حسن المقصد
في فضائل وأحكام الحجر الأسود
تأليف
الشيخ محمود عامر عمري
صندلة
ذو القعدة 1417 هـ
آذار 1997 م
القسم ( 1 ) ، ( 2 ) ، ( 3 )
*****************
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
* إلى الحبيب الأعظم ، درّة الوجود ، وأكرم عابد للمعبود ، خاتم المرسلين الكرام ، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
* إلى والديّ " ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا " .
* إلى كلّ العلماء العاملين أصحاب الفضل والإرشاد
* إلى المؤمنين الصادقين ، الذين تهفو قلوبهم إلى بيت الله الحرام
وفاء لذكرى المربي الفاضل سيدي الشيخ محمد هاشم البغدادي الكيلاني . تغمده الله برحمة ورضوان ، وكل الأحبة في الله ، الداعين بظهر الغيب لهم كل المحبة والسلام .
المقدمة
الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عمد ، وجعل فوقها بيتا معمورا ، وبسط الأرض ، وجعل فيها بيتا مزورا ، وجعل ثواب المؤمنين جنّة وخص من حجه مبرورا . والصلاة والسلام على درّة الكونين ، من جعل الله ولادته بمكة في جوار بيته المحرم ، وأرسله للعالمين رحمة ونورا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، خير من سكب العبرات عند تقبيله الحجر الأسود وأرشد من أراد أن يذّكر أو أراد شكورا . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين المُعَظِمين لبيت ربهم وحرمته ، الطائفين والعاكفين والركع السجود ، والعامرين بيوت الله التي تستمد النور من الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس ؛ ليوصلهم بربهم صلاة ودعاء وحضورا ، فاستمدوا منه حرمة ونورا ، منذ قال تعالى { ألست بربكم قالوا بلى } فحفظت شهاداتهم ، فهم يبايعون الله { يد الله فوق أيديهم } . فطوبى لمن حفظ بيعته وصدق بها واتخذ كتاب ربه وسنة نبيّه منهجا ودُستورا . وقد جمعت هذه الصفحات في فضائل وخصائص ومكارم وأحكام الحجر الأسود درّة بيت الله الحرام ، راجيا من الله القبول والتوفيق ، ومن المؤمنين وأخص الحجاج والعمار الدعاء والسلام .
مكانة البيت الحرام(1/1)
قال تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين }[سورة آل عمران الآية 96-97 ].
تشير هذه الآيات المباركة بوضوح إلى أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله ، وإلى ما في هذا البيت من قدسية وحرمة ، وما فيه من دلائل وبراهين ، وآثار ، منها مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وهو الأمن لأهل الأرض .
وفي الآيات دعوة القادرين لحج هذا البيت وقصده وتعظيمه ، وخلاف ذلك هو الكفر ، كما ختمت الآيات { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } .
قال صاحب الكشاف (1) : فكأنه قال : إن أول متعبد للناس الكعبة .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي بيت وضع للناس أول ؟ قال : المسجد الحرام . قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى . قلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة .
وذكر الزركشي في كتابه إعلام الساجد (2) باب في ذكر أسماء مكة : إن من أسمائها : البيت العتيق ، لأنه قديم البناء ، إذ كانت الملائكة تطوف به قبل خلق آدم . وإن من أسمائها البيت الحرام لتحريم القتال فيه ، مما يدل على حرمته ومكانته . وهو أول وأولى المساجد التي تشد إليها الرحال ، حيث ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى "(3) .
وهو قبلة المسلمين في صلواتهم الخمس والنوافل والدعاء ، والصلاة فيه ـ بعد الطواف ـ أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه .
عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة "(4) .(1/2)
قال الزركشي : وذكر جماعة أنه البيت المعمور الذي أقسم الله به ، حكي ذلك عن ابن عباس والحسن رضي الله عنهم ، معمور بمن يطوف به .
قال تعالى { والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور }
[ الطور الآيات 1-4] .
وعن محمد بن عباد بن جعفر أنه كان يستقبل الكعبة ، ويقول : واحد بيت ربي ، ما أحسنه ، وأجمله ؟ هذا والله البيت المعمور (5).
وقال تعالى أيضا في بيان فضله :{ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } [ سورة البقرة الآية 125 ].
البيت : الكعبة ، والمثابة : المباءة والمرجع للحجاج والعمار ، يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه ، والأمن هنا : مكان السلام .
كلمة في سياق هذه الآية (6): تأتي هذه الآية بعد إعطاء إبراهيم منصب الإمامة ، وبعد إعطائه الوعد بأن يكون من ذريته أئمة ، فترينا هذه الآية مظهرا من مظاهر إمامة إبراهيم وواحدا من ذريته وترينا نموذجا من قيام إبراهيم وإسماعيل بما كلفا به وترينا كذلك أن البيت الذي سيكون قبلة للمسلمين ومحجا لهم إنما وجد بإرادة الله وتشريفية من الله وبأمره ، كما ترينا الحكمة من بناء البيت وترينا أنه في الأصل بني للطواف والعكوف والسجود .
وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما كون هذا البيت مثابة بقوله : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه ". وذلك شوقا إليه .
وقال غيره : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا (7). فلا يشبعون منه .
وقال كثير من أئمة التفسير (8) : أن المثابة : المجمع .
وعلى هذا القول يكون المعنى ؛ أن الله عز وجل أراد أن يكون هذا البيت ملتقى الشعوب كلها ، والأجناس كلها ، يجتمعون فيه ، فيتعارفون وينتفعون ، قائمين بأمر الله ، عابدين له موحدين ، معظمين شعائره . وأما كون البيت أمنا فمن حيث أن من دخله كان آمنا .(1/3)
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض .(9)
والكعبة المشرفة ، هي القبلة التي رضيها الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ... }
[ البقرة ، الآية 144 ].
ويروى عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان يطوف بالكعبة المشرفة ، ويقول : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، ولكن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك ".
ومن حرمة هذا البيت بجميع أركانه تأتي حرمة ومكانة الحجر الأسود ، لأنه أحد أركانه الأربع ، وهو الركن عند الإطلاق حيث له علاقة بالطواف حول البيت الحرام ، الذي جاء في الخبر أنه أفضل الأعمال في البيت الحرام حيث ينزل الله تبارك وتعالى في كل يوم على هذا البيت مائة وعشرين رحمة ، ستين للطائفين ، وأربعين للمصلين ، وعشرين للناظرين.
اللهم زد هذا البيت ومن زاره تشريفا وتعظيما ومهابة وقدرا ... آمين .
تاريخ بناء البيت الحرام
قال ابن كثير (10): وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة ، فقيل الملائكة قبل آدم ... وقيل آدم عليه السلام .... وقيل شيث عليه السلام .... وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب ، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ، ولا يعتمد عليها بمجردها ، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو أول بيت حج بعد الطوفان ، وقيل : هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه قبل الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض تحته ، وقيل هو أول بيت بناه آدم عليه السلام في الأرض ، وقيل لما أهبط آدم قالت له الملائكة : طُفْ حول هذا البيت، فلقد طفنا قبلك بألفي عام(11).(1/4)
وروى الأزرقي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم : أن الله تعالى بعث ملائكة ، فقال : ابنو لي في الأرض بيتا تمثال البيت المعمور وقدره . وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور . قال : وهذا كان قبل خلق آدم عليه السلام (12).
وأسند العمري إلى قتادة أنه قال : ذكر لنا أن البيت هبط مع آدم ، وحين أهبط قال الله تعالى : أهبط معك بيتي يطاف به كما يطاف حول عرشي . فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين ، حتى إذا كان زمن الطوفان ، رفعه الله وطهره من أن تصيبه عقوبة أهل الأرض ، فصار معمورا في السماء ، ثم إن إبراهيم عليه السلام تتبع منه أثرا بعد ذلك ، فبناه على أساس قديم كان قبله (13).
يقول الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي (14): بنيت الكعبة خلال الدهر كله أربع مرات بيقين ، ووقع الخلاف الشك فيما قبل هذه المرات الأربع
1- بناء إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام .
ثبت ذلك بصريح الكتاب والسنة الصحيحة .
2- بناء قريش قبل الإسلام ، واشتراك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة .
3- بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه بعد احتراق البيت زمن يزيد بن معاوية .
4- بناء الحجاج بأمر عبد الملك بن مروان بعد مقتل ابن الزبير ونقض بنائه .
5- تتعلق بما قبل إبراهيم عليه السلام ، هل كانت الكعبة بنيت قبل ذلك أم لا ؟
حل مشكلة الحجر الأسود
ومهما اختلفت الروايات والأخبار حول عدد المرات ، وأول من بنى الكعبة المشرفة ، فإنه مما لا خلاف فيه بناء إبراهيم الخليل عليه السلام ، واشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في البناء الأول ، قبل البعثة ، عندما بنتها قريش بعد تصدعها واحتراقها حسب بعض الروايات ، ومما لا خلاف فيه أيضا مشكلة وضع الحجر الأسود الذي كادت قريش أن تقتتل بسببه لتنال كل قبيلة شرف وضعه في مكانه حتى رضوا بحكم وحكمة الصادق الأمين عندما دخل عليهم .(1/5)
قال ابن إسحاق (15): ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان الركن (16) [ الحجر الأسود ] فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوروا ، وتحالفوا وأعدوا للقتال ، ... فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد ، وتشاوروا وتناصفوا ، فزعم بعض أهل الرواية : أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ( عم خالد بن الوليد ) وكان عامئذ أسن قريش كلها ، قال : يا معشر قريش اجعلوا بينكم ـ فيما تختلفون فيه ـ أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، ففعلوا ، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " هلم إلي ثوبا "، فأتي به فأخذ الركن ، فوضعه بيده ، ثم قال :" لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب " ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه ، وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن ينزل عليه الوحي : الأمين .
ويعلق الشيخ محمد الخضري بك (17): وهكذا انتهت هذه المشكلة التي كثيرا ما يكون أمثالها سببا في انتشار حروب هائلة بين العرب لولا أن يمن الله بعاقل مثل أبي أمية يرشدهم إلى الخير ، وبحكيم مثل الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بينهم بما يرضي جميعهم ، ولا يستغرب من قريش تنافسهم هذا ، لأن البيت قبلة العرب وكعبتهم التي يحجون إليها ، فكل عمل فيه عظيم به الفخر والسيادة ، وهو أول بيت وضع للعبادة بشهادة القرآن الكريم .
ويلاحظ من هذه الرواية الموثقة أنهم لم يختلفوا إلا على وضع الحجر الأسود خاصة من دون حجارة الكعبة المشرفة الأخرى ، مما يدل بوضوح على أهمية ومكانة وقدسية وخصوصية هذا الحجر الكريم .
موضع الحجر الأسود في البيت(1/6)
قال الإمام النووي (18): وهو في الركن الذي يلي باب البيت من جانب المشرق ويسمى الركن الأسود ويقال له وللركن اليماني ـ الركنان اليمانيان ـ ، وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ثلاث أذرع إلا سبع أصابع " وتقدر بمقادير اليوم بـ 150سم تقريبا .
وصفه :" والحجر الأسود حجر صقيل بيضي ، غير منتظم ، ولونه أسود يميل إلى الإحمرار ، وفيه نقط حمراء ، وتعاريج صفراء (19) ".
ووصف الرحالة ابن بطوطة (20) الحجر الأسود كما شاهده خلال رحلته إلى مكة فقال :" واما الحجر الأسود ، فارتفاعه عن الأرض ستة أشبار ، فالطويل من الناس يتطامن لتقبيله والصغير يتطاول إليه ، وهو ملصق بالركن الذي إلى جهة المشرق ، وسعته ثلثا شبر وطوله شبر وعقد ، ولا يعلم قدر ما دخل منه في الركن ، فيه أربع قطع ملصقة . وجوانب الحجر مشدودة بصفيحة من فضة ، يلوح بياضها على سواد الحجر الكريم ، فتجلى منه العيون حسنا باهرا .
ولتقبيله لذة ينعم بها الفم ، ويود لاثمه ألا يفارق لثمه ، خاصة مودعة فيه وعناية ربانية به ، وكفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه يمين الله في أرضه " ( نفعنا الله باستلامه ومصافحته وأوفد عليه كل شيق إليه ) وفي القطعة الصحيحة من الحجر الأسود مما يلي جانبه الموالي مستلمه ، نقطة بيضاء صغيرة مشرقة ، كأنها خال من تلك الصحيفة البهية ... " (21) .
من أين أتى الحجر الأسود ؟ مصدره
جاء في أخبار مكة (22) عن الشعبي قال لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال لإسماعيل : إئتني بحجر ليكون علما للناس يبتدئون منه الطواف ، فأتاه بحجر فلم يرضه ، فاتي إبراهيم عليه السلام بهذا الحجر ثم قال أتاني به من لم يكلني على حجرك .(1/7)
وعن يوسف بن ماهك قال : قال عبد الله بن عمرو أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة ، وأنه وضعه حيث رأيتم وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم فتمسكوا به ما استطعتم فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به " اهـ . (23) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الركن الأسود من الجنة وهو يتلألأ تلألؤا من شدة بياضه فأخذه آدم عليه السلام فضمه إليه أنساً به (24) .
وعن مجاهد قال : الركن من الجنة ، ولو لم يكن من الجنة لفني (25) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الحجر الأسود من حجارة الجنة "(26).
7- وسواء ثبت أن البناء الأول كان قبل آدم عليه السلام أو من زمنه أو من زمن إبراهيم عليه السلام ، فإن هذه الروايات ، إن صحت ، تثبت أنه من حجارة الجنة ، وتنفي الأقاويل أنه حجر عادي ، أو من النيازك ، أو غيرها كما زعم بعضهم .
الحجر الأسود كان مضيئا
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنّ الركن والمقام من ياقوت الجنة ، لولا ما مسهما من خطايا بني آدم ، لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي " (27) .
وقيل : لولا أن الله طمس نوره ما استطاع أحد أن ينظر إليه (28).
وفي رواية الأزرقي قال : أشهد أن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ، لولا أن الله تعالى أطفأ نورهما لأضاء نورهما ما بين السماء والأرض (29).
وفي رواية أخرى فلما وضع جبريل الحجر في مكانه ، وبنى عليه إبراهيم ، وهو حينئذ يتلألأ من شدة بياضه ، فأضاء نوره شرقا وغربا ويمينا وشمالا ، قال : فكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاب الحرم ، من كل ناحية من نواحي الحرم ، قال : وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام (30).(1/8)
وقد مر معنا أنه احترق زمن قريش ولهذا جددت بناءه ، وكذلك زمن عبد الله بن الزبير فنقضه وجدد البناء . فهذه الروايات تشير إلى النور الذي كان يضيء من الحجر عند نزوله ، وبعضها يعزو اختفاء هذا النور إلى خطايا بني آدم ، وبعضها بسبب الحريق ، ولا ندري كم هي المدة التي بقي فيها مضيئا ،والله أعلم .
وعن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس قال : الركن والمقام من جوهر الجنة (31).
وثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نزل الحجر الأسود من الجنة ، وهو أشد بياضا من اللبن ، فسودته خطايا بني آدم (32) .
فضائل الحجر الأسود
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الركن يمين الله عز وجل في الأرض ، يصافح بها خلقه ، والذي نفس ابن عباس بيده ، ما من امرئ مسلم يسأل الله عز وجل شيئا عنده ، إلا أعطاه إياه ، قال عثمان بن ساج وحدثت أن الله تبارك وتعالى لما أخذ ميثاق العباد جعله في الركن الأسود فيبعثه الله عز وجل بالوفاء بعهده " (33) .
وورد أنه يبعث يوم القيامة مثل جبل أحد ، يشهد لمن استلمه وقبّله (34).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ليبعثنّ الله الحجر يوم القيامة له عينان ، يبصر بهما ، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق "(35).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يأتي الركن يوم القيامة ، أعظم من أبي قبيس ، له لسان وشفتان يتكلم عمن استلمه بالنية ، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه ".
قال البيهقي (36) قال أهل النظر اليمين هنا عبارة عن النعمة ومن فضائله أنه على قواعد إبراهيم عليه السلام .(1/9)
قال الشوكاني في نيل الأوطار : وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين من قول ابن عمر رضي الله عنهما ، أنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ، فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة فضيلتان ، كونه الحجر الأسود وكونه على قواعد إبراهيم (37) وللثاني الثانية فقط ، وليس للآخرين أعني الشاميين شيء منها ، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ، ولا يقبل الآخران ولا يستلمان ، على رأي الجمهور (38) .
وجاء في الحاوي : روى محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده (39) .
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الحجر يمين الله في الأرض فمن مسحه فقد بايع الله "(40).
وعن عكرمة قال : أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله "(41) .
قال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء : وأما الإستلام فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته ، فصمم عز يمتك على الوفاء ببيعتك ، فمن غدر في المبايعة استحق المقت . وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحجر الأسود يمين الله عز وجل يصافح به خلقه كما يصافح الرجل أخاه " (42).
ويقول الداعية فتحي يكن (43) وأما باستلام الحجر الأسود ؛ فيدرك الداعية أنه مبايع لله عز وجل على طاعته ، وعلى الجهاد في سبيله ، وإنها بيعة ثقيلة { فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما } [الفتح 11] . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :" الحجر الأسود يمين الله عز وجل في الأرض يصافح به خلقه ، كما يصافح الرجل أخاه " حديث ابن حبان .
ومن فضائله أنه يستجاب عنده الدعاء .(1/10)
روى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الركن الأسود نور من أنوار الجنة ، وما من أحد يدعو الله عز وجل عنده ، إلا استجيب له "(44).
وروي " ما بين الركن اليماني والركن الأسود روضة من رياض الجنة " (45) .
ومن فضائله أيضا أنه تسكب عنده العبرات ؛ دلالة على الحضور والخشوع والرحمة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ، فالتفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي . فقال : " يا عمر ! ههنا تسكب العبرات (46) . ولا تمس النار عينا بكت وفاضت من خشية الله ، ويظلها الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وروى ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر وقال : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (47)" فقال علي بن أبي طالب أما أنه ينفع ويضر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" أن الله تبارك وتعالى لما أخذ العهد على آدم وذريته ، أودعه في رق في هذا الحجر ، فهو يشهد لمن وافاه يوم القيامة " فقال عمر : لا أحياني الله لمعضلة لا يكون لها ابن أبي طالب حيا (48) .
الحكمة في قول عمر رضي الله عنه :
" لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ".
اشتهرت مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تقبيله للحجر الأسود " لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ، ما قبلتك " من حديث أخرجه الجماعة .
قال الحافظ ابن حجر : قال الطبري : إنما قال ذلك عمر ، لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام ، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر تعظيم بعض الأحجار ، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية ، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته ، كما كانت تعتقده في الأوثان .(1/11)
وقال الحافظ : وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين ، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها ، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ، ولو لم يعلم الحكمة فيه ، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته ، وفيه بيان السنن بالقول والفعل ، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد ، أن يبادر إلى بيان الأمور ويوضح ذلك (49) .
وللدكتور يوسف القرضاوي تعليق ورد يناسب هذه الحكمة ، حيث ورد إليه سؤال يقول صاحبه : وقع في يدي كتاب أثار فيه مؤلفه شبهات حول الحجر الأسود ، ورد الأحاديث التي وردت في استلامه وتقبيله ، زاعما أنها تنافي دعوة الإسلام للتوحيد ونبذ الأوثان ، فكان جوابه بعد أن ذكر قصة عمر رضي الله عنه : والأحاديث المذكورة أحاديث قولية صحيحة ثابتة ، لم يطعن فيها عالم من علماء السلف أو الخلف ، على أن الأمر أكثر من ذلك . فإن هذه سنة عملية تناقلتها الأجيال منذ عهد النبوة إلى الآن بلا نكير من أحد ، فأصبحت من مسائل الإجماع ، ولا تجتمع الأمة على ضلالة ، وهذا وحده أقوى من كل حديث يروى ، ومن كل قول يقال ... (50) .
الحجر الأسود والمقام ياقوتتان
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ، ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي "(51).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الحجر الأسود من حجارة الجنة "(52).
الحجر الأسود يمين الله
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ليبعثن الله الحجر يوم القيامة له عينان ، يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، يشهد على من استلمه بحق "(53).(1/12)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يأتي الركن يوم القيامة ، أعظم من أبي قبيس ، له لسان وشفتان ، يتكلم عمن استلمه بالنية ، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه "(54).
التالي >>
الهوامش _________________________
1- تفسير الكشاف للزمخشري 1/446 .
2- إعلام الساجد بأحكام المساجد ـ لمحمد بن عبد الله الزركشي ص79 .
3- رواه البخاري .
4- ذكره في إعلام الساجد ص115 وقال : إسناده على شرط الصحيح ، وصححه ابن عبد البر .
5- إعلام الساجد ص 195 .
6- الأساس في التفسير ـ لسعيد حوى 1/267 .
7- المصدر السابق .
8- الأساس في التفسير 1/267 .
9- المصدر السابق 1/268 .
10- تفسير القرآن العظيم ـ لأبي الفداء بن كثير الدمشقي 1/172، 173.
11- الكشاف 1/446 .
12- فتح العلام ـ للسيد محمد بن عبد الله الجرداني 4/278 .
13- الكعبة على مر العصور ص9 د. علي حسن الخربوطلي عن مسالك الأبصار للعمري 1/93
14- فقه السيرة ـ البوطي ص75 و ص78 . بتصرف .
15- سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ـ لابن هشام 1/213 ـ 214 .
16- يعني بالركن ههنا : الحجر الأسود ، وسمي ركنا لأنه مبني في الركن ، قاله أبو ذر .
17- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين ص10 .
18- كتاب متن الإيضاح في المناسك للإمام النووي ص68 .
19- الكعبة على مر العصور ص19 ـ د . علي حسني الخربوطلي .
20- رحلة ابن بطوطة 1/107 .
21- تاريخ الكعبة ص22ـ 23 ـ د . علي حسني الخربوطلي .
22و 23- أخبار مكة ـ لأبي الوليد الأزرقي ج1 ص61ـ 64 .
24- المصدر نفسه ص328 .
25- المصدر السابق ص328 .
26- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/75 .
27- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/75 .
28- فتح العلام 4/278 .
29- أخبار مكة ـ ص328 .
30- أخبار مكة ـ ص65 .
31- المرجع السابق ـ ص327 .
32- قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
وانظر : متن الإيضاح للنووي ص148 .(1/13)
33- أخبار مكة ص326 .
34- فتح العلام .
35- اخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/75 .
36- أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص333 . وفي إسناد الحديث ضعف .
37- نيل الأوطار للشوكاني 5/114 ـ 115 .
38- نفس المصدر 5/116 .
39و 40- الحاوي الكبير للإمام أبي الحسن الماوردي 5/175 .
41- أخبار مكة للأزرقي ص325 .
42- إحياء علوم الدين للغزالي 1/269 .
43- قوارب النجاة في حياة الدعاة ص107 .
44- السنن الكبرى للبيهقي 5/75 .
45- الحاوي الكبير للماوردي ـ بتحقيق محمد مسطرجي 5/181 .
46- رواه ابن ماجه في المناسك : باب استلام الحجر 2/982 رقم (2945) ، والحاكم 1/454 ، وأورده السيوطي في الدر المنثور 1/325 .
قال البوصيري في زوائد ابن ماجه 3/18 رقم(1036): هذا إسناد ضعيف ، فيه محمد بن عون ضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما ، ورواه عبد بن حميد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصحح إسناده ، ومن طريقه البيهقي وقال : تفرد به محمد بن عون .
47- أخرجه مالك في الموطأ 1/367 وغيره .
48- أخرجه الحاكم 1/457 . قال ابن حجر في فتح الباري 3/462 وفي إسناده أبو هارون العبدي ، وهو ضعيف جدا .
49- فتح الباري 3/370 .
50- فتاوى معاصرة ـ د. القرضاوي ص359.
51- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/75 .
52- المصدر السابق .
53- المرجع السابق .
54- أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص333 .
قال : قال أهل النظر اليمين هنا عبارة عن النعمة ، وفي إسناد الحديث ضعف .
الحجر الأسود وفقه العبادات ( الحج )
1- الطواف
الحج ركن من أركان الإسلام ، يجب على المسلم القادر مرة في العمر ، إذا توفرت الشروط ، وما زاد فهو تطوع . والطواف ركن من أركان الحج في جميع المذاهب ( طواف الإفاضة ـ الركن ) وفي العمرة كذلك ، وبحثنا هنا عن علاقة الطواف بالحجر الأسود .(1/14)
روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان أحب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم مكة ، الطواف بالبيت " (55).
قيل : لما كان البيت أفضل من سائر المساجد ، وجب أن تكون تحيته ، أفضل من تحية سائر المساجد ، والطواف أفضل من الصلاة ، لرواية عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ينزل الله تعالى على هذا البيت في كل يوم عشرين ومائة رحمة ، ستون منها للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين ، فيجعل للطائف أكثر من أجر المصلي " (56)
2- بدء الطواف :
قال المزني : قال الشافعي رحمه الله : ويفتتح الطواف بالاستلام فيقبل الركن الأسود ".
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا أراد الطواف ، فيجب أن يبتدئ بالحجر الأسود ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ به "(57).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال ارتفاع الضحى ، فلما أتى باب المسجد أناخ راحلته ، ثم دخل المسجد ، فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه من البكاء ، ثم رمل حتى انتهى إلى الركن الآخر ، فاستلمه ، ورمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، فلما فرغ قبل الحجر ووضع يديه عليه ، ثم مسح بهما وجهه "(58) .
وعنه ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر ، فاستلمه ، ثم مشى على يمينه ، فرمل ثلاثا ومشى أربعا (59).
قال الشوكاني :" فيه دليل على أنه يستحب أن يكون ابتدأ الطواف من الحجر الأسود بعد استلامه .
وحكي في البحر عن الشافعي والإمام يحيى : أن ابتداء الطواف من الحجر الأسود فرض "(60).
وقال صاحب الهداية (61): (ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل ) لما روي ( أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد ، فابتدأ بالحجر ، فاستقبله ، وكبر ، وهلل ).(1/15)
وقال صاحب بداية المجتهد (62) باب القول في الصفة ـ يعني صفة الطواف ـ:والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجبا كان أو غير واجب ، أن يبتدئ من الحجر الأسود ... .
3- الطواف من الحجر إلى الحجر
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة ؛ إذا استلم الركن الأسود ، أول ما يطوف يَخُبّ ثلاثة أطواف من السبع .
وفي أخرى ، قال :" رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا "(63).
وجاء في كيفية الطواف : أن يدور الحاج ( أو المعتمر ، أو الطائف ) حول الكعبة بنية الطواف ، سبع مرات ، يبدأ كل شوط من الحجر الأسود ، محاذيا له بجميع البدن ، ويختمه بالحجر جاعلا الكعبة عن يساره ، خارجا بجميع بدنه عن حجر إسماعيل عليه السلام ، وعن الشاذروان ( وهو بناء مسنم قدر ثلثي ذراع خارج عن عرض جدار الكعبة ) (64).
قال الإمام النووي (65) في كيفية الطواف أن يحاذي بجميع بدنه على جميع الحجر ، وذلك بأن يستقبل البيت ، ويقف على جانب الحجر الذي إلى جهة الركن اليماني ، بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ، ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر ، ثم ينوي الطواف لله تعالى ، ثم يمشي مستقبلا الحجر ، مارا إلى جهة يمينه حتى يجازو الحجر ، فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره البيت ، ويمينه إلى خارج ، ولو فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز ... ثم المرور بجميع الأركان ، ثم يمر منه إلى الحجر الأسود ، فيصل إلى الموضع الذي بدأ منه ، فيكمل له حينئذ طوفة واحدة ... وهكذا يفعل سبعا . ثم استمر قائلا :" أن يجعل في طوافه البيت عن يساره ، كما سبق بيانه ، فلو جعل البيت عن يمينه ومر من الحجر الأسود إلى الركن اليماني لم يصح طوافه (66) .(1/16)
ثم قال : وينبغي أن ينتبه هنا لدقيقة ، وهي : أن من قبّل الحجر الأسود فرأسه في حد التقبيل في جزء من البيت ، فيلزمه أن يقر قدميه في موضعهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما ، لأنه لو زالت قدماه من موضعهما إلى جهة الباب قليلا ، ولو قدر بعض شبر في حالة تقبيله ، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما ، في الموضع التي زالتا إليه ، ومضى من هناك في طوافه ، لكان قد قطع جزءا من مطافه وبدنه في هواء الشاذروان ، فتبطل طوفته تلك (67) وهذا خطأ شائع يقع فيه الطائفون ، دون أن ينتبهوا لذلك . والله أعلم .
وفي المغني قولان يجزئه ولا يجزئه (68) .
4- استلام الحجر وتقبيله
عن عابس بن ربيعة رحمه الله ، قال : رأيت عمر يقبل الحجر ، ويقول : إني لأعلم أنك حجر ما تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ". أخرجه الجماعة (69).
إلا أن الموطأ أخرجه عن عروة " أنه رأى عمر ".
وقد أخرجه البخاري أيضا عن أسلم عن عمر .
وأخرجه مسلم عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر ، ونافع عن ابن عمر . ومن رواية غيرهما عنه .
وزاد مسلم والنسائي في إحداهما :" ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا " ولم يقل :" رأيت رسول الله يقبلك ".
ومعنى ( حفيا ): أي شديد السرور . في غاية اللطف والاعتناء . وبارا به .
وفي أخرى لمسلم عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال : رأيت الأصلع ـ يعني : عمر ـ يقبل الحجر ويقول : والله ، إني لأقبلك ، وإني أعلم أنك حجر ، وأنك لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك".
وفي رواية : رأيت الأصيلع ".
هذا وقد مر معنا تعليق الحافظ ابن حجر العسقلاني على مقالة عمر رضي الله عنه ، والحكمة منها .
5- السجود على الحجر بعد تقبيله
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الحجر . أخرجه البيهقي (70).(1/17)
6- تقبيل اليد بعد الاستلام
عن نافع رحمه الله قال : رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ، ثم قبّل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (71).
7- الاستلام في الزحام
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير ، يستلم الركن بمحجن". هذه رواية البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي (72).
وفي أخرى للبخاري والنسائي والترمذي قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير ، كلما أتى على الركن أشار إليه ".
زاد البخاري في رواية أخرى " بشيء كان في يده وكبر ".
وفي أخرى لأبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" قدم مكة ـ وهو يشتكي ـ فطاف على راحلته ، كلما أتى على الركن استلمه بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ ، وصلى ركعتين ".
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على راحلته يستلم الركن بمحجنه ، ويقبل طرف المحجن ، ثم خرج إلى الصفا ، فطاف سبعا على راحلته (73).
قال في الفتح : ولهذا قال الجمهور : إن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده ، فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك (74).
وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر وكذلك المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره ، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير بأسا ، واستبعد بعض أصحابه ذلك .
ونقل عن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين كذا في الفتح (75) .
قال ابن حزم في مراتب الإجماع:"واتفقوا على استلام الحجر الأسود "(76).
8- هل يُستلم ويُقبل غيرُ الركن الأسود ؟(1/18)
جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين (77) (وهما الركن الأسود والركن اليماني ) وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين من قول ابن عمر أنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ، فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة فضيلتان ؛ كونه الحجر الأسود ، وكونه على قواعد إبراهيم ، وللثاني الثانية فقط ، وليس للآخرين أعني الشاميين شيء منها ، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان على رأي الجمهور . وروى ابن المنذر وغيره استلام الأركان جميعا (78) .
9- حكم من لم يستلم
جاء في أخبار مكة : أخبرني جريج أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما رأى رجلا يطوف بالبيت ، لا يستلم ، فقال : يا هذا ما تصنع هاهنا ؟ قال أطوف ، قال : ما طفت " (79).
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدع الركن الأسود والركن اليماني أن يستلمهما في كل طواف أتى عليهما ، قال وكان لا يستلم الآخرين (80) .
قال صاحب بداية المجتهد :" فإن استطاع أن يقبله قبله ، أو يلمسه بيده ، ويقبلها إن أمكنه ... ويستلم الركن اليماني ، وهو الذي على القطر الركن الأسود ، لثبوت هذه الصفة من فعله صلى الله عليه وسلم .
وكان بعض السلف لا يحب أن يستلم الركن إلا في الوتر من الأشواط ، وكذلك أجمعوا على أن تقبيل الحجر الأسود خاصة من سنن الطواف إن قدر ، وإن لم يقدر على الدخول إليه قبل يده (81) بعد الإشارة إليه .
وذكر صاحب الهداية : قال ( وإن أمكنه أن يمس الحجر بشيء في يده ) كالعرجون وغيره ( ثم قبل ذلك ، فعل ) لما روى أنه عليه الصلاة والسلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه " وإن لم يستطع شيئا من ذلك ، استقبله ، وكبر ، وهلل ، وحمد الله ، وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام (82).(1/19)
وذكر صاحب مغني المحتاج (83) بعد ذكر واجبات الطواف : وأما السنن فأن يطوف ماشيا ويستلم الحجر أول طوافه ويقبله ، ويضع جبهته عليه ، فإن عجز أشار بيده " .
وأن يقول أول طوافه : بسم الله ، والله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك محمد ، صلى الله عليه وسلم (84) .
10- الزحام على الحجر
ذكر الماوردي (85) الاختلاف في الزحام على الحجر ،فقال : واختلف في الزحام لاستلام الحجر ، فقيل : ينتظر حتى يخف الزحام ، وإن علم أن الزحام لا يخف ، ترك الاستلام ، ولم يزحم الناس ، وأشار إليه رافعا ليده ، ثم يقبلها .
وقال النووي (86):" ويستحب أن يستقبل الحجر الأسود ويدنو منه ، بشرط أن لا يؤذي أحدا بالمزاحمة ، فيستلمه ، ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة ،ويسجد عليه ، ويكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا ، ثم يبتدئ الطواف ".
وحكي عن طائفة أن الزحام عليه أفضل كفعل ابن عمر رضي الله عنهما (87).
والدلالة على أن الزحام مكروه : رواية سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنك رجل قوي لا تؤذي الضعيف ، فإذا أردت أن تستلم الحجر ، فإن كان خاليا فاستلمه ، وإلا فاستقبله وكبر "(88).
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : سمعت رجلا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص ، إنك فيك فضل قوة فلا تؤذ الضعيف ، إذا رأيت الركن خِلْوا فاستلم ، وإلا كبر وامض ، قال : ثم سمعت عمر يقول لرجل : لا تؤذ الناس بفضل قوتك (89).
روى الأزرقي(90) أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : إذا وجدت على الركن زحاما فلا تؤذ ولا تؤذى ، لا تؤذ مسلما ولا يؤذيك ، إن رأيت منه خلوة ، فقبله ، أو استلمه ، وإلا فامض .(1/20)
ويروى أن عبيد بن عمير قال لابن عمر : إني أراك تزاحم على هذين الركنين فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن استلامهما يحط الخطايا حطا " (91).
أما النساء فلا يختار لهن الاستلام ولا التقبيل ، إذا حاذين الحجر أشرن إليه ، وقد روى عطاء " أن امرأة طافت مع عائشة رضي الله عنها فلما جاءت الركن قالت المرأة : يا أم المؤمنين ألا تستلمين ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها : وما للنساء واستلام الركن امض عني .
وأنكرت عائشة ذلك على مولاة لها .
فإن أرادت المرأة تقبيل الحجر فعلت ذلك في الليل عند خلو الطواف (92).
وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عوف :" كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن ؟" قال استلمت وتركت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أصبت " (93).
قال الإمام الشافعي رحمه الله : وأحسب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن أصبت أنه وصف له أنه استلم في غير زحام ، وترك في زحام (94).
وجاء في حاشية المغني والشرح الكبير (95) تعليق مقابل حديث عمر السابق :" إيذاء الناس محرم ، واستلام الحجر مستحب ، فمن الجهل الفاضح ما يجري دائما في وقت الزحام من إيذاء الأقوياء للضعفاء وضغطهم للنساء لأجل استلام الحجر فالرجل يرتكب عدة معاص لأجل مستحب واحد ".
11- استلام الركنين اللذين يليان الحجر :
الأسود واليمانيين
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين (96).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين (97).
12- ختم الطواف
جاء في رواية جابر عند ذكر بدء الطواف قوله ، فلما فرغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبّل الحجر ووضع يديه عليه ثم مسح بهما وجهه ".(1/21)
وذكر صاحب الهداية : ( ويختم الطواف بالاستلام ) يعني استلام الحجر . وبعد أن ذكر صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ( ثم يعود إلى الحجر فيستلمه ) لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام لما صلى ركعتين عاد إلى الحجر ، والأصل أن كل طواف بعده سعي يعود إلى الحجر لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام ، فكذا السعي يفتتح به بخلاف ما إذا لم يكن بعده سعي .
فهكذا نرى مما ذكر أن الحجر الأسود له علاقة وثيقة ترتبط بأهم أركان الحج ألا وهو الطواف حيث يبتدأ منه كل شوط وينتهي إليه ، ويقبل أو يستلم أو يستقبل أو يشار إليه بشيء أو باليد وتقبل مع ذكر الله فلا يصح طواف ولا حج إذا لم تراع أحكام البدء والانتهاء ، فالبدء من الحجر بالكيفية المتيسرة أمر ضروري لأنه لا بد منه وقد رفع الحرج عن المسلمين بكراهية المزاحمة والايذاء إن لم يكن الحجر خاليا وإلا فمن السنة الاجتهاد للتقبيل والاستلام أو الإشارة رفعا للمشقة وحماية لضرورة المحافظة على الدين ونفس الإنسان وسلامة جوارحه وعبادته بعدم التكليف فوق الطاقة ، او التكليف مع المشقة البالغة ، ويمكننا القول بأن الإشارة باليد والبدء من الحجر في الطواف من الضروريات ، والاستلام من الحاجيات ، أما التقبيل والسجود على الحجر فمن الكماليات في هذه الجزئية ، فهي مكملة لتقديس وتعظيم وكمال الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والطواف والحج والله اعلم .
تلخيص خصائص الحجر الأسود وفضائله
إن لهذا الحجر خصائص ومزايا عظيمة صحيحة ثابتة من طرق صحيحة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة الصادق المصدوق ، فمنها :
1- أنه يشرع تقبيله واستلامه .
2- أنه في أشرف مكان في بيت الله المعظم " الركن الشرقي " وهو المكان الذي يقع على نفس القواعد الأولى الأصلية التي رفعها إبراهيم عليه السلام .
3- أنه في المكان الذي يشرع ابتداء الطواف بالبيت منه . (وكذلك يختم عنده ) .(1/22)
4- أن من استلمه كان كمن فاوض يد الرحمن ،وكمن بايع الله ورسوله .
5- أنه كان له نور عظيم مضيء ، ولكن الله تعالى قد طمس هذا النور ـ لحكمة ما ـ .
6- أنه يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق ، مؤمنا صادقا.
7- أنه شافع ومشفع يوم القيامة ، كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني ـ وفي سنده كلام .
8- ومن فضائله أنه تسكب عنده الدموع ، وتحطّ الخطايا ، ويستجاب الدعاء .
9- ومنها ما جاء أنه كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته (98).
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ ".
وفي الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ، قيل : إنه الحجر الأسود (99).
8- أنه في الأرض بمنزلة يمين الله كما ثبت في الحديث . وله طرق وشواهد يقوي بعضها بعضا . وقد تستنبط حكمة استلامه من هذا الحديث : وهي أن كل مسلم أمين على الإسلام والإيمان ، وهذه الأمانة عاهدة الله عليها وبايعه على تحملها وأدائها ، ولما كانت النفوس تحتاج إلى ما يثبت لها المعاني المحسوسة ، أقام الله تعالى هذا الحجر في بيته وجعل له هذه الخصوصية ليكون بمثابة المحسوس الذي يتيقن المسلم باستلامه أنه قد أدى البيعة وعاهد ربّه سبحانه وتعالى على تحمل واداء الأمانة والقيام بها خير قيام .
وهذه إنما هي حكمة مستنبطة فقط ، والحكمة الأصلية هي امتحان العقول ومعرفة واستجابة النفوس وطاعتها وعبوديتها لله فيما قد تجهل حكمته أو تخفى عليها علته ، وحينئذ لا يكون لإقدامها عليه معنى سوى تمام عبوديتها لخالقها الحق سبحانه وتعالى .(1/23)
والحجر الأسود ربما يكون هو الأثر الوحيد في بناء الكعبة المشرفة الباقي منذ عهد إبراهيم عليه السلام إن لم يكن من قبله وقبل آدم عليه السلام ، ومن هنا جاء التبرك به وتقديسه واستلامه حفاظا على عهدنا مع بيت الله الحرام ، وأبي الملة الحنيفية السمحاء ، جد الأنبياء والمرسلين خليل الرحمن عليه السلام ، الذي ختم الله من ذريته بسيد الرسل الكرام جميع الرسالات وأحسن الختام ببقاء الركن الأسود على عهده القديم دون تغيير أو تبديل ليكون مع البيت مثابة للناس وأمنا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم
آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
الهوامش _____________________________ التالي >>
55- الحاوي الكبير للماوردي 5/172.
56- أخرجه ابن عدي في الكامل 6/2280 . وانظر : اتحاف السادة المتقين 4/272 .
57- الحاوي الكبير 5/174 ـ 175 .
58- سنن البيهقي 5/74 ، مسلم باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 1218 ، الموطأ 1/364.
59- أخرجه مسلم في الحج : باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1218) ، وباب استحباب الرمل في الطواف والعمرة ، رقم (1263) ، والموطأ 1/364 في الحج : باب الرمل في الطواف ، والترمذي رقم (856) في الحج : باب ما جاء كيف الطواف ، و857 باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر ، والنسائي 5/228 في الحج : باب طواف القدوم واستلام الحجر ، وابن ماجه رقم (2951) في المناسك : باب الرمل حول البيت ، والدارمي في السنن 1/42 كتاب المناسك ، وأحمد في المسند 3/320، 340، 373، 388، 394، 397 ، وابن الجارود في المنتقى رقم (454، 455)، والبيهقي في الكبرى 5/74 .
60- نيل الأوطار للشوكاني 5/117 .
61- الهداية شرح بداية الميتدئ للمرغيناني 1/140 ، المكتبة الإسلامية .
62- بداية المجتهد ونهاية المقتصد محمد بن رشد القرطبي 1/340 .(1/24)
63- أخرجه البخاري 3/377 في الحج : باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة ، ومسلم رقم (1262) في الحج : باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة ، والموطأ 1/365 في الحج : باب الرمل في الطواف ، وأبو داود رقم (1893) في الحج : باب الدعاء في الطواف ، ورقم (1891) باب في الرمل ، والنسائي 5/229 ، 230 ، في الحج : باب الخبب في الثلاثة من السبع ، وباب الرمل في الحج والعمرة ، وابن ماجه 2/986 في المناسك : باب الركعتين بعد الطواف رقم (2959) ، وأخرجه الدارمي في السنن 1/42 كتاب المناسك : باب من رمل ثلاثا ومشى أربعا ، وأحمد في المسند 2/30 .
64- العبادات الإسلامية ص189 د. بدران أبو العينين بدران .
65- كتاب متن الإيضاح في المناسك ص68 .
66- المصدر السابق ص73 .
67- متن الإيضاح ص74 .
68- المغني لابن قدامة والشرح الكبير للمقدسي 3/384 ـ 385 .
69- البخاري 3/369 في الحج : باب ما ذكر في الحجر الأسود ، وباب الرمل في الحج والعمرة ، وباب تقبيل الحجر ، وأخرجه مسلم رقم (1270) في الحج : باب استحباب تقبيل الحجر الأسود ، والموطأ 1/367 في الحج : باب تقبيل الركن الأسود في الإستلام ، والترمذي رقم (860) في الحج : باب ما جاء في تقبيل الحجر ، وأبو داود رقم (1873) في المناسك : باب تقبيل الحجر ، والنسائي 5/227 في الحج : باب تقبيل الحجر ، وابن ماجه رقم (2943) في المناسك : باب استلام الحجر ، والدارمي 1/52، 53 في المناسك : باب في تقبيل الحجر الأسود ، وأحمد في المسند 1/21، 26، 34، 35، 39، 46، 51، 53، 54، وابن الجارود في المنتقى رقم (452)، والبيهقي في السنن الكبرى 5/74 ، وفي الباب من حديث عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله ابن سرجس .
70- السنن الكبرى 5/75 .
71- أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الحج ، باب تقبيل الحجر ، ومسلم في الحج : باب استحباب استلام الركنين اليمانيين ، والبيهقي في الكبرى 5/75 .(1/25)
72- البخاري 3/378 في الحج : باب استلام الركن بالمحجن ، وباب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه ، وباب التكبير عند الركن ، وباب المريض يطوف راكبا ، وفي الطلاق : باب الإشارة في الطلاق ولأمور ، واخرجه مسلم رقم (1272) في الحج : باب باب جواز الطواف على بعيرغيره واستلام الحجر بالمحجن ، وأبو داود رقم (1877) في المناسك : باب الطواف بالواجب ، والنسائي 5/233 في الحج : باب استلام الركن بالمحجن ، والترمذي رقم (865) في الحج : باب ما جاء في الطواف راكبا ، وابن ماجه رقم (2948) في المناسك : باب من استلم الركن بمحجن ، وأحمد في المسند 1/214، 237، 248، 304 ، وابن الجارود في المنتقى رقم (463).
73- أخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب المناسك ، باب من استلم الركن بمحجنه 2/983 رقم (2949) وابن الجارود في المنتقى رقم (464) .
74و 75- نيل الأوطار للشوكاني 5/115 .
76- مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والمعتقدات لابن حزم ص51 .
77- رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له معناه من رواية ابن عباس .
78- نيل الأوطار للشوكاني 5/116 .
79- أخبار مكة للأزرقي ص336 .
80- المصدر السابق ص332 .
81- بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/340ـ 341 ، بتصرف .
82- الهداية للمرغيناني 1/140 .
83- مغني المحتاج إلى معرفة معاني الألفاظ المنهاج ـ الشربيني 1/487 .
84- المصدر السابق ص488ـ489 .
85- الحاوي الكبير للمارودي 5/178 .
86- كتاب متن الإيضاح في المناسك ص68 .
87- الحاوي الكبير 5/178 بتصرف .
88- الأثر عن عمر أخرجه البيهقي 5/81 ، وعبد الرزاق ص8907 .
89- أخرجه الإمام الشافعي في مسنده (2/43 ـ بدائع المنن ) من حديث عبد الرحمن بن عوف . وأحمد في المسند رقم (190) عن عمر نفسه . وفي إسناده رجل مجهول . وأخرجه البيهقي في الكبرى 5/80 .
90- أخبار مكة للأزرقي ص334 .
91- أخرجه البيهقي 5/81 ، وفي الأم للشافعي 2/172 .
92- الحاوي الكبير للماوردي 5/178 .(1/26)
93- أخرجه مالك في الموطأ 1/366 في الحج : باب الاستلام في الطواف، ومن طريقه الطبراني في الكبير 1/127 رقم (257) . وأخرجه البيهقي في الكبرى 5/80 . وهو مرسل فإن عروة بن الزبير لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الزرقاني في شرح الموطأ : وقد أخرجه ابن عبد البر موصولا من طريق سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عوف . وأخرجه البرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف (31، 32) ومن طريقه الحاكم في المستدرك 3/306 .
94- البيهقي في الكبرى 5/80
95- المغني ـ لابن قدامة المقدسي 3/384 .
96- أخرجه البخاري 3/379 في الحج : باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين ، وباب الرمل في الحج والعمرة ، وباب تقبيل الحجر الأسود ، ومسلم رقم (1267) في الحج : باب استحباب استلام الركنين اليمانيين ، وأبو داود رقم (1874) في المناسك : باب تقبيل الحجر ، والنسائي 5/231، 232 ، في الحج : باب استلام الركنين في كل طواف ، والبيهقي في الكبرى 5/75 .
97- أخرجه مسلم رقم(1269) في الحج : باب استلام الركنين اليمانيين .
98- فتح العلام 4/278 .
99- الشفا ـ للقاضي عياض 1/307 .
قائمة المصادر والمراجع
* القرآن الكريم .
* الأساس في التفسير ـ لسعيد حوى .
* إحياء علوم الدين ـ للإمام الغزالي ـ شافعي .
* إعلام الساجد بأحكام المساجد ـ
للزركشي محمد بن عبد الله ، ط2 القاهرة 1410هـ .
* بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ لابن رشد ـ مالكي .
* تاريخ الكعبة ـ د. حسني الخربوطلي، دار الجيل ط 1976 م .
* تاريخ مكة ـ لأبي الوليد محمد بن عبد الله أحمد الأزرقي ، ط : دار الأندلس .
* تفسير الجلالين .
* تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير الدمشقي .
* تفسير الكشاف ـ للزمخشري .
*الحاوي الكبير ـ لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ـ شافعي .
دار الفكر.
* رحلة ابن بطوطة ـ المطبعة الأميرية سنة 1939م .
* رياض الصالحين ـ النووي .(1/27)
* السنن الكبرى ـ للبيهقي .
* سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ـ لابن هشام .
* صحيح البخاري .
* صحيح مسلم .
* الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ للقاضي عياض بن موسى اليحصبي .
دار الفكر ـ بيروت .
* فتاوى معاصرة ـ د. يوسف القرضاوي ، دار الوفاء .
* فتح العلام بشرح مرشد الأنام ـ السيد محمد عبد الله الجرداني .
دار السلام ، ط1990 م .
* فقه السيرة ـ د . محمد سعيد رمضان البوطي .
* قوارب النجاة في حياة الدعاة ـ فتحي يكن .
* الكعبة على مر العصور د. حسني الخربوطلي .
* لبيك اللهم لبيك ـ للسيد محمد بن علوي المالكي .
* متن الإيضاح في المناسك ـ للنووي ـ شافعي .
* مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والمعتقدات ـ لابن حزم .
دار الآفاق الجديدة ط سنة1400هـ .
* مسند أحمد .
* مسند الشافعي .
* مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ـ للخطيب الشربيني ـ شافعي .
* المغني والشرح الكبير ـ لابن قدامة المقدسي ـ حنبلي .
دار الكتب العلمية ـ بيروت .
* نور اليقين في سيرة سيد المرسلين ـ محمد الخضري بك
ط19 القاهرة سنة 1966 .
* الهداية شرح بداية المبتدي ـ للمرغيناني ـ حنفي .
الفهرس
المقدمة
مكانة البيت الحرام
تاريخ بناء البيت الحرام
حلّ مشكلة الحجر الأسود
موضع الحجر الأسود في البيت
من أين أتى الحجر الأسود ، مصدره
الحجر الأسود كان مضيئا
فضائل الحجر الأسود
الحكمة في قول عمر : لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك
الحجر الأسود والمقام ياقوتتان
الحجر الأسود يمين الله
الحجر الأسود وفقه العبادات ( الحج)
الطواف
بدء الطواف
الطواف من الحجر إلى الحجر
استلام الحجر وتقبيله
السجود على الحجر بعد تقبيله
تقبيل اليد بعد الاستلام
الاستلام في الزحام
هل يُستلم ويقبل غير الركن الأسود
حكم من لم يستلم
الزحام على الحجر
استلام الركنين اللذين يليان الحجر
ختم الطواف
تلخيص خصائص الحجر الأسود وفضائله
فهرس المصادر والمراجع(1/28)