تأليف
وليد بن راشد السعيدان
اعتنى به وخرج أحاديثة
سالم بن ناصر القريني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراَ أما بعد : -
فإن من المسائل التي كثر النزاع فيها في هذه الأزمنة مسألة " التصوير الفوتوغرافي " وذلك أن بعض العلماء رفع الله له الدرجة، وأجزل له الأجر والمثوبة ، وغفر لميتهم ، وثبت أحياءهم قد اختار – اجتهاداً – جوازه بأدلة ذكرها . وهو ما اختار ذلك إلا بعد بذل الوسع والطاقة في النظر في الأدلة ، وقد تقرر في القواعد أن من بذل ما في وسعه فإنه يكتب له – فضلاً – تمام سعيه ، وأن المجتهد دائر بين الأجرين أو الأجر ، فلله دَرُّ هذه الشريعة ، ما أعدلها ، وما أعظم شأنها ، فرحم الله العلماء رحمة واسعة ، ورفع نزلهم ، فكم لهم من الأثر الطيب علينا ، إلا أنه ينبغي التنبيه على أن الكمال المطلق لله تعالى ، وللبشر مطلق الكمال ، وفوق كل ذي علم عليم ، والحق يقبل ممن جاء به ، والباطل يرد ممن جاء به ، والرجال يوزنون بما معهم من الحق ، لا أن الحق يوزن بالرجال ، والحر تكفيه الإشارة ، وسواه يدعى بالنداء العالي .
وإن هذه المسألة التي نحن بصدد شرحها هي مما جاءت به الشريعة بالبيان الواضح ، والنص الجلي ، والله أعلم .
( فصل )(1/1)
وقد دلت الشريعة على وجوب رد الأمر المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة لمعرفة الحق ، فقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } سورة النساء [ آية : 59 ] .
والكلام عليها من وجوه : -
الأول : قوله { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ } هذا شرط وقوله { فِي شَيْءٍ } نكرة وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق الشرط تعم ، فهذا يقضي بأن أي مسألة تنازعنا فيها فإننا مأمورون بردها إلى الكتاب والسنة ، ومن أخرج مسألة من المسائل وقال لا نردها للكتاب والسنة ، فقد أخرجنا من هذا العموم ، وقد تقرر في القواعد أن الأصل هو البقاء على العموم حتى يرد الناقل .
الثاني : في قوله { فَرُدُّوهُ } فإن هذا صيغة أمرٍ ، وقد تقرر في الأصول أن الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب إلا بقرينة صارفة ، ولا قرينة هنا ، فالواجب هو البقاء على الأصل وفي ذلك دليل على وجوب هذا الرد ، فليس هو أمراً اختيارياً إن شئت فرد ، وإن شئت فلا ترد ، فإن هذا هو محض الهوى ، والعياذ بالله ، والله أعلم .
الثالث : قوله { إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فعلق الإيمان بهذا الرد ، وقد تقرر في القواعد أن كل فعل نفى الله الإيمان عن فاعله فلحرمته ، وكل فعل نفي الله الإيمان عن تاركه فلوجوبه ، فدل ذلك على أنه لا يتحقق كمال الإيمان الواجب إلا بهذا الرد ، ويؤيده قوله تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } سورة النساء [ آية : 65 ] .(1/2)
فقضية رد الأمور المتنازع فيها إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قضية فاصلة بين المؤمنين والمنافقين ، فإن المنافقين لا يريدون التحاكم إلى الله ورسوله ، وإن زعموا أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما أنزل من قبله ، وإنما هم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، كما قال تعالى فاضحاً مقاصدهم ، ومظهراً خفايا نفوسهم ، وخبث ما انطوت عليه قلوبهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } سورة النساء [ الآيتان : 60،61 ] .
فحقيقة الإيمان هو في قوله تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } . وحقيقة النفاق هي في قوله { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } .
فأي الفريقين أحب إليك ؟ فإن الله هو الغني الحميد ، ونحن الفقراء إليه جل وعلا ، فلما ثبت وجوب الرد إلى الكتاب والسنة علمنا يقيناً أن فيها الأمر الفاصل فيما تنازعنا فيه ، والله أعلم .
والمقصود أن مسألة التصوير الفوتوغرافي من هذه المسائل التي يجب أن ترد للكتاب والسنة حتى يعرف حكم الله فيها .
الرابع : في قوله تعالى { ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } . فهذا فيه إخبار بأن هذا الرد هو الخير كل الخير ، والسلامة كل السلامة ، وهو أحسن عاقبة ، وهذا أمر محسوس مجرب ، فإن الضلال إنما هو في اتباع السبل المعوجة المخالفة للصراط المستقيم ، والمنهج القويم .(1/3)
وهذه المسألة التي نحن بصدد الكلام عليها إن كنا نريد الخير وحسن العاقبة فيها ، فلنردها للكتاب والسنة .
وفقنا الله وإياك لكل خير ، وجعل عواقبنا آيلة إلى خير ونسأله جل وعلا أن يبصرنا بالحق ، ويوفقنا لاتباعه ، إنه خير مسئول وهو حسبنا ونعم الوكيل ، والله أعلم .
وقد أجمع العلماء – رحمهم الله تعالى – على أن الرد لله هو الرد لكتابه ، وأن الرد للرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الرد إليه نفسه في حياته ، والرد إلى سنته الصحيحة بعد مماته ، والله أعلم .
( فصل )
فإن قلت : إن التصوير الفوتوغرافي لم يكن معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد الصحابة ، ولا القرون المفضلة ، ولا تكلم عليه السلف ، وإنما هو قضية جديدة ، فكيف تقول : نردها للكتاب والسنة ؟
فأقول : هذا هو مفترق الطرق بين أصحاب الفروع ، وأصحاب القواعد والأصول ، فإنني وفي مناسباتٍ كثيرة أنبه دائماً أن طلب العلم على طريقة معرفة الأصول والقواعد بأدلتها وإجادة التفريع عليها أنها هي الطريقة السليمة ؛ لأنها طريقة القرآن ، وأن حفظ الفروع الفقهية المتناثرة التي لا يجمعها أصل ، أو قاعدة ، أو ضابط ، أنه قصور في الطالب ، فإنك إن أخرجته عن فروعه التي حفظها ، فَغَرَ فاه ، وطأطأ رأسه ، ولم يأت فيها بشيء ، وهذا قصور واضح ، وأما من طلب الأصول والقواعد، وحفظها وعرف أدلتها ، وأجاد التفريع عليها ، فإنه لا يقف في وجهه – بتوفيق الله وفضله – شيء من الوقائع الجديدة ؛ لأن الأصول معه .
فنصيحتي لطلاب العلم أن يحرصوا على القواعد الأصولية الحرص الكامل ، فبقواعد الأصول نيل المأمول ، فالله الله بـ " تخريج الفروع على الأصول " للإمام الزنجاني ، و " التمهيد في تخريج الفروع على الأصول " للإمام الأسنوي ، و " القواعد والفوائد " للإمام ابن اللحام .(1/4)
وأن علم الأصول في الديار النجدية يشكو شيئاً من الهجر ، وعزوف الطلبة عنه ، وذلك مرجعه لأسبابٍ ذكرتها في كتابي " تحرير القواعد ومجموع الفرائد "
والمقصود : - أن الشريعة كاملة ؛ لقوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا } سورة المائدة [ آية : 3 ] .
وقال تعالى { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } سورة الأنعام [ آية : 38 ] .
وقد فسر الكتاب بأنه القرآن ، وفسر بأنه اللوح المحفوظ ، ولا تناقض بين القولين ، فيحمل عليهما، وقد تقرر في الأصول أن اللفظ إذا فسر بتفسيرين لا تنافي بينهما حمل عليهما .
فقوله { مِنْ شَيْءٍ } نكرة جاءت في سياق النفي ، وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي تعم . فكل شيء ففي القرآن حكمه ، إما نصاً ، وإما تضمناً ، وإما التزاماً .
فالقرآن أعطانا القواعد العامة ، والأصول الجامعة ، فلا تخرج مسألة من المسائل عنه ، ويعرف ذلك من تدبره .
فمسألة التصوير الفوتوغرافي داخلة في هذا العموم ، فحكمها في الشريعة واضح جلي بالدليل الصحيح الصريح كما ستراه إن شاء الله تعالى وإنما الإشكال يقوم في ذهن المجتهد الذي ينظر في الأدلة ، فضلاً عن أن بعض المجتهدين قد يثير من الإشكالات والشبه ما يكون مكدراً صفو الأدلة .
وعلى كل حال فمسألة التصوير الفوتوغرافي وإن كانت جديدة الوقوع ، إلا أنها قديمة التأصيل ، فالشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، والموفق من وفقه الله تعالى للعلم النافع والعمل الصالح . جعلنا الله وإياك منهم ، وهو أعلى وأعلم .
( فصل )
إذا علمت هذا وفهمته فهماً جيداً فإليك التفصيل في مسألة التصوير الفوتوغرافي ، فأقول وبالله التوفيق ، ومنه أستمد الفضل بحسن التحقيق :
اعلم – أرشد الله لطاعته – أن التصوير لا يخلو من حالتين :(1/5)
إما تصوير شيء لا روح فيه كالشجر والماء والثمار والجبال والبيوت ونحوها ، وإما تصوير شيء له روح كالإنسان أو الحيوان .
فأما الأول : فلا كلام لنا فيه إذ هو كلمة عموم أهل العلم ، ولا أعلم فيه خلافاً ، إلا خلافاً شاذاً .
والذي يدل على جواز تصوير ما لا روح فيه عدة أمور:
منها : قوله - صلى الله عليه وسلم - (( من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ )) (1) . فدل ذلك على أن ما لا روح فيه أصلاً لا بأس بتصويره ، وإنما الوعيد منصب على ما له روح .
ومنها : قوله - صلى الله عليه وسلم - (( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم : أحيوا ما خلقتم )) (2) . فدل ذلك على أن ما لا حياة فيه لا يدخل في هذا الوعيد، وإنما الوعيد منصب على ما تحله الحياة الحيوانية.
ومنها : قول جبريل عليه والصلاة السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - (( فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة )) (3) . رواه أبو داود ، وأصله في مسلم فدل ذلك على أن الصورة على هيئة الشجرة لا محظور فيها ، والعلة في ذلك أنها ليست بذات روح ، فقسنا عليها جميع ما لا روح فيه .
ومنها : أن تصوير ما لا روح فيه لا يؤدي إلى المحظور الذي من أجله حرمت الصورة .
__________
(1) أخرجة البخاري رقم (5963) ، ومسلم (5541) من حديث النضر بن أنس .
(2) أخرجة البخاري رقم (5951) من حديث ابن عمر .
(3) أخرجة أبو داود رقم (4158) ، والترمذي رقم (2806) ، وأصله في مسلم رقم (5511) دون قوله: فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة .(1/6)
ومنها : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه جاءه رجل يسأله فقال : " إني رجل أصور هذه الصور ، فأفتني فيها " فقال له : ادن مني ، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه ، وقال " أنبئك بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم )) ، ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما " فإن كنت لابد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له " (1) متفق عليه . ووجه الشاهد منه أمران : الأول : أنه قال " يجعل له بكل صورة صورها نفس " فدل ذلك على أن الوعيد مقصور على ما له نفس .
ويبينه الوجه الثاني : وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما : " فاصنع الشجر وما لا نفس له " ، وهو قول صحابي لم يخالف نصاً ، ولم يخالفه صحابي آخر ، فهو حجة على القول الراجح كما تقرر في الأصول .
فدلت هذه الأدلة على جواز تصوير ما لا روح فيه ، كما هو قول جماهير أهل العلم وهو اختيار شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله، والله أعلم .
وأما إذا كانت الصورة لما له روح فهذا لا يخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : إما أن تكون من الصورة التي لها ظل ، وذلك كأن يأتي الإنسان إلى حجرٍ مثلاً ، أو خشبةٍ ، أو صلصالٍ ، أو زجاجٍ ونحوه ، ثم يصيغه على هيئة شيء له روح ، فهذا النوع محرم بالإجماع فيما أعلم ، والله أعلم ، وذلك كما يفعله المشركون بأصنامهم ، فإن أصلها كانت صخوراً لا تشكيل فيها ، ثم أخرجوها على هيئة الآدميين ، وكما فعله عبَّاد العجل ، فإنهم عمدوا إلى الذهب والفضة والجواهر ، فصاغوها على هيئة عجل له خوار ، ففتنوا به أمة الثيران .
فهذا النوع لا يتوقف أحد في تحريمه ، بل هو أساس شرك العالم .
__________
(1) أخرجة البخاري رقم (2225) ، ومسلم رقم (5540)(1/7)
ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى { وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } سورة نوح [ آية : 23 ] . قال : " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ففعلوا ، ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عبدت " (1) . وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد قال : حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس : أن يغوث ويعوق ونسراً كانوا قوماً صالحين من بني آدم ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة ، فصوروهم ، فلما ماتوا وجاء آخرون دَبَّ إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يستسقون المطر ، فعبدوهم " (2) .
وفي الصحيح أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور ، فقال عليه الصلاة والسلام (( أولئك إذا مات فيهم الرجل أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً ، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل يوم القيامة )) (3) .
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فهؤلاء جمعوا بين فتنتين فتنة القبور ، وفتنة التماثيل " اهـ .
قلت : بل وسائر الأدلة الآتية – إن شاء الله – يدخل فيها هذا النوع دخولاً أولياً ، فلا نطيل فيه ، وذلك لعدم المخالف فيه، والله أعلم .
( فصل )
__________
(1) أخرجة البخاري رقم (4940) .
(2) أخرجة الطبري ( 23/638 ) .
(3) أخرجة البخاري رقم (427)و(474)و(1341)و(3873) ، ومسلم رقم (528) .(1/8)
والحالة الثانية : ما يسمى اليوم بتصوير الرسم ، وهو أن يعمد الإنسان إلى خرقةٍ ، أو جدارٍ ، أو ورقةٍ ونحوها ، فيرسم بيده صورة من ذوات الأرواح ، وهذا النوع من الصور لا ظل له ، فهذا النوع أيضاً محرم لكنه أخف تحريماً من النوع قبله ، لكن يشتركان في أن كلاً منهما محرم ، والدليل على تحريمه جميع الأدلة الآتية – إن شاء الله – في الحالة الثالثة ، فإنه يدخل فيها دخولاً أولياً .
ومن أدلته النصية : ما رواه مسلم – رحمه الله – في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان لنا ستر فيه تمثال طائر ، وكان الداخل إذا دخل استقبله فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( حولي هذا )) (1) .
ومثله ما في صحيح البخاري عنها رضي الله عنها أنها قالت : (( دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سترت سهوةً لي بقرام فيه تمثال فلما رآه هتكه وتلون وجهه ، وقال يا عائشة : أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله )) (2) ، ومن المعلوم أن هذا التمثال الذي كان في القرام لم يكن له ظل ، وإنما هو مما خُط باليد، وقد فعل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ثم أخبر بوعيد من فعل ذلك ، فهذا يدل على حرمة تصوير ذوات الأرواح بالرسم باليد .
ومن الأدلة النصية أيضاً : أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة دخل الكعبة فرأى فيها صوراً ، ومن هذه الصور صورة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وهما يستقسمان بالأزلام ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط )) رواه بهذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده ، وزاد الهيثمي في المجمع (( فجعل يبل ثوباً بالماء ويمحو تلك الصور )) (3) ، وصححه الألباني – رحمه الله تعالى – وأصله في الصحيح .
__________
(1) أخرجة مسلم رقم (5521) .
(2) أخرجة البخاري رقم (5954) ، ومسلم رقم (5525) .
(3) أخرجة أحمد رقم (3093) .(1/9)
فلم يقرها - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على عدم جوازها ، وهي مما رسم باليد ولا ظل لها ، وعلى كل حال فهذا النوع محرم في قول جماهير أهل العلم ، ولا عبرة بالمخالف ، بل وينكر عليه خلافه هذا ؛ لأن المسألة هنا خلافية قد نصر الدليل الصحيح أحد طرفيها ، وليست هي من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف – أعني المسائل الاجتهادية – ذلك أن المسائل عندنا ثلاثة أقسام :
مسائل اتفاقية ، ومسائل خلافية ، ومسائل اجتهادية .
فأما الأولى والثانية ، فينكر على المخالف فيها ، وأما الثالثة فلا ، وهي المرادة بقول البعض " لا إنكار في مسائل الخلاف " فإنهم يعنون بها القسم الثالث ، وللمسألة موضع آخر .
والمقصود : أن هذا النوع من التصوير محرم في قول غالب أهل العلم والله أعلم .
( فصل )
الحالة الثالثة : التصوير بالآلة ، وهو المعروف بالتصوير الفوتوغرافي ، وهو بيت القصيد من هذه الكتابة فأقول : -
قبل أن نبدأ في سياق الأدلة المبينة لحكمه ينبغي أن ننتبه لأمرٍ مهم جداً وهو أن الصورة الفوتوغرافية تدخل في مسمى الصورة لغةً وعرفاً .
فأما تسميتها صورة لغةً فلأن الصورة في اللغة هي الشكل ، والصورة الفوتوغرافية يقال لها : شكل ، فإذاً هي صورة لغة .
وأما عرفاً : فلأن هذا هو ما تعارف عليه الناس فيما بينهم من غير نكير ، فالكل يطلق على الصورة الفوتوغرافية " صورة " ويسمي آخذها " مصوراً " ، بل ويقول أهل العرف : ذهبنا للمصور ، فأخذ لنا صورة ، ويقول أصحاب الدوائر الحكومية في شروطهم للمقبولين : لابد من صورة شمسية أو ملونة مقاسها كذا في كذا ، وهذا أمر مشهور معروف لا ينكره – إن شاء الله أحد - . فثبت بذلك أن الصورة الفوتوغرافية تدخل في مسمى الصورة لغة وعرفاً .
فإذا علمت ذلك فاعلم أنها أيضاً تدخل في مسمى الصورة شرعاً ، وبيان ذلك يأتي في الأدلة إن شاء الله تعالى ، فأقول : -
اختلف العلماء في هذا النوع من التصوير على قولين :(1/10)
فمنهم من منعها ، وهم الأكثر ، وعلى رأسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، وسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ المحدث العلامة محمد بن ناصر الدين الألباني ، رحمهم الله تعالى ، وأعلا نزلهم ، وجمعنا بهم في الجنة ، وهذا القول هو الذي عليه الفتوى في هذه الديار السعودية زادها الله شرفاً ورفعة ، وحماها من كل سوءٍ وبلاءٍ ، ووفق قادتها لكل خير وصلاح ، وسدد خطاهم .
والقول الثاني : - أن التصوير الفوتوغرافي جائز ، وممن قال بهذا القول سماحة الوالد الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى – وبعض العلماء ، ولكل أدلته التي ستأتي إن شاء الله تعالى .
إلا أن الراجح هو القول الأول ، ورجحان هذا القول عندي مما لاشك فيه ، ولا اضطراب ، بل هو في مرتبة غلبة الظن المنزلة منزلة اليقين وذلك لتوافر الأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة على رجحانه وتوافقه مع مقاصد الشريعة ، والقواعد الأصولية .
وإليك تفصيل الأدلة مخرجة على قواعدها ، فأقول وبالله التوفيق : -
من الأدلة على ذلك : ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (( كل مصور في النار يجعل له بكل صورةٍ صورها نفس يعذب بها في جهنم )) (1) .
فعندنا في الحديث عدة أمور : -
الأول : لفظة ( كل ) فإنها من أقوى صيغ العموم ، فيدخل تحتها كل المصورين ، وقد تقرر في الأصول : أن الأصل هو البقاء على العموم حتى يرد المخصص ، فيدخل في هذا الوعيد الشديد كل مصور سواء بالنوع الأول ، أو الثاني ، أو الثالث ، فإننا قد تقرر عندنا أن لاقط الصورة الفوتوغرافية يسمى مصوراً عرفاً ، ومن أخرجه من هذا العموم فعليه الدليل ؛ لأنه مخالف للأصل ، وقد تقرر في القواعد أن الدليل يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه .
__________
(1) سبق تخريجة ص(6) .(1/11)
الثاني : - قوله ( يجعل له ) فإن هذا إثبات ، وقوله ( صورة ) نكرة ، وقد تقرر في القواعد أن النكرة في سياق الإثبات مطلقة ، وتقرر أيضاً أن المطلق يجرى على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل .
فالذي يقيد هذا بالنوع الأول والثاني فقط دون الثالث فإننا نقول له : قد قيدت المطلق فما دليلك على هذا التقييد ؟
فالصورة الفوتوغرافية تدخل في مسمى الصورة لغة وعرفاً ، فلماذا أخرجتها من هذا الإطلاق ؟
الثالث : قوله ( يجعل له بكل صورة ) فإن قوله ( كل صورة ) أيضاً يفيد العموم ، فالعموم الأول في المصورين ، والعموم الثاني في الصور ، فيدخل تحتها الصور الفوتوغرافية ، ومن أخرجها من هذا العموم فعليه الدليل ، والله أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه من حديث أبي الهياج الأسدي أنه قال : قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أن لا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته )) (1) ، فقوله ( لا تدع ) نهي أو نفي كلاهما بمعنى واحد ، وقوله ( صورة ) نكرة ، وقد تقرر في القواعد أن النكرة في سياق النهي والنفي تعم ، فيدخل تحت هذا العموم ما يطلق عليه مسمى الصورة ، وقد تقرر لنا أن الصورة الفوتوغرافية تدخل في مسمى الصورة لغة وعرفاً ، فتدخل في هذا النوع شرعاً ، ومن أخرجها منه فعليه الدليل ، ولا أعلم دليلاً شرعياً يخرجها من هذا العموم ، وإنما هو قياسات لا أصل لها ، مع مصادمتها للنصوص الصحيحة الصريحة، فحيث لا دليل فالواجب هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل والله أعلم . فحق الصور الفوتوغرافية أن تطمس إلا ما سيأتي استثناؤه إن شاء الله تعالى والله أعلم.
__________
(1) أخرجة مسلم رقم (969) .(1/12)
ومن الأدلة أيضاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - (( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورين )) (1) رواه مسلم ، فقوله ( المصورين ) جمع دخلت عليه الألف واللام الاستغراقية ، وقد تقرر في القواعد أن الألف واللام الاستغراقية إذا دخلت على الجمع أو المفرد أفادت العموم ، فيدخل في ذلك كل المصورين ، ومن ذلك آخذ الصور الفوتوغرافية فإنه من جملة المصورين ، وذلك هو مقتضى اللغة والعرف والشرع ، والذي يخرجه من هذا العموم عليه الدليل ولا دليل . إذاً فالبقاء على العموم هو المتعين تعظيماً لكلام الله تعالى ، والله أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : ما رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الدم ، وثمن الكلب ، وكسب البغي ، ولعن آكل الربا وموكله ، والواشمة والمستوشمة ، ولعن المصور )) (2) .
والشاهد في قول الراوي ( ولعن المصور ) ، فهو مفرد دخلت عليه الألف واللام الاستغراقية المفيدة للعموم ، فيدخل تحت هذا العموم كل مصور ، فهم ملعونون بلعنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أخرج مصوراً من هذا العموم فعليه الدليل . فالمسألة إذاً خطيرة ، فالواجب الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة النصوح المستجمعة لشروطها من الإقلاع عن الذنب فوراً ، والعزم على عدم العودة ، والندم على ما فات ، والإخلاص ، وأن تكون في زمن الإمكان ، وكل أوقات العمر زمن صالح للتوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو تغرغر الروح ، نسأل الله أن يمنَّ على الجميع بالتوبة الصادقة ، فكلنا ذوو خطأ ، والله أعلم .
__________
(1) أخرجة مسلم رقم (5538-5539) .
(2) أخرجة البخاري رقم (5962) .(1/13)
ومن الأدلة أيضاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - (( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال أو صورة )) (1) فقوله ( لا تدخل ) نفي ، وقوله ( صورة ) نكرة ، وقد تقرر أن النكرة في سياق النفي تعم ، فيدخل في ذلك كل صورة ، والصورة الفوتوغرافية تسمى صورة لغة وعرفاً وشرعاً ؛ لأنها داخلة تحت هذا العموم ، والعام يجب أن يبقى على عمومه ، ولا يتعرض له بتخصيص بعض أفراده إلا بدليل ، فأين الدليل الدال على إخراج الصور الفوتوغرافية من هذا العموم ؟ هذا ما لا سبيل إليه ، ولا دليل عليه ، فحيث لا دليل ، فالبقاء على العموم هو المتعين ، والحمد لله على السلامة فلماذا نتكلف التنقل وقد أراحنا الله منه ، والله أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : قوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم )) (2) . والمراد بالصورة هنا العموم ؛ لأنها – أي الصور – جمعٌ دخلت عليه الألف واللام الاستغراقية ، فيدخل في هذا العموم كل الصور سواءً كان لها ظل ، أو لم يكن ، ومن ذلك الصور الفوتوغرافية .
فبالله عليك ما الذي أخرجها من هذا العموم حتى نقول إنها جائزة ؟
وقد كنت في مجلس بعض الفضلاء ، والأحبة الكرماء النبلاء ، الذين نحسبهم من العلماء ، والله حسيبهم ، ولا نزكي على الله أحداً ، فقال كلمة يا ليته ما قالها ، لكن أظن أنها سبقة لسان غير مقصودة ؛ لأن المجلس كان مزدحماً ، والسائلين كثير ، والإنسان يخطئ ويصيب ، والمعصوم من عصمه الله ، والمقصود أنه قال : إن الأصل في التصوير الحل والإباحة ، لأن الأصل في الأشياء الحل والإباحة .
__________
(1) أخرجة مسلم رقم (5545) .
(2) أخرجة البخاري رقم (5961) ، ومسلم رقم (5535) .(1/14)
قلت : أما قوله : " الأصل في الأشياء الحل والإباحة " فإنه كلام لا غبار عليه ، لكن يحتاج إلى قيد مهم جداً يتضح به الكلام ، وهو قول العلماء : " إلا بدليل " ، أي أن الأصل في كل الأشياء أنها حلال ومباحة إلا ما دل الدليل على إخراجه من الحل والإباحة إلى الحرمة ، ومن ذلك باب التصوير بأنواعه ، فإن الأدلة الشرعية السابقة واللاحقة إن شاء الله تعالى تدل دلالة صريحة على تحريمه ، والتشديد فيه ، والتوعد على فعله، فكيف نقول : إن الأصل في التصوير الحل والإباحة ، لكن كلٌ يؤخذ من قوله ويُترك إلا قول صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم - .
فأسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا سواء السبيل ، وأن يوفقنا للحق وقبوله ، إنه خير مسئول ، والله أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في العنق الذي يخرج من النار يوم القيامة أنه يقول (( إني وكلت اليوم بثلاثة ، بكل جبارٍ عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر ، وبالمصورين )) (1) قال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح ، وله شاهد عند الإمام أحمد من حديث عطية العوفي . ووجه الدلالة منه : أنه جعل هذا الوعيد عاماً على كل مصور ، ولم يستثن أي مصور ، ولا نوعاً من الصور ؛ لأن الألف واللام الداخلة على الجمع تفيد العموم ما لم تتقدم قرينة عهد ، ولا قرينة هنا ، والأصل هو البقاء على العموم حتى يرد التخصيص .
واللاقط للصور الفوتوغرافية مصور لغة وعرفاً ، فيدخل في هذا العموم شرعاً ، ومن أخرجه فعليه الدليل ، والله يتولانا وإياك .
__________
(1) أخرجة الترمذي رقم (2574) وصححه الألباني .(1/15)
ومن الأدلة أيضاً : ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله )) (1) ، وفيهما أيضاً من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى (( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة )) (2) ، ومن المعلوم أن ما يخرج في الصورة الفوتوغرافية مطابق تماماً لما هو الواقع ففيه المضاهاة ظاهرة، بل أظهر من المضاهاة بالتصوير بالنحت ، أو الرسم باليد ، فإن هذه قد تختلف في أشياء عن الحقيقة .
أما الصورة الفوتوغرافية فإن المضاهاة فيها واضحة ظاهرة ، فتكون أولى بالنهي .
وإن لم يسلم لنا ذلك فنقول : إن التصوير ليس تحريمه من أجل المضاهاة فقط ، بل لعللٍ أخرى سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، وهي متحققة في الصور الفوتوغرافية ، والله أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - (( الصورة الرأس ، فإذا قطع فلا صورة )) (3) أخرجه البيهقي ، وصححه الإمام الألباني رحمهما الله تعالى .
فهذا بيان نبوي فاصل لحقيقة الصورة ، فقال ( الصورة ) وهذا لفظ عام ، ثم بينها بقوله ( الرأس ) ، والصور الفوتوغرافية داخلة في هذا العموم ؛ لأنها يظهر فيها الرأس ، فالمعتبر في الصورة الرأس .
فانظر يا رعاك الله إلى الصور الفوتوغرافية المنتشرة في هذا الزمن هل فيها رأس أو لا ؟
الجواب : هذا مما لاشك فيه ، فإذاً هي صورة لهذا الحديث الصحيح.
فمن قال : ليست هي بصورة مع وجود الرأس فيها .
فنقول له : شفاك الله وعافاك من كل سوءٍ ومكروه ، ولا بأس عليك كفارة وطهور إن شاء الله ، والله أعلى وأعلم .
__________
(1) أخرجة البخاري رقم (5954) ، ومسلم رقم (5528) .
(2) أخرجة البخاري رقم (5953)و(7559) ، ومسلم رقم (2111) .
(3) أخرجة البيهقي رقم (7/270) .(1/16)
ومن الأدلة أيضاً : قول جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - (( إنا – أي الملائكة – لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة )) (1) وهذا العموم يدخل فيه الصورة الفوتوغرافية ؛ لأنها صورة لغة وعرفاً ، فهي صورة شرعاً ، والعام يبقى على عمومه إلا بدليل ، والله أعلم .
فهذه الأدلة تفيد إفادة قطعية إن شاء الله تعالى حرمةَ الصور الفوتوغرافية إلا ما استثناه الدليل كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( فصل )
وقد دلت القواعد الشرعية العامة على صحة هذا القول وبيانها كما يلي : -
القاعدة الأولى : قاعدة سد الذرائع المفضية إلى الممنوع.
فإن المنهيات في الشريعة قسمان : منهي عنه لذاته ، ومنهي عنه لأنه وسيلة إلى المحرم ، فتصوير النحت والرسم محرم لذاته ، والتصوير الفوتوغرافي محرم أيضاً ، لكن هل هو محرم لذاته كصاحبيه ؟ أو هو محرم لأنه وسيلة إلى المحرم ؟ وعلى كلا القولين فهو حرام ، فإنك إذا نظرت إلى هذه الصور الفوتوغرافية بعين العدل والإنصاف وجدت أن الناس قد توسعوا فيها توسعاً بعيداً ، بل بعضها بلغ مرتبة التعظيم ، كصور الملوك ورؤساء البلد في بعض الأقطار ، فإنها قد وضعت في كل مكان في الوزارات ، والإدارات الحكومية ، والمؤسسات العامة والخاصة ، وكأنها أصبحت شعاراً لتعظيم الولاة ، وأن من لا يعلقها فإنه مغموز عليه ، متهم في ولائه لولاة الأمر ، وهذا ليس هو الميزان الشرعي في تعامل الرعية مع الراعي ، فإن طاعة الولاة أمر عقدي مهم قد سطره أهل السنة والجماعة في كتبهم ، وليس من ذلك تعظيم صورهم .
__________
(1) أخرجة البخاري رقم (5949) ، ومسلم رقم (5511) .(1/17)
ومن ذلك صور الأموات فإن بعض الناس إذا مات له أب ، أو أخ ، أو صاحب ، علق صورته ، وجعل عليها شيئاً من السواد ، فكلما رآها تجددت أحزانه ، بل وبعضهم إذا وقع في مصيبة فإنه يقف أمام الصورة يخاطبها وكأنها تراه وتسمعه ، وهذه طامة لا مخرج منها إلا بسد هذا الباب سداً محكماً كما اقتضته الأدلة ، فالقول بتحريم التصوير الآلي متوافق تماماً مع قاعدة سد الذرائع المفضية إلى ما هو ممنوع ، والله أعلم .
القاعدة الثانية : اتقاء المتشابهات .
ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( الحلال بيِّن ، والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ... الحديث)) (1) متفق عليه . فالقاعدة في المتشابهات هو اتقاؤها بمعنى تركها واجتنابها ، والتصوير الفوتوغرافي إن سلمنا أنه ليس من الحرام البيِّن فلا أقل من أن يكون من قسم المتشابهات التي ندبنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى اتقائها استبراءً لديننا وعرضنا ، وهذا لا يكون إلا بالقول بالمنع من الصور الفوتوغرافية ، فإن كانت من الحرام البيِّن فلا كلام ، وإن كانت من قسم المتشابه ، فقد اتضح حكمها ولله الحمد والمنة .
إذاً القول بالمنع من الصور الآلية متوافق مع قاعدة اتقاء المتشابهات أتم موافقة ، والله أعلم .
القاعدة الثالثة : الخروج من خلاف العلماء .
فإنه قد تقرر أن فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن ، وهذا لا يتم إلا إذا قلنا بالمنع من الصور الفوتوغرافية ، ففي تركها مطلقاً خروج من خلاف العلماء ، والله أعلم .
القاعدة الرابعة : قاعدة حفظ المال :
__________
(1) أخرجة البخاري رقم (52)و(2051) ، ومسلم رقم (1599) .(1/18)
فإن الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الضروريات الخمس وهي : الدين ، والعقل ، والنسل ، والمال ، والنفس . وقد دلت الأدلة على أن إنفاق المال فيما لا طائل من ورائه ، ولا فائدة تجنى منه ، لا يجوز .
وهذه الصور الفوتوغرافية لا تخلو من حالات :
أما أن تتخذ للتعظيم فهي محرمة ، وإما أن تتخذ للذكري فهي كذلك وإما أن تدعو إليها الضرورة ، فيجوز زمنها ما تندفع به الضرورة ، وإما أن لا يكون ثمة مقصد لمتخذها .
فنقول : هذا تضييع للمال فيما لا طائل من ورائه ، ولا فائدة تحته ، وقد دلت الأدلة على أنه لا يجوز ، فتركه واجب ولا يتم ذلك إلا بالقول بمنع هذه الصور ؛ لأنه قد تقرر في القواعد أن ما لا يتم ترك الحرام إلا به، فتركه واجب ، وفعله محرم .
فالقول بمنع مثل هذه الصور متوافق مع قاعدة حفظ المال كل الموافقة والله أعلم .
والخلاصة : أن القول الراجح في الصور بالآلة التحريم ، إما تحريم مقاصد ، وإما تحريم وسائل ، والله ربنا أعلى وأعلم .
( فصل )
وبعد استقراء الأدلة وجدنا أن الشريعة الإسلامية – زادها الله شرفاً ورفعةً – حرمت التصوير لذوات الأرواح بأنواعه لعدة أمور : -
منها : كون تصوير ذوات الأرواح مفضٍ إلى تعظيمها ، والغلو فيها وربما جر ذلك إلى عبادتها ، ولاسيما إذا كانت الصور لمن يحبهم الناس ، ويعظمونهم ، سواءً كان ذلك التعظيم تعظيم علم وديانة ، أو تعظيم سلطانٍ ورياسة ، أو تعظيم صداقة وقرابة ، فمثل هؤلاء تكون الفتنة بتعليق ، أو نصب صورهم في المجالس ونحوها من أعظم وسائل الشرك والضلال .
ومنها : أن فيها مضاهاة لخلق الله تعالى ، وتشبيه فعل المخلوق بفعل الخالق سبحانه .(1/19)
ومنها : أن صناعة صور ذوات الروح المحرمة واتخاذها فيه مشابهة واضحة بفعل من كانوا يصنعون الصور والتماثيل ، سواءً كان المصور قاصداً التشبه بأولئك أم لا ، فمجرد صناعته للصورة ، أو استعمالها على وجهٍ محرمٍ بنصبٍ ، أو تعليق ، أو نحو ذلك يكون حاله شبيهاً بحال المشركين ومقلديهم الذين كانوا يصنعون الصور ويضعونها في معابدهم تقديساً وتعظيماً لها . ومعلوم أن من مقاصد الشريعة قطع دابر المشابهة بالكفار والمشركين فيما كان من عبادتهم وعاداتهم .
والأحاديث في ذلك متواترة تواتراً معنوياً ، وقد استوفاها الشيخ تقي الدين أبو العباس في كتابه الكبير " اقتضاء الصراط المستقيم " والله أعلم .
ومنها : كون صور ذوات الروح مانعة من دخول الملائكة ، وفيها تبذير ، وإضاعة للمال إلا فيما أخرجته الضرورة ، فهذا مما يبين لك جلياً إن شاء الله تعالى رجحان القول بالتحريم ، والله أعلم .
( فصل )
إذا ثبت لك ذلك فأقول : إنه مما عمت به البلوى في هذه الأزمنة تصوير ما تدعو إليه ضرورة التعريف بالنفس، كبطاقة الأحوال، والرخصة والشهادة ، ونحوها ، فهذا مما عمت به البلوى ، ولا مخرج للإنسان منه ، فحينئذٍ تقدر الضرورة بقدرها ، فيباح منها القدر الذي تندفع به الضرورة وقد كتب لي بعض الأحبة أنه يوجد في بلاد الغرب التعريف بالنفس عن طريق البصمة ، وأنها أضبط من التعريف بالصورة .
فقلت : إذا ثبت هذا فهو شيء حسن ، لكني لا أعلمه مستخدماً في ديارنا ، فإذا أثبته ولي الأمر ، فالضرورة حينئذٍ إلى التصوير مندفعة ، لكن إذا لم يقر في البلاد ، ولم يأذن به ولي الأمر ، فنبقى على التصوير الآلي إلى ارتفاع الضرورة، والله يرفعها عاجلاً لا آجلاً ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.(1/20)
ومن جملة الضرورات أيضاً : التصوير الجنائي ، وهو استخدام الصورة في محال الجريمة ، والكشف عن مرتكبيها ، وهذا داخل تحت قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " ، وقاعدة " لا محرم مع الضرورة " وقاعدة " الضرورات تقدر بقدرها " ، بل إن استخدام هذه الصور في بعض الحالات الجنائية واجب ؛ لأنه لا تكشف الجريمة ، وتؤخذ الحقوق لأصحابها إلا بذلك ، وقد تقرر في القواعد أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وعلى ذلك فقس ، فما دعت إليه الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة من هذه الصور الآلية فإنه يجوز منها ما تندفع به الضرورة ، والله ربنا أعلى وأعلم .
( فصل )
اعلم – رحمك الله تعالى – أن الذين قالوا بجواز التصوير الفوتوغرافي قد استدلوا بأدلة خالية من الاستدلال الشرعي ، وإنما هي استنباطات وقياسات ، ومن باب العدل أذكرها مع الإجابة عليها فأقول : -
قالوا – رحمهم الله تعالى – : إن التصوير الفوتوغرافي ليس في حقيقته تصويراً بمعنى أنه ليس هو التصوير الذي جاءت الأدلة بالنهي عنه والوعيد عليه ، فإن الأدلة فيها لفظ ( صوَّر ) و ( مصوِّر ) بالتشديد أي جعل هذا الشيء على صورة معينة ، فمادة ( صوَّر ) تقتضي أن يكون هناك فعل في نفس الصورة ، ومعلوم أن نقل الصورة بالآلة لم يحصل فيه من المصور أي عمل في هذه الصورة ، فلم يحصل منه تخطيط فيها ، ولا رسم ، ولا زيادة ولا نقص حتى يكون مضاهياً خلق الله ، وإنما هو سلط الآلة على المصوَّر فانطبع بالصورة خلق الله على الصفة التي خلقها الله عليها ، فهو إذاً حبس للظل ، وعكس له ليس إلا ، فلا يكون داخلاً في عموم أدلة التحريم – كذا قالوا - .
والجواب عن ذلك من وجوه :
منها : أنه اجتهاد في مورد النص والقاعدة تقول : لا اجتهاد مع النص ، فدلالة النصوص السابقة واضحة لا تحتاج إلى اجتهاد ، وعمومها يقضي بدخول الصور الفوتوغرافية ، ومثل هذا الكلام لا يكون مخصصاً لها .(1/21)
ومنها : أنه قياس صادم عموم النص ، وقد تقرر في القواعد أن كل قياس صادم النص فهو باطل .
ومنها : أننا لا نسلم أن المصوِّر لها لم يعمل شيئاً ، بل هو قد صدرت منه أعمال كثيرة قد تفوق أعمال من يرسم ، ولا عبرة بالمباشرة ، أي ليس التحريم مرتبطاً بمباشرة اليد للصورة نفسها ، فإن توجيه الآلة ، وضغط الزر ، وإخراج الصورة سوداء ، ثم وضعها في سائل التحميض ، ثم خضخضتها ، ثم تنشيفها كل ذلك عمل يعمله المصوِّر للصور الآلية ، فيكيف نقول أنه لم يعمل شيئاُ .
ومنها : سلمنا أنه لم يصدر منه أي عمل ، فإنه لا أثر للاختلاف في وسيلة التصوير وآلته في الحكم ، وإنما العبرة بوجود الصورة فقط ، فمتى وجدت وكانت لذات الروح ، وجد الحكم وهو التحريم ما لم تدع لذلك ضرورة كما مضى ، وكذلك لا أثر للجهد المبذول في إخراج الصورة في الحكم فسواء بذل المصوِّر جهداً شاقاً ، أو لم يبذل جهداً أصلاً فإن هذا لا تأثير له في الحكم ، وإنما المعتبر في ذلك كله وجود الصورة لذات الروح وإن اختلف وسيلة إنتاجها ، والجهد الذي يبذل فيها ، وقد تقرر في القواعد أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ومنها : سلمنا أن علة المضاهاة في الصورة الفوتوغرافية قد انتفت فهل بالله عليك قد انتفت العلل الأخرى التي تقدم ذكرها . فإن كل علة منها تقتضي التحريم بمفردها ، فكيف وقد اجتمعت كلها ، فاللهم إنا نسألك هداك والعمل بما يرضيك ، والتوفيق لما هو الحق والصواب ، وهو أعلى وأعلم .
وقالوا أيضاً – رحمهم الله ، وعفا عنهم وغفر لهم - : إن التصوير الفوتوغرافي شبيه تماماً بالصورة التي تظهر في المرآة أو الماء أو أي سطح لامع ، ولا يستطيع أحد أن يقول إن ما يظهر على المرآة والماء ونحوها حرام ؛ لأنه صورة ، وأن من فعل ذلك مصوراً ، فكذلك التصوير الفوتوغرافي ، كذا قالوا .(1/22)
فنقول : - إن القياس يفتقر إلى الاتفاق في العلة للاتفاق في الحكم ، وأنه قد تقرر في الأصول أن القياس مع الفارق باطل ، والصور التي تظهر على الماء أو المرآة ونحوها شيء غير مستقر ، وإنما يرى ويظهر باشتراط المقابلة ، فإذا ذهبت المقابلة زالت الصورة تماماً ، وأما الصور الفوتوغرافية فإنها ثابتة ومستقرة في الأوراق التي تطبع عليها ، فقياس ما هو مستقر ثابت على ما ليس كذلك قياس مع الفارق .
وأيضاً يقال : إنه لا يعرف عن أحدٍ من الناس تسمية الواقف أمام المرآة ونحوها أنه مصور ؛ لأن ذلك أصلاً ليس بتصوير لا لغةً ولا عرفاً ، فليس بتصوير شرعاً ، وأما الآخذ للصورة الفوتوغرافية فإنه مصور لغةً وعرفاً وشرعاً ، فقياس من هو مصور لغةً وعرفاً على من ليس بمصورٍ لغةً وعرفاً قياس مع الفارق .
وأيضاً يقال : - إن الواقف أمام المرآة ونحوها تخرج صورته في المرآة بلا عمل منه إلا الوقوف فقط ، فيده لم تباشر شيئاً في هذه الصورة ، وأما الآخذ للصورة الفوتوغرافية فإن يده تباشر الصورة بعمل زائد ، كتوجيه الآلة ، وضغط الزر ، وسحب الصورة ، ووضعها في سائل التحميض ، أو تحريكها في الهواء حتى تخرج الصورة ، فأين هذا من هذا ، فإن المسوِّي بينهما مسوٍّ لما فرق الله بينه .
وأيضاً يقال : - إن صورة الواقف أمام المرآة لا تحمل علة من العلل المذكورة في فصل بيان العلل ، فليس فيها مضاهاة ، ولا تعظيم ، ولا إنفاق للمال ، ولا تمنع من دخول الملائكة ، وليس فيها تشبه بالكفار، بخلاف الصورة الفوتوغرافية فإنها حاملة لهذه العلل أو لبعضها .
وأيضاً يقال : - إن صورة الواقف أمام المرآة ونحوها تتحرك بتحركه بخلاف الصورة الآلية فإنها بعد أخذها لا تتحرك بتحرك صاحبها.
فهذه الفوارق بينهما تمنع القياس ؛ لأنه قد تقرر في الأصول أن القياس مع الفارق باطل ، وتقرر أيضاً أن الشريعة لا تجمع بين مختلفين ، كما أنها لا تفرق بين متماثلين ، والله أعلم .(1/23)
وقالوا أيضاً : - إنه تقرر في القواعد أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة حتى يقوم دليل المنع .
فقلنا : - نعم هو كذلك ، وقد قام دليل المنع ، وهو ما مضى من الأدلة الكثيرة ، فإنها تدل دلالة صريحة على أن الأصل في باب التصوير الحرمة ، فلا يرخص منه إلا ما دعت الضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة إليه ، والله أعلم .
وبهذا يتبين لك جلياً إن شاء الله تعالى أن القول الراجح حسب الصناعة الحديثية والأصولية هو القول بتحريم التصوير الفوتوغرافي ، أو الآلي ، وهذا القول هو الذي ترتاح له النفس ، وتطمئن إليه اطمئناناً تاماً.
رزقنا الله وإياك لذة الحق قبولاً واتباعاً ، وعصمنا وإياك من الباطل ، فاللهم اهدنا للحق وارزقنا اتباعه ، وألهمنا رشدنا إنك أنت ربنا ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
وهذا ما توصلت إليه بالنظر القاصر ، والبضاعة المزجاة على عجرها وبجرها ، فإن وجدت فيها صواباً فهو محض توفيق من الله تعالى ، وإن وجدت غير ذلك فهو من تقصيري وزللي ، فهذا ما حضرني إملاؤه على غاية من الإعجال ، والله ربنا أعلى وأعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
وقد تم الفراغ منه يوم السابع من شهر ربيع الثاني
عام اثنين وعشرين وأربعمائة وألف
من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
والله أعلى وأعلم(1/24)