تنبيه الخاصّة والعامّة إلى حكم تولّي المرأة الولايات العامّة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، أشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين ، وأشهد أن محمدا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه عبده ورسله إمام المتقين ، المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد :
فقد تساوق مع التغيرات السياسية التي طرأت بعد حرب الخليج الثانية ، حماس مفاجئ للدعوة إلى إقحام المرأة الكويتية في الصراع السياسي ، وذلك بالسماح لها بالترشيح والانتخاب لمجلس الأمة .
ومن المعلوم أن إقحام المرأة الكويتية في هذه الساحة ، سيؤدي لا محالة إلى الزج بالحالة العامة للمرأة في الصراع السياسي ، بكل تعقيداته وصراعه الحزبي والقبلي والطائفي والشخصي ، والتجاذب السياسي بين الحكومة والمعارضة من جهة وبين التيارات وبعضها من جهة أخرى .
وسوف يلقي ذلك كله بظلاله على كل ما يتعلق بمسؤولية المرأة في الأسرة الكويتية التي تعاني اليوم من مظاهر التفكك وارتفاع نسبة الطلاق ، وسيؤدي ذلك على المدى البعيد إلى فساد كبير في النظام الاجتماعي الكويتي .
ومن هنا فإن عرض قضية منح المرأة حق الترشيح والانتخاب للمجلس النيابي ، على أنها مسألة خلافية في الشريعة الإسلامية ، عرضا مقطوعا عن الواقع الذي سيفرض نفسه بلا ريب ، وما سينسحب معه من مخالفات ومشكلات حظرتها الشريعة بصورة قطعية ، ضرب من السطحية في التفكير ، ينبغي أن يسمو عنها نظر المفتي الشرعي .
وهذه الرسالة المختصرة تتضمن الأدلة الشرعية على أن منح المرأة حق الترشيح والانتخاب كمادلت عليه النصوص بوضوح وحسم ، وعلى ضوء ما سيكون عليه الواقع الكويتي ـ لا كما يتخيله بعض المفتين بالجواز في مخيلتهم حيث يفرضون واقعا إسلاميا منضبطا بأحكام الشريعة تتنزل عليه هذه المسألة ـ هو أمر مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية ، ومقتض لحصول كثير من المضار الاجتماعية المحققة .(1/1)
والله سبحانه أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، ويتقبلها منا إنه هو السميع العليم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، والحمد لله رب العالمين.
حامد بن عبدالله العلي
ربيع الأول من عام 1422هـ
أولا
الدليل الإجمالي على منع المرأة من تولي الولايات العامة في الشريعة
وحاصل هذا الدليل أن منح المرأة حق الترشيح والانتخاب ، ليست قضية فقهية فرعية ، عرضت على مجتمع يتمتع بصحة اجتماعية وفق تعاليم الإسلام ، ويعيش حالة استقرار في المفاهيم الإسلامية ، وفي أمن تام من غزو ثقافي ، بل هي جزئية مرتبطة بالصراع الدائر بين ثقافة غربية قائمة على منهج علماني ، لاديني له نظرته الخاصة عن المرأة والمجتمع بصورة عامة ، وهو يختلف جذريا عن المنهج الإسلامي ، ويحاول اقتحام المجتمعات العربية والخليجية بفرض مفاهيمه الخاصة بشتى الطرق ، بين هذه الثقافة الغربية بنظامها الاجتماعي ، والنظام الاجتماعي في الإسلام بنظرته المتميزة ذات المصدر الرباني للمرأة ومكانتها في المجتمع ، ولقيم الأسرة المسلمة .
ويستغل مؤيدو النظام العلماني والمؤمنون به في الكويت والخليج والوطن العربي والإسلامي ، قانون منح المرأة حق الترشيح والانتخاب لتعزيز ذلك المنهج العلماني بصورة عامة ، وتحويله إلى واقع قانوني واجتماعي مفروض.
الفرق بين النظام الاجتماعي الإسلامي والغربي العلماني :
ونقطة الخلاف الرئيسة بين النظامين ، والتي يمكن من خلالها تفسير الخلاف بين جميع الصور الفرعية التي يخالف فيها النظام الاجتماعي الإسلامي ، النظام الاجتماعي الغربي هي :
أن النظام الاجتماعي الإسلامي يقوم على المحافظة على الفاصل الوظيفي في المجتمع بين المرأة والرجل ، ذلك الفاصل الذي يعتمد على أن حقيقة الاختلاف الفطري والتكويني بين الرجل والمرأة ، حقيقة علمية مستقرة غير قابلة للجدل .(1/2)
بينما يقول النظام الغربي على وهم المساواة المطلقة بينهما ، تلك المساواة المقتضية للخلط الوظيفي بينهما في المجتمع ، وقد أدت هذه النظرة إلى الغلو في فرض المساواة إلى درجة تصور إمكان إقامة الأسرة بين المرأتين والرجلين ، بل إلى تحوي هذا التصور إلى واقع قائم ومعترف به .
وقد أدى إيمان الغرب بهذا الوهم ـ وهم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ـ إلى أحداث تصور جديد ، حاصلة أن الجنس البشري ، لا ينقسم إلى ذكر وأنثى إلا باعتبار النسبية المجتمعية ، أي باعتبار الخيار الذي تفرضه ظروف المجتمع الذي يعيش فيه ، وإلا فإنه في الأصل شيء واحد بلا فرق له قيمة بين الذكر والأنثى ، وإنما يدفعه المجتمع المحيط به إلى الانحياز إلى الذكورة والأنوثة بالبقاء عليها .
وتقول هذه النظرية أن النظرة الاجتماعية الصحيحة هي أن نسمح للإنسان بتوجيه اختياره لنفسه ، بأن يبقى على جنسه أو يتحول إلى الجنس الآخر ، استفادة من تطور الطب الحديث ، وذلك بتوفير عمليات التحول الجنسي ،ووضع القوانين الكفيلة بحماية الشاذين جنسيا ، وقد طرحت هذه النظرية بقوة في مؤتمر بكين السابق عن المرأة والأسرة ، وفي مؤتمرات أمريكية أيضا.
كما أدت هذه النظرية الغربية إلى تكليف المرأة بما يكلف به الرجل ، وزجها في كل مجالاته ، فوقع عليها ظلم بين وسلبت منها جميع خصائصها وما أكرمها الله به .
هذا مع أن بعض رجال الفكر والقانون الغربي قد أيدوا النظام الإسلامي ، انطلاقا من نظرتهم إلى الحقائق الواقعية والطبيعة الفطرية ، مثل القانوني الفرنسي اسمان الذي قال ( إن المرأة أقل من الرجل من الناحية الجسمانية والعقلية وأن ثمة تقسيما للعمل ـ نتيجة لذلك ـ بين الرجل والمرأة ، فهي تختص بشئون المنزل ) القانون الدستوري الفرنسي والمقارن .أسمن ص37(1/3)
أما النظام الإسلامي ، فإنه قائم على أساس مناقض تماما للنظام الغربي العلماني ، وأساسه هو الفصل بين وظيفتي الرجل والمرأة ، بناء على اختلافهما في الفطرة والخلقة التكوينية ، ويتفرع على هذا الأساس الإسلامي أمران:
الأول : أن الرجل يتولى مهام قيادة المجتمع في النواحي الحيوية والاستراتيجية ، وكل الوظائف التي تحتاج إلى مميزاته من القوة والرأي والحزم والصلابة ، كالإمامة والحرب والقضاء وسائر الولايات العامة في المجتمع ، والمرأة تتولى حفظ مهد المجتمع ونواته ومصنع رجاله وهو الأسرة ، وكل ما يحتاج إلى مميزاتها من الحنان والعاطفة والسكن والمودة .
والناظر إلى روح الشريعة الإسلامية ، يجد أنها تتشوف إلى أي قانون اجتماعي يعزز هذا التقسيم الوظيفي ويشجع عليه ، والعكس بالنسبة إلى أي قانون يضعف هذا التقسيم ، وذلك بغية تحصيل مجتمع قوي ، متماسك البنيان ، يتمتع بصحة اجتماعية .
الثاني : أن المرأة إذا احتاجت إلى العمل في خارج نطاقها ، فإن الشريعة المطهرة لم تمنعها من ذلك ، لكن أمرتها أن تستصحب آدابا ، هي زينة لها وجمالا ،وليس قيودا ثقالا ، وقد شرعت هذه الآداب للحفاظ على المرأة نفسها ، وعلى المجتمع من مخاطر مجاوزة الفاصل الذي شرعه الله بينها وبين الرجل .
وهي آداب تضفي عليها وقار الإيمان ، وجمال الحشمة ، في ثيابها ، ومشيها ، وخطابها وعلاقتها بالرجل ، فيكون خطابها بلا خضوع في القول ، ولبساها بلا تبرج وفتنة ، والمقصود أنها تحافظ على مسافة أدبية أخلاقية بينها وبين الرجال الأجانب .
ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة ، بأمر المرأة بالحجاب ، ليحصل لها بذلك الإكرام ، كما قال تعالى ( يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلايؤذين ) سورة الأحزاب آية 59(1/4)
وأحاطتها بما يطهرها من أفضل الأحكام كما قال تعالى : ( وإذا سألمتوهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) سورة الأحزاب آية 53
من تلك الأحكام أيضا نهي المرأة عن تعمد استدعاء سمع الرجال بزينتها الخفية كما قال تعالى ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) سورة النور آية 31، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تعطر المرأة ومرورها أمام الرجال ، حتى وصفها أنها زانية ، وحرمت الشريعة أن تخلو المرأة بالرجل الأجنبي عنها ، وأن تسافر من غير محرم .
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن العلة الغائية لتأديب المرأة المسلمة ، بهذه الآداب الجليلة هي : وقاية المجتمع من الرجس الذي يقتضيه تبني النظرة الغربية العلمانية القائمة على وهم المساواة بين الرجل والمرأة .
ذلك الوهم الذي ترتب عليه خلط المرأة بالرجل في كل ميادين الحياة بلا ضوابط البتة .
وقد بين القرآن ذلك بقول الله تعالى : ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (32) وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) 33 سورة الأحزاب
فقوله تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) بعد الأمر بآداب الحشمة ، يقصد به درء النجاسة المعنوية المترتبة على العلاقة الفوضوية بين الرجال والنساء في أي مجتمع ، تلك النجاسة المتمثلة في الأمراض الاجتماعية ، وانتشار الزنى واختلاط الأنساب ، وما يتبع ذلك من انحرافات أخلاقية كثيرة .
خلاصة الدليل الإجمالي :(1/5)
والمقصود أن حاصل هذا الدليل الإجمالي أن إقحام المرأة في المعترك السياسي تحت حجة منحها حق الترشيح والانتخاب ، يؤدي حتما إلى التبني الشمولي للنظام الاجتماعي الغربي العلماني في نظرته إلى المرأة ، وهذا وإن لم يكن ظاهرا على المدى القريب ، فإن عين البصيرة تقطع بحصوله على المدى البعيد .
وفي ذلك مناقضة للنظام الاجتماعي الإسلامي ، في تشريعاته المختصة بالمرأة ، وذلك بالنظر إلى ما يحدث في الواقع الملموس ، والحدث المحسوس ، من المخالفات الجزئية الكثيرة التي سيؤدي إليها حتما الزج بالمرأة في المعترك السياسي ، والتي إذا انضمت إلى بعضها مجتمعة أفضت إلى تحويل موقع المرأة في المجتمع من وظيفتها الفطرية الأصلية في الإسلام ، إلى منحى آخر يختلف تماما ، لا بالنظر المقطوع الساذج الذي ينظر إلى آحاد الأمثلة والقضايا المنفصلة .
ما يترتب على دخول المرأة المعترك الانتخابي :
ويصدق ما ذكرناه آنفا ، أن المرأة إذا دخلت هذا المعترك ، اقتضاها ذلك أن تخالط الرجال في المجالس العامة والخاصة ، وتتدخل في شئونهم الخاصة مما يتعلق بالانتخابات وحساب الأصوات وغير ذلك ، مما يضطرها إلى تكوين الأنصار وما يسمى المفاتيح الانتخابية ، والتنقل بين المجالس طلبا لحشد التأييد ، وتحتاج إلى نشر صورتها في الأماكن العامة ، ومخاطبة كل من يرغب ، ومجالسة كل من يطلب ، بحيث تكون أشبه بالمرفق العام الذي يرتاده الخاص والعام ، وينافسها الرجال فيطعنون فيها انتصارا للنفس ، ويبحثون عن ماضيها لنفس الغرض .
وقد ينالها ما ينال غيرها في هذه المعارك من تشويه السمعة ، والطعن الذي قد يمتد إلى شرفها ويتناول معها أسرتها ، فتضطر إلى الدفاع عن نفسها ، وتتعرض مع ذلك إلى ضغوط كثيرة في هذا الميدان الوعر.
وستضطر إلى أن تخلط الرجال بالنساء في مقرها الانتخابي ، وسيترتب على هذا كله ، مفاسد كثيرة جدا .(1/6)
وحتى لو قدر لها أن تصبح نائبة ، فما ستضطر إليه من الاعمال بعد دخولها المجلس النيابي ، أشد ضررا مما كان ، فإنها مضطرة أن تنتصب لناخبيها ، لتقضي حاجاتهم ، وتسعى في طلباتهم ، وتنتصر لظلاماتهم ، مما يحتاج الى الترفق في الطلب لذوي الرتب ، أو المناحرة والمجاهرة بالقول والخطب ، وكل ذلك بمحضر من الرجال ، وتسعى في ذلك الليل والنهار ، وتذر واجبها تجاه زوجها وأسرتها ،وتهمل ذلك كله إهمالا كليا أو جزئيا .
وكل من أوتى بصيرة في الدين ، يعلم أن الشريعة الإسلامية في واد ، وإقحام المرأة في هذا الميدان في واد آخر ، وأنه لالقاء بينهما البتة ، وإنما يحدث مثل هذا العبث في حياة المرأة عند غير المسلمين ، حيث لا يوجد لديهم مالدى المسلمين من الأحكام الشرعية التي تأدب المرأة بآداب الإسلام ، فلا يؤمنون برب ولادين .
وكأن هؤلاء الذين يجيزون للمرأة الدخول في المجالس النيابية ، وخوض المعارك الانتخابية ـ يفتحون من حيث لا يشعرون ـ بابا واسعا لحصول جميع ما تقدم ذكره من المخالفات الشرعية .
ذلك أنهم لا ينظرون إلى هذه المسألة كما ستقع في مجتمعنا ، وإنما بحسب ما تتخيله عقولهم ، وتفرضه أذهانهم مما لا يقع مثله في هذا الزمان ، وهو أن منح المرأة حق الترشيح والانتخاب للمجالس النيابية ، سيكون منضبطا بالضوابط الشرعية ، ويتوهمون أن واضع القانون قد سد ذرائع المنكرات التي قد يجلبها ذلك القانون ، والواقع الكويتي مخالف لهذا قطعا ، فبأي وجه ـ ليت شعري ـ تصح الفتوى بالجواز ، وأي مذهب أو نظر فقهي صحيح قائم على قواعد الشريعة وفقه روحها ، يمكنه فتح أبواب المحرمات بمثل هذه الفتوى ، ويكف يقال أن هذه مسألة اجتهادية وهذا هو واقعها ؟!
ثانيا
الأدلة التفصيلية على منع المرأة من تولي الولايات العامة
قبل أن نذكر الأدلة التفصيلية على أن الشريعة تمنع المرأة من الترشيح والانتخاب للمجلس النيابي لانه من الولايات العامة ، نذكر أولا :(1/7)
معنى الولاية العامة :
الولاية في القانون هي ( السلطة ، وحق إصدار الأوامر ) كما في المعجم الحقوقي الفرنسي ( كابيتان ) ومعنى كونها عامة أي متعلقة بشؤون المجتمع بوجه عام .
وهي في الشريعة ( السلطة في شأن من شئون الجماعة العامة كولاية سن القوانين والفصل في الخصومات وتنفيذ الأحكام ، والهيمنة على القائمين بذلك ) أي القيام بأعباء إحدى السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية .
ومنصب النائب في مجلس الأمة هو ولاية عامة بلا ريب ، لان النائب يملك سلطة سن القوانين الملزمة ، والرقابة على السلطة التنفيذية ، ويعطي حق استجواب الوزراء أو نزع الثقة منهم بحسب ضوابط قانونية ، ويمثل الامة في ذلك كله ، ويتظلم إليه الناس عامة في المجتمع ، وإذا لم يكن هذا كله ولاية عامة ، فما هي الولاية العامة إذن .
وقد دلت الأدلة الكثيرة على أن الشريعة الإسلامية تقصر هذا المنصب على الرجل دون المرأة ، ليس احتقارا لها ، ولا تهميشا لدورها في المجتمع ، بل مرعاة للاختلاف الفطري بين الرجل والمرأة ، وحفاظا على التقسيم الوظيفي لهما في المجتمع.
فمن هذه الأدلة :
الدليل الأوّل
قول الله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) سورة النساء آية 34
ودلالة الآية على أن القوامة ـ وهي الدرجة الأعلى التي تتضمن السلطة العامة في المجتمع ـ هي للرجال دون النساء ، دلالة واضحة لايمكن دفعها.
ولم يصب الذين حاولوا دفع الدلالة بعيدا عن هذا الحكم الصريح ، عندما زعموا أن الآية مخصوصة بشئون الأسرة فحسب .
أولا : لان ذلك تخصيص لابرهان عليه .(1/8)
ثانيا : لانه حتى لو فرض أن الآية دلت على منع المرأة من القوامة في شئون الأسرة ، فإنها تدل من باب أولى على منعها الولاية العامة في شئون المجتمع ، لان الشريعة الإلهية ، لايمكن أن تتناقض فتجعل القوامة للرجل على المرأة في حدود الأسرة وهي من الأمور الخاصة قليلة الشأن ، بينما تجعل لها القوامة على الرجال في ولاية عامة تتناول الأمور الجليلة عظيمة الشأن .
ثم إن الآية الكريمة قد نصت على أن العلة التي من أجلها جعلت القوامة للرجل على المرأة ، هي أن الرجل أعلى درجة منها ، كما قال تعالى : (بما فضل الله بعضهم على بعض ) ، أي بسبب فضل قد خلقه الله تعالى في الرجل ، علا به عن درجة المرأة ،استحق أن يكون هو صاحب الولاية والقوامة عليها ، وهذه العلة عامة ، ومعلوم أن العلة إذا كانت عامة ، فإن الحكم يتبعها أيضا ، فكيف يكون له القوامة عليها في شئون الأسرة لانه فضل عليها ، ثم تكون لها القوامة عليه في الولايات العامة ؟؟!!
الدليل الثاني
قوله تعالى ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) سورة النساء آية 32
وهذه الآية أوضح برهان على بطلان دعوة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، فقد نصت الآية على أن هناك فرقا بينهما ، وهذا الفرق جعل نصيب الرجل من الحقوق والواجبات ، يختلف عن نصيب المرأة في بعض الأحكام ، وإن كانا متساويين في أكثر الأحكام الشرعية .
ونهى الله تعالى في هذه الآية أن تتمنى المرأة ما اختص به الرجل من الأحكام بسبب فضله عليها ، كما دل على ذلك سبب النزول .
فقد روى الترمذي والحاكم وغيرهما عن أم سلمة قالت يا رسول الله : يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت الآية .
وفي هذا دلالة واضحة على أن فضل الرجل على المرأة يقتضي أن يكون له الولاية العامة دونها .
الدليل الثالث
قوله تعالى ( وللرجال عليهن درجة ) سورة البقرة آية 228(1/9)
وهذه الدرجة التي جعلها الله للرجال هي الفضل المذكور في قوله تعالى ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) ، وهذه الآية كسابقتها في وضوح البرهان على بطلان دعوى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، فقد جعل الله تعالى الرجال أعلى درجة من النساء .
الدليل الرابع
قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) رواه البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنه .
ومعنى ( ولو أمرهم ) جعلوا شيئا من أمر ولاياتهم العامة إلى المرأة ، ولن تفيد النفي المقتضي للتحريم ، والحكم بعدم الفلاح يقتضي المنع الشرعي قطعا.
الرد على من قال بتخصيص الحديث بسبب وروده فقط :
وأما قول من قال إن الحديث مقصور على سبب وروده ولا يتعداه ، وهو أن كسرى ملك الفرس لما مات تولت من بعده ابنته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ) ، فهو مردود عليه بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولولا هذه القاعدة المتفق عليها ، لبطل الاستدلال بأكثر الأحكام الشرعية التي وردت لاسباب اقتضتها ، لكنها جاءت بألفاظ عامة ، ولهذا اتفق علماء الشريعة على أن اللفظ إن كان عاما ، فإنه يستفاد منه تعميم الحكم ، ولا يقتصر فقط على سبب وروده .
ومما يدل على هذا : أن الصحابي الجليل أبي بكره رضي الله عنه ، راوي الحديث استدل به على منع نفسه من المسير مع جيش عائشة الذي توجه في مشروع الصلح بعد الخلاف الذي نشب بين المسلمين بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه .
قال أبو بكرة رضي الله عنه : ( عصمني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هلك كسرى قال : من استخلفوا ؟ قالوا : ابنته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) فلما قدمت عائشة ـ يعني البصرة في يوم الجمل ـ ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم ـ فعصمني الله به ) رواه الترمذي والنسائي وغيرهما .(1/10)
فهذا الصحابي الجليل لم يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم أن النص الخاص لا يتعدى سبب وروده ، بل استدل به استدلالا عاما كما يدل عليه عموم اللفظ ، وعلى هذا جرى العلماء من عصر الصحابة إلى يومنا هذا .
الرد على من قال : إن الحديث خاص بتولى رئاسة الدولة فقط دون سائر الولايات العامة
وأما من زعم أن الحديث مخصوص بمنع المرأة من تولى رئاسة الدولة ، فالجواب : إن لفظ الحديث عام يشمل الخلافة أو رئاسة الدولة ، ويشمل غيره ذلك من الولايات العامة ، وقصر الحديث على رئاسة الدولة فقط تحكم محض لادليل عليه .
ثم لو سألنا هؤلاء الذين يقصرون معنى الحديث على رئاسة الدولة ، ما هو السبب الذي من أجله منعت المرأة من تولى منصب رئاسة الدولة عندكم ، أليس هو أنها لاتستوى والرجل في كل شيء ، وأن الرجل أعلى درجة منها ، ولهذا فالرجل وحده ينفرد بهذا المنصب الخطير ، ثم يقال لهم : أليس هذا المعنى نفسه متحققا في سائر الولايات العامة .
ونقول لهم أيضا : إنكم متناقضون أشد التناقض عندما تمنعونها من رئاسة الدولة ، معللين ذلك بأن هذا المنصب لا يليق بالمرأة وينبغي أن يقتصر على الرجال ، لان المرأة عاطفية شديدة التقلب في مزاجها ، وقد ميزت بالرقة والحنان والعطف الذي قد يتعارض مع حاجة هذا المنصب للحزم والشدة أحيانا ، تتناقضون عندما تمنعونها من هذا المنصب لهذه الأسباب ، ثم تسمحون لها بغير ذلك من الولايات العامة مع أن فيها نفس المعنى !!
ونسألهم أيضا : ما المقصود برئاسة الدولة ، هل هي رئاسة الوزراء ، أم منصب رئيس الدولة ، وهل يجوز لها أن تكون رئيسة حزب سياسي ، وإذا نجح هذا الحزب بأغلبية وجعل إليه تكليف تشكيل الحكومة ، هل يجوز أن تصبح رئيسة الحزب هي رئيسة الحكومة التي شكلها حزب الأغلبية ، أم تستقيل حينئذ لأنها لم تعد تصلح لمنصب رئيس الوزراء ، وهل يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان ؟(1/11)
فإن قلتم لا يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان ، تناقضتم لانها إذا صارت نائبة في المجلس جاز لها أن تكون رئيسة له وفق القوانين واللوائح ، وأيضا فإن المعنى الذي من أجله منعتموها من رئاسة المجلس متحقق في كونها نائبة فيه ، وإن قلتم نعم يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان ، تناقضتم إذا منعتموها من رئاسة الوزراء ، فيقال لهم لماذا منعتموها من رئاسة الوزراء ، وأجزتم لها أن تكون رئيسة البرلمان ، وأن أجزتم لها أن تكون رئيسة للوزراء في حال تكون فيه ذات ولاية عامة مباشرة على كل شئون الأمة في نظام الدولة الحديث ، فلماذا منعتموها من أن تكون رئيسة للدولة ، وما الفرق بينهما ؟
ولاريب أنهم لن يجدوا بدا من الوقوع في التناقض ، فإما أن يجيزوا لها أن تكون ذات ولاية عامة حتى لو كانت رئيسة الدولة ، فيصادموا نص الحديث ويعطلوا مقتضاه بالكلية ، إما هذا أو يتحكمون بغير برهان ، فيجيزون لها تولي بعض الولايات العامة التي يكون فيها نفس المعنى الذي من أجله منعت من الرئاسة العامة ، ويمنعونها من بعض الولايات العامة الأخرى ، وفي هذا من التناقض البين ما يدل على بطلان قولهم قطعا.(1/12)
ونقول أيضا للمنتسبين إلى علم الشريعة الذين يخصصون دلالة حديث ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) بغير دليل ، ويقصرون التحريم على منصب رئاسة الدولة فقط ، نقول لهم : إن المطالبين اليوم بمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب ، إنما ينطلقون من مبدأ علماني لاديني ، مبني على المساواة بين الرجال والنساء في كل شيء ، في جميع الواجبات والحقوق بلا استثناء ، وسوف يطالبونكم يوما من الأيام بالتراجع أيضا عن تحريم منصب رئيس الدولة على النساء ، وسوف يسألونكم ما الفرق بين منحكم المرأة حق تولي رئاسة الوزراء ، أو رئاسة حزب سياسي ذي أغلبية ، أو رئاسة البرلمان ، ومنعكم إياها من رئاسة الدولة في نظام الدولة الحديث الذي يحدد مهام رئيس الدولة في اختصاصات معينة لا يتعداها ، وسوف تحارون جوابا وتغلبون ؟ فخير لكم أن تتمسكوا بظاهر النص وعمومه ، من أن تخصصوه بغير برهان سوى التحكم المحض .
الرد على من قال إن عائشة رضي الله عنها تولت الولاية العامة
وأما قول من قال : إن عائشة رضي الله عنها ، تولت الولاية العامة عندما قادت الجيش إلى العراق بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، وأن هذا يدل على جواز تولي المرأة الولاية العامة ، فهو مردود عليه بما يلي :
أولا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه في حياته ـ وهو من دلائل نبوته الكثيرة ـ ما سيقع من عائشة رضي الله عنها من وذلك المسير ، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن وقوع ذلك منها غير محمود ، فقال ( أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب ) ـ والحوأب : موضع ماء ـ رواه الإمام أحمد وغيره ، غير أنها رضي الله عنها ، لما تذكرت هذا الحديث وهمت بالرجوع ، أشير عليها بالمضي في مسيرها ، للإصلاح بين الناس ، فترجحت لديها هذه المصلحة اجتهادا منها ، وهي غير معصومة من الخطأ في الاجتهاد .(1/13)
ثانيا : بأن الصحابة رضي الله عنهم خالفوا عائشة رضي الله عنها في مسيرها ذاك ، كما ورد في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أبو بكره ومر آنفا ، وقد نهاها عن ذلك المسير عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، وأنكر عليها علي رضي الله عنه ، وأم سلمة رضي الله عنها ، وغيرهم من الصحابة ، وبينوا لها إن اجتهادها لم يوافق الحق.
ثالثا : بأن عائشة رضي الله عنها نفسها قد ندمت على فعلها ذاك ، وقد روى ابن سعد في الطبقات أنها كانت كلما ذكرت خروجها بكت حتى تبل خمارها .
رابعا : بأن وجود عائشة في الجيش كان أشبه بالثقل المعنوي الذي يقصد به التأثير على الناس ، لانها أم المؤمنين ، ولم تكن هي قائدة الجيش ، ولاذات ولاية عامة ، وإنما ذلك أمر ظنه أبو بكره رضي الله عنه ، ويدل على هذا أنها همت بالرجوع في أثناء الطريق نادمة على خروجها ، فقال الناس : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم ) رواه الإمام أحمد في المسند 6/52.
الرد على احتج بوقائع تاريخية تولت فيها المرأة الولاية العامة
أولا : شجرة الدر :
أما الاحتجاج بأن شجرة الدر ـ هي زوجة الملك الصالح أيوب من الملوك الأيوبية الذين حكموا مصر ، وقد تولت سلطنة مصر عام 648هـ بعد وفاة زوجها ـ قد تولت الولاية العامة في التاريخ الاسلامي ، فهو مردود عليه بما يلي :
1ـ أن هذه الحادثة تحكي واقعا ، وليس الواقع دليلا شرعيا ، فكم يقع في واقع المسلمين ما هو مخالف للشرع .
2ـ أن خليفة المسلمين العباسي أنكر على المصريين توليتهم شجرة الدر ، فاشار القضاة والأمراء إلى تولية أحد الأمراء السلطنة وأن يتزوجها ، لكنها اغتالته بعد الزواج منه ، فقبض عليها ابنه فقتلها وذلك سنة 656هـ.
وهذا يدل على أن علماء الشريعة لم يوافقوا على توليها الولاية العامة .
ثانيا : بقليس :
أما احتجاجهم بأن بلقيس تولت عرش اليمن وذكرها الله تعالى في القرآن ، ولم يعب ذلك عليها ، ولا على قومها .(1/14)
فهو مردود عليه بأن القرآن العظيم إنما حكى واقعا تاريخيا عن قوم في جاهلية مشركين يعبدون الشمس قبل أن يدخلوا في الإسلام ، وأي دليل في هذا على جواز تولي المرأة الولاية العامة في الشريعة الإسلامية ، ثم إنها لما دخلت الإسلام تركت الولاية وأسلمت مع سليمان عليه السلام ، وأسلمته ملك اليمن كله ، والدليل على ذلك أن سليمان عليه السلام قال ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لاقبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ) النمل 37، وهو دليل على أن سليمان عليه السلام إنما أراد أن تكون اليمن في ملكه الذي آتاه الله إياه ، فتم له ما أراد بلا حرب ، بأن أسلمت بلقيس ودخلت وجنودها في ملكه العظيم .
وعلى أية حال فإن شرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا جاء في شرعنا ما يخالفه ، باتفاق العلماء ، وقد دلت النصوص من القرآن والسنة على منع المرأة من الولايات العامة ، وذلك ناسخ لكل شريعة كانت قبل شريعتنا التامة.
الدليل الخامس
ومن الأدلة أيضا على منع المرأة من تولي الولايات العامة إجماع العلماء ، فقد أجمع علماء الأمة على ذلك ، وتوالت جميع العصور الإسلامية على منع المرأة من تولي الولايات العامة ، عملا بالنصوص الواردة في هذا الشأن ، وقد قال الإمام ابن قدامه الحنبلي في المغني ( ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى ، ولا لتولية البلدان ، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من خلفائه ، ولا من بعدهم امرأة قضاء ، ولا ولاية بلد ، فيما يبلغنا ، ولو جاز لم يخل منه جميع الزمان غالبا ) المغني والشرح الكبير 11/380
الدليل السادس(1/15)
ومن الأدلة على منع الشريعة الإسلامية من تولي المرأة الولاية العامة ، القياس الصحيح المطرد ، فقد وجدنا الشريعة تمنع المرأة من إمامة الرجال ولو كان رجلا واحدا ، ولو كانت أعلم منه وأقرأ منه للقرآن ، وتمنعها من الخطبة في الجمعة والأذان ، ومن توليها عقد النكاح لنفسها ، وذلك كله إشارات واضحة من الشريعة إلى منعها من الولايات العامة .
إذ لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض ، تحظر على المرأة أن تتولى عقد النكاح لنفسها ، ثم تجيز لها أن تكون وزيرة عدل ، تتولى أمر كل القضاء ويرجع إلى حكمها كل عقود الانكحة .
كما لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض ، تمنع المرأة من الإمامة في الصلاة ، وتجيز لها أن تكون وزيرة لها سلطان تتولى به أمر كل أئمة الصلاة ، كما لا يعقل أن تمنع الشريعة المرأة من خطبة المرأة والأذان للصلاة ، ثم تجيز لها أن تكون نائبة عن الرجال في مجلس نيابي تحتاج فيه إلى أن ترفع صوتها بالخطب في مشاهد الصراع السياسي .
فأي تناقض ـ لو فرضنا أنها تحظر على المرأة إمامة الرجال في الصلاة والأذان والخطبة وتولي عقد النكاح لها أو لغيرها ، ثم تجيز لها تولي الولايات العامة ـ أي تناقض توصم به الشريعة أقبح من هذا التناقض العجيب .
الدليل السابع
ومن الأدلة على منع الشريعة الإسلامية المرأة من تولى الولاية العامة ، الضرر الاجتماعي المترتب على تركها لوظيفتها الأصلية التي خلقها الله لها ، وركب فيها الصفات التي تناسبها ، وهي وظيفة رعاية الأسرة وتربية الأولاد وتنشئة الجيل والقيام بحق الزوج ، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كل راع ومسئوليته في الإسلام ، جعل المرأة راعية لبيت زوجها ، كما في الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهم قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأمير راع ... والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده ) .(1/16)
وإنما جعلت المرأة في هذه المسؤولية لأنها إذا أخلتها منها لم يمكن سدها بغيرها ، فالرجل لا يمكنه بحال أن يقوم بوظيفة المرأة في الحمل ، والولادة ، والرضاعة ، والحضانة ، ورعاية الأولاد ، وتنشئتهم في طور هم في أمس الحاجة إلى ما تمتاز به المرأة من الحنان ، والسكن ،والعطف ،والمودة ،واللمسة الناعمة الدافئة ، والصبر على مشقة السهر مع أنين الطفل ، ومراعاة حاجاته في الليل والنهار ، حتى يبلغ أشده ويستوي عوده بنفس سوية مستقرة ، وروح متشبعة من العاطفة التي احتاجت إليها في أول النشأة ، فتسكن نفسه وروحه إلى الاعتدال والاستقرار العاطفي في سائر الحياة ، وبجسد أخذ حقه من الرعاية الصحية من أم حنون .
إن حياة الإنسان لا تستقيم إلا وفق هذا التقسيم الفطري لوظيفة المرأة والرجل في المجتمع ، وأي قانون من شأنه أن يخرب هذا التقسيم ، فإنه يعرض المجتمع لضرر اجتماعي محقق ، يبدأ من تفكيك الأسرة وينتهي بانتشار الأمراض الاجتماعية في المجتمع كله ، وكلما زادت القوانين التي لاتراعي هذه الفطرة الإنسانية ، زادت معاناة المجتمع ، وكلما روعيت هذه الناحية الفطرية في قوانين الدولة ، ووجهت المرأة إلى الاهتمام بالأسرة من خلال قوانين وحوافز ملائمة ، أدى ذلك إلى تقوية بنيان الأسرة في المجتمع .
وإذا عرض على أي عاقل لم تفسد فطرته هذا السؤال : أيهما افضل وأعظم نفعا للمجتمع ، امرأة أنجبت أولادا نجباء أصحاء نفسيا وجسديا وتربويا ، وقدمتهم إلى المجتمع يبنونه بعقولهم وسواعدهم ، أو امرأة أخرى آثرت دخول الصراعات السياسية ، والمعارك الانتخابية النيابية ، فاضطرها ذلك إلى ترك الإنجاب خشية أن تضيع أولادها ، أو أخرى قد ضيعت أسرتها وأولادها بالفعل .
إذا عرض على أي عاقل هذا السؤال فسيكون جوابه إن المرأة التي اختارت ما اختاره الله لها في قوله ( وقرن في بيوتكن ) هي أسعد الثلاثة بلا ريب .(1/17)
وأما ما يقوله بعض قصار النظر من أن قلة من النساء فقط ، سيدخلن هذا المجال السياسي ، وهن غالبا غير متزوجات او تجاوزن في العمر مرحلة حاجة الأزواج والأولاد إليهن ، فدعواكم حصول الضرر الاجتماعي مبالغة من القول .
فالجواب إن هذا القول ضرب من الغفلة ، فهل سيحدد قانون منح المرأة حق الترشيح والانتخاب شروطا للمرأة التي يحق لها خوض هذا المعترك السياسي ، بأن تكون عانسا مثلا أو عقيما لا تلد أو بلغت من الكبر عتيا.
وهل سيقبل النساء بالمطالبات بمنحهن حق الترشيح والانتخاب هذه الشروط ،وهل تضمنون أن لا يؤدي هذا القانون إلى بعثرة وضع المرأة الكويتية رأسا على عقب ، واشتغالها بصراعات سياسية كانت طيلة تاريخها الماضي في عافية منها ، إذ كانت تؤدي دورا أهم في المجتمع ؟
أم أن الواقع ينطق بوضوح ، أن هذا القانون سيتطور مع مرور الزمن ، إلى استنساخ نسخة نسائية أخرى من الصراع السياسي الذي يدور في ساحة الرجال اليوم ، بكل ما في هذه الساحة من انشغال المرشحين والناخبين بسباق ينطلق من قبل تسجيل المرشحين أسماءهم في هذا المضمار ، ويمر بسجالات الحملة الانتخابية ونشر الإشاعات بين المرشحين المتنافسين ، وتحالفات وصراعات اللحظات الأخيرة ، ثم لاينتهي بوصول المرشح إلى المجلس ، ولا بطعن مرشح لم ينجح بنائب قد نجح ، بل يستمر إلى المجلس الذي يليه وهكذا دواليك .
ثم مع مرور الزمن تختلط نسخة الصراع الرجالية مع النسخة الأخرى النسائية في دوامة تشغل المرأة عن دورها الأساسي في المجتمع ، وتلقي بأضرار محققة على المجتمع كله ، وتنشر من المخالفات الشرعية مالا يعد ولا يحصى.
ثم لا نأمن أن يقفز المطالبين اليوم بتسيس المرأة الكويتية ، إلى المطالبة بإدخالها الجيش ، ثم التجنيد التطوعي ، ثم الإلزامي ، ثم زجها في كل ميدان اقتحمته في الغرب التائه ، تصديقا لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ( حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) .
ما الذي نجنيه(1/18)
وما هو المقابل الذي يستحقه كل هذا العناء ، وما الذي سنجنيه من هذا كله ، هل هو مجرد إرضاء الغرب حتى يقول إن المرأة أعطيت مكانتها في الكويت ، وهل مكانتها هي أن تقحم المرأة والام والزوجة في ساحة نحن على يقين أنها لن تؤدي بها إلا إلى استغلال سياسي يستفيد منه الرجال بطريقة أخرى ، ولن تقدر أي امرأة ـ بسبب واقع اجتماعي مفروض ـ أن تصل إلى كرسي مجلس الأمة ؟
ماهي المحصلة النهائية ، وأي شيء يستفاد من هذا كله ؟ وما هو الذي جنته المرأة في الدول العربية التي منحت المرأة حق الترشيح والانتخاب ، لاشيء سوى أننا نخادع أنفسنا ، لاشيء سوى أننا نجري وراء سراب يحسبه الظمآن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، لاشيء سوى إضافة صراعات جديدة ، ومشكلات سياسية جديدة ، على مجتمع صغير قد أثقلت كاهله الأزمات المتلاحقة .
نصف المجتمع
هذا وإنه من أعجب العجب قول من يقول : إن الذي نجنيه هو عدم تعطيل نصف المجتمع من أداء دوره في الحياة ، فيا للعجب ، أليست الأسرة بحاجة إلى هذا النصف ، فما بالكم أفرغتم الأسرة من نصف المجتمع ، ورميتم به إلى خارجها ، فجعلتم كل المجتمع خارج دائرة الأسرة ، ولاشيء منه داخلها .
ثم استبدلتم الام بالخادمة لتكون النصف الذي يبقى في الأسرة وهي امرأة أيضا ؟ أليس هذا هو عين التناقض ؟ ثم لماذا تحتقرون عمل الام والزوجة والجدة ودروهن في الحياة ، وتجعلونه عملا مزريا لا يليق إلا بالخادمة الآسيوية ، ثم أليست الخادمة امرأة أيضا ، أليس الواجب أن تجري عليها نظريتكم عن تعطيل نصف المجتمع ، فلماذا هذا التمييز العنصري في نظرتكم إلى المرأة .
وهل أضحت رعاية طفولة الإنسان لاقيمة لها لديكم إلى هذه الدرجة ، حتى قلتم إن نصف المجتمع سيكون معطلا إذا لم يسمح للمرأة باقتحام عالم الصراع السياسي ؟
الخاتمة(1/19)
وبعد هذا العرض للأدلة الإجمالية والتفصيلية على منع المرأة من تولي الولايات العامة ، يتبين بوضوح أن الدعوة إلى إقحام المرأة في هذا الميدان ، أمر مخالف لشريعة الرحمن ، ويترتب عليه ضرر عظيم على المجتمع ، ويؤدي إلى تحول تدريجي من النظام الإسلامي القائم على مفاهيم العفاف والطهر والحشمة والحياء وتوجيه المرأة إلى حفظ وظيفتها الأساسية وهي تربية النشأ ، والقيام بواجبات الأسرة ، إلى مفاهيم النظام الاجتماعي الغربي اللاديني الذي لا يؤمن إلا بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ، والخلط الوظيفي بينهما في المجتمع ، ولا يقيم أي وزن لقيم الأسرة الإسلامية ، بل يراها واقعا متخلفا يجب أن ينزع من المجتمعات الإسلامية ، كي تتبنى ثقافته ونظامه الاجتماعي وتسير في فلكه .
وأن الواجب السعي بكل سبيل لدرء هذه الفتنة عن المجتمع الكويتي، وإفشال هذا الكيد الذي يقصد الغرب من وراءه استلابنا حضاريا ، واحلال مفاهيمه وثقافته الضالة التائهة محل ثقافتنا الربانية ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين .(1/20)