خيار الرؤية في الفقه الإسلامي المقارن
... تعريفه : هو الحق الذي يثبت به الفسخ أو إمضاء العقد عند رؤية محل العقد الذي لم يره .
خيار الرؤية حق مالي ، وليس شخصي يثبت عن طريقه أحد الحقين إما فسخ العقد أو إتمامه ، وذلك عند رؤية محل العقد .
... كأن يشتري أحدهم شيئاً لم يره ، فله عند رؤية المبيع إما فسخ العقد واسترجاع الثمن أو الرضا به وجعله قطعياً .
... مشروعيته :اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في مشروعية خيار الرؤية إلى اجتهاديين هما :
... الاجتهاد الأول : يقر بخيار الرؤية ويعتبره موجوداً ضمنياً ليس بحاجة إلى الإنفاق عليه ، وذهب إلى هذا الحنفية ، والزيدية ، والظاهرية ، أما المالكية : فإنهم يعترفون بالخيار بيد أنهم يشترطون الاتفاق الصريح عليه.
... الاجتهاد الثاني : لا يقر بخيار الرؤية مطلقاً ، وذهب إلى هذا كل من الشافعية في الجديد، وأشهر الروايتين عند الإمام أحمد .
الفرع الأول
الاجتهاد الأول : إثبات خيار الرؤية
... استدل الجمهور على اجتهادهم هذا من الأدلة النقلية والعقلية :
... 1-الكتاب :
... قوله تعالى :{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا }(البقرة:275) .
فالخالق العظيم حلل البيع جميعه سواء أكان منصباً على عين موجودة أو غائبة ، والتحريم لا يثبت إلا بنص صريح صحيح .
... 2-السنة :
... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من اشترى شيئاً لم يره ، فهو بالخيار إذا رآه ، إن شاء أخذه ، وإن شاء تركه } .
وجه الاستدلال : ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرح بخيار الرؤية للمشتري الذي لم ير ما اشتراه إن شاء أخذه وإن شاء تركه .
... 3-الأثر :(1/1)
... ما روي عن عثمان بن عفان أنه باع أرضاً له بالبصرة لطلحة بن عبد الله رضي الله عنهما ، فقيل لعثمان : إنك قد غبنت { وكان المال بالكوفة لم يره عثمان حين ملكه } فقال عثمان : لي الخيار لأني بعت مالم أر ، فقال طلحة : لي الخيار لأني اشتريت مالم أر ، فحكما بينهما جبير بن مطعم فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان .
... فكان هذا القضاء بمحضر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين،ولم ينكره أحد ، فكان هذا إقرارا منهم على شرعية خيار الرؤية .
... وقال الحسن البصري : { من اشترى شيئاً فلم يره فهو بالخيار إذا رآه }.
... فهذا الحسن البصري وهو من كبار التابعين يثبت مشروعيته خيار الرؤية لمن يشتري شيئاً لم يره .
... 4-العقل :
... أنه مال مقدر التسليم ولا ضرر في بيعه ، فالتاجر قد يحتاج إلى شراء سوالع غائبة عنه فيجعل له الخيار عند الرؤية دفعاً للضرر عنه عندما يجد أن محل العقد غير موافق لغرضه ومقصوده ، وأما قد يكون من جهالة في المعقود عليه فلا تؤثر في صحة العقد ، لأنها لا تفضي إلى النزاع بسبب إعطاء الخيار لمن لم ير محل العقد .
الفرع الثاني
الاجتهاد الثاني : نفي خيار الرؤية
... استدل أصحاب هذا القول على اجتهادهم بالأدلة النقلية التالية :
... 1-السنة :
... أ-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر } .
... ب-قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تبع ما ليس عندك } .
... ج-عن حكيم بن حزام ، قال :سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ما ليس عندي أبيعه منه ، ثم أبتاعه له من السوق ، قال : لا تبع ما ليس عندك .
فالأحاديث واضحة الدلالة في التأكيد على النهي عن بيع الغرر وبيع ما ليس في ملكه ، وأن بيع مالم يره يدخل ضمن بيع الغرر وبيع ما ليس عنده .
الفرع الثالث
مناقشة أدلة الفريقين والترجيح بينهما(1/2)
... ولعل الراجح ما ذهب إليه الجمهور للأسباب التالية :
... 1-أن حديث { ومن اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه ، إن شاء أخذه ، وإن شاء تركه } .
... فقد روى هذا الحديث البيهقي مرسلاً ، والمرسل عند أكثر أهل العلم حجة والحديث نص في الباب فلا يترك بلا معارض.
... 2-ما روي عن خصومة عثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله رضي الله عنهما وأن جبير بن مطعم قد حكم بينهما بمحضر من الصحابة ، فإن هذه الخصومة تعتبر إجماعاً سكوتياً ظاهراً وخاصةً أنه لم يرد مخالف لهذا الإجماع .
... 3-أما عن الاحتجاج بأن هذا النوع من البيوع يعتبر غرراً فهذا الاحتجاج غير صحيح ، لأن البائع يصف للمشتري جنس و نوع المبيع ، وهو أيضاً مخير إن شاء رد المبيع ، وإن شاء قبله مما يعتبر هذا كافياً لرفع أي غرر قد يلحق المشتري .
... 4-أما عن الاحتجاج بأن هذا النوع من البيوع يدخل ضمن قوله صلى الله عليه وسلم { لا تبع ما ليس عندك } ، فإن هذا الحديث لا يدخل فيه هذا النوع من البيوع ، لأن البائع يبيع ما هو عنده ولكن ليس المبيع متواجد أمام المتعاقدين لسبب من الأسباب غير الملكية .
... 5-أن هذا النوع من الخيار يعتبر علاجاً عملياً للغبن الذي قد يصاب به المتعاقد عندما يقبل على إبرام عقده دون أن يرى محله .
... مسقطات خيار الرؤية :
... يسقط خيار الرؤية بالأسباب التالية سواء حصلت قبل الرؤية أم بعدها :
... 1-كل تصرف يتصرفه المشتري يؤدي إلى نقل الملكية أو بعضها ، كما لو باع السلعة التي اشتراها لشخص آخر بيعاً لا خيار فيه ، أو وهب المبيع أو أجره أو رهنه إلى غير ذلك من التصرفات التي لا تصدر إلا عن مالك ملكية تامة لا خيار فيها .
... 2-هل كان العقد أو تعييبه بعيب يمنع الرد ، سواء أكان ذلك بفعل العاقد أو بفعل أو سبب أجنبي عن العقد سواء أكان شخصاً طبيعياً أو آفة سماوية .
... 3-زيادة المبيع بعد القبض زيادة الرد ، كما لو كانت أرضاً فزرعها .
...
... 4-موت صاحب الخيار .(1/3)
و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين .
( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( سورة البقرة : الآية 286) .
نقال 0096395453111
http://saaid.net/Doat/moslem
abokotaiba@hotmail.com
الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقاً
و الباحث في الدراسات الفقهية و القانونية(1/4)
خيار الشرط في الفقه الإسلامي المقارن
... تعريفه : قال ابن عابدين يرحمه الله تعالى :{خيار الشرط مركب إضافي صار علماً في اصطلاح الفقهاء على ما يثبت ، لأحد المتعاقدين من الاختيار بين الإمضاء والفسخ ... ... }.
... ... ... ...
كأن يقول البائع للمشتري ، بعت لك هذا العقار بمائة ألف على أن يكون لي الخيار لمدة ثلاثة أيام ، فإذا قبل المشتري هذا الشرط كان للبائع الحق في إمضاء البيع أو فسخه في المدة المشروطة .
... ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعية هذا الشرط والمذاهب التي أثبتت هذا الخيار هي : الحنفية ، المالكية ، الحنابلة ، الشافعية ، الزيدية ، وانفرد ابن حزم بإنكار هذا الخيار .
... الأدلة :
... 1- أدلة الجمهور :
... استدل الجمهور بمشروعية خيار الشرط بالأدلة النقلية والعقلية .
... أ - السنة :
... * عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من بايعت فقل لا خلابة ، فكان إذا بايع ، يقول لا خلابة }.
... وجه الدلالة : { أن هذا الحديث صرح بمشروعية خيار الشرط .
... * عن أنس بن مالك أن رجلاً كان في عقدته ضعف وكان يبايع ، وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ! احجر عليه ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه فقال يا رسول الله ! إني لا أصبر عن البيع ، فقال : { إذا بايعت فقل هاء هاء ، لا خلابة }.
? قال نافع : { وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه } .
... وفي رواية المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار ، واستدل الجمهور أيضاً بالأحاديث التي تدل على اعتبار الشروط في العقود بما يلي: عن عائشة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : المسلمون على شرائطهم والصلح جائز بين المسلمون .
... ويستدل من كل هذه الأحاديث التي أوردها الفقهاء أن الشريعة الإسلامية قد أثبتت مشروعية خيار الشرط .(2/1)
... ب - الإجماع :
... ادعى النووي أن هذا الشرط قد نقل فيه الإجماع .
... أدلة ابن حزم :
... أما ابن حزم يرحمه الله تعالى ، فقد خالف الجمهور وقال بعدم مشروعية خيار الشرط وجادل الجمهور جدالاً عنيفاً نورد فيما يلي أهم حججه :
... 1 - أقر ابن حزم بصحة حديث { لا خلابة } بيد أنه وقف عند ظاهر الحديث فأدعى بأن الذي يقول لا خلابة يكون بالخيار ثلاثة أيام أما من يأتي بلفظ آخر وهو قادر على التلفظ بلا خلابة ، فلا يثبت له الخيار .
ولا جرم بأن هذا الجمود هو أحد الأسباب التي أدت إلى انقراض المذهب الظاهري الذي يتمسك بظواهر النصوص التي قد تحتمل أكثر من حكم ومعنى ، فما الحكمة من الوقوف على لفظ لا خلابة وجعله لفظاً لا يصح تغييره أو تبديله فما الفرق أن نشترط عدم الخلابة ، أو عدم الغبن أليست النتيجة واحدة وهي عدم وجود خديعة أو غبن أو غير ذلك من الخدع التي تؤثر على عقد المتعاقدين .
... 2- احتج ابن حزم بأن الصحابة لم يرد عنهم أي خبر يثبت مشروعية خيار الشرط .
... 3 - ثم جاء ابن حزم بحجة ثالثة ، فقال : إنما شروط المسلمين الشروط التي جاء القرآن والسنة بإباحتها فقط ، 0قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } .
ولعل من خير من رد على اجتهاد ابن حزم وأثبت شرعية الشروط التي لا تخالف حكماً نص عليه كتاب الله وسنة رسوله شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله تعالى حين قال : { وتصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود } .
وقال في مكان آخر : { فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط ، والمواثيق ، بأداء الأمانة ورعاية ذلك والنهي عن الغدر ونقض العهود ... ولو كان الأصل فيها الحظر والفساد إلا ما أباحه الشرع لم يجز أن يؤمر بها مطلقاً ويذم من نقضها وغدر مطلقاً ... } .(2/2)
... وقال في موضع آخر : { أن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله ولا يحرم ما أباحه الله فإن شرطه يكون حينئذٍ إبطالاً لكلام الله ، وكذلك ليس له أن يسقط ما أوجبه الله تعالى ، وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم تكن واجباً بدونه } .
... ... وقال أيضاً : { أن العقود والشروط من باب الأفعال العادية والأصل فيها عدم التحريم فيستصحب عدم التحريم بقوله تعالى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } (الأنعام:119) . ...
... عام في الأعيان والأفعال ، وإذا لم تكن حراماً لم تكن فاسدة ، لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم ، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة وأيضاً، فليس في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت حله بعينه } .
... فشيخ الإسلام ابن تيمية يثبت مشروعية الشروط التي لا تخالف حكم في كتاب الله أو سنة رسوله ، وهذه الشروط صحيحة في كل العقود سواء أكانت منصبة على بيع أو شراء أو نكاح أو غيرها .
... والبيان الإلهي يأمر المتعاقدين في كثير من الآيات أن يوفوا بالعهود التي تعاهدوا عليها برضا ، وطبعاً يدخل ضمن إطار الآيات الشروط التي لا تخالف كتاباً ولا سنة ، ويحذر الخالق العظيم من نقض تلك العهود والمواثيق .
فإذا كان الأصل في العادات الإباحة فلا جرم بأن عقود المسلمين وشروطهم صحيحة ولا يطالب الذاهب إلى صحتها بدليل يدل على ذلك وإنما الذي يطالب بدليل هو من يبطل هذا الشرط .
... لمن يثبت خيار الشرط :
... فقهاء الشريعة الإسلامية أثبتوا خيار الشرط لكلا المتعاقدين أو لأحدهما ، أو حسب ما تراضيا عليه ، وهذا ما ذهب إليه كل من الشافعية ، والحنفية ، والحنابلة ، والمالكية ، ، والزيدية.(2/3)
... واستدل أصحاب هذا الاجتهاد على جواز الاشتراط لأحدهما دون الآخر بحديث حبان { لا خلابة } واتفقوا أيضاً على جواز خيار الشرط للمتعاقدين أو أحدهما ، أما اشتراط خيار الشرط لأجنبي عن العقد فقد صح هذا الشرط عند الحنفية ، والمالكية ، والزيدية ، والحنابلة.
... قال ابن قدامة المقدسي يرحمه الله تعالى : { إن اشتراط الخيار لأجنبي صح وإن كان اشتراطا لنفسه وتوكيلاً لغيره ، وهذا قول أبي حنيفة ومالك ... ... }.
... وقال المرداوي يرحمه الله : { وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلاً له فيه ، وإن شرط الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز } .
... وسئل الإمام مالك يوماً في الرجل يبيع السلعة أو يشتريها على أن أخاه أو رجلاً أجنبياً بالخيار فقال : { البيع جائز لا بأس به وإن رضي البائع أو رضي فلان فالبيع جائز } .
... أما الإمام زفر فقد خالف أصحابه من الحنفية بحجة أن هذا الشرط لا يجوز وهو مفسد للعقد ، لأن هذا الشرط خلاف ما يقتضيه العقد فخيار الشرط من حقوق العقد وهذه الحقوق لا تثبت إلا للمتعاقدين فقط ، فإذا اشترط أحدهما لأجنبي عن العقد كان هذا الشرط خلاف ما يقتضيه العقد فيصبح هذا الشرط مفسداً للعقد كما أن خيار الشرط شأنه شان خيار العيب والرؤية ، وهما لا يثبتان لغير العاقد وكذلك خيار الشرط .(2/4)
... أما حجة الإمام الأعظم يرحمه الله تعالى في صحة اشتراط الخيار للأجنبي ، إن هذا الاشتراط يدخل ضمن اشتراط الخيار لنفسه ، لأنه يجعل الغير نائباً عنه في هذا الحق ، ولا يكون نائباً عنه في حق إلا إذا أثبت له ذلك الحق ، ولهذا ابتداء يثبت للشارط ، ثم لا يكون هو وكيلاً عنه ولو اشترط الخيار لنفسه ووكل به غيره جاز ، لأنه إنما اشترطه لإزالة الغبن الذي قد يلحقه ، وقد يشتري الإنسان شيئاً وهو غير مهتد فيه فيحتاج إلى اشتراط الخيار لمن يكون مهتدياً فيه من صديق ونحوه فلحاجته إلى ذلك جعلناه كاشتراط الخيار لنفسه ، ولا جرم بأن الراجح هو اجتهاد الإمام الأعظم ، لأنه الأقوى حجة والأكثر مصلحة وخاصة في عصرنا هذا حيث تشعبت العلوم والمعارف فتخصص لكل نوع من العلوم رجال.
... فقد يشتري تاجر صفقة من السيارات ، وكما هو معلوم فإن هذه السيارات تحتوي على الآلات الدقيقة والتي لا يعرف جودتها وقيمتها إلا المختصين بعلم الصناعات الميكانيكية ، فلو اشترى هذا التاجر تلك الآليات واشترط أن يعرضها على خبير ليقيم سعرها ويبين جودتها.
... لا جرم بأن هذا الشرط يحقق للمشتري أسلوباً وقائياً ضد الغبن والغش وغيرهما ، وكما كانت الشريعة الإسلامية كلها مصالح صحيحة كان هذا الشرط صحيحاً ، والخالق العظيم أعلم .
... مدة خيار الشرط :
... اختلفت اجتهادات الفقهاء الذين أثبتوا خيار الشرط في مدة هذا الخيار إلى اجتهادات ثلاث :
... الاجتهاد الأول : وهو الاجتهاد الجامد ، وقد حدده أصحابه بأيام ثلاثة.
... الاجتهاد الثاني : وهو الاجتهاد العرفي ، وقد حدده أصحابه بالاعتماد على العرف .
... الاجتهاد الثالث : وهو الاجتهاد المرن ولم يقيده أصحابه بعدد من الأيام أو بعرف من الأعراف بل جعلوا الأمر بيد أصحاب الشأن ليحدداه حسب الحاجة .
الفرع الأول
الإجتهاد الأول
الاجتهاد الجامد(2/5)
... وهذا الاجتهاد هو قول أبي حنيفة ، وزفر ، والشافعي ، وبعض ، وكان سند هؤلاء الأدلة النقلية والعقلية.
... 1- ... السنة :
... عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { ذكر رجل للنبي صلى الله علي وسلم أنه يخدع في البيوع ، فقال : إذا بايعت فقل لا خلابة } وزاد ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير وعبد الأعلى عنه { ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد ... ... } .
... بقول ابن حجر { استدل به " أي حديث لا خلابة " على أن مدة الخيار المشترط ثلاثة أيام من غير زيادة ، لأنه حكم ورد على خلاف الأصل ، فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه } .
... ... أي أن الأصل بطلان هذا النوع من الخيار ولكن هذا الحديث الصحيح أجازه بأيامه الثلاث التي حددها الحديث ذاته .
... ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : { ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان جعل له الخيار ثلاثة أيام إن رضي أخذ وإن سخط ترك } .
قال الأوزاعي : يرحمه الله تعالى : { أحب إلينا في الخيار ثلاثة أيام} .
وللرد على دليل ابن عمر أقول بأنه قد روي عن أنس خلافه ولنا أن نختار عند اختلاف الصحابة في الاجتهاد .
... 2- ... القياس :
... قالوا بأن البيع الذي فيه شرط أكثر من ثلاثة أيام فيه غرر وقد روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر } .
...
... ولعل الرد على هذه الحجة سهل جداً ، ذلك أن الغرر يكون عندما لا تحدد مدة الخيار بأيام معدودة ، على أمر ليس لأحد فعله كأن نجعل خيار الشرط متوقفاً على الموت أو غير ذلك من الشروط التي لا يملكها إلا الخالق العظيم .
... أما إذا جعلنا مدة الخيار عشرة أيام مثلاً أو أكثر من ذلك أو أقل فلا يوجد غرر على الإطلاق ، لأننا نعلم مدة بداية الخيار ونهايته والله أعلم .
... 3- ... العقل :(2/6)
... قالوا أن الخيار ينافي مقتضى عقد البيع ، لأنه يمنع نفاذ البيع ولزومه وجواز التصرف به من قبل البائع بالثمن ومن قبل المشتري بالسلعة ، وإنما جوزّه الشارع الحكيم بقول رسوله الكريم .
... وللرد على هذه الحجة أقول بأن الحاجة تقدر بمقدارها ، فإن كانت الحاجة إلى ثلاث أيام ، وكان الخيار ثلاثة أيام ، وإذا دعت الحاجة إلى أكثر من ذلك من الواجب مشروعية ذلك ، لأن الحاجة تقدر بقدرها .
الفرع الثاني
الاجتهاد الثاني : الاجتهاد العرفي
... وصاحب هذا الاجتهاد هو الإمام مالك إمام دار الهجرة ، رضي الله تعالى عنه ، إذ جوز مدة الخيار لأكثر من ثلاثة أيام وذلك اعتمادا على العرف.
... واستدل المالكية على اجتهادهم بما أورده ابن رشد : { أما عمدة أصحاب مالك فهو أن المفهوم من الخيار هو اختيار المبيع ، وذلك يختلف بحسب كل مبيع } .
... وكان نص الحديث { لا خلابة } الذي حدد خيار الشرط بثلاثة أيام ورد عندهم تنبيهاً بأن لكل نوع من البيوع مدة معينة بحسب العرف.
... { إنما الخيار بشرط كشهر في دار ولا يسكن ، وكجمعة في رقيق واستخدامه ، وكثلاثة في دابة ، وكيوم لركوبها ... وكثلاثة في الثوب ... }.
... فالمالكية قد جعلوا العرف هو المحدد لمدة الخيار كشهر في دار على أن لا تسكن وكجمعة في بيع الرقيق ذلك أن هذه المدة تكفي لمعرفة جدار الرقيق ونشاطه والأعمال التي يتقنها وغير ذلك من المدد التي تختلف باختلاف المبيع .
... وأعتقد أن هذا الاجتهاد ملائم للعصور القديمة أما الآن فقد تعقدت الأمور وكثرت السلع وتنوعت حتى أصبحنا نرى في كل يوم سلعة جديدة ، ولا جرم بأن العرف لا يمكن أن يتكون بشكل سريع يلائم هذا التطور الهائل في السوالع ، لذلك لعل الأصلح في هذا العصر عدم تحديد مدة خيار الشرط بعرف معين لصعوبة ذلك بل ترك للمتعاقدين تحديد المدة التي توافق وتلائم السوالع .
الفرع الثالث
الاجتهاد الثالث : الاجتهاد المرن(2/7)
أصحاب هذا الاجتهاد لم يقيدوا خيار الشرط بأيام معدودة و لا بعرف معين بل تركوا الأمر إلى المتعاقدين ليحددوا مدة الخيار وفق مصالحهما.
... وأخذ بهذا الاجتهاد الإمام أحمد ابن حنبل رضي الله عنه ، والإمام محمد بن الحسن وأبو يوسف ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق بن راهوية ، و ابن ثور ، والمذهب الزيدي .
... واستدل هؤلاء الفقهاء يرحمهم الله على اجتهادهم بالأدلة النقلية و العقلية و هي :
... 1- ... السنة :
... قوله عليه الصلاة والسلام : { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا وكانا جميعاً ، أو يخير أحدهما الآخر ، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع }.
... وجه الاستدلال : أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يحدد مدة الخيار بل جعل ذلك متوقفاً على حاجة المتعاقدين وظرفهما ، فقد يحتاج إبرام العقد إلى خبراء ومختصين بعلم من العلوم ليطلع على العقد وبنوده والبضائع وجودتها وبالطبع فإن تقييد مدة الخيار بثلاثة أيام لا يكفي للقيام بكل هذه الأعمال ، ولعل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون عند شروطهم } يساند هذا الرأي ويعاضده .
... 2- ... العقل :
... يقول ابن قدامة يرحمه الله تعالى مبرراً مشروعية ترك تحديد مدة الخيار إلى المتعاقدين إذا كانت المدة معلومة : { ولنا : أنه حق يعتمد الشرط ، فرجع في تقديره إلى مشترطة كالأرجل ، أو نقول : مدة ملحقة بالعقد ، فكانت إلى تقييد المتعاقدين كالأرجل ... } .
... ولعل الراجح في كل ما تقدم أن مدة الخيار غير محددة بوقت معين بل هي ملك للمتعاقدين يستطيعان تحديد المدة التي تلائم ظروفهما وطبيعة كل عقد عقداه .
الفرع الرابع
مسقطات الخيار
... يسقط هذا الخيار بأحد هذه الأسباب :(2/8)
... 1- ... إجازة العقد أو فسخه : أجمع اجتهاد الفقهاء الذين يثبتون خيار الشرط على أن خيار الشرط يسقط ، ويصبح البيع باتاً عند إجازته ، وهذه الإجازة قد تكون فعلية أو قولية ، أما الإجازة الفعلية : كأن يتصرف بالمبيع تصرف المالك أما الإجازة القولية : كأن يقول صاحب الخيار صراحة أو كناية بأنه قد أجاز البيع أو فسخه .
2- هلاك المبيع : ذهب المالكية إلى أن البائع صاحب الخيار إذا جنى على مبيعه ، فإن هذا السلوك المتعمد يسقط الخيار ، أما إذا جنى البائع على البيع من دون قصد ، فله إمضاء البيع بماله من خيار التردي ، لأن جنايته خطأ وليست رداً للبيع إذا أمضى البائع البيع فللمشتري إما الرضا بالمبيع أو الرد وأخذ ما دفعه .
أما إذا هلك المبيع بفعل البائع في زمن الخيار وكان الخيار للبائع انفسخ البيع ، أما إذا كان الخيار للمشتري ، وحاول البائع إتلاف المبيع ، فلم يتلف فلصاحب الخيار رد المبيع وأخذ ثمنه ، أو إمضاء البيع ، وأخذ تعويض لما فعله البائع .
ذهب الحنفية : إلى أن تعييب أو هلاك المبيع في يد المشتري صاحب الخيار في زمن الخيار يمنع فسخ العقد ، ويلزم بالثمن ، ويسقط الخيار ، ويصبح العقد باتاً ، أما إذا كان الخيار للبائع فإنه لا يمنع الرد وفي هلاكه يبطل ويضمن المشتري القيمة .(2/9)
... ذهب الشافعية : إلى أن تعيب البيع أو هلاكه ، أو نقصانه قبل القبض ، فإن خيار الشرط يسقط بهلاك المبيع ، أما إذا كان الهلاك أو التعيب بعد القبض ، فإن الخيار للبائع وحده ، أو للمتعاقدين معاً ، فإن الملك للبائع وبالتالي فإن هلاك المبيع لا يمكن معه إتمام المعاوضة ، فينفسخ العقد ويبطل الخيار ، أما إذا كان الخيار للمشتري ، فالهلاك يعتبر من ضمن مسقطات الخيار التي يلزم بها العقد ، لأنه عجز عن التصرف بحكم الخيار حين أشرفت وإن كان الخيار للبائع وحده فينفسخ العقد ، لأن الملك للبائع وتعذر نقله ، أما إذا كان الخيار للمشتري أولهما معاً فلا أثر للهلاك على العقد أو خيار الشرط وإنما تتأثر بتصفية هذا العقد فإن اختار صاحب الخيار إمضاء العقد فعليه دفع الثمن، وإذا اختار فسخ العقد فله قيمة المبيع بدلاً من المبيع .
ذهب الحنابلة : إلى تمليك المبيع للمشتري في خيار الشرط من حين العقد ، وهلاك المبيع في يده يسقط الخيار ويصبح العقد قطعياً .
... 3- ... مضي مدة الخيار: إذا مضت مدة الخيار ولم يرد من له الخيار فيصح العقد قطعاً ويصبح لازماً للمتعاقدين ، سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لأجنبي .
3- موت من له الخيار : إذا مات من له الخيار يسقط الخيار ، ويصبح العقد باتاً ، واختلف الفقهاء في وراثة خيار الشرط ، ذهب الحنفية والحنابلة : إلى أن خيار الشرط لا يورث ،وذهب كل من الشافعية والمالكية إلى أن خيار الشرط يورث لأن الوارث قائم مقام المورث .
... أما حجة الحنفية والحنابلة أن خيار الشرط مشيئة وإرادة والمشيئة والإرادة لا يورثان .
... ولعل الراجح { والله أعلم } هو اجتهاد كل من الشافعية والمالكية لقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام : { من ترك مالاً أو حقاً فلورثته } .
... و لا جرم بأن الذي تركه المورث هي من الحقوق المالية ، والحديث الشريف قد صرح بأن الحقوق عام والمالية خاصة للورثة ، وهكذا فإن خيار الشرط يورث كأي حق آخر.(2/10)
و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين .
( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( سورة البقرة : الآية 286) .
نقال 0096395453111
http://saaid.net/Doat/moslem
abokotaiba@hotmail.com
الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقاً
و الباحث في الدراسات الفقهية و القانونية(2/11)
خيار المجلس في الفقه الإسلامي المقارن
... تعريفه : هو أن يكون لكل من المتعاقدين حق فسخ العقد ، أو إمضائه ما داما في مجلس العقد ، فإن افترقا لم يكن ، لأي منهما حق فسخ العقد بعد ذلك .
الفرع الأول
... مشروعيته : انقسم فقهاء الشريعة الإسلامية في مشروعية خيار المجلس إلى اجتهادين .
اجتهاد يثبت بالخيار ، واجتهاد ينكره.
وأخذ باجتهاد إثبات خيار المجلس كل من الشافعية ، والحنابلة ، والظاهرية ، والزيدية .
... وأخذ باجتهاد إنكار خيار المجلس كل من المالكية ، والحنفية.
أدلة الإجتهاد ألأول :
... 1 - السنة :
... أ ـ قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا ، وكانا جميعاً ، أو يخير أحدهما الآخر ، فإن خير أحدهما فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع وجب البيع } .
... ب ـ قول الرسول صلى الله عليه وسلم : { البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعها } .
... 2 - الأثر :
... قول ابن عمر رضي الله عنه ما { كانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا } ومن المتفق عليه في أصول الحديث والفقه أن قول الصحابي له حكم الحديث المرفوع.
... 3- العقل :
... أن مصلحة المعاملات والمتعاملين بالتجارة بحاجة إلى هذا الخيار ، لأن الإنسان قد يشتري ، أو يبيع شيئاً ، ثم يتبين له أنه قد غبن أو أن هذا العقد ليس في مصلحته فيميل إلى فسخ العقد مستنداً في ذلك إلى هذا الخيار.
أدلة الاجتهاد الثاني :
... احتج أصحاب الاجتهاد الثاني على عدم ثبوت الخيار بالأدلة النقلية والعقلية:
... 1- ... الكتاب :
... أ- قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1)(3/1)
... ب- قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (النساء:29).
... يستدل بالآية الأولى على وجوب العقد بعد تبادل الإيجاب والقبول و بالتالي فالعقد أصبح ملزماً واجب الوفاء .
... ويستدل بالآية الثانية على إباحة أكل المال ولم تجعل لذلك شرطاً إلا التراضي ولم تقيد ذلك الأكل بالتفرق عن مكان العقد ، وعليه يترتب جواز الأكل في المجلس قبل التفرق والتخاير .
... 2- ... السنة :
... أ - قول رسول الله صلى الله عليه { من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه }.
... وجه الأدلة بهذا الحديث أن التفرق ليس قيداً على البيع ولو كان كذلك لذكره الرسول صلى الله عليه وسلم .
... ب - قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ، إلا أن تكن صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقليه } .
... وجه دلالة هذا الحديث أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة.
... 3- ... القياس :
قاسوا البيع على النكاح ، والخلع والرهن والصلح على دم العمد وكل منهم يتم بلا خيار ويصبح مبرماً باتاً بمجرد اللفظ الدال على الرضا ، وكذلك البيع.
... 4- عمل أهل المدينة :
... واحتج المالكية بعمل أهل المدينة لا يأخذون بخيار المجلس ، وعمل أهل المدينة مقدم على النص إذا تعارض النص معه .
... 5- ... العقل :
... أن خيار المجلس خيار بمجهول ، فإن مدة المجلس مجهولة ، وهذه جهالة فاحشة ممنوعة من الشرع .
الفرع الثاني
الترجيح بين الاجتهادين
... احتج الفريق الأول من الفقهاء بأحاديث صحيحة ظاهرة الدلالة على مشروعية خيار المجلس .
... أما الفريق الثاني من الفقهاء فاحتجوا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }(المائدة:1) ،(3/2)
... فإن الوفاء لا يكون إلا بعد عقده وهذا النوع من العقود لا يعقد إلا بعد التفرق عن مجلس العقد أو بأن يخير أحدهما الآخر بعد التعاقد .
... أما بالنسبة لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (النساء:29)
فالبيان الإلهي لم يذكر خيار المجلس في هذه الآية بل جعل لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من المجمل وأحاديث خيار المجلس من المفصل لهذه الآية والمقيد لها .
وبالنسبة لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : { ومن ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه } ، فلا يوجد دليل على بطلان خيار المجلس فالبيع لا يتم إلا بعد التفرق أو التخيير وإلا فلم يبتاع المبتاع أصلاً ، وهذا بالإضافة إلى أحاديث خيار المجلس صريحة وصحيحة عند أهل الحديث .
... أما بالنسبة لعمل أهل المدينة : فإن عملهم ليس حجة فأهل المدينة كأي أهل مدينة من أمصار المسلمين وعملهم ليس حجة لهم بل النص الصحيح حجة عليهم ، والله أعلم .
... قال الإمام الشافعي يرحمه الله : { لا أدري هل أتهم مالك نفسه أو نافعاً؟ وقال ابن أبي ذئب : يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث } .
أقول والله أعلم { بأن اجتهاد الإمام مالك يرحمه الله تعالى : يدخل ضمن حكم الحديث الوارد عن مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر} .
... ولا جرم بأن الإمام مالك قد اجتهد وأخطأ لسبب من الأسباب وهو معذور وله الأجر إن شاء الله كما ثبت في الحديث السابق ولكن الذي يلام هو من قلده فيما اجتهد فيه ، وكان الأولى إتباع الحديث الصحيح وعدم إتباع ذلك الاجتهاد كائن من كان صاحبه ، غفر الله لنا ولهم .
الفرع الثالث
لمن يثبت خيار المجلس(3/3)
يثبت هذا الخيار لعموم أنواع المعاوضات كالبيع والشراء والإجازة ونحو ذلك ، أما النكاح ، والعتاق ، فإنه لا يثبت فيها خيار المجلس .
... ... ويثبت خيار المجلس لكلا المتعاقدين ، البائع والمشتري .
... ... مسقطات خيار المجلس :
... لا يسقط خيار المجلس إلا بانفضاض المجلس ، ولا يكون الانفضاض إلا بتفرق المتبايعين بأبدانهما .
و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين .
( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( سورة البقرة : الآية 286) .
نقال 0096395453111
http://saaid.net/Doat/moslem
abokotaiba@hotmail.com
الشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
مدير معهد المعارف لتخريج الدعاة في الفلبين سابقاً
و الباحث في الدراسات الفقهية و القانونية(3/4)