الحمد لله ربِّ العالمين ، وصَلَّى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصَحْبِهِ أجمعين .. أمَّا بَعد :
فَقَدْ عَلِمْتُ أنه كَثُر في وقتنا اقتناءُ بعضِ أصنافِ الطيور ، خاصة ذوات الألوانِ الزاهية والأصواتِ الحسَنَةِ حتى إنه صَارَ لَها مَواضع خاصة يُتَاجر بِهَا ، وأنها تُسْتجلب مِنْ بُلدانٍ بعيدةٍ لغرض إمتاعِ النَّظَرِ والسَّمْعِ ، فتُحْبَسُ في أقفاصٍ في البيوتِ ومَحَلاَّتِ البيع ، وكأنَّهَا جَمَادَاتٌ لا إحساس لَهَا ولا شُعور ! .
وكَعَادَةِ بعضِ أهلِ وَقْتِنَا إذا أرادوُا فِعْلَ شَيْء مِمَّا أُحْدِثَ ولَمْ يَكُن له مثيلٌ سابق فإنهم يَسْتفتون ، وليس الشأنُ أنْ يَسْتفْتُوا فيُفْتوُا لِأَنَّ هذا كثُر جِداً وكثر أهله لإضْفاءِ الشَّرعية على كلِّ شيءٍ ، وإنما الشأن هل هذه الفتوى حقٌّ أمْ لاَ ؟! .
فالذين يُفْتون ويُسَوِّغون حبسَ الطيور ونحوها يَسْتدلون بأدلةٍ يغصبونها لِمُجَارَاتِ مَا أُحْدِثَ في وقتنا مثل استدلالهم بِحَدِيثِ المرأةِ التي حَبَسَتْ هِرَّة (1) ، وأنَّ العِلَّة أنَّ المرأةَ لَمْ تُطْعِم الْهِرَّةَ ولم تَسْقِها ، وهو واللهِ مُخِيفٌ وكافٍ في الرَّدع والزجر عن ظُلْمِ هذه الْمَخلُوقَات .
__________
(1) حيث أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 3295 ) ، ومسلم في « صحيحه » برقم ( 2242 ) عن عبد الله بن عمر { أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( عُذِّبت امرأة في هرة سَجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) ؛ وفي رواية أخرى عند مسلم برقم ( 2619 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( دَخَلَت امرأة النارَ في هِرَّة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً ) .(1/1)
والذي في هذا الحديث الشريفِ خَبَرٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - بِحَادثةٍ حَاصِلَةٍ ، وفي ضِمْنهِ التحذير أنْ يفعل أحدٌ مثل هَذا الفِعْل .
وإنه لتحذيرٌ هَائلٌ عظيمٌ ! ، فهذه المرأة - التي حبَسَت الْهِرَّة - مُسْلمة ، وإنَّمَا صَارَ سببُ دخُولِهَا النار هَذا الأمْرُ (1) ! ، ومَنْ ذا يُطيق عذابَ النَّار ؟! .
والعجَبُ أنْ يُسْتَدل بذلك على تسويغِ وتهوينِ حبس الطيور في الأقفاصِ الذي كَثُر وانتَشَر ! .
وأكثرُ مَا يَفعله الْمُتْرَفُونَ الذين لَمْ يَذكرهم الله - عز وجل - في كتابه الكريم إلاَّ بالذَّمِّ ويُحَذِّر الناسَ أنْ يَسْلكوا مسالِكَهُم .
ولَيس في هذا الحديثِ مُسْتَمسكٌ لِهَؤلاء ، ولكنه خَبَرٌ خَرَجَ مَخْرَج التحذيرِ مِن التعرُّضِ لِلظُّلْمِ وَلِمَا يُوصِلُ إِلَى العذابِ الأليم .
ومعناه أنَّ الْمَرْأةَ أساءَتْ إلى هِرَّةٍ وَظَلَمَتْهَا بِحَبْسِهَا ، وزادَتْ في شَرِّها وعدوانها أنها لَمْ تُطْعِمْهَا وتَسْقِهَا ، فاستدلالُهُم باعتبارِ أنها لَوْ أطعمتها وسَقَتْهَا فليس في ذلك شيءٌ ؛ وهذا غَلَطٌ ظاهر ، فالْمَنْهِيُّ عنه هو الظلم حتى لِهَذِهِ المخلوقات الْمُحْتَقَرَة ، وهذا خلاف الصائل فإنه يُقتل سواء القِطَط أو غيرها ولاَ يُعذَّب ، وعندَ أهلِ العِلْمِ قَاعِدَة شَرعية تُبَيِّنُ ذلك وهي : ( مَا آذَى طَبْعاً قُتِل شَرْعاً ) ، وليسَ هَذَا هُوَ مَوضُوعنا .
فَقِصَّةُ الْحَدِيثِ لاَ تصلُحُ إطلاقاً كَدَلِيلٍ يُسوِّغ ظُلْمَ المخلوقاتِ الْحَيَّةِ ، بَلْ قِصَّته أعظم رَادِعٍ وزَاجِرٍ ومُحَذِّرٍ من الظُّلْمِ ؛ وَمِنْ ظُلم المخلوقَاتِ مَا يفعله البعضُ مِنْ حَبسِ الطيورِ في الأقْفَاصِ .
__________
(1) وليس هذا دخول خلود ، ولكنه هائل ولو كان لَمحَة بَصَر ! .(1/2)
وإذا كانت العِلَّة على رأيِ المسَوِّغين حبسَ الطيوُرِ أنَّ المرأةَ لَمْ تُطْعِم الْهِرَّة ولَمْ تَسْقِهَا ، فهل إذا حُبِسَ إنسانٌ ظُلْماً وأُطْعِمَ وَسُقِيَ يكون ذلك غَير ظُلْمٍ له ؟! ، بل هو ظُلْمٌ ؛ وإنَّمَا مَنْعُهُ الطعام والشَّرَاب زيادةً في الظلمِ والعُدْوَان .
فإنْ قِيل : ( هذا صَحِيحٌ بالنسبةِ للإنسَانِ ، ولكنَّ هذه الطيوُر ونحوها ليسَتْ كَالإنسَان ) ، فيقال : حَبْسُهَا ظُلْمٌ لَهَا لأنها لَمْ تُخْلَقْ ليُضيَّق عَلَيهَا ، ولاَ رَيْبَ أنها تتألم بذلك الحبس ، وغايةُ ما هناكَ أننا لاَ نَفْقَهُ لُغَاتها ، وَلِاشْتِرَاكِ الناسِ في العِلمِ أنَّ حبسَ الطائرِ فِي القَفَصِ عَذابٌ له فَهُمْ يقولون : " المؤمنُ عندَ الذِّكْرِ والموعِظَةِ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ ، والفَاسِقِ كالطائِرِ فِي القَفَصِ " ! .
وما يُدْرِي حَابِسها أنَّ أصواتَهَا التي يَتلذَّذُ بسماعها حنينٌ وَبَثُّ شكوى لِخَالِقِهَا ! ، ولقد وسَّع الله لَهَا الفَضَاء وأعطاهَا أجْنِحَةً تَطِيِرُ بِهَا فِيهِ كَمَا أعطَاكَ قَدَمَيْن تَسِيِرُ بِهِمَا عَلَى الأرْضِ وَأنتَ من أجلِ هَوَاك تضيِّقُ عَليهَا وَتَظَنُّ أنَّهَا تُغَنِّي لِكَيْ تُطْرِبك ! ؛ فالقياسُ إذَنْ على حديثِ المرأةِ والْهِرَّةِ فاسدٌ مِنْ الأصلِ ، ولكن كثيرون في وقتنا زادوا على ما قاله الإمام أحمد ~ : ( أكْثَرُ مَا يُخْطِيءُ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ التَّأوِيلِ وَالقِيَاسِ ) (1) ، فَيُؤَوِّلوُن وَيَقِيسُون دونَ تَحقيقٍ ! ، فهُم يَلتمِسُون مِنْ الشريعةِ على مَا أحدثوا مَا لاَ يُطاوِعهم إلاَّ قَسْراً وَغَصْباً ! .
وبالعكْسِ فالحديثُ زاجِرٌ ورادعٌ لِمَنْ يَعْقِل أنْ يقترب مِن مِثْلِ هَذا الفِعْل .
__________
(1) أنظر : « مجموع الفتاوى » ، ( 19 / 75 ) و ( 7 / 118 ) .(1/3)
فلَوْ قَالَ : ( أنَا أحْبِسُ الطُّيوُرَ وأُطْعِمُها وأسْقِيهَا ) فقَد تبينَ أنَّ العِلَّةَ ليسَتْ فَقَطْ في عَدَمِ ذلك ، وإنَّمَا هي في الظُّلْم أيضاً ، وإذا كانَ هذا الوعيد الْمُتَحَقِّق فِي شأنِ هِرَّةٍ فكيف بِمَن يَظلمُ الناس ؟! .
وَيُقَال أيضاً لهذا : أنتَ تَنشَغِل وَتنسى وَيَعْرِضُ لك مَا يَعرض مِمَّا يَشغلك عن تعاهدها ، ولاَ مَصلحة بِجَانِبِ هذه الْمَفْسَدَةِ وقد حصل مِنْ مَوْتِ الطيورِ ونَحوها لِهَذِهِ الأسبابِ الكثيرُ ، ومَن شاء فليسأل أربابَهَا ! .
فالمفسدةُ كبيرةٌ بِالْحَبْسِ وَحْدَه مُقَابِل لاَ مَصْلَحَة لأنه إذا كان التسلِّي بِإِيلاَمِ هَذِهِ الْمَخلوقاتِ مَصلحةٌ فهذه لاَشَكَّ أمْزِجَةٌ مُنحَرِفَةٌ ؛ والْمُؤْمِنُ مُطَالَبٌ بِالرَّحمةِ والإحْسَانِ وَمَنْهِيٌّ عنْ التَّجَبُّرِ وَالظُّلْمِ ، وَعَلَى العَاقِلِ أنْ يُفَكِّر فِي شَأنِ حَابِسَةِ الْهِرَّةِ وَسَاقِية الكَلْبِ (1) ؛
__________
(1) تقدم ذكر حديث حابسة الهرة ، وأما البغي التي غفر لها بسقيها كلب فقد أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 3280 ) ومسلم برقم ( 2245 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بَغِي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته إياه ، فَغُفِر لَهَا به ) .
وقد أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 2234 ) ومسلم برقم ( 2244 ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينما رَجُل يَمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : " لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني " ، فَنَزَل البئرَ فملأ خُفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشَكَرَ الله له فَغَفَر له ) ، قالوا : يا رسول الله .. وإنَّ لنا في هذه البهائم لأجراً ؟! ؛ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( في كل كَبِدٍ رَطْبة أجْر ) .(1/4)
فَالبَغْيُّ غُفِرَ لَهَا بِسَقْي كَلْبٍ ، وَصَاحِبَةُ الْهِرَّةِ دَخَلَت النَّارَ بِحَبْسِهَا وَظُلْمِهَا ! .
وبَعضُ الناسِ قد يكونُ غَافلاً عَنْ ذلك فَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ .
* * * * * * * * *
ويستدلُّ بعضُ مَن يُهَوِّنُ حَبسَ هذه الطيورِ بِمَا وَرَدَ فِي شَأنِ الزِّينَةِ مِثْلَ قوله تعالى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } الآية (1) .
والآيةُ مُنَاسَبة نُزُولِهَا كما روى ابن عباس { حيث قال : ( كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَةً فَتَقُولُ : مَنْ تُعِيرُنِي تِطْوَافًا ؟! ، فَتَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ :
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
فَنَزَلَتْ : { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (2) ) (3) ؛ وفي رواية أخرى : ( فَنَزَلَتْ : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } الآية ) (4) .
وقد رأيتُ مِنْ تَحْمِيلِ الْمُتأخِّرين لِهَذِهِ الآيةِ عَجَبًا حيثُ يَستَدِلُّونَ بِهَا على مَا فُتح عليهم من التشَبُّهِ بالكُفَّارِ وغيره ولاَ يُريدُونَ أنْ يَعترض طريقَهُم أحَدٌ ! ، وانظُرْ كيفَ يُستَدَلُّون الآنَ بالآيةِ على عَذابِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ ! .
__________
(1) سورة الأعراف ، من الآية : 32 .
(2) سورة الأعراف ، من الآية : 31 .
(3) أخرجه مسلم في « صحيحه » برقم ( 3028 ) .
(4) أخرجه الحاكم في « مستدركه » برقم ( 3246 ) ، وقال : ( حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ووافقه الذهبي .(1/5)
كذلك يستدلُّونَ في شَأنِ الزِّينَةِ بقول الله تعالى : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ } الآية (1) ، وهذا تَحْمِيلٌ لِهَذه الآيةِ مَا لاَ تَحْتَمِل ! ، والزينة إذا كان فيها ضررٌ لِمَخْلوُقٍ فهي ظُلْم ، وقد تَبَيَّنَ الضَّرَرُ بِحَبسِ الطيورِ في الأقْفَاصِ ، وأمَّا هذه الزينةُ التي ذَكَرَ الله - عز وجل - فَلَيْسَت على حِسَابِ التضييقِ على هَذِهِ الْمَخلوقات ، وزينةُ الطيورِ بألوَانِهَا وأصْوَاتِهَا ليسَتْ لِتُعَذَّب بِهَا بِالْحَبسِ ! .
كذلك كونُ الإنسانِ يُحِبُّ أن يكون ثوبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَناً ، فهذه لاَ مَفْسَدَة فيها ، ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (2) ، فالْجَمَالُ الذي يُحِبُّه الله مَا ليس فيه إِسْرَافٌ ولاَ مَخْيَلَةٌ وَلاَ ضَرَر فيهِ عَلى مَخْلوُقٍ .
__________
(1) سورة النحل ، من الآية : 8 .
(2) أخرجه مسلم في « صحيحه » برقم ( 91 ) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - .(1/6)
وَزِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنيا مَذْمُومَةٌ ، ولذلك يقول سبحانه : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } (1) ، وفاعلُ التَّزْيِيِنِ في قَولِهِ تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ } مَحذُوفٌ وهُوَ الشَّيطَان ، وما زيَّن لَهُمْ تِلكَ الشَّهَواتِ إلاَّ ليغْتَرُّوا بِهَا ويُسْتدَرَجُوا بِزِينَتِهَا ؛ وتأمَّلْ آخِرَ الآيةِ : { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } وقوله سبحانه بعد ذلك : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد } (2) .
فالاستدلالُ بِمَا وَرَدَ مِنْ شَأنِ الزِّينَةِ عَلى جوازِ حَبْسِ الطُّيورِ استدلالٌ باطِلٌ لأنَّ الضَّابِطَ لذلك عَدَمُ الإضرارِ بالغَيْرِ ، وليس عدمُ الإضرارِ فَقَط مَحْصُورٌ في مَنْعِ الأكل والشرب ، بل نفْس الحبس إضرار ؛ وقد تبيَّن .
__________
(1) سورة آل عمران ، آية : 14 .
(2) سورة آل عمران ، آية : 15 .(1/7)
ومن العجَب أن يأتي مَن يسوِّغ حبس الطيور في الأقفاص بقصد الزينة مُستدلاً بِمَا رواه مكحول عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرونه على الباب ، فخرج يريدهم وفي الدار رَكْوَةٌ فيها مَاء فَجَعَلَ ينظُرُ في الْمَاءِ وَيُسَوِّي شَعْرَه وَلِحْيتَهُ فقلتُ : يا رسول الله وأنت تفعل هذا ؟! ، قال : ( إذَا خَرَجَ أحَدُكُمْ إِلَى إِخْوَانِهِ فَلْيُهَيِّءْ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) انتهى (1) ، فأيُّ مَضَرَّة في هذا ؟! ، وهل فيه مَا يُجِيزُ حَبسَ الطيور للزينة وقد تبيَّن أنَّهُ مُضِرٌّ بِهَا وظُلْمٌ لَهَا ؟! .
* * * * * * * * *
كذلك يَستدلُّ الْمُجِيزُون لِحَبْسِ الطيور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأخِ أنس بن مالك - رضي الله عنه - : ( يَا أبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟! ) (2) ، وهذا ليس فيه ما يُسَوِّغ حَبْسَ هَذِهِ الْمَخْلوُقَاتِ .
__________
(1) أنظر : « تفسير القرطبي » ، ( 7 / 197 ) .
(2) وقد جاء ذلك في حديثٍ أخرجه البخاري في « صحيحه » برقم ( 5778 ) واللفظ له ، ومسلم برقم ( 2150 ) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلُقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، قال : أحسبه فطيم ، وكان إذا جاء قال - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا عمير ما فعل النغير ؟! " نُغَر كان يلعب به ، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا ) .(1/8)
والحديثُ وَرَدَ لِبَيَانِ كَمَالِ حُسْنِ خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَيُوَضِّحُه قَوْلُ أنَسٍ - رضي الله عنه - : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً ) ، فهو - صلى الله عليه وسلم - يُخَاطِبُ الطِّفْلَ عَلى قَدْرِ فَهْمِهِ ، ولأنَّ الصبيانَ تتعلَّق قلُوبُهُم بِلُعَبِهم فَمِنْ هَنا يُلاَطفه - صلى الله عليه وسلم - .
وليسَ في ذلك إضرارٌ بالنغير لاسيِّما وأنه لَمْ يُحبس في قَفَصٍ ، وَمِثْلُ هذا الأمرِ جَارٍ في زَمَانِنَا وقبْلِهِ ، فكوْنُ صَبِيٍّ مَعَهُ طائر يَلهو به ويلعب قليلاً بيده أو حتى في قفصٍ سَاعةً أو بعض يوم ثم يُذبح ليؤكل أوْ يُطْلَق أو حتى يَمُوت مِنْ غيرِ حَبْسٍ أو مَنْعِ أكلٍ أو شُرْبٍ ، فهذا غير داخلٍ في مَوضُوعِنَا .
وليسَ في ذلك ما يفتح الأبوابَ للناسِ حتى يكون ذلك تجارةً في كلِّ بَلَدٍ ، وَمِنْ أجْلِ ذلك تُسْتَوْرَدُ الطيورُ مِنْ بُلدانِ بعيدةٍ قد لاَ يُناسِبُهَا جَوُّ البلاد التي جُلِبَتْ إليها فيزيدُها ذلك أَلَماً .
* * * * * * * * *
أمَّا أنْ يُهَوِّن بعضُ الناس حبسَ هذه المخلوقاتِ بِشُروطٍ وهي : ( ألاَّ يُرَادُ بذلك الْخُيَلاَء والتَّفَاخُر ، وألاَّ يُلهي التمتُّع بِهَا عَنْ واجِبٍ ، وألاَّ تُهْمَل رِعَايَتُهَا في الغِذَاءِ والشَّرَابِ ) فإنه يُقال : مِن السَّهل أنْ يقول الإنسان : " كُل هذا لن يكون " ، فَعَلَى تَقْدِيرِ ذلك وهو مُحَالٌ ، فيقالُ : قَدْ تَبيَّنَ أنَّ مُجَرَّدَ حَبْسها يضرها ، وَلِمَاذا يُغْفَلُ عن الأصْلِ ويصير الكلامُ في الفرُوعِ ؟! .
لقد خلق الله لِهَذِهِ الطُّيوُرِ ذَواتِ الأجْنِحَةِ فَضَاءً وَاسِعاً فَحَرَمْتها إِيَّاهَ بِحَبْسِكَ لَهَا في أقْفَاص ! .(1/9)
وكيف لا تُرحَمُ هذه الطيورُ الضَّعِيفَةُ التي أعطاها الله أجنحةً وَفَضَاءً وَاسِعاً هو مَجَالُ طَيَرَانِهَا مَع أنَّ الإنسانَ لو حُبَس قليلاً في غُرفَةٍ واسِعَةٍ مُغْلق عليه بابُهَا لَتَضَجَّرَ ! ، فَمَا بَالُ هذا الطائر الأسير الضعيف عديم الْحَوْلِ والقُوَّة يُحْبَسُ ؟! ، هلْ لِأَنَّه لا يُخَاصِمُ عَنْ نفْسِه وَلاَ يَمْتَنِع بِقُوَّتِهِ ؟! ، أمْ لِأَننا لاَ نَفْقَهُ لُغَتَهُ فَنَسْمَع أنِينَه وحنينَه وَشكواه ؟! ، وَكم مِنْ طائِرٍ مَحْبوسٍ هُوَ خَيْرٌ مِنْ حَابِسِهِ وأكْثَرُ ذِكْرٍ لِلَّهِ مِنْهُ ! .(1/10)
وتأمَّلْ قولَ الله تَعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } (1) ، قال قتادة ~ على هذه الآية : ( الطَّيْرُ أُمَّةٌ ، وَالإِنْسُ أُمَّةٌ ، وَالْجِنُّ أُمَّةٌ ) (2) ، وقالَ ابنُ عَباس { في قوله سبحانه : { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } : ( يُرِيدُ : يَعْرِفُونَنِي ، وَيُوَحِّدُونَنِي ، وَيُسَبِّحُونَنِي ، وَيَحْمَدُونَنِي ) انتهى (3) ؛ وقال الرَّازِي ~ بعد أنْ أوْرد قول ابن عباس { : ( وَإِلَى هَذَا القَوْلِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَقالوُا : " إِنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ تَعْرِفُ اللَّهَ ، وَتَحْمَدُهُ ، وَتُوَحِّدُهُ ، وَتُسَبِّحِهُ " ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } (4) ، وَبِقَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْحَيَوَانَاتِ : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } (5) ، وَبِمَا أنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ خِطَابَ النَّمْلَ وَخِطَابَ الْهُدْهُدَ ؛ وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَا فِي تَقْرِيرِ هَذَا القَوْلِ وَتَحْقِيقِهِ فِي هَذِهِ الآيَات ) انتهى (6) .
__________
(1) سورة الأنعام ، آية : 38 .
(2) « تفسير ابن جرير الطبري » ، ( 7 / 187 - 188 ) .
(3) أنظر : « التفسير الكبير » للرازي ، ( 12 / 176 ) .
(4) سورة الإسراء ، من الآية : 44 .
(5) سورة النور ، آية : 41 .
(6) « تفسير الرازي » ، ( 12 / 176 ) .(1/11)
ولذلك ذَكَرَ الله عن سُلَيْمَانَ # أنه قَالَ : { عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ } (1) ، فَقَدْ عَلَّمَ الله نَبِيَّهُ سُلَيْمَانَ مَنْطِقَهَا ، فَهُوَ يَتكلَّم مَعَهَا بحيثُ تَفْقَهُ كَلاَمَهُ وَيفْقَهُ كلامهَا ، وهَذَا الْهُدْهُدُ قَصَّ الله عَلَيْنَا قِصَّتَهُ مَع نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ # في كتابه العزيز مِمَّا يُبَيِّنُ مَعَانِي الآياتِ السَّابِقَةِ وَمعرِفَةَ هَذه الْمَخلوُقَاتِ لِخَالِقِهَا وتوْحِيدَهَا إِيَّاهُ - عز وجل - وَتَعْظِيمَهَا لَه سُبْحَانَه .
__________
(1) سورة النمل ، من الآية : 16 .(1/12)
وَقَدْ قالَ ابنُ القَيِّمِ ~ في قِصَّةِ « الْهُدْهُدِ » : ( وَهَذَا الْهُدْهُدُ مِنْ أهْدَى الْحَيَوَانِ وَأبْصَرِهِ بِمَوَاضِعَ الْمَاءِ تَحْتَ الأرْضِ لاَ يَرَاهُ غَيْرَهُ ؛ وَمِنْ هِدَايَتِهِ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ أنْ قَالَ لِنَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ وَقَدْ فَقَدَهُ وَتَوَعَّدَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ بِدَرَهُ بِالعُذْرِ قَبْلَ أنْ يُنْذِرهُ سُلَيْمَانُ بِالعُقُوبِةِ ، وَخَاطَبَهُ خِطَاباً هَيَّجَهُ بِهِ عَلَى الإِصْغَاءِ إِلَيْهِ وَالقَبُولِ مِنْهُ فَقَالَ : { أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } (1) ، وَفِي ضِمْنِ هَذَا أنِّي أَتَيْتُكَ بِأَمْرٍ قَدْ عَرَفْتُهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ بِحَيْثُ أَحَطْتُّ بِهِ ، وَهُوَ خَبْرٌ عَظِيمٌ لَهُ شَأْنٌ فَلِذَلِكَ قَالَ : { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ } (2) ، والنَّبَأُ هُوَ الْخَبْرُ الَّذِي لَهُ شَأنٌ وَالنُّفُوسُ مُتَطَلِّعَةٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِأنَّهُ نَبَأٌ يَقِينٌ لاَ شَكَّ فِيهِ وَلاَ رَيْبَ ؛ فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ إِخْبَارِهِ لِنَبِيِّ اللَّهِ بِذَلِكَ النَّبَأ اسْتَفْرَغَتْ قَلْبَ الْمُخْبَرِ لِتَلَقِّي الْخَبَرِ ، وَأوْجَبَتْ لَهُ التَّشَوُّفُ التَّامُّ إِلَى سَمَاعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ؛ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ بَرَاعَةِ الاسْتِهْلاَلِ وَخِطَابِ التَّهْيِيِجِ ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ كَشْفاً مُؤَكَّداً بِأدِلَّةِ التَّأكِيدِ فَقَالَ : { إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } (3) ،
__________
(1) سورة النمل ، من الآية : 22 .
(2) سورة النمل ، من الآية : 22 .
(3) سورة النمل ، من الآية : 23 ..(1/13)
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ شَأنِ تِلْكَ الْمَلِكَةِ وَأنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الْمُلُوكِ بِحَيْثُ أُوُتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَصْلُحُ أَنْ تُؤْتَاهُ الْمُلوُكُ ، ثُمَّ زَادَ فِي تَعْظِيمِ شَأْنِهَا بِذِكْرِ عَرْشِهَا الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ وَأنَّهُ عَرْشٌ عَظِيمٌ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا يَدْعُوهُ إِلَى قَصْدِهِمْ وَغَزْوِهِمْ فِي عَقْرِ دَارِهِمْ بَعْدَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ : { وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ } (1) ) وذَكَر ابنُ القَيِّمِ ~ كلاماً ثُم قال : ( ثُمَّ أخْبَرَ - أيْ الْهُدْهُدُ - عَنْ الْمُغْوِي لَهُمْ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ تَزْيِيِنِ الشَّيْطَانُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ حَتَّى صَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَهُوَ السُّجُودُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ ذَلِكَ الصَّدَّ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالسُّجُودِ لِلَّهِ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي السُّجُودُ إِلاَّ لَهُ ) إلى آخرِ كلامِهِ ~ (2) .
وقال النسفي ~ : ( وَلاَ يَبعُدُ مِنْ الْهُدْهُدِ التَّهَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَجُوبِ السُّجُودِ لَهُ وَحُرْمَةِ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ إِلْهَاماً مِنْ اللَّهِ لَهُ كَمَا أَلْهَمَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ الطُّيُورِ وَسَائِرِ الْحَيَوانِ الْمَعَارِفَ اللَّطِيفَةِ الَّتِي لاَ يَكَادُ العُقَلاَءُ الرِّجَاحُ العُقُولِ يَهْتَدُونَ لَهَا ) انتهى (3) .
__________
(1) سورة النمل ، آية : 24 .
(2) مِن : « شِفاء العليل » ، ص ( 106 - 107 ) .
(3) « تفسير النسَفي » ، ( 3 / 209 - 210 ) .(1/14)
فهَذَا الْهُدْهُدُ طَائِرٌ من الطيورِ الْمُحْتَقَرَةِ الغيرِ مَرغوُبٍ فيها عندَ الناسِ ، وَهَذِهِ مَعرفته لِتَوْحِيدِ خَالِقِهِ سُبحانه حتى بَلغَ شَأنه أنْ ذَكرَ اللَّهُ حِكَايتَهُ في كِتَابِهِ الكريمِ وَإنكارَه لِلشِّرْكِ وَتَعَجُّبَهُ مِنْ أنْ يَعبد الإنسانُ غيرَ مَعبودِهِ الْحَقِّ سُبحَانه ! ، وَبلَغ مِنْ شَأنِهِ هذا الْمَقَام مَع نَبِيِّ اللهِ ! ، وقد قال القرطبي في قول الْهُدْهُدِ : { فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ } : ( أَيْ عَنْ طَرِيقِ التَّوْحِيدِ وَبَيَّنَ بِهَذَا أنَّ مَا لَيْسَ بِسَبِيلِ التَّوْحِيدِ فَلَيْسَ بِسَبِيلٍ يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ ) انتهى (1) ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أهلِ هذهِ الدَّعْوَةِ الْمُبَارَكَةِ - دَعْوَةِ الشيخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ - رَحِمَهُم الله أجْمَعِين : ( يَا لَيْتَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ يَعْرِفُ مِنْ التَّوْحِيدِ مَا عَرَفَ الْهُدْهُدُ ! ) .
وقال تعالى : { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } (2) .
قال ابنُ القَيِّمِ ~ عن هَذِهِ الآيَةِ : ( الآيَةُ شَامِلَةٌ لِهِدَايَةِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ نَاطِقِهِ وَبَهِيمِهِ ، طَيْرِهِ وَدَوَابِّهِ ، فَصِيحِهِ وَأَعْجَمِهِ ) انتهى (3) .
يُريدُ ابن القيِّمِ ~ الْهِدَايَةَ العامَّة ، وهَذه الآية مِثْل قوله تعالى : { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } (4) .
وقد ذَكَر ~ في كِتَابِهِ النَّفِيسِ « شِفَاءِ العَلِيلِ » مِنْ عَجَائب مَا ألْهَمَ اللَّهُ الْحَيَوَانَ وَالطَّيرَ وَالنَّحْلَ والنَّمْلَ لِمَعَايِشِهَا مَا يُبَيِّنُ قُدْرَةُ القَدِيرِ وَعِلْمِهِ وَلُطْفِهِ وَحِكْمَتِهِ .
__________
(1) « تفسير القرطبي » ، ( 13 / 185 ) .
(2) سورة طه ، الآية : 50 .
(3) « شِفاء العليل » ، ص ( 106 - 107 ) .
(4) سورة الأعلى ، آية : 3 .(1/15)
وقد تقدَّم مَا ذَكَرَ الله - عز وجل - مِنْ قَولِ نَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ # أنه قَالَ : { عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ } (1) ، فَهُوَ مَنْطِقٌ مُعَبِّرٌ لَكِنْ لاَ نَفْقَههُ ! .
قالَ ابنُ القيم ~ : ( وَمَنْ عَلَِّمَ العُصْفُورَةَ إِذَا سَقَطَ فَرْخُهَا أنْ تَسْتَغِيثَ فَلاَ يَبْقَى عُصْفُورٌ بِجِوَارِهَا حَتَّى يَجِيءُ فَيَطِيرُونَ حَوْلَ الفَرْخِ وَيُحَرِّكُونَهُ بِأفْعَالِهِمْ ويُحْدِثوُنَ لَهُ قُوَّةً وَهِمَّةً وَحَرَكَةً حَتَّى يَطِيرُ ) (2) .
* * * * * * * * *
وقد تقدم بيان أنَّ الطُّيورَ أمَّة من الأمَمِ كما في قوله تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } (3) ، فأنَتَ يا مَنْ تَحْبِسُ طائراً في قفَصٍ تَتَمَتَّع بزعمِكَ بِصَوته وَشَكله الْحَسَن ، ورُبَّمَا أنه يَشكوكَ إلى رَبِّهِ وخالقِهِ الذي أعْطَاهُ جَناحَيْن يَطير بِهِمَا فِي فَضَاءٍ وأنتَ عَطَّلْتَ جَناحَيهِ بِحَبْسِكَ إِياه واستمتاعك بصَوْتِهِ الْحَسَن وشَكْلَه الْجَمِيل ! ، فَهُوَ مِثْل الْمُعَوَّق الَّذي لاَ تَحْمِله أقْدَامُهُ ، بَلْ يَزِيدُ عليه بِحَبْسِهِ ! ؛ وَتَأمَّلْ إنْ كُنْتَ تَخَافُ الْحِسَابَ يَوْم القِيَامَة قَوله تعالى : { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } .
__________
(1) سورة النمل ، من الآية : 16 .
(2) « شِفاء العليل » ، ص ( 114 ) .
(3) سورة الأنعام ، آية : 38 .(1/16)
وقَدْ جَاءَ عن أبِي الدَّردَاء - رضي الله عنه - أنه قال : ( تَجِيءُ العَصَافِيِرُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ الَّذِي كَانَ يَحْبِسُهَا فِي القَفَصِ عَنْ طَلَبِ أرْزَاقِهَا وَتَقُولُ : " يَا رَبُّ هَذَا عَذَّبَنِي فِي الدُّنْيَا " ! ) انتهى (1) .
وَلذَلِكَ مَنَعَ ابنُ عَقِيلٍ ~ حَبْسَ الطَّيْرِ فِي القَفَصِ وَجَعَلَهُ سَفَهًا وَتَعْذِيباً حيثُ قال حِينَمَا سُئِلَ عَنْ حَبْسِها لِطِيبِ نَغْمَتِهَا : ( سَفَهٌ وَبَطَرٌ ، يَكْفِينَا أَنْ نَقْدُمَ عَلَى ذَبْحِهَا لِلأَكْلِ فَحَسْبُ ، لِأَنَّ الْهَوَاتِفَ مِنْ الْحَمَامِ رُبَّمَا هَتَفَتْ نِيَاحَةً عَلَى الطَّيَرَانِ وَذِكْرِ فِرَاخِهَا ! ، أَفَيَحْسُنُ بِعَاقِلٍ أَنْ يُعَذِّبَ حَيًّا لِيَتَرَنَّمَ فَيَلْتَذَّ بِنِيَاحَتِهِ ! ؛ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْحَابُنَا وَسَمَّوْهُ سَفَهًا ) انتهى (2) .
وقال ~ - أيضاً - : ( نَحْنُ نَكْرَهُ حَبْسَهُ لِلتَّرْبِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّفَهِ , لِأَنَّهُ يَطْرَبُ بِصَوْتِ حَيَوَانٍ صَوْتُهُ حُنَيْنٌ إلَى الطَّيَرَانِ وَتَأَسُّفٌ عَلَى التَّخَلِّي فِي الْفَضَاءِ ) انتهى (3) .
وقال ابنُ مُفْلِحٍ ~ : ( فَأَمَّا حَبْسُ الْمُتَرَنِّمَاتِ مِنْ الْأَطْيَارِ كَالْقَمَارِيِّ وَالْبَلاَبِلِ لِتَرَنُّمِهَا فِي الأَقْفَاصِ فَقَدْ كَرِهَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاجَاتِ إلَيْهِ ، لَكِنَّهُ مِنْ الْبَطَرِ وَالأَشَرِ وَرَقِيقِ الْعَيْشِ ، وَحَبْسُهَا تَعْذِيبٌ ) انتهى (4) .
__________
(1) « حياة الحيوان الكبرى » للدميري ، ( 2 / 213 ) .
(2) أنظر : « بدائع الفوائد » ( 3 / 655 ) ، و « غِذاء الألباب » ( 1 / 349 ) .
(3) أنظر : « الفروع » لابن مفلح ، ( 6 / 208 ) و ( 12 / 464 ) .
(4) أنظر : « الآداب الشرعية الكبرى » ( 4 / 20 ) .(1/17)
وفي كَلاَم ابنِ عَقِيل وابن مُفلحٌ وغيرهم مِمَّا ذكرناه هنا ردٌّ على مَن أجازَ حَبْسَ الطُّيوُرِ في الأقفاص إذا كان حَابِسُها يقوم بتوفيرِ أكْلِهَا وَشُرْبِهَا ؛ وقد تبيَّن مِرَاراً أنَّ العِلَّةُ في عدم جواز حبْسِ الطيور في الأقْفَاص ليسَتْ فَقَطْ بِمَنْعها الْمَأكَل والْمَشْرَب وَإِنَّمَا الْحَبْسُ لِأنه ظُلْمٌ وعَذَابٌ .
* * * * * * * * *
وَعَلَيهِ فَتَأمَّل رَحمةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْل هَذِهِ الطيوُرِ ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أنَّهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ ، فَرَأَيْنَا " حُمَّرَةً " (1) مَعَهَا فَرْخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ (2) ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : ( مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟! ، رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ) (3) .
تأمَّلْ قَولَه - صلى الله عليه وسلم - : ( فَجَعَ ) تَعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الطُّيور تَتَألَّمَ حَتى وَصَفَ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الْحُمَّرَة بِأنَّهَا ( مَفْجُوعَةٌ ) ! ، وإذَا كَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَأَلاَ تُفْجَعُ بِحَبْسِهَا ؟! ، وَمَا مَصْلَحَةُ فَاجِعِهَا ؟! ، إِنهُ التَّسَلِّي بِحُزْنِهَا وَنُوَاحِهَا ! ؛ فَلَعَلَّ مَن كَانَ غَافِلاً أنْ يَتَنَبَّهْ .
__________
(1) الْحُمَّرة : طائر صغير كالعصفور . أنظر : « لسان العرب » لابن منظور ( 4 / 215 ) .
(2) أيْ : ترفرفت بجناحيها وتقرَّبت من الأرض . أنظر : « عون المعبود » للعظيم آبادي ( 7 / 240 ) .
(3) أخرجه أبو داود في « سننه » برقم ( 2657 ) و ( 5268 ) ؛ وقال النووي في « رياض الصالحين » ص ( 367 ) : ( إسناده صحيح ) .(1/18)
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُحدِّثُ أبو نُعَيم ~ : حدَّثنا سُلَيمَان بنُ أحْمَدِ الطَّبَرَانِي - وَهُوَ صَاحِبُ الْمَعَاجِمِ الْحَدِيثِيَّةِ الثَّلاَثَةِ الْمَعْرُوفَةِ - ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عبدِ العَزِيزِ ، حَدثنا عَارِم أبو النُّعْمَان قالَ : أتَبْتُ « أبَا مَنْصُور » أعُوُدُه فَقَال لِي : بَاتَ سُفْيَانُ الثَّوْرِي ~ في هذا البيتِ وَكانَ هَهُنَا بُلْبلٌ لِابْنِي ؛ فَقَالَ : ( مَا بَالُ هَذَا الطَّيْرِ مَحْبُوسٌ ! ، لَوْ خُلِّيَ عَنْهُ ؟! ) .
فقلتُ : هو لِابْنِي وَهُوَ يَهَبُهُ لَكَ .
قَالَ : فَقَالَ : ( لاَ وَلَكِنِّي أُعْطِِيهِ دِينَارًا ) .
قال : فأخَذَه فَخَلَّى عنه فَكَانَ يَذهَبُ فَيَرْعَى فَيَجِيءُ بالعَشِىِّ فيكُونُ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ .
فَلَمَّا مَاتَ سُفيانُ تَبِعَ جِنَازَتَهُ فَكَانَ يَضْطَرِب عَلى قَبْرِهِ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ بعدَ ذلك لَيَالِي إِلَى قَبْرِهِ فَكَانَ رُبَّمَا بَاتَ عَليهِ وَرُبَّمَا رَجَعَ إلَى البيتِ ، ثُمَّ وَجَدُوهُ مَيِّتاً عند قَبْرِهِ فَدُفِنَ مَعَهُ فِي القبرِ أوْ إلَى جَنْبِهِ (1) .
فتأمل قول سفيان ~ : ( مَا بَالُ هَذَا الطَّيْرِ مَحْبُوسٌ ! ، لَوْ خُلِّيَ عَنْهُ ؟! ) ، فَلَمْ يذكُر الرِّزْقَ وإنَّما ذَكَرَ الْحَبْسَ فَقَطْ لأنه عَذَابٌ ، ثُم إنه اشْتَرَاه وَأطْلَقَهُ ! ، ثُمَّ حَصَلَ هَذَا الأمرُ العَجِيبِ الذي فَعَلَهُ هَذَا الطَّائِرُ ! .
__________
(1) « حلية الأولياء » ( 7 / 58 ) ؛ وانظر : « سير أعلام النبلاء » للذهبي ( 7 / 266 ) .(1/19)
وَمَا أحسَن كَلاَمَ السَّفاريني ~ فِي ذَلِكَ حَيثُ قَالَ : ( لاَ يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ كَثْرَةَ تَرَنُّمِ الطُّيوُرِ عَلَى تَذَكُّرِهَا إلْفَهَا مِنْ الأَمَاكِنِ الشَّاسِعَةِ ، وَالأَغْذِيَةِ النَّاصِعَةِ ، وَالْقَرِينِ الْمُصَافِي ، وَالْمَاءِ الْعَذْبِ الصَّافِي ، وَالإِطْلَاقِ الرَّحِيبِ ، وَمُخَالَطَةِ الْحَبِيبِ ، مَعَ الْوَكْرِ الْمُشْتَهَى لَدَيْهَا ، وَالأَغْصَانِ وَالْعُكُوفِ عَلَيْهَا .
وَيُعْجِبُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا حُبِسَ فِي قَلْعَةِ " جِلِّقِ " الْمَحْرُوسَةِ فَضَاقَ بِهِ الْخِنَاقُ ، وَبَلَغَتْ مِنْهُ الرُّوحُ التَّرَاقِ ، فَدَخَلَتُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَحَابِيسِ - وَكَانَ فِي الْحَبْسِ اثْنَانِ مِنْ « الدَّيْرَةِ » - فَقَالَ لِي الأَعْرَابِيُّ :
" يَا سَيِّدِي : أَنَا أَقُولُ قَاتَلَ اللَّهُ حَابِسَ الطَّيْرِ فِي الأَقْفَاصِ ! ، فَإِنَّهُ لِشَجْوِهِ وَغُرْمِهِ يَتَرَنَّمُ وَالْحَابِسُ لَهُ بِشَجْوِهِ وَعَذَابِهِ وَبِلْبَالِهِ يَتَنَعَّمُ ، وَلَوْ عَرَفَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ اللَّهِيبِ النَّاشِئِ عَنْ فِرَاقِ الْإِلْفِ الْحَبِيبِ وَالْمَكَانِ الرَّحِيبِ لَكَانَ إلَى اُلْبُكَا وَالْوَصَبِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى التَّنَعُّمِ وَالطَّرَبِ ، وَلَكِنْ هَانَ عَلَى الْخَلِيِّ مَا يَلْقَى الْمَلِيُّ " .
فَقُلْت لَهُ : وَمِنْ أَيْنَ عَرَفْت أَنْتَ هَذَا ؟! ؛ فَقَالَ : " قِسْته عَلَى نَفْسِي ، وَشَبَّهْت حَبْسَهُ بِحَبْسِي ! ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلاًّ مِنَّا نَشَأَ فِي الْفَلاَةِ الْوَاسِعَةِ ، وَالأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ " .(1/20)
فَانْظُرْ حَالَ هَذَا الأَعْرَابِيِّ مَعَ جَفَائِهِ وَغَبَاوَتِهِ ، وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ لِذَوِي الْعُلُومِ وَقِلَّةِ دِرَايَتِهِ ، كَيْفَ أَدْرَكَ هَذَا الْمُدْرَكَ ، تَجِدْهُ قَدْ أَصَابَ فِي قِيَاسِهِ وَأَدْرَكَ ؛ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ) انتهى (1) .
نَسْألُ الله تعالى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أنْ يُعتِقَ رِقَابَنَا وَرِقَابَ وَالِدَيْنَا وَالْمُسْلِمينَ مِنْ النَّارِ ، وأنْ يُعِيذَنا مِنْ خِزْيِ الدُّنيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ ، وأن يُسْكِنَنَا الْجَنَّةَ مَع الأبْرَارِ ويَمُنَّ عَلينا بِرُؤيَةِ وَجْهِهِ الكَرِيمِ ؛ إنه جوادٌ كَرِيِمٌ رَحِيمٌ .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
بُرَيْدَةُ - شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ / 1428
__________
(1) « غِذاء الألباب » للإمام السفاريني ، ( 1 / 349 - 350 ) .(1/21)