تلخيص ما كتبه ابن القيم في مسائل الحج والعمرة
أولاً : من زاد المعاد في هدي خير العباد
1. الصحيح أن عمرة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الثانية سمية بالقضية لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قاضا عليها أهل مكة .91
2. لا يناقض ما سبق ما في الصحيحين عن البراء بن عازب ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قال : (اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ) (1) ، لأنه أراد العمرة المفردة المستقلة التي تمت ولا ريب أنهما اثنتان فإن عمرة القران لم تكن مستقلة وعمرة الحديبية صد عنها وحيل بينه وبين إتمامها .92
3. لا تناقض بين حديث أنس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أن عُمَرهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في ذي القعدة إلا التي مع حجته وبين قول عائشة وابن عباس لم يعتمر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلا في ذي القعدة لأن مبدأ عمرة القران كان في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج فعائشة وابن عباس (2) أخبرا عن ابتدائها وانس (3) أخبر عن انقضائها . 92
4. فأما قول عبد الله بن عمر إن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اعمر اربعا إحداهن في رجب (4) فوهم منه ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قالت عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهاُ ـ لما بلغها ذلك عنه :( يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ) (5) 93
__________
(1) البخاري (1781) ومسلم (1783)
(2) ابن ماجه (3051) (3052) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة
(3) البخاري(1778) ومسلم(1253)
(4) البخاري (1776) ومسلم (1255)
(5) السابق(1/1)
5. وأما ما رواه الدارقطني عن عائشة قالت خرجت مع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بأبي وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال أحسنت يا عائشة (1) فهذا الحديث غلط فإن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يعتمر في رمضان قط وعمره رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في رمضان قط وقد قالت عائشة رضي الله عنها لم يعتمر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلا في ذي القعدة رواه ابن ماجه وغيره . 93
6. لا خلاف أن عمرة لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها وقد روى أبو داود في سننه عن عائشة أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اعتمر في شوال وهذا إذا كان محفوظا فلعلة في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال ولكن إنما أحرم بها في ذي العقدة . 93
7. لم يكن في عُمُرِهِ عُمْرَةٌ واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم وإنما كانت كانت عمره كلها داخلا إلى مكة ، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث . 94
8. عمر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كلها كانت في أشهر الحج مخالفة لهدي المشركين فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج ، ويقولون هي من أفجر الفجور وهذا دليل على أن الأعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك . 95
__________
(1) النسائي(1456)والدارقطني (2|188) وضعفه ابن حجر في التلخيص (2|549)(1/2)
9. المفاضلة بين الإعتمار في أشهر الحج وبين الاعتمار في رمضان فموضع نظر فقد صح عنه أنه أمر أم معقل لما فاتها الحج معه أن تعتمر في رمضان وأخبرها أن عمرة في رمضان تعدل حجة ، وأيضا فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضل الزمان وأفضل البقاع ، ولكن الله لم يكن ليختار لنبيه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في عمره إلا أولي الأوقات وأحقها بها فكانت العمرة في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره وهذه الأشهر قد خصها الله تعالى بهذه العبادة وجعلها وقتا لها والعمرة حج اصغر فأولى الأزمنة بها أشهر الحج وذو العقدة أوسطها وهذا مما نستخير الله فيه كان عنده فضل علم فليرشد إليه . 95
10. لم يحفظ عنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة ولم يعتمر في سنة مرتين . 97
11. وقع الخلاف في حكم تكرار العمرة أكثر من مرة في العام الواحد فمنعه بعضهم ؛ ولا أرى أن يمنع أحد من التقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولا من الازدياد من الخير في موضع ، ولم يأت بالمنع منه نص ، وقد صح عن بعض الصحابة أنه كرر العمرة في أكثر من مرة في العام . 98(1/3)
12. معنى قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لعائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهاُ ـ "ارْفُضِي عُمْرَتَكِ " (1) اتركي أفعالها والاقتصار عليها وكوني في حجة معها ويتعين أن يكون هذا هو المراد بقوله : " حَلَلْت مِنْهُمَا جَمِيعًا " (2) لما قضت أعمال الحج وقوله : " يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" (3) فهذا صريح في أن إحرام العمرة لم يرفض وإنما رفضت أعمالها والاقتصار عليها وأنها بانقضاء حجها انقضى حجها وعمرتها ثُمَّ أَعْمَرَهَا من التَّنْعِيم تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا إِذْ تَأْتِي بِعُمْرَةٍ مُسْتَقِلَّة كَصَوَاحِبَاتِهَا . وَيُوَضِّح ذَلِكَ إِيضَاحًا بَيِّنًا مَا رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه وَلَفْظ : قَالَتْ عَائِشَة : وَخَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع فَحِضْت فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْم عَرَفَة وَلَمْ أُهِلّ إِلَّا بِعُمْرَةٍ فَأَمَرَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُض رَأْسِي وَأَمْتَشِط وَأُهِلّ بِالْحَجِّ وَأَتْرُك الْعُمْرَة , قَالَتْ : فَفَعَلْت ذَلِكَ حَتَّى إِذَا قَضَيْت حَجِّي بَعَثَ مَعِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِر مِنْ التَّنْعِيم مَكَان عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجّ وَلَمْ أُحِلّ مِنْهُمَا " (4) فَهَذَا حَدِيث فِي غَايَة الصِّحَّة وَالصَّرَاحَة أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْ مِنْ عُمْرَتهَا وَأَنَّهَا بَقِيَتْ مُحْرِمَة بِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجّ , فَهَذَا خَبَرهَا عَنْ نَفْسهَا وَذَلِكَ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا كُلّ مِنْهُمَا يُوَافِق الآخر. 99
__________
(1) البخاري (1783) مسلم (1211)
(2) مسلم ( 2127)
(3) مسلم (1211)
(4) مسلم (1211)(1/4)
13. لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة وهي حجة الوداع ولا خلاف أنها كانت سنة عشر . 101
14. حديث الترمذي أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حج قبل الهجرة (1) قال عنه البخاري ـ يرحمه الله ـ : ( لا يعد هذا الحديث محفوظا ) . 101
15. فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر .101
16. قوله تعالى : "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ "[البقرة :196]ليس فيه فرضية الحج ، وإنما فيه الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما ، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء . 101
17. خرج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى حجة الوداع من المدينة نهاراً بعد الظهر ، لست بقين من ذي القعدة ، بعد ان صلى الظهر بها أربعا ، وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام وواجباته وسننه ، والظاهر ان خروجه كان يوم السبت . 102
18. قلد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قبل الإحرام بدنه نعلين وأشعرها في جانبها الأيمن فشق صفحة سنامها وسلت الدم عنها (2) . 107
19. أحرم النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قارنا ، وإنما قلنا ذلك لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة في ذلك .107
20. غلط في عمر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خمس طوائف :
? إحداها : من قال إنه اعتمر في رجب وهذا غلط فإن عمره مضبوطة مخفوظه لم يخرج في رجب إلى شيء منها البتة .
? الثانية : من قال أنه اعتمر في شوال وهذا أيضا وهم .
? الثالثة : من قال إنه اعتمر من التنعيم بعد حجة وهذا لم يقله أحد من أهل العلم وإنما يظنه العوام ومن لا خبرة له بالسنة .
? الرابعة : من قال إنه لم يعتمر في حجته أصلا والسنة الصحيحة المستفيضة التي لا يمكن ردها تبطل هذا القول .
__________
(1) الترمذي (815) وضعفه البخاري
(2) البخاري (1699) ومسلم (1321)(1/5)
? الخامسة : من قال إنه اعتمر عمرة حل منها ثم احرم بعدها بالحج من مكة والأحاديث الصحيحة تبطل هذا القول وترده . 122
21. وهم في حج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خمس طوائف :
? الطائفة الأولى : التي قالت حج حجا مفردا لم يعتمر معه .
? الثانية : من قال حج متمتعا تمتعا حل منه ثم أحرم بعده بالحج .
? الثالثة : من قال حج متمتعا تمتعا لم يحل منه لأجل سوق الهدي ولم يكن قارنا كما قاله أبو محمد ابن قدامة صاحب المغني وغيره .
? الرابعة : من قال حج قارنا قرانا طاف له طوافين وسعى له سعيين .
? الخامسة : من قال حج حجا مفردا واعتمر بعده من التنعيم . 123
22. غلط في إحرام النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خمس طوائف :
? إحداها : من قال لبى بالعمرة وحدها واستمر عليها .
? الثانية : من قال لبى بالحج وحده واستمر عليه .
? الثالثة : من قال لبى بالحج مفردا ثم أدخل عليه العمرة وزعم أن ذلك خاص به .
? الرابعة : من قال لبى بالعمرة وحدها ثم ادخل عليها الحج في ثاني الحال .
? الخامسة : من قال أحرم إحراما مطلقا لم يعين فيه نسكا ثم عينه بعد إحرامه . 123
23. الصواب أنه أحرم بالحج والعمرة معا من حين أنشأ الإحرام ولم يحل حتى حل منهما جميعا فطاف لهما طوافا واحدا وسعى لهما سعيا واحدا وساق الهدي كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترت تواترا يعلمه أهل الحديث والله أعلم . 124
24. فحصل الترجيح لرواية من روى القران لوجوه عشرة ـ أوصلها الشيخ إلى خمسة عشر ترجيح ـ وهي :
? احدها : أن من روى أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كان قارناً أكثر ممن روى غير ذلك .
? الثاني : أن طرق الإخبار بذلك تنوعت .
? الثالث : أن فيهم من أخبر عن سماعه ولفظه صريحا ، وفيهم من أخبر عن إخباره عن نفسه بأنه فعل ذلك ، وفيهم من اخبر عن أمر ربه له بذلك ، ولم يجىء شيء من ذلك في الإفراد .(1/6)
? الرابع : تصديق روايات من روى انه اعتمر أربع عمر لها .
? الخامس : أنها صريحة لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد .
? السادس : أنها متضمنة زيادة سكت عنها أهل الإفراد أو نفوها والذاكر الزائد مقدم على الساكت والمثبت مقدم على النافي .
? السابع : أن رواه الإفراد أربعة عائشة وابن عمر وجابر وابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ والأربعة رووا القران فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض وإن صرنا إلى الترجيح وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ولا اختلف كالبراء وأنس وعمر بن الخطاب وعمران بن حصين وحفصة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ وغيرهم من الصحابة .
? الثامن : انه النسك الذي امر به من ربه فلم يكن ليعدل عنه .
? التاسع : أنه النسك الذي امر بن كل من ساق الهدي فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي ثم يسوق هو الهدي ويخالفه .
? العاشر : أنه النسك الذي أمر به آله وأهل بيته واختاره لهم ولم يكن ليختار لهم إلا ما اختار لنفسه .
? حادي عشر : قوله دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وهذا يقتضي أنها قد صارت جزءا منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه وإنما تكون مع الحج كما يكون الداخل في الشيء معه .
? ثاني عشر : قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصبي ابن معبد وقد اهل بحج وعمرة فانكر عليه زيد بن صوحان أو سلمان ابن ربيعة فقال له عمر هديت لسنة نبيك محمد (1) ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ .
? ثالث عشر : أن القارن تقع أعماله عن كل من النسكين فيقع إحرامه وطوافه وسعيه عنهما معا وذلك أكمل من وقوعه عن أحدهما وعمل كل فعل على حدة .
? رابع عشر : أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدي أفضل بلا ريب من نسك خلا عن الهدي .
__________
(1) ابن ماجه (2970) والنسائي (5|146) وصححه ابن خزيمة(1/7)
? خامس عشر : أنه قد ثبت أن التمتع أفضل من الإفراد ، والقارن السائق أفضل من متمتع لم يسق ، ومن متمتع ساق الهدي لأنه قد ساق من حين أحرم والتمتع إنما يسوق الهدي من أدنى الحل فكيف يجعل مفرد لم يسق هديا افضل من متمتع ساقه من أدنى الحل فكيف إذا جعل أفضل من قارن ساقه من الميقات وهذا بحمد الله واضح. 135
25. التمتع أفضل من القران لوجوه كثيرة منها :
? انه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أمرهم بفسخ الحج إليه (1) ومحال أن ينقلهم من الفاضل إلى المفضول الذي هو دونه .
? ومنها أنه تأسف على كونه لم يفعله بقوله : " لو استقبلت من امري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " . (2)
? ومنها أنه أمر به كل من لم يسق الهدي .
? ومنها ان الحج الذي استقر عليه فعله وفعل أصحابه القران لمن ساق الهدي والتمتع لمن لم يسق الهدي .135
26. الجواب على حديث معاوية ( أنه قص شعر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بمشقص على المروة وذلك في حجته ) (3) : هذا مما أنكره الناس على معاوية وغلطوه فيه ، فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعددة كلها تدل على انه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يحل من إحرامه إلا يوم النحر ، وأخبر عنه به الجم الغفير أنه لم يأخذ من شعره شيئا لا بتقصير ولا حلق ؛ وأنه بقي على إحرامه حتى حلق يوم النحر ، ولعل معاوية قصر عن رأسه في عمره الجعرانة ، فإنه كان حينئذ قد أسلم ثم نسي فظن أن ذلك كان في العشر ، وقيل هذا الإسناد إلى معاوية وقع فيه غلط وخطأ أخطأ فيه الحسن بن علي فجعله عن معمر عن ابن طاووس وإنما هو عن هشام بن حجير عن ابن طاووس وهشام ضعيف . 136
__________
(1) البخاري (1561) ومسلم (1211) عن عائشة
(2) البخاري (1785) ومسلم (1216)
(3) مسلم (1246)(1/8)
27. أهل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في مصلاه ثم ركب على ناقته وأهل أيضا ثم أهل لما استقلت به على البيداء . 158
28. ولدت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهما بذي الحليفة محمد بن ابي بكر فأمرها رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم وتهل (1) وكان في قصتها ثلاث سنن ؛ إحداها : غسل المحرم ، والثانية : أن الحائض تغتسل لإحرامها ، والثالثة : أن الإحرام يصح من الحائض . 160
29. لما وصل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ومن معه الروحاء رأى حمار وحش عقيرا فقال : " دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه إلى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أبا بكر فقسمه بين الرفاق ، (2) وفي هذا دليل على جواز أكل المحرم من صيد الحلال إذا لم يصده لأجله ، وأما كون صاحبه لم يحرم فلعله لم يمر بذي الحليفة فهو كأبي قتادة في قصته . 161
30. لما وصل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ومن معه الأثاية بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فأمر رجلا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوا . والفرق بين القصة الظبي وقصة الحمار ان الذي صاد الحمار كان حلالا فلم يمنع من أكله وهذا لم يعلم انه حلال وهم محرمون فلم يأذن لهم في أكله ووكل من يقف عنده لئلا يأخذه أحد حتى يجاوزوه وفيه دليل على أن قتل المحرم للصيد يجعله بمنزلة الميتة في عدم الحل إذ لو كان حلالا لم تضع ماليته .162
__________
(1) مسلم(1218)
(2) الموطأ(1|351) والنسائي (5|183) وصححه ابن حبان(1/9)
31. نزل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بالعرج وكانت زمالته وزمالة أبي بكر ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ واحدة وكانت مع غلام لأبي بكر ، فجلس رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وأبو بكر جانبه وعائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ـ إلى جانبه الآخر وأسماء زوجته إلى جانبه ، وأبو بكر ينتظر الغلام والزمالة ، إذ طلع الغلام والزمالة ، إذ طلع الغلام ليس معه بعير فقال : أين بعيرك ؟ فقال : أضللته البارحة ، فقال أبو بكر : بعير واحد تضله ؟ قال : فطفق يضربه ورسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يتبسم ويقول : انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع . 162
32. وقع خلاف حول ما أهداه الصعب بن جثاثة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ (1) في كون الذي اهداه حيا أو لحما فرواية من روى لحما اولى لثلاثة أوجه :
? احدها : أن راويها قد حفظها وضبط الواقعة حتى ضبطها أنه يقطر دما وهذا يدل على حفظه للقصة حتى لهذا الأمر الذي لا يؤبه له .
? الثاني : أن هذا صريح في كونه بعض الحمار وأنه لحم منه فلا يناقض قوله أهدى له حمارا بل يمكن حمله على رواية من روى لحما تسميه للحم باسم الحيوان وهذا مما لا تأباه اللغة .
? الثالث : أن سائر الروايات متفقة على أنه بعض من أبعاضه وإنما اختلفوا في ذلك البعض هل هو عجزه أو شقه أو رجله أو لحم منه . 164
33. اختلف الفقهاء في مسألة مبنية على قصة عائشة ، وهي أن المرأة إذا أحرمت بالعمرة فحاضت ولم يمكنها الطواف قبل التعريف فهل ترفض الإحرام بالعمرة وتهل بالحج مفردا ، أو تدخل الحج على العمرة وتصير قارنة ؟ فقال بالأول : فقهاء الكوفة ، منهم أبو حنيفة وأصحابه ، وبالثاني : فقهاء الحجاز ، منهم الشافعي ومالك ، وهو مذهب أهل الحديث كالإمام أحمد وأتباعه . 167
__________
(1) البخاري (1825 ) ومسلم (1193)(1/10)
34. نصوص السنة صريحة أن عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ كانت في حج وعمرة لا في حج مفرد ، وصريحة في أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد ، وصريحة في أنها لم ترفض إحرام العمرة بل بقيت في إحرامها كما هي لم تحل منه ، وفي بعض ألفاظ الحديث : " كوني في عمرتك فعسى الله ان يرزقكيها " (1) ولا يناقض هذا قوله "دعي عمرتك "فلو كان المراد به رفضهات وتركها لما قال : " يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" فعلم أن المراد دعي أعمالها ليس المراد به رفض إحرامها . 169
35. أما قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " انقضي رأسك وامتشطي " فهذا مما أعضل على الناس ولهم فيه أربعة مسالك :
? أحدها : أنه دليل على رفض العمرة كما قالت الحنفية .
? المسلك الثاني : أنه دليل على انه يجوز للمحرم أن يمشط رأسه ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع على منعه من ذلك ولا تحريمه .
? المسلك الثالث : تعليل هذه اللفظة وردها بأن عروة انفرد بها وخالف بها سائر الرواة وقد روى حديثها طاووس والقاسم والأسود وغيرهم فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظة قالوا وقد روى حماد ابن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حديث حيضها في الحج فقال فيه حدثني غير واحد أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال لها دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وذكر تمام الحديث قالوا فهذا يدل على أن عروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة .
? المسلك الرابع : أن قوله " دعي العمرة " أي دعيها بحالها لا تخرجي منها .
36. الصواب أن عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ أحرمت بعمرة مفردة . 170
37. للناس في العمرة التي أتت بها عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ من التنعيم أربعة مسالك :
__________
(1) البخاري (1788) ومسلم (1211)(1/11)
? احدها : أنها كانت زيادة تطييبا لقلبها وجبرا لها وإلا فطوافها وسعيها وقع عن حجها وعمرتها وكانت متمتعة ثم أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة وهذا أصح الأقوال والأحاديث لا تدل على غيره .
? المسلك الثاني : أنها لما حاضت أمرها أن ترفض عمرتها وتنتقل عنها إلى حج مفرد فلما حلت من الحج أمرها أن تعتمر قضاء لعمرتها التي أحرمت بها أولا .
? المسلك الثالث : أنها لما قرنت لم يكن بد من أن تأتي بعمرة مفردة لأن عمرة القارن لا تجزىء عن عمرة الإسلام .
? المسلك الرابع : أنها كانت مفردة وإنما امتنعت من طواف القدوم لأجل الحيض واستمرت على الإفراد حتى طهرت وقضت الحج هذه العمرة هي عمرة الإسلام ، ولا يخفى ما في هذا المسلك من الضعف بل هو أضعف المسالك في الحديث . 174
38. وحديث عائشة هذا يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك :
? أحدها : اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد
? الثاني : سقوط طواف عن الحائض كما أن حديث صفية زوج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أصل في سقوط طواف الوداع عنها .
? الثالث : أن إدخل الحج على العمرة للحائض جائز كما يجوز للطاهر وأولى لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك .
? الرابع : أن الحائض تفعل أفعال الحج كلها إلا أنها لا تطوف بالبيت .
? الخامس : أن التنعيم من الحل .
? السادس : جواز عمرتين في سنة واحدة بل في شهر واحد .
? السابع : أن المشروع في حق المتمتع إذا لم يأمن الفوات أن يدخل الحج على العمرة وحديث عائشة أصل فيه .
39. حاضت عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ بسرف بلا ريب ، واختلف في موضع طهرها فقيل بعرفة هكذا روى مجاهد عنها ؛ واتفق القاسم وعروة على أنها كانت يوم عرفة حائضا وأنها طهرت يوم النحر وهما أقرب الناس منها . 176(1/12)
40. روى عنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من أصحابه وأحاديثهم كلها صحاح ؛ وهم : عائشة وحفصة أما ألمؤمنين ، وعلي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وأسماء بنت أبي بكر الصديق وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري والبراء ابن عازب وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن عباس وسبرة بن معبد الجهني وسراقة بن مالك المدلجي رضي الله عنهم . 178
41. عمر ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ لم ينه عن المتعة البتة ، وإنما قال : إن أتم لحجكم وعمرتكم أن تفصلوا بينهما ، فاختار عمر لهما أفضل الأمور وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده ، وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى .209
42. أما قول من قال إن التمتع نسك مجبور بالهدي فكلام باطل من وجوه :
? أحدها : أن الهدى في التمتع عبادة مقصودة وهو من تمام النسك وهو دم شكران لادم جبران ، فإنه ما تقرب إلى الله في ذلك اليوم بمثل إراقة دم سائل .
? الوجه الثاني : أنه لو كان دم جبران لما جاز الأكل منه وقد ثبت عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه أكل من هديه .
? الوجه الثالث : أن سبب الجبران محظور في الأصل فلا يجوز الإقدام عليه إلا لعذر فإنه إما ترك واجب أو فعل محظور والتمتع مأمور به إما أمر إيجاب عند طائفة كابن عباس وغيره أو أمر استحباب عند الأكثرين فلو كان دمه دم جبران لم يجز الإقدام على سببه بغير عذر فبطل قولهم إنه دم جبران وعلم أنه دم نسك .222
43. قال تعالى : " فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ " [الحج :28] هاهنا والله أعلم أمر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر امتثالا لأمر ربه بالأكل ليعم به جميع هديه . 222(1/13)
44. وذكر الطبراني أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كان إذا نظر إلى البيت قال " اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وروي عنه أنه كان عند رؤيته يرفع يديه ويكبر ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من حجة أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا " (1) ، وهو مرسل ، ولكن سمع هذا سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ يقوله (2) . 224
45. لما دخل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المسجد عمد إلى البيت ؛ ولم يركع تحية المسجد ؛ فإن تحية المسجد الحرام الطواف ، فلما حاذى الحجر الأسود استلمه ، ولم يزاحم عليه ، ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه .225
46. لم يقل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده بل هو من البدع المنكرات . 225
47. ولا حاذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجر الأسود بجميع بدنه ثم انفتل عنه وجعله على شقه ، بل استقبله واستلمه ثم أخذ عن يمينه وجعل البيت عن يساره . 225
48. لم يدع عند الباب بدعاء ولا تحت الميزاب ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ، ولا وقت للطواف ذكرا معينا لا بفعله ولا بتعليمه بل حفظ عنه بين الركنين "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" . 225
__________
(1) الطبراني في الكبير (3|181) والأوسط (6|183) وإسناده لا يصح انظر المجمع (3|238)
(2) البيهقي (5|73) عن عمر ، وفي إسناده حميد بن يعقوب وثقه ابن حبان ولم يعرفه يحيى ابن معين ، و قال المحقق : سنده حسن .(1/14)
49. رمل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في طوافه هذا الثلاثة الأشواط الأول وكان يسرع في مشيه ويقارب بين خطاه ، واضطبع بردائه فجعل طرفيه على أحد كتفيه وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه .225
50. كلما حاذى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الحجر الأسود أشار إليه ، أو استلمه بمحجنه وقبل المحجن ـ والمحجن عصا محنية الرأس ـ . 225
51. ثبت عنه أنه استلم الركن اليماني ولم يثبت عنه أنه قبله ولا قبل يده عند استلامه . 225
52. روى الدارقطني عن ابن عباس كان رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه (1) وفيه عبدالله بن مسلم بن هرمز . 225
53. لما انتهى من الطواف صلى ركعتين عند المقام ، فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود . 227
54. روي عند مسلم روايتان إحداهما تدل على أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سعى راكباً والأخرى على أنه سعى ماشيا (2) ، قال ابن حزم : لا تعارض بينهما لأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده . وعندي في الجمع بينهما وجه آخر أحسن من هذا وهو : أنه سعى ماشيا أولا ثم أتم سعيه راكبا . 228
55. أما طوافه بالبيت عند قدومه فاختلف فيه هل كان على قدميه أو كان راكبا ، فذكرت عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ أنه طاف على بعيره (3) وحكى جابر أنه رمل ، والرمل لا يكون إلا ماشياً وقول عائشة ـ والله أعلم ـ في طواف الإفاضة . 230
__________
(1) الدارقطني (2|290) وإسناده ضعيف انظر المجمع (3|241)
(2) مسلم (1218)
(3) مسلم (1274)(1/15)
56. قال ابن حزم : ( وطاف ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعيره يخب ثلاثا ويمشي أربعا ) وهذا من أوهامه وغلطه رحمه الله فإن أحدا لم يقل هذا قط غيره ولا رواه أحد عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ البتة ، وسألت شيخنا عنه فقال : هذا من أغلاطه وهو لم يحج رحمه الله تعالى . 231
57. أقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء . 232
58. سار النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى عرفة وكان من أصحابه الملبي ومنهم المكبر وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء . 233
59. قال ابن حزم : ( وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس بقدح لبن فشربه أمام الناس وهو على بعيره فلما أتم الخطبة أمر بلالا فأقام الصلاة ) (1) وهذا من وهمه رحمه الله فإن قصة شربه اللبن إنما كانت بعد هذا حين سار إلى عرفة ووقف بها هكذا جاء في الصحيحين مصرحا به عن ميمونة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ أن الناس شكّوا في صيام النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون ؛ وفي لفظ وهو واقف بعرفة . 234
__________
(1) البخاري(5604) ومسلم (1123)(1/16)
60. لما أتم النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الخطبة صلى الظهر والعصر ركعتين ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصرا وجمعا بلا ريب ولم يأمرهم بالإتمام ولا بترك الجمع ومن قال إنه قال لهم : " أتمُّوا صَلاتَكُم فإنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ " (1) فقد غلط فيه غلطا بينا ووهم وهما قبيحا وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة حيث كانوا في ديارهم مقيمين. 234
61. أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة كما فعلوا مع النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة ولا بأيام معلومة ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة وإنما التأثير لما جعله الله سببا وهو السفر هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه المحددون . 235
62. في عرفة سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات فأمر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن يكفن في ثوبيه ولا يمس بطيب وأن يغسل بماء وسدر (2) ولا يغطى رأسه ولا وجهه وأخبر أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة يلبي وفي هذه القصة اثنا عشر حكما :
? الحكم الأول : وجوب غسل الميت لأمر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ به .
? الحكم الثاني : أنه لا ينجس بالموت لأنه لو نجس بالموت لم يزده غسله إلا نجاسة .
? الحكم الثالث : أن المشروع في حق الميت أن يغسل بماء وسدر ولا يقتصر به على الماء وحده
? الحكم الرابع : أن تغيّر الماء بالطاهرات لا يسلبه طهوريته كما هو مذهب الجمهور وهو أنص الروايتين عن أحمد .
? الحكم الخامس : إباحة الغسل للمحرم .
__________
(1) أبو داود (1229) والترمذي (545) مالك (349) وانظر التلخيص (2|482) رقم : 1040قال المنذري : ( وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة وقال بعضهم : هو حديث لا تقوم به الحجة لكثرة اضطرابه ) التلخيص .
(2) البخاري (1265) ومسلم (93)(1/17)
63. الحكم السادس : أن المحرم غير ممنوع من الماء والسدر .
? الحكم السابع : أن الكفن مقدم على الميراث وعلى الدين لأن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أمر أن يكفن في ثوبيه ولم يسأل عن وارثه ولا عن دين عليه .
? الحكم الثامن : جواز الاقتصار في الكفن على ثوبين وهما إزار ورداء ، وهو الصحيح .
? الحكم التاسع : أن المحرم ممنوع من الطيب لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نهى أن يمس طيبا مع شهادته له أنه يبعث ملبيا وهذا هو الأصل في منع المحرم من الطيب .
? الحكم العاشر : أن المحرم ممنوع من تغطية رأسه .
? الحكم الحادي عشر : منع المحرم من تغطية وجهه .
? الحكم الثاني عشر : بقاء الإحرام بعد الموت وأنه لا ينقطع به . 238
64. الصحيح أنه لا بأس بأن يغيب المحرم رأسه في الماء فقد فعله عمر بن الخطاب وابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ . 240
65. الصواب جواز الماء والسدر للمحرم للنص ـ أي حديث الذي وقصته الناقة ـ ولم يحرم الله ورسوله على المحرم إزالة الشعث بالاغتسال ولا قتل القمل وليس السدر من الطيب في شيء . 240
66. الصحيح أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ صلى المغرب والعشاء في مزدلفة بأذان وإقامتين كما فعل بعرفة . 247
67. لم يحيي النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ليلة مزدلفة ، ولا صح عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء . 247
68. حديث عائشة رضي الله عنها : أرسل رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تعني عندها (1)
__________
(1) أبو داود (1942) إسناده ضعيف ضعفه الألباني .(1/18)
رواه أبو داود حديث منكر أنكره الإمام أحمد وغيره ومما يدل على إنكاره أن فيه أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة وفي رواية توافيه بمكة وكان يومها فأحب أن توافيه وهذا من المحال قطعا . 249
69. الذي دلت عليه السنة إنما هو التعجيل من مزدلفة بعد غيبوبة القمر لا نصف الليل وليس مع من حده بالنصف دليل والله أعلم . 252
70. صلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الفجر بعدما طلع في أول الوقت لا قبله قطعاً ، بأذان وإقامة ، يوم النحر ؛ وهو يوم العيد ؛ وهو يوم الحج الأكبر ، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك . 252
71. احتج من ذهب إلى أن الوقوف بمزدلفة والمبيت بها ركن كعرفة بحديث عروة بن مضرس ؛ وهو مذهب اثنين من الصحابة ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما .253
72. أمر ابن عباس وهو في طريقه إلى منى أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات ، ولم يكسرها من الجبل تلك الليلة كما يفعل من لا علم عنده ولا التقطها بالليل . 254
73. لما أتى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بطن محِّسر حرك ناقته وأسرع السير وهذه كانت عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل ما قص الله علينا ولذلك سمي ذلك الوادي وادي محسر لأن الفيل حسر فيه أي أعيى وانقطع عن الذهاب إلى مكة وكذلك فعل في سلوكه الحجر ديار ثمود فإنه تقنع بثوبه وأسرع السير . 256
74. محِّسر برزخ بين منى وبين مزدلفة لا من هذه ولا من هذه وعرنة برزخ بين عرفة والمشعر الحرام فبين كل مشعرين برزخ ليس منهما فمنى من الحرم وهي مشعر ومحسر من الحرم وليس بمشعر ومزدلفة حرم ومشعر وعرنة ليست مشعرا وهي من الحل وعرفة حل ومشعر . 256(1/19)
75. لما أتى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جمرة العقبة وقف في أسفل الوادي وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه واستقبل الجمرة وهو على راحلته فرماها راكبا بعد طلوع الشمس واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة وحينئذ قطع التلبية . 256
76. رمى بلال وأسامة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ معه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر يظلله بثوب من الحر ، وفي هذا دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر ثابتة وإن كانت بعده في أيام منى فلا حجة فيها وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت والله أعلم . 257
77. كان الناس يأتون النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا فكان يقول " لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك " (1) وقوله سعيت قبل أن أطوف في هذا الحديث ليس بمحفوظ والمحفوظ تقديم الرمي والنحر والحلق بعضها على بعض . 259
78. ثم نحر ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثلاثا وستين بدنة بيده وكان ينحرها قائمة معقولة يدها اليسرى وكان عدد هذا الذي نحره عدد سني عمره ، ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما غبر من المائة ثم أمر عليا رضي الله عنه أن يتصدق بجلالها ولحومها وجلودها في المساكين وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها وقال نحن نعطيه من عندنا وقال من شاء اقتطع .259
__________
(1) البخاري(1721) ومسلم (1307)(1/20)
79. إن قيل فكيف تصنعون بالحديث الذي في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : ( صلى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فبات بها فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح فلما علا على البيداء لبى بهما جميعا فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا ونحر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بيده سبع بدن قياما وضحى بالمدينة كبشين أملحين ) . (1)
فالجواب أنه لا تعارض بين الحديثين قال أبو محمد ابن حزم : ( مخرج حديث أنس على أحد وجوه ثلاثة :
? أحدها : أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين ثم زال عن ذلك المكان وأمر عليا رضي الله عنه فنحر ما بقي .
? الثاني : أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سبعا فقط بيده وشاهد جابر تمام نحره ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ للباقي فأخبر كل منهما بما رأى وشاهد .
? الثالث : أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نحر بيده منفردا سبع بدن كما قال أنس ثم أخذ هو وعلي الحربة معا فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين كما قال غرفة بن الحارث الكندي أنه شاهد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يومئذ قد أخذ بأعلى الحربة وأمر عليا فأخذ بأسفلها ونحرا بها البدن ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر والله أعلم ) . 260
__________
(1) البخاري(1089) ومسلم (690)(1/21)
80. إن قيل كيف تصنعون بالحديث الذي وراه الإمام أحمد وأبو داود عن علي قال : ( لما نحر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بدنه فنحر ثلاثين بيده وأمرني فنحرت سائرها ) (1) ؟ . قلنا : هذا غلط انقلب على الرواي فإن الذي نحر ثلاثين هو علي فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نحر سبعا بيده لم يشاهده علي ولا جابر ثم نحر ثلاثا وستين أخرى فبقي من المائة ثلاثون فنحرها علي فانقلب على الراوي عدد ما نحره علي بما نحره النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ . 260
81. إن قيل فما تصنعون بحديث عبدالله بن قرط عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر " (2) وهو اليوم الثاني . قال : وقرب لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فلما وجبت جنوبها قال فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها فقلت ما قال قال من " شاء اقتطع " (3) قيل نقبله ونصدقه فإن المائة لم تقرب إليه جملة وإنما كانت تقرب إليه أرسالا فقرب منهن إليه خمس بدنات رسلا وكان ذلك الرسل يبادرن ويتقربن إليه ليبدأ بكل واحدة منهن . 261
__________
(1) أحمد (2359) وابو داود (1764) وإسناده منكر كما ذكر العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ .
(2) أبو داود (1765) وإسناده صححه الألباني ـ رحمه الله ـ .
(3) أبو داود (1765) وإسناده صححه الألباني ـ رحمه الله ـ .(1/22)
82. إن قيل فما تصنعون بالحديث الذي في الصحيحين من حديث أبي بكرة في خطبة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يوم النحر بمنى وقال في آخره : ( ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا ) لفظه لمسلم (1) . ففي هذا أن ذبح الكبشين كان بمكة وفي حديث أنس أنه كان بالمدينة قيل في هذا أن القول قول أنس وأنه ضحى بالمدينة بكبشين أملحين أقرنين وأنه صلى العيد ثم انكفأ إلى كبشين ففصل أنس وميز بين نحره بمكة للبدن وبين نحره بالمدينة للكبشين وبين أنهما قصتان ويدل على هذا أن جميع من ذكر نحر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بمنى إنما ذكروا أنه نحر الإبل وهو الهدي الذي ساقه وهو أفضل من نحر الغنم هناك بلا سوق وجابر قد قال في صفة حجة الوداع إنه رجع من الرمي فنحر البدن وإنما اشتبه على بعض الرواة أن قصة الكبشين كانت يوم عيد فظن أنه كان بمنى فوهم . 262
__________
(1) البخاري(67)ومسلم(1697)(1/23)
83. ذهب أبو محمد ابن حزم أنه لا هدي على القارن وأيد قوله بالحديث الذي رواه مسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة خرجنا مع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فخرجنا حتى قدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال : " دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ، قالت : ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج إلى التنعيم فأهللت بعمرة فقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم " (1) وهذا مسلك فاسد تفرد به ابن حزم عن الناس والذي عليه الصحابة والتابعون ومن بعدهم أن القارن يلزمه الهدي كما يلزم المتمتع بل هو متمتع حقيقة في لسان الصحابة ، وأما هذا الحديث فالصحيح أن هذا الكلام الأخير من قول هشام بن عروة جاء ذلك في صحيح مسلم مصرحا به فقال حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها فذكرت الحديث وفي آخره قال عروة في ذلك إنه قضى الله حجها وعمرتها قال هشام : ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة . 263
__________
(1) مسلم (1211)(1/24)
84. قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ : ( إن كان وكيع جعل هذا الكلام ـ أي ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة ـ لهشام فابن نمير وعبدة أدخلاه في كلام عائشة وكل منهما ثقة فوكيع نسبه إلى هشام لأنه سمع هشاما يقوله وليس قول هشام إياه بدافع أن تكون عائشة قالته فقد يروي المرء حديثا يسنده ثم يفتي به دون أن يسنده فليس شيء من هذا بمتدافع وإنما يتعلل بمثل هذا من لا ينصف ومن اتبع هواه والصحيح من ذلك أن كل ثقة فمصدق فيما نقل فإذا أضاف عبدة وابن نمير القول إلى عائشة صدقا لعدالتهما وإذا أضافه وكيع إلى هشام صدق أيضا لعدالته وكل صحيح وتكون عائشة قالته وهشام قاله ) . قلت : هذه الطريقة هي اللائقة بظاهريته وظاهرية أمثاله ممن لا فقه له في علل الأحاديث كفقه الأئمة النقاد أطباء علله وأهل العناية بها وهؤلاء لا يلتفتون إلى قول من خالفهم ممن ليس له ذوقهم ومعرفتهم بل يقطعون بخطئه بمنزلة الصيارف النقاد الذين يميزون بين الجيد والرديء ولا يلتفتون إلى خطإ من لم يعرف ذلك ومن المعلوم أن عبدة وابن نمير لم يقولا في هذا الكلام قالت : عائشة ، وإنما أدرجاه في الحديث إدراجا يحتمل أن يكون من كلامهما أو من كلام عروة أو من هشام فجاء وكيع ففصل وميز ، ومن فصل وميز فقد حفظ واتقن ما أطلقه غيره ، نعم لو قال ابن نمير وعبدة : قالت عائشة ، وقال وكيع : قال هشام ، لساغ ما قال أبو محمد ، وكان موضع نظر وترجيح . 264
85. قول عائشة رضي الله عنها : ( طيبت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لإحرامه قبل أن يحرم ولإحلاله قبل أن يحل ) (1) دليل على أن الحلق نسك وليس بإطلاق من محظور . 270
86. أفاض ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى مكة قبل الظهر راكبا فطاف طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة وهو طواف الصدر ولم يطف غيره ولم يسع معه هذا هو الصواب . 270
__________
(1) البخاري (5922) ومسلم (1198)(1/25)
87. أتى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ زمزم بعد أن قضى طوافه وهم يسقون فقال :" لولا أن يغلبكم الناس لنزلت فسقيت معكم ثم ناولوه الدلو فشرب وهو قائم " (1) فقيل هذا نسخ لنهيه عن الشرب قائما وقيل بل بيان منه أن النهي على وجه الاختيار وترك الأولى وقيل بل للحاجة وهذا أظهر . 278
88. قال ابن حزم : ( وطافت أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها (2) من وراء الناس وهي شاكية استأذنت النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في ذلك اليوم فأذن لها ) واحتج عليه بما رواه مسلم في صحيحه من حديث زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت شكوت إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أني أشتكي فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت ورسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ " والطور وكتاب مسطور " ولا يتبين أن هذا الطواف هو طواف الإفاضة لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يقرأ في ركعتي ذلك الطواف بالطور ولا جهر بالقراءة بالنهار بحيث تسمعه أم سلمة من وراء الناس وقد بين أبو محمد غلط من قال إنه أخره إلى الليل فأصاب في ذلك ، وقد صح من حديث عائشة أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت فكيف يلتئم هذا مع طوافها يوم النحر وراء الناس ورسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلى جانب البيت يصلي ويقرأ في صلاته "والطور وكتاب مسطور" (3) هذا من المحال فإن هذه الصلاة والقراءة كانت في صلاة الفجر أو المغرب أو العشاء وأما أنها كانت يوم النحر ولم يكن ذلك الوقت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بمكة قطعا فهذا من وهمه ـ رحمه الله ـ . 283
__________
(1) مسلم (1218)
(2) البخاري (1619) ومسلم (1276)
(3) البخاري (1619) ومسلم (1276)(1/26)
89. طافت عائشة في يوم النحر طوافا واحدا وسعت سعيا واحدا أجزأها عن حجها وعمرتها وطافت صفية ذلك اليوم ثم حاضت فأجزأها طوافها ذلك عن طواف الوداع ولم تودع فاستقرت سنته ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في المرأة الطاهرة إذا حاضت قبل الطواف أو قبل الوقوف أن تقرن وتكتفي بطواف واحد وسعي واحد وإن حاضت بعد طواف الإفاضة اجتزأت به عن طواف الوداع . 284
90. مشى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من رحله إلى الجمار ولم يركب فبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة يقول مع كل حصاة : " الله أكبر " ثم تقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل فقام مستقبل القبلة ثم رفع يديه ودعا دعاء طويلا بقدر سورة البقرة ثم أتى إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك ثم انحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو قريبا من وقوفه الأول ثم أتى الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة فاستبطن الوادي واستعرض الجمرة فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه فرماها بسبع حصيات كذلك ، ولم يرمها من أعلاها كما يفعل الجهال ولا جعلها عن يمينه واستقبل البيت وقت الرمي كما ذكره غير واحد من الفقهاء . 285(1/27)
90. لما أكمل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الرمي رجع من فوره ولم يقف عندها فقيل : لضيق المكان بالجبل ، وقيل : ـ وهو أصح ـ إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها وهذا كما كانت سنته في دعائه في الصلاة إذ كان يدعو في صلبها فأما بعد الفراغ منها فلم يثبت عنه أنه كان يعتاد الدعاء ومن روى عنه ذلك فقد غلط عليه وإن روي في غير الصحيح أنه كان أحيانا يدعو بدعاء عارض بعد السلام وفي صحته نظر . وبالجملة فلا ريب أن عامة أدعيته التي كان يدعو بها وعلمها الصِّديق إنما هي في صلب الصلاة وأما حديث معاذ بن جبل : " لا تنس أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" (1) فدبر الصلاة يراد به آخرها قبل السلام منها كدبر الحيوان ويراد به ما بعد السلام كقوله : تسبحون الله وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة" (2) الحديث والله أعلم . 286
91. لم يزل في نفسي هل كان يرمي قبل صلاة الظهر أو بعدها ؟. والذي يغلب على الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة ثم يرجع فيصلي ، وذكر الإمام أحمد أنه كان يرمي يوم النحر راكبا وأيام منى ماشيا في ذهابه ورجوعه . 287
92. تضمنت حجته ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ست وقفات للدعاء الموقف الأول على الصفا والثاني على المروة والثالث بعرفة والرابع بمزدلفة والخامس عند الجمرة الأولى والسادس عند الجمرة الثانية . 287
__________
(1) أبوداود (1522)والنسائي(1303) وصححه ابن خزيمة
(2) البخاري(843) ومسلم (595)(1/28)
93. خطب ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الناس بمنى خطبتين خطبة يوم النحر وقد تقدمت والخطبة الثانية في أوسط أيام التشريق فقيل هو ثاني يوم النحر وهو أوسطها أي خيارها واحتج من قال ذلك بحديث سراء بنت نبهان قالت سمعت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يقول : " أتدرون أي يوم هذا ؟ قالت : وهو اليوم الذي تدعون يوم الرؤوس (1) قالوا الله ورسوله أعلم قال : هذا أوسط أيام التشريق هل تدرون أي بلد هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال: هذا المشعر الحرام ثم ، قال : إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا حتى تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم ألا هل بلغت " فلما قدمنا المدينة لم يلبث إلا قليلا حتى مات ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رواه أبو داود (2) .288
94. أذن النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ للعباس والرعاة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ أن يبيتوا خارج منى (3) .
__________
(1) سمي بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي .
(2) أصل الحديث في البخاري (1741) ومسلم (1679) وأبو داود (1953) ، ولم يروه أبو داود بطوله ، وإنما رواه البيهقي في سننه . قال المحقق : ( في سند أبي داود ربيعة بن عبدالرحمن بن حصين الغنوي لم يوثقه غير ابن حبان ، وباقي رجاله ثقات ، وله شاهد عند أبي داود بسند جيد رقم : (1952).
(3) قال ابن حجر في التلخيص (3|897) : مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم . وإسناده صحيح صححه الألباني(1/29)
وقال ابن عيينة في هذا الحديث رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما فيجوز لطائفتين بالسنة ترك المبيت بمنى وأما الرمي فإنهم لا يتركونه بل لهم أن يؤخروه إلى الليل فيرمون فيه ولهم أن يجمعوا رمي يومين في يوم وإذا كان النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قد رخص لأهل السقاية وللرعاء في البيتوتة فمن له مال يخاف ضياعه أو مريض يخاف من تخلفه عنه أو كان مريضا لا تمكنه البيتوتة سقطت عنه بتنبيه النص على هؤلاء والله أعلم .290
95. رغبت عائشة إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في آخر لليلة من ليالي التشريق أن يعمرها عمرة مفردة فأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها فأبت إلا أن تعتمر عمرة مفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ففرغت من عمرتها ليلا ثم وافت المحصب مع أخيها فأتيا في جوف الليل ، فقال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " فَرَغْتُمَا " (1) ؟ قالت : ( نعم ) فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ثم طاف بالبيت قبل صلاة الصبح هذا لفظ البخاري فإن قيل كيف تجمعون بين هذا وبين حديث الأسود عنها الذي في الصحيح أيضا قالت : ( خرجنا مع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولم نر إلا الحج فذكرت الحديث وفيه فلما كانت ليلة الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة ، قال : " أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة " قالت : ( قلت لا ) قال : " فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك مكان كذا وكذا " قالت عائشة : فلقيني رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها) (2)
__________
(1) البخاري (1788) ومسلم (1211)
(2) البخاري (1788) ومسلم (1211)(1/30)
ففي هذا الحديث أنهما تلاقيا في الطريق وفي الأول أنه انتظرها في منزله فلما جاءت نادى بالرحيل في أصحابه ثم فيه إشكال آخر وهو قولها لقيني وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو بالعكس فإن كان الأول فيكون قد لقيها مصعدا منها راجعا إلى المدينة وهي منهبطة عليها للعمرة وهذا ينافي انتظاره لها بالمحصب .(1/31)
قال أبو محمد بن حزم : الصواب الذي لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط لأنها تقدمت إلى العمرة وانتظرها رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حتى جاءت ثم نهض إلى طواف الوداع فلقيها منصرفة إلى المحصب عن مكة . وهذا لا يصح فإنها قالت وهو منهبط منها وهذا يقتضي أن يكون بعد المحصب والخروج من مكة فكيف يقول أبو محمد إنه نهض إلى طواف الوداع وهو منهبط من مكة هذا محال . وأبو محمد لم يحج ، وحديث القاسم عنها صريح كما تقدم في أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ انتظرها في منزله بعد النفر حتى جاءت فارتحل وأذن في الناس بالرحيل فإن كان حديث الأسود هذا محفوظا فصوابه لقيني رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وأنا مصعدة من مكة وهو منهبط إليها فإنها طافت وقضت عمرتها ثم أصعدت لميعاده فوافته قد أخذ في الهبوط إلى مكة للوداع فارتحل وأذن في الناس بالرحيل ولا وجه لحديث الأسود غير هذا . وذكر أبو محمد في بعض تآليفه أنه فعل ذلك ليكون كالمحلق على مكة بدائرة في دخوله وخروجه فإنه بات بذي طوى ثم دخل من أعلى مكة ثم خرج من أسفلها ثم رجع إلى المحصب ويكون هذا الرجوع من يماني مكة حتى تحصل الدائرة فإنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما جاء نزل بذي طوى ثم أتى مكة من كداء ثم نزل به لما فرغ من الطواف ثم لما فرغ من جميع النسك نزل به ثم خرج من أسفل مكة وأخذ من يمينها حتى أتى المحصب ويحمل أمره بالرحيل ثانيا على أنه لقي في رجوعه ذلك إلى المحصب قوما لم يرحلوا فأمرهم بالرحيل وتوجه من فوره ذلك إلى المدينة .(1/32)
ولقد شان أبو محمد نفسه وكتابه بهذا الهذيان البارد السمج الذي يُضحَكُ منه ولولا التنبيه على أغلاط من غلط عليه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لرغبنا عن ذكر مثل هذا الكلام والذي كأنك تراه من فعله أنه نزل بالمحصب وصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة وطاف بها طواف الوداع ليلا ثم خرج من أسفلها إلى المدينة ولم يرجع إلى المحصب ولا دار دائرة ففي صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت وطاف به وفي الصحيحين عن عائشة خرجنا مع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وذكرت الحديث ثم قالت حين قضى الله الحج ونفرنا من منى فنزلنا بالمحصب فدعا عبدالرحمن بن أبي بكر فقال : " له اخرج بأختك من الحرم ثم افرغا من طوافكما ثم ائتياني هاهنا بالمحصب " (1) قالت : ( فقضى الله العمرة وفرغنا من طوافنا في جوف الليل ) فأتيناه بالمحصب ، فقال : " فرغتما " قلنا : ( نعم ) فأذن في الناس بالرحيل فمر بالبيت فطاف به ثم ارتحل متوجها إلى المدينة .
فهذا من أصح حديث على وجه الأرض وأدله على فساد ما ذكره ابن حزم وغيره من تلك التقديرات التي لم يقع شيء منها ودليل على أن حديث الأسود غير محفوظ وإن كان محفوظا فلا وجه له غير ما ذكرنا وبالله التوفيق . 290
__________
(1) البخاري (1788) ومسلم (1211)(1/33)
96. وقد جمع بين الحديثين السابقين بجمعين آخرين وهما وهم ، أحدهما : أنه طاف للوداع مرتين مرة بعد أن بعثها وقبل فراغها ومرة بعد فراغها للوداع وهذا مع أنه وهم بيّن فإنه لا يرفع الإشكال بل يزيده فتأمله . الثاني : أنه انتقل من المحصب إلى ظهر العقبة خوف المشقة على المسلمين في التحصيب فلقيته وهي منهبطة إلى مكة وهو مصعد إلى العقبة وهذا أقبح من الأول لأنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يخرج من العقبة أصلا وإنما خرج من أسفل مكة من الثنية السفلى بالاتفاق وأيضا فعلى تقدير ذلك لا يحصل الجمع بين الحديثين ، وذكر أبو محمد بن حزم أنه رجع بعد خروجه من أسفل مكة إلى المحصب وأمر بالرحيل وهذا وهم أيضا لم يرجع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بعد وداعه إلى المحصب وإنما مر من فوره إلى المدينة . 292
97. ها هنا ثلاث مسائل هل دخل رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ البيت في حجته أم لا ؟ وهل وقف في الملتزم بعد الوداع أم لا ؟ وهل صلى الصبح ليلة الوداع بمكة أو خارجا منها ؟(1/34)
فأما المسألة الأولى : فزعم كثير من الفقهاء وغيرهم أنه دخل البيت في حجته ويرى كثير من الناس أن دخول البيت من سنن الحج اقتداء بالنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والذي تدل عليه سنته أنه لم يدخل البيت في حجته ولا في عمرته وإنما دخله عام الفتح . وقيل كان هنالك دخولين صلى في أحدهما ولم يصل في الآخر وهذه طريقة ضعفاء النقد كلما رأوا اختلاف لفظ جعلوه قصة أخرى كما جعلوا الإسراء مرارا لاختلاف ألفاظه وجعلوا اشتراءه من جابر بعيره مرارا لاختلاف ألفاظه وجعلوا طواف الوداع مرتين لاختلاف سياقه ونظائر ذلك ، وأما الجهابذة النقاد فيرغبون عن هذه الطريقة ولا يجبنون عن تغليط من ليس معصوما من الغلط ونسبته إلى الوهم ، قال البخاري وغيره من الأئمة : والقول قول بلال لأنه مثبت شاهد صلاته بخلاف ابن عباس ، والمقصود أن دخوله البيت إنما كان في غزوة الفتح لا في حجه ولا عمره .(1/35)
وأما المسألة الثانية : وهي وقوفه في الملتزم فالذي روي عنه أنه فعله يوم الفتح ففي سنن أبي داود عن عبدالرحمن بن أبي صفوان قال : لما فتح رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مكة انطلقت فرأيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم ووضعوا خدودهم على البيت ورسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وسطهم ) (1) وروى أبو داود أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : (طفت مع عبدالله فلما حاذى دبر الكعبة ، قلت : ألا تتعوذ قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه هكذا وبسطهما بسطا وقال هكذا رأيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يفعله) (2) فهذا يحتمل أن يكون في وقت الوداع وأن يكون في غيره ، ولكن قال مجاهد والشافعي بعده وغيرهما : إنه يستحب أن يقف في الملتزم بعد طواف الوداع ويدعو وكان ابن عباس رضي الله عنهما يلتزم ما بين الركن والباب وكان يقول : (لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه ) والله أعلم .
وأما المسألة الثالثة : وهي موضع صلاته ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ صلاة الصبح صبيحة ليلة الوداع ففي الصحيحين عن أم سلمة قالت : ( شكوت إلى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أني أشتكي فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت ورسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بسورة الطور ) (3)
__________
(1) أبو داود (1898)و إسناده ضعفه الألباني
(2) أبو داود (1899) إسناده ضعفه الألباني
(3) البخاري(1619) ومسلم (1276)(1/36)
فهذا يحتمل أن يكون في الفجر وفي غيرها وأن يكون في طواف الوداع وغيره فنظرنا في ذلك فإذا البخاري قد روى في صحيحه في هذه القصة أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما أراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت وهذا محال قطعا أن يكون يوم النحر فهو طواف الوداع بلا ريب فظهر أنه صلى الصبح يومئذ عند البيت وسمعته أم سلمة يقرأ فيها بالطور .299
98. الهدايا والضحايا والعقيقة مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام ولم يعرف عنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولاعن الصحابة هدي ولا اضحية ولا عقيقة من غيرها . 312
99. كان ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إذا بعث بهديه وهو مقيم لم يحرم عليه شيء كان منه حلالا . 313
100. كان ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إذا اهدى الابل قلدها وأشعرها فيشق صفحة سنامها الأيمن يسيرا حتى يسيل الدم . 312
101. كان ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إذا بعث بهديه أمر رسوله إذا أشرف على عطب شيء منه أن ينحره ثم يصبغ نعله في دمه ثم يجعله على صفحته ولا يأكل منه هو ولا أحد من اهل رفقته ثم يقسم لحمه ومنعه من هذا الأكل سدا للذريعة فإنه لعله ربما قصر في حفظه ليشارف العطب فينحره ويأكل منه فإذا علم أنه لا يأكل منه شيئا اجتهد في حفظه . 312
102. أباح ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لسائق الهدي ركوبه بالمعروف إذا احتاج إليه حتى يجد ظهرا غيره وقال رضي الله عنه يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها . 312
103. أباح ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم ويتزودوا منها ونهاهم مرة ان يدخروا منها بعد ثلاث لدافة دفت عليهم ذلك العام من الناس فأحب ان يوسعوا عليهم . 314(1/37)
104. كان من هديه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذبح هدي العمرة عند المروة وهدي القران بمنى وكذلك كان ابن عمر يفعل ولم ينحر هديه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قط إلا بعد أن حل ولم ينحره قبل يوم النحر ولا أحد من الصحابة البتة ولم ينحره أيضا إلا بعد طلوع الشمس وبعد الرمي فهي أربعة أمور مرتبة يوم النحر اولها الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف وهكذا رتبها ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولم يرخص في النحر قبل طلوع الشمس البتة ولا ريب أن ذلك مخالف لهديه فحكمه حكم الأضحية إذا ذبحت قبل طلوع الشمس . 315
105. إنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يكن يدع الاضحية وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله هذا الذي دلت عليه سنته وهديه لا الاعتبار بوقت الصلاة والخطبة بل بنفس فعلها وهذا هو الذي ندين الله به وامرهم ان يذبحوا الجذع من الضأن والثني مما سواه وهي المسنة . 317
106. أما نهيه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فلا يدل على ان ايام الذبح ثلاثة فقط لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو اخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الادخار وقت النهي ما بينه وبين ثلاثة أيام . 318
107. من هديه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن من اراد التضحية ودخل يوم العشر فلا يأخذ من شعره وبشره شيئا ثبت النهي عن ذلك في صحيح مسلم (1) وأما الدارقطني فقال : الصحيح عندي أنه موقوف على أمِّ سلمة . 320
تم المقصود من زاد المعاد
ثانيا : حاشية ابن القيم على سنن أبي داود
الجزء الخامس :
__________
(1) مسلم(1977)(1/38)
108. قال ابن القطان عن حديث أبي داود " ( وقت لأهل المشرق العقيق ) (1) " : علته الشك في اتصاله فإن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يرويه عن ابن عباس ومحمد بن علي إنما هو معروف في الرواية عن أبيه عن جده ابن عباس وفي صحيح مسلم حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس أنه رقد عند رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الحديث وحديثه عن أبيه عن جده أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أكل كتفا أو لحما ثم صلى ولم يمس ماء ذكره البزار وقال ولا أعلم روى عن جده إلا هذا الحديث يعني وقت لأهل السرق الخ وأخاف أن يكون منقطعا ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم أنه روى عن جده وقال مسلم في كتاب التمييزلم يعلم له سماع من جده ولا أنه لقيه . 164
109. حديث أم سلمة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ " من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى ... " (2) قال غير واحد من الحفاظ إسناده ليس بالقوي وقد سئل عبد الله بن عبدالرحمن بن يحنس هل قال " ووجبت له الجنة " أو قال " أو وجبت " بالشك بدل قوله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر هذا هو الصواب بأو . وفي كثير من النسخ ووجبت بالواو وهو غلط والله أعلم . 166
__________
(1) أبو داود (1740)و إسناده ضعفه الألباني
(2) قال ابن حجر في التلخيص (3|847) : رواه أحمد وابو داود وابن ماجه وابن حبان ، ونقل عن البخاري تضعيفه(1/39)
110. روى النسائي عن عائشة قالت : ( ذبح عنا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يوم حججنا بقرة بقرة ) (1) وعن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت : ( ما ذبح عن آل محمد في الوداع إلا بقرة ) (2) وبه عن عائشة أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة وسيأتي قول عائشة ذبح رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ البقر يوم النحر ، ولا ريب أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حج بنسائه كلهن وهن يومئذ تسع وكلهن كن متمتعات حتى عائشة فإنها قرنت فإن كان الهدي متعددا فلا إشكال وإن كان بقرة واحدة بينهن وهن تسع فهذا حجة لإسحاق ومن قال بقوله إن البدنة تجزىء عن عشرة وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وقد ذهب ابن حزم إلى أن هذا الاشتراك في البقرة إنما كان بين ثمان نسوة قال لأن عائشة لما قرنت لم يكن عليها هدي واحتج بما في صحيح مسلم عنها من قولها : ( فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبدالرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة فقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم ) (3) ، وجعل هذا أصلا في إسقاط الدم عن القارن ولكن هذه الزيادة وهي ولم يكن في ذلك هدي مدرجة في الحديث من كلام هشام بن عروة كما بينه مسلم في الصحيح . 173
111. في قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر" (4) دليل على أن يوم النحر أفضل الأيام ، وذهبت جماعة من العلماء إلى أن يوم الجمعة أفضل الأيام واحتجوا بقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ" خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة " (5)
__________
(1) البيهقي (4|353)
(2) البيهقي (2|452) وأصل الحديث في الصحيحين
(3) مسلم (1211)
(4) أبو داود (1765) وإسناده صحيح صححه الألباني
(5) مسلم (854)(1/40)
وهو حديث صحيح رواه ابن حبان وغيره ، وفصل النزاع أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل أيام العام فيوم النحر مفضل على الأيام كلها التي فيها الجمعة وغيرها ويوم الجمعة مفضل على أيام الأسبوع فإن اجتمعا في يوم تظاهرت الفضيلتان وإن تباينا فيوم النحر أفضل وأعظم لهذا الحديث والله أعلم . 185
112. الأحاديث الصحيحة صريحة بأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أهلت أولا بعمرة ثم أمرها رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما حاضت أن تهل بالحج فصارت قارنة ولهذا قال لها النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك " متفق عليه ، وهو صريح في رد قول من قال إنها رفضت إحرام العمرة رأسا وانتقلت إلى الإفراد ، وإنما أمرت برفض أعمال العمرة من الطواف والسعي حتى تطهر لا برفض إحرمها . 197
113. أما قول من قال إن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أحرمت بحج ثم نوت فسخه بعمرة ثم رجعت إلى حج مفرد فهو خلاف ما أخبرت به عن نفسها وخلاف ما دل عليه قول النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لها " يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ"والنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إنما أمرها أن تهل بالحج لما حاضت كما أخبرت بذلك عن نفسها وأمرها أن تدع العمرة وتهل بالحج وهذا كان بسرف قبل أن يأمر أصحابه بفسخ حجهم إلى العمرة فإنه إنما أمرهم بذلك على المروة . 198
114. من تأمل أحاديث عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ـ علم أنها أحرمت أولا بعمرة ثم أدخلت عليها الحج فصارت قارنة ثم اعتمرت من التنعيم عمرة مستقلة تطييبا لقلبها . 199(1/41)
115. قد غلط في قصة عائشة من قال إنها كانت مفردة فإن عمرتها من التنعيم هي عمرة الإسلام الواجبة، وغلط من قال إنها كانت متمتعة ثم فسخت المتعة إلى أفراد وكانت عمرة التنعيم قضاء لتلك العمرة ، وغلط من قال إنها كانت قارنة ولم يكن عليها صدقة ولا صوم وأن ذلك إنما يجب على المتمتع ، ومن تأمل أحاديثها علم ذلك وتبين له أن الصواب ما ذكرناه ، والله أعلم . 199
116. في حديث عائشة دليل على تعدد السعي على المتمتع فإن قولها ( ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ) (1) تريد به الطواف بين الصفا والمروة ولهذا نفته عن القارنين ولو كان المراد به الطواف بالبيت لكان الجميع فيه سواء فإن طواف الإفاضة لا يفترق فيه القارن والمتمتع . وقد خالفها جابر في ذلك ففي صحيح مسلم عنه أنه قال لم يطف النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول (2) وأخذ الإمام أحمد بحديث جابر هذا في رواية ابنه عبد الله والمشهور عنه أنه لابد من طوافين على حديث عائشة ولكن هذه اللفظة وهي فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت إلى آخره قد قيل إنها مدرجة في الحديث من كلام عروة .201
117. الصواب أن ما أحرم به ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كان أفضل وهو القرآن ولكن أخبر أنه لو استقبل من أمره ما استدبر لأحرم بعمرة وكان حينئذ موافقا لهم في المفضول تأليفا لهم وتطييبا لقلوبهم كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم وإدخال الحجر فيها وإلصاق بابها بالأرض تأليفا لقلوب الصحابة الحديثي العهد بالإسلام خشية أن تنفر قلوبهم ؛ وعلى هذا فيكون الله تعالى قد جمع له الأمرين النسك الأفضل الذي أحرم به وموافقته لأصحابه بقوله لو "استقبلت " فهذا بفعله وهذا بنيته وقوله وهذا الأليق بحاله صلوات الله وسلامه عليه . 205
__________
(1) البخاري(1638) ومسلم (1211)
(2) مسلم (1279)(1/42)
118. عند النسائي عن سراقة تمتع رسول الله وتمتعنا معه فقلنا : ( ألنا خاصة أم للأبد ) قال : " بل للأبد " (1) وهو صريح في أن العمرة التي فسخوا حجهم إليها لم تكن مختصة بهم وأنها مشروعة للأمة إلى يوم القيامة ؛ وقول من قال إن المراد به السؤال عن المتعة في أشهر الحج لا عن عمرة الفسخ باطل من وجوه :
أحدها : أنه لم يقع السؤال عن ذلك ولا في اللفظ ما يدل عليه وإنما سأله عن تلك العمرة المعينة التي أمروا بالفسخ إليها ولهذا أشار إليها بعينها فقال متعتنا هذه ولم يقل العمرة في أشهر الحج
الثاني : أنه لو قدر أن السائل أراد ذلك فالنبي أطلق الجواب بأن تلك العمرة مشروعة إلى الأبد ومعلوم أنها مشتملة على وصفين كونها عمرة فسخ الحج إليها وكونها في أشهر الحج فلو كان المراد أحد الأمرين وهو كونها في أشهر الحج لبينه للسائل لا سيما إذا كان الفسخ حراما باطلا فكيف يطلق الجواب عما يجوز ويشرع وما لا يحل ولا يصح إطلاقا واحدا هذا مما ينزه عنه آحاد أمته فضلا عنه ومعلوم أن من سئل عن أمر يشتمل على جائز ومحرم وجب عليه أن يبين للسائل جائزه من حرامه ولا يطلق الجواز والمشروعية عليه إطلاقا واحدا .
الثالث : أن النبي قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر كلهن في أشهر الحج وقد علم ذلك الخاص والعام أفما كان في ذلك ما يدل على جواز العمرة في أشهر الحج .
الرابع : أن النبي قال لهم عند إحرامهم من شاء أن يهل بعمرة فليهل وفي هذا أعظم البيان لجواز العمرة في أشهر الحج .
الخامس : أنه خص بذلك الفسخ من لم يكن معه هدي وأما من كان معه هدي فأمره بالبقاء على إحرامه وأن لا يفسخ فلو كان المراد ما ذكروه لعم الجميع بالفسخ ولم يكن للهدي أثر أصلا فإن سبب الفسخ عندهم الإعلام المجرد بالجواز وهذا الإعلام لا تأثير للهدي في المنع منه .
__________
(1) أصل الحديث في البخاري (1785) ومسلم (1216)(1/43)
السادس : أن طرق الإعلام بجواز الاعتمار في أشهر الحج أظهر وأبين قولا وفعلا من الفسخ فكيف يعدل عن الإعلام بأقرب الطرق وأبينها وأسهلها وأدلها إلى الفسخ الذي ليس بظاهر فيما ذكره من الإعلام والخروج من نسك إلى نسك وتعويضهم بسعة ذلك عليهم لمجرد الإعلام الممكن الحصول بأقرب الطرق وقد بين ذلك غاية البيان بقوله وفعله فلم يحلهم بالإعلام على الفسخ .
السابع : أنه لو فرض أن الفسخ للإعلام المذكور لكان ذلك دليلا على داوم مشروعيته إلى يوم القيامة فإن ما شرع في المناسك لمخالفة المشركين مشروع أبدا كالوقوف بعرفة لقريش وغيرهم والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس .
الثامن : أن هذا الفسخ وقع في آخر حياة النبي ولم يجىء عنه كلمة قط تدل على نسخه وإبطاله ولم تجمع الأمة بعده على ذلك بل منهم من يوجبه كقول حبر الأمة وعالمها عبد الله بن عباس ومن وافقه وقول إسحاق وهو قول الظاهرية وغيرهم ومنهم من يستحبه ويراه سنة رسول الله كقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وقد قال له سلمة بن شبيب : يا أبا عبد الله كل شيء منك حسن إلا خصلة واحدة تقول بفسخ الحج إلى العمرة . فقال : يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق وكنت أدافع عنك والآن علمت أنك أحمق ! عندي في ذلك بضعة عشر حديثا صحيحه عن رسول الله أدعها لقولك ؟ وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وعبيد الله بن الحسن وكثير من أهل الحديث أو أكثرهم .
التاسع : أن هذا موافق لحج خير الأمة وأفضلها مع خير الخلق وأفضلهم فإنه أمرهم بالفسخ إلى المتعة وهو لا يختار لهم إلا الأفضل فكيف يكون ما اختاره لهم هو المفضول المنقوص بل الباطل الذي لا يسوغ لأحد أن يقتدي بهم فيه .(1/44)
العاشر : أن الصحابة رضي الله عنهم إذا لم يكتفوا بعمل العمرة معه ثلاثة أعوام في أشهر الحج وبقوله لهم عند الإحرام من شاء أن يهل بعمرة فليهل على جواز العمرة في أشهر الحج فهم أحرى أن يكتفوا بالأمر بالفسخ في العلم بجواز العمرة في أشهر الحج فإنه إذا لم يحصل لهم العلم بالجواز بقوله وفعله فكيف يحصل بأمره لهم بالنسخ .
الحادي عشر : أن ابن عباس الذي روى أنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وأن النبي أمرهم لما قدموا بالفسخ هو كان يرى وجوب الفسخ ولا بد بل كان يقول كل من طاف بالبيت فقد حل من إحرامه ما لم يكن معه هدي وابن عباس أعلم بذلك فلو كان النبي إنما أمرهم بالفسخ للإعلام بجواز العمرة لم يخف ذلك على ابن عباس ولم يقل إن كل من طاف بالبيت من قارن أو حاج لا هدي معه فقد حل .
الثاني عشر : أنه لا يظن بالصحابة الذين هم أصح الناس أذهانا وأفهاما وأطوعهم لله ولرسوله أنهم لم يفهموا جواز العمرة في أشهر الحج وقد عملوها مع رسول الله ثلاثة أعوام وأذن لهم فيها ثم فهموا ذلك من الأمر بالفسخ .
119. الثالث عشر : أن النبي إما أن يكون أمرهم بالفسخ لأن التمتع أفضل فأمرهم بالفسخ إلى أفضل الأنساك أو يكون أمرهم به ليكون نسكهم مخالفا للمشركين في التمتع في أشهر الحج وعلى التقديرين فهو مشروع غير منسوخ إلى الأبد أما الأول الظاهر وأما الثاني فلأن الشريعة قد استقرت ولا سيما في المناسك على قصد مخالفة المشركين فالنسك المشتمل على مخالفتهم أفضل بلا ريب وهذا واضح .(1/45)
120. الرابع عشر : أن السائل للنبي عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد لم يرد به أنها هل تجزىء عن تلك السنة فقط أو عن العمر كله فإنه لو كان مراده ذلك لسأل عن الحج الذي هو فرض الإسلام ومن المعلوم أن العمرة إن كانت واجبة لم تجب في العمر إلا مرة واحدة ولأنه لو أراد ذلك لم يقل له النبي بل لأبد الأبد فإن أبد الأبد إنما يكون في حق الأمة قوما يعرفون إلى يوم القيامة وإن الأبد لا يكون في حق طائفة معينة بل هو لجميع الأمة ولأنه قال في رواية النسائي ألنا خاصة أم للأبد فدل على أنهم إنما سألوا هل يسوغ فعلها بعدك على هذا الوجه فأجابهم بأن فعلها كذلك سائغ أبد الأبد وفي رواية للبخاري أن سراقة بن مالك لقي النبي فقال ألكم هذه خاصة يارسول الله قال بل للأبد .
الخامس عشر : أن النبي أخبرهم في تلك الحجة أن كل من طاف بالبيت فقد حل إلا من كان معه الهدي ففي السنن من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي يارسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال : " إن الله عزوجل قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي " فهذا نص انفساخه شاء أم أبى كما قال ابن عباس وإسحاق ومن وافقهما وقوله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم يريد قضاء لازما لا يتغير ولا يتبدل بل نتمسك به من يومنا هذا إلى آخر العمر .(1/46)
السادس عشر : أن النبي لما سئل عن تلك العمرة التي فسخوا إليها الحج وتمتعوا بها ابتداء فقال " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " (1) كان هذا تصريحا منه بأن هذا الحكم ثابت أبدا لا ينسخ إلى يوم القيامة ومن جعله منسوخا فهذا النص يرد قوله . وحمله على العمرة المبتدأة التي لم يفسخ الحج إليها باطل فإن عمدة الفسخ سبب الحديث فهي مرادة منه نصا وما عداها ظاهرا وإخراج محل السبب وتخصيصه من اللفظ العام لا يجوز فالتخصيص وإن تطرق إلى العموم فلا يتطرق إلى محل السبب وهذا باطل .
السابع عشر : أن متعة الفسخ لو كانت منسوخة لكان ذلك من المعلوم عند الصحابة ضرورة كما كان من المعلوم عندهم نسخ الكلام في الصلاة ونسخ القبلة ونسخ تحريم الطعام والشراب على الصائم بعد ما ينام بل كان بمنزلة الوقوف بعرفة والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس فإن هذا من أمور المناسك الظاهرة المشترك فيها أهل الإسلام فكان نسخه لا يخفى على أحد وقد كان ابن عباس إذا سألوه عن فتياه بها يقول : ( سنة نبيكم وإن رغمتم ) (2) فلا يراجعونه فكيف تكون منسوخة عندهم وابن عباس يخبر أنها سنة نبيهم ويفتي بها الخاص والعام وهم يقرونه على ذلك هذا من أبطل الباطل .
__________
(1) أصل الحديث في مسلم (1218) دون الزيادة .
(2) مسلم (1244)(1/47)
الثامن عشر : أن الفسخ قد رواه عن النبي أربعة عشر من الصحابة وهم عائشة وحفصة وعلي وفاطمة وأسماء بنت أبي بكر وجابر وأبو سعيد وأنس وأبو موسى والبراء وابن عباس وسراقة وسبرة ورواه عن عائشة الأسود بن يزيد والقاسم وعروة وعمرة وذكوان مولاها ورواه عن جابر عطاء ومجاهد ومحمد بن علي وأبو الزبيرورواه عن أسماء صفية ومجاهد ورواه عن أبي سعيد أبو نضرة ورواه عن البراء أبو إسحاق ورواه عن ابن عمر سالم ابنه وبكر بن عبد الله ورواه عن أنس أبو قلابة ورواه عن أبي موسى طارق بن شهاب ورواه عن ابن عباس طاووس وعطاء وابن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد وكريب وأبو العالية ومسلم القرشي وأبو حسان الأعرج ورواه عن سبرة ابنه ؛ فصار نقل كافة عن كافة يوجب العلم ومثل هذا لا يجوز دعوى نسخه إلا بما يترجح عليه أو يقاومه فكيف يسوغ دعوى نسخه بأحاديث لا تقاومه ولا تدانيه ولا تقاربه ؟ وإنما هي بين مجهول رواتها أو ضعفاء لا تقوم بهم حجة ، وما صح فيها فهو رأي صاحب قاله بظنه واجتهاده وهو أصح ما فيها وهو قول أبي ذر كانت المتعة لنا خاصة وما عداه فليس بشيء وقد كفانا رواته مؤنته فلو كان ما قاله أبو ذر رواية صحيحة ثابتة مرفوعة لكان نسخ هذه الأحاديث المتواترة به ممتنعا فكيف وإنما هو قوله ومع هذا فقد خالفه فيه عشرة من الصحابة كابن عباس وأبي موسى الأشعري وغيرهما .(1/48)
التاسع عشر : أن الفسخ موافق للنصوص والقياس أما موافقته للنصوص فلا ريب فيه كما تقدم وأما موافقته للقياس فإن المحرم إذا التزم أكثر مما كان التزمه جاز بالاتفاق فلو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج جاز اتفاقا وعكسه لا يجوز عند الأكثرين وأبو حنيفة يجوزه على أصله فإن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين فإذا أدخل العمرة على الحج جاز عنده لالتزامه طوافا ثانيا وسعيا وإذا كان كذلك فالمحرم بالحج لم يلتزم إلا الحج إذا صار متمتعا صار ملتزما لعمرة وحج فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه فجاز ذلك بل استحب له لأنه أفضل وأكثر مما التزمه أولا وإنما يتوهم الإشكال من يتوهم أنه فنسخ حج إلى عمرة وليس كذلك فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة لم يجز عند أحد وإنما يجوز الفسخ لمن نيته أن يحج بعد متعته من عامه والمتمتع من حين يحرم بالعمرة دخل في الحج كما قال النبي : دخلت العمرة في الحج فهذه المتعة التي فسخ إليها هي جزء من الحج ليست عمرة مفردة وهي من الحج بمنزلة الوضوء من غسل الجنابة فهي عبادة واحدة قد تخللها الرخصة بالإحلال وهذا لا يمنع أن تكون واحدة كطواف الافاضة فإنه من تمام الحج ولا يفعل إلا بعد التحلل الأول وكذلك رمي الجمار أيام منى من تمام الحج وهو يفعل بعد التحلل التام وقول النبي " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق " (1) يتناول من حج حجة تمتع فيها بالعمرة وإن تحلل من إحرامه ولم تكن حجته مكية اذلا ينقلهم الرؤوف الرحيم بهم من الفاضل الراجح إلى المفضول الناقص بل إنما نقلهم من المفضول إلى الفاضل الكامل لا يجوز غير هذا البتة .
__________
(1) البخاري(1819) ومسلم (1350)(1/49)
العشرون : أن القياس أنه إذا اجتمعت عبادتان كبرى وصغرى فالسنة تقديم الصغرى على الكبرى منهما ولهذا كان النبي يبدأ في غسل الجنابة الوضوء أولا ثم يتبعه الغسل وقال في غسل ابنته : " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " (1) فنسخ الحج إلى العمرة يتضمن موافقة هذه السنة فقد تبين أنه موافق للنصوص والقياس ولحج خيار الأمة مع نبيها ولو لم يمكن فيه نص لكان القياس يدل على جوازه من الوجوه التي ذكرنا وغيرها . ولو تتبعنا أدلة جوازه لطالت وفي هذا كفاية والحمد لله . 208
121. قوله " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " لا ريب في أنه من كلام رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولم يقل أحد أنه من قول ابن عباس وكذلك قوله " هذه عمرة تمتعنا بها " (2) وهذا لا يشك فيه من له أدنى خبرة بالحديث . 218
122. التعليل الذي تقدم لأبي داود في قوله هذا حديث منكر (3) إنما هو لحديث عطاء هذا عن ابن عباس يرفعه إذا أهل الرجل بالحج ، فإن هذا قول ابن عباس الثابت عنه بلا ريب رواه عنه أبو الشعثاء وعطاء وأنس بن سليم وغيرهم من كلامه فانقلب على الناسخ فنقله إلى حديث مجاهد عن ابن عباس وهو إلى جانبه وهو حديث صحيح لا مطعن فيه ولا علة ولا يعلل أبو داود مثله ولا من هو دون أبي داود وقد اتفق الأئمة الأثبات على رفعه والمنذري ـ رحمه الله ـ رأى ذلك في السنن فنقله كما وجده والأمر كما ذكرنا . والله أعلم . 217
123. حديث سعيد بن المسيب أن رجل جاء إلى عمر فشهد أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نهى عن المتعة في مرض (4)
__________
(1) البخاري (167) ومسلم (939)
(2) مسلم (1241)
(3) يريد الحديث الذي رواه أبو داود " هذه عمرة استمتعنا بها .. "
(4) البيهقي(5|19) ولا يصح في إسناده أبو عيسى الخرساني قال عنه الدارقطني : حاله مجهولة(1/50)
موته باطل ، ولا يحتاج تعليله إلى عدم سماع ابن المسيب من عمر فإن ابن المسيب إذا قال قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فهو حجة ، قال الإمام أحمد : ( إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل ؟! ) وقال أبو محمد بن حزم : ( هذا حديث في غاية الوهي والسقوط لأنه مرسل عمن لم يسم وفيه أيضا ثلاثة مجهولون أبو عيسى الخراساني وعبد الله بن القاسم وأبوه ففيه خمسة عيوب وهو ساقط لا يحتج به من له أدنى علم ) . 219
124. قال عبدالحق ـ هو الإشبيلي ـ : لم يسمع أبو شيخ من معاوية حديث النهي عن القران بين الحج والعمرة ، وإنما سمع منه النهي عن ركوب جلود النمور فأما النهي عن القران فسمعه من أبي حسان عن معاوية بن مرة يقول عن أخيه حمان ومرة يقول جمان وهم مجهولون ، ولو فرض صحة هذا عن معاوية فقد أنكر الصحابة عليه أن يكون رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نهى عنه فلعله وهم أو اشتبه عليه نهيه عن متعة النساء بمتعة الحج كما اشتبه على غيره . 220
125. من تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب (1) حق التأمل جزم جزما لا ريب فيه أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أحرم في حجته قارنا ولا تحتمل الأحاديث غير ذلك بوجه من الوجوه أصلا ، قال الإمام أحمد : لا أشك أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كان قارنا ، تم كلامه . وقد روى عنه ذلك خمسة عشر من أصحابه وهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعمران بن حصين والبراء بن عازب وحفصة أم المؤمنين وأنس بن مالك وأبو قتادة وابن أبي أوفى فهؤلاء صحت عنهم الرواية بغاية البيان والتصريح
،
__________
(1) يريد ـ رحمه الله ـ باب في الإقران وأوله " سمعت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يلبي بالحج )(1/51)
ومن تأمل الأحاديث الصحيحة في هذا الباب جزم بهذا ، وهذا فصل النزاع والله أعلم .226
126. المتعين في حديث معاوية : ( ما علمت أني قصرت عن رسول الله بمشقص أعرابى على المروة ) يكون في عمرة الجعرانة ، والله أعلم . لأن معاوية إنما أسلم يوم الفتح مع أبيه فلم يقصر عنه في عمرة الحديبية ولا عمرة القضية والنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يكن محرما في الفتح ولم يحل من إحرامه في حجة الوداع بعمرة فتعين أن يكون ذلك في عمرة الجعرانة . 236
127. قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن حديث بلال بن الحرث المزني في فسخ الحج ـ ونصه يارسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا ؟ قال : " لكم خاصة " (1) ـ فقال : ( لا أقول به وليس إسناده بالمعروف ولم يروه إلا الدراوردي وحده ) .وقال عبدالحق : ( الصحيح في هذا قول أبي ذر غير المرفوع إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ) . وقال ابن القطان : ( فيه الحرث بن بلال عن أبيه بلال بن الحرث والحرث بن بلال لا يعرف حاله )
128. في معنى التلبية ثمانية أقوال :
? أحدهما : إجابة لك بعد إجابة، ولهذا المعنى كررت التلبية إيذانا بتكرير الإجابة .
? الثاني : أنه انقياد من قولهم لببت الرجل إذا قبضت على تلابيبه ، والمعنى انقدت لك وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة كما يفعل بمن لب بردائه وقبض على تلابيبه .
? الثالث : أنه من لب بالمكان إذا قام به ولزمه ، والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها
? الرابع : أنه من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وتقابلها أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك
? الخامس : معناه حبا لك بعد حب من قولهم : امرأة لبة إذا كانت محبة لولدها .
? السادس : أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه ومنه لب الطعام ولب الرجل عقله وقلبه
ومعناه أخلصت لي وقلبي لك وجعلت لك لبي وخالصتي .
__________
(1) أصله في مسلم (1224) عن أبي ذر(1/52)
? السابع : أنه من قولهم فلان رخي اللبب وفي لب رخي أي في حال واسعة منشرح الصدر
ومعناه أن منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها متوجه إليك بلبب رخي يوجد المحب إلى محبوبه لا بكره ولا تكلف .
? الثامن : أنه من الإلباب وهو الاقتراب أي اقترابا إليك بعد اقتراب كما يتقرب المحب من محبوبه . 252
129. ( سعديك ) من المساعدة وهي المطاوعة ، ومعناه مساعدة في طاعتك وما تحب بعد مساعدة . و( الرغباء إليك ) معناها الطلب والمسألة والرغبة .
130. اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة :
? إحداها : أن قولك لبيك يتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه .
? الثانية : أنها تتضمن المحبة كما تقدم ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه ولهذا قيل في معناها أنا مواجه لك بما تحب وأنها من قولهم امرأة لبة أي محبة لولدها .
? الثالثة : أنها تتضمن التزام دوام العبودية ولهذا قيل هي من الإقامة أي أنا مقيم على طاعتك
? الرابعة : أنها تتضمن الخضوع والذل أي خضوعا بعد خضوع من قولهم : أنا ملب بين يديك أي خاضع ذليل .
? الخامسة : أنها تتضمن الإخلاص ولهذا قيل إنها من اللب وهو الخالص .
? السادسة : أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى إذ يستحيل أن يقول الرجل لبيك لمن لا يسمع دعاءه .
? السابعة : أنها تتضمن التقرب من الله ولهذا قيل إنها من الإلباب وهو التقرب .(1/53)
الثامنة : أنها جعلت في الإحرام شعارا لانتقال من حال إلى حال ومن منسك إلى منسك كما جعل التكبير في الصلاة سبعا للانتقال من ركن إلى ركن ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف فيقطع التلبية ثم إذا سار لبى حتى يقف بعرفة فيقطعها ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ثم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة فيقطعها ؛ فالتلبية شعار الحج والتنقل في أعمال المناسك ، فالحاج كلما انتقل من ركن إلى ركن قال : لبيك اللهم لبيك كما أن المصلي يقول في انتقاله من ركن إلى ركن الله أكبر فإذا حل من نسكه قطعها كما يكون سلام المصلي قاطعا لتكبيره .
? التاسعة : أنها شعار لتوحيد ملة إبراهيم الذي هو روح الحج ومقصده بل روح العبادات كلها والمقصود منها ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها .
? العاشرة : أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له .
? الحادية عشرة : أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله واول من يدعي إلى الجنة أهله وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها .
? الثانية عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق أي النعم كلها لك وانت موليها والمنعم بها .
? الثالثة عشرة : أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده فلا ملك على الحقيقة لغيره .
? الرابعة عشرة : أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بإن المقتضية تحقيق الخبر وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولا شك .(1/54)
? الخامسة عشرة : في إن وجهان فتحها وكسرها فمن فتحها تضمنت معنى التعليل أي لبيك الحمد والنعمة لك ومن كسرها كانت جملة مستقلة مستأنفة تتضمن ابتداء الثناء على الله والثناء إذا كثرت جمله وتعددت كان أحسن من قلتها وأما إذا فتحت فإنها تقدر بلام التعليل المحذوفة معها قياسا والمعنى لبيك لأن الحمد لك والفرق بين أن تكون جمل الثناء علة لغيرها وبين أن تكون مستقلة مرادة لنفسها .(1/55)
? السادسة عشرة : أنها متضمنة للإخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عزوجل وهذا نوع آخر من الثناء عليه غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العلية فله سبحانه من أوصافه العلي نوعا ثناء نوع متعلق بكل صفة على انفرادها ونوع متعلق باجتماعها وهو كمال مع كمال وهو عامة الكمال والله سبحانه يفرق في صفاته بين الملك والحمد وسوغ هذا المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال والملك وحده كمال والحمد كمال واقتران أحدهما بالآخر كمال فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله وكان في ذكر الحمد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية ولبها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . ونظير هذا اقتران الغنى بالكرم كقوله : " فإن ربي غني كريم " [ النمل :40]فله كمال من غناه وكرمه ومن اقتران أحدهما بالآخر . ونظيره اقتران العزة بالرحمة " وإن ربك لهو العزيز الرحيم "[الشعراء :9] ونظيره اقتران العفو بالقدرة " وكان الله عفوا قديرا " [ النساء :99]ونظيره اقتران العلم بالحلم " والله عليم حليم " ونظيره اقتران الرحمة بالقدرة " والله قدير والله غفور رحيم " [الممتحنة :7]وهذا يطلع ذا اللب على رياض من العلم أنيقات ويفتح له باب محبة الله ومعرفته والله المستعان وعليه التكلان .
? السابعة عشرة : أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال : " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " (1)
__________
(1) الترمذي (3585) بلفظ: خير وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1536)(1/56)
وقد اشتملت بالتلبية على هذه الكلمات بعينها وتضمنت معانيها . وقوله : وهو على كل شيء قدير لك أن تدخلها تحت قولك في التلبية : لا شريك لك ، ولك أن تدخلها تحت قولك : إن الحمد والنعمة لك ، ولك أن تدخلها تحت إثبات الملك له تعالى إذ لو كان بعض الموجودات خارجا عن قدرته وملكه واقعا بخلق غيره لم يكن نفي الشريك عاما ولم يكن إثبات الملك والحمد له عاما وهذا من أعظم المحال والملك كله له والحمد كله له وليس له شريك بوجه من الوجوه .
? الثامنة عشر : أن كلمات التلبية متضمنة للرد على كل مبطل في صفات الله وتوحيده فإنها مبطلة لقول المشركين على اختلاف طوائفهم ومقالاتهم ، ولقول الفلاسفة وإخوانهم من الجهمية المعطلين لصفات الكمال التي هي متعلق الحمد فهو سبحانه محمود لذاته ولصفاته ولأفعاله فمن جحد صفاته وأفعاله فقد جحد حمده ، ومبطلة لقول مجوس الأمة لقدرية الذين أخرجوا من ملك الرب وقدرته أفعال عبادة من الملائكة والجن والإنس فلم يثبتوا له عليها قدرة ولا جعلوه خالقا لها فعلى قولهم لا تكون داخلة تحت ملكه إذ من لا قدرة له على الشيء كيف يكون هذا الشيء داخلا تحت ملكه فلم يجعلوا الملك كله لله ولم يجعلوه على كل شيء قدير ، وأما الفلاسفة فعندهم لا قدرة له على شيء البتة فمن علم معنى هذه الكلمات وشهدها وأيقن بها باين جميع الطوائف المعطلة .
? التاسعة عشرة : في عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر وهو قوله إن الحمد والنعمة والملك ولم يقل إن الحمد والنعمة لك والملك لطيفة بديعة ؛ وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين فإنه لو قال إن الحمد والنعمة والملك لك كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد فلما تمت الجملة الأولى بقوله لك ثم عطف الملك كان تقديره والملك لك فيكون مساويا لقوله له الملك وله الحمد ولم يقل الملك والحمد وفائدته تكرار الحمد في الثناء .(1/57)
? العشرون : لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخير كان فيه إشعار باقترانهما وتلازمهما وعدم مفارقة أحدهما للآخر فالإنعام والحمد قرينان .
? الحادية والعشرون : في إعادة الشهادة له بأنه لا شريك له لطيفة وهي : أنه أخبر لا شريك له عقب إجابته بقوله لبيك ثم أعادها عقب قوله إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة الملك والأول يتضمن أنه لا شريك لك في إجابة هذه الدعوة ؛ وهذا نظير قوله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "[ آل عمران :18] فأخبر بأنه لا إله إلا هو في أول الآية وذلك داخل تحت شهادته وشهادة ملائكته وأولي العلم وهذا هو المشهود به ثم أخبر عن قيامه بالقسط وهو العدل فأعاد الشهادة بأنه لا إله إلا هو مع قيامه بالقسط . 255
131. حديث ابن عمر سأل رجل رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ما يترك المحرم من الثياب فقال : " لا يلبس البرانس ... ... " (1) فيه أحكام عديدة :
? الحكم الأول أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سئل عما يلبس المحرم وهو غير محصور فأجاب بما لا يلبس لحصره فعلم أن غيره على الإباحة ونبه بالقميص على ما فصل للبدن كله من جبة أو دلق أو دراعة أو عرقشين ونحوه ونبه بالعمامة على كل ساتر للرأس معتاد كالقبع والطاقية والقلنسوة والكلتة ونحوها ونبه بالبرنس على المحيط بالرأس والبدن جميعا كالغفارة ونحوها ونبه بالسراويل على المفصل على الأسافل كالتبان ونحوه ونبه بالخفين على ما في معناهما من الجرموق والجورب والزربول ذي الساق ونحوه .
__________
(1) البخاري(1838)(1/58)
? الحكم الثاني : أنه منعه من الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران وليس هذا لكونه طيبا فإن الطيب في غير الورس والزعفران أشد ولأنه خصه بالثوب دون البدن وإنما هذا من أوصاف الثوب الذي يحرم فيه أن لا يكون مصبوغا بورس ولا زعفران .
? الحكم الثالث : أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رخص في لبس الخفين عند عدم النعلين ولم يذكر فدية ورخص في حديث كعب بن عجرة في حلق رأسه مع الفدية وكلاهما محظور بدون العذر والفرق بينهما أن أذى الرأس ضرورة خاصة لا تعم فهي رفاهية للحاجة وأما لبس الخفين عند عدم النعلين فبدل يقوم مقام المبدل والمبدل وهو النعل لا فدية فيه فلا فدية في بدله وأما حلق الرأس فليس ببدل وإنما هو ترفه للحاجة فجبر بالدم .
? الحكم الرابع : أنه أمر لابس الخفين بقطعهما أسفل من كعبيه في حديث ابن عمر لأنه إذا قطعهما أسفل من الكعبين صارا شبيهين بالنعل . 277
132. اختلف الفقهاء في قطع الخف هل هو واجب أم لا على قولين :
? أحدهما : أنه واجب وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك والثوري وإسحاق وابن المنذر وإحدى الروايتين عن أحمد لأمر رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بقطعهما وتعجب الخطابي من أحمد فقال : ( العجب من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلت سنة لم تبلغه ) وعلى هذه الرواية إذا لم يقطعهما تلزمه الفدية .
? والثاني : أن القطع ليس بواجب وهو أصح الروايتين عن أحمد ويروى عن علي بن أبي طالب وهو قول أصحاب ابن عباس وعطاء وعكرمة وهذه الرواية أصح لما في الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يخطب بعرفات " من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين " (1)
__________
(1) البخاري (1841) ومسلم (1178)(1/59)
فأطلق الإذن في لبس الخفين ولم يشترط القطع وهذا كان بعرفات والحاضرون معه إذ ذاك أكثرهم لم يشهدوا خطبته بالمدينة فإنه كان معه من أهل مكة واليمن والبوادي من لا يحصيهم إلا الله تعالى وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، وهو أعظم جمع كان له ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فقال " من لم يجد الإزار فليلبس السروايل ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين " ولم يأمر بقطع ولا فتق . فدل هذا على أن هذا الجواز لم يكن شرع بالمدينة وأن الذي شرع بالمدينة هو لبس الخف المقطوع ثم شرع بعرفات لبس الخف من غير قطع . 278
133. إن قيل حديث ابن عمر مقيد وحديث ابن عباس مطلق والحكم والسبب واحد وفي مثل هذا يتعين حمل المطلق على المقيد وقد أمر في حديث ابن عمر بالقطع فالجواب من وجهين :
? أحدهما : أن قوله في حديث ابن عمر وليقطعهما قد قيل إنه مدرج من كلام نافع قال صاحب المغني : ( كذلك روي في أمالي أبي القاسم بن بشران بإسناد صحيح أن نافعا قال بعد روايته للحديث وليقطع الخفين أسفل من الكعبين والإدراج فيه محتمل لأن الجملة الثانية يستقل الكلام الأول بدونها فالإدراج فيه ممكن فإذا جاء مصرحا به أن نافعا قاله زال الإشكال ) ويدل على صحة هذا أن ابن عمر كان يفتي بقطعهما للنساء فأخبرته صفية بنت أبي عبيد عن عائشة أن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما قالت صفية فلما أخبرته بهذا رجع .(1/60)
? الجواب الثاني : أن الأمر بالقطع كان بالمدينة ورسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يخطب على المنبر فناداه رجل فقال ما يلبس المحرم من الثياب فأجابه بذلك وفيه الأمر بالقطع وحديث ابن عباس وجابر بعده وعمرو بن دينار روى الحديثين معا ثم قال انظروا أيهما كان قبل وهذا يدل على أنهم علموا نسخ الأمر بحديث ابن عباس وقال الدارقطني : قال أبو بكر النيسابوري : حديث ابن عمر قبل لأنه قال نادى رجل رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وهو في المسجد فذكره وابن عباس يقول سمعت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يخطب بعرفات .(1/61)
فإن قيل حديث ابن عباس رواه أيوب والثوري وابن عيينة وابن زيد وابن جريج وهشيم كلهم عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس ولم يقل أحد منهم بعرفات غير شعبة ورواية الجماعة أولى من رواية الواحد ، قيل هذا عبث فإن هذه اللفظة متفق عليها في الصحيحين وناهيك برواية شعبة لها وشعبة حفظها وغيره لم ينفها بل هي في حكم جملة أخرى في الحديث مستقلة وليست تتضمن مخالفة للآخرين ومثل هذا يقبل ولا يرد ، ولهذا رواه الشيخان ، وقد قال عليُّ ـ رضي الله عنه ـ : قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما ، وهذا مقتضى القياس ، فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سوى بين السراويل وبين الخف في لبس كل منهما عند عدم الإزار والنعل ولم يأمر بفتق السراويل لا في حديث ابن عمر ولا في حديث ابن عباس ولا غيرهما ولهذا كان مذهب الأكثرين أنه يلبس السراويل بلا فتق عند عدم الإزار فكذلك الخف يلبس ولا يقطع ولا فرق بينهما ، وأبو حنيفة طرد القياس وقال : يفتق السراويل حتى يصير كالإزار ، والجمهور قالوا : هذا خلاف النص لأن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال : " السراويل لمن لم يجد الإزار " وإذا فتق لم يبق سراويل ، ومن اشترط قطع الخف خالف القياس مع مخالفته النص المطلق بالجواز .
ولا يسلم من مخالفة النص والقياس إلا من جوز لبسهما بلا قطع أما القياس فظاهر وأما النص فما تقدم تقديره .
والعجب أن من يوجب القطع يوجب مالا فائدة فيه فإنهم لا يجوزون لبس المقطوع كالمداس والجمجم ونحوهما بل عندهم المقطوع كالصحيح في عدم جواز لبسه فأي معنى للقطع والمقطوع عندكم كالصحيح ؟ ! .
قال شيخنا : وأفتى به جدي أبو البركات في آخر عمره لما حج . وقال شيخنا : وهو الصحيح لأن المقطوع لبسه أصل لا بدل . 279
134. مدار مسألة قطع الخفين وفتق السراويل على ثلاث نكت :
? إحداها أن رخصة البدلية إنما شرعت بعرفات ولم تشرع قبل .(1/62)
? والثانية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
? والثالثة أن الخف المقطوع كالنعل أصل لا أنه بدل . 282
135. وأما نهيه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب وأن تلبس القفازين فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه فيحرم عليها فيه ما وضع وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع ولا يحرم عليها سترة بالمقنعة والجلباب ونحوهما وهذا أصح القولين فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سوى بين وجهها ويديها ومنعها من القفازين والنقاب ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصل على قدرهما وهما القفازان فهكذا الوجه إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه وليس عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام إلا النهي عن النقاب وهو كالنهي عن القفازين فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء وهذا واضح بحمد الله . 282
136. ثبت عن أسماء ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة (1) ، وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت الركبان يمرون بنا ونحن محرمات (2) مع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا .283
137. اشتراط المجافاة عن وجه المرأة كما ذكره القاضي وغيره ضعيف لا أصل له دليلاً ولا مذهباً . 283
138. فإن قيل فما تصنعون بالحديث المروي عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قال : " إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها " (3) .
__________
(1) ابن خزيمة (2690) وصححه
(2) أبو داود (1833) وابن ماجه (2935) وصححه الحاكم وابن خزيمة
(3) قال ابن حجر في التلخيص (3|911) الدارقطني والطبراني والعقيلي وابن عدي والبيهقي وفي إسناده أيوب بن محمد وهو ضعيف وصحح البيهقي وقفه(1/63)
فجعل وجه المرأة كرأس الرجل وهذا يدل على وجوب كشفه ؟ .
قيل هذا الحديث لا أصل له ولم يروه أحد من أصحاب الكتب المعتمد عليها ولا يعرف له إسناد ولا تقوم به حجة ولا يترك له الحديث الصحيح الدال على أن وجهها كبدنها وأنه يحرم عليها فيه ما أعد للعضو كالنقاب والبرقع ونحوه لا مطلق الستر كاليدين والله أعلم . 283
139. تحريم لبس القفازين على المرأة في الحج قول عبد الله بن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد وإبراهيم النخعي ومالك والإمام أحمد والشافعي في أحد قوليه وإسحق بن راهويه وتذكر الرخصة عن علي وعائشة وسعد بن أبي وقاص وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي في القول الآخر ونهى المرأة عن لبسهما ثابت في الصحيح كنهي الرجل عن لبس القميص والعمائم وكلاهما في حديث واحد عن راو واحد وكنهيه المرأة عن النقاب وهو في الحديث نفسه وسنة رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أولى بالاتباع وهي حجه على من خالفها وليس قول من خالفها حجة عليها فأما تعليل حديث ابن عمر في القفازين بأنه من قوله فإنه تعليل باطل وقد رواه أصحاب الصحيح والسنن والمسانيد عن ابن عمر عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث نهيه عن لبس القمص والعمائم والسراويلات وانتقاب المرأة ولبسها القفازين ولا ريب عند أحد من أئمة الحديث أن هذا كله حديث واحد من أصح الأحاديث عن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مرفوعا إليه ليس من كلام ابن عمر ، وموضع الشبهة في تعليله أن نافعا اختلف عليه فيه فرواه الليث بن سعد عنه عن ابن عمر عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فذكر فيه " ولا تلبس القفازين " (1) ولكن قد رفعه الليث بن سعد وموسى بن عقبة في الأكثر عنه وإبراهيم بن سعد أيضا رفعه عن نافع . 284
__________
(1) البخاري (1838)(1/64)
140. عن سعيد بن المسيب قال : ( وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم (1) ) . وقد روى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث (2) ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة قبل أن يخرج وهذا وإن كان ظاهره الإرسال فهو متصل لأن سليمان بن يسار رواه عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما وسليمان بن يسار مولى ميمونة وهذا صريح في تزوجها بالوكالة قبل الإحرام . 296
141. اختلف الناس قديما وحديثا في مسألة أكل المحرم من الصيد وأشكلت عليهم الأحاديث فيها فقالت طائفة : أن للمحرم أكل ما صاده الحلال من الصيد ، وقالت طائفة : لحم الصيد حرام على المحرم بكل حال ، وقالت طائفة : ما صاده الحلال للمحرم ومن أجله فلا يجوز له أكله فأما ما لم يصده من أجله بل صاده لنفسه أو لحلال لم يحرم على المحرم أكله وهذا قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم . قال ابن عبدالبر : وهو الصحيح عن عثمان في هذا الباب . وحجة من ذهب هذا المذهب أنه عليه تصح الأحاديث في هذا الباب وإذا حملت على ذلك لم تتضاد ولم تختلف ولم تتدافع وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها ببعض ما وجد إلى استعمالها سبيل . وآثار الصحابة كلها في هذا الباب إنما تدل على هذا التفصيل . 304
142. قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث الحجاج بن عمرو " من كسر ..وعليه الحج من قابل " (3) هذا إذا لم يكن حج الفرض فأما إن كان متطوعا فلا شيء عليه غير هدي الإحصار . 316
__________
(1) مسلم (1410)
(2) الموطا (771)
(3) الترمذي (940) وقال حسن صحيح وأبو داود (1862) والنسائي (2860) وابن ماجه (3077)(1/65)
143. اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم فيمن منع من الوصول إلى البيت بمرض أو كسر أو عرج هل حكمه حكم المحصر في جواز التحلل ؟ . فروي عن ابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم أنه لا يحلله إلا الطواف بالبيت وهو قوله مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في المشهور من مذهبه ، وروى عن ابن مسعود أنه كالمحصر بالعدو وهو قول أبو حنيفة وأصحابه . ومن حجة هؤلاء حديث الحجاج وأبي هريرة وابن عباس (1) قالوا : وهو حديث حسن يحتج بمثله ، قالوا : وأيضا ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أن الحصر يكون بالمرض فإن لفظ الإحصار إنما هو للمرض ؛ يقال أحصره المرض وحصر العدو فيكون لفظ الآية صريحا في المريض وحصر العدو ملحق به فكيف يثبت الحكم في الفرع دون قالوا : وعلى هذا خرج قول ابن عباس : (لا حصر إلا حصر العدو) (2) ، ولم يقل لا إحصار إلا إحصار العدو فليس بين رأيه وروايته تعارض ولو قدر تعارضهما فالأخذ بروايته دون رأيه لأن روايته حجة ورأيه ليس بحجة ، قالوا : وأما قولكم إنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله التي هو عليها ولا التخلص من أذاه بخلاف من حصره العدو فكلام لا معنى تحته فإنه قد يستفيد بحله أكثر مما يستفيد المحصر بالعدو فإنه إذا بقي ممنوعا من اللباس وتغطية الرأس والطيب مع مرضه تضرر بذلك أعظم الضرر في الحر والبرد ومعلوم أنه قد يستفيد بحله من الترفه ما يكون سبب زوال أذاه كما يستفيد المحصر بالعدو بحله فلا فرق بينهما فلو لم يأت نص بحل المحصر بمرض لكان القياس على المحصر بالعدو يقتضيه فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه والله أعلم . 316
144. يستفيد المشترط بالشرط فائدتين ؛ إحداهما : جواز الإحلال ، والثانية : سقوط الدم ، فإذا لم يكن شرط استفاد بالعذر الإحلال وحده وثبت وجوب الدم عليه فتأثير الاشتراط في سقوط الدم . 316
__________
(1) راجع السنن باب الإحصار .
(2) قال ابن حجر في التلخيص (3|934) الشافعي بإسناد صحيح(1/66)
145. أخرج النسائي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت على راحلته فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه (1) ، وفي الصحيح عن ابن عمر أنه سئل عن استلام الحجر فقال : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ) (2) وهذا يحتمل الجمع بينهما ويحتمل أنه رآه يفعل هذا تارة وهذا تارة ، وقد ثبت تقبيل اليد بعد استلامه ففي الصحيحين أيضا عن نافع قال رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال : (ما تركته منذ رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعله ) فهذه ثلاثة أنواع صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم تقبيله وهو أعلاها واستلامه وتقبيل يده والإشارة إليه بالمحجن وتقبيله ، فعن أبي الطفيل قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل المحجن) (3) . 330
146. أما الركن اليماني فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استلمه من رواية ابن عمر وابن عباس وحديث ابن عمر قال : (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين ) (4) وحديث ابن عباس في الترمذي وقد روى البخاري في تاريخه عن ابن عباس قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ) (5) وفي صحيح الحاكم عنه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه ) (6) وهذا المراد به الأسود فإنه يسمى يمانيا مع الركن الآخر يقال لهما اليمانيين بدليل حديث عمر في تقبيله الحجر الأسود خاصة وقوله : ( لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) (7)
__________
(1) النسائي (2955) والترمذي (865) وقال حسن صحيح
(2) البخاري(1611)
(3) مسلم (1275)
(4) البخاري(1608) (1609) ومسلم (1267)
(5) البيهقي (5|76) وضعفه
(6) الحاكم (1 |626) وابن خزيمة (4|217) وانظر مجمع الزوائد (3|241) وإسناده ضعيف
(7) البخاري (1610) ومسلم (1270)(1/67)
فلو قبل الآخر لقبله عمر ، وفي النفس من حديث ابن عباس هذا شيء وهل هو محفوظ أم لا ؟ . 330
147. روى ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من طاف بالبيت أسبوعا لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة ورفع له بها درجة " (1) وأخرج النسائي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من طاف بالبيت أسبوعا فهو كعدل رقبة " (2) وهذه الأحاديث عامة في كل الأوقات لم يأت ما يخصها ويخرجها عن عمومها وقد روى الترمذي في الجامع من حديث عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . الصفحة
148. اختلف العلماء في طواف القارن والمتمتع على ثلاثة مذاهب ؛ أحدها : أن على كل منهما طوافين وسعيين ، الثاني : أن عليهما كليهما طوافا واحدا وسعيا واحدا ، الثالث : أن على المتمتع طوافين وسعيين وعلى القارن سعي .347
__________
(1) الترمذي (959) وانظر صحيح الترغيب (1139) للألباني
(2) قال الهيثمي في المجمع (3|245) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وانظر صحيح الترغيب (1140)(1/68)
149. روى البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم ) (1) وفي البيهقي أيضا عن ابن عباس ( أنه كان يلزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول ما بين الركن والباب يدعي الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ) (2) ، وأما الحطيم فقيل فيه أقوال أحدها : أنه ما بين الركن والباب وهو الملتزم ، وقيل : هو جدار الحجر لأن البيت رُفِعَ وترك هذا الجدار محطوما ، والصحيح أن الحطيم الحجر نفسه وهو الذي ذكره البخاري في صحيحه واحتج عليه بحديث الإسراء ، قال : " بينا أنا نائم في الحطيم وربما قال في الحجر " (3) قال (4) : وهو حطيم بمعنى محطوم كقتيل بمعنى مقتول .الصفحة
150. ثبت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة واحدة (5) ، وفي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أنه صلى صلاتين كل واحدة وحدها بأذان وإقامة (6) ،
__________
(1) الدارقطني (2|289) والبيهقي (5|164) وإسناده ضعيف فيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف
(2) البيهقي (5|164) وأبو الزبير لم يصرح بالتحديث وهو مدلس
(3) البخاري (3887) ومسلم (164)
(4) من القائل ؟
(5) مسلم (1288) عن ابن عمر
(6) البخاري (1683) عن ابن مسعود(1/69)
وعن ابن عمر في ذلك ثلاث روايات إحداهن : أنه جمع بينهما بإقامتين فقط ، والثانية : أنه جمع بينهما بإقامة واحدة لهما ، والثالثة : أنه صلاهما بلا أذان ولا إقامة ذكر ذلك البغوي . والصحيح في ذلك كله الأخذ بحديث جابر وهو الجمع بينهما بأذان وإقامتين ؛ لوجيهن اثنين أحدهما : أن الأحاديث سواء مضطربة مختلفة فهذا حديث ابن عمر في غاية الاضطراب كما تقدم فروي عن ابن عمر من فعله الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة ؛ وروي عنه الجمع بينهما بإقامة واحدة ؛ وروي عنه الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة ؛ وروي عنه مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بينهما بإقامة واحدة وروي عنه مرفوعا الجمع بينهما بإقامتين وعنه أيضا مرفوعا الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة لهما وعنه مرفوعا الجمع بينهما دون ذكر أذان ولا إقامة وهذه الروايات صحيحة عنه فيسقط الأخذ بها لاختلافها واضطرابها . وأما حديث ابن عباس فغايته أن يكون شهادة على نفي الأذان والإقامة الثابتين ؛ ومن أثبتهما فمعه زيادة علم وقد شهد على أمر ثابت عاينه وسمعه ، وأما حديث أسامة فليس فيه الإتيان بعدد الإقامة لهما وسكت عن الأذان وليس سكوته عنه مقدما على حديث من أثبته سماعا صريحا بل لو نفاه جملة لقدم عليه حديث من أثبته لتضمنه زيادة على خفيت على النافي ، الوجه الثاني : أنه قد صح من حديث جابر في جمعه صلى الله عليه وسلم بعرفة أنه جمع بينهما بأذان وإقامتين ولم يأت في حديث ثابت قط خلافه والجمع بين الصلاتين بمزدلفة كالجمع بينهما بعرفة لا يفترقان إلا في التقديم والتأخير فلو فرضنا تدافع أحاديث الجمع بمزدلفة جملة لأخذنا حكم الجمع من جمع عرفة . 405(1/70)
151. كان الإمام أحمد يدفع حديث أم سلمة : ( أنه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أرسلها ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت ... ... ) (1) ويضعفه ، وزعم ابن المنذر أنه لا يعلم خلافا فيمن رماها قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أنه يجزئه ؛ قال ـ ابن المنذر ـ : ولو علمت أن في ذلك خلافا لأوجبت على فاعل ذلك الإعادة ، ولم يعلم قول الثوري يعني أنه لا يجوز رميها إلا بعد طلوع الشمس وهو قول مجاهد وإبراهيم النخعي ، فمقتضى مذهب ابن المنذر أنه يجب الإعادة على من رماها قبل طلوع الشمس وحديث ابن عباس (2) صريح في توقيتها بطلوع الشمس وفعله صلى الله عليه وسلم متفق عليه بين الأمة فهذا فعله وهذا قوله وحديث أم سلمة قد أنكره الإمام أحمد وضعفه وقال مالك لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لأحد في الرمي قبل طلوع الفجر . 417
152. حديث أسماء في الصحيحين عن عبد الله مولى أسماء ( أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت : يابني هل غاب القمر ، قلت : نعم ، قالت : فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها ، فقلت : لها ياهنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا ، قالت : يابني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن ) (3) وفي لفظ لمسلم لظعنه . ليس في هذا دليل على جواز رميها بعد نصف الليل فإن القمر يتأخر في الليلة العاشرة إلى قبيل الفجر وقد ذهبت أسماء بعد غيابه من مزدلفة إلى منى فلعلها وصلت مع الفجر أو بعده فهي واقعة عين ، ومع هذا فهي رخصة للظعن ، وإن دلت على تقدم الرمي فإنما تدل على الرمي بعد طلوع الفجر . 418
__________
(1) أبو داود (1942) وإسناده ضعيف ضعفه الألباني
(2) قال ابن عباس : " قدمنا رسول الله صلى الله عليه أغيلمة بني عبدالمطلب على جمرات فجعل "
(3) البخاري(1679) ومسلم (1291)(1/71)
153. القرآن قد صرح بأن الأذان يوم الحج الأكبر (1) ولا خلاف أن النداء بذلك إنما وقع يوم النحر بمنى فهذا دليل قاطع على أن يوم الحج الأكبر يوم النحر ، وذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ والشافعي إلى أنه يوم عرفة ، وقيل أيام الحج كلها ؛ فعبر عن الأيام باليوم كما قالوا يوم الجمل ويوم صفين قاله الثوري ، والصواب القول الأول . 420
154. أما ما روي عن عثمان أنه تأهل بمكة لذلك ترك القصر وأتم فيرده أن هذا غير معروف بل المعروف أنه لم يكن له بها أهل ولا مال ، وقد ذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط راحلته حتى يرجع ، ويرده أن عثمان من المهاجرين الأولين وليس لهم أن يقيموا بمكة بعد الهجرة ، وقال ابن عبد البر : وأصح ما قيل فيه أن عثمان أخذ بالإباحة في ذلك ، وقال : غيره اعتقد عثمان وعائشة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان رخصة أخذ بالأيسر رفقا بأمته فأخذا بالعزيمة وتركا الرخصة ، والله أعلم . 442
155. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في شوال قط فإنه لا ريب أنه اعتمر عمرة الحديبية وكانت في ذي القعدة ، ثم اعتمر من العام القادم عمرة القضية وكانت في ذي القعدة ، ثم غزا غزاة الفتح ودخل مكة غير محرم ، ثم خرج إلى هوازن وحرب ثقيف ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة وكانت في ذي القعدة ، ثم اعتمر مع حجته عمرة قرنها بها وكان ابتداؤها في ذي القعدة قال جابر : ( اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة إحداهن زمن الحديبية والأخرى في صلح قريش والأخرى في رجعته من الطائف ومن حنين من الجعرانة ) (2)
__________
(1) ذكر الآية
(2) البيهقي (5|11) وانظر المجمع (3|278) وله شواهد في الصحيح(1/72)
156. روى الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة ، وهذا لا يناقض ما قبله فإن جابرا أراد عمرته المفردة التي أنشأ لها سفرا لأجل العمرة . 468
157. لا يصح قول من قال أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خرج للعمرة في رمضان لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج في رمضان إلى مكة إلا في غزاة الفتح ولم يعتمر منها . 470
158. قال ابن عمر : (أفاض النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى يعني راجعاً ) ، وقال جابر في حديثه الطويل : (ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ) ، وقالت عائشة : (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث )
فاختلف الناس في ذلك فرجحت طائفة منهم ابن حزم وغيره حديث جابر وأنه صلى الظهر بمكة
قالوا : وقد وافقته عائشة واختصاصها به وقربها منه واختصاص جابر وحرصه على الاقتداء به أمر لا يرتاب فيه . وقالوا : ولأنه صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة وحلق رأسه وخطب الناس ونحر مائة بدنة هو وعلي وانتظر حتى سلخت وأخذ من كل بدنة بضعة فطبخت وأكلا من لحمها ، قال ابن حزم : وكانت حجته في آذار ولا يتسع النهار لفعل هذا جميعه مع الإفاضة إلى البيت والطواف وصلاة الركعتين ثم يرجع إلى منى ووقت الظهر باق .(1/73)
وقالت طائفة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره : الذي يرجح أنه إنما صلى الظهر بمنى لوجوه ؛ أحدها : أنه لو صلى الظهر بمكة لأناب عنه في إمامة الناس بمنى إماما يصلي بهم الظهر ولم ينقل ذلك أحد ومحال أن يصلي بالمسلمين الظهر بمنى نائب له ولا ينقله أحد ؛ فقد نقل الناس نيابة عبدالرحمن بن عوف لما صلى بهم الفجر في السفر ؛ ونيابة الصديق لما خرج صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو بن عوف ونيابته في مرضه ، ولا يحتاج إلى ذكر من صلى بهم بمكة لأن إمامهم الراتب الذي كان مستمرا على الصلاة قبل ذلك وبعده هو الذي كان يصلي بهم . الثاني : أنه لو صلى بهم بمكة لكان أهل مكة مقيمين فكان يتعين عليهم الإتمام ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر كما قاله في غزاة الفتح . الثالث : أنه يمكن اشتباه الظهر المقصورة بركعتي الطواف ولا سيما والناس يصلونهما معه ويقتدون به فيهما فظنهما الرائي الظهر ؛ وأما صلاته بمنى والناس خلفه فهذه لا يمكن اشتباهها بغيرها أصلا لا سيما وهو صلى الله عليه وسلم كان إمام الحج الذي لا يصلي لهم سواه فكيف يدعهم بلا إمام يصلون أفرادا ولا يقيم لهم من يصلي بهم هذا في غاية البعد .(1/74)
وأما حديث عائشة فقد فهم منه جماعة منهم المحب الطبري وغيره أنه صلى الظهر بمنى ثم أفاض إلى البيت بعد ما صلى الظهر لأنها قالت أفاض من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى ، قالوا : ولعله صلى الظهر بأصحابه ثم جاء إلى مكة فصلى الظهر بمن لم يصل كما قال جابر ثم رجع إلى منى فرأى قوما لم يصلوا فصلى بهم ثالثة كما قال ابن عمر وهذه حرفشة في العلم وطريقة يسلكها القاصرون فيه وأما فحول أهل العلم فيقطعون ببطلان ذلك ويحيلون الاختلاف على الوهم والنسيان الذي هو عرض البشر ومن له إلمام بالسنة ومعرفة بحجته صلى الله عليه وسلم يقطع بأنه لم يصل الظهر في ذلك اليوم ثلاث مرات بثلاث جماعات بل ولا مرتين ، وإنما صلاها على عادته المستمرة قبل ذلك اليوم وبعده صلى الله عليه وسلم ، وفهم منه آخرون منهم ابن حزم وغيره أنه أفاض حين صلاها بمكة ، وفي نسخة من نسخ السنن أفاض حتى صلى الظهر ثم رجع وهذه الرواية ظاهرة في أنه صلاها بمكة كما قال جابر ورواية حين محتملة للأمرين والله أعلم . 478(1/75)
159. حديث أم سلمة أن وهب بن زمعة ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين فقال لهم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ "هل أفضت أبا عبدالله " يرويه ابن إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة يحدثانه عن أم سلمة وقال أبو عبيدة وحدثتني أم قيس بنت محصن وكانت جارة لهم قالت : ( خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصا عشية يوم النحر ثم رجعوا إلي عشاء وقمصهم على أيديهم يحملونها فقلت أي عكاشة مالكم خرجتم متقمصين ثم رجعتم وقمصكم على أيديكم تحملونها فقال أخبرتنا أم قيس كان هذا يوما رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا إذا نحن رمينا الجمرة حللنا من كل ما أحرمنا منه إلا ما كان من النساء حتى نطوف بالبيت فإذا أمسينا ولم نطف جعلنا قمصنا على أيدينا ) (1) وهذا يدل على أن الحديث محفوظ فإن أبا عبيدة رواه عن أبيه وعن أمه وعن أم قيس ، وقد استشكله الناس ؛ قال : البيهقي وهذا حكم لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول به . 481
__________
(1) أبو داود (1999) وظاهره الصحة وصححه الألباني ، ومتنه منكر نكارة شديدة .(1/76)
160. وقد روى أبو داود عن عقبة عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل (1) ، وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه . وقال الترمذي : حديث حسن وأخرجه البخاري تعليقا ، وكأن رواية أبي داود له عقب حديث أم سلمة استدلال منه على أنه أولى من حديث أم سلمة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل قبل طوافه بالبيت ثم أخره إلى الليل لكن هذا الحديث وهم ، فإن المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم أنه إنما طاف طواف الإفاضة نهارا بعد الزوال كما قاله جابر وعبد الله بن عمر وعائشة وهذا أمر لا يرتاب فيه أهل العلم والحديث وقد تقدم قول عائشة أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الظهر من رواية أبي سلمة والقاسم عنها قال البيهقي وحديث أبي سلمة عن عائشة أصح ، وقال البخاري : في سماع أبي الزبير من عائشة نظر وقد سمع من ابن عباس . ويمكن أن يحمل قولها أخر طواف يوم النحر إلى الليل على أنه أذن في ذلك فنسب إليه وله نظائر . 482
161. في حديث اكتبوا لأبي شاه (2) فوائد منها : أن مكة فتحت عنوة ، وفيه تحريم قطع شجر الحرم ، وتحريم التعرض لصيده بالتنفير فما فوقه ، وفيه أن لقطتها لا يجوز أخذها إلا لتعريفها أبدا والحفظ على صاحبها ، وفيه جواز قطع الإذخر خاصة رطبه ويابسه ، وفيه أن اللاجىء إلى الحرم لا يتعرض له ما دام فيه ؛ ويؤيده قوله في الصحيحين في هذا الحديث فلا يحل لأحد أن يسفك بها دما وفيه ، جواز تأخير الاستثناء عن المستثنى منه وأنه لا يشترط اتصاله به ولا نيته من أول الكلام ، وفيه الإذن في كتابة السنن وأن النهي عن ذلك المنسوخ ، والله أعلم . 500
__________
(1) أبو داود (2000) وإسناده ضعفه الألباني
(2) البخاري(6880)(1/77)
162. يذكر الحديث ألا نبني لك بيتا يظلك من الشمس قال ابن القطان : وعندي أنه ضعيف لأنه من رواية يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة ، وهي مجهولة لا نعرف روى عنها غير ابنها . والصواب تحسين الحديث فإن يوسف بن ماهك من التابعين ، وقد سمع أم هانئ وابن عمر وابن عباس وعبدالله بن عمرو وقد روى عن أمه ولم يعلم فيها جرح ، ومثل هذا الحديث حسن عند أهل العلم بالحديث ، وأمه تابعية قد سمعت عائشة . 502
الجزء السادس :
163. وقد أبعد بعض المتكلفين وقال يحتمل أن يكون المراد بقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " (1) الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعبد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين قال ويؤيد هذا التأويل ما جاء في الحديث نفسه لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلى فيها قال بعضهم وزيارة قبره صلوات الله وسلامه عليه غنية عن هذا التكلف البارد والتأويل الفاسد الذي يعلم فساده من تأمل سياق الحديث ودلالة اللفظ على معناه وقوله في آخره وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم وهل في الألغاز أبعد من دلالة من يريد الترغيب في الإكثار من الشيء وملازمته بقوله لا تجعله عيدا وقوله ولا تتخذوا بيوتكم قبورا نهى لهم أن يجعلوه بمنزلة القبور التي لا يصلى فيها وكذلك نهيه لهم أن يتخذوا قبره عيدا نهي لهم أن يجعلوه مجمعا كالأعياد التي يقصد الناس الاجتماع إليها للصلاة بل يزار قبره صلوات الله وسلامه عليه كما كان يزوره الصحابة رضوان الله عليهم على الوجه الذي يرضيه ويحبه صلوات الله وسلامه عليه . 31
تم المقصود من حاشية ابن القيم على سنن أبي داود .
__________
(1) أبو داود (2042) واصل الحديث في الصحيحين(1/78)