مسلم وابن ماجة وأحمد عن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ َالَ شُعْبَةُ: أَوْ قَالَ : اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَ عَيْشُ الآخِرَهْ, فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَ الْمُهَاجِرَهْ . وما رواه الشيخان عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ، وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ : اللَّهُمَّ لَوْ لا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الاقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا إِنَّ الأعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا يرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ ونحو ه ما رواه البخاريّ أيضاً عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر , فسرنا ليلاً, فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تُسمعنا من هنيهاتك ؟ قال: وكان عامر رجلاً شاعراً، فنزل يحدو بالقوم يقول : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا وألقينْ سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا(1/15)
وبالصياح عوِّلوا علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من هذا السائق ؟ ، قالوا : عامر بن الأكوع فقال عليه الصلاة و السلام : ( يرحمه الله ) .
وفي سُُُنَن النسائي رحمه الله أنّ سلمةَ بن الأكوع ارتجز بأبيات أخيه هذه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، فثدّقه رسول الله عندما قال : اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا .
- وروى مُسلِم حديث إياس بن سلمة ابن الأكوع ، و فيه رَجزه : وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ ورَجز عمِّه عامر بن الأكوع المتقدّم , وقولَه أيضاً في مبارزة مَرحَب ملك يهود : قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ حتّى إذا رَجَعَ سيفُ عامر رضي الله عنه عليه فقتله ، برزَ عليٌّ لِمَرحب , فضَرَبَ رأسه ، فقتله, وهو يقول: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ ولم يُنكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئاً من ذلك، فكان بمثابة إقراره ، بل يؤخذ منه اسْتِحْبَاب الرَّجَز فِي الْحَرْب، كما قرّره النووي في شرح صحيح مسلم .
وقال الحافظ في(الفتح ) بعد أن ذكر أقوال العلماء في الغناء عند شرح حديث البراء المتقدّم: نَقَل ابنُ طاهر في كتاب السماع الجوازَ عن كثيرٍ من الصحابة , لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النصب - وهو الحداء - المشار إليه أولاً .
قال ابن عبد البر:الغناء الممنوع ما فيه تمطيط وإفساد لوزن الشِعر طلباً للطرب وخروجاً من مذاهب العرب.
وإنما وَرَدت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم.(1/16)
وقال الماوردي: هو الذي لم يزل أهل الحجاز يُرَخِّصُون فيه من غير نكير إلا في حالتين : أن يُكثِرَ منه جداً، وأن يصحبه ما يمنعه منه . واحتج من أباحه بأن فيه ترويحاً للنفس , فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع ، أو على المعصية فهو عاص , وإلا فهو مثل التنزه في البستان والتفرج على المارة . وأطنب الغزالي في الاستدلال , ومُحصَّله أن الحِداء بالرَجَز والشعر لم يزل يُفعل في الحضرة النبوية , وربَّما التمس ذلك, وليس هو إلا أشعار توزن بأصوات طيبة وألحان موزونة وكذلك الغناء أشعار موزونة تؤدى بأصوات مستلذة وألحان موزونة . والخلاصة أنّ الأناشيد منها ما هو مشروع , ومنها ما هو محظور ، فما خالطه المنكر , حُرّم لأجله ، وما سَلِم من المنكر بكافّة صُوَره ، وصَفَت نيّة صاحبه ، فلا بأس فيه ، والله تعالى أعلم .
القول الراجح: أن الأناشيد الإسلامية لايمكن أن نحكم عليها بحل أو بحرمة مطلقا وإنما تجوز بشروط وإليك أقوال العلماء فى ذلك :
سئل الشيخ الجبرين عن تشغيل أشرطة الأناشيد من بعض النساء فى الأعياد ؟(1/17)
فأجاب: ننصح الأخوات المُستقيمات أن يشغلن أوقاتهن بطلب العلم النافع والتزود منه وبذكر الله تعالى ودعائه وبتلاوة القرآن وتدبره وأن يبتعدن عن الرقص واللعب وسماع الأغاني والضرب بالدفوف في أيام الأعياد وغيرها، وإنما يُرخص في شيء من ذلك في مناسبات الأفراح والزواجات، وقد يُرخص أيضًا للأطفال والجواري الصغيرات في شيء من الأناشيد التي ليس فيها شيء من التشبيب ولا من اللهو واللعب؛ وذلك لما ذُكر عن عائشة أنه دخل عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- وعندها جاريتان من الأنصار تُغنيِّان بما قيل في يوم بُعاث وذلك في يوم عيد، فأقرهما النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم دخل أبو بكر رضي الله عنه فأنكر عليهما وسمى ذلك(مزمار الشيطان)فأقره النبي- صلى الله عليه وسلم- على هذه التسمية واعتذرت عائشة بقولها فانظروا إلى جارية حديثة السن تُحب اللهو،فاعتذرت عن نفسها في ذلك الوقت،والله أعلم
قال العلامة عبدالعزيز ابن باز - رحمه الله-: (الأناشيد الإسلامية تختلف فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا
الدعوة إلى الخير والتذكير بالخير وطاعة الله ورسوله والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء والاستعداد للأعداء ونحو ذلك فليس فيها شيء، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي واختلاط النساء بالرجال أو تكشف عندهم أو أي فساد فلا يجوز استماعها ) اهـ "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (3/437). ...
و قال أيضا رحمه الله : (الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار؛ إن كانت سليمة فهي سليمة، و إن كانت فيها منكر فهي منكر...والحاصل أن البَتَّ فيها مطلقاً ليس بسديد، بل يُنظر فيها ؛ فالأناشيد السليمة لا بأس بها، والأناشيد التي فيها منكر أو دعوة إلى منكرٍ منكرةٌ ) [ راجع هذه الفتوى في شريط أسئلة و أجوبة الجامع الكبير ، رقم : 90 / أ ](1/18)
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين -رحمه الله- : ( الأناشيد الإسلامية كثُرَ الكلام حولها، و أنا لم أستمع إليها منذ مدة طويلةٍ، وهي أول ماظهرت كانت لابأس بها، ليس فيها دفوف، وتُؤدَّى تأديةً ليس فيها فتنة، وليست على نغمات الأغاني المحرمة، لكن تطورت وصارَ يُسمع منها قرع يُمكن أن يكون دُفاً، و يمكن أن يكون غيرَ دُفٍّ. كما تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة، ثم تطورت أيضاً حتى أصبحت تؤدى على صفة الأغاني المحرمة، لذلك: أصبح في النفس منها شيءو قلق، ولايمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال ولا بإنها ممنوعة على كل حال، لكن إن خلت من الأمور التي أشرت إليها فهي جائزة، أما إذا كانت مصحوبة بدُفٍ، أو كانت مختاراً لها ذوو الأصوات الجميلة التي تَفتِن، أو أُدِّيَت على نغمات الأغاني الهابطة، فإنّه لايجوز الاستماع إليها ) [ انظر : الصحوة الإسلامية ، ص : 185] ) .
قال محدّث الديار الشاميّة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: (إذا كانت هذه الأناشيد ذات معانٍ إسلامية، و ليس معها شيء من المعازف وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوِها ، فهذا أمرٌ لا بأس به، و لكن لابد من بيان شرطٍ مهم لجوازها، وهو أن تكون خالية من المخالفات الشرعية؛ كالغلوّ، و نَحوِه، ثم شرط آخر، وهو عدم اتخاذها دَيدَناً، إذ ذلك يصرِفُ سامعيها عن قراءة القرآن الذي وَرَدَ الحضُّ عليه في السُنَّة النبوية المطهرة، و كذلك يصرِفُهُم عن طلب العلم النافع، والدعوة إلى الله سبحانه ) [العدد الثاني من مجلة الأصالة ، الصادر بتاريخ 15 جمادى الآخرة 1413هـ ] .
سئل فضيلة الشيخ / سلمان بن فهد العودة حفظه الله ما حكم سماع الأناشيد الإسلامية، وما رأيكم في الإكثار من سماعها، وما الأصل في الأناشيد الإسلامية؟. الجواب وصلت رسالتكم عبر البريد الإلكتروني وصلكم الله بطاعته ، ونرجو أن نتواصل على خير.(1/19)
بالنسبة للأناشيد الإسلامية الأصل فيها الإباحة إلا أن تكون مصحوبة بآلات العزف، لكن يعتدل الإنسان في سماعها بحيث لا تستغرق وقته، إنما يسمعها في السفر أو في السيارة أو لتجديد النشاط، أو ما شابه ذلك من المقاصد الحسنة. ومن نافلة القول أن الأناشيد إذا كانت مشتملة على معانٍ رديئة أو أفكار فاسدة فهي مما ينبغي حماية الإذن من سماعه. فتلخص من ذلك ثلاثة ضوابط:
أولها: ألا تشتمل على صوت محظور .
ثانيها: ألا تشتمل على معنى محظور .
ثالثها: ألا تغلب على الإنسان وتأخذ جل وقته وهمه ، ولهذا بوب البخاري" باب من كان الغالب عليه الشعر" ثم روى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً وصديداً خير له من أن يمتلئ شعراً، وهذا محمول على أحد معنيين:
(1) إما أن يكون المقصود الشعر الرديء من مفاخرات الجاهلية وغزلها وهزلها .
(2) أو أن يكون المراد الانشغال بالشعر والانهماك فيه حتى يمتلء من جوفه وأرجح أن يكون المقصود مجموع الأمرين فلا يحسن بالمرء أن يملأ حياته برديء الشعر، وإلا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للشريد بن سويد: هل معك من شعر أمية بن الصلت شيء؟ قال نعم فأنشده مائة قافية.
وقد كان الصحابة يتناشدون الأشعار، ويرددونها في المناسبات، في الجهاد، ووقت بناء المسجد, والسفر، وما حديث (رويدك يا أنجشة..) وحديث (نحن الذين بايعوا محمداً..) وحديث (اللهم إن العيش عيش الآخرة..) عنا ببعيد.. وكلها في الصحيح. الشيخ سلمان العودة موقع الإسلام اليوم .
المصادر
الموقع الرسمى للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
الموقع الرسمى للشيخ عبدالعزيز بن باز.
موسوعة الفتاوى الإسلامية على الإنترنت.
القول السديد في حكم سماع الأناشيد وأدائها د . أحمد عبد الكريم نجيب
سلسلة كتاب الدعوة، الفتاوى لفضيلة الشيخ: محمد بن عثيمين –رحمه الله- نقلا عن موقع الإسلام اليوم.
الشبكة الإسلامية. ..(1/20)