َجمْعُ الْفَوَائِدِ
اختصار
إصلاح المساجد
من البدع والعوائد
للقاسمي
اختصار وتحقيق وتعليق
محمد بن رزق بن طرهوني
( بحث أعلنت عنه الجامعة الإسلامية في إحدى المسابقات فتقدم به صاحبه وهو طالب فنال الجائزة الأولى )
بين يدي الكتاب
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله ، ? ????????????????? ?????????? ?????????? ???????????? ?????? ????? ??????????? ????? ???????????? ??????? ????????? ???????????? ? ? ???????????????? ????????? ???????????? ????????? ???????? ????????? ???? ????????? ????????? ???????? ??????? ????????? ???????? ????????? ???????? ???????? ???????????? ????????????? ?????? ???????? ??????????????? ????? ???????????????? ?????? ?????? ????? ?????????? ????????? ? ? ????????????????? ?????????? ?????????? ??????????? ?????? ??????????? ????????? ???????? ???? ????????? ?????? ??????????????? ?????????????? ?????? ?????????????? ????? ???????? ?????? ???????????? ??????? ?????? ????????? ????????? ?????
أما بعد :(1/1)
فإن الحقَّ أبلجٌ والباطلَ لجلجٌ . ولكنْ من الناس من يُصِمُّ أذنَه عن سماع الحقِ ويستمتعُ بالضياعِ في ظلماتِ الباطلِ ، بل ويدافع عنه . ولما كان دينُنا الحنيفُ هو الدين الباقي إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها ؛ قيَّضَ له سبحانه من عباده المخلصين من يذبُّ عنه ما يحاول البعضُ أن يلصِقَهُ به . وممن نظن أنه من هؤلاء العبادِ ؛ الشيخُ العلاّمة جمالُ الدين القاسمي ، وأن كتابَه ( إصلاحُ المساجد ) من الأسلحةِ التي تقف أمامَ العابثين في مساجدِ الله - عز وجل - بالدعاوى الباطلة والجهلِ المطبَقِ . وقد كان لي علاقةٌ قديمةٌ بهذا الكتاب واستَعَنْتُ به في بعض مناقشاتي مع بعض الأخوة ولاحظت أنه كتابٌ عظيمُ الفائدةِ في بابه .
ولما قرأتُ الكتابَ وجدتُ أنه بحاجة إلى تلخيصٍ وزيادةِ بعضِ التعليقاتِ الهامةِ عليه لتزدادَ الفائدةُ منه . وقد سلكتُ في ذلك خطةً معينة أرجو أن أكون قد أَخرَجْتُ الكتابَ بها في صورةٍ جيِّدةٍ ضغطت فيها الفوائدَ العلميةَ ضغطاً من غيرِ تطويلٍ ولا اختصارٍ مُخِلٍّ ، وذلك على النحو التالي :
ـ الاقتصارُ على الفوائد المرادة وصَوْغُها في أقصرِ العبارات .
ـ حذفُ أسماء الكتب وأهلِ العلم المنقول عنهم الفوائد في الأغلب .
ـ الإبقاءُ على الآياتِ الكريمات المُسْتَشْهَدِ بها إلا في النادرِ عندما يُغني عنها غيرُها أو لا يكونُ لها تعلقٌّ وطيدٌ بالموضوعِ مع تخريجها وإصلاح الأخطاء المطبعية في بعضها .
ـ حذفُ الأحاديثِ الضعيفةِ والإبقاءُ على الأحاديثِ الصحيحةِ وتخريجِ الشيخ لها إن خرَّجها وهو قليل ، وتخريجُ ما لم يخرِّجْه مستعيناً بتعليق الشيخ الألبانيِّ على الكتابِ والذي كان على عجلة شديدة ، يبدو ذلك لكل من نظر فيه ، وقد أخالِفُه أحياناً ، ولذلك لم أذكرْ إلا ما وافقتُه على تصحيحه وأشير له سواءٌ كان في كتابنا هذا أو منقولٌ من غيره من كتبِ الألبانيِّ بكتابة (ن) بعده .(1/2)
ـ حذفُ الآثار التي لم أقِفْ لها على سندٍ صحيحٍ ، وتخريجُ الصحيحِ فقط منها التي نادراً ما علَّقَ عليها الشيخُ الألبانيُّ ، وقد نقلتُ تصحيحَه لأثرِ ابنِ مسعودٍ في أولِ الكتاب ولم أرجِعْ لما استندَ عليه في التصحيح لعدمِ وجودِ كتابَه الذي أرجع له بين يديْ ، إلا أن له طرقاً تبين أن له أصلاً ولكن ليس بالنص المنقولِ في الكتاب ، ولذلك ذكرتُه مع عدمِ موافقتي على التصحيح حتى أتّثَبَّتَ .
ـ مقابلةُ بعضِ النصوصِ على أصولها ، وتصحيحُها عليها .
ـ حذفُ الآراءِ الفقهيةِ الضعيفةِ وما لا دليلَ عليه صحيح ، والاقتصارُ من الأبيات الشعرية على موضعِ الفائدة .
ـ المحافظةُ على تبويبِ الكتابِ في الأغلبِ .
ـ ذِكْرُ أدلةٍ كثيرةٍ من المذكورةِ في الكتابِ والسنةِ مع تخريجِ تلكَ الأدلة الصحيحة .
ـ التعليقُ على بعضِ النقاطِ إذا دعتِ الحاجةُ .
واللهَ أسألُ أن ينتفعَ به كلُّ من يقرؤه .
ومن ناحية موضوع الكتاب فقد أجاد الشيخُ وأتى بكل شاردةٍ وجمعَ ما لم يجمعْه غيرُه ، وهو أولُ كتابٍ صُنِّفَ بهذا الحجم فيما يختص ببدعِ المساجد وبعضِ ما يتعلق بها ، وقد أتى بالفوائدِ المذكورةِ فيها من أكثر من خمسين مرجعاً ومنها :
1ـ إغاثة اللهفان لابن القيم .
2ـ الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة .
3ـ إحياء علوم الدين للغزالي .
4ـ فتاوى ابن تيمية .
5ـ المدخل لابن الحاج .
6ـ النصائح الدينية لباعلوي حداد .
7ـ الإقناع وشرحه ( فقه حنبلي ) .
8ـ زاد المعاد لابن القيم .
9ـ الروضة للنووي .
10ـ القنية ( حنفي ) .
11ـ فتح الباري لابن الحجر .
12ـ المدونة لمالك .
13ـ تاريخ بغداد للخطيب .
14ـ القاموس المحيط للفيروز آبادي .
15ـ فتاوى السبكي .
16ـ معيد المنعم لابن السبكي .
17ـ الفتوحات المكية لابن عربي .
18ـ فتاوى الشيخ عليش .
19ـ شرح الكنز للزيلعي .
20ـ زاد المستنقع ( حنبلي ) .
21ـ عمدة المريد في البدع لابن رزوق .(1/3)
22ـ الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي .
23ـ تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية .
24ـ البدعُ والنهي عنها لابن وضاح .
25ـ الفوائد في الصلات والعوائد لشهاب الدين أحمد .
26ـ الإتقان للسيوطي .
27ـ الأدلة القاطعة في الرد على المنتسبة والمطاوعة لمحمد بن وفاء .
28ـ الفتاوى للهيثمي .
29ـ الجامع الكبير للسيوطي .
30ـ فتاوى تاج الدين الفزاري الشافعي .
31ـ شرح العمدة (حنبلي) .
32ـ الأوائل للسيوطي .
33ـ حاشية ابن عابدين .
34ـ النهاية لابن الأثير .
35ـ الفصول (حنبلي) .
36ـ المنية (حنفي) .
37ـ البحر (حنفي) .
38ـ أحكام الأوقاف للبرهان الطرابلسي .
39ـ حواشي الباجوري على شرح الغاية ( شافعي ) .
40ـ الفتح ( حنفي ) .
41ـ شرح الغاية للخطيب الشافعي .
42ـ الشفاء لأدواء الوباء لعصام الدين الحنفي .
43ـ معيد النعم للسبكي .
44ـ منهاج السنة لابن تيمية .
45ـ الزواجر لابن حجر الهيثمي .
ومن هذا يعلم مدى ما حواه هذا الكتاب من أقوالٍ لأهلِ العلم السابقين ، ومن النكاتِ المفيدةِ الجمَّةِ ، وقد ذكر الكاتبُ فيما نقلَ أشياءً عدَّها من البدع وليست منها ، لأنها لم يُقصَدُ منها التعبدُ ، وإنما أتي بها لأغراضٍ معينة ، مثل المقصورة في المسجد والمآذن ولبس الطيلسان وغير ذلك . ووقع الكاتب فيما قد يعدُّه غيرُه من البدع ، مثل إقرارُه لفرشِ المساجد وأذانِ عثمان ودعوتِه إلى تدفئةِ المساجد . ومن أشدِّ البدع التي وقع فيها بدعةُ صُرَّةِ الفلوس التي تعطى للفقراءِ للتكفيرِ عن الصلوات التي تركها الميتُ في حياته ، وحثَّ عليها عطفاً منه على الفقراء .
وقد اهتمَّ الكاتبُ بكثيرٍ من أحكامِ المساجد وإنكارِ البدع المستحدثَةِ فيها ، كما اهتم أيضاً بما يتعلق بالعلم والتعلم فيها وبالأئمة والمؤذنين والخدم ، وما يتعلقُ بأوقافِ المساجدِ ونظّارِها والواقفين إياها وغيرِ ذلك ، فأجادَ وأفادَ .(1/4)
وقد استفدتُ من هذا البحثِ استفادةً بالغةً ، فقد جعلني أطلع باستفاضةٍ في موضوعِ البدعةِ ، وهذا ما كنت أتوقُ إليه منذ زمن بعيدٍ ، والوقوف على حدٍّ لها ، وقد توصلتُ إلى أن حدَّ البدعةِ ينحصرُ في شرطَينِ لا بدَّ وأن يتوافرا فيها استقاءً من الحديث :
1ـ ألا يكون لها أصلٌ في الدين الإسلامي لقوله : " من أحدث " وقوله : " ما ليس منه..." .
2ـ أن يُقصَدَ بما أُحدِثَ التعبدُ والتدينُ به ، لقوله : " في ديننا " ، وحتى يُطلَقَ على الشخصِ مبتدعاً لا بدَّ وأن تقامَ عليه الحجةُ على أنه أحدثَ بدعةً . وكذلك استفدتُ بما حواه من معلوماتٍ وبما بذلتُه فيه من جهد في تخريجِ أحاديثِه وآثارِه والتعليقِ عليه ، وسيتبينُ ذلك من خلال الكتابِ ، وأدعو الله أن يستفيدَ منه غيري فهو وليُّ ذلك والقادرُ عليه .
كاتبه
محمد بن رزق بن طرهوني
مقدمات
1ـ الميزانُ الذي يُعرَفُ به الاستقامةُ من الزَّيْغِ :(1/5)
قال تعالى :? ???????? ????? ?????? ? ??????? ?????? ?????????? ????????? ?????? ????? ?????????? ?????? ????????????? ?????????? ???????? ?????? ???????? ? (1)،وقال:? ????? ???? ??????? ??????????? ?????? ?????????????????? ????????????? ?????? ?? (2)،? ???????? ??????? ???????? ?????????????? ?????????????????? ????? ????????????? ???????????? ???????????? ?????? ??? ????????????? ????????? ?????????? ????? ??????????? ????????????? ?????? (3) .
__________
(1) الأحزاب ( 21 ) .
(2) آل عمران ( 31 ) .
(3) الأنعام ( 153 ) . وجاء في الحديث عن ابن مسعود : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً بيده ثم قال : هذا سبيل الله مستقيماً ، وخط عن يمينه وشماله ثم قال : هذه السبل ، ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } . رواه أحمد والحاكم والنسائي وابن جرير وأبو بكر وابن مردويه ( ابن كثير 2/190 ) ، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة وابن نصر في السنة ( السنة لابن أبي عاصم وحسن إسناده الألباني 1/13 ) ، والدارمي 1/67 ، ومن طريقه أبو شامة في الباعث ص9 وابن وضاح ص31 . ويشهد له الحديث عن جابر بنحوه ؛ رواه الحاكم وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن مردويه ( ابن كثير 2/190 ) وابن أبي عاصم 1/13 ومن طريقه ابن نصر وصححه الألباني لشاهده وضعف إسناده لأن فيه مجالداً ، وله طريق موقوفة ، فهو صحيح لشواهده .(1/6)
وهذا الصراطُ ما كان عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه ، فمن حادَ عنه زاغَ . ويتفاوتُ الناس في ذلك . وهذا الصراطُ هو الميزانُ ، والجائرُ عنه إما مفرِّطٌ وإما مقلِّدٌ ؛ فهو مستحق للعقوبة ، أو مجتهدٌ فه أجرٌ واحدٌ(1) ، أو متأولٌ ، أو جاهلٌ ، فقد يُغفرُ له وقد يعاقَبُ حسب نيته ومقاصده ، والمستقيمون على هذا الصراط هم الذين يحبهم الله .
2- الترهيبُ من البدع :
عن مجاهدِ بنِ جبر(2)أنه قال في قوله : [????? ????????????? ???????????? ] : البدعُ والشبهاتُ(3).وقال تعالى :? ??????? ????????????????? ? ?????? ??????????? ?????? ?????? ????????????? ???? ??????? ???????????? ???????? ???????????? ?????????? ??????? ??????? ????????????? ??????????? ????? (4) .
__________
(1) في الحديث ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وغذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) رواه مسلم 12/13 .
(2) جاء في حاشية الأصل المطبوع بتحقيق الألباني أنه سعيد بن جبير ، والصحيح ما أُبتناه موافقة لكنيته ونسبة أبي الحجاج المكي . وكلمة ( جبير ) في الأصل خطأ مطبعي والصحيح ( جبر ) .
(3) رواه ابن جرير عنه ، وهو صحيح ( تفسير ابن كثير 5/88 ) .
(4) النساء ( 59 ) .(1/7)
وفي صحيح مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من نبي يبعثه الله - عز وجل - في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم أنه تخلَّفَ من بعدهم خُلوفٌ يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردل " . وفيه أيضاً قال : " خيرُ الحديث كتابُ الله ، وخيرُ الهدي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشرُّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ " . وزاد البيهقي : " وكلُّ ضلالة في النار "(1) .
__________
(1) وأخرجها النسائي أيضاً ، وإسنادها صحيح ( ن ) .(1/8)
أخرج الدارمي أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعودٍ : إني رأيتُ في المسجد حِلَقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كلِّ حلقة رجلٌ ، وفي أيديهم حصى ، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة ، فيهللون مائة ، فيقول : سبحوا مائة ، فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئاً إلا انتظارَ رأيِكَ أو انتظارَ أمرِكّ . قال : أفلا أمرتَهم أن يَعُدّوا سيئاتِهم وضمِنْتَ لهم أن لا يضيعَ من حسناتهم . ثم ممضى ومضينا معه حتى أتى حلقةً من تلكَ الحِلَقِ فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : حصى نعدُّ بها التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ . قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ ، ويحَكُم يا أمةَ محمدٍ ، ما أسرعَ هلكتَكُم ، هؤلاء صحابةُ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وهذه ثيابه وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده أنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملةِ محمد أو مفتَتُحوا بابَ ضلالة . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخيرَ . قال : وكم من مريدٍ للخيرِ لن يصيبَهُ(1).
__________
(1) رواه الدارمي 1/68 ( وإسناده صحيح ( ن ) ) ، وله طرق عند ابن وضاح في ابدع والنهي عنها ، وفي بعضها فقال ( على الله تحصون ) وفي أخرى ( أن رجلاً كان يجمع الناس فيقول : رحم الله من قال كذا وكذا ... ) . وفي أخرى ( يقولون : سبحوا ثلاثمائة وستين ) وفي أخرى ( قد كفيتم الإحصار والعدة ) ، والظاهر من الروايات أن إنكار ابن مسعود كان لإحصائهم التنفل المطلق للتسبيح والتهليل والتكبير . وأرى والله أعلم أن ذلك لما فيه من البعث على العجب والرياء وما يترتب عليه من المفاسد ، وهو ما أوقع الخوارج فيما وقعوا فيه . وقد قال عمر بن أبي سلمة في آخر رواية الدارمي : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج ..أما إحصاء الذكر المقيد فلا بد منه ليتحصل به على الأجر المعلق عليه كما ورد في الذكر بعد الصلاة وفي اذكار الصباح والمساء وغيرها . وأما التحلق للذكر فورد فيه الفضل في حديث ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) المتفق عليه ، وحديث ( أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة ) رواه مسلم ( رياض الصالحين ص520،523 ) .(1/9)
وروى أيضاً عنه الدارمي : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتكم )(1).
وقال : ( تعلموا العلمَ قبل أن يقبَضَ ، وقبضه ذهابُ أهلِهِ ، ألا وإياكم والتطنعَ والتعمقَ والبدعَ ، وعليكم بالعتيق )(2).
وعن محمد بن مسلم : ( من وقَّر صاحبَ بدعة فقد أعان على هدم الإسلام )(3) .
3- معنى البدعة :
أصلُ الابتداع : الاختراعُ . وهو إحداثُ الشيءِ من غيرِ أصلٍ سابقٍ أو مثالٍ يُحتَذَى . ومنه قوله تعالى : ? ???????? ??????????????? ?????????????? ? (4)،? ????? ??? ????? ?????????? ?????? ?????????? ?(5). وغلب لفظُ البدعةِ على الحدَثِ المكروه في الدينِ وهو كلُّ ما لم يكنْ في عصره - صلى الله عليه وسلم - من فعلِه وإقرارِه ، أو عُلِمَ من قواعدِ الشريعةِ الإذنُ فيه ، وما كان في عصر الصحابة لأنهم أكثر الناس اتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثرُهم بعداً عن البدع وغيرها . وقال تعالى : ? ?????????????? ????????????? ??? ????????????? ? ????????? ????? ??????????? ????? ?????? ??????? ?????????? ? (6)، فمن فعل أمراً موهماً أنه مشروعٌ وليس كذلك فهو غالٍ مبتدعٌ قائلٌ على الله بغيرِ علمٍ بلسانِ الحال أو المقالِ مخالفٌ لأمره - صلى الله عليه وسلم - وداخلٌ تحت قوله تعالى : ? ????????????? ?????????? ?????????????? ???? ??????????? ???? ???????????? ??????????? ????? ???????????? ??????? ?????????? ? (7) .
4- أقسامُ البدعةِ :
__________
(1) الدارمي 1/69 ( إسناده صحيح (ن) ) .
(2) الدارمي 1/54 وإسناده صحيح ، ورد من طريقين عن أبي قلابة عنه .
(3) رواه أحمد بن علي بن سعيد القاضي بسند صحيح عنه ( الباعث لأبي شامة ص14 ) .
(4) من مواضعه البقرة ( 117 ) .
(5) الأحقاف ( 9 ) .
(6) النساء ( 171 ) .
(7) النور (63) .(1/10)
البدعةُ تنقسم إلى محمودةٍ ؛ وهي ما وافقتْ السنةَ ، ومذمومةٍ ؛ وهي ما خالفتْ السنةَ . ومن البدَعِ الحسنةِ إحياءُ عمرَ لسنةِ التجميعِ في صلاةِ التراويحِ وقال : ( نعمتِ البدعةُ )(1) ، وأصلها فعلُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في المسجدِ ثم اقتدى به بعضُ الصحابة ليلةً بعدَ أخرى ، فتركها خشيةَ أن تُفرَضَ عليهم فلما قُبِضَ أُمِنَ ذلك .
وحدُّ البدعةِ الحسنةِ المتفقُّ عليه : كلُّ ما وافقَ قواعدَ الشريعةِ ولم يلزَمْ من فعلِه محذورٌ شرعيٌّ ، نحوُ بناءِ المدارس وخاناتِ السبلِ التي تدخل تحت اصطناعِ المعروفِ التعاون على البر والتقوى(2) .
__________
(1) رواه البخاري ( فتح الباري 4/255 ) .
(2) قال النووي في شرح مسلم 6/154 في قوله ( وكل بدعة ضلالة ) : هذا عام مخصوص ، والمراد غالب البدع . قال أهل اللغة : هي كل شيء عمل على غير مثال سابق . قال العلماء : البدعة خمسة أقسام : واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة ، فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للرد للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك ، ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك ، ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك ، والحرام والمكروه ظاهران . ثم قال : فإذا عرف ما ذكرته ، قال : ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب في التراويح ( نعمت البدعة ) ولا يمنع من كون الحديث عاماً مخصوصاً قوله ( كل بدعة ) مؤكداً بكل ، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى { تدمر كل شيء } ا.هـ قلت : وكقوله تعالى { وأوتيت من كل شيء } ، وفي الحديث عن بنت حارثة بن النعمان قالت : ما حفظت ( ق ) إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بها كل جمعة . رواه مسلم 6/161 .
وقال ابن حجر في الفتح : 4/353 : والبدعة أصلها : ما أحدث على غير مثال سابق . وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة . والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة ، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة ، وإلا فهي من قسم المباح . وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة ا.هـ . وقال أبو شامة ص22 في تقسيم الحوادث إلى بدع مستحبة ومستقبحة ؛ قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله في شرح قوله ( كل محدثة بدعة ) : هذا خاص في بعض الأمور دون بعض ، وهي شيء أحدث على غير مثال أصل من أصول الدين وعلى غير عبادته وقياسه ، وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردوداً إليها فليس بدعة ولا ضلالة . ثم قال : وأما البدع المستقبحة فهي التي أردنا نفيها بهذا الكتاب وإنكارها ، وهي كل ما كان مخالفاً للشريعة أو ملتزماً لمخالفتها ، وذلك منقسم إلى محرم ومكروه . إلى آخر كلامه رحمه الله .(1/11)
5- رد البدعة في الدين :
لكلِّ مسلمٍ الحقُّ في إنكارِ كلِّ عبادةٍ لم ترِدْ في الكتابِ والسنة في ذاتها وصورتها لقوله تعالى : ? ?????????? ??????????? ?????? ????????? ? (1)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من أحدَثَ في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ "(2). أما ما كان من أمورِ المعاش فهي المرادةُ من قوله : " من سنَّ سنةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عَمِلَ بها إلى يوم القيامة "(3).
6- بغضُ المبتدعِ :
الحبُّ في الله والبغضُ في الله من مستلزَماتِ الإيمانِ(4) فمن أحبَّ إنساناً لأنه مطيعٌ أبغضَ غيرَه لأنه عاصٍ ، فهما متلازمان . ومن الذين يبغَضُون في الله ؛ المبتدعُ . فإن كان يدعو إليها يُستحَبُّ إظهارُ ذلك البغضَ ومعاداتُه والتشنيعُ إليه ، وإن كان عامياً يُتَلَطَّفُ معه ويُنصَحُ ، وإن كان الإعراضُ سبباً لتركه لبدعته تأكد استحبابُه وكذلك إذا عُلِمَ عدمُ تأثيرِ النصحِ فيه حتى لا تشيعَ البدعةُ في الناس .
7- وعيدُ مَنْ سنَّ سنةً سيئةً :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سن في الإسلامِ سنةً سيئة كان عليه وزرُها ووِزْرُ من عَمِلَ بها من بعدِه من غير أن ينقصَ ذلك من أوزارهم شيئاً "(5).
8- إنكارُ المنكراتِ المحظورةِ والمكروهةِ :
__________
(1) سورة المائدة ( 3 ) .
(2) مضى أنه في الصحيحين .
(3) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي ( صحيح الترغيب والترهيب ص29 ) .
(4) في الحديث ( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ) . العقيدة الطحاوية ص323 وهو صحيح ( ن ) .
(5) وفي الحديث ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . وفي لفظ ( ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) رواه مسلم . ( العقيدة الطحاوية ص323 ) وهو صحيح ( ن ) .(1/12)
كان الصحابةُ رضي الله عنهم ينكرون على كل من أحدَثَ أمراً لم يعهدوه . والمنكراتُ : منها المكروهُ فيستحبُّ إنكاره ، ومنها المحظورُ فيحرم السكوتُ عليه مع القدرة .
9- مفاسدُ الإقرارِ على البدع :
إذا سكت على البدعة :
1ـ ظنَّ العوامُ صحتَها .
2ـ كان ذلك إعانةً للناسِ على الباطل .
3ـ إن كانت من عالٍم تُسبب في الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول العامة : إنها سنة اعتماداً على ثقتهم فيه .
4ـ يقع هو نفسه في ذلك بلسانِ حالِه لإيهامِه أنها من السنن ، فيدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من كذب علي متعمداً فليتبوأْ مقعده من النار "(1)، وفي الحديث : " إنما أخافُ على أمتي أئمةً مضلين " أخرجه ابن ماجة والترمذي وصححه(2) . وفي الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلمَ بقبضِ العلماءِ ، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناسُ رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتَوا بغيرِ علمٍ ، فضلُّوا وأضلُّوا "(3) ، فما ابتدعَ عالمٌ قط ، وإنما استُفتى من ليس بعالم فضلَّ وأضلَّ وأُتي الناسُ من قبله .
10- ما يجبُ على العالمِ فيما يَرِدُ عليه ليأمنَ الابتداعَ :
__________
(1) رواه مسلم 1/167 وله عنده ألفاظ عدة . وقد رواه غيره ( حديث متواتر صحيح ( ن ) ) .
(2) حديث صحيح أخرجه ابن ماجه 2/1304 ، والترمذي 4/504 . وأخرجه الدارمي 2/311 ، وأحمد 5/278، 284 ، وابو داود 2/202 . وروي نحوه عن أبي الدرداء ( مسند أحمد 6/441 ) ونحوه عن عمر ( أحمد 1/42 ) ونحوه عن أبي ذر ( أحمد 5/145 ) ونحوه عن شداد بن أوس 4/123 . وحديث ثوبان هذا رواه بطوله ابن ماجه وأبو داود وأحمد . وهو حديث رهيب . قال ابن ماجه لما فرغ من هذا الحديث : ما أهوله .
(3) رواه البخاري 1/194( فتح الباري ) . وأخرجه مسلم وغيره كما في الشرح ، وهذا لفظ البخاري . وعنده رواية أخرى له 13/282(1/13)
يجب عليه أن يعرضَه على الكتابِ والسنةِ وفعلِ الصحابةِ والصدرِ الأوَّلِ ، فإن وافقه أذنَ فيه وإلا نهى عنه وزجرَ ، ومن استحسن فقد شرع .
11- اجتنابُ العالمِ لما قد يُلَبِّسُ على العامة :
قد امتنع جماعةٌ من الصحابة من فعلِ أشياءَ خوفاً من ظن العامة خلافَ ما هي عليه ، نحو ما ورد عن أبي بكر الصديق وعمرَ أنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة .
وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال : اشتروا بهما لحماً ، ثم قال : هذه أضحيةُ ابن عباسٍ .
وعن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ قال : إني لأتركُ أن أضحي كراهيةَ أن يرى جيراني وأهلي أنه عليَّ حتمٌ .
أخرجهما البيهقي في كتاب المعرفة(1) .
ورأى عمرُ على طلحةَ ثوباً مصبوغاً وهو مُحْرِمٌ فقال : ما هذا الثوبُ المصبوغُ يا طلحةَ ؟ فقال طلحةُ : يا أميرَ المؤمنين إنما هو مدر ، فقال عمر : إنكم أيها الرهطُ أئمةٌ يقتدى بكم ، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوبَ لقال : طلحة قد كان يلبسُ الثيابَ المصبغةَ في الإحرام ، فلا تلبسوا أيها الرهطُ شيئاً من هذه الثياب المصبغة (الموطأ)(2) .
وينبغي للعالمِ إذا ظن أن العوامَ قد يعتقدون فرضيةَ السنن الراتبةِ أن يتركها في بعض المرات ليصححَ هذا عندهم .
__________
(1) وأخرجهما في السنن الكبرى 9/265 ( وأسانيدها صحيحة ( ن ) ) . وفي الحديث : ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمن لم يضحِّ من أمته . أخرجه أبو داود والترمذي والطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي وأحمد ( إرواء الغليل 4/349 وقال الألباني : صحيح ) وله طرق .
(2) وكذا أخرجه البيهقي وإسناده صحيح ( ن ) .(1/14)
وكذلك تركُ الصلاة بين الأذان الثاني والأول يوم الجمعة إذا اعتقدَ العوامُ أنها سنةٌ راتبةٌ أو واجبةٌ حيث أن من تَرَكَها لا يُنكَرُ عليه ومن صلاها لا ينكر عليه لحصول المشروعية لهذا الأذان بسنِّ عثمانَ له وباتفاقِ المسلمين عليه(1).
وذلك كما استحبَّ البعضُ تركَ المداومةِ على قراءةِ السجدة فجرَ الجمعة مع ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح فترك ما لم يثبت أولى .
أما إذا كان هؤلاء العوام يرجعون إذا بُين لهم السنة ، فتركها حسن . وإن كان في تركها خصامٌ وشرٌّ فصلاتها أحسنُ . فالعمل تارة يترجح فعلُه وتارة يترجح تركُه حسب المصلحة التابعة للأدلة الشرعية . وقد ترك - صلى الله عليه وسلم - الكعبة على ما كانت عليه - وكان يريد بناءها على قواعدها الأصلية - خشيةَ تنفيرِ قريشٍ لأنهم حديثوا عهد بجاهلية ، وهو في الصحيحين . وكذلك ترك الأفضل في الصلاة إذا علم الإمامُ أن فعلَه له يجعل من خلفَه يكره الصلاةَ خلفَه ، وقد يُفعل خلافُ الأفضل لبيانِ السنة كجهرِ عمرَ بالاستفتاحِ ليُعَلِّمَ الناسَ كما في الصحيح(2) ، وقد ثبت فعلُ السلفِ لكثيرٍ من الأعمال المرجوحةِ للمصلحةِ وتركُ الراجح للمصلحة أيضا ، وربما يكون ذلك أفضل من آخر ، وفي بعض الأوقات ينعكس ؛ فمثلا : الصلاة أفضلُ من القراءة ، ولكن في أوقاتِ النهي ينعكس الأمرُ وهكذا . والذي ينبغي ألا يتخذ الفعلُ أو التركُ شعاراً لمذهبٍ حتى يجر الناس إلى العصبيةِ والحميةِ ، بل المهم مراعاةُ المصالحِ الشرعيةِ ويتبع ما جاءَ عن الله وعنْ رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) لا تحصل المشروعية بمجرد ذلك . وما جعله عثمان إلا لتنبيه الناس فأشبه الأذان الأول في الفجر . وعليه فلا يدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - : " بين كل أذانين صلاة " والله تعالى أعلم .
(2) يعني صحيح مسلم . وإسناده منقطع وقد صح موصولاً عند غيره ( ن ) . راجع إرواء الغليل 2/48 .(1/15)
12- الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر :
من أهمِّ الشعائرِ وأعظمِ الفرائضِ . قال تعالى : ? ????????? ???????? ?????????? ?????????? ?????? ??????????? ??????????????? ??????????????? ??????????????? ???? ???????????? ?????????????????? ???? ?????????????????????? ?????? (1)? ??????? ??????? ?????????? ????????????? ????????? ????????????? ??????????????? ???????????????????? ???? ??????????? ?????????????? ????????? ?? (2) .
وقد قدمها على الإيمان مع أنه الأصل إعلاء لمنزلتها بين الفرائض ، وبيان أنها حفاظ الإيمان ، وشددَ النكير على من تركها فقال تعالى : ? ??????? ?????????? ????????? ???? ??????? ???????????????? ?????? ??????????? ???????? ???????? ??????? ??????????? ??????? ?????? ??????? ???????????? ??????????????????? ???? ????????? ??? ????????????????????? ??? ????????? ???????????? ?????????? ??? ????????? ???????????????????? ????? (3) .
__________
(1) آل عمران ( 104 ) .
(2) آل عمران ( 110 ) .
(3) المائدة ( 78،79 ) .(1/16)
وفي الحديث : " من رأى منكم منكراً فلْيُغَيِّرْه بيده ، فإن لم يستطِعْ فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان "(1) ، " أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ "(2) . فالأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر لا عُذْرَ لأحدٍ في تركه والسكوتِ عنه ، وخصوصاً إن ذلك خوفاً على الدنيا ، أما إن كان لضررٍ كبيرٍ محقَّقٍ قد يصيبُه فله السكوتُ وإن كان صبرُه على ذلك من أعظمِ القربات . قال تعالى : ? ????????????? ??????? ????????????? ?????????? ??????????????? ????????? ???? ???????????? ?????????? ?????? ???? ??????????? ?????? ??????? ???? ??????? ??????????? ? (3) . وذلك هو دأبُ الأنبياءِ والصالحينَ والعلماءِ ، ووردَ أن عائشةَ قالت :" وما انتقمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تُنْتَهَكَ حرمةُ الله فينتقم لله "(4) ، وقال تعالى :?? ??????????? ????? ??????????????? ?????????? ????? ??????????????? ?? ?????????????? ? ????????? ?????? ????? ???????????? ???????? ?????????? ??????? ??????? ?????? ??????????? ??? ???????????? ??????????? ??????? ??????? ? (5) . أما ضعيف الإيمان فيلتمس الأعذار الواهيةَ ، ولكن إذا أصيبَ في ماله أو دنياه قامت قائمتُه فينبغي أن نكون من الفريق الأول .
قال تعالى : ? ??????????????? ???????? ??????????????? ????????????? ??????????? ??????? ?????????????? ??? ????????? ???? ?????????????? ????????????????? ?? ???????????? ? (6) .
__________
(1) مر من قبل برقم ( 22 ) .
(2) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم . وله طرق عديدة يصح بها . ( السلسلة الصحيحة 1/101 ) ( حديث صحيح ( ن ) ) .
(3) لقمان ( 17 ) .
(4) أخرجه مالك وعنه البخاري ومسلم وأحمد ( ن ) .
(5) المائدة ( 251 ) .
(6) الأعراف ( 128 ) .(1/17)
وإذا قام البعضُ بهذه الفريضةِ خُصّوا بالأجر وسقط الإثمُ عن الباقين ، وإن أهملوا جميعاً عمَّهم العقابُ . وأولُ مراتبِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر الموعظةُ الحسنةُ ، وإظهارُ الشفقةِ وهي من أهمِّ المراتبِ ولا يُعدَلُ عنها مادامت تنفع ، وفي الحديث " إن الرفقَ لا يكون في شيءٍ إلا زانَه ، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه "(1) . ثم ينتقل إلى التخويفِ والإغلاظِ في القولِ . وهاتان المرتبتان قلَّما يعجزُ عنهما أحدٌ .
وأما المرتبة الثالثةُ ؛ فالمنعُ بالقهرِ والتغييرُ باليدِ ، ولا يستطيعُه إلا من بَذَلَ نفسَه لله ، أو حاكِمٌ ، أو مَنْ فوَّضَهُ الحاكمُ في ذلك . وتغييرُ المنكرِ بالقلبِ يكون بالإعراضِ عن مرتكِبِ ذلك وتجنُّبِ معاملتِه ، ولا يعجزُ عن ذلك أحدٌ وقال تعالى:? ????????? ??????? ?????? ????????? ?????????? ???????? ??????????? ??????????? ??????????? ?????? ??? ??????? ????? ??????????????? ? (2)
13- من هو المستطيعُ لإزالةِ البدعِ في المساجدِ :
__________
(1) أخرجه مسلم 16/146 .
(2) البقرة ( 251 ) .(1/18)
إمامُ المسجدٍِ هو المستطيعُ لذلك ، وخصوصاً إذا كان له نفوذٌ عند الحكامِ ، وإلا فرئيسُ العلماءِ المتصلُ بالأمراءِ يقوم بتغيير ذلك ، فإن أبى أصحابها أوْعَزَ للوالي فيرسلُ الشُّرَطَ ويُجْبِرُهم على تركِ تِلْكُمُ البدعةَ ، وقد كان المدرسون في الجامعِ الأموي يصلون العشاءَ جماعةً ، كلُّ مدرس يؤمُّ حلقتَه وكذلك بعد الجمعة في جماعات الظهر ؛ فأمرهم مفتي الشام بالكفِّ عن ذلك فامتنع البعض ، فأجبرهم الوالي على الصلاةِ خلفَ الإمامِ الراتبِ واندحرت البدعة وكذلك أَمَرَ الوالي رشدي باشا الشرواني بترك كثيرٍ من البدعِ فلما عزل عادت مرة أخرى ، وكذلك الملك الكامل أمر أئمةَ الجامعِ الأموي ألا يصلي أحدٌ منهم سوى الإمام الكبير ومَنَعَ تعدَّدَ الجماعاتِ ، وحدَثَ مثلَ ذلك في عهدِ النعيمي ، فما أيسر ذلك على من وفقه الله من الأمراء ، وينبغي تبليغهم من قبل من يصحبُهم من رؤساءِ العلم .
14- لزومُ الصبرِ والتواصي به للداعي إلى الحق :
ذُكِرَ الصبرُ في القرآن مراتٍ عديدة(1) ، ولم تُذكَرْ فضيلةٌ أخرى فيه مثل ما ذكر ، وذلك لعظيمِ أمرِه . والصبرُ هو ملكةُ الثباتِ والاحتمالِ فما فضيلةٌ إلا وهي محتاجةٌ إليها لأن ما يقابلُه الناسُ بالمقاومة يحتاج إلى صبرِ الداعيةِ واحتمالِه للمكارِه ، فهو في هذه الحالة صابرٌ وصبار ، فإذا رسخَتْ عه سمي صَبُوراً ، والتواصي لابدَّ أن يكون من أكثر من شخص ، أما إذا غفَلَ معظمُ الأمة عن الحق فسوف يسوءُ حالُها وتتعرضُ للهلاكِ قال تعالى : ? ????????????? ?????????? ???? ??????????? ?????????? ?????????? ??????? ????????????? ? (2) .
__________
(1) ذكر الصبر ومشتقاته مائة مرة وأربع ( المعجم المفهرس لأافاظ القرآن الكريم ) :
(2) الأنفال ( 25 )(1/19)
أما الآخرة ، فمن تواصى نجا ومن أعرض هلك وخسر(1) والتواصى بالحقِّ والصبرِ يدخلُ في الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكرِ لأن ذلك من الحقِّ ، ولا بدَّ من الصبرِ لمن قام بذلك . فإذا وقع التساهلُ من الأمةِ لا يجوز لأحدٍ أن يتعلَّلَ به بل يبينُ الحقَّ ولا وجهَ للفرارِ من أمر الله .
15 - نِقَمُ المتعصبينَ على مُنْكِرِ البدع بغياً وجهلاً :
جرت سنةُ الله في أهل الشقاقِ أن يُظهِرَ تفرَّقهم بعد وضوحِِ الحقِ قال تعالى : ? ????? ?????????????? ??????? ???? ?????? ??? ?????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? ?????? ????????????? ????? ??????? ?????????? ????????? ???? ??????? ??? ????????????? ??????????????????? ?????????????? ????????????? ???????? ?????? ??????????? ?????????? ????? ?????????????? ????? ???? ????????? ?????????????? ??(2)، فمن أخذَ بالحقِّ فلا يخافُ لَوْمَ اللائمينَ(3) لأنهم ألِفوا التَّعَصُّبَ لِمَا تعوَّدوا ووجَدوا عليه آباءَهم في حين أنهم يتهاونون في عظامِ الأمور .
16 - انتشارُ البِدَعِ بسبَبِ مخالطَةِ أهلِها :
__________
(1) انظر سورة العصر .
(2) البقرة ( 213 ) ؟
(3) وفي حديث البيعة عن عبادة بن الصامت ( وان نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لا ئم ) مسلم 12/228 ورواه البخاري وغيرُه . وفي الحديث أيضاً ( ألا لا يمنعن رجلاً هيبةُ الناس أن يقولَ بحقٍّ إذا علمه ) رواه أحمد 3/5 ، 19 ، 53 ، 71 ، وابن ماجه 2/1328 والترمذي 4/483 وقال : حسن صحيح ، وهو حديث صحيح . وفي بعض الروايات ( مخافة ) بدلاً من ( هيبة ) .(1/20)
ثَبَتَ أن معاذاً - رضي الله عنه - همَّ بالسجودِ للنبي - صلى الله عليه وسلم - تقليداً للنصارى عندما رآهم يفعلونَ ببطارِقَتِهم فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) وهذا يؤخذُ منه التحرزُ من مخالطةِ أهلِ الكتاب،وتفشي الفساد في أهلِ مصرَ في القرن السابعِ بسبب مخالطتهم للقِبْطِ مع قلةِ العلمِ حتى أصبحَ ذكرُ السنةِ مستهجَناً والاحتجاجُ بما عليه الناسُ مألوفاً وورد في الحديث" لتتبعن سننَ من كان قبلَكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جُحرَ ضبٍّ تبعتُموهم . قلنا : يا رسولَ اللهِ اليهودُ والنصارى ؟ قال : فمن "(2)
17 - ما يجبُ على العالِمِ إذا خالَطَ العامّةَ :
ينبغي للعالم إذا جالسَ العامةَ أن يشتَغِلَ ببيانِ الواجباتِ والمحرَّماتِ لهم وذكرِ الثوابِ والعقابِ ، وبألفاظٍ واضحةٍ ، ولا ينتظرُ أن يسألوه . وخصوصاً فيما عُرِفَ بلسانِ حالهم أنهم محتاجون إليه . فإن أكثرَ الناسِ يجهلون ما يجب عليهم وإذا علموا شيئاً وجدتَه مما يَتَلَقَّفونه من ألسنةِ الناس مما لا أصلَ له ولا صحةَ . فينبغي الاهتمامُ بنُصْحِهِم حسبَ الحالِ ، فإن كان في خصوماتٍ ذكَّرَهم بالتهديداتِ في الدعاوي الكاذبةِ وشهادةِ الزورِ والأيمانِ الفاجرةِ ، وإن كان في نكاحٍ ذكَّرَهم بحقوقِ النساءِ من صَداقٍ ومعاشرةٍ بالمعروفِ وغيره وهكذا ، فلا يصرفُ العالمُ وقتَه إلا في إقامةِ الدين ، وخصوصاً في هذا الزمانِ الذي استولى فيه الجهلُ على الناسِ ، فإن سَكَتَ أهلُ العلمِ عمَّ الضررُ وانتشرَ الفسادُ .
18 - السَّعْيُ بإزالةِ البِدعِ من المساجدِ :
__________
(1) أخرجه ابن ماجه وابن حبان والبيهقي وأحمد والحاكم وابن أبي سيبة ( إرواء الغليل 7/56 ) ( صحيح ( ن ) ) .
(2) مخرج في الصحيحين ( ن ) .(1/21)
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته "(1) إمامُ المسجدِ والمؤذنُ والقيِّمُ وغيرُهم ممن له التصرفُ ، يجب عليه إزالةُ البدعِ بالرِّفقِ واللُّطفِ . وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - نخامةً في القبلة فحكَّها بيده(2) .
19 - حكمُ المسجدِ في أرضٍ مغصوبةٍ أو مِنْ مالٍ مغْصوبٍ :
ينبغي التورعُ والتَّحَوُّطُ في مثل هذه المساجد ، وقد يصل إلى حرمةِ الصلاة فيها . وقد صرح بعضُ الفقهاءِ بعدَمِ صحةِ الصلاة في المكانِ المغصوبِ . وقد جرت قصةٌ في عهدِ السلطانِ قلاوون عندما بنى المارستانَ بظلمِ الناسِ فأفتى بعضُهم بعَدَمِ جواز الصلاةِ فيه وجرَتْ لقاءاتٌ بينَ أهلِ العلمِ حَمَلُوا فيها على الظلمةِ وقرَّرَ بعضُهم أن للسلطانِ نيتَه في ذلك العملِ وسيحاسَبُ عليها وأن الذاهبَ هناك للعلمِ أو غيرِه له نيتُه .
20 - إيثارُ المسجدِ الذي تَقِلُّ فيه البدعُ :
__________
(1) في الصحيحين ( ن ) .
(2) متفق عليه ( رياض الصالحين ص289 ) .(1/22)
ينبغي المحافظةُ على الصلواتِ الخمسِ في المسجد وإن كان فيه بدعٌ لعِظَمِ تلك الشعيرة ، ولكن إذا وجدَ مسجداً خالياً منها ينبغي ألا يعدِلََ عنه ، فإن كانت كلُّها مشتملةً على البدعِ ينظرُ أقلَّها بدعاً فيصلى فيها ، وإن كان في ليلةٍ تكثرُ البدع فإن تركَ الصلاةِ في ذلكَ المسجد تلكَ الليلة أفضلُ ، لأن الصلاةَ في جماعةٍ مندوبٌ إليها(1) ، وتكثيرُ أهلِ البدعِ مَنهيٌّ عنه ، فالتركُ أولى . وذلك لأَوْجُهٍ منها :
ـ أنه قد يُعَدُّ مشارِكاً لهم في الإثم .
ـ وقد يأنَسُ قلبُه بتلك البدعِ فيسكتُ عن التغيير .
ـ وقد ورد في الحديث " وليس وراء ذلك الإيمان حبةُ خردل "(2).
ـ وأشدُّ من ذلك قد يستحسنُ شيئاً منها فيقع في الإحداثِ في الدين .
__________
(1) صلاة الجماعة واجبة ، وهو قول عطاء وأحمد وأبو ثور والشافعي والأوزاعي وغيرهم . وفي الحديث " من سمع النداء فلم يلبي فلا صلاة له إلا من عذر : رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم . وفي الحديث " لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزماً من حطب ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم فأحرقها عليهم : رواه مسلم وابو داود وابن ماجه والترمذي , وفي الحديث " أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ أعمى فقال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته ، فرخَّص له ، فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال : نعم ، قال : فأجب . رواه مسلم والنسائي وغيرهما ( صحيح الترغيب والترهيب ص172-173 ) . وذهب ابن حزم إلى بطلان صلاة من سمع النداء ولم يأته ، وساق بعد الحديث روايات كثيرة عن الصحابة في غاية الصحة تؤكد فرضيتها ، ثم قال : وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا .
(2) رواه مسلم ( ن ) .(1/23)
وفي حضور من يُقتدى بهم إلى المساجدِ التي يكثر فيها البدعُ تلبيسٌ على العوامِ إذ يعتقدون أن ذلك مشروعٌ فيدخلون تحت قوله تعالى : ? ?????? ????????????? ??????????? ????????????? ????????? ? (1) ، فإن لم يكنْ في المسجدِ الخالي من البدعِ من يصلي فيه تأكَّدَ عليه إحياؤه . وفي الحديث " الصلاة في جماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاةً فإذا صلاها في فلاةٍ فأتمَّ ركوعَها وسجودَها بلغت خمسين "(2) رواه أبو داود.
الباب الأول
بِدَعُ الصلاةِ في المساجِدِ
الفصل الأول
بدعُ صلاةِ الجمعة
1- المحدثاتُ في الخطبةِ :
__________
(1) الكهف ( 104 ) .
(2) رواه أبو داود 1/92 والحاكم 1/208 ( إسناده صحيح ( ن ) ) .(1/24)
الصياحُ بينَ يدي الإمام ، لبسُه ( الإمام ) الطيلسانَ أو السوادَ ، الدعاءُ مستقبِلَ القبلةِ قبلَ الجلوسِ ، الفصلُ بين الأذانِ والخطبةِ بإيرادِ خبرٍ أو غيره , حملُ السيفِ والاعتمادُ عليه ، قيامُ المؤذِّنينَ عندَ قُدومِ الإمامِ يُصلُّونَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتى يصلَ إلى المنبر ، دقُّ المنبرِ عند الصعودِ ، المجازفةُ في أوصافِ الأمراءِ في الدعاءِ لهم ، المبالغةُ في الإسراعِ في الخطبةِ الثانية ، تباطؤُ الخطيبِ في الطُّلوعِ ، الالتفاتُ عند قوله : آمرُكم وأنهاكم ، وعند الصلاةِ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورفعُ الصوتِ عندَها ، رفعُ الأيادي عند الدعاءِ على المنابر(1) .
2ـ صلاةُ الظهرِ جماعةً بعدَ الجمعة :
إذا أقيمتْ أكثرُ من جمعةٍ في قريةٍ واحدةٍ ، يظنُّ البعضُ أنهما باطلتانِ أو إحداهما ، وعلى ذلك يصلُّون ظهراً بعدها جماعة ، مما يجعلُ الجهلةَ يعتقدون أن الجمعةَ ليست فرضاً ، أو أن هناك فرضانِ بعدَ الزوالِ ، حتى تحَسَّر البعضُ على ضياعِ السنةِ القبليةِ للظهرِ بسببِ سرعةِ إقامتِها ، وقد أجازَ أهلُ العلمِ تعدُّدَ الجمعةِ في المصرِ للحاجةِ ، ولا ظُهْرَ بعدَها . وقد تمَّ منعُ هذه البدعةِ من الأزهرِ في عهد حسين باشا .
3ـ خروجُ الجمعةِ من موضِعِها بكثرةِ تعدُّدِها :
__________
(1) رفع اليدين عند الدعاء ثابت في مواضع كثيرة فلا أرى للقائل ببدعيته حجة . وقد صح رفعه - صلى الله عليه وسلم - يديه على المنبر في خطبة الجمعة ، فعن أنس قال : أتى أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة فقال : يا رسول الله ، هلكت الماشية وهلك العيال ، هلك الناس ، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه يدعو ، ورفع الناس أيديهم معه يدعون ... الحديث . رواه البخاري 2/412،516 ( فتح ) ، ويراجع 11/142 منه .(1/25)
في العَدَدِ المشترَط للجمعةِ خمسةَ عشرَ قولاً ، وأيَّدَ البعضُ قولَ الظاهرِ وهو الاثنين بحجةِ أنها مثلُ باقي الصلوات في الجماعةِ والتي تصِحُّ باثنين فأكثرَ بإجماعِ الأمة . ويُرَدُّ عليهم بأن الأصلَ في الجمعةِ مضاهاةُ أهلِ الكتاب بالاجتماعِ في يومٍ من الأسبوعٍِ(1) ، وفي الحديث : " أضلَّ اللهُ عن الجمعةِ من كان قبلَنا ، فكان لليهودِ يومُ السبتِ وكان للنصارى يومُ الأحدِ ، فجاءُ الله بنا فهدانا ليومِ الجمعة فجعلَ الجمعةَ والسبتَ والأحدَ ، وكذلك هم تَبَعٌ لنا يوم القيامة " ، (أخرجه مسلم والنسائي ) . وفي مصنف ابنِ أبي شيبةَ : كان سعدٌ على رأسِ سبعةِ أميالٍ أو ثمانيةِ فكانَ أحياناً يأتيها وأحياناً لا يأتيها(2) .
وشَهِدَ أنسٌ الجمعةَ من الزاويةِ وهي فرسخان من البصرة(3) .
وكان أبو هريرةَ يأتي الجمعةَ من ذي الحليفةِ ماشياً(4).
__________
(1) لا دليل على أن هذا هو الأصل إلا في خبر مرسل لا حجة فيه . ومضاهاة أهل الكتاب منهي عنها ، ولذلك وفقنا الله لذلك اليوم مخالفة لهم .
(2) المصنف لابن أبي شيبة 2/102 . وغسناده صحيح .
(3) نفس المصدر والصفحة . وإسناده صحيح .
(4) نفس المصدر 2/136 . وإسناده صحيح .(1/26)
وذكر الأئمةُ مسائلَ في زحامِ الناسِ الشديدِ يوم الجمعة ، وذكر البعضُ أن أولَ جمعةٍ أُقيمتْ مع الجمعةِ القديمةِ في بلدٍ واحدٍ عام 280 هـ أيامَ المعتضد ، ولم يكن بالمدينةِ مكانٌ إلا مسجدَ المدينةِ ، ولذلك لم تقُمْ أكثرَ من جمعة فيها لا في عهدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ . وكذلك لم يأذنْ أحدٌ منهم لأهْلِ القُرى الصغيرةِ أن يجتمعوا في يومِها في المسجدِ(1) ، كما أنَّ كلمة ( جمعة ) بضَمٍّ فسكونٍ وبضمتين ؛ سميت بذلك لتجَمُّعِ الناسِ(2) ، وبهمزة صفة لليوم لأنه يجمعُ الناسَ كثيراً ، وهذه صيغُ مبالغةٍ فلا يجوزُ صرفُها عن معناها اللغويِّ المؤيَّدِ بفعلِه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاءِ من بعدِه من غيرِ نصٍّ ولا إجماعٍ ، فيُنظَرُ في العددِ الذي يتحققُ به مصداقُها من الكثرَةِ فنجِدُ أنَّ أولَ جمعة كان عددُها أربعين(3) .
__________
(1) هذا ليس على إطلاقه ، بل روى ابن أبي شيبة 2/101 بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب أنه كتب لأهل القرى : جمعوا حيث كنتم .
(2) إذا تعددت الجمعات ولو بأعداد قليلة صدق الاسم على اليوم حيث حديث فيه تجميع كثير لناس ، وليس في التعريف أو في الصيغة ما يقتضي كون ذلك في مكان واحد . هذا إذا سُلِّمَ بأنه اسم حادث ، ولكن لا دليل على ذلك . والأصل أنه اسم قديم كالسبت والأحد وغيرهما ، فلا دلالة فيه . ( يراجع فتح الباري 2/253 ) .
(3) رواه ابن ماجه 1/343 وأبو داود 1/168 وغيرهما . ورواه ابن هشام في السيرة 1/435 وصرح بالتحديث ابن إسحاق . ( وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 2/355 : إسناده حسن ) وهو كما قال . وهذه واقعة حال لا يستفاد منها ، وإن سلم أنه لم تقم جمعة بأقل منها فليس فيه دليل على الشرطية فضلاً عن الوجوب ، وهذا جدلاً ، لأنه قد ثبت تجميع النبي - صلى الله عليه وسلم - باثني عشر رجلاً . ففي صحيح البخاري عن جابر قال * إلا اثنا عشر رجلاً ..وفي رواية مسلم : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب . ولا يشترط كذلك العدد لأنه واقعة عين . والنزاع مع الشيخ حول اشتراط العدد فقط ، أما كونها في مسجد واحد يجمع أهل البلدة فهذا الذي ينبغي لتحصل المحبة والتآلف ، وللمحافظة على السنة في ذلك ، والله أعلم .
(*) بينما نحن نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقبلت عيرٌ تحمل طعاماً ، فالتفتوا إليها ما بقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... .(1/27)
فعُلِمَ أن ذلك يصدُقُ عليه اسمُ الجمعة لاجتزاءِ الصحابةِ بها وما قلَّ عن ذلك يُحتَمَلُ فيه الأمران ، ويرجع عدمُ الإجزاءِ لما تقتضيه الصيغةُ والمأثورُ وسرُّ المشروعيةِ ، كما أن الجمعةَ ليستْ كغيرِها من الصلواتِ لأن لها آداباً كثيرةً تختَصُّ بها . ويُرَدُّ على أهلِ الظاهرِ بأنهم لماذا اشترطوا فيها الجماعةَ ولم يجعلوها كغيرها(1)من الصلوات ؟ فسُيقالُ : يمنعُهم الإجماعُ . فيُرَدُّ بأن مستندَ الإجماعَ هنا هو فعلُه - صلى الله عليه وسلم - والذي هو تجميعُه بأهلِ المدينةِ جميعاً ولم يأذنْ لمن حولَ المدينةِ بأن يجمعوا لأنفسِهِم . ويقابلُ قولَ الظاهريةِ مَنْ مَنَعَ تعدُّدَها مطلقاً دَعَتْ إليه الحاجةُ أم لا ، فشقَّ على المسلمين . ولا تُنكَرُ أنها لم تتعددْ في عهدِه ، ولكن ذلك لاتساعِ المسجدِ للمسلمينَ في عهدِه ، أما الآن وقد كثُرَ الناسُ فلا يمكنُ تحقيقُ ذلك للحرَجِ العظيمِ فيه ، فتتعدَّدُ فيه بحسبِ الحاجةِ بما لا يتنافى مع الحكمةِ ، ولكن قد كَثُرَ إحداثُ الجمَعِ في المساجدِ مهما كانت صغيرةً ومتجاورةً مما جعل البعضُ يتبرَّعُ للمساجدِ الصغيرةِ لتشييد منابِرِها وربما نقبوا مآذِنَه من الحائِطِ فيقعون في بدع منها :
1ـ إحداثُ ما لم يأمرْ به الواقفُ .
2ـ صرفُ الوقفِ لمعنىً غيرِ حميد .
3ـ أخذُ فراغٍ لمصلىً أو أكثر .
4ـ إقامةُ الجمعةِ فيما لم يُهَيَّأْ لها .
5ـ تفريقُ المؤمنين ومنعُهم من التعارف .
6ـ أداءُ عبادةٍ مختلَفٍ في صحتِها .
7ـ فتحُ البابِ لمثلِ هذا العملِ فيتسع الخرقُ . وغير ذلك .
__________
(1) اشتراط الجماعة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " ( صحيح ( ن ) ) .(1/28)
وقبلُ لم يكنْ للقاهرةِ إلا جمعةٌ واحدةٌ حتى حصلَتْ الثانيةُ في زمنِ الظاهرِ ، أما دمشقُ فإلى عام 756 لم يكن داخلَ سورِها إلا جمعةٌ واحدةٌ . والأكثرُ على ألا يُجمَّعَ إلا في المسجدِ الأكبرِ ، ولكن إذا ضاقَ عنه فيجوزُ التعددُ. والمختارُ أن يُترَكَ التجميعُ في كلِّ مسجدٍ صغيرٍ وفي كل مسجدٍ كبيرٍ يستغنى عنه بغيره .
ـ لطيفة :- ذُكِرَ أن أولَ من اتخذَ منابرَ في الجوامعِ عبدُ الملك أميرُ مصرَ في عهدِ مروان بن محمد عام 131 وكان يخطُبُ قبلَها على العصى ، وفي عام 161 قصَّر محمد المهدي منابرَ الحرمين على السنة .
4ـ انتظارُ الأربعينَ في القرى :
بعضُ القرى ينتظرون تمامَ عددِ الأربعينَ وقد لا يتمُّ ذلك ، وخصوصاً في مثلِ أيامِ الحصارِ ، فأحياناً ينادي المؤذنُ أهلَ القريةِ للحصولِ أو يذهبُ صارخٌ يناديهم ، فإن لمْ يتمَّ العددُ صلوا الظهرَ وانصرفوا . والذي ينبغي عليهم أن يقيموا الجمعةَ ولا يتركوا عادةَ البلدِ في إقامةِ الجمعة ، وتصِحُّ ، ولا يلزمُهم إعادتُها ظهراً . وقد ذهب كثيرٌ من الأئمةِ إلى عدمِ اشتراطِ العددِ في أدائها(1) ، وينبغي على من حضرَ في قريةٍ يومَ الجمعة أن يحتفلَ بها معهم ولا يتعللَ بمذهبِه وخصوصاً العامي لجهلهِ ، أما إن تركها مجتهدٌ لاجتهادِه وليس في قلبه تهاونٌ بالعبادِ ولا هوى فيعذُرُ .
5ـ أداءُ الجمعةِ في حُجرةِ ورفضِ الصفوفٍ :
في بعضِ الجوامعِ والمدارس التي تقام فيها الجمعةُ يوجد حجراتٌ بعيدةٌ عن حَرَمِ المسجدِ يصلي فيها البعضُ ويقتدون بصوتِ المبَلِّغِ . وهذا وإن صحَّ فهو مخالفٌ للهديِ النبويِّ وسيرةِ السلفِ . ولا بدَّ للفقيهِ ألا يَتَشَبَّثَ بالرُّخَصِ . وقد كان البعضُ ينامُ قبلَ الزوالِ حتى بعد العصر ليسْقُطَ عنه فرضُ الجمعة .
__________
(1) خالف الشيخ قوله بشرطية العدد في هذا الباب فقرر الحق .(1/29)
6ـ أدبُ الخُطبِ والخطباءِ(1) :
أبلغُ الخطبِ ما وافقَ حالَ المستمعينَ حسْبَ الزمانِ والمكانِ ، فإن كان في رمضانَ مثلاً علَّمَهُم الخطيبُ أحكامَ وآدابَ الصيامِ ، وإن كان في الفطرِ خطبَ بما يتعلقُ به ، وإن كانوا متفرقينَ خطبَهُم في الاتِّحادِ وغيرِ ذلك . وقد كانت الخطبُ في الصدرِ الأوَّلِ من أبلغِ الخطبِ ؛ عذبةَ الألفاظِ ، سَلِسَةَ الفهمِ ، جذّابةً مُرَصَّعَةً بالآياتِ الكريماتِ ، وكانت بين الخلفاءِ والأمراءِ ، وكان لها هيبةٌ عظيمةٌ وحذرٌ . ثم بدأتْ في الانحطاطِ عندما بدأ البعضُ منهم يخطُبُ جالساً ، ثم ترَكَ الملوكُ والأمراءُ الخطابةَ وأوكَلوها لغيرِ أهلِها ، فأضاعوا وانشغَلوا بالوعظِ فقط وتركوا الإِصْلاحَ . ويشتَرَطُ في الخطيبِ أن يكون عالماً بالعقيدةِ الصحيحةِ متمسِّكاً بها ، كي لا يُضِلَّ الناسَ ، عالماً بالفقهِ ليصحِّحَ عبادتَه ويجيبَ على السائلين ، على علمٍ باللغةِ العربيةِ وخصوصاً الإنشاء ليأخذَ بقلوبِ سامعيهِ ، وأن يكونَ نَبِيهاً لِيستَخْرِجَ دورَ الشريعةِ ، لَسِناً ليُعَبِّرَ عما يجيشُ في صدرِه ، وجيهاً ليهابَهُ الناسُ ويتقبَّلوا توجيهاتِه ، صالحاً لا يرتكبُ المعاصي(2) . وقد قال الشاعر :
يا أيها الرجلُ المعلمُ غيرَه ... ... هلا لنفسِكَ كان ذا التعليمَ
... ... تَصِفُ الدواءَ لذي السِّقامِ وذي ... العنا كَيْما يصِحُّ به وأنتَ سقيمُ
ونراكَ تُصلِحُ بالرَّشادِ عقولَنا ... ابدأْ وأنتَ منَ الرَّشادِ عَديمٌ
__________
(1) وفي الحديث : " إن طولَ صلاةِ الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحراً " رواه مسلم 6/158 .
(2) يضاف إلى ذلك أن يكون عالماً بالصحيح والسقيم من الأحاديث لكي لا يكون أداة لنشر الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، وكذلك ألا يكون مقلداً متعصباً لمذهبه ، وإنما يتبع الحق أينما كان ويتمشى مع الدليل حيث وقف عليه .(1/30)
ابدأْ بنَفْسِكَ فانْهَهَا عنْ غَيِّها فإذا انتهَتْ عنه فأنتَ حكيمُ
وهناك يُقبَلُ ما تقولُ ويشتَفي بالقولِ منكَ وينفَعُ التعليمُ
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثلَه ... عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عظيمُ(1)
7ـ دعاءُ المؤذنِ بينَ الخطبتين :
إذا ارتقى الإمامُ المنبرَ لا يُبْتًدأُ بصلاةٍ(2) ولا يُجهَرُ بدعاءٍ إجلالاً لهذا المقامِ ، وذلك اتفاقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قلتَ لصاحبِكَ يومَ الجمعة : انصِتْ ، والإمامُ يخطُبُ فقدْ لَغَوْتَ "(3). فمعْ أنه ينهى عن منكرٍ عُدَّ لاغياً ، وعلى ذلك فلا ينبغي ما يفعلُه بعضُ المؤذنين من الدعاءِ بين الخطبتين ، لأنه غيرُ مشروعٍ في وقتِ الصمتِ(4) ويلزمُ الخطيبَ أو من يستطيعُ إنكارَه أن يفعلَ .
8ـ الأحاديثُ المرويةُ على المنابرِ في فضلِ رجب :
__________
(1) وفي الحديث : " يؤتى بالرجل يوم القيامة قتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ، مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه " . متفق عليه .
(2) يستثنى من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " . رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي رواية ( وقد خرج الإمام فليصل ركعتين ) متفق عليه .
(3) أخرجه الشيخان ( ن ) .
(4) الإنصات مخصوص بوقت تحدث الإمام ، أما وهو جالس فلا يجب الإنصات لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : " والإمام يخطب " . وقد روى ابن أبي شيبة آثاراً تؤيد ذلك 3/338 .(1/31)
اعلم أنه لم يصِحَّ حديثٌ في فضلِ صومِ رجب ، بل صح كراهةُ ذلك عن كثيرٍ من الصحابةِ . روى سعيدُ بنُ منصورٍ بسندٍ صحيحٍ أن عمرَ بنَ الخطابِ كان يضربُ أيدي الرجالَ في رجبٍ إذا رفعوها عن طعامِه حتى يضعوها فيه ، ويقول : إنما هو شهرٌ كان أهلُ الجاهليةِ يعظّمونه . وكان ابنُ عباسٍ ينهى عن صيامِ رجب كلِّه لألا يُتَّخَذَ عيداً(1) . والكراهةُ تكونُ حالَ اختصاصِه بالصومِ كصومِ رمضانَ مما يظهرُ أنه فرضٌ أو سنةٌ راتبةٌ ، وكذلك حال اعتقاد أن له فضلاً على سائرِ الشهور . أما إذا صام الشخصُ على وجهٍ يؤمَنُ فيه ذلك كتنفُّلٍ محضٍ فلا مانع .
9ـ التَّمَسُّحُ بالخطيبِ إذا نَزَلَ :
بعضُ الناسِ يتمسحُ بالخطيبِ إذا نزل من المنبرِ اعتقاداً بأنه نزلتْ عليه الرحمةُ والبركةُ ، مع أنه لا يُتَمَسَّحُ إلا بالحجرِ الأسودِ ، وماعداه بدعةُ(2) . أما تقبيلُ يدِ العالمِ الصالحِ فلا بأسَ به.
الفصل الثاني
بدعٌ محدَثَةٌ في الصلاةِ
1ـ الجهرُ بالنيةِ قبلَ تكبيرةِ الإحرامِ :
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف بسند صحيح 4/292 ، واخرج في نفس الصفحة عن ابن عمر أنه كان يصوم أشهر الحرم ، وإسناده صحيح .
(2) وأيضاً يتمسح بالركن اليماني لما ثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك كما سيأتي .(1/32)
الجهرُ بالنيةِ بدعةٌ . واختُلِفَ في النطقِ بها ؛ فقال بعضُهم : بدعةٌ ، لأن النيةَ هي القصدُ والعزمُ على فعلِ الشيء ومحلُّها القلبُ ، لا تعَلُّقَ لها باللسانِ أصلاً ، ولذلك لم يُنقَلْ أبداً التَّلَفُّظُ بها ، وإنما هي من الشيطانِ ليُلَبِّسَ به على أهلِ الوسواسِ ؛ فإن الإنسانَ عالمٌ بحالِ نفسِهِ يقيناً ، بل قد يعلمُ الغيرُ نيتَه بقرائنِ الأحوالِ . ومن أصنافِ الوَساوِسِ ما هو مفسدٌ للصلاةِ أو على الأقلِ من المكروهاتِ ، مثلُ تكريرِ بعضِ الكلمات ، مثلُ قولِه في التحياتِ : أتْ أتْ تحي تحي وغير ذلك ، وربما رفعَ الصوتَ فآذى سامعيه وأغراهم بذمِّه والوقيعةِ فيه .
والوسوسةُ إما جهلٌ بالشرعِ أو خَبَلٌ في العقلِ .
2ـ التَّنَفُّلُ إذا أقيمتْ الصلاةُ :
يحرُمُ التنفلُ حينَ إقامةِ الصلاةِ ويجِبُ قطعُها إذا أقيمت ، وبه قالتْ المالكيةُ وأبو حامد من الشافعية ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أقيمتْ الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة " رواه مسلمٌ وغيرُه . ورأى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلاً وقد أقيمتْ الصلاةُ يصلي ركعتين فلما انصرفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : " آلصُّبْحَ أربعاًَ ، آلصُّبْحَ أربعاً ؟ " رواه أحمدُ والبخاريُّ ومسلمٌ . وقال ابن عباسٍ : كنت أصلي وأخذَ المؤذن في الإقامةِ فجذبني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال : " أتصلي الصبحَ أربعاً ؟ "(1) رواه ابن خزيمة والحاكم وغيرهما . ولم ينكِر على من قضاهما بعدَ الفريضةِ كما رواه أبو داود وغيره .
والحجةُ عند التنازُعِ السنةُ ، ومن قال بتركِ التنفل عندَ الإقامة أقربُ إلى الاتباع(2) .
3ـ إساءةُ الصلاةِ وإنكارُ ذلك :
__________
(1) فيه ابن رسم أبو عامر . وحديثه يحتمل التحسين ( ن ) .
(2) صحيح ( ن ) ) وراجع كلام العلامة الشيخ أحمد شاكر في تصحيحه للحديث ( المحلى 3/154 ، 155 ) .(1/33)
عدمُ الطمأنينةِ في الركوعِ والسجودِ وغيرِ ذلك مما يُفْسِدُ الصلاةَ منَ المنكَراتِ الواجبُ النهيُ عنها وإلا اشترك الساكتُ عليها في الإثم مع فاعلها .
4ـ تركُ الجماعةِ الأولى وانتظارُ الثانية :
إذا تعددتْ الجماعاتُ في المسجدِ الواحدِ ينبغي الإقتداءُ بإمامِ الجماعةِ الأولى ولو خالفَ مذهبَه ولا ينتظرُ مَن وافته ، لأنه إما يشتغلُ عنه بالرواتبِ وهو منهيٌّ عنها وإما يجلس معرضاً مما يفرقُ المسلمين .
5ـ الافتِئاتُ على الإمامِ الراتبِ :
بعضُ الناسِ يتقدَّمون على الإمامِ الراتب بالصلاةِ جماعةً ، ومعظمُ أهلِ العلمِ على منعِ ذلك لما فيه من تفريقِ كلمةِ المسلمينَ ، والتشيُّعِ ، ومخالفةِ أمرِ الوالي ، واتباعِ الهوى ، ومضادةِ حكمةِ صلاةِ الجماعة .
6ـ صلاةُ جماعَتَيْنِ فأكثرَ في محلٍّ واحدٍ :(1/34)
في بعضِ الأماكنِ تُقامُ جماعتان أو أكثر ، يُشَوِّشُ بعضُهم على بعضٍ ، وهذا من المنكراتِ والبدعِ الشنيعةِ ؛ لأنه ينافي حكمةَ مشروعيةِ الجماعةِ من جمعِ القلوبِ وتأليفِها ، ويؤدي إلى التخليطِ في الصلاة ، وهي من أعظمِ الشعائرِ . قال تعالى : ? ??????? ????? ??????????? ?????????????? ?????? ????????????? ??? ????????? ???????????? ? (1) وقال تعالى : ? ???????????? ????? ?????????????? ???????????????? ???????????? ? (2) وقال - صلى الله عليه وسلم - : " صَلّوا كما رأيتموني أصلي "(3) ، وقال : " اتقوا الله في الصلاة ، اتقوا الله في الصلاة ، اتقوا الله في الصلاة "(4) ، وقال : " أَتِمّوا الصفوفَ "(5) . وقد شُرِعَتْ الصلاةُ حالَ الجهادِ وتلاحُمِ الصفوفِ في جماعةٍ واحدةٍ ، فكيف يُشرَعُ تعدُّدُها في حالِ السَّعَةِ والاختيار؟ وفي فعلِ أكثرِ من جماعةٍ تشبُّهٌ بمسجدِ الضرارِ لتفريقِه بين المؤمنين ، ولم يأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابةِ في تعددِ الجماعةِ في قوله : " لعلكم تدركون أقواماً يُصَلّونَ الصلاةَ لغير وقتِها ، فإذا أدركتموهم فصلُّوا في بيوتِكم للوقتِ الذي تعرِفون ، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة "(6) ولم يكن هذا في عهدِه - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهدِ السلفِ الصالح رضي الله عنهم ، فهو بدعةٌ محدثَةٌ مردودةٌ على صاحبها .
7ـ السجودُ بعدَ الصلاةِ بلا سببٍ مشروعٍ :
__________
(1) الحج ( 32 ) .
(2) البقرة ( 231 ) .
(3) أخرجه البخاري ( ن ) .
(4) صحيح ( الألباني ) أخرجه الخطيب في التاريخ ، والطحاوي في مشكل الآثار . وله شواهد عند الحاكم والبخاري في الأدب المفرد وابي داود . ( السلسلة الصحيحة ص 448 ، 449 ) .
(5) أخرجه مسلم ( ن ) .
(6) صحيح أخرجه أحمد . وأخرج نحوه مسلم ( ن ) .(1/35)
بعضُ الناسِ يسجدُ بعدَ الصلاةِ سجوداً يدعو فيه ، والبعضُ جَعَلَهُ جبراً للسَّهْوِ القلبي ، ولمّا لم يرِدْ في الشرعِ إلا السجودُ في الصلاةِ ، أو للسهوِ ، أو لقراءةِ سجدةٍ ، أو للشُّكرِ ، وكان هذا تقرباً إلى الله بما لا يُشرَعُ به أهلُ العلمِ بدعةً محدثَةً .
8ـ التأخرُ عن الصفوفِ في الرُّفوفِ :
إذا وَجَدَ المصلي في الصفوفِ فرجةً فصلى في رفِّ المسجدِ دخل تحت حديث : " ومن قطعه - يعني الصف - قطعه الله "(1) .
9ـ المسيئونَ صلاةَ التراويحِ :
بعضُ الجهلةِ يُخَفِّفون صلاةَ التراويحِ إلى الإخلالِ بصورتها الظاهرةِ ، من قراءةٍ وقيامٍ وركوعٍ وسجودٍ . والباطنةِ من خشوعٍ وحضورٍ للقلبِ وغيرِ ذلك ، حتى صارتْ أقرَبَ إلى اللعبِ منها إلى الطاعة . وكان صاحبُها كمنْ أهدى وصيفَةً ميتة أو مقطعةَ الأطرافِ لملِكٍ من الملوكِ فاستحقَّ العقابَ بدلاً من الثناءِ .
10ـ انفرادُ المصلينَ للوتر إذا خالفَ الإمامُ مذهبَهم :
إذا كان إمامُ التراويحِ مخالفاً لمذهبِ بعضِ المقتدينَ به انفردوا في صلاةِ الوِتر بإمامٍ منهم ، كما لو كان الإمامُ شافعياً ومن خلفَه من الأحنافِ ، حيث أنه يرى الوترَ بثلاثٍ يفصِلُ الركعةَ الأخيرةَ عما قبلَها بالتسليمِ ، وهم يَرَوْنَ أن الثلاثَ تُوصَلُ بتسليمَةٍ واحدةِ(2) ، مما يؤدي إلى النزاعِ وتفريقِ الكلمةِ . وينبغي لهم أن يقتَدوا بإمامِهم الذي ارتضوه لهم ، وخصوصاً العوام لأنه لا مذهبَ لهم ، كما أن العلماءَ المذهبيين يُجيزون الائتمامَ بالمخالِفِ للوِتر . كما أنه قد وردتْ كيفياتٌ كثيرةٌ في الوترِ ، فينبغي على الفقيهِ المتعبِّدِ دراستُها ويعلمَ أن لكلٍّ أدلةُ ولا يفرِّقُ المسلمين .
الفصل الثالث
__________
(1) رواه أبو داود والحاكم وإسناده صحيح ( ن ) . راجع المشكاة 1/344 . وأخرجه أيضاً النسائي 2/93 .
(2) إن كانت بتشهدين فلا دليل يصح في ذلك ، وإنما الصحيح إن كانت بتشهد واحد ( ن ) .(1/36)
آدابُ الإمامِ والقدوةِ
1- الإخلاصُ في صلاتِه ودعائِه ، وإحسانُ طهارتِه وقراءتِه ، والإتيانُ في أوَّلِ الوقتِ ، فإن اجتمعَ الناسُ بادَرَ بالصلاة وإلا انتظرَ ما لم يفحُش الانتظارُ ، وأن يكون عارفاً بأحكامِها ، وألا يكونَ ممن يكرهُهُ المأمومونَ ، وألا يكونَ به مرَضٌ مُنَفِّرٌ ، وألا يتَّصِفَ بفِسْقٍ ، وألا يشترطَ أجراً.
2- الإمامُ الراتبُ ، وصاحبُ البيتِ أولى ممن حضرَ ، إلا من ذي سلطان(1) .
3- يلي الإمامَ الرجالُ ثم الصبيانُ ثم النساءُ(2) .
4- يُسَنُّ التخفيفُ معَ الإتمامِ(3) ، وتطويلُ الركعةِ الأولى أكثرَ من الثانية(4) .
5- لا تُمنَعُ المرأةُ من المسجدِ إذا لم تخالفْ شرطَ خروجها ، لحديث : " لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ الله ، وبيوتُهُنَّ خيرٌ لهنَّ ، وليخرُجْنَ تَفِلاتٍ " . رواه أحمد وأبو داود(5) .
6- متابعةُ الإمامِ واجبةٌ ويحرُم سبقُه عَمْداً(6) .
__________
(1) وفي الحديث " لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " . رواه مسلم 4/186 .
(2) وفي الحديث عن أنس : صليت أنا واليتيم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمي خلفنا ( أم سليم ) رواه البخاري .
(3) وفي الحديث : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أخف الناس صلاة في تمام " , وفي الحديث : " إذا أممت قوماً فأخف بهم الصلاة " . رواهما مسلم 4/186 .
(4) وفي الحديث : " ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية " . متفق عليه .
(5) الحديث عند أحمد وأبي داود بغير ( وبيوتهن خير لهن ) ، وهي في حديث عن ابن عمر رواه أبو داود والحاكم والبيهقي وأحمد ولها شواهد ( والحديث صحيح ( ن ) ) ( إرواء الغليل 2/293 ) ويراجع كذلك نيل الأوطار 3/160 .
(6) وفي الحديث : " أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ، أو يحول صورته صورة حمار " . رواه البخاري وأصحاب السنن .(1/37)
7- يستحَبُّ انتظارُ الإمامِ لمن شعرَ بدخوله متأخراً ، ولا يفرِّقُ بينَ داخلٍ وآخرَ .
8- المسجدُ الأكثرُ جمعاً أفضلُ إلا إذا كان إمامُه مبتدعاً أو أدّى الصلاةُ فيه إلى تعطيلِ آخرَ .
9- إدامةُ النظرِ إلى موضعِ السجودِ(1) إلا في التشهدِ ينظر إلى سبّابتِهِ(2) وإذا كان يخشى الهلاكَ ممن يأتيه غفلة أو عدم سماع المبلغ .
10- قولُهم : تقبَّلَ الله منا ومنكم ، وتقبيلُ اليدِ بعدَ الصلاةِ بدعةٌ .
11- تعمُّقُ الإمامِ في المحرابِ ، وطولُ قيامِه قبلَ الإحرامِ ، ودخولُه قبلَ استواءِ الصُّفوفِ ، وتطويلُه قراءةَ الثانيةِ عن الأولى بدعة .
تحيةُ المسجدِ لكلِّ داخلٍ إلا في صُوَرٍ(3)
منها :
ـ الخطيبُ يصعدُ المنبرَ مباشرةً .
ـ إذا كان الإمامُ في آخرِ الخطبةِ مما قدْ يفوِّتُ الركعةَ الأولى .
ـ ومن دخلَ للاقتداءِ بالإمامِ في مكتوبةٍ .
ـ ومن دخلَ المسجدَ الحرامَ للطوافِ .
حظرُ إقامةِ مَنْ سَبَقَ إلى مكانٍ في المسجِدِ إلا في صُوَرٍ
منها :
ـ إذا كان مُفْتٍ أو مدرِّسٍ إعتادَ الجلوسَ فيه .
حظرُ المرورِ بين يَدَيْ المصلي إلا في صُوَرٍ
منها :
ـ لسدِّ فرجَةٍ في الصفِّ الأوَّلَ لتقصيرِ مَنْ في الثاني .
ـ في الزحامِ الشديدِ ،
__________
(1) وفي الحديث : " كان إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض " . رواه البيهقي والحاكم وصححه ، وهو كما قال . وله شاهد من حديث عشرة من الصحابة رواه ابن عساكر ( ن ) . ( صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 61 ) .
(2) وفي الحديث : " كان يبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى ويقبض أصابع كفه اليمنى كلها ، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة ويرمي ببصره إليها : رواه مسلم . ( صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 140 ) .
(3) وفي الحديث : " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " . رواه البخاري وأحمد ومسلم وأًصحاب السنن ( نيل الأوطار 3/82 ) .(1/38)
ـ إذا كان المصلي مُقَصِّراً ، كما لو صلى في الطريقِ وحولَ الكعبةِ أو داخلَها وفي الحجِّ(1) .
نَهْيُ ذي الرّيحِ الخبيثةِ مِنْ دُخولِ المسْجِدِ
مَنْ أكَلَ ثوماً أو بصلاً أو كُراثاً لا يدخلُ المسجدَ ، إلا المريضَ . فعن المغيرةِ بنِ شعبةَ قال : أكلتُ الثومَ على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيتُ المسجدَ وقد سُبِقْتُ بركعةٍ فدخلتُ معهم في الصلاةِ ، فوجَدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ريحَه فقال : " من أكلَ من هذه الشجرةِ الخبيثةِ فلا يقربَنَّ مصلاّنا حتى يذهب ريحها ، فأتممتُ صلاتي ثم سلَّمتُ ، قلت : يا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، أقسمتُ عليك إلا أعطيتَني يدَكَ ، فناولني يدَه فأدخلتُها في كُمّي حتى انتهيتُ بها إلى صدري فوجده معصوباً ، فقال : " إنَّ لك عذراً ، أو أرى لك عذراً ". رواه البيهقي(2) .
الباب الثاني
البدع المادية
1- زخرفةُ المسجِدِ :
__________
(1) وفي الحديث : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه " . رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن ( نيل الأوطار 3/8 ) واستثناء الحالة الأولى صحيح لدلالة مرور ابن عباس وحماره بين يدي الصف ، رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن ( نيل الأوطار 3/16 ) على أن سترة الإمام سترة للمأمومين ، أما استثناء البواقي فلا أرى لها وجاً اللهم إلا اضطراراً .
(2) وأحمد وأبو داود وابن حبان بإسناد صحيح على شرط مسلم ( ن ) .(1/39)
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : ( لتُزَخْرِ فُنَّها كما زخْرَفتْ اليهودُ والنصارى ) رواه أبو داود(1) . والكثيرُ ينفِقُ القناطيرَ المقنطرةَ لزخرفةِ المساجِدِ وتأثيثِها مما يُلهي الأذهانَ بالتأمُّلِ في بَديعِها ، ويفَوِّتُ القصدَ من الاجتماعِ في المسجِد من تجريدٍ للعقلِ من مُلهِياتِ العالمَ الماديِّ لتغذيةِ الأرواحِ ، فوقعوا في بدعةٍ مذمومةٍ.
2- كثرةُ المساجِدِ في المَحَلَّةِ الواحدةِ ، وفضلُ العتيقِ :
ينبغي ألا يُبنى مسجدٌ بجوارِ آخرَ لغيرِ حاجةٍ ؛ كضيقٍ ونحوِه ، لأن ذلك يُفرِّقُ جمعَ المسلمينَ وربما أشبَهَ مسجدَ الضِّرارِ . وكان السلفُ يفضِّلون العتيقَ على الجديدِ ، لأن عتقَ المسجدِ محمدةٌ له ، ولهذا قال تعالى : ? ?????? ??????????? ?????? ???????????? ??????????? ? (2) ، لأن القِدَمَ يقتضي كثرةَ العبادةِ فيه مما يزيدُ فضلَه .
3- زيادةُ تنويرِ المساجدِ في أوَّلِ جمعة من رجب :
هو بقايا بدعةِ ( صلاةِ الرغائبِ ) التي أَحْدَثَها الناسُ بين العشاء ين في رجب ، والتي وُضِعَتْ لها أحاديثُ ، فكان يحدُث فيها من الاختلاطِ والمفاسِدِ الكثيرُ حتى أبطلَها في مصرَ السلطانُ الكاملُ محمدُ بنُ أبي بكر لِمَيْلِهِ للسنن .
3- زيادةُ التنويرِ ليلةَ النصفِ من شعبانَ ، ونشرُ فضائِلِها ، وقراءةُ أدعيةٍ فيها(3) :
__________
(1) صحيح موقوف ( ن ) ) ويبدو أنه مستنبط من حديث : " لتتبعن سنن من كان قبلكم ... " .
(2) الحج ( 33 ) .
(3) ورد في فضلها حديث : " يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك ومشاحن " . روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة . منها ما أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/222 ، 224 وكذا ابن حبان والطبراني وأحمد وابن ماجه والبزار وغيرهم ، وهو صحيح بمجموع طرقه ( ن ) ( السلسلة الصحيحة 3/135 ، 138 ) .(1/40)
وهي بقايا بدعةِ ( الصلاة الألفية ) ، وهي صلاةُ مائةِ ركعةٍ في كلٍّ منها تُقرأُ ( قل هو الله أحد ) عشرَ مرات بعد الفاتحة ، وكان يجتمعُ لها الجَمُّ الغفيرُ ، حتى أبطلَها كذلك السلطانُ الكاملُ ، ولم يثبُتْ في الصلاةِ أو الدعاءِ فيها شيءٌ ، بل كلُّها أباطيلٌ وموضوعاتٌ .
4- زيادةُ التنويرِ في رَمضانَ :
سرفٌ وخيلاءٌ وإضاعةٌ للمالِ(1) ، لا سيما إذا كان على حساب الواقفِ ، وحتى لو اشترَطَه لم يُعتَبَرْ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " كلُّ شرطٍ ليسَ في كتابِ الله تعالى فهو باطلٌ ولو كان مائةَ شرطٍ "(2) .
وفي كثرة الإضاءةِ تشبُّهٌ بهيئةِ المجوسِ الذين يوقدون النيرانَ ، حتى إذا تأجَّجَتْ اجتمعوا إليها وعبدوها . وقد نُهينا عن التشبه بالكفارِ حتى في زِيِّهم(3)، ويضافُ إلى هذه البدعةِ اجتماعُ الكثيرِ من النساءِ والرجالِ والوِلدانِ وكثرة اللَّغَطِ مما قد يجرُّ إلى الحرامِ ، ولم يكن شيءٌ من هذا على عهدِ السلفِ .
6- إبقاءُ المصابيحِ متَّقِدَةً إلى الضَّحْوَةِ يومَ العيدِ :
هذا يفعلُه بعضُ المساجدِ في عِيدَيْ الفطرِ والأضحى ، حتى أنهم يتركونها بعدَ الفجر بل بعدَ طلوعِ الشمسِ ، وقد تُتْرَكُ إلى العصرِ مما فيه سرفٌ ومضيعةٌ للمالِ بلا فائدة . وقد كان بعضُ أهلِ العلمِ المخلِصين يَنْهَوْن عن ذلك ويمنعونه .
7- المقْصوراتُ والدَّرابْزِين في المساجد :
__________
(1) وفي الحديث : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنعاً وهاتِ ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " متفق عليه .
(2) أخرجه البخاري وغيره ( ن ) .
(3) وفي الحديث عن ابن عمرو بن العاص : " رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ ثوبين معصفرين ، فقال : إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها " رواه مسلم 15/53 .(1/41)
بدعةٌ محدَثةٌ ، من مفاسدِها : غَصْبُ مواضِع للصلاةِ ، وتقطيعٌ للصفوفِ ، وزخرفةُ المسجدِ ، وارتفاعُ المأمومِ على الإمامِ ، وإدخالُ الضررِ على نحوِ أعمى بسببها .
وقدْ أُزيلَتْ المقصورةُ التي كانت بالمسجدِ الأموي .
8- كرسيُّ القارئِ وتَشْويشُهُ والتأكُّلُ بالقراءةِ :
من البدعِ المنكرةِ ، حيث أنه يأخذُ مكاناً موقوفاً للصلاةِ ، ويشوِّشُ على المصلين والذاكرينَ والمتفكرين لأنه يقرأُ بصوتٍ مرتفِعٍ ، وفي الحديث : " لا يجهرْ بعضُكم على بعضٍ بالقرآن "(1) فينبغي إخراجُ من يفعلُ ذلك أو يؤمَرُ بالسكوتِ أو القراءةِ سراً . ومعظمُهم يقصِدُ بذلك الدنيا . ومثلُ هذا التشويشِ قراءةُ سورةِ الإخلاصِ ثلاثاً قبل إقامةِ الصلاةِ للإعلامِ بها .
الباب الثالث
الأدعية والأذكار والقصص في المساجد
الفصل الأول
1ـ السماعُ في المسجدِ وضربُ الدُّفِّ والرقصُ :
وهو من البدعِ الشنيعةِ ، وهو مخالفٌ لما كان عليه السلفُ من توقيرِ المساجِدِ . وقد وردَ التحذيرُ من إنشادِ الضالَّةِ في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " من نَشَدَ ضالّةً في المسجدِ فقولوا له : لا ردَّها الله عليك "(2) ، فما بالُكَ بهذا المجونِ ؟ وقد قال تعالى : ? ? ???????? ??????? ?????? ???? ?????????? ??????????? ????????? ????????? ?????????? ????? ????????? ?????????????? ???????????? ? (3) .
2ـ المغَيِّرون للفْظِ الجلالة :
من طوائفِ المتصوِّفَةِ مَن يأتي ببدَعٍ منكرةٍِ ، منها :
ـ اتخاذُهم المُرْدَ معهم في كلِّ مكانٍ ، مما يوقِعُهم في النظرِ إليهم ، وهو حرامٌ عندَ أهلِ العلمِ إذا كان بشهوةِ .
ـ وكذلك تكليفُهم للناسِ إطعامَهم وخصوصاً الذين يطوفون البلادَ منهم .
__________
(1) أخرجه مالك وغيره ، ولو شواهد ( ن ) .
(2) أخرجه مسلم وغيره ( ن ) .
(3) النور ( 36 ) .(1/42)
ـ ومنْ أقبحِ ما يفعلونَ تغييرُ اسمِ الجلالةِ إلى ما لا يُفهَمُ ، ويظنُّون أنهم يُحْسِنونَ صنعاً ، ويغترون بما يفعلُه لهم الشياطينُ من التلبيساتِ .
وصدق القائل :
إذا رأيتَ رجلاً يطيرُ ... ... أو فوقَ ماءِ البحرِ قد يسيرُ
ولم يقِفْ عندَ حدودِ الشرعِ ... ... فإنه مستدرَجٌ وبِدعي
والفرقُ بين الإفكِ والصوابِ ... ... يعرَفُ بالسنةِ والكتابِ
3ـ رفعُ الصوتِ بذكرٍ وغيرِه ، مما يُشَوِّشُ على الناس :
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا ضَرَرَ ولا ضرارَ "(1) وقال : " من نَشَدَ ضالّةً في المسجدِ فقولوا له : لا ردَّها الله عليكَ ، ومن رأيتموه يبيعُ في المسجدِ فقولوا : لا أرْبَحَ الله تجارتَك "(2)، فلا شكَّ أن مُنشِدي القصائدَ والموشحاتِ أحقُّ بالدعاءِ عليهم(3) . وقد روى البخاريُّ عن السائبِ بنِ يزيدَ قال : كنتُ نائماً في المسجدِ فحَصَبَني رجلٌُ فإذا عمرُ بنُ الخطابِ ، فقال : اذهب فأْتِني بهذينِ ، فجئتُه بهما ، فقال : مَنْ أنتُما ؟ قالا : منْ أهلِ الطائفِ قال : لو كنتما من أهلِ البلدِ لأَوْجَعْتُكُما ، ترفعانِ أصواتَكما في مسجِدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
__________
(1) رواه مالك والحاكم والبيهقي والدارقطني وابن ماجه وأحمد وغيرهم . ( السلسلة الصحيحة ) وهو صحيح بمجموع طرقه ( ن ) .
(2) أخرجه الترمذي والدارمي وابن خزيمة وغيرهم ( إرواء الغليل 5/134 ) . صحيح ( ن ) .
(3) وفي الحديث : " نهى عن تناشد الأشعار في المسجد " ، أخرجه الترمذي 2/139 وغيره بإسناد حسن . وهذا محمول على المذموم منه لما ورد أن عمر مر في المسجد وحسان ينشد فلحظ إليه ، فقال : كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك بالله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس ؟ قال : نعم . رواه البخاري 6/304 ( فتح ) .(1/43)
4ـ وقتُ السَّحَرِ ، وما يُنْتَقَدُ على قارئِ وِرْدِه في المسجد :
ـ السَّحَرُ لغةً : اختلاطُ ظلامِ آخرِ الليلِ بضياءِ النَّهارِ ، وإنما سميَ سَحَراً استعارةً ، لأنه وقتُ إدبارِ الليلِ وإقبالِ النهارِ فهو متنفَّسُ الصبح ، وما قاربَ هذا الوقتَ يُعطى حكمَه ، ولا يشترطُ فيمن أحياه أن يقومَ قبلَه بساعةٍ أو ساعتين كما يزعُمُ البعض ممن لهم أورادٌ خاصةٌ يقرؤونها في هذا الوقتِِ في المسجدِ . ومما يُنْتَقَدُ عليهم جهرُهم بالقراءةِ مما يشوِّشُ على متهَجِّدٍ وغيرِه ، وانفرادُهم بإمامٍ لهم يُصَلُّون الفجرَ في عجلةٍ قبلَ الجماعةِ الراتبةِ ويحتجّون أنهم أدرَكوا مشايخَهم على ذلك ، ويصدق عليهم : ? ???????? ??????????? ?????????????? ??????? ?????????? ?????????? ??????? ????????????? ????????????????????? ????? (1) .
وقد يحتجُّ بعضُهم بقولِ بعضِ الشافعية المتأخرين بجوازِ التقدُّمِ على الراتبِ في المسجدِ المطروقِ ، وهذا خطأٌ في المذهب .
5ـ بدعُ الاحتفالِ بقراءةِ المولِدِ النَّبَوِيِّ :
جرتْ عادةُ الناسِ على ذلك في الثاني عشرَ من ربيع الأول ظناً أنه يومُ مولِده ، فيأتون من البدعِ الكثيرَ منها :
ـ اتخاذُه موسماً وليس من المواسمِ الشرعيةِ .
ـ الغناءُ والرقصُ واتخاذُه عبادةَ . أما الاجتماعُ على سيرتِه وفضائِله بقصدِ محبَّتِه فيُثاب على هذه النيةِ الحسنةِ .
6ـ التَّحَلُّقُ لحديثِ الدنيا في المسجد :
هذا من البدعِ المكروهةِ ، وإنما يُجلَسُ في المسجدِ للذِّكرِ والعبادةِ .
7ـ كتابةُ آياتِ السلامِ ليلةَ آخرِ أربعاءٍ من صَفَر :
__________
(1) الزخرف ( 22 ) .(1/44)
يجتمعون بين العشائينِ على كاتبٍ يكتبُ لهم آياتِ السلامِ السبعةِ ، نحو ? ????????? ?????? ?????? ? ??????????????? ? (1) ثم يشربون ماءَها . وهذا من تشاؤمِهم من تلكِ الليلةِ ، وهو منهيٌّ عنه . وكذا تطيُّرهم من عيادةِ المريضِ يومَ الأربعاءِ أو في أيامٍ مخصوصةٍ . وكذلك السفرُ أو الجماعُ أو الخياطةُ ونحو ذلك . وهذا كلُّه منهيٌّ عنه في حديث " الطيرةُ شِرْكٌ "(2) رواه أحمدُ وأصحابُ السنن . وفي الحديث " مَنْ ردَّتْهُ الطِّيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك " ، فقالوا : يا رسولَ الله ، وما كفارةُ ذلك ؟ قال : يقول : " اللهم لا طيرَ إلا طيرُك ، ولا خيرَ إلا خيرُك ، ولا إله غيرُك " رواه أحمد(3)، وروى أبو داود " لا عدوى ولا هامةَ ولا نوءَ ولا صَفَر "(4) ، " لا عدوى ولا هامةَ ولا صفر ، خلقَ اللهُ كلَّ نفسٍ فكتب حياتها ومصيبتَها ورزقَها "(5) . ويجبُ ألا يردَّ الإنسانَ التطيُّرُ ، ففي الحديثِ عن معاويةَ بنِ الحَكَمِ قال : قلتُ : يا رسولَ الله ، إن منا قوماً يأتون الكهانَ ، قال: " فلا تأتوهم . قلتُ : منا قومٌ يتطيَّرون ، قال : وذاك شيءٌ يجده أحدُكم من نفسِه فلا يصدَّنَّكُم " وهو في الصحيح(6) .
__________
(1) الصافات ( 79 ) والآيات المشابهة هي ( 109 ، 120 ، 130 ، 181 ) هذا ما جاء في نفس السورة ، ويبدو أن تمام الستة ( وسلام عليه يوم ولد ) ( والسلام علي يوم ولدت ) مريم ( 15 ، 33 ) .
(2) وهو صحيح ( ن ) ( السلسلة الصحيحة 1/430 ) .
(3) ورواه ابن وهب في الجامع وابن السني والطبراني ، وهو صحيح ( ن ) . ( السلسة الصحيحة 3/53 ) .
(4) وأخرجه أحمد وسنده على شرط مسلم ، وهو في الصحيحين دون قوله ( ولا نوء ) ( ن ) . ( السلسلة الصحيحة 2/334 ) . قلت : بل رواه مسلم بالزيادة 14/216 .
(5) ورواه أحمد والطحاوي والترمذي وغيرهم . وهو صحيح ( ن ) . ( السلسلة الصحيحة 3/143 ) .
(6) يعني صحيح مسلم ( ن ) .(1/45)
فينبغي الإنكارُ على ذلكَ ومحاولةُ تغييره بحيثُ لا يؤدي لمفاسدَ أعظم .
8ـ القصاصُ في المساجدِ الذين يأتُونَ بالبِدَعِ والأباطيلِ :
وظيفةُ الوعاظِ تنحصرُ في إرشادِ العامّة إلى معرفةِ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وتحريضِهم على العملِ والتعاونِ ، وإحسانِ تربيةِ الأولاد ، والتآخي في اللهِ ، وتطهيرِ القلوبِ من العقائدِ المبطلَةِ . ولكن ذهبَ البعضُ إلى الأحاديثِ الموضوعةِ والخرافاتِ وبَثُّوبها في وسط الناسِ فوقعوا في الكذِب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونادَوا بالتوسُّلِ بالصالحينَ ، وتعللوا بأنهم واسطةٌ ، وقد قال تعالى:? ?????????????? ?????????????? ????????????????? ????? ??????? ?(1)? ??? ?????????????? ??????? ?????????????????? ?????? ?????? ? (2)? ?????? ?????????? ???? ?????? ???????? ? (3) ? ???????? ????????? ?????????? ?????? ??????????? ?????????? ???????? ???????? ????????? ?????? ???????? ???????????????????? ??? ??????????????? ??? ??????????? ?? ?????????? ? (4) ونسوا أن التوسلَ يكون بدعاءِ الرجلِ الصالحِ في حالِ حياتِه ، كما قال عمرُ : ( إنا كنا نتوسَّلُ إليك بنبيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا ، وإنا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّكِ فاسْقِنا )(5) ، وذهبوا إلى ما لم يوجدْ في القرونِ الثلاثةِ الفاضلةِ فأتَوا بالبدعِ والطامات وخرجوا عن قوله تعالى : ? ????????? ???????? ?????????? ?????????? ?????? ??????????? ??????????????? ??????????????? ??????????????? ???? ???????????? ?????????????????? ???? ?? ?????????????? ?????? (6) .
الفصل الثاني
في القراءةِ والقُرّاءِ
1ـ اللَّغَطُ وقتَ القراءةِ :
__________
(1) يونس ( 18 ) .
(2) الزمر ( 3 ) .
(3) الجن ( 18 ) .
(4) البقرة ( 186 ) .
(5) أخرجه البخاري ( ن ) .
(6) آل عمران ( 104 ) .(1/46)
يجب الاستماعُ إلى قراءةِ القرآنِ . قال تعالى : ? ???????? ???????? ????????????? ????????????????? ????? ????????????? ??????????? ???????????? ? ومن قرأ في أماكنِ اشتغالِ الناسِ هو المضيِّعُ لحُرْمَتِه .
2ـ التشويشُ بالقراءةِ على الناس :
وينبغي أن يُمنَعَ من فعلَ ذلك أو يُخرَجَ من المسجد .
3ـ التشويشُ على القرّاء في المسجِدِ :
ليسَ لأحدٍ أن يؤذيَ أهلَ المسجِدِ ، وينبغي منعُ ذلك .
4ـ الإعراضُ عن مجالسِ العلمِ بالمسجِدِ :
مما يفعله كثيرٌ من أغبياءِ العامة وينشغلون باللغْوِ . وجاءَ في البخاريِّ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالسٌ في المسجدِ والناسُ معه إذ أقبلَ ثلاثةُ أنفارٍ ، فأقبل اثنانِ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحدٌ ، قال : فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما أحدُهما فرأى فرجةً في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخرُ فجلسَ خلفَهم ، وأما الثالثُ فأدبَرَ ذاهباً . فلما فرغَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا أخبرُكم عن النفرِ الثلاثةِ ؟ أما أحدُهم فأوى إلى الله قال : فآواه الله إليه ، وأما الآخرُ فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخرُ فأعرضَ فأعرضَ الله عنه ".
وفيه استحبابُ التحلُّقِ في مجالسِ العلمِ ، والثناءُ على من طلبَ الخيرَ ، والإخبارُ عن أهلِ المعاصي وأحوالُهم ، وفضلُ ملازمةِ حِلَقِ العلم ، وجلوسُ العالم في المسجد .
وقد كان السلفُ يضربُ أحدُهم أكبادَ الإبلِ مسيرةَ شهرٍ لحديثٍ واحدٍ(1) وهؤلاء يُعرِضونَ والعلمُ بينَ أيديهم فما أشقاهم .
__________
(1) روى البخاري تعليقاً بصيغة الجزم أن جابر بن عبد الله رحل مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد . وقد أخرجه موصولاً في الأدب المفرد ، وكذا أحمد وأبو يعلى . وله شاهد في الطبراني وآخر للخطيب في ( الرحلة ) وإسناده حسن ، وقد اعتضد بشواهده . ( ابن حجر ) ( فتح الباري 1/174 ) .(1/47)
5ـ الإعراضُ عن سماعِ خُطبَةِ العيدِ :
يكثرُ ذلك من العامةِ مع ما فيهم من حاجةٍ إليها مهما كانت درجتُها .
6ـ الانشغالُ بنوافِلِ العباداتِ وتركُ العِلْمِ :
وهذا من الأمورِ المحدَثَةِ ، ويدخلُ على العبدِ آفاتٌ كثيرةٌ مخالفةٌ للشريعةِ . وقد قال تعالى : ? ?????? ?????? ??????? ???????? ? (1) وأخبر عن موسى أنه قال للخضر : ? ???? ????????????? ??????? ???? ???????????? ?????? ????????? ???????? ? (2) وفي الحديث : " فضلُ العالمِ على العابِدِ كفضلي على أدناكم "(3) رواه الترمذي ، وفي الصحيحين : " مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفَقِّهْهُ في الدين " ، وبتَرْكِ العلمِ يَقوَى سلطانُ الجهلِ .
7ـ المسْرِعونَ بقراءةِ القرآن :
وهم قومٌ يهذّونَه هذّاً لا يتدبَّرون معانيه ، وجهلوا أن المرادَ تنفيذُ ما فيه لا ترديدُه من غيرِ إقامةٍ لحروفِهِ وحدودِه ومراعاةٍ لآدابه .
8ـ اللاحِنونَ في القرآنِ في المسجِدِ :
يجب عليهم تعلمُ القراءةِ الصحيحةِ بالقدْرِ الذي يجبُ عليهم ، ثم الزيادةُ شيئاً فشيئاً . ويجب الإنكارُ على من فرَّطَ في ذلك وتعليمُه . أما التمديدُ في القراءةِ على ما يجاوِزُ حدَّ الترتيلِ فمنكرٌ مكروهٌ.
9ـ دعاءُ ليلَتَيْ أوَّلِ السَّنةِ وآخرِها :
وهو ما تعوَّدَه العامةُ ، يدعُون دعاءً مخصوصاً من وضعِ بعض المُتَمَشْيِخِينَ ، وأدهى ما فيه أنَّ واضعَه بيَّنَ أن قراءتَه تجعلُ الشيطانَ يقولُ : تعِبْنا طُولَ السنةِ فضاعَ عملُنا في ساعةٍ .
وقد تلقّاه البعضُ بالقَبولِ على أنه دعاءٌ وهو خير ، وفاتَهم أن الخيرَ ينبغي أن يكونَ مشروعاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس كذباً .
الفصل الثالث
في المؤذنين
1- الآدابُ في الأذانِ :
__________
(1) طه ( 114 ) .
(2) الكهف ( 66 ) .
(3) حديث حسن ( ن ) ، وله شاهدان مرسلان عن مكحول وعن الحسن ، رواهما الدارمي ( مشكاة المصابيح 1/74 ، 75 ) .(1/48)
أن يكونَ المؤذِّنُ صيِّتاً ، أميناً ، عالماً بالوقت ، مرتِّلاً لألفاظِه ، يقفُ على كلِّ جملةٍ بالسكونِ ما عدا التكبيرتينِ ، قائماً على علوٍّ للإعلامِ ، متطهراً من الحدثينِ ونجاسةِ البدنِ والثوبِ ، مستقبلَ القبلةِ .
2- الآداب في الإقامة :
يحدُرُها ، وأن يقفَ على كل جملةٍ كذلك ، وأن يقيمَ من أذَّنَ .
3- فروعٌ في الأذانِ :(1/49)
يُجزِئُ أذانَ المميِّزِ ، ولا يؤذِّنُ إلا الراتِبُ إلا إذا خِيفَ خروجُ وقتِ التأذينِ ، ولا يلحنُ بحيثُ يزيدُ حرفاً أو حركةً أو مداً وغيرَ ذلك ، ولا يفصلُ بكثيرِ سكوتٍ أو كلامٍ ، ولا بدَّ بعدَ دخولِ الوقتِ إلا الفجر ، ويتمهَّلُ قبلَ الإقامةِ حتى يدركَ الملازمون ، ويُسَنُّ إجابةُ المؤذنِ بما يقولُ إلا في الحَيْعَلَةِ فَيُحَوْقِلُ(1)، ويُسَنُّ قولُ المؤذنِ والسامعِ بعدَ الفراغِ من الأذان : ( اللهم ربَّ هذه الدعوةِ التامَّةِ والصلاةِ القائمةِ آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ وابعثْهُ مقاماً محموداً الذي وعدتَه(2) ، ويحرُمُ الخروجُ بعدَ الأذانِ إلا بعذرٍ أو نيةِ رجوعٍ(3) ، ومن البدعِ تأذينُ أكثرَ من مؤذِّنٍ بين يديْ الخطيبِ ، والنداءُ على الجنازةِ وقولُ الشعرِ عندَ الصلاةِ عليها ، والتبليغُ جماعةً ، ومسحُ العينينِ بباطنِ أعلى السبّابَتَيْنِ عند قولِ المؤذنِ أشهدُ أن محمداً رسولُ الله .
4- الأذانُ داخلَ المسجدِ في المغربِ والعشاءِ مع الأذانِ في المنائرِ :
__________
(1) ورد ذلك في الحديث وأن من قال ذلك من قلبه دخل الجنة . رواه مسلم وأبو داود والبخاري بنحوه .
(2) ورد ذلك في الحديث وأن من قال ذلك حلت له شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة . رواه أحمد والبخاري وأصحاب السنن . ولمسلم نحوه وفيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ترديد الأذان مثل ما يقول المؤذن ( نيل الأوطار 2/38 ، 39 ) .
(3) روى مسلم عن أبي الشعثاء قال : كنا قعوداً في المسجد فأذن المؤذن ، فقام رجل من المسجد يمشي ، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد ، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ( صحيح الترغيب والترهيب ص 174 ) .(1/50)
فعلَ ذلك البعضُ لرؤيتِه أن أذانَ الجَمعِ في المنائرِ بدعةٌ ، والمرادُ بالأذانِ الإعلامُ ، فإذا احْتِيجَ لأكثرَ من مؤذِّنٍ في محلَّةٍ كبيرَةٍ فلا مانع ، ويُكرَهُ الأذانُ داخلَ المسجدِ لأنه لم يكنْ من فعلِ من مضى ، ولأن الأذانَ لنداءِ الناسِ من بيوتهم ليأتُوا ، ومَنْ كانَ في المسجدِ فلا ينادى ، واقتدى بهم العوامُ فكلُّ مَن خَطَرَ له الأذانُ أذَّنَ في موضِعِهِ .
5- الزيادةُ على الأذانِ المشروعِ وبدعةُ التنعيمِ :
من المحدَثاتِ قولُ المؤذنِ قبلَ الأذان ? ??????? ?????????? ??????? ???????? ???? ??????????? ??????? ? (1) الآية ، وقولُ بعضِ الذِّكرِ بعدَ الأذانِ ، وقولُه قبلَ الإقامةِ ( اللهم صلِّ على محمد ) ، وما يقالُ قبلَ الفجرِ من التسبيحِ وغيرِهِ مما يُشَوِّشُ على المتهجِّدينَ ويقلقُ النائمين ، ومنها بدعةُ التنعيمِ وهي قول ( نعم ) بصوتٍ عالٍ بمدِّ العينِ مداً طويلاً قبلَ العصرِ بمدةٍ طويلةٍ ليُذَكِّرَ الغافلَ عن صلاةِ الظهرِ بِقُرْبِ صلاةِ العصرِ مما جعلَ الكثيرَ يتركونها حتى سماعِ هذا الصوتِ .
6- إيقاعُ الأذانِ الثاني قبلَ الفجرِ في رمضانَ تحوُّطاً :
هذه من البدَعِ التي جرَّتهم كذلك إلى تأخيرِ أذانِ المغربِ فخالفوا السنةَ ، فلذلك قلَّ عنهم الخيرُ ، ومثلُه تمطيطُ الأذانِ ليأخذَ حوالي نصفَ ساعةٍ ، وقد جرتْ العادةُ الآنَ بوجودِ مسَحِّرٍ يُوقظًُ الناسَ ، وفي بعضِ الأمكنةِ تُطلَقُ المدافعُ فيكفي في ذلك الأذانُ الأولُ فقط إذا دخلَ الفجرُ الصادقُ ، وهذا أقربُ إلى الحالةِ السلفية . كذلك إذا نزلَ ذلكم المؤذنُ من منارَتِه يُنشِدُ نثراً ونظماً يسمي أمةَ خيرِ الأنامِ بنغمةٍ خاصةٍ مما يُشَوِّشُ على مَنْ في المسجدِ ، ومَن لا يحفظُه يُشَوِّشُ بصلواتٍ نبويةٍ وغيرٍها ، فينبغي إبطالُ ذلك في المساجدِ من أربابِ النُّفوذِ .
7- المُوَقِّتونَ في بعضِ المساجِدِ :
__________
(1) الإسراء ( 111 ) .(1/51)
وهم الذين يراقِبونَ الوقتَ بالحسابِ ، فإذا دخلَ أَعلموا المؤذنَ ، ولكن الآنَ أصبحَ رسماً وتقليداً وأكلاً للراتبِ ، ومثلُه كلُّ مَنْ كُلِّفَ بعملٍ ولم يؤدِّه على شرطه .
8- إقامةُ من يؤذنُ :
استحبَّ أهلُ العلمِ ذلك لما فيه من انتظارِ الجَمعِ حتى يكمُلَ ، ولأن الإقامةَ من تتمةِ الأذانِ فهي من حقِّ المؤذنِ ، وفي إقامةِ الغيرِ محبةٌ للعجلةِ وتضييعُ الركعةِ الأولى أو أكثر منها على المؤذنِ وخصوصاً في المساجد التي أُحدِثَ فيها من يؤذِّنُ أمامَ المحرابِ ويقيمُ قبلَ أن يفرُغَ مؤذِّنُ المنارةِ .
9- زيادةُ لفظِ سيدِنا في الأذانِ والإقامةِ :(1/52)
هناك من يزيدُ ذلك في الأذانِ والإقامةِ خلافاً للمأثورِ بدونِ أي وجهةٍ ، ظناً منه أنه تعظيمٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مضى من هم أكثرُ تعظيماً له منه ولم يقولوا ذلك . وقد روى النسائي بسندٍ جيد أن ناساً قالوا : يا رسولَ الله ، يا خيرَنا وابنِ خيرِنا وسيدَنا وابنِ سيدنا ، فقال : " يا أيها الناسُ ، قولوا بقولِكم ولا يسْتَهْوِيَنَّكم الشيطانُ ، أنا محمدٌ عبدُ الله ورسولُه ، ما أُحِبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله - عز وجل - " (1) . وروى أبو داود بإسنادٍ جيِّدٍ عن عبد اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ قال : انطلقتُ في وفدِ بني عامرٍ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : أنت سيدُنا ، فقال : السيدُ الله تباركَ وتعالى(2) . ومع ذلك فلا نرى الحظرَ من إطلاقِ ذلك عليه في سوى الألفاظِ المشروعةِ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للحسن : " إن ابني هذا سيدٌ "(3) ، وقوله للأنصار: " قوموا إلى سيدكم "(4) .
10- الزَّعقُ بالتأمينِ والدعاءِ عَقِبَ الصلوات :
__________
(1) صحيح وأخرجه أحمد بإسناد على شرط مسلم ( ن ) .
(2) صحيح وأخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما ، وإسناده صحيح على شرطهما ( ن ) .
(3) أخرجه البخاري وغيره ( ن ) .
(4) أخرجه البخاري وغيره ( ن ) . والصحيح أن قوله - صلى الله عليه وسلم - للحسن وللأنصار باب ، ومخاطبته - صلى الله عليه وسلم - بذلك من باب آخر ، فالأول بمعنى الرئيس والإمام ، والثاني للتعظيم . ولم يخاطبه - صلى الله عليه وسلم - بذلك أحد من الصحابة ، وكذا لم يقلها أحد من التابعين فمن بعدهم من علماء الأمة وهم أكثر الناس تعظيماً له - صلى الله عليه وسلم - .(1/53)
يحدثُ هذا في بعضِ المساجدِ إذا سلَّم الإمامُ من صلاةِ العصر ، وترتَّبَ عليه : تركُ الوِرْدِ المأثورِ بعدها ، ومخالفةُ أدبِ الدعاء . قال تعالى : ? ????????? ?????????? ???????????? ????????????? ? (1) ، وينبغي إنكارُ ذلك بالموعظةِ الحسنة .
11- الإنشادُ قبلَ خُطبةِ الجمعةِ بالمدائِحِ والصلوات :
في بعضِ المساجدِ يقومُ جمعُ بذلك ، وفي غيرها يتولى الأمرَ شخصٌ حسنُ الصوتِ ، وذلك قبلِ صعودِ الإمامِ المنبرَ مما يخالف السنة .
12- تبليغُ المؤذنينِ جماعةً :
مما يؤدي إلى عدمِ الإتيانِ بالتكبيرِ على وجهه ، وإلى ذهابِ الخشوعِ والحضور ، وإلى انتظارِ الإمامِ لهم مما يؤدي إلى انعكاسِ الأمرِ ومخالفةِ السنةِ ، وإنما يكفي الواحدُ(2) في التبليغِ مهما كان المسجدُ كبيراً .
13- التبليغُ بأنغامٍ معيَّنةٍ :
وجُعِلَ لكلِّ يومٍ أو لكلِ صلاةٍ نغمةً معينةً كالبياتي والصبا والنوى والسيكاه والعراق والحجاز والراست مما يصرفُ القلبَ عن معنى الذكرِ ويخالفُ المقصودَ من التبليغِ وهو إسماعُ من لا يسمعُ الإمامَ والذي لا يُسمَحُ فيه إلا للضرورةِ .
14- حُكْمُ التبليغِ عندَ عدمِ الحاجةِ :
مكروهٌ عندَ أهلِ العلمِ لما فيه من الإزعاجِ والتشويشِ وإحداثِ ما لا حاجةَ إليه .
15- جهرُ المؤذِّنينَ بالأناشيدِ :
وذلك في كلِّ ليلةِ اثنين وخميس في المساجدِ الشهيرةِ .
16- إنشادُ الغَزَلِيّات في المناراتِ :
وهذا منكَرٌ لا يجوزُ لمفاسدِه ، ولا مانعَ من الأبياتِ المتضمِّنَةِ للذكرِ والتوبةِ والاستغفارِ . وقيل : أولُ من بنى المنائرَ بأمرِ معاويةَ .
17- نشيدُ وداعِ رمضانَ :
__________
(1) الأعراف ( 55 ) .
(2) روى البخاري في قصة مرضه - صلى الله عليه وسلم - " فتأخر أبو بكر - رضي الله عنه - وقعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير " ، أي في الصلاة ( فتح الباري 2/203 ) .(1/54)
عادةٌُ مستهْجَنَةٌ في أغلبِ المساجدِ ، إذا بقيَ من رمضانَ خمسُ ليالٍ أو ثلاثُ زعقَ المؤذنون بعدَ سلامِ الإمامِ من الوِترِ بمقاطيعَ منظومةٍ يتأسَّفونَ فيها على انسلاخِ رمضانَ . ومن مفاسده : تركُ المأثورِ من التسبيحِ ، ورفعُ الأصواتِ في المسجدِ ، والتغني في بيوتِ الله ، واختلاطُ الرجالِ بالنساءِ من الذين يأتونَ للتفرجِ والسماعِ مما يهتِكُ حرمةَ المسجدِ ويساعدُ على اتِّساخِهِ . كذلك بعضُ الخطباءِ يندُبونَ انسلاخَ رمضانَ في آخرِ جمعةٍ منه بما لا نفعَ فيه للناسِ ولا وعظَ ، بل مسجوعاتٌ متكلَّفةٌ ، بل الذي ينبغي تذكيرُ الناسِ وتعليمُهم أحكامَ صدقةِ الفطرِ ومساواةَ الفقراءِ والاجتهادَ في أيامه الباقيةِ والعزمَ على دوامِ العبادةِ بعدَهُ والتذكرةُ بالزوالِ والآخرةِ . وغير ذلك .
17- الاحتجاج بوجود البدع في المسجد الأموي وسكوت الأقدمين عليه :
هذه حجةٌ فاشيةٌ بينَ الناسِ في دمشقَ ، ومثلُهم الكثيرُ ممن يحتجُّ بالمساجدِ العظيمةِ وبأفعالِ المشايخِ والقدماءِ وبسكوتهم على بعضِ المنكراتِ . وهذا باطلٌ ولا حجةَ لهم فيهم ، ولو سُلِّمَ لكلِّ واحدٍ أن يحتجَّ بأفعالِ شيخِه لنُسِخَتْ الشريعةُ والعياذُ بالله ، وإنما الحقُّ ما جاءَ عن الله ورسولِه فقط ، ويجب على أولي النفوذِ تطهيرُ هذه المساجِدِ العظيمةِ من البدعِ لئلا يتشبثَ بها العوام .
الباب الرابع
في الدروسَِ الخاصةِ والعامةِ
1- تعصًّبُ بعضِ المدرِّسينَ :(1/55)
يندُرُ وجودُ مدرِّسٍ في هذه المساجدِ غيرِ متعصِّبٍ ، ولذلك تقعُ المشاحناتُ ، وسببُها يرجعُ لتسفيهِ المخالفينَ ، وعدمِ الاعتدادِ بهم ، ونصرةِ الأقوالِ الضعيفةِ التي توافقُ المذاهبَ . والواجبُ تعلُّمُ الدينِ بعيداً عن التعصبِ ، وحبُّ جميعِ الأئمةِ وعذرُهم في اختلافِهم والتماسُ الأعذارِ لهم وبيانُ أنهم ما أرادوا إلا حمايةَ الدينِ ، ومن استطاعَ الترجيحَ بينَ ما اختلفوا فيه فليأخذْ بالحقِّ أينما كان ، فإن الرجالَ تُعرَفُ بالحقِّ ولا يعرَفُ الحقُّ بالرجالِ ، وكذلك لا يُشغَلُ الوقتُ في الجمعِ بين الحديثينِ المتعارضَيْنِ إذا كان أحدُهما ضعيفاً أو منكراً بحجةِ ذكرِ الشُّراحِ له ، وليس كلُّ ما ذكروه يجبُ إتباعُه . وكذلك يقالُ لمن تعصَّبَ لمذهبٍ نحْوِيٍّ أو أصوليٍّ أنه ينبغي له البحثُ عن الدليلِ الصحيحِ واتباعُه وغرسُ ذلك في قلوبِ تلاميذِه مع الوُدِّ والحبِّ لأهلِ العلمِ ، وتدعيمُ ذلك بتقوى الله والتوكلِ عليه .(1/56)
2- التساهلُ في الدروسِ العامةِ : وهو ما وقعَ فيه بعضُ المدرسينَ ، فينبغي أن ينتَقِيَ المدرسُ الكتابَ النافعَ الذي يجمعُ بينَ العباداتِ والمعاملاتِ والأخلاقِ ، ويبتعدَ كلَّ البعدِ عن الأحاديثِ الواهيةِ الضعيفةِ التي تُوقِعُه في كونِه أحدَ الكاذبين ، ويقتصرَ على الصحيحِ وفيه الكفايةُ في كلِّ الأبوابِ ، ولا يتطرقَ إلى الخرافاتِ التي يرفضُها العلمُ والعقلُ حتى ولو كان ترويحاً ، ولا يحتجَّ بوجودِها في بعضِ الكتبِ التي حُشِيَتْ بالغثِّ والسَّمينِ ، ولا يضيعَ الأوقاتِ في المسائلِ الفرضيةِ التي هي في الواقعِ وصمةُ عارٍ في جبينِ العِلْمِ بخلافِ ما يظنُّه البعض ، وكذلك الفضولياتِ التي يتطرقُ فيها إلى ما ليسَ له علاقةٌ بالدرسِ كمسائلِ الهندسةِ والمنطِقِ والفلسفةِ مما قد يرادُ به الرياءُ والتظاهرُ أمامَ الناسِ أنه بحرٌ ، وأن يعرضَ عن المسائلِ التي بطلتْ باختلافِ الزمان والمكانِ ، ويُشغِلَ وقتَه بما ينفعُ الناسَ في حاضرِهم . وقد قيل : ( العالمُ البصيرُ بزمانِه ) .
3- توسيدُ التدريسِ إلى غيرِ أهلِه :
وهذه طامةٌ من الطاماتِ ، فقد أصبحَ الدرسُ إرثاً بسببِ سيطرةِ الجهلاءِ ، وأصبحَ المتَصَدُّونَ له يصرِفونَ أوقاتَهم في اللغوِ واللهوِ والتحدُّثِ عن المناصبِ بدلاً من تحصيلِ العلمِ وإحيائِه ، وأكلوا الرواتبَ سُحْتاً وحراماً . والذي عليه العلماءُ أن توليتَهم ذلك المنصبَ لا تصحُّ ، وأن توريثَ الابنِ وظيفةَ التدريسِ لا يصحُّ إلا إذا كان من المشتغلينَ بالعلمِ الصالحينَ لتدريسِه . ومثلُ هذه المنكراتِ أدَّتْ إلى إِقصاءِ الأخيارِ ، وتأخرِ العِلْمِ ، ونتاجِ الجهالِ ، فيجب أن يُناطَ التدريسُ بالمشهودِ لهم بالفضلِ والعلمِ الصحيحِ والفقهِ في الدينِ ليُفيدوا وينفَعوا الناسَ . والتدريسُ ليسَ وظيفةً يُحرَصُ عليها ، وإنما هو أمانةٌ يحذَرُ منها.(1/57)
فقد تنازلَ كثيرٌ من المدرسينَ الأخيارِ لمنْ هم أكفأُ منهم ، أو لعدمِ تفرُّغِهِم فأينَ هذا من التكالُبِ على إرثِ المناصبِ ، فرحِمَ الله من عَرَفَ قدرَه .
الباب الخامس
الفصل الأول
ما يُفعَلُ للميِّتِ في المسجِدِ من البِدَعِ
1- نعيُ الميتِ في المآذنِ ، والنداءُ للصلاةِ عليه :
وهذا من البدعِ المحدَثَةِ ، ونَعْيُ الميتِ ينعاهُ نعياً ؛ إذا أذاعَ موتَه وأخبرَ به ، وإذا نَدَبَه ، والنعيُ عندهم : أن ينادى في الناسِ : ألا إنَّ فلاناً قد ماتَ فاشهدوا جنازَتَه . أما الإعلامُ من غيرِ نداءٍ فجائزٌ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في المرأةِ التي توفيت ليلاً وكانتْ تَقُمُّ المسجدَ : " أفلا آذنْتُموني بها "(1) ، أما النداءُ بالجنازةِ في المسجِدِ فكَرِهَهُ البعضُ لكراهةِ رفعِ الصوتِ في المسجدِ ، وكذلك كرِهوا النداءَ بها على أبوابِ المسجدِ وجعلوه من النعْيِ المنهيِّ عنه .
2- الإنشادُ أمامَ الميتِ في المسجِدِ وغيرِه :
وكذلك القراءةُ من البدَعِ المنكَرَةِ التي يجبُ إِبطالهُا ، وكذلك الأذانُ عندَ دفنِه .
3- رثاءُ الميتِ في المسجدِ ، وقراءةُ نَسَبِه وحَسَبِه :
__________
(1) رواه الشيخان ( ن ) .(1/58)
يحرُمُ تزكيةُ الميتِ لحديثِ : " لا يُزَكّى على الله أحداً "(1) ، والذي يحتاجُه الميتُ الدعاءَ له ، والتزكيةُ ضدُّه ، بل ربما كانتْ سبباً لتوبيخِه ، فيقال له : أهكذا كنتَ ؟(2) وهذه المراثي وإظهارُ الجزعِ فيها تبرُّمٌ من أمرِ الله ، وهو من النياحةِ المحرَّمَةِ(3) ، ولا مانعَ من ذكرِ مناقبِ العلماءِ والصالحينَ للحثِّ على الاقتداءِ بهم .
4- تأخيرُ الميتِ في المسجدِ :
لانقضاءِ فريضةٍ أو جمعةٍ أو غيرِ ذلك ، وهو خلافُ السنةِ التي أَمَرَتْ بتعجيلِ الصلاةِ على الميت ودفنِه(4) .
5- الجلوسُ للتَّعْزِيَةِ في المسجدِ أو غيرِه :
__________
(1) رواه البخاري ومسلم ( ن ) .
(2) وفي البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير قال : أغمي على عبد الله بنِ رواحةَ فجعلتْ عمرة تبكي : واجبلاه واكذا واكذا ، تعدد عليه ، فقال حين أفاق : ما قلت شيئاً إلا قيل لي : أنت كذلك ؟ فلما مات لم تبك عليه .
(3) وفي الحديث : " أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر بالأنساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " رواه أحمد ومسلم ( نيل الأوطار 4/159 ) .
(4) وفي الحديث : " أسرعوا بالجنازة ، فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير ، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ( نيل الأوطار 4/114 ) .(1/59)
يُكرَهُ ذلك لما فيه من استدامةِ الحزنِ ، وفيه تعظيمٌ للموتِ ، وخلافٌ لهديِه - صلى الله عليه وسلم - فلم يكنْ يجتَمِعُ لعزاءٍ ، ولا يقرأُ له القرآنَ ، لا عندَ قبرِه ولا غيرِه ، بل كان من هديِه - صلى الله عليه وسلم - السكونُ والرضا والاسترجاع ، والتعزيةُ في الأصل سنةٌ(1) ، وكذلك صُنعُ الطعامِ لأهلِ الميتِ(2) خلافاً لما ابتُدِعَ من صُنعِ أهلِ الميتِ الطعامَ وجمعهم الناسَ عليه في العزاءِ ، أما إذا فُعِلَ للتصدق عن الميت فأجازه البعضُ ما لم يُتَّخَذْ شعاراً يُستَنُّ به .
6- دفنُ الميتِ في المسجدِ ، أو بناءُ المسجدِ عليه :
__________
(1) ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك قوله تعزية لابنته " لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى " ، وأمرها بقوله : " فلتصبر ولتحتسب " متفق عليه ( نيل الأوطار 4/150 ) .
(2) وفي الحديث لما جاء نعي جعفر حين قتل ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم أمر شغلهم ، أو أتاهم ما شغلهم " رواه أحمد 1/205 والترمذي 3/314 وهو صحيح . ورواه كذلك أبو داود وابن ماجه وغيرهم ( أحكام الجنائز ص 167 ) .(1/60)
لا يجوزُ بناءُ المسجدِ على القبورِ ، واتخاذُها أوثاناً ، والطوافُ بها ، واستلامُها ، والصلاةُ إليها . ويجبُ هدمُ المسجدِ الذي بني على قبرٍ ، لأن الوقفَ لا يصحُّ إذا خالفَ الشرعَ ، ولذلك لم يصحَّ وقفُ مسجدِ الضِّرارِ ، بل أمرَ بتحريقِه ، فهذا المسجدُ أولى للَعْنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعل ذلك(1) إذا اتُّخِذَ مكاناً للشِّرْكِ ، وكذلك إذا دُفِنَ ميتٌ في المسجدِ فينْبَشُ .
7- نعيُ الحسينِ في جمعةِ عاشوراء على المنبَرِ ، وسردُ قصةِ استشهادِه ، وإِبكاءُ الحاضرينَ :
هذه البدعةُ سرَتْ من الشيعةِ الذين اتخذوا يومَ عاشوراءَ مأتماً ، فينوحونَ ويفعلونَ الأفاعيلَ ، وضادَّهم الرافضةُ فأظهروا فيه الفرَحَ والسرورَ ولبسَ أحسنِ الثيابِ وطبخَ أطعمةٍ معينةٍ ، ولفَّقوا أحاديثَ موضوعةً في ذلك . وهذا كلُّه من البدعِ الشنيعةِ والذي يُستَحَبُّ عندَ أهلِ العلمِ صيامُ ذلكَ اليومِ فقط(2) .
الفصل الثاني
أمور ينبغي التنبه لها
1- ما يمكنُ أن ينوِيَهُ الماكثُ في المسجِدِ من نياتٍ حسنةٍ تُبَلِّغُهُ درجاتِ المقرَّبينَ :
__________
(1) وفي الحديث : " لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد – تقول عائشة : يحذر مثل الذي صنعوا " رواه البخاري ومسلم وغيرهما ( تحذير الساجد ص 17 ) وفي آخر " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " رواه مسلم ( تحذير الساجد ص 19 ) ، وفي الحديث : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " رواه مسلم ( تحذير الساجد ص 33 ) .
(2) وفي الحديث : " صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية " رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه . ( نيل الأوطار 4/323 ) .(1/61)
الطاعاتُ مرتبطةٌ بالنياتِ في صِحَّتِها بأنْ لا يرادَ بها إلا الله ، وفي تضاعُفِ فضلِها بأن يُنوى بها خيراتٌ كثيرةٌ ، مثل : المكثُ في المسجدِ طاعةٌ ، مكن أن ينوى بها طاعات منها :
أ ـ زيارةُ ربِّه في بيتِه ، لحديث : " ما مِنْ مسلمٍ يتوضَّأُ فيُحسِنُ وضوءَه إلا كان زائرَ اللهِ - عز وجل - وحقٌّ على المَزورِ أن يُكْرِمَ زائرَه "(1) .
ب ـ انتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ ، وهو معنى " رابطوا "(2) .
ج ـ كفُّ السمعِ والبصرِ والأعضاءِ عن الفُضولِ .
د ـ لزومُ السِّرِّ للتفكرِ في الآخرة .
هـ التجرُّدُ لذكرٍ الله .
و ـ إفادةُ الآخرينَ بالعلمِ ، أو الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر .
ز ـ التعرفُ على إخوانٍ في الله .
ح ـ تركُ الذنوبِ في المسجدِ حياءً لله .
وغير ذلك وهكذا كل العبادات .
2- الانقطاعُ في المسجدِ بِحُجَّةِ حِفْظِ النفسِ :
__________
(1) رواه الطبراني بإسناد صحيح 6/313 قال : حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم البغدادي ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ثنا عمي عن داود بن أبي هند عن أبي عثمان عن سلمان به . وفي المطبوع تصحيف حيث أنه فيه ( محمد بن الحسن ) ، والتصحيح من تاريخ بغداد ، وكذا فيه ( ابن يحيى بن شعبة ) والتصحيح من التهذيب . وعم سعيد هو عبيد ، وذلك بعد بحث طويل ، وهو ثقة . وعموماً فأعمامه الأربعة ثقات وعم : عنبسة ومحمد وعبد الله وعبيد ، وتراجمهم في الجرح والتعديل ، والتاريخ الكبير ، وقال الدارقطني على الثلاثة الأواخر : كلهم ثقات ( التهذيب : ترجمة عبيد ) . وللحديث طريق آخر في الطبراني 6/311 ، وفيه ضعف .
(2) وفي الحديث : " وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط " رواه مسلم ( رياض الصالحين ص 420 ) وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا } ( آل عمران : 200 ) .(1/62)
من مكايدِ الشيطانِ تسويلُه ذلك للبعضِ ، بأن يقولَ له : متى خرجتَ سقطتْ هيبتُكَ وربما رأيتَ منكَراً ، وغيرَ ذلك ، ليدفَعَه للكِبْرِ واحتقارِ الناس ، ويجعلَه يطلُبُ قصدَ الناسِ له ، وتقبيلَ يدَيْه وغيره . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرجُ إلى السوقِ(1) ، وقال : " لا يدخلُ الجنةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرةٍ من كِبْرٍ "(2) وكان أبو هريرة يحملُ الحطبَ وغيرَه من حوائِجِ نفسه وهو أميرٌ على المدينةِ ويقول : ( أفسحوا الطريقَ للأميرِ )(3).
3- القانعونَ بسُكنى المساجِدِ عنِ الكَسْبِ :
من المغرورينَ فرقةٌ تركتْ المالَ وقَنَعَتْ بالدُّونِ من اللباسِ والطعامِ ، وسكنوا المساجدَ . وهم في الحقيقةِ راغبونَ في الرياسةِ والجاهِ وحمدِ الناسِ ، وقد لا يَخْلُو أحدُهم من الرياءِ وبُغْضِهِ منافِسيه . ومنهم فرقةٌ يُصَلّونَ المئات من الركعاتِ ويختمونَ القرآنَ في اليومِ والليلةِ وقلبُهم غافلٌ عن التطهرِ من الرياءِ والكبرِ والعجبِ ، ومظَنَّةُ غفرانِ ذلكَ أن علمَه بذلك العملِ الطاهرِ وأنه تزكيةٌ له عند الله .
__________
(1) قال تعالى : { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } ( الفرقان : 7 ) وفي دخوله - صلى الله عليه وسلم - الأسواق أحاديث كثيرة منها : ما رواه البخاري " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في السوق فقال رجل : يا أبا القاسم ، فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنما دعوت هذا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي " ( فتح الباري 4/330 ) .
(2) رواه مسلم 2/91 .
(3) رواه ابن وهب بإسناد صحيح ( البداية والنهاية 8/113 ، 114 ، وكذا حماد بن سلمة بإسناد صحيح بنحوه ص 113 ، وقال ابن كثير : وروي نحوه من غير وجه ) وأخرج الأول ابن عساكر في التاريخ ، وأبو نعيم في الحلية . والثاني ابن عساكر ( حاشية سير أعلام النبلاء 2/614 ) .(1/63)
4- المعتزلونَ في المساجدِ وغيرِها وآفاتُ ذلك(1) :
هناك من اعتزلَ الناسَ حتى صارَ موحَشاً لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ ، ولا يكلَّمُ ولا يتكلم ، يرضى بما يُتصدقُ به عليه ويظن أنه على شيءٍ حسنٍ مما يخالفُ ما عليه الهديُ النبوي . ولعلَّ الخلفاء الراشدين وغيرهم . ومما يَفُوتُ بهذه العزلة : التعليمُ والنفعُ والتأديبُ والاستئناسُ ونيلُ الثوابِ في القيامِ بالحقوقِ والتواضعُ واستفادةُ التجاربِ . وكم من معتزِلٍ في بيته ، وسببُ ذلك الكبرُ والترفُّعُ عن الناسِ وسترُ قبائِحِه وحبُّه في قصدِ الناسِ له وتقبيلِهم يديه تبركاً ، وليس من هؤلاءِ من أُثِرَ عنه العزلةُ من السلفِ ، فذلك إما لسياسةٍ أو اجتهادٍ أو لفطرةٍ فُطَرَ عليها أو لتربيةِ العلمِ واستنباطِ المعارفِ وغيرِ ذلك ، ولو كان اشتغالُ المعتزلِ بإصلاحِ نفسِهِ هو الذي أدّاه للعزلةِ لكَرِهَ زيارةَ الناسِ له كما كره مخالطةَ الناسِ .
5- البصراءُ والفقراءُ المتعففونَ الذين يألَفون المساجدَ :
__________
(1) جاء أعرابي - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أفي الناس خير ؟ قال : " رجل جاهد بنفسه وماله ، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره " رواه البخاري 11/331 ( الفتح ) , وهذا محمول على إذا كثرت الفتن وعم الفساد . والأفضل للمسلم إذا عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط أن يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق الناس من العيادة وشهود الجنازة ونحو ذلك . نقله ابن حجر عن الخطابي في الشرح .(1/64)
ينبغي الإحسانُ إليهم دائماً والاهتمامُ بهم وتذكرُ قوله تعالى : ? ??? ??????????? ????????? ??????? ??????????? ??????? ???????????? ? (1) وخصوصاً الإحسانُ إلى حفظةِ كتابِ الله منهم والذينَ أقعدهم عن المكسبِ عذرُهم وعجزُهم ، وهم يدخلون في قوله تعالى : ? ?????????????? ??????????? ???????????? ? ?????????? ?????? ??? ??????????????? ?????????? ? ??????????? ????????????? ?????????????? ???????????????? ???? ????????????? ????????????? ????????????? ??? ??????????????? ????????? ???????????????? ????? ???????????? ???? ??????? ????????? ?????? ????? ??????? ?????? (2) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : فيما رواه مالك وأحمد والشيخان : " ليس المسكينُ الذي يطوفُ على الناسِ فتردُّه اللقمةُ واللقمتان ، والتمرةُ والتمرتان ، ولكنَّ المسكينَ الذي لا يجدُ غنىً يُغنيهِ ولا يُتَفَطَّنُ له فيُتصدَّقُ عليه ، ولا يقومُ فيسألُ الناس " .
6- اتخاذُ الجوامعِ خانقاهات ( تكايا ) :
هذا من البدعِ التي أحدثَها بعضُ المتصوفةِ فيُقيمونَ فيها ما اصطَلَحوا عليه من أوضاعٍ ورسومٍ وأورادٍ وأذكارٍ مما يُشَوِّشُ على المصلينَ ، وقد يجعلُهم يتركونَ المسجدَ ، ومما يجعلُ كلَّ من أوى إلى المسجِدِ لحاجةٍ من اعتكافٍ أو غيرٍه يضجَرُ ويخرجُ ، فيصُدّونَ الناسَ عن بيتِ الله .
7- اتخاذُ المساجدِ مكاتبَ أو مفاخِرَ :
من المنكراتِ اتخاذُ المساجدِ مخافرَ للشرطةِ يرتكبونَ فيه ما لا يليقُ مع حاجةِ الناسِ إليه ، وكذلك اتخاذُها مجالسَ للحُكومَةِ وغيرِ ذلك ، مما يمنَعُ مساجدَ الله أن يُذكَرَ فيها اسمُه . ويشيرُ البعضُ بجعلِ بعضِ مساجِدِ المحلاتِ كتاتيبَ للأطفالِ ، وهذا لا يُسمحُ فيه إلا إذا هُجِرَتْ أو استُعيضَ عنها بغيرها .
8- التماوتُ في المسجِدِ وغيرِه :
__________
(1) آل عمران ( 92 ) .
(2) البقرة ( 273 ) .(1/65)
مما يفعلُه البعضُ في مَشْيِهِ وكلامِه ليظُنَّ البعضُ به التّنَسُّكَ والوَرَعَ ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مشى تقلَّعَ أي كان قويَّ المِشيَةِ ، يرفعُ رجلَيهِ من الأرضِ رفعاً بائناً بقوةٍ(1) ، وقد كان أئمةُ السلَفِ أشبهَ الناسِ هدياً به - صلى الله عليه وسلم - وتبعهم الأئمةُ المتفقُ على عَدالتِهم من الخَلَفِ .
9- جهلُ بعضِ أئمةِ القُرى :
مما يجعلهم يرتكبونَ الأخطاءَ في صلاتهم ويقعونَ فيما لا يجوزُ ، كما فعلَ أحدُهم حينَ نَسِيَ تكبيراتِ الركعةِ الثانيةِ في صلاةِ العيدِ فعادّ إليها وسجدَ للسَّهْوِ . وقد قال أهلُ العِلْمِ : لا حاجةَ لأنْ يعودَ أو يسجدَ للسهوِ . ولذلك ينبغي عليهم النَّفَرُ لتعلمِ دينِ الله ، لأنه لا عذرَ لهم ويجبُ تنبيهُم على ذلك .
10- تقصيرُ أكابِرِ بعضِ القُرى في عِمارَةِ مساجِدِهم :
والتفاتُهم إلى تعميرِ الدنيا ، مما يجعلُ المساجدَ في حاجةٍ إلى الكثيرِ في بنائِها وفرشها ومرافِقِها ، فينبغي أن يلتفِتُوا إلى إصلاحِها . وكذلك ينبغي المحافظةُ على ما وُقِفَ لذلك وإنفاقُه على المساجِدِ ليسَ على بطونِ الآكلينَ له سُحتاً .
11- تَنَطُّعُ من يدخُل المسجدَ حافياً وهو يعمر :
أو يتخذ نعلاً جديداً لم يُلبَسْ . والذي ينبغي عدمُ فعلِ ذلك لورود السنةِ في خلافه(2)، ويدخلُ المسجدَ بنعلِه إذا كان طاهراً صوناً لرجله عن الأذى ، وإن لم يكنْ طاهراً دَلَكَه بالأرضِ . أما إذا كان المسجدُ مفروشاً بالزرابي وغيرِ ذلك فينبغي صونُها عن الأوساخِ وألا يدخُلَ بنعليه .
__________
(1) حديث حسن أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/411 من طريقين ، وله شاهد بإسناد صحيح أخرجه أحمد 4/33 ، 211 وأبو داود 1/22 . وروى مسلم في صحيحه ( إذا مشى تكفأ ) 15/86 .
(2) عن سعيد بن زيد قال : سألت أنساً ، أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه ، قال : نعم . متفق عليه ( نيل الأوطار 2/131 ) .(1/66)
12- ظنُّ الأفضَلِيَّةِ في مسجِدٍ غيرِ الثلاثةِ منَ البِدَعِ :
باستثناءِ مسجدِ قباءٍ ، لما ورد من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباءَ كلَّ سبت(1) ، بمعنى كلَّ أسبوعٍ لما وَرَدَ في الصحيحينِ في حديثِ الاستسقاءِ : " فلا واللهِ ما رأينا الشمسَ سبتاً " ، أي : أسبوعاً . وعبر عنه بالسَّبْتِ كما يعبَّرُ عنه بالجمعة ، ويُكرَهُ أن يَجْعَلَ لزيارتِه يوماً معلوماً حتى لا يُتَّخَذَ عيداً بمرورِ الزمان .
13- الحافظونَ لنعالِ الناسِ في المسجدِ :
مقابِلَ بعضِ المالِ حتى ينتهوا من الصلاة ، ينبغي منعُهم لتضييقِهم على المسلمينَ طريقَهم ، وإمساكِهِم موضعاً من المسجِدِ لم يوضع له ، وبعضُهم يتركُ الصلاةَ لأجلِ ذلك .
14- إيواءُ القِطَطِ في المساجِدِ :
بإرسالِ من كان عندًه هِرٍّ مُؤْذٍ إليه ، مما يُلَوِّثُ المسجدَ .
15- إيواءُ المجاذيبِ في المسجدِ :
مما يُقَذِّرُها ولا يصونُ حرمتَها . والواجبُ حجزُهم في أماكنَ خاصةٍ ، لأن بعضهم يتسوَّلُ عارياً أو يكونُ مشوَّهاً في خِلقَتِه مخيفاً للناس ، أو يصيحُ صياحاً مزعجاً . وللأسفِ يظنُّ الجهالُ بهم الولايةَ والتي لا تكونُ في الحقيقةِ إلا للمؤمنِ التقيِّ وليست للمجانين المرفوعِ عنهم القلمَ والذينَ لا يصحُّ منهم إيمانُ أصلاً ، أو لمن يجنُّ في أوقاتٍ ويُفيقُ في غيرها ثم يأتي بمنكرات الشرع .
16- دخولُ الصبيانِ المساجدَ :
مما يُشَوِّشُ على المصلين بلعبهم .
17- منعُ الأدويةِ والطعامِ والتعويذاتِ ، وتخللِ السائلينَ الصفوفَ ونحوَها في المسجد ، ومرورِهم أمامَ المصلين وعدمِ إنصاتهم للإمامِ وهو يخطب بسبب فعلِهم ذلك ، ومنهم من يدورُ لسقْيِ الماءِ والاسْتِجْداءِ به :
فيجب منعُهم لأن هذا الوقتَ لا يجوزُ شغلُه إلا بالإنصاتِ والتفكُّرِ .
18- استيطانُ موضِعٍ معيَّنٍ من المسجد :
__________
(1) متفق عليه ( ن ) .(1/67)
وهذا ينشأُ من الجهلِ أو الرياءِ ليقالَ إنه مكانُ فلان ، أو إنه من أهل الصفِّ الأولِ . وقد يجُرُّ صاحبَه إلى الحَنَقِ على من جَلَسَ فيه ، وربما أقامه منه بحجةِ أنه مكانَه من سنين . وقد يألفُ الرجلُ مكاناً معلوماً يصلي فيه فتصير العبادةُ طبعاً عندَه ، وذلك مكروهٌ ، أو يجعلُه يفقدُ لَذَّةَ العبادةِ إلا في هذا المكان .
19- واجباتُ نُظّارِ المسجِدِ :
منها أن يكونَ هَمُّهُم إصلاحَ المسجِدِ وتَثْميرَ أوقافِه والغيرةَ عليها ، وألا يخلِطَ دخلَها بمالِه ، ويتخَيَّرَ الجابي الأمينَ إذا احتيجَ له ، ويراقبَه ، وكذلك يتخيرُ له كاتباً أميناً ماهراً يحسب الدَّخْلَ والخَرْجَ بدقَّةٍ ، ويتعاهدُ حالَ المسجدِ لئلا يتهاونَ فيه عمالُه ، وكذلك بيوتَ طهارَتِه ، وأن يراعيَ في رواتبِ العمالِ الحالةَ الزمنيةَ ، ولا يعدُّ ذلك مخالفاً لشرطِ الوقف . وينبغي القيامُ بذلك وأن يختارَ ناظراً عاقلاً أميناً ذا فكرٍ ثاقبٍ ورأيٍ صَيِّنٍ ، وأن يذكَّرَ بالآخرةِ وعقابِ الله ولو أن ذلك لم يُجْدِ في كثيرٍ من الأحيان ، وليتذكَّرْ أن أصحابَ الأديانِ الباطلةِ يُحسنون القيامَ على معابِدِهم فهو أولى بذلك وأجدرُ .
20- الاجتماعُ في المسجدِ للدُّعاءِ برفعِ الطاعونِ :(1/68)
من البدَعِ المحدَثَةِ لثُبوتِ عكسِه من دعائه - صلى الله عليه وسلم - به وطلبِه لأمته(1) ولأنه وقَعَ في عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ والصحابةُ متوافِرون ، ولم يُنقَلْ أنهم فعلوا ذلك . وأنه وقعَ في القرونِ الأولى كثيراً ، ومات فيه كثيرٌ من الصحابةِ والتابعينَ ، وكذا القرون التاليةُ فلم يدْعُ أحدٌ برفعِهِ . وقيل : لم يحدُثْ الدعاءُ بذلك إلا في القرنِ الثامن ، أما الدعاءُ برفعِ سائرِ الأوْبِئَةِ فلا مانعَ لاخْتِصاصِ الطاعونِ بأشياءٍ ، منها : النهيُ عن الفرارِ منه(2) ، وأجاز البعضُ الدعاءَ فرادى .
الباب السادس
المشروعُ والمبْتَدَعُ في المساجِدِ الثلاثةِ
1- بيت المقدس :
__________
(1) يشير إلى حديث : " اللهم اجعل أمتي في الطاعون " أخرجه أحمد بإسناد صحيح 4/417 ، وله شاهد أخرجه أيضاً 3/437 و 4/238 ، وهو صحيح ( ن ) وله شواهد كثيرة راجعها إن شئت في إرواء الغليل ص 70 ، 72 . وأرى أن الدعاء بجعل فناء الأمة بالطاعون غيرُ مانع من الدعاء برفعه ، لأنه لم يقصد به طلب الفناء للأمة ، ولكن قصد به إذا أراد الله فناء الأمة أن يجعله بالطاعون . والإنسان يدعو وإرادة الله نافذة ، والمراد بالدعاء منع الطاعون وبقاء الأمة . وورد في بعض الطرق المشار إليها ان الفناء بالطعن والطاعون ، وليس هناك مانع من التداوي منه أو مداواة الجروح الناتجة عن الطعن ، كما صح ذلك . والدعاء دواء من الأدوية التي يغفل عنها الناس .
(2) يشير إلى حديث : " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه " رواه البخاري 10/179 ( فتح الباري ) .(1/69)
يستحبُّ زيارةُ بيتِ المقدِسِ للعبادةِ المشروعةِ في المساجِدِ . أما قصدُه للطوافِ بالصخرةِ أو التمسُّحِ بأركانِهِ فمِنَ البِدَعِ المنكرةِ ، وكذلك اتخاذُ الصخرةِ قبلةً والصلاةُ إليها بما نزل القرآنُ بنسخِهِ قد يُفضي إلى الكفرِ . وكذا سَوْقُ الغَنَمِ والبقرِ ليُذبَحَ عندَها ، أو السفرُ إليها عشِيَّةَ عرفةَ ، ولم يؤثَرْ أن أحداً من الصحابةِ في عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ أو بعدَهم أو من أهلِ العلمِ من التابعينَ وغيرِهم عظَّمَها أو كساها . وروي أن أولَ من كساها عبدَ الملك ليصرِفَ الناسَ بها عن حجِّ الناسِ واجتماعِهِم بابنِ الزبير . وأما ما يُذْكَرُ حولهَا من الأكاذيبِ بأن هناك أثرَ قدمِهِ - صلى الله عليه وسلم - وأن الصراطَ هناكَ وغيرَ ذلك فلا أصلَ له ، وليس هناك مكانٌ يُزارُ إلا المسجدَ الأقصى(1) وقبورَ المسلمين والدعاءَ لهم بما وردَ من تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابِه إذا زاروا القبورَ أن يقولوا : " السلامُ عليكم أهلَ الدّيارِ من المؤمنينَ والمسلمينَ ، وإنا إن شاءَ الله بكم للاحِقونَ ، أسألُ الله لنا ولكم العافية " ، وفي آخر : " يرحم اللهُ المستقدمين والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون "(2) .
__________
(1) وفي الحديث : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " رواه مسلم 9/105 ، والبخاري 3/63 ( فتح الباري ) .
(2) أخرج الأول مسلم والنسائي وأحمد ( أحكام الجنائز ص 183 ) .
وأخرج الثاني مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم ( أحكام الجنائز ص 190 ) .(1/70)
والزيارة جائزة في جميع الأوقات إلا أنه ينبغي ألا تكون في وقتِ زيارةِ الضُّلاّلِ لئَلاّ يكثُرَ سوادُهم ، ويصلى هناك ركعتين تأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما زاره في الإسراءِ كما في الصحيح(1)، ولم يثبتْ أنه صلى في غيره في تلكَ الليلةِ(2) .
2- مسجدُ الخليلِ :
__________
(1) رواه مسلم 3/311 .
(2) وردت صلاته - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وفي بيت لحم في سنن النسائي 1/221 قال : أخبرنا عمرو بن هشام ، ثنا مخلد عن سعيد بن عبد العزيز ثنا يزيد بن أبي مالك ثنا أنس ... الحديث . وإسناده حسن إلا أن سعيد بن عبد العزيز اختلط قبل موته ، وكان من أوثق الناس ، حتى فضله البعض على الأوزاعي ، فلا ندري حدث بذلك قبل اختلاطه أم لا . ولكن للحديث شاهد من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء ثنا عمرو بن الحارث ثنا عبد الله بن سالم الأشعري عن محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي ثنا الوليد بن عبد الرحمن أن جبير بن نفير قال ثنا شداد بن أوس ... الحديث . رواه الطبراني في الكبير 7/328 من طريقين عنه ، والبيهقي في الدلائل من طريق آخر 2/107 وقال : إسناده صحيح ، وابن أبي حاتم في التفسير من طريق أبيه عنه ( تفسير ابن كثير 3/14 ) . وإسحاق هذا فيه كلام لا ينزل حديثه عن الحسن . أما عمرو بن الحارث ، قال الحافظ في التقريب : مقبول ، فهو يصلح في الشواهد والمتابعات . فأرى والله أعلم احتمال هذا النص للتحسين ، وخصوصاً أن روايات الإسراء كثيرة وفي بعضها زيادات لم توجد في غيرها . وأفضل من جمع طرقها الحافظ ابن كثير في تفسيره .(1/71)
كان أصلُه مغارةً مسدودةً حتى استولى النصارى على الشامِ ففتحوها واتخذوها كنيسةً ، ثم حوَّلَها المسلمون بعد الفتحِ إلى مسجد . وأهلُ العلمِ يُنكِرونَ ذلكَ الفعلَ ، والصحيحُ أنه لا يجوزُ قصدُه للزيارة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ : المسجدِ الحرامِ ، والمسجدِ الأقصى ، ومسجدي هذا "(1) ، ولم يُؤثَرْ عن أحدٍ من السَّلَفِ قصدُها ولا قصدُ غيرِها مما يُقال إنه آثارٌ للأنبياءِ .
3- من مزاراتِ المدينةِ وما حولَها :
__________
(1) سبق برقم ( 154 ) .(1/72)
لا يستحبُ زيارةُ شيءٍ من المدينةِ غير مسجده - صلى الله عليه وسلم - ومسجدِ قباءٍ لأنه أولُ مسجدٍ بُنِيَ في المدينة(1) وكان يقصدُه - صلى الله عليه وسلم - (2) وقال فيه : " من تَطَهَّرَ في بيتِه ثم أتى مسجدَ قباءٍ فصلى فيه صلاةً كان له كأجرِ عُمْرَةٍ "(3) ومع هذا لا يُنْشَأُ له السفرُ لعَدَمِ دخولِه في المساجدِ الثلاثة ، وكذلك يُستحَبُّ زيارةُ قبورِ البقيعِ(4) وشهداء أحد(5) ، وذلك لما ثبتَ من فعلِه - صلى الله عليه وسلم - ذلكَ ، ولمشروعيةِ زيارةِ القبورِ والدعاءِ لأصحابها ، أما الزيارةُ لطلبِ الحاجاتِ ودعاءِ الأمواتِ وغيرِ ذلك فهو شِرْكٌ ، وكان ابنُ عُمَرَ إذا دخل المسجدَ يقول : السلام عليكَ يا رسولَ الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتِ ، ثم ينصرفُ(6) .
__________
(1) رواه البخاري 7/239 ( فتح ) .
(2) سبق برقم ( 151 ) .
(3) رواه ابن ماجه 1/453 والنسائي 2/37 والطبراني في الكبير 6/90-91 عن سهل بن حنيف . وفي إسناده محمد بن سليمان الكرماني وهو مقبول . وله شاهد من حديث أسيد بن ظهير رواه ابن ماجه 1/453 والترمذي 1/146 والحاكم 1/487 والطبراني في الكبير 1/179 وفيه أبو الأبرد وهو مقبول ، وله شاهد آخر من حديث كعب بن عجرة أخرجه الطبراني 19/146 وفيه ضعيف ومجهول ، فالحديث بشواهده حسن .
(4) رواه مسلم والنسائي وغيرهما ( أحكام الجنائز ص 183 ) .
(5) رواه البخاري 4/209 فتح الباري .
(6) رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال – فذكره – وتابعه عبيد الله بن عمر عن نافع ، وقال معمر : فذكرت ذلك لعبيد الله بن عمر فقال : ما نعلم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إلا ابن عمر ( إسناده صحيح ) المصنف لعبد الرزاق 3/576 .(1/73)
وقال أهلُ العلمِ : إذا سلَّمَ يستقبلُ القبرَ وقِيلَ يستقبلُ القبلةَ ، أما الدعاءُ فيستقبلُ القبلةَ فقط .
4- في مزاراتِ مكةَ :
لا يستحَبُّ قصدُ شيءٍ من مزاراتٍ مكةَ سوى المسجدِ الحرامِ للنَّص فيه . أما جبلُ ثَوْرٍ وجبلُ حراء والعقبة وغيرها فلم يُؤثَرْ زيارةُ شيءٍ من ذلك عن السلفِ الصالح ، ولم يَرِدْ فيه أيُّ فضيلة . وكذلك لا يُتَمَسَّحُ إلا بالحجرِ الأسودِ والركنِ ، ولا يقبَّلُ إلا الأسود ، ولا يصلى عند مقامٍ إلا مقامَ إبراهيمَ في المسجد لقوله - عز وجل - : ? ??????????????? ??? ???????? ???????????????? ?????????? ? (1) ، وليس هناك أفضليةٌ في قصدِ المشاعرِ للصلاةِ فيها ، وليسَ لأحدٍ استحبابَ قصدِ هذه الأماكنِ لأنه يشرع لم يشرعْه الله جل وعلا .
5- الموازنةُ بينَ مذهبِ عُمَرَ وغيرهِ من الصحابةِ ، وبينَ مذهبِ ابنِ عُمَرَ في الأمكنةِ التي نَزَلَها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبيانُ حقيقةِ المتابعةِ :
__________
(1) البقرة ( 125 ) .(1/74)
رأى عمرُ بنُ الخطابِ في سفرٍ قوماً ينتابون مكاناً للصلاة فقال : ما هذا ؟ فقالوا : هذا مكانٌ صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنما هَلَكَ من كانَ قبلَكم بهذا ؛ إنهم اتخذوا آثارَ أنبيائِهم مساجدَ ، من أدركَه الصلاةُ فليُصَلِّ وإلا فليَمْضِ(1) . وأمر أبا موسى الأشعريَّ بحفرِ ثلاثةَ عَشَرَ قبراً لدَفْنِ دانيالَ لئَلاّ يفتَتِنَ الناسُ به ، وقد كانوا يستسقون به(2) . فلمْ يُنقَلْ عن أحدٍ من الصحابةٍ تتبعُ شيءٍ من آثارِ النبي - صلى الله عليه وسلم - التي نزلها اتفاقاً لا قصداً سوى ما صحَّ عن ابن عمر(3) ،
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة وسنده صحيح على شرط الشيخين ( ن ) ( تحذير الساجد ص 137 ) . قلت : ورواه ابن وضاح من طريقين عن جرير عن الأعمش عن المعرور بن سويد ص 41 ، 42 .
(2) ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد ، قال : وفي مغازي ابن إسحاق من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار حدثنا أبو العالية قال : لما فتحنا تستر ... وذكر القصة ( فتح المجيد ص 246 ، 247 ) وهذا إسناده حسن وله شواهد ، منها ما أخرجه الطبري 4/92 وما ذكره أبو عبيد في الأموال عن قتادة . ( ذكره المعلق على فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ) .
(3) ومن ذلك ما رواه أحمد بإسناد على شرط مسلم أن ابن عمر ذكر في سفر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى مكان ما فقضى فيه حاجته ، فنزل يقضي فيه حاجته . المسند 2/131 . ومنه ما رواه البخاري عن ابن عمر في تحريه أماكن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأماكن التي على طرق المدينة وذكرها مكاناً مكاناً ( فتح الباري 1/567 ) وعدَّ ابن حجر طلب عتبان بن مالك من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي بيته فيصلي فيه ليتخذ مكانه مصلى الذي رواه البخاري ، من ذلك الباب ( انظر 1/522 ، 519 من الفتح ) ..(1/75)
فإنه كان شديدَ الاتباعِ فكان يرى أن تحريَ هذه الأماكنَ من الاتباعِ . والأصحُّ ما فعله عمرُ وغيرُه ، لأن الأتباعَ قصدُ ما قصدهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - للعبادةٍ ، مثلُ قصدِه لعرفةَ ومزدلفةَ وللجمراتِ وغيرِها من المشاعرِ ، وقصدُه لمقامِ إبراهيمَ ، وقصدُه للصفا والمروة ، وقصدُه للصلاةِ عندَ الاسطوانة في مسجِده(1) مما جعلَ سلمةَ بنَ الأكوعِ يتحرّى الصلاةَ عندها ، وقصدُه لصيامِ يومَ الاثنين والخميس 0(2) ، وإتيانُه مسجدَ قباءٍ(3) ، وغيرُ ذلك . أما ما حدثَ له اتفاقاً فقصدُه مخالفةٌ وليس متابعةً . وقد رخَّصَ البعضُ في ذلك إذا كان يسيراً مثل فعلِ ابنِ عمرَ ونَهَوا عنه إذا كَثُرَ لما فيه من تعظيمِ المشاهدِ ولأنه يُفضي إلى اتخاذِها مساجدَ ، وأكثرُ من يعظمُ المشاهدَ الرافضةُ حتى أنهم يُسمّون زيارتها الحجَّ الأكبرَ ، وألَّفَ بعضُهم كتاباً وسماه ( مناسِكَ حجِّ المشاهدِ ) فملأه بالأباطيلِ والكذبِ .
الباب السابع
في بدعِ شتى
1- زيارةُ النساءِ للمقاماتِ في المساجِدِ :
__________
(1) رواه البخاري عن يزيد بن أبي عبيد قال : كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الاسطوانة التي عند المصحف ، فقلت : يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الاسطوانة ، قال : فإني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرى الصلاة عندها ( فتح الباري 1/577 ) .
(2) قال ابن حجر : ورد في صيام يوم الاثنين والخميس عدة أحاديث صحيحة . منها حديث عائشة ، أخرجه ابو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان . وحديث أسامة أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة 4/236 ( فتح الباري باختصار ) . قلت : حديث عائشة اخرجه الترمذي 3/112 بإسناد صحيح ، وحديث أسامة اخرجه النسائي 4/201 بإسناد صحيح .
(3) تقدم برقم ( 160 ) .(1/76)
مثلُ المقامِ اليَحْيوي وغيرِه ، وفي أيامٍ مخصوصةٍ يتَّخذونها عيداً ، يجتمعُ فيه الرجالُ والنساءُ المتبرجاتُ السافراتُ مما يُشعِلُ الفِتَنَ ويُهَيِّجُ الغرائزَ . ومما ينبغي أن يُعلَمَ أن خروجَ المرأةِ لا يكونُ إلا لأشياءٍ مشروعةٍ ضروريةٍ وفي سِتْرٍ وحياءٍ ، ويتَمَسَّحونَ بالأحجارِ وغيرِها ، فشابهوا أهلَ الأوثانِ .
2- النذرُ للمساجدِ ولإِسْراجِ الضرائحِ وغيرِ ذلك :
وذلك تعظيماً للبُقَعِ أو لمقابرِ الأولياءِ وللتقربِ إليهم . وهذا لا يجوزُ لأن النذرَ عبادةٌ(1) ، ولا يُصرَفُ لغيرِ الله ، وهو نذرُ معصيةٍ فلا يَصِحُّ الوفاءُ به ، أما إذا نَذَرَ لإضاءةِ مسجدٍ لحاجتِه إلى تلكَ الإضاءةِ ، فذلك مشروعٌ ، ومن الناسِ من ينذُرُ ليُقرأَ المولد في المنائرِ ويوهَبَ الثوابُ لحضرةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قبيحٌ .
3- الموَسوَسون في الطهارةِ :
__________
(1) قال تعالى : { يوفون بالنذر } ( الإنسان : 7 ) ، وقال : { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه } ( البقرة : 270 ) وفي صحيح البخاري : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ( فتح المجيد ص 160 ) .(1/77)
الذين يرغَبونَ عن السنةِ المطهَّرَةِ جهلاً منهم ، وإتباعاً لوسواسِ الشيطانِ . وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأُ بالمُدِّ ويغتسلُ بالصاعِ(1) ، وهذا لا يكفيهم في غسلِ أيديهم . وصح عنه أنه توضأَ مرةً ولم يزِدْ على ثلاثٍ ، بل أخبرَ أن من زادَ عليها فقد أساءَ وتعدّى وظلمَ(2) ، وكان يغتسلُ هو وميمونةُ من قصعةٍ فيها أثرُ العجينِ(3) ، وتوضأَ من إناءٍ فأدخلَ يده فيه ثم تمضمضَ واستنشقَ ، وهذا في الصحيح . وهذا كلُّه إذا رآه الموسوَسُ أنكره غايةَ الإنكارِ ، والذي ينبغي تعزيرُ هؤلاءِ المسرفين في المياه الراغبين عن الهدي النبوي .
4- مشيُ المستبرِئينَ في جوانِبِ المسجِد :
إذا فرَغوا من البولِ ، وقد تَتَكَّشَفُ عوراتُهم ، ويتمايَلُون بصورةٍ مقزِّزَةٍ . ومما يفعلونه عشرةُ أشياءٍ :
السَّلْتُ والنَّتْرُ ؛ أي مسحُه من أصلِه إلى رأسه ، ثم نَتْرُه .
والنَّحْنَحَةُ والمشيُ والقفزُ ، والحبْلُ ؛ وهو أن يتخذَ حبلاً يتعلقُ به حتى يكادَ يرتفعُ ثم ينخَرِطُ فيه حتى يقعدَ .
والتفقدُ ؛ أي النَّظَرُ في المخرجِ فيه شيءٌ أم لا .
والوَجورُ ؛ وهو فتحُ الثُّقْبِ وصبُّ الماءِ فيه .
والحشوُ ؛ وهو حشوُ الثقبِ بواسطةِ مِيلٍ بالقطنِ .
والعصابةُ ؛ أي عصبُهُ بخِرْقَةٍ .
والدَّرجةُ ؛ أي صعودُ سلَّمٍ ثم ينزلُ بسرعة .
__________
(1) رواه الشيخان وغيرهما ( ن ) .
(2) وضوؤه مرة مرة رواه البخاري 1/258 ( فتح ) وبعده مباشرة وضوء مرتين مرتين . ( والحديث الآخر أخرجه أبو داود وغيره ، وهو صحيح ( ن ) ( إرواء الغليل 1/64 ) .
(3) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم بسند صحيح على شرط الشيخين . ( إرواء الغليل 1/64 ) .(1/78)
وهذا كلُّه ليسَ من السنةِ ، ولو كان فيه خيرٌ لعلَّمَناه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صحَّ أن اليهودَ قالوا لسلمانَ : لقد علَّمَكُم نبيُّكم كلَّ شيءٍ حتى الخراءة ، فقال : أجل(1). أما المريضُ الذي به سلسُ بولٍ فيَتَحَفَّظُ ويشُدُّ عليه خرقة .
5- اغتسالُ الرعاعٍ في بركة المسجد :
أيامَ الصيفِ عراةً ، وأحيانا يتخاصَمونَ ويتلاكَمونَ . فيجب المنعُ من هذه العادةِ القبيحةِ ، وخصوصاً أنها تؤدي إلى غَرَقِ بعضِ الصغارِ .
6- البزاقُ في المساجِدِ :
ويوجَدُ بكثرةٍ على حافاتِ البِرَكِ بسبب جَهَلَةِ المتوضئينَ ، مما يؤذي الأنفُسَ . وهذه خطيئةٌ لا تُكَفَّرُ إلا بإزالتها . وفي الحديث عند الشيخين : " البزاقُ في المسجدِ خطيئةٌ ، وكفارتُها دفنُها " ، وعندَ مسلم : " وجدتُ مِنْ مساوئِ أمتي النخاعةُ تكونُ في المسجِدِ لا تُدفَنُ " .
7- وضعُ ستائرَ في نواحي المسجدِ :
بحجةِ أنها مقامُ فلانٍ ، بمعنى أنه رُؤِيَ في النومِ جالساً فيه ، أو حُكِي أنه دُفن فيه ، وغير ذلك . مما يدفع العوامَ للتمسحِ به والتبركِ به وزيارته .
8- التَّمَسُّحُ بالأعلامِ والحيطانِ :
من المنكراتِ الفظيعةِ . ولا يجوزُ التمسحُ إلا بالحجرِ الأسودِ(2) . والبعضُ يقيم حفلاتٍ ذات مراسمَ معينة ليتمسحَ بجبةِ وطبزةِ صاحبِ الطريقةِ ، ويظنون أنهم نالوا البركاتِ ، وهم أبعدُ الناسِ عن منهجِ السلفِ ، فلم يحدُثْ أن فُعِلَ ذلك بثيابِ صحابي ولا تابعي ولا شهيدٍ في شيءٍ من الآثارِ ، فلا حولَ ولا قوةَ إلا بالله .
9- لجوءُ اليتامى والبؤساءِ للمسجدِ :
__________
(1) أخرجه مسلم وغيره ( ن ) .
(2) قلت : والركن اليماني ، عن ابن عمر : ( لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين ) البخاري 3/473 ( الفتح ) .(1/79)
لما انتُزِعَ من قلوبَ الأغنياءِ منَ الرحمةِ بهؤلاءِ ، فلا يجدون من يؤويهم ويُطعمُهم ويمرضهم ، حتى أن بعضَهم يموتُ من مَرَضِه أمامَ أعينِ المصلينَ الميسورين ولا يفكِّرُ في علاجِه ولا إيوائِه ، فأين هم من قوله تعالى : ? ?????? ??? ???? ??????????? ???????????? ???? ????? ????????????????????? ?????? ???????? ????????????? ????? (1) وأين من سورةِ أرأيت(2) ، أين هم من كَرَمِ السلفيين الذين بذلوا أموالهَم في الآثارِ النافعةِ للإنسانِ والحيوانِ والتي ضيَّع معظمَها هؤلاء وأمثالهُم في هذه الأيامِ التي وصلَ فيها حُبُّ الدنيا إلى أن بِيعتْ مدرسةٌ أَوقَفَها صلاحُ الدينِ في القدسِ بعد أن تُرِكَتْ للخرابِ والبومِ للنصارى ليجعَلوها كنيسةً لهم .
10- إقامةُ الدجّالينَ في المساجِدِ :
__________
(1) الفجر ( 17، 18 ) .
(2) أي سورة الماعون .(1/80)
الذين يدَّعون معرفةَ الغيبِ ويخُطُّونَ على الرَّمْلِ ويطرُقون وغير ذلك من أفعالِ المنجِّمين ، ويقصِدُهم الجهلةُ ليبتَزّوا أموالهَم ويُوقعوهم في الشرك . وقد ورد من الأحاديثِ ما يُكَفِّرُ من اعتقدَ بنجمٍ ، وبِعَدَمِ قَبولِ صلاتِه(1) ، فيجبُ تعليمُ الناسِ أن هؤلاءِ ضالون مُضِلّونَ آكلون للسحت ? ?????????? ?????? ??????? ????????? ????????????? ????????? ?????? ?????? ??????????? ? (2) .
11- خروجُ المحافلِ من المساجد :
__________
(1) في الحديث : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً " . رواه مسلم ( فتح المجيد ص 259 ) . وفي الحديث : " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " . رواه أصحاب السنن والحاكم ( فتح المجيد ص 295 ) وله شواهد كثيرة ، وأخرجه غيرهم . قال الألباني : صحيح ( إرواء الغليل 7/68 ) ( صحيح الجامع الصغير 3/223 ) .في الحديث : " من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً " . رواه مسلم ( فتح المجيد ص 259 ) . وفي الحديث : " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " . رواه أصحاب السنن والحاكم ( فتح المجيد ص 295 ) وله شواهد كثيرة ، وأخرجه غيرهم . قال الألباني : صحيح ( إرواء الغليل 7/68 ) ( صحيح الجامع الصغير 3/223 ) .
(2) مقتبسة من آية ( 79 ) سورة البقرة .(1/81)
الذي يفعلُه كثيرٌ من جَهَلَةِ المتصوفَةِ ، وهم على ظهورِ الخيلِ وبينَ الأعلامِ والراياتِ . فأين هم من إصلاحِ النفسِ ، ومن آدابِ السُّلوكِ ؟ وأين هم من السنَنِ التي استبدَلوها بالبدَعِ ؟ وفي الحقيقةِ هم متَّخِذونَ للطريقِ وسيلةَ عيشٍ بعيدةٍ عن الإخلاصِ ، والصَّمْتِ عن اللغوِ ، وملازمةِ الذِّكرِ والتهجُّدِ والزُّهدِ والتمسكِ بالسنةِ ، مما يُنَفِّرُ من أرادَ الإسلامَ ممن يراهم . ومن بِدَعِهِم الفظيعةِ إِلحادُهُم في لفظِ الجلالةِ ، والرقصُ ، وأكلُ الناسِ ، والضربُ بالشيشِ والأسياخِ وغير ذلك .
12- تركُ وعظِ النساءِ في المسجِدِ :(1/82)
مما أدّى إلى تَفَشّي الجهلِ بينَهُنَّ ، وانتشارِ البِدَعِ والخُرافاتِ في أوساطِهِنَّ . وقد كان من المخلِصينَ من يقومُ بوَعْظِهِنَّ ، وينبغي المداومةُ على ذلك ، وتعيينُ من يُوجَدُ فيه هذه الهمةُ في هذا الأمرِ . ولا يَهُمُّ سخريةُ الساخرينَ ، فكم من صاحبِ حقٍّ سُخِرَ منه . وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخانُ وغيرُهما يَعِظُ النساءَ يومَ العيدَ في المصلى ، ويتخَلَّلُ صفوفَ الرجالِ إليهِنَّ ، ويأمُرُهُنَّ بالخروجِ حتى الحُيَّضَ ليشهَدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمينَ ، وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن ابن عمر : " لا تمنعوا النساءَ حظوظَهُنَّ من المساجِدِ إذا استأذَنَّكم " ، فقال بلالُ بنُ عبدِ الله بنِ عمرَ : واللهٍ لنَمْنَعُهُنَّ ، قال سالمٌ : فسبَّه عبدُ الله سباً ما سمعتُ سبَّةً مثلَها قط ، وقال: أُخبِرُكَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول والله لنمنعهن " . وفي روايةٍ لأحمدً : " فما كَلَّمَه عبدُ الله حتى مات "(1) ، أما قولُ عائشةَ : " لو عَلِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدَثْنَ بعدَه لمَنَعَهُنَّ "(2) ، فإنما تعني به المتعطراتِ المتبرِّجاتِ ، كما في حديث : " أيُّما امرأةٍ أصابَتْ بخوراً فلا تَشْهَدْ معنا العِشاءَ "(3) . فينبغي أن تُرشَدَ إلى تركِ التعَطُّرِ والتبَرُّجِ لتخرجَ للتَّعَلُّمِ ، فإنه فرضٌ عليها . والعَجَبُ ممن يحجُبُهُن عن العلمِ ويسمحُ لهنَّ بالخروجِ للزياراتِ وغيرِها .
13- الصدُّ عن تَدْفِئَةِ المساجِدِ في الشِّتَاءِ :
__________
(1) إسناده صحيح ( ن ) .
(2) رواه البخاري 2/349 ( الفتح ) .
(3) رواه مسلم وغيره ( ن ) ( السلسلة الصحيحة 1/32 ) .(1/83)
بحجةِ أن المساجدَ لا تكونُ بيوتَ نارٍ . وهذا من الجهلِ المُطْبَقِ . وتدفئةُ المساجدِ منْ أمسِّ الاحتياجاتِ وخصوصاً للعجزَةِ والمتعَبِّدينَ والمعتَكِفِينَ في المساجدِ ، بخلافِ الأغنياءِ الذين يستَدْفِئونَ في بيوتهم ، فهو حسنةٌ للفقراءِ وباعثٌ على أداءِ العبادةِ في خشوعٍ ، ومدعاةٌ لإقبالِ الناسِ عليها . والذي ينبغي أن تُجعَلَ المداخنُ في الجهةِ الشماليةِ لتكونَ خلفَ المصلينَ . وقال الشاعر :
أما الفقيرُ ففي الشتاءِ هلاكُهُ ... من همه في فخمه وعجينة
وقال غيره :
وخواطرُ الفقراءِ ترجُفُ ما لهم ثوبٌ يقي برداً وعزَّ المهرَبِ
واحسرتاه ومالهم من مُسعِفٍ يحفو عليهم والمعيشة تتعب
14- تهاونُ بعضِ خَدَمَةِ المسجِدِ بالجماعاتِ :
كمنْ ينشغلُ بإشعالِ المصابيحِ ، أو بالكَنْسِ ، أو بتدخينٍ وغيره عن أداءِ الصلاةِ ، وربما كان هو المؤذنُ لها مما يُؤلمِ ُويدعو إلى الحسرة .
15- الرغبةُ عن إيقادِ زيتِ الغازِ إلى الزيتِ البلدي :
بحجةِ أنه أغلى ثمناً وعليه كان القدماءُ ، مع ما هو معلومٌ من ضعفِهِ عن الاضاءةِ بالنسبةِ إلى زيتِ الغاز .
16- استنكارُ إمامةِ حاسرِ الرأسِ ومَنْ ليسَ عليه جبةٌ :
ويحدُثُ هذا في غيبةِ الإمامِ الراتبِ ، وربما أعطاه أحدُهم ما يُغطّي رأسًه ، أو يعصِبُ مِنديلاً على رأسه ، مع أنه لم يصحَّ حديثٌ في الصلاةِ بالعَمامةِ وفضلِها . وكذلك من تَقَدَّمَ للإمامةِ وليسَ عليه جبةٌ ربما نزعَ بعضُهم جبتَه وأعطاه إياها ، وهذا لجهلهم . وقد عقدَ البخاريُّ باباً للصلاةِ في الثوبِ الواحدِ فيه عن عمرَ بنِ أبي سلمةَ أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوبِ الواحدِ فقال : " أو لِكُلِّكُم ثوبان " .
17- واجبُ البَوّابِ ، وضَرَرُ غَلقِ أبوابِ المدرسةِ أو المسجِدِ :(1/84)
غَلْقُ أبوابِ المسجدِ نهاراً لا يجوزُ إجماعاً إلا لضرورةٍ . وأما ليلاً فيجوزُ إذا خُشِيَ من سرقةٍ على أن يبيتَ بوابُه عندَ البابِ ليفتحَ لمن أرادَ الدخولَ . وكذلك المدرسةُ إلا أن البعضَ قد يُجيزُ اشتراطَ واقفِها ألا يُفتَحَ بابُها إلا في أوقاتٍ معينةٍ ، وفي صحتِه نظرٌ ، فقد يقصِدُها بعضُ المارَّةِ للحاجَةِ إلى مياهِها وأخلِيَتِها فيجدُها مغلقةً وبوابُها لا يكتَرِثُ ، ويحتَجُّ بأنه يُغلِقُها لئَلاّ يدخلُها بعضُ الكفرةِ المجاورينَ ، وهذا لا يُقبَلُ ، لأن بيوتَ الخلاءِ لا تُمنَعُ من واردِيها مهما كانوا ، لأنه رحمةٌ بالإنسانِ ، ألم يسمعوا حديثَ البغِيَّةِ التي غُفِرَ لها بسقيِ كلبٍ وإغاثَتِه(1) ولكنْ أعماهُم الجهلُ .
18 - تخلفُ الكثيرِ عنِ الجماعات :
__________
(1) البخاري ومسلم وأحمد ( ن ) .(1/85)
لاسيما الأكابرُ ، ولا يقيمُ هذه الشعيرةَ في الغالبِ إلا الفقراءُ ومن شابههم . فليعلَمْ هؤلاءِ المتخلِّفونَ أن نِعَمَ الله عليهم إنما هي لابتلائِهم هل يشكُرونَ أم لا ؟ قال تعالى : ? ???????? ?????? ?????????? ?????????????? ?????????????? ??????????? ????????? ??????? ? (1) وقال : ? ???????? ??? ??????? ??????????? ?????????????? ?????? ? (2) وليحذروا أن يقعوا في قوله :? ?????? ?????? ????????????? ????????????? ??? ???? ???????? ????????????????? ???? (3) وليسعوا لأن يكونوا من أهلِ هذه الآية ? ??????? ???? ???????????? ?????????? ????? ???????? ??? ?????? ?????? ??????????? ???????????? ???????????? ?????????????? ? (4) ومن انْتَفَتْ عنه الأعذارُ فيلزَمُهُ أداؤها في جماعةٍ ، وفي أوَّلِ وقتِها إحياءً للهدْيِ النبويِّ وسنةِ الخلفاءِ الراشدين(5) .
19- احتكارُ الكتبِ الموقوفةِ في بعضِ المساجِدِ :
من نُظّارِها الذين لا يسمَحُون بإعارَتِها ، وإن سَمَحُوا للبعضِ يَشُوبونَ ذلك بالتأَفُّفِ والتَّضَجُّرِ . وبعضُها لا يُسمَحُ به أحد . وإذا ماتَ يُوَرِّثُ مفاتيحَها ابنَه الصغيرَ ، وهكذا ضاعَ كثيرٌ من الكتبِ الهامَّةِ . والذي ينبغي على الواقفِ أن يضعَها في يدِ عالمٍ يُقَدِّرُ أهميةَ الاطلاعِ عليها وييسرُها لطلابِ العلمِ أو يضعُها في المكتبةِ العموميةِ في البلدِ
20- الايصاءُ بالمصاحفِ والسجاداتِ وغيرِها من مساجدَ لا تحتاجُ إليها :
__________
(1) تبارك ( 2 ) .
(2) سبأ ( 15 ) .
(3) العلق ( 6 ، 7 ) .
(4) النور ( 37 ) .
(5) ذهب المؤلف هنا إلى عدم وجوب صلاة الجماعة ، والصحيح خلافه . وقد تقدم بسط ذلك برقم ( 50 ) .(1/86)
مما يُعَدُّ هذا صرفاً للمالِ في غير محَلِّه مع الحاجةِ الشديدةِ له في أشياءٍ أخرى كثيرةٍ ، فيجبُ عندَ الوصيةِ استشارةُ عالمٍ حكيمٍ ليشيرَ بما ينفَعُ ، وللأسفِ بعضُهم يُنصَحُ ولا يستجيبُ ، وذلك لأنَّ أكثرَهم يُريدُ السمعةَ والرياءَ والعياذُ بالله .
21- غرسُ الأشجارِ في المسجدِ :
مما يُشغِلُ ما أُعِدَّ للصلاِة ونحوِها . وينبغي إزالتُها لأنَّ وجودَها ظُلمٌ ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليسَ لعِرْقٍ ظالمٍ حقٌ "(1) فإن لم تُقْلَعْ استفادَ بثمرِها المساكينُ ونحوُهم .
22- إِمْلالُ الناسِ بطولِ القراءةِ وغيرِها :
سواءٌ في الصلاةِ أو خارجِها ، بقرآنٍ أو بدرسِ أو نحوِه ، وسواءٌ للقارئِ والمستمعِ ، فإن هذا منَفِّرٌ . والأَوْلى أداءُ العبادةِ بنشاطٍ وحضورِ للقلبِ . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمن أطالَ في القراءةِ في الصلاة : " إن منكم مُنَفِّرِينَ "(2) ، وقال : " يسِّروا ولا تُعَسّروا ، وبَشّروا ولا تُنَفّروا "(3) . وإن من أعظمِ المنكراتِ ما يفعلُه البعضُ من جعلِ القراءِ في المأتَمِ يقرءون القرآنَ ثلاثَ ليالٍ إلى مطلَعِ الفجرِ ، مما يضرُّ بالقراءِ وأهلِ الميت وأصدقائِه ، ويجعلهم يقَعُون في كبيرةٍ من أعظمِ الكبائرِ ، مثلُ كراهيةِ سماعِ كلامِ الله . والبعضُ يُحيِي ليلةَ الدَّفنِ في المقابرِ إلى الفجرِ ، كذلك مما فيه من الضررِ البالغِ . وكلُّ ذلكَ بدعةٌ منكرةٌ وضياعٌ للأموالِ فيما لا ينفعُ .
23- تفريقُ أجزاءِ القرآنِ والقارئُ يقرأُ :
__________
(1) أخرجه أبو داود والبيهقي والترمذي ، وله طرق كثيرة عندهم وعند غيرهم ( صحيح ( ن ) ) .
(2) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم .
(3) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم .(1/87)
وذلكَ بعد العشاءِ لمدةِ ثلاثِ ليالٍ في العزاءِ ، مما يجعلُ بعضُهم يُشَوِّشُ على بعضٍ . وأصلُ هذه البدعةِ أن الناسَ كانوا يجتمعونَ للعزاءِ في مسجِدِ المحَلَّةِ الكبيرِ ثلاثةَ أيامٍ من بعدِ الفجرِ حتى طلوعِ الشمسِ ، مما يُحرِجُ من أتى بعد الجماعةِ الأولى ، ثم تُرِكَتْ فحلَّ محلَّها تلكُمُ البدعةُ التي تُرِكَتْ أيضاً في معظمِ المساجدِ بإحضارِ قارئٍ يقرأُ وبعضُهم يُهَلِّلُ أو يُنشِدُ بعدَ قراءتِه والبعضُ يختِم ذلك بالدعاءِ .
24- غَضَبُ الملازِمينَ لوراءِ الإمامِ على مَنْ يُزاحِمُهُم :
وخصوصاً إن كان من غيرِ ذوي الوجاهةِ ويضيقونَ عليهم ما يبدو أنه فرجةٌ يمكنُ الدخولُ فيها ، فإن دَخَلَ أحدُهم واحتيج أن يفسَحُوا له بعضَ الشيءِ ربما رَجَعَ أحدُهم إلى الصفِّ الثاني حَنَقاً أو يُحَوْقِلُ ويُخاصِمُ همساً ، وربما جلسَ يُزَوِّرُ في نفسه أثناءَ صلاتِه ما يَقْرَعُه به بعدَ الصلاةِ ، وبعضُهم إذا رأى أحداً أخذ مكانه نظرَ إليه مُتَغَيِّظاً وقال : يا أخي نحن لسنا أولادَ البارحة ، نحنُ من أربعينَ سنةً نُصلّي في هذا المكانِ فأينَ الذوقُ ؟ مما يُوقِعُه في الرياءِ والعُجْبِ .
25- إزدحامُ المتَفَرِّجينَ على مَحْمَلِ الحجِّ في المسجِدِ :
وإختلاطُ الرجالِ بالنساءِ ، وإلقاءُ الفضلاتِ والطعامِ والفاكهةِ من الفجرِ حتى خروجِ المحملِ ، وتوديعُه . والذي يُلجِئُهم إلى المساجدِ التي على الطريقِ الزحامُ الشديدُ على الجانبينِ من المتفرِّجينَ . فينبغي غلقُ هذه المساجدِ من بعدِ الشمسِ حتى انفضاضِ الجَمْعِ . وقد حرَّمَ البعضُ النظرَ إلى ذلك المحملِ لكونِه كالإقرارِ عليه ، ولا يخفى أن التحريمَ في المسائلِ المشكِلَةِ يكون بالنظرِ إلى مفاسدِها وثمرتِها فمتى رجَحَتْ المفاسدُ كان التحريمُ .
26- بسطُ بعضِ المصلّينَ سجّادَتَه فوقَ سجاداتِ المسجِدِ :(1/88)
إما وسوَسةٌ لشكِّه في طهارةِ أرضِ المسجدِ ، أو لأنه من شعائرِ الدينِ عندَهم . مما يُوقعهم في الرياءِ وفي مخالفةِ ما عليه عملُ الأمةِ في اعتقادِ طهارةِ المسجدِ الحرامِ وغيرِه مما تطؤُه الأقدامُ ويقع عليه ذرقُ الطيورِ ، وكذلك فهم يبتدعونَ بدعةً فوقَ بدعةٍ ، لأن تحري الصلاة على سجادةٍ لم يكنْ من هديِ السلفِ بل كانوا يًصلّون على الأرض في شدةِ الحرِّ ، يبسُطُ أحدُهم ثوبَه فيسجدُ عليه(1) . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الخُمرَةِ(2) . وأهل العلمِ على جوازِ الصلاة على المفارِشِ ونحوها .
27- تحجيرُ بعضِ السقاياتِ المسبَّلة بالحديدِ :
بحجةِ أن بعضَ الناسِ يغسِلُون آنيتَهم وأيديَهم القذرةَ فيها مما يلوثُها . فوقعوا في حِرمانِ المتوضئينَ من الوضوءِ منها ، ومنعوا الدوابَ التي ربما كانت الأصلَ في إنشاءِ هذه السقايات من الشربِ ، وغيّروا صفةَ الوقفِ بغيرِ حقٍّ وتعرَّضوا للوعيدِ الذي في حديثِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثةٌ لا ينظُرُ الله إليهم يومَ القيامةِ ولا يُزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ : رجلٌ كان له فضلُ ماءٍ بالطريقِ فمنعه من ابنِ السبيل ...الحديث " وروى ابن ماجة عن أبي هريرة مرفوعاً " ثلاثةٌ لا يُمنَعْنَ : الماءُ والكلأُ والنارُ " ، قال ابنُ حَجَرَ : إسنادُه صحيحٌ(3) وغيرِ ذلك من الأضرارِ ، فالواجبُ إزالةُ هذه الشبابيكَ ، ويلحقُ بذلكَ من يَقلَعُ الأحجارَ المستويةَ على حافةِ البحيراتِ التي يمكن من الوقوفِ عليها مغترفٌ أو متوضئٌ واستبدالهُا بأحجارٍِ مسنَّمَةٍ .
__________
(1) أخرجه أحمد والشيخان وأصحاب السنن .
(2) رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ميمونة .
(3) أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح ( ن ) ( إرواء الغليل 5/9 ) . وله شاهد بلفظ : " المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار " رواه أحمد وابو داود والبيهقي ( وهو صحيح ( ن ) الإرواء 5/7 ) .(1/89)
28- تغيُّرُ ماءِ البحيراتِ أيامَ انقطاعِ الماءش :
في أواخرِ الشتاءِ بسببِ قَطْعِ مياهِ الأنهارِ أسبوعاً اعتقاداً أنها تضرُّ الزرعَ ، مما يغيرُ رائحةَ الماءِ ويقذِّرُه لكثرةِ المتوضئينِ فيه ، وإرجاعِ غسالتِهم فيه ، والبصاقِ فيه وغيرِه مما تعافُه النفوسُ ويضرُّ بالصحةِ . والذي ينبغي تغويرُ هذه البحيراتِ أو أن يُجعَلَ لها غطاءٌ وأنابيبُ يستعمَلُ من خلالها الماءُ .
29- إجتماعُ الفقراءِ لتقبُّلِ صدقةِ إسقاطِ الصلاةِ في المساجِدِ :
وهي التي يفعلُها أهلُ الميتِ عنه اعتقاداً منهم أنها تُسقِطُ ما فَرَّطَ فيه من الصلواتِ أيامَ حياته قياساً على الصومِ ، مما يفضي إلى الضوضاءِ في المسجدِ والصياحِ والتخاصمِ ، ومما يؤذي أهلَ الميتِ بسبب بذاءةِ أولئكَ الفقراءِ ووقاحتِهم ، وفيهم من لا يستحقُ الصدقةَ مما قد يضطرُ أهلُ الميتِ إلى استئجارِ جنودٍ من الشُّرَطِ لدفعِ إيذائِهم(1)
30- قيامُ بعضِ المدرِّسين أو السامعينَ لبعضِ القادمينَ :
من أميرٍ أو نحوِه ، مما ينافي أدبَ الدرسِ ، ويشوشُ على الحاضرينَ ، ويقطعُ عليهم درسَهم ، بل الذي ينبغي الإفساحُ له والبشُّ له والإشارةُ إليه إشارةَ المحبِّ ، فإذا انتهى الدرسُ قامَ إليه وصافَحَه .
31- احترامُ أفنيةِ المساجِدِ :
__________
(1) هذا المال المدفوع مأخوذ من التركة بغير حق ، وهذا لا يجوز إن كان في مشروع ، كيف وهذا الأمر لا دليل عليه ، وهو ادعاء باطل وكذب محض ، فإن الصلاة التي تركها صاحبها لا يكفرها شيء سوى الندم والتوبة وتعويض النوافل . أما من مات تاركاً للصلاة فلن ينفعه ملء الرض ذهباً ولو افتدى به . وقياس ذلك على الصوم فاسد لأنه معارض للنصوص كما أنه لم يرد التكفير عمن فرط في الصوم فلا أدري ما وجه ذلك الهراء .(1/90)
وعدمُ إلقاءِ القماماتِ حولهَا ، أو إيقادِ نارٍ بقُربِها ، أو جمعِ الأتربةِ إلى جانبِها ، أو ربطِ الحميرِ إلى حديدِ شبابيكها ، وهذا مما يزعِجُ المصلِّينَ ويشَوِّشُ عليهم بصوتِه المنكَرِ .
32- التهليلةُ في المسجدِ لمن يتوفّى من عماله ثالثَ ليلةٍ بينَ العشائين :
ويتمُ ذلك باجتماعِ المُنشدِينَ فيه ، ورفعِ أصواتِهم مما يُنَفِّرُ المصلينَ ويشوشُ عليهم ، ظناً منهم أن هذا ينفعُ الميتَ . وأولى أن يَتَصَدَّقَ عنه ابنُه بدلاً من اجتماعهم وحولِهم المُردُ من الذين يتمايَلًُون ويرقصون ويمطِّطون لفظَ الجلالةِ ، وإطعامِ الأغنياءِ وإغلاقِ البابِ في وجهِ الفقراءِ . وقد ألَّفَ البعضُ في ذلك رسالةً ولكنه ركَّزَ على تحريمِ أخذِ الأجرةِ على تلاوةِ القرآنِ فقامَ ضدَّه كثيرٌ من المشايخِ لأن المسألةَ خلافيةٌ ، ولو رَكَّزَ على هذه المنكراتِ لكان أولى .
33- قراءةُ البخاريِّ لنازلَةِ الوَباءِ والحربِ وغيرِه :(1/91)
وهي من البدَعِ التي جرى عليها عملُ الناسِ وتوارثوها جيلاً عن جيلٍ من غيرِ أصلِ كتابٍ ولا سنةٍ ولا قولِ صاحبٍ ولا رأيِ مجتهدٍ ، فيوزعونَ أجزاءَ الصحيحِ على العلماءِ وطلابِ العلمِ ويختموه بنيةِ رفعِ الهيمنةِ عن الأمةِ . وقد قام بعضُ أهلِ العلمِ المخلصينَ إلى تنبيهِهِم لعدمِ شرعيةِ ذلك العملِ وطلبَ بيانَ الفرقِ بين البخاريِّ وغيره من كتبِ السنةِ في ذلك ، ولماذا يبوءُ هذا السلاحُ بالفشلِ مما يُسقِطُ الثقةَ في أهلِ العلمِ لدى العامةِ ، ومِن قائلٍ بأن هذا هروبٌ منهم من الأخذ بالأسبابِ ليُوهموا الناسَ أن عالمهم غيرُ عالمِهم ، ولهذا يصبِرون حتى يوشكَ أن يرتفعَ الوباءُ أو غيرُه ثم يأتونَ بسلاحِهم ليوهموا أنه السببُ ، وآخرُ يقولُ لو كانوا صادقينَ فليقرؤه لأنفسِهم ولكنهم إذا أصيبوا أسرعوا للأطباءِ والعقاقيرِ ، ومِنْ قائلٍ إن هذه العقيدةَ دسيسةٌ من الأعداءِ ليُفقِدوا الناسَ الثقةَ في السنةِ المطهرةِ بعدَ أن يوهِمَهم أنها تؤثِّرُ في ذلكَ ثم لا يلبثوا حتى يكشفوا كذبَ ذلك . والأولى أن يلتزموا بقوله تعالى : ? ??????????????? ????? ???? ??????????????? ???? ???????? ????? ????????? ?????????? ? (1) وأن يحاربوا الأوبئةَ والأسقامَ بالتدواي والوقايةِ ، وأن يعلموا أن الاجتماعَ للدعاءِ برفعِ الوباءِ بدعةٌ ولم يكن في عهدِ أحدٍ من السلفِ ، ولكنَّ تقليدَهم لمشايخِهم أعماهم عن الحقِّ والبحثِ عن دليلِ ذلك العملِ .
34- تفريطُ الناسِ في مساجدَ أُقيمَتْ على أبدَعِ ما يكونُ فغَدَتْ متَصَدِّعَةً وعلى وَشَكِ الانهيارِ وصارتْ المأوى للحشراتِ :
مع أن ريعَ وقفها يكفي لإعادةِ بنائها على أحسنِ ما يمكنُ ما دفعَ بعضَ المصلحينَ لتقديمِ عريضةٍ للأوقافِ للنظرِ في ذلك لإحياءِ هذه المساجد مرةً أخرى .
35- خوضُ العامةِ في إصلاحِ قبلةِ بعض الجوامعِ :
__________
(1) الأنفال ( 60 ) .(1/92)
وهم لا يحيطونَ بذلك علماً ، فكلما أرادَ العلماءُ إصلاحَ قبلةِ بعضِ المساجدِ التي يَبِينُ انحرافُها الشديدُ بالاستعانَةِ بأهلِ الخبرةِ والاختصاصِ ، ثارتْ ثائرةُ العامةِ وأرادوا تجديدَ المسجدِ على الوضعِ القديمِ للقِبْلَةِ احتجاجاً بأن القدماءَ صَلّوا فيها ، حتى تجرَّؤوا على الصحابةِ وادَّعَوا أنهم أقَرّوا ذلكَ في بعضِ المساجدِ مما يدُلُّ على جهلٍ عقيمٍ عندَهُم .
الخاتمة
فروعٌ فقيهةٌ في أحكامِ المساجِدِ والأوقافِ لم تتقَدَّمْ :
1ـ يجبُ بناءُ المساجدِِ بحسبِ الحاجةِ فهو فرضُ كفاية .
2ـ يُستحَبُّ تنظيفُها وتطييبُها لما وردَ في ذلك(1) .
3ـ يُكرَهُ أن يُزخرَفَ بما يُلهي المصلي(2) ، وإن كان من مالِ الوقفِ حَرُمَ ، ولا بأسَ بتجْصيصه أو تبييضه .
4ـ يحرَّمُ فيه البيعُ والشراء ، ويُسَنُّ أن يقالَ لمن فعلَ ذلك : لا أربحَ اللهُ تجارَتَكَ(3) .
5ـ يمنَعُ السكرانُ من دخولِه .
6ـ لا بأسَ بالمناظرةِ فيه إن كانتْ للتوصُّلِ للحَقِّ .
__________
(1) وفي الحديث : " امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب " رواه أبو داود بإسناد صحيح 1/75 . وله طريق ىخر عند الترمذي 2/490 وأحمد 6/279 . وله شاهد عند احمد 5/17 وله طريق آخر عند أبي داود 1/75 .
(2) وفي الحديث : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلامها ، فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال : اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي " . رواه الشيخان .
(3) وفي الحديث : " نهى عن الشراء والبيع في المسجد " رواه أحمد وأصحاب السنن ، وهو صحيح . وسبق الإشارة إليه . وفي الحديث : " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك " رواه الترمذي والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ، وهو صحيح ( ن ) ( إرواء الغليل 5/134 ) .(1/93)
7ـ يباحُ فيه عقدُ النكاحِ ، والقضاءُ ، والحكمُ ، وإنشادُ الشعرِ المباحِ ، وتعليمُ العلمِ وغيرُ ذلك .
8ـ يباحُ ضربُ الخيمةِ للمريضِ فيه(1) ، وكذا إدخالُ البعيرِ فيه(2) .
9ـ يُكرهُ جعلُه طريقاً إلا لحاجةٍ .
10ـ يباحُ النومُ فيه والاستلقاءُ بشرطِ سترِ العورةِ(3) .
11ـ لا تُنشَدُ فيه ضالةٌ(4) ، ولا يُخرَجُ ترابُه للتَّبَرُّكِ به .
12ـ لا يُستعمَلُ ما وُقِفَ فيه لمصالحِ الناس من عُرسٍ ونحوِه .
13ـ من أكلَ فيه لا يُلَوِّثُ حُصَرَه وإلا وجبَ عليه تنظيفُه .
14ـ لا يُحفَر فيه بئرٌ إلا لمصلحةٍ ولم يحصُلْ به ضررٌ .
15ـ يحرُم الجماعُ فيه(5) ويحرُم تنجيسُه(6) .
16ـ يباح الوضوءُ فيه والغسلُ بلا ضرر .
17ـ يباحُ قتل البراغيثِ فيه والقمل .
__________
(1) وفي الحديث : " أصيب سعد يوم الخندق في أكحله ، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - له خيمةً في المسجد ليعوده من قريب " رواه البخاري 1/556 ( فتح الباري ) .
(2) وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف على البعير ، أخرجه البخاري تعليقاً 1/557 ( الفتح ) ووصله في كتاب الحج ، وتحته أذنه لأم سلمة أن تطوف وهي راكبة لأنها تشتكي .
(3) وكان ابن عمر ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في المسجد . ونام علي في المسجد لما غاضب فاطمة فأيقظه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له : قم أبا تراب قم ابا تراب . رواهما البخاري 1/535 ( الفتح ) .
(4) وفي الحديث : " من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لهذا " رواه مسلم 4/54 .
(5) قال تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ( البقرة : 187 ) ، والماكث فيه يعد معتكفاً .
(6) وفي الحديث : " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذارة ، إنما هي لذكر الله - عز وجل - والصلاة وقراءة القرآن " . متفق عليه .(1/94)
18ـ لا بأسَ بالاجتماعِ فيه لغير مكروهٍ أو معصيةٍ(1) .
19ـ يُكرَهُ سؤالُ الصدقةِ فيه .
20ـ يقدِّمُ رجلَه اليمنى في دخولِه المسجدَ(2) .
21ـ يستحَبُّ للجالسِ فيه استقبالُ القِبلةِ .
22ـ يباحُ اتخاذُ المحرابِ فيه .
23ـ لا بأسَ بضربِ الخِباءِ فيه واحتجارِ الحصيرِ لما ورد(3) .
24ـ من قامَ من موضِعِه لحاجةٍ ثم عادَ إليه فهو أحق به(4) ، وإنْ خَلَّفَ مفروشاً فليسَ لأحدٍ رفعُه .
25ـ من جعلَ سُفْلَ بيتِه مسجداً صحَّ وانتفَع بعلوه ، أو جعل عُلوَهُ مسجداً صحَّ وفيه خلاف .
26ـ يجوزُ الارتفاقُ بحريمِ المسجدِ أو الجامعِ إن لم يضرَّ المصلين .
27ـ إن وقفَ على بناءِ مسجدٍ لم يَجُزْ استخدامُ الوقفِ في مصالحه ، وإن نصَّ عليها جازَ .
28ـ ما يؤخَذُ من بيتِ المال ليس عِوَضاً بل رزقٌ للإعانةِ على الطاعةِ ، وكذلك المالُ الموقوفُ على أعمالِ البِرِّ ، فالمانعُ من أخذِ الأجرةِ على القرباتِ لا يمنَعُ من الأخذِ من ذلك .
29ـ مما لا يصحُّ أخذُ بعضِ الناسِ رواتبَ من بيتِ المالِ أضعافَ حاجاتهم ، أو نيابةَ بعضِ الأشخاصِ عنهم بأجرٍ أقل مما جُعِلَ لهم لمخالفته غرض الواقفين .
__________
(1) وفي الحديث : " كان لا يقوم من مصلاه الذس يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم " . رواه مسلم 5/171 .
(2) وفي الحديث : " كان يحب التيامن ما استطاع في شأنه كله " . رواه البخاري 1/523 .
(3) وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ حجرة من حصير يصلي فيها الليل في المسجد ، رواه البخاري 2/214 ( الفتح ) . وفي الحديث عن عائشة : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله " . رواه البخاري 4/275 ( الفتح ) .
(4) وفي الحديث : " من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " . رواه مسلم 4/161 .(1/95)
30ـ لا يصحُّ بيعُ الوقفِ ولا هبتُه ولو بخير منه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يباعُ أصلُها ، ولا تُوهَبُ ، ولا تورَّثُ "(1) إلا أن تتعطلَ منافعُه المقصودة منه ، للنهيِ عن إضاعةِ المال ، لأن الأصلَ في الوقفِ ما يُرجى من الانتفاعِ به لا عينُه . وأضافَ البعضُ إذا لم يكن لمسجدٍ مصلحة في محله أن يباعَ ويعمَّر بثمنه في محلةٍ تحتاج إليه .
31ـ يجوزُ نقلُ آلةِ المسجدِ الجائزِ بيعُه ، وكذا أنقاضُه إلى مثلِه إن احتاجَها ، وهو أولى من بيعِه . وكذا يقال في المدارسِ والربط وغيرها . وقال البعضُ بجوازِ عمارةِ وقفٍ من ريعٍ آخرَ على جهته .
32ـ يجوزُ تجديدُ بناءِ المسجدِ لمصلحةٍ ، لحديث " لولا أن قومَكِ حديثو عهدٍ بجاهليةٍ لأمَرْتُ باليبتِ فهُدِمَ فأدخلتُ فيه ما أُخرِجَ منه "(2) .
33ـ لا يجوزُ التغييرُ في الوقفِ لغيرِ مصلحةٍ .
34ـ يجوزُ نقضُ منارةِ المسجدِ وجعلُها في الحائطِ لتحصينه .
35ـ ما فَضَلَ عن حاجةِ المسجدِ يُنتفَعُ به في غيره .
36ـ يجوزُ رفعُ المسجدِ إذا أرادَ أهلُه ذلك ، والانتفاعُ بما تحتَه .
37ـ لو خربَ المسجدُ لا يعودُ لواقفِه عند البعضِ بل إلى بيتِ المالِ .
38ـ يجوزُ الأخذُ من الطريقِ العامِ للمسجدِ والعكسِ ، إذا لم يَحدُثْ ضررٌ عندَ البعض .
39ـ لو ضاقَ المسجدُ على الناسِ وبجانِبِه أرضٌ لرجلٍ أُخِذَتْ بالقيمةِ كُرْهاً ، وإن كانت وقفاً عليه أُخِذَ منها بإذن القاضي .
40ـ لا يجوزُ لقَيِّمِ المسجدِ أن يجعلَ شيئاً منه مستغَلاً للبعض .
41ـ يجوزُ تحويلُ بابِه إذا أرادَ أهلُه .
42ـ لو أوصى بثلثِ ماله لأعمالِ البر يجوزُ إسراجُ المسجدِ منه بما يكفيه .
43ـ لو أوصى لعمارةِ المسجدِ لا يُصرَفُ في التزيينِ ، ويضمَنُ من فعلَ ذلك ، ويُصرَفُ في المنارةِ .
__________
(1) رواه الشيخان وغيرهما ( ن ) .
(2) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ( السلسلة الصحيحة ، حديث : 43 ) .(1/96)
44ـ لو وُقِفَتْ أرضٌ على عمارةِ مسجدٍ وما زادَ فللفقراءِ ، ثم حدثَ أن المسجدَ لم يحتجْ لعمارةٍ ، حُبِسَ ما يمكن الحاجةُ إليه إذا لم تُغَلَّ الأرضُ من قابلٍ وصُرف الباقي .
45ـ يجوزُ اتخاذُ ظُلَّةٍ لبابِ المسجدِ من وقفه إذا احتيج إليها ، إذا لم تضرَّ أهلَ الطريقِ .
46ـ إذا وقف قنديلاً من ذهبٍ أو فضة كُسِرَ وصُرفَ في مصلحةِ المسجدِ ، ولا يُمَوَّهُ سقفٌ أو حائطٌ بذهبٍ أو فضةٍ لأنه سَرَفٌ وخيلاءُ ، ويكسرُ قلوبَ الفقراءِ .
خاتمة
تبينَ من هذا الكتابِ الجليلِ كيف حادَ كثيرٌ من الناسِ عن الجادةِ وجانبوا الصوابَ ووقعوا في الضلالِ والابتداعِ ، وتبينَ كيف صارَ حالُ كثيرٍ من الناس المشتغلينَ بالعلومِ الشرعيةِ ، أو بالمعنى الأصحِّ المنتسبينَ إلى الاشتغالِ بها ، ولكي يأمنَ المسلمُ كلَّ ما وردَ في هذا الكتابِ محذِّراً منه ، سواءٌ ما هو متفقٌ على التحذيرِ منه وما هو مختلفٌ فيه ، يجب عليه أن يعضَّ كلَّ العَضِّ بنواجِذِه على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحرصُ على عدمِ مخالفتِها بكلِّ ما استطاعَ من طرقٍ ليضمنَ أنه على الطريقِ ويخرجَ من المتاهاتِ ويبتعدَ عن المضِلاّتِ ، فلذلك أنتدبُ نفسي وإخواني وأدعو الله أن يوفقنا إلى إرضائه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تم التلخيصُ والتعليقُ عليه في الجمعة الموافق العاشر من المحرم سنة 1405 هـ .
محمد بن رزق بن الطرهوني
قائمةُ المصادرِ والمراجعِ
1ـ أحكامُ الجنائزِ وبدعُها ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي – مجلد واحد .
2ـ إرواءُ الغليلِ في تخريجِ منارِ السبيلِ ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي – 8 مجلدات .
3ـ الباعثُ على إنكارِ البدعِ والحوادثِ ، أبي شامة ، النهضة الحديثة بمكة – مجلد واحد .
4ـ البدايةُ والنهايةُ ، إسماعيلُ بنُ عمرَ بنِ كثيرِ ، مكتبة المعارف – 7 مجلدات .(1/97)
5ـ البدعُ والنهيُ عنها ، محمد بن وضاح ، الاعتدال بدمشق – مجلد واحد .
6ـ تاريخُ الأممِ والملوكِ ، محمدُ بنُ جرير ، دار المعارف - 10 مجلدات .
7ـ تاريخُ بغدادَ ، أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، دار الكتاب العربي – 14 مجلدا .
8ـ التاريخُ الكبيرُ ، محمد بن إسماعيل البخاري ، دار الكتب العلمية – 9 مجلدات .
9ـ تحذيرُ الساجدِ ، الألباني ، المكتب الإسلامي – مجلد واحد .
10ـ تفسيرُ القرآنِ العظيمِ ، إسماعيل بن عمر بن كثير ، مكتبة التراث الإسلامي – 4 مجلدات .
11ـ تقريبُ التهذيبِ ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، دار المعرفة – مجلدان .
12ـ تهذيبُ التهذيبِ ، أحمد بن حجر العسقلاني ، مجلس دائرة المعارف النظامية – 12 مجلدا .
13ـ جامعُ البيانِ ، ابن جرير الطبري ، مصطفى بابي الحلبي – 12 مجلدا .
14ـ الجرحُ والتعديلُ ، ابن أبي حاتم الرازي ، مجلس دائرة المعارف العثمانية – 9 مجلدات .
15ـ دلا ئلُ النبوةِ ، أبي بكر بن الحسين البيهقي ، دار الفكر – طبع منه مجلدين .
16ـ رياضُ الصالحينَ ، يحيى بن شرفِ النووي ، دار إحياء التراث – مجلد واحد .
17 ـ سبلُ السلام ، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ، دار إحياء التراث – مجلدان .
18ـ السلسلةُ الصحيحةُ ، الألباني ، المكتب الإسلامي ، الدار السلفية – 3 مجلدات ، الرابع .
19ـ سننُ الترمذي ، محمد بن عيسى الترمذي ، مصطفى بابي الحلبي – 4 مجلدات .
20ـ سنن الدارمي ، عبد الله بن عبد الرحمن ، دار الكتب العلمية – مجلدان .
21ـ سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعثَ السجستاني ، دار الكتاب العربي – مجلد واحد .
22ـ السننُ الكبرى ، أبي بكر بن حسين البيهقي ، دار الفكر – 10 مجلدات .
23ـ سنن ابن ماجه ، محمد بن يزيد القزيوني ، بابي الحلبي وأولاده – مجلدان .
24ـ سنن النسائي ، أحمد بن شعيب ، دار الفكر – 4 مجلدات .(1/98)
25ـ السنةُ ومعه ظلالُ الجنة ، ابن أبي عاصم ، الألباني ، المكتب الإسلامي – مجلدان .
26ـ سيرُ أعلامِ النبلاء ، شمس الدين الذهبي ، مؤسسة الرسالة – صدر منه 17 مجلدا .
27ـ السيرةُ النبوية ، عبد الملك بن هشام ، مكتبة تراث الإسلام – مجلدان .
28ـ صحيحُ الترغيب والترهيب ، المنذري ، الألباني ، المكتب الإسلامي – صدر منه مجلدٌ واحد .
29ـ صحيحُ الجامعِ الصغير ، السيوطي ، الألباني ، المكتب الإسلامي – 3 مجلدات .
30ـ صحيح مسلم وشرحه ، مسلم بن الحجاج ، النووي ، المطبعة المصرية – 6 مجلدات .
31ـ صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الألباني ، المكتب الإسلامي – مجلد واحد .
32ـ الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد بن منيع ، دار صادر ببيروت –9 مجلدات .
33ـ العقيدة الطحاوية ، أحمد بن محمد الطحاوي ، مكتب الدعوة الإسلامية – مجلد واحد .
34ـ فتح الباري شرح البخاري ، أحمد بن حجر ، البخاري ، مكتبة الرياض الحديثة – 13 مجلد .
35ـ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، محمد بن عبد الوهاب ، عبد الرحمن آل الشيخ ، الباز ، مكة – مجلد واحد .
36ـ المحلى ، علي بن أحمد بن حزم ، مكتبة الجمهورية العربية – 13 مجلد .
37ـ المستدرك ، الحاكم النيسابوري ، دار الكتاب العربي – 4 مجلدات .
38ـ المسند ، أحمد بن حنبل ، دار الفكر – 6 مجلدات .
39ـ مشكاةُ المصابيح ، الخطيب التبريزي ، الألباني ، المكتب الإسلامي – 3 مجلدات .
40ـ المصنف ، عبد الله بن أبي شيبة ، المطبعة العزيزية حيدر آباد صدر منه 5 مجلدات .
41ـ المصنف ، عبد الرزاق بن همام ، المكتب الإسلامي – 11 مجلد .
42ـ المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد الطبراني ، وزارة الأوقاف العراقية – 25 مجلدا فيها خرم .
43ـ المعجم الكبير القرآن ، محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي – مجلد واحد .
44ـ نيل الأوطار شرح المنتقى ، الشوكاني ، تقي الدين بن تيمية ، دار الجيل – 4 مجلدات .
الفهرس(1/99)
الموضوع ... الصفحة
( بين يدي الكتاب ...
( مقدمات ...
1ـ الميزان الذي يعرف به الاستقامة من الزيغ ...
2ـ الترهيب من البدع ...
3ـ معنى البدعة ...
4ـ أقسام البدعة ...
5ـ رد البدعة في الدين ...
6ـ بغض المبتدع ...
7ـ وعيد من سن سنة سيئة ...
8ـ إنكار المنكرات المحظورة والمكروهة ...
9ـ مفاسد الإقرار على البدع ...
10ـ ما يجب على العالم فيما يرد عليه ليأمن الابتداع ...
11ـ اجتناب العالم لما قد يلبس على العامة ...
12ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
13ـ من هو المستطيع لإزال البدع في المساجد ...
14ـ لزوم الصبر والتواصي به للداعي إلى الحق ...
15ـ نقم المتعصبين على منكر البدع بغيا وجهلا ...
16ـ انتشار البدع بسبب مخالطة أهلها
17ـ ما يجب على العالم إذا خالط العامة
18ـ السعي بإزالة البدع من لمساجد
19ـ حكم المسجد في أرض مغصوبة أو مال مغصوب
20ـ إيثار المسجد الذي تقل فيه البدع
21ـ الباب الأول بدع الصلاة في المساجد
( الفصل الأول بدع صلاة الجمعة
1ـ المحدثات في الخطبة
2ـ صلاة الظهر جماعة بعد الجمعة
3ـ خروج الجمعة عن موضوعها بكثرة تعددها
4ـ انتظار الأربعين في القرى
5ـ أداء الجمعة في حجرة ورفض الصفوف
6ـ أدب الخطب والخطباء
7ـ دعاء المؤذن بين الخطبتين
8ـ الأحاديث المروية على المنابر في فضل رجب
9ـ التمسح بالخطيب إذا نزل
( الفصل الثاني بدع محدثة في الصلاة
1ـ الجهر بالنية قبل تكبيرة الإحرام
2ـ التنفل إذا أقيمت الصلاة
3ـ إساءة الصلاة وإنكار ذلك
4ـ ترك الجماعة الأولى وانتظار الثانية
5ـ الافتئات على الإمام الراتب
6ـ صلاة جماعتين فأكثر في محل واحد
7ـ السجود بعد الصلاة بلا سبب مشروع
8ـ التأخر عن الصفوف في الرفوف
9ـ المسيئون صلاة التراويح
10ـ انفراد المصلين للوتر إذا خالف الإمام مذهبهم
( الفصل الثالث آداب الإمام والقدوة
1ـ تحية المسجد لكل داخل إلا في صور
2ـ حظر إقامة من سبق إلى مكان في المسجد إلا في صور(1/100)
3ـ نهي حظر المرور بين يدي المصلي إلا في صور
4ـ نهي ذي الريح الخبيثة عن دخول المسجد
( الباب الثاني البدع المادية
1ـ زخرفة المسجد
2ـ كثرة المساجد في المحلة الواحدة وفضل العتيق
3ـ زيادة تنوير المساجد في أول جمعة من رجب
4ـ زيادة تنوير المساجد ليلة النصف من شعبان
5ـ زيادة التنوير في رمضان
6ـ إبقاء المصابيح متقدة إلى الضحوة يوم العيد
7ـ المقصورات والدرابزين في المساجد
8ـ كرسي القارئ وتشويشه والتأكل بالقرىءة
( الباب الثالث الأدعية والأذكار والقصص في المساجد
( الفصل الأول
1ـ السماع في المسجد وضرب الدف والرقص
2ـ المغيرون للفظ الجلالة
3ـ رفع الصوت بذكر وغيره
4ـ وقت السحر وما ينتقد على قارئ ورده في المسجد
5ـ بدع الاحتفال بقراءة المولد النبوي
6ـ التحلق لحديث الدنيا في المسجد
7ـ كتابة آيات السلام ليلة آخر أربعاء من صفر
8ـ القصاص في المساجد الذين يأتون بالبدع والأباطيل
( الفصل الثاني في القراءة والقراء
1ـ اللغط وقت القراءة
2ـ التشويش بالقراءة على الناس
3ـ التشويش على القراء في المسجد
4ـ الإعراض عن مجالس العلم بالمسجد
5ـ الإعراض عن سماع خطبة العيد
6ـ الانشغال بنوافل العبادات وترك العلم
7ـ المسرعون بقراءة القرآن
8ـ اللاحنون في القرآن في المسجد
9ـ دعاء ليلتي أول السنة وآخرها
( الفصل الثالث في المؤذنين
1ـ الآداب في الأذان والإقامة
2ـ فروع في الأذان
3ـ الأذان داخل المسجد في المغرب والعشاء مع الأذان في المنائر
4ـ الزيادة على الأذان المشروع وبدعة التنعيم
5ـ إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر تحوطا
6ـ الموقوتون في بعض المساجد
7ـ إقامة من يؤذن
8ـ زيادة لفظ سيدنا في الأذان والإقامة
9ـ الزعق بالتأمين والدعاء عقب الصلوات
10ـ الإنشاد قبل الخطبة بالمدائح
11ـ تبليغ المؤذنين
12ـ التبليغ بأنغام معينة
13ـ حكم التبليغ عند عدم الحاجة
14ـ جهر المؤذنين بالأناشيد
15ـ إنشاد الغزليات في المنارات
16ـ نشيد وداع ررمضان(1/101)
17ـ الاحتجاج بوجودد البدع في المسجد الأموي وسكوت الأقدمين عليه
( الباب الرابع في الدروس الخاصة وزالعامة
1ـ تعصب بعض المدرسين
2ـ التساهل في الدروس العاممة
3ـ توسيد التدريس إلى غير أهله
( الباب الخامس
( الفصل الأول ما يفعله للمميت في المسجد وغيره
1ـ نعي الميت في المآذن والنداء للصلاة عليه
2ـ الإنشاد أمام الميت في المسجد وغيره
3ـ رثاء الميت في المسجد وقراءة نسبه وحسبه
4ـ تأخير الميت في المسجد
5ـ الجلوس للتعزية في المسجد أو غيره
6ـ دفن الميت في المسجد أو بناء المسجد أو غيره
7ـ نعي الحسين في جمعة عاشوراء على المنبر
( الفصل الثاني أمور ينبغغي التنبه لها
1ـ ما يمكن أن ينويه الماكث في المسجد من نيات حسنة
2ـ الانقطاع في المسجد بحجة حفظ النفس
3ـ القانعون بسكن المسجد عن الكسب
4ـ المعتزلون في المسجد وغيرها وآفات ذلك
5ـ البصراء والفقراء والمتعففون الذين يألفون المساجد
6ـ اتخاذ الجوامع خانقاهات (تكايا)
7ـ اتخاذ الماجد مكاتب
8ـ التماوت في المسجد
9ـ جهل بعض الأئمة في القرى
10ـ تقصير أكابر بعض القرى في عماارة مساجدهم
11ـ تنطع من يدخل حافيا وهو يعمر
12ـ ظن الأفضلية في مسجد غير الثلاثة
13ـ الحافظون لنعال الناس في المسجد
14ـ إيواء القطط في المسجد
15ـ إيواء المجاذيب في المسجد
16ـ دخول الصبيان في المسجد
17ـ منع الأدوية والأطعممة والتعويذات
18ـ استيطان مموضع معين من المسجد
19ـ واجبات ننظار المسجد
20ـ الاجتماع في المسجد للدعاء برفع الطاعون
( الباب السادس للمشروع والمبتدع في المساجد الثلاثة
1ـ بيت المقدس
2ـ مسجد الخليلل
3ـ في مزارات المدينة
4ـ في مزارات مكة
5ـ الموازنة بين مذهب عمر وغيره
6ـ زيارة النساء للمقامات
7ـ النذر للمسااجد
8ـ الموسوسون في الطهاررة
9ـ مشي المشبرئين في جوانب المسجد
10ـ اغتسال الرعاع في بركة الممسجد
11ـ البزاق في المساجد
12ـ وضع ستائر في نواحي الممسجد(1/102)
13ـ التمسح بالأعلام والحيطان
14ـ لجوء اليتامى والبؤساء للمسجد
15ـ إقامة الدجالين في المساجد
16ـ خروج المحافل من المساجد
17ـ ترك وعظ النساء في المسجد
18ـ الصد عنن تدفئة المسجد في الشتاء
19ـ تهاون بعض خدمة المسجد
20ـ الرغبة عن إيقاد زيت الغاز إلىى الزيت البلدي
21ـ استنكار أمامة حاسر الرأس
22ـ واجب البواب وضرر غلق أبواب المدرسة أو المسجد
23ـ تخلف الكثير عن الجماعات
24ـ احتكار الكتب الموقوفة في بعض المساجد
25ـ الإيصاء بالمصاحف والسجادات
26ـ غرس الأشجار في المسجد
27ـ إملال الناس بطول القراءة وغيرها
28ـ تفريق أجزاء القرآن والقارئ يقرأ
29ـ غضب الملازمين لوراء الإمام على من يزاحمهم
30ـ ازدحام المتفرجين على محمل الحج في المسجد
31ـ بسط بعض المصلين سجادته فوق سجادات المسجد
32ـ تحجير بعض السقايات المسبلة بالحديد
33ـ تغيير ماء البحيرات أيام انقطاع الماء
34ـ اجتماع الفقراء لتقبل صدقة إسقاط الصلاة في المسجد
35ـ قيام بعض المدرسين لبعض القادمين
36ـ احترام أفنية المساجد
37ـ التهليلة في المسجد لمن يتوفى من عماله ثالث ليلة بعد العشاءين
38ـ قراءة البخاري لنازلة الوباء والحرب
39ـ تفريط الناس في مساجد أقيمت على أبدع ما يكون
40ـ خوض العامة في إصلاح قبلة بعض الجوامع
( الخاتمة فروع فقهية
( الخاتمة للملخص
( قائمة المصادر والمراجع
( الفهرست(1/103)