موسوعة فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ
حكم تارك الصلاة
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
إن أفضل الأعمال بعد الشهادتين الصلوات الخمس , ولهذا الفضل أمر الله تعالى بالمحافظة عليها , قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)النساء103 , وعندما بَعَثَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ له (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ فِي ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْم ٍ... الحديث)متفق عليه , فكانت وصيته له بعد شهادة التوحيد هي إقامة الصلاة , والأحاديث في فضل الصلاة وأهميتها والأمر في المحافظة عليها أكثر من أن تحصى , وقد أبتلي بعض الناس بتركها مع شديد الوعيد من الله تعالى على من تركها , وكثير الفضل والإحسان لمن حافظ عليها قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ)صححه الألباني , هذا وقد اختلف العلماء على حكم تاركها والسبب في ذلك الخلاف إنه جاءت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى تارك الصلاة كافراً من غير تفريق بين الجاحد و المتهاون ومن الناحية الأخرى فهناك أحاديث وآيات لا تخرج تارك الصلاة من الملة , هذا إذا كان قد تركها تكاسلاً وتهاوناً مع الإعترف بوجوبها وأقر بفرضيتها كما هو حال كثير من(1/1)
الناس, أما من تركها وهو غير مقر بوجوبها فهو كافر ولاخلاف بين العلماء في ذلك.
ولقد اختلف العلماء على حكم تاركها تكاسلاً وتهاوناً مع اعترفه بوجوبها واقراره بفرضيتها إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول
إنه كافر كفر أكبر مخرج من المله ويعطى فرصة للتوبة وينتظر إلى آخر وقت الصلاة فإن جاء آخر الوقت ولم يصل قتل كافراً وماله فيء للمسلمين ويدفن في مقابر الكفار.
القول الثاني
من ترك الصلاة تكاسلاً ليس بكافر ولكنه فاسق عاص مرتكب كبيرة من الذنوب يستحق عليها القتل ولذلك ينتظر إلى آخر الوقت ويؤمر بالصلاة فإن لم يصل حتى خروج الوقت قتل لا لكفره ولكن لأن عقوبة تارك الصلاة القتل ولذلك فإنه يدفن في مقابر المسلمين ويصلى عليه وماله لورثته.
القول الثالث
من ترك الصلاة وهو مقر بوجوبها ليس بكافر ولكنه فاسق لا تقبل له شهادة , ويخشى عليه سوء الخاتمة.
ومما سبق يتضح أن هذه الأقوال الثلاثة هي من حيث الحكم على تارك الصلاة قولان:
أولهما : أنه كافر كفر أكبر مخرج من الملة.
وثانيهما : أنه ليس بكافر وإنما هو فاسق مرتكب كبيرة من الأثم.
وكما سبق فإن كل من القولاين له من الأدلة من كتاب الله أو سنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يدعم بها قوله في هذه المسألة , ولقد تكلم أهل العلم سلفاً وخلفاً المتقدمين منهم والمتأخيرين في هذه المسألة منهم الأئمة الأربعة ومن بعدهم فمنهم من كفر تاركها ومنهم من لم يكفره.
ولقد قمت بجمع أدلة كل من الطرفين ولكن بطريقة أن آتى بقول من قال بتكفير تارك الصلاة ثم نلحقها بما رد عليه من الذي لم يكفر تاركها وذلك حتى يكون الرد على دليل من كفر تاركها يلي ذلك الدليل , وذلك بطريق المناظرة بين من قال بكفر تارك الصلاة ومن لم يكفر تاركها.
حوار بين القائلين بكفر تارك الصلاة وبين القائلين بعدم كفره
الفصل الأول أدلة القائلين بكفر تارك الصلاة وإجابة المانعين
الدليل الأول(1/2)
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : من الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)التوبة 11 , ووجه الدلالة من الآية هي أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين , ثلاثة شروط:
الأولى : أن يتوبوا من الشرك.
الثانية : أن يقيموا الصلاة.
الثالثة : أن يؤتوا الزكاة.
فإن تابوا من الشرك , ولم يقيموا الصلاة , ولم يؤتوا الزكاة , فليسوا بإخوة لنا.
وإن أقاموا الصلاة , ولم يؤتوا الزكاة فليسوا بإخوة لنا .والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية , فلا تنتفي بالفسوق , والكفر دون الكفر , ألا ترى إلى قوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)البقرة 178 , فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول , مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر.(1/3)
ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)الحجرات9-10 , فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة , والطائفتين المقتتلتين , مع أن قتال المؤمن من الكفر كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) , لكنه كفر لا يخرج من الملة , إذ لو كان مخرجاً من الملة , ما بقيت الأخوة الإيمانية معه , والآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع الاقتتال.
وبهذا علم أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة , إذ لو كان فسقاً أو كفر دون كفر , ما انتفت الأخوة الدينية به , كما لم تنتف بقتل المؤمن وقتاله , ولكن : هل تارك الزكاة كافراً كما دل عليه مفهوم آية التوبة ؟
الجواب : أن تارك الزكاة لا يكفر – مع أن بعض أهل العلم قال بتكفيره – ولكنه يعاقب بعقوبة عظيمة , ذكرها الله تعالى في كتابه , وذكرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته , ومنها ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه , أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذكر عقوبة مانع الزكاة , وفي آخره , ثم يرى سبيله , إما إلى الجنة وإما إلى النار , وقد رواه مسلم في " باب مانع الزكاة " وهو دليل على أنه لا يكفر , إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى الجنة.
فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة , لأن المنطوق مقدم على المفهوم , كما هو معلوم في أصول الفقه.(1/4)
وأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : بإن هذا الدليل وهو إستدلالكم بقول الله جل شأنه : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)التوبة11 وإنكم قلتم إن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين إقام الصلاة ، فمن لم يقم بها ، فلا يعد أخاً لنا في الدين إلى آخر ما ذكرتموه من أن الأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية , فلا تنتفي بالفسوق , والكفر دون الكفر , و يمكن الرد عليه من وجهين:
أحداهما:
أنه قرن بالصلاة الزكاة ، فهل من تاب وأقام الصلاة لكنه لم يزك لا يكون أخاً في الدين عليه ما على المسلمين ، وله ما للمسلمين ؟!
فإن قلتم : لا ، بل هو أخ في الدين !
قلنا لكم : ما هو دليل التفريق في الآية بين الصلاة والزكاة ، وهما مذكورتان بالترتيب والتساوي عقيب التوبة ؟
فإن قلتم : لأنه ورد ما يخرج تارك الزكاة من الكفر المخرج من الملة وذلك كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه , أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذكر عقوبة مانع الزكاة , وفي آخره , ثم يرى سبيله , إما إلى الجنة وإما إلى النار إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى الجنة , فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة , لأن المنطوق مقدم على المفهوم , كما هو معلوم في أصول الفقه.(1/5)
قلنا لكم : وهذا الذى ذكرتموه هو في حق تارك الصلاة أيضاً فقد ورد ما يخرج تارك الصلاة من الكفر المخرج من الملة وذلك كما في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ) وفي آخر الحديث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ)صححه الألباني , فلو كان كافراً ما كان له أن يدخل الجنة , فمنطوق هذا الحديث مقدم على مفهوم آية التوبة كما قررتم في تارك الزكاة.
فإن قلتم : إن تارك الزكاة ليس أخاً في الدين !!
قلنا : هذا باطل من القول بيقين ، ليس عليه أي دليل!
وأما الوجه الثاني :
قال الإمام ابن عطية في " المحرر الوجيز ":
" تابوا : رجعوا عن حالهم ، والتوبة منهم تتضمن الإيمان ".
فإقامة الصلاة مشروطة ومسبوقة بالتوبة التي هي متضمنة للإيمان ، إذ ذكر الله التوبة قبل ذكر الصلاة أو الزكاة ، فدل ذلك على أنها هي قاعدة الأصل في الحكم بأخوة الدين.
لذا قال الطبري في " جامع البيان ":
" يقول جل ثناؤه : فإن رجع هؤلاء المشركون – الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم – عن كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله ، وأنابوا إلى طاعته ، وأقاموا الصلاة المكتوبة ، فأدوها بحدودها، وآتوا الزكاة المفروضة أهلها: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به ، وهو الإسلام ".
الدليل الثاني(1/6)
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : من الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)القلم35- 43.
فقد أخبر الله تعالى أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين , ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين ومن أحوالهم أنهم يدعون إلى السجود لربهم فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود مع المسلمين في دار الدنيا وهذا يدل على أنهم من الكفار والمنافقين , إذ لو كانوا من المسلمين لأذن لهم الله تبارك وتعالى في السجود كما إذن للمسلمين , فلا يستطيع السجود عندما يكشف الله عن ساقه سبحانه وتعالى إلا المسلمون ويحال ذلك على غيرهم فدل ذلك على أنهم – تاركى الصلاة – مع من لا يأذن له في الصلاة وهم الكفار والمنافقين.(1/7)
وأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : بأن الذين قصدهم الله تبارك وتعالى في قوله (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) , هم الذين يسمعون الأذان والإقامة فيأبون , وبذلك فسرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال أتى النبي رجل اعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فلم يجعل مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة , وقد قالها غير واحد من السلف , وهذا هو الذي فهمه أعلم الأمة وأفقههم من الإجابة وهم الصحابة رضي الله عنهم فقال ابن المنذر في كتاب الأوسط روينا عن ابن مسعود وابي موسى انهما قالا من سمع النداء ثم لم يجب فإنه لا تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر مجمع الزوائد 2/42 , قال وروي عن عائشة أنها قالت من سمع النداء فلم يجب لم يرد خيرا ولم يرد به. سنن البيهقي 3/57 , وعن أبي هريرة انه قال أن تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع المنادي ثم لا يجيبه , فهذا وغيره يدل على أن الإجابة عند الصحابة هي حضور الجماعة وأن المتخلف عنها غير مجيب فيكون عاصيا.
قال الشوكاني في تفسيره:
"ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون" قال الواحدي: قال المفسرون: يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدة ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون، لأن أصلابهم تيبس فلا تلين للسجود. قال الربيع بن أنس: يكشف عن الغطاء فيقع من كان آمن بالله في الدنيا فيسجدون له، ويدعي الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون، لأنهم لم يكونوا آمنوا بالله في الدنيا.(1/8)
"وقد كانوا يدعون إلى السجود" أي في الدنيا "وهم سالمون" أي معافون عن العلل متمكنون من الفعل. قال إبراهيم التميمي: يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقال سعيد بن جبير: يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون. قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل يدعون بالتكليف المتوجه عليهم بالشرع فلا يجيبون، وجملة "وهم سالمون" في محل نصب على الحال من ضمير يدعون "أهـ.
قال ابن كثير في تفسيره للأية :(1/9)
عن أبي بردة عن أبي موسى قال حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول (إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره - قال - وتعرفونه إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقال فكيف تعرفونه ولم تروه قالوا إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجدا وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون" فيقول الله تعالى عبادي أرفعوا رءوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار) , قال أبو بردة : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: الله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث؟ فحلف له ثلاثة أيمان; فقال عمر: ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إلي من هذا. وقال قيس بن السكن: حدث عبدالله بن مسعود عند عمر بن الخطاب فقال: إذا كان يوم القيامة قام الناس لرب العالمين أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء, حفاة عراة يلجمهم العرق, فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم أربعين عاما, ثم ينادي مناد: أيها الناس, أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم وأماتكم وأحياكم ثم عبدتم غيره أن يولي كل قوم ما تولوا؟ قالوا: نعم. قال: فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونها حتى تقذفهم في النار, فيبقى المسلمون والمنافقون فيقال لهم: ألا تذهبون قد ذهب الناس؟ فيقولون حتى يأتينا ربنا; فيقال لهم: أو تعرفونه؟ فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه. قال فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلى لهم فيخر من كان يعبده مخلصا ساجدا, ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد, فيذهب بهم إلى النار, ويدخل هؤلاء الجنة; فذلك قوله تعالى:(1/10)
"ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون".
قال القرطبي في تفسيره:
قوله تعالى: "وقد كانوا يدعون إلى السجود" أي في الدنيا. "وهم سالمون" معافون أصحاء. قال إبراهيم التيمي: أي يدعون بالأذان والإقامة فيأبونه. وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون. وقال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل: أي بالتكليف الموجه عليهم في الشرع، والمعنى متقارب. وقد مضى في سورة البقرة الكلام في وجوب صلاة الجماعة. وكان الربيع بن خيثم قد فلج وكان يهادي بين الرجلين إلى المسجد، فقيل: يا أبا يزيد، لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة. فقال : من سمع حي على الفلاح فليجب ولو حبواً. وقيل: لسعيد بن المسيب: إن طارقاً يريد قتلك فتغيب. فقال: أبحيث لا يقدر الله علي؟ فقيل له: اجلس في بيتك. فقال: اسمع حي على الفلاح، فلا أجيب!
الدليل الثالث
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصّلاَةَ وَاتّبَعُواْ الشّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئا)مريم59 ,60 , فقوله تعالى (إِلاّ مَن تَابَ وَآمَنَ) دليل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات لم يكونوا مؤمنين.(1/11)
وأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : أما استدلالكم بهذه الآية فهو بعيد إذ أن السلف الصالح فسروا هذه الآية وقد اختلفوا في معنى الإضاعة وكذلك اختلفوا في الخلف الذين أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات , فمنهم من قال إن إضاعة الصلاة ليس معناها إضاعتها بالكلية وإنما هي إضاعة أركانها وواجباتها , ومنهم من قال أن الإضاعة هي تأخيرها عن وقتها , ومنهم من قال أنه يقصد بها إضاعة صلاة الجماعة في المسجد , هذا من ناحية معنى الإضاعة أما من ناحية الخلف فمنهم من يقول أنهم اليهود , ومنهم من يقول أنهم اليهود والنصارى , ومنهم من يقول أنهم أقوام من أمة محمد صلي الله عليه وسلم يأتون في آخر الزمان , وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن لكم الإستدلال بهذا الآية التى اختلف في تفسير معنها وحملها على أن الذين (يَلْقُونَ غَيّاً) هم تاركى الصلاة من هذه الأمة مع وجود أدلة صحيحة وصريحة على أن من أتى بالتوحيد ولم يشرك بالله تعالى فإن الله قد يغفر له ويدخله الجنة إذ أن الله تعالى قال أنه يغفر الذنوب جميعاً ولا يغفر أن يشرك به سبحانه وتعالى , والصلاة من جملة هذه الذنوب , قال تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ)النساء48 , والصلاة دون ذلك و لا شك.(1/12)
قال صاحب تفسير أضواء البيان : " واختلف أهل العلم في المراد بإضاعتهم الصلاة، فقال بعضهم : المراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها. وممن يروى عنه هذا القول ابن مسعود، والنخعي، والقاسم بن مخيمرة، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: إن هذا القول هو الصحيح. وقال بعضهم: إضاعتها الإخلال بشروطها، وممن اختار هذا القول الزجاج، وقال بعضهم: المراد بإضاعتها جحد وجوبها. ويروى هذا القول وما قبله عن محمد بن كعب القرظي، وقيل: إضاعتها في غير الجماعات. وقيل: إضاعتها تعطيل المساجد، والاشتغال بالصنائع والأسباب.قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وكل هذه الأقوال تدخل في الآية. لأن تأخيرها عن وقتها، وعدم إقامتها في الجماعة، والإخلال بشروطها، وجحد وجوبها، وتعطيل المساجد منها ـ كل ذلك إضاعة لها، وإن كانت أنواع الإضاعة تتفاوت، واختلف العلماء أيضاً في الخلف المذكورين من هم؟ فقيل: هم اليهود. ويروى عن ابن عباس ومقاتل. وقيل: هم اليهود والنصارى، ويروى عن السدي. وقيل: هم قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأتون عند ذهاب الصالحين منها، يركب بعضهم بعضاً في الأزقة زنى. ويروى عن مجاهد وعطاء وقتادة ومحمد بن كعب القرظي. وقيل: إنهم البربر، وقيل: إنهم أهل الغرب. وفيهم أقوال أخر.قال مقيده عفا الله عنه : وكونهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليس بوجيه عندي , لأن قوله تعالى ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ ) صيغة تدل على الوقوع في الزمن الماضي، ولا يمكن صرفها إلى المستقبل إلا بدليل يجب الرجوع إليه كما ترى. والظاهر أنهم اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين خلفوا أنبياءهم وصالحيهم قبل نزول الآية، فأضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات " .(1/13)
كما أن هذه الآية قد بينت أن هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات (فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً) , أنهم سوف يدخلون النار , ولكن ليس فيها أنهم مخلدون فيها, فكون أن تارك الصلاة يعاقب على تركه لها فهاذا لا خلاف فيه إذ هو صاحب كبيرة من الإثم يستحق عليها العذاب"أهـ.
الدليل الرابع
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (ماسَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)المدثر42 –47 , فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين او مجموعها فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم وإلا فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها.
ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطا في العقوبة على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف في العقوبة فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك إذ لا يمكن لقائل ان يقول لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر وقد قال (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)القمر48-47 , وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ)المطففين29 , فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.(1/14)
فأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : بأن الآية إنما فيها أنهم يدخلون النار عقوبة لهم على هذه الخصال التي اتصفوا بها وهذا لا يختلف فيه أحد إذ من المعلوم أن الإنسان – المسلم – إذا أذنب ذنبا فإن الله عز وجل سوف يحاسبه على هذا الذنب , فإما أن يدخله النار بسبب ذلك أو يمن عليه بكرمه ومنه فيتجاوز عنه ويدخله الجنة , وهذه الآية من هذا القبيل , وليس فيها أن من إتصف بهذه الصفات أن مصيره إلى النار خالداً مخلداً فيها فهي بهذا لا تكون فيها حجة على تكفير تارك الصلاة الكفر الأكبر المخرج من الملة , وأما وصف الآية تارك الصلاة بإنه من المجرمين , فتحمل على الإجرام غير المخرج من الملة.
الدليل الخامس
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)الماعون4-5 , قالوا : والوعيد بالويل في القرآن إنما يطلق على الكفار، كقوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)فصلت 6-7 ، وقوله جل جلاله (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ ءَايَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)الجاثية6-9 , وقوله عز وجل (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)إبراهيم2.(1/15)
فأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : أن استدلالكم بكلمة : (ويل) وأنها تطلق في القرآن على الكفار محتمل ، لأنها جاءت في موضعين ولم يقصد بها الكفار وهما (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ، (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) ، فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز، وهذا لا يكفر به بمجرده ، فَوَيْلُ تارك الصلاة ؛ إما أن تكون ملحقًا بويل الكفار كما أشرتم في التعريف بكلمة الـ(ويل) ، أو بويل الفساق كما بينت الايتان السابقتان (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ، (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) , والدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال.
الدليل السادس
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة قَولَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)صححه الالباني , والمراد بالكفر هنا، الكفر المخرج عن الملة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل الصلاة فصلا بين المؤمنين والكافرين، ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام، فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين.(1/16)
فأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : يجب حمل كلمة " كفر " التي في هذا الحديث على كفر النعمة , وعدم حملها على كفر الجحود , وهذا له صور كثيرة في غير هذا الحكم , فقد حمل الكفر الوارد في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)متفق عليه , وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب و النياحة على الميت)صححه الألباني , وغير ذلك كثير , فكل ذلك يحمل على كفر النعمة لا كفر الجحود , وقد سئل ابن عباس رضي الله عنه عن قول الله سبحانه وتعالى ( وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)المائدة 44 , قال رضي الله عنه (ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفرا ينقل عن الملة ، كفر دون كفر).(1/17)
وهذا الرد يكون على كل الاحاديث التي جاء فيها ما يعبر على ان تارك الصلاة متصف بوصف الكفر كقوله صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة) , وقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله) , وكذلك الآيات القرآنية التي فيها ان تارك الصلاة يوصف بوصف الكفر فتحمل على انه كفر دون كفر , وسبب حمل هذه الأحاديث والآيات على الكفر الأصغر دون الأكبر هو وجود آيات وأحاديث تصف تارك الصلاة بأنه من جملة المسلمين وأنه يحاسب ويكون مصيره إلى الجنة كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ)صححه الألباني , وقال الله تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ)النساء48 , والصلاة دون ذلك و لا شك.
الدليل السابع(1/18)
قال القائلون بكفر تارك الصلاة : ومن الأدلة على كفر تارك الصلاة ما جاء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ , فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ , قَالَ : فَمَنْ رَضِيَ وَتَابِعَ , قَالُوا : أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ : لاَ , مَا صَلُّوا)مسلم , وكذلك ما جاء عن عَبْد الرَّحْمَانِ بْن أَبِي النُّعْمِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمِ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ , نَاشِزُ الْجَبْهَةِ , كَثُّ اللِّحْيَةِ , مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمِّرُ الإِزَارِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ , فَقَالَ : (وَيْلَكَ , أَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ قَالَ : ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ , فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ : لَعَلَّهُ يَكُونُ يُصَلِّي)مسلم.
فأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : َأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " لَعَلَّهُ يُصَلِّي " فَإِنَّمَا فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ مَنْ يُصَلِّي , وَلَيْسَ فِيهِ قَتْلُ مَنْ لاَ يُصَلِّي أَصْلاً , بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ , وَإِذَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمٍ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُقُولَهُ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ , فَيَكْذِبُ عَلَيْهِ , وَيُخْبِرُ ، عَنْ مُرَادِهِ بِمَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ (فَيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).(1/19)
وأما حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ , فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ الْوُلاَةِ مَا صَلُّوا , وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ جَازَ قَتْلُهُ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى(وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىَ الاُخْرَىَ فَقَاتِلُواْ الّتِي تَبْغِي حَتّىَ تَفِيَءَ إِلَىَ أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِين)الحجرات9 , فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إلَى أَنْ يَفِيئُوا , ثُمَّ حَرَّمَ قَتْلَهُمْ إذَا فَاءُوا. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا مِنْ أَيِّ حَقٍّ كَانَ وَلَوْ أَنَّهُ فِلْسٌ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى , أَوْ لأَدَمِيٍّ , وَامْتَنَعَ دُونَ أَدَائِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَلَّ قِتَالُهُ ; لأََنَّهُ بَاغٍ عَلَى أَخِيهِ , وَبَاغٍ فِي الدِّين ِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ عَمَلٍ لِلَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ وَامْتَنَعَ دُونَهُ , وَلاَ فَرْقَ , فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ أُجْبِرُوا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ بِالتَّعْزِيرِ وَالسَّجْنِ. كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَتَى مُنْكَرًا فَلاَ يُزَالُ يُؤَدَّبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ وَحَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ , وَتَارِكُ الصَّلاَةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ , إنْ امْتَنَعَ قُوتِلَ , وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ.
ملاحظة : هل يكفر تارك الصلاة بترك فريضة واحدة ، أو فريضتين ، أو لا يكفر إلا بترك الجميع ؟(1/20)
لقد اختلف العلماء القائلون بتكفير تارك الصلاة هل يكفر بترك صلاة واحدة؟ أو بترك صلاتين؟ أو ثلاث؟ أو بالترك الكلي، فلا يسجد لله سجدة ؟
فذهب فريق منهم إلى أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر، حتى يذهب وقتها؛ كافر , وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر: وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وفي السفر، فصلى إحداها في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأولى منها وقتًا للأخرى في حال والأخرى وقتًا للأولى في حال؛ صار وقتاهما وقتًا واحدًا في حال العذر، كما أمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس، أن تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت آخر الليل، أن تصلي المغرب والعشاء , فهذا يدل على أن التكفير، يكون بترك صلاة واحدة، حتى يخرج وقتها.
وذهب آخرون إلى أنه لا يكفر حتى يترك ثلاث صلوات وتضايق وقت الرابعة : ووجه هذا القول أن الموجب للقتل هو الإصرار على ترك الصلاة والإنسان قد يترك الصلاتين لكسل أو ضجر أو شغل يزول قريبا ولا يدوم فلا يسمى بذلك تاركا للصلاة فإذا كرر الترك مع الدعاء إلى الفعل علم أنه إصرار.
وذهب فريق آخر إلى أن تارك الصلاة، لا يكفر إلا بالترك الكلي أي لا يسجد لله سجدة : لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، فمن كان يصلي أحياناً لم يصدق عليه أنه ترك الصلاة ، ويقول (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) , ولم يقل من ترك صلاة فقد كفر ، ولم يقل بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك صلاة ، بل قال (ترك الصلاة)، فظاهره أنه لا يكفر إلا إذا كان تركها تركاً عاماً مطلقاً .(1/21)
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : إن أضطرابكم في أمر عظيم، وهو " التكفير " , ليعد دليلا على عدم انضباط المسألة عندكم إذ أن مكفري تارك الصلاة غير متفقين على من هو تارك الصلاة , فإن قلنا لكم ماهو الحد في هذا الترك، الذي يكون به التارك كافرًا ؟
فسوف يكون الجواب مضطرباً على عدة أوجه , وهذا الأمر يدل على اضطرابكم في الحكم على تاركها.
الفصل الثاني أدلة القائلين على عدم كفر تارك الصلاة وإجابة القائلين على تكفيره
الدليل الأول
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : قال تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ)النساء48 , وما دون الشرك يشمل ترك الصلاة , فلو كان تركها كفرا لما دخل تحت قوله تعالى (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ).
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : إن استدلالكم بقول الله تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ)النساء48 , ليس فيه دليل على ماذكرتم , فإن معنى قوله تعالى (مَا دُونَ ذَلِك) , ما هو أقل من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أن من كذب بما أخبر الله به ورسوله، فهو كافر كفراً لا يغفر له وليس ذنبه من الشرك.
ولو سلمنا أن معنى (مَا دُونَ ذَلِك) , ما سوى ذلك، لكان هذا من باب العام المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر بما سوى الشرك والكفر المخرج عن الملة من الذنب الذي لا يغفر وإن لم يكن شركا.
الدليل الثاني
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : هناك أحاديث كثيرة وصحيحة تفيد أن كل من قال " لا إله إلا الله " دخل الجنة ولم يشترط فيها الصلاة ومن هذه الأحاديث مايلي:(1/22)
1- حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وفيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)البخاري ومسلم.
2- حديث عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ)البخاري ومسلم.
3- حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)صححه الألباني.
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : بأن هذه الأحاديث وما في معناها على قسمين:
الأول : إما عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة.
الثاني : وإما مطلق مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة كما هو واضح في قوله (يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ)البخاري , وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّار)البخاري , فهي مقيدة بإن يكون (صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ) , وصدق القلب يمنعه من ترك الصلاة , لأن إخلاصه وصدقه يحملانه على الصلاة ولا بد.
الدليل الثالث(1/23)
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : ومن الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا فَقَالَ لَهُ صِلَةُ مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا)صححه الألباني.
وهذا الحديث فيه أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة , ولو كان لا يقوم بشئ من أركان الإسلام الخمسة الأخرى , كالصلاة وغيرها , وقول حذيفة رضي الله عنه (يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا) , نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة – ومثلها بقية الأركان – ليس بكافر , بل مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة.(1/24)
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : إن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمة من النار، كانوا معذورين بترك شرائع الإسلام، لأنهم لا يدرون عنها، فما قاموا به هو غاية ما يقدرون عليه، وحالهم تشبه حال من ماتوا قبل فرض الشرائع، أو قبل أن يتمكنوا من فعلها، كمن مات عقيب شهادته، قبل أن يتمكن من فعل الشرائع، أو أسلم في دار الكفر فمات قبل أن يتمكن من العلم بالشرائع.
الدليل الرابع
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : ومن الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر ما جاء عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فـ [والذي نفسي بيده!] ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار . قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويحجون معنا ، [ويجاهدون معنا] ، فأدخلتهم النار . قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم ، فيأتونهم ، فيعرفونهم بصورهم ، لا تأكل النار صورهم ، [لم تغش الوجه] ، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من أخذته إلى كعبيه ، [فيخرجون منها بشرا كثيرا] ، فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا . ثم [يعودون فيتكلمون ف] يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان . [فيخرجون خلقا كثيرا] ثم [يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا . ثم يقول: ارجعوا ، ف] من كان في قلبه وزن نصف دينار [ فأخرجوه . فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا . . .] ، حتى يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة . [فيخرجون خلقا كثيرا] ، قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا الحديث فليقرأ هذه الآية (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) قال : فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير . قال: ثم يقول الله: شفعت(1/25)
الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون ، وبقي أرحم الراحمين . قال: فيقبض قبضة من النار - أو قال قبضتين - ناسا لم يعملوا لله خيرا قط قد احترقوا حتى صاروا حمما . قال: فيؤتى بهم إلى ماء يقال له: (الحياة) ، فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، [وقد رأيتموها إلى جانب الصخرة ، وإلى جانب الشجرة ، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر ، وما كان منها إلى الظل كان أبيض] ، قال: فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ ، وفي أعناقهم الخاتم ، (وفي رواية: الخواتم) : عتقاء الله . قال: فيقال لهم: ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم [ ومثله معه] . [فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه] . قال: فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين . قال: فيقول: فإن لكم عندي أفضل منه . فيقولون: ربنا وما أفضل من ذلك ؟ [قال]: فيقول رضائي عنكم ، فلا أسخط عليكم أبدا)صححه الألباني , فهذا الحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلما يشهد أن لا إله إلا الله : أنه لا يخلد في النار مع المشركين . ففيه دليل قوي جدا أنه داخل تحت مشيئة الله في قوله (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَىَ إِثْماً عَظِيماً)النساء48.(1/26)
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : بأن الصلاة ليست داخلة في عموم قول الرسول صلى الله عليه و سلم (لم يعملوا لله خيرا قط) , الواردة في هذا الحديث , إذ كيف يتصور دخول تارك الصلاة في زمرة هؤلاء , وقد هلك مع الهالكين (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) , ثم إن الأخبار الصحيحة دلت على أن كل من يخرج من النار من الموحدين إنما يستدل عليه بعلامة آثار السجود كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وفيه (إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدْ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ... الحديث) , فالحديث واضح الدلالة على أن من يخرجهم الله تبارك وتعالى من النار إنما يعرفهم الملائكة بآثار السجود فهم مصلون بلا شك.
الدليل الخامس(1/27)
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : ومن الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ)صححه الألباني , فلو كان تارك الصلاة كافراً لما صح أن يقال فيه ( إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ).
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : بأنه لا يصح حمل الحديث على من ترك بعض الصلوات , فإن الحديث واضح فيه أن هذا المعنى قد أتى بالصلوات الخمس مع الانتقاص من واجباتها ويبين ذلك هذا الحديث من طريق ابن ماجه وفيه (خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ قَدْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ)صححه الألباني , فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ قَدْ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا) , يوضح أنه كان يصلي ولكن قد انقص من واجباتها.
الدليل السادس(1/28)
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : ومن الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر ما جاء عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ)ضعفه الألباني.
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : بأن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الدليل السابع(1/29)
قال القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة : ومن الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر حديث البطاقة وفيه (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ)صححه الألباني , ولم يذكر في البطاقة غير الشهادة ولو كان فيها غيرها لقال ثم تخرج له صحائف حسناته فترجح سيئاته ويكفينا في هذا قوله فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ولو كان كافرا لكان مخلدا في النار غير خارج منها.
فأجاب القائلون بتكفير تاركها : بأن الأجابة على ذلك من ثلاثة أوجه:(1/30)
الأول : أن كلمة: "لا إله إلا الله" هي كلمة التوحيد، ومن المقرر أن صاحب البطاقة، لم يقع في الشرك قولاً، أو فعلاً، أو تركًا، أو اعتقادًا، وإلا لما نفعه قول لا إله إلا الله، والمخالف لكم يرى أن ترك الصلاة شرك، فلابد وأن صاحب البطاقة، يكون معه صلاة أيضًا، لأن صاحب البطاقة معه أيضًا عمل القلب، الذي به يصح إيمانه، وهذا مأخوذ من أدلة أخرى، لا من لفظ هذا الحديث، فكذلك الصلاة من عمل الجوارح، وتركها كفر، وذلك مأخوذ من أدلة أخرى .
الثاني : يؤكد ذلك أن صاحب البطاقة ما نجا إلا بالشهادة، دون أن يشفع فيه أحد، فلم ينج من دخول النار أصلاً، إلا بهذه الكلمة المباركة، فلا بد وأن تحمل على إتيانه بالتوحيد، وسلامته من الشرك، الذي منه ترك الصلاة .
الثالث : أن الحديث سيق مساق بيان سعة أرحم الراحمين، لا لبيان أن صاحب البطاقة تارك الصلاة، ولا يلزم من قول الرجل وقد سئل (فلك عذر؟ فقال: لا، يا رب) ، وقول الله عزوجل: (بلى ، إن لك عندنا حسنة) ، لا يلزم من ذلك أنه لم يصل أصلاً، فإن حسنة التوحيد عاصمة من الشرك الأكبر، وترك الصلاة من الشرك الأكبر، وقد جاء في بعض الروايات: (بلى، إن لك عندنا حسنات) , عند ابن ماجه.
وماذا بعد ؟
إن هذه المسألة من المسائل الكبرى التي تنازع فيها علماء الأمة سلفاً وخلفاً , وأنت كما تري من خلال أدلة الطرفين المتنازعين حول هذه المسألة أنه يصعب فيها الترجيح , إذ كل من الطرفين له من الأدلة ما يصعب معها الترجيح كما أنه معه من الرد على أدلة الخصم ما يبهت به دليل خصمه ويقوي به رأيه .
ولكن إذا كان الأمر كذلك فيجب على الباحث أن يكون بعيد عن التعصب والتقليد ، وأن يجعل نيته من بحثه إنما لمعرفة الحق ليس إلا .
ولقد احببت أن أختم هذا البحث بثلاث فتاوي من ثلاثة مشايخ من مشايخ هذه الدعوة , عسي أن تقرب هذه الفتاوي الأقوال في هذه المسألة وإن كان هؤلاء المشايخ مختلفون في أصل هذه المسألة :(1/31)
1- سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى " المجلد الثاني عشر " من " مجموع الفتاوى " : عن من يصلي أحياناً هل يكون كافراً ؟ وكذلك الصيام؟
فأجاب بقوله : " إن كان يفعل ذلك إنكاراً للوجوب والفرضية ، أو شكاً في الوجوب فهو كافر ، كافر من أجل شكه في الوجوب أو إنكاره لوجوب هذا الشيء ، لأن فرض الصلاة والصيام معلوم بالكتاب والسنة ، وبالإجماع القطعي من المسلمين ، ولا ينكر فرضيته أحد من المسلمين إلا رجلاً أسلم حديثاً ولم يعرف من أحكام الإسلام شيئاً فقد يخفى عليه هذا الأمر .
أما إذا كان يترك بعض الصلوات أو بعض أيام رمضان وهو مقر بوجوب الجميع فهذا فيه خلاف بالنسبة لترك الصلاة ، أما الصيام فليس بكافر ، فلا يكفر بترك بعض الأيام بل يكون فاسقاً .
ولكن الصلاة هي التي نتكلم عنها ، فنقول :
اختلف العلماء القائلون بتكفير تارك الصلاة هل يكفر بترك فريضة واحدة ، أو فريضتين ، أو لا يكفر إلا بترك الجميع ؟(1/32)
والذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة تركاً مطلقاً بمعنى أنه كان لا يصلي ، ولم يعرف عنه أنه صلى وهو مستمر على ترك الصلاة ، فأما إذا كان أحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي مع إقراره بالفرضية فلا أستطيع القول بكفره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " ، فمن كان يصلي أحياناً لم يصدق عليه أنه ترك الصلاة ، والحديث الثاني : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . ولم يقل " من ترك صلاة فقد كفر " ، ولم يقل " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك صلاة " ، بل قال : " ترك الصلاة " ، فظاهره أنه لا يكفر إلا إذا كان تركها تركاً عاماً مطلقاً ، وأما إذا كان يترك أحياناً ويصلي أحياناً فهو فاسق ومرتكب أمراً عظيماً ، وجاني على نفسه جناية كبيرة ، وليس بكافر ما دام يقر بفرضيتها وأنه عاص بتركه ما تركه من الصلوات ، أما تاركها بالكلية فهو كافر مرتد عن الإسلام ولو كان تركه إياها تهاوناً وكسلاً كما يدل على ذلك الكتاب ، والسنة ، وأقوال الصحابة بل حكاه عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة ، وحكى الإجماع عليه إسحاق بن راهويه " ا.هـ .
2- قال الشيخ الألباني عليه رحمة الله في " المجلد الأول " من " السلسلة الصحيحة " تحت الحديث رقم " 87 " :
" إن التارك للصلاة كسلاً إنما يصح الحكم بإسلامه , ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه , أو يدل عليه , ومات على ذلك قبل أن يستتاب , كما هو الواقع في هذا الزمان , أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة , فاختار القتل عليها , فقتل , فهو في هذه الحالة يموت كافراً , ولا يدفن في مقابر المسلمين , ولا تجري عليه أحكامهم , خلافاً لما سبق عن السخاوي , لأنه لا يعقل – لو كان غير جاحد لها في قلبه – أن يختار القتل عليها , هذا أمر مستحيل معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان , لا يحتاج إثباته إلى برهان "ا.هـ(1/33)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (مجموعة الفتاوى) (22/48) : (ومتي امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقرًا بوجوبها، ولا ملتزمًا بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة ..... فمن كان مصرًا على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلمًا مقرًا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرًا ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد )أ.هـ
3- صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى في شرحه للأربعين النووية تحت الحديث الثالث قال حفظه الله تعالى :
" والصحيح أن ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً كفر أكبر، لكن كفره باطن وليس كفره ظاهرا، وليس بباطن وظاهر جميعاً حتى يثبت عند القاضي؛ لأنه قد يكون له شبهة من خلاف أو فهم أو نحو ذلك , ولهذا لا يحكم بردة من ترك الصلاة بمجرد تركه، وإنما يطلق على الجنس أن مَن ترك الصلاة فهو كافر الكفر الأكبر، وأما المعيَّن فإن الحكم عليه بالكفر وتنزيل أحكام الكفر كلها عليه هذا لا بد فيه من حكم قاضٍ يدرأ عنه الشبهة ويستتيبه حتى يؤدي ذلك "أ.هـ
وأخيراً اقول
إن الحكم على المسلم بالكفر ؛ لا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا ببرهان واضح وضوح الشمس في رابعة النهار فإنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) , وقال الله تعالى (وَلََكِن مّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً)النحل106, فلا بد من شرح الصدر بالكفر ، وطمأنينة القلب به , فإن إخراج مسلم من الإسلام بدون دليل صحيح واضح يعد أمراً خطيراً.
وآخر القول نقول
يكفي تارك الصلاة شراً أن أهل العلم اختلفوا في تكفيره(1/34)